النحو الوافي
عباس حسن
المجلد الأول
المجلد الأول مقدمة النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع "مقدمة الكتاب" مقدمة الكتاب، ودُستور تأليفه. بيان هامّ. 1- الحمد لله على ما أنعم، والشكر على ما أوْلَى، والصلاة على أنبيائه ورسله؛ دعاة الهدى، ومصابيح الرشاد. وبعد. فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو- كما وصفته من قبل1 - دعامة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه فى جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد علماً منها يستقل بنفسه عن النحو، أويستغنى عن معونته، أويسير بغير نوره وهداه. وهذه العلوم النقلية - على عظيم شأنها - لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، والنفاذ إلى أسرارها، بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول عليه السلام، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة قد ترْقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة، وتسموبه إلى منازل المجتهدين - إلا بإلهام النحووإرشاده؟ ولأمرٍ ما قالوا: "إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لوجمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به2 ... ". وهذه اللغة التى نتخذها - معاشر المستعربين - أداة طَيِّعة للتفاهم، ونسخرها مركبًا ذلولا للإبانة عن أغراضنا، والكشف عما فى نفوسنا، ما الذى هيأها لنا، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها، ومَكَّن لنا من نظمها
ونثرها تمكنهم منها، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أطلق لسانهم، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا؟ إنه: "النحو"؛ وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوى، وعماد البلاغىّ، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية جميعًا. فليس عجيباً أن يصفه الأعلام السابقون بأنه: "ميزان العربية، والقانون الذى تُحكَم به فى كل صورة من صورها"1 وأن يفرغ له العباقرة من أسلافنا؛ يجمعون أصوله، ويثبتون قواعده، ويرفعون بنيانه شامخًا، ركينًا، فى إخلاص نادر، وصبر لا ينفد. ولقد كان الزمان يجري عليهم بما يجري على غيرهم؛ من مرض، وضعف، وفقر؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، كما كان يقدر على سواهم، ولا ينجح فى إغرائهم بمباهج الحياة كما كان ينجح فى إغراء ضعاف العزائم، ومرضى النفوس، من طلاب المغانم، ورواد المطامع. ولقد يترقبهم أولياؤهم وأهلوهم الساعات الطوال، بل قد يترصدهم الموت؛ فلا يقع عليهم إلا فى حلقة درس، أوقاعة بحث، أوجِلسة تأليف، أوميدان مناظرة، أورحلة مُخْطرة فى طلب النحو. وهوحين يظفر بهم لا ينتزع علمهم معهم؛ ولا يذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم؛ إذ كانوا يُعِدون لهذا اليوم عُدته من قبل؛ فيدونون بحوثهم، ويسجلون قواعدهم، ويختارون خلفاء من تلاميذهم؛ يهيئونهم لهذا الأمر العظيم. ويشرفون على تنشئتهم، وتعهد مواهبهم؛ إشراف الأستاذ البارع القدير على التلميذ الوفىّ الأمين. حتى إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنيا بنفس مطمئنة، واثقة أن ميدان الإنشاء والتعمير النحوى لم يخل من فرسانه، وأنهم خلَّفوا وراءهم خلفًا صالحًا يسير على الدرب، ويحتذى المثال. وربما كان أسعد حظًّا وأوفر نجحًا من سابقيه، وأسرع إدراكًا لما لم يدركه الأوائل. على هذا المنهج الرفيع تعاقبت طوائف النحاة، وتوالت زمرهم فى ميدانه، وتلقى الراية نابغ عن نابغ، وألمعىّ فى إثر ألمعىّ، وتسابقوا مخلصين دائبين. فرادى وزَرافات، فى إقامة صرحه، وتشييد أركانه، فأقاموه سامق البناء، وطيد
الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها: "عصور النهضة"، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم1 ... هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أوالمغرورين. 2- وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز "النحو والصرف" بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ. بيد أن "النحو"- كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أوسريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أوتكاد. وقد خضع النحوالعربى لهذا الناموس الطبيعى2؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب -بالرغم من شوائب
خالطته- وبلغ الفتَاء آخر ذلك القرن، وسنوات من الثالث، فلمع من أئمته نجوم زاهرة؛ كعبد الله بن أبى إسحاق، والخليل، وأبى زيد، وسيبويه، والكسائى، والفراء، ونظرائهم من الأعلام، ثم توالت أخلافهم، على تفاوت فى المنهج، وتخالف فى المادة، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم، ويتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألَحَّ الوهن والضعف، على "النحو"، وتمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورًا، وأثقلت من حمله ما كان خِفًّا، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته، وخلفتْه وراءها مبهورًا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فيه، وتزيدهم نفارًا منه، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أوما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع. والحق أن "النحو" منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى. فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه، ما لا غاية بعده لمستزيد. ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا -طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هوميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أواختصر قاعدته، أوأوضح طريقة تدريسه، أوأراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أوجمع بين مزيتين أوأكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا -على الرغم من ذلك- لم نرَ من تصدى للشوائب كلها أوأكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛
فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدري مبلغ توفيقي. ولكن الذى أدريه أني لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا. إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق "النحو" علينا -ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه- أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله -وأكثر منه- قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان: "رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة "رسالة الإسلام"، خلال سنتى 1957، 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب ستنشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه -فى رسالة عنوانها: "مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحووالصرف والعروض بكلية "دار العلوم"، بجامعة "القاهرة"، سنوات طوالًا. 3- وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتي: 1- تجميع مادة "النحو" كله فى كتاب واحد ذي أجزاء أربعة كبار، تحوي صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغني عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات "النحوية والصرفية"، بالجامعات -دون غيرهم- غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية
الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ "أول المسائل"، وصدرها. ويليه الآخر1 -بعد نهاية كل مسألة- بعنوان مستقل هو: "زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة" -وبجانبها رقم خاص بها- بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعيّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمّي، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّي الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أولًا يبلغون. 2- العناية أكمل العناية بلغة الكتاب وضوحًا، وإشراقًا، وإحكامًا، واسترسالًا؛ فلا تعقيد، ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقف لمناقشة لفظ، أو إرسال اعتراض، أوالإجابة عنه؛ ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم. إلا حين تسايرنا فى البيان الأوفى، والجلاء الأكمل. أما الاصطلاحات العلمية المأثورة فلم أفكر فى تغييرها، إيمانًا واقتناعًا بما سجله العلماء قديمًا وحديثًا من ضرر هذا التغيير الفرديّ، ووفاء بما اشترطوه فى تغيير "المصطلحات"، أن يكون بإجماع المختصين، المشتغلين بالعلم الذى يحويها. 3- اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة فى أداء مهمتها؛ من توضيح القاعدة، وكشف غامضها فى سهولة ويسر، واقتراب، لهذا تركت كثيرًا من الشواهد القديمة، المترددة بين أغلب المراجع النحوية؛ لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة، وبالمعانى البعيدة التى تتطلب اليوم من المتعلم عناء وجهدًا لا يطيقهما، ولا يتسع وقته لشيء منهما. فإن خلَت من هذا العيب، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها.
والحق أن كثيرًا من تلك الشواهد يحتل المكانة العليا من سمو التعبير، وجمال الأداء، وروعة الأسلوب، وفتنة المعنى. لكنها اختيرت فى عصور تباين عصرنا، ولدواعٍ تخالف ما نحن فيه؛ فقد كانت وسائل العيش حينذاك ميسرة، والمطالب قليلة، والقصد استنباط قاعدة، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظًا القرآن، مستظهرًا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية، متفرغًا للعلوم العربية والشرعية أوكالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال، ووسائل العيش صعبة، والمطالب كثيرة؛ فطالب العلم يمر بهذه العلوم مرًّا سريعًا عابرًا قبل الدراسة الجامعية، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة1، انقطعت صلته بتلك العلوم، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببًا، إلا إن كان متفرغًا للدراسات اللغوية؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة، لا تمكنه من فهم دقائقها، ولا ترغبه فى مزيد، وغايته المستقبلة لا ترتبط -فى الغالب- ارتباطًا وثيقًا بالضلاعة فى هذه العلوم، والتمكن منها؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة، ونقيمها حِجَازًا يصعب التغلب عليه، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات. نعم إنها نماذج من الأدب الرائع؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة، أو نُغْفِل القصد أمام المظهر، وإلا فقدنا الاثنين معًا، وفى دروس النصوص الأدبية، وفى القراءة الحرة، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو، متسع للأدباء والمتأدبين؛ يشبع رغبتهم، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة "النحو والصرف" دراسة نافعة، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها، ولا تنتهب جهدًا وقفته الحياة المعاصرة على سواها. وإن بعض معلمي اليوم ممنَّ يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين -لَيُسْرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالًا لما يسميه: "التطبيق النحوي"، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكْدي2، ولا وكْد من احتشد للمهمة الكبرى، مهمة: "النحو الأصيل" التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادًا وافيًا شاملًا، وعرضها عرضًا حديثًا شائقًا، وكتابتها كتابة مشرقة بهية، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى،
كل هذا بل بعض هذا - لا يساير ذلك "التطبيق التعليمي"؛ فإنه مدرسيّ موضعي متغير لا يتسم بسمة العموم، أوما يشبه العموم، ولا يثبت على حال. على أن هذا الفريق الذى اختار تلك الشواهد ميدانًا لتطبيقه قد فاته ما أشرنا إليه من حاجتها إلى طويل الوقت، وكبير الجهد فى تيسير صعوباتها اللغوية التى أوضحناها. وطلاب اليوم -خاصة- أشد احتياجًا لذلك الوقت والجهد، كي يبذلوهما فى تحصيل ما يتطلبه مستقبلهم الغامض. كما فاته أن خير التطبيق لكبار الطلاب ما ليس محدد المجال، مصنوع الغرض، متكلف الأداء، كالشواهد التى نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبي كامل، أو صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب، أومقال أدبى -لهي أجدى فى التطبيق، وأوسع إفادة فى النواحي اللغوية المتعددة، وأعمق أثرًا فى علومها وآدابها -من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة. فليتنا نلتفت لهذا، وندرك قيمته العملية، فنحرص على مراعاته، ونستمسك باتباعه مع كبار المتعلمين، ولعل هؤلاء الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون. على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها -فى كثير من اتجاهاتها- قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلًا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها. وعلى الرغم من هذا قد نسجل -أحيانًا مع الحيطة والحذر- بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها -ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها. 4- الفرار من العلل الزائفة1، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل2: أن يقال:
"المطابقة للكلام العربى الناصع"، ومن الآراء أن يقال: "مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها". والقرآنُ الكريم -بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات- فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولًا ولا تمحلًا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأي دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أوغير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبًا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصريّ أولكوفيّ، أو بغدادي، أوأندلسي ... أو غير هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أوالبلبلة فى الأداء والاستنباط. ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو في تشريع لغويّ مأمون، أو تبصير المتخصصين -وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها -فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق- ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه -فى المقدمة التى أشرنا إليها1. 5- تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفي ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.
6- عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة -أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير ... فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل ... وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعي حقب انقضت، ولم يبقَ من تلك الحاجات والدواعي ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده. على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى -والحق يقال- على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزًا نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أي عسير على جمهرة الراغبين -كما أسلفنا. 7- تسجيل أبيات: "ابن مالك" كما تضمنتها "ألفيته"، المشهورة، وتدوين كل بيت فى أنسب مكان من الهامش، بعد القاعدة وشرحها، مع الدقة التامة فى نقله، وإيضاح المراد منه؛ فى إيجاز مناسب، وحرص على ترتيب الأبيات، إلا إن خالفت فى ترتيبها تسلسل المسائل وتماسكها المنطقي النحوي الذي ارتضيناه. فعندئذ نوفق بين الأمرين؛ ترتيب الناظم: وما يقتضيه التسلسل المنطقي التعليمي؛ فننقل البيت من مكانه فى "الألفية"، ونضعه فى المكان الذى نراه مناسبًا، ونضع على يساره الرقم الدال على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها الناظم، ولا نكتفى بهذا؛ فحين نصل إلى شرح المسألة المتصلة بالبيت الذى قبله، ونفرغ منها ومن ذكر البيت الخاص بها؛ تأييدًا لها - نعود فنذكر البيت الذى نقلناه من مكانه، ونضعه فى مكانه الأصلي الذى ارتضاه الناظم، ونشير إلى أن هذا البيت قد سبق ذكره وشرحه فى مكانه الأنسب من صفحة كذا ... وقد دعانا إلى الحرص على ترتيب "ألفية ابن مالك"، تسجيل أبوابها وأبياتها مرتبة كاملة -في الهامش- ما نعلمه في مصر وغير مصر من تمسك بعض
المعاهد والكليات الجامعية بها، وإقبال طوائف من الطلاب على تفهمها، والتشدد فى دراستها واستظهارهم كثيرًا منها للانتفاع بها حين يريدون. وقد تخيرنا لها مكانًا فى ذيل الصفحات، يقربها من راغبيها، ويبعدها من الزاهدين فيها. وإنما آثرنا في ترتيب الأبواب النحوية الترتيب الذي ارتضاه، "ابن مالك" لأنه الذي ارتضاه كثيرون ممن جاءوا بعده؛ ولأنه الترتيب الشائع اليوم، وهو فوق شيوعه -أكثر ملاءمة في طريقته، وأوفر إفادة في التحصيل والتعليم ويشيع بعده الترتيب القائم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة، يليها الخاصة بالأفعال، ثم الحروف.... كما فعل الزمخشري في مفصله. وتبعه عليه شراحه. وهذه طريقة حميدة أيضًا. ولكنها تفيد المتخصصين دون سواهم من الراغبين في المعرفة العامة أولًا فأولًا، فالمبتدأ يلازم الخبر أو ما يقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنين ... فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو الفعل، أو الفاعل كذلك؟ وهناك أنواع أخرى من الترتيب لكل منها مزاياه التي نراها لا تعدل مزية الترتيب الذي اخترناه، ولا تناسب عصرنا القائم. 8- الإشارة إلى صفحة سابقة أو لاحقة، وتدوين رقمها إذا اشتملت على ما له صلة وثيقة بالمسألة المعروضة؛ كي يتيسر لمن شاء أن يجمع شتاتها فى سهولة ويسر، ويضم -بغير عناء- فروعها وما تفرق منها فى مناسبات وموضوعات مختلفة. ولا نكتفي بذكر الرقم الخاص بالصفحة، وإنما نذكره ونذكر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائي الأول من حروفها، وهو: "م" اختصارًا.، ويليه رقمها، كما نرمز للصفحة بالحرف: "ص" وبعده رقمها. وللجزء بالحرف "جـ". والسبب فى الجمع بينهما أن رقم الصفحة عرضة للتغيير بتغير طبعات الكتاب أما رقم المسألة فثابت لا يتغير وإن تعددت الطبعات، فالإحالة عليه إحالة على شيء موجود دائمًا؛ فيتحقق الغرض من الرجوع إليه. والله أرجومخلصًا أن يجعل الكتاب نافعًا لغة القرآن، عونًا لطلابها، محققًا الغاية النبيلة التى دعت لتأليفه، والقصد الكريم من إعداده. المؤلف
الكلام وما يتألف منه
المسألة الأولى: الكلام وما يتألف منه الكلمة، الكلام "أو: الجملة"، الكَلِم، القول: ما المراد من هذه الألفاظ الاصطلاحية فى عُرف النحويين؟ الكلمة: حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفًا، "وهى: أ1، ب، ت، ث، ج ... " وكل واحد منها رمز مجرد؛ لا يدل إلا على نفسه، ما دام مستقلًا لا يتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أكثر، نشأ من هذا الاتصال ما يسمى: "الكلمة". فاتصال الفاء بالميم -مثلًا- يوجِد كلمة: "فَم"، واتصال العين بالياء فالنون، يوجد كلمة: "عين"، واتصال الميم بالنون فالزاي فاللام، يحدِث كلمة: "منزل" ... وهكذا تنشأ الكلمات الثنائية، والثلاثية، والرباعية -وغيرها"2- من انضمام بعض حروف الهجاء إلى بعض"3. وكل كلمة من هذه الكلمات التى نشأت بالطريقة السالفة تدل على معنى؛
لكنه معنى جزئي؛ "أيْ: مفرد"؛ فكلمة: "فم" حين نسمعها، لا نفهم منها أكثر من أنها اسم شيء معين. أما حصول أمر من هذا الشيء، أو عدم حصوله ... ، أما تكوينه، أو وصفه، ببناء أو إعراب1..... أو دلالته على زمان أو مكان، أو معنى آخر -فلا نفهمه من كلمة: "فم" وحدها. وكذلك الشأن فى كلمة: "عين"، و"منزل" وغيرهما من باقي الكلمات المفردة. ولكن الأمر يتغير حين نقول: "الفم مفيد" -"العين نافعة"- "المنزل واسع النواحي"، فإن المعنى هنا يصير غير جزئي؛ "أي: غير مفرد"؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير، بسبب تعدد الكلمات، وما يتبعه من تعدد المعاني الجزئية، وتماسكها، واتصال بعضها ببعض اتصالًا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد؛ هو: اجتماع المعاني الجزئية بعضها إلى بعض، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة التي لكل لفظ منها معنى جزئي. ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التي: "يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها، ويستطيع السامع أن يكتفي بها". وهذه الفائدة -وأشباهها- وإن شئت فقل: هذا "المعنى المركب"، هو الذى يهتم به النحاة، ويسمونه بأسماء مختلفة، المراد منها واحد؛ فهو: "المعنى المركب، أو: "المعنى التام"، أو: "المعنى المفيد" أو: "المعنى الذى يحسن السكوت عليه" ... يريدون: أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيَستحسن الصمت، أو: أن السامع يكتفي به؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئي، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه؛ لعلمه أنه لا يعطي السامع الفائدة التي ينتظرها من الكلام. أو: لا يكتفي السامع بما فهمه من المعنى الجزئي، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل: باب، أو: ريَحان، أو: سماء، أو: سواها ... لا يقنع بها.
لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة، برغم أن لها معنى جزئيًّا لا تسمى "كلمةً" بدونه؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد. مما تقدم نعلم أن الكلمة هى: "اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية، وتدل على معنى جزئي؛ أيْ: "مفرد"1. فإن لم تدل على معنى عربي وُضِعت لأدائه فليست كلمة، وإنما هي مجرد صوت. الكلام "أو: الجملة": هو: "ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل". مثل: أقبل ضيف. فاز طالب نبيه. لن يهمل عاقل واجبًا ... 2 فلا بد فى الكلام من أمرين معًا؛ هما: "التركيب"، و"الإفادة المستقلة" فلو قلنا: "أقبلَ" فقط، أو: "فاز" فقط، لم يكن هذا كلامًا؛ لأنه غير مركب. ولو قلنا: أقبلَ صباحًا ... أو: فاز فى يوم الخميس ... أو: لن
يهمل واجبه ... ، لم يكن هذا كلامًا أيضًا؛ لأنه -على رغم تركيبه- غير مفيدة فائدة يكتفى بها المتكلم أو السامع ... وليس من اللازم فى التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين فى النطق؛ بل يكفى أن تكون إحداهما ظاهرة، والأخرى مستترة؛ كأن تقول للضيف: تفضلْ. فهذا كلام مركب من كلمتين؛ إحداهما ظاهرة، وهى: تفضلْ1، والأخرى مستترة، وهى: أنت2. ومثل: "تفضل": "أسافرُ" ... أو: "نشكر" أو: "تخرجُ" ... وكثير غيرها مما يعد فى الواقع كلامًا، وإن كان ظاهره أنه مفرد. هذا، ويقول النحاة: إن الجملة ثلاثة أنواع: "أ" الجملة الأصلية. وهي التي تقتصر على ركني الإسناد "أي: على المبتدأ مع خبره، أو ما يقوم مقام الخبر أو تقتصر على الفعل مع فاعله، أو ما ينوب عن الفعل" "ب" الجملة الكبرى، وهي ما تتركب من مبتدأ خبره جملة اسمية أو فعلية، نحو: الزهور رائحته طيبة، أو: الزهر طبت رائحته. "حـ" الجملة الصغرى: وهي: الجملة الاسمية أو الفعلية إذا وقعت إحداهما خبرًا لمبتدأ. الكَلِم: هو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر؛ سواء أكان لها معنى مفيد، أم لم يكن لها معنى مفيد. فالكلم المفيد مثل: النيل ثروة مصر -القطن محصول أساسي فى بلادنا. وغير المفيد مثل: إن تكثر الصناعات ... القول: هو كل لفظ نطق به الإنسان؛ سواء أكان لفظًا مفردًا أم مركبًا، وسواء أكان تركيبه مفيدًا أم غير مفيد. فهو ينطبق على: "الكلمة" كما ينطبق على: "الكلام" وعلى: "الكلم". فكل نوع من هذه الثلاثة يدخل فى نطاق: "القول" ويصح أن يسمى: "قولًا" على الصحيح، وقد سبقت الأمثلة. كما ينطبق أيضًا على كل تركيب آخر يشتمل على كلمتين لا تتم بهما الفائدة؛ مثل:
إن مصر ... ، أو: قد حضر ... أو: هل أنت. أو: كتاب عليّ1 ... فكل تركيب من هذه التراكيب لا يصح أن يسمى: "كلمة"؛ لأنه ليس لفظًا مفردًا، ولا يصح أن يسمى: "كلامًا"؛ لأنه ليس مفيدًا. ولا: "كلمًا"؛ لأنه ليس مؤلفًا من ثلاث كلمات؛ وإنما يسمى: "قوْلاً". "ملاحظة": ويقول أهل اللغة: إن "الكلمة" واحد: "الكلم". ولكنها قد تستعمل أحيانًا2 بمعنى: "الكلام"؛ فتقول: حضرتُ حفل تكريم الأوائل؛ فسمعت "كلمة" رائعة لرئيس الحفل، و"كلمة" أخرى لأحد الحاضرين، و"كلمة" ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلِين. ومثل: اسمعْ مني "كلمة" غالية؛ وهى: أحْسِنْ إلى الناس تَستعبدْ قلوبهمُ ... فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ فالمراد بالكلمة فى كل ما سبق هو: "الكلام"، وهو استعمال فصيح، يشيع على ألسنة الأدباء وغيرهم. وللكلمة ثلاثة أقسام، اسم. وفعل، وحرف3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: تعود النحاة -بعد الكلام على الأنواع الأربعة السابقة- أن يوازنوا بينها موازنة أساسها: "علم المنطق" ويطيلوا فيها الجدل المرهق، مع أن الموضوع فى غنى عن الموازنة؛ لبعد صلتها "بالنحو". وبالرغم من هذا سنلخص كلامهم ... "وقد يكون الخير فى الاستغناء عنه". "أ" يقولون: إن موازنة الأنواع السابقة بعضها ببعض؛ لمعرفة أوسعها شمولًا، وأكثرها أفرادًا، تدل على أن: "القول" هو الأوسع والأكثر؛ لأنه ينطبق عليها جميعًا، وعلى كل فرد من أفرادها. أما غيره فلا ينطبق إلا على أفراده الخاصة به، دون أفراد نوع آخر؛ فكل ما يصدق عليه أنه: "كلمة" أو: "كلام" أو: "كلم" -يصْدُق عليه أنه: "قول"، ويُعَدّ من أفراد: "القول"، ولا عكس. هذا إلى أن القول يشمل نوعًا آخر غير تلك الأنواع، وينطبق وحده على أفراد ذلك النوع؛ وهو: كل تركيب اشتمل على كلمتين من غير إفادة تامة منهما؛ مثل: "إنْ حضر" ... "ليس حامد"، "ليت مصر" ... ، "سيارةُ رجل" ... فمثل هذا لا يصح أن يسمى: "كلمة، ولا "كلامًا"، ولا "كَلما" ومن هنا يقول النحاة: إن القول أعم من كل نوع من الأنواع الثلاثة عمومًا مطلقًا، وأن كل نوع أخص منه خصوصًا مطلقاً ... يريدون بالعموم: أن "القول" يشمل من الأنواع أكثر من غيره. ويريدون "بالإطلاق": أن ذلك الشمول عام فى كل الأحوال، بغير تقييد بحالة معينة؛ فكلما وُجد نوع وجد أن "القول"؛ يشمله وينطبق على كل فرد من أفراده -دائمًا- وأما أن كل نوع أخص -وأن ذلك الخصوص مطلق- فلأن كل نوع من الثلاثة لا يشمل عددًا من الأفراد المختلفة بقدر ما يشمله "القول" ولا ما يزيد عليه. وأن هذا شأنه فى كل الأحوال بغير تقييد، كما يتضح مما يأتي: كتب: كلمة، ويصح أن تسمى: "قولًا" وكذلك كل كلمة أخرى. كتب عليّ: كلام، ويصح أن يسمى: "قولًا. " وكذلك كل جملة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفيدة مستقلة بمعناها، مكونة من كلمتين. -أوأكثر كما سيجيء، قد كتب صباحًا: كلم، ويصح أن يسمى: "قولا. " وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر، من غير أن يفيد. كتب عليّ صباحًا: كَلِم أيضًا. ويصح أن يسمى: "كلامًا، أو: قولًا". وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر مع الإفادة المستقلة. كتاب علي: يسمى: "قولا" فقط ... وكذلك كل تركيب يشتمل على كلمتين فقط من غير إفادة. فالقول منطبق على كل نوع، وصادق على كل فرد من أفراد ذلك النوع ومن غيره. وقد يوضح هذا كلمة أخرى مثل:؛ "معدن"؛ فإن " المعدن" أنواع كثيرة؛ منها الذهب، والفضة والنحاس ... فكلمة؛ "معدن" أعم من كل كلمة من تلك الكلمات عمومًا مطلقًا، وكل نوع أخص منه خصوصًا مطلقًا؛ لأن كلمة "معدن" بالنسبة للذهب -مثلًا- تشمله، وتشمل نوعًا أوأكثر غيره -كالفضة-. أما الذهب فمقصور على نوعه الخاص، فالمعدن عام؛ لأنه يشمل نوعين أو أكثر. والذهب خاص؛ لأنه لا يشمل إلا نوعًا واحدًا. و"المعدن" عام عمومًا مطلقًا؛ لأنه ينطبق دائمًا على كل فرد من أفراد نوعيه أو أنواعه وذلك فى كل حالات. "ب" ثم تأتى الموازنة بين "الكلم" و"الكلام" فتدل على أمرين: أحدهما: أن "الكلم" و"الكلام" يشتركان معًا فى بعض الأنواع التى يصدق على كل منها أنه: "كلم" وأنه: "كلام"؛ فيصح أن نسميه بهذا أو ذاك؛ كالعبارات التى تتكون من ثلاث كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا". وكالعبارات التى تتكون من أربع كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا" وهكذا كل جملة اشتملت على أكثر من ذلك مع الإفادة المستقلة. ثانيهما: أن كلا منهما قد يشتمل على أنواع لا يشتمل عليها الآخر،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيصير أعم من نظيره أنواعًا، وأوسع أفرادًا؛ مثال ذلك: أن "الكلم" وحده يصدق على كل تركيب يحوي ثلاث كلمات أو أكثر، سواء أكانت مفيدة، مثل: "أنت خير مرشد" أم غير مفيدة، مثل: "لما حضر فى يوم الخميس" فهو من هذه الناحية أعم وأشمل من الكلام؛ لأن الكلام لا ينطبق إلا على المفيد، فيكون -بسبب هذا- أقل أنواعًا وأفرادًا؛ فهو أخص. لكن "الكلام" -من جهة أخرى- ينطبق على نوع لا ينطبق عليه "الكلم" كالنوع الذى يتركب من كلمتين مفيدتين؛ مثل: "أنت عالم" وهذا يجعل الكلام أعم. وأشمل من نظيره، ويجعل الكلم أخص. فخلاصة الموازنة بين الاثنين: أنهما يشتركان حينًا فى نوع "أى: فى عدد من الأفراد"، ثم يختص كل واحد منهما بعد ذلك بنوع آخر ينفرد به دون نظيره؛ فيصير به أعم وأشمل. فكل منهما أعم وأشمل حينًا، وأخص وأضيق حينًا آخر. ويعبر العلماء عن هذا بقولهم: "إن بينهما العموم من وجه، والخصوص من وجه. " أو: " بينهما العموم والخصوص الوجهي". يريدون من هذا: أنهما يجتمعان حينًا فى بعض الحالات، وينفرد كل منهما فى الوقت نفسه ببعض حالات أخرى يكون فيها أعم من نظيره، ونظيره أعم منه أيضًا؛ فكلاهما أعم وأخص معًا. وإن شئت فقل: إن بينهما العموم من وجه والخصوص من وجه "أي؛ الوجهي" فيجتمعان فى مثل قد غاب على ... وينفرد الكلام بمثل: حضر محمود ... وينفرد الكلم بمثل: إنْ جاء رجل ... فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لأنه يشمل المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة اللفظ؛ لعدم اشتماله على اللفظ المركب من كلمتين. و"الكلام" أعم من جهة اللفظ؛ لأنه يشمل المركب من كلمتين فأكثر. وأخص من جهة المعنى؛ لأنه لا يطلق على غير المفيد. "حـ" أما موازنة الكلمة بغيرها فتدل على أنها أخص الأنواع جميعًا1. شيء آخر يعرض له النحاة بمناسبة: "كلِم". يقولون: إننا حين نسمع كلمة: رجال، أو: كتب، أو: أقلام، أو: غيرها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جموع التكسير نفهم أمرين: أولهما: أن هذه الكلمة تدل على جماعة لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد. ثانيهما: أن لهذا الجمع مفردًا نعرفه من اللغة؛ هو: رجل، كتاب، قلم ... وكذلك حين نسمع لفظ: "كَلِم" نفهم أمرين: أولهما: أنه يدل على جماعة من الكلمات، لا تقل عن ثلاث، وقد تزيد؛ "لأن "الكَلِم" فى الأصل يتركب من ثلاث كلمات أو أكثر؛ فهو من هذه الجهة يشبه الجمع فى الدلالة العددية؛ فكلاهما يدل على ثلاث أو أكثر". ثانيهما: أن "للكلم" مفردًا نعرفه ونصل إليه بزيادة تاء للتأنيث فى آخره؛ فيصير بزيادتها -وموافقة اللغة- دالا على الواحد، بعد أن كان دالًا على الجمع، فتكون: "كلمة" هى مفردة: "الكلم"؛ مع أنهما متشابهان فى الحروف، وفى ضبطها، ولا يختلفان فى شيء؛ إلا فى زيادة التاء فى آخر: "الكلمة" -بموافقة اللغة-. وهو بسبب هذا يختلف عن الجموع؛ فليس بين الجموع ما ينقلب مفردًا وينقص معناه من الجمع إلى الواحد من أجل اتصال تاء التأنيث بآخره. ولذلك لا يسمونه جمعًا، وإنما يسمونه: "اسم جنس1 جمعيًّا"2. ويقولون فى تعريفه: "إنه لفظ معناه معنى الجمع، وإذا زيدت على آخره تاء التأنيث -غالبًا- صار مفردًا". أو هو: "ما يُفْرَق بينه وبين واحده بزيادة تاء التأنيث -غالبًا- فى آخره". ومن أمثلته: تفاح وتفاحة -عنب وعنبة- تمر وتمرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -شجر وشجرة- وهذا هوالنوع الغالب، كما أشرنا. وهناك نوع يُفرَق بينه وبين مفرده بالياء المشددة، مثل: عرب وعربيّ، جُنْد وجندي، رُوم ورومي، تُرْك وترْكيّ. وقد يُفْرَق بينه وبين واحده بالتاء فى جمعه، لا فى مفرده؛ مثل كَمْأة، وكمْء"2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهم فى اسم الجنس الجمعيّ -من ناحية أنه جمع تكسير، أوأنه قسم مستقل بنفسه- آراء متضاربة ومجادلات عنيفة؛ لا خير فيها، وإنما الخير فى الأخذ بالرأى القائل: إنه جمع تكسير1. وهو رأي فيه سداد، وتيسير، ولن يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة، أو خروج على قاعدة من قواعدها، وأحكامها السليمة. هذا من جهة الجمع أوعدمه. بقي الكلام فى المراد من: "اسم الجنس" والمعنى الدقيق له. وفيما يلي إشارة موجزة إليهما2: إن كلمة مثل كلمة: "حديد" تدل على معنى خاص؛ هو: تلك المادة المعروفة، وذلك العنصر المفهوم لنا. فمن أين جاء لنا فهمه؟ وكيف وصل العقل إلى انتزاع المعنى وإقراره فى باطنه؟ رأينا قطعة من الحديد أول مرة، ثم قطعة أخرى بعد ذلك، ثم ثالثة، فرابعة، فخامسة، ... ولم نكن نعرف الحديد، ولا اسمه، ثم استعملنا تلك القطَع فى شئوننا، وعرفنا بالاستعمال المتكرر بعض خواصها الأساسية؛ وإذا رأينا بعد ذلك قطعًا من صنفها فإننا نعرفها، ولا تكون غريبة على عقولنا، ونشعر بحاجة إلى اسم نسمي به هذا الصنف ... فإذا رأينا بعد ذلك قطعة من جنس آخر "أي: من صنف آخر" كالذهب، ولم نكن استعملناه فى شئوننا -وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتية؛ فلا شك أننا سنحتاج إلى اسم يميز هذا الجنس من سابقه، بحيث إذا سمعنا الاسم ندرك منه المراد، ونتصور معناه تصورًا عقليًّا من غير حاجة إلى رؤية تلك القطَع والنماذج؛ فوضَعْنا للجنس الأول اسمًا هو: "الحديد"، ووضعنا للجنس الثانى اسما يخالفه هو: "الذهب". فالحديد اسم لذلك الجنس "الصنف المعروف"، وكذلك "الذهب"، وغيرهما من أسماء الأجناس ... وصرنا بعد ذلك حين نسمع كلمة: "الذهب" أو"الحديد" ندرك المراد منها إدراكًا عقليًّا بحتًا، فيقفز إلى ذهننا مباشرة مدلولها الخاص، من غير ربط -فى الغالب3- بينها وبين شىء آخر من عنصرها، ومادتها، أومن غيرهما. وهذا الفهم العقلي المحض هوما يعبر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه: بأنه "إدراك الماهية المجردة" أي: "إدراك حقيقة الشيء الذهنية، وصورته المرسومة فى العقل وحده". يريدون بذلك: المعنى الذى يفهم من الكلمة فهمًا عقليًّا مجردًا -فى الغالب- أى: بعيدًا عن عالم الحسّ، وعن تخيل النماذج والصور المختلفة المصنوعة منه، أو غير المصنوعة، والتى تساعد فى إيضاح المراد منه"1. ومثل كلمة: الـ"حديد" غيرها من أسماء الأجناس -كما أسلفنا- ومنها: فضة، رجل، خشب. طائر ... ثم إن هذا الجنس "أو: الماهية المجردة، والحقيقة الذهنية البحتة" ثلاثة أنواع، لكل منها اسم: الأول: اسم الجنس الجمعي2، وقد سبق3. الثانى: اسم الجنس الإفرادي؛ وهو الذى يصدق على القليل والكثير من الماهية "أي: من الحقيقة الذهنية" من غير اعتبار للقلة أوالكثرة. "مثل: هواء، ضوء، دم، ماء" فكل واحد من هذه وأشباهها يسمى بهذا الاسم؛ سواء أكان قليلًا أم كثيرًا. والثالث: اسم الجنس الآحادي؛ وهو: الذى يدل على الماهية "أي الحقيقة الذهنية" ممثلة فى فرد غير معين من أفرادها، ولا يمكن تصورها فى العقل إلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتخيل ذلك الفرد غير المعهود، واستحضار صورة له فى الذهن؛ مثل: أسامة للأسَدَ1. ملاحظة: يُردد النحاة وغيرهم من المشتغلين بالعلوم والفنون المختلفة كلمة: "القاعدة" ويذكرونها فى المناسبات المختلفة، فما تعريفها؟ قالوا: "القاعدة -وجمعها: قواعد- هي فى اللغة: الأساس. وفي الاصطلاح: حُكم كُلّيّ ينطبق على جميع أجزائه وأفراده؛ لتعرف أحكامها منه". وعلى الرغم من شيوع هذا التعريف فى مراجعهم ومطولاتهم -عارضَ بعض النحاة فى كلمة: "حكم" مفضلاً عليها كلمة "قضية" كليّة بحجة أن القاعدة فى مثل قولنا: "كل فاعل مرفوع" تشمل "المحكوم به"، و"المحكوم عليه"، و"الحكم"، فلا بدّ أن تشمل أمورًا ثلاثة، ولا تقتصر على "الحكم". وقد دفع الاعتراض: بأن الاقتصار على "الحكم" فى ذلك التعريف الشائع، مقبول؛ لأنه نوع من المجاز، إذ فيه إطلاق الجزء -وهوالحُكم- على القضية الكليّة التى هى اسم يجمع المحكوم به، والمحكوم عليه، والحكم2.
المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:
المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة: الاسم، والفعل والحرف: الاسم: كلمة تدل بذاتها1 على شيء محسوس، -مثل: نحاس، بيت، جَمل، نخلة، عصفورة، محمد ... - أوشيء غير محسوس، يعرف بالعقل؛ "مثل: شجاعة، مروءة، شرف، نُبل، نبوغ ... " وهو في الحالتين لا يقترن بزمن2. علاماته: أهمها خمسة، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلًا على أن الكلمة "اسم". العلامة الأولى: الجر؛ فإذا رأينا كلمة مجرورة لداع من الدواعي النحوية، عرفنا أنها اسم؛ مثل: كنت فى زيادةِ صديقٍ كريمٍ. فكلمة: "زيارةِ" اسم؛ لأنها مجرورة بحر الجر "في"، وكلمة: "صديق" اسم؛ لأنها مجرورة؛ إذ هى "مضاف إليه"، وكلمة: "كريم" اسم؛ لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها؛ فهي نعت لها. العلامة الثانية: التنوين؛ فمن الكلمات ما يقتضى أن يكون فى آخره ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان؛ مثل: جاء حامدٌ، رأيت حامدًا،
ذهبت إلى حامد، طار عصفورٌ جميلٌ، شاهدت عصفورًا جميلاً، استمعت إلى عصفورٍ جميلٍ ... وهذه الكلمات لا تكون إلا أسماء. وكان الأصل أن تكتب هي وأشباهها كما يكتبها علماء "العَروض" هكذا: حامدُنْ، حامدَنْ، حامدِنْ، عصفورُنْ جميلُنْ ... عصفورَنْ جميلَنْ ... عصفورِنْ جَميلِنْ ... أي: بزيادة نون ساكنة في آخر الكلمة؛ تحدث رنينًا خاصًّا؛ وتنغيمًا عند النطق بها. ولهذا يسمونها: "والتنوين" أي: التصويت والترنيم؛ لأنها سببه. ولكنهم عدلوا عن هذا الأصل1، ووضعوا مكان "النون"2 رمزًا مختصرًا يغني عنها، ويدل -عند النطق به- على ما كانت تدل عليه؛ وهذا الرّمز هو: الضمة الثانية، والفتحة الثانية، والكسرة الثانية ... على حسب الجمل ... ويسمونه: "التنوين"، كما كانوا يسمون النون السالفة، واستغنوا بها الرمز المختصر عن "النون"؛ فحذفوها فى الكتابة، ولكنها لا تزال ملحوظة يُنْطَق بها عند وصل بعض الكلام ببعض، دون الوقف. ومما تقدم نعلم: أن التنوين نون ساكنة، زائدة3. تلحق آخر الأسماء لفظًا، لا خطًا ولا وقفًا4. العلامة الثالثة: أن تكون الكلمة مناداة5، مثل: يا محمدُ، ساعد
الضعيف. يا فاطمة، أكرمي أهلك. فنحن ننادي محمدًا، وفاطمة. وكل كلمة نناديها اسم، ونداؤها علامة اسميتها1. العلامة الرابعة: أن تكون الكلمة مبدوءة "بأل"2 مثل: العدل أساس الملك. العلامة الخامسة: أن تكون الكلمة منسوبًا إليها -أي: إلى مدلولها- حصولُ شيء، أو عدم حصوله، أو مطلوبًا منها إحداثه، مثل: عليٌّ سافرَ. محمود لم يسافر. سافرْ يا سعيد. فقد تحدثنا عن "عليّ" بشيء نسبناه إليه. هو: السفر، وتحدثنا عن "محمود" بشيء نسبناه إليه؛ هو عدم السفر، وطلبنا من "سعيد" السفر. فالحكم بالسفر، أو بعدمه، أو بغيرهما، من كل ما تتم به الفائدة الأساسية يسمى: إسنادًا، وكذلك الحكم بطلب شيء من إنسان أو غيره ... فالإسناد هو: "إثبات شيء لشيء، أو نفيه عنه، أو طلبه منه". هذا، واللفظ الذى نسب إلى صاحبه فعل شيء أو عدمه أو طُلب منه ذلك، يسمى: "مسنَدًا إليه"، أى: منسوبًا إليه الفعل، أو الترك، أو طُلب منه الأداء. أما الشيء الذى حصل ووقع، أو لم يحصل ولم يقع، أو طُلب حصوله -فيسمى: "مسندًا"، ولا يكون المسند إليه اسما. والإسناد هو العلامة التى دلت على أن المسند إليه اسم5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- تعددت علامات الاسم، لأن الأسماء متعددة الأنواع؛ فما يصلح علامة لبعض منها، لا يصلح لبعض آخر، كالجر، فإنه لا يصلح علامة لضمائر الرفع، كالتاء- ولا يصلح لبعض الظروف؛ مثل: قَطُّ: وعَوْضُ. وكالتنوين؛ فإنه يصلح لكثير من الأسماء المعربة المنصرفة، ولا يصلح لكثير من المبنيات. وكالنداء فإنه يصلح وحده للأسماء الملازمة للنداء؛ مثل: يا فل "أي: يا فلان"، ويا مكرَمان للكريم الجواد، وغيرهما مما لا يكون إلا منادى1. وهكذا اقتضى الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء ... "ب"- للاسم علامات أخرى؛ أهمها: 1- أن يكون مضافًا؛ مثل: تطرب نفسي لسماع الغناء. وقراءة كتب الأدب. 2- أن يعود عليه الضمير2، مثل: جاء المحسن. ففي "المحسن" ضمير. فما مرجعه؟ لا مرجع له إلا "أل"3؛ لأن المعنى: "جاء الذى هو محسن" ولهذا قالوا "أل" هنا: اسم موصول. وكذلك قد فاز المخلص، وأفلح الأمين. 3- أن يكون مجموعًا. مثل: مفاتيح الحضارة بيد علماء، وهبوا أنفسهم للعلم. فكوْن الاسم جمعًا خاصة من خواص الأسماء. 4- أن يكون مصغرًا؛ "لأن التصغير من خواص الأسماء كذلك" مثل: حُسَين أصغر من أخيه الحسن. 5- أن يبدل منه اسم صريح؛ مثل: كيف عليّ؟ أصحيح أم مريض؛ فكلمة: "صحيح" اسم واضح الاسمية، وهو بدل من كلمة: "كيف" فدلّ على أن "كيف" اسم؛ لأن الأغلب في البدل والمبدل منه أن يتحدا معًا، في الاسمية والفعلية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- أن يكون لفظه موافقاً لوزن اسم آخر، لا خلاف فى اسميته؛ كنزَال1 فإنه موافق فى اللفظ لوزن: "حَذَامِ" اسم امرأة، وهو وزن لا خلاف فىَ أنه مقصور على الأسماء. ولولا هذه العلامة لصعب الحكم على "نَزَالِ" بالاسمية؛ لصعوبة الاهتداء إلى علامة أخرى. 7- أن يكون معناه موافقًا لمعنى لفظ آخر ثابت الاسمية؛ مثل: قَطُّ. عَوْضُ. حيث ... فالأولى ظرف يدل على الزمن الماضي2، والثانية ظرف يدل على الزمن المستقبل، والثالثة بمعنى المكان -في الأغلب- وبهذه العلامة أمكن الحكم على الكلمات الثلاثة بالاسمية؛ إذ يصعب وجود علامة أخرى. "جـ" سبق أن من علامات الاسم الإسناد: وقد وضحناه. وبقي أن نقول: إذا أسندتَ إلى كلمة قاصدًا منها لفظها، وكان لفظها مبنيًا -كما لو رأيت كلمة مكتوبة؛ مثل: "قَطفَ" أو: "مَنْ" "أو: رُبَّ"، وأردت أن تقول عن لفظها المكتوب؛ إنه جميل، وهو لفظ مبني فى أصله كما ترى -فإنه يجوز أحد أمرين. أولهما: أن تحكيها بحالة لفظها، وهو الأكثر؛ فيكون إعرابها مقدرًا، منع من ظهور علامته حكاية اللفظ على ما كان عليه أولًا؛ من حركة، أو سكون، فلا يدخل على آخر الكلمة تغيير4 لفظي، مهما اختلفت العوامل. تقول: قطف جميل، إن قطف جميل، سررت من قطف.... و.... . ثانيهما: أن تعربها على حسب العوامل إعرابًا ظاهرًا مع التنوين؛ فتقول: قَطَفٌ جميلةٌ، بالرفع والتنوين فى هذا المثال، إلا إن كان فى آخر الكلمة ما يمنع ظهور الحركة؛ كوجود ألف مثلا، كقولك: "علىَ" حرف جر، فإنها تعرب بحركة مقدرة، وتُنَون، مالم يمنع من تنوينها مانع؛ كالإضافة5 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كانت الكلمة ثنائية. وثانيها حرف لين، ضاعفته. فتقول فى "لوْ": لوٌّ. وفى كلمة "في": فيٌّ. وفي كلمة "ما": "ماء". بقلب الألف الثانية الحادثة من التضعيف همزة، لامتناع اجتماع ألفين. ويرى بعض النحاة: أن الحرف الثاني الصحيح من الكلمة الثنائية لا يضاعف إلا إذا صارت الكلمة علمًا لشيء آخر غير لفظها، كأن تسمى شيئًا: "بل" أو: "قدْ" أو: "هل" ... أما إذا بقيت على معناها الأصلى وقصد إعرابها فلا يضاعف ثانيها؛ سواء أكان صحيحًا مثل: "قَدْ" أم لَينًا مثل: "لَوْ"1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "د" الاسم ثلاثة أقسام: ظاهر، مثل كلمة: "محمد" في: "محمد عاقل"، ومضمر1، أي: غير ظاهر فى الكلام، مع أنه موجود مستتر، مثل الفاعل فى قولنا: أكرمْ صديقك2؛ فإن التفاعل مستتر وجوبًا تقديره: "أنت"، ومبهم"، لا يتضح المراد منه ولا يتحدد معناه إلا بشيء آخر، وهو اسم الإشارة؛ مثل: هذا نافع، واسم الموصول؛ مثل: الذى بنى الهرم مهندس بارع"3. ملاحظة: هناك قسم رابع -في رأي الكوفيين ومن تبعهم، كابن مالك- وهو الاسم الزائد المحض، لتأكيد المعنى وتقويته. وهذا النوع لا محل له من الإعراب؛ لأنه لا يتأثر بالعوامل ولا يؤثر في غيره. ومن أمثلته: كلمة: "ذا".....4، طبقا للبيان الخاص بها5.
المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه
المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه التنوين1 الذى يعتبره النحاة علامة على أن الكلمة اسم -أنواع؛ أشهرها أربعة؛ هى: تنوين الأمْكَنِيَّة، تنوين التنكير، تنوين التعويض، تنوين المقابلة، ولهم فى كل نوع آراء مختلفة، سنستخلص الرأي السليم منها: النوع الأول: تنوين الأمكنية: ولتوضيحه نقول: إن الأسماء أربعة أقسام: "أ"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجُمل، ويدخله التنوين فى آخره؛ مثل: علىٌّ، شجرةٌ، عصفورٌ، ... تقول: جاء علىٌّ، برفع آخره وتنوينه ... رأيت عليًّا؛ بنصب آخره وتنوينه. ذهبت إلى علىِّ، بجر آخره وتنوينه ... وكذلك باقى الأسماء السابقة وما يشبهها. وهذا القسم من الأسماء يسمى: "المُعْرَب الْمُنصرف" 2. "ب"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجمل، ولكنه لا ينوّن؛ مثل: أحمد، فاطمة، عثمان ... تقول: جاء أحمدُ، رأيت أحمدَ، ذهبت إلى أحمدَ ... وكذلك باقي الأسماء السالفة، وما أشبهها: فإنها لا تنون، مهما اختلفت العوامل3. وهذا القسم يسمى: "المعرب غير المنصرف"،
وله باب خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف1 ... "حـ" قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب. ويسمى: المبني2. لكن
قد يدخله التنوين أحيانا لغرض. وإليك الإيضاح: من الأسماء القديمة: خَالَوَيْه، نِفْطَوَيْه، عَمْرَوَيْه، سِيبَويْهِ. وغيرها من أعلام الأشخاص المبنية على الكسر -غالباً- المختومة بكَلمة: "وَيْه". فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام، وكان معينًا معهودًا بينك وبين من تخاطبه، معروفًا بهذا الاسم، لا تختلط صورته فى الذهن بصورة غيره، فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى المعربة التى يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه؛ مثل: محمد، أو: صالح، أو: محمود، أو: غيرهم1 ... أما إذا أتيت بالتنوين فى آخر الكلمة فإن المراد يتغير؛ إذ تصير كمن يتحدث عن شخص غير مُعَين، لا يتميز من غيره المشاركين له فى الاسم، فكأنك تتحدث عن رجل أيّ رجل مسمى بهذا الاسم. ومن الأمثلة أيضًا ما ليس بعلَم، مثل: صَهْ2، إيهِ3، غاقِ4. وهذه الكلمات المبنية وأشباهها تكون منونة حينًا، وغير منونة حينًا آخر5، كأن تسمع شخصًا يتحدث فى أمر معين لا يرضيك؛ فتقول له: صَهْ، "بسكون الهاء من غير تنوينها". فكأنك تقول له: اسكت عن الكلام فى هذا الأمر الخاص، ولك أن تتكلم فى أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له: صهٍ "بالتنوين" فمرادك: اترك الكلام مطلقًا فى جميع الموضوعات؛ لا فى موضوع معين. ولو قلت له: "إيهِ" "بالكسر من غير التنوين" لكان المقصود: زدني من الحديث المُعَين الذى تتكلم فيه الآن. ولا تتركه. أما إذا قلت: "إيهٍ" بالتنوين فإن المراد يكون: زدني من حديث أيّ حديث؛ سواء أكان ما نحن فيه أم غيره.
كذلك: صاح الغراب غاقِ "بغير تنوين" فالمراد أنه يصيح صياحًا خاصًّا، فيه تنغيم، أو حزن، أو فزع، أو إطالة ... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح. فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة -وأشباهها- هو الدليل على أنك تريد شيئًا واحدًا معينًا، واضحًا فى ذهنك، معهودًا لك ولمخاطبك؛ سواء أكان ذلك الشيء شخصًا أم غير شخص، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئًا غير مُعَين بذاته، وإنما هومختلط بين نظائره المماثلة له، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالي من التنوين: "معرفة"1؛ لأن مدلولها معروف مُعَين. والكلمة التى من النوع الثانى المنَوّن: "نكرة"؛ لأن معناها مُنَكر -أي: شائع- غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها: "تنوين التنكير" أى: التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو: "العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة، وتدل بحذفها على أنها معرفة". "د" قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين؛ مثل: هؤلاءِ حيثُ ... كمْ ... تقول: جاءَ هؤلاءِ، أبصرتُ هؤلاءِ، انتفعت بهؤلاءِ ... "بالكسر فى كل الحالات، بغير تنوين، فهو مبني، وغير منون". من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب، وبعضها مبني، وأن كل واحد منهما قد يكون منونًا، وقد يكون غير منون. والقسم الأول: "أ" وحده هوالذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معًا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون مُعْربة2 ومنونة، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة؛
أكثرها مبني فكلما ابتعد الاسم عن مشابهة الحرف والفعل فى البناء وعدم التنوين1 كان أكثر أصالة فى الاسمية، وأشدّ تمكنًا. وبتطبيق هذا على الأقسام الأربعة السالفة يتبين أن القسم الأول أقواها جميعًا فى الاسمية، وأعلاها فى درجتها؛ لأنه لا يشبههما فى شيء؛ فهو مُعرب؛ أما الحروف وأكثر الأفعال فمبنية. وهو منون؛ والتنوين لا يدخل الأفعال ولا الحروف. ثم يليه فى القوة والأصالة؛ القسم الثانى: "ب"؛ لأنه معرب، والحروف وأكثر الأفعال مبنية -كما سبق- لكنه يشبه الأفعال والحروف فى عدم التنوين. ثم يليه القسم الثالث: "حـ" وهوأضعف من القسمين السابقين؛ لبنائه الدائم، ولعدم تنوينه أحيانًا. أما الرابع: "د" فهو أضعف الأقسام كلها؛ لأنه مبني دائمًا، ولا ينون مطلقًا. فاجتمع فى القسم الأول العاملان الدالان على التباعد وعدم المشابهة، أما القسم الثانى فليس فيه إلا عامل واحد؛ لهذا يسمى القسم الأول: "المتمكن الأمكن"، أي: القويّ فى الاسمية، الذى هو أقوى أصالة فيها، وأثبتُ مكانة من غيره. ويسمى التنوين الذى يلحقه: تنوين "الأمكنية" أو: "الصرْف" ويقولون فى تعريفه: "إنه التنوين الذى يحلق آخر الأسماء المعربة المنصرفة؛ ليدل على خفتها2، وعلى أنها أمكَنُ، وأقوى فى الاسمية من غيرها" كما يسمى القسم الثانى: "المتمكن" فقط. وما عداهما فغير متمكن. النوع الثانى: تنوين التنكير: وهو"الذى يلحق -فى الأغلب- بعض الأسماء المبنية؛ ليكون وجوده
دليلًا على أنها نكرة، وحذفه دليلًا على أنها معرفة"1 وهوالذى سبق إيضاحه وشرحه فى القسم الثالث: "حـ" من الأسماء. النوع الثالث: تنوين التعويض2، أوالعِوَض: من الدواعي ما يقتضي حذف حرف من كلمة، أو حذف كلمة كاملة، أو حذف جملة بتمامها أو أكثر؛ فيحل التنوين محل المحذوف، ويكون عوضًا عنه. فمن أمثلة -حذف الحرف3 ما يأتى: جدول يسحب اسكانر فهنا بعض أفعال ثلاثية، أصلية الحروف، أي: لا يحذف منها حرف فى المشتقات المختلفة إلا لداعٍ قويّ، لكن الحرف الأخير من تلك الأفعال
صار ياء في اسم الفاعل وحذف فى جمع التكسير، وحل مكانه التنوين؛ عِوضًا عنه، فالتنوين المشاهد فى آخر كل جمع مما سبق إنما هو تعويض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول: الكلمة مرفوعة بالضمة على الياء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة1.
أما حذف كلمة ومجيء التنوين عوضًا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة: "كل"، أو"بعض"1 -وما فى حكمهما- ومن أمثلته: قسمت المال بين المستحقين؛ فأعطيت كُلاًّ نصيبه، أي: كل مستحقٍ. حضرت الضيوف فصافحت كُلاًّ منهم. أي: كل ضيفٍ. تعجبني الصحف اليومية غير بعضٍ. أي: بعضٍ الصحفِ. اعتدل الجو أيام الشتاء إلا بعضًا. أي: بعض أيامٍ. وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجيء التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ"2 المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو"ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التي تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية: جاء الصديق، وكنت "حين إذْ جاء الصديق" غائبًا، جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا. أكرمتني؛ فأثنيت عليك "حين إذ أكرمتني" -أكرمتني فأثنيت عليك "حينئذ". سابقت، وكان زملاؤك "ساعة إذ سابقتَ" يرجون لك الفوز، سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز. مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ "ساعة إذ مشيتَ" وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك. سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم".
سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ" ... ومنه قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} . فقد حذفت -فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: "إذْ" مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين، حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين1، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملًا بقواعد رسم الحروف "الإملاء". مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجيء بدلًا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغني عنه. ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أي: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية. النوع الرابع: تنوين المقابلة: إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلًا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ. لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبقَ فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟ يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالألف والتاء
الزائدتين. "جمع المؤنث السالم وملحقاته" -وكلاهما جمع سلامة- كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثاني، ليكون مقابلًا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية1. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه: إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم. إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده. وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعي لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافي".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" تحريك التنوين: التنوين ساكن، إلا إن جاء بعده حرف ساكن أيضًا، فيتحرك التنوين بالكسر1، وقد يجوز تحريكه بالضم2، مثل: "وقف خطيب استمعت خطبته "خطيبن استمعت خطبته"، وصاح قائلًا: افهموا "قائلن افهموا". فقد وقعت السين ساكنة، بعد التنوين، وكذلك الفاء، فتحرك التنوين بالكسر أو بالضم، وكلاهما جائز، والكسر أكثر1 إلا حين يكون بعد التنوين حرف ساكن بعده حرف مضموم لزومًا3، مثل: "أقبل عالم أخرج لاستقباله"- فالخاء الساكنة بعد التنوية وليها حرف مضموم حتما، فيكون الأحسن تحريك التنوين بالضم، فتقول: "عالمن اخرج"، لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم في النطق. ومثله: "هذه ورقة اكتب فيها" فالكاف الساكنة بعد التنوين جاء بعدها التاء المضمومة، فكان من الأوفق تحريك التنوين بالضم، ليكون الانتقال من الضم إلى الضم، وهو أخف في النطق من الانتقال من الكسر إلى الضم. تقول: "هذه ورقتن اكتب فيها". ومن العرب من يجيز حذف التنوين إذا وليه ساكن. وهذا أسهل اللغات كلها، فيقول: "وقف خطيب اسمع خطبته"، وصاح "قائل افهموا" و "أقبل عالم اخرج لاستقباله" وحبذا الاقتصار عليه بشرط التنبه إلى أن الكلمات التي حذف منها ليست ممنوعة من الصرف4. "ب" مواضع حذف التنوين -غير الموضع الجائز السالف: وبهذه المناسبة نقول: إن هناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبا، منها: 1- وجود أل"، في صدر الكلمة المنونة، مثل: جاء رجل، بالتنوين من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من غير "أل"، وبحذفه وجوبًا معها؛ مثل: جاء الرجل. 2- أن تضاف الكلمة المنونة؛ مثل: جاء رجلُ المروءةِ. 3- أن تكون الكلمة المنونة شبيهة بالمضاف1؛ مثل: لا مالَ لمحمود، بشرط أن يكون الجار والمجرور صفة؛ وخبر "لا" النافية للجنس محذوفًا. أى: لا مالَ لمحمود حاضر. فكأنك تقول: "لا مالَ محمودٍ حاضر" فتفترض إضافة ملحوظة، مقدرة، لغرض يتصل بالمعنى المراد. وقد تفترض أن اللام زائدة؛ كأنها غير موجودة بين المضاف والمضاف إليه وأن الكلام يحوي إضافة ظاهرة.. ومن المستحسن عدم الالتجاء لهذا، قدر الاستطاعة. أما إن كان الجار والمجرور هما الخبر فليس هناك تنوين محذوف. وإنما فتحة بناء فى آخر كلمة: "مال" التى هى اسم "لا" النافية للجنس. 4- أن تكون الكلمة ممنوعة من الصرف؛ مثل: اشتهر "سحبانُ" بالفصاحة لم أسمع "سحبانَ" ... ولكن قرأت خُطب "سحبانَ" ... 5- الوقف على الكلمة المنونة فى حالة الرفع أو الجر. ومعنى الوقف انتهاء الكلام عند النطق بآخرها. مثل: هذا أمرٌ عجيبْ -فكّرت فى أمر عجيبْ ... فإن كانت منصوبة. فإن التنوين ينقلب ألفًا فى اللغة المشهورة. مثل: شاهدت أمْرَا، عند الوقوف على كلمة: "أمرًا" المنونة. وشاهدت أمرًا "عجيبَا"؛ عند الوقوف على كلمة: "عجيبًا" المنونة. 6- أن يكون الاسم المنون علمًا2، مفردًا، موصوفًا3، مباشرة - أي من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير فاصل -بكلمة: "ابن" أو: "ابنة" وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر مفرد، أو غير مفرد. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. ولا يشترط1 فى واحد من العلمين التذكير. فمجموع الشروط سبع؛ إذا تحققت مجتمعة حذف التنوين نطقًا وكتابة، وحذفت همزة الوصل وألفها من "ابن وابنة" كتابة ونطقًا، بشرط ألا تكون إحداهما أول السطر، ولا خاضعة لضرورة شعرية تقضي بإثباتها؛ فمثال الحذف: هذا محمدُ بن هاشم. وهذه هندُ2 بنة محمود. وإن اختل شرط من الشروط السبعة لم يحذف التنوين، ولا ألف "ابن وابنة"3.....
المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم
المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم "أ" فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب. كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة "من غير حاجة إلى كلمة أخرى" ... على أمرين. أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أوالرجوع، ويسمى: "الحَدَث"، وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى "أىْ: ذلك الحدث" وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهوزمن قد فات، وانقضى قبل الكلام1. "ب" وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع" ... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى "الحدَث" والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هوزمن صالح للحال1، والاستقبال. "حـ" وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ" ... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى "الحدَث" وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل ... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل: كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى "أىْ: حدث" وزمن يقترن به2
وأقسامه ثلاثة1: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} . ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى} ، ولا بد أن يكون مبدوءًا بالهمزة، أوالنون، أوالتاء، أوالياء 2 ... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعيّ فتضمّ، وكذا في: المضارع المبني للمجهول. أما المضارع:
إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها1. وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا} ، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شيء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها2. وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً} ، وقول الشاعر: أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو ... فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة"3 مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلًا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، "وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة". وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضي؛ بل يكفي أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلًا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و"نزلَ" فعل ماضٍ؛ لأنه -مع خلوه من إحدى التاءين- صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ ... فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته
فليست بفعل ماضٍ، وإنما هي: "اسم فعل ماض"1. مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا ... ومثل: شتَّان المنصف والباغي؛ بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضي2؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك. ومما تقدم نعلم أن كلمتي: "نِعْم" "وهى: كلمة للمدح" "وبئس" "وهى: كلمة للذم" فعلان ماضيان3؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و"عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضي1، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلي وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التي تلحق الأسماء فتكون أخيرة، ومتحركة2؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، "رُبّ، وثمّ، ولا ... " تقول: رُبَّتَ3 كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات3 حين نَدم. "ب"- هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التي قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا"4 للمدح. ومثل: "عدا، وخلا، وحاشا"، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالًا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما دامت تؤدي هذه المعاني، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء. "حـ" يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت -غالبًا- مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة. هذا، وقد عرفنا1 فى ص42، حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقي حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده -مباشرة- ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، إحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال. والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير. فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ2، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين3؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة، الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم، اسألي المولى الهداية. ويجوز تلاقي الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف، لام، جيم3 "راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد"، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين: أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ2، يليه حرف مدغم فى نظيره، "أى: حرف مشدد". والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هوفى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب3 من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد. وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88، 162، 255. "د" عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل -فى الغالب- على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن5: تتعين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كل واحدة منها عند عدم قرينة تعارضها. الأولى: "وهى الأصل الغالب" أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى -أى: قبل الكلام- سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته1: "قد" -وهي لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت- دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "خرج الصاحبان" يحتمل الماضي القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضي قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: "قدْ". وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًّا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر عليّ، فتجيب: ما سافر عليّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربًا من الزمن الحالي، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحاليّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة1. وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلًا ماضيًا من أفعال "المقاربة"2؛ "مثل: "كاد: " فإنه زمنه ماضٍ قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد -كما سيجيء فى باب أفعال المقاربة. الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال "أي: وقت الكلام". وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضي اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التي يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمني، ويحصل معه فى وقت واحد3. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجيء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"2. الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل "أي: بعد الكلام"؛ فيكون ماضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ دون المعنى -كالذى سبق- وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء. ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا1 سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شيء إلا السفر فى المستقبل. أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . فالإعطاء سيكون فى المستقبل؛ لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها. أوعُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ} ، وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ} . أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عَسَىِ الله أن يأتي بالفتح". أو يكون قبله نفي بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم. أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بَعْدِه} . "أي: ما يُمسكهما2! " ... أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود؛ لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضي الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلًا خالصًا ... فالفعل الماضي فى كل الحالات السالفة ماضي اللفظ دون المعنى. الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلًا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع في المستقبل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أيُّ وقت جئتني. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعًا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضي بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضٍ معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضي الزمن كذلك؛ لأنه معادل له. أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضي، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل. أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضي؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهي الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: {كُلَّمَا نَضِجت جُلودُهم بدَّلناهُم جُلُودًا غَيرَهَا؛ لِيَذُوقُوا العَذَابَ} . فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ. أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضي؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين ... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل. أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضي، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا". أو وقع صفة لنكرة عامة1، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضي، -لوجود: رُبّ2- بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أي: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه ... "ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما3 ... هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.
وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب ... ولن أتأخر عن معاونة البائس. ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف"1 فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك.. و..، ومثل قول الشاعر: سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته ... ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق2 فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل3 مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا!! ماذا تفعل؟ أو: هي اسم مشتق بمعنى المضارع4؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أوغدًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى. الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضي له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، "هى: الأمر"، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه "كما يقولون". هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه. فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل: "يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال1. الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفًا2. أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و"شرع"، وأخواتهما3؛ ليساير زمنه معناها. أو: نُفي بالفعل: "ليس"4 أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"5 ... أو لا" 6.......... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق7 ... مثل: ليس يقوم محمد8، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم على-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -أودخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ. أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال -فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب- مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب1 حين لا توجد قرينة تعارضه. الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا ... "، سواء أكان الظرف معمولًا للمضارع، أم كان المضارع معمولًا للظرف -بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هي المضاف إليه فى محل جر؛ مثل: أزورك إذا تزورني؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا"2 و"إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثاني مع فاعله معمولًا للظرف. وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شيء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه -وهو دخول الجنة- فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال. أو: سبقته: "هل"3، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟ وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى: {والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن} . فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون إلا في المستقبل، ومثال الثاني قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ، وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} ، فإن طلب الإنفاق فى: "لينفق" وطلب عدم "المؤاخذة" فى: "لا تؤاخذنا"، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و"لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل. أو سبقته أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة: كالتي في قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أم غير جازمة -ومنها: "لو الشرطية1 غير الامتناعية"، وكيف2" الشرطية، مثل: لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع في إهلاكهم، ومثل: كيف تصنع أصنع، ويفهم من هذا ومما قبله أن الجوازم جميعها -ما عدا: "لم، ولما" تخلصه للاستقبال. أو: اقتضى وعدًا أووعيدًا، كقوله تعالى: {يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} -لما سبق- وقول الشاعر: من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها ... قد تُحرك النار يوماً موقِد النار أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟ أو: لام جواب القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . أو: "حرف تنفيس"، وهو: "السين" و"سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أي: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو: "زمن الحال"؛ -لأنه محدود- إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو: "الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقول الشاعر: وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى ... بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا وقول الآخر: وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها ... إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هي تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {وَلَسَوفَ يُُعْطِيكَ رَبُكَ فَتَرْضَى} ، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء1؛ نحو: وما أدري، وسوف -إخالُ- أدرِي ... أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ؟ والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة2 ... كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه "أي: عدم جعله للمستقبل البعيد" أدخلت عليه السين3، ومنه قول الشاعر: سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتي ... أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت والأغلب عند استعمال أحد الحرفين ألا يتقدم عليه شيء من الجملة التي دخل عليها. ويرى بعض النحاة أن التقديم ممنوع. ولكن هذا المنع مدفوع بالسماع، كقول النمر بن تولب: فلما رأته آمنا هان وجدها ... وقالت: أبونا هكذا سوف يفعل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: سوف يفعل هكذا1. .. الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضي؛ وذلك إذا سبقته "لم"2، أو: "لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ} ، وقول الشاعر: لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ ... وحياةٌ من السِيَرْ فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما في مثل: إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ ... من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجيء "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضًا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف3. أو: "إذا"؛ نحو: أطربني كلامك؛ إذ تقول للغنيّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ. أو: "ربما"4، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركني صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعي، أي: ربما كرهت. أو: "قد" التي تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التي للتكثير. أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضي، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضي إلى زمن آخر5؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا ... أي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع -مثل: طفق، وشرع- أو التي تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجيء البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة"1. ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع2 على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه في أمور، يتصل منها بموضوعنا: "الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضي فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال ... فكل ذلك يجري فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتمًا؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان3. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال. وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة -فإن الفعل: "أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل؛ لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا. وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل: "تؤلم" هو للماضي فقط، تبعًا للمعطوف عليه: "تتأخر"، الذي جعلته "لم" للزمن الماضي وحده. وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب. على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضي؛ كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتُصْبِحُ الأَرضُ مُخْضَرَّة} 1 أي: فأصبحت2. وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر: ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى ... فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى أي: مررت3.
وأما علامة الأمر فهي: أن يدل بصيغته1 على طلب شيء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أي: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدي.. وتكلمي ... واحرصي ... ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ الْعَفْو َ 2 وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 3 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وتقول: خُذي ... -وأمْري ... -وأعْرِضِي ... ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و: "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتي يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعاليْ نقرؤه. فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هي: "اسم فعل أمر"4؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و"نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و"حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا. وهناك علامتان مشتركتان5 بين المضارع والأمر. الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقي ... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل. الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتي تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومي على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامي ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: زمن الأمر مستقبل1 فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ2. ومثال الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها. وقد يكون الزمن فى الأمر للماضي إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندي بعد الحرب موقعة شارك فيها؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك ... وافْتِك بهم؛ فإن الله معك" ... فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ ... والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.
المسألة الخامسة: الحرف
المسألة الخامسة: الحرف 1 مِنْ، فى، علَى، لمْ، إنْ، إنّ، حتى، لا، هل ... لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أىّ معنى، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل، مثال ذلك: "سافرت "من" القاهرة" ... فهذه جملة؛ المراد منها: الإخبار بوقوع
سفري، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأني أقول: سافرت، وكانت نقطة البدء فى السفر هي: "القاهرة"، فكلمة: "منْ" أفادت الآن معنى جديدًا ظهر على غيرها مما يليها مباشرة1 ما بعدها وهذا المعنى هو: "الابتداء"، لم يُفهم ولم يُحددْ إلا بوضعها فى جملة؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى: "مِنْ". ولو قلت: سافرت من القاهرة "إلى" العراق -لصار معنى هذه الجملة: الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه القاهرة، ونهايته العراق. فكلمة: "إلى" أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها؛ وهذا المعنى هو "الانتهاء". ولم يظهر وهى منفردة، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة؛ كانت السبب فى إظهاره، كما كانت الجملة سببا في إظهار معنى الابتداء المستفاد من كلمة: "من" والذي ظهر على ما بعدها مباشرة.
وكذلك: "حضرتُ من البيت إلى النهر"؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضوري، وأن أول هذا الحضور وابتداءَه: "البيت"، وأن نهايته وآخره: "النهر". فأفادت: "إلى" الانتهاء، وصبَّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه. ولو قلت: الطلبة فى الغرفة -لكان المعنى؛ أن الطلبة تحويهم الغرفة؛ كما يحوي الإناء بعض الأشياء، وكما يحوي الظرفُ المظروف، أى: كما يحوي الوعاء أو الغلاف ما يوضع فى داخله. فمعنى كلمة: "فى" هو "الظرف"، أو: "الظرفية"، وهذا المعنى لم يفهم من لفظة: "في" وحدها، وإنما عُرف منها بعد أن احتواها التركيب، فظهر على ما بعدها ... وهكذا بقية أحرف الجر، وغيرها من أكثر الأنواع الأخرى المختلفة؛ كحروف النفي، والاستفهام، وسواها1 ... فالحرف: "كلمة لا تدل على معنى فى نفسها، وإنما تدل على معنى فى غيرها فقط -بعد وضعها فى جملة- دلالة خالية من الزمن"2. من كل ما سبق نعلم: أن الاسم وحده -من غير كلمة أخرى معه- يدل على معنى جزئي فى نفسه، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده يدل على معنى جزئي مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا يدل على شيء منهما ما دام منفردًا، فإذا دخل جملة دل على معنى فى غيره، ولم يدل على زمن3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وماضي الأفعال بالتا- مز. وسم ... بالنون فعل الأمر، إن أمر فهم والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم، نحو: صه، وحيهل أ- يريد: أن الفعل ينجلي "أي: ينكشف" ويتميز من غيره بإحدى العلامات الآتية، وهي تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة، أو ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. وهذه العلامات موزعة بين أنواع الفعل لكل نوع بعض منها في آخره دون بعض. ب- وأن علامة الحرف "كهل، وفي، ولم" هي عدم قبوله علامة من علامات الأسماء، أو: الأفعال: حـ- وأن علامة المضارع صلاحه للمجيء بعد "لم الجازمة، أو إحدى أخواتها. د- وأن الماضي يختص من تلك العلامات بقبوله التاء المتحركة، للفاعل، أو الساكنة للتأنيث، وكلتاهما تكون في آخره. ومعنى: "مز": ميز، و "صه" بمعنى اسكت، و "حيهل" بمعنى: أقبل و "يشم" مضارع شم، من باب: فرح". هـ- وأن فعل الأمر يوسم "أي: يعلم ويعرف" بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب. فإن لم يدل على الطلب ولم يقبلها فهو اسم فعل أمر. هذا، وكلمة: "الأمر" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية: "هو اسم". أما جواب "إن" الشرطية فحذوف يدل عليه الخبر المذكور، والتقدير: فهو اسم. والقاعدة: "أنه متى تقدم المبتدأ على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطية- كان جوابا، والخبر محذوفا، إذ الأغلب وقوع الفاء في جواب الشرط، لا في خبر المبتدأ. وإلا كان خبرا والجواب محذوفا، كما هنا" هذا هو الرأي المختار، على رغم ما حوله من خلاف "راجع حاشيتي الخضري والصبان في هذا الموضوع من الباب، وستذكر هذه القاعدة في مواضع، منها موضع حذ الخبر - "ص 519 م 524" م 39 وفي جـ 4 ص 157 - ورقم 5 من هامش ص 418". ومما تنطبق عليه القاعدة السالفة قول الشاعر المخضرم عامر بن الطفيل: وإني - وإن كنت ابن سيد عامر ... وفي السر منها والصريح المهذب فما سودتني عامر عن وراثة ... أبي الله أن أسمو بأم ولا أب فما دخلت عليه الفاء وهو الجواب، وخبر "إن" محذوف. ومثال ذكر الخبر لا الجواب قول الشاعر: وإني- وإن صرفت في الشعر منطقي ... لأنصف فيما قلت فيه، وأعدل فجملة: "أنصف" خبر "إن" وليست جوابا للشرط إذ الأغلب دخول اللام على الخبر، لا على الجملة الواقعة جوابا للشرط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" عندما ينكشف معنى الحرف الأصلي بسبب وضعه في جملة، ويظهر المراد منه، فإن ذلك المعنى ينصب على ما بعد الحرف، ويتركز فيه؛ سواء أكان ما بعد الحرف الأصلي مفردًا أم جملة، فالابتداء في: "من"، والانتهاء في: "إلى"، يتحقق فى الكلمة التي جاءت بعد كل منهما، وكذلك الظرفية، والاستعلاء ... وإذا قلنا: ما جاء أحد ... -هل غاب أحد؟ فإن النفي والاستفهام ينصبّان على كل مضمون الجملة التى بعده ... وهكذا ... أمّا الحروف الزائدة -ومنها بعض حروف الجر؛ كالباء- فإنها تفيد توكيد المعنى فى الجملة كلها؛ لأن زيادة الحرف تعتبَرُ بمنزلة إعادة الجملة كلها، وتفيد ما يفيده تكرارها بدونه1 سواء أكان الحرف الزائد فى أولها، أم في وسطها، أم في آخرها؛ مثل: بحسبك الأدب، وأصلها: حسبُك الأدب، أي: يكفيك، أو: كافيك، فالباء داخلة على المبتدأ، كدخولها عليه وهو ضمير في نحو: كيف بك؟ "وأصلها ... كيف أنت؟ "2 وكدخولها عليه بعد "إذا الفجائية" في نحو: رجع المسافر؛ فإذا بالأصدقاء فى استقباله. وكدخولها على الفاعل فى مثل: كفى بالله شهيدًا، وأصلها: كفى اللهُ شهيدًا. وعلى الخبر فى مثل: الأدب بحسبك ... فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أكدت معنى الجملة كلها3. هذا، والحرف الزائد قد يعمل؛ كباء الجر، أو لا يعمل مثل: "ما" الزائدة، فى مثل: إذا ما المجُد نادانا أجَبْنا4 ... ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان حرفا أم غير حرف" زائدًا إن أمكن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتباره أصليا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- "كما سبق في رقم1 من هامش ص47- "ويجيء في ص489، 581". وهناك الشبيه بالزائد يعمل، وينحصر فى بعض حروف الجر؛ كُربّ، ولعلّ، الجارتين ... و"لولا" على اعتبارها جارّة. وحرف الجر الزائد والشبيه به لا يتعلقان1، إلا أن الزائد "كالباء" يزاد لتوكيد المعنى الموجود. أمَّا "رب" فتفيد معنى التقليل أو التكثير، "ولعل" تفيد الرجاء ... فهما -كغيرهما من الشبيه بالزائد- يفيدان معنى جديدًا يطرأ على الجملة؛ لا تقوية المعنى الموجود قبل مجيئهما. وكذا "لولا" فإنها تفيد الامتناع؛ وهو معنى جديد يطرأ على الجملة. "ب" الحروف نوعان، نوع يسمى "العامل"؛ لأنه يعمل الجر، أوالنصب، أوالجزم غير ذلك2، كحروف الجر، وحروف النصب، وحروف الجزم أو، والحروف الناسخة2، ونوع آخر يسمى: "المهمَل"؛ لأنه لا يعمل شيئًا مما سبق، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب.، ومنها: هل، نعم، لا ... ومثل: التنوين3. وبعض النحاة يسمي حروف الجر: "حروف الإضاءة" لأنها تضيف إلى الأسماء معاني4 الأفعال وشبهها من كل ما تتعلق به تلك الحروف. "حـ" الحروف إما آحادية، أو ثنائية، أو ثلاثية؛ كبعض حروف الجرّ "الباء، فى، إلى ... " وإما رباعية؛ مثل: "لعلَّ" ولا تزيد على خمسة؛ مثل: "لكنَّ" فى الرأي الأصح الذى يعتبرها غير مركبة، وأنها مشددة النون، ثابته الألف بعد اللام نطقاً -كما سبق5.
الإعراب والبناء
المسألة السادسة: الإعراب والبناء معنى المصطلحات السابقة " أ"- طلع الهلالُ. شاهد الناس الهلالَ. فرح القوم بالهلالِ. "ب"- يكثر الندَى شتاء. يمتص النباتُ الندى. يرتوي بعضُ النباتِ بالندى. "جـ"- زاد هؤلاءِ علماً. سمعت هؤلاءِ يتكلمون. أصغيت إلى هؤلاءِ. نلحظ فى أمثلة القسم الأول "أ" أن كلمة: "الهلال" قد اختلفت العلامة التى في آخرها؛ فمرة كانت تلك العلامة ضمة، ومرة كانت فتحة، ومرة كانت كسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟ سببه وجود داعٍ متغير في كل جملة، يحتاج إلى كلمة: "الهلال"؛ لتؤدي معنى معينًا في الجملة. وهذا المعنى يختلف باختلاف الدواعي في الجُمل، ويُرْمَز إليه في كل حالة بعلامة خاصة في آخر الكلمة، ففي الجملة الأولى كانت كلمة: "الهلال" مرفوعة؛ لوجود الداعي الذى يحتاج إليها، وهو الفعل: "طَلَع" فإنه يتطلب فاعلا. والفاعل يرمز له بعلامة فى آخره، هي: الضمة -مثلا- فيكون مرفوعًا. وفي الجملة الثانية كانت كلمة: "الهلال" منصوبة؛ لوجود داعٍ من نوع آخر؛ هو الفعل: "شاهَدَ"؛ فإنه لا يحتاج إلى فاعل، لوجود فاعله معه -وهو كلمة: الناس- ولكنه يحتاج إلى بيان الشيء الذى وقع عليه فعل الفاعل، وهو ما يسمى فى النحو: "المفعول به"؛ والمفعول به يُرْمزُ إليه بعلامة خاصة في آخره هي: "الفتحة"، -مثلا- فيكون منصوبًا. وفي الجملة الثالثة كانت كلمة "الهلال" مجرورة، لوجود داعٍ يخالف السابقَين، وهو: الباء، فإنها تحتاج إلى تلك الكلمة لتكون مجرورة بها، فيزداد الفعل بهما وضوحًا، وعلامة جرها الكسرة هنا.
فنحن نرى أن الدواعي تغيرت فى الجمل الثلاثة السالفة على حسب المعاني المطلوبة، من فاعلية، ومفعولية، وتكملة أخرى للفعل ... وتبعها فى كل حالة تَغَيُّرُ العلامة التى فى آخر كلمة: "الهلال". فَتَغَير العلامة على الوجه السالف يسمى: "الإعراب"، والداعي الذي أوجده يسمى: "العامل"1.
فالإعراب: "هو تَغَيُّر العلامة التى فى آخر اللفظ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل"1. وفائدته: أنه رمز إلى معْنى معين دون غيره - كالفاعلية، والمفعولية، وغيرهما - ولولاه لاختلطت المعانى، والتبست، ولم يفترق بعضها عن بعض. وهو- مع هذه المزية الكبرى - موجَز غاية الإيجاز، لا يعادله فى إيجازه واختصاره
شيء آخر يدل دلالته على المعنى المعين الذي يرمز له1. وهذه مزية أخرى. والمعرب: هو اللفظ الذي يدخله الإعراب2. والعامل هو: ما يؤثر في اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص، كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما، ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: "ا" أومقدرة3 كأمثلة: "ب" فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع، فتقول: تراكم النَّدَيَان، وامتص النبات النَّدَيَيْن، وارتوى من النديَيْنِ4. أما أمثلة القسم الثالث "حـ" ففيها كلمة: "هؤلاءِ"4 لم تتغير علامة آخرها بتغير العوامل؛ بل بقيت ثابتة فى الجمل كلها. فهذا الثبات وعدم التغير يسمى: بناء؛ وهو: "لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فى كل أحواله، مهما تغيرت العوامل". والمبنى هو: اللفظ الذى دخله البناء. هذا، وقد عرفنا5 أن المعرب المنصرف6 "أى: المُنَون"، يسمى: "متمكنًا أمْكن"، وأن غير المنصرف يسمى: "متمكنًا" فقط، وأن المبنى يسمى: "غير متمكن". ولا تصف الكلمة بإعراب أوبناء إلا بعد إدخالها فى جملة7 ...
المعرب والمبني 1 من الأسماء، والأفعال، والحروف: "أيْ: من أقسام الكلمة الثلاثة": أولا: الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف وحده لا يؤدى معنى فى نفسه، وإنما يدل على معنى فى غيره، بعد وضعه فى جملة -كما سبق2. وإذًا لا ينسب إليه أنه فعل فعلا، أووقع عليه فعل؛ فلا يكون بنفسه فاعلا، ولا مفعول به، ولا متممًا وحده للمعنى "أى: لا يكون مسندًا إليه ولا مسندًا، ولا شيئًا يتصل بذلك". لعدم الفائدة من الإسناد فى كل حالة3، ونتيجة ما سبق أنه لا يدخله الإعراب؛ لعدم حاجته إليه؛ لأن الحاجة إلى الإعراب توجد حيث توجد المعانى التركيبية الأساسية، والحرف وحده لا يؤدى معنى قط. ولكنه إذا وضع فى تركيب فإنه يؤدى فى غيره بعض المعانى الجزئية "الفردية" بالطريقة المفصَّلة التى أشرنا إليها عند الكلام عليه2؛ كالابتداء، والتبعيض، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "من". أوالظرفية، والسببية، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "فى" - فهذه المعانى الجزئية تَعْتَور الحرف، وتتعاقب عليه، ولكن لا يكون التمييز بينها بالإعراب، وإنما يكون بالقرائن المعنوية التى تتضمنها الجملة. ثانيًا: الأسماء يناسبها الإعراب وهو أصل فيها؛ لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل به -كما سبق3- فهو يدل على مسمى؛ "أي: على شيء
محسوس أو معقول، سميناه بذلك الاسم" وهذا المسمى قد يُسنَد إليه فعل، فيكون فاعلًا له، وقد يقع عليه فعل، فيكون -مفعولا به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه ... وكل واحد من تلك المعاني يقتضى علامة خاصة به فى آخر الكلمة، ورمزًا معينًا يدل عليه وحده، ويميزه من المعاني الأخرى؛ فلا بد أن تتغير العلامة فى آخر الاسم؛ تبعًا لتغير المعاني والأسباب، وأن يستحق ما نسميه: "الإعراب" للدلالة على تلك المعانى المتباينة، التى تتوالى عليه بتوالى العوامل المختلفة، كما شرحنا من قبل1. وقليل من الأسماء مبنيّ2. وأشهر المبني منها عشرة أنواع "لكل نوع أحكامه التفصيلية فى بابه" وهى: "1" الضمائر، سواء أكان الضمير موضوعًا على حرف هجائي واحد، أم على حرفين، أم على أكثر، مثل: انتصرتَ؛ ففرحنا، ونحن بك معجبَون. "2، 3" أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام؛ بشرط ألا يكون أحدهما مضافًا لمفرد؛ مثل: أين توجدْ أكرمْك. أين أراك3؟ بخلاف: أىُّ خيرٍ تعملْه ينفعْك. أىُّ يومٍ تسافر فيه؟ لإضافة "أىّ" الشرطية والاستفهامية فى المثالين لمفرد، فهما معه معربتان4. "4" أسماء الإشارة التى ليست مثناة؛ نحو: هذا كريم، وتلك محسنة. بخلاف: "هذان كريمان، وهاتان محسنتان". فهما معربان عند التثنية؛ على الصحيح.
"5" أسماء الموصول غير المثناة، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها -وجوبًا- إلى جملة أوما يقوم مقامها1، ولا تستغني عنها بحال. فمثال الموصول: جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك، أو الذي فى ضيافتك. ومن الأسماء الأخرى التى ليست موصولة ولكنها تحتاج -وجوبًا- بعدها إلى جملة: "إذا" الشرطية الظرفية؛ نحو: إذا تعلمتَ ارتفع شأنك، فلوقلت: جاء الذى ... فقط، أو: إذا ... فقط، لم يتم المعنى، ولم تحصل الفائدة. بخلاف جاء اللذان غابا، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - على الصحيح - لأنه مثنى. "6" الأسماء التى تسمى: "أسماء الأفعال"2 وهى: التى تنوب عن الفعل فى معناه وفى عمله وزمنه، ولا تدخل عليها عوامل تؤثر فيها. مثل: هيهات القمر: بمعنى بَعُدَ جدًّا، وأفٍّ من المهمل، بمعنى أتَضَجَّرُ جدا، وآمين يا رب، بمعنى: استجبْ. فقد دلت كل كلمة من الثلاث على معنى الفعل، ولا يمكن أن يدخل عليها عامل قبلها يؤثر فيها بالرفع، أوالنصب، أوالجر ... بخلاف: سيرًا تحت راية الوطن، سماعًا نصيحة الوالد، إكرامًا للضيف. فإن هذه الكلمات [سيرًا، وسماعًا، وإكرامًا، وأشباهها] تؤدى معنى فعلها تمامًا، ولكن العوامل قد تدخل عليها فتؤثر فيها؛ فتقول: سرني سيرُك تحت راية الوطن، مدحت سيرَك تحت راية الوطن. طربت لسيرِك ... وكذا الباقي؛ ولذلك كانت معربة. "7" الأسماء المركبة؛ ومنها بعض الأعداد؛ مثل: أحَدَ عَشَرَ ... إلى تسعة عَشَرَ؛ فإنها مبنية دائمًا على فتح الجزأين. ما عدا اثنيْ عَشَرَ، واثنتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى3.
"8" اسم "لا" النافية للجنس1- أحيانًا- في نحو: لا نافع مكروه. "9" المنادى، إذا كان: مفردا، علما، أو نكرة مقصودة، مثل: يا حمد، ساعد زميلك، ويا زميل اشكر صديقك. "10" بعض متفرقات أخرى، مثل: "كم" وبعض الظروف، مثل: "حيث" والعلم المختوم بكلمة: "ويه"، وما كان على وزن "فعال" في رأي قومك- مثل حذام، وقطام ... "وكلاهما اسم امرأة". وكذلك أسماء الأصوات المحكية مثل: "قاق"، و"غاق"، في نحو: صاحت الدجاجة قاق، ونعب الغراب غاق2 ... ملاحظة: يجب الإعراب والتنوين فى كل اسم أصله مفرد مبنىّ، ثم سُمي به، كما لو سمينا رجلًا بكلمة: "أمسِ" المبنية على الكسر في لغة الحجازيين -أو بكلمة "غاقِ" التي هي في أصلها اسم لصوت الغراب ... ، وحكمها: البناء على الكسر أيضًا" لتغير شأن الكلمتين بعد هذه التسمية، فتصير كل واحدة منهما علمًا، يدل على ما يدل عليه العلم، ويصير حكم كل منهما الإعراب والتنوين4، بعد أن كان حكمها البناء5.
ثالثًا: الأفعال. منها المبني دائمًا، وهو: الماضي والأمر. ومنها المبني حينًا والمعرب أحيانًا وهو: المضارع. وأحوال بناء الماضي ثلاثة: "1" يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء، مثل: صافحَ، محمد ضيفه، ورحَّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، أوألف الاثنين، مثل: قالتْ فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا. والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرًا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف، مثل: دعا العابد ربه. "2" يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به "التاء" المتحركة التى هى ضميرٌ "فاعل"، أو: "نا" التى هى ضمير فاعل، أو"نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمتُ الصديق، وفرحتُ به. ومثل: خرجْنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة، أما الطالبات فقد ركبْن القطار. "3" يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واوالجماعة، مثل الرجال خرجُوا لأعمالهم. وأحوال بناء الأمر أربعة: "1" يبنى على السكون فى آخره إذا لم يتصل به شىء؛ مثل: اعمَلْ لدنياك ولآخرتك. وصاحبْ أهل المروءات. أو: اتصلت به نون النسوة، مثل: اسمعْن يا زميلاتى1 ... "2" يبنى على فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة؛ مثل: صاحِبَنْ كريم الأخلاق. أوالثقيلة؛ مثل: اهجرَنّ السفيه2 ...
"3" يبنى على حذف حرف العلة إن كان آخره معتلًا؛ مثل: اسعَ فى الخير دائمًا، وادعُ الناس إليه، واقضِ بينهم بالحق. [فاسع: فعل أمر مبني على حذف الألف؛ لأن أصله: "اسْعَى"1. وادعُ: فعل أمر مبني على حذف الواو؛ لأن أصله: "ادْعُو". واقض: فعل أمر، مبني على حذف الياء لأن أصله: "اقضيِ] ". وعند تأكيد فعل الأمر بالنون يبقى حرف العلة الواو، أو الياء، ويتعين بناء الأمر على الفتحة الظاهرة على الحرفين السالفين، فإن كان حرف العلة ألفًا وجب قلبها ياء تظهر عليها فتحة البناء؛ لأن الأمر يكون مبنيًا على هذه الفتحة؛ نحو: اسعَيَن فى الخير، وادعُوَن له، واقضيَن بالحق. "4" يبنى على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين؛ مثل: اخرجَا، أو واو الجماعة، مثل: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ مثل: اخرجِي. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر، مبني على حذف النون، والضمير فاعل "وهو ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة". ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} ، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} - وقول الشاعر: يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلمى ... وعِمِى2 صباحا - دارَ عبلةَ - واسلمِى وأما المضارع فيكون معربًا3 إذا لم يتصل بآخره بنون التوكيد، أونون النسوة. ومن الأمثلة: {إن اللهَ لا يَغفرُ أن يُشْرَكَ بِهِ} . إن تُخْلِصْ فى عملك تنفعْ وطنك. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرًا نون التوكيد الخفيفة أوالثقيلة بنى على الفتح4 مثل: والله لأقومَنْ بالواجب. ولأعْمَلنَّ ما فيه الخير،
وقول الشاعر: لا تأخذن1 من الأمور بظاهر ... إن الظواهر تخدع الراءينا فإن كان الاتصال غير مباشر؛ بأن فصل بين نون التوكيد والمضارع فاصل ظاهر؛ كألف الاثنين، أومقدر؛ كواوالجماعة، أوياء المخاطبة - فإنه يكون معربًا ... فمثال ألف الاثنين "ولا تكون إلا ظاهرة" ماذا تعرف عن الصانعَيْن، أيقومانّ بعملهما؛ ومثال واو الجماعة المقدرة: هؤلاء الصانعون أيقومُنّ بعملهم؟ ومثال ياء المخاطبة المقدرة: أتقُومِنّ بعملك يا زميلتي؟ وإن اتصلت به نون النسوة فإنه يبنى على السكون2؛ مثل: إن الأمهاتِ يبذلْن ما يقدرْنَ عليه لراحة الأبناء. ولا يكون اتصالها به إلا مباشرًا3، كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . فللمضارع حالتان؛ الأولى: الإعراب؛ بشرط ألا يتصل بآخره -مباشرة- نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، أو نون النسوة. وإذا أعرب كان مرفوعًا إن لم يسبقه ناصب ينصبه، أو جازم يجزمه. والثانية: البناء: إما على الفتح إذا اتصلت بآخره -مباشرة- نون التوكيد. وإما على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة4. وإذا كان المضارع مبنيًّا لاتصاله بإحدى النونين وسبقه ناصب أو جازم وجب
أن يكون مبنيًّا فى محل نصب أو جزم، أيْ أنه يكون مبنيًّا فى اللفظ، معربًا فى المحل1". ولهذا أثر إعرابيّ يجب مراعاته. ففى التوابع -مثلا- كالعطف، إذا عطف مضارع على المضارع المبني المسبوق بناصب أو جازم وجب فى المضارع المعطوف أن يتبع محل المعطوف عليه فى النصب أو الجزم دون البناء2. وكذلك المضارع المبني إن كان معطوفًا عليه؛ فإنه يكون مبنيًّا فى محل رفع، فى الرأي المشهور الذى سبقت الإشارة إليه3. ويتبعه في هذا الرفع المحلي-دون البناء2- المضارع "المعطوف".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" الإعراب المحليّ والتقديريّ. يتردد على ألسنة المعربين أن يقولوا فى المبنيات، وفى كثير من الجمل المحكية وغير المحكية، إنه فى محل كذا - من رفع، أونصب، أوجر، أوجزم ... فما معنى أنه فى محل مُعَيَّن؟ فمثلا: يقولون فى "جاء هؤلاءِ" ... إن كلمة: "هؤلاءِ" مبنية على الكسر فى محل رفع فاعل - وفى: "قرأت الصحف من قبلُ" ... إن كلمة: "قبلُ" مبنية على الضم فى محل جر ... وفى: "رأيت ضيفًا يبتسم"، إن الجملة المضارعية فى محل نصب صفة1 ... وهكذا. المراد من أن الكلمة أوالجملة فى محل كذا، هوأننا لووضعنا مكانها اسما معربًا لكان مرفوعًا، أومنصوبًا، أومجرورًا. وفى بعض الحالات لووضعنا مكانها مضارعًا معربًا لكان منصوبًا أومجزومًا2. .... فهى قد حلَّت محل ذلك اللفظ المعرب، وشغلت مكانه، وحكمه الإعرابى الذى لا يظهر على لفظها3. 2- أما "التقديرى" فقد سبق4 أنه العلامة الإعرابية التى لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب؛ بسبب أن ذلك الحرف الأخير حرف علة لا تظهر عليه الحركة الإعرابية، كالألف فى مثل: إن الهدَى هدَى الله، واستجب لداعى الهدى. ونتيجة لما سبق يكون "الإعراب المحلى" مُنصَبًّا على الكلمة المبنية كلها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو على الجملة كلها، وليس على الحرف الأخير منهما. وأن التقديرى مُنصب على الحرف الأخير من الكلمة. وهناك رأى آخر لا يجعل الإعراب المحلى مقصورًا على المبنى وبعض الجمل - كرأى الأكثرية - وإنما يدخل فيه أيضًا بعض الأسماء المعربة صحيحة الآخر بشرط ألا يظهر فى آخر الكلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب، ومن أمثلته عنده: ما جاءنى من كتاب، فكلمة "كتاب" مجرورة بالحرف: "مِن" الزائد. وهى فى محل رفع فاعل للفعل: "جاء". وقد تحقق الشرط فلم يجتمع فى آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأى الأول يدخلون هذا النوع فى التقديرى فيقولون فى إعرابه: مجرور لفظًا مرفوع تقديرًا1 ... والخلاف لفطىّ. ولعل الأخذ بالرأى الثانى أنفع، لأنه أعمّ. ويدخل فى الإعراب المحلى عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التى لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فى رأى سلف2. - وكما سيجئ فى جـ 2 ص 350 م 89 - والمنادى المستغاث "جـ4" هذا ولا يمكن إغفال الإعراب المحلى والتقديرى، ولا إهمال شأنهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما - مثلا - بغير معرفة الحركة المقدرة3 أوالمحكية بل يستحيل توجيه الكلام على أنه فاعل أومفعول، أومبتدأ، أو: مضارع مرفوع - وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منهما. 4 وهناك كلمات يضبط آخرها بعلامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء، وإنما هو ضبط صوري ظاهري، قصد به مجاراة الكلمة لكلمة قبلها في نوع العلامة، مجاراة ظاهرية، ولا يصح أن يكون للكلمة المتأخرة منهما محلي إعرابي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيجيء بيان هذا النوع في موضعه المناسب1. "ب" تلمس النحاة أسبابًا للبناء والإعراب، أكثرها غير مقبول. وسنشير إليه، داعين إلى نبذه. قالوا فى علة بناء الفعل: إن الفعل لا تتعاقب عليه معان مختلفة، تفتقر فى تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل المختلفة التى تقتضى ذلك. فالفعل - وحده - لا يؤدى معنى الفاعلية، ولا المفعولية، ولا غيرهما مما اختص به الاسم وكان سببًا فى إعرابه - كما سبق2، إلا المضارع فإنه قد يؤدى معنى زائدًا على معناه الأصلى، بسبب دخول بعض العوامل. فحين نقول؛ لا تهملْ عملك، وتجلسْ فى البيت "بجزم: تجلسْ" يكون المعنى الجديد: النهى عن الجلوس أيضًا، "بسبب مجئ الواوالتى هى لعطف الفعل على الفعل هنا". وحين نقول: لا تهملْ عملك، وتجلسَ فى البيت "بنصب: تجلسَ" يكون المعنى الجديد: النهى عن اجتماع الأمرين معًا، وهما الإهمال والجلوس. فالنهى منصب عليهما معًا، بحيث لا يجوز عملهما فى وقت واحد؛ فلا مانع أن يقع أحدهما وحده بغير الآخر، ولا مانع من عمل كل منهما فى وقت يخالف وقت الآخر - "والواوهنا للمعية وهى التى اقتضت ذلك". وإذا قلت: لا تهمْل القراءة، وتجلسُ "برفع: تجلسُ"، فالنهى منصب على القراءة وحدها، أما الجلوس فمباح. "فالواوهنا: للاستئناف، وهى تفيد ذلك المعنى. " فالمضارع قد تغيرت علامة آخره على حسب تغير المعانى المختلفة، والعوامل التى تعاقبت عليه، فأشبه الاسم من هذه الجهة، فأُعرب مثله. أما بناؤه مع نون التوكيد، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال، فوجود أحداهما فيه أبعده من مشابهة الاسم المقتضية للإعراب، فعاد إلى الأصل الأول فى الأفعال؛ وهوالبناء؛ لأن الأصل فيها البناء - كما سبق - وأما الإعراب فى المضارع أحيانًا، فأمر عارض، وليس بأصيل..... هكذا يقولون! وليس بمقبول، فهل يقبل أن سبب بناء الحرف هو
زيادة وتفصيل: "أ"- جمع بعض النحاة1 أشهر المبنيات لزومًا، "سواء أكانت أسماء، أم أفعالا، أم حروفا" وأوضح بالشرح والتمثيل هذا الأشهر وعلامات بنائه..وفيما يلي البيان موجزا مختصرا، ومشتملا على بعض المبنيات جوازا، -وهي التي صرح عند الكلام عليه بالجواز. "ملاحظة هامة" سبق أن أشرنا في هامش ص76.. أن المبني لا تراعي ناحيته اللفظية مطلقا في توابعه. أو غيرها -فتوابعه إنما يساير محله فقط إذا كان له محل من الإعراب. وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحلي. واستثنينا من هذا الحكم نعت المنادي: "أي وأية" واسم الإشارة الذي ونودي للتوصل بندائه إلى نذاء ما فيه "أل" على الوجه الموضح تفصيله في الباب الخاص بتوابع المنادى ج4 - ص39 م 130.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالته فى الجملة على معنى فى غيره، وعدم دلالته وهومستقل على ذلك المعنى التركيبىّ؛ فلا حاجة له بالإعراب؛ لأن وظيفة الإعراب تمييز المعانى التركيبية بعضها من بعض؟ إذاً لم التفرقة فنقول إن كلمة: "ابتداء" وحدها التى تفهم من الحرف: "مِن" هى اسم، وكلمة: "مِن" نفسها هى حرف، مع أنها تفيد عند وضعها فى الجملة معنى الابتداء، فكلاهما يتوقف فهمه على أمرين؛ شىء كان هوالمبتدِئ، وشىء آخر كان المبتدأ منه؟ هل السبب ما سطروه من دليل جدلىّ مرهق، هو: أن معانى الأسماء تتوقف على أمور كلية معلومة لكل فرد بداهة، فكأنها مستقلة؛ مستغنية عن غيرها؟ فلفظة: "ابتداء" عندهم معناها مطلق ابتداء شىء من شىء آخر، بغير تخصيص، ولا تعيين، ولا تحديد. وشىء هذا شأنه يمكن أن يعرفه كل أحد، ويدركه بالبداهة كل عقل. بخلاف معنى الابتداء فى لفظة: "مِن" حين نقول مثلا: سرت من القاهرة، فإن الابتداء هنا خاص مقَيد بأنه ابتداء "سير" لا ابتداء قراءة:، أوأكل، أوكتابة، أوسفر. أو ... وأنه ابتداء "سير" من مكان معين؛ هو: القاهرة. فليس الابتداء فى هذا المثال معنى مطلقًا كما فى سابقه، وليس فهمه ممكنًا إلا بعد إدراك أمرين مخصوصين؛ يتوقف فهمه عليهما، ولا يعرفان إلا بالتصريح باسمهما، هما: السير والقاهرة. أى: أن المعنى إن لوحظ فى ذاته مجردًا من كل قيد، كان مستقلا، وكان التعبير عنه من اختصاص الاسم، "كالابتداء"، وإن لوحظ حاله بين أمرين، كان غير مستقل، وكان التعبير عنه مقصورًا على الحرف1 ... فهل نَقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أوكثيرًا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟ ثم يعود النحاة فيقولون2: إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف، مثل: "مَنْ" و"أين" و"كيف" وغيرها من أسماء الاستفهام ... ومثل "مَنْ"، و"ما" وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق ... فأسماء الاستفهام إن دلت على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها؛ فكلمة: "مَن" الاستفهامية، اسم؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمَّى خاص بها، إنسانًا غالبًا، أوغير إنسان - وتدل على الاستفهام من خارجها، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرًا ... فكأنك إذا قلت: مَن عندك؟ تفترض أن الأصل أمَن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان: "الهمزة"، وهى حرف معنى، و"مَن" الدالة على المسمى بها، أى: على الذات الخاصة التى تدل عليها: "مَنْ" فلما كانت "مَن" لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر، استغنى وجوبًا عن همزة الاستفهام لفظًا، للزومها كلمة: "من" معنى، وصارت "مَن" نائبة عنها حتمًا؛ ولذلك بنيت؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة "لفظية"، مرجعها لفظها، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها. ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة: "فى" مع الظروف جوازًا؛ لأن الأمر مختلف؛ إذ الظرف ليس متضمنًا معنى: "فى" بالطريقة السالفة، فيستحق البناء كما بنيت "مَن" الاستفهامية، وإنما كلمة: "فى" محذوفة من الكلام جوازًا لأجل التخفيف؛ فهى فى حكم المنطوق به؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة. وكذلك كلمة: "أين" تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها، هو: المكان، وتدل أيضًا على الاستفهام فيما بعدها، وهومعنى آخر جاءها من خارجها؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبًا؛ لوجود ما يتضمن معناها. وكلمة: "كيف: تطل على معنى فى نفسها، وهو: الحال، وتدل على معنى فيما بعدها، وهو: الاستفهام، على الوجه السالف، وكذلك أسماء الشرط ... فإن كلمة: "مَن" تدل على العاقل - غالبًا - بنفسها، وكلمة: "ما" تدل -غالبًا- على غير العاقل بنفسها، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، ونحوها - تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد، إحداهما: اسم يدل على مسمى، والأخرى: حرف يدل على معنى فى غيره، وهذا الحرف يجب حذفه لفظًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديراً1 ويؤدى معناه تماماً. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف - فى خيال بعض النحاة - فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنًا يبعده من مشابهة الحرف. ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هولسبب، وأن الحركة تكون ضمة، أوفتحة، أوكسرة، لسبب آخر، بل لأسباب!! فما هذا الكلام الجدلي2؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخُلَّص أصحاب اللغة، أويخطر ببالهم؟ علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أوبنَوه. من غير جدَل زائف، ولا منطق متعسف، وأن الفيصل فيهما راجع "كما قال بعض السابقين"3 إلى أمر واحد؛ هو: "السماع عن العرب الأوائل"، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا لا يصح الأخذ بما قاله كثرة النحاة4 من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية5 فى أحد أمور أربعة: أولها: الشبه الوضعى: بأن يكون الاسم موضوعًا أصالة على حرف واحد، أوعلى حرفين ثانيهما لِين، مثل: التاء، ونا، فى: جئتنا، وهما ضميران مبنيان؛ لأنهما يشبهان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرف الموضوع على مقطع واحد، كباء الجر، وواو العطف، وغيرهما، من الحروف الفردية المقطع، أو ثنائية المقطع، مثل، قد، هل، لم. ولو صح هذا، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التي تزيد على حرفين، مثل، نحن، وإيا ... وسألنا عن سبب إعراب أب، وأخ، ويد، ودم، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات، ولكنها مصنوعة، صادفتها اعتراضات أخرى، ثم إجابات، وهكذا مما سجلته المراجع. ثانيهما الشبه المعنوي: بأن يتضمن الاسم بعد وضعه في جمله معنى جزئيا غير مستقل، زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حالة انفراده، وعدم وضعه في جملة. وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئي عندهم هو: "الحرف". ومعنى هذا: أن الاسم قد خلف الحرف فعلا، وحل محله في إفادة معناه، وصرف النظر عن الحرف نهائيا فلا يصح ذكره، ولا اعتبار أنه ملاحظ، فليس حذفه للاقتصار كحذف: "في" التي تتضمنها أنواع من الظروف، أو حذف كلمة: "من" التي تتضمنها أنواع من التمييز، فإن هذا التضمن في الظرف والتمييز لا يقتضي البناء- كما يقولون-. لأنه ليس باللازم المحتوم. أما التضمن الذي يقتضي البناء عندهم، فهو التضمن اللازم المحتم الذي يتوقف عليه المعنى الذي قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام، مثل: مى تحضر أكرمك- ومتى تسافر؟ فكلمة: "متى" في المثال الأول تشبه الحرف "إن" في التعليق والجزاء، وهي في المثال الثاني تشبه همزة الاستفهام، فكلتاهما اسم من جهة، ومتضمنة معنى الحرف من جهة أخرى، فمتى الشرطية وحدها تدل على مجرد تعلق مطلق، ولكنها بعد وضعها في الجملة دلت عليه وعلى معنى في الجملة التي بعدها، وهو تعليق شيء معين بشيء آخر معين: أي: توقف وقوع الإكرام على وقوع الحضور، فحصول الأمر الثاني المعين: مرتبط بحصول الأول المعين ومقيد به1 ... وهي2 وحدها في الاستفهام تدل على مجرد الاستفهام والسؤال، من غير تقيد بدلالة على الشيء الذي تسأل عنه، أو عن صاحبه، أو غير ذلك. لكنها بعد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعها فى الجملة دلت على معنى جزئى جديد؛ فوق المعنى السابق: هو أن السؤال متجه إلى معنى محدد. هو الحضور، ومتجه إلى المخاطب أيضًا...... وكذلك اسم الإشارة1، مثل كلمة: هذا؛ فإنها وهى منفردة، تدل على مطلق الإشارة، من غير دلالة على مشار إليه أو نوعه؛ أهو محسوس أم غير محسوس؟ حيوان أم غير حيوان؟ لكن إذا قلنا: هذا محمد، فإن الإشارة صارت مقيدة بانضمام معنى جديد إليها؛ هو الدلالة على ذات محسوسة لإنسان2. فإن صح ما يقولونه من هذه التعليلات، فماذا أعربت: "أيّ" الشرطية، و"أيّ" الاستفهامية، وأسماء الإشارة المثناة؛ مثل: هذان عالمان، وهاتان حديقتان؟ نعم؟ لهذا عندهم إجابة، وعليها اعتراض، ثم إجابة، ثم اعتراض ... وهكذا مما تموج به الكتب الكبيرة. ثالثها: الشبه الاستعمالي: بأن يكون الاسم عاملًا في غيره، ولا يدخل عليه عامل -مطلقا- يؤثر فيه، فهو كالحرف: في أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال. مثل: هيهات القمر، وبله المنسيء، "فهيهات": اسم فعل ماض، بمعنى: بعد جدا، وفاعله. القمر، و "بله": اسم فعل أمر، بمعنى: اترك، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، و "المسيء": مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع في الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب في المفعول به، ولا يدخل على واحد من اسمي الفعل عامل يؤثر فيه. رابعها: الشبه الافتقاري. وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارا لازما إلى جملة بعده، "أو ما يقوم مقامها، كالصفة الصريحة في صلة أل"3" أو إلى شبه جملة، كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أو ما يقوم مقامها، أو شبهها، تسمى، جملة الصلة، لتكمل المعنى، فأشبه الحرف في هذا، لأن الحرف، موضوع - غالبا لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء، فلا يظهر معناه إلا بوضعه في جملة، فهو محتاج إليها دائما، فاسم الموصول بأن يكون الاسم عاملا فى غيره، ولا يدخل عليه عامل - مطلقًا - يؤثر فيه فهوكالحرف: فى أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال، مثل: هيهات القمر، وبَلْهَ المسيء، فهيهات: اسم فعل ماض، بمعنى بَعُد جدًّا، وفاعله القمر، وبله: اسم فعل أمر، بمعنى: اتركْ، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، والمسىء: مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع فى الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب فى المفعول، ولا يدخل على واحد من اسمى الفعل عامل يؤثر فيه. رابعها: الشبه الافتقارى: وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارًا لازمًا إلى جملة بعده، أوما يقوم مقامها - كالوصف فى صلة "أل"3 -أو إلى شبه جملة؛ كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أوما يقوم مقامها، أوشبهها، تسمى: جملة الصلة؛ لتكمل المعنى، فأشبه الحرف فى هذا؛ لأن الحرف، موضوع -غالباً- لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء فلا يظهر معناه إلا بوضعه فى جملة، فهو محتاج إليها دائمًا. فاسم الموصول يشبهه من هذه الناحية: فى أنه لا يستغني مطلقًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن جملة بعده، أو ما ينوب عنها، أو شبهها، يتم بها المعنى. فإن صح هذا فلم أعربت ... "أي" الموصولة -أحياناً- و"اللذان"، و"اللتان"؟ أجابوا: أن السبب هو ما سبق في نظائرها؛ من الإضافة فى كلمة: "أي" والتثنية فيما عداها. والإضافة والتثنية من خصائص الأسماء، فضعف شبه تلك الكلمات بالحروف، فلم تُبْن. وعلى هذه الإجابة اعتراض، فإجابة، فاعتراض ... فما هذا العناء فيما لا يؤيده الواقع، ولا تساعفه الحقيقة؟ وأى نفع فيما ذكر من أسباب البناء وأصله، ومن سبب ترك السكون فيه إلى الحركة، وسبب اختيار حركة معينة لبعض المبنيات دون حركة أخرى ... خامسها: الشبه اللفظى: زاده بعضهم1، ومثَّل له بكلمة "حاشا" الاسمية قائلا: إنها مبنية لشبهها "حاشا" الحرفية فى اللفظ. وكذا بكلمة "علَى" الاسمية، و"كلاّ" بمعنى "حقًّا. و"قَدْ" الاسمية. وقيل إن الشبه اللفظى مجوّز للبناء، لا محتم له. وعلى هذا يجوز فى الأسماء السابقة أن تكون معربة تقديراً كإعراب الفتى. ما عدا "قَدْ" فإنها تعرب لفظًا - كما سبق2. وهناك أنواع أخرى من الشبه لا قيمة لها. إن الخير فى إهمال كل هذا، وعدم الإشارة إليه فى مجال الدراسة والتعليم، والاستغناء عنه بسرد المواضع التي يكون فيها الاسم مبنيًّا وجوبًا، وهوالعشرة الماضية3 ومبنى جوازًا فى مواضع أخرى ستذكره فى مواطنها. ج- اشترطوا فى إعراب المضارع - كما سبق4 - ألا تتصل به اتصالا مباشرًا نونُ التوكيد، أونون الإناث5؛ فالمضارع معرب فى مثل: "هل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقومانِّ؟ وهل تقُومُنَّ؟ وهل تقومِنَّ"؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرًا، ولم تلتصق بآخره، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر، وهو: ألف الاثنين، أوالمقدر، وهوواوالجماعة، أوياء المخاطبة؛ فأصل تقومانِّ: تقومانِنَّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالِى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وكلها ليس أصليًا، وإنما هومن حروف الزيادة1 - أمر مخالف للأصول اللغوية، فحذفت في الظاهر2 نون الرفع؛ لوجود ما يدل عليها، وهوأن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أوجازم يقتضى حذفها، ولم تحذف نون التوكيد المشددة، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها، وهوتوكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف3. فلما حذفت النون الأولى من الثلاث، وهى نون الرفع، كسرت المشددة، وصار الكلام؛ "تقومانِّ"4. وأصل "تقُومُنَّ" هو: "تقومونَنَّ" حذفت النون الأولى للسبب السالف،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصار "تقومونَّ"؛ فالتقى ساكنان ... واوالجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها؟ فحذفت الواوللتخلص من التقاء الساكنين. وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها؛ وهى: "الضمة" ولم تحذف النون، مراعاة للغرض البلاغى السابق؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها. ومثل ذلك يقال فى: "تقومِنَّ" فأصلها: "تقومينَنَّ" حذفت النون الأولى، وبقيت نون التوكيد المشدد، فصار اللفظ أنت تقومينَّ؛ فالتقى. ساكنان: ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها، ولم تحذف النون للحاجة إليها، فصار اللفظ تقومِنَّ1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعند إعراب "تقومُنَّ ... السابقة، أو تقومِنَّ ... نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة1 لتوالي النونات، والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين "واو الجماعة، أو: ياء المخاطبة" فاعل، مبني على السكون في محل رفع. وعند إعراب "تقومانِّ" نقول فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالي النونات. والنون المشددة للتوكيد. ومثل هذا فى قوله تعالى: {لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم} فأصل ... تُبْلَوُنَّ: تُبْلَوُونَنَّ؛ تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفًا، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع واوالجماعة، ثم حذفت نون الرفع لتوالى النونات، فالتَقَى ساكنان: واوالجماعة للتخلص من اجتماع الساكنين. ولم تحذف الواولعدم وجود علامة قبلها تدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد أوتخفف لوجود داع بلاغىّ يقتضى بقاءها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الواوبالضمة، التى تناسبها. وكذلك "تَرَيِنَّ" فى قوله تعالى يخاطب مريم: {فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولى إنى نذرتُ للرحمن صومًا فلنْ أكَلِّم اليوم إنسيًّا} . أصلها: تَرْأيينَنّ، نقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفًا2،
................... ................... .............
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجئ نون التوكيد؛ فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشراً. وإن كان مرفوعاً بالنون قبل مجيئها فإنه لا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أوالمقدر وهو: الضمير. هـ- قلنا إن الماضى يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به التاء المتحركة التى هى ضمير "فاعل"، أو"نا" التى هى فاعل كذلك، أونون النسوة وهى ضمير فاعل أيضًا، كما يبنى على الضم فى آخره إذا اتصل به واوالجماعة. لكن كثير من النحاة يقول إن هذا السكون عَرَضىّ طارئ؛ جاء ليمنع الثقل الناشئ من توالى أربع حروف متحركة فى كلمتين، هما أشبه بكلمة واحدة، "أى: فى الفعل وفاعله التاء، أونا، أونون النسوة"، فليس السكون فى رأيهم مجلوبًا من أثر عامل دخل على الفعل؛ فاحتاج المعنى لجلبه. لهذا يقولون فى إعرابه: بنى على فتح مقدر، منع من ظهوره السكون العارض ... وكذلك يقولون فى الضمة التى قبل واوالجماعة؛ إنها عرضية طارئة؛ لمناسبة الواوفقط، وإن الفعل بنى على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة1 ... إلخ. ولا داعى لهذه التقدير والإعنات. فمن التيسير الذى لا ضرر فيه الأخذ بالرأى القائل بأنه بنى على السكون مباشرة فى الحالة الأولى، وعلى الضم فى الحالة الثانية. و ليس من المبنى الأسماء المقصورة؛ مثل: الفتى، الهدَى، المصطفى، ولا الأسماء المنقوصة؛ مثل: الهادى، الداعى، المنادى؛ لأن ثبات آخرها على حال واحدة إنما هوظاهرى بسبب اعتلاله؛ ولكنه فى التقدير متغير؛ فهى معربة تقديرًا؛ بدليل أنها تثنى وتجمع فيتغير آخرها؛ فنقول فى الرفع: الفَتيان، والفَتَوْنَ. وفى النصب والجر: الفَتَيين والفَتَيْنَ. وكذلك: الهاديان، والهاديين والهادون والهادين ... وكذا الباقى. أما بناء اسم لا - أحياناً - وبعض أنواع المنادى فهوبناء عارض لا أصيل؛ يزول بزوال سببه وهووجود: "لا" و"النداء"، فمتى زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنى الأصيل؛ فإن بناءه دائم ...
المسألة السابعة: أنواع البناء والإعراب
المسألة السابعة: أنواع 1 البناء والإعراب، وعلامة كل منهما 2 للبناء أنواع أصلية، وأخرى فرعية تنوب عنها. فالأصلية أربعة: 1- السكون3 وهو أخفها. يدخل أقسام الكلمة الثلاثة؛ فيكون فى الاسم؛ مثل: كَمْ، ومَنْ. ويكون فى الحرف مثل: قدْ، وهلْ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المتصل بضمير رفع متحرك، أو بنون النسوة، مثل: حضرْتَُِ "بفتح التاء، وضمها، وكسرها" حضرْنا، النسوة حضرْن. وفي الأمر المجرد صحيح الآخر؛ مثل: اجْلسْ واكتبْ ... وفي المضارع المتصل بنون النسوة: مثل: الطالبات يتعلمْن ويعلمْن ... 2- الفتح، ويدخل أقسام الكلمة الثلاثة، فيكون فى الاسم؛ مثل: كيفَ وأينَ. ويكون فى الحرف؛ مثل: سَوْفَ، وثُمَّ. ويكون في الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المجرد؛ مثل: كتَبَ، نَصَر، دعا. والفتح في: "دعا" وأمثالها، مما هو معتل الآخر بالألف، يكون مقدرًا. وفي المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد فى آخرهما؛ مثل: والله لأسافرَن في طلب العلم. سافرَن، يا زميل، فى طلب العلم. 3- الضم، ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل، فمثال الاسم: حيثُ، والضم فيه ظاهر. وقد يكون مقدرًا فى مثل: "سيبويه" عند النداء: تقول: يا سيبويهِ؛ فهو مبني على الكسر لفظًا، وعلى الضم تقديرًا4 في محل نصب في الحالتين. ومثال الحرف: "منذُ" "على اعتبارها حرف جر". أما الضم في آخر الفعل في مثل: الأبطال حضرُوا.... فليس بأصليّ،
وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو -كما سبق1. 4- الكسر. ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل أيضًا؛ فمثال الاسم: هؤلاءِ. ومثال الحرف: باء الجر فى "بِك" ... والعلامات الفرعية التى تنوب عن الأصلية أشهرُها خمس: 1- ينوب عن السكون حذفُ حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر؛ مثل الفعل: اخْشَ، وارمِ، واسْمُ؛ في نحو: اصفحْ عن المعتذر لك، واخْشَ أن يقاطعك، وارمِ من ذلك إلى كسب مودته، واسْمُ بنفسك عن الصغائر. وينوب عن السكون أيضًا حذف النون فى فعل الأمر، المسند للألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مثل: اكتبا، اكتبوا، اكتبي. 2- وينوب عن الفتح الكسرةُ فى جمع المؤنث المبني، الواقع اسم "لا" النافية للجنس. نحو: لا مهملاتِ هنا "وفى هذا نيابة عن حركة بناء عن حركة أخرى". وينوب عن الفتح أيضًا الياء فى المثنى المبنيّ، وفي جمع المذكر المبنيّ، إذا وقع أحدهما اسم: "لا" النافية للجنس، نحو: لا غائبَيْن. ولا غائبِينَ هنا "هذه نيابة حرف عن حركة بناء". 3- وينوب عن الضم الألف فى المثنى؛ إذا كان منادى مفردًا2 علَمًا، نحو: يا محمدان، أو كان نكرة مقصودة؛ مثل: يا واقفان اجلسا؛ لاثنين معينين "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء". وتنوب الواو عن الضمة في جمع المذكر المبني إذا كان منادى مفردًا علمًا. نحو؛ يا محمدون "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء أيضًا". ومما تقدم نعلم أن الكسر فى البناء لا ينوب عنه شيء؛ وأن السكون ينوب عنه شيئان، وكذلك الفتح، والضم. كما نعلم أن الضم والكسر يكونان في الاسم والحرف، ولا يكونان في الفعل. وفي الجدول التالي تلخيص لكل ما تقدم:
علامات البناء الأصلية، والفرعية، ومواضعها: جدول يسحب اسكانر إلى هنا انتهى الكلام على علامات البناء الأصلية والفرعية2.
ب- وللإعراب أنواع أربعة: 1- الرفع؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل: سعيدٌ يقومُ، ومثل الخبر والمضارع فى قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا: يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هوصَيْرَفٌ ... يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب 2- النصب؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ. 3- الجر؛ ويدخل الاسم فقط، مثل: باللهِ أستعين. 4- الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل1: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ، وقول الشاعر: إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتى ... فَسّمِ الفتى ميْتًا، وموطنَهُ قبْرَا فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع. ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلية، وعلامات فرعية تنوب عنها: فالعلامات الأصلية أربعة هى: الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب، والكسرة2 فى حالة الجرّ، والسكون "أى: عدم وجود حركة" فى حالة الجزم؛ فتقول فى الكلمة المرفوعة "فى مثل: سعيد يقوم": مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة؛ وفى الكلمة المنصوبة "في مثل: إن عليًّا لن يسافر": منصوبة، وعلامة نصبها الفتحة: وفي المجرورة: علامة جرها الكسرة، وفي المجزومة: علامة جزمها السكون3 ...
أما العلامات الفرعية التى تنوب عن تلك العلامات الأصلية فهي عشر؛ ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وينوب في بعض آخر حرف عن حركة أصلية1. وينوب في بعض ثالث حذف حرف عن السكون؛ "فيحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم، وكذلك تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم". والمواضع التى تقع النيابة فيها سبعة، تسمى أبواب الإعراب بالنيابة، وهي: أ- الأسماء الستة2. ب- المثنى3. حـ- جمع المذكر السالم4. د- جمع المؤنث السالم5. هـ- الاسم الذى لا ينصرف6. و الأفعال الخمسة7. ز- الفعل المضارع المعتل الآخر8.
وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فيما يأتي: 1- ينوب عن الضمة ثلاثة أحرف، هى: الواو، والألف، والنون. 2- ينوب عن الفتحة أربعة، هي: الكسرة والألف، والياء، وحذف النون. 3- ينوب عن الكسرة حرفان، هما: الفتحة؛ والياء. 4- ينوب عن السكون حذف حرف، إما حرف علة في آخر المضارع المعتل المجزوم، أو حذف النون من آخره إن كان من الأفعال الخمسة المجزومة. وفيما يلي تفصيل الأحكام الخاصة بكل واحد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ما السبب في أن للبناء علامات خاصة، وللإعراب أخرى؟ أ- قال شارح المفصّل1 ما نصه: "اعلم أن سيبويه وجماعة من البصريين قد فصَلوا بين حركات الإعراب وسكونه، وبين ألقاب حركات البناء وسكونه، وإن كانت فى الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتح المطلق2 لقبًا للمبني على الفتح، والضم لقبًا للمبني على الضم، وكذلك الكسر، والوقف3. "وجعلوا النصب لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفع، والجر، والجزم، ولا يقال لشيء من ذلك مضموم مطلقًا، أو مفتوح، أو مكسور، أو ساكن - فلا بد من تقييد، لئلا يدخل "المعرب" فى حيز المبنيات. أرادوا بالمخالفة بين ألقابها إبانة الفرق بينهما؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع عُلم أنه بعامل يجوز زواله، وحدوث عامل آخر يُحدث خلاف عمله، فكان فى ذلك فائدة وإيجاز؛ لأن قولك: مرفوع، يكفي عن أن يقالَ له: مضموم ضمة تزول، أو ضمة بعامل. وربما خالف فى ذلك بعض النحاة وسمّي ضمة البناء رفعًا، وكذلك الفتح والكسر والوقف. والوجه هو الأول، لما ذكرناه من القياس، ووجه الحكمة. " اهـ. ب- في بعض اللهجات العربية تنقلب ألف المقصور ياء عند إضافته لياء المتكلم وتدغم الياءان ففي مثل: هدى، يقال: "هدى" في كل حالات الإعراب، فيكون معربا بالياء التي أصلها الألف بدل حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، وهذا مما ناب فيه حرف عن حركة أصلية. وهو من اللهجات الضعيفة التي لا يحسن العمل بها اليوم. "وسيجيء الكلام عليها في هامش ص 189 ثم في المكان الأنسب لها، وهو: باب الإضافة لياء المتكلم، جـ3 م 97 ص 174". ج- قد تكون الكلمة مضبوطة ضبطًا معينا بعلامة لا توصف بأنها علامة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعراب أو بناء1، وإنما هي علامة صورية ظاهرية، جاءت لمجرد المماثلة والمشابهة بين ضبط هذه الكلمة المتأخرة وضبط كلمة قبلها مباشرة. ومن هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} . فكلمة: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب، وكلمة: "الناس"، عطف بيان. وضمتها ضمة مماثلة ومشابهة" لأي"، وهذه الضمة ليست للبناء ولا للإعراب، وإنما هي ضمة صورية ظاهرية، قصد بها المحاكاة المحضة، وليس لكلمة "الناس" محل إعرابي في أشهر قولين، مع أننا أعربناها عطف بيان. ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . فكلمة: "أية" منادى مبني على الضم في محل نصب. وكلمة: "النفس" عطف بيان، مضبوطة بالضمة التي جاءت لتكون هذه الكلمة مماثلة لسابقتها في العلامة. وليس لها محل إعرابي "في أشهر رأيين"، بالرغم من إعرابها عطف بيان. وكلمة: "المطمئنة"، صفة للنفس، مضمومة بضمة مشابهة أيضًا. على أن إيضاح هذا وتفصيله في مكانه الأنسب، "وهو باب: "تابع المنادى" ج4 م130 ص 44 وباب: "الاختصاص"، جـ4 م 139 ص 117 عند الكلام على: "أي وأية" فيهما ... ". وهناك نوع آخر من الألفاظ لا يوصف بأنه معرب أو مبني ولكنه يزاد لغير معنى لغوي- وقد تكون زيادته لمجرد المدح، أو الذم، أو التلميح ... وليس له ضبط إعرابي خاص به، وهذا النوع يسمى: "الأتباع" - بفتح الهمزة- وسيجيء حكمه في باب الحال "جـ2 م 84- رقم 3 من هامش ص 366 وفي باب النعت "جـ3 م 144 ص 452" بما ملخصه: أن اللفظ قد يجيء عرضا بعد كلمة تسبقه، فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، مثل: محمد حسن بسن، واللص شيطان نيطان، أو: عفرين نفريت ... ويذكر في إعرابه أنه تبع للأولى، أي: من أتباعها، لكن ليس من التوابع الأربعة المعروفة التي هي النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل ... ولا يجري عليه شيء من أحكام هذه التوابع الأصلية وكل حكمه مقصور على أنه مثل ما قبله في الوزن وضبط الآخر ضبطا لا يوصف بإعراب ولا بناء. وحركته تختلف اختلافا واسعا كذلك عن حركة الإتباع الآتية، في رقم 6 من ص 200.
المسألة الثامنة: الأسماء الستة
المسألة الثامنة: الأسماء الستة أ- الأسماء الستة 1: هى: أبٌ، أخٌ، حَمٌ2، فمٌ، هَنٌ 3، ذُو ... بمعنى صاحب4. فكل واحد من هذه الستة يرفع بالواو نيابة عن الضمة، وينصب بالألف نيابة عن الفتحة، ويجر الياء نيابة عن الكسرة، مثل: اشتهر أبوك بالفضل، أكرمَ الناس أباك، استمع إلى نصيحة أبيك ... ومثل قول الشاعر: أخوكَ الَّذِى إنْ تَدْعُهُ لِمُلِمَّةٍ ... يُجِبْك وإنْ تَغْضَب إلى السَّيْفَ يَغْضَب فتقول: إنَّ أخاك الَّذِى ... - تَمَسَّكْ بأخيك الذى ... ومثل هذا يقال فى سائر الأسماء الستة. لكن يشترط لإعرابِ هذه الأسماء كلها بالحروف السابقة، أربعة شروط عامة، وشرط خاص بكلمة: "فم"، وآخر خاص بكلمة: "ذو". فأما الشروط العامة فهى: ا- أن تكون مفردة، فلوكانت مثناة أومجموعة، أعربت إعراب المثنى أوالجمع، نحو: جاء أبوانِ، رأيت أبوينِ، ذهبت إلى أبوينِ. جاء آباءٌ، رأيت آباءً، ذهبت إلى آباءٍ............ ب- أن تكون مُكبَّرة5؛ فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الثلاثة
الأصلية، في جميع الأحوال، مثل: هذا أُبَيَّك العالم.... إن أُبَيَّكَ عالم ... اقتد بِأُبيِّك...... إلخ. ج- أن تكون مضافة؛ فإن لم تضف أعربت بالحركات الأصلية، مثل: تعهد أبٌ ولدَه ... أحبَّ الولدُ أبًا. اعتَن بأبٍ. وقد اجتمع فى البيت الآتى إعرابها بالحروف وبالحركات، وهو: أبونا أبٌ لو كان للناس كلهم ... أبًا واحدًا أغناهموبالمناقبِ د- أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم؛ فإن أضيفت وكانت إضافتها إلى ياء المتكلم1، فإنها تعرف بحركات أصلية مقدرة قبل الياء، مثل: أبى يحب الحق، إن أبى يحب الحق، اقتديت بأبى فى ذلك. فكلمة: "أب" فى الأمثلة الثلاثة مرفوعة بضمة مقدرة قبل الياء، أومنصوبة بفتحة مقدرة قبل الياء، أومجرورة بكسرة مقدرة أيضًا2. وكذلك باقى الأسماء الستة. إلاّ "ذو" فإنها لا تضاف لياء المتكلم ولا لغيرها من الضمائر المختلفة. أما الشرط الخاص بكلمة: "فَم"، فهوحذف "الميم" من آخرها، والاقتصار على الفاء وحدها. مثل: ينطق "فوك" الحكمة. "أى؛ فمك": إن "فاك" عذب القول. تجرى كلمة الحق على "فيك". فإن لم تحذف من آخره الميم أعرب "الفم" بالحركات الثلاثية الأصلية، سواء أكان مضافًا أم غير مضاف، وعدم إضافته فى هذه الحالة أكثر. نحو: هذا "فمٌ" ينطق بالحكمة - إن "فمًا" ينطق بالحكمة يجب أن يُسمَع - فى كل "فم" أداة بيان. وأما الشرط الخاص بكلمة: "ذو" بمعنى: صاحب3 فهوأن تكون إضافتها لاسم ظاهر دال على الجنس4، مثل: والدي ذو فضل، وصديقي
ذو أدب. وقول الشاعر:
ومَن لا يَكُنْ ذَا نَاصِرٍ يَوْمَ حَقّهِ ... يُغلَّبْ عليه ذُوالنَّصِيرِ، وَيُضْهَدُ1 وما سبق هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة، ولذلك كان أحقها بالاتباع، وأنسبها للمحاكاة، دون غيره. إلا كلمة: "هَن" فإن الأكثر فيها مراعاة النقص فى آخرها، ثم إعابها بالحركات الأصلية بعد ذلك. والمراد بمراعاة النقص فى آخرها أن أصلها "هَنَوٌ"، على ثلاثة أحرف، ثمُ نقصت منها الواو؛ بحذفها للتخفيف، سماعًا عن العرب، وصارت الحركات الأصلية تجرى على النون، وكأنها الحرف الأخير في الكلمة. فعند الإضافة لا تُردُّ الواو المحذوفة كما -ترد فى الغالب- عند إضافة الكلمات التي حذفت من آخرها، فحكم كلمة: "هَن" في حالة الإضافة كحكمها فى عدمها، تقول: هذا "هَنٌ"، أهملتُ "هَنًا" -لم ألتفت إلى "هَنٍ". وتقول: "هَنُ"2 المال قليل النفع. إن "هنَ" المال قليل النفع. لم أنتفعْ "بهَنِ" المال. لكن يجوز فيها بقلة، الإعراب بالحروف، تقول: هذا هَنُو المال، وأخذت هَنَا المال، ولم أنظر إلى هَنِي المال. وإذا كان الإعراب بالحروف بشروطه السابقة هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة إلا كلمة: "هَن" فإن هناك لغة أخرى تليه فى الشهرة والقوة؛ هى: "القَصْر" فى ثلاثة أسماء؛ "أبٌ"، و"أخٌ"، و"حَمٌ"، دون "ذو" و"هن"3 و"فم" 4 ... ومعنى القصر: إثبات ألف5 فى آخر كل من
الثلاثة الأولى فى جميع أحوالها، مع إعرابها بحركات مقدرة على الألف رفعًا ونصبًا وجرًّا؛ مثل: أباك كريم، إن أباك كريم، أثنيت على أباك. فكلمة: "أبا" قد لزمتها الألف في أحوالها الثلاث، كما تلزم فى آخر الاسم المعرب المقصور، وهي مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، أو منصوبة بفتحة مقدرة عليها، أو مجرورة بكسرة مقدرة عليها، فهي في هذا الإعراب كالمقصور. وهناك لغة ثالثة تأتي بعد هذه فى القوة والذيوع، وهى لغة النقص السابقة؛ فتدخل في: "أب" و"أخ" و"حم"، كما دخلت في: "هَن"، ولا تدخل فى: "ذو" ولا "فم" إذا كان بغير الميم. تقول كان أبُك مخلصًا. إن أبَك مخلص، سررت من أبِك لإخلاصه ... وكذا الباقى. فأب مرفوعة بضمة ظاهرة على الباء، أومنصوبة بفتحة ظاهرة1، أو مجرورة بكسرة ظاهرة. ومثل هذا يقال في "أخ" و"حم" كما قيل: في "أب" وفي "هن".
ومما سبق نعلم أن الأسماء الستة لها ثلاث حالات من حيث علامات الإعراب، وقوة كل علامة. الأولى: الإعراب بالحروف، وهو الأشهر، والأقوى إلا فى كلمة: "هن" فالأحسن فيها النقص؛ كما سبق. الثانية: القصر، وهو في المنزلة الثانية من الشهرة والقوة بعد الإعراب بالحروف، ويدخل ثلاثة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحرف. ولا يدخل: "هَن"1. الثالثة: النقص، وهو في المنزلة الأخيرة، يدخل أربعة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحروف كما سبق. فمن الأسماء الستة ما فيه لغة واحدة وهو "ذو" و"فم" بغير ميم. وما فيه لغتان، وهو "هن". وما فيه ثلاث لغات وهو أب، أخ، حم2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بالرغم من تلك اللغات التى وردت عن العرب، يجدر بنا أن نقتصر على اللغة الأولى التى هي أشهر تلك اللغات وأفصحها، وأن نهمل ما عداها1؛ حرصًا على التيسير، ومنعًا للفوضى والاضطراب الناشئين من استخدام لغات وهجمات متعددة. وقد يقالك ما الفائدة من عرض تلك اللغات إذن؟ إن فائدتها هي لبعض الدارسين المتخصصين: وأشباههم؛ إذ تعينهم على فهم النصوص القديمة، المتضمنة تلك اللهجات التى لا تروق اليوم محاكاتها، ولا القياس عليها، ولا ترك الأشهر الأفصح من أجلها. ب- جرى العرف على التسمية ببعض الأسماء الستة السالفة، مثل: أبوبكر، أبوالفضل، ذي النون، ذى يَزَن.... فإذا سمي باسم مضاف من تلك الأسماء الستة المستوفية للشروط جاز فى العلَم المنقول منها أحد أمرين: أولهما: إعرابه بالحروف، كما كان يُعْرف أوّلا قبل نقله إلى العلمية. كما يصح إعرابه بغير الحروف من الأوجه الإعرابية الأخرى التى تجرى على تلك الأسماء بالشروط والقيود التى سبقت عند الكلام عليها، أى: أن كل ما يصح فى الأسماء الستة المستوفية للشروط قبل التسمية بها يصح إجراؤه عليها بعد التسمية. ثانيهما: وهوالأنسب أن يلتزم العَلم صورة واحدة فى جميع الأساليب، مهما اختلفت العوامل الإعرابية، وهذه الصورة هى التى سمى بها، واشتهر، فيقال - مثلا - كان أبوبكر رفيق الرسول عليه السلام فى الهجرة - إنّ أبو بكر من أعظم الصحابة رضوان الله عليهم، أثنى الرسول عليه السلام على أبو بكر خير الثناء ... فكلمة: "أبو" ونظائرها من كل عَلم مضاف صدره من الأسماء الستة يلتزم حالة واحدة لا يتغير فيها آخره، ويكون معها معربًا بعلامة مقدرة، سواء أكانت العلامة حرْفًا أم حركة على حسب اللغات المختلفة السالفة2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما تكون العلامة مقدرة إذا لم توجد علامة إعرابية ظاهرة مناسبة، ففي المثال السابق- كان أبو بكر رفيق الرسول ... تعرب كلمة: "أبو" اسم "كان" مرفوعا بالواو الظاهرة، ولا داعي للتقدير في هذه الصورة، لوجود الواو الظاهرة التي تصلح أن تكون علامة إعرابية مناسبة، وكذلك لو كان العلم هو: "أبا بكر" أو "أبي بكر" فإننا نقول في مثل: "إن أبا بكر عظيم" إنه منصوب بالألف الظاهرة، ولا داعي للتقدير، وفي مثل: "اقتد بأبي بكر ... " إنه مجرور بالياء الظاهرة أيضا. حـ- إذا أعرب أحد الأسماء الستة بالحروف، وأضيف إلى اسم أوله ساكن "مثل: جاء أبو المكارم، ورأيت أبا المكارم، وقصدت إلى أبي المكارم" فإن حرف الإعراب وهو: الواو، أو الألف، أو الياء - يحذف فى النطق، لا في الكتابة. وحذفه لالتقاء الساكنين؛ فهو محذوف لعلة، فكأنه موجود. فعند الإعراب نقول: "أبو" مرفوع بواو مقدرة نطقًا، و"أبا" منصوب بألف مقدرة نطقًا، و"أبي" مجرور بياء مقدرة نطقًا؛ فيكون هذا من نوع الإعراب التقديري بحسب مراعاة النطق. أما بحسب مراعاة المكتوب فلا تقدير. د- من الأساليب العربية الفصيحة: "لا أبا لفلان ... "2 ... فما إعراب كلمة: "أبا" إذا وقعت بعدها اللام الجارة لضمير الغائب، أو لغيره"؟ من الضمائر، أو الأسماء الظاهرة؟ يرى بعض النحاة أنها اسم "لا" منصوبة بالألف، ومضافة إلى الضمير الذى بعدها، واللام التى بينهما زائدة. ومع أنها زائدة هى التى جَرّتْ الضمير دون المضاف، فالمضاف فى هذا المثال وأشباهه لا يعمل فى المضاف.
.......................................................
المسألة التاسعة: المثنى
المسألة التاسعة: المثنى ب- المثنى: أ- أضاء نجم - راقب الفلكي نجما. - اهتديت بنجم. ب- أضاء نجمان. راقب الفلكي نجمين. اهتديت بنجمين. تدل كلمة: "نجم" في الأمثلة الأولى: "أ" على أنه واحد. وحين زدنا في آخرها الألف والنون، أو الياء المفتوح ما قبلها، وبعدها النون المكسورة- دلت الكلمة دلالة عددية على اثنين، كما في أمثلة "ب" واستغنيان بزيادة الحرفين عن أن نقول: "أضاء نجم ونجم. راقب الفلكي نجما ونجما. اهتديت بنجم ونجم. أي: أننا اكتفينا بهذه الزيادة بدلًا من عطف كلمة على نظيرتها الموافقة لها تمام الموافقة في الحروف، والحركات، والمعنى العام. فكلمة: "نجمان" أو "نجمين" وما أشبههما تسمى: "مثنى"، وهو: "اسم يدل على اثنين1، متفقين في الحروف والحركات، والمعنى، بسبب زيادة في آخره2 تغني عن العاطف3 والمعطوف". وهذه الزيادة هي الألف وبعدها نون مكسورة4، أو الياء وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة.
فليس من المثنى ما يأتي: 1- ما يدل على مفرد، مثل، نجم. ورجلان1. ولا مثل: شعبان، ومروان، وبحرين ... ، مما أصله مثنى ثم سمي به واحد2. 2- ما يدل على أكثر من اثنين، كالجمع، مثل: نجوم، وصنوان3 ... وكاسم الجمع4. مثل: قوم، ورهط ... 3- ما يدل على اثنين5 ولكنهما مختلفان في لفظيهما، مثل: الأبوين، للأب والأم. أو: مختلفان في حركات أحرفهما، كالعمرين: لعمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام، المعروف: "بأبي جهل" أو مختلفان في المعنى دون الحروف وحركاتها، كالعينين، تريد بإحداهما العين الباصرة، وبالأخرى البئر6، فلا يسمى شيء من هذا كله مثنى حقيقة، وإنما هو ملحق
بالمثنى. 4- ما يدل على اثنين متفقين فى المعنى والحروف وحركاتها ولكن من طريق العطف بالواو، لا من طريق الزيادة السالفة؛ مثل: أضاء نجم ونجم. 5- ما يدل على شيئين، ولكن من طريق الوضع اللغويّ، لا من طريق تلك الزيادة، مثل: شَفْع "ضد فَرد، ووتر". ومثل زَوْج وزَكًا، وهما بمعنى شَفْع. فكل واحدة من هذه الكلمات تدل دلالة لغوية على قسمين متماثلين متساويين تمامًا "وهي القسمة الزوجية ضد الفردية": فهي تدل على التثنية ضمنًا، ولكن من غير أن يكون في آخرها الزيادة السالفة.
ومثلها: "كِلاَ" فإنها تدل على شيئين متساويين أو غير متساويين، ولكن من غير زيادة في آخرها، فهذه ملحقة بالمثنى. 6- ما يدل على اثنين، وفي آخره زيادة، ولكنها لا تغني عن العاطف والمعطوف: مثل: كلتا، اثنان، اثنتان أو: ثنتان؛ فليس لواحدة من هذه الكلمات مفرد مسموع عن العرب، على الرغم من وجود زيادة في آخرها1، ولهذا تعد ملحقة بالمثنى، وليست مثنى حقيقة. حكم المثنى: أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة. وبعدها نون مكسورة2؛ مثل: يتحرك الكوكبانِ. وينصب بالياء نيابة عن الفتحة. وهذه الياء قبلها فتحة وبعدها نون مكسورة؛ مثل: شاهدت الكوكَبَيْنِ. ويجر بالياء نيابة عن الكسرة وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة، مثل: فرحت بالكوكبَيْنِ. هذا هو أشهر الآراء3 في إعرابه وإعراب ملحقاته4، "ومنها كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، أو: ثنتان"5. إلا أن كلا وكلتا لا تعربان بهذه الحروف إلا إذا أضيفتا للضمير؛ الدال على التثنية سواء أكانتا للتوكيد، أم لغيره،
فإن كانتا للتوكيد وجب أن يسبقَهما المؤكَّد الذي يطابقه الضمير، نحو أكرمْ الوالدين؛ فإن كليهما صاحب الفضل الأكبر عليك ... وعاون الجدّتين، فإن كلتيهما أحبّ الناس لك. فالكلمتان ليستا للتوكيد، وهما معربتان كالمثنى منصوبتان بالياء. ومثالهما للتوكيد: جاء الفارسان كلاهما، غابت السيدتان كلتاهما؛ "فكلا" و"كلتا" توكيد مرفوع بالألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، وهو مضاف و"هما" مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ونحو: صافحت الفارسيَنِ كليهما، والمحسنتين كلتيهما، وأثنيت على الفارسيَنِ كليهما، والسيدتين كلتيهما "فكلا وكلتا توكيد منصوب أو مجرور بالياء مضاف، والضمير مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر1 ... فلو أضيفت كلا أو كلتا لاسم ظاهر2 لم تعرب كالمثنى، ولم تكن للتوكيد، -وأعربت- كالمقصور- على حسب الجملة، بحركات مقدرة على الألف، في جميع الأحوال: "رفعًا، ونصبًا، وجرًّا"، مثل: سبق كلا المجتهدَيْن، وفازت كلتا لماهرتَينِ، فكلا وكلتا: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. ومثل: هنأت كلا المجتهدَيْنِ، وكلتا الماهرتَين؛ فكلا وكلتا مفعول به، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسألت عن كلا المجتهدينِ، وعن كلتا الماهرتَينِ، فكلا وكلتا مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف.
مما تقدم نعلم: أ- أن كلا وكلتا إذا أضيفتا للضمير تعربان كالمثنى -أي،: بالحروف المعروفة في إعرابه؛ سواء أكانتا للتوكيد1 أم لغيره، ولا بد أن يكون الضمير للتثنية. ب- وأنهما عند الإضافة للظاهر، لا تكونان كالمثنى، بل تعربان على حسب الجملة "فاعلا أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرًا ... إلخ"، وبحركات مقدرة على الألف دائمًا، كإعراب المقصور2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- عرفنا أنه لا يجوز إعراب: "كلا وكلتا" إعراب المثنى إلا بشرط إضافتهما للضمير الدال على التثنية. لكن يجب التنبه إلى أن تحقق هذا الشرط يوجب إعرابهما إعراب المثنى من غير أن يوجب إعرابهما توكيدًا؛ فقد يتحتم عند تحققه إعرابهما توكيدًا فقد، وقد يمتنع إعرابهما توكيدًا ويتحتم إعرابهما شيئًا آخر غيره، وقد يجوز فى إعرابهما الأمران؛ التوكيد وغيره، فالحالات الثلاث عند تحققه. ففى مثل: أقبل الضيفان كلاهما، وأجادت الفتاتان كلتاهما ... يتعين التوكيد وحده. وفى مثل: النجمات كلاهما مضئ، والشاعرتان كلتاهما نابغة - يمتنع التوكيد ويتحتم هنا إعرابهما مبتدأين، وما بعدهما خبر لهما، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول؛ "وهو: النجمان، والشاعرتان". ولا يصح إعراب "كلا وكلتا" فى هذا المثال توكيدًا؛ لكيلا يكون المبتدأ "النجمان - الشاعرتان" مثنى، خبره مفرد، إذ يصير الكلام: النجمان مضئ، الشاعرتان نابغة؛ وهذا لا يصح. وفى مثل: النجمان - كلاهما - مضيئان، والشاعرتان - كلتاهما - نابغتان ... يجوز فيهما أن يكونا للتوكيد. وما بعدهما خبر للمبتدأ. ويجوز فى كل منهما أن يكون مبتدأ ثانيًا خبره ما بعده، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول. ب- إعراب المثنى وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها، كما أسلفنا. ويجب الاقتصار عليه فى عصرنا؛ منعًا للفوضى والاضطراب فى الاستعمال الكلامي والكتابي، وأما اللغات الأخرى فلا يسوغ استعمالها اليوم، وإنما تُذْكر للمتخصصين؛ ليسترشدوا بها في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهم بعض النصوص اللغوية الواردة عن العرب بتلك اللغات واللهجات. ومن أشهرها: 1- إلزام المثنى وملحقاته "غير: كلا وكلتا"1 الألف فى جميع أحواله، مع إعرابه بحركات مقدرة عليها؛ تقول عندى كتابانِ نافعانِ، اشتريت كتابانِ نافعانِ، قرأت فى كتابانِ نافعانِ، فيكون المثنى مرفوعًا بضمة مقدرة على الألف، ومنصوبًا بفتحة مقدرة عليها، ومجرورًا بكسرة مقدرة كذلك؛ فهويعرب إعراب المقصور، والنون للتثنية فى كل الحالات. مبنية على الكسر - بغير تنوين- وتحذف عند الإضافة. 2- إلزام المثنى الألف والنون فى جميع أحواله مع إعرابه بحركات ظاهرة على النون. كأنه اسم مفرد، تقول: عندي كتابانٌ نافعانٌ، واشتريت كتابانًا نافعانًا، وقرأت في كتابانٍ نافعانٍ، ويحذف التنوين إذا وجد ما يقتضي ذلك؛ كوجود "أل" في أول المثنى. أو إضافته. وكذلك لمنع الصرف إذا وجد مانع من الصرف ... فيرفع معه بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين أيضًا. أما "كلا، وكلتا" ففيهما مذاهب أيضًا؛ أشهرها وأحقها بالاتباع ما سبق فيهما؛ وهو إعرابهما بالحروف، بشرط إضافتهما إلى ضمير دالّ على التثنية -علمًا بأنهما لا تضافان مطلقًا- إلى ضمير للمفرد، نحو: كلاي وكلتاي، ولا إلى ضمير للجمع، نحو: كلاهم، وكلتاهم، ولا يضافان إلى الظاهر أيضًا، وإلا إعربًا معه إعراب المقصور. وهناك من يعربهما إعراب المقصور في جميع أحوالهما2، أي: بحركات مقدرة على الألف2 دائمًا. ومنهم من يعربهما إعراب المثنى في جميع أحوالهما، ولو كانت إضافتهما إلى اسم ظاهر مثنى. ولا حاجة اليوم إلى غير اللغة المشهورة. هذا، ولفظهما مفرد، مع أن معناهما مثنى؛ فيجوز في الضمير العائد عليهما مباشرة، وفي الإشارة، وفي الخبر، ونحوه -أن يكون مفردًا، وأن يكون مثنى، تقول: كلا الرجلين سافر، أو سافرا، وكلا الطالبين أديب، أو أديبان،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وكلتا الفتاتين سافرت، أو سافرتا"، "وكلتاهما أديبة، أو أديبتان"، والأكثر مراعاة اللفظ. كقول الشاعر: لا تَحْسَبَنّ الموتَ موتَ البِلى ... وإنما الموتُ سُؤال الرجالِ كلاهُمَا موْت، ولكنّ ذَا ... أفظعُ من ذاك، لذُل السؤالِ هذا ويتعين الإفراد ومراعاة اللفظ في مثل: كلانا سعيد بأخيه.....؛ من كل حالة يكون المعنى فيهما قائمًا على المبادلة والتنقل بين الاثنين فينسب فيها إلى كل واحد منهما ما ينسب إلى الآخر، دون الاكتفاء بذكر المعنى المجرد من دلالة المبادلة والتنقل بينهما كالمثال السابق، وكقولنا: كلانا حريص على المودة، كلانا محب لخير زميله1..... بقيت مسألة تتعلق بالإعراب في مثل: محمد وعليّ كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان، فكلمة: "كلاهما"، في المثال الأول مبتدأ حتمًا، و"قائم" خبره والجملة خبر الأول، ولا يصح إعراب "كلا" للتوكيد، لما يترتب على ذلك من إعراب كلمة "قائم" خبر المبتدأ، وهذا غير جائز؛ إذ لا يقال: محمد وعلي قائم؛ لعدم المطابقة اللفظية. أما فى المثال الثاني فيصح إعرابها مبتدأ أو توكيدًا -كما سبق في "أ". ج- جرى الاستعمال قديماً وحديثًا على تسمية فرد من الناس وغيرهم باسمٍ، لفظه مثنى ولكن معناه مفرد، بقصد بلاغي؛ كالمدح، أو الذم، أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التلميح1 ... -كما سبق فى رقم4 من هامش ص111- مثل: "حمدان" تثنية: "حمْد"، و"بدْران" تثنية "بدر" و"مَرْوان"، تثنية: "مرْو"؛ وهي: الحجارة البيض الصلبة، و"شعبان" تثنية "شَعْب" و"جبْران" تثنية "جبْر"، ومثل: مُحمدَين، وحسَنَيْنِ والبحْرين "اسم إقليم عربيّ على خليج العرب ... " فهذه الكلمات وأشباهها ملحقة بالمثنى1، وليست مثنى حقيقيًّا. وفي إعرابهما وجهان: تثبت فيهما النون في جميع الحالات الإعرابية حتى حالة الإضافة؛ لأنها نون في صيغة علم مفرد، وإن كان لفظه في صورة المثنى، فهي حرف هجائي، داخل في تكوين العلم وصياغته، ولا شأن لها بالتثنية الحقيقية، وليست كتاء التأنيث حرف معنى-ويقول الهمع "ح1 ص45 -الباب الخامس جمع المذكر السالم" ما نصه في حروف العلم: "قد صارت بالعلمية لازمة للكلمة، لأن العلمية تسجل الاسم وتحصره من أن يزاد فيه أو ينقص" اهـ. أحدهما: حذف علامتي التثنية من آخرها، وإعرابها بعد ذلك بالحروف؛ كباقي أنواع المثنى الحقيقي؛ فتقول سافر أخي بدْرَانِ، يحب الناس بدْرَينِ، وتحدثوا عن بدْرَين....، وهذا صديقي محمدان، وصافحت محمدين وسلمت على الصديق محمدين. وفي الأخذ بهذه الوجه احتمال الوقوع في اللبس. والآخر: إلزامها الألف والنون، -مثل عِمران- وإعرابهما إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النون؛ فترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالفتحة من غير تنوين3 أيضًا. ولا يصح حذف النون مطلقًا وهذا الوجه أنسب من سابقه، لأن احتمال اللبس فيه أخف. ولعل الخير فى إباحة وجه ثالث يحسن الاصطلاح على إباحته وإن كنت لم أره لأحد من قدامى النحاة؛ فإنهم قصروه على جمع المذكر السالم4، هوإبقاء العلَم على حاله - من الألف والنون، أوالياء والنون - مع إعرابه كالاسم المفرد بحركات إعرابية مناسبة على آخره، ومنعه من الصرف إذا تحقق شرط المنع-.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجب مراعاة الإفراد فيه إذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالخبر والنعت ... ، وهذا الوجه وحده أولى بالاتباع، إذ لا يؤدى إلى اللبس؛ لأنه الموافق للواقع، وليس فى أصول اللغة ما يعارضه1 يمنعه بل إن كثيرًا من المعاملات الجارية في عصرنا توجب الاقتصار عليه، فالمصارف2 لا تَعترف إلا بالعَلم المحْكيّ، أي: المطابق للمكتوب نَصًّا في شهادة الميلاد، وفي الشهادة الرسمية المحْفوظة عندها المماثلة لما فى شهادة الميلاد ولا تقضي لصاحبه أمرًا مَصْرِفيا إلا إذا تطابق إمضاؤه "توقيعه" واسمه المسجل في تلك الشهادة تطابقًا كاملاً في الحروف وفي ضبطها، فمن اسمه: "حَسَنيْن" أو: بدران ... يجب أن يظل على هذه الصورة كاملة في جميع الاستعمالات عندها، مهما اختلفت العوامل التي تقتضي رفعه، أو نصبه، أو جرّه. فلو قيل: حسنان، أو: بَدْرَيْن؛ تبعًا للعوامل الإعرابيَّة لكان كل علَم من هذه الأعلام دالاً في عُرْف المصرف على شخص آخر مغاير للشخص الذي بدل عليه العلم الأول، وأن لكل منهما ذاتًا وحقوقًا ينفرد بها، ولا ينالها الآخر، ولن يوافق المصرف مطلقًا على أنّ الاسمين لشخص واحد، ولا على أن الخلاف يتجه للإعراب وحده دون الاختلاف في الذات. ومثل المصارف كثير من الجهات الحكومية؛ كالبريد، وأنواع الرخص، والسجلات الرسمية المختلفة ... ويقوي هذا الرأي ويؤيده ما نقلناه عن النحاة في الصفحة السابقة خاصة بحروف العلم. أما الوجه الأول فقد يوهم أنه مثنى. ولا يأمن اللبس فيه إلا الخبيرُ الذى يعرف أنه مفرد؛ ويُدْرك أن العلم المثنى لا يتجرد من "أل" إلا عند إضافته، أوندائه، كما سيجيء، وهذا غير مضاف؛ بل إنه قد يضاف3 فيزداد اللبس قوة. ولا يخلو الثانى من لبْس، أيضًا. -كما تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الأوجه الثلاثة السابقة، لا تحذف النون في الإضافة1 -كما أشرنا. د- اشترط جمهور النحاة فيما يراد تثنيته قياسًا ثمانية2 شروط: 1- أن يكون معربًا. فأما هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، فقد وردت عن العرب هكذا معربة - مع أن مفرداتها مبنية؛ فلا يقاس عليها3.... فإن كان اللفظ في أصله مفردا مبنيا، ثم صار علما فإنه يعرب وينون- طبقا للملاحظة التي في ص 79- ويصبح تثنيته وجمعه ... 2- أن يكون مفردًا؛ فلا يثنى جمع المذكر السالم. ولا جمع المؤنث السالم؛ لتعارض معنى التثنية وعلامتها، مع معنى الجمعين4 وعلامتهما. أما جمع التكسير واسم الجمع فقد يثنى كل منهما أحيانًا؛ نحو: "جِمَاليْن، وركبيِن" فى تثنية: "جِمال" و"رَكب"؛ بقصد الدلالة فى التثنية على التنويع، ووجود مجموعتين متميزتين بأمر من الأمور. وكذلك يثنى اسم الجنس -غالبًا- للدلالة السابقة -نحو، ماءين، ولبنين. وأكثر النحاة يمنع تثنية جمع التكسير ويقصرونه على السماع كما في المثالين السالفين -وستجئ الإشارة لهذا في ص161. أما التفصيل فمكانه: "باب جمع التكسير" من الجزء الرابع، ص620 م174. وأما المثنى فلا يثنى، ولا يجمع؛ لكيلا يجتمع إعرابان بعلاماتهما على كلمة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة. وهذا هو الرأي السائغ الذي يحسن الاقتصار عليه. لكنْ لو سمي بالمثنى، وأريد تثنية هذا المسَمَّى لم يصح تثنيته مباشرة، وإنما يصح بطريقة غير مباشرة، بأن نأتي قبل المثنى بالكلمة الخاصة التي يتوصل بها لتثنيته؛ وهي "ذو" مختومة، بعلامة التثنية للمذكر والمؤنث فى حالات الإعراب المختلفة؛ فيقال للمذكر فى حالة الرفع: "ذوَا" ... وفي حالتي النصب والجر: "ذَوَيْ ... " مثل: نبغ ذَوَا حمدان، وأكرمت ذَوَيْ حمدان, واستمعت إلى ذَوَيْ حَمْدان. فكلمة: "ذَوَا وذَوَيْ" تعرب على حسب حاجة الجملة، كإعراب المثنى وهما "مضافان"، والمثنى المسمى به هو: "المضاف" إليه دائمًا ويحتفظ بكل حروفه، ثم تجري عليه أَحكام المضاف إليه؛ من الجرّ، وغيره. ويقال للمؤنث في حالة الرفع: "ذاتا"، أو: ذواتا، وفي حالة الجر: "ذاتيْ ... " أو"ذواتَيْ1 ... "..وتعرب هذه الألفاظ على حسب حاجة الجملة كإعرْاب المثنى. وهي "مضافة" والمسمى به هو "المضاف إليه" الذى يخضع للحكم السالف2. 3- أن يكون نكرة؛ أما العلَم فلا يثنى؛ ولا يجمع3.... لأن الأصل فيه أن يكون مسماه شخصًا واحدًا معينًا، ولا يثنى إلا عند اشتراك عدة أفراد فى اسم واحد4، وهذا معنى قول النحويين: "لا يثنى العلم إلا بعد قصد تنكيره"، وحينئذ تزاد عليه: "أل" المعرفة5 بعد التثنية؛ لتعيد له التعريف، أو: يسبقه حرف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من حروف النداء1 -مثل: "يا"؛ لإفادة التعيين والتخصيص أيضًا، بسبب القصد المتجه لشخصين معينين2؛ نحو: يا محمدان، أو إضافة إلى معرفة، مثل: حضر محمداك. فلا بد مع تثنية العلم من شيء مما سبق يجلب له التعريف.؛ لأن العلم يدل على واحد معين. كصالح، وأمين، ومحمود3، والتثنية تدل على وقوع مشاركة بينه وبين آخر، فلا يبقى العلم مقصورًا على ما كان عليه من الدلالة على واحد بعينه، بل يشترك معه غيره عند التثنية، وفي هذه المشاركة نوع من الشيوع، يناقض التعيين والتحديد الذي يدل عليه العلم المفرد. هذا إلى أن العلَم المفرد4 قد يصار بعد التثنية إلى لفظ لم تقع5 به التسمية أولا ... 4- غير مركب6؛ فلا يثنى بنفسه7 المركب الإسنادي "وهو المكون من مبتدأ وخبر؛ مثل "على مسافر" علم على شخص، أو من فعل وفاعل، مثل: "فتحَ اللهُ، علم على شخص أيضًا". وإنما يثنى من طريق غير مباشر؛ فنأتي بكلمة: "ذو" للمذكر، و"ذات" للمؤنث؛ لتوصل معنى التثنية إليه. وهي ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وتكون مضافة إلى المركب في الأحوال الثلاثة، تقول: جاء ذوَا "محمدٌ مسافرٌ"، وذاتا ... ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو: ذواتا "هندٌ مسافرةٌ"، وشاهدت ذوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... ، أو: ذَوَاتَيْ "هندٌ مسافرةٌ": ونظرت إلى ذَوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... أو: ذواتَيْ "هندٌ مسافرةٌ". والمركب الإسنادي في كل هذه الحالات مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة، منع من ظهورها حركة الحكاية1.... كذلك المركب المزجى: كحضْرَموت، اسم بلد عربى، و"بَعْلبَك" اشم بلد لُبنانى، واسم معبد هناك. أيضًا. "سيبويه" اسم إمامَ النحاة. فإنه لا يثنى بنفسه مباشرة2؛ وإنما يثنى بمساعدة: "ذو، وذَات" بعد تثنيتهما وإضافتهما؛ تقول: هناك "ذَوَا" بعلبك، وذاتا أو: ذواتا بعلبك، وزرت "ذوَىْ" بعلبك، وذاتَىْ، أوذواتى بعلبك، ونزلت بذوَ ىْ بعلبك، وبذاتَىْ أو: ذواتَىْ بعلبك، وهكذا ... ومثله المركب العددى؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ. ومن العرب من يعرب المركب المزجى بالحرف كالمثنى الحقيقى؛ فيقول: بعلبكانِ" و"بعلبكَّيْنِ"، والأخذ بهذا الرأى أسهل وأخف، لدخوله مع غيره فى القاعدة العامة لإعراب المثنى؛ فيحسن الاقتصار عليه3 اليوم. وفيهم من يجيز تثنية صدره وحده معربًا بالحرُوف، ويستغني عن عجزُه نهائيًا؛ فيقول فى حالة الرفع "حضْران" فى "حضْرموت"، و"بعلان" فى "بعلبك"، و"سيبان" فى "سيبويه" وفى حالة النصب والجر يأتى بالياء مكان الألف. ولكن هذا الرأى يوقع فى لبس وإبهام وخلط بين المركب المزجى وغيره، فيحسن إهماله فى استعمالنا. "وأما المركب الإضافي "كعبد الله" و"عبد العزيز" و"عبد الحميد"، فلا خلاف في تتثنية صدره المضاف، مع إعرابه بالحروف، وترك المضاف إليه على حاله تقول: هما عبدا الله، وهما عبدا العزيز، وسمعت عبدَي الله: وعبدَي العزيز، وأصيغت إلى عبدَي الله ... إلخ...."
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا موجز ما يقال فيه وهناك تفصيلات أخرى هامة1. أما إذا كان المركب وصفيًّا "أي: مكونًا من صفة وموصوف؛ مثل2: الرجل الفاضل" -فيثنى الصدر والعجز معًا، ويعربان بالحروف؛ فتقول: جاء الرجلان الفاضلان، ورأيت الرجلين الفاضلين، ومررت بالرجلين بالفاضلين وبالرغم من أن هذا هو الرأى الشائع فإنه يوقف في لبس كبير؛ إذ لا يظهر معه أنه مثنى، مفردُه مركب وصفي. ولهذا كان من المستحسن3 تثنيته بالطريقة غير المباشرة، وهي زيادة "ذَوَا"، وذَوَيْ، قبله، وذاتا، أوذواتا ... وذاتَيْ، أوذَوَاتَيْ ... وبهذا تكون طريقة تثنيته هي طريقة جمعه الآتية4 ... 5- أن يكون له موافق في اللفظ موافقة تامة في الحروف وعددها وضبطها؛ فلا يثنى مفردان بينهما خلاف في شيء من ذلك "إلا ما ورد عن العرب ملاحظًا فيه "التغليب" كما وضحنا5. 6- أن يكون له موافق في المعنى، فلا يثنى لفظان مشتركان في الحروف، ولكنهما مختلفان في المعنى حقيقة أو مجازًا، مثل: "عين" للباصرة "وعين" للجارية، فلا يقال: هاتان عينان، تريد بواحدة معنى غير الذي تريده من الأخرى6.... 7- وجود ثانٍ له في الكوْن، فلا تثنى كلمة: شمس، ولا قمر، عند القدامى؛ لأن كلا منهما لا ثاني له فى الكون في زعمهم. أما اليوم فقد ثبت وجود شموس وأقمار لا عداد لها؛ فوجب إهمال هذا الشرط قطعًا. إذ لا يوجد في المخلوقات شيء لا نظَيرَ لَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 8- عدم الاستغناء عن تثنيته بغيره، فلا تثنى -في الرأي الغالب عندهم1- كلمتا: "بعض" و"سواء" مثلا استغناء عنهما بتثنية جزء، وسِيّ، فنقول: "جزءان وسيَّان"، ولا تثنى كلمة: "أجمع وجمعاء" في التوكيد؛ استغناء بكلا وكلتا فيه. كما لا يثنى العدد الذى يمكن الاستغناء عن تثنيته بعدد آخر، مثل: ثلاثة وأربعة؛ استغناء بستة وثمانية2. ولذلك تثنى مائة وألف، لعدم وجود ما يغني عن تثنيتهما. وقد جمعوا الشروط السالفة كلها في بيتين؛ هما: شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا ... ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا موافقًا فى اللفظ والمعنى، له ... مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ وزاد بعضهم شرطًا آخر هو: أن يكون في تثنيته فائدة؛ فلا يثنى: "كل" ولا يجمع؛ لعدم الفائدة من ذلك. وكذلك الأسماء التى لا تستعمل إلا بعد نفي عام، وتقتصر فى الاستعمال عليه؛ مثل: أحَد3، وعَرِيب، تقول: ما في الدار أحد، وما رأيتَ عَرِيبًا ... "أي: أحدًا". هـ - عرفنا4 أن المثنى يغني عن المتعاطفين "أي: المعطوف والمعطوف عليه" وأن ما يدل على اثنين من طريق العطف لا يسمى مثنى؛ مثل: نجم ونجم؛ ومن هنا لا يجوز إهمال التثنية استغناء بالعطف بالواو، إلا لغرض بلاغي، كإرادة التكثير فى مثل: أخذتَ مني ألفًا وألفا، أو بيان عدد المرات، وما تحتويه المرة الواحدة؛ مثل: أرسلت لك الدنانير، ثلاثة وثلاثة. ثم أرسلت لك كتابًا وكتابا5 ... أو: وجود فاصل ظاهر بين المعطوف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعطوف عليه، مثل: قرأتُ كتابًا صغيرًا، وكتابًا كبيرًا، أو فاصل مقدر؛ كأن يكون لك أخ غائب اسمه: عليّ، وصديق غائب اسمه: عليّ، أيضًا، ثم تفاجأ برؤيتهما معًا، فتقول: عليّ وعليّ في وقت واحد!! كأنك تقول: عليّ أخى وعلي صديقي أراهما الآن!! هذا إن كان العطف بالواو، فإن كان بغيرها فلا تغني التثنية -غالبًا- لأن العطف بغير الواو يؤدى معاني تضيع بالتثنية، كالترتيب في الفاء، تقول داخل زائر فزائر، بدلا من دخل زائران، وهكذا1. ومما ينطبق عليه تعريف المثنى، الضمير في أنتما قائمان؛ فهو دال على اثنين، ويغني عن أنت وأنت، بما في آخره من الزيارة الخاصة به، وهي "ما" ولكنه في الحقيقة لا يعد مثنى، ولا ملحقًا به، لسببين: أولهما: أنه مبني، وشرط المثنى أن يكون معربًا - كما عرفنا2. وثانيهما: أن الزيادة التي في آخره ليست هي الزيادة المشروطة في المثنى. و من الملحق بالمثنى: "اثنان" و"اثنتان" "وفيها لغة أخرى: ثنتان" وهما ملحقان به، في كل أحوالهما؛ أي: سواء أكانا منفردين عن الإضافة مثل: جاء اثنان، جاءت اثنتان ... أم مركبين مع العشرة؛ مثل: انقضى أثناء عشرَ يومًا، واثنتا عشرْة ليلة "فتعرب اثنا واثنتا على حسب الجملة إعراب المثنى. أما كلمة: "عشر" وكذا "عشرة" فاسم مبني على الفتح لا محل له؛ لأنه بدل من نون المثنى الحرفية"3. أم مضافين إلى ظاهر، نحو جاءني اثنا كتبك، وثنتا رسائلك، أم أضيفا إلى ضمير، نحو غاب اثناكما، وحضرت ثنتاكما. لكن الصحيح عند إضافتهما للظاهر أو للضمير أن يراد بالمضاف إليه شيء غير المراد من اثنا وثنتا أي: غير المراد من المضاف؛ فلا يقال حضر اثنا محمود وصالح، ولا حضر اثناكما، إذا كان مدلول المضاف إليه في الحالتين هو مدلول "اثنا"، أي: مدلول المضاف؛ لأنه في هذه الحالة يؤدي ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تؤديه "اثنان": و"اثنتان" ومعناه هومعناهما؛ فالإضافة لا فائدة منها؛ إذ هى - كما سبق1 - من إضافة الشىء إلى نفسه؛ فلا حاجة إليها، بخلاف ما لوقلنا: جاءاثنا المنزل، إذا كان المراد صاحبيه، وجاءت ثنتا المنزل، إذا كان المراد صاحبتيه، وجاءاثناكما، وجاءت اثنتاكما، والقصد: خادمتاكما، أوسيارتكما ... وجاء اثناه واثنتاه، واثناكم واثنتاكم ... فإن المراد من المضاف هنا غير المراد من المضاف إليه، وكذلك ما يكون الضمير فيه للمفرد أوالجمع، نحو: اثناك واثناكم ... وهكذا فلا بد فى المضاف إليه "سواء أكان اسما ظاهرًا أم ضميرًا" أن يدل على غير الذى يدل عليه المضاف؛ وهو؛ الكلمتان: اثنان واثنتان، وقد سبقت الإشارة لهذا1 ... ز- إذا أضيف المثنى حذفت نونه؛ فمثل: سافر الوالدان. من غير إضافة المثنى، تقول إذا أضفته: سافر والدا علىّ. فإذا أضيف المثنى المرفوع - فقط - إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: جاءنى صاحبا الرجل، ومُكْرِما الضيف ... فإن علامة التثنية - وهى الألف - تحذف فى النطق حتمًا لا فى الكتابة2. لكن ماذا نقول فى إعرابه؟ أهومرفوع بالألف الظاهرة فى الخط، أم مرفوع بالألف المقدرة وهى التى حذفت لالتقاء الساكنين "لأنها ساكنة وما بعدها ساكن" والمحذوف لعلة كالثابت؟ يرجح النحاة أن تقول: إنه مرفوع بالألف المقدرة لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة ويعدون هذه الحالة فى عداد حالات الإعراب التقديرى3، ونرى أنه لا داعى للأخذ بهذا الآن4. ح- هناك مفردات محذوفة الآخر، مثل: أخ، ويد. أصلهما: أخَوٌ، ويَدْىٌ. فإذا أريد تثنية هذا النوع فقد يرجع المحذوف حتما أولا يرجع، ومما لا يرجع ما حذفت لامه وجاءت همزة الوصل فى أوله عوضًا عنْ لامه المحذوفة، كالتى فى كلمة "اسم" وكذلم ما لا ترد لامه عند إضافته على حسب القاعدة التالية: جاء فى شرح المفصل "جـ 4 ص 151". ما ملخصه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعلم أن المحذوف الآخر "أي: محذوف اللام" على ضربين؛ ضرب يرد إليه الحرف الساقط في التثنية، وضرب لا يرد إليه. فمتى كانت اللام المحذوفة ترجع في الإضافة فإنها ترد إليه -في الفصيح- عند التثنية. وإذا لم يرجع الحرف المحذوف عند الإضافة لم يرجع عند التثنية؛ فمثال الأول: أخ وأب؛ تقول في تثنيتهما: هذان أخوانِ، وأبوانِ، ورأيت أخوَيْن وأبويْن، ومررت بأخوَين وأبوَين؛ لأنك تقول في الإضافة؛ هذا أبوك وأخوك، ورأيت أباك وأخاك، وذهبت إلى أبيك وأخيك. فترى اللام قد رجعت في الإضافة1؛ فكذلك في التثنية ... ومثال الثاني يد ودم؛ فإنك تقول في التثنية: "يدان" و"دمان" فلا ترد الذاهب؛ لأنك لا ترده في الإضافة. اهـ. وهذا خير ما يتبع. أما غيره فضعيف لا نلجأ إليه اختيارًا2. ط- بقيت أحكام تختص بالمثنى ونونه، وستجيء في ص156 وما بعدها، ي- سيجيء في ج ص566 م171 باب خاص بطريقة التثنية. وأهمها: تثنية المقصور، والمنقوص، والممدود ...
المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم
المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم ج- جمع المذكر السالم: أ- فاز عليٌّ. هَنَّأت عليًّا. أسرعت إلى عليّ. ب- فاز العَليون. هَنَّأت العليينَ. أسرعت إلى العليينَ. نفهم من كلمة: "عليّ" فى القسم الأول أنه شخص واحد، ثم زدنا عليها الواو والنون المفتوحة، أو الياء المكسور ما قبلها، وبعدها النون المفتوحة، فصارت تدل على أكثر من اثنين، كما في القسم الثاني: "ب". وبسبب هذه الزيادة استغنينا عن أن نقول: فاز عليّ وعليّ وعليّ ... و ... و ... أي: أن زيادة حرف الهجاء المذكورين أغنتْ عن عطف كلمتين متماثلتين أو أكثر على نظيرة سابقة، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المعنى والحروف والحركات. فكلمة "العليون" وما يشبهها تسمى: "جمع مذكر سالمًا"1 وهو: "ما يدل على أكثر من اثنين2؛ بسبب زيادة معينة في آخره، أغنت عن
"عطف المفردات المتماثلة في المعنى والحروف والحركات بعضها على بعض". فليس من جمع المذكر ما يأتي: 1- ما يدل على مفرد؛ مثل: محمود، أو "محمدبِنَ" علمًا على شخص واحد. 2- ما يدل على مثنى، ومنه: المحمودان ... ، أو على جمع تكسير؛ كأحامد، جمع أحمد، أو على جمع مؤنث سالم، كفاطمات؛ لخلو هذين الجمعين من الزيادة الخاصة بجمع المذكر السّالم، ومن الدلالة المعنوية التي يختص بتأديتها. 3- ما يدل دلالة جمع المذكر ولكن من طريق العطف بالواو؛ نحو: جاء محمود، ومحمود، ومحمود1..... 4- ما يدل دلالة جمع المذكر، ولكن من طريق الوضع اللغوي وحده؛ لا من طريق زيادة الحرفين في آخره؛ مثل: كلمة: "قوم" إذا كانت بمعنى: الرجال، فقط. 5- ما يدل على أكثر من اثنين، ولكن مع اختلاف في معنى المفرد؛ مثل:
الصالحون محبوبون؛ تريد؛ رجلين يسمى كل منهما: "صالحًا" ومعهما ثالث ليس اسمه "صالحًا"، ولكنه تقيّ، معروف بالصلاح؛ فأنت تذكره مع الآخَرين على اعتبار أنه صالح في سلوكه لا على أنه شريك لهما في التسمية. وقد يكون الاختلاف في بعض حروف المفرد أو كلها؛ فلا يصح أن يكون "السعيدون" جمعًا لسعد، وسعيد، وساعد "أسماء رجال"، ولا جمعًا لمحمود وصالح وفهيم، كذلك. وقد يكون الاختلاف في حركات الحروف1، فلا يصح: العُمَرونَ قرَشيون إذا كان المراد: عُمر بن الخطاب، وعُمر بن أبي ربيعة، وعَمْرو بن هشام ... "المعروف بأبي جهل". حكمه: حكم جمع المذكر السالم الرفع بالواو نيابة عن الضمة، وبعدها النون المفتوحة، مثل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} والنصب والجر بالياء المكسور ما قبلها وبعدها النون المفتوحة، مثل: صادقْتُ المؤمنينَ، وأثنيت على المؤمنينَ. نوعَا جمع المذكر السالم: الاسم الذى يُجمعَ جمع المذكر سالمًا نوعان: أحدهما "العَلم"2 والآخر: "الصفة"3.
أ- فإن كان الاسم علما فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية1 قبل جمعه: 1- أن يكون علما2 لمذكر، عاقل3، خاليا من تاء التأنيث الزائدة4، ومن التركيب، ومن علامة تثنية أو جمع. فإن لم يكن علما لم يجمع هذا الجمع، فلا يقال في رجل: رجلون5، ولا في غلام، غلامون ... وإن كان علما لكنه لمؤنث، لم يجمع أيضًا، فلا يقال في زينب: الزينبون، ولا في سعاد: السعادون. والعبرة في التأنيث أو عدمه ليست بلفظ العلم، وإنما بمعناه، وبما يدل عليه وقت الكلام، فكلمة،: سعاد، أو زينب، إن كانت علمًا لمذكر، واشتهرت بذلك عند النطق بها، فإنها تجمع جمع مذكر سالم، وكلمة: حامد، أو حليم ... إن كانت علما معروفًا لمؤنث لم تجمع هذا الجمع. وإن كان علمًا لمذكر لكنه غير عاقل6 لم يجمع أيضًا، مثل: "هلال" وهو علم
على: حصان، و"نسيم" علم على: زورق ... و"قمر" علم على الكوكب المعروف.... وكذلك إن كان علمًا لمذكر عاقل، ولكنه مشتمل على تاء التأنيث الزائدة1 مثل: حمزة، وجمعة، وخليفة، ومعاوية، وعطية ... ، فإنه لا يجمع جمع مذكر2، ولا يصح هنا ملاحظة المعنى؛ لوجود علامة التأنيث في اللفظ؛ فيقع بينها وبين علامة جمع المذكر التناقض والتعارض بحسب الظاهر، كما لا يصح أن تحذف؛ لأن حذفها يوقع في لَبس؛ إذ لا ندري أكانت الكلمة مؤنثة اللفظ قبل الجمع أم لا؟ لهذا اشترطوا خلو المفرد من تاء التأنيث الزائدة كما قلنا ... وكذلك إن كان مركبًا تركيب إسناد، "مثل: فَتَحَ اللهُ، رامَ اللهُ، رزقَ اللهُ ... ؛ فإنه لا يجمع مباشرة باتفاق؛ وإنما يجمع بطريقة غير مباشرة، بأن تسبقه كلمة: "ذو" مجموعة ويبقى هو على حاله لا يدخله تغيير مطلقًا، في حروفه، وحركاته، مهما تغيرت الأساليب فيقال: "ذَوُو كذا" رفعًا، "وذوِي" نصبًا وجرًّا؛ فتغني "ذوو، وذوي" عن جمعه كما سيجيء3 ... أو: مركبًا تركيب مزج، كخالَوِيه، وسيبويْهِ، ومَعدِ يكَرِب.....،
أو: تركيب عدد؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ، وأربعةَ عشرَ ... والمشهور في هذه المركبين عدم جمعهما جمعًا مباشرًا؛ فيستعان بكلمة: "ذو" مجموعة على: "ذَوُو، وذَوِي"؛ فتغني عن جمعهما، كما سيجيء أيضًا1 ... أما المركب الإضافي كعبد الرحمن وعبد العزيز فيجمع صدره المضاف؛ ويبقى العجر "وهو المضاف إليه" على حاله من الجر في أكثر الحالات2 تقول: اشتهر عبدو الرحمن، وصافحت عبدِي الرحمن، وسلمت على عبدِي الرحمن. ولا يجمع ما آخره علامة تثنية، أو علامة جمع مذكر3؛ مثل: المحمدان أو المحمدَيْن "علمًا على شخص" والمحمدون أو المحمدينَ علمًا كذلك4. ب- وإن كان صفة "أي: اسمًا مشتقًّا" فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية: قبل جمعه، وهي: أن تكون الصفة لمذكر، عاقل6، خالية من تاء التأنيث، ليست على وزن أفْعَلَ"7 الذى مؤنثه فَعْلاء"، ولا على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه:
فَعْلَى"، ولا على وزن صيغة تستعمل للمذكر والمؤنث. فإن كانت الصفة خاصة بالمؤنث، لم تجمع جمع مذكر سالمًا؛ منعًا للتناقض بين ما يدل عليه المفرد، وما يدل عليه جمع المذكر، مثل: "مُرضع" فلا يقال: مرضعون، وكذلك إن كانت لمذكر، ولكنه غير عاقل1؛ مثل: صاهل، صفة "للحصان" أو: ناعب، صفة للغراب، فلا يقال: صاهلون ولا ناعبون، أو: كانت مشتملة على تاء تدل على التأنيث؛ نحو: قائمة؛ فلا يصح: قائمتون2. وكذلك ما كان على وزن: "أفْعَلَ" "الذى مؤنثه، فَعْلاء" نحو أخضر؛ فإن مؤنثه: خضراء، وأبيض، فإن مؤنثه: بيضاء، فلا يقال أخضرون، ولا أبيضون، على الأصحّ3. ومثله ما كان على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه فَعْلى"، مثل سكران وسكْرَى3. وكذلك ما كان على صيغة
تستعمل للمذكر والمؤنث، كصيغة، مِفْعال كمِهْذار1، ومِفْعَل؛ كمِغْشَم2. وفَعُول3؛ مثل صَبور وشكور، وفَعيل"4؛ مثل كَسِير وقَطِيع؛ إذا لا يتأتى أن يكون المفرد صالحاً للمذكر والمؤنث معًا وجمعه لا يكون إلا للمذكر؛ فيقع اللبس والخلط بسبب هذا. ملاحظة: كل ما سبق من أنواع الصفات وصيغها التي لا يصح جمعها جمعًا مذكرًا سالمًا متوقف على أن تكون الصفة باقية على وصفيتها، فإن تركتها وصارت علمًا جاز جمعها جمع مذكر سالم5..... إلى هنا انتهت الشروط الواجبة فيما يجمع أصالة6 جمع مذكر سالمًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اشترطوا1 في العلم أن يكون خاليًا من تاء التأنيث الزائدة -إلا عند الكوفيين- والمراد بها: التي ليست عوضًا عن فاء الكلمة، أو عن لام الكلمة؛ لأن التي تكون عوضًا عن أحدهما هي عوض عن أصل، فهي كالأصيلة، فالأولى مثل: عدة، أصلها: وعد، حذفت الواو، وعوض عنها تاء التأنيث وكسرت العين، والثانية مثل: مئة. وأصلها: مِئوٌ، حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث. فإن كانت عوضًا عن أصل وجعل اللفظ اسمًا لمسمى "أي: صار علمًا" فإنه يجمع قياسًا بعد حذفها. ويكون من الجموع الحقيقة؛ تقول: "عِدُون" لجمع مذكر، ومثلها: مِئُون؛ أما إذا لم يجعل علمًا، فإنه يصح جمعه إن كان محذوف اللام، مثل: الجيش مئون، ولكنه يعد من ملحقات جمع المذكر السالم. أما ألف التأنيث المقصورة أوالممدودة فلا يشترط خلوه منها، فلوسمينا رجلا بسَلْمَى، أو: صحراء، حذفت فى جمع المذكر السالم الألف المقصورة، وقلبت همزة الممدود واوًا، فيقال: السَّلْمَوْن والصحراوون "أعلام رجال...."2. ب- لا يجمع المركب الإسنادي جمع مذكر سالمًا إلا بطريقة غير مباشرة؛ -كما سبق- وذلك بأن نأتي قبله بكلمة: "ذوِو" أو: "ذَوِي" "وهما جمع: "ذو" و"ذِي" فنقول: غاب ذوو فتحَ اللهُ، وأكرمْنا ذَوِي فتحَ اللهُ3، وسلمنا على ذَوِي فتحَ اللهُ. وهذا باتفاق. أما المركب المزِجي فأشهر الآراء أنه لا يجمع إلا بالطريقة السابقة غير المباشرة. وهناك رأي آخر يجيز جمعه مباشرة -وكذلك تثنيته4، فيقال: جاء خالوَيهُون، وشاهدت خالويهِين، وقصدت إلى خالويهِين. ومثله سيبويه، ومعد يكرب "اسم رجل" وغيرهما من باقي المركبات المزجية، وهذا الرأي أسهل
الآراء. وأجدرها بالقبول، لدخوله في الحكم العام لجمع المذكر السالم وبُعده من اللّبس. كما سيجيء في: "ج". وأما المركب التقييدي؛ وهو: المركب من صفة وموصوف مثل: محمد الفاضل، أو من غيرهما؛ مما لا يُعَدّ في المركبات السابقة -فالأشهر أن يقال في جمعه: ذوو "محمد الفاضل"، فلا يجمع مباشرة، وإنما يتوصل إلى جمعه بكلمة "ذوو" رفعاً و"ذَوِي" نصبًا وجرًّا. وقد سبق أن قلنا2 إن المركب الإضافي يجمع صدره دون عجزه. وهذا صحيح إن كان المضاف وحده هو المتعدد، دون المضاف إليه؛ كما نقول في "عبد الله" عند الجمع: عبدُو الله. أما إن تعدد أفراد المضاف وأفراد المضاف إليه معا "كعبد السيد والمضاف والمضاف إليه مصريان مثلا، وعبد السيد والمضاف والمضاف إليه شاميان -مثلا- وعبد السيد لعراقيين"، فالواجب جمع المضاف والمضاف إليه معًا جمع مذكر سالمًا؛ فنقول: عبدو السيَّدينَ، أو جمع تكسير، فتقول: عبيد السادة3...... ح- سبق4 أنه يشترط في الاسم الذي يجمع جمع مذكر سالمًا، ما يشترط في الاسم المراد تثنيته؛ ومن شروطه: أن يكون معربًا ... فلو كان مبنيًّا لزومًا مثل: هؤلاء، أو: حَذَامِ "على أنها أعلام رجال" لم يجز جمعه مباشرة5، وإنما يجمع بطريق الاستعانة بكلمة: "ذَوُو" رفعًا و"ذوِي" نصبًا وجرًّا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما كانت كلمة "سيبويْه" و"خالويه" وأشباهها هى من الكلمات المبنية لزوما -كان حقها ألا تجمع جمع مذكر سالم إلا بالاستعانة بكلمة: "ذوُو"، و"ذوي". لكنهما من ناحية أخرى يدخلان فى قسم المركب المزجي وقد آثرنا - فى الصفحة السابقة - الرأيَ الذى يبيح جمعه مباشرة جمع مذكر سالم. د- سيجئ - "فى جـ4 ص 457 م 171" - باب خاص بطريقة جمع الاسم جمع مذكر سالما، وأهمها طريقة جمع: المقصور، والممدود، والمنقوص جمع مذكر سالما.
المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم
المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم ألْحق النحاة بجمع المذكر في إعرابه أنواعًا أشهرها: خمسة؛ فَقَد كلُّ نوع منها بعض الشروط، فصار شاذًا ملحقًا بهذا الجمع، وليس جمعًا حقيقيًّا، وكل الأنواع الخمسة سماعيّ1؛ لا يقاس عليه؛ لشذوذه وإنما يُذكَر هنا لفهم ما ورد منه في النصوص القديمة. أولها: كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع، وليس لها مفرد من لفظها، ولكن لها مفرد من معناها، مثل كلمة: "أوُلُو"2 في قولنا: "المخترعون أُولو فضل"، أي: أصحاب فضل؛ فهي مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ إذ لا مفرد لها من لفظها، ولها مفرد من معناها، وهو: صاحب. وهي منصوبة ومجرورة بالياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة في قولنا: كان المخترعون "أوُلي" فضل. وانتفعت من "أُولِي" الفضل. ومثل هذه الكلمة يسمى: اسم جمع3. ومن الكلمات المسموعة: أيضًا كلمة: "عالَمون". ومفردها: عالَم، وهو ما سوى الله، من كل مجموع متجانس من المخلوقات، كعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد؛ وعالم المال، وعالم الطائرات ... إلخ. وكلمة: "عالَم" تشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره. في حين أن كلمة: "عالَمون" لا تدل إلا على المذكر العاقل، فهى تدل على معنى
خاص بالنسبة لما يندرج تحت كلمة "عالَم"1، والخاص لا يكون جمعًا للعام2؛ لهذا كان "عالمون" إما اسم جمع لكلمة: "عالَم" وليس جمعًا له؛ وإمَّا جمعًا له غير أصيل ولكن بتغليب المذكر العاقل على غيره. وفي هذه الحالة لا تكون جمع مذكر سالمًا حقيقة؛ لأن اللفظة ليست علمًا ولا صفة، وإنما تلحق به كغيرها مما فقد بعض الشروط. ثانيها: من الكلمات المسموعة، مالا واحد له من لفظه ولا من معناه، وهى: عشرون3، وثلاثون، وأربعون، وخمسون، وستون، وسبعون، وثمانون، وتسعون. وهذه الكلمات تسمى: "العقود العددية" وكلها أسماء جموع أيضًا. ثالثها: كلمات مسموعة أيضًا؛ ولكن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه، فلا يبقى على حالته التى كان عليها قبل الجمع؛ ولذلك يسمونها، جموع تكسير"4، ويلحقونها بجمع المذكر فى إعرابها بالحروف؛ مثل: بَنون، وإحَرُّون، وأرَضون، وذَوُو، وسنون وبابه5. فكلمة: "بنون" مفردها. "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع، وتحركت الباء؛ وكلمة: "إحَرُّون" "مفردها: "حَرَّة"6، زيدت الهمزة فى جمعها.
"وأرَضون" "بفتح الراء" لا مفرد لها إلا: أرْض "بسكونها"؛ فتغيرت حركة الراء عند الجمع من سكون إلى فتح. هذا إلى أن المفرد مؤنث، وغير عاقل. و"ذَوو" في الجمع مفتوحة الذال، مع أن مفردها: "ذُو" مضموم الذال. "وسِنون" مكسورة السين فى الجمع، مفتوحتها فى المفرد، وهو: "سَنَة"، فضلا عن أنها لمؤنث غير عاقل أيضًا، - وأصلها "سَنَهٌ" أو"سَنَوٌ"، بدليل جمعهما على "سَنهات" و"سَنَوات" ثم حذفت لام الكلمة، "وهي الحرف الأخير منها"، وعوض عنه تاء التأنيث المربوطة، ولم ترجع الواوعند الجمع.- ومن الكلمات الملحقة بهذا الجمع سماعًا2، والتى تدخل في باب "سَنَة" كلمة: عِضَة، وجمعها: عِضون "بكسر العين فيهما". وأصل الأولى: "عِضَةٌ، بمعنى: كذب وافتراء. أو: عِضَوٌ. بمعنى: تفريق. يقال فلان كلامه عضهٌ، أى: كذب، وعمله عِضَوبين الأخوان، أى: تفريق وتشتيت؛ فلام الكلمة هاء، أوواو. ومثلها "عِزَة"، جمعها: عزُون "بالكسر فيهما". والعزَة: الفرقة من الناس، وأصلها عِزْىٌ؛ يقال: هذه عِزَة تطلب العلم ... وأنتم عِزون فى ميدان العلم. وأيضًا: "ثُبةٌ" بالضم، وجمعها: ثُبُون، بضم أول الجمع أوكسره1. والثُّبة "الجماعة"، وأصلها ثبَوٌ، أو: ثُبَىٌ، يقال: الطلاب مختلفون: ثبة مقيمة. وثُبة مسافرة، وهم ثُبون. وعلى ضوء ما سبق نعرف السبب فى تسمية تلك الكلمات المسموعة بجمع التكسير، لأن تعريفه وحده هوالذى ينطبق عليها، دون غيره من جمعى التصحيح؛ إذ هو"ما تغَيَّر فيه بناء الواحد"3 وقد تغير بناء واحدها4.
رابعها: كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخرى الخاصة بجمع المذكر؛ فألحقوها به، ولم يعتبروها جمعًا حقيقيًّا. ومن هذه الكلمات، "أهل". فقد قالوا فيها: أهلون. مثل: وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ ... ولا بد يومًا أن ترَد الودائعُ فجمعوها مع أنها ليست علمًا ولا صفة. ومنها: "عالمون"؛ ليست علمًا، ولا صفة أيضًا. وقد تكلمنا عنها من وجهة أخرى فيما سبق1. ومنها: "وابل"؛ بمعنى: مطر غزير. يقال: غَمَر الوابلون الحقول. فجمعوها، مع أنها ليست علمًا ولا صفة، ولا تدل على عاقل ... خامسها: كلمات من هذا الجمع المستوفى للشروط، أومما ألحق به، ولكن سمي
بالكلمة1 قديمًا أو حديثًا وهي مجموعة، وصارت علمًا2 على مفرد بها، وصارت أعلامًا. فمن أمثلة الأولى المستوفي للشروط "حَمْدون"، "وعَبْدون"، و"خَلْدون"، و"زيدون" أعلام أشخاص معروفة قديمًا وحديثًا. ومثال الثاني: "عِلِّيُّون". "اسم لأعالي الجنة" المفرد: عِلِّيَ. بمعنى المكان العالي، أو عِلِّية، بمعنى: الغرفة العالية. وهو ملحق بالجمع؛ لأن مفرده غير عاقل. سادسها: كل اسم من غير الأنواع السابقة يكون لفظه كلفظ الجمع في اشتمال آخره على واو ونون، أو ياء ونون، لا فرق في هذا بين أن يكون نكرة؛ مثل: "يا سَمين" و"زيتون" أو علَمًا مثل: "صِفِّينَ" و"نَصِيينَ" و"فِلَسْطينَ3"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بمناسبة النوع الخامس نشير إلى أن التسمية بجمع المذكر السالم معروفة قديمًا وحديثًا، كالتسمية بغيره من أنواع المفردات، والمثنيات، والجموع. فقياسيته أنسب1 فإذا سُمِّيَ به ففيه عدة إعرابات، يرتبها النحاة الترتيب التالِيَ، بحسب شهرتها وقوتها: 1- أن يعرب بالحروف كجمع المذكر السالم، مع أنه علم على واحد، فيبقى حاله بعد التسمية به كحاله قبلها. تقول في رجل اسمه سعدون: جاء سعدونَ. وأكرمت سَعْديِنَ، وأصغيت إلى سعدِينَ. وفي هذه الحالة لا تدخله "أل" التي للتعريف؛ لأنه معرفة بالعلمية2. وإذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالنعت، والخبر ... وجب أن يطابق في الإفراد، مراعاة لمعناه ومدلوله. ولا يصح حذف نونه عند إضافته، لأنها ليست نون جمع ولأن حروف العلم لا يصح زيادتها أو نقصها- كما تقدم في المثنى ص 126نقلا عن الهمع. واحتمال اللبس في هذا الوجه قوي. لإبهامه أنه جمع، ولأن حروفه تتغير بتغير إعرابه، مع أنه علم لمعين. 2- أن يلزم آخره الياء والنون رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، ويعرب بحركات ظاهرة على النون مع تنوينها3 -غالباً- تقول في رجل اسمه محمدِين: هذا محمدِينٌ، ورأيت محمدِينًا، وقصدت إلى محمدينٍ، فكلمة: "مُحمدِين": إما مرفوعة بالضمة الظاهرة، أو: منصوبة بالفتحة الظاهرة، أو: مجرورة بالكسرة الظاهرة، مع التنوين3 "غالبًا في كل حالة"4 "فإعرابها -كما يقول النحاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كإعراب: غِسْلِين1 وحِين". وتلك النون لا تسقط في الإضافة؛ لأنها ليست نون جمع، والأخذ بهذا الإعراب -في رأينا- أحسن؛ في العلمَ المختوم بالياء والنون. والاقتصار عليه أولى2؛ ليسره ومطابقته للواقع الحقيقي، فهو بعيد، عن كل لَبس؛ إذ لا يتوهم الماء معه أن الكلمة جمع مذكر حقيقي؛ وإنما يدرك حين يسمعها أنها علم على مفرد. وهناك سبب هام يقتضي الاقتصار على هذا الرأى في العلَم المختوم بالياء والنون هو: "المعاملات الرسمية" الجارية في عصرنا على الوجه المبين عند الكلام على التسمية بالمثنى3 ... والقصد من سرد الآراء التى تخالف هذا الأحسن والأيسر فهم النصوص القديمة الواردة بها، دون أن نبيح اليوم استعمالها؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدية إلى البلبلة والاضجراب فيما ننشئه من كلام، وإلى التعسير من غير داعٍ، فيما نمارسه من شئون الحياة. ومن العرب من يجري حكم: "غِسْلين وحِين" منونًا -فى الغالب- أو غير منون على "سنين" وبابه كله. وإن لم يكن علمًا. ومنهم من يجريه منونًا على جميع أنواع المذكر السالم وملحقاته كما سبق4. 3- أن يلزم آخره الواو والنون في كل الحالات، ويعرب بحركات ظاهرة على النون من غير تنوين5 فيكون نظير: "هارون" في المفردات الممنوعة من الصرف. وهذه النون لا تحذف للإضافة، للسبب السالف. 4- أن يلزم آخره الواو والنون، في كل الحالات ويعرب بحركات ظاهرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على النون، مع تنوينها1 فيكون نظير "عَرَبون"2 من المفردات. ونرى أن الاقتصار على هذا الإعراب3 -أوعلى سابقه- أحسن في العَلم المختوم بالواو والنون؛ مثل: زيدون؛ لما سبق في نظيره المختوم بالياء والنون. 5- أن يلزم آخره الواو والنون المفتوحة في جميع الحالات، ويعرب بحركات مقدرة على الواو. والنون ثابتة هنا في جميع حالات الإعراب، كشأنها في الحالات السالفة. ب- إذا سُمِّي بجمع المذكر، أو بما ألحق به "كالأعلام الواردة في النوع الخامس، ومنها: حَمدون، خَلدون، عَبدون، زيدون ... "، وأريد جمع هذا العلم جمع مذكر سالمًا، لم يصح جمعه مباشرة -كما عرفنا- وإنما يصح جمعه من طريق غير مباشر، وذلك بالاستعانة بالكلمة الخاصة التى يجب أن تسبق هذا العلم، وتلحقها علامة الجمع رفعاً، ونصبًا، وجرًّا، وهذه الكلمة هي: "ذو" دون غيرها، وتصير في الرفع: "ذوُو"، وفي النصب والجر: "ذَوِي" وهي "مضافة"، والعلم بعدها هو "المضاف" إليه دائمًا، وفيه الإعرابات السابقة فيقال: جاءني ذُوو حمدون، وصافحت ذَوِي حمدون، وأصيغت إلى ذَوي حمدون ... فكلمة: "ذَوو" و"ذَوِي" تعرب على حسب حاجة الجملة، وترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء وتلك الكلمة هي التى توصل لجمع المسمى بجمع المذكر السالم وملحقاته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الطريقة إلى تثنية هذا الجمع فهي الطريقة التي تقدمت في التثنية، ويستعان فيها بكلمة: "ذو" أيضًا. ج- سبقت الإشارة2 إلى أن النون مفتوحة في جمع المذكر السالم وملحقاته3 في أحواله الإعرابية المختلفة؛ أي: في حالة رفعه بالواو، أو نصبه أو جره بالياء، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من يكسرها، ولكن لا داعي للأخذ بهذه اللغة، منعًا للخلط والتشتيت من غير فائدة. أما نون المثنى وجميع ملحقاته4 فالأشهر فيها أن تكون مكسورة في الأحوال الإعرابية المختلفة. وقليل من العرب يفتحها، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء، في حالتي النصب والجر، ولا داعي للعدول عن الرأي الأشهر في الاستعمال، للسبب السالف5 في حركة نون جمع المذكر السالم. د- لنون المثنى والجمع وملحقاتهما أثر كبير في سلامة المعنى، وإزالة اللبس؛ ففي قولنا: سافر خليلان: موسى ومصطفى -نفهم أن موسى ومصطفى هما الخليلان، وأنهما اللذان سافرا، بخلاف ما لو قلنا: سافر خليلا موسى ومصطفى؛ بغير النون فإننا قد نفهم الكلام على الإضافة "إضافة: خليلاَ إلى موسى" ويتبع هذا أن الخليلين هما اللذان سافرا، دون موسى ومصطفى. وفرْق بين المعنيين. ومثل هذا أن نقول فى الجمع: مررت ببنينَ أبطال؛ فالأبطال هم البنون؛ والبنون هم الأبطال، فلو حذفت النون لكان الكلام: مررت ببني أبطال، وجاز أن نفهم الكلام على الإضافة؛ إضافة البنين إلى أبطال؛ فيتغير المعنى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك تمنع توهم الإفراد في مثل: جاءني هذان، ورحبت بالداعين للخير؛ فلو لم توجد النون لكان الكلام: جاءني هذا، ورحبت بالداعي للخير؛ وظاهره أنه للمفرد، وهو غير المراد قطعًا. وتحذف نون المثنى والجمع للإضافة -كما أشرنا- في الأمثلة السابقة؛ وهو حذف لازم؛ كحذفها وجوبًا مع "اثنين" و"اثنتين" عند تركيبهما مع عْشر، أو: عَشرة ... ؛ فتحل كلمة: "عَشر، أو: عشْرة" مكان النون بعد حذفها، نحو: "اثنا عشَر" و"اثنتا عشْرة"؛ فتعرب: "اثنا" و"اثنتا" إعراب المثنى، وكلمة "عْشر أو: عَشرة" اسم مبني1 على الفتح لا محل له من الإعراب، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. كما سبق2. وقد تحذف جوازًا للتخفيف؛ إذا كانت في آخر اسم مشتق "أيْ: وَصْف" في أوله "أل" الموصولة3، و"خيرًا"، قد نصَب بعده مفعوله مثل: ما أنتما المهملا واجبًا، وما أنتم المانعو خيرًا؛ ومنه قراءة من قرأ: "والمقيمي الصلاةَ" "بنصب كلمات: "الواجبَ"، وخيرًا، و"الصلاةَ"؛ على أنها مفعول به لاسم الفاعل الذى قبل كل منها"4. ويجيز سيبويه وآخرون حذف نون ما دل على تثنية أو جمع من أسماء الموصول؛ نحو: اللذان، واللتان، والذين. وقد تحذف نون الجمع جوازًا إذا وقع بعدها لام ساكنة، كقراءة من قرأ: "غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ". بنصب كلمة "اللهَ" على أنها مفعول به "أصله: معجزين اللهَ"، وقراءة: "وإنكم لذائقو العذابَ" بنصب كلمة: "العذابَ" على أنها مفعول به أيضًا، وأصلها: "وإنكم لذائقون العذاب". وأقل من هذا أن تحذف من غير وقوع اللام الساكنة بعدها؛ كقراءة من قرأ: "وما هم بضَارّي به من أحد" وأصلها: "بضارين به". وقد تحذف النون جوازًا لشبه الإضافة في نحو: لا غلاميْ لمحمد، ولا مكرَميْ للجاهل، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة، والخبر محذوفًا5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك في. لَبَّيْكَ1 وسَعْدَيك2 ... وأشباههما عند من يرى أن الكاف حرف للخطاب، وليست باسم. وقد يحذفان للضرورة في الشعر. هذا، وعلى الرغم من أن حذفهما جائز في الموضع التى ذكرناها -فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة؛ منعًا للغموض واللبس، وضبطًا للتعبير في سهولة، ووضوح، واتفاق يلائم حالة الناس اليوم. أما الموضع التى يجب فيها حذفهما فلا مفر من مراعاتها. هـ- الأصل3 في المثنى أن يدل على اثنين حقيقة. لكن قد يكون اللفظ ظاهره التثنية ومعناه الجمع بشرط وجود قرينة؛ فيكون ملحقًا بالمثنى في الإعراب فقط، وليس مثنى حقيقة؛ لفقد شرط التثنية؛ ومن ذلك: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْن} أي: كَرَّات؛ لأن المراد التكثير، والتكثير لا يتحقق بكَرتين، وإنما يتحقق بكَرَّات. ومثله: حَنَانَيْك ... وهذا النوع يجوز فيه التجريد من علامتَيِ التثنية اكتفاء بالعطف، مثل: أتعبتنا الأسفار؛ خمس وخمس، وذَهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر: تَخدِي4 بنا نُجُبٌ أفْنَى عرائكهَا ... خَمْسٌ وِخَمْسٌ وتأويبٌ وتأويبُ وقد يغنى التكرار عن العطف5؛ كقوله تعالى: {صَفًّا صَفًّا} ، وقوله: {دَكًّا دَكًّا} .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و سبق1 أن قلنا إن المثنى المرفوع إذا أضيف إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: غاب حارسًا الحقل وأقبل زارعًا الحديقة -فإن علامة التثنية "وهي الألف" تحذف نطقًا، لا خَطًّا2. ويرجح النحاة في إعرابه أن يقال: إنه مرفوع بألف مقدرة ... وكذلك الشأن في جمع المذكر؛ فإنه إذا أضيف حذفت نونه للإضافة؛ فإن كانت إضافته إلى كلمة أولها ساكن حذفت واوه رفعًا، وياؤه نصبًا، وجرًّا؛ في النطق، لا في الكتابة2؛ تقول: جاء عالمو المدينة، وكرمت عالمِي المدينة، وسعيت إلى عالمِي المدينة3. لكن ما إعرابه؟ أيكون مرفوعًا بالواو الظاهرة في الكتابة، أم بالواو المقدرة المحذوفة في النطق لالتقاء الساكنين؛ فهي محذوفة لعلة، فكأنها موجودة؟ وكذلك في حالة النصب والجر؛ أيكون منصوبًا ومجرورًا بالياء المذكرورة أم المقدرة؟ يرتضي النحاة أنه معرب في جميع حالاته بالحرف المقدر؛ لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة، ويعدون هذه الحالة كحالة المثنى في أنها من مواضع الإعراب التقديري4، لا الإعراب اللفظي. ونقول هنا ما سبق أن قلناه في المثنى: وهو أنه لا داعي اليوم للأخذ بهذا الرأي، ولن يترتب على إهماله ضرر؛ لأن الخلاف شكلي لا قيمة له. ولكن الإعراب التقديري هنا لا يخلو من تكلف، وقد يؤدي إلى اللبس. كذلك تقدر الواو رفعًا -فقط- في جميع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ نحو: جاء صاحبِيَّ. وأصلها: صاحبون لي؛ حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة؛ فصارت الكلمة صاحِبُويَ. اجتمعت الواو والياء، وسَبقت إحداهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسكون، قُلبت الواو ياء؛ فصارت الكلمة: صاحُبُيَّ، ثم حركت الباء بالكسرة؛ لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة: صاحِبِيَّ. ومثلها جاء خادِميّ ومساعدِيّ، إذ يرتضي النحاة في إعرابها: "خادميّ"، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة ياء المدغمة في ياء المتكلم. و"خادم" مضاف وياء المتكلم مضاف إليه؛ مبنية على الفتح في محل جر. وكذلك الباقي وما أشبهه. ويقول فريق آخر: إن إعراب كلمة: "صاحِبِيّ" وأشباهها هو إعراب لفظي، لا تقديري؛ لوجود ذات الواو، ولكن في صورة ياء. وتغير صورتها لعلة تصريفية لا يقتضي أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بين هذين الرأيين لا قيمة له؛ لأنه خلاف لفظي، شكلى، لا يترتب عليه شيء عملي؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأيين. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخرى. ز- جسم الإنسان -وغيره- ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه في وقت، ثم يعود إليه في وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب ... ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها ... فإذا كان في الجسم شيء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب -ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه: أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية؛ لأن التثنية في الحقيقة جمع لُغَوى1؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد ... ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما. ثالثها: الإفراد؛ نحو؛ ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرد، للخفة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما ما يكون في الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه جمع؛ لأن المراد الإيمان: "جمع يمين، أي: اليد اليمنى"1. وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما ... وسلمت على غلاميكما ... إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع في مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد2. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف. ح- سبق الكلام على منع تثنية جمع المذكر وجمعه بطريقة مباشرة فيهما، وإباحة ذلك عند التسمية به3 ... فهل يجوز تثنية جمع التكسير، وجمعه؟ فريق قال: إن جمعه مقصور على السماع. أما تثنيته فملخص الرأي فيها عنده أن القياس يأبى تثنية الجمع، وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة العددية، والتثنية تدل على القلة؛ فهما متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة. وقد جاء شيء من ذلك -عن العرب- على تأويل الإفراد؛ قالوا: إبلان، وغَنَمان. وجمَالانِ. ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضموا إليه مثله فثنوه ... وما دام القياس يأباه فالأحسن الاقتصار فيه على السماع4. وفريق آخر -كما سيجيء5- يميل إلى إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة. والأفضل الأخذ بالرأي القائل إن الحاجة الشديدة قد تدعو أحيانًا إلى جمع الجمع، كما تدعو إلى تثنيته؛ فكما يقال في جماعتين من الجِمال: جمالان -كذلك يقال في جماعات منها: جِمالات. وإذا أريد تكسير جمع التكسير روعي فيه ما نصوا عليه في بابه5.
المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم
المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم د- جمع المؤنث السالم1: فى الأمثلة السابقة كلمات مفردة، تدل كل كلمة منها على شىء واحد مؤنث، أومذكر، "مثل: سيدة، هند، عطية، سُرادق ... ". وحين زِدنا فى آخرها الألف والتاء المفتوحة2 صارت تدل على جمع مؤنث؛ مثل: سيدات، هندات3، عطيات3، سُرَادِقات، واستغنينا بهذه الزيادة عن العطف بالواو4؛ أى: عن أن نقول: سيدة؛ وسيدة؛ وسيدة ... أوهند، وهند، وهند ... إلخ. فهذه الكلمات تسمى: الجمع بالألف والتاء الزائدتين، أو: جمع المؤنث السالم؛ كما هوالمشهور5. وهو: ما دل على أكثر من
اثنين1 بسبب زيادة معَينة في آخره، أغنتْ عن عطف المفردات المتشابهة في المعنى، والحروف، والحركات، بعضها على بعض. وتلك الزيادة هي "الألف والتاء" في آخره. ومفرد هذا الجمع قد يكون مؤنثًا لفظيًّا ومعنويًّا معًا؛ مثل: سيدة، وسُعْدَى ولمْيَاء. والجمع؛ سيدات، وسُعَديات، ولمياوات.
وقد يكون مفرده مؤنثًا معنويًّا فقط؛ بأن يكون خاليًا من علامة التأنيث مع دلالته على مؤنث حقيقي؛ مثل: هند، وسعاد. والجمع: هندات، وسعادات. وقد يكون مفرده مؤنثًا لفظيًّا فقط؛ بأن يكون لفظه مشتملًا على علامة تأنيث، مع أن المراد منه مذكر. مثل: عطية، اسم رجل، وجَمعه: عطيات، وشَبَكة، اسم رجل، وجمعه: شَبَكات ... وقد يكون مفرده مذكرًا؛ كسُرادِق وسرادِقات. وحكم هذا الجمع: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، ويجر بالكسرة، كما في الأمثلة السابقة، وأشباهها. كل هذا بشرط أن تكون الألف والتاء زائدتين معًا؛ فإن كانت الألف زائدة والتاء أصلية؛ مثل: بيت وأبيات، وقوت وأقوات، وصوت
وأصوات، ووقت وأوقات ... -لم يكن جمع مؤنث سالم، ولم ينصب بالكسرة؛ وإنما هو جمع تكسير، ينصب بالفتحة. وكذلك إن كانت ألفه أصلية والتاء زائدة، -مثل: سُعاة1: جمع ساع، ورماة: جمع رام، ودعاة: جمع داع، وأشباهها؛ فإنه يدخل فى جموع التكسير التي تنصب بالفتحة. ملحقاته: أُلحق بهذا الجمع نوعان، أولهما: كلمات لها معنى جمع المؤنث ولكن لا مفرد لها من لفظها؛ وإنما لها مفرد من معناها، فهى اسم جمع"2، مثل "أولات"3 ومفردها: "ذات"، بمعنى صاحبة، فمعنى كلمة: "أولات" هو: صاحبات. تقول: الأمهاتُ أولاتُ فضل، عرفت أوُلاتِ فضل، احترمت أوُلاتِ فضل. وكلمة: "أولات" مضافة4 دائمًا؛ ولهذا ترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالكسرة من غير تنوين أيضًا؛ ومثلها: "اللاّت" "اسم موصول لجمع الإناث"، عند من يلحقها بجمع المؤنث5، ولا يبنيها على الكسر، كالإعراب
المشهور، يقول: جاءت اللاتُ تعلمن، ورأيتِ اللاتِ تعلمن، وفرحت باللاتِ تعلمن؛ فاللات عنده اسم جمع لكلمة: "التى". ثانيهما: ما سمي به من هذا الجمع1 وملحقاته، وصار علمًا لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية؛ مثل: سعادات، وزينبات، وعنايات، ونعمات، وأشباهها مما صار علمًا على رجل أو امرأة. ومثل: عَرَفات؛ "اسم مكان بقرب مكة"، وأذْرِعات "اسم قرية بالشام". وغير ذلك، مما لفظه لفظ جمع المؤنث، ولكن معناه مفرد مذكر أو مؤنث. مثل: سافرت سعاداتٌ، ورأيت سعاداتٍ، واعترفت لسعاداتٍ بالفضل. فهذا النوع يعرب بالضمة رفعًا، وبالكسرة نصبًا وجرًّا، مع التنوين2 في كل الحالات؛ مراعاة لناحيته اللفظية الشكلية التي جاءت على صورة جمع المؤنث السالم، مع أن مدلولها مفرد. وبعض العرب يحذف التنوين، وبعضهم يعربه بالضمة رفعًا من غير تنوين، وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين في الحالتين، أي: يعربه إعراب ما لا ينصرف مراعاة لمفرده، بشرط أن يكون هذا المفرد مؤنثًا فيقول: هذه عرفاتُ، زرت عرفاتَ، ووقفت بعرفاتَ. وإذا أراد الوقوف على آخره وَقف بالتاء المفتوحة3،
فهذه ثلاثة أراء في المسمى به، قد يكون أفضلها الأخير1، فيحسن الاقتصار عليه في استعمالنا- مع مراعاة شرطه. "ملاحظة": إذا كان المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع علمًا فإنه يفقد عند الجمع- علميته، وما يترتب عليها من التعريف الحتمي وبصير نكرة -طبقًا لما سبق تفصيله، وبيان سببه2- فلا بد له بعد الجمع من شيء يعيد إليه التعريف، كزيادة "أل" المعرفة في أوله، أو جود حرف النداء قبله.... ويشترط في المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع أن يكون خاليًا من الإعراب بحرفين، فلا يجمع المفرد المختوم بعلامة جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هذا الجمع ينقاس فى ستة أشياء: أولها: كل ما في آخره التاء الزائدة1 مطلقًا؛ أى: سواء أكان علمًا، مثل: فاطمة، أم غير علم، مثل: زراعة - تجارة. مؤنثًا لفظًا ومعنى. مثل: حليمة، رُقية، من أعلام النساء، أم مؤنثًا لفظا فقط مثل: عطية، حمزة، معاوية، من أعلام الرجال. وسواء أكانت التاء للتأنيث كالأمثلة السابقة، أم للعوض عن أصل، نحو: عِدة، وثُبَة، تقول: فى جمعهما: عِدات - ثُبات2؛ وقد تكون التاء للمبالغة، نحوعلاّمة وعلاَّمات. ويستثنى مما فيه التاء كلمات منها: امرأة، وأمة، وشاة، وشفة، وقلَة3، وأمَّة، ومِلَّة4. هذا، ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد، مؤنث، عند جمعه جمع تأنيث سالمًا، لكيلا تتلاقى مع التاء التى فى آخر الجمع. فإن كان الاسم بعد حذفها مختومًا بألف لازمة، أوبهمزة قبلها ألف زائدة - نحو: فتاة ... ، وهناءة ... - روعى فى جمع هذين الاسمين ما يراعى فى جمع المقصور والممدود5 - مع ملاحظة ما فى رقم 6 من هامش ص 188، وكذا و "ص190". ثانيها: ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة "سواء أكان علمًا، أم غير علم، لمؤنث أم لمذكر؛ فمثال المقصورة: "سُعدى" وهي علم مؤنث، "وفُضْلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودُنيا" إذا كانت علمًا لمذكر6. فمثال المقصورة "سعدي" وهي علم مؤنث، "وفضلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودينا" إذا كانت علما لمذكر ومثال الممدودة: "زَهراء"، وهي علم لمؤنث، و"حسناء" وهي غير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علم وإنما هي صفة لمؤنث، و"زكرياء" علم لمذكر. ويستثنى من هذا القسم -عند غير الكوفيين كما سبق1: فَعْلَى؛ مؤنث "فَعْلان"، مثل "سَكْرى" مؤنث "سكران"، "وفَعْلاء" مؤنث2: "أفْعَل" مثل: "خضراء وسوداء"، وكلتاهما صفة لمؤنث، وليست بعلَم. ثالثهما: كل علم لمؤنث حقيقي3 وليس فيه علامة تأنيث، كزينب، ونوال، وإحسان، إلا ما كان مثل: "حَذَام" عند مَن يبنيه في جميع أحواله -كما سبق4. رابعها: مصغر المذكر الذى لا يعقل، مثل: "نُهيرات"، تصغير: "نهر" و"جُبيلات"؛ تصغير "جبل" و"مُعَيْدِناتٌ"، تصغير: "معدِن". خامسها: وصف المذكر غير العاقل؛ مثل؛ هذا بساتين جميلات5، زُرْتها أيامًا معدودات. سادسها: كل خماسىّ لم يسمع له عن العرب جمع تكسير6؛ مثل: سُرادِقات وقَيْصُومات - وحَمَّامات - وكَتَّانات. واصطبلات - وقِطْميرات ... فى جمع: سُرادِق، وقَيْصُوم7، وحَمَّام، وكَتَّان، واصطبل، وقطْمير8. وما عدا تلك الأنواع الستة مقصور على السماع؛ مثل: شَمَالات9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى ما سبق يشير بعضهم بقوله عن جمع المؤنث السالم، وما يقاس فيه وما لا يقاس: وقسْهُ فى ذى التَّا، ونحو ذِكْرَى ... ودرهمٍ مُصَغّرٍ، وصَحْرا وزًينبٍ، ووصفِ غيرِ العاقلِ ... وغير ُ ذا مُسلمٌ للناقل يريد أنه مقيس في كل ما هو مختوم بالتاء؛ مثل: رحمة ونعمة، أو ألف التأنيث المقصورة؛ مثل: ذِكْرَى، أو الممدودة؛ مثل: صَحْراء. وفي مصغر غير العاقل؛ نحو: دُرَيْهم، في تصغير: دِرْهم. وفي وصف غير العاقل، نحو: هذه بساتين جميلات زرتها أيامًا معدودات1. أما غير هذه الخمسة فمقصور على سماع عن العرب فمن نقل عنهم شيئًا أخذنا بما نقل، وسلمنا به. وقد ترك السادَس وهو الخماسيّ الذى لم يسمع له جمع تكسير. "ب" إذا كان المفرد اسمًا2، مؤنثًا، ثلاثيًّا، صحيح العين، ساكنها، غير مضعفها، مختومًا بالتاء أوغير مختوم بها وأردنا جمعه جمع مؤنث سالمًا فإنه يراعى في جمعه ما يأتي3: 1- إن كانت "فاء" الكلمة مفتوحة وجب تحريك العين الساكنة بالفتح في الجمع أيضًا؛ تبعًا للفاء. تقول في جمع: ظَرْف، وبَدْر، ونَهْلة، وسَعْدة، ... "وكلها أسماء إناث" ظَرَفات، وبدَرات، ونَهَلات، وسَعَدات. بفتح الثاني في كلٍّ. 2- وإن كانت فاء الكلمة مضمومة، جاز في العين ثلاثة أشياء: الضم، أو الفتح، أو السكون؛ تقول في جمع، لُطْف، وحُسْن، وشُهْرَة، وزُهْرَة "وكلها أسماء إناث"، لطفات، وحسنات، وسهدات، وزهرات، بضم الثاني في كلّ، أو فتحه، أو تسكينه. إلا إنْ كانت "لام" المفرد ياء فلا تضم العين في الجمع، مثل: غُنْيَة4، فلا يُقالُ: غُنُيات5. وإنما يقال: غُنَيات6، أو: غُنْيات؛ بفتح النون، أو سكونها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- وإن كانت فاء الكلمة مكسورة جاء في العين ثلاثة أشياء؛ الكسر، أو الفتح، أو السكون. تقول في جمع: سِحْر، وهِند، وحِكمة، ونِعْمة "أسماء إناث": سِحَِْرَات، هِنَِْدَات، حِكَِْمَات، نِعَِْمَات. بفتحِ الثاني في كلّ، أو كسره، أو تسكينه، إلا إذا كان المفرد المؤنث مكسور الفاء ولامه واو مثل:، ذِرْوة، فلا يجوز في العين إتباعها للفاء للفاء فى الكسر؛ فلا يقال: ذِرِوات1 وإنما يقال ذِرَوَات2 أو ذرْوات بفتح العين أو تسكينها. ولا بد في المفرد الذي تجري عليه الأحكام السالفة أن يشتمل على الشروط الستة التى سردناها. فإن فُقِد شرط لم يجز إتباع حركة العين لحركة الفاء؛ ومن ذلك أن تكون الكلمة صفة لا اسمًا، مثل: "ضَخْمة"، فلا يقال فيها: ضَخَمات، بفتح الخاء. أو تكون اسمًا غير مؤنث مثل: سعد، علم، رجل، فإنه لا يجمع جمع جمع مؤنث، ولا تتحرك عينه. أو تكون غير ثلاثية، مثل: "زَلزَل" و"عُنيزة" "لجاريتين"، فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع. أو تكون غير صحيحة العين؛ مثل "خَوْد"3، "وقَيْنة"4 فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع، أو تكون مُضعفة العين، مثل: جنَّة وجنات؛ فلا يتغير شيء من حركات حروفها فى الجمع، وإن كانت العين غير ساكنة، مثل: حكم "علم فتاة". وقد وردت جموع مخالفة لبعض الشروط السالفة؛ فلا نقيس عليها؛ لأنها لغة نادرة؛ أو قليلة لبعض العرب، أو دفعت إليها ضرورة شعرية. ولهذا البحث مزيد إبانة وتفصيل في موضعه الخاص من باب: "تثنية المقصور والممدود وجمعهما"، فى الجزء الرابع5 ... "ج" إذا كان المفرد مركبًا إضافيًّا وأريد6 تثنيته أو جمعه جمع مؤنث سالمًا فإن صدره هو الذى يثنى ويجمع، ويبقى عجزه على حاله، مثل: سيدة الحُسن "علم امرأة" يقال في تثنيته وفي جمعه: سيدتا الحُسن، وسيدات الحسن، وهذا إن لم يكن صدره المضاف كلمة "ذو"، أو: كلمة: "ابن"، أو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخ" ونحوهما ... من أسماء ما لا يعقل من الأجناس، -ومنها: ذو القَعدة، وذو الحِجة وابن لبون، وابن آوى، وابن عُرسٍ1- فإن كان المضاف أحدها وأريد جمعه فالغالب أن يجمع جمع مؤنث سالمًا فيقال مثلاً: ذوات القَعدة، وذوات الحِجَّة، وبنات آوى، وبنات عُرس ... ولا فرق في ذلك بين اسم الجنس غير العلم الجنسي كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى. والفرق بينهما أن ثاني الجزأين من علم الجنس لا يقبل: "آل" بخلاف اسم الجنس، كما سيجيء في ج4"2 ... وإن كان مركبًا إسناديًّا مثل: زادَ الجمالُ "علم امرأة" بقي على حاله تمامًا؛ وأتينا قبله بكلمة: "ذاتا" في التثنية3؛ و"ذوات" في الجمع المؤنث، تقول: جاءت ذاتا زادَ الجمالُ، وذواتُ زادَ الجمالُ. ويجرى الإعراب على ذات" و"ذوات"؛ دون العلم المركب إسناديًّا؛ فإنه يبقى على حاله تمامًا، ويعرب مضافًا إليه، مجرورًا بكسرة مقدرة، منع من ظهورها: الحكاية. وكذلك نأتي -فى أشهر الآراء4- بهذه الكلمات المساعدة التى تُوصل إلى التثنية إن كان مركبًا تركيب مزج مثل: شهر زاد5، اسم امرأة. د- المفرد الذى لا يصح جمعه جمع مذكر سالمًا، لا يصح فى مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالمًا. وقد سبق بيان هذا وما فيه6. هـ- إذا سمى بجمع المؤنث7، أوملحقاته، -مثل: سعادات، عنايات ... - وأريد تثنية هذا المسمى لم يصح تثنيته إلا من طريق غير مباشر بأن نأتى قبله بالكلمة الخاصة التى توصلنا لهذا الغرض؛ وهى كلمة: "ذاتا"3
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعًا1، و"ذاتَىْ"2 ... نصبًا وجرا. وتعرب كل واحدة منهما على حسب حاجة الجملة إعراب المثنى فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء. وهى "المضاف"3، والمسمى به بعدها "مضاف" إليه. وإذا أريد جمع المسمى به جمعًا مؤنثًا وجب الإتيان قبله بكلمة "ذوات" المضافة؛ والمسمى هوالمضاف إليه.
المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف
المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف هـ- إعراب ما لا ينصرف: 1- تعلم محمودٌ، أو مصطفىً. نافس الطلاب محموداً، أو مصطفىً. فاض الثناء على محمودٍ، أو مصطفىً. 2- تعلم أحمدُ. نافس الطلاب أحمدَ. فاض الثناء على أحمدَ. 3- تعلمتْ ليلَى. نافست الطالباتُ ليلىَ. فاض الثناء على ليلىَ. 4- صالحٌ أفضلُ من غيره. صالح أفضلُ الزملاء. عرفت أفضلَ من غيره. عرفتُ أفضلَ الزملاء. سلمت على أفضلَ من غيره. سلمت على أفضلِ الزملاء. 5- صالح هو الأفضلُ عرفت الأفضلَ. يتساءل الطلاب عن الأفضلِ. من الأسماء المعربة -غالبًا-1 نوع يعرب بالحركات الظاهرة، أو المقدرة، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع وجود التنوين في الحالات الثلاث2؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم المنصرف"، أي: الاسم المنون3". ويسمى اختصارًا: "الاسم المنون"، أو: "المنصرف." كأمثلة القسم الأول. كأمثلة القسم الأول. ومن الأسماء المعربة نوع آخر يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجَر بالفتحة أيضًا4، نيابة عن الكسرة، ولكن من غير تنوين -غالبًا-4 في الحالات الثلاث؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم الذى لا ينصرف؛ أي: لا يُنون". ولا فرق في هذا النوع بين أن تكون حركة آخره ظاهرة، كأمثلة القسم الثاني، أو مقدرة كأمثلة القسم الثالث. والاختلاف بين صورتي المعرب المنصرف وغير المنصرف، ينحصر في أمرين؛ أولهما: أن "المنصرف" يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة، أو المقدرة رفعًا، ونصبًا، وجرًّا؛ فالضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر.
ثانيهما: أنه ينون في جميع حالاته، إلا إن وجد مانع آخر يمنع التنوين1. أما الاسم الذى ينصرف فتتلخص حركات آخره الظاهرة، أو المقدرة في أنه يرفع بضمة واحدة من غير تنوين2، وينصب بفتحة واحدة من غير تنوين، ويجر بفتحة واحدة أيضًا من غير تنوين؛ فهو يختلف عن سابقه فى الأمرين، في عدم التنوين، وفي الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة -وإنما يتحقق الاختلاف بشرط ألا يكون مضافًا أومبدوءًا "بأل". فإن كان مضافًا مثل كلمة: "أفضل" في القسم الرابع، أومبدوءًا "بأل" مثل كلمة: "الأفضل" في القسم الخامس، وجب جره بالكسرة دون الفتحة، مع حذف التنوين في الحالتين أيضًا؛ لأن التنوين لا يوجد في الاسم المضاف، أو المبدوء "بأل" مهما كان نوعها3. هذا وللاسم الذي لا ينصرف باب خاص -سيجيء في الجزء الرابع- تُبَيَّن فيه أسباب المنع من الصرف، وتوضح أحكامه، ونقتصر هنا على ما يناسب موضوع الإعراب، تاركين غيره لذلك الباب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سبقت الإشارة -فى جمع المؤنث السالم، "ص 166"- إلى أن هذا الجمع وملحقاته عند التسمية به يصح إعرابه إعراب مالا ينصرف، كما يصح إعرابه إعراب جمع المؤنث السالم، مراعاة لأصله وصورته. والإعراب الأول أحسن، لما سبق هناك. ب- من المبينات ما يكون ممنوعًا من الصرف لانطباق سبب المنع عليه؛ مثل: سيبويه؛ فإنه علم1 مبني على الكسر وجوبًا فى كل حالاته -فى الرأىّ الشائع2. فعند اعتباره ممنوعًا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجي نقول في إعرابه في حالة الرفع: إنه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر. أو إنه مبني على الكسر في محل رفع. ونقول في حالة نصبه: إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر، أو: إنه مبني على الكسر في محل نصب3. ونقول في حالة جره إنه مجرور بفتحة مقدرة. منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر. ولا مانع أن نقول هنا أيضًا: إنه مبني على الكسر في محل جر. ولكن النحاة يفضلون بحق في حالة الجر الإعراب الأول، لأنه يوافق الحكم العام للاسم الذى لا ينصرف. ج- بعض القبائل العربية يستعمل كلمة: "أمْ" بدلا من "أل" فيقول: امقمرُ يستمدّ امْضَوْءَ من امْشَمْش، أي: "القمر يستمد الضوء من الشمس" وعلى هذه اللغة لا يمنع الاسم عندهم من الصرف إذا بدئ بكلمة: "أمْ" المستعملة بدلاً من: "أَلْ"4.
المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة
المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة و الأفعال الخمسة: أ- العاقل يتكلم بعد تفكير. لن يتكلمَ العاقل مسرعاً. لم يتكلمْ عاقل فيما لا يَعنيه. إذا كان المضارع صحيح الآخر، وغير مختوم بضمير بارز2، فإنه يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة "الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب إذا سبقه ناصب، والسكون في حالة الجزم إذا سبقه جازم". كأمثلة القسم "أ". أما إذا اتصل بآخره ألف اثنين "وله معها صورتان. إحداهما أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب، والأخرى أن يكون مبدوءًا بياء الغائب، كأمثلة 1، 2 من القسم "ب"." أو اتصل بآخره واو الجماعة، "وله معها صورتان كذلك: أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب أو ياء الغائب، كأمثلة 3، 4 من "ب" أو اتصل آخره بياء المخاطبة، "كأمثلة القسم الخامس من "ب" فإنه في هذه الصور الخمس التي يسميها النحاة الأفعال الخمسة -يرفع بثبوت النون3 في حالة
الرفع، نيابة عن الضمة، وينصب في حالة النصب بحذفها نيابة عن الفتحة، ويجزم في حالة الجزم بحذفها أيضًا نيابة عن السكون. "أمثلة، 2، 3، 4، 5". وهذا معنى قولهم: الأفعال الخمسة هي: "كل مضارع اتصل بآخره ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة"1. وحكمها: أنها ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها. مع ملاحظة أن تلك النون عند ظهورها تكون مكسورة2 بعد ألف الاثنين، مفتوحة في باقي الصور3". "ملاحظة": إذا كان المضارع معتل الآخر بغير إسناد لضمير رفع بارز -فحكمه سيجيء في مكانه الخاص4. فإن كان مسندًا لضمير رفع بارز وجب أن تلحقه تغيرات مختلفة؛ بيانها وتفصيلُ أحكامها في الباب المعدّ لذلك5، وهو باب: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة؛ بتوكيد، وغير توكيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا قلت: النساء لن يَعْفُونَ عن المسيء؛ فالنون هنا نون النسوة؛ وليست نون الرفع التي تلحق بآخر الأفعال الخمسة. كما أن الواو واو أصلية، لأنها لام الفعل؛ إذا أصله: "عفا" "يعفو" تقول: النساء يَعْفون؛ "يعفو" فعل مضارع مبني على السكون الذى على الواو. لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع. وتقول "النساء لن يعفُون": "يعفو": فعل مضارع، مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة؛ في محل نصب بلن، والنون فاعل ... وفي النساء لم يعْفُون: "يَعْفُو" فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، في محل جزم بـ"لم"، ونون النسوة فاعل ... بخلاف قولك: الرجال يَعْفُون؛ فإن النون هنا علامة للرفع، والواو ضمير الجمع، فاعل، مبني على السكون في محل رفع. وأصله: الرجال يعفُوُون "على وزن: يفْعُلُون"؛ استثقلت الضمة على الواو الأولى "التى هي حرف علة، ولام الفعل أيضًا" فحذفت الضمة؛ فالتقى ساكنان، هما: الواوان. حذفت الواو الأولى؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الواو الثانية: لأنها كلمة تامة. إذ هي ضميرٌ، فاعل، يحتاج إليها الفعل، فصار الكلام: "الرجال يعْفُون" على وزن: "يَفْعُون"، وعند وجود ناصب أو جازم تحذف النون، نقول: الرجال لن يعْفُوا "على وزن يَفْعُوا" ومن قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والرجال لم يعْفُوا، فحذفت نون الرفع؛ لوجود أحدهما، بخلاف نون النسوة، فإنها لا تحذف -كما سبق. ب- عرفنا أن نون الرفع تحذف وجوبًا للناصب أو الجازم؛ كحذفها فى قوله تعالى: {لن تَنالُوا الْبِرَّ حَتى تنفقُوا مما تُحِبّون} ، وقول الشاعر المصري1: لا تقْربوا النيل إنْ لم تعملوا عملاً ... فماؤهُ العذبُ لم يخلَق لكسْلان وقد تحذف لغير ناصب أو جازم، وجوبًا أو جوازًا؛ فتحذف وجوبًا إذا جاء بعدها نون التوكيد الثقيلة؛ مثل: أنتما، يا صاحباي، لا تقصرانّ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواجب، وأنتم -يا رجال- لا تهملُنّ فى العمل، وأنت -يا قادرة- لا تتأخَرنِّ عن معاونة البائس، فحذفت نون الرفع في الجميع؛ لتوالي الأمثال "أي: لتوالي ثلاثة أحرف متماثلة زائدة؛ هي: النونات الثلاث ... " وحذفت معها أيضًا واو الجماعة، وياء المخاطبة دون ألف الاثنين2، ولكن عند إعراب المضارع المرفوع نقول: مرفوع بالنون المقدرة، كما سبق بيان سببه وتفصيله. وتحذف جوازًا عند اتصالها بنون الوقاية3، مثل: الصديقان يُكْرمانِني، أو: يُكْرِمَانِي، والأصدقاء يكرمُونني، أو: يكرموني، وأنت تكرمينني، أو: تكرِمينِّي4. فتلخص من هذا أن نون الأفعال الخمسة لها ثلاثة أحوال عند اتصالها بنون الوقاية: الحذف، أو الإدغام في نون الوقاية، أو الفك مع إبقاء النونين5. وهناك لغة تحذف نون الرفع "أي: نون الأفعال الخمسة" في غير ما سبق؛ وبها جاء الحديث الشريف: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا"، أي: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنون حتى تتحابوا. وقوله أيضًا: "كما تكونوا يولَّى عليكم" في بعض الآراء، وليس من السائغ اتباع هذه اللغة في عصرنا، ولا محاكاتها، وإنما ذكرناها لنفهم ما ورد بها في النصوص القديمة.
"ج" يجوز1 أن تقول: "هما تفعلان" و"هما يفعلان" عند الكلام على مؤنثتين غائبتين؛ ففي الحالة الأولى تؤنث مراعيًا أنك تقول في المفردة: هي تفعل؛ بوجود التاء أول المضارع. فكأن الأصل -مثلًا- زينب تفعل؛ لأن الضمير بمنزلة الظاهر المؤنث الذى بمعناه. فإذا قلت: "هما تفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك الحالة السابقة. وإذا قلت: "هما يفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك مراعاة لفظ الضمير الحالي الذى للمشي الغائب، والأول أكثر وأشهر، وفيه بُعْد عن اللّبس، فوق ما فيه من مسايرة لقاعدة هامة؛ هي: أن الفعل يجب تأنيثه إذا كان مسندًا. لضمير يعود على مؤنث2 ...
المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر
المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر ز- المضارع المعتل الآخر1: ليس في الأفعال ما يدخله الإعراب إلا الفعل المضارع أحيانًا، وهو قسمان: أ- مضارع صحيح الآخر: مثل: يشكر، يرتفع، ينزل ... وهذا يعرب بحركات ظاهرة على آخره في كل أحواله: "رفعًا، ونصبًا، وجزمًا"؛ تقول: يشكرُ المرء من أعانه، لن يرتفعَ شأن الخائن، لم ينزلْ مطرٌ فى الصحراء ... ، "فيشكرُ". مرفوع بالضمة الظاهرة، و"يرتفعَ": منصوب بالفتحة الظاهرة، و"ينزلْ" مجزوم بالسكون الظاهر، أما الجر فلا يدخل الأفعال، كما هو معلوم. ب- مضارع معتل الآخر2، وهو ثلاثة أنواع: 1- معتل الآخر بالألف، مثل: يخشَى، يرضَى، يرْقَى. وحكمه: أنه تقدر على آخره الضمة في حالة الرفع، مثل: يخشى الصالح ربه، فيخشى: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف. وكذلت تقدر الفتحة على آخره في حالة النصب؛ مثل: لن يرضَى العاقل بالأذى؛ فيرضى: مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسبب التقدير في الرفع والنصب تعذر ظهور الحركة على الألف واستحالتها. أما في حالة الجزم فتحذف الألف3. وتبقى الفتحة قبلها دليلًا عليها4؛ مثل: لم يرقَ العاجز، فكلمة يرقَ: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه
حذف الألف. ومثله المضارع "تَلقَ" في قول الشاعر: إذا كنت فى كلّ الأمور معاتِبًا ... صديقك لم تلقَ الذى لا تعاتبهْ 2- معتل الآخر بالواو، مثل: يسمو، يصفو، يبدو. وحكمه: أنه يرفع بالضمة المقدرة1، مثل: يسمو العالِم، فيسمو: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو. ولكنه ينصب بفتحة ظاهرة على الواو، مثل لن يصفوالماء إلا بالتنقية. ويجزم بحذف الواو2، وتبقى الضمة قبلها دليلا عليها، مثل لم يبدُ النجم وراء السحُب نهارًا. فالفعل: يبدُ، مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو. 3- معتل الآخر باليا؛ مثل: يمشي، يبني، ومثل يُغْضِي في أول البيت التالي3: يُغضِى حياءً، ويُغْضَى من مهابتهِ ... فلا يُكلَّمُ إلا حينَ يَبتسِمُ وحكمه كسابقه، يُرَفع بضمة مقدرة؛ مثل: يمشي الحازم في الطريق المأمون؛ ويُنْصَب بفتحة ظاهرة على الياء؛ مثل: لن يبغَي أخٌ على أخيه. ويُجَزم بحذف الياء4؛ وتبقى الكسرة قبلها دليلا عليها، مثل لم يَبْنِ المجدَ إلا العصاميون. وقول الشاعر يمدح5: أناة، "فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيد، فإن لم يغن أغنت عزائمه ومن أمثلة حذف الألف والياء من آخر المضارع المجزوم قول الشاعر: فمنْ يلْقَ خيرًا يَحْمد الناسُ أمرَه ... ومن يَغْو6 لا يَعْدَمْ على الغيّ لائِما
وملخص ما سبق في أنواع الفعل المضارع الثلاثة المعتلة الآخر؛ أنها متفقة في حالتي الرفع والجزم، مختلفة في حالة النصب فقط. فجميعها يرفع بضمة مقدرة، ويجزم بحذف حرف العلة الأصل1، مع بقاء الحركة التي تناسبه؛ لتدل عليه، "وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء" أمَّا في حالة النصب فتقدر الفتحة على الألف، وتظهر على الواو والياء2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هناك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم؛ فيكون مجزومًا؛ وعلامة جزمه السكون المقدر على حرف العلة قبل مجيء الجازم1.... وهذه لغة تذكر لمجرد العلم بها؛ لاستخدامها في فهم النصوص القديمة، الواردة بها، لا لتطبيقها في استعمالنا. ب- عرفنا2 أن المضارع المعتل الآخر يحذف آخره عند الجزم. وهذا بشرط أن يكون حرف العلة أصيلًا في مكانه، كالأمثلة السابقة؛ فلا يكون مبدلًا من الهمزة. مثل: يقرا الرجل، أي: يقرأ. ومثل: يوْضُو وجهُ عليّ؛ بمعنى؛ يحسنُ ويضئ. وأصله يَوْضُؤ، ومثل: يُقري الضيفُ السلامَ؛ بمعنى: يُلقيه، وأصله: يقرئ؛ فلو كان مبدلا من الهمزة كالكلمات السالفة، لكان خير ما يقال هو: أن المضارع مجزوم بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة ألفًا، أو واو، أو ياء، في تلك الأمثلة وأشباهها، ولا يحذف حرف العلة المبدل من الهمزة. ومن الأمثلة أيضًا: "يَبْرَا" المريض و"يَبرُو"، أي: يُشفَى؛ وأصلهما: "يَبرَأ" و"يبرُؤُ"؛ بالهمز فيهما. و"يُبرى" اللهُ المريض. أي: يَشفيه؛ وأصله. يُبرئه. ومثل يملا الساقي الإناء، أي: يملأ. "ويمتلي" الإناء: أي: يمتلئ، و"يبطُو" القطار؛ أي: يُبطُؤُ؛ فلا داعي للتفصيل الذى يقوله النحاة، من أن إبدال حرف العلة من الهمزة، إن كان بعد دخول الجازم، فهو إبدال قياسي، "لسكون الهمزة بسببه. فيكون الجازم قد عمل عمله فيها؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو: الجزم؛ ومتى سكنت الهمزة، كان إبدالها من جنس حركة ما قبلها قياسيًّا؛ فتقلب ألفًا أو واوًا، أو ياء، على حسب تلك الحركة، ولا تحذف هذه الحروف؛ إذ لا داعي لحذفها، بعد أن أدّى الجازم عمله، وفي هذه الحالة تعرف الكلمة مجزومة بسكون مقدر1 على الهمزة المنقلبة المختفية ... أما إن كان الإبدال من الهمزة قبل الجزم، فهو إبدال شاذ، والأفصح عدم حذف حرف العلة أيضًا، ويكون الفعل مجزومًا بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة المختفية كسابقه. ولا يحذف حرف العلة -مع أن الجازم حين وروده على الفعل لم يكن أمامه الهمزة، ليؤثر فيها- لأن حرف العلة هذا عارض، وليس أصيلًا، ولا اعتداد بالعارض عندهم2؛ فالفرق بين الحالتين أن الأولى لا يحذف فيها حرف العلة باتفاق، لما بينوه؛ وأن الثانية فيها خلاف، ولكن الأشهر عدم الحذف أيضًا. وإذا كان الأمر على ما وصفنا فما المانع أن يكون الحكم الفاصل هو عدم الحذف دائمًا، لنستريح من تعداد الآراء، واختلاف الحجج، من غير أثر واضح؟ هذا هو الأفضل. ج- سبق3 أن المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة كالأمثلة التي عرضناها. ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس بين هذا النوع الجائز من الحذف4" والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم. وبإثبات الياء وحذفها في المضارع المرفوع، جاء القرآن الكريم، قال الله تعالى5: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ... وقال تعالى6: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} .
المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر
المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر من الأسماء المعربة 1: أ- نوع صحيح الآخر، مثل: سعاد، صالح، جمل، شجرة، قمر، سماء ... وهذا النوع يعرب في أحواله الثلاثة بحركات ظاهرة على آخره؛ تقول: صالحٌ محسنٌ، وإن صالحًا محسن، وحبذا الإحسان من صالح.. وكذا بقية الأمثلة مع مراعاة الأحكام التى شرحناها في المسائل المختلفة السابقة. ب- ومنها نوع معتل الآخر جارٍ مجرى الصحيح، وهو ما آخره ياء أو واو وكلا الحرفين متحرك قبله ساكن، وقد يكون الحرفان مشددين أو مخففين؛ نحو: مرمِيّ - مَغْزو- ظَبْيِ - دَلو ... وحكم آخره من الناحية الإعرابية كحكم صحيح الآخر، فهو شبيه به فى الحكم. ومن هذا الشبيه أيضًا المختوم بياء مشددة للنسب، ونحوه، بشرط ألا يكون تشديده بسبب إدغام ياءين: ومن الأمثلة: عبقريّ - كرسي، شافعيّ، فخرج نحو: خليليّ - صاحبيّ - بَنِيَّ - كاتبِيّ2. ح- ومنها نوع معتل الآخر3 لا يشبه الصحيح: ومن أمثلته "الرضا، العُلا،
الهدى، الحِمى ... " وأيضًا "الهادي، الداعي، المنادِي، والمرتجِي ... " وأيضًا "أدكو1 طوكيو2، سَمَنْدُو3 قَمَندُو4 ... ". وهذا النوع المعتل ثلاثة أقسام على حسب حرف العلة الذى فى آخره: أولها؛ المقصور5: وهو: الاسم المعرب الذى فى آخره ألف6 لازمة 7.
وحكمه: أن يعرب بحركات مقدرة على هذه الألف فى جميع صوره؛ رفعًا؛ ونصبًا، وجرًّا؛ إذ لا يمكن أن تظهر الفتحة أوالضمة أوالكسرة على الألف. ومن أمثلته: {إِنّ الهُدَى هُدَى الله} . "اتَّبْع سَبِيلَ الهُدَى". فكلمة: "الهدَى" الأولى، اسم "إن"؛ منصوبة بفتحة مقدرة على الألف؛ وكلمة: "هدَى" الثانية خبر "إن"، مرفوعة بضمة مقدرة على الألف أيضًا. وكلمة: "هدى" الثالثة مضاف إليه، مجرورة بكسرة مقدرة على الألف1. ومن أمثلته: رضا الله أسمى الغايات. وإن رضا الناس غاية لا تُدْرَك، احرص على رضا الله ... فكلمة: "رضا" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بحركة مقدرة على الألف ... وهكذا كل الأسماء المقصورة2. وليس من المقصور ما يأتي: أ- الأفعال المختومة بألف لازمة، مثل: دعا، سعى، يخشى، ارتقى. وإنما هي نوع من الأفعال التى تسمى ناقصة. "ويراد بهذه التسمية هنا: أنها معتلة الآخر". ب- الحروف المختومة بألف لازمة، مثل: إلى، على ... لأن هذه كتلك ليست أسماء.
ج- الأسماء المبنيَّة المختومة بهذه الألف؛ مثل: "ذا" و"تا" من أسماء الإشارة. ومثل "إذا" الظرفية و"ما" الموصولة، وغيرها من الأسماء المبنية. د- الأسماء المعربة التى فى آخرها واو، أوياء، مثل: "أدكو"، "الهادى"، لأنها ليست معتلة الآخر بالألف. هـ- المثنى فى حالة الرفع مثل: سافر الوالدان، والأسماء الستة فى حالة النصب، مثل: رأيت أباك؛ لأن الألف فيهما غير لازمة، إذ تتغير وتجئ مكانها الياء مع المثنى فى حالة نصبه وجره؛ مثل: أكرمت الوالدَيْن، وأصغيت إلى الوَالديْنِ. وتجئ مكانها الواوأوالياء مع الأسماء الستة فى حالة رفعها وجرها؛ مثل: أبوك كريم، استمع إلى أبيك. و أشرنا1 إلى أن المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث - نحو: فتاة، مباراة، مستدعاة - يفقد اسمه وحكمه بسبب هذه التاء، ولا يسمى مقصورًا، لأنه لا يكون مقصورًا إلا بشرط انتهائه بألف تقع عليها الحركات الإعرابية مقدرة. ولا يتحقق هذا الشرط إذا وقعت بعد ألفه تاء التأنيث، إذ تكون هى خاتمة أحرفه، وعليها تقع الحركات الإعرابية ظاهرة لا مقدرة؛ ولذا تبقى عند تثنيته للدلالة على تأنيثه، وتحذف عند جمعه، ويراعى فى الاسم بعد حذفها ما يراعى فى جمع المقصور2. ويجب التَّنبه للفرق الواسع بين تاء التأنيث السَّالفة والهاء الواقعة ضميرًا بعد ألف المقصور فى مثل: "من أطاع هواه أعطى العدومناه؛ فهذه الهاء كلمة مستقلة تماماً. ثانيها: المنقوص؛ وهو: الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة3، غير مشددة، قبلها كسرة، مثل: العالى، الباقى، المرْتقِي، المستعلِي ...
وحكمه: أن يرفع بضمة مقدرة على الياء فى حالة الرفع، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء فى حالة النصب1، ويجر بكسرة مقدرة2 عليها فى حالة الجر؛ مثل: الخلق العالي سلاح لصاحبه، إن الخلق العاليَ سلاح لصاحبه، تمسَّك بالخلق العالي. فكلمة: "العالي" في الأمثلة الثلاثة نعت "صفة"، ولكنه مرفوع في المثال الأول بضمة مقدرة، ومنصوب في المثال الثاني بالفتحة الظاهرة، ومجرور في المثال الثالث بالكسرة المقدرة. ومثله: الباقي للمرء عمله الصالح. إن الباقيَ3 للمرء عمله الصالح. حافظ على الباقي من مآثر قومك. فكلمة: "الباقي" في المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة، وهي في المثال الثاني اسم "إن" منصوبة بالفتحة الظاهرة، وهي في الثالث مجرورة بكسرة مقدرة، وهكذا، فالمنقوص يرفع ويجر بحركة4 مقدرة على الياء؛ وينصب بفتحة ظاهرة عليها، كما رأينا. والمنقوص الذى تقدر الضمة والكسرة على يائه وتظهر عليها الفتحة يجب إثبات يائه إن كان غير منون -لسبب يمنع التنوين؛ كإضافته، أواقترانه بأل5، أوتثنيته، أوجمعه جمع مؤنث سالما6- فإن كان منونًا لخلوه مما يمنع التنوين؛ وجب حذف الياءدون التنوين في حالتي الرفع والجر، مع تقدير الضمة والكسرة عليها، ويجب بقاء الياء والتنوين فى حالة النصب؛ نحو: خيرُ ما يحمد به المرء خلقٌ عالٍ، إن خلقًا عاليًا يتحلَّى به المرء خير له من الثروة والجاه، لا يحرص العاقل على شيء قَدْرَ حرصه على خلق عالٍ يشتهر به. فيرفع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء الثابتة مع التنوين، ويجر بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة. وإنما حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين فى حالتى الرفع والجر؛ إذ الأصل: "عالِيُنْ" في الرفع،
و"عالِيِنْ"1 في الجر، استثقلت الضمة والكسرة على الياء، فحذفتا، فالتقى ساكنان، الياء والتنوين، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصارت الكلمة: عالٍ، في حالتي الرفع والجر -كما سلف. ومن أمثلة حذف الياء من المنون المرفوع قول الشاعر يمدح كريمًا: فهو مُدْنٍ للجود وهوبغيضٌ ... وهو مُقصٍ للمال، وهو حبيبُ "ملاحظة": إذا كانت لام المنقوص محذوفة بغير تعويض همزة الوصل عنها "مثل: شَجٍ" فإنها ترجع أوْلا ترجع في التثنية وفي جمع المؤنث السالم طبقًا للضابط الذى سبق2 "في رقم3 من هامش ص102 وفى "ح" من ص 123 و124". وليس من المنقوص ما يأتي: أ- الفعل بجميع أنواعه، ولا سيما المختوم بياء لازمة، مثل يَنْوِي محمد التنقل، ويجري وراء رزقه، وكذلك الحرف؛ ولا سيما المختوم بياء لازمة؛ مثل: في. ب- الاسم الذى في آخره ياء مشددة؛ مثل: كرسيّ3. ج- الاسم المختوم بياء ولكنه مبني؛ مثل: الذي، التي ... ذي "اسم إشارة". د- الاسم المعرب الذى آخر ياء ولكنها غير ملازمة له في كل حالاته؛ كالأسماء الستة في حالة جرها بالياء؛ مثل: أحسن إلى أخيك؛ وكذلك المثنى وجمع المذكر السّالم في حالة نصبهما وجرهما؛ مثل: أكرم الوالدَيْنِ، واعتن بالوَالدَيْنِ، وصَافح الزائرِينَ، وأسرع إلى الزائرِينَ؛ فإن الياء في الأسماء الخمسة لا تثبت؛ بل تتغير ويحل محلها الواو رفعًا، والألف نصبًا. كما أن الياء في المثنى وجمع المذكر تتغير، ويحل محلها الألف في حالة رفع المثنى، والواو في حالة رفع جمع المذكر ... هـ- الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة، ولكن ليس قبلها كسرة؛ مثل: ظبْى وكرسى؛ فالياء فى الأولى قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفى الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفي الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف علة3.
ثالثها: الاسم المعرب الذى آخره الحقيقي واو ساكنة لازمة قبلها ضمة. وهذا نوع لا تعرفه اللغة العربية الأصلية؛ ولم يُسمع عن العرب، إلا في بضع كلمات نقلوها عن غيرهم من الأجانب، منها: "سَمَنْدُو1"، "قَمَنْدُو2"، لكن لا مانع من تسمية بعض الأشخاص وغيرهم بأسماء مختومة بتلك الواو؛ كتسمية شخص أرسطو، أو خوفُو، أو سنفرو3"، أو: يدعو، أو: يسمو، وتسمية بلد: "أدفو، وأدكو"4، "أركنو"5، "طوكيو"6، "كنغو"7. ولما كان هذا النوع غير عربي في أصله، ونادرًا في استعمال العرب، أهمله النحاة، فلم يضعوا له اسمًا، ولا حُكْمًا -فيما نعرف8- ولعل الحكم الذى يناسبه في رأينا هو أن يعرب بحركات مقدرة على آخره في جميع حالاته بغير تنوين9، فيرفع بالضمة المقدرة على الواو، وينصب بالفتحة المقدرة عليها، ويجر بالفتحة المقدرة عليها بدلا من الكسرة10، تقول: كان "سِنِفرو" ملكًا
مصريًّا قديمًا، إن "سنفرو" أحد الفراعين، هل عرفت شيئًا عن سنفرو؟ وهذا الحكم يسري على الكلمات القليلة التى أخذها العرب عن غيرهم، كما سيرى على الأسماء التي لم يأخذوها، وكذلك المستحدثة بعدهم للأشخاص والبلاد وغيرها1 ... يؤدي إلى إدخال تغيير على العلم في مظهره يؤدي إلى اللبس1 وليس من النوع الثالث ما يأتي: أ- الفعل الذى آخره واو، مثل: يدعو، يسمو، يعلو؛ لأن هذه ليست أسماء. ب- الاسم الذى ليس معربًا، مثل: هُوَ ... وذو، بمعنى الذى "نحوجاء ذو قام"2 ... ج- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست في الآخر الحقيقي بل في الآخر العارض؛ مثل: يا "ثمو" ويا "محْمُو" فى ترخيم كلمتي: "ثمود" و"محمود" حين النداء؛ فإن الآخر الحقيقي هو الدّال، لا الواو. د- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست لازمة؛ كالأسماء الخمسة في حالة الرفع، مثل: سعد أخوك3 ... فإن هذه الواو تتغير في حالة النصب، وتحل محلها الألف؛ كما تتغير في حالة الجر وتحل محلها الياء.
هـ- الاسم المعرب الذي آخره واو لازمة، ولكن ليس قبلها ضمة؛ مثل: حُلْو، خَطْوٌ، صحو، دَلو، صَفو، فإنه من المعتل الجارى مجرى الصحيح1 في إعرابه بحركات ظاهرة على آخره رفعًا ونصبًا وجرًّا2. "ملاحظة" سيجيء في ج4 ص457 م171 باب خاص بطريقة تثنية المقصور والمنقوص والممدود وجمعها جمع مذكر سالم وجمع مؤنث سالم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 أن المنقوص تقدر على آخره الضمة، والكسرة، وتظهر الفتحة؛ مثل: أجبت داعيَ الحق. لكن إذا وقع المنقوص صدر مركب مزجي2، فإنه قد يجوز -عند بعض القبائل- في هذا الصدر أن يُعْرب إعراب المضاف، ويعرب ما بعده "وهو: العَجزُ" مضافًا إليه، ممنوعًا من الصرف أو غير ممنوع على حسب حالته وما يستحقه. وفي هذه الحالة لا تظهر الفتحة على ياء المنقوص -فى الأشهر3- ومن أمثلته عرفت "داعِي سَلْمٍ"، أو: "مَعْدِي كَرِبٍ"، أو"صافي هَنَاء" "أسماء أشخاص" ودخلت "سواقِي خَيْلٍ"، أو: "مرامي سفرٍ" أو"قالي قلاً" "أسماء بلاد" فالصدر يعرب إعراب المنقوص من غير أن تظهر عليه الفتحة في حالة النصب. وهذا هو نوع المنقوص الذى لا تظهر على يائه الفتحة في حالة نصبه4 ... ومع أن هذا هو المشهور -قديمًا فى تلك اللغة- فالمناسب لنا اليوم ألا نلجأ إلى الإضافة؛ لأن ترك الياء في حالة النصب بدون فتحة ظاهرة قد يدعو للحَيْرة والإيهام بغير داعٍ، فالخير ألاّ نعربه إعراب المتضايفين، وإنما الخير أن نستعمله الاستعمال المشهور في المركب المزجيّ؛ بأن يكون الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، فلا نعربه إعراب المضاف مع المضاف إليه لأن الإعراب على آخر العجز وحده يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ. ومن العرب من يجيز فتح هذه الياء كغيرها من المنقوص، كما أن منهم من يمكن ياء المنقوص دائمًا. ولكن من المستحسن عدم الأخذ بهذين الرأيين؛ للدواعي القوية التى نرددها، والتي نردفها بأننا حين نذكر عدة آراء مختلفة نذكرها لا لنحاكيها -فالمحاكاة اليوم للأشهر وحده- وإنما نذكرها للمتخصصين؛ ليستعينوا بها على فهم النصوص القديمة التي تشتمل عليها، إلا إذا أشرنا إلى جواز استعمالها لسبب قوي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد1 أشرنا إلى أن بعض القبائل يحذف من "المنقوص" المفرد، المقترن بأل ياءه في حالتي الرفع والجر، وبلغتهم جاء القرآن الكريم، مثل كلمة: "الباد" في قوله تعالى في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} ، أي: البادي.... ومثل "بالواد" في قوله تعالى في سورة الفجر: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: بالوادي. ومثل: "المتعال" في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} أي: المتعالي. وإذا ختم صدر المركب المزجي بواو، وأريد إضافة الصدر إلى العجزِ -اتباعا للرأي السالف- فإن الحركات كلها تقدر على الواو؛ مثل: "نِهْرو هنود"2 و"مجْدُو ملوك"3 والحكمة فى عدم ظهور الفتحة هو الحرص على بقاء الاسم على حالته الأصلية؛ ليبقى دالاً على صاحبه، دلالة العلَم، لا دلالة المضاف والمضاف إليه؛ لأن الإضافة هنا ظاهرية شكلية فقط. ولم أر من يجيز الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، ولا من عرض حكمًا لهذا النوع من المعتل -كما أسلفنا4- لكن حمله على نظيره المركب المزجيّ المختوم صدره بالياء قد يبيح هذا، بل يجعله أفضل؛ إذ يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ، مضاف فلا يقع فيه لبْس. ب- إذا أضيفت كلمة "لدَى"5 للضمير فإن ألفها تقلب ياء، مثل: زاد الخير لديْك، فكلمة: "لدى" ظرف منصوب بفتحة مقدرة. لكن أهذه الفتحة مقدرة6 على الياء الظاهرة، أم مقدرة على الألف التى كانت فى الأصل، وانقلبت ياء؟ يُفضل النحاة أن يقولوا منصوب بفتحة مقدرة على الألف التى صارت ياء، وذلك لسببين: أولهما: أن الألف هي الأصل، فلها الاعتبار الأول. ثانيهما: أن الياء في آخر المعربات تظهر عليها الفتحة في الأغلب، فإذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلنا الفتحة مقدرة على الألف، بقيت القاعدة السابقة سليمة مطردة، بخلاف ما لو جعلناها مقدرة على الياء فيكون التقدير مخالفًا للأعم الأغلب، من ظهور الفتحة مباشرة على الياء1. مواضع الإعراب التقديرى: ج- فهمنا من المسائل السابقة2، معنى الإعراب الظاهر، والإعراب المقدر "أي: التقديري"، في الأسماء والأفعال المضارعة. وسواء أكانت علامة الإعراب ظاهرة أم مقدرة -لا بد أن تُلاحَظ في التوابع، فيكون التابع مماثلًا في علامة إعرابه للمتبوع3. وبقي أن نشير هنا إلى أن الإعراب التقديري لا ينحصر في تلك المواضع التي سبق الكلام عليها في المضارع المعتل الآخر4، وفي الاسم المعتل الآخر5؛ لهذا كان من المستحسن أن نجمع هنا ما تفرق من مواضع الإعراب المقدر6 "التقديرى" التى سبقت، والتى لم تسبق، وأن نركزها في موضع واحد، ليسهل الرجوع إليها. فمن هذه المواضع ما تقدر فيه الحركات "الأصلية أو الفرعية7"، ومنها ما تقدر فيه الحروف النائبة عن الحركات الأصلية. "فالحروف تقدر كالحركات". وإليك البيان: أولا - أشهر المواضع التى تقدر فيها الحركات الأصلية: 1- تُقَدر الحركات الثلاث "أي: الضمة، والفتحة، والكسرة" على آخر الاسم المقصور، -مثل المصطفى- في كل حالاته الثلاث: الرفع، والنصب،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجر، -كما سبق في ص170- وكذلك على آخر الاسم المعتل بالواو، كما في ص175. 2- تُقَدر حركتان فقط هما: الضمة، والكسرة، على آخر الاسم المنقوص، في حالة الرفع والجر؛ كما سبق في ص172. 3- تقدر الحركات الثلاثة على آخر الاسم، إذا سكن للوقف، مثل جاء محمدْ. رأيت محمدْ، قصدت إلى محمدْ بإعراب "محمد" مرفوعة، أو منصوبة أو مجرورة، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومثل هذا يقال في الفعل المضارع صحيح الآخر، رفعًا، ونصبًا؛ مثل: علي يأكلْ، عليّ لن يأكلْ،: فالفعل "يأكل" مرفوع، أو منصوب، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومن التيسير في الإعراب واختصار الكلام، أن نقول في إعراب "محمدْ" إنه: مرفوع أو منصوب، أو مجرور بالحركة الأصلية، وضُبط بالسكون للوقف؛ وكذلك نقول في المضارع إنه: مرفوع، أو منصوب بالحركة الأصلية، وألزم السكون للوقف. ومثل هذا نقوله في بقية المواضع الآتية: 4- تقدر الحركات الثلاثة جوازاً على الحرف الأخير من الكلمة، إذا كان مما يدغم فى الحرف الأول من الكلمة التالية؛ مثال ذلك فى الاسم قراءة من قرأ: "وقتل داوُودْ جالوت" بإدغام الدال فى الجيم؛ ومثاله فى الفعل: يكتبْ بكر، بإدغام الباءين فى بعض اللغات. ومن التيسير لما سبق، أن نقول: "داوود"، و"يكتب" مرفوع، وجاءه السكون العارض لأجل الإدغام. 5- تقدر الحركات الثلاث جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا سكن للتخفيف؛ كتسكين الحروف الآتية في الكلام، نثره ونظمه، وفي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى بعض القراءات القرآنية. فقد سكنت الهمزة المكسورة فى قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} . وسكنت التاء المضمومة في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} . وسكنت السين المضمومة فى قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُم} . وسكنت الهمزة المكسورة فى آخر الكلمة السَّيئّ من قوله تعالى فى المشركين: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا، اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} . وسكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . وكذلك سكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} . ومن التيسير أن نقول في كل كلمة من الكلمات السابقة وأشباهها: إنها مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بالعلامة الأصلية وسُكِّنت للتخفيف1.... 6- تقدر الحركات الثلاثة جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا أهملنا حركته الأصلية، وجعلناها مماثلة لحركة الحرف الذى يجيء بعده، كقراءة من قرأ: "الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين"، بكسر الدال، تبعًا لحركة اللام التي جاءت بعدها، وتسمىّ هذه الحركة حركة الإتباع؛ لأننا أتبعنا السابق للاّحق فيها، ومن الممكن مراعاة التيسير السابق. وهذا النوع من الإتباع يختلف اختلافًا واسعًا عن الاتباع الذي سبق في "ج" ص59 وعن الإتباع الذي يكون في التوابع الأصلية الأربعة "النعت، التوكيد، العطف، البدل". 7- تقدر الحركات الثلاث على آخر العلم المحكي2 من غيره تغيير في حالة من أحواله؛ رفعًا ونصبًا وجرًّا، كالعلم المركب تركيب إسناد؛ مثل: "فَتَح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهُ"، "نصرَ اللهُ"، "عليٌّ شاعر" "وكل هذه أعلام أشخاص". تقول: جاء "فتحَ اللهُ". شاهدت "فَتَحَ اللهُ" ذهبت إلى "فَتَحَ اللهُ"؛ فتبقى حركة الكلمتين كما هي في الأصل، مع إعرابهما معًا في الحالة الأولى فاعلًا مرفوعًا بضمة مقدرة للحكاية، وهي غير هذه الضمة الظاهرة ... وإعرابهما في الحالة الثانية مفعولًا به منصوبًا بفتحة مقدرة، منع من ظهورها ضمة الحكاية، وفي الحالة الثالثة مجرورًا، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. وكذا البقية. 8- تقدر الحركات الثلاث على آخر الاسم المضاف لياء المتكلم1،
مثل: هذا كتابي، قرأت كتابي، وانتفعت بكتابي. فكلمة: "كتاب" الأولى خبر مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة ياء المتكلم. "كتاب" مضاف، و"ياء المتكلم" مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثانية. مفعول منصوب بفتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها الكسرة التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، و"ياء المتكلم" مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثالثة مجرورة بالياء، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الكسرة الظاهرة، التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه ... وبعض النحاة لا يوافق على أن الكسرة في حالة الجر مقدرة، وإنما هي الكسرة الظاهرة وهو إعراب أحسن، إذ لا داعي للتعقيد والإعنات والتطويل، ويجدر الأخذ بهذا وحده. ولما كانت ياء المتكلم قد تنقلب ألفًا أحيانًا، فنقول، في يا "صاحبي"؛ و"صديقي": يا "صاحبَا" ويا "صديقَا ... كانت كلمة: "صاحب" و"صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التى جاءت لمناسبة الألف، التى أصلها ياء المتكلم. وصاحب، وصديق: مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ومن الممكن في هذه الحالة مراعاة التيسير بأن نعرب كلمة "صاحب"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"صديق" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه ... وهو إعراب محمود؛ لخلوه من الإطالة التي في سابقه. 9- يُقَدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا تحرك للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل؛ لم يكن المحسن ليتأخرَ عن المعونة. فقد تحركت النون بالكسر، مع أن الفعل مجزوم بلَم؛ لأن هذه النون الساكنة قد جاء بعدها كلمة أولها حرف ساكن، وهو اللام، فالتقى ساكنان لا يجوز التقاؤهما، فتخلصنا من التقائهما بتحريك النون بالكسر، كالشائع في مثل هذه الحالة؛ فكلمة: "يكن" مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه سكون مقدر، بسبب الكسرة التي جاءت للتخلص من الساكنين ... ومن الممكن مراعاة التيسير هنا بأن نقول، مجزوم وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين. 10- يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا كان مجزومًا مدغمًا في حرف مماثل له، نحو: لم يمدَّ العزيز يده، ولم يفرَّ الشجاع. فكل من كلمة: "يمد"، و"يفر" مجزوم الآخر، وعلامة جزمه السكون المقدر، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت للتخلص من الساكنين1. ويمكن التيسير بالاختصار هنا. 11- كذلك يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل الذى حرك لمراعاة القافية، مثل قول الشاعر: وَمهْمَا تكُنْ عند امْرِئٍ من خَليقةٍ ... وإنْ خالها تَخفىَ على الناس تُعْلَمِ فكلمة "تُعَلمِ" مضارع مجزوم في جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون المقدر، الذى منع من ظهوره الكسرة التي جاءت لمراعاة القافية؛ ذلك أن كل الأبيات التي قبل هذا البيت مختومة بميم مكسورة، فلم يكن بد من كسر آخر الفعل لمراعاة القافية. ولا مانع من التيسير بالاختصار، بل إنه حسن كحسنه في كل المواضع التي سبقت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى هنا انتهى أظهر المواضع التي تقدر فيها الحركات الإعرابية. ثانيا- أشهر المواضع التي تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات الأصلية هي: 1- تقدر الحروف التي تعرب بها الأسماء الستة، إذا جاء بعد تلك الحروف ساكن، مثل: جاء أبو الفضل؛ وذلك لحذفها في النطق فقط -كما تقدم1 في "ج" من ص106؛ أما في الخط فلا بد من كتابتها. فإن رُوعي المكتوب فلا تقدير. والأفضل في النطق أن نقف -عند الإعراب- على آخر كلمة: "أبو" فتظهر الواو؛ فلا يكون هناك تقدير في الحالتين، ونستريح من التشعيب في القاعدة الواحدة. وللمجمع اللغوي في هذا قرار مفيد سجلناه في ص159 - رقم2 من هامشها. 2- تقدر ألف المثنى المضاف إذا جاء بعدها ساكن، مثل: ظهر نجمَا الشرق، وذلك لحذفها في النطق دون الكتابة -كما سبق2 أما عند إعراب المكتوب فلا تقدير. وهنا يقال ما قيل فى الحالة السابقة. وقرار المجمع اللغوي السالف. 3- تقدر واو جمع المذكر السَّالم وياؤه إذا كان مضافًا، وجاء بعدهما ساكن؛ مراعاة لحذفهما في النطق: مثل: تيقظ عاملو الحقل مبكرِين، ورأيت عاملي الحقل في نشاط3. ولا تقدير عند إعراب المكتوب. وهنا يقال ما قيل في الحالة الأولى. والثانية وقرار المجمع اللغوي السالف. وشرط التقدير أن يكون جمع المذكر غير مقصور؛ فإن كان مقصورًا لم تحذف الواو ولا الياء؛ لأن ما قبلهما مفتوح دائمًا، فلا توجد علامة مناسبة قبلهما، تدل على الحرف المحذوف، ولهذا يتحركان4 فقط؛ مثل: سافر مصطفَو الفصل في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحلة؛ "جمع؛ مصطفىً"، استقبلت مصطفَىِ الفصل1. 4- تقدر واو جمع المذكر المضاف إلى ياء المتكلم في حالة الرفع؛ مراعاة لحذفها في النطق، مثل جاء صاحبِيَّ؛ "وقد سبق"1. 5- تقدر النون في الأفعال الخمسة عند تأكيدها، مثل: لا تكتُبُنَّ فالمضارع مسند إلى واو الجماعة المحذوفة ... وقد سبق التفصيل2 فى ص88 وما بعدها. د- قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} . فكلمة "مَنْ" هنا شرطية، والفعل "يَتَّقِ"؛ مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الياء؛ "ويصبر": مضارع مجزوم، لأنه معطوف عليه، وقرأ بعض القراء: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} بإثبات الياء فى آخر: "يتقى"، وإسكان الراء فى آخر "يصبرْ"، مع عدم الوقف عليها3. فإثبات الياء إنما هوعلى اعتبار "من" شرطية و"يتقى" مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف السكون المقدر على الياء تبعاً لتلك اللغة، التى لا تحذف حرف العلَّة للجازم، وإنما تبقيه وتحذف الحركة المقدرة عليه فقط4: و"يصبر" مضارع مجزوم معطوف عليه. ويصح أن يكون "منْ" اسم موصول والفعل "يتقى" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و"يصبرْ" مضارع معطوف عليه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها السكون العارض لأجل التخفيف، أولأجل نية الوقف فى حالة الوصل5 "أى: وصل: "يصبر" عند القراءة، بالكلام الذى بعدها، وعدم الوقف عليها". وهناك آراء أخرى نرى الخير فى إهمالها.
النكرة والمعرفة
باب: النكرة والمعرفة المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة أ- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ. ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل. لكلمة: "رجل" -في التركيب الأول، وأشباهها- معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلي المحض والمدلول الذهني المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد في العالمَ الواقعي، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذي يسمونه: العالمَ الخارجي عن العقل والذهن. والسبب: أن ذلك المعنى الذهني المجرد؛ أي: "المعنى العقلي المحض" إنما ينطبق في عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه في حقيقته1،
وتماثله في صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التي ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم ... ، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم: "مُبْهَم الدَّلالة"؛ أي: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم: "رجل" ويستحيل في عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم. لكن إذا قلتُ: "أنا في الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفي؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره في واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود في الحديقة لسواه.
وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة: "طالب" اسم، له معنى عقلي، ومدلول ذهني. ولكن مدلوله الخارجي "أي: الذى في عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور في فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد ... وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه: "طالب": ويشترك مع غيره في هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها، والتي يقال لكل فرد منها إنه: "طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق. لكن إذا قلنا: "تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة: "محمود" التي تدل على فرد بعينه؛ والتي تمنع الاشتراك1 التام في معناها ومدلولها. ومثل هذا يقال في: "قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ: "كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة ... ، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما ... لكن إذا قلنا: "هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب. وكذلك يقال في المثال الأخير: "مصر يخترقها نهر". فأي نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه: "نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا: "مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التي جاءت بعد ذلك؛ وهي: "النيل". فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهي: "اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى
قولهم "النكرة شيء شائع بين أفراد جنسه"1. ومن أمثلتها غير ما سبق الكلمات التى تحتها خط: سمعت عصفورًا -ركبت سفينة كتبت رسالة قطفت زهرة2 ... أما لفظ "أنا" و"محمود"، و"هذا"، و"نهر"، "والنيل" وأمثال ما في: "ب" فيسمى: معرفة؛ وهي: "اسم يدل على شيء واحد معين"؛ لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها غيره من نوعه. ومن أمثلتها غير ما سبق: سمعت تغريد "عصفوري"، "هذه" سفينة ركبتها، كتبت "الرسالة" ... وللنكرة علامة تُعرف بها؛ هي: أنها تقبل دخول: "أل"3 التى تؤثر فيها فتفيدها التعريف، أي: التعيين وإزالة ما كان فيها من الإبهام والشيوع. وبهذه العلامة ندرك أن كل كلمة من الكلمات السابقة وهي: رجل، طالب، كتاب ... "، نكرة، لأنها تقبل دخول "أل" التى تَكسبها التعريف. تقول: الرجل شجاع، الطالب نافع، الكتاب نفيس ... وقد صارت هذه الكلمات معارف بعد دخول: "أل". وربما كانت الكلمة في ذاتها لا تصلح لدخول "أل" عليها مباشرة، وإنما تدخل على كلمة أخرى بمعناها، بحيث تصلح كل واحدة منهما أن تحل محل الأخرى؛ فلا يتغير شيء من معنى الجملة: مثل: كلمة "ذو"، فإنها بمعنى: "صاحب"، تقول: أنت رجل ذو خُلق كريم، والمحسن إنسان ذو قلب رحيم، فكلمة: "ذو" نكرة لا شك في تنكيرها؛ مع أنها لا تقبل "أل" التي تفيدها التعريف. ولكنها بمعنى كلمة أخرى تقبل "أل"، وهي كلمة: "صاحب"4
التي يصح أن تحل محل كلمة: "ذو"1. ومن هنا كانت "ذو" نكرة؛ لأنها -وإن كانت لا تقبل "أل"- يصح أن تحل محل كلمة؛ "صاحب" التى تقبل "أل"، وتقع في الجملة مكانها، من غير أن يترتب على ذلك إخلال بالمعنى1. فعلامة النكرة -كما سبق- أن تقبل بنفسها "أل " التي تفيدها التعريف، أو تقع موقع كلمة أخرى تقبل: "أل" المذكورة2.
وبديهٌ أن هذه العلامة لا تَدْخل المعرفة، ولا توجد فيها؛ لأن "ألْ" تفيد التعريف، كما أشرنا، والمعرفة ليست في حاجة إليه؛ فقد اكتسبته بوسيلة أخرى سنعرفها. فإن ظهرت "أل" في بعض المعارف فليست "أل" التي تفيد التعريف، وإنما هي نوع آخر؛ جاء لغرض غير التعريف، سيُذكَر في مكانه1. والمعارف سبعة: 1- الضمير، مثل: أنا، وأنت، وهو ... 2- العلم، مثل: محمد، زينب.... 3- اسم الإشارة: مثل: هذا، وهذه، وهؤلاء ... 4- اسم الموصول، مثل: الذى، والتي ... 5- المبدوء بأل المُعّرفة "أي: التى تفيد التعريف"، مثل: الكتاب، والقلم، والمدرسة إذا كانت هذه أشياء معينة ... 6- المضاف إلى معرفة؛ مثل: بيتي قريب من بيتك وكذلك نهر النيل في أمثلة "ب" ... وهذا بشرط أن يكون المضاف قابلًا للتعريف؛ فلا يكون من الألفاظ المتوغلة في الإبهام2 التي لا تتعرف بإضافة، أو غيرها، كلفظ غير، ومثل -فى أغلب أحوالهما. 7- النكرة المقصودة من بين أنواع المنادى3. مثل: يا شُرْطيّ، أو: يا حارس؛ إذا كانت تنادي واحدًا معينًا4، تتجه إليه بالنداء، وتقصده دون
غيره؛ ذلك أن كلمة: "شُرْطيّ" وحدها. أو كلمة: "حارس" وحدها، نكرة؛ لا تدل على معين. ولكنها تصير معرفة عند النداء؛ بسبب القصد -أي: التوجه- الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره1. هذا، ولكن معرفة من المعارف السبعة السابقة باب مستقل سيجيء مشتملًا على كل ما يخصها من تفصيلات وأحكام.
حكم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنكرات: الجملة نوعان1، وشبهها نوعان2 كذلك. فإذا وقع أحد الأربعة بعد النكرة المحضة3 فإنه يعرب صفة، وبعد المعرفة المحضة4 يعرب حالًا5؛ فمثال الجملة الفعلية بعد النكرة المحضة: حضر عني "يحسن إلى المحتاج". ومثال الجملة الاسمية حضر عني "إحسانه غامر". ومثال الظرف: رأيت طائرًا "فوق" الغصن. ومثال الجار مع المجرور: رأيت بلبلًا "في قفصه".
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة المحضة: أقبل خالد "يضحك". ومثال الاسمية: أقبل خالد "وجهه مشرق". ومثال الظرف: أبصرتُ طائرتنا "فوق" السحاب. ومثال الجار مع المجرور: أبصرت طائرتنا "في وسط" السحاب. أما إذا كانت النكرة غير محضة، أو المعرفة غير محضة، فإنه يجوز فيما بعدهما من جمل وشبه جمل أن يعرب "صفة" أو"حالًا"؛ تقول في الأمثلة السابقة بعد غير المحضة: حضر غني كريم "يحسن إلى المحتاج"، وحضر غني كريم "إحسانه غامر"، ورأيت طائرًا جميلًا "فوق" الغصن، ورأيت بلبلًا شجيًّا "في قفصه" ... ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة غير المحضة: يروقني الزهْر يفوح عطره، بإدخال "أل الجنسية"1 على الاسم. ومثال الاسمية بعدها: يروقني الزهر عطرُه فوّاح. ومثال الظرف: يروقني الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره: يسرني الطير على الأغصان، فوجود "أل" الجنسية" في أول الاسم جعله صالحًا للحكم عليه بأنه معرفة أو نكرة، على حسَب الاعتبار الذى يوجَّه لهذا أو لذاك1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه "الظروف والجار مع مجروره" صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان -ج1 أول باب النكرة والمعرفة- حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف "ويراد به في مثل هذا التعبير: شبه الجملة بنوعيه" بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلقه معرفة". اهـ. أي: أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلَّق تيسيرًا وتسهيلاً -طبقًا لما سيجيء فى رقم1 من هامش ص347 وما بعدها وفي هامش ص431 بالإيضاح والشرط المسجلين هناك. وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يكون صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضًا بعد النكرة غير المحضة -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة- أو يقال: إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالًا، أو صفة: إلا فى صورة واحدة هي أن تكون النكرة محضة؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير. ومما هو جدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعد وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر، حرصًا على سلامة المعنى. فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل. وإن لم توجد فالحكم بجواز الأمرين سائع1 ب- من الأسماء ما هو نكرة في اللفظ، معرفة في المعنى؛ مثل: كان سفري إلى الشام عامًا "أولَ". أي: في العام الذي قبل العام الذى نحن فيه. ومنه كان وصولي هنا "أولَ" من أمْسسِ. أي: في اليوم الذي قبل أمس. فمدلول كلمة: "أول" -فى الأسلوب العربي السابق- لا إبهام فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شيوع؛ ولكنه لا يستعمل فيه إلا نكرة؛ محاكاة للأساليب الفصيحة الباردة وتجري عليه أحكام النّكرة، كأن يكون موصوفة نكرة1 ... ومن الأسماء ما هو معرفة في اللفظ، نكرة في المعنى، مثل: "أسامة" "أيْ: أسد": فهو علم جنس على الحيوان المفترس المعروف، وهو من هذه الجهة التى يراعى فيها لفظه، شبيه بالعَلم: "حمزة" - وغيره من الأعلام الشخصية - في أنه لا يضاف، ولا تدخله "أل"، ويجب منعه من الصرف، ويوصف بالمعرفة دون النكرة، ويقع مبتدأ، وصاحب حال2 ... ولكنه من جهة أخرى معنوية غير معين الدلالة؛ إذ مدلوله شائع بين أفراد جنسه، مبهم: فهو مثل كلمة: "أسد" في الدلالة3. ج- ومن الأسماء صنف مسموع يصلح للحالين بصورته المسموعة عن العرب مثل كلمة: "واحد" في قولهم: "واحد أمِّه". ومثل كلمة: عبد، في قولهم: "عبد بطنِه"؛ فكل واحدة منهما يصح اعتبارها معرفة؛ لإضافتها للمعرفة، ويصح اعتبارها نكرة منصوبة على الحال عند النصب. ومثلهما: المبدوء "بأل" الجنسية4؛ مثل: الإنسان أسير الإحسان، فهومن ناحية المظهر اللفظى معرفة؛ لوجود "أل" الجنسية. ومن جهة المعنى نكرة، لشيوعه؛ ولأن معناه عام مبهم؛ فكأنك تقول: كل إنسان ... وكل إحسان ... ؛ فلا تعيين، ولا تحديد، فهوصالح للاعتبارين كما سبق5 وستجئ إشارة لهذا فى باب الحال جـ2 ص 311 م 84؟ وفى باب النعت جـ3 ص380 م114؟
المسألة الثامنة عشرة: الضمير
المسألة الثامنة عشرة: الضمير 1 تعريفه؛ اسم جامد يدل على: متكلم، أو مخاطَب، أو غائب. فالمتكلم مثل: أنا2, ونحن، والتاء، والياء، ونا، في نحو: أنا عرفتُ واجبى -نحن عرفنا واجبنا ... وأدّيناه كاملًا. والمخاطب مثل: أنتَِ ... أنت3 أنتما، أنتم، أنتن، والكاف وفروعها في نحو: إن أباكَِ قد صانكَِ ... والغائب4 مثل: هي، هو، هما، هم، هن، والهاء فى مثل: يصون الحر وطنه بحياته5 ... وكذا فروعها....
ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: "ضميرَ حضور"؛ لأن صاحبه لا بد أن يكون حاضرًا وقت النطق به1. والضمير بأنواعه الثلاثة لا يثنى، ولا يجمع. إنما يدل بذاته على المفرد، المذكر أو المؤنث، أو على المثنى بنوعيه المذكر والمؤنث معًا2، أو على الجمع المذكر، أو المؤنث، كما يتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته على التثنية أو الجمع فإنه لا يسمى مثنى، ولا جمعًا.
أقسامه: ينقسم الضمير إلى عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة: أ- ينقسم بحسب مدلوله إلى ما يكون للتكلم فقط، وللخطاب. فقط، وللغَيْبة كذلك. وقد سبقت الأمثلة، ولما يصلح للخطاب حينًا، وللغَيبة حينًا آخر؛ وهو ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة. فمثال ألف الاثنين: اكتبا يا صادقان، والصادقان كتبا. ومثال واو الجماعة: اكتبوا يا صادقون، والصادقون كتبوا. ومثال نون النسوة: اكتبْن يا طالبات. الطالبات كتبْن1 ... ب- وينقسم بحسب ظهوره في الكلام وعدم ظهوره إلى: بارز ومستتر؛ فالبارز: هو الذى له صورة ظاهرة في التركيب، نطقًا2 وكتابة، نحو: أنا رأيتك في الحديقة. فكل من كلمة: أنا، والتاء، والكاف، ضمير بارز. والمستتر3، ما يكون خفيًّا3 غير ظاهر في النطق والكتابة؛ مثل: ساعد
غيرك يساعدْك؛ فالفاعل لكل من الفعلين ضمير مستتر تقديره فى الأول: "أنت" وفي الثاني: "هو". والبارز قسمان، أولهما: المتصل؛ وهو: "الذى يقع في آخر الكلمة، ولا يمكن أن يكون في صدرها ولا في صدر جملتها"؛ إذ لا يمكن النطق به وحده، بسبب أنه لا يستقل بنفسه عن عامله؛ فلا يصح أن يتقدم على ذلك العامل مع بقائه على إعرابه السابق قبل أن يتقدم، كما لا يصح أن يَفْصل بينهما -فى حالة الاختيار- فاصل من حرف عطف، أوأداة استثناء؛ كإلا، أوغيرهما1. ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال؛ التاء المتحركة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة، وذلك كله في مثل: سمعتُِ النصح، والرجلان سَمِعا، والعقلاء سمعوا، والفاضلات سمعْنَ. فليس واحد من هذه الضمائر بممكن أن يستقل بنفسه فيقع أول الكلمة قبل عامله، ولا يتأخر عنه مع وجود فاصل بينهما2.
ثانيهما: المنفصل؛ وهو الذى يمكن أن يقع في أول جملته، ويبتدئ الكلامُ به؛ فهو يستقل بنفسه عن عامله؛ فيسبق العامل، أو يتأخر عنه مفصولًا بفاصل؛ مثل؛ أنا، ونحن؛ وإياك ... في مثل: أنا نصير المخلصين. ونحن أنصارهم، وإياك قصدت، وما النصر إلا أنا، وما المخلصون إلا نحن. هذا، وقد سبق1 حكم الضمائر، وأنها: أسماء، جامدة، مبنية الألفاظ- سواء في هذا ما ذكرناه وما سنذكره بعد. وأنها لا تثنى ولا تجمع2. وينقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى ثلاثة أنواع: أولها: نوع يكون في محل رفع فقط؛ وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم؛ نحو: صدقتُ. وكذلك فروعها. وألف الاثنين: نحو: المتعلمان
صَدَقا، وواو الجماعة، نحو: المتعلمون صدقوا1. ونون النسوة؛ نحو: الفتيات صَدَقْنَ، وياء المخاطبة، نحو: اصدقى يا متعلمة2. ثانيها: نوع مشترك بين محل النصب ومحل الجر، إذ لا يوجد ضمير متصل خاص بمحل النصب؛ ولا ضمير متصلٌ خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترك بينهما ثلاثة ضمائر3؛ ياء المتكلم، وكاف المخاطب بنوعيه؛ وهاء الغائب بنوعيه.
فأما ياء المتكلم فمثل: ربي أكرمني1 "فالياء الأولى في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والياء الثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به". وأما كاف المخاطب فيهما فمثل: لا ينفعك إلا عملك. "فالكاف الأولى فى محل نصب، لأنها مفعول به2؛ والكاف الثانية فى محل جر، لأنها مضاف إليه"2. وأما هاء الغائب3 بنوعيه المذكر والمؤنث فمثل: من يتفرغ لعمله يحسنه.
أو؛ من تتفرغ لعملها تحسنه "فالهاء الأولى في المثالين في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به". ثالثها: نوع مشترك بين الثلاثة: وهو؛ "نا" نحو: {ربَّنا لا تؤاخذْنا إن نَسِينا أو أخْطْأنا} فالأولى في محل جر، لأنها مضاف إليه؛ والثانية في محل نصب، لأنها مفعول به1 -كما سبق- والثالثة والرابعة في محل رفع؛ لأنها فاعل2. ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به، وليس للنصب وحده أو الجر وحده شيء خاص به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: روى أبو عليّ القالي في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم: فها أنا لِلعاشق يا عَزُّ قائد ... وبى تُضرب الأمثالُ فى الشرق والغرب والشائع1 دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنفصل الذى خبره اسم إشارة؛ نحو: "هأنذا" المقيم على طلب العلوم. وغير الشائع دخولها عليه إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. وهو -مع قلته- جائز، لورود نصوص فصيحة متعددة تكفي للقياس عليها. منها قول عمر بن الخطاب يوم "أحُد" حين وقف أبو سفيان بعد المعركة يسأل: أين فلان، وفلان ... من كبار المسلمين؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله عليه السلام، وهذا أبو بكر، وهأنا عمر2 ... ومنها بيت لمجنون ليلى3، ونصّه: وعُروةُ مات موتًا مستريحًا ... وهأنا ميّتٌ فى كل يوم كما روى صاحب الأمالي4 أيضًا البيت التالي لعوف بن مُحَلِّم، ونصّه: وَلُوعا؛ فَشَطَّتْ غُربةً دارُ زينبٍ ... فهأنا أبكى والفؤاد جريح وقول سُحَيْمِ من شعراء صدر الإسلام: لو كان يَبغي الفِداءَ قلت له ... هأنا دون الحبيب ياوَجَعُ ويترتب على الحكم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنتذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد. وقد يقع الفصل بغير الضمير قليلا -مع جوازه - كالقسم بالله فى مثل: ها -والله- ذا رجل محب لوطنه، و"إنْ" الشرطية في مثل: ها إنْ ذي حسنةٌ
تَتَكَرَّر يضاعفْ ثوابها. وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفاصل للتقوية ... ، نحو: هأنتم هؤلاء تخلصون. وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين: أولهما؛ ما يختص بمحل الرفع، وثانيهما ما يختص بمحل النصب. فأما الذي يختص بمحل الرفع [فاثنا عَشَر] 1، موزعة بين المتكلم، والمخاطب، والغائب، على الوجه الآتي: أ- للمتكلم ضميران، "أنا" للمتكلم وحده، و"نحن" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو مع غيره. "و"أنا" هو الأصل و"نحن" هو الفرع"2. ب- للمخاطَب خمسة؛ أولها؛ وهو الأصل: "أنتَ"، للمفرد المذكر، ثم الفروع: "أنتِ" للمخاطَبة3 المؤنثة، "وأنتما" للمذكر المثنى المخاطَب، أو المؤنث المثنى المخاطَب، "وأنتم" لجماعة الذكور المخاطَبين، "وأنتن" لجماعة الإناث المخاطبات. ج- للغائب خمسة؛ أولها وأصلها: "هو" للمفرد الغائب. ثم فروعه: "هي"4، للمفردة الغائبة، و"هما" للمثنى الغائب5: و"هم" لجمع الذكور الغائبين، و"هن" لجمع الإناث الغائبات6؛
فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشَر على التوزيع السالف1. وأما الضمائر التى تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضميرًا أيضًا، كل منها مبدوء بكلمة: إيَّا2. فللمتكلم: "إياي"، وهو الأصل، وفرعه: "إيانا" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو معه غيره. وللمخاطَب المفرد: "إياكَ"، وهو الأصل، وفروعه: "إياكِ"، للمخاطَبة، و"إياكما"، للمثنى المخاطَب، مؤنثًا، أو مذكرًا، و"إياكم"؛ لجمع الذكور الخاطَبين، و"إياكن" لجمع الإناث المخاطَبات. وللغائب: "إياه" للمفرد الغائب، وفروعه: "إياها" للمفردة الغائبة، و"إياهما" للمثنى الغائب بنوعيه، و"إياهم" لجمع الذكور الغائبين، و"إياهن" لجمع الإناث الغائبات. فللمتكلم اثنان، وللمخاطَب خمسة، وللغائب خمسة. وليس هناك ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر. هذا وجميع الضمائر المنفصلة تشارك نظائرها المتصلة في الدلالة على التّكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، فلكل ضمير منفصل نظير آخر متصل يماثله في معناه: فالضمير "أنا" يماثل التاء، والضمير "نحن" يماثل "نا"، وهكذا. ..... وينقسم المستتر إلى قسمين:
أولهما: المستتر وجوبًا، وهو الذى لا يمكن أن يحل محله اسم ظاهر1، ولا ضمير منفصل؛ مثل: إني أفرح حين نشترك في عمل نافع. فالفعل المضارع: "أفرح"، فاعله ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا. ولا يمكن أن يخلفه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل، إذ لا نقول: أفرح محمد -مثلا- ولا أفرح أنا، على اعتبار "أنا" فاعلًا، بل يجب اعتبارها توكيدًا للفاعل المستتر الذى يشابهها في اللفظ والمعنى. كذلك الفعل المضارع: "نشترك" فاعله مستتر وجوبًا تقديره: "نحن" ولا يمكن أن يحل مكانه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل؛ إذ لا نقول: "نشترك محمد" ولا نقول: "نشترك نحن" على اعتبار كلمة: "نحن" فاعلًا؛ لأنها لو كانت فاعلًا لوجب استتارها حتمًا. ولكنها تعرب توكيدًا لضمير مستتر يشابهها في اللفظ والمعنى. وثانيهما: المستتر جوازًا، وهو الذى يمكن أن يحل محله الاسم الظاهر أوالضمير البارز؛ مثل: الطائر تَحَرّكَ. النهر يتدفق. فالفاعل فيهما ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، إذ من الممكن أن نقول: الطائر تحرك جناحه، والنهر يتدفق ماؤه: بإعراب كلمتي "جناح" و"ماء" فاعلًا للعامل الموجود وهو: "تحرك" و"يتدفق". ومن الممكن كذلك أن نقول: الطائر ما تحرك إلا هو: والنهر ما يتدفق إلا هو ... بإعراب الضمير البارز: "هو" فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعيه لا يكون إلا مرفوعًا متصلًا كما سبق. مواضع الضمير المرفوع المستتر وجوبًا. أشهر هذه المواضع تسعة2:
1- أن يكون فاعلًا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر، مثل: أسرعْ لإنقاذ الصارخ، وبادرْ إليه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة، نحو: قومي، أو للمثنى؛ نحو: قومًا، أو الجمع، نحو: قوموا، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب فاعلًا أيضًا، ولكنها ضمائر بارزة. 2- أن يكون فاعلًا1 للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ مثل: يا بُنَيَّ، أتعرف متى تتكلم ومتى تسكت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة؛ مثل: تتعلمين يا زميلة، أو للمثنى بنوعيه، مثل: أنتما تتعلمان، أو للجمع بنوعيه مثل: أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة، فإنه مستتر جوازًا؛ مثل: الأخت تقرأ2. 3- أن يكون فاعلًا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتكلم؛ مثل: أحُسنُ اختيار الوقت الذى أعملُ فيه، وقول الشاعر: لا أَذُودُ الطيرَ عن شجرٍ ... قد بَلَوْتُ المُرَّ من ثَمرِْه 4- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون؛ مثل نحب الخير،
ونكره الأذى، فنفوز برضا الله والناس. 5- أن يكون فاعلًا للأفعال الماضية التي تفيد الاستثناء؛ مثل: خلا، عدا، حاشا. تقول: حضر السياح خلا واحدًا - أو: عدا واحدًا - أو: حاشا واحدًا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمير مستتر وجوبًا تقديره: هو1.... 6- أن يكون اسمًا مرفوعًا لأدوات الاستثناء الناسخة؛ "وهى: ليس، ولا يكون2" تقول: انقضى الأسبوع ليس يومًا. انقضى العام لا يكون شهرًا. فكلمة "يومًا" و"شهرًا" خبر للناسخ، وهى المستثنى أيضًا. أما اسم الناسخ فضمير مستتر وجوبا تقديره: هو. 7- أن يكون فاعلا لفعل التعجب الماضى؛ وهو: "أفعَلَ"؛ مثل: ما أحسنَ الشجاعةَ. "فأحسن" فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره؛ هو. "يعود على: ما". 8- أن يكون فاعلا لاسم فعل مضارع، أواسم فعل أمر، مثل: أفّ من الكذب، "بمعنى: أتضجر جدا". وآمينَ. "بمعنى: استجب." 9- أوفاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ مثل؛ قيامًا للزائر. فقيامًا: مصدر، وفاعله مستتر وجوبًا، تقديره: "أنت"؛ لأنه بمعنى: قُمْ. فهذه تسعة مواضع3، هى أشهر المواضع التى يستتر فيها الضمير وجوبًا، ولا يكون إلا مرفوعًا متصلا - كما أشرنا من قبل. - أما الضمير المستتر فى غيره تلك المواضع فاستتاره في الأشهر3 جائز، لا واجب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1 يعرب الضمير المرفوع المستتر جوازًا: أ- إما فاعلا، أو نائب فاعل، أو اسما لفعل ناسخ، إذا كان الفعل في كل ذلك لغائب أو غائبة، مثل: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. ومثل قول شوقي عن الصلاة: لو لم تكن رأس العبادات لعدت من صالحة العادات، وقولهم رب كلمة تجلب نعمة، وأخرى تجر نقمة. ب- وإما فاعلا لاسم فعل ماض؛ مثل: البحر هيهات، بمعنى: بَعُد جدًا، أى: هو. ومن أمثلة ذلك أيضًا: شتان الصحة والضعف، بمعنى: افترق الحال بينهما جدًا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أى: هما، فالفاعل ضمير، تقديره: هما. وتقول هيهات البحر هيهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل "هيهات" الثانية ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هو" يعود على البحر، بشرط أن تكون الجملة المكونة من: "هيهات" الثانية وفاعلها توكيدًا للجملة التى قبلها، فيكون الكلام من توكيد الجمل بعضها ببعض. أما لوجعلنا لفظة: "هيهات" الثانية وحدها توكيدًا للأولى فإنها لا تحتاج إلى الفاعل1، ويكون الكلام من نوع توكيد اسم الفعل وحده بنظيره. واسم الفعل؛ كالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توكيدًا لفظيًّا فإنه لا يحتاج لفاعل، وكذلك يقال فى: "شتان" فى الحالتين. جـ- وإما مرفوعًا لأحد المشتقات المحضة: "كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، نحو: على نافع، أومكرَم، أوفَرِحٌ"؛ ففى كل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمير مستتر جوازًا، تقديره: "هو" ويكون الضمير المرفوع بها فاعلا، إلا مع اسم المفعول، فيكون نائب فاعل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما المشتقات غير المحضة "وهي التي غلبت عليها الاسمية المجردة من الوصف بأن صارت اسمًا خالصًا لشيء" فإنها لا تتحمل ضميرًا؛ كالأبطح، والأجرع أسماء أماكن، ومثلهما: الأبيض، والأرحب، والمسعود، والعالي، أسماء قصور، والمفتاح، والمِلعقة، والمَلعب ... ,.......... ومن المشتقات المحضَة: "أفعل التفضيل"1. والغالب فيه أنه يرفع الضمير المستتر، ولا يرفع الظاهر - قياسًا - إلا فى المسألة التى يسميها النحاة مسألة: "الكحل" وقد يرفعه نادرًا - لا يقاس عليه - فى مثل: مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب كلمة: "أبو" فاعلا2. وكذلك يرفع الضمير البارز نادرًا فى لغة من يقول: مررت برجل أفضل منه أنت، بإعراب "أنت" فاعلا، حملا لها على الفاعل الظاهر فى مسألة "الكحل". ولوأعرب "أنت" مبتدأ، خبره: أفضل، لجاز ولم يكن أفعل التفضيل رافعًا للضمير. بناء على ما تقدم لولاحظنا أنه لا يرفع الظاهر إلا قليلا ولا الضمير البارز إلا نادرًا فإن الضمير المستتر فيه يكون من نوع المستتر وجوبًا مع الإغصاء عن تلك القلة والندرة، وإن لاحظنا الواقع من غير نظر للقلة والندرة قلنا: إنه مستتر جوازًا. تلخيص ما سبق من أنواع الضمائر: أ- ينقسم الضمير باعتبار مدلوله إلى ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطَب، وغائب. ب- ينقسم الضمير باعتبار ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى قسمين بارز، ومستتر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أقسام البارز: ينقسم الضمير البارز إلى قسمين: "منفصل، ومتصل". أ- ينقسم الضمير البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابي إلى: 1- بارز منفصل فى محل رفع، وهو: اثنا عشر ضميرًا، للمتكلم اثنان، هما: "أنا" وفرعه "نحن". وللمخاطب: "أنت" وفروعه الأربعة. وللغائب: "هو" وفروعه الأربعة. 2- بارز منفصل فى محل نصب، وهواثنا عشر ضميرًا؛ للمتكلم اثنان "إياى" وفرعه "إيانا". وللمخاطب "إياك" وفروعه الأربعة. وللغائب "إياه" وفروعه الأربعة. ولا يوجد ضمير بارز منفصل فى محل جر. ب- ينقسم الضمير البارز المتصل باعتبار محله الإعرابى إلى ما يأتى: 1- بارز متصل فى محل رفع؛ وهوخمسة: التاء المتحركة - ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة - نون النسوة. 2- بارز متصل صالح لأن يكون فى محل نصب حينًا، وفى محل جر حينًا آخر، وهوثلاثة: ياء المتكلم، والكاف، والهاء1. ..... 3- بارز متصل، صالح لأن يكون فى محل رفع، أونصب، أوجر، هو: "نا". ولا يوجد ضمير بارز متصل فى محل نصب فقط، أوفى محل جر فقط. أقسام الضمير المستتر أ- مستتر وجوبًا وله جملة مواضع، وأشهرها: تسعة2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- مستتر جوازًا وله مواضع غير السالفة. ويتضمن الاسم الآتى كل ما سبق. جدول اسكانر تقسيم آخر للضمير بحسب محله الإعرابى: ينقسم إلى خمسة أقسام. 1- مرفوع متصل. 2- مرفوع منفصل. 3- منصوب متصل. 4- منصوب منفصل. 5- مجرور، ولا يكون إلا متصلا.
المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد والضمير المركب
المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب الضمير المفرد 1، والضمير المركب: الغرض من الضمير -كما عرفنا- الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب2، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث في كل حالة. أ- غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة "بسيطة" وذلك كالياء، والتاء، والهاء، في نحو: إني أكرمت من أكرمتَِ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد مطلقًا3، وكذلك التاء في: "أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب. فكل ضمير من الثلاثة -وأشباهها- كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها. ومثلها: "نحن" في: نحن نسارع للخيرات، فإنها لفظة واحدة في تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالًا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض. ب- وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه في أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصورًا على كلمة واحدة. وذلك
مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما، إياكن ... ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن ... وهكذا. كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز قلنا1: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين: أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ في مثل: أنت أمين، أم في محل نصب، كأن يكون مفعولًا به في مثل: زاركَ الصديق، أم في محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه في مثل: كتابي مثل كتابكَ؟ ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هي؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء في: أحسنْتَ؟. فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون في محل رفع؛ لأنه مبتدأ في مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل في مثل: "نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا ... وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر. وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أوالفتح، أوالكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهومبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة: "نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول
به1. والهاء في مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر في محل جر ... وهكذا يقال في كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتي أشرنا إليها من قبل. فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل في آخره تلك الزيادة2 اللاّزمة مثل: "إياكَ، إياكما، إياكم، إياكن، أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن" فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير في "إياكما" و"أنتما" هو كلمة: "إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها ... وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزيء رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة: "إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما في الإعراب كلمة واحدة3. وكذلك: "أنتما" وباقي الفروع. وهذا الرأي الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسيء إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول في كل من: أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن، إياكَِ، إياكما، إياكم، إياكنْ، ونظائرها، إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبني على كذا في محل كذا4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- وقوع الكاف حرف خطاب منصرف: قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب1. أي: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتي: وفي هذه الحالة يتعين أن يكون منصرفًا على حسب المخاطب تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا.... وفيما يلي أشهر المواضع غير التي سبقت1. 1- فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة ... أخبرنى الزراعة ... وإليك الإيضاح: كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجيء بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية2. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، في محل رفع؛ لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين3، ولا تتصرف التاء ... فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْني"، كما سبق. وهي إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد في الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها في أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرني، أي: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتي بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: "عرفتَ، أوأبصرت" - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولًا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها: "علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التي بعده في محل نصب، تغني عن المفعول الثاني. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرني"، ولم نلتفت إلى الأصل الأول، فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض1، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول في الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرني عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرني عن الزراعة؛ أتغني عن الصناعة؟ وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شيء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب -كما قلنا- بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هي موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام في الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} ... إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ، لِمَ كرمته علي؟. وقد يحذف الاسم المنصوب الذي بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} . أي: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله. هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقي الفعل "رأى" من "رأيت"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أصله اللغوي الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام في الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول: "أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هي وما اتصلت به من علامة تثنية أوجمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثاني. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى: "عَلِم" التي تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولًا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال. وسيجيء في أول الجزء الثاني تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر. 2- في اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملًا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء2. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ ... ؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً2. 3- فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا. ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم.....،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن كلا من الفعلين وذلك "نِعم" "وبئس" لا ينصب مفعولا به 1. ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لوأعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هوالمصدر المؤول "أن تجئ" ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر "لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر" وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهوممنوع عندهم فى أغلب الحالات2. 4- بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلاَّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلاَك. أى: بلى لك. "أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل". ب- كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟ أشرنا في رقم2 من ص211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلي النصب والجر، ولا تكون في محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة: "لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاي ما حضرت - لولاك لسافرتُ - الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة ... فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟ نعيد ما سبق3، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال في الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى في آخره في محل رفع،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخبره محذوف. وهذا الرأي فوق يسره ووضوحه يؤدي إلى النتيجة التي ترمي إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفي مقدمتها رأي: سيبويه الذي يجعل: "لولا" في هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات. وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عساني، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب ... فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية1. حـ- ضمير الفصل: من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل"2. وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه. 1- "الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسي الذي نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغي رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغي رضا الله" ركنًا أساسيًّا في الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلي إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة: "الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلي وتكمله "فتعرب الناطق: صفة" ... أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناطق"، هي الأساسية والضرورية التي يتوقف عليها المعنى المطلوب، لأنها خبر لا يستقيم المعنى الأصلي ولا يتمّ بدونه، وما جاء بعدها فهو زيادة تكميلية؛ تخدم المعنى الأصلي من غير أن يتوقف وجوده عليها، ومن الممكن الاستغناء عنها. الأمران جائزان، على الرغم من الفارق المعنوي بينهما. ولا سبيل لتفضيل أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود قرينة توجه لهذا دون ذاك. لكن إذا قلنا: الشجاع -هو- الناطق بالحق، يبغي رضا الله. فإن الأمر يتغير؛ بسبب وجود الضمير: "هو": فيتعين المعنى الثاني وحده، ويمتنع الأول، ويزول الاحتمال الذى كان قائمًا قبل مجيء الضمير. 2- "إن الزعيم الذي ترفعه أعماله تمجده أمته". ما المعنى الأساسي في هذا الكلام؟ أهو تعريف الزعيم بأنه: "الذى ترفعه أعماله"؟ فيكون هذا التعريف ركنا أصيلا في الكلام، لا يمكن الاستغناء عنه بحال، وما بعده متمم له، وزيادة طارئة عليه، يمكن الاستغناء عنها، وتعرب "الذى" اسم موصول خبر "إن" ... أم هو القول بأن: "الزعيم تمجده أمته"؟ فتكون هذه الجملة الفعلية هي عصب الكلام، لا يقوم المعنى إلا بها، "لأنها خبر" ولا يتحقق المراد إلا بوجودها مع كلمة الزعيم، وما عداها فزيادة طارئة لا أصيلة "وتعرب كلمة: "الذى" اسم موصول، صفة"؟ الأمران متساويان؛ يصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغير ترجيح. لكن إذا قلنا: "إن الزعيم -هو- الذى ترفعه أعماله" امتنع الاحتمال الثاني، وتعين المعنى الأول بسبب وجود الضمير الدال على أن ما بعده هو الجزء الأساسي المتمم للكلام، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعيم بأنه: ترفعه أعماله. وما عدا ذلك فزيادة فرعية غير أصيلة في تأدية المراد. "فتكون كلمة: "الذي" هي الخبر وليست صفة". 3- "ليس المحسن المنافق بإحسانه، يَخْفَى أمره على الناس". فما المعنى الأصيل في هذا الكلام؟ أهو القول بأن المحسن لا يَخفَى أمره على الناس فيكون نفي "الخفاء" هو الغرض الأساسي، وما عداه زيادة عرضية "وتعرب كلمة: "المنافق" صفة"؟ أم القول بأنه: "ليس المحسن، المنافق بإحسانه"؟ فمن كان منافقًا بإحسانه فلن يسمى: محسنًا. فقد نفينا صفة الإحسان عن المنافقين، فتكون كلمة "المنافق"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جزءًا أصيلا في تأدية المعنى؛ "لأنها خبر ليس" وما عداها تكملة طارئة. الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن -هو- المنافق؛ فيتعين المعنى الثاني وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع في أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسي؛ لأنه خبر. 4- يقول النحاة في تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد ... " أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسي؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة -هو- تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدلا1. فالضمير -هو- وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص "أي: القصر المعروف في البلاغة". تلك هي مهمة ضمير الفصل؛ لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . وقوله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم} ، وقوله: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل "نحن" بين كلمتي "نا" و"الوارثين"، مع أن كلمة: "الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة2، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التي هي ضمير، والضمير لا يوصف. وفي المثال الثاني توسط ضمير الفصل "أنت" بين "التا" و"الرقيب"، مع أن كلمة: "الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء2، لأن الضمير لا يوصف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قلنا، وكذلك الشأن في المثال الثالث الذي توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء"1 وكلمة: "أقل" التي هي المفعول الثاني للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء؛ لأن الضمير لا يوصف. و. و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل ما لا يصلح صفة، ولا تابعًا من التوابع أو المكملات. وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا في كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثاني خبر لا تابع. وبعضهم يسميه: "دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أي: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقي التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى. شروط ضمير الفصل: يشترط فيه ستة شروط: "اثنان فيه مباشرة. واثنان في الاسم الذي قبله، واثنان في الاسم الذى بعده" فيشترط فيه مباشرة: 1- أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة. 2- أن يكون مطابقًا للاسم السابق في المعنى، وفي التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفي الإفراد، والتثنية والجمع،. وفي التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل: "العلم هو الكفيل بالرقي، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هي الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل"، "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان في الفضاء"، "العلماء هم الأبطال يحتملون في سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم"، "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء" ... وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه ... ويشترط فى الاسم الذى قبله: 1- أن يكون معرفة. 2- وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل: "الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هي الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل"، "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم"، "إن الصناعة هي العماد الأقوى في العصر الحديث تنمو عندنا"، "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا". وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما في المعنى؛ إذ الخبر صفة في المعنى، بالرغم من اختلاف كل منهما في وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسي في الجملة دون الصفة. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة؛ لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير. ويشترط في الاسم الذى بعده: 1- أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ -كالأمثلة السالفة. 2- أن يكون معرفة، أو ما يقاربها1 في التعريف "وهو: أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم. 1- العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره. 2- إن الثروة هي المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة. 3- ما زالت الكرامة هي الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها: 1- النبيل هوأسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من ينادي. 2- الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب. 3- الموت في الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره. فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها. أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده -غالبًا- إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين. أما ما قارب المعرفة، وهو أفعل التفضيل المشار إليه، فإنه يشابه المعرفة في أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه -في الغالب- لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود "مِنْ" بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة1. إعراب ضمير الفصل: أنسب الآراء وأيسرها هو الرأي الذي يتضمن الأمرين التاليين: 1- أنه في الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب في أسماء الإشارة، وفي بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك "وقد سبقت الإشارة إليها في هذا الباب"2 فمن الأنسب أيضًا تسميته: "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل. 2- أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر في غيره. تأثيرا إعرابيا، على الرغم من فائدته التي اقتضت وجوده. لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو عليّ"1 "برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ". لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: "عَليٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر: "كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره. وإن اتباع ذلك الرأي الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا في حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة في صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير. إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له -كباقى الأسماء- من محل إعرابي، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. "ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد": 1- "العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز في الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول "العقل". ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب -أوحرفًا- فكأنه غير موجود في الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة: "حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملًا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة. ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس؛ لأن الاسم الذي بعد الضمير مرفوع. 2- "كان محمد هو الحارسَ" "ظننت محمدًا هو الحارسَ". إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب -لم يجز في الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملًا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل: "ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة "لأنه يجوز فيها الرفع" فالضمير عندئذ مبتدأ، وما بعده خبر له، والجملة منهما في محل نصب خبر: "كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل: "ظننت"، أو لأخواتهما1. 3- "كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء "لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق" وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا. 4- إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة. وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفي بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلًا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في المطولات1. د- ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث ... أو ضمير2 المجهول ... من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه: كان العرب الفصحاء -ومن يحاكيهم اليوم- إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه -لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير- بما فيه من إبهام3 وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه، مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجيء الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة ذلك: 1- أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غني افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شيء؛ فيقول الثاني: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوهًا: يا رفاقي، "هو: الزمان غدار، وهي: الأيام خائنة". فالغرض الذي يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شيء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجيء بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التي بعده؛ فهي التي تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهي المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية. والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها -من حيث المعنى شيء واحد "ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لاتحادهما في المعنى". ومثل ما سبق نقول في بيت الشاعر: هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ ... فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ 2- أن تسير في حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول: "إنه -الزهر ساحر" "إنها- الرياحين رائعة"، أو: "إنه -يسحرني الزهر" "إنها- تروعني الرياحين". فقد كان في نفسك معنى هام، وخاطر جليل -هو: "سحر الزهر"، أو: "روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير "إنه ... إنها ... " لما في الضمير -ولا سيما الذي لم يسبقه مرجعه- من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران في النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- يشتد البرد في إحدى الليالي، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم في بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول: "هو: نظام الكون ثابت" و"إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و"إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير "هو ... والهاء ... وها" رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التي هي المدلول الذى يرمي إليه، والغرض الذي يتضمنه. فكلاهما في المعنى سواء. فكل ضمير من الضمائر التى مرت في الأمثلة السابقة -ونظائرها- يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون في صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه". وإنما سمي ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أي: للحال المراد الكلام عنها، والتي سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى: "ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أي: المسألة التي سيتناولها الكلام. " ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجيء بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه. ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهي احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره في سياق جملته نوعًا آخر من الضمير1. أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،} ، فقد وقع في الآية مبتدأ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مثل قول الشاعر: وما هو من يَأسو الكُلُوم1 ويُتَّقَي ... به نائباتُ الدهر، كالدائم البُخْل فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر: عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد" ... فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ ثانيا: أن يكون صيغته للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة2؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 3 أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وكقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . ومثل: "هي؛ الأعمال بالنيات" و"هي؛ الأم مدرسة". ثالثها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له -الآن أو بحسب أصله4- مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفي الجملة، أو تقديره. رابعها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها5 فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شيء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجيء قبل المفسَّر "أي: أن المفسِّر لا يجيء قبل الشيء الذى يحتاج إلى التفسير". خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها. سادسها: أنه إذا كان منصوبًا -بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" -حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، في موضع نصب؛ لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها في محل نصب، هي المفعول الثاني له. أما إذا كان مرفوعًا متصلًا فإنه يستتر في الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففي "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و"خلق" فعلان من نوع واحد، لأنهما ماضيان. وقوع الفعل معمولًا تاليا مباشرة1 لعامله الفعل الذي من نوعه، قليل جدًّا في فصيح الكلام ... فلا بد من اسم يرتفع بالفعل ليس2 فلذلك كان اسمها ضميرًا مستترا فيها3. ومثله قولهم: كان علي عادل. وكان أنت خير من محمد، ففي "كان" في الحالتين ضمير مستتر تقديره: "هو"، أي: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا غير من المأثور، أو مما يجاريه، ... ومنه قول الشاعر: إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ ... وآخرُ مُثنٍ4 بالذى كنتُ أصنعُ ومثله: هى الشفاءُ لدائى لوظفرتُ بها ... وليس منها "شفاءُ الداء مبذولُ" ففي "كان" و"ليس" ضمير الشأن، تقديره: "هو"، يفسره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقعة بعده خبرًا للناسخ، وهي: "الناس صنفان" و "شفاء الداء مبذول"1. ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة -ونظائرها- لا تكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن إلا إذا كانت صادرة من خبير بأصول اللغة، مدرك للفروق بين التراكيب، ولأثرها في المعاني المختلفة، وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيق الغرض المعنوي الذي يؤديه. ولولا هذا لصارت اللغة عبثًا في تراكيبها، ينتهي إلى فساد في معانيها. ولا شك أن حسن استخدام هذا الضمير، وتمييزه من غيره لا يخلو من عسر كبير. هـ- مرجع الضمير2: الضمائر كلها لا تخلو من إبهام3 وغموض -كما عرفنا4- سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهوحاضر يتكلم بنفسه، أوحاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شيء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل في هذا الشيء المفسِّر الموضِّح أن يكون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - فى غير ضمير الشأن1 -متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله2 ليبين معناه أولًا، ويكشف المقصود منه، ثم يجيء بعده الضمير مطابقًا3 له. - فيما يحتاج إلى مطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. -فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير". فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجيء4. ولهذا التقدم صورتان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: التقدم اللفظي أو الحقيقي؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته1 معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوي ويشمل عدة صور؛ منها: 1- أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق. ومثل قول المتنبي يتغزل: كأنها الشمس يعي كف قابضه ... شعاعها، ويراه الطرف مقتربا والأصل: يعي شعاعها كف قابضه. فالضمير عائد على الفاعل المتأخر لفظًا لا رتبة. 2- أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه في ناحية من نواحي مادة الاشتقاق. مثل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله: {اعْدِلُوا} واللفظان: {اعْدِلُوا} و"العدل" مشتركان في المعنى العام. وفي ناحية من أصل الاشتقاق. ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير في الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل: "صَدَق". كما أن مرجع الضمير في الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل: "كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح في معناه وفي ناحية من أصل الاشتقاق ... ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أي: الإتقان، وتقول للجندي: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أي: الصبر2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع "أي: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام"، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، أي: من عمر مَعَمَّر آخر. 4- أن يسبقه شيء معنوي "أي: شيء غير لفظي" يدل عليه، كأن تجلس في قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك في ميعاده. فالضمير "هو" -فاعل المضارع: يجب- والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظي، وإنما سبقهما في النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التي تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى: "القرينة المعنوية" أو "المقام"1. ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمني، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس في الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم في الفنون. تريد قدماء المصريين ... وهكذا. و عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة: عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا تقدمًا لفظيًّا "أي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية1. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمي"2 وأهمها ستة: 1- فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أي: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ "لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا"؛ نحو: نعم رجلًا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلًا"3. 2- الضمير المجرور بلفظة: "رُبَّ". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره "أي: تزيل إبهامه الناشئ4 من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا" نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير -مع أنها لا تدخل إلا على النكرات- لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة5.....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير في: "يحاربون" "وهو الواو" عائد على متأخر "وهو العرب". "وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب": فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلًا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلًا للثاني، وجعلنا ضميره فاعلًا للأول1. 4- الضمير الذي يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه ... السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" -بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه ... الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها. 5- الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شيء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبي2؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ضمير الشأن1، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء -إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير في "إنه" و"إنها" ضمير الشأن أو القصة ... ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع -إن كان لفظيًّا أومعنويًّا -يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا2..... ز- تعدد مرجع الضمير: الأصل في مرجع ضمير الغائب "أي: مفسِّره" أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل في ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب في الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"؛ لأنه الأقرب في الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معًا؛ لأنه مفرد، وهما في حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة -وسيجيء الكلام عليها- ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة. وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها3. .... والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف4،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارني والد الصديق فأكرمته. أي: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أي: "الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم أخي فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه1. وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت في القوة -وهو التفاوت الذي يكون بين المعارف في درجة التعريف، وشهرته -وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضي الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم -فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع -وفي غيره، من سائر مسائل اللغة- أن الذي يجب الأخذ به أوّلًا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذي يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل -أي: القرينة- لها وحدها القول الفصل في الإيضاح هنا، وفي جميع المواضع اللغوية الأخرى. وإذا كان للضّمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت في القوة -وجب أن يعود على الأقوى، طبقًا للبيان المفضّل الذي سيجيء فى رقم9 من ص268. ح- التطابق2 بين الضمير ومرجعه: عرفنا3 أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقي أن نعرف أن التطابق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتي: وهذا يراعى في التطابق المطلوب في صور كثيرة؛ كالتي بين المبتدأ وخبره1، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها ... ونحو هذا مما يقتضي المطابقة. 1- إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب -في الرأي الأصح- أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أي: "هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أي: "هي". والطالبة أقبل والدها ... فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا. وكذلك إن كان المرجع مثنى في الحالتين. تقول في الأمثلة السالفة2: "النائمان تيقظا، والمسافران حضر أبوهما3. والغريبتان عادتا2 سالمتين. والطالبتان أقبل والدهما3" وقد يعود الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران، أحدهما مذكر -طبقًا للبيان الآتي في ص269 تحت عنوان "ملاحظة". 2- إن كان المرجع جمع مذكر سالم وجب -في الرأي الأغلب- أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح -في الأفصح- أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أي: "هي"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز في الرأي الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه اليوم. 3- إن كان المرجع جمع مؤنث سالم لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أي: "هي". والشجرات سقيتها ... وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها. فمجيء واحد من الضميرين يفي بالغرض. ولكن أحدهما أفضل من الآخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث "أي: نون النسوة" في جميع حالاته "أي: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا"1 وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة2. 4- إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واوجماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أوالرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة. ومع جواز الأمرين يستحسن ضمير التأنيث إن كان عامل الفاعل قد اتصلت به علامة تأنيث، كما يستحسن ضمير التذكير إن لم توجد في عامله علامة التأنيث نحو جاءت الرجال كلها، وحضر الأبطال كلهم3. فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أومؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو: "الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن. ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة1؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هوالأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هوالأكثر. 5- إن كان المرجع اسم جمع2 غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واوالجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم 3 - 6- وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا، نحوقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، أى: هى. 7- إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أوالتأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأنيث، مراعاة للمتقدم أوللمتأخر1، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهومنظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهوباب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم2 "كما سيجئ فى بابها3، وفى باب4 المبتدأ ... " نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا ... 8- إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أومراعى فيه معناها5. بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أوالقليل، المذكر، أوالمؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أومذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى: "كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أوجمعًا، مؤنثًا، أومذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أوجمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ: "كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى. وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها: "كِلاَ" و"كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية6. ومنها "منْ"7، و"ما"8 و"كلٌّ"9 و"أىّ". وكذلك كلمة: "بعض"9 فى صور
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا ... ، ومن سافروا ... ، ومن سافرت، ومن سافرتا ... ومن سافرْن ... وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه - ... ما تفعلا ... ما تفعلوا ... ما تفعلى ... ما تفعلْن ... كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير: وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ ... وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ لكن الأغلب -وقيل الواجب- إذا وقعت كلمة: "كل" مبتدأ وأضيفت إلى نكرة مراعاة معنى النكرة في خبر المبتدأ: "كل" كقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ، وقول جرير السابق. فإن أضيفت لمعرفة صج اعتبار معنى المعرفة، أو اعتبار لفظ: "كل" المفرد المذكر. كقوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ومثل: "كلكم هداة للخير وكلكم داعون إليه"، وقول الشاعر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد1 أيّ رجل حضر. أيّ رجلين حضر، أو: حضرا ... أيّ الرجال حضر، أو: حضروا، أيّ كاتبة حضر، أو حضرت، أيّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أيّ الكاتبات حضر، أو: حضرن. بعض الناس غاب، في الصور المختلفة، مراعاة للفظ "بعض". ويصح مراعاة المعنى، فيقال: بعض الناس أو: غابت، أو، غابا، أوغابتا، أو: غابوا، أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى في المحكيّ بالقول، ففي حكاية من قال: "أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكي، كما يصحّ: "قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصًا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح: "قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح: "قلنا لفلان هو بطل"1. ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة -فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر في هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر. "ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أولمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أويتعين أحدهما دون الآخر ... أو ... أما المطابقة بين المبتدأ وخبره فتجئ فى ص 452 م 34- كما أشرنا فى رقم 1 من هامش ص 262 -. 9- إذا كان للضمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت فى القوة2، عاد على الأقوى3. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ4 من العلم، والعلم أعرف من الإشارة ... وهكذا5. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب ... فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - قُدِّم المتكلم -في الرّأي الأصح؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه في عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه. وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أومعرفة أخرى روعي الضمير، نحو: أنا وعلي أكلنا؛ ولا يقال -في الرأي الأفضل- أكلاَ، وتقول: أنا الذى سافرت....، وهو أفضل من: أنا الذي سافر ... وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذي في رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذي فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعي لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفي الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قويّ...... 10- إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: "الروح" جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم ... أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز2 أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته. 11- الغالب -وقيل الواجب- فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أوللإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أوالقمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية "التى لبيان الأنواع والأقسام"، فالمطَابقة، كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا 3} . وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أوعلى أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدمها، وهي موضحة تفصيلًا في باب العطف "ج3 ص525 م 122". "ملاحظة" 1. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . فقد عاد الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران أحدهما مذكر، وهو الذهب، والآخر مؤنث، وهو الفضة. ويقول أحد النحاة2 ما نصه: "أعاد الضمير على الفضة؛ لأنها أقرب المذكورين، أو لأنها أكثر وجودًا في أيدي الناس فيكون كنزها أكثر. ونظيره قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3. "أو أنه أعاد الضمير على المعنى؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ لأن كل طائفة مشتملة على عدد كبير. وكذا قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم} يعني المؤمنين والكافرين. "أو أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناء بذكره عن ذكر الآخر؛ لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ومنه قول حسان: إن شرخ الشباب والشعر الأسـ ... ـود ما لم يُعَاص كان جنونًا ولم يقل ما لم يُعَاصِيَا ... وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} ط- اختلاف نوع الضمير مع مرجعه: قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه في مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟ يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهوعائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب1، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا. وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد في الجملة الواقعة صلة. طبقًا للتفصيل الذي سيجيء في باب اسم الموصول ولا سيما الذي في "ب" ص443. وهو تفصيل يقتضي التنبه للفرق بين الصور المعروضة هناك والصورة التي هنا، وفي رقم 9 من ص 268.
المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله
المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله تقدم1 أن للرفع ضمائر تختص به؛ بعضها متصل؛ كالتاء المتحركة؛ و"نا" في مثل: سعيتَُِ إلى الخبر، وسعينا. وبعضها منفصل، ولكنه يؤدي ما يؤديه المتصل من الدلالة على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة؛ مثل: "أنا"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على التكلم، كما تدل عليه تلك "التاء"، ومثل: "نحن"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على المتكلم المعظم نفسه، أو جماعة المتكلمين؛ كما يدل عليه: "نا"، تقول: أنا أمين على السر، ونحن أمناء عليه ... وللنصب كذلك ضمائر تختص به، منها المتصل، كالكاف في مثل: صانك الله من الأذى، ومنها المنفصل الذى يؤدي معناه؛ مثل: إياك، في: نحو: إياك صان الله، ومنه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} . أما الجر فليس له ضمائر تختص به -كما عرفنا. لكن هناك ضمائر متصلة مشتركة بينه وبين غيره؛ كالكاف، والهاء ... إلى غير ذلك مما سبق إيضاحه وتفصيله، ولا سيما ما يدل على أن الضمير مع اختصاره وقلة حروفه يؤدي ما يؤديه الاسم الظاهر، وأكثر2. ونزيد الآن أن الكلام إذا احتاج إلى نوع من الضمير -كالضمير المرفوع، أو المنصوب- وكان منه المتصل والمنفصل، وجب اختيار الضمير المتصل، وتفضيله على المنفصل الذي يفيد فائدته؛ ويدل دلالته؛ لأن المتصل أكثر اختصارًا في تكوينه وصيغته، فهو أوضح وأيْسَر في تحقيقه مهمة الضمير، فتقول: بذلت طاقتي في تأييد الحقّ، وبذلنا طاقتنا فيه، ولا تقول: بذل "أنا"، ولا بذل "نحن". وتقول: كرّمك الأصدقاء؛ ولا تقول: كَرَّم "إياك" الأصدقاء. وتقول فرحت بك، ولا تقول: فرح أنا بأنت.
فالأصل العام الذي يجب مراعاته عند الحاجة للضمير هو: اختيار المتصل ما دام ذلك في الاستطاعة، ولا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا لسبب1. هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه في أكثر الحالات2. غير أن هناك حالتين يجوز فيهما مجيء الضمير "منفصلًا" مع إمكان الإتيان به "متصلًا". الحالة الأولى: أن يكون الفعل -أو ما يشبهه3- قد نصب مفعولين4 ضميرين، أولهما أعرف من الثاني؛ فيصح في الثاني أن يكون متصلًا وأن يكون منفصلًا. نحو: الكتابُ أعطيتنيه، أو: أعطيتني إياه، والقلمُ أعطيتكه، أو: أعطيتك إياه. فالفعل: "أعطى" هو من الأفعال التي تنصب مفعولين، وقد نصبهما في المثالين، وكانا ضميرين؛ ياء المتكلم، وهاء الغائب في المثال الأول، وكاف المخاطب وهاء الغائب في المثال الثاني. والضمير الأول في المثالين أعرف5 من الثاني فيهما؛ فصحّ في الثاني الاتصال والانفصال. ومثل ذلك. أن تقول: الخيرُ سَلنْيه6 وسلني إياه. والخيرُ سألتكه، وسألتك إياه. وبهذه المناسبة نشير إلى حكم هامّ يتصل بما نحن فيه، هو: أنه إذا اجتمع ضميران، منصوبان، متصلان، وأحدهما أخصّ من الآخر "أي: أعرَفُ منه، وأقوى درجة في التعريف". فالأرجح تقديم الأخصّ منهما. تقول: المالُ أعطيتكه، وأعطيتنيه، فتقدم الكاف على الهاء فى المثال الأول؛ لأن الكاف للمخاطب، والهاء للغائب، والمخاطب أخصّ من الغائب. وكذلك تقدم الياء
في المثال الثاني على الهاء أيضًا؛ لأن الياء للمتكلم وهوأخصّ من الغائب. ومن غير الأرجح أن تقول أعطيتهوك1 وأعطيتهوني1. فإن كان أحد الضميرين مفصولًا جاز تقديم الأخص وغير الأخص عند أمن اللبس؛ تقول: الكتابُ أعطيتكه أو أعطيته إياك، وأعطيتنيه أو أعطيته إياي. بخلاف: الأخ أعطيتك إياه، فلا يجوز تقديم الغائب؛ خشية اللبس، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما؛ فيجب هنا تقديم الأخص؛ ليكون تقديمه دليلًا على أنه الآخذ. فكأنه في المعنى فاعل، والأصل في الفاعل أن يتقدم2. وقد اشترطنا في الحالة الأولى أن يكون الضميران منصوبين، وأولهما أعْرَفُ من الثاني. أ- فإن لم يكن الضميران منصوبين؛ بأن كان أولهما مرفوعًا والثانى منصوبًا -وجب وصل الثاني بعامله إن كان عامله فعلًا3؛ نحو: النظامُ أحببته. ب- وإن كان أولهما منصوبًا والثاني مرفوعًا -وجب فصل المرفوع؛ إذ لا يمكن وصله بعامله مع قيام حاجز بينهما؛ وهو الضمير المنصوب. نحو: ما سمِعَك إلا أنا. ج- وإن كانا منصوبين، وثانيهما أعرَفُ -وجب فصل الثاني، مثل: المالُ سلبه إياك اللص. وكذلك إن كان مساويًا للأول فى درجة التعريف بأن وقع كل منهما للمتكلم؛ مثل: تركتني لنفسي؛ فأعطيتَني إياي، أو: للخطاب،
مثل: أعطيتك إياك، أو للغائب مع اتفاق لفظهما؛ مثل؛ أعطيته إياه1، ولا يجوز اتصال الثاني؛ فلا تقول أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما؛ فيجوز وصل الثاني. تقول: سأل أخي عن القلم والكتاب فأعطيتهماه، ومنحتهماهُ2، أوأعطيتهما إياه، ومنحتهما إياه3 ... الحالة الثانية: أن يكون الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتها4 "لأنه خبر لها" فيجوز فيه الوصل والفصل؛ نحو؛ الصديقُ "كنته" أو: كنت إياه، والغائبُ ليسه محمد5 أو ليس محمد إياه6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا1 أن الغرض من الضمير هو الدلالة على المراد مع الاختصار، ولذا وجب اختيار المتصل دون المنفصل الذى يؤدى معناه؛ كلما أمكن ذلك. إلا في حالتين سبق الكلام عنهما2، يجوز فيهما الاتصال والانفصال. لكن هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجيء الضمير متصلًا؛ فيجيء منفصلًا وجوبًا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها: 1- ضرورة الشعر؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه: وما أصاحبُ منْ قومٍ فأذكُرَهُمْ ... إلا يزيدُهمُ حبًّا إِلَيَّ همُ3 2- تقديم الضمير على عامله لداعٍ بلاغي، كالحصر4 "القصر" والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله؛ فيحل محلَّه المنفصل الذي بمعناه. ففي مثل: نسبحك، ونخافك يا رب العالمين -لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها، لذلك نأتي بضمير منصوب بمعناها، وهو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إياك" فنقول: إياك نسبح، وإياك نخاف. 3- الرغبة فى الفصل بين الضمير المتصل وعامله بكلمة "إلا"، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا يتحقق إلا إذا أتينا بالضمير منفصلًا؛ مثل: ربَّنا ما نعبد إلا إياك، ولا نهاب إلا إياك. وقد يكون الحصر بغير "إلا" فلا يقع الفصل بكلمة توجب الانفصال، ولكن ينفصل الضمير؛ مثال ذلك، الحصر بإنما1 فى قول الشاعر: أنا الذائد الحامي الذِّمَارَ وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو: مثلي ومن أمثلة الفصل للقصْر: إن الأبطالَ نحن، "فنحن" ضمير منفصل خبر إن، ولا يمكن اتصاله بعامله "إن"؛ وذلك لأن خبرها لا يتقدم على اسمها. 4- أن يكون عامله اللفظى محذوفًا؛ مثل: إياك والكذبَ. فأصل: "إياك" هو: أحذِّرك، أو: أخوِّفك. حذف الفعل وحده، وبقي الضمير "الكاف" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه؛ فحذفناه، وأتينا مكانه بضمير منفصل يؤدي معناه، ويستقل بنفسه، وهو: إياك. وقد سبق2 بيان إعرابه، كما سبق3 أنه وفروعه كثير الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصوره المتعددة التي ستجيء فى بابه الخاص -ج4 ص122 م140. 5- أن يكون عامله معنويًّا؛ مثل: أنا صديق وفيّ، وأنت أخ كريم. فالضمير: "أنا"، و"أنت"، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوي، لا وجود له في اللفظ؛ فلا يمكن وصل الضمير به.
.......................................................
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 12- أن يقع بعد اللام الفارقة1، مثل: إنْ وجدتُ الصديقَ حقًّا لإيا ك، فمُرْنى؛ فلن أزال مطيعًا 13- أن يكون منادى -عند من يجيز نداء الضمير- مثل: يا أنت. يا إياك. 14- أن يكون الضمير منصوبًا وقبله ضمير منصوب، والناصب لهما عامل واحد مع اتحاد رتبتي الضمير؛ مثل: عِلمْتُني إياي2، علِمتك إياك، وعلِمته إياه. 15- أن يكون الضمير مرفوعًا بمشتق جار على غير من هو له، مثل: محمدٌ عليٌّ مكرُمه هو3.
المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية
المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية 1 من الضمائر المتصلة: "ياء المتكلم"، وتسمى -أحياناً: "ياء النفس" وهي مشترَكة بين محلي النصب والجر؛ مثل: زرتني في حديقتي. فإن كانت في محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل، أو حرف ناسخ؛ -مثل: "إن" أو إحدى أخواتها- وإن كانت في محل جر فقد تكون مجرورة بحرف جر، أو تكون مجرورة بالإضافة؛ لأنها مضاف إليه. أ- فإن كانت منصوبة بفعل، أو باسم فعل، أو بالحرف "ليت"2 "وهو حرف ناسخ من أخوات إن" وجب أن يسبقها مباشرة نون مكسورة تسمى: "نون الوقاية"3. فمثال الفعل: ساعدَني أخي، وهو يساعدني عند الحاجة، فساعدْني فما أقدرك على المساعدة الكريمة. فقد توسطت نون الوقاية بين الفعل وياء المتكلم، ولا فرق بين أن يكون الفعل ماضيًا، أو مضارعًا4، أو أمرًا. ولا بين أن يكون متصرفًا، أو جامدًا5. ومثال اسم الفعل: "دَرَاكِ"، و"تَرَاكِ"، و"عليكَ" بمعنى: أدركْ، واتركْ، والزمْ. فيجب عند مجيء ياء المتكلم أن نقول: دراكني، وعليكَني. بمعنى أدركني؛ واتركني، والزمني. ومثال ليت: ليتني أزور أنحاء الدنيا -ليتنى أستطيع معاونة البائسين جميعًا2. ....
هذا حكم نون الوقاية في الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعًا من آخر بعض الأفعال، ومن آخر "وليت" حذفًا نادرًا لا يقاس عليه: مثل، هنا رجل ليسي؛ أي: غيري. وليتي أعاون كل محتاج؛ بمعنى ليتني. وقد تحذف فيهما للضرورة، مثل قول الشاعر: عَدَدْتُ قومى كَعَدِيد1 الطَّيْسِ2 ... إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْتي وقول الآخر: كُمنية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفه3، وأفْقِدُ كلَّ مالي وإن كانت منصوبة بالحرف "لعل" جاز الأمران، والأكثر حذف النون نحو: لعلي أدرك آمالي، ولعلني أبلغ ما أريد. وإن كانت منصوبة بحرف ناسخ آخر "غير: ليت، ولعلّ" جاز الأمران على السواء، تقول، تقول: إنني مخلص؛ وإنى وفيّ. لكنني لا أخلص للغادر. أو: لكني لا أخلص للغادر. وتقول.. سررت من أنني سباق للخير، أو: من أني سباق ... : وهكذا الباقي من الأحرف الناسخة الناصبة التي تصلح للعمل في هذه الياء4. ب- وإن كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف جر فإن كان حرف الجر "مِن" أو "عنْ" وجب الإتيان بنون الوقاية، وحذفها شاذ أو ضرورة؛ تقول منّي الصفح، ومنِّي الإحسان، وعنِّي يصدر الخير والإكرام، بخلاف "مِنِي"، و"عَنِي". وإن كان حرف الجر غيرهما وجب حذف النون مثل: لي فيك أمل، وبي نزوع إلى رؤيتك، وفيَّ ميل لتكريمك5.
ج- وإن كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمضاف هو كلمة ساكنة الآخر؛ مثل: "لدن" "بمعنى: عند"، أو: كلمة "قدْ"، أو "قطْ" "وكلاهما بمعنى: حَسْب، أي: كافٍ"1 فالأصح إثبات النون2؛ مثل: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} . ومثل، قَدني من مواصلة العمل المرهق، وقَطْني من إهمال الرياضة المفيدة. ويجوز بقلة حذف النون في الثلاثة؛ تقول: لدُني، قَدِي، قَطي؛ وهو حذف لا يحسن3 بالرغم من جوازه. فإنْ كان المضاف كلمة أخرى غير الثلاث السابقة وجب حذف النون، مثل: هذا كتابي أحمله معنى حينًا، وحينًا أدعه في بيتي فوق مكتبي. الملخص: يستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقاية وعدم إثباتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة محلًا، أو مجرورة محلًا. وبنوع العامل الذى عمل فيها النصب، أو الجر: 1- فإن كانت هذه الياء منصوبة، وناصبها فعل، أواسم فعل - وجب إثبات نون الوقاية قبلها. 2- وإن كانت هذه الياء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو: "ليت"
وجب في الأشهر إثبات النون. فإن كان الحرف الناسخ هو: "لعل" جاز الأمران، والأفصح الإثبات، وإن كان غيرهما مما يصح إدخاله على هذه الياء1 جاز الأمران على السواء. 2- وإن كانت الياء مجرورة بحرف وعامل الجر هو: "من"، أو: "عن" وجب إثبات النون. وإن كان حرفًا آخر غيرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها. 4- وإن كانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الكلمات الثلاثة: لدنْ - قدْ - قطّ - جاز الأمران، ولكن الأفصحُ إثبات النون. وفى غير هذه الثلاثة يجب الحذف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا مما سبق أن نون الوقاية واجبة في آخر الأفعال الناصبة لياء المتكلم. ومن تلك الأفعال المضارع، سواء أكان في آخره نون الرفع؛ "وهي: نون الأفعال الخمسة" أم كان مجردًا منها؛ مثل: أنت تعرفني صادق الوعد، وأنتم تعرفونني كذلك. ولم تعرفوني مخلفًا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقاية جاز أحد الأمور الثلاثة الآتية: 1- ترك النونين "نون الرفع ونون الوقاية" على حالهما من غير إدْغام2؛ تقول أنتما تشاركاننى فيما يفيد - أنتم تشاركوننى فيما يفيد - أنتِ تشاركيننى فيما يفيد، وهكذا ... 2- إدغام النونين، تقول فى الأمثلة السابقة: أنتما تشاركانِّى ... ، وأنتم تشاركُنِّى، وأنتِ تشاركِنى3 ... 3- حذف إحدى النونين؛ تخفيفًا، وترك الأخرى: تقول: أنتما تشاركانِى وأنتم تشاركوِنى ... ، وأنت تشاركينِى؛ بنون واحدة فى كل ذلك 4. ب- هناك بعض أمثلة مسموعة، وردت فيها نون الوقاية فى آخر اسم الفاعل، واسم التفضيل؛ فمن الأول قوله عليه السلام لليهود: هل أنتم صادقونِي؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حذف النون لقال صادِقىَّ1. ومثله قول الشاعر: وليس الموافينى2 - ليُرْفَد3 - خائبًا ... فإنّ له أضعافَ ما كان أمَّلا وقوله: وليس بمُعْيينى -وفي الناس مُمْتعٌ ... صديقٌ إذا أعْيَا علىَّ صديقُ ولوحذفت النون لقيل: الموافىَّ والمعيِىَّ، ومثال اسم التفضيل قوله عليه السلام: غيرُ الدجَّال أخوفُنى عليكم. وروى: أخْوَفِى عليكم4 "أى: غير الدجال أخوف الأمور التى أخافها عليكم ... " والشائع أن هذه الأمثلة لا يقاس عليها؛ لقلتها لكن الرأى السديد: أنه يجوز أحيانًا إذا وجد داعٍ 5. "جـ" إذا كان الفعل مختومًا بنون النسوة لم يغير ذلك من لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم؛ مثل: النساء أخبرننى الخبر، هن يخبرننى. أخبرننى يا نسوة.
المسألة الثانية والعشرون: العلم
المسألة الثانية والعشرون: العلم أ- "محمود - إبراهيم" "فاطمة - أمينة" "مكة - بيروت" "بَرَدَى1 - دِجْلة"2. ب- رجل - شجرة - إنسان - حيوان - معدن ... ج- أسامة "للأسد". ثُعالة "للثعلب". شَيْوَة "للعقرب" ذُؤَالة "للذئب" ... كل كلمة فى القسم الأول: "ا" تدل بنفسها مباشرة3 على شىء واحد، معيَّن بشكله الخاص، وأوصافه المحسوسة التى ينفرد بها، وتميزه من باقى أفراد نوعه. فكلمة: "محمود" تدل بذاتها3 على فرد واحد له صورة معينة، ووصف حسّى ينطبق عليه واحده دون غيره من أفراد النوع الإنساني. وكذلك إبراهيم، وفاطمة وأمينة، وغيرها. وكلمة: مكة، أو: بيروت، أو: أشباههما من البلاد - تدل على شيء واحد محسوس؛ هو: بلد معين، له خصائصه، وأوصافه الحسية التى لا تنطبق على سواه، ولا تحمل إلى الذهن صورة غيره. وكذلك الشأن فى بَرَدى، ودِجلة وغيرهما من الأنهار المعينة. فكل كلمة من الكلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها على معنى واحد، معين، ينطبق على فرد واحد "أى: تدل على مسمى بعينه" وهي لا تحتاج في دلالتها عليه إلى معونة لفظية أومعنوية تأتيها من غيرها، بل تعتمد على نفسها فى إبراز تلك الدلالة. أما كلمات القسم الثاني فتدل الواحدة منها على معنى معين، ولكنه معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه؛ وإنما ينطبق على أفراد كثيرة مشتركة معه فى النوع، فهوصالح لكل منها، لا يختص بواحد دون آخر، أى: أنه شائع بينها، كما
سبق أن قلنا فى النكرة1. فكلمة: رجل أوشجرة ... أوغيرهما من سائر النكرات تدل على مدلول واحد، لفرد واحد، ولكن هذا الفرد شائع، له نظائر وأشباه كثيرة قد تبلغ الآلاف ... ، ويصلح كل منها أن يكون هو المقصود، وليس بعضها أولى من بعض في ذلك، فإذا أرَدنا لهذه الكلمة أن تدل على مدلول واحد معين لا ينطبق على غيره وجب أن نَضم إليها زيادة لفظية أو معنوية تجعل مدلولها مركزًا فيه وحده بغير شيوع، كأن تقول: رأيت رجلا في النادي، فصافحت الرجل. أو هذا رجل، أو: أعجبني هذا. مشيرًا إلى شيء حسي أو معنوي معروف مُتَمَيّز، أو: أكرمت الذي زارك. فوجود "أل" في كلمة "الرجل" بالطريقة السالفة جعلتها تدل على مُعَين. ووجود الإشارة الحسية أو المعنوية جعلت كلمة: "هذا" تدل على معين. ووجود صلة الموصول -وهي لفظية- جعلت كلمة: "الذي" تدل على معين. ووجود قرينة التكلم أو الخطاب جعلت ضميرهما يدل على معين. وهكذا؛ فلولا الزيادة التى انضمت إلى كل واحدة ما حصل التعيين والتخصيص ... ومن هنا يتضح الفرق بين كلمات القسم الأول التى هي نوع من المعرفة يسمى: "العَلَم الشخصي" أو "علم الشخص"2 وكلمات القسم الثاني التي هي نكرة قبل وجود الزيادة التي انضمت إليها. ثم صارت بعدها نوعًا من أنواع المعرفة. فكلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعيين والتحديد، بخلاف الثانية. وهذا معنى قولهم في تعريف العلم: "إنه اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا"، أي: غير مقيَّد بقرينة تكلم، أوخطاب، أوغَيبة، أوإشارة حسية، أومعنوية، أوزيادة لفظية؛ كالصلة ... أو غير ذلك من القرائن اللفظية أو المعنوية التي توضح مدلوله، وتحدد المراد منه. فهو غني بنفسه عن القرينة؛ لأنه عَلَم3 مقصور على مسماه، وشارة خاصة
به وافية فى الدلالة عليه. وكل كلمة من كلمات القسم الثانى وأشباهها تسمى نكرة1.
أما أمثلة القسم الثالث فهي لنوع آخر يختلف فى دلالته عن النوعين السابقين؛
يسمى: "علم الجنس"1. ولتوضيحه نقول؛ إذا دخلت حديقة الحيوان فرأيت الأسد، ومنظره الرائع المَهِيب، وشاهدت ما يغطى عنقه، وينسدل على كتفيه؛ من شعر غزير، كثيف، يسمى: اللِّبد، وما ينبت فوق فمه من شعر طويل؛ كأنه الشارب؛ فسميت الأسد بعد ذلك: "صاحب اللِّبد" أو"أبو الشوارب"، فهذه التسمية تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها على تخيل صورة
عامة للأسد حتمًا، وعلى تذكر مثال له، من غير أن تكون تلك الصورة أو المثال مقصورة على الأسد الذي كان في الحديقة؛ بل تنطبق عليه وعلى غيره من أمثاله. فهذا الاسم الذي وضعته للصورة هو علم يدل عليها؛ وعلى كل صورة مثلها من أفراد صنفها. أي: أنه شارة ورمز لتلك الصورة التي لا تمثل فردًا بعينه، وإنما تُمثل الصنف كله، أي: تُمثل ما يسمونه: "الجنس" كله؛ فتنطبق على كل فرد من أفراد ذلك الجنس؛ وهذا معنى قولهم: "إنه علم للجنس"، أو: "علم الجنس". ومثل هذا يقال عن كلمة: "أسامة". فقد أطلقت أول مرة على أسد معين لداعٍ دعا إلى هذه التسمية. فإذا قيلت بعد ذلك لم يفهم العقل معناها فهمًا مجردًا من غير تخيل صورة فردٍ -أيّ فرد- من ذلك الحيوان المفترس، بل لا بد أن يحصل مع الفهم تخيل صورة تمثل أسدًا غير معين، أي: لا بد مع الإدراك من ذلك التخيل الذي يعيد إلى الذهن صورة تمثل المراد، وينطبق عليها الاسم، فهذا الاسم هو الذي يسمى: علمًا للجنس كله، أو: "علم الجنس". ومثل هذا أن ترى الفيل وخُرطومه فتسميه: "أبو الخرطوم" فهذا علم للفيل ينطبق على الفرد الذى أمامك، وعلى كل نظير له، فهو علم لواحد غير معين من الأفيال. فإذا كان اسم الجنس هو اسم يدل على الحقيقة الذهنية المجردة أي: الخالية من استرجاع الخيال لصورة فرد منها -كما سبق1- فإن علم الجنس يدل على تلك الحقيقة، مركزة في صورة كاملة ويقترن بها، ويستعيدها الخيال لفرد غير معين من أفراد ذلك الجنس فهي تصدق على كل فرد. فكأن هذا العلم موضوع لكل فرد من أفراد تلك الحقيقة الذهنية العقلية. ولذا قالوا في تعريف علم الجنس، إنه: اسم موضوع للصورة التى يتخيلها العقل في داخله لفرد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية. ومن أمثلته أيضًا -غير ما سبق2- فى "ج": "ابن دَأيَة"؛ للغراب و"بنت الأرض": للحصاة، "وابنة اليم"؛ للسفينة3 ...
المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم
المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم له عدة أقسام باعتبارات مختلفة: أ- فينقسم باعتبار تشخص1 معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وإلى علم جنس2. ب- وينقسم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب3. ج- وينقسم باعتبار أصالته فى العلمية وعدم أصالته إلى مُرْتَجَل، ومنقول4. د- وينقسم باعتبار دلالته على معنى زائد على العَلمية أوعدم دلالته - إلى اسم، وكُنية، ولقب5. تلك هي أشهر أقسامه6، ولكل منها أحواله الخاصة7 التي نفصلها فيما يلي: التقسيم الأول: يتضمن انقسام العلم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وعلم جنس8....
علم الشخص: "هو، اللفظ الذى يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا" وقد شرحنا1 هذا شرحًا وافيًا، وأوضحنا المراد من "الإطلاق". وله حكم معنوي وأحكام لفظية. فأما حكمه المعنوى: فالدلالة على فرد مشخص معين2 - فى الغالب - ويكون هذا الفرد من بين ما يأتى من الأنواع: 1- أفراد الناس، مثل على: وسمير، وشريف، ونبيلة، وغيرهم من أفراد الأجناس التى لها عقل، وقدرة الفهم، كالملائكة، والجن، مثل: جبريل، وإبليس ... 2- أفراد الحيوانات الأليفة التى يكون للواحد منها علَم خاص به، مثل: "بَرْق"، علم لحصان، و"بارع" علم لكلب، و"فصيح" علم على بلبل و"مكحول" علم على ديك ... 3- أشياء أخرى لها صلة وثيقة بحياة الناس وأعمالهم: كأسماء البلاد، والقبائل، والمصانع، والبواخر، والطائرات، والنجوم، والعلوم، والكتب، وغيرها من كل ماله ارتباط قوىّ بمعايش الناس، وله اسم خاص به لا يطلق على غيره ... مثل: مصر، دِمَشق، حَلَب "أسماء بلاد". ومثل: تميم، طَىّ، غَطَفان، ... "أسماء قبائل عربية قديمة". ومثل: زامر، وأُلْبا، وفُرْد "أسماء مصانع مسماة بأسماء أصحابها". ومثل: محروسة - عناية - قاصد خير ... "أسماء بواخر". وغير ذلك مما يشبهها من كل مدرسة، أومعبد، أوملجأ، أوطائرة، أومؤسسة ... بشرط أن يكون لكل منها اسم خاص يُعرف به، ولا يشاركه فيه سواه. وهذه الأشياء المعينة المحددة التى تدل عليها الأعلام تسمى: "المدلالوت"، أو: "الحكم المعنوى" لعلم الشخص3.
وأما أحكامه اللفظية فكلها أثر من آثار أنه معرفة؛ فلذا لا يضاف، ولا يعرّف بأل، لعدم حاجته لشىء منهما. ويصح أن يقع مبتدأ؛ مثل:
محمود نابه، ويقع صاحب حال متأخرة عنه ومتقدمة؛ مثل: جاء حامدٌ مبتسمًا؛
أو جاء مبتسما حامد -لأن الغالب فى المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين- ويمنع من الصرف إن وجد مع العلمية سبب آخر للمنع، كالتأنيث في مثل: أصغيت إلى فاطمةَ. ويكون نعته معرفة مثله، ولا يصح أن يكون نكرة. علم الجنس: تعريفه: اسم موضوع للصورة الخيالية التى فى داخل العقل، والتى تدل على فرْد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية1. حكمه المعنوى: أكثر ما يتجه إليه معناه هو: الدلالة على واحد غير معين؛ فشأنه فى هذه الدلالة كشأن النكرة. ولكن هذا الواحد الشائع يكون من بين الأشياء الآتية المسموعة2 عن العرب: 1- حيوانات غير أليفة؛ كالوحوش، والحشرات السامة؛ وجوارح الطيور،
ومنها: "أبوالحارث وأسَامة" وهما: للأسد، "وأبوجَعْدة وذُؤَالة" وهما: للذئب. "وشَبْوَة وأمّ عِرْيَط"، وهما: للعقرب "وثُعَالة، وأبوالحُصَيْن"، وهما: للثعلب. 2- بعض حيوانات أليفة1؛ ومنها: هَيَّان بن بَيَّان؛ للإنسان المجهول نسبه وذاته. ومثله: طامر بن طامر، وأبوالمَضَاء، للفرس. وأبوأيوب، للجمل وأبوصابر، للحمار، وبنت طَبَق، للسحلفاة2. وأبوالدَّغفاء، للأحمق، من غير تعيين شخص بذاته في شيء مما سبق. فلو أريد به فرد واحد معين لكان علم شخص. 3- أمور معنوية3 "أى؛ ليست محسوسة؛ فهى تخالف النوعين السابقين" مثل: أم صبور، علم للأمر الصعب الشديد. ومثل: سُبحان، علم للتسيج، وأم قَشْعَم، علم للموت، وكَيْسان، علم للغدر، ويَسَارِ "على وزن: فَعَالِ، وهووزن للمؤنث هنا" علم للمَيْسرة، أى: اليُسر. وفَجَارِ؛ علم للفَجْرة. "أى: الفجور، وهوالميل عن الحق" وبَرَّة؛ علم للمَبرة. "أى: البرّ". 4 جمع ألفاظ التوكيد المعنوي "الملحقة" بألفاظه الأصيلة، لأن كل لفظ من هذه الملحقات هو علم جنس يدل على الإحاطة والشمول، ولهذا لا يجوز نصبه على الحال في الرأي الصحيح- ومن تلك الألفاظ الملحقة: "أجمع - جمعاء- أجمعون- جمع"، وكذلك "أكتع- أبتع- أبصع" وسيجيء البيان بتفصيل هذا في باب التوكيد جـ3 م 116 - ص 502. أحكامه اللفظة هي الأحكام اللفظية الخاصة بقسيمه: "علم الشخص"، فهما متشابهان فيها4،
فلا يجوز1 في علم الجنس أن يضاف، ولا أن تدخل عليه "ألْ"1 المعرّفة؛ فلا تقول: أسامةُ الحديقة في قفص، ولا الأسامة في قفص. وهو يقع مبتدأ؛ مثل أسامة مفترس؛ ويكون صاحب حال متأخرة عنه2؛ مثل: زأر أسامة غاضبًا. ويمنع من الصرف إن وجدت علة أخرى مع العلمية، كالتأنيث فى مثل: أسامةُ ملك الوحوش؛ فتمتنع كلمة: "أسامة" من الصرف للعلمية والتأنيث3 ويجب أن يكون نعته معرفة مثل: أسامة القوىّ ملك الوحوش. ولا يصح أن يكون نكرة4، في الرأي الصحيح. وفيما سبق من الأحكام المعنوية واللفظية بيان وتفسير لقول النحاة: حُكْم علَم الجنس أنه نكرة معنى، معرفة لفظًا".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- استعمل العرب علم الجنس في أمور معنوية -كما سبق1- غير أن بعض تلك الأمور قد استعملوه حينًا علم جنس؛ فتجري عليه الأحكام اللفظية الخاصة بعلم الجنس؛ فهو معرفة من هذه الجهة، وحينًا استعملوه كالنكرة تمامًا؛ فلا يلاحظ فيه تعيين مطلقًا. والطريق إلى معرفة هذا النوع هو السماع المحض عن العرب. ومن أمثلته: فَيْنَة "بمعنى؛ وقت" و"بُكْرة" و"غُدْوة" وهما بمعنى أول النهار، و"عشية" بمعنى آخر النهار. فهذه الكلمات تستعمل بغير تنوين؛ فتكون معرفة؛ مثل: قضينا فَينةَ في الحديقة أي: الفينة المعينة من يوم معين. وتقول؛ فلان يتعهدنا بُكرةَ: أي: البكرةَ المحددة الوقت واليوم. وكذا. "غدْوةَ وعشيةَ" بغير تنوين؛ تريد بكل منهما وقتها ويومها المحددين. فأنت تقصد الأوقات المعينة التي تبينها هذه الأسماء السابقة2. أما إذا قلتها بالتنوين فلست تريد واحدة، معينة، محددة في يوم محدد -وإنما تريد "فَيْنةً"، من يوم أي يوم، و"بُكرة" أيّ بكرة أيضًا، وهكذا الباقي ... وفي الأثر المَرْوي: ""للمؤمن ذنب يعتاده الفَيْنةَ بعد الفينة" فدخول "أل" دليل على أن الكلمة قبلها كانت نكرة. ويترتب على هذا الاختلاف في المراد الاختلاف في الأحكام اللفظية التي عرفناها، والتي تطبق على الكلمات باعتبارها علم جنس، ولا تطبق عليها باعتبارها نكرات، ولا يعرف هذا في النوعين الآخرين من علم الجنس؛ فهما معرفتان، وحهكما من جهة اللفظ حكم علم الجنس.... 2- جاء في بعض المراجع - كالصبان- ما يفهم منه أن "علم الجنس" سماعي. لكن الذي قد يفهم من بعض المراجع الأخرى -كالهمع، ج1 ص73- أنه قياسي في غير الأنواع المعنوية الموضحة هنا. وهذا الرأي وحده هو الأنسب، لأن المدلولات التي تحتاج إلى علم جنسي كثيرة في كل زمن بسبب ما يجد فيه من أنواع ومخترعات وأجناس.....
التقسيم الثاني: وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب. فالمفرد: ما تَكَوّن من كلمة واحدة1، مثل: صالح، مأمون، حليمة، "أعلام أشخاص". والمركب: ما تكون من كلمتين أو أكثر. وهو ثلاثة أقسام: أولها: المركب الإضافي: ويتركب من مضاف ومضاف إليه؛ مثل: عبدُ العزيز، وسعد الله، وعزّ الأهل ... وثانيها: المركب الإسنادي2: ويتركب إما من جملة فعلية؛ -أي: من فعل مع فاعله أو مع نائب فاعله- مثل: "فَتَحَ اللهُ" و"جادَ الحقُّ" و"سُرُّ من رَأي" وإما من جملة اسمية؛ أي: من مبتدأ مع خبره مثل: "الخيرُ نازلٌ" و"السيدُ فاهمٌ" و"رأسٌ مملوء" وكلها أسماء أشخاص معاصرين، إلا "سُرَّ من رأي" فإنها اسم مدينة عراقية قديمة. وقد ألحق بالمركب الإسنادي بعض ألفاظ لا ينطبق عليها تعريفه -لأنها ليست جملة- ولكنها تخضع لحكمه، وسيجيء البيان3. وثالثها: المركب المزجيّ: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا "أي: اختلطَتَا؛ بأن اتصلت الثانية بنهاية الأولى..... 4." حتى صارتا كالكلمة الواحدة5؛ من
جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية وحدها -غالبًا- أمَّا آخر الأولى فيبقى على حاله قبل التركيب1. ومن أمثلته: بُرْسعيد "اسم مدينة مصرية" رَامَهُرْمُز،
وَطبَرِسْتان، وجَرْدِسْتان؛ من أسماء البلاد الفارسية1 ومثل: نُيُويُرْك، وقاليقلا2، وجَرْدِنْستى3 وبَعْلَبَكّ4 وسِيَبَويه5، وبرْزَوَيْهِ6 ونِفْطَوْيه7، وخالَوَيْهِ8، ومثل9: "السّلاحْدار، والخازِنْدار، والبُندُقْدار". فالعلم إما مفرَد، وإما مركب تركيب إضافة، أوتركيب إسناد، أومزج10. التقسيم الثالث: هو يتضمن انقسام العلم باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته، إلى مرَتَجَل، ومنقول. فالمرتجل: ما وضع من أول أمره علمًا، ولم يستعمل قبل ذلك فى غير العلمية. ومثاله: الأعلام التي اخترعها العرب أول مرة لمسميات
عندهم؛ ومنها: أُدَد "علم رجل" وسعاد1 "علم امرأة" وَفقْعسَ علم للأب الأول لقبيلة عربية معروفة. ومثل: الأعلام التي يخترعها الناس لمسميات خاصة عندهم، من غير أن يكون لها عند العرب الخُلَّص وجود سابق، مثل:"جَيْن"، علم على بلد. و"رَسَح" علم على جبل. "وبَحْن" علم على شجرة مُعينة. وغير ذلك من الأعلام التي يبتكرونها فى عصر من العصور، على حسب رغبتهم وأذواقهم2. ويريدون بالمنقول2 -وهو الأكثر- أحد شيئين: أولهما: العلم الذي لم يستعمل لفظه أول الأمر علمًا مطلقًا؛ وإنما استعمل أوّلا في شيء غير العلمية، ثم نُقِل بعده إلى العلمية3؛ مثل: حامد، محمود فاضل، أمين ... ؛ فقد كانت قبل العلمية تؤدي معنى آخر، ثم انتقلت منه إلى العلمية. وثانيهما: العلم الذي استعمل أول أمره علمًا لفرد في نوع، ثم صار علمًا لفرد في نوع آخر يخالف الأول؛ مثل: "سعاد" علم امرأة؛ ثم صار علم قرية، لا علم امرأة. 1- والنقل قد يكون من اسم منفرد اللفظ3؛ فيشمل: ما هو منقول من معنى
من المعاني العقلية الخالصة التي يُسَمُّون كُلاًّ منها: "الحدث المجرد" مثل: فضْل، وسُعُود، ومجْد، وهيْبة؛ أعلام أشخاص - وما هومنقول من اسم عيْن، أى: من ذات مجسَّمة محسوسة؛ مثل: غزال، وقمحة، وزيتون وفيل ... أعلام أشخاص ... وما هومنقول من اسم مشتق؛ مثل: صالح، ونبيل، ومحمد، ومفتاح. 2- وقد يكون النقل من الفعل وحده1؛ من غير أن يكون معه فاعل ظاهر، أوضمير مستتر، أوبارز، ومن غير أن يلاحَظ الفاعل أويُقَدَّر بوجه من الوجوه؛ فيشمل المنقول من فعل ماض مثل: شمَّرَ، وجادَ وصفا، "أسماء أشخاص". أو: من فعل مضارع؛ مثل: يزيد2، وتميس3، وتَعِز4
وتغلب1، ويشكر2. أو: من فعل أمر، مثل: سالمْ، وسامحْ3. 3- وقد يكون النقل من جملة، إما اسمية؛ مثل: "علىّ أسد"، و"ماشاء الله"4 و"نحن هنا" اسم كتاب ... ، وإما جملة فعلية، مثل: فَتَحَ اللهُ، زادَ الخيرُ، وأَطْرِقا "اسم بلد. وصحراء ببلاد العرب" والنقل هنا من جملة فعلية؛ لظهور الفاعل الضمير البارز. 4- وقد يكون النقل من حرف؛ كتسمية شخص بكلمة: "رُبّ"، أو: إن ... وقد يكون من حرفين، مثل: ربما، إنما. 5- وقد يكون من حرف واسم5.... مثل: بِهَناء، ومثل: الحارث "اسم قبيلة عربية". 6- أوحرف وفعل مثل: اليزيد6 ... هذا: ومن خصائص العلم بنوعيه السالفين أمران: أما أولهما: فأنه اسم جامد لا صلة له بالاشقاق ولو كان في أصله وقبل نقله إلى العلمية اسما مشتقا. لهذا تجري عليه أحكام الجامد وحده7.... وأما ثانيهما: فأن صيغته المكونة من الحروف الهجائية كتلة متماسكة الحروف لأن العلمية تحدده وتحصره، فلا يجوز الزيادة على حروفه أو النقص8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان العلم منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع -كما أشرنا1- نحو: "إستقبال" علم امرأة، و"أل" علم على الأداة الخاصة بالتعريف أوغيره، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: "أل" كلمة ثنائية، و"أل" فى اللغة أنواع من حيث المدلول ... ، ومثل: يوم الإثنين، بكتابة همزة: "إثنين" لأنها علم على ذلك اليوم2 ... ومثل: "أُسكُت" علم على صحراء ... ب- وإذا كان العلم منقولا من لفظ مفرد مبني فإنه يصير بعد هذا النقل معربا منونا، طبقا للبيان التفصيلي الذي سبق3.
التقسيم الرابع: وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته، إلى: اسم، ولَقب، وكُنْية. فأما الاسم هنا1 فهو: عَلَم يدل على ذات معينة مشخَّصة -في الأغلب-2، دون زيادة غرض آخر من مدح، أو ذمّ ... ، مثل: سعيد، كامل؛ مرْيم، بُثَيْنة، وأشباهها؛ من كل ما يكون القصد منه أمر واحد؛ هو: مجرد الدلالة على ذات المسمى وتعيينها وحدها، دون غيرها، ودون إفادة شيء يتصل بها؛ كمدح أو ذم. وأما اللقب فهو: علَم يدل على ذات مُعيَّنة مشخصة، مع الإشعار -بمدح أو ذمّ؛ إشعارًا مقصودًا بلفظ صريح3؛ مثل: "بَسّام، الرشيد، جميلة...." "السفاح، صخر، عرجاء....".
وأما الكنية فهي علم مركب تركيبًا إضافيًّا1، بشرط أن يكون صدره "وهو المضاف" كلمة من الكلمات الآتية: "أب، أمّ"، "ابن، بنت" "أخ، أخت" "عمّ، عمة" "خال، خالة"، مثل: الأعلام الآتية: "أبو بكر، أبو الوليد" "أم كلثوم، أمّ هانئ"، "ابن مريم، بنت الصديق" "أخو قيس، أخت الأنصار"، وهكذا2 ... وليس منه: أبٌ لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل مالا إضافة فيه على الوجه السابق. وكل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة قد يكون مرتجلا أو منقولا، مفردًا أو مركبًا، إلا الكنية فإنها لا تكون إلا مركبة. الأحكام الخاصة بالتقسيمات السالفة، وتتركز في النواحي الأربعة الآتية: أولها: الأحكام الخاصة بإعراب العلم المفرد، والعلم المركب.
ثانيها: الأحكام الخاصة بالترتيب بين الاسم، والكنية، واللقب، إذا اجتمع من هذه الأعلام اثنان، أو ثلاثة. ثالثها: الأحكام الخاصة بإعراب ما يجتمع منها. رابعها: الأحكام المعنوية وبقية الأحكام اللفظية الأخرى التي تتصل بعلم الشخص وعلم الجنس. أ- فأما العلم المفرد، كحامد، وسعيد، وسميرة، وعبلة ... فإنه يخضع في إعرابه وضبط آخره لحاجة الجملة المشتملة عليه؛ فقد يكون مبتدأ، أو: خبرًا، أو فاعلًا ... أو مفعولًا، أو مجرورًا بالإضافة، أو بالحرف، أو غير ذلك؛ فيرفع، أو ينصب، أو يجر على حسب ما تقتضيه الجملة. تقول: حامد أديب، إن حامدًا أديبٌ. أُعْجبْت بأدب حامد؛ فتضبط كلمة: "حامد" بالضبط المناسب لموقعها1 كالشأن في كل الأسماء المنفردة. وأما العلم المركب: فإن كان تركيبه إضافيًّا، كعبد الله -أعرب صدوره وهو المضاف- كإعراب المفرد السابق "أي: على حسب حاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، أو غير ذلك." ويبقى المضاف إليه على حالته؛ وهى الجر دائمًا. تقول: عبدُالله شاعرٌ، فاز عبدُ الله، صاحبت عبدَ الله، سارعت إلى عبدِ الله؛ فالمضاف - وهوكلمة: عبد -تغيرت حركة آخره بتغير حاجة الجُمل، وبقى المضاف إليه مجرورًا لم يتغير. وإن كان تركيبه إسناديًّا "مثل: فتحَ اللهُ ... ، الخيرُ نازلٌ" بقي على حاله قبل التسمية؛ فلا يدخله تغيير مطلقًا، لا في ترتيب حروفه، ولا فى ضبطها ثم يجرى عليه ما يجرى على المفرد فيعرب على حسب حاجة
الجملة التي تحتويه؛ فيكون مبتدأ، وخبراً، وفاعلا، ومفعولا، وغير ذلك على حسب ما تقتضيه تلك الجملة. إلا أن آخره يظل على حاله ملتزمًا حركته الأولى قبل العلمية فى جميع تلك الحالات مهما تغيرت الجمل؛ فكأنه كلمة واحدة تلازمها علامة واحدة للإعراب، لا تتغير فى الرفع، ولا فى النصب، ولا فى الجر، تقول: "فتحَ اللهُ" نشيط. جاء "فَتَحَ اللهُ". صاحبت "فتَحَ اللهُ" رضيت عن "فتَحَ اللهُ". فالعَلَم: "فتح اللهُ" فى الجملة الأولى: مبتدأ، مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية. وفى المثال الثانى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية، وفى الثالث: مفعول به، منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة للحكاية، وفى الرابع: مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة للحكاية؛ فهولا يتأثر بالعوامل تأثرًا ظاهرًا، وإنما يتأثر بها تأثرًا تقديريًا. يصيب آخره، فيجعله معربا بحركات مقدرة للحكاية. ويقال فى المثال الثانى: "الخيرُ نازل" حضر. إن "الخيرَ نازلٌ" حضر، سَلَِّمْ على "الخيرُ نازلٌ"، وهكذا فى كل مثال آخر من أمثلة المركب الإسنادى، وملحقاته2 فإنه يكون معربًا تقديرًا لأجل
الحكاية.1 وإن كان تركيبه مزْجيًّا غير مختوم بكلمة" "وَيْه"، مثل: رامهرْمُزُ ونُيُويُرْك ... فإنه يعتبر كالكلمة الواحدة؛ فيعامل من ناحية الإعراب معاملة المفرد، فيكون على حسب جملته؛ مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، ... أو غير ذلك؛ لكنه يرفع بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة في الحالتين من غير تنوين2. تقول: رامهرمُزُ جميلةٌ، وإن رامهُرمُزَ جميلةٌ، سمعت برامُهرْمُزَ، فتتغير حركة الحرف الأخير وحده تبعًا لحالة الإعراب، ويبقى غيره على حالته الأولى. فإن كان تركيبه مزجيًّا مختومًا بكلمة: "وَيه" "مثل: حمدَوَيه، خالوَيْه" كان كسابقه خاضعًا لحاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو: مفعولا ... إلخ، إلا أن آخره في كل هذه الأحوال يكون مبنيًّا على الكسر -في المشهور- تقول: خالويهِ، عالم جليل، وإن خالويهِ عالم جليل، ولخالوْيِه شهرة فائقة ... فقد وقعت كلمة: "خالويه" مبتدأ، واسمًا لإن، ومجرورة باللام، ولم تتغير حالة آخرها بتغير الجمل؛ بل لزمت البناء على الكسر؛ فهى مبتدأ مبنية على الكسر في محل رفع. وهي اسم إنّ مبنية
على الكسر في محل نصب، وهي مجرورة باللام مبنية على الكسر في محل جرّ1 ... وهكذا في الأحوال التي تشابه ما سردناه2. "ملاحظة": إذا أريد تثنية نوع من أنواع المركب السالفة، أو جمعها وجب اتباع الطريقة الخاصة بذلك وهي مشروحة في مكانها الأنسب3......
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من أنواع المركب المزجي ما يستعمل غير علم1؛ كالمركب العددي، أيْ: الأعداد المركبة، وهي؛ أحدَ عشرَ، وتسعةَ عشرَ، وما بينهما. فكل واحد منها مبني دائمًا على فتح الجزأين في جميع أحواله، وفي كل التراكيب. ويقال في إعرابه: مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. ما عدا اثنيْ عشَر، واثنَتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى. فاثنا واثنتا ترفعان بالألف في حالة الرفع، وتنصبان وتجران بالياء في حالتى النصب والجر. أما كلمة: "عشر، وعشرة" فهي اسم مبني على الفتح لا محل له، لأنها بدل من حرف النون في المثنى. ويقال هذا في إعرابهما -كما سبق2- وسيجيء تفصيل الكلام على هذا في الباب الخاص بالعدد، بالجزء الرابع. وكالظروف المركبة، مثل: "صباحَ مساءَ" في مثل: "والدي يسأل عنا صباحَ مساءَ" أي: دائمًا. وكالظروف المركبة في مثل: "أنت جارُنا بيتَ بيتَ"، أي: ملاصقًا. فكل هذه المركبات التي من نوع الأعداد، والظروف، والأحوال -مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالتها من الجملة؛ تقول في الأعداد: جاء أحدَ عشرَ رجلًا، وأبصرت أحدَ عشرَ رجلًا، ونظرت إلى أحَدَ عشرَ رجلا. وتقول: أنا أسأل عنك "صباحَ مساءَ" أى: دائمًا. فهوظرف مبنى على فتح الجزأين فى محل نصب. وتقول: أخى جارى "بيتَ بيتَ" فهومبنى على فتح الجزأين فى محل نصب، حال، فيكون اللفظ المركب مبنيًّا على فتح الجزأين فى محل رفع؛ لأنه فاعل - مثلا، أوشىء آخر يكون مرفوعاً -، وفى محل نصب لأنه مفعول به، أوظرف،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو حال، أو: شيء آخر منصوب، وفي محل جر؛ لأنه مجرور. فآخر كل كلمة من الكلمتين يلزم حركة واحدة لا تتغير؛ هي الفتحة. وحكم هذا المركب هو البناء على الفتح. وهذا الإعراب في الأمثلة السابقة نوع مما يسمونه الإعراب: "المَحلِّي"1 حيث يكون للكلمة حالة لفظية ظاهرة، حلت محل أخرى غير ظاهرة، ولكنها ملحوظة برغم عدم ظهورها؛ فتراعى في التوابع وغيرها، وهو غير "الإعراب التقديري" الذي سبق الكلام عليه2. وما ذكرنا من حكم المركب المزجي بأنواعه المختلفة هو الذي يحسن الأخذ به، والاقتصار عليه وحده في استعملنا؛ لأنه أشهر الآراء وأقواها ... والاقتصار عليه يمنع الفوضى في ضبط الكلمات، ويريحنا من جدل أهل المذاهب المختلفة. وعلى الرغم من هذا سنذكر بعض الآراء الأخرى، لا لاستعمالها؛ ولكن ليستعين بها من يشاء في فهم النصوص القديمة التى وردت بها، واشتملت عليها. فمن تلك الآراء أن المركب المزجي غير المختوم بكلمة: "ويه" يجوز فيه البناء على الفتح في جميع حالاته. نقول: هذه بعلبكَّ. إن بعلبكَّ جميلةٌ. لم أسكن في بعلبكَّ، فتكون مبنية على الفتح دائمًا في محل رفع، أو نصب، أو جرّ. ومنها: أنه يجوز إعرابه إعراب المتضافين3؛ فيكون صدره -وهو المضاف- معربًا على حسب حالة الجملة، ويكون عجزه -وهو المضاف إليه- مجرورًا أبدًا؛ تقول؛ هذه بعلُ بَكٍّ. إن بعلَ بكٍّ جميلة. لم أسكن في بعلِ بكً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذه الحالة -وحدها- يحسن في الكتابة فصل المضاف من المضاف إليه، وعدم وصلهما خطًّا. بخلاف أكثر الحالات الأخرى. كما أن المضاف في هذه الحالة إن كان معتل الآخر فإنه يظل ساكنًا دائمًا، ولا تظهر عليه الحركة؛ بل تقدر؛ مثل: عرفت "مَعْدِى كَرِبٍ"، فكلمة "معدي" مفعول منصوب بفتحة مقدرة على الياء: مع أن الفتحة تظهر على الياء دائمًا، ولكنها لا تظهر هنا، لثقلها مع التركيب -كما سبق البيان1. أما المركب المزجي المختوم بكلمة: "وَيْه" فقد أجازوا فيه حالة أخرى غير البناء على الكسر، هي إعرابه كالممنوع من الصرف، فيرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة، من غير تنوين في الحالات الثلاث؛ مثل: سيبويهُ إمام نحوىّ كبير، عرفت سيبويهَ، وتعلمت من سيبويهَ.
ب- أما الترتيب بين قسمين1 فيلاحظ فيه ما يأتي: 1- لا ترتيب بين الاسم والكُنْية، فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر، مثل: أبو الحسن عليّ بطلٌ، أو: عليّ أبو الحسن بطل. 2- لا ترتيب بين اللقب والكنية؛ فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر؛ مثل: الصّدّيق أبو بكر أول الخلفاء الراشدين، أو: أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين. 3- يجب الترتيب بين الاسم واللقب؛ بحيث يتقدم الاسم ويتأخر اللقب2. مثل: عمرُ الفاروق هو الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، وهذا الترتيب واجب إن لم يكن اللقب أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز3 الأمران؛ مثل: المسيح4 عيسى بنُ مريمَ رسولٌ كريم، أو: عيسى بنُ مريمَ المسيحُ رسولٌ كريم. ذلك أن "المسيح" أشهر من "عيسى". ومثل: السفَّاح عبد الله أول خلفاء العباسيين، أو: عبد الله السفاح ... ومن أجل ذلك كثر تقديم ألقاب الخلفاء والملوك على أسمائهم- مع صحة التأخير-. ومما سبق نعلم أن الترتيب عند اجتماع قسمين غير واجب إلا فى حالة واحدة5،
هي حالة اجتماع الاسم واللقب؛ فيجب تأخير اللقب عنه بشرط ألا يكون أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز الأمران. ج- أما إعراب قسمين عند اجتماعها فيُتَّبع فيه ما يأتي: 1- إن كان القسمان مفردين1 مثل: "علىّ سعيد" جاز اعتبارهما متضابفين2 فيكون الأول هو المضاف، ويضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة. ويكون الثاني هو المضاف إليه، وهو مجرور دائمًا؛ تقول: غاب عليُّ سعيدٍ3، عرفت عليَّ سعيدٍ، وسألت عن عليَّ سعيدٍ، وجاز عدم إضافتهما فيعرب الأول ويضبط على حسب حالة الجملة ويكون الثاني تابعًا له4 في جميع حركات الإعراب؛ فتكون كلمة: "سعيد" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة تبعًا للكلمة
الأولى؛ وهي عليّ. ولا دخل للكنية هنا لأن الكنية مركبة تركيبًا إضافيًّا، فتدخل في الأحوال الثلاثة الآتية الخاصة بالمركب الإضافي، ولا تدخل في المفرد الذى نحن بصدده -كما أشرنا من قبل. 2- وإن كان القسمان، مركبين معًا تركيب إضافة؛ مثل: "عبد العزيز سعد الله" فإن المضاف الأول، وهو: "عبد" يُضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويكون المضاف الثانى، وهو: "سعد" تابعًا له1 فى حركات إعرابه. 3- وإن كان الأول هوالمفرد والثانى هوالمركب تركيب إضافة؛ مثل: "على زين العابدين" - أعرب المفرد على حسب حالة الجملة، وجاء المضاف الذى بعده تابعًا له فى حركته؛ تقول: علىٌّ زينُ العابدين شريف. إن عليًّا زينَ العابدين شريف. وماذا تعرف عن علىٍّ زين العابدين؟ ويجوز شىء آخر؛ أن يكون الأول المفرد مضافًا؛ يُضبَط ويعرب على حسب حاجة الجملة، وأن يكون المضاف إليه هوصدر الثانى؛ تقول: علىُّ زينِ العابدين شريف، إن علىَّ زينِ العابدين شريف. ماذا تعرف عن علىِّ زينِ العابدين؛ فتكون كلمة: "علىّ" معربة على حسب العوامل، ومضافة. وتكون كلمة: "زين" مضافة إليها مجرورة. "4" إن كان الأول هوالمضاف والثانى هوالمفرد؛ مثل: زين العابدين علىّ - فإن صدر الأول؛ أى: المضافَ، يضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويعرب المفرد تابعاً له، تقول: زينُ العابدين علىٌّ شريف، إن زينَ العابدين عليًّا شريف، عطفت على زين العابدين علىٍّ. أما المركب المزجى وملحقاته، والمركب الإسنادىّ فلا يعتد بتركيبهما فى هذا الشأن وإنما يعتبر كل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بقسم آخر وتجرى عليه أحكام المفرد السابقة2.
وإلى هنا ينتهى الكلام على الترتيب والإعراب1 بين قسمين عند اجتماعهما. أما إذا اجتمعت الأقسام الثلاثة: "الاسم، والكنية، واللقب" فيراعى في الترتيب بينها ما سبق إيضاحه؛ حيث يجوز تقديم بعضها على بعض. إلا اللقب فلا يجوز تقديمه - فى أكثر حالاته - على الاسم2؛ ففى مثل: عمرُ بنُ الخطاب الفاروقُ - يجوز أن تقدم أو تؤخر ما شئت من الاسم، أو: الكنية، أو اللقب. إلا صورة واحدة لا تجوز؛ وهي: تقديم كلمة "الفاروق" على "عمر". وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا. أما الثالث فيكون تابعًا للأول في حركاته.
وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا حين اجتماعهما بدون الثالث، فإذا انضم إليهما لم يتغير إعرابهما، وأعرب الثالث تابعًا للأول في إعرابه1. د- هذا، وما يخص الأقسام السالفة من الأحكام المعنوية وباقى الأحكام اللفظية الأخرى فقد سبق الكلام عليها2.
المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة
المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة 1 تعريفه: اسم يعين مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسية إليه؛ كأن ترى عصفورًا فتقول وأنت تشير إليه: "إذا" رشيق؛ فكلمة: "ذا" تتضمن أمرين معًا، هما: المعنى المراد منها: "أي: المدلول"، وهو:: جسم العصفور، والإشارة إلى ذلك الجسم في الوقت نفسه. والأمران مقترنان؛ يقعان في وقت واحد2؛ لا ينفصل أحدهما من الآخر. والغالب أن يكون المشار إليه "وهو: المدلول" شيئًا محسوسًا3 كالمثال السابق. وكأن تشير بأحد أصابعك إلى كتاب، أو قلم، أو سيارة، وتقول: ذا كتاب -ذا قلم- ذي سيارة. وقد يكون شيئًا معنويًّا، كأن تتحدث عن رأي، أو: مسألة في نفسك، وتقول: ذي مسألة تتطلب التفكير، ذا رأي أبادر بتحقيقه ... تقسيم أسماء الإشارة: تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إليه إلى قسمين؛ قسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه من ناحية أنه مفرد، أو مثنى، أو جمع ... ، مع مراعاة التذكير، والتأنيث، والعقل5، وعدمه في كل ذلك6. وقسم يجب أن
يُلاحَظ فيه المشار إليه أيضًا، ولكن من ناحية قربه، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد1. فالقسم الأول خمسة أنواع: أ- ما يشار به للمفرد المذكر مطلقًا؛ "أي: عاقلا أو غير عاقل": وأشهر أسمائه "ذا"2. نحو: ذا طيار ماهر -ذا بلبل صَدَّاح3. ب- ما يشار به للمفردة4 المؤنثة -عاقلة وغير عاقلة- وهو عشرة ألفاظ؛ خمسة مبدوءة بالذال هي: ذي، ذهْ، ذهِ، بكسر الهاء مع اختلاس5 كسرتها، ذهِ - بكسر6 الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا، ذات7.
وخمسة مبدوءة بالتاء، هي: تي، تا، تهْ، تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة، تهِ1، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا. تقول: ذي الفتاة شاعرة ... تي الفتاة محسنة ... وكذا الباقي منهما2. ج- ما يشار به للمثنى المذكر مطلقًا- أي: عاقلًا وغير عاقل، وهو لفظة واحدة: "ذانِ" رفعًا، وتصير: "ذَيْنِ" نصبًا وجرًّا. تقول: ذانِ عالمان، إنّ ذيْنِ عالمانِ، سلمت على ذَيْنِ، فيعرب كالمثنى، أي: "ذانِ": مبتدأ مرفوع بالألف. "ذيْنِ": اسم: "إنّ" منصوب بالباء. "ذينِ"، مجرور بعلى، وعلامة جره الياء أيضًا. د- ما يشار به إلى المثنى المؤنث مطلقًا، وهو لفظة واحدة: "تان" رفعًا "وتصير: تَيْنِ" نصبًا وجرًّا؛ تقول: تان محسنتانِ؛ إن تيْنِ محسنتانِ، فرحت بِتَيْنِ المحسنتينِ. "تان" مبتدأ مرفوع بالألف. "تْينِ" اسم: "إن" منصوب بالياء. "تَيْن" مجرور بالياء، وعلامة جره الياء. هـ- ما يشار به للجمع مطلقًا "مذكراً ومؤنثًا، عاقلا وغير عاقل" هو لفظة واحدة: "أولاَءِ". ممدودة في الأكثر، أو: أولَى مقصورة؛ مثل:
أولئك الصناع نافعون. ومثل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} 1. أما القسم الثاني من أسماء الإشارة، وهو الذي يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربة، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد؛ فإنه ثلاثة أنواع: أ- الأسماء التي تستعمل في حالة قربه. هي: كل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد، والمفردة، والمثنى والجمع، بنوعيهما، من غير اختلاف في الحركات أو الحروف، ومن غير زيادة شيء في آخرها. ب- الأسماء التي تستعمل في حالة توسطه للدلالة على أن المشار إليه متوسط الموقع بين القرب والبعد، هي: بعض الأسماء السابقة بشرط أن يُزاد في آخر اسم الإشارة الحرف الدالة على التوسط، وهذا الحرف هو: "كاف الخطاب الحرفية2". فإنها وحدها، بغير اتصال لام البعد بها، هي الخاصة بذلك.
وهي تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة، دون بعض آخر؛ فتلحق آخِر أسماء الإشارة التي للمفرد المذكر، والتي للمثنى، والتي للجمع بنوعيهما؛ نحو: ذاك المكافح محبوب -ذانك المكافحان محبوبان- تانك الطبيبتان رحيمتان، أولئك المقاومون للظلم أبطال، أو: أولاك "بمد كلمة: "أولاء" وقصرها". وكذلك تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة، هي: "تي، تا، ذي"؛ نحو، تِيك الدار واسعة ... ولا تلحق آخر السبعة الأخرى التي للمفردة المؤنثة، فباستبعاد هذه السبعة تكون بقية أسماء الإشارة التي للقُرب صالحة للتوسط أيضًا. ولا تلحق آخر اسم من أسماء الإشارة إذا كان مبدوءًا بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، كالضمير في مثل: هأنذا محب للإنصاف، فلا يقال في الأفصح هأنذاك -كما سيجيء1. "ملاحظة": هذه الكاف تلحق اسم إشارة للمكان وهو يعتبر في الوقت نفسه ظرفًا من ظروف المكان؛ ونعني به الظرف: "هنا" -وسيجيء أيضًا إيضاحه قريبًا1؛ نحو: هناك في أطراف الحديقة دوح ظليل. وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التى للمتوسط هي الأسماء السابقة التي للقرْب. ولكن بشرط زيادة "كاف" الخطاب الحرفية في آخر الاسم للدلالة على التوسط؛ تقول: ذاك الطائر مغرد ... ، تِيك الغرفة واسعة ... وبشرط أن كاف الخطاب الحرفية لا تدخل في اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا في ثلاثة: "تي" و"تا" و"ذي" ولا تدخل في السبعة الأخرى -على الصحيح. وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله تلك الكاف2. ج- الأسماء التى تستعمل فى حالة بُعْده. لا سبيل للدلالة على أن المشار إليه بعيد إلا بزيادة حرفين فى آخر اسم الإشارة، هما: لام فى آخره تسمى: "لام البعد" يليها" وجوبا.
"كاف الخطاب" الحرفية حتمًا، ولا توجد "لام البعد بغيرها. وهذه اللام تزاد في آخر بعض الأسماء دون بعض: فتزاد مع "الكاف" في آخر أسماء الإشارة التي للمفرد؛ نحو: ذلك الكتاب لا ريب فيه. وفي آخر ثلاثة من الأسماء التي لإشارة المفردة "وهي الثلاثة التى تدخلها "كاف" الخطاب الحرفية دون السبعة الأخرى التي لا تدخلها"؛ نحو: تلك الصحاري ميادين أعمال ناجحة. وتزاد في آخر كلمة: "أُولَى" المقصورة التي هي اسم إشارة للجمع مطلقاً، نحو: أُولاَلِكَ المغتربون في طلب العلم جنود مخلصون، دون "أولاء" الممدودة التي اسم الإشارة للجمع -في الرأي الأرجح- فلا يقال: أولاء لَكَ1 المغتربون مخلصون ... ولا تزاد في اسم الإشارة الذي للمثنى المؤنث أو المذكر، ولا في اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه: "ها"، والمختوم بـ"كاف" الخطاب الحرفية؛ فلا يصح في مثل: "هذاك وهاتاك" أن يقال: هذا لِكَ، ولا هاتا لِكَ ... على اعتبار "اللام" فيهما للبعد، و"الكاف" حرف خطاب. ومما سبق يتبين أنه لا يجوز زيادة لام البعد وحدها بغير "كاف" الخطاب الحرفية بعدها، ولهذا يمتنع زيادة "لام البعد: في آخر الأسماء الخالية من تلك "الكاف" إما لأن "الكاف" لا تدخلها مطلقًا؛ كالأسماء السبعة التي لإشارة المفردة، وإما لأنها تدخلها ولكن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة في إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل: إن أسماء الإشارة التي تستعمل في حالة البعد لا بد أن يزداد في آخرها حرفان معًا: لام تسمى: لام البعد1، وحرف الخطاب "الكاف" بعدها؛ نحو: ذلك السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغير كاف الخطاب؛ فيجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التى للمفرد والمفردة بشرط وجود تلك الكاف. ويمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التى لا تدخلها الكاف مطلقًا2، أوالتى تدخلها، ولكنها غير موجودة فيها عند الرغبة فى إلحاق اللام.
وكذلك يصح إلحاق هذه اللام بكلمة "أُولَى" المقصودة، دون الممدودة، على الأرجح ودون المثنى بنوعيه أيضًا. ويصح أن تدخل: "ها" التي هي حرف تنبيه على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ مثل: هذا، هذه، هذان، هؤلاء ... وقد تجتمع مع الكاف بشرط عدم الفاصل -كالضمير- بين "ها" واسم الإشارة.؛ نحو هذاك، هاتاك ... لكنهما إذا اجتمعا لم يصح مجيء لام البُعْد معهما، فلا يجوز هذا لِكَ2. وهذا موضع آخر من المواضع التي تمتنع فيها لام البعد3. وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" التنبيه واسم الإشارة فاصل4؛ كالضمير في نحو: هأنذا5 مُخلص، فلا يصح الإتيان بالكاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله كاف الخطاب6، وإذن لا تدخله لام البعد أيضًا. بقي من أسماء الإشارة التي من القسم الثاني كلمتان: هُنا، و: "ثَمَّ"
وكلتاهما تفيد الإشارة مع الظرفية التي لا تتصرف. فأما: "هُنَا" فهي اسم إشارة إلى المكان القريب، مثل: "هنا العلم والأدب". وقد يزاد في أولها حرف التنبيه: "ها" نحو: "هَا هُنَا الأبطال؛ فهي في الحالتين سواء. وبسبب دلالتها على المكان مع الإشارة دخلت في عِدَاد ظروف المكان أيضًا، فهي اسم إشارة وظرفُ مكان معًا وهي ظرف مكان لا ينصرف، فلا تقع فاعلًا، ولا مفعولًا، ولا مبتدأ، ولا غير هذا مما لا يكون ظرف مكان. ولا تخرج عن الظرفية المكانية إلا إلى نوع خاص من شبه الظرفية2، وهو معها الجر بالحرف "مِنْ" أو "إلى"، نحو: سرت من هنا إلى هناك. ويصح أن يزاد على آخرها الكاف المفتوحة للخطاب3 وحدها أو مع "ها" التنبيه صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان المتوسط؛ مثل: هنا، أو: "ها هناك" في الحديقة الفواكه. وإن اتصل بآخرها كاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان البعيد؛ مثل: هنالك فى الصعيد أبدع الآثار. وفى هذه الصورة تمتنع "ها" التنبيه، لأن "ها" التنبيه لا تجتمع مع لام البعد - كما أشرنا4. وقد يدخل على صيغتها بعض تغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد؛ من ذلك، هَنَّا، هِنَّا، هَنَّتْ - هِنَّت ... فهذه لغات فيها، وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.
وأما الأخرى: "ثَمّ" فاسم إشارة إلى المكان البعيد؛ مثل: تأمل النجوم فثَم الجلال والعظمة. وهي1 كسابقتها ظرف مكان لا يتصرف، إلا أن "ثَمَّ" للبعيد خاصة، ولا تلحقها "ها" التنبيه" ولا كاف الخطاب، وهما اللذان قد يلحقان نظيرتها. وقد تلحقها -دون نظيرتها- تاء التأنيث المضبوطة -غالبًا- بالفتح؛ فيقال ثَمَّة2. ومما تقدم نعلم أن المكان باعتباره وعاء، أيْ: ظرفًا -يقع فيه أمر من الأمور ومعنى من المعنى- قد اختص وحده باسمين من أسماء الإشارة؛ فلا يشار إليه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا كانا في محل نصب على الظرفية3 لا يفارقها أحدهما إلا إلى الجر بمن أو إلى. أما بقية أسماء الإشارة فتصلح لكل مشار إليه، مكانًا أوغير مكان. إلا أن المشار إليه إذا كان مكانًا فإنه لا يعتبر ظرفًا؛ مثل هذا المكان طيب، وتلك بقعة جميلة، فكل واحدة من كلمتى: "مكان"، و"بقعة" مشار إليه، دال على المكان، ولكنه لا يسمى ظرفًا.
وفي الجدول الآتي بيان أسماء الإشارة في الأنواع الخمسة السابقة1؛ وهي التي يلاحظ فيها المشار إليه من ناحية إفراده، وتثنيته؛ وجمعه، مع التذكير، والتأنيث، العقل، وعدمه، في كل حالة، وكذلك مع القرب، والتوسط، والبعد:
جدول اسكانر
جدول اسكانر
المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة وإعرابها
المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها عند اختيار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا: حالة المشار إليه من ناحية: "إفراده، أو: تثنيته، أو: جمعه" و"تذكيره، أوتأنيثه" "عقله، وعدم عقله" ثم نعرف ثانيًا: حالته من ناحية: "قربه، توسطه، أوبعده". أ- فإذا عرفنا حالته من النواحي الأولى تخيرنا له من أسماء الإشارة ما يناسب؛ فالمشار إليه إن كان مفردًا مذكراً -عاقلا أو غير عاقل- كرجل وباب، نختار له: "ذا"، مثل: ذا رجل أديب، ذا باب مُحكَم. فكلمة "ذا" اسم إشارة، مبني على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ في هذه الجملة، وقد تكون في محل نصب أو جرّ في جملة أخرى، فمثال محلها المنصوب: نجح العلماء في إرسال القذائف إلى القمر؛ فنزلت على سطحه1، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر: أيها الناس، إن ذا العصرَ عصُر الـ ... ـعلْم، والجدّ فى العلا، والجهاد ومثلها محلها المجرور قول الآخر: ولسْتُ بإمَّعَةٍ2 فى الرجالِ ... أسائل عن ذا، وذا، ما الخبر؟ فهى مبنية دائمًا. ولكنها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعها من الجمل. وإن كان المشار إليه مفردة، مؤنثة عاقلة أوغير عاقلة - مثل: فتاة وحديقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو: "ذى" أوإحدى أخواتها مثل: ذى غرفة بديعة
ذي فتاة ماهِرة ... وهي اسم إشارة مبنية دائمًا على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، هنا، أما في جملة أخرى فمبنية أيضاً، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من الجملة. وإن كان المشار إليه مثنى مذكرًا -للعاقل أو غيره- مثل: فارسين، وقلمين، فاسم الإشارة المناسب له: "ذَان" رفعًا، و"ذَيْن" نصبًا وجرًّا؛ فيعرب كالمثنى؛ تقول: ذان فارسان، حاكيت ذَيْن الفارسين، اقتديت بذين الفارسين، ذان قلمان جميلان، اشتريت ذَيْن القلمين، كتبت بذين القلمين؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف في حالة الرفع، ومنصوب ومجرور بالياء في حالتي النصب والجر. وكذا في كل جملة تشبه هذه. فإن كان المشار إليه مثنى مؤنثًا -للعاقل أو غيره- "ومنه: فصيحتان، وردتان ... ". فاسم الإشارة1 الذى يناسبه هو: "تانِ" رفعًا، و"تَيْنِ" نصبًا وجرًّا، فيُعرب إعراب المثنى؛ تقول: تان فصيحتان، إن تين فصيحتان، أصغيت إلى تَيْن الفصيحتين. وتانٍ وردتان - شمِمْت تَيْن الوردتين، حرَصت على تَيْن الوردتين؛ فاسم الإشارة هنا كسابقه، معرب إعراب المثنى. وكذا فى كل جملة أخرى. وإن كان جمعًا للعاقل أوغيره مثل: الطلاب -الأبواب- أتينا باسم الإشارة المناسب؛ وهو كلمة "أولاء" ممدودة أو مقصورة، وفي الحالتين لا بدّ
من بنائها، ولا بد لها من محل إعرابي، تقول: أولاء الطلاب نابهون، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبني على الكسر في محل رفع؛ لأنه مبتدأ. أما في جملة أخرى فيكون مبنيًّا أيضًا ولكنه في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعة من الجملة التى يكون فيها: ومثله: "أُولَى" المقصورة. إلا أنها في جميع أحوالها مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة. وإن كان المشار إليه مكاناً أتينا بكلمة: "هُنَا" وهي إشارة وظرف مكان معًا فهي مبنية على السكون -أو غيره على حسب لغاتها- في محل نصب1؛ لأنها ظرف غير متصرف -كما سلف- تقول؛ هنا موظف العلم؛ أي: في هذا المكان. وقد يكون قبلها "ها" التي للتنبيه وحدها، نحو: ها هنا، أو هي والكاف المفتوحة نحو: ها هناك. وقد يلحقها الكاف واللام معًا بشرط عدم وجود "ها" التي للتنبيه. ومثلها. "ثَمّ" فهي اسم إشارة للبعد وظرف مكان معًا -ولا يتصرف، مبنية على الفتح في محل نصب2 تقول: ثَمَّ مَقَر السماحة. أي: هنالك. ويجوز أن تلحقها تاء التأنيث المضبوطة بالفتحة غالبًا كما سبق3 فتقول: ثَمَّةَ ميدان للتسابق الأدبي. ولما كانت "ثمّ" تفيد البعد بنفسها لم يكن هنا داعٍ لأن تلحقها الكاف ولا اللام. ومما تقدم نعلم: أن كل مشار إليه له اسم إشارة يناسبه؛ وكل اسم إشارة مقصور على مشار إليه بعينه، وأن جميع أسماء الإشارة مبنية؛ إما على السكون أو غيره، ولكنها في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب تصرفها، وموقعها من الجملة.
وليس فيها معرب إلا كلمتان؛ هما "ذان" للمذكر المثنى "وتان" للمؤنث المثنى؛ فيعربان إعراب المثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، ومع أنهما معربان، فإنهما لا يضافان -كما سبق1- فشأنهما في ذلك كشأن المبني من أسماء الإشارة؛ لا يجوز إضافة شيء منه مطلقًا. ب- وإذا عرفنا حالته في ناحية قربه أو بعده أو توسطه لم يتغير شيء من طريقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد في آخر واحد منها كاف الخطاب الدالة على التوسط "نحو ذاك ... هناك" قيل فيها: "الكاف" حرف خطاب، مبني لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحياناً، مثل: "ذلك"، وهذه اللام لا توجد منفردة عن الكاف -كما أشرنا2- قيل فيها: اللام حرف للبعد، مبني على الكسر في نحو: ذلك، وعلى السكون في نحو: تَلْك ... لا محل لها من الإعراب. وإن وجد في أول اسم الإشارة "ها" التي للتنبيه؛ مثل: "هذا" قيل فيها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له. "مع ملاحظة أن الكاف بعد كلمة: "هنا" حرف خطاب لا يتصرف مطلقًا فهو مبني على الفتح دائمًا، أما بعد غيرها فيجوز أن تتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- للمناسبة هنا وللأهمية نلخص ما ذكرناه وأيدناه بالنصوص المسموعة الصحيحة في ص225 وهو أنه: يجوز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه؛ مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنت ذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد ... وقد يكون الفصل بغير الضمير قليلا؛ كالقسم بالله؛ نحو: ها -والله- ذا الرجلُ محب لوطنه. وكذلك "إن" الشرطية، مثل: ها، إن، ذي حسنةٌ تتكررْ يُضاعف ثوابُها ... وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفصل، لتوكيد التنبيه وتقويته؛ مثل: ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع. والشائع هو دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنْفصل الذي خبره اسم إشارة، نحو: هأنذا المقيم على طلب العلوم. ومن غير الشائع، مع صحته طبقًا للبيان والأمثلة المتعددة التي في ص 225 -دخولها إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. ويُستأنَس لهذا أيضًا -وإنْ كان في غنى عنه لكنه في معرض التخصيص- بما جاء في الصبان والخضرى معًا في باب الحال عند الكلام على العامل المضمن معنى الفعل، كتلك، وليت، وكأن، وحرف التنبيه ... حيث قالا فى التمثيل لحرف التنبيه: "هأنت زيد راكبًا ... " ا. هـ وهذا لمجرد الاستئناس فقط فقد سبقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن يستشهد بكلامه من العرب. "ملاحظة" يتعين أن يكون اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التى للتنبيه مبتدأ في مثل: هذا أخي. لأن "ها" التنبيهية لها الصدارة بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل الضمير بينهما في مثل: "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ، واسم الإشارة هو الخبر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز: "هذا أنا" ولكن الأول أحسن وأسمَى في الأساليب الأدبية العالية -كما ستجيء الإشارة لهذا في رقم 8 من ص 498، وتكملتها في رقم4 من هامش ص499. ب- عرفنا1 أن كلمة "هنا" اسم إشارة للمكان القريب، وظرف مكان معًا. وقد تقع: "هُناك" و"هنالك" و"هَنَّا" المشددة، أسماء إشارة للزمان؛ فتنصب على الظرفية الزمانية؛ مثل قول الشاعر: وإذا الأمورُ تشابهتْ وتعاظمتْ ... فهناك يعترفون أين المفزعُ أي: في وقت تشابه الأمور2. وكقوله تعالى عن المشركين3: {يَوْمَ نَحْشُرُهُم} إلى أن قال: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، أي: في يوم حشرهم. وكقول الشاعر: حَنَّت نوارُِ ولات هَنَّا حَنَّت ... وبدَا الذى كانت نوَارُِ أَجنت أي: ولات في هذا الوقت حنين، لأن "لات" مختصة بالدخول على ما يدل على الزمن4. ج- يطلق النحاة على أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسمًا خاصًّا؛ هو "المُبْهمات"، لوقوعها على كل شيء؛ من حيوان، أو نبات، أو جماد،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم دلالتها على شىء معين، مفصَّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها؛ فالموصول لا يزول إبهامه إلا بالصلة، نحو: رجع الذى غاب، كما ستجئ. واسم. الإشارة لا يزول إبهامه إلا بما يصاحب لفظه من إشارة حسية كما عرفنا. ولذلك يكثر بعده مجئ النعت، أوالبدل، أوعطف البيان؛ لإزالة إبهامه، ومنع اللبس عنه؛ تقول؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل3.......
المسألة السادسة والعشرون: الموصول
المسألة السادسة والعشرون: الموصول الموصول قسمان: اسمي، وحرفي. وسنبدأ بالأول1. تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية: أ- فرح الذى ... - سمعت الذى ... - أصغيت إلى الذى ... ب- فرح الذى "حضر والده" - سمعت الذى "صوته مرتفع" - أصغيت إلى الذى "فوق المنبر". ج- وقفت التى ... - احترمت التى ... - لم أشهد التى ... د- وقفت التي "تخطب" - احترمت التي "خُطبَتُها رائعة" - لم أشهد التى "أمام المذياع". فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهوحيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أوالنبات، أوالجماد؟ إذًا هواسم غامض المعنى2، مبهم3 الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه.
لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة، رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما في القسم الثاني "ب". وكذلك الشأن في قسم "ج" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التي"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلي للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: "التي" بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولًا، وعن الجملة تبعًا له، كما في القسم "د". فكلمة "الذي" و"التي" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج -دائمًا- في تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه، إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، وكلاهما يسمى: "صلة الموصول"3.
ولا بد فى الجملة من ضمير يعود على اسم الموصول، أو ما يغني عن الضمير. طبقًا للبيان الخاص بالصلة1- وهذه الصلة هي التي تفيد الموصول الاسمي التعريف. ألفاظ الموصول الاسمي: ألفاظه قسمان: مختص، وعام "ويسمى: مشترَكا". فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه. والعام أوالمشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها. وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:
صورة سكانر
صورة سكانرة
صورة اسكانر
صورة اسكانر
وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها1 وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها. أما ألفاظ القسم العام "وهو المشترَك" فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق في القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية2. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التي يدل عليها؛ لأنه مبني، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَيّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب -كما سيجيء3 في ص327. ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذي يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجيء بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك4.
وإليك الألفاظ الستة، ونواحي استعمالها: 1- مَن1: أكثر استعمالها في العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر: ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ ... على نائبات الدهر حين تنوبُ وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن. وقد تستعمل في غير العقلاء في الأحوال الآتية: أ- إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة: "مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة.... ومن الأمثلة قوله تعالى2 {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ....} ب- إذا وقع3 مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم4 فى استعمال: "مَن". كأن تسمع البلبل يشدوبلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى ... وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلاَّنىِ ... ج- أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا1، مراعاة للفظها، وهوالأكثر2. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهوكثير3؛ فمن الأول قوله تعالى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به 1 وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به} . ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثاني قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} وقول الفرزدق: تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ فالفاعل فى الآية واوالجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها: وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُو مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: {ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين} . ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ: "مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".
2- "ما"1 وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما2؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع: أ- إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقول الشاعر: إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ ... فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ ب- أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحوأكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أوبالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها. "حـ" المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إني لا أتبين ما أراه، أولا أدرك حقيقة ما أراه ... وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تصلح "من" و"ما" للأمور الخمسة الآتية: 1- اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} . وقول الشاعر: إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى ... حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ 2- اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟ 3- اسم شرط2، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا. 4- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك "أى: ربّ إنسان نصحته استفاد ... " ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك "أى: رب شىء كرهته" وربّ ما مكروه أفاد3 ... ومن هذا قول الشاعر: الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به ... وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان. كما أن الغالب في "ما" التي هي نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شيء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهي نكرة غير موصوفة، بمعنى: شيء، أيضًا، وتسمى: نكرة تامة. ..... 5- نكرة تامة "أي: غير موصوفة"، وهي التي سبقت الإشارة إليها، مثل: رُبَّ من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر. ب- تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية: 1- التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا. 2- النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك2. 3- أن تكون كافة؛ وهي التى تدخل على العامل فتكُفّه "أي: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا" كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه، ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب في الكتابة وصل "رُب" بكلمة: "ما" الكافة؛ لأن الذي يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق3. 4- أن تكون زائدة4 "أي: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى" وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا ... أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقوا} .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 5- مصدرية ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معا1"، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أي: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أو مأنا إلى الناس وقفوا أي: مدة سيرنا. وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد أمرين: معنى وظرفية معًا. 6- أن تكون مصدرية غير ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بمصدر فقط"، مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أي: بإخلاصهم. وهي وحدها حرف محض1، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد معنى مجردا، فقط. 7- أن تكون مهيئة- "وهي التي تتصل بآخر كلمة غير شرطية. فتهيئها وتعدها لمعنى الشرط وعمله" كدخول "ما" على "حيث" في مثل: حيثما تصدق تجد لك أنصارا. 8- أن تكون مغيرة.... "وهي الحرفية التي تلحق آخر أداة شرطية، فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على آخر "لو" في مثل: "لو ما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما" الحرفية، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض. 9- أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد: لأمرأي أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإبهامية"، ويتفرع على الإبهام، إما الحقارة، نحو: أعط فلانا شيئا ما. تريد شيئا تافها حقيرا، وإما التفخيم، نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب ... وإما النوعية، نحو: عاون عليا معاونة ما، تريد نوعا من المعاونة. ويقول بعض المحققين من النحاة: هي في كل هذه الصور الخاصة بالصفة ليست اسما، وليست صفة، وإنما هي حرف زائد، يفيد التنبيه، وتقوية المعنى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس في كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أيَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون. وهذا الخلاف شكلي، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا -وهوالأسهل- أو اسمًا يعرب صفة.
3-.... "أل" -وتكون للعاقل وغيره1، مفردا وغير مفرد، نحو: اشتهر الكاتب، أو: الكاتبة، أو: الكاتبان، أو: الكاتبتان، أو الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة2، فتكون
الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب1 يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه. هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة، فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها2، التي تعرَب مع مرفوعها صلة لها. 4- "ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا3 وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذوتعلَّمَ
وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ1. وهي مبنية على السكون المقدر على الواو، في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها. 5- "ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد2؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" في كل ما سبق، ومنه قول الشاعر: مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها ... أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟ وقول الآخر3: مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا ... أو من نَحدِّثُ بعدك الأسرارا فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و"ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أوغيره - خبر، مبنى على السكون فى محل
رفع. و"ذا" اسم موصول، بمعنى: الذي، أو غيره من أسماء الموصول المناسبة لمعنى الجملة والسباق، خبر، مبني على السكون في محل رفع ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط: أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته ... ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما". ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو"ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهوالاستفهام1 غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها "وإن كانت ذات جزأين" وفى معناها أيضًا - وهوالاستفهام1 غالبًا - كتركيبها كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا"2. وفى حالة التركيب التى وصفناها توصف: "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لا حقيقيا3 لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول. ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق4؟ تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهوالاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة. ومن أمثلتها قول جرير: يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها: 1- أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أونصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، "مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا ... إلخ". ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر: منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَـ ... ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ 2- وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أوصنعت ماذا1؟ .... فالاستفهام هنا معمول لعامله المتأخر عنه أو المتقدم عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- وفي الإلغاء الحقيقي تحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ "وهي: حذف ألف "ما" الاستفهامية عند جرها". بخلاف الإلغاء الحكمي لأن أداة الاستفهام فيه هي "ماذا" وليست "ما". وحدها. ب- لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب -كما قلنا؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هي: "ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر: دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه ... ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّريني فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة: "علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة: "علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته. مما تقدم في "أوب" نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟ " جاز لنا أن نجعل "ماذا" و"من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو"من" استفهام مبتدأ و"ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. والخبر في كل ما سلف هو الجملة الفعلية. ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و"من ذا" بشطريهما موصولتين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو نكرتين موصوفتين على حسب ما أوضحنا ... و ... و.... ويظهر أثر الإلغاء وعدمه في توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفي الجواب عنه. ففي مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالًا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمي؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء. وكالمثال السابق في صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" في قول الشاعر: ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟ ... أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟ ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أوبرفعهما على الاعتبارين السالفين. أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالرفع على اعتبار كلمة: "ذا" اسم موصول "مبدل منه" والنصب على اعتبارها ملغاة. والحكم بجواز الأمرين في الجواب ملاحظ فيه" الاستحسان المجرد"، فمن المستحسن - كما قالوا - أن يكون الجواب مطابقا السؤال اسمية وفعلية. 2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} -أي: الزيادة- بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} ، أو خير. ج- فى نحو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يصح في كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقي أو الحكمي. وفي الحالتين تكون كلمة: "الذي" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر "من". وتكون كلمة: "الذي" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التي هي اسم موصول بمعناها. "ملاحظة": يصح في بعض الصور التي سبقت "في: أ، ب، ج" إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا.
6- "أيّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردًا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرني أيٌّ هو نافع. يسرني أيٌّ هي نافعة. يسرني أيٌّ هما نافعان. يسرني أيٌّ هما نافعتان. يسرني أيّ هم نافعون. يسرني أىّ هن نافعات. وتختلف "أيٌّ" في أمر البناء والإعراب؛ عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هي فتُبْنى في حالة واحدة، وتعرب في غيرها. فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية2، صَدْرُها -وهوالمبتدأ- ضمير محذوف؛ نحو: يعجبني أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب في الحالات الآتية: أ- إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة "وهو؛ المبتدأ" ضميرًا3 مذكورًا؛ نحو: سيزورني أيُّهم "هو أشجعُ"، سأصافح أيَّهم "هو أشجعُ"، وسأُقبل على أيِّهم "هو أشجعُ". ب- إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر في الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أيٌّ "هو مخلص"، سنكرم أيًّا "هو مخلص"، سنحتفي بأيٍّ "هو مخلص". ج- إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ4.
د- وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم "محمد مكرمه". أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أوفعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يسوقنا الكلام على "أيّ" إلى سرد أنواعها المختلفة1. وهي ستة -كلها معربة إلا "أيّ" التي تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أيّ" الموصولة، وقد سبقت هنا- وفيما يلي إيضاح موجز للستة: 1- موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذي في باب الإضافة1، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا2. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأي. لأنه المعتمد عليه عند جمهرة النحاة كالاقتصار على الرأي الذي يلتزم في لفظها الإفراد والتذكير، دون اتباع اللغة الأخرى التي تبيح أن تلحقها تاء التأنيث، إذا أريد بها المؤنث نحو: "أية" وتلحقها كذلك علامة التثنية والجمع. فيقال فيهما: أيان أيتان - أيون - أيات.... بالإعراب في جميع أحوال المثنى والجمع ... لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء المعربة في الغالب ولك أن تصرح بالمضاف إليه، كأن تقول: أيتهن - أياهم - أيتاهن - أيوهم- أياتهن ... وعلى هذه اللغة التي سلجها الأشموني والصبان - لا تكون "أي" من ألفاظ الموصول المشترك. 2- أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا3؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأيُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًا4 أو عطفا بالواو5؛ فمثال التَّعدد الصريح: أيُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذي يلحَظ فيه ما يكون في الفرد الواحد من أجزاء متعددة6، مثل: أيُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أيُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيي وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا ... وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة - طبقًا لما سيجيء في باب الإضافة. ح3. 3- أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أومقدر، أوعطفًا عليها بالواومعرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟. وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أومعنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى ج3 - باب الإضافة. 4- أن تكون اسمًا معربًا، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى في مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة -في الغالب1- وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت2 إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أي: المعنى المجرد الذي يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أيَّ فارس ... فالمعنى المقصود من المدح، هو: "الفروسية" المفهومة من المشتق "فارس" وإذا قلنا: احترسنا من خائن أيِّ خائن ... فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق "خائن". أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الذي يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إني مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيَّ رجل، ... فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التي يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أيُّ امرأة ... فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التي تذم بها المرأة. والأغْلب في النكرة التي هي المضاف، والتي ليست مصدرًا؛ لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته، أن تكون مذكورة في الكلام، ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها في قول القائل1: إذا حارب الحجاج أيَّ منافق ... علاه بسيف كلما هز يقطع يريد: منافقًا أيّ منافق. ويقول النحاة: "إن هذا في غاية الندور"2 فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأيّ" هو المبالغة في المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذي ليس بمصدر، هذا كلامهم3. 5- أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى في مدح أو ذم4. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى عليّ أيَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا. 6- أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو: {يَأيّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمْ} . وهذه مبنية قطعًا. ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة -لفظية ومعنوية- مفصلة في الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابي "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما عرفنا أن كلمة: "أي" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة في الأغلب1 نحو: فرحت برسالة أيّ رسالة. انتصر محمود أيَّ قائد. وأما التي هي وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهي مبنية. وكذلك "أي" الموصولة فإنها مبنية في إحدى حالاتها التي أوضحناها. أما بقية أنواع "أي"؛ من شرطية، استفهامية، ... و.... فمعربة. ولما كانت "أي" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير ... عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟ أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو: "أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هوالغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟ ... أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى2. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض" ... ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أومراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى. وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة "أى: المشتركة".
ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة في الجدول الآتي: يوجد جدول يسحب إسكانر فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناة، وكذلك جمعه، فلهذه الثلاثة ثلاثة ألفاظ. وللمفرد المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة. وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة. فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.
ب- الألفاظ الستة العامة، "أي: المشتركة": يوجد جدول يسحب إسكانر
كيفية إعراب أسماء الموصول: أ- جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى معربين، هما: "اللذان" "واللتان". وما عدا هذين الاسمين المعربين يلاحظ مع بنائه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به ... أم مبتدأ، أم خبر ... أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه، نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ "موقعه من الجملة، وحالة آخره"، قلنا في إعرابه: اسم موصول مبني على السكون، أو على حركة كذا، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها في محل رفع، أونصب، أوجر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وفي مثل: ودعت الذى سافر، مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفي مثل: أشرت على الذي سافر بما ينفعه، مبنية على السكون في محل جر بعلى. ومثل هذا يقال في باقي الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التي"، و"أولَى" مقصورة، واللاتي، واللائي. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو: "أولاءِ"، و"اللاتِ" و"اللاءِ". أومبنيًّا على الفتح وهو: "الذينَ"1. أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و"اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و"اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق2 - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء. ب- وجميع الأسماء الموصولة العامة "أي: المشتركة" مبنية كذلك؛ إلا "أيّ"؛ فإنها تكون مبنية في حالة، وتكون معربة في غيرها، على حسب ما أوضحنا3.
والأساس الذي نتبعه في الموصولات العامة هو الأساس الذي بيناه في الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول ... أو ... ؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبني على السكون أو على حركة "كذا" في محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه ... أو ... فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جر، فهي في مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وهي في مثل: آنستُ "مَنْ" حضر مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهي في مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون في محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء. وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو"من" الاستفهاميتين1. أما "أل" الموصولة2 فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهواللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول: "الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع3.
المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول، والرابط
المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط الموصولات كلها -سواء أكانت اسمية أم حرفية1- مبهمة2 المدلول، غامضة المعنى، كما عرفنا. فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها وغموضها، وهو ما يسمى: "الصلة". فالصلة هي التي تُعَين مدلول الموصول، وتُفَصّل مجمله، وتجعله واضح المعنى، كامل الإفادة. ومن أجل هذا كله لا يستغنى عنها موصول اسمي، أو حرفي. وهي التي تُعرّف الموصول الاسمي. فى الصحيح3. شروطها: الصلة نوعان: جملة4 "اسمية أو: فعلية" وشبه جملة. والجملة هي الأصل5. فأما النوع الأول - وهوالجملة بقسميها - فمن أمثالها قول الشاعر يصف إساءة أحد أقاربه: ويَسْعَى إذا أبْنِى لِيهْدِمَ صَالحِى ... وليس الذى يَبْنِى كمنْ شأنُه الهدمُ
ولا يتحقق الغرض منها إلا بشروط، أهمها1: 1- أن تكون خبرية لظفاً ومعنى، وليست للتعجب؛ نحو؛ اقرأ الكتاب
الذى "يفيدك". بخلاف: اقْرأ الكتاب الذى "حَافِظْ عليه" لأن جملة؛ "حافظْ عليه"، إنشائية، وليست خبرية. وبخلاف: مات الذى "غفر الله له" لأن جملة: "غفر الله له" خبرية فى اللفظ دون المعنى؛ إذ معناها طلب الدعاء للميت بالغفران؛ وطلب الدعاء إنشاء، لا خبر. وبخلاف: هنا الذى "ما أفْضَلَه"؛ لأن الجملة التعجية إنشائية - فى رأى كثير من النحاة - برغم أنها كانت خبرية قبل استعمالها فى التعجب. ويلحق بالخبرية - هنا - الإنشائية التى فعلها: "عسى" الناسخ. قد يصح فى: "إنْ" - وهى من الموصولات الحرفية - وقوع صلتها جملة طلبية: نحو: كتبت لأخى بأن دَاوِمْ. على أداء واجبك. وهذا مقصور على "أنْ"1 دون غيرها من الموصولات الاسمية والحرفية. 2- أن يكون معناها معهداً مفصلاً للمخاطب2، أوبمنزلة المعهود المفصَّل. فالأولى مثل: أكرمت الذى قابلك صباحاً؛ إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فى شخص مُعَين. ولا يصح غاب الذى تكلم، إذا لم تقصد شخصاً معيناً عند السامع. والثانية: هى الواقعة فى مَعْرِض التفخيم، أومعرض التهويل؛ مثل: يا له من قائد انتصر بعد أن أبدى من الشجاعة ما أبْدى!! ويا لها من معركة قُتل فيها
من الأعداء مَنْ قُتل!!.أي: أبْدَى من الشجاعة الشيء الكثير المحمود. وقتل في المعركة الكثير الذي لا يكاد يُعَد. ومثل هذا قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . أى: الكثير من العلم والحكمة ... وقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ، أى؛ الهول الكثير، والبلاء العظيم. والمعول عليه فى ذلك كله هوالغرض من الموصول؛ فإن كَان الغرض منه أمرًا معودًا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة، وإن أريد به التعظيم أوالتهويل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة. 3- أن تكون مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول - غالباً1 - ويطابقه؛ إما فى اللفظ2 والمعنى معًا، وإما فى أحدهما فقط على التفصيل الذى سنعرفه. وهذا الضمير يسمى: "العائد، أو: الرابط" لأنه يعود - غالبًا - على الموصول، ويربطه بالصلة. ولا يكون إلا فى الموصولات الاسمية دون الحرفية3. ويجب أن تكون مطابقته تامة؛ بأن يوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حين يكون الموصول اسمًا مختصًا؛ فيطابقه الضمير فى الإفراد، والتأنيث، وفروعهما؛ نحو: سَعِدَ الذى أخلص، واللذان أخلصا، والذين أخصلوا، والتي أخلصتْ، واللتان أخلصتا، واللاتى أخلصْن. ومن هذا قول الشاعر: أمَنزلَتىْ مَىٍّ، سَلامٌ عليكما ... هل الأزْمُنُ اللاَّتى مَضَيْنَ رَوَاجعُ أما إن كان الاسم الموصول عامًّا "أى: مشتركاً" فلا يجب فى الضمير مطابقته مطابقة تامة: لأن اسم الموصول العام: لفظه مفرد مذكر دائماً، كما أسلفنا "مثل: مَنْ - ما - ذو- ... " ولكن معناه قد يكون مقصوداً به. المفردة، أوالمثنى، أوالجمع. بنوعيها، ولهذا يجوز فى العائد "أى: الرابط".
عند أمْن اللبس، وفي "غير أل": مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى وهو كثير1 أيضًا، بالتفصيل الذي عرفناه، تقول شَقِيَ مَنْ أسْرَف ... فيكون الضمير مفردًا مذكرًا في الحالات كلها؛ مراعاة للفظ "من"، ولو كان المراد المفردة، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما. وإن شئت راعيْت المعنى، فأتيت بالرابط مطابقًا له؛ فقلت: من أسْرَفَتْ. من أسْرَفَتَا -من أسْرفُوا- من أسْرفَّن. فالمطابقة في اللفظ أو في المعنى جائزة في العائد على اسم الموصول المشترك. إلا إن كان اسم الموصول المشترك "أل" فتجب المطابقة في المعنى وحده؛ لخفاء موصوليتها بغير المطابقة، كما سبق عند الكلام عليها2. وقد يغنى3 عن الضمير فى الربط4 اسم طاهر يحل مكان ذلك الضمير، ويكون بمعنى الموصول؛ نحو: اشكر عليًّا الذى نفعك علْمُ علىّ، أي: علمه. ونحوقول الشاعر العربى: فيا رَبَّ ليلَى أنتَ فى كُلِّ مَوْطن ... وأنت الَّذِى فى رحمةِ اللهِ أطمعُ أي: فى رحمته أطمعُ5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هناك شروط أخرى في جملة الصلة؛ أهمها: 1- أن تتأخر وجوباً عن الموصول1؛ فلا يجوز تقديمها، ولا تقديم شىء منها عليه. إلا إن كان بعض مكملاتها شبه جملة ففي تقديمه خلاف يجيء بيانه في الشرط الثاني. 2- أن تقع بعد الموصول مباشرة؛ فلا يفصل بينهما فاصل أجنبى؛ "أى: ليس من جملة الصلة نفسها". وألا يفصل بين أجزاء الصلة فاصل أجنبى أيضًا؛ ففى مثل: اقرأ الكتاب الذى يفيدك فى عملك، وأرشدْ إليه غيرَك ... ، لا يصح اقرأ الكتاب الذى - غيرَك - يفيدك فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبى بين الموصول وصلته، وهوكلمة: "غير" التى هى من جملة أخرى غير جملة الصلة. ولا يصح اقرأ الكتاب الذى يفيدك - غيرَك - فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبي لم يفصل بين الموصول وصلته؛ وإنما تخلل جملة الصلة، وفصل بين أجزائها مع أنه ليس منها ... وهكذا. لكن هناك أشياء يجوز الفصل بها بين الموصولات الاسمية وصلتها إلا "أل" فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها مطلقاً. وكذلك يجوز الفصل بها بين الموصول الحرفى "ما" وصلته - في رأى قوىّ - دون غيره من باقى الموصولات الحرفية. فأما الأشياء التى يجوز أن تفصل بين هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهى: جملة القسم؛ نحوغاب الذى "والله" قهر الأعداء2. أوجمكلة النداء بشرط أن يسبقها ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذى - يا حامد - تتعهد الحديقة، أوبالجملة المعترضة؛ نحو: والدى الذى - أطال الله عمره - يرعى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شئوني، أو بجملة الحال، نحو: قدم الذي -هو مبتسم- يحسن الصنيع. أو: "كان" الزائدة، نحو: كرمت الذي كان شاركته في السياحة1 ... وكذلك يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة الواحدة على بعض بحيث يفصل المتقدم بين الموصول وصلته، أوبين أجزاء الصلة، إلا المفعول به؛ فلا يصح تقديمه على عامله إن كان الموصول حرفياً غير: "ما"2 تقول: تفتح الورد الذى العيونَ - يَسُرّ ببهائه. أوتفتح الورد الذى - ببهائه - يَسُرّ العيون. تريد فيهما: تفتح الورد الذى يسر العيون ببهائه. والفصل بتلك الأشياء على الوجه الذى شرحناه - جائز فى الموصولات الاسمية إلا "أل"، غير جائز فى الموصولات الحرفية3 إلا "ما"؛ كما قلنا؛ فيصح أن تقول: فرحتُ بما الكتابةَ أحسْنت، أى: بما أحسنْت الكتابة. "بإحسانك الكتابة". ولما كان الفصل بين الموصول وصلته غير جائز إلا على الوجه السالف امتنع مجىء تابع للموصول قبل مجىء صلته؛ فلا يكون له قبلها نعت، ولا عطف بيان، أونسق ولا توكيد، ولا بدل، وكذلك لا يخبر عنه قبل مجىء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبى عن الصلة، وكذلك لا يستثنى من الموصول؛ فلا يصح: "رجع الذى - غيرُ الضار - ينفع الناس"؛ ولا يصح: "يحترم العقلاء الذى محمدًا - يفيد غيره"، ولا: "نظرت إلى الذى - والحصنِ - سكنتَه"، ولا: "رأيت التى - نفسَها فى الحقل"، ولا: "جاء الذينَ - الذى فاز - فازوا". ولا: "الذى سباحٌ ماهر - عبر النيل" ولا: "وقف الذين - إلا محمودًا - فى الغرفة" تريد: رجع الذى ينفع الناس غيرُ الضار. ويحترم العقلاء الذى "أى: محمدًا" يفيد غيرَه. ونظرت إلى الذى سكنته والحصنِ، ورأيت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي في الحقل نفسَها. وجاء الذى فاز. الذى عبر النيل سباح ماهر - ووقف الذين فى الغرفة إلا محمودًا. ويفهم من الشرط السابق شىء آخر. هو: أنه لا يجوز تقدم الصلة ولا شىء من مكملاتها على الموصول، وهذا صحيح، إلا أن يكون المكمل ظرفًا، أوجارًّا مع مجروره - فيجوز التقديم عند أمن اللبس1 نحو: أمامنا الذى قرأتَه رسالةٌ كريمةٌ. أي: الذي قرأته أمامنا رسالةٌ كريمة. ومثل: الغزالة هي -في حديقتك- التي دَخَلَتْ. أي: الغزالة هي التي دخلتْ في حديقتك. 3- ألا تستدعي كلامًا قبلها؛ فلا يصح: كتب الذى لكنه غائب، ولا: تَصَدَّق الذي حتى ما لُه قليل؛ إذ "لكن" لا يتحقق الغرض منها "وهو: الاستدراك" إلا بكلام مفيد سابق عليها، وكذلك: "حتى" لا بد أن يتقدمها كلام مفيد تكون غاية له. 4- ألا تكون معلومة لكل فرد؛ فلا يصح شاهدت الذى فمه فى وجهه، ولا حضر مَنْ رأسه فوق عنقه2. ب- إذا كان اسم الموصول خبرًا عن مبتدأ، هوضمير متكلم أومخاطب، جاز أن يراعى فى الضمير الرابط3 مطابقته للمبتدأ فى التَّكلم أوالخطاب، وجاز مطابقته لاسم الموصول فى الغَيبة؛ تقول: أنا الذى حضرت، أو: أنا الذى حضر. وأنت الذى برعتَ فى الفن، أو: أنت الذى برع فى الفن؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالتاء في الصورة الأولى يراد بها المبتدأ: "أنا" ولا تعود على اسم الموصول. وهو في هذه الحالة يعرب خبرًا؛ ولا يحتاج لرابط يعود عليه من الصلة؛ اكتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ؛ فيكون المبتدأ والخبر هنا كالشيء الواحد. وأما في الصورة الثانية فالضمير في الصلة للغائب فيعود على اسم الموصول. ومثل ذلك يقال في الحالتين اللتين فيهما المبتدأ ضمير المخاطب، وخبره اسم موصول. كما يقال أيضًا في حالة ثالثة؛ هي: أن يكون المبتدأ ضمير متكلم أو مخاطب، وله خبر موصوف باسم موصول؛ فيجوز في الرابط أن يكون للتكَّلم أو للخطاب، مراعاة للمبتدأ، ويجوز فيه أن يكون للغيبة؛ مراعاة لاسم الموصول. تقول: أنا الرجل الذي عاونت الضعيف، أوأنا الرجل الذى عاون الضعيف -وأنت الرجل الذي سبقت في ميدان الفنون، أو: أنت الرجل الذي سبق في ميدان الفنون1. وإنما يجوز الأمران في الحالات السابقة ونظائرها بشرطين: أولهما: ألا يكون المبتدأ الضمير مُشَبهًا بالخبر فى تلك الأمثلة؛ فإن كان مُشَبَّهًا بالخبر لم يجز فى الربط إلا الغَيبة؛ نحو: أنا فى الشجاعة الذى هزم الرومان فى الشام. وأنت فى القدرة الذى بنى الهرم الأكبر؛ تريد؛ أنا فى الشجاعة كالذى هزم الرومان فى الشام، وأنت فى القدرة كالذى بنى الهرم الأكبر. فالمبتدأ فى المثالين مقصود به التشبيه، لوجود قرينة تدل على ذلك؛ هى: أن المتكلم والمخاطب يعيشان فى عصرنا، ولم يدركا العصور القديمة. وثانيهما: ألا يكون اسم الموصول تابعًا للمنادى: "أيّ"، أو: أيّة، في مثل: يأيّها الذي نصرت الضعيف ستسعد، ويأيتها التي نصرت الحق ستفوزين فلا يَصح أن تشتمل الصلة على ضمير خطاب في رأي بعض النحاة، دون بعض آخر. وملخص المسألة -كما سيجيء في ج4 ص 36 م 30 باب أحكام تابع المنادى - هو أنه لا بد من وصف؛ "أي وأيَّة"، عند ندائهما بواحد من أشياء معينة محددة، منها: اسم الموصول المبدوء "بأل" وقد اشترط الهمع "ج1 ص175" أن يكون الموصول مبدوءًا بأل، وأن تكون صلته خالية من الخطاب،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يقال يأيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أوباب تابع المنادى" - صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز بأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت"، والظاهر أن الذي منعه الهمع ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح الشائع في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره النحاة ونقله الصبّان في الموضع المشار إليه ونصّه: "الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغَيبة؛ نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب نظرًا إلى كون المنادى مخاطبًا، فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه أو نفسك. قاله الدماميني. ثم قال ويجوز يأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت" اهـ كلام الصبان نصّا. وكل ما سبق تقريره في العائد من حيث التكلم أو الخطاب أو الغيبة يثبت لكل ضمير قد يجيء بعده ويكون بمعناه؛ نحو: أنا الذي عاهدتك على الوفاء ما عشتُ. أو أنا الذي عاهدك على الوفاء ما عاش1، وقد يختلفان كما في قول الشاعر: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وسيجىء في باب أحكام تابع المنادى "في الجزء الرابع" أن الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح فيه أن يكون للغائب أو للمخاطب، وأن هذا الحكم عام يسرى على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فيها الخلاف. وتطبيقًا لذلك الحكم العام نقول: يا عربا كلكم، أو: كلهم ... ويا هارون نفسك، أو: نفسه، خذ بيد أخيك - يا هذا الذى قمت أوقام أسرع إلى الصارخ. أما الصورة المستثناة التى وقع فيها الخلاف فهى التى يكون فيها المنادى لفظ. "أىّ، أو: أية" والتابع اسم موصول، فلا يجوز عند فريق من النحاة أن تشتمل صلته على ما يدل على خطاب؛ فلا يصح: يأيها الذى حضرت، ويصح عنده غيره -كما سلف. هذا، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها في الصور السابقة التي في قسم "ب" - فإن مطابقة الرابط لضمير المتكلم أفصح، وأوضح، فهي أولى من مراعاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصول الغائب، وكذلك مطابقته للمخاطب أولى من اسم الموصول الغائب؛ لأن زيادة الإيضاح غرض لغوي هام، لا يعدل عنه إلا لداع آخر أهم. ج- يجيز الكوفيون جزم المضارع الواقع في جملة بعد جملة الصلة، بشرط أن تكون الجملة الفعلية المشتملة على هذا المضارع مترتبة على جملة الصلة كترتب الجملة الجوابية على الجملة الشرطية حين توجد أداة الشرط التي تحتاج للجملتين، فكأن الموصول بمنزلة أدامة الشرط، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففي مثل: من يزورني1 أزُوره ... يجيزون؛ من يزورني أزره؛ بجزم المضارع: "أزرْ" على الاعتبار السالف2. لكن حجتهم هنا ضعيفة، والسماع القوي لا يؤيدهم، ولهذا يجب إهمال رأيهم، والاكتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد، دون محاكاته -كما سيجيء في الجوازم. ج4 والنعت "ج3".
وأما النوع الثاني وهو: "شبه الجملة" في باب الموصول فثلاثة أشياء1: الظرف -والجار مع المجرور- والصفة2 الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تأمّين، أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة3؛
تزيل إبهام الموصول، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما؛ نحو: تكلم الذى عندك، وسكت الذى فى الحجرة. فكل من الظرف: "عند" والجار مع المجرور: "فى الحجرة"، تام. ولا بد أن يتعلق كل منهما في هذا
الباب1 بفعل لا بشيء آخر، وهذا الفعل محذوف وجوبًا -لأنه كوْن عامّ2- تقديره: استقرّ، أو حَل، أو نزلَ ... وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول، ويربط بينه وبين الصلة. فالأصل فى المثالين السابقين: تكلم الذى استقر عندك، وسكت الذى استقر فى الحجرة. وهكذا ... "ملاحظة"؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة "أل" - بأن دخلت عليه مباشرة، كصنيع بعض القبائل العربية فى مثل قولهم: سررت من الكتاب الْمَعَك؛ يريدون: الذى معك - فإنَّ تعلق الظرف فى هذه الحالة لا يكون إلاّ بصفة صريحة، تقديرها: "الكائن"، أو: نحوهذا التقدير. لأن صلة: "أل" لابد
أن تكون صفة صريحة، ولا يصح التعلق بفعل -كما سنعرف1. أما الصفة2 الصريحة فالمراد بها: الاسم المشتق الذى يشبه الفعل فى التجدد والحدوث3، شبهًا صريحًا؛ أى: قويًا خالصًا "بحيث يمكن أن يحل الفعل محله" ولم تغلب عليه الاسمية الخالصة. وهذا ينطبق على اسم الفاعل -ومثله صيغُ المبالغة- واسم المفعول؛ لأنهما -باتفاق- يفيدان التجدد والحدوث؛ مثل قارئ، فاهم: زَرّاع، مقروء، مفهوم ... 4.
وتكون الصفة الصريحة مع فروعها1 صلة "أل" خاصة؛ فلا يقعان صلة لغيرها، ولا تكون "أل" اسم موصول مع غيرهما على الأشهر2. تقول: انتفع القارىء -سَمَا الفاهم- اغتنى الزَّراع، المقروء قليل، ولكن المفهوم كثير ... ومثل المرتَجَى والخائب في قول الشاعر: الصدق يألفُه الكريمُ المرتَجَى ... والكِذْب يألفه الدنىء الخائبُ ولما كانت الصفة المشبهة الصريحة مع مرفوعها هى التى تقع صلة "أل" وتتصل بها اتصالا مباشراً ولا ينفصلان36 حتى كأنهما كلمة واحدة - كان المستحسن إجراء الإعراب بحركاته المختلفة على آخر هذه الصفة الصريحة دون
ملاحظة "أل"؛ فهويتخطاها؛ برغم أنها اسم موصول1 مستقل، وأن صلته هى شبه الجملة المكون من الصفة الصريحة مع فروعها. فالصفة وحدها هى التى تجرى عليها أحكام الإعراب2، ولكنها مع فروعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب أيسر وأبعد من التعقيد الضارب فى الآراء الأخرى. فإن غلبت الاسمية على الصفة صارت اسماً جامد، ولم تكن "أل" الداخلة عليها اسم موصول، مثل الأعلام: المنصور، والهادى، والمأمول، والمتوكل ... من أسماء الخلفاء العباسيين؛ ومثل: الحاجب؛ لما فوق العين. والقاهر، والمنصور، والمعمورة، من أسماء البلاد المصرية3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يقتضي المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فيه. منها: تعدد الموصول، والصلة -حذفها- حذف الموصول -اقتران الفاء بخبر اسم الموصول، والتفريعات المتصلة بذلك- حذف العائد "ولهذا بحث مستقل في 394". وإليك الكلام فى هذه المسائل: أ- تعدد الموصول والصلة: 1- قد يتعدد الموصول1 من غير أن تتعدد الصلة؛ فيكتفى موصولان أوأكثر بصلة واحدة. ويشترط فى هذه الحالة أن يكون معنى الصلة أمرًا مشتركًا بين هذه الموصولات المتعددة، لا يصح أن ينفرد به أحدهما، دون الآخر، وأن يكون الرابط مطابقًا لها باعتبار تعددها2. مثل: فاز بالمنحة "الذي" "والتي" أجادا، وأخفق "الذين واللاتي" أهملوا. ففي المثال الأول وقعت الجملة الفعلية: "أجادا" صلة لاسمي الموصول: "الذي" و"التي". ولا يصح أن تكون صلة لأحدهما بغير الآخر؛ لاشتراكهما معًا في معناها؛ ولأن الرابط مثنى لا يطابق أحدهما وحده، وإنما لوحظ فيه أمرهما معًا3. وكذلك الشأن في المثال الآخر. 2- قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة؛ فيكون لكل موصول صتله؛ إما مذكورة فى الكلام، وإما محذوفة4. جوازًا، وتدل عليها صلة أخرى مذكورة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرط أن تكون المذكورة صالحة لواحد دون غيره؛ فلا تصلح لكل موصول من تلك الموصولات المتعددة؛ نحو: عُدْت "الذي" و"التي" مرضتْ. وسارعت بتكريم "اللائي" و"الذين" أخلصوا للعلم. فالصلة في كل مثال صالحة لأحد الموصولين فقط؛ بسبب عدم المطابقة في الرابط؛ فكانت صلة لواحد، ودليلا على صلة الآخر المحذوفة جوازًا. فأصل الكلام عدت الذي مرض، والتي مرضت. وسارعت بتكريم اللائي أخلصن، والذين أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازًا، لقرينة لفظية تدل عليها1.... وقد تحذف الصلة لوجود قرينة لفظية أيضًا ولكن من غير أن يتعدد الموصول؛ مثل من رأيته فى المكتبة؟ فتجيب: محمد الذي ... أو: سعاد التي ... وقد تحذف الصلة من غير أن يكون في الكلام قرينة لفظية تدل عليها وإنما تكون هناك قرينة معنوية يوضحها المقام؛ كالفخر، والتعظيم، والتحقير، والتهويل ... فمن أمثلة الفخر أن يسأل القائد المهزوم البادي عليه وعلى كلامه أثر الهزيمة، قائدًا هزمه: من أنت؟ فيجيبه المنتصر: أنا الذي ... أي: أنا الذي هزمتك. فقد فُهمت الصلة من قرينة خارجية، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل: أن يسأل الطالب المتخلف زميله الفائز السابق بازدراء: من أنت؟ فجيب الفائز: أنا الذى ... أي: أنا الذى فزت، وسبقتك، وسبقت غيرك ... ومنه قول الشاعر يفاخر: نَحْنُ الأُلى ... فَاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: نحن الذين اشتهروا بالشجاعة، والبطولة، وعدم المبالاة بالأعداء. ومن التحقير أن يتحدث الناس عن لص فتاك، أوقعت به حيلة فتاة صغيرة وغلام، حتى اشتهر أمرهما. ثم يراهما اللص؛ فيقول له أحد الناس: انظر إلى التي والذي ... أي: التي أوقعت بك. والذي أوقع بك ... ويشترط في حذف الصلة هنا ما سبقت في سابقتها من عدم وجود ما يصلح صلة بعد المحذوفة. وقد وردت أساليب قليلة مسموعة عند العرب، التزموا فيها حذف الصلة؛ كقولهم: عند استعظام شيء وتهويله: "بعد اللَّتُيَّا1 والَّتي..........، يريدون بعد اللتيا كَلَّفتْنا مالا نطيق، والتي حملتنا مالا نقدر عليه، أدركنا ما نريد. مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية، أو معنوية؛ سواء أكانت الموصولات متعددة، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقي بعد حذفها صالحًا لأن يكون صلة. 3- يجوز حذف الموصول الاسمى2 غير "أل" إذا كان معطوفاً على مثله، بشرط ألا يوقع حذفه، في لَبْس؛ كقول زعيم عربيّ: "أيها العرب، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا؛ من حقد علينا، وبغض لنا، وأن فريقًا منهم يدبر المؤامرات سرًّا، وفريقًا يملأ الحواضر إرْجَافًا3، وفريقًا يُعِد العُدة للهجوم علينا، وإشعال الحرب فى بلادنا، ألا فليعلموا أن من يُدبّر المؤامرات، ويطلق الإشاعات، ويحْشُد الجيوش للقتال، كمن يطرق حديدًا باردًا؛ بل كمن يضرب رأسه في صخرة عاتية، ليحطمها؛ فلن يخدشها وسيحطم رأسه". فالمعنى يقتضي تقدير أسماء موصولة -محذوفة؛ فهو يريد أن يقول: من يدبّر المؤمرات، ومن يطلق الإشاعات، ومن يحشد الجيوش ... ذلك لأنهم طوائف متعددة، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير "مَنْ". ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف، كأنه مذكور، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السلام: فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُه وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ فالتقدير؛ من يهجو رسول الله، ومن يمدحه: ومن ينصره سواء. ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر، كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى1: {قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ، أي: والذى أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب. أما الموصول الحرفي فلا يجوز حذفه، إلا "أنْ" فيجوز حذفها2؛ مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقد يجب. الحذف بنوعيه تفصيلات موضعها الكلام على "أنْ" الناصبة3. ب- قد يقترن الخبر الذى مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبًا أو جوازًا، أو الذى مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال على الوجه الذى يجيء بيانه وتفصيله في مكانه المناسب من باب المبتدأ والخير تحت عنوان: مواضع اقتران الخبر بالفاء ص484 م41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زيادة "الفاء" في صلة الموصول بنوعيه بسبب إبهامه وعمومه.
المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد
المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد لا بد لكل موصول من صلة، فإن كان اسميًّا وجب أن تشتمل1 صلته على رابط؛ هو: الضمير، أو ما يقوم مقامه، كما أسلفنا. وهذا الضمير الرابط قد يكون مرفوعًا؛ مثل "هو" في نحو: خير الأصدقاء مَنْ هو عَوْنٌ في الشدائد ... أو منصوبًا، مثل "ها" في نحو: ما أعجبَ الآثار التي تركها قدماؤنا، أو مجرورًا؛ مثل: "هم" في نحو: أصغيتُ إلى الناصحين الذين أصغيتَ إليهم. والرابط فى كل هذه الصور -وأشباهها- يجوز ذكره في الصلة كما يجوز حذفه، بعد تحقق شرط عام، هو: وضوح المعنى بدونه، وأمن اللبس "ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا يكون الباقي بعد حذفه صالحًا صلة2". غير أن هناك شروطًا خاصة أخرى تختلف باختلاف نوع الضمير يجب تحققها قبل حذفه، سواء أكان اسم الموصول هو "أيّ" أم غيرها. وفيما يلي التفصيل: أ- إن كان الضمير الرابط مرفوعًا لم يجز حذفه إلا بشرطين: أن تكون الصلة جملة اسمية، المبتدأ فيها هو الرابط، وأن يكون خبره مفردًا3. كأن يسألك سائل.
كيف نُفَرّقَ بين ماء النهر وماء البحر؟ فتجيب: الأنهار التي عذبةُ الماء، والبحار التى مِلْحيَّة الماء. تريد: الأنهار، التي هي عذبة الماء، والبحار التي هي ملحيةُ الماء. ومثل: أن يسأل: ما أوضحُ فارق بين النجم والكوكب؟ فتقول: النجم الذى مضيءٌ بنفسه، والكوكب الذي مستمِدٌ نورَه من غيره. أي: النجم الذي هو مضيء بنفسه ... والكوكب الذي هو مستمد1 ... فإذا استوفى الضمير المرفوع الشرطين الخاصّين ومعهما الشرط العام جاز حذفه2، والأحسن عند الحذف أن تكون صلته طويلة "أى: ليست مقصورة
عليه وعلى خبره المفرد، وإنما يكون لها مُكَملات؛ كالمضاف إليه، أو المفعول، أو الحال، أو النعت، أو غير ذلك ... "، نحو: نزل المطر الذي مصدر مياه الأنهار، ونحو برعتْ مصانعنا التي الرجاء العظيم. أو التي رجاؤنا في الغنى قريبًا ... ونحو: اشتد الإقبال على التعليم الذى كفيل بإنهاض الفرد والأمة ... ويجوز أن نقول: نزل المطر الذي حياة، وبرعتْ مصانعنا التي الأمل، واشتد الإقبال على التعليم الذي سعادة. والأساليب العالية لا تَجْنَح كثيرًا إلى حذف العائد المرفوع؛ فإن جنحت إليه اختارت -في الغالب- طويل الصلة1. ب- إن كان الرابط ضميرًا منصوبًا لم يجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة -غير الشرط العام- هي: أن يكون ضميرًا متصلاً2، وأن يكون ناصبه فعلاً تامًّا، أو وصفًا تامًّا، وأن يكون هذا الوصف لغير صلة: "أل"3
التى يعود عليها الضمير، مثل: ركبت القطار الذي ركبتَ، أي: ركبته، وقرأت الصحيفة التي قرأتَ1، أي: قرأتها وقول الشاعر يصف مَدينة: بها ما شئتَ مِنْ دين ودنْيا ... وجيرانٍ تناهوْا فى الكمالِ أي: ما شئته: وقول الآخر: ومن ينفق الساعاتِ في جعِ مالهِ ... مخافةَ فقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ أي: فعَله.. ومثل: اشكر الله على ما هو مُوليك، واحْمَدُه على ما أنت المعْطَى. أي: موليكه "والأصل: موليك إياه"، والمُعْطَاه2. ومثل: الذى أنا مُعيرُك -كتابٌ. والذي أنت المسلوب- المالُ. أي: الذي أنا مُعيِرُكه كتاب، والذي أنت المسلوبُه- المال3.
فإن فُقد شرط لم يصح الحذف1. ج- وإن كان الرابط ضميرًا مجرورًا -والشرط العام متحقق- فإما أن يكون مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر؛ فالمجرور بالإضافة يجوز حذفه إن كان
المضاف اسم الفاعل، أو اسم مفعول1. وكلاهما للحال أو الاستقبال2؛ مثل: يفرح الذى أنا مُكرِمٌ الآن أو غدًا، "أي: مكرمه". ويرضينى ما أنا معطًى الآن أو غدًا "أي: مُعطاه3" ومثلهما: جادت مصنوعاتنا، فالبس منها منا أنت لابس غدًا4، واطلب منها ما أنت طالب بعد حين، "أي: لابسه ... وطالبه"، إن يسلبني اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب "أي: مسلوبه". والمجرور بالحرف يجوز حذفه بشرط أن يكون اسم الموصول مجرورًا بحرف يشبه ذلك الحرف5 في لفظه، ومعناه، ومتعلَّقه6. وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذى يجره؛ مثل: سلّمتُ على الذي سلّمتَ، "أي: سلّمتَ عليه وانتهيتُ إلى ما انتهيتَ. "أي: إلى ما انتهيت إليه". وقد يكون حرف الجر غير داخل على اسم الموصول وإنما على موصوف باسم الموصول. نحو: مشيتُ على البساط الذي مشيتَ؛ أي: عليه، وسرتُ في الحديقة التي سرتَ؛ أي: فيها7.
تلك حالة حذف العائد المجرور، وهي كثيرة في الأساليب العالية1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يستغني الموصول عن العائد كما فى بعض الصور التى سلفت1. ب- الكلام في: "ولا سيما2، وأخواتها" معناها، وإعرابها في جملتها. يتضح معنى "ولا سيما" من الأمثلة التالية: المعادن أساس الصناعة؛ كولا سيما الحديد. تجود الزروع بمصر، ولا سيما القطن، نحتقر الأشرار، ولا سيما الكذَّاب ... فالمثال الأول يتضمن: أن الصناعة تقوم على أساس؛ هو: المعادن؛ كالنحاس، والرصاص، والفضة ... وكالحديد أيضًا. فالحديد يشاركها في وصفها بأنها: "أساس". ولكنه يختلف عنها فى أن نصيبه من هذا الوصف أكثر وأوفر من نصيب كل معدن آخر. وفي المثال الثاني حُكمٌ بالجودة على ما ينبت في مصر، من قمح، وذرة وقصب، و ... قطن أيضًا؛ فهو يشاركها في الاتصاف بالجودة؛ ولكنه يخالفها في أن تصيبه من هذه الجودة أوْفى وأكبر من نصيب كل واحد من تلك الزروع. وفي المثال الثالث نحكم بالاحتقار على الأشرار؛ ومنهم اللص، والقاتل، والمنافق ... ومنه الكذاب أيضاً فهو شريكهم في ذلك الحكم، وينطبق عليه الوصف مثلهم. ولكن نصيبه منه أكبر وأكثر من نصيب كل فرد منهم. مما سبق نعرف أن الغرض من الإتيان بلفظ: "ولا سيما" هو: إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشتركان في أمر واحد، ولكن نصيب ما بعدها أكثر وأوفر من نصيب ما قبلها. ولذا يقول النحاة: إن "لاسيَّ"، معناها: لا مثل3 ... يريدون: أن ما بعدها ليس مماثلًا لما قبلها في المقدار الذى يخصه من الأمر المشترك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهما؛ وأن ما بعدها يزيد عليه في ذلك المقدار؛ سواء أكان الأمر محمودًا، أم مذمومًا1. أما إعرابها في جملتها وإعراب الاسم الذي بعدها فقد يكفي جمهرة المتعلمين علمها أن: "ولا سيَّمَا" لا تتغير حركة حروفها مهما اختلفت الأساليب، وأن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة: "الرفع، والنصب، والجر" سواء أكان نكرة أم معرفة2. وأن فيها عدة لغات صحيحة3 لا يمنع من استعمال إحداها مانع. ولكن أكثرها في الاستعمال الأدبي هو: "ولا سيَّمَا"؛ فيحسن الاقتصار عليه؛ لما في ذلك من المسايرة للأساليب الأدبية العالية التي تكسب اللفظ قوة في غالب الأحيان، وفي هذا القدر كفاية لمن يبتغي الوصول إلى معرفة الطريقة القويمة في استعمالها، من غير أن يتحمل العناء في تفهم الإعرابات المختلفة. أمام من يرغب في هذا فإليه البيان: الاسم الواقع بعد: "ولا سيما" ما أن يكون نكرة، وإما أن يكون معرفة؛ فإن كان نكرة جاز في الأوجه الثلاثة كما سبق، تقول: 1- اقتنيت طرائف كثيرة، ولا سيَّما: أقلامٌ، أو أقلامًا، أو أقلامٍ. 2- اشتريت طيورًا كثيرة، ولا سيما؛ عصفورٌ، أو: عصفورًا، أو: عصفورٍ. 3- قصرت ودي على المخلصين؛ ولا سيَّما واحدٌ، أو واحدًا، أو واحدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة فالأنسب1 جواز الأوجه الثلاثة أيضًا، كما في الأمثلة التالية: 1- أتمتع برؤية الأزهار، ولا سيما: الوردُ، أو: الوردَ، أو: الوردِ. 2- شاهدت أثارًا رائعة، ولا سيما: الهرمُ، أو: الهرمَ، أو: الهرمِ. 3- ما أجمل الكواكب في ليل الصيف: ولا سيما القمرُ، أو: القمرَ أو القمرِ. وفيما يلي الإعراب تفصيلاً:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوجد جدول يسحب إسكانر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا سيما كلمة: عصفور وكلمة: واحد، كالذي سبق في نظائرها تمامًا، يجري عليهما الإعراب السابق في كلمة: "أقلام رفعًا، نصبًا، وجرًّا. وإعراب المعرفة في حالتي الرفع والجر كإعراب النكرة فيهما. أما في حالة النصب فتعرب النكرة تمييزًا كما أوضحنا، وتعرب المعرفة مفعولًا به1. ففي مثل: أتمتع برؤية الأزهار ولا سيما الوردَ، يصح أن يكون الإعراب كما يلي: الواو للاستئناف. "لا" نافية للجنس. "سيّ" اسمها منصوب ومضاف. "ما" نكرة تامة بمعنى: شيء، وهي مضاف إليه. مبنية على السكون فى محل جر. وخبر لا محذوف تقديره: موجود مثلا -و"الورد" مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخص: أو: أعني ... والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا. ومثل هذا يقال في كلمة: الهرم، والقمر، في الأمثلة التي سلفت2 ونظائرها، وقد تقع الحال المفردة أو الجلمة بعد: "ولا سيما" نحو: أخاف الأسد، ولا سيما غاضبًا، أو: وهو غاضب ... وقد تقع الجملة الشرطية بعدها، وغير الشرطية، أيضًا؛ نحو: النمر غادر، ولا سيما إن أبصر عدوه2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما أخوات: "ولا سيما"1 فقد نقل الرواة منها: "لا مِثْلَ مَا" و"لا سِوَى ما ... "، فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها، وفي أحكامها الإعرابية التي فصّلناها فيما سبق. ومنها: "لا تَرَمَا ... " و"لو تَرَمَا ... " وهما بمعناها، ولكنهما يخالفانها في الإعراب، وفي ضبط الاسم بعدهما، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذى يليها. ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تكون: "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت. والاسم بعدها مرفوع -وهذا هو الوارد سماعًا- على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجلمة صلة. وإنما كان الفعل مجزومًا بعد: "لا"؛ لأنها للنهي. والتقدير في مثل: "قام القوم لا تر ما عليّ" ... ، هو: لا تبصر" أيها المخاطب الشخص الذي هو عليّ فإنه في القيام أولى منهم. أو تكون: "لا" للنفي، وحذفت الياء من آخر الفعل سماعًا وشذوذًا، وكذلك بعد "لو" سماعًا. والتقدير: لو تبصر الذي هو عليّ لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا على"ولا سيما" لشيوعها قديمًا وحديثًا.
المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية
المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها1، وحرفية وهي خمسة2: "أنْ"، "مفتوحة الهمزة، ساكنة النون أصالة3". و"أَنّ" الناسخة "المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف" و"ما"، و"كي"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هي أو شيء منها، كما أوضحنا4. أما الفصل بين الموصول الحرفي، أو الاسميّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام4 عليه "وهو بحث هام". ولكن بين الموصول الاسمي والحرفي فروق، أهما ستة: الأول: أن الموصولات الاسمية -غير أي- لا بد أن تكون مبنية5 في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب -شأن كل الحروف- فلا تكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب. الثاني: أن صلة الموصول الاسمي لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفي فلا تشتمل عليه مطلقًا. الثالث: أنّ الموصول الحرفيّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة -كما سنبينه6 بعد. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية: "حروف السبك7" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.
الرابع: أن بعض الموصولات الحرفية لا يوصل بفعل جامد1 -كما سيجيء- مثل: "لو"، وكذلك: "ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى: "خلا - عدا - وكذا: حاشا، في رأي" فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق، ... أي: مجاوزين2. الخامس: أن الموصول الاسمي -غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه3، أما الحرفيّ فلا يحذف منه إلا: "أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لما هو مبين عند الكلام عليها في النواصب4 -وهي في حالتي حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك في حالة وجودها5.... السادس: أن الموصول الحرفي "أنْ" يصح -في الرأي المشهور- وقوع صلته جملة طلبية6، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية. فإن صلتها لا بد أن تكون خبرية ... وفيما يلي شيء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة: مع ملاحظة ما يجب لكل منها من صلة، وما يجب أن يتحقق في كل صلة من شروط مفصلة سبقت7 وفي مقدمة الشروط ألا يتقدم شيء من الصلة وتوابعها على الموصول الحرفي، وغير الحرفي8. أ- أنْ "ساكنة النون أصالة" ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية،
فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ في وجه الأقوياء، وقول الشاعر: إنّ من أقبح المعايِب عارًا ... أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه أم أمرًا1، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك، وهي في كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما2، ويعرب على حسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع3،
وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل1 ... ولا تغير زمن الماضي ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضي وإما للمستقبل الخالص2 ... وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية3 مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثاني "الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون"4 ... ب- "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّني أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها: "أنْ" المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون -في الأفصح- إلا ضميرًا محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ عليٌّ لمسافر5؛ "ومنه المثالان السالفان في الكلام على "أنْ"". ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر في النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك4 ... وقد سدّ مسَد المفعولين إنْ وجد في الجملة ما يحتاج لهما. ج- "كَيْ"6. وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية "وتنصب المضارع
نحو: أحسنت العمل لكي أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا ... د- "ما"، وتكون مصدرية1 ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أي: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أي: مدة إنصافك. وقول الشاعر: المرء ما عاش ممدود له أملٌ ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر2 أي: مدة عيشه3.... ومصدرية غير ظرفية4، مثل::فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل ... ودهشت مما ترك
العمل"، أي: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ، وقول شاعرهم: وإني إذا ما زرتها قلت: "يا اسلمي" ... وهل كان قولي: "يا اسلمي" ما يضيرها؟ وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس في الحديقة ما لم تجلس فيها، أي: مدة عدم جلوسك فيها. وإني أبتهج بما تكرم الإخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر: والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ ... غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدروولم يَسرِ أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضيني نفع العمل. ولكن الأكثر في المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التي ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أي: لا أصيح مدة نومك.
ومن الحرف المصدري "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذي يُستغنَى به عنهما. ويصح الفصل -مع قلته- بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه1 دون غيرها من الموصولات الحرفية. "مع ملاحظة أنها كغيرها من سائر الموصولات الحرفية وغير الحرفية لا يجوز تقديم صلتها ولا شيء من الصلة عليها2. هـ- "لو"3، وتوصل بالجملة الماضوية، نحوودِدْتُ لورأيتك معي في النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك في عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضي أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من حروف السَّبك -عند فريق كبير من النحاة- "همزة التسوية" وهي التي تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلي الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة: "أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التي بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلًا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ -بمعنى: متساو، إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر: "إن" "والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التي هي بمعنى اسم الفاعل: "متساوٍ"1. وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه في المثل العربي: "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسمع" في أحدى الروايات؛ فقالوا في سبكه: سماعك بالمعيدى ... من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون في كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذي في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} ، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال"، من غير وجود حرفَ سابك2 ... ومما يشبه هذا في تأويل المصدر بغير حرف سابك، نوع من "الاستثناء المفرغ" كثير الورود في أفصح الأساليب، نحو: ناشدتك الله إلا نصرت المظلوم3.... ب- كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدري مع صلته؟ للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدري هو: "أنْ"، أو: "أنّ"، كما في الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجري عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلي البيان:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جدول يسحب اسكانر وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أوفاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدري هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو: "كي"، أو "ما". وقد يقتضي الأمر في بعض الأمثلة عملًا زائدًا على ما سبق؛ ففي مثل: سرني أن تَسْبقَ ... تنتهي الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرني "سبقُ أَنت" فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح -كما قدمنا- ولما كان هذا الفاعل "الذي صار مضافًا إليه" ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا، وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرني سبقُك ... وهكذا ... يجري التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذي في قول الشاعر: ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى ... عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ حيث يكون المصدر المؤول المضاف: "رؤية هو"، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته ... مسألة أخرى؛ قلنا1 في تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتي بمصدر صريح لخبر الناسخ "أنَّ" أو بمصدر الفعل الذي دخلت عليه "أنْ" ... فإن كان خبر الحرف المصدري: "أنْ" اسمًا جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت، فإننا نأتي في الجامد بلفظ مصدر عام هو: "الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التي تفيد النفي، إن كان الكلام منفيًّا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقي الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتي بالاستقرار أو الوجود في الظرف والجار مع المجرور؛ أي: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو في الدار. ويصح في الجامد شيء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى2 ... ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الفعل الذي في الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" في قولنا: "شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول" ففي هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى" "ومعناها الرجاء" أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب. وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد، للنفي مثل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} أتينا بما يفيد النفي؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه. وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُثبتًا أو منفيًّا، على حسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفي أو إثبات. ج- لما نلجأ في الاستعمال إلى الحرف المصدري وصلته، ثم نؤولهما بمصدر، ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول، مثلا: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟ إن الداعي للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى: 1- الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلوقلنا -أول الأمر- الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ لأن المصدر الصريح لا يدل بنفسه على زمن1. 2- الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشيء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبني أن أكلتَ، أي مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها ... ولو قلنا: أعجبني أكلك ... لكان محتملًا لبعض تلك الأشياء والحالات. 3- الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب. 4- الحرف على إظهار الفعل مبنيًّا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثي المبني للمجهول؛ ففي مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك في حالات أخرى من التعجب يجيء بيانها فى بابه1، ج3. ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح: 1- أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. في حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا. 2- لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبني أن تمشيَ الهادئ، تريد: يعجبني مشيك الهادئ. مع أن الصريح يوصف. 3- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر في مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة2، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح. 4- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال في: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين -أرى: المشدّدة والمخففة- مثل قول الشاعر: فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكي ... وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى3 عند واسع 5- يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل في نحو: عليّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- هناك مواقع إعرابية يصلح لها المصدر الصريح دون المؤول، وهي المدونة في رقم4 من هامش ص 410 بعنوان: "ملاحظة". د- من المعلوم1 أن المصدر الصريح "مثل، أكْل، شُرْب، قيام، قعود" لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدري وصلته؛ فإنه -وقد صار مصدرًا- لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التي سبك منها؛ فكأنه يحمل في طيه الزمن الذي كان في تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًا من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففي نحو: شاع أنْ نهض العرب في كل مكان، نقول: "شاع نهوض العرب في كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذي في الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما في مثل: "الشائع أن ينهض العرب في كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلًا؛ مراعاة للزمن الذي في العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذي دخل في السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضي بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلًا؟ ولا يكون للحال؛ لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال2. ومثلها: "لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه -كما تقدم عند الكلام عليها3- وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال، غالباً، وقد تكون لغيره5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما "كي" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه، وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها، فيلاحظ الاستقبال في المصدر المؤول منها ومن صلتها. وأمام "أنّ" "المشددة النون" فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، في مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهي كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ في مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهي كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية في مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.
المسألة الثلاثون: المعرف بأل
المسألة الثلاثون: المعرف بأل 1 1- زارني صديق - زارني صديق؛ فأكرمت الصديق. 2- اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب. 3- تنزهت في زورق - تنزهت في زورق؛ فتهادى الزوْرق بي. كلمة: "صديق" في المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين2 معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهي نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا -هوالذى سبق ذكره- قد زارني دون غيره من باقي الأصدقاء. ومثلها كلمة: "كتاب" في المثال الثاني، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهي نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين -كما عرفنا- لكن حين أدَخلنا عليها: "أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا -هوالذي سبق ذكره- قد اشتريته. ومثل هذا يقال في كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه. فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت في أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول: "أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التي من الطراز السابق أداة من أدوات
التعريف؛ إذا دخلت على النكرة التي تقبل التعريف1جعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها. وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء في كلمة "أل" التي هي حرف للتعريف؛ أهي كلها التي تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها ... ؟ فإن هذا الترديد لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأي القائل بأنهاما معًا2. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام3 منها:
الموصولة وهي اسم -في الرأي الأرجح- وقد سبق الكلام عليها في الموصولات1. منها المعَرّفة، ومنها الزائدة2. وفيما يلي بيان هذين القسمين. أ- "ألْ" المُعَرّفة؛ "أي: التي تفيد التعريف". وهي نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية "أي: التي للعهد" ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف3. فأما"العهدية"4 فهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتي: 1- أن النكرة تذكر في الكلام مرتين بلفظ واحد5، تكون في الأول مجردة من "أل" العهدية، وفي الثانية مقرونة "بأل" العهدية التي تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره في فرد واحد هو الذي تدل عليه النكرة الأولى6.
كالأمثلة التي تقدمت1، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . فكل كلمة من الثلاث: "مطر -سيارة- رسول" وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًّا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذي جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أي: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها في الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين2؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى: "بالعهد الذِّكْري". 2- وقد يكون السبب في تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره في فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق في زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة في عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة في الكلام الحالي. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شيء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا: "أل"؛ فإنها هي التي توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهني" أو: "العهد العِلمي". 3- وقد يكون السبب في تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه في وقت الكلام، بأن يتبدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: "اليوم
يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة" ... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري"1. فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو: "أل" العهدية"2. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر3. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة. وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد4. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره ... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس5،
لا تدل على واحد معين" وليس في الكلام ما يدل على العهد. ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل" "الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف. 1- فمنها التي تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة1، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حي، الإنسان مفكر، المعدن نافع ... فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حي، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع ... يحذف "أل" في الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقي المعنى2 على حالته الأولى. وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجري عليه أحكام المعرفة3، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" في قول الشاعر: إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه ... مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ4 2- ومنها التي تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعليّ هو الفتى شجاعة. تريد: أنت
كل الرجال من ناحية العلم، أي: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة "صفة العلم" إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك علي؛ بمنزلة الفتيان كلهم في الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء1. وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى. 3- ومنها التي لا تفيد نوعًا من نوعي الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة في الذهن. ومادته التي تكوّن منها في العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد "أي: مادته وطبيعته" أصلب من حقيقة الذهب "أي: من مادته وعنصره" من غير نظر لشيء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هي أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد في حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما -كما سبق- إذ إنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها في الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز -لا من حيث أفراده- أقوى من حقيقة المرأة وجنسها من حيث هي كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء؛ لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال في: الذهب أنفس من النحاس، وفي: الصوف أغلى من القطن، وفي: الفحم أشد نارًا من الخشب ... وفي الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات.
تقول: الماء سائل: أي: أن عنصره وطبيعته من حيث هي مادة تجعله في عِداد السوائل، من غير نظر في ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شيء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أي: مادته الأصلية التي قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أي: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهي حقيقته الذاتية، وماهيته التي عرف بها من حيث هي. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أي: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك ... وهكذا. وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التي للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله في درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى. فمعاني "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء3 والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.
المسألة الحادية والثلاثون: أل الزائدة
المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة هي التي تدخل على المعرفة أو النكرة فلا تغير التعريف أو التنكير1. وربما كان لها آثر آخر، -كما سيجيء هنا. فمثال دخولها على المعرفة: المأمون بن الرشيد من أشهر خلفاء بني العباس. فالكلمات "مأمون"، و"رشيد: و"عباس"، معاف بالعلمية قبل دخول "أل". فلما دخلت عليها لم تفدها تعريفًا جديدًا. ومثال دخولها على النكرة ما سُمع من قولهم: "ادخلوا الأولَ فالأولَ ... " وأشباهها. فكلمة "أول" نكرة لأنها حال ولم تخرجها "أل" عن التنكير. و"أل الزائدة" نوعان، كلامهما حرف؛ نوع تكون فيه زائدة لازمة وهي التي اقترنت باسمٍ كبعض الأعلام منذ استعْماله علمًا؛ فلم يوجد خاليًا منها منذ علميته ... ولا تفارقه بعد ذلك مطلقًا. "برغم زيادتها" كبعض أعلام مسموعة عن العرب لم يستعملوها بغير "أل"؛ مثل: السموءل5، اليَسَعِ6، واللاتِ7 والعُزَّى8. وكبعض
الظروف المبدوءة بأل، مثل: "الآن"1 للزمن الحاضر، وبعض أسماء الموصولات المصدرة بها، كالتي، والذي، والذين، واللاتي ... ومن الزائدة اللازمة "أل" التي للغاية، وسيجيء بيانها2 ... ونوع تكون فيه زائدة عارضة "أي: غير لازمة" فتوجد حينًا وحينًا لا توجد؛ وهذا النوع ضربان: ضربٌ اضطراري يلجأ إليه الشعراء وحدهم عند الضرورة؛ ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله؛ كقول القائل: ولقد جَنَيْتُك3 أكْمُؤًا وعَساقِلاً ... ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأوْبَرِ4 فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "أوبر" مضطرًّا؛ مع أن العرب حين تستعملها علم جنس تجردها من "أل"؛ فتقول: بنات أوبر. ومثل قول الشاعر: رَأيتُكَ لَمَّا أنْ عَرَفْتَ وجُوهَنَا ... صَدَدْت وطِبتَ النفسَ ياقيْسُ عن عَمْرِ5 فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "النفس" التي هي تمييز، والتمييز -على المشهور- لا تدخله "أل"، وكان الأصل أن يقول: طبت نفسًا. ولكن الضرورة6 الشعرية قهرته7.
2- وضرب اختياري يلجأ إليه الشاعر وغير الشاعر لغرض يريد أن يحققه هو: لمح الأصل؛ وبيانه: أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علمًا، ثم انتقل إلى العلمية، وترك معناه السابق؛ مثل: عادل، ومنصور، وحسن؛ فقد كان المعنى السابق لها -وهي مشتقات: ذاتٌ فعلت العدل. أو وقع عليها النصر، أو اتصفت بالحسن، ولا دخل للعلمية بواحد منها ... ثما صار كل واحد بعد ذلك علمًا يدل على مُسَمًّى مُعَين، ولا يدل على شيء من المعنى السابق؛ فكلمة: عادل، أو: منصور، أو: حسن، أو: ما شابهها -قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلى الاستعمال الثاني. وهو: العَلمية، وصارت بعد العلمية اسمًا جامدًا لا يُنظَر إلى أصله المشتق. ولا يشمل عليها مع أنها كانت في الأصل اسمًا مشتقًّا. فإذا أردنا ألا تنقطع تلك الصلة المعنوية، وأن تبقى الكلمة المنقولة مشتملة على الأمْرين معًا، وهما: معناها الأصلي السابق، ودلالتها الجديدة وهي: العلمية، فإننا نزيد في أولها: "أل" لتكون رمزًا دالًّا على المعنى القديم تلميحًا؛ فوق دلالته على المعنى الجديد، وهو: العلمية مع الجمود؛ فنقول: العادل، والمنصور، والحسن، فتدل على العلمية بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة، وتدل على المعنى القديم "بأل" التي تشير وتُلمح إليه. ولهذا تسمى: "أل التي للمح الأصل". ومن هنا دخلت في كثير من الأعلام المنقولة الصالحة لدخلوها؛ لتشير إلى معانيها القديمة التي تحوي المدح أو الذم، والتفاؤل، أو التشاؤم؛ نحو؛ الكامل، المتوكل، السعيد؛ الضحاك، الخاسر، الغراب، الخليع، المحروق ... وغير ذلك من الأعلام المنقولة قديمًا وحديثًا1. والنقل قد يكون من اسم معنوي جامد؛ كالنقل من المصدر في مثل:
الفضل، والصلاح والعِرْفان ... وقد يكون من اسم عين جامد؛ كالصخر، والحجر، والنعمان، والعظم ... وقد يكون من كلمات مشتقة في أصلها كالهادي، والحارث، والمبارك والمستنصر، ويُهْمَل هذا الاشتقاق بعد العلمية فتعدّ من الجامد، كما سبق. فالأعلام السابقة يجوز أن يتدخلها "أل" عند إرادة الجمع بين لمح الأصل والعلمية، كما يجوز حذفها عند الرغبة في الاقتصار على العلمية وحدها. والأعلام في الحالتين جامدة. أما من ناحية التعريف والتنكير فوجود "أل" التي للمح الأصل وحذفها سيان. -كما تقدم2. والأعلام كلها صالحة لدخول "أل" هذه، إلا العلم المرتجل3؛ كسعاد، وأدَد، وإلا العلم المنقول الذي لا يقبل "أل" بحسب أصوله؛ إما لأنه على وزن فعل من الأفعال؛ والفعل لا يقبلها؛ مثل: يحين، يزيد، تَعِز، يشكر، شَمَّر ... ، وإما لأنه مضاف؛ والمضاف لا تدخله "أل"؛ نحو: عبد الرءوف، وسعد الدين، وأبو العينين4"..... من كل ما سبق نعلم أن أشهر أنواع "أل" هو: الموصول، والمُعتَرفة بأقسامها، والزائدة بأقسامها.
المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلبة
المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة 1 المعارف متفاوتة في درجة التعريف -كما سبق2؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف "بأل" العهدية، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل في قوة التعريف إلى درجة علم الشخص، ويصير مثله في الأحكام الخاصة به، ولبيان ذلك نقول: إن كُلاًّ من المعرف "بأل" العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة؛ فالكتاب3 - مثلًا، ينطبق على عشرات، ومئات وألوف من الكتب، وكذلك النجم، والمنزل، والقلم ... وكتاب سعد، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة، ومثله: قلم عمرو، وثوب عثمان3 ... غير أن فردًا واحدًا من أفراد المعرف "بأل" أو المضاف قد يشتهر اشتهارًا بالغًا دون غيره من باقي الأفراد؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر؛ بسبب شهرته التي غطت على الأفراد الأخرى، وحجبت الذهن عنها.
ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السنة، ابن عباس1، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم ... ومن الرسول: النبي محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير2. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب3 ... دون باقي أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبد الله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبد الله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات في الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصيّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل في كلمة: "المصحف" أن تنطبق على كل غلاف يحوي صحفًا. وفي كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل4 إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفى كلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق -بعد التعريف- في فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة "أي: التغلب بالشهرة" وهي درجة تلحقه بالعلم الشخصي5 في كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل"،
أو بالإضافة، ولكن حقيقتها أنها معرفة بعلمية الغلبة. وهي في درجة علم الشخص -كما قلنا- وتلغي معها الدرجة القديمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة: المدينة1، العقبة2 الهرم3 ... مجلس الأمن4، جمعية الأمم4، إمام النحاة5 ... وغيرها مما هو عَلَم بالغلبة6: كالنابغة، أو الأعشى، أو الأخطل ... وأصل النابغة: الرجل العظيم، وأصل الأعشى: من لا يبصر ليلًا، وأصل الأخطل: الهجَّاء، ثم غلب على كل ما سبق الاستعمال في العلمية وحدها. هو ملحق بالعلم الشخصيي -كما تقدم- ويسري عليه ما يسري على ذاك، مع ملاحظة أن "أل" التي في العلم بالغلبة قد صارت قسمًا مستقلًّا من "أل" الزائدة اللازمة "أي: التي لا تفارق الاسم الذي دخلت عليه". يسمى: "أل التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 في الأعلام السابقة -ونظائرها- قسم من "أل" الزائدة اللازمة -كما أشرنا- ولكنه قسم مستقل، يسمى: "أل" التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 زائدة، ولازمة لا تفارق الاسم الذي دلت عليه، فإنها تحذف وجوبًا عند ندائه، أو إضافته؛ مثل: يا رسول الله قد بلغت رسالتك. هذا مصحف عثمان؛ يا نابغة، أسْمِعنا من طرائفك ... فشأنها في الحالتين المذكورتين من جهة الحذف وعدمه شأن "أل" المُعَرفة8 -في الرأي الأرجح-
أما العَلَم بالغلبة إذا كان مضافًا، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه في نداء، ولا في غيره: تقول في النداء: يا بنَ عمرَ قد أحسنت، ويا بنَ عباس قد أفدت الناس بفقهك، ويا بن مسعود قد حققت لنا كثيرًا من أحاديث الرسول ... وإذا اقتضى الأمر إضافته1 ... فإنه يضاف مع بقائه الإضافة
الأولى1، تقول: أنت ابن عُمَرنا العادل، وهذا ابن عباسنا زعيم الفتوى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا أريد تعريف العدد "بأل" فإما أن يكون مضافًا1، أومركبًا2، أومفردًا3عقدا، أومعطوفًا4. فإذا كان العدد مضافًا وأردنا تعريفه "بأل" فالأحسن إدخالها على المضاف إليه وحده - أى: على المعدود -؛ نحو: عندى ثلاثة الأقلام، وأربع الصحف، ومائة ألف الورقة، وألف5 القرش. وعندئذ يكتسب المضاف التعريف من المضاف إليه في هذه الإضافة المحضة. والكوفيون يجيزون إدخال "أل" عليهما معًا ويحتجون بشواهد متعددة، تجعل مذهبهم مقبولا، وإن كان غير فصيح6 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان العدد مركبًا فالأحسن إدخالها على الجزء الأول منه؛ نحو: قرأت الأحدَ عشرَ كتابًا، وسمعت الخمسَ عشْرةَ أنشودة ... وإذا كان مفردًا -أي: أنه من العقود- دخلت عليه مباشرة؛ نحو: في حديقتنا العشرون كرسيًّا، والثلاثون شجرة، والأربعون زهرة ... وإذا كان معطوفًا فالأحسن دخولها على المتعاطفين1 لتعريفهما معًا؛ نحو: أنفقت الواحد والعشرين درهمًا، وكتبت الخمسة والعشرين سطرًا ... وإذا كان المضاف إليه -وهو المعدود- معرفًا "بأل" فإن المضاف يكتسب منه التعريف في الإضافة المحضة كما سبق، سواء أكانا متصلين لا فاصل بينهما، نحو: هذه ثلاثة الأبواب، ومائة اليوم، وألف الكتاب2، أم فصل بينهما اسم واحد؛ نحو: هذه ثلاثُ قطع الأبواب، وخمسمائة الألف، أم اسمان، نحو: هذه ثلاث قطع خشب الأبواب، وخمسمائة ألفِ الدرهم، أم ثلاثة أسماء؛ نحو: هذه ثلاثة قطع خشب صَنَوْبَرِ الأبواب، وخمسمائة ألفِ درهمِ الرجل، أم أربعة، نحو: هذه ثلاثُ قطعِ خشب صَنَوْبرِ صناعة الأبوابِ، وخمسمائةِ ألفِ درهمِ صاحبِ البيوت ... ويسري التعريف من المضاف إليه الأخير إلى ما قبله مباشرة، فالذي قبله ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول3، فيكون معرفة كالمضاف إليه، وما بينهما. وهذا حكم كل إضافة محضة؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت، فإنك تُعرّف الاسم الأخير؛ فيسري تعريفه إلى ما قبله، فالذي قبله، ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول. غير أن كثرة الإضافات المتوالية معيبة من الناحية البلاغية؛ فلا نلجأ إليها جهد استطاعتنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم النكرة المضاف إلى معرفة، المنادى النكرة المقصودة: بقي من أنواع المعارف السبع نوعان، سبق الكلام عليهما1 بما ملخصه: أ- أن النكرة التي تضاف لمعرفة -مثل: قلمي شبيه بقلمك- قد تكتسب منها التعريف، وتصير في درجتها. أي: أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف إليه، ويرقى في التعريف إلى درجته. إلا إذا كانت النكرة مضافة إلى الضمير فإنها تكتسب منه التعريف، ولكنها ترقى في التعريف إلى درجة: "العَلَم" -في الرأي الصحيح- لا إلى درجة الضمير. وإنما يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف على الوجه السالف إذا كان المضاف لفظًا غير متوغل في الإبهام؛ فإن كان متوغلًا فيه لم يكتسب التعريف -في أكثر حالات استعماله- بإضافة، أو غيرها2؛ كالأسماء: مثل: غير، حسب، مثل3....، و..... ب- أن من أنواع المنادى نوعًا واحدًا يكتسب التعريف بالنداء، وهذا النوع الوحيد، هو: "النكرة المقصودة، مثل: يا شرطي، أو يا حارس ... إذا كنت تنادي واحدًا منهما معينًا تقصده دون غيره. ذلك أن كلمة: "شرطيّ" وحدها، أو: كلمة، "حارس" وحدها نكرة، لا تدل في أصلها قبل النداء على فرد معين"، ولكنها تصير معرفة بعد النداء، بسبب القصد الذي يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره. ودرجة هذا المنادى في التعريف هي درجة اسم الإشارة؛ لأن تعريف كل منهما يتم بالقصد الذي يعينه المشار إليه في اسم الإشارة والتخاطب في المنادى النكرة المقصودة، كما سبق
المبتدأ والخبر، وما يتصل بهما
المسألة الثالثة والثلاثون: المبتدأ والخبر وما يتصل بهما تعريفها: أ- الشموسُ متعددةٌ، الأقمار ُ كثيرةٌ، المحيطاتُ خمسٌ. ب- أمرتفعٌ البناءُ، ما حَسَنٌ الظلمُ، ما مكرَمٌ الجبانُ. في القسم الأول: "أ" كلمات تحتها خط، كل واحدة منها اسم، مرفوع، في أول الجملة، خال من عامل لفظي أصيل، وبعده كملة
تتمم المعنى الأساسي للجملة: "أي: تتضمن الحكم بأمر من الأمور لا يمكن أن تستغني الجملة عنه في إتمام معناها الأساسي، كالحكم على الشموس بالتعدد؛ وعلى الأقمار بالكثرة، وعلى المحيطات بأنها خمس ... " ذلك الاسم يسمى: "مبتدأ" والكلمة الأخرى تسمى: "خبر" المبتدأ. وفي القسم "ب" أمثلة لمبتدأ أيضًا، ولكنه غير محكوم عليه بأمر؛ لأنه وصف1 يحتاج إلى فاعل2 بعده، أو نائب فاعل؛ يتمم الجلمة، ويكمل معناها الأساسي؛ مثل: كلمتى: "البناء" "والظلم" فإنهما فاعلان للوصف3 ومثل كلمة: "الجبان"؛ فإنها نائب فاعل له4. وقد استغنى الوصف بمرفوعه عن الخبر. مما سبق نعرف أن المبتدأ: اسم مرفوع في أول جملته5، مجرد من العوامل اللفظية الأصلية6، محكوم عليه بأمر. وقد يكون وصفًا مستغنيًا بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة. والخبر هو: اللفظ الذي يكمل المعنى مع المبتدأ7، ويتمم8
معناها الأساسى. "بشرط أن يكون المبتدأ غير وصف". ومن هنا كان المبتدأ
القياسي نوعين، نوعا يحتاج إلى خبر حتما1 وقد يتحتم أيضا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتي2- ونوعا لا يحتاج إلى خبر3 وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل4. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفا5.
نوعين، نوعًا يحتاج إلى خبر حتمًا -وقد يتحتم أيضًا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتي- ونوعًا لا يحتاج إلى خبر، وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفًا مُنكرًّا، وأن يكون رافعًا لاسم بعده يتمم المعنى؛ فإن لم يتمم المعنى لم يعرب الوصف مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه بالصورة السالفة؛ ففي مثل: ما حاضرٌ والدُه عليّ - لا يتم المعنى بالاقتصار على الوصف مع مرفوعه؛ أيْ: ما حاضرٌ والده. وفي هذه الحالة يعرب الوصف "وهو كلمة: "حاضر" إعرابًا آخر؛ كأن نجعله خبرًا مقدمًا، و"والده" فاعله، "علي" مبتدأ مؤخر ... والأكثر في الوصف الواقع مبتدأ أن يعتمد على نفي، أو استفهام؛ بأن يسبقه شيء منهما كالأمثلة السالفة في "ب" ويجوز -بقلة- ألا يسبقه شيء منهما؛ نحو: نافعٌ أعمالُ المخلصين، خالد سيَرُ الشهداء. ولا فرق بين أن يكون المبتدأ اسمًا صريحًا؛ كالأمثلة السالفة -وأن يكون اسمًا بالتأويل؛ نحو "أنْ تقتصد" أنفع لك، "أنْ تجنتبَ" الغضبَ أقربُ
للسلامة. أي: اقتصادك ... واجتنابك1، وكقول الشاعر: فما حَسَنٌ أن يَعذِرَ2 المرء نفسَه ... وليس له من سائر الناس عاذر 3 والمبتدأ مع خبره أومع ما يغني عن الخبر4 نوع من الجملة الاسمية 5.
وبمناسبة الكلام على المبتدأ والخبر وأنهما مرفوعان1، بحث النحاة- كعادتهم عن العامل الذي يوجد الضمة في كل منهما. ولما لم يجدوا قبل المبتدأ عاملًا لفظيًّا يوجدها، قالوا: إن العامل معنوي، وجود المبتدأ في أول الجملة، لا يسبقه لفظ آخر، وسموا هذا العامل المعنوي: "الابتداء" فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فيه هو المبتدأ أي: أن الخبر مرفوع بالمبتدأ هذا رأي من عدة آراء لا أثر لها في ضبط كل منهما، ولا في وضوح معناهما، ومعنى الكلام، فالخبر في إهمالها، وتناسيها، والاقتصار على معرفة أن المبتدأ مرفوع، والخبر مرفوع كذلك2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" عرفنا1 أن العوامل الأصلية لا تدخل على المبتدأ، أما غير الأصلية "وهى الزائدة وشبه الزائدة" فقد تدخل؛ فمثال الزائدة "مِنْ" فى قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ 2 ?للَّهِ} ، ومثالُ شبه الزائدة: "رُبّ" في مثل: "رُبّ قادمٍ غَريبٍ أفادنا. فكلمةَ: "مِن" حرف جر زائد؛ دخل على المبتدأ؛ فَجَرَّه فى اللفظ، دون المحل. ولذلك نقول فى إعرابه: إنه مبتدأ مجرور بمِنْ فى محل رفع3. وكذلك كلمة: "قادم" فإنها مبتدأ مجرور فى اللفظ بحر الجر الشبيه بالزائد، وهو: "رُبّ" - فى محل رفع4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ب" الوصف الذى له مرفوع يستغنى به عن الخبر هوالوصف المشتق الجارى مجرى فعله فى كثير من الأمور، وأوضحها: المشاركةُ فى الحروف الأصلية، وحركاتها وسكناتها، وفى عمله ومعناه ... كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشتبهة، وكذا اسم التفضيل؛ فإنه قد يرفع الظاهر فى مثل: ما رأيت ورقةً أحسنَ فى سطورها الخطُّ منه فى ورقةِ محمودٍ. فيقال هنا عند وقوعه مبتدأ هل أحسنُ فى سطور هذه الورقةِ الخطُّ منه في سطور غيرها؟ ويلحق بالوصف ما أوّلَ به؛ من كل جامد تضمن معناه؛ مثل: أأسدٌ الرجلان؟ بمعنى أشجاعٌ الرجلان؟. والمنسوب؛ نحون: أعربىٌّ الشاعران. أى: أمنسوب الشاعران للعرب؟ و"ذَو" بمعنى صاحب؛ نحو: أذوعلم القادمان؟ بمعنى: أصاحب علم القادمان؟ والمصغر؛ نحو: أصُخَيْرٌ المرتفعان؛ لأنه بمعنى: صخر صغير. فكل هذه الأنواع المؤولة تجرى مجرى المشتق فى أن لها مرفوعاً فى بعض الأحيان تستغنى به عن الخبر. "حـ" قلنا إن الوصف يسبقه فى الأكثر نفى، أواستفهام؛ فالنفى قد يكون بالحرف؛ نحو: ما غائب الشاهدان، أوبالفعل؛ نحو: ليس محبوب الغادرون4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوبالاسم؛ نحو: غيرُ نافعٍ1 مالٌ حرامٌ. وغيرها من أدوات النفى التى تدخل على الأسماء. بخَلاف ما لا يدخل عليها؛ مثل: لم، ولمَّا، ولن، فإنها أدوات نفى مخنصة بالمضارع. وقد يكون النفى لفظيًا؛ لوجود لفظه كما سبق، أومعنويًا فى نحو: إنما قائم الحاضرون، لأنه فى قوة: ما قائم إلا الحاضرون. وإذا نقص النفى بإلا لم يتغير الحكم السابق؛ نحو: ما قائم إلا الحاضرون. وكذلك الاستهفام قد يكون بالحرف نحو: أحافظٌ الصديقان العهدَ؟ هل عالمٌ أنّما الخبرَ؟ أوبالاسم؛ نحو: كيف جالسٌ الضيوفُ؟ ومَنْ مكرِمٌ الآباءُ! ومتى قادمٌ السائحون؟. "وكلمة "كيف" حال من الفاعل وهو "ضيوف" مبنية على الفتح في محل نصب2. و "من" مفعول به لكلمة: مكرم، مبني على السكون في محل نصب. و "متى" ظرف لكلمة: "قادم مبني على السكون في محل نصب". وقد يكون الاستفهام مقدرًا يدل عليه دليل؛ نحو: واقف الرجلان أم قاعدان؟ فوجود "أمْ" دليل على أنها مسبوقة باستفهام؛ شأن "أمْ" التى لطلب التعيين. "د" سبق3 أن المبتدأ الذى يستغنى بمرفوعه عن الخبر مقصور على نوع معين من المشتقات "أى: من الوصف"؛ وعلى الجامد المؤول بالمشتق وقد سبقت أمثلته. ومن أمثلته أيضاً بعض أساليب سماعية وقع فيها المبتدأ اسمًا جامدًا ليس له خبر؛ وإنما له اسم مرفوع يغنى عن الخبر؛ وذلك لتأول الجامد بالمشتق،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولهم لا نَوْلُكَ أن تفعل كذا ... يريدون: ما متناولك أن تفعل ... أى: ليس متناولك هذا الفعل، فليس هوالذى تتناوله. والمراد لا ينبغى ولا يليق بك تناوله. فكلمة: "نوْل" جامدة؛ لأنها مصدر بمعنى: التناول، ولكنها مؤولة بالمشتق؛ إذ معناها: متناوَل، فهى بمعنى اسم المفعول، وتعرب مبتدأ، بمعنى: متناوَل، والمصدر المؤول من أنْ والفعل والفاعل: "أن تفعل" فى محل رفع نائب فاعل لها. ولا مانع من أن تكون كلمة "نول" مبتدأ والمصدر المؤول فى محل رفع خبره. وبهذا لا تحتاج إلى تأويل. وكذلك وردت أساليب أخرى قليلة "لا يجوز القياس عليها" وقع فيها المبتدأ وصفًا لا خبرٍ له، ولا مرفوع يغنى عن الخبر، منها؛ أقل رجل يقول ذلك. والمراد؛ قَل رجلٌ يقول ذلك1؛ أى: صَغُر شأ، هـ وحَقُر. فقيل إن المبتدأ لا يحتاج هنا إلىخبر، وجملة: "يقول ذلك" صفة "لرجل" النكرة؛ لأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ فتُفَضّل الصفة على الخبر؛ فتغنى عنه. وقيل السبب هو: أن المبتدأ ليس مبتدأ فى المعنى؛ إذ الكلام ليس مقصودًا به التفضيل؛ وإنما المعنى: قَلَّ رجلٌ يقول ذلك؛ فهومبتدأ فى ظاهره، فعل فى معناه وحقيقته؛ فكيتفى بالمضاف إليه الذى هوفاعل فى الأصل، ويستغنى به عن الخبر. وقيل: إنه مبتدأ والجملة هى الخبر؛ والأخذ بها الرأى وحده أوفق؛ لمسايرته الأصل العام الذى يقضى بأن للمبتدأ خبرًا، أومرفوعًا يغنى عنه. على أن هذا الأسلوب سماعى لا يجوز القياس عليه، فذكره ليفهمه من يراه فى النصوص المسموعة؛ فيقتصر عليها فى الاستعمال. هـ- أشرنا فى "رقم 2 من هامش ص 402" إلى المبتدأ الى لا يحتاج لخبر إن كان هذا المبتدأ وصفًا ناسخًا يعمل؛ كالمثال الذى فى رقم 1 من هامش ص 511 كما أشرنا فى رقم 3 من هامش ص 406 إلى الناسخ الذى يحتاج لخبر منصوب فيستغنى عنه بمرفوع. و إذا كان الخبر هوالذى يتمم الفائدة مع المبتدأ - على الوجه المشروح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما تقدمم1 فأين الخبر في مثل: فلان - وإن كثر ماله - لكنه بخيل؟ . وهذا تعبير يتردد على ألسنة بعض السابقين من "المولدين2" الذين لا يستشهد بكلامهم ومثله: فلان - وإن كثر ماله - إلا أنه بخيل. وكلا التعبيرين ظاهر القبح والفساد3 بالرغم مما حاوله بعض متأخري النحاة- كما نقل الصبان4 من تأويله تأويلا غير مستاغ، ليصحح الأول على أحد اعتبارينن: أولهما: أن جملة الاستدراك هي الخبر، بشرط اعتبار المبتدأ مقيدا بالقيد المستفاد من الجملة الشرطية التي بعده، فإن المراد، فلان مع كثرة ماله، ن بخيل ... أو: فلان الكثيرث المال بخيل، أو نحو هذا.... والتكلف المعيب ظاهر في هذا. ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا والاستدراك منه. أي: فلان دائب العمل وإن كثر ماله لكنه بخيل. أو.... وهذا الوجه المعيب ينطبق على المثال الثاني أيضا5.
المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه
المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه إذا كان المبتدأ وصفًا متقدمًا فله مع مرفوعه حالتان؛ إحداهما: أن يتطابقا فى الإفراد، والتثنية، والجمع والأخرى: ألا يتطابقا. "ا" فإن تطابقا فى الإفراد مع تقدم الوصف "مثل: أحاضرٌ القلمُ؟ - ما مهزومٌ الحقٌّ" جاز أن يعرب الوصف المتقدم مبتدأ والاسم المرفوع به فاعلا، أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف، وجاز أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا. والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. ففى المثال الأول يجوز أن تكون كلمة: "حاضر" مبتدأ، وكلمة: "القلم" فاعل أغنى عن الخبر. ويجوز أن تكون كلمة: "حاضر" خبرًا مقدمًا. والقلم مبتدأ مؤخرًا. وفى المثال الثانى يصح أن تكون كلمة: مهزوم؛ مبتدأ "والحق" نائب فاعل أغنى عن الخبر. كما يجوز أن تكون كلمة: "مهزوم" خبرًا مقدمًا و"الحق" مبتدأ مؤخرًا. والمطابقة فى الإفراد على الوجه السابق الذى يبيح الإعرابين المذكورين تقتضى المطابقة فى التذكير والتأنيث حتمًا؛ فإن اختلفت فى مثل: "أمغرد فى الحديقة عصفورة"؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ، والاسم المرفوع بعده فاعله أونائب فاعل على حسب نوع الوصف، ولا يصح إعراب الوصف خبرًا مقدمًا
مع إعراب الاسم المرفوع مبتدأ مؤخرًا؛ وذلك لعدم تطابقهما فى التأنيث؛ إذ لا يصح أن نقول: أعصفورة مغرد فى الحديقة. ومما يجوز فيه الأمران أيضاً: أن يكون الوصف أحد الألفاظ التى يصح استعمالها بصورة واحدة فى الإفراد والتأنيث وفروعهما من غير أن تتغير صيغتها؛ مثل كلمة: "عدو"، فيصح: اللص عدو- اللصان عدو- اللصوص عدو- اللصة عدو- اللصتان عدو- اللصات عدو ... فمثل هذه الكلمة التى يصح فيها أن تلزم صورة واحدة فى جميع الأساليب يجوز فيها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع: "مثل: أعدواللص - أعدواللصان - أعدواللصوص ... " أن يكون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف. كما يجوز أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. فهذه مسألة أخرى يجوز فيها الأمران1. ومثلها المصدر الذى يصح أن يستعمل بلفظ واحد فى استعمالاته المختلفة؛ مثل: أحاضر عدْل - أحاضران عدل - أحاضرون عدْل ... و ... وإن تطابقا فى التثنية أوالجمع "مثل: ما السابحان المحمدان - ما السابحون المحمدون"، فالأحسن - فى رأى جمهورة النحاة2 - أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا3.
"ب" وإن لم يتطابقا فإن كان الوصف مفردًا ومرفوعه مثنى أوجمعًا "مثل: أعالم المحمدان؟ أمحبوب المحمدون؟ " صح التركيب فى هذه الصورة الخالية من المطابقة، ووجب إعراب الوصف مبتدأ، وإعراب مرفوعه فاعلا أونائب فاعل على حسب حاجة الوصف - أغْنَى عن الخبر، ولا يجوز أن يكون مرفوعه مبتدأ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المبتدأ مثنى أوجمعًا والخبر مفردًا؛ وهذا لا يجوز ويتساوى فى هذا الحكم أن يكون مرفوع الوصف اسمًا ظاهرًا، وضميرًا بارزًا1 ... أما فى غير هذه الصورة فلا يصح التركيب؛ ويكون الأسلوب فاسدًا. فمن الصور الفاسدة: أن يكون الوصف مثنى والاسم المرفوع مفردًا؛ مثل: ما قائمان محمد، أويكون الوصف مثنى والاسم المرفوع جمعًا؛ نحو: أقائمان
المحمدون؟. أويكون الوصف جمعًا، والاسم المرفوع مفردًا، مثل: أحاضرون محمدٌ؟ أويكون الوصف جمعًا والاسم المرفوع مثنى؛ نحو: أحاضرون الرجلان ... وهكذا كل صورة تخلومن المطابقة الصحيحة. من كل ما تقدم يمكن تلخيص الحالات الإعرابية الخاصة بالمبتدأ الوصف فى ثلاث1: الأولى: وجوب إعرابه مبتدأ يرفع فاعلا، أونائبه - إذا لم يطابق ما بعده. وهذه الحالة مقصورة على أن يكون الوصف المتقدم مفردًا، والاسم المرفوع بعده مثنى أوجمعًا؛ نحو: أسابح المحمودان؟ - أسابح المحمودون؟ الثانية: وجوب إعرابه خبرًا2 مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا، وذلك عند تطابقهما فى التثنية أوفى الجمع؛ نحو: أنائمان الرجلان؟ أنائمون الرجال؟ الثالثة: جواز الأمرين إن تطابقا فى الإفراد، وما يقتضيه3. مثل أقارىء الجندىّ؟ وفى بعض مسائل سبقت الإشارة إليها4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" هناك أنواع أخرى من المطابقة الواجبة، أوالجائزة، أوالممنوعة فيجب أن يكون الخبر مطابقًا للمبتدأ فى الإفراد والتذكير، وفروعهما1؛ بشرط أن يكون الخبر مشتقًّا لا يستوى فيه التذكير والتأنيث، وأن يكون جاريًا على مبتدئه. ومن الأمثلة: محمود غائب، المحمودان غائبان، المحمودون غائبون. فاطمة غائبة. الفاطمتان غائبتان، الفاطمات غائبات ... فلا تطابق فى مثل: زينب إنسان، ولا مثل: أتعرفُ الدنيا خداعة؟ وهى إقبال وإدبار؛ لعدم اشتقاق الخبر. ولا فى: هذا جريح؛ لأن الخبر وصف يستوى فيه المذكر والمؤنث "وسيجىء فى باب التأنيث من الجزء الرابع تفصيل هذه المسألة" ولا فى: سعاد كريم أبوها؛ لأن الخبر جار على غير مبتدئه. وإذا كان المبتدأ جمعًا لما لا يعقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمعًا سالما مؤنثًا، أوجمع تكسير للمؤنث، أوجمع تكسير للمذكر؛ مراعاةً لمفرده المذكر غير العاقل - إن لم يمنع من الجُمُوع السالفة ما نع آخر - نحو: العقوبات رادعة، أورادعات، أوروادع - البيوت عالية، أوعاليات، أوعوال، أو: أعال، جمعُ أعْلَى. فإن كان المبتدأ جمع مؤنث للعاقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمع مؤنث سالمًا، أوجمع تكسير للمؤنث؛ نحوالمتعلمات نافعة، أونافعات، أونوافع. وقد سبق لهذا - ولحالات أخرى - بيان عند الكلام على تطابق الضمير ومرجعه2.
وقد يُذَكَّر المبتدأ لمرادعاة الخبر؛ كقوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} والإشارة المثناة راجعة إلى اليد والعصا قبل هذه الآية1، وهما مؤنثتان، ولكن المبتدأ هنا مذكر لتذكير الخبر، ومثله قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى لشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ} 2 ... فاسم الإشارة: "هذا" مذكر، مع أن المشار إليه - وهو: الشمس - مؤنث، فحق الإشارة إليها أن تكون باسم إشارة للمؤنث مثل: "هذه". قال الزمخشرى: "فإن قلت: ما وجه التذكير؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر، لكونهما عبارة عن شىء واحد؛ كقولهم: "ما جاءت حاجتَك"3؟ أى: ما صارت حاجتَك؟ - ومن كانت أمَّك؟ ... - ومثل هذا ينطبق على الآية السابقة وهى: "هذا ربى". على أن التذكير فى هذه الآية واجب لصيانة "الرب" عن شبهة التأنيث لوقيل: "هذه ربى". ألا تراهم قالوا فى صفة "الله": "علاّم"، ولم يقولوا: "علاّمة" - وإن كان "العلاّمة" أبلغ -؛ احترازًا من علامة التأنيث. اهـ ببعض اختصار. ومن تأنيث المبتدأ المذكر مراعاةً لتأنيث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بالتاء فى أول المضارع: "تكنْ" لتأنيث اسم الناسخ؛ وهذا الاسم هوالمصدر المنسك المتأخر، وهوفى أصله مذكر، ولكنه أنَّث موافقة للخبر المتقدم، وبسبب تأنيث هذا الخبر أنَّث الفعل "تكن". وإذا كان الخبر دالاً على تقسيم أوتنويع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فى الإفراد وفروعه؛ نحو: الصديق صديقان، مقيم على الود والولاء، وتارك لهما، والإخاء إخاءان، خالص لله، أولمغنم عاجل. وكقولهم: المال أنواع؛ محمود الكسب، محمود الإنفاق؛ وهذا خيرها. وخبيث الثمرة خبيث المَصْرِف؛ وهذا شرّها، وما اجتمع له أحد العيبين وإحدى المزيتين؛ وهوبمنزلة بين المنزلتين السالفتين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنَزَّل منزلة المفرد؛ بقصد التشبيه، أوالمبالغة، أونحوهما؛ سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا فى قولهم: المقاتلون فى سبيل الله رجل واحد وقلب واحد، وهم يد على من سواهم، وقولهم: التجارب مرشد حكيم، والمنتفعون بإرشاده قلعة تَرتدّ دونها الشدائد، ومن أمثلة التعدّد الحقيقى أيضًا، قول الشاعر: المجْد والشَّرف الرّفيع صحيفةٌ ... جُعِلتْ لها الأخلاق كالعنوان وقد يختلفان تذكيرًا وتأنيثًا، ولكن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف - كسابقه - المبالغة، أوالتشبيه ونحوهما؛ مثل: الشدة مرب حازم، والتجربة معلم نافع، واللص هيابة، والمؤرخ نَسَّابة. وقد يختلفان كذلك إذا كان المبتدأ اسم جنس جميعًّا على الوجه الذى سبق تفصيله1. ومن الخبر الذى يجوز فيه التذكير والتأنيث كلمتا: "أحَد. وإحدى" المضافتين، إذا كان المضاف إليه لفظًا يخالف المبتدأ فى التذكير أوالتأنيث؛ فيجوز فى الكلمتين موافقة المبتدأ، أوالخبر، مثل: المال أحد السعادتين، أو: إحدى السعادتين، بتذكير "أحد" مراعاة للمبتدأ المذكر "المال" وبالتأنيث مراعاة للمضاف إليه المؤنث، وهوكلمة: السعادتين. ومثل: الكتابة أحد اللسانين، إوإحدى اللسانين، بالتأنيث أوالتذكير، طبقًا لما سلف2. وقد يكون الخبر مؤنثًا والمبتدأ مذكرًا مضافًا إلى مؤنث؛ فيستفيد التأنيث من المضاف إليه، أوالعكس؛ "بأن يكون الخبر مذكرًا والمبتدأ مؤنثًا مضافًا إلى مذكر؛ فيستفيد منه التذكير". ويشترط فى الحالتين أمران3. ا- أن يكون المبتدأ المضاف صالحًا للحذف، وللاستغناء عنه بالخبر من غير أن يفسد المعنى. ب- وأن يكون المبتدأ المضاف كُلاًّ للمضاف إليه، أوجزءًا منه، أومثل الجزء ... و ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث قول الشاعر: وما حُبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبى ... ولكن حُبُّ مَن سكنَ الديارا ومِن أمثلة اكتساب المضاف التذكير من المضاف إليه قولهم: رؤيةُ الفكر عواقبَ الأمور مانعٌ له من التسرع. وهناك حالات هامة من المطابقة وأحكامها المختلفة أشرنا إليها فيما سبق1. حـ- الغالب أن البدل يرتبط به ما بعده، ويعتمد عليه، فيطابقه فى حالتى التذكير والتأنيث وغيرهما، نحو: إن الغزال عينَه جميلة، وإنّ الفتاة جفنَها فاتر، ينصب كلمتى "عين" و"جفن" - وهما بدلان - وتأنيث خبر "إن" فى المثال الأول، وتذكيره فى الثانى. ولولا أن الملاحَظ هوالبدل - وأنه بمنزلة المبدل منه - لوجب التذكير فى الأول، والتأنيث فى الثانى. ولا مانع من العدول عن البدل فيما سبق إلى المبتدأ فى الكلمتين، ولعله الأحسن؛ لبعده عن اللبس الناشىء من البدل. ولا بد عند مراعاة الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره. ومن غير الغالب قول الشاعر: إن السيوفَ غُدُوَّها ورواحَها ... تركت هَوَازن مثلى قرن الأعْضَب2 فقد جاء الفعل "ترك" مؤنثًا مراعاة لاسم: "إن"، لا للبدل3 ...
المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر
المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر عرفنا1 أن الخبر جزء أساسىّ فى الجملة؛ يكملها مع المبتدأ الذى ليس بوصف2 ويتمم معناها. وهو ثلاثة أقسام: مفرد، وجملة. وشبه جملة3. القسم الأول: الخبر المفرد: وهوما كان كلمة واحدة، أوبمنزلة الواحدة4 "أى: ليس جملة، ولا شبه جملة" وهوإما جامد"5، فلا يرفع ضميرًا مستترًا"6 فيه، ولا بارزًا، ولا اسمًا ظاهرًا؛
مثل: كلمتى: "كَرة" و"نهر" فى قولنا: الشمس كرة، الفرات نهر، ومثل كلمتى "إقبال" وإدْبار" فى قول الشاعر يصف ناقته التى فقدتْ وليدها: ترتَع1 ما رَتَعَتْ، حتَّى إذا ادّركتْ2 ... فإنما هى إقبالٌ وإدبار3 فالخبر فى الأمثلة السابقة فارغ من الضمير المستتر، وغير رافع لضمير بارز أولاسم ظاهر بعده. وإما مشتق4 "وصف" فيرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أويرفع ضميرًا بارزًا، أو: اسمًا ظاهرًا بعده؛ مثل: الهرم مرتفع - الآثار عالية. أى: مرتفع هو. وغالية هى5، فقد تحمل المشتق ضميرًا مستترًا وجوبًا يعود على المبتدأ؛ ليربط الخبرية ارتباطًا معنويًا. ومثل: ما راغب أنتم فى الظلم؟ فقد رفع
الخبر المفرد المشتق ضميرًا بارزًا بعده. ومثل: الورد فاتن ألوانُه، ساحر أنواعُه. فكل من الوصفين: "فاتن، وساحر" قد وقع خبرًا، ورفع بعده اسمًا ظاهرًا. فلا بد فى الخبر المشتق من أن يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أوضميرًا بارزًا1 أويرفع اسمًا ظاهرًا بعده. ومن المشتق "الوصف" ما يعرب على حسب الظاهر خبرًا للمبتدأ، مع أن معناه فى الواقع لا يَنْصَبُّ على ذلك المبتدأ، ولا ينسب إليه مباشرة: مثل: البنت الأبُ مكرمَتُهُ هى. "فالبنت" مبتدأ أول. و"الأب": مبتدأ ثان. "مكرمة" خبر المتبدأ الثانى، مع أن معنى هذا الخبر مُنْصَبٌّ على المبتدأ الأول وحده، لان البنت هى المكرمة؛ أى: المنسوب لها الإكرام، دون المبتدأ الثانى. ومثل: الشفيق الأمُّ مساعدُها، هو. فكلمة "الشفيق": مبتدأ أول، و"الأم" مبتدأ ثان. و"مساعد": خبر المبتدأ الثانى. مع أن المعنى هذا الخبر - وهو: مساعد - واقع على الأول، ولاحقٌ به دون المبتدأ الثانى ... ، وهكذا كل وصف وقع خبرًا عن مبتدأ غريب عن معنى ذلك الخبر، وعن مدلوله. وهذا الخبر يقول عنه النحاة. "إنه جارٍ على غير صاحبه. أو: جارٍ على غير من هوله". ولما كان هذا الخبر مشتقًّا كان لابد أن يرفع ضميرًا أواسمًا ظاهرًا. غير أن الضمير هنا يجوز إبرازه، كما يجوز استتاره، بشرط أن يكون المبتدأ المنسوب إليه الخبر والمحكوم عليه حقيقة، واضحًا لا يشتبه بغيره عند الاستتار؛ أى: بشرط أمن اللبس، كما فى الأمثلة السابقة. وهناك أمثلة للوصف الواقع خبرًا يصلح فيها أن يكون جاريًا على من هوله وعلى غير من هوله، فيقع اللبس فى المراد: نحو: "الفارس الحصانُ مُتْعِبُه" فكلمة: "الفارس" مبتدأ، و"الحصان" مبتدأ ثان "ومُتْعِب" خبر الثانى وفيه ضمير مستتر، والجملة منها خبر الأولى. فما المراد من هذا المثال؟ أتريد الحكم على الحصان بأنه يتعب الفارس؛ فيكون الخبر جاريًا على من هوله: أم نريد الحكم على الفارس بأنه يتعب
الحصان؛ فيكون الخبر جاريًا على غير من هوله؟ الأمران محْتمَلان مع اختلافهما فى المعنى. وهذه هى حالة اللبس، حيث لا قرينة ترجح أحدهما على الآخر. فإن كان المراد هوالمعنى الأول الذى يقتضى جريان الخبر على من هوله وجب استتار الضمير مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على ذلك المعنى؛ فنقول: "الفارس الحصان متعبه". وإن كان المراد هوالمعنى الثانى الذى يقتضى جريان الخبر على غير من هوله وجب إبراز الضمير منفصلاً؛ ليكون إبرازه دليلا على جريانه على غير من هوله؛ فنقول "الفارسُ الحصانُ متعبه هو"1. فالضمير: "هو" عائد على الفارس، المنسوب إليه "أنه متعب"، والمحكوم عليه بذلك الحكم. والضمير: "الهاء" المتصل بالخبر. وهوالهاء فى آخر كلمة: "متعبه" عائد إلى المبتدأ الثانى". ومثل الكلبُ الثعلبُ مخيفهُ. "الكلب"؛ مبتدأ؛ أول. "الثعلب": مبتدأ ثان، "مخيف": خبر الثانى، وهومضاف، والهاء مضاف إليه. فما المراد؟ قد نريد الحكم على الثعلب بأنه يخيف الكلب؛ فيكون الخبر جاريًا على صاحبه، ويجب استتار الضمير؛ مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على جريانه على صاحبه. وقد نريد المعنى الثانى؛ وهوجريانه على غير صاحبه؛ فجب إبراز الضمير منفصلا؛ ليكون إبرازه شارة على هذا المعنى؛ فنقول: الكلب الثعلب مخيفة هو. ويكون الضمير البارز عائدًا على "الكلب" وهوالمحكوم عليه حقيقة بالخبر؛ أى: بأنه المخيف. أما الضمير الثانى "وهوالهاء المتصلة بالخبر" فعائدة على المبتدأ الثانى2.
وخلاصة ما تقدم: 1- أن الخبر الجامد لا يتحمل الضمير إلا عند التأويل الذى يقتضيه السياق1؛ وأما المشتق فيتحمله. 2- إذا جرى الخبر المشتق على غير من هوله وكان اللبس مأمونًا جاز استتار الضمير وجاز إبرازه. 3- وإن لم يُؤْمَنْ اللبس وجب إبراره2. هذا، ومن المستحسن عدم محاكاة الأساليب المشتملة على النوع الأخير، وعدم صياغة نظائر لها؛ منعًا لاحتمال ألا يُفهَم المراد منها؛ بالرغم من كثرة ورودها فى الكلام العربى الأصيل، كما يستحسن إهمال الرأى الذى يوجب إبراز الضمير فى حالة أمن اللبس، لمجافاته الأصول اللغة العامة.
القسم الثانى الخبر الجملة 1: الخبر الجملة: كلمتان أساسيتان لا بد منهما للحصول على معنى مفيد؛ كالفعل مع فاعله أونائب فاعله؛ فى مثل: فرح الفائز، وأكْرِمَ النابغ. وتسمى هذه الجلمة: "فعلية"؛ لأنها مبدوءة - أصالة - بفعل. وكالمبتدأ مع خبره، أوما يغنى عن الخبر فى مثل: المال فاتن. وهل الفاتن مال؟ وتسمى هذه الجملة: "اسمية" "لأنها مبدوءة" أصالة2 باسم؛ فالجملة إما "اسمية"، وإما "فعلية"3 وكل واحدة منهما قد تقع خبرًا4؛ فتكون هنا فى محل رفع5؛ نحو: الصيف يشتد حره. الشتاء يقسو بردُه6. الربيع جَوُّه معتدل. الخريف جوه متقلب. وقد اجتمعت الجملتان فى قول الشاعر: الْبَغْىُ يصْرَعُ أهْلَهُ ... وَالظلمُ مَرتَعُهُ وخِيم7 ويشترط فى الجملة والواقعة خبرًا أن تشتمل على رابط8 يربطها بالمبتدأ، إلا
إن كانت بمعناه، كما سيجىء1. وهذا الرابط - كالضمير فى الجمل السالفة - ضرورى؛ ولولاه لكانت جملة الخبر أجنبية عن المبتدأ، وصار الكلام مفككاً لا معنى له؛ لانقطاع الصلة بين أجزائه؛ فلا يصح أن نقول: محمد يذهب علىّ، وفاطمة يجىء القطار ... لفساد التركيب، واختلال المعنى يفقد الرابط. والروابط أنواع كثيرة منها: 1- الضمير الراجع إلى المبتدأ، وهوأصل الروابط وأقواها "وغيره خلَف عنه"، سواء أكان ظاهرًا؛ مثل: الزارع "فضلُه كبيرٌ" أم مستتر "أى: مقدر" مثل: الأرض، تتحرك"، وقولهم: مخالفة الناصح الأمين تُورثُ الحسْرة، وتُعْقِبُ الندامة، أم كان محذوفًا2 للعلم به مع ملاحظته ونيته؛ مثل: الفاكهة "أقةٌ بعشرة قروش" أى: أقة منها. وحجارة الهرم "حجرٌ بوزن عشرة" أى: حجر منها. والورق "اللونُ لونُ اللبن". اللون منه. الثوب "الرائحة رائحةُ الزهر": الرائحة منه".
ويشترط في الضمير أن يكون مطابقًا للمبتدأ السابق فى التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية، والجمع. 2- الإشارة إلى المبتدأ السابق؛ نحو: الحرية "تلك" أُمْنِيّة الأبطال، والإصلاح "ذلك"2 مقصد المخلصين. ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} ... 3- إعادة المبتدأ السابق؛ بقصد التفخيم، أوالتهويل، أوالتحقير. والإعادة قد تكون بلفظه ومعناه معًا؛ نحو: الحرية ما الحرية3؟ والحرب ما الحرب؟ والسارق من السارق؟ وقد تكون بمعناه فقط؛ نحو: السيف ما المهند؟ والأسد ما الغضنفر؟ وعلىّ من أبوالحسين؟ بشرط أن يكن أبوالحسين كنية علىّ. والمراد بهما شخص واحد. 4- أن يكون فى الجملة الواقعة خبرًا ما يدل على عموم يشمل المبتدأ السابق وغيره؛ نحو: أما جبُنُ المحارب فلا جبنَ فى بلادنا، وأما هربه فلا هربَ عندنا. والعربيّ نعم البطل ... فعدم الجبن أمر عام يشمل جبن المحارب وغير المحارب، وكذلك عدم الهرب فى بلادنا يشمله ويشمل غيره ... والبطل الممدوح بكلمة:"نِعم" يشمل العربى وغيره. 5- أن يقع بعد جلمة الخبر الخالية من الرابط جملة أخرى معطوفة عليها بالواو، أوالفاء، أوثم، مع اشتمال المعطوفة على ضمير يعود على المبتدأ السابق؛
فيُكتفَى فى الجملتين بالضمير الذى فى الثانية1 فمثال الواو: الزارع نبتَ الزرعُ وتعهده - الطالب بدأت الدارسةُ وا ستعد لها2 ... ومثال الفاء: الصانع تيسرت أسباب الصناعة فأقبل غير متردد، والعامل كثرت ميادين العمل فوجد الرزق مكفولا3. ومثال ثُمّ: القمر طلعت الشمس ثم اختفى نوره، والنجوم انقضى النهار ثم أشرق ضوءها. 6- أن يقع بعد جملة الخبر الخالية من الرابط أداة شرط حذف جوابه الدلالة الخبر عليه، وبقى فعل الشرط مشتملا على ضمير يعود على المبتدأ؛ مثل الوالد يترك الأولادُ الصياح إن حضر - الضيف يقف الحاضرون إن قَدِمَ. تلك أشهر الروابط. ويجوز أن تستغنى جملة الخبر عن الرابط إن كانت هى نفس المبتدأ فى المعنى4؛ بحث يتضمن أحدهما المعنى الذى يتضمنه الآخر تمامًا 5؛ كأن يقول رجل لزميله؛ ما رأيك فى التجارة؟ فيجيب: رأيى. "التجارة
غِنًى"1. فالجملة الواقعة خبرًا مطابقة فى معناها للمبتدأ فى معناه ومدلوله؛ فكلاهما مساوللآخر فى المضمون؛ فالرأى هو: "التجارة غنى" و"التجارة غنى" هى: "الرأى". ومن أمثلة ذلك: أن يتكلم متكلم فيسأله الآخر ماذا تقول؟ فيجب: قولى "الذليل مهين". كلامى "الكرامة تأبى المهانة" فجملة الخبر فى كل مثال هى نفس المبتدأ السابق فى المعنى، والمبتدأ السابق فى كل مثال يتضمن معنى الجملة الواقعة خبرًا، فكلاهما يتضمن معنى الآخر، ودلالته2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" اشترطنا1 فى جملة الخبر وجود رابط، - بالتفصيل الذى أوضحناه - ويشترط فيها أيضًا أن تكون غير ندائية؛ فلا يصح: محمد "يا هذا ... ". وأن تكون غير مبدوءة بكلمة "لكن2": أو"حتى": أو"بل"؛ لأن كل واحدة من هذه الكلمات تقتضى كلامًا مفيدًا قبلها، فالاستدراك بكلمة: "لكن" لا يكون إلا بعد كلام سابق. وكذلك الغاية بكلمة: "حتى" والإضراب بكلمة: "بل"3. ويجوز فى جملة الخبر أن تكون قَسَمية4؛ نحو: القوى والله ليهزمن عدوه، وأن تكون إنشائية؛ سواء أكانت إنشائية طلبية؛ نحو: الحديقةُ نسْقها، أم غير طلبية مثل: الصديقُ لعله قادم. العادل نعم الوالى، والظالم بئس الحاكم. "ب" فى الأساليب التى يكون فيها الخبر جملة معناها هومعنى المبتدأ مثل: "كلامى: "الجومعتدل"" "حديثى: "يجىء الفيضان صيفًا"". "قولى: "نشر التعليم ضرورى""، "خطْبتى: "التوحد قوة"". "مقالى: "احذروا الخائنين"" ... يجوز إعرابان:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولهما: أن نعرب الجملة1 الاسمية أوالفعلية مجزأة على حقيقتها جزأين "مبتدأ وخبرًا، أوفعلا وفاعلا" ثم يكون مجموع الجزأين فى محل خبر المبتدأ السابق؛ ففى مثل: "كلامى: الجومعتدل" نقول: "كلام" مبتدأ مضاف، والياء مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جرّ، "الجو" مبتدأ ثان. "معتدل" خبره، والجملة من الجزأين فى محل رفع خبر المبتدأ الأول. وفى مثل: "حدثنى: يزداد الفيضان صيفًا" نقول: "يزداد" مضارع مرفوع. "الفيضان" فاعل مرفوع "صيفًا" ظرف منصوب، والجملة من الجزأين "الفعل والفاعل" فى محل رفع خبر المبتدأ. فلكل جزء من أجزاء الجملة وجود مستقل، وإعراب خاص به وحده؛ ثم يكون مجموع الجزأين معًا هوخبر المبتدأ السابق. ثانيهما: أن ننظر إلى تلك التى كانت فى الأصل1 جملة نظرتنا إلى شيى واحد ليس مجزأ، وليس له كلمات مفردة؛ فكأنه كتلة واحدة ليس لها أجزاء، أوأنه كلمة واحدة منهما تعددت الكلمات، فهى من قبيل المركب الإسنادى الذى ننطق فيه بالألفاظ على حسب ضبطها الأصل - قبل أن تكون خبرًا أوشيئًا آخر -؛ من غير تغيير شىء من حروفها أوضبطها. ثم نقول عنها كلها الآن: إنها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره لأجل الحكاية؛ "وهى - كما سبق2 ترديد اللفظ الأصلى وترجيعه على حسب هيئته الأولى - غالبا -؛ حروفًا وضبطًا". ويكون الخبر فى هذه الحالة من قبيل الخبر المفرد. لا الجملة؛ فنقول فى إعراب: "كلامى: "الجو معتدلٌ" "كلام" مبتدأ مضاف. والياء مضاف إليه. "الجومعتدلٌ" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة. على آخره3، منع من ظهورها حركة الحكاية". ونقول فى مثل: "حديثى "يظهر الفيضان صيفًا"" "حديث" مبتدأ
مضاف ... الياء مضافٌ إليه ... "يظهر الفيضان صيفًا" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره؛ منع من ظهورها حرَكة "الحكاية" ... وهكذا. وقد يقع العكس كثيرًا؛ فيكون المبتدأ جملة بحسب أصلها1، ولكنها صارت محكية. والخبر مفرد يتضمن معناها، كأن يقول قائل: أريد أن تدلنى على آية قرآنية، وعلى مثل قديم، وعلى حكمة مأثورة. فتجيب: "قولٌ معرُوفٌ ومغفرةٌ خَيرٌ منْ صَدقة يَتْبعُها أذىً" آية قرآينة. "إنّ أخاكَ من واساك" مثلٌ قديم. "رُبّ عيشٍ أهونُ منه لحمامُ" حكمةٌ من حكم المتنبى. فالآية كلها من أولها إلى آخرها مبتدأ مرفوع، بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. وكلمة: "آية" هى لخبر. وكذلك "إن أخاك من واساك" كلها من أولها إلى أخرها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع ظهورها حركة الحكاية، والخبر كلمة: "مثل" وكذا يقال فى: "رب عيش أهون منه الحمام". وكما تتكون الجملة المحكية من مبتدأ وخبره تتكون من فعل وفاعله ومن غير ذلك. والمهم فى الألفاظ المحكية أن تكون دائمًا بصورة واحدة فى جميع الحالات الإعرابية، ولكنها مع ذلك فى محل رفع، أونصب، أوجر؛ على حسب موقعها الإعرابىّ. حـ- أشرنا2 إلى أنواع المبتدأ تحتاج إلى خبر حتمًا وإلى وجوب أن يكون هذا الخبر جملة - ويلحق بها نوع يجب أن يكون خبره شبه جملة "جارًّا مع مجروره" - وأشهر تلك الأنواع المحتاجة لجملة: أسماء الشرط الواقعة مبتدأ3، وكذا: ضمير الشَّان4، و"كأيِّن5" الخبرية الشبيهة بكم الخبرية،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمخَّصوص بالمدح والذم إذا تقدَّم، والمنصوب على الاختصاص؛ فإنه يجب فيه أن يتقدم عليه اسم بمعناه يعرب مبتدأ، ويعرب الاسم المنصوب على الاختصاص مفعولا به لفعل محذوف تقديره: أخُص - مثلا - والجملة خبر عن ذلك المبتدأ. ويجب أن يكون خبر "ما" التعجبية جملة. ومن شبه الجملة السالف خبر المبتدأ الملازم للابتداء سماعًّا؛ نحو: طُوبَى للمؤمن؛ فإن خبره لا يكون إلا جارًا مع مجروره وهما شبيهان بالجملة ... - ومثله وقولهم فى المدح: لله درّ فلان ... وغير هذين مما سيجىء1.
القسم الثالث: الخبر شبه الجملة يريد النحاة بشبه الجملة هنا أمران1؛ أحدهما: الظرف بنوعيه الزمانىّ والمكانىّ، والآخر: حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد يكون ظرف زمان؛ نحو: الرحلة "يومَ" الخميس. والرجوعُ "ليلةَ" السبت. وقد يكون ظرف مكان؛ نحو: "الحديقة" "أمامَ" البيت، والنهر "وراءَهُ"؛ فكلمة "يوم", و"ليلة" وما يشبههما ظرف زمان، منصوب، فى محل رفع2؛ لأنه خبر المبتدأ. وكلمة
"أمام" و"وراء" وما يشبههما - ظرف مكان منصوب في محل رفع؛ لأنه خبر المبتدأ. وقد يكون الخبر جارًّا أصليا مع مجروره؛ نحو، السكَّر من القصب- إخوان
السوء كخشب في النار، يأكل بعضه بعضا.؛ فالجار مع المجرور في محل رفع خبر المبتدأ. ومنه قول الشاعر: للعيد يومٌ من الأيام منتظَرٌ ... والناس في كل يومٍ منك في عيدِ
ويشترط في الظرف الوَاقع خبراً، وفي الجار مع المجرور كذلك - أن يكون تامًّا، أَى: يحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذكره، ويكْمُلُ به المعنى المطلوب من غير خفاء ولا لَبْس، كالأمثلة السابقة. فلا يصلح للخبر منهما ما كان ناقصاً؛ مثل: محمود اليوم.. أوحامد بك؛ لعدم الفائدة. أما حيث تحصل الفائدة فيصح وقوعهما خبراً؛ ويكون كل منهما هوالخبر مباشرة؛ أي: أن شبه
الجملة نفسه يكون الخبر1 - فى الرأى المختار. بقيت مسألة تتعلق ببيان نوع الظرف التام الذى يصلح أن يكون خبراً. فأما ظرف المكان فيصلح - فى الغالب - أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى وعن المبتدأ الجثة؛ فمثال الأول؛ العلم عندك - الحق معك. ومثال الثاني: الكتاب أمامك - الشجرة خلفك. ولا بد فى ظرف المكان أن يكون خاصًّا2 لكى يتحقق شرط الإفادة؛ كالأمثلة السالفة؛ فلا يصح أن يكون عامًّا؛ مثل: العلم مكاناً، أوالكتب مكاناً؛ لعدم الإفادة. وأما ظرف الزمان فيصلح أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى فقط، بشرط أن تتحقق الإفادة. كأنْ يكون الزمان خاصّاً3، لا عامًّا؛ مثل: السفر صباحاً، والراحة ليلا. بخلاف: السفر زماناً، الفضل دهراً، الأدب حيناً، لعدم الإفادة.
وهولا يصلح أن يكون خبراً عن الجثة إلا قليلا؛ وذلك حين يفيد1 أيضاً؛ فلا يصح: الشجرة يوماً - البيت غداً؛ لعدم الإفادة. ويصح: القطن صيفاً. القمح شتاء، لتحقق الفائدة؛ إذ المراد: ظهور القطن صيفاً. وظهور القمح شتاء. ومنه قولهم: الهلاُ الليلةَ. والرطبُ شهرىْ ربيع. ومجمل الأمر أن ظرف المكان يصلح - فى الغالب- خبراً للمبتدأ بنوعيه: المعنى والجثة، وأن ظرف الزمان يصلح في الغالب خبراً للمبتدأ المعنى دون الجثة، إلا إن أفاد1؛ وهذه الإفادة تحقق فى الظرف بنوعيه حين يكون خاصًّا لا عامًّا. فالمعول عليه فى الإخبار بالظرف هوالإفادة2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الألفاظ الملازمة للابتداء1 كلمة: "طُوبَى2، وهذه الكلمة لا يكون" خبرها إلا الجار مع مجروره، - كما سبق3 - نحوطوبى: للصّالح. ب- شبه الجملة لا بد ن يتعلق بعامله على الوجه الذى شرحناه4. فإن لم يوجد فى الكلام عامل يصح التعلق به صح أن يكون تعلقه بالإسناد نفسه "أى: بالنسبة الواقعة بين ركنى الجملة"، كقول ابن مالك فى باب "الاستثناء" من ألفيته، خاصاً بالأداتين "خلا وعدا": وحيثُ جَرَّا فهُما حرفان فالظرف: "حيث" متعلق بالنسبة "أى: بالإسناد" المأخوذة من قوله: "فهما حرفان"، أى: تثبت حرفيتهما حيث جرّا. أما وجود الفاء هنا فله بيان أوضحناه عند إعادة الكلام فى هذه المسألة فى الجزء الثانى: "بابى الظرف وحرف الجر". "حـ" قلنا5: إن ظرف الزمان لا يقع خبراً عن الذات "الجثة" إلا بشرط أن يفيد6، وهذه الإفادة تتحقق بأحد الثلاثة الآتية: الأولى: أن يتخصص ظرف الزمان إما بنعت؛ مثل: نحن فى يوم طيب، أو: نحن فى أسبوع سعيد. وإما بإضافة؛ مثل: نحن فى شهر شوال.. وإما بَعَلميه مثل: نحن فى رمضان؛ ويجب جر الظرف الزمانى فى هذه الصور الثلاث بفى؛ ويكون الجار مع المجرور فى محل رفع خبرا7. ولا يعرب فى حالة جره - أورفعه - ظرفاً. ولا يسمى ظرفا اصطلاحا، لأن هذه التسمية الاصطلاحية مقصورة عليه حين يكون منصوبا على الظرفية دون غيرها8....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن يكون المبتدأ الذات مما يتجدد؛ بأن يظهر فى بعض الأوقات دون بعض؛ فله مواسم معينة يظهر فيها ثم ينقطع، ثم يظهر.. وهكذا.. فيكون شبيهاً بالمعنى، مثل: البرتقال شهور الشتاء، والبِطيخ شهورَ الصيف. الهلال الليلةَ. وفى هذه الحالة يجوز نصب ظرف الزمان، أوجره بفى. وهوفى الحالتين فى محل رفع خبر. الثالثة: أن يكون المبتدأ الذات صالحاً لتقدير مضاف قبله تدل عليه القرائن؛ بحيث يكون ذلك المضاف أمراً معنوياً مناسباً؛ كأنْ يلازم المرء بيته يومياً للراحة، فيعرض عليه صديقه الخروج لنزهة بحرية، فيعتذر قائلا: البيتُ اليومَ، والبحرُ غدا. أى: ملازمة البيت اليوم، ونزهة البحر غدا. ومثله: الكتابُ الساعةَ، والحديقةُ عصراً. أى: قراءةُ الكتاب الساعةَ، ومتعةُ الحديقة عصراً ... وفى هذه الصورة يكون الظرف منصوباً فى محل رفع خبراً. والحالات الثلاث1 السابقة قياسيَّة؛ يصح محاكاتها؛ وصوغ الأساليب الحديثة على مقتضاها. لكن كيف نعرب الظرف الزمانى فى غير تلك الأحوال الثالثة؟ وكيف نعرب المكانى؟ وكيف نضبطهما؟ إن الأصل في الظرف أن يكون منصوباً مباشرة، أوفى محل نصب2. 1- فإن كان الظرف2 للزمان ووقع خبراً عن معنى ليس للزمان - جاز رفعه، ونصبه، وجره بفى، ويكون المرفوع هوالخبر مباشرة، ويكون المنصوب، أوالمجرور مع حرف الجر، في محل رفع، هو: الخبر. تقول: الصوم شهرٌ، أو: شهراً، أوفى شهر. والراحة يومٌ، أويوماً، أوفى يوم. والأكل ساعةٌ، أوساعةً، أوفى ساعة. "أى: زمن الصوم ... وزمن الراحة ... وزمن الأكل" لكن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحسن الرفع مباشرة إن كان الزمان نكرة والمبتدأ المعنى يعم ذلك الزمان كله أوأكثره؛ نحو: الصوم يومٌ، والسهر ليلةٌ. 2- إن كان الظرف زمانيًّا من أسماء الشهور ووقع خبراً عن مبتدأ هومعنى وزمان، تعين رفع الخبرُ، مثل: أولُ السنة المحرمُ، وشهرُ الصوم رمضانُ. 3- وإن لم يكن هذا الخبر الظرف من أسماء الشهور. ولكنّ المبتدأ يتضمن عملا - جاز الرفع والنصب؛ مثل: الجمعة اليوم، أوالسبت اليوم، أوالعيد اليوم، لتضمنها1 معنى الجمع، والقطع، والعوْد. ومنه: اليومُ يومك؛ لتضمنه معنى: شأنك الذى تذكر به. فإنْ لم يتضمن عملا؛ كالأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس - كان الرفع أحسن. 4- وإن كان الظرف للزمان، ووقع خبراً للمبتدأ الذات فى الحالات التى يصح وقوعه خبراً فيها؛ لإفادته، وقد سبقت فى "أ" - فحكمه كما سبق هناك2. 5- وإن كان الظرف للمكان، ووقع خبراً عن ذات، أومعنى، وكان متصرفاً3 - جاز رفعه ونصبه؛ مثل: الكبار جانب، أو: جانباً، والأطفال جانب، أوجانباً. "برفع كلمة: "جانب". أو: نصبها" والرجل أمامك، والدار خلفك "برفع أمام، وخلف، أونصبهما" ومثل: العلم ناحية والعمل ناحية، برفع كلمة: "ناحية" أونصبها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان غير متصرف مثل "فوق" وجب نصبه1؛ نحو: الكتاب فوق المكتب. 6- إذا قلتَ: ظهرُك خلفك، جاز رفع الظرف المكانى: "خلْف" ونصبه. أما الرفع فلأن الخلف فى المعنى هو: الظهر. فالخبر هواسم محض معناه معنى المبتدأ، وأما النصب فعلى الظرفية الواقعة خبراً. وكذلك ما يشبه ما سبق من الظروف المكانية، نحو: نعلك أسفل رجلك، والركب أسفلَ منك. وقد سبق أن الظرف المكانىّ المخبر به إذا كان غير متصرف، يجب نصبه؛ مثل: رأسك فوقك، ورجلاك تحتك؛ لأن "فوق" و"تحت" ظرفين للمكان غير متصرفين. 7- إذا كان الظرف الزمانى غير متصرف: مثل: "ضحوة" يراد بها ضحوة معينة ليوم معين - وجب النصب؛ مثل: العملُ ضحوةَ. 8- إذا كان الظرف بنوعيه متصرفاً، محدود المقدار، ووقع خبرا عن المبتدأ الذات - جاز فى الظرف الرفع، والنصب، بشرط أن يكون المبتدأ الذات على نية تقدير مضاف قبله، يدل على البعد والمسافة، مثل: المدرسة منى ميل أوميلا. المدينة منى يوم أويوماً، أى: بُعْدُ المدرسة ... وبعد المدينة ... ، إذا قلت هذا - مثلا - قبل ابتداء السير. فإن كان المقصود أن المدرسة أوالمدينة من أشياء تبعد عما سرنا ميلا تعين النصب على الظرفية، وكان الخبر هوالجار والمجرور: "منى" بخلاف الرفع فإنه على تقدير: بُعْد مكانها منى ميل، مثلا ... 9- من الأساليب الواردة عن العرب: حامد وحده. يريدون: أنه فى موضع التفرد، وفى مكان التوحد؛ فيجوز إعراب: "وحد" ظرفاً منصوباً فى محل رفع خبر2. "ملاحظة": إذا ترك الظرفُ النصبَ على الظرفية، إلى الرفع أوإلى الجر فإنه لا يكون ظرفاً، ولا يسمى بهذا الاسم3....
المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة
المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة إذا قلنا: الطيار شجاع - الوطنى مخلص - العربىّ كريم ... حكمنا على الطيار بالشجاعة، وعلى الوطنى بالإخلاص، وعلى العربى بالكرم. أى: حكمنا على المبتدأ بحكم مُعين؛ هو: الخبر1. فالمبتدأ فى هذه الجمل الاسمية -و- نظائرها محكوم عليه دائماً بالخبر، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوماً، ولوإلى حدّ مَّا، وإلا كان الحكم لغوًا لا قيمة له؛ لصدوره على مجهول2، وصارت الجملة غير مفيدة إفادة تامة، مثل: زارع فى القرية ... صانع فى المصنع ... يد متحركة ... جشم مسْرع ... وغيرها مما لا يفيد الإفادة الحقيقية المطلوبة؛ بسبب عدم تعيين المبتدأ، أوعدم تخصيصه. أى: بسبب تنكيره تنكيراً تامًّا؛ لهذا امتنع أن يكون المبتدأ نكرة3 إذا كان غير وصف، لأنها شائعة مجهولة في الغالب. فلا يتَحَقَّقُ معها الغرض من الكلام؛ وهو: الإفادة المطلوبة، فإن هذه الإفادة هى السبب أيضاً فى اختيار المعرفة لأن تكون هى المبتدأ حين يكون أحد ركنى الجملة معرفة والآخر نكرة4؛ مثل: شجرةٌ المتحركة. لكن إذا أفادت النكرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ. وقد أوصل النحاة مواضع النكرة المفيدة حين تقع مبتدأ إلى نحوأربعين موضعاً. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء فى سردها، واستقصاء مواضعها، ما دام الأساس الذى تقوم عليه هو: "الإفادة" فعلى هذا الأساس وحده يرجع الحكم على صحة الابتداء بالنكرة، أوعدم صحته، من غير داع لحصر المواضع أو
عَدّها1 هذا إلى أن تلك المواضع الكثيرة يمكن تجميعها وتركيزها في نحوأحدَ عشَرَ تغنى عن العشرات2 التى سردوها. وإليك الأحدَ عشَرَ. 1- أن تدلّ النكرة على مدح، أوذم، أوتهويل؛ مثل: "بطلٌ فى المعركة. خطيب على المنبر" - "جبانٌ مُدْبرٌ. جاسوسٌ مقبل" - "بالء فى الحرب، جحيم فى الموقعة". 2- أن تدل على تنويع وتقسيم؛ مثل رأيت الأزهار، فبعضٌ أبيضُ، وبعض أحمرُ، وبعضٌ أصفرُ ... عرفت فصل الخريف متقلبًا؛ فيومٌ بارد، ويومٌ حارّ، ويومٌ معتدل. وقول الشاعر: فيومٌ علينا، ويومٌ لنا ... ويومٌ نُسَاءُ، ويومٌ نُسَرّ 3- أن تدل على عموم؛ نحو: كلٌّ محاسَبٌ على عمله. وكلٌّ مسئول عما يصدر منه؛ {فَمَنْ 3 يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} . 4- أن تكون مسبوقة بنفى، أواستفهام؛ مثل: ما عملٌ بضائعٍ، ولا سعىٌ بمغمور. فمن4 مُنكرٌ هذا؟ وقول من طالت غربته: وهلْ داءٌ أمَرُّ من التَّنائِى ... وهلْ بُرْءٌ أتَمُّ من التَّلاقى؟
5- أن تكون النكرة متأخرة، وقبلها خبرها؛ بشرط أن يكون مختصًّا؛ سواء أكان ظرفاً، أم جارًّا مع مجروره أم جملة؛ مثل: عند العزيز إباءٌ، وفي الحُرِّ تَرفع وقول الشاعر: وللحِلْم أوقاتٌ، وللجهل مثلها ... ولكنَّ أوقاتى إلى الحَلْم أقْربُ ومثل: نَفَعك برهُ والدٌ، وصانك حنانُها أمٌّ. 6- أن تكون مخصّصَة بنعت3، أوبإضافة، أوغيرهما مما يفيد التخصيص؛ نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ويقظةُ البكور أنفعُ من نوم الضحا، وقول العرب: أحسن الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به، وشر البلاد بلاد لا عدل فيها، ولا أمان، وقولهم: وَيْلٌ للشَّجى مِن الخَلِىِّ4. 7- أن تكون دعاء؛ نحو: سلامٌ على الخائف - شفاءٌ للمريض - عونٌ للبائس؛ بشرط أن يكون القصد من النكرة فى كل جملة هوالدعاء.
8- أن تكون جواباً؛ مثل: ما الذى فى الحقيبة؟ فتُجيب: كتاب فى الحقيبة. 9- أن تكون فى أول جملة الحال، سواء سبقتها واوالحال، مثل: قطع الصحراء، ودليلٌ يَهدينى، وركبت البحر ليلا وإبرةٌ ترشد الملاحين. أمْ لم تسبقها؛ نحوكلُّ يوم أذهب للتعلم، كتبٌ فى يدى. 10- أن تقع بعد الفاء الداخلة على جواب الشرط؛ وهى التى تسمى: فاء الجزاء؛ مثل: مطالبُ الحياة كثيرة؛ إن تَيَسَّر بعضٌ فبعضٌ لا يتيسّر، والآمال لا تنفد؛ إن تحقق واحدٌ فواحدٌ يتجدد. 11- أن يدخل عليها ناسخ - أىّ ناسخ - وفى هذه الحالة لا تكون مبتدأ، وإنما تصير اسماً للناسخ، ومن ثَمَّ يصحّ فى أسماء النواسخ أن تكون فى أصلها معارف أونكرات - كقولهم: كان إحسانٌ رعايةَ الضعيف، وإنّ يداً أن تذكروا الغائب1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" قلنا1 إن مسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة؛ أوصلها النحاة إلى أربعين، بل أكثر. وبالرغم من كثرتها بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه؛ نحو: "مذ" و"منذ" فهما نكرتان فى اللفظ؛ فى نحو: ما رأيته "مذ" أو"منذ" يومان، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى؛ إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا2. على أن تلك الكثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام كل نكرة لتدخل منه إلى الابتداء، حتى صار من العسير الحكم على نكرة، أىّ نكرة، بأنها لا تصلح أن تكون مبتدأ. كما صار الرأى القائل: "إن المبتدأ لا يكون نكرة إلا إن أفادت" - رأياً لا جديد فيه؛ لدخوله تحت أصل لغوى عام: هو: "ما يَستحدث معنى أويزيد فى غيره لا يُطعن فى وجوده، ولا يستغنى عنه، وما لا فائدة منه لا خير فى ذكره". وتأييداً لكلامنا وتوفية للبحث - نذكر أهم تلك المسوغات؛ ليؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النكرات كلها إلى الابتداء. وقد سبق منا أحدى عشر. وفيما يلى الباقى مع الاقتصار على ما يغنى عن غيره، وما يمكن إدماج غيره فيه3. 12- أن تكون النكرة عاملة؛ سواء أكانت مصدراً؛ نحو: إطعامٌ مسكيناً طاعة، أمْ وصفاً عاملا4، نحو: متقنٌ عمله يشتهر اسمهُ. ومن العمل أن تكون مضافة؛ لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه؛ مثل: كلمة خير تأسِر النفس ... 13- أن تكون النكرة أداة شرط؛ نحو؛ من يعملْ خيراً يجدْ خيراً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 14- أن يكون فيها معنى التعجب - كما سبق1 -؛ نحو: ما أبرع جنود المِظلات. 15- أن تكون محصورة؛ نحو: إنما رجلٌ مسافرٌ. 16- أن تكون فى معنى المحصور - بشرط وجود قرينة تُهَيِّئ لذلك - نحو: حادث دعاك للسفر المفاجئ، أى: ما دعاك للسفر المفاجئ إلا حادث. ويصح فى هذا المثال أن يكون من قسم النكرة الموصوفة بصفة غير ملحوظة، ولا مذكورة.... أى: حادث خطير دعاك إلى السفر. 17- أن تكون معطوفة على معرفة؛ نحو: محمود وخادم2 مسافران. 18- أن تكون معطوفة على موصوف، نحو: ضيف كريم وصديق حاضران. 19- أن يكون معطوفاً عليها موصوف، نحو: رجل وسيارة جميلة أمام البيت. 20- أن تكون مبهمة قصداً، لغرض يريده المتكلم؛ نحو: زائرة عندنا. 21- أن تكون بعد لولا؛ نحو: لولا صبرٌ وإيمانٌ لقتل الحزين نفسه. 22- أن تكون مسبوقة بلام الابتداء؛ نحو: لرجل نافع3. 23- أن تكون مسبوقة بكلمة: "كَمْ" الخبرية؛ نحو: كم صديقٌ زرته4 فى العطلة فأفادنى كثيراً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 24- أن تكون مسبوقة بإذا الفجائية1؛ نحو: غادرت البيت فإذا مطر. 25- أن يكون مراداً بها حقيقة الشئ وذاته الأصلية، نحو: حديد خير من نحاس2. 26- أن تكون إحدى المسألتين المشار إليهما في رقم 4 من هامش ص 4485.
المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازا ووجوبا
المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً للخبر من ناحية تأخُّرِه عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات، أن يتأخر وجوباً، وأن يتقدم وجوباً، وأن يجوز تأخره وتقدمه. فأما تأخره وتقدمه جوازاً فهوالأصل الغالب؛ نحو: السحاب بخار متكاثف - البرق شرارة كهرَبية - الكتاب صديق أمين - قول الشاعر1: أفى كل عام غُرْبةٌ ونُزُوحُ ... أما للنَّوى من وَنْيةٍ فتُريحُ ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره2 ... أما تأخره وجوباً؛ ففى مواضع أشهرها: 1- أن يكون المبتدأ والخبر معاً متساويين3 أومتقاربين فى درجة تعريفهما
أوتنكيرهما، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ؛ نحو: أخى شريكى - استاذى رائدى فى العلم - مكافح أمين جندى مجهول - أجملُ من حرير أجملُ من قطن ... ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر؛ لأن تقديمه يوقع فى لَبْس؛ إذ لا توجد قرينة1 تُعَينه، وتميزه من المبتدأ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه؛ ويَفسد المعنى2 تعاً لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أولفظية تدل على أن المتقدم هوالخبر وليس المبتدأ جاز التقديم3؛ فمثال "المعنوية": أبى أخى فى الشفقة والحنان. ز. فكلمة: "أب" خبر مقدم؛ وليست مبتدأ؛ لأن المراد: أخى كأؤ ... أى: الحكم على الآخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان، ولا يُعْقَل العكس. فالمحكوم عليه هو: "الأخ"؛ فهوالمبتدأ، والمحكوم به هو: "
الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هوالخبر ولوتقدم؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هوالخبر؛ فصح التقديم لوجودها. ومثل: الجامعة فى التعليم البيت. "فالجامعة" خبر مقدم، "والبيت" مبتدأ مؤخر؛ فهوالمحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل: نور الشمس نور الكهربَا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فى الغضب القِطّ فى الثورة. الجبلُ الهرمُ فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى تعلمه ... وهكذا ... ومثال القرينة "اللفظية": حاضرٌ رجلٌ أديبٌ. فكلمة "حاضر" هى الخبر؛ لأنها نكرة محضة1 والنكرة التي بعدها "وهى: رجل" نكرة غير محضة؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها؛ فهى أحق بأن تكون المبتدأ بسبب تخصصها2. 2- أن يكونَ الخبر جملة فعلية، فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ: نحو: الكواكب "تتحرك"، فالجملة الفعلية المكونة من الفعل المضارع وفاعله، خبر المبتدأ. فلوتقدم الخبر وقلنا: تتحرك الكواكب - لكانت "الكواكب" فاعلا، مع أننا نريدها مبتدأ، وليس فى الكلام ما يكشف اللبس. بخلاف ما لوكان الفاعل اسماً ظاهراً أوضميراً بارزاً، نحو: تتحرك كواكبُها السماء - قد أضاءَ النجمان ... ، فتعرب الجملة الفعلية هنا؛ "تتحرك كواكبُها" خبراً متقدماً؛ لاشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ "السماء" فرجوع الضمير إلى كلمة: "السماء" دليل علىأنها متأخرة فى الترتيب اللفظى فقط، دون الترتيب الإعرابى "المسمى: الرتبة3"؛ لأن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبة إلا فى مواضع4 ليس منها هذا الموضع. فكلمة: "السماء" متأخرة فى اللفظ، لكنها متقدمة فى الرتبة. وأصل الكلام: السماء تتحرك كواكبها؛ فكلمة: "
السماء" مبتدأ. وحاز تقديم الخبر عليها مع أنه جملة فعلية لأن اللبس مأمون؛ إذ فاعلها اسم ظاهر، وليس ضميراً مستتراً يعود على ذلك المبتدأ1..... وتعرب الجملة الفعلية الثانية خبراً مقدماً، والنجْمان مبتدأ. ولا لبْس فيه، لأن وجود الضمير البارز "وهوألف الاثنين" وإعرابه فاعلا - فى اللغات الشائعة عند العرب - أوجب أن يكون "النجمان" مبتدأ، لا غير؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل، ومن ثمَّ كان اللبس مأمونا2. وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميراً مستتراً أيضاً؛ نحو: البيتُ أقيمَ. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً؛ نحو: القمرُ هيهاتَ. وقد يلتبس المبتدأ لوتأخر بالتوكيد؛ نحو: أنا سافرت؛ فلوتأخر المبتدأ الضمير لكان توكيداً للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق3 ... 3- أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ4 بإنما، أوإلا؛ مثل: إنما
البحْترىّ شاعر - إنما المتنبى حكيم - ما النيل إلا حياة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر؛ كى لا يزول الحصر، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد. 4- أن يكون الخبر المبتدأ دخلت عليه لام الابتداء1؛ نحو: لَعلْمٌ مع تعب خيرٌ من جهل مع راحة؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه؛ وهوالمبتدأ. 5- أن يكون المبتدأ اسماً مستحقًّا للصدارة فى جملته؛ إما بنفسه مباشرة، كاسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وما التعجبية، وكم الخبرية2 ... ؛ مثل: مَن القادمُ؟ وأىُّ شريف تصاحبْه أصحابه - ما أطيبَ خُلُقك!! كم صديق عرفتُ فيه الذكاء!! وإما بغيره؛ كالمضاف إلى واحد مما سبق3؛ فالمضاف إلى اسم استفهام نحو: صاحبُ مَن القادم؟ والمضاف إلى اسم شرط نحو: غلامُ أيِّ رجل شريف تعاونْه أعاونْه. والمضاف إلى كم الخبرية نحو: خادمُ كم صديق عرفت فيه الذكاء3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" هنا مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر؛ أشهرها ما يأتى: 1- ما ورد مسموعاً مِن مثل: راكبُ الناقة طَليحان1. "أى: مُتْعبَان؛ أصابهما الإعياء والإرهاق، وأصله: راكبُ الناقةَ والناقَةُ طليحان؛ من كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق فى التثنية أوالجمع للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف شىء ظاهر على المبتدا؛ كالمثال السابق. ونحو: مهندس البيت جميلان - ونحو: خدم الطفلين لاعبون؛ أى: مهندسُ البتي والبيتُ جميلان. وخادم الطفلين والطفلان لاعبون. فالمعطوف على المبتدأ محذوف لوضوح المعنى. والخبر هنا واجب التأخير. لكن أيجوز القياس على تلك الأساليب التى حذف فيها حرف العطف والمعطوف على المبتدأ؛ لوضوح المعنى؟ الأحسن الأخذ بالرأى القائل بجوازه بشرط وجود قرينة واضحة تدل على المحذوف: لأن هذا الرأى يطابق الأصول اللغوية العامة التى تقضى بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى؛ كما رددنا هذا كثيراً2 ... 2- أن يكون الخبر مقروناً بالفاء3؛ نحو: الذى ينصحنى فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء. 3- أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة؛ نحو: ما شريف بكاذب. 4- أن يكون طلباً؛ نحو: المحتاجُ عاونْه، والبائسُ لا تؤلمه. 5- أن يكون الخبر عن "مذ" أو"منذ"، بجعلهما مبتدأين معرفتين فى المعنى؛ نحو: ما سافرت مذْ أومنذ شهران؛ "إذ المعنى: زمن انقطاع الرؤية شهران4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ضمير الشأن1 الواقع مبتدأ؛ نحو: قل "هو: الله أحد". 7- المبتدا المخبر عنه بجملة هى عينه فى المعن نحو: "كلامى: "السفر مفيد"" "قولى: "العمل النافع"". 8- اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التنبيه، فى جملة اسميه؛ نحو: هذا أخى. وهذا رأى كثير من النحاة، ومن الميسور رفضه بالأدلة التى سبقت2 والتي تجعل تقديم المبتدأ هنا مستحسناً، لا واجباً. وإنما يتعين - عند أصحاب ذلك الرأى - أن يكون اسم الإشارة فى الجملة الاسمية هو: المبتدأ ولا يكون خبراً، بحجة أن: "ها" التنبيه تتطلب الصدارة، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة، لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل بينهما الضمير فى مثل؛ "هأنذا" فالضمير هوالمبتدأ واسم الإشارة هوالخبر. ويجوز: هذا أنا. ولكن الأول أحسن وأولى؛ لكثرة الأساليب الأدبية الواردة به3. 9- المبتدأ الذى للدعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل للأعداء4..... 10- المبتدأ الذى له خبر متعدد يؤدى مع تعدده معنى واحداً؛ مثل: الفتى نحيف سمين - الرمان حلوحامض؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر المتعدد الذى يؤدى معنى واحداً، ولا تقديم واحد مما تعدد5. 11- المبتدأ التَّالى: أمَّا: نحو: أما صالح فعالم؛ لأن الفاء لا تقع بعد "أما" مباشرة. ولأن الخبر الذى تدخل عليه لا يتقدم على المبتدأ - كما سلف -. 12- المبتدأ المفصول من خبره بضمير الفصل6، نحو: الشجاع هوالناطق بالحق غير هياب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13- المبتدأ إذا كان ضمير تكلم أوخطاب، وقد أخبر عنه بالذى وفروعه مع وجود بعده الضمير مطابقاً للتكلم، أوالخطاب؛ نحو: أنا الذى أساعد الضعيف. أنتما اللذان تساعدان الضعيف. .... 14- ويجب تقديم المبتدأ وتأخير الحبر فى باب الإخبار عن: "الذى"، نحو: الذى صافحته محمد. 15- خبر المبتدأ إذا كان ضمير متكلم أومخاطب، وقد أخبر عنه بنكرة مُعرَفة بأل، بعدها ضمير مطابق للمبتدأ في التكلم والخطاب، نحو: أنا السيف أمزق الضلال، أنت الجندى تدافع عن الوطن. 16- إذا كان المبتدا اسم موصول وجب تأخير الخبر عنه وعن الصلة معا1. ملاحظة: يجب تقديم كل اسم أوفعل سبقته أداة عرض، أوتمن، أورجاء، أونفى، أوطلب. 17- ويجب تأخير الخبر، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ "ما" التعجبية؛ نحو: ما أقدر الله أن يُدْنِىَ المتباعدين2. "ملاحظة عامة" يجب تقديم كل اسم أو فعل سبقته أداة عرض، أو تمن، أو رجاء، أو نفي، أو طلب. "ب" أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقاً حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير، أومتقاربين فيهما؛ من غير لَبْس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبراً وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق3 بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير. بالرغم من جدلهم المرهق4؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أوالتقارب فى درجة التعريف والتنكير؛ وإنما المعول عليه وحده وهووجود قرينة تدل على أن هذا هوالمحكوم عليه، "أى: أنه المبتدأ"، وذلك هوالمحكوم به، أى: الخبر، على حسب المعنى؛ بحيث يتميز كل من الآخر، دون خلط أواشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى1. وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتماً من غير أن يكون للتساوى أوالتقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبراً. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده، وإما بالتزام الترتيب؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ، ووسيلة إلى تعينه؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.
المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوبا
المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً "وهي الحالة الثالثة له" يتقدم الخبر وجوباً فى مواضع؛ أهمها: 1- أن يكون المبتدأ نكرة محضة1، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص؛ ظرفاً كان، أوحارًّا مع مجروره؛ أوجملة؛ فمثال شبه الجملة: عندك كتابُ - على المكتب قلم ... فإن كان للمبتدا مسوغ آخر جاز تقديم الخبر وتأخيره؛ نحو: عندك كتاب جميل - على المكتب قلم نفيس؛ ويجوز: كتاب جميل عندك، وقلم نفيس على المكتب. ومثال الجملة: قَصَدَك ولدُه محتاج. فلا يجوز تقديم المبتدأ؛ وهو: "محتاج"؛ لأنه نكرة محضة، ولأن المبتدأ النكرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أوشبه الجملة فقد يتوهم السامع أن المتأخر صفة، لا خبر2. 3- أن يكون المبتدأ مشتملاً على ضمير يعود على جزء3 من الخبر؛ نحو: فى الحديقة صاحبها. فكلمة: "صاحب" مبتدأ، خبره الجار مع المجرور السابقَين؛ "فى الحديقة". وفى المبتدأ ضمير يعود على الحديقة التى هى جزء من الخبر. ولهذا وجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: صاحبها فى الحديقة؛ لكيلا يعود الضمير على
متأخر لظفاً ورتبة؛ وهوممنوع هنا. ومثل ذلك: "فى القطار رُكَّابُه" فكلمة: "ركاب" مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقين. وفى المبتدا ضمير يعود على: "القطار" وهوجزء من الخبر. ويجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: رُكَّابُه فى القطار؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ وهوممنوع هنا كما قلنا. وهكذا ... 3- أن يكون للخبر الصدارة فى جملته؛ فلا يصح تأخيره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام؛ نحو: أين العصفورُ؟ فكلمة: "أين" اسم استفهام، مبنى على الفتح فى محل رفع، خبر مقدم، و"العصفور" مبتدا مؤخر. ونحو: متى السفرُ؟ فكلمة: "متى" اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع خبر مقدم، و"السفر" مبتدأ مؤخر. ومثل هذا: كيف الحال؟ من القادم؟ ... وكذلك الخبر الذى ليس اسم استفهام بنفسه ولكنه مضاف إلى اسم استفهام؛ نحو؛ مِلْكُ مَن السيارةُ؟؛ وصاحبُ أيِّ اختارع أنت؟ ومما له الصدارة "مُذْ ومُنْذُ" عند إعرابهما ظرفين خبرين متقدمين فى مثل: ما رأيت زميلى مُذْ أومنذُ يومان. ولوأعربناهما مبتدأين لوجب تقديمهما أيضاً1. 4- أن يكون الخبر محصوراً2 فى المبتدأ بإلا أوإنما؛ نحو: ما فى البيت إلا الأهل، إنما فى البيت الأهل؛ فلا يجوز تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، لكيلا يختل الحصر المطلوب، ويختلف المراد 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا؟ وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا يريد: أن يقول: كذلك يجب تقديمم الخبر إذا كان من الألفاظ التي تستوجب التصدير، أي: تستحقه وجوبا، نحو: أين من علمته نصيرا؟ "فأين" اسم استفهام د خبر مقدم.... إلخ. "من" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر..... وكذلك يجب تقديم خبر المحصور فيه، أي: خبر المبتدأ الذي وقع فيه الحصر "فالخبر محصور، والمبتدأ محصور فيه" مثل: ما لنا إلا اتباع أحمد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" من المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر: 1- أن يكون لفظة "كم" الخبرية1؛ نحو: كم يومٍ غيابُك!! أوأن يكون مضافا إليها، نحو: صاحب كم كتابٍ أنت!! 2- أن يكون قد ورد عن العرب متقدماً في مثَل من أمثالهم؛ نحو: فى لك واد بنوسعد؛ لأن الأمثال الواردة لا يصح أن يدخلها تغيير مطلقاً، "لا فى حروفها، ولا فى ضبطها، ولا فى ترتيب كلماتها"2. 3- أن يكون المبتدأ مقروناً بفاء الجزاء؛ نحو: أمَّا عندك فالخير. 4- أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً للمكان؛ نحو: هنا3 وثَمَّ فى مثل: هنا النبوغ؛ وثَمَّ العلم والأدب. 5- أن يكون تأخير الخبر مؤدياً إلى خفاء المراد من الجملة، أومؤدياً إلى الوقوع فى لبس؛ فمثال الأول: لله درك4، عالما، فالمراد منها: التعجب. ولوتأخر الخبر وقلنا: درك لله - لم يتضح التعجب المقصود. ومثال الثانى: عندى أنك بارع، من كل مبتدأ يكون مصدراً مسبوكاً من "أنَّ" "مفتوحة الهمزة مشدودة النون" ومعموليها: وهى "أنّ" التى تفيد التوكيد. فلوقلنا: أنك بارع عندى - لكان التأخير سبباً فى احتمال اللبس فى الخلط بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون و"إنّ" المكسورة الهمزة المشددة النون، وسبباً فى احتمال لَبْس آخر أقْوَى، بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة التى معناها التوكيد، والتى تسبك مع معموليها بمصدر مفرد - و"أن" التى بمعنى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "لعل"، وهذه مع معموليها جملة فلا تسبك معهما بمصدر مفرد، وفرق كبير فى الإعراب بين المفرد والجملة، وفى المعنى بين التوكيد، والترجى أوالظن ... فقد صار اللبس محتملا لفظاً وكتابة ومعنى بسبب تأخير الخبر، ولوتقدم لامتنع اللبس، إذ الحكم الثابت "لإن" المكسورة الهمزة المؤكِّدة، و"أنَّ" المفتوحة الهمزة التى بمعنى "لعل" أن كلا منهما مع معموليه جملة، وأن كلا منهما لا يجوز تقديم معمول خبره عليه؛ سواء أكان المعملوظرفياً أم غير ظرف1. ولهذا يسهل الاهتداء إلى إعراب الظرف فى المثال السابق، وأشباهه، وأنه خبر وليس معمولا للخبر متقدماً عليه؛ إذ لولم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف: "أنّ" للتوكيد "وهى المفتوحة الهمزة، المشددة النون" لكان المصدر المؤول منها ومن معموليها مبتدأ، ولا نجد له خبراً؛ وهذا لا يصح. ولواعتبرناها بصورتها هذه بمعنى: "لعل" لم يصح تعليق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا يجوز تقديم شىء من معمولات خبرها عليها - كما قلنا -. وكذلك لواعتبرناها "إن" المكسورة الهمزة، المشددة النون، للتوكيد. فلم يبق بدّ من إعراب ذلك الظرف خبراً متقدماً. فتقدمه - أوغيره من المعمولات - يختم أمرين: "أ" تعيين نوع "أنّ" التى بعده؛ فتكون للتوكيد، مفتوحة الهمزة مشددة النون. "ب" أنه خبر متقدم وليس معمولا لخبرها. كما أن تأخيره يوجب أمرين: "أ" اعتبار "أن" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" بمعنى "لعل" أوكسر همزتها مع تشديد نونها لتكون للتوكيد. "ب" إعرابه فى الصورتين معمولا للخبر وليس خبراً. ولا شك أن كل اعتبار من الاعتبارات السالفة يؤدى إلى معنى يخالف الآخر. هذا وإنما يكون تقديم خبر "أنَّ" واجباً على الوجه الذى شرحناه بشرط عدم وجود "أما" الشرطية. فإن وجدت جاز تأخير الخبر2. إذ المشددة المكسورة الهمزة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا التى بمعنى: "لعل" لا يقعان بعدها1.... وغاية القول: أنه يجب تقديم الخبر فى كل موضع يؤدى فيه تأخيره إلى لبس، أوخفاء فى المعنى أوفساد فيه.
المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر
المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى ولا التركيب بحذفه1؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب ... "حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه ... وهكذا. ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف2 تقديره: "في الحقل". وأصل
الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة: "القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد1. والأصل قبل حذف الخبر: خرجت فإذا الوالد1 موجود..... وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهومحسن، ومن يساعف مستغيثاً فهومحسن، ومن يشهدْ شهادة الحق ... أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: "هومحسن" مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً2. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهوعظيم، ومن ينفع وطنه فهوعظيم، ومن يخدم الإنسانية ... أي: فهوعظيم 3.
ذلك هوالحذف الجائز1، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان:
مواضع حذف المبتدأ وجوبا، أشهرها أربعة: "أ" المبتدأ الذي خبره في الأصل نعت، ثم ترك أصله وصار خبرا، بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصا بالمدح كالذي في نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أوبالذم كالذي في، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيه، أو: بالترحم1 كالذي في نحو: ترفق بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد2، مجرور، لأنه تابع للمنعوت في حركة الإعراب، التي هي الجر في الأمثلة السابقة.
لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أوالنصب بشروط1، وعندئذ لا يسمى ولا يعرب فى حالته الجديدة "نعتاً" وقد يسمى: "نعتا مقطوعا أو منقطعا"2 -. وإنما يكون فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو- مثلا - فيكون المراد: ذهبت إلى الصديق؛ "هوالأديبُ" ابتعدت عن الرجل؛ "هوالسفيهُ. ترفق بالضعيف "هوالبائسُ". ويكون فى حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: "أمدحُ"، أو: "أذم"، أو: "ارحمُ"، على حسب معنى الجملة. والفاعل فى هذه الأمثلة ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا. فالمراد: أمدحُ الأديبَ ... أذم السفيهَ ... أرحمُ البائسَ. ولا يصح إعراب كلمة منها ولا تسميتها نعتا بعد أن تركت الجر إلى الرفع أو النصب. ولكن يصح تسميتها نعتا مقطوعا أو منقطعا - كما سبق - 5 ومن الأمثلة: أصغيت إلى الغناء الشجىِّ3، فزعت من رؤية القاتل الفتاك، أشفقت على الطفل اليتيم. فكلمة "الشجىّ" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت. وتفيد المدح. وكلمة: "الفتاك" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت وتفيد الذم. وكذلك: "اليتيم"، إلا أنها تفيد الترحم. فتلك الكلمات الثلاث وأشباهها - من كل نعت مفرد مجرور يفيد المدح، أوالذم، أوالترحم - قد يجوز إبعادها عن الجر، إلى الرفع أو: النصب؛ فلا تعرب نعتاً مفرداً مجروراً؛ وإنما تعرب فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" ويكون المراد: "هوالشجُى". "هوالتفاكُ". "هواليتيمُ" كما تعرب فى حالة النصب مفعولاً به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: أمدح ... أو: أذم ... أو: أرحم ... ، على حسب الجلمة؛ فالمراد: أمدحُ الشجىَّ ... أذمُّ الفتاك ... أرحمُ اليتيم4. وبعد إبعادها عن الجر قد تسمى "نعتا مقطوعا، أو منقطعا".
وإذا كان النعت مرفوعاً فى الأصل جاز قطعه إلى النصب، واذا كان منصوبا جاز قطعه إلى الرَّفع وإذا كان مجرور جاز قطعه للرفع أوالنصب، والذى يتصل بموضوعنا هو: النعت المقطوع إلى الرفع حيث يعرب بعد القطع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً ولا يجب الحذف إلا بشرط أن يكون أصل النعت للمدح، أوالذم، أوالترحم، دون غيرها - كما سبق-. 2- المخصوص بالمدح أوالذم. وبيانه: أن فى اللغة أساليبَ للمدح، وأخرى للذم، وكلاهما يؤلَّف بطريقة
معينة، وصُوَر مختلفة، مشورحة فى أبوابها1 النحوية. فمن أساليب المدح: أن تقول فى مدح زارع اسمه حليم: "نِعْم الزارع حليم". وفى ذم صانع اسمه سليم: "بئس الصانع سليم" ... فالممدوح هو"حليم" ويسمى: "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "سليم" ويسمى: "المخصوص بالذم". ومثلهما: "نعْم الوَفى حامد" أو: "بِئْسَ المختلِف وعده زُهَير". فالممدوح هو: "حامد"، ويسمى، "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "زُهير" ويسمى: "المخصوص بالذم" فالمخصوص - فى الحالتين - يقع بعد جملة فعلية، مكونة من فعل خاص - يدل على المدح، أوعلى الذم، - وفاعله. وقد يتقدم المخصوص عليهما؛ فنقول: "حليم نعم الزارع" ... "سليم بئس الصانع". وله صور وإعرابات مختلفة؛ يعنينا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخراً؛ فيجوز إعرابه خبراً، مرفوعاً، لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو"2 فيكون أصل الكلام: "نعم الزارع هوحليم". "بئس الصانع هوسليم". 3- أن يكون الخبر صريحاً فى القَسَم "الحَلِف". وصراحته تتحقق بأن يكون معلوماً فى عُرف المتكلم والسامع أنه يمين؛ نحو: فى ذمتى لأسافرن. - بحياتى لأخْدُمَن العدالة. تريد: فى ذمتى3 يمين، أوعهد، أوميثاق ... بحياتى يمين، أوعهد، أوميثاق ... 4- أن يكون الخبر مصدراً يؤدى معنى فعله، ويغنى عن التلفظ بذلك الفعل - فى أساليب معينة، محدّدة الغرض؛ محاكاة للعرب فى ذلك -؛ كأن يدور بينك وبين طبيب، أومهندس، أوزارع ...
كلام فى عمله، فيقول عنه: "عملٌ لذيذ". أى: عمل عملى عملٌ لذيذ. وهذه الجملة فى معنى جملة أخرى1 فعلية، هى: "أعمَلُ عملاً لذيذاً". فكلمة: "عملا" مصدر، ويعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالى: "أعمل" وقد حذف الفعل وجوباً؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذى يؤدى معناه، وللتمهيد لإحلال جملة اسميه محلّ هذه الجملة الفعلية ... وصار المصدر مرفوعاً بعد أن كان منصوباً؛ ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة2. ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا: "سباحةٌ شاقةٌ" أى: سباحتى سباحةٌ شاقةٌ. وهذه الجملة فى معنى: أسْبَحُ سباحةً شاقةً. فكلمة: "سباحة" مصدر منصوب، لأنه مفعول مطلق للفعل: "أسْبَح"، ثم حذف الفعل وجوباً؛ استغناءً عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه؛ ثم رفع المصدر ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى. ومن الأمثلة أيضاً أن يقول السعيد: شكرٌ كثير. حمدٌ وافر ... وأن يقول المريض أوالمكدود: صبرٌ جميلٌ - أملٌ طيبٌ ... وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئاً: سمعٌ وطاعةٌ ... أى: أمرى وحالى سمعٌ وطاعةٌ 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" هناك مواضع أخرى - غير الأربعة السالفة - يجب فيها حذف المبتدأ؛ منها: 1- الاسم المرفوع بعد "لا سيما"؛ فى مثل: أحب الشعراء، ولا سيما "شوقىّ" بإعراب "شوقىٌّ" خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو1. 2- بعد المصدر النائب عن فعل الأمر: من مثل: "سَقْياً لك"2 ... و"رَعْياً لك" ... ومثلهما فى قول الشاعر: نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْران عاتبةً ... سَقْيًا ورَعْياً لذاك العاتب الزارى وغيرهما من كل مصدر ينوب عن فعل الأمر نيابة تغنى عن لفظه ومعناه، وبعد المصدر ضمير مجرور المخاطب. فأصل: "سَقْيًا لك" "اسْقِ يا رب" ... "الدعاء لك يا فلان". وأصل "رَعْياً لك" "ارْعَ يا رب" ... "الدعاء لك يا فلان"، فالمصدر نائب عن لفظ فعل الأمر وعن معناه، وبعده المخاطب المجرور. والجار مع المجرور خبر لمبتدأ محذوف. ولا يصح أن يكون هذا الجار مع مجروره متعلقاً بالمصدر: "سقياً ورعياً"، لأن هذا التعلق مخالف للأصول العامة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في تكوين الجملة 1.
3- بعد ألفاظ مسموعة عن العرب مثل: "من أنت؟. محمد" وهوأسلوب يقال حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم اسمه: محمد ... والتقدير: من أنت؟ مذكورُك محمد ... أو: مذمُومك محمدّ: أى: من أنت؟ وما قيمتك بالنسبة للشخص الذى تذكره بالسوء؛ وهومحمد؟. فالمثل يتضمن تحقيراً للمغتاب، وتعظيماً لمحمد. فمحمد خبر لمبتدأ محذوف تقديره: مذكورُك ... أومذمومك "أى: الشخص الذى تذكره فى حديثك أوتذمه فيه". ولما كان هذا الأسلوب قد ورد بغير مبتدأ صار من الواجب التزامه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والإبقاء عليه بغير زيادة أونقص؛ لأه بمنزلة المثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقاً1. وقد ورد ذلك الأسلوب بالنصب أيضاً: "من أنت؟ محمداً". التقدير: "من أنت؟ تذكر محمداً، أوتذم محمداً"؛ فتكون الكلمة المنصوبة مفعولاً به لفعل محذوف. ومن الأساليب المسموعة أن يقال: "لا سواءٌ" عند الموازنة بين شيئين. والتقدير: لا هما سواء، أو: هذان لا سواء؛ بمعنى: لا يستويان. فكلمة: "سواء" خبر مبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هما" أو: "هذان". ويرى فريق من النحاة أن الحذف فى المسألتين جائز لا واجب. والأخذ بهذا الرأى أنسب فيما نصوغه من أساليبنا. أما الوارد المسموع عن العرب نصًّا على أنه مثل من أمثالهم فيجب إبقاؤه كما ورد عنهم.
مواضع حذف الخبر وجوباً، أشهرها خمسة: 1- أن يقع الخبر كوناً عامًّا1 والمبتدأ بعد "لولا الامتناعية"2، نحو: لولا عدلُ الحاكم لقتل الناسُ بعضُهم بعضاً. ولولا العلم لشقى العالَم، ولولا الحضارة ما سعد البشر ... أى: لولا العدل موجود ... لولا العلم موجود ... لولا الحضارة موجودة ... فالخبر محذوف قبل جواب: "لولا" ... ومن هذه الأمثلة وأشباهها يتضح أن الخبر يحذف وجوباً بشرطين: وقوعه كونً عامًّا، ووجود لولا الامتناعية قبل المبتدأ. فإن لم يتحقق أحد الشرطين أوهما معاً تغير الحكم؛ فإن لم توجد "لولا" فإنّ حكم الخبر من ناحية الحذف وعدمه كحكم غيره من الأخبار كلها؛ وقد سبق الكلام عليها3. وإن لم يقع كوناً - عاماً بأن كان خاصًّا - وجب ذكره؛ نحو: لولا السفينةُ واسعةٌ ما حملتْ مئات الركاب. لولا الطيارُ بارعٌ ما نجا من العاصفة؛ فكلمة: "واسعة" وكلمة: "بارع" - خبر من نوع الكون الخاص الذى لا دليل يدل عليه عند حذفه، فيجب ذكره؛ فإن دل عليه دليل جاز فيه الحذف والذكر؛ نحو: الصحراء قحلة لعدم وجود الماء بها؛ فلولا الماءُ معدومٌ لأنبتتْ - دخل اللص الحديقة لغياب حارسها؛ فلولا الحارس غائب لخاف اللص. - اضطرب البحر من شدة الهواء. فلولا الهواء شديد ما اضطرب. فكل من: "معدوم" و"غائب" و"شديد" قد وقع خبراً، وهوكون خاص، فيجوز ذكره وحذفه؛ لوجود ما يدل عليه عند الحذف4. 2- أن يكون لفظ المبتدأ نصًّا فى القسم5، نحو: لعمرُ الله6 لأُجِيدَنَّ
عملى - لأمانةُ الله لن أهملَ واجبى - لحياةُ أبى لا أنصرُ الظالمَ - لأيمنُ الله لأسرعنّ للملهوف ... فالخبر محذوف فى الأمثلة كلها قبل جواب القسم. وأصل الكلام لَعَمْرُ الله قَسَمِى ... لأمانة الله قَسَمِى ... لحياة أبى قَسَمِى ... لأيْمُنُ اللهِ قَسَمِى1 ... ومن الأمثلة قول الشاعر: لعَمْرك ما الأيامُ إلا مُعَارَةٌ2 ... فما اسْطَعْتَ3 من معروفها فَتَزَوَّدِ....4 فالمبتدأ فى كل مثال كلمة صريحة الدلالة على القسم، غلب استعمالها فيه فى عُرْف السامع لها، ولذلك حذف خبرها؛ "وهو: قسمى" لأنها تدل عليه، وتغنى عنه، ولا يصح أن يكون المحذوف فى الأمثلة السابقة هوالمبتدأ. وهناك سبب آخر قوى يحتم أن يكون المحذوف هوالخبر؛ ذلك السبب وجود لام الابتداء فى أول كل اسم؛ إذ يدل على وجودها على أن المذكور هوالمبتدأ دون الخبر؛ لأن الغالب عليها أن تدخل على المبتدأ لا على الخبر؛ ليكون لها الصدارة الحقيقية. فإن لم يكن المبتدأ نصًّا فى اليمين، أولم توجد لام الابتداء - لم يكن حذف الخبر واجباً، وإنما يكون جائزاً، نحو: عهدُ الله قسمى لا أرتكب ذنباً. أمرُ الدين قسمى لا أفعل إساءة؛ بإثبات الخبر أوحذفه. 3- أن يقع الخبر بعد المعطوف بواوتدل دلالة واضحة على أمرين مجتمعين، هما: العطف، والمعية5؛ نحو: الطالب وكتابهُ ...
ولبيان هذا نسوق المثال الآتى: إذا أقمت فى بلد تراقب أهله؛ فرأيت الفلاح يلازم حقله، والصانع يلازم مصنعه، والتاجر متجره، والملاّح سفينته، والطالب معهده، وكل واحد من أهلها يتفرغ لشأنه، لا يكاد يتركه. ثم أردت أن تصفهم، فقد تقول: شاهدت أهل البلد عاكفين على أعمالهم، منصرفين لشئونهم؛ "الفلاحُ وحقلُه" - "الصانعُ ومصنعهُ" - "التاجرُ ومتجرةُ" - "الملاح وسفينتُه" - "الطالبُ ومعهدهُ" - "كل رجل وحرفتُه". فما معنى كل جملة من هذه الجمل؟ معناها "الفلاح وحقله متلازمان" - "والصانع ومصنعه متلازمان" وهكذا الباقي ... وإذا تأملت تركيب واحدة منها "مثل: الفلاح وحقله" عرفت أنها مركبة من مبتدأ؛ هو: "الفلاح". بعده واوتفيد أمرين معاً، هما: العطف، والمعية، وبعد هذه الواويجئ المعطوف على المبتدأ، ويشاركه فى الخبر، ثم يجئ بعده الخبر. لكن أين الخبر الواقع بعد المعطوف؟ إن الخبر محذوف نفهمه من الجملة؛ وهوكلمة: "متلازمان" أو: "متصاحبان" أو: "مقترنان" أو: ما يدل على الملازمة والمصاحبة التى توحى بها الواوالتى بمعنى: "مع" وتدلّ عليها فى وضوح ظاهر للسامع. ومثل هذا يقال فى الأمثلة الأخرى.
فإن لم تكن الواونصًّا فى المعية لم يكن حذف الخبر واجباً؛ وإنما يكون جائزاً عند قيام دليل يدل عليه؛ نحو: الرجل وجاره مقترنان، أو: الرجل وجاره، فقط؛ لأن الاقتصار على المتعاطفين يفيد الاشتراك والاصطحاب. أما جواز ذكر المحذوف فلأن الواوهنا ليست نصًّا فى المعية، إذ الجارُ لا يلازم جاره، ولا يكون معه فى الأوقات كلها، أوأكثرها. 4- الخبر الذى بعده حال تدل عليه، وتسد مسده، من غير أن تصلح فى المعنى لأن تكون هى الخبر؛ نحو: "قراءتى النشيدَ مكتوباً". وذلك فى كل خبر لمبتدأ، مصدر، في الغالب2 وبعد هذا المصدر معموله، ثم حالٌ، تدل على الخبر المحذوف وجوباً، وتغنى عنه، ولا تصلح3 فى المعنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ4 ... ؛ كالمثال السالف. فكلمة "قراءة" مبتدأ، وهى مصدر مضاف، والياء مضاف إليه، "النشيدَ" مفعول به للمصدر، فهوالمعمول للمصدر - "مكتوباً" حال منصوب ولا تصلح أن تكون خبراً لهذا المبتدأ؛ إذ لا يقال: قراءتى مكتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية أضيف لها، والتقدير؛ قراءتى النشيد إذا كان مكتوباً، أوإذ كان مكتوباً وقد حذف الخبر الظرف بمتعلَّقه5، ومعه المضاف إليه؛ لوجود ما يدل عليه، ويسد
مسدهُ فى المعنى؛ وهو؛ الحال التى صاحبها الضمير، الفاعل، المحذوف مع فعله. ومثله: مساعدتى الرجلَ محتاجاً، أى: إذا كان أوإذ كان محتاجاً. "فمحتاجاً" حال لا تصلح من جهة المعْنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ، إذ لا يقال: مساعدتى محتاج "وصاحب هذه الحال هوالضمير الفاعل المحذوف مع فعله". و"الرجل" مفعول به للمصدر - فهومعموله - ومثل هذا يقال فى شربى الدواء سائلا، وأكلى الطعامَ ناضجاً -.. و ... فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور وجب رفعها لتكون هى الخبر؛ فلا يصح إكرامى الضيف عظيماً، بل يتعين أن نقول: إكرامى الضيفَ عظيم ... بالرفع على الخبر1 ...
هذا، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر - التى سبقت - فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه، أوما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب. 5- حذفه من بعض أساليب مسموعة عن العرب؛ منها: حَسْبُك يَنَم الناسُ. "ملاحظة": بقيت حالة سبقت الإشارة إليها1، وهى التى يكون فيها المبتدأ متقدماً - مباشرة - على أداة شرطية، فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أوصلح لمباشرة الأداة الشرطية - كان هوالجواب للأداة الشرطية - فى الرأى الأرجح - وكان خبر
المبتدأ محذوفاً وجوبا؛ نحو: الطفل إن يتعلم فهونافع، - الصانعُ إن يتقن صناعته يستفدْ مالا وجاهاً. فدخول "الفاء" على الجملة الاسمية دليل على أن هذه الجملة جواب للشرط، وليست خبراً؛ لكثرة دخول الفاء على الجمْلة الجوابية دون الخبرية.، وجزم المضارع: "يستفدْ" دليل على أنه جواب الشرط وعلى صلاحه لمباشرة الأداة، وأن الجملة المضارعية ليست خبراً1 ... فإن لم يقترن ما بعدهما بالفاء، أولم يصلح لمباشرة الأداة، كان خبرا، والجواب محذوفا؛ نحو: الطفل إن يتعلم هونافع - الصانع إن يهمل صناعته ليس يستفيدُ. إذ لو كان جوابا للشرط لوجب اقترانه بالفاء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا فرق فى المصدر الواقع مبتدأ بين أن يكون صريحاً كالأمثلة السابقة1 وأن يكون مؤولا؛ مثل: أن اقرأ النشيد مكتوباً. أن أساعد الرجل محتاجاً. وكذلك لا فرق فى الحال بين المفردة كالتى سبقت، والظرف، نحو: قراءتى النشيد مع الكتابة - أكلى الطعام مع النضج -، والجملة الاسمية نحو: قراءتى النشيد وهومكتوب، أو: الفعلية مضارعية وغير مضارعية؛ نحو: مساعدتى الرجل يحتاج، أو: مساعدتى الرجل وقد احتاج. وليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هوالمصدر فقد يكون المبتدأ أفعل تفضيل مضافاً إلى المصدر - الصريح، أوالمؤول - الذى وصفناه، نحو: أحسن قراءتى النشيد مكتوباً. أكمل مساعدتى الرجل محتاجاً. أحسن ما أقرأ النشيد مكتوباً - أكمل ما أساعد الرجل محتاجاً. "ب" من الأساليب الصحيحة محمد والفرس يباريها، أو: محمد وهند تسابقه ... ونحوهذا من كل أسلوب يشتمل على مبتدأ، بعده معطوف بواوالعطف، ثم يجىء بعد ذلك المعطوف شئ ينسب حصوله للمعطوف، أوالمعطوف عليه، ويقع أثره المعنوى على الآخر الذى لم ينسب له الحصول، ففى المثال الأول نرى المبتدأ هو: "محمد"، وبعده المعطوف بالواوهو: "الفرس"، وبعده الفعل "يبارى" الذى ينسب حصوله للمبتدأ "محمد"، ولكن يقع أثره على الفرس، فكأنك تقول: محمد يبارى الفرس ... وفى المثال الثانى: المبتدأ هو"محمد" أيضاً، وبعده المعطوف بواوالعطف؛ وهو: "هند" والفعل الذى بعده هو: "تسابق" وينسب حصوله للمعطوف "هند"، ولكن يقع أثره المعنوى على المتبدأ؛ فكأنك تقول: هند تسابق محمداً ... فأين خبر المبتدأ في المثالين السابقين وأشباههما؟ خير الآراء فى ذلك أن الخبر محذوف، والتقدير والفرس يباريها - مسرعان ... محمد وهند تسابقه متناسقان ... ويجوز أن تكون الواوواوالحال والجملة بعدها حال أغنت عن الخبر2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول أحسن؛ لاعتبارين؛ "أولهما": مطابقته لقاعدة عامة؛ هى: أن الأصل فى المبتدأ أن يكون له خبر أصيل، لا شئ آخر - كالحال - يسدّ مسدّه، وأن هذا الخبر الأصيل يصح حذفه لدليل. "ثانيهما": أنه يصلح لكل التراكيب التى تتصل بموضوعنا. ومن هذه التراكيب ما يكون فيه المبتدأ غير مستوف للشروط التى تجعله يستغنى بالحال عن الخبر كالمثالين المعروضين هنا، وأشباههما1 ...
المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ
المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ 1 يكثر أن يكون للمبتدا الواحد خبران أوأكثر2؛ مثل: التنبى شاعرٌ، حكيمٌ، فكلمة "المتنبى" مبتدأ، و"شاعرٌ" خبر، و"حكيمٌ" خبر ثان. وكذلك: "شوقىٌّ" شاعر، ناثر، حكيم؛ فكلمة "شوقىّ" مبتدأ و"شاعر" خبر، و"ناثر" خبر ثان، و"حكيم" خبر ثالث. وهكذا يتعدد الخبر. غير أن هذا التعدد ثلاثة أنواع: أولهما: أن يتعدد الخبر لفظاً ومعنى، بحيث يكون كل واحد مخالفاً للآخر فى هذين الأمرين؛ نحو: بلدنا زراعىّ، صناعىّ - صحيفتنا علمية، أدبية، سياسية ... فكلمة "بلد" مبتدأ، بعده خبران، مختلفان، لفظاً ومعنى، وكل معنى مقصود لذاته. وكلمة "صحيفة" مبتدأ، وبعدها ثلاثة أخبار؛ كل واحد منها على ما وضفنا. نحوقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . وحكم هذا النوع أنه يجوز فيه عطف الخبرالثاني وما بعده على الخبر الأول، بحرف عطف مناسب3 فيصح فى الأمثلة السابقة أن نقول: بلدُنا زراعىٌّ وصناعىٌّ - صحيفتنا عمليةٌ، وأدبيةٌ، وسياسيةٌ ... - معهدنا علمىٌّ، وأدبىٌّ، ورياضىٌّ، وثقافىٌّ ... بإثبات حرف العطف أوحذفه فى كل الأمثلة؛ فعند إثباته يعرب ما بعده معطوفاً على الخبر الأول4 دائماً. ومع أنّ ما بعد الخبر الأول
هوخبر فى المعنى والتقدير فإنا لا نسميه عند الإعراب1 خبراً. أما عند حذف العطف فيسمى اللفظ المتعدد: خبراً، ويعرب خبراً. ثانيهما: أن يتعدد الخبر فى اللفظ فقط وتشترك الألفاظ المتعددة فى تأدية معنى واحد، هوالمعنى المقصود، وذلك بأن تكون الألفاظ مختلفة؛ لكل منها معنى خاص يخالف معنى الآخر -. ولكنه معنى غير مقصود لذاته؛ وإنما المعنى المقصود لا يتحقق إلا بأن تنضم هذه المعانى المتخالفة، بعضها إلى بعض، لتؤدى وهى مجتمعة معنى جديداً لا ينشأ إلا من مجموعها، كأن ترى رجلاً ليس بالقصير ولا الطويل. فتقول: "الرجل طويل قصير" تريد أنه "متوسط" فكل من كلمتى: "طويل" و"قصير" لها معنى خاص يخالف الآخر، ولكنه ليس مقصوداً لذاته؛ وإنما المقصود منه أن ينضم إلى المعنى الآخر لينشأ عن انضمامهما معنى جديد، هو: "متوسط" وهوالمعنى المراد، الذى لا يفهم من إحدى الكلمتين منفردة؛ وإنما يفهم منهما معاً؛ برغم أن كل واحدة منهما تسمى: خبراً2، وتعرب خبراً، ولها معنى خاص، ولكنه غير مقصود، كما قلنا. ومثل: الطفل سمين نحيف، أى: معتدل. ومثل: الفاكهة حلوةٌ مرةٌ، أى: متغيرة الطعم، أومتوسطة، بين الحلاوة والمرارة، وهكذا ... ولهذا النوع ضابط يميزه؛ هو: أن المعنى المراد يتحقق ويصلح حين نجعل الألفاظ المتخالفة كتلة واحدة هى الخبر، ويفسد إذا جعلنا بعضها هوالخبر دون بعض. على أننا عند الإعراب لا بد أن نعرب كل واحد خبراً، ونسميه خبراً، - كما قلنا - ونعلم أنه يشتمل3 على ضمير مستتر يعود على المبتدأ، وهوغير
الضمير المستتر الذى يحويه المعنى الجديد الناشئ من المعانى الفردية غير المقصودة. وحكم هذا النوع أنه لا يجوز فيه العطف؛ لأن الخبرين أوالأخبار شئ واحد من جهة المعنى، والعطف يشعر بغير ذلك1. كما لا يجوز أن يَفصِل فيه بين الخبرين أوالأخبار فاصل أجنبى، ولا أن يتأخر2 المبتدأ عن تلك الأخبار أويتوسط فيها3. ثالثها: أن يتعدد الخبر فى لفظه ومعناه ولكن تعدده فى هذه الحالة يكون تابعاً لتعدد المبتدأ فى نفسه حقيقة أوحكماً. ويوصف المبتدأ بأنه متعدد فى نفسه حقيقة حين يكون ذا فردين أوأفرادن أى: حين يكون مثنى أوجمعاً؛ نحو: الصديقان مهندس، وطبيب. ونحو: السباقون غلام، وشاب، وكهل. ففى المثال الأول تعددت أفراد الخبر فكانت فردين، يستقل كل منهما عن الآخر؛ تبعاً لتعدد أفراد المبتدأ المثنى؛ إذ يشمل فردين. وفى المثال الثانى تعددت أفراد الخبر فكانت ثلاثة أفراد - على الأقل - تبعاً للأفراد المقصودة من المبتدأ الجمع. فالمبتدأ المثنى فى المثال السابق فى قوة مبتدأين لكل منهما خبر، والمبتدأ الجمع فى قوة ثلاث مبتدءات لكل منها خبر ... وهكذا. ويوصف المبتدأ بأنه متعدد حكماً حين يكون منفرداً "أى: شيئاً واحداً" ولكنه ذوأجزاء وأقسام؛ نحو: جسم الإنسان رأس، وجذع، وأطراف. ونحو: البيت غرفة للضيوف، وغرفة للأكل، وغرفة للقراءة، وغرف للنوم. ونحو: حديقة الحيوان جزء للوحوش، وجزء للطيور، وجزء للقردة ... و ... و ... والفرق بين هذا النوع وسابقه أن المبتدأ فى النوع السابق لا بد أن يكون ذا فردين أوأفراد، وكل فرد له كيان مستقل كامل، يتركب من أجزاء متعددة.
أما فى النوع فالمبتدأ فرد واحد، لكن له أجزاء، ومن هذه الأجزاء مجتمعة يتكون الفرد الواحد. وحكم هذا النوع أنه يجب فيه عطف الخبر الثانى والثالث وما بعدهما، على الأول1؛ بشرط أن يكون حرف العطف الواو، ومتى عطف الخبر زال عنه اسم الخبر، وسمى عند الإعراب معطوفاً2. هذا وتعدد الخبر ليس مقصوراً على نوع الخبر المفرد؛ بل يكون فيه "نحو: المجلات طبيةٌ، هندسيةٌ، زراعيةٌ، تجاريةٌ ... " ويكون فى الجملة؛ "نحو: العصفور يغردُ، يتحركُ؛ يطيرُ، يتلفتُ - الصيف نهاره طويل، ليله قصير". وفى شبه الجملة؛ "نحو: الطائر أمامكَ؛ قُرْبك" وقد يكون مختلطاً؛ "نحو: هوأسد يزأر". فكلمة: "أسد" خبر. وكذلك جملة: "يزأر"، "ونحو: الأسد يَكْشِر عن أنيابه، غاضب، عابس". فجملة؛ "يكشر ... " خبر، وكذلك كلمة: غاضب، وكلمة: عابس. نستخلص من كل أن الأخبار المتعددة: "أ" وقد تكون واجبة العطف. "ب" وقد تكون ممتنعة العطف. "ج" وقد يجوز فيها العطف وعدمه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" من الأخبار المتعددة ما لا يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ نحو: المجلات طبية، هندسية، زراعية؛ لأن المعنى يفسد مع النعت، إذ يؤدى إلى أن الطية صفتها هندسية، زراعية؛ وهوغير المقصود. ومثل: الأسد يَكْشر عن نابه، غاضب؛ إذ لا يوجد فى الكلام ما يصلح أن يكون منعوتاً. وكثير من الأخبار المتعددة يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ مثل: هوأسد يزأر؛ فجملة: "يزأر" تصلح أن تكون فى محل رفع خبراً ثانياً، أونعتاً للخبر الأول. ومثلها: الحُطَيْئة شاعرٌ مُخَضْرَم1، هَجّاء. فيجوز فى كل من "مخضرم" و"هجاء" أن تكون خبراً، وأن تكون نعتاً لكلمة: "شاعر". ونحو: "ولادة" الأندلسية أميرة شاعرة، كاتبة، موسيقية، فيجوز في كل واحدة من الكلمات الثلاث الأخيرة أن تكون خبرا بعد الخبر الأول. وأن تكون نعتا للخبر الأول. هذا، وجواز الأمرين في كل ما سبق - وفي غيره من كل ما يجوز فيه أمران أو أكثر - متوقف على عدم القرينة التي تعين واحد يجب الاتجاه إليه وحده، إذ لكل أمر معنى يخالف غيره. ومن الألفاظ ما يجب أن يكون نعتاً ولا يصلح خبراً؛ وذلك حين يمنع مانع معنوى أولغوىّ، نحو: حامد رجل صالح، أوعلىٌّ رجل يفعل الخير؛ لأن الخبر لا بد أن يتمم الفائدة الأساسية - كما عرفنا - ولم يتممها هنا لعدم إفادة الإخبار بالأول إلا مع النعت؛ لأن رجولته مستفادة من اسمه، لا من الخبر وهذا من نوع الخبر الذى يتمم الفائدة بتابعه2 ... ولذلك كان الأحسن فى قوله تعالى: "كونوا قردة خاسئين" أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون كلمة: "خاسئين" خبراً ثانياً، لا نعتاً؛ لان جمع المذكر السالم لا يكون نعتاً لغير العاقل إلا بتأول لا داعى له هنا ... ومثل قول النحاة: الفاعل، اسم، مرفوع، متأخر عن فعله، دال على من فعل ذلك الفعل، أوقام به ... فيجب أن يكون الخبر هوكلمة: "اسم" فقط، وما بعده صفات له، وليست أخباراً؛ لأن الخبر يجب أن يتم به المعنى الأساسى مع المبتدأ، وهنا لا يتم بواحد مما جاء بعد الخبر الأول، إذ الفاعل لا يتم معناه ولا تتضح حقيقته بأنه مرفوع فقط، أومتأخر فقط ... أو ... فقط. وإنما يتم معناه وتتضح حقيقته بأنه اسم موصوف بصفات معينة؛ مجتمعة هى: الرفع، مع التأخير، مع الدلالة ... فكلمة: "اسم" هى التى تعرب وحدها خبراً؛ لأنها مع تلك القيود التى نسميها نعوتاً - تكمل المعنى مع المبتدأ، وتتمم الفائدة. ومثل هذا يقال فى تعريف المبتدأ، وتعريف الخبر، والمفعول، وكل تعريف من التعريفات العلمية المشتملة على ألفاظ وقيود تصلح أن تكون أخباراً أونعوتاً لولا المانع السابق. "ب" قد يتعدد المبتدأ. وأكثر ما يكون ذلك فى صورتين: يحسَن عدم القياس عليهما فى الأساليب الأدبية والعلمية التى تقتضى وضوحاً ودقة؛ لأنهما صورتان فيهما تكلف ظاهر، وثقل جلىّ. وقيل إنهما موضوعتان1 فلا يصح القياس عليهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: صالح، محمودن هند، مكرمته من أجله، حيث تعددت المبتدءات متوالية، مع خلوكل منها من إضافته لضمير ما قبله. ثم جاءت الروابط كلها متوالية بعد خبر المبتدأ الأخير. ولإرجاع كل ضمير إلى المبتدأ الذى يناسبه نتبع ما يأتى: 1- أن يكون أول خبر لآخر مبتدأ، ويكون الضمير البارز فى هذا الخبر راجعاً إلى أقرب مبتدأ قبل ذلك المبتدأ الذى أخبر عنه بأول خبر. 2- ثم يكون الضمير البارز الثانى للمبتدأ الذى قبل ذلك. وهكذا ... فترتب الضمائر مع المبتدءات ترتيباً عكسيّاً. ففى المثال السابق نعرب كلمة "مكرمته" خبراً عن "هند"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهوالهاء يعود إلى: "محمو"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهوالهاء يعود إلى: "محمود"، والضمير الذى فى آخر: "أجله"، وهو: الهاء أيضاً يعود إلى: "صالح"، ويكون المراد: محمود هند مكرمته من أجل صالح، أو؛ هند مكرمة محمود من أجل صالح. وذلك بوضع الاسم الظاهر مكان الضمير العائد إليه. الثانية: فى مثل محمد، عمه، خاله، أخوه قائم، حيث تعددت المبتدءات وكان الأول منها مجرداً من إضافته للضمير. أما كل مبتدأ آخر فمضاف إلى ضمير المبتدأ الى قبله. فمعنى الجملة السابقة، أخوخال عم محمد - قائم - فنضع مكان كل ضمير الاسم الظاهر الذى يفسر ذلك الضمير العائد عليه. وفى الأمثلة السابقة للصورتين ما ينهض دليلا على أن استعمال هذه الأساليب معيب، والفرار منها مطلوب1.
المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء
المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباطاً معنويًّا قويًّا1. ويزيده قوة بعض الروابط اللفظية؛ كالضمير العائد عليه من الخبر، وكغيره مما عرفناه، ولهذا كان الغالب عليه أن يخلومن الفاء التى تستخدَم للربط2 فى بعض الأساليب الأخرى. فمن أمثلة الخبر الحالية من الفاء: العلمُ وسيلةُ الغنى - النظافةُ وقايةٌ من المرض - التجارةُ بابٌ للثروة. ومن الألفاظ التى ليست خبراً ولكنها تحتاج - أحيانا - إلى الفاء الرابطة بينها وبين ما سبقها: جواب اسم الشرط3 المبهم4 الدال على العموم؛ "لكونه لا يختص بفرد معين؛ وإنما هوشائع"؛ مثل: منْ يعمل خيراً فجزاؤُه خيرٌ. فكلمة "مَنْ" اسم شرط، يدل على العموم، وبعده فعل الشرط مستقبل الزمن؛ وهو5: "يعمل"، ثم يليه جملة اسمية هى جواب الشرط، أى: نتيجته المترتبة عليه، التى يتوقف حصولها فى المستقبل أوعدم حصولها على وقوعه أوعدم وقوعه، وهى: "جزاؤه خير". وقد اقترنت هذه الجملة الاسمية بالفاء؛ فربطت بينها وبين جملة الشرط. ودل هذا الارتباط على اتصال
بين الجملتين، وأن الثانية منهما نتيجة للأولى. ولولا الفاء الرابطة لكان الكلام جُمَلا مفككة، لا يظهر بينها اتصال. ومثل هذا كل أسماء الشرط الأخرى الدالة على الإبهام والعموم، والتى لها جملة شرطية، تليها جملة جواب مقرون بالفاء ... والخبر - مفرداً أوغير مفرد - قد يقترن بالفاء وجوباً فى صورة واحدة، وجوازاً فى غيرها1، إذا كان شبيها بهذا الجواب الشرطى، بأن يكون نتيجة لكلام قبله، مستقبل الزمن، وفى صدر هذا الكلام مبتدأ يشتمل غالبا2 على العموم والإبهام؛ نحو: الذى يصادقنى فمحترم: "فالذى" اسم موصول مبتدأ2، وهويدل على الإبهام والعموم، وبعده "يصادقنى" كلام مستقبل المعنى3، له نتيجة مترتبة على حصوله وتحققه، هى الخبر: "محترم" وقد دخلت الفاء على هذا الخبر؛ لشبهه بجواب الشرط فى الأمور الثلاثة السالفة التى هى: "وجود مبتدأ دال على الإبهام والعموم، كما يدل اسم الشرط المبتدأ على الإبهام والعموم" و"وجود كلام بعد المبتدأ مستقبل المعنى؛ كوجود جملة الشرط بعد أداة الشرط" و"ترتّب الخبر على الكلام السابق عليه؛ كترتب جواب الشرط على جملة الشرط - وهذا مهم". ومن الأمثلة: رجلٌ يكرمنى فمحبوب - من يزورنى فمسرور ...
الأدباء للوالي: من1 أرادك بسوء فجعله الله حصيد سيفك، وطريد خوفك، وكل عدو فتحت قدمك ... وهكذا كل خبر تحققت فيه الأمور الثلاثة؛ سواء أكان خبراً مفرداً، أم جملة، أم شبه جملة. فالقاعدة العامة فى اقتران الخبر بالفاء هى: مشابهته لجواب الشرط فى فى تلك الأمور الثلاثة، مع خلوالكلام من أداة شرط بعد المبتدأ، لكيلا يلتبس الخبر بجواب الشرط. وقد تتبع النحاة مواضع المشابهة فوجدوها تتركز فى موضعين لا تكاد تخرج عنهما، مع خلوكل موضع من أداة شرط بعد المبتدأ. الأول: كل اسم موصول عامّ وقعت صلته جملة فعلية مستقبلة المعنى في الأغلب2 -، أووقعت ظرفاً، أوجارًّا مع مجروره بشرط أن يكون شبه الجلمة بنوعيه متعلقاً بفعل مستقبل الزمن في الأغلب2. الثانى؛ كل نكرة عامة، وصفت بجملة فعلية، مستقبلة المعنى، أوبظرف، أوبجار مع مجروره على الوجه السالف الذى يقضى بتعليق شبه الجملة بمضارع مستقبل الزمن في الأكثر -. وإذا اقترن الخبر بالفاء وجب تأخيره عن المبتدأ؛ كالأمثلة التى أوضحناها، فإن تقدم وجب حذف الفاء3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لم يكتف النحاة بالتركيز الذى أشرنا إليه وإنما عرضوا للتفصيل، وعدّ المواضع المختلفة التى تقع فيها المشابهة - بشرط استيفاء كل منها الشروط الثلاثة السالفة، مبالغة منهم فى الإبانة والإيضاح. وإليك بيانها بعد التنبيه إلى أمرين: أولهما: أن الأغلب في كل الجمل الفعلية الواقعة صلة أو صفة في الصور الآتية أن يكون زمنها مستقبلا محضا. ويجوز أن يكون ماضيا - مع قلته، كما أسلفنا1 - فليس من الواجب المحتوم استقبال الزمن في تلك الجمل الفعلية. والأغلب كذلك في شبه الجملة بنوعيه "الظرف والجار مع مجروره" الواقع صلة أو صفة في الصورة التالية أن يتعلق بفعل مستقبل الزمن. ونستغني بهذا التنبيه عن ذكر كلمة "الأغلب" في كل صورة من الصور التالية. منعا للتكرار. ثانيها: أن كثيراً منها مع صحته لا تستسيغه أساليبنا الحديثة العالية. فخير لنا ألا نستعمله قدر الاستطاعة، وأن نعرف هذه المواضع لنفهم ما قد يكون منها في كلام السابقين، دون القياس عليها، بالرغم من إباحة هذا القياس. 1- خبر المبتدأ الواقع بعد "أمَّا" الشرطية. نحو: أما الوالد فرحيم. وهذا الموضع يجب فيه اقتران الخبر بالفاء دون باقى المواضع2؛ فيجوز فيها الاقتران وعدمه، والاقتران أكثر. 2- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جملة فعلية زمنها مستقبل1، تصلح أن تكون جملة للشرط3: نحو: الذى يستريض فنشيط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته ظرف؛ نحو: الذى عندك فأديب. ولا بد أن يكون شبه الجلمة فى هذه الصورة وفما يليها متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن كما سلف. 4- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جار مع مجروره، نحوالذى فى الجامعة فرجل. 5- أن يكون المبتدأ نكرة عامة بعدها جملة فعلية زمنها مستقبل، صفة لها؛ نحو: رجل يقول الحق فشجاع. 6- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها ظرف، متعلق بفعل مستقبل - والظرف 1 صفة لها، نحو: طالب مع الأستاذ فمستفيد. 7- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها جار ومجرور، صفة لها؛ نحو: طالبٌ فى المعمل فمنتفع. 8- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن، تصلح أن تكون جملة للشرط؛ نحو: كتاب الذى يتعلم فمصون. 9- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته ظرف؛ نحوقلم الذى أمامك فجيد. 10- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مرشدة التى فى البيت فخبيرة. 11- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها؛ مثل جميع" مضافاً إلى نكرة موصوفة بجملة فعلية بعدها ... 2، نحو: كل رجل يهمل فصغير..... 12- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها"، مضافاً إلى نكرة موصوفة بظرف، نحو: كل وطنى أمام الوطن فمخلص. وقول الشاعر: كُلُّ سَعْى سوى3 الذى يورث الفو ... زَ فعقباه حسْرةٌ وخَسَارُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها" مضافاً إلى نكرة موصوفة بجار ومجرور؛ نحو: كل فتاة فى العمل فنافعة. 14- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن تصلح للشرط، نحو: الزميل الذى يعاونك فرياضى. 15- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته ظرف: نحو: الزائرة التى معك فمثاليّة. 16- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: الرائد الذى فى الرحلة فأمين. 17- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف صلته جملة فعلية؛ نحو: خادم الرجل الذى يزرع فنافع. 18- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته ظرف؛ نحو: كاتب الرسالة التى معك فقدير. 19- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مؤلف الكتب التى فى الحقيبة فعظيم. وفى جميع الأمثلة السابقة يجوز أن يكون الخبر مفرداً، أوجملة، أوشبه جملة. ولا بد من خلوالجملة بعد المبتدأ من أداة شرط - ومن غيره مما سبق في رقم 3 من هامش ص 538. تلك هى أشهر الصور التى يقترن فيها الخبر بالفاء - وجوباً فى واحدة، وجوازاً فى الباقى - لغرض هام، هو: النص على مراد المتكلم من ترتب الخبر على الكلام الذى قبله، وإبانة أن الخبر نتيجة مترتبة على ما سبقه....2. ولوفقد شرط من الثلاثة التى بيناها لامتنع دخول الفاء على الخبر؛ فمثال فقد العموم: سعيك الذى تبذله فى الخير محمود. ومثال فَقْد الاستقبال: الذى زارنى أمس مشكور. ومثال الجملة الفعلية3 المستقلة الواقعة صلة أوصفة وهى غير صالحة لأن تقع شرطية لاشتمالها على ما، أو: لن، أو: قد، أو ...
أو: إلخ. الذى لن يزورنى مسئ ... ومثل هذا يقال فى الصفة أوالصلة التى لم تستوف الشروط. وقد تدخل الفاء جوازاً - ولكن بقلة - فى الخبر الذى مبتدؤه كلمة "كل" إما مضافة لغير موصوف أصلا؛ نحو: كل نعمة فمن الله، وقول الشاعر1: وكلُّ الحادثات وإن تناهتْ ... فمقرون بها الفرج القريبُ وإمّ مضافة لموصوف لكن غير ما سبق2 نحو: كل أمر مفرح أومؤلم فنتيجة لعلم صاحبه. وإذا كان المبتدأ "أل" الموصولة وصلتها3 صفة صريحة مستقبلة الزمن - جاز الإتيان بالفاء فى الخبر نحو: الصانع والصانعة فنافعان. المخترع والمخترعة فمفيدان. ومنه قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ... وفريق من النحاة منع دخول الفاء فيما سبق، وأوّلَ الآية. وهذا رأى لا يصح الأخذ به مع وجود آية كريمة تعارضه، كما لا يصح تأويل الآية لتوافقه. فالصحيح دخولها على الخبر ولوكان أمراً أونهيًّا. بقى أن نعرف أن المبتدأ الذى يشبه اسم الشرط فيما سبق إذا دخل عليه ناسخ - غير إنّ، وأنّ، ولكنّ - فإن الناسخ يمنع دخول الفاء على خبره. أما إنّ، وأنّ، ولكنّ، فلا تمنع؛ فيجوز معها دخول الفاء: مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وقول الشاعر: فوالله ما فارقتكم قالياً5 لكم ... ولكنّ ما يُقْضَى فَسَوْف يكونُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا عطفت على المبتدأ الذى خبره من الأنواع السابقة المقرونة بالفاء، أوعلى ما يتصل به من صلة، أوصفة، ونحوها - وجب تأخير المعطوف عن الخبر؛ إذ لا يجوز الفصل بينه وبين مبتدئه بالمعطوف، ففى مثل: الذى عندك فمؤدب، لا يصح أن يقال: الذى عندك والخادم فمؤدب، أوفمؤدبان، وهكذا ...
نواسخ الابتداء "كان وأخواتها"
نواسخ الابتداء "كان وأخواتها" مدخل ... المسألة الثانية والأربعون: نواسخ الابتداء "كان وأخواتها" ... 1 معنى الناسخ: الجملة الاسمية فى مثل "الرياحين مُتْعة" - تتكون من اسمين مرفوعين، يسمى أولهما: المبتدأ، وله الصدارة فى جملته - غالباً -. ويسمى الثانى: خبراً كما هومعروف. ولكن قد يدخل عليهما ألفاظ معينة تغير اسمهما، وحركة إعرابهما، ومكان المبتدأ من الصدارة فى جملته، ومن هذه الألفاظ: كانَ، إنَّ ... ظنَّ ... ولكل واحدة أخوات1 مثل: كان العامل أُميناً، وقول الشاعر: وإذا كانت النفوسً كباراً ... وتَعِبتْ فى مرادها الأجسامُ فيصير المبتدأ اسم "كان" مرفوعاً وليس له الصدارة الآن، ويصير خبر المبتدأ خبر كان منصوباً. ويسمى: خبرها" 2 ... ومثل؛ إنّ العاملَ أمينٌ؛ فيصير المبتدأ اسم "إن" منصوباً، وليس له الصدارة، ويصير خبره خبر "إن" مرفوعاً. ونقول: ظننت العامل أميناً فيصير المبتدأ والخبر مفعولين منصوبين للفعل: "ظننت" وليس للمبتدأ الصدارة. وتسمى الكلمات التى تدخل على المبتدأ والخبر فتغير اسمهما وحركة إعرابهما
ومكان المبتدأ: "النواسخ"، أو: نواسخ الابتداء؛ لأنها تحدث نسخاً، أى: تغييراً على الوجه الذى شرحناه ولا مانع من دخولها على المبتدأ النكرة ... فيصير اسماً لها؛ إذ لا يشترط فى اسمها أن يكون معرفة فى الأصل، ولكن يشترط في اسمها ألا يكون شبه جملة، لأن اسمها في أصله مبتدأ، والمبتدأ لا يكون شبه جملة3 ...
ومما سبق يتبين أن النواسخ بحسب التغيير1 الذى تحدثه ثلاثة أنواع: نوع يرفع اسمه وينصب خبره - فلا يرفع فاعلا، ولا ينصب مفعولا - مثل: "كان وأخواتها"، ونوع ينصب اسمه ويرفع خبره؛ مثل: "إن وأخواتها"، ونوع ينصب الاثنين ولا يستغنى عن الفاعل؛ مثل: "ظن وأخواتها". ولكل نوع أحواله وأحكامه المفصلة فى بابه الخاص. وكلامنا الآن على: "كان" وأخواتها من الأفعال الناسخة التي تعمل عملها2، وتسمى أيضاً: الأفعال الناقصة3. وفيما يلي بيان أشهرها، وشروطه عمله، ومعنى كل فعل: إنها ثلاثةَ عَشَرَ فعلا4؛ كان - ظل - بات - أصبح - أضحْى -
أمسى - صار - ليس - زال - برح - فتئ - انفك - دام. وكل هذه الأفعال تشترك فى أمور عامة، أهمها1: أنها لا تعمل إلا بشرط أن يتأخر اسمها عنها2، وأن يكون خبرها غير إنشائي؛ فلا يصح: كان الضعيف عاونْهُ3. وأن يكون الاسم والخبر مذكورين معاً، ولا يَصح - مطلقاً - حذفهما معا، ولا حَذف أحدهما. إلا "ليس"، فيجوز حذف خبرها، وإلا "كان" فيجوز فى أسلوبها أنواع من الحذف. وسيجئ البيان عند الكلام عليهما4. وألا يتقدم الخبر عليها إذا كان اسماً متضمناً معنى الاستفهام؛ وهى مسبوقة بأحد حرفى النفى: "ما" أو: "إن"؛ فلا يقال: أين ما يكون الصديق؟ ولا أين إنْ يكونُ الصديق؟ ولا أين ما زال العمل؟ لأنّ "ما" و"إنْ" النافيتين لهما الصدارة فى كل جملة يدخلان عليها؛ فلا يصح أن يسبقهما شىء من تلك الجملة، وإلا كان الأسلوب فاسداً5. وأنها إذا كانت مسبوقة بما المصدرية وجب ألا يسبقها شيء من صلة "ما"، لأن "ما المصدرية بنوعيها" لا يسبقها شيء من صلتها - كما تقدم6 -. وأن صيغتها حين تكون بلفظ الماضى، وخبرها جملة فعلية مضارعية - لا بد أن يماثلها زمن هذا المضارع؛ فينقلب ماضياً7 - عند عدم وجود مانع -؛
ففى مثل: أصبح العصفور يغرد - يكون زمن المضارع "يغرد" ماضياً، مع أن الفعل مضارع، ولكنه - هووكل الأفعال المضارعة - يتابع زمن الفعل الماضى الناسخ، بشرط عدم المانع الذى يعينه لغيره - كما أشرنا -. وأن أخبارها لا تكون جملة فعلية ماضوية، ما عدا "كان" فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية1. بقي من شروط الخبر: أن يتمم المعنى بنفسه مباشرة مع الاسم - وهو الغالب - وقد يتممه في بعض الأحيان بمساعدة النعت، طبقا للبيان المفصل الذي سبق في باب: "المبتدأ والخبر" موضحا بالأمثلة.... ويشترط في الخبر أيضا ألا يكون معلوما من اسم الناسخ وتوابعه، كما في البيان السالف2. أما فى غير الأمور المشتركة السالفة فلكل فعل ناسخ - وكل ما قد يكون لمصدره من مشتقات 3 - معناه الخاص مع معموليه4 وشروطه الخاصة التى سنعرضها فيما يلى:
كان: نفهم معناها من مثل: كان الطفل جارياً؛ فهذه الجملة يراد منها إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وان الجرى فى زمن ماض؛ بدليل الفعل: "كان". ولوقلنا: يكون الطفل جارياً - لكان المراد إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وأن الجرى فى زمن حالى أومستقبل، بدليل الفعل المضارع: "يكون". ولوقلنا: كن جاريًا - لكان المراد إفادة السامع أن المخاطب موصوف بتوجه طلب معين إليه؛ هو؛ مباشرة الجرى، أى: مطالبته بالجرى فى المستقبل؛ بدليل فعل الأمر: "كُنْ". مما سبق نفهم المراد من قول النحاة: "كان" مع معموليها تفيد مجرد اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافاً مجرداً1 فى زمن يناسب صيغتها. فإن كانت صيغتها فعلاً ماضياً فالزمن ماض، بشرط ألاّ يوجد ما يجعله لغير الماضى المحض. وإن كانت صيغتها فعلاً مضارعاً خالصا2 فالزمن صالح للحال والاستقبال بشرط لا يوجد ما يجعله لغيرهما، وإن كانت صيغتها فعل أمر فالزمن مستقبل؛ إن لم يوجد ما يجعله لغيره -. وإن كانت الصيغة إحدى مشتقات مصدرها فالزمن على حسب ما يناسب هذا المشتق3. حكمها: لا بد لإعمالها هي والمشتقات من تحقق الشروط العامة السالفة. وقد تستعمل "كان" الناسخة بمعنى: "صار"4 فتأخذ أحكامها، وتعمل عملها بشروطه؛ مثل: جمد الماء فكان ثلجاً - احترق الخشب فكان تراباً5.
وقد تستعمل بمعنى: "بَقِىَ على حاله، واستمر شأنه من غير انقطاع ولا تَقَيُّدٍ بزمن معين"1 نحو: كان الله غفوراً رحيماً. وقد تستعمل تامة2، وتكثر فى معنى: حصل وظهر "أىّ: وُجِد" فتكتفى بفاعلها؛ نحو: أشرقت الشمس فكان النورُ، وكان الدفء، وكان الأمن. أى: حصل وظهر، ومثل قول الشاعر يصف إحدى البقاع3: وكانت، وليس4 الصبح فيها بأبيض ... وأضحت5، وليس الليل فيها بأسود6 وما تقدم من الأحكام للفعل الماضى: "كان" يثبت لباقى أخواته المشتقات؛ كالمضارع، والأمر، واسم الفاعل. و. و.. هذا، وتضم الكاف من الفعل الماضى: "كان" عند اتصاله بضمائر الرفع المتحركة؛ كالتاء، ونون النسوة، طبقاً للبيان الذى سلف مفصلا7. وبقى من أحكام "كان" أربعة أخرى سيجئ الكلام عليها مفصلاً فى موضعه من آخر هذا الباب؛ وهى: أنها تقع زائدة8، وأن الحذف يتناولها كما يتناول أحد معموليها9، أوهما معاً، وأن نون مضارعها قد تحذف10، وأن خبرها قد ينفى. وهذا الأخير يجئ الكلام عليه مع باقى الأخبار الأخرى المنفية11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" إذا وجد نفى قبل "كان" الماضية والمضارعة وكان خبرها جملة مقترنة "بإلا" الاستثنائية الملغاة - جاز أن يقترن بالواو؛ كقول الشاعر: ما كانَ من بَشَرٍ إلا ومِيتتُهُ ... محْتومة؛ لكِنِْ الآجالُ تختلفُ لأن النفى قد نقض هنا بـ "إلا". والنفى ونقضه شرطان - على الصحيح - لزيادة الواوفى الجملة الواقعة خبر: "كان" أومضارعها - كما تقدم-. وهذه الواوتسمى "الواوالداخلة على خبر الناسخ" وتدخل أيضاً فى خبر "ليس بالشرط السالف كما سيجئ1. وقد سُمعت2 قليلا فى خبر غيرهما من النواسخ. ولا يصح القياس على هذا القليل. وبرغم أن وجودها جائز فى غير القيل مما ذكرناه، فإن الخير - كما يرى كثير من النحاة - فى العدول عنها؛ حرصاً على الدقة فى التعبير، وبعداص عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواو والواوالأخرى التى للحال - أوغيره -، ولكل منهما معنى يخالف معنى النوع الأخر3. والبراعة تقتضى الإبانة التامة، وتجنب أسباب اللبس والاشتباه؛ نزولاً على حكم البلاغة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ب" من الأساليب الأدبية الشائعة: "كائناً ما كان"، و"كائناً من كان"؛ فى مثل: سأفعل ما يقضى به الواجب؛ كائناً ما كان. وسأحقق الغرض الكريم كائناً ما كان ... أى: سأفعل ذلك مهما جدّ وكان ذلك الواجب؛ وذلك الغرض. ومثل: سأرد الظالم: "كائناً من كان" - سأكرم النابغ "كائناً من كان" ... أى: سأفعل ذلك مهما كان الإنسان الظالم، أوالنابغ. أما إعرابه فمتعدد الأوجه: وأيسر ما يقال وأنسبه هو: "كائناً" حال منصوب، واسمه1 ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الشئ السابق، و"ما" أو"من" نكرة موصوفة مبنية على السكون فى محل نصب خبر "كائن". و"كان" فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر يعود على "ما" أو"من" والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب صفة "ما" أو"من". والتقدير النحوىّ: سأفعل ذلك كائناً شيئاً كان. أو: كائناً إنساناً كان. أى: سأفعل ذلك كائناً أىّ شئ وجد أوأىّ إنسان وجد2. ومن الأساليب المرددة فى كلام القدامى الفصحاء - برغم غرابتها اليوم - قولهم: "ربما اشتدت وَقْدة الشمس على المسافر فى الفلاة؛ فكان مما يُغَطِى رأسَه وذراعيه، وربما ثارت الرمال؛ فكان مما يَحْجُبُ عينيه ومنخريه ... " يريدون: فكان ربما يُغَطى رأسه - وكان ربما يحجب عينيه ومنخريه، أى: يغطيهما ... فكلمة: "مما" بمعنى: "ربما" 3....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هو: أن بعض المركبات استعملت استعمال كلمة مفردة، كالذي ورد في "صحيح البخاري" عن ابن عباس ونصه: "كان رسول الله يعالج التنزيل شدة إذا نزل عليه الوحي، وكان مما يحرك لسانه وشفتيه...." وقد أهمل ابن الأثير في كتابه: "النهاية" معنى قوله: "مما يحرك لسانه وشفتيه" وفسره عياض في كتابه: "المشارق" بأن معناه: "كثيرا ما يحرك به لسانه وشفتيه" وبعد أن فسره روى عن أحد الأئمة من شراح الحديث ما يأتي: "في مثل هذا كأنه يقول: هذا من شأنه ودأبه، فجعل" ما" كناية عن ذلك، ثم أدغم "النون" أهـ. وقال آخر: "إن معنى: "مما" هنا هو: "ربما" وهذا من معنى ما تقدم، لأن "ربما" تأتي للتكثير أيضا، وفي "مسلم"، في حديث: "النجوم أمنة السماء: "وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء" ثم قال: تكون "مما" هنا بمعنى: "ربما التي للتكثير، وقد تكون فيها زائدة" أهـ مسلم ثم قال الباحث المعاصر: ما نلخصه في المسائل الآتية: 1- شواهد هذا الاستعمال كثيرة في الحديث والشعر، منها - غير ما تقدم قول رافع في "البخاري" في باب "الحرث والزرع": "كنا نكري الأرض بالناحية، منها مسمى لسيد الأرض، قال فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما تصاب الأرض ويسلم ذلك ... ": ومنها قول ابن عباس الوارد في "صحيح مسلم" في كتاب: تعبير الرؤيا "إن رسول الله كان مما يقول لأصحابه: "من رأي منكم رؤيا فليقصها أعبر هاله" ومنها قول البراء بن عازب: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله مما نحب أن نكون عن يمينه. " ومنها قول أبي حية النميري: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم ثم قال الباحث: تعرض لهذا اللفظ "السيرافي" في شرح كتاب سيبويه. بما نصه عند قول سيبويه: "اعلم أنهم مما يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام غير ذلك ... " اهـ. وهنا قال السيرافي: "أراد: ربما يحذفون.... وهو يستعمل هذه الكلمة كثيرا في كتابه. والعرب تقول: أنت مما تفعل كذا.... أي: ربما تفعل. وتقول العرب أيضا: "أنت مما أن تفعل. أي: أنت من الأمر أن تفعل، فتكون "ما" بمنزلة الأمر - أي: الشيء - و "أن تفعل" بمنزلة الفعل، أي: مصدر تقديره "فعل"، أي: بمنزلة هذا اللفظ - ويكون "أن تفعل"، في موضع رفع بالابتداء، وخبره: "مما" وتقديره: أنت فعلك كذا وكذا من الأمر الذي تفعله" أهـ كلام السيرافي كما نقله الباحث. 2 من السيرافي أخذ ابن هاشم في كتابة: "المغني" عند الكلام على معاني: "من"، فقال عن العاشر من معانيها: "مرادفة "ربما" وذلك إذا اتصلت "بما" كما في قول الشاعر أبي حية النميري: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم قال السيرافي وفريق غيره من النحاة، وخرجوا عليه قول سيبويه: "واعلم أنهم مما يحذفون الكلم...." والظاهر أن "من" فيهما ابتدائية، و "ما" مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب مثل خلق الإنسان من عجل" اهـ. ثم قال الباحث: في كلامه هذا احتمال مخالفتهم في أن جعلوها بمنزلة: "ربما، " لأن: "ربما" لا تعيين للتكثير، واحتمال أنه فسر كلامهم بحمله على إرادة التكثير كما فسر آخرون. وقد أشار ابن هشام- كبعض من سبقوه - إلى كيفية الحذف التي اعتورت هذا التركيب، وأبقت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيه معنى التكثير، أو معنى "ربما، "، أو غير ذلك، كما هو واضح من كلامهم حيث يظهر ترددهم في منشأ معنى التكثير، أمنشؤه الحرف "من" كما يرى ابن هشام، أم الحرف "ما" كما يرى غيره؟ 3- ويقول الباحث: ينبغي التنبيه إلى أن هذا التركيب إذا استعمل هذا الاستعمال يجيء في موضع خبر المبتدأ ويجيء في موضع خبر "كان" وفي موضع الحال، فمن ظن اختصاص ذلك بخبر "كان" فقد وهم. كما ينبغي التنبه إلى أن أصل استعماله في هذا المعنى ألا يصرح معه بلفظ الكثرة، فما وقع فيه لفظ: "كثيرة" فهو جار مجري التفسير من الراوي، أو مجرى التأكيد من القائل، لخفاء دلالة التركيب على التكثير، ومثاله قول سمرة بن جندب: "كان رسول الله مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأي أحد منكم رؤيا ... ؟ " وقول أبي موسى: "وكان رسول الله كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء". والتنبه كذلك إلى أن قول السيرافي: "وتقول العرب أيضا "أنت مما أن تفعل...." غريب، لا يعرف شاهده من فصيح الكلام، فضلا عن كون الحرف "أن" فيه غير واقع موقعا، مع ما فيه من اجتماع ثلاثة أحرف متوالية من أحرف المعاني، وهي: "من" و "ما" و "أن" سواء أجعلت "ما" مصدرية أم زائدة وإلى هنا انتهى كلام الباحث، بعد الاستغناء عن بضع كلمات منه. هذا ويوضح ما سبق أيضا قول سيبويه جـ1 ص 476" إن "من الجارة إذا كفت بالحرف "ما" الزائدة قد تكون بمعنى: "ربما" واستشهد بالبيت السالف. وجاء في آخر الجزء الرابع من القاموس - باب الألف اللينة- عند الكلام على: "ما" وأنواعها، واستعمالاتها.... النص التالي: "إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل، كالكتابة قالوا: "إن زيدا مما أن يكتب" أي: إنه مخلوق من أمر، ذلك الأمر هو الكتابة "أهـ. وقد أشرنا بإيجاز - للأسلوب السابق في جـ2، باب "حروف الجر"، م 90 ص 431 عند الكلام على: "من".
ظل: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول النهار غالبا -، فى زمن ماض، أو حاضر، أو مستقبل، بحيث يناسب دلالة الصيغة المذكورة في الجملة1 نحو: ظل الجو معتدلا يظل الجو معتدلا..... و....... وتسعمل كثيراً بمعنى: "صار" عند وجود قرينة؛ فتعمل بشروطها2؛ نحوقوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} ، أى: صار3. وقد تستعمل تامة فى نحو: ظل الحر؛ بمعنى: دام وطال ... شروط عملها: لا يشترط لها وللمشتقات أخواتها سوى الشروط العامة التى سلفت. أصبح: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها صباحاً، فى زمن يناسب صيغتها. مثل أصبح1 الساهر مُتعباً. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها2؛ مثل: أصبح النِّفطُ دِعامة الصناعة؛ وإنما كانت بمعنى: "صار" فى هذا المثال وأشباهه لأن المراد ليس مقصوراً على وقت الصبح. وإنما المراد التحول من حالة قديمة إلى أخرى جديدة ليست خاصة بالصباح. وقد تستعمل - بكثرة - تامة فى نحو: أيها السارى4 قد أصبحت. أى: دخلت فى وقت الصباح5. وشروط عملها هى الشروط العامة؛ فهى مثل: "ظل".
أضحى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها وقت الضحا، فى زمن يناسب صيغتها ... مثل: أضحى الزارع نكبًّا على زراعته. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فَتعمل بشروطها فى مثل: أضحى الميدان الصناعى مطلوباً. وإنما كانت بمعنى: "صار" لأن المعنى ليس على التقيد بوقت الضحا أوغيره - وإنما على التحول والانتقال من حالى إلى أخرى. وقد تستعمل تامة في مثل: أضحى النائم، أي: دخل في وقت الضحا1. شروط عملها: هى الشروط العامة التى سبقت؛ فهى وبقية المشتقات تشبه مثل: "ظل". في الاكتفاء بالشروط التامة. أمسى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها، مسَاءً فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: أمسى المجاهد قريراً. وتكون كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها؛ مثل: اقتحم العلم الفضاء المجهول: فأمسى معلوماً؛ أى: صار معلوماً؛ لأن المراد ليس التقيد بوقت المساء، وإنما المراد التحول والانتقال. وتستعمل تامة فى مثل: أمسى الحارس. أى: دخل فى وقت المساء2. شروط عملها وعمل المشتقات من مصدرها: هى الشروط العامة السالفة. كظل. بات: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول الليل؛ فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: "بات القادم نائماً، وقول الشاعر: أبيتُ نجِيًّا للهموم كأنَّما ... خلالَ فِراشى جمرةٌ تتوهَّجُ وتكون تامة، فى مثل: بات الطائر؛ بمعنى: نزل ليقضى الليل فى بعض الأمكنة. شروط عملها وعمل المشتقات هي الشروط العامة.
صار: تفيد مع معموليها تَحَوُّلَ اسمها، وَتَغيُّرهُ من حالى إلى حالة أخرى ينطبق عليها معنى الخبر؛ مثل: صارت الشجرة باباً. أى: تحولت الشجرة "وهى اسم: صار" من حالتها الأولى إلى حالة جديدة، سميت فيها باسم جديد، هو: "باب" "وهو؛ الخبر"، ومثل: صار الماء بخاراً؛ فقد تحول الماء "وهو: اسم: صار"، من حالته الأولى إلى حالة جديدة يسمى فيها: "بخاراً" وهوالخبر. وتستعمل تامة في مثل: صار الأمر إليك، بمعنى، ثبت واستقر لك1 وفي مثل: إلى الله تصير الأمور، أي تتجه: وتخضع له وحده. شروط عملها: يشترط فيها وفى الأفعال التى بمعناها2، وفي المشتقات من مصدرها. "1" الشروط العامة السالفة. "2" ألا يكون خبرها جملة فعلية فعلها ماض، فلا يصح صار الجالس وقف، ولا صار المتكلم سكت3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ويشترك مع صار فى المعنى، والعمل، والشروط، أفعال أخرى - غير التى سبقت1 - أشهرها أحدَ عشرَ، كل منها يصح أن تحل "صار" محله، واستعماله قياسىّ مثلها: وهي 1- آض، مثل: آضَ الطفل غلاماً. وآض الغلام شابًّا: بمعنى: "صار" فيهما. 2- رجع، مثل: قوله عليه السلام: "لا تَرْجِعوا بعدى كفارا يَضْربُ بعضكم رقابَ بعض". 3- عاد، مثل: عاد البلد الزراعى صناعيًّا. 4- استحال، مثل: استحال الخشب فحماً. 5- قعد، مثل: قعدتْ المرأةُ مكافحةً فى الميادين المختلفة. 6- حار، مثل: وما المرْءُ إلا كالشِّهاب وضوْئِهِ ... يَخُورُ رَماداً بَعْد إذْ هوساطعُ 7- ارتد، مثل قوله تعالى: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . 8- تَحَول، مثل: تحول القطن نسيجاً، وتحولَ النسيح ثوباً رائعاً. 9- غَدَا: مثل غَدَا العملُ الحرّ مرموماً. وقول الشاعر: إذا غَدَا ملِكٌ بالَّلهومشتغلاً ... فاحكمْ على مُلكه بالويْل والحَرَبِ2 10- رَاح: مثل: رَاحَ المرءُ مقدَّراً بما يحسنه. 11- جاء، فى مثل: ما جاءت حاجَتَك؟ فقد ورد هذا الأسلوب فى الأساليب الصحيحة المأثورة بنصب كلمة: "حاجة"، ومعناه: ما صارت حاجتك.؟ والمراد: أىُّ حاجة صارت حاجتك؟ وإنّما نُصِبتْ كلمة "حاجة" لأنها خبر "جاء" التى بمعنى: صار، واسمها ضمير يعود على "ما"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهامية التى تعرب مبتدأ مبنية على السكون فى محل رفع، والجملة من "جاء ومعموليها" فى محل رفع خبرها1.
ليس: تفيد مع معموليها نفى اتصاف اسمها بمعنى خبرها فى الزمن الحالىّ نحو: ليس القطار مقبلاً. فالمراد نفى القدوم عن القطار الآن1. ولا تكون للنفى فى الزمن الحالى إلا عند الإطلاق، أى: عند عدم وجود قرينة تدل على أن النفى واقع فى الزمن الماضى، أوفى المستقبل: فإن وجدت قرينة تدل على أنه واقع فى أحدهما وجب الأخذ بها؛ نحو: ليس الغريب مسافراً أمس، أو: ليس سافر2 الغريب، أو: وزعت الحقول ليس حقلا3 أو: وجود الفعل الماضي4 بعدها، أوقبلها - دليل على أنه النفى للماضى ... أما فى نحو: ليس الغر مسافراً غداً، أوقوله تعالى في عذاب الكافرين يوم القيامة: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ، فيكون النفى متجهماً للمستقبل؛ لوجود قرينة لفظية فى المثال؛ وهى كلمة: "غد"،
الدالة عليه ولوجود قرينة عقلية فى الآية تدل عليه أيضاً، هى: أن يوم القيامة لم يأت حتى الآن. وقد يكون المراد منها نفى الحكم نفياً مجرداً من الزمن؛ كقول العرب: ليس لكذوب مروءة، ولا لحسود راحة، ولا لسيء الخلق سُؤْدُد.، وقولهم: "ليس منا من عق أباه1". شروط عملها؛ وأحكامها: "1" هى الشروط العامة. "2" لا تستعمل تامة. "3" لا يجوز تقدم خبرها عليها فى الرأى الأرجح2. "4" يجوز حذف خبرها، إذا كان نكرة عامة؛ نحو: ليس أحد. أى: ليس أحد موجوداً، أونحوذلك ... ويجوز جره بالباء الزائدة، بشرط ألا تكون أداة استثناء3؛ وبشرط ألا ينتقض النفى بإلا؛ نحو: ليس الغضب بمحمود العاقبة. وقول الشاعر: وليس بِمُغْنٍ فى المودة شافعٌ ... إذا لم يكنْ بين الضلوعِ شفيعُ فإن نقض النفى بإلا لم يصح جر الخبر بالباء الزائدة؛ فلا يجوز ليس الغِثَى إلا بغِنَى النفس4 ... "5" لا يصح وقوع "إنْ" الزائدة بعدها5 ... 6- يجوز أن يتصل بآخرها الكاف التي هي حرف محض للخطاب 6: مثل: لستك محمدا مهملا. وقد سبق البيان المتصل بهذا7. وبقي من أحكام ليس حكم يتعلق بخبرها المنفي. وسيجي الكلام عليه مع بقية الأخبار المنفية 8.....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" أشرنا فيما سبق1 إلى أنه يجوز فى خبر "ليس" ما جاز فى خبر "كان" الماضية والمضارعة المسبوقة بالنفى، من اقترانه بالواوحين يكون جملة موجبة2، بسبب اقترانها بكلمة: "إلا"؛ كقول الشاعر: لَيْس شَىْءٌ إلاّ وَفيهِ إذَا ... قَابَلَتْهُ عيْنُ البَصيرِ اعبتارُ وتسمى هذه الواو: "الواوالداخلة على خبر الناسخ" كما - عرفنا. ونقول هنا ما قلناه فى "كان": من أن الأحسن العدول عن زيادتها، برغم أن وجودها جائز؛ حرصاً على دقة التعبير، وبعداً عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواووالأخرى التى للحال أولغيره ... فلكل واحدة موضع تستعمل فيه ومعنى تؤديهن وتركها يريحنا مما قال بعض النحاة الأقدمين من تأويل للنصوص المشتملة عليها، وتكلف لا داعى له. "ب" لا تقع "إن" الزائدة بعد "ليس"3 - كما أشرنا فى الصفحة السالفة - فلا يصح أن يقال: ليس إنْ الكذوب محترماً، مع أنه يجوز زيادتها بعد "ما" النافية المهملة التى معناها معنى "ليس"، مثل: ما إنْ الضعف محمود، أما وقوعها بعد "ما" الحجازية فيبطل عملها4. "حـ" قد يقع بعد خبر "ليس" و"ما" معطوف مشتق، له أحكام مختلفة تجئ فى "ب" من ص 611.
زال: تدل بذاتها على النفى، وعدم وجوج الشئ؛ من غير أن تحتاج فى هذه الدلالة للفظ آخر؛ فإذا وجد قبلها نفى أوشبهه "وهوالنهى والدعاء" انقلبت معناها للإثبات1؛ مثل: ما زال العدوناقماً. أى: بقى واستمر ناقماً. وفى هذه الحالة تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى الخبر اتصافاً مستمرًّا لا ينقطع، أومستمرًّا إلى وقت الكلام، ثم ينقطع بعده بوقت طويل أوقصير؛ كل ذلك على حسب المعنى. فمثال المستمر الدائم: ما زال الله رحيماً بعباده - ما زال الفير كبير الأذنين. ومثال الثانى: لا يزال الحارس واقفاً. لا يزال الخطيب متكلماً. ومثالها مع النهى: لا تزَلْ2 بعيداً عن الطغيان. ومع الدعاء "وأدواته هنا: "لا"، أو: "لن"" لا زال الخير منهمراً عليك فى قابل أيامك - لا يزال التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك من مكايد ... ، بشرط أن يكون القصد من كل ذلك الدعاء للمخاطب ... ولا تستعمل زال المسبوقة بالنفي أو شبهه تامة3 ... ويشبهها فى الدلالة على النفى بذاتها، وصيغتها، وفى اشتراط أداة نفى قبلها، أوشبهه للعمل - أخوات لها فى هذا، هى: "فتئ - برح - انفك وسيأتى الكلام على الثلاثة"4.
شروط إعمالها: وإعمال المشتقات من مصدرها 1- يشترط فيها الشروط العامة. 2- أن يسبقها نفى1 أونهى أودعاء؛ كالأمثلة التى سبقت. ولى فرق فى النفى بين أن يكون ظاهراً؛ مثل: لا زال الغِنى ثمرة الجدّ، وأن يكون مقدراً لا يظهر فى الكلام، ولكن المعنى يكشف عنه، والسياق يرشد إليه؛ مثل: تالله يزال الشحيح محروماً متعة الحياة حتى يموت. أى: تالله لا يزال. وحذف النفى قياسى بشرط أن يكون بالحرف: "لا" وأن يكون الفعل مضارعاً فى جواب قسم2. 3- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ فلا يصح: ما زال المسافر
غاب: لأن زال تفيد مع معموليها استمرار المعنى إلى وقت الكلام ثم ينقطع بعده - كما سبق - أولا ينقطع. والخبر إذا وقع جملة فعلية ماضوية كان منافياً هذا، ومعارضاً له: لدلالته على الماضى وحده دون اتصال بالحال أوالمستقبل1. 4- ألا يقع خبرها بعد: "إلا"؛ فلا يصح ما زال النجم إلا بعيداً: لأن النفى نقِضَ وزال بسبب: "إلا". 5- أن يكون مضارعها هو: "يزال" التى ليس لها مصدر مستعمل. أما: "زال" التى مضارعها: "يَزيل" ومصدرها "زَيْل" - فليست من الأفعال الناسخة، وإنما هى فعل تام، متعد، إلى مفعول به، ومعناها: مَيزَ وفصَل. تقول "زال" التارج بضاعته زَيلا: أى: ميَّزَها وفصَلها من غيرها. وذلك "زال" التى مضارعها: "يزول" ومصدرها" "الزوال" فإنها ليست من النواسخ؛ وإنما هى فعل لازم، معناه: هلك وفَنِىَ ... مثل: زال سلطان الطغاة زوالا؛ بمعنى: هَلَكَ وفَنِىَ هلاكاً، وفناء. وقد يكون معناها: انتقل من مكانه، مثل: زال الحجر؛ أى: انتقل من موضعه ... وسيجئ آخر هذا الباب حكم خاص بخبرها المنفى، وخبر أخواتها عند الكلام على الأخبار المنفية عامة2. فتئ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها. إلا الأخير؛ - لاختلاف المضارع فيهما وإلا وقوع: "فتئ" تامة فى بعض الأساليب - دون زوال - ومنها: فتئ الصانع عن شئ. بمعنى: نسيه. برح: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها، إلا الأخير؛ لاختلاف المضارع فيهما؛ وإلا وقوع "برح" تامة؛ مثل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ ... } ، أى: لا أذهب، ولا أنتقل3....
انْفَكَّ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها إلا فى الشرط الأخير؛ لاختلاف المضارع فيها. وإلا استعمال. "انفك" تامة، بمعنى: انفصل؛ مثل: فككتُ حلَقَات السلسلة فانفكت، أى: انفصلت ... دام: تفيد مع معموليها استمرار المعنى الذى قبلها مدة محددة؛ هى مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها؛ نحو: يفيد الأكل ما دام المرء جائعاً: ويضر ما دام المرء ممتلئاً. ففائدة الأكل تدوم بدوام وقت معين، محدد، هو: وقت جوع المرء. والضرر يدوم كذلك بدوام وقت معين، محدود، هو: وقت الامتلاء، ولا بد فى دوام ذلك الوقت المحدد من أن يستمر ويمتد إلى زمن الكلام. شروط إعمالها: 1- يشترط فيها الشروط العامة. 2- أن تكون بلفظ الماضى1، فى الرأى الأرجح، وقبلها ما المصدرية الظرفية2.
وإذا أسندت لضمير رفع متحرك وجب ضم الدال، وحذف الألف1. 3- أن يسبقهما معاً كلام تتصل به اتصالا معنويًّا، بشرط أن يكون جملة فعلية مضارعية2. 4- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ لأن دام مع معموليها تفيد استمرار المعنى إلى وقت الكلام، والجملة الماضوية تفيد انقطاعه فيقع التنافى3. 5- ألا يتقدم خبرها عليها وعلى "ما"؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية4 لا يسبقها شئ من صلتها التى تسبك معها بمصدر. أما توسطه بينها وبين "ما" فجائز. ومما سبق نعلم أن جميع أفعال هذا الباب تستعمل ناقصة وتامة إلا ثلاثة أفعال تلتزم النقص؛ وهى: فتئ - زال - ليس" -. كما نعلم أن كل فعل ناقص "ناسخ" لا يعمل هو وما قد يكون لمصدره من
إلا بشروط مفصَّلة؛ فلا يكفى الاقتصار على ما يذكره كثير من النحاة من تقسيم هذه الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام مجْملة؛ بحسب ما يلزم لها من شروط أولا يلزم، حيث يقولون: "ا" قسم يعمل بدون شرط وهوثمانية أفعال: كان - أصبح - أضحى - أمسى - ظل - بات - صار - ليس. "ب" قسم يعمل بشرط أن يسبقه نفى، أوشبه نفى، وهوأربعة أفعال: زال - برح - فتئ - انفك. "حـ" قسم يعمل بشرط أن يسبقه "ما" المصدرية الظرفية وهوفعل واحد: "دام" ... لأن هذا التقسيم غير سلم، لاعتباره القسم الأنول غير محتاج إلى شروط، ولأنه ترك فى القسمين الأخيرين شروطاً هامة لا يصح أهمالها. وقد عرفنا تفصيلها1. بقى أن نعود إلى مسألة أشرنا إليها من قبل2؛ هى: أن النسخ ليس مقصوراً على الأفعال الماضية وحدها، بل يشمهلا ويشمل ما قد يكون معها من مشتقات إنْ وجدت؛ فتعمل بالشروط التى للماضى. وتفصيل هذا أن الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام: "ا" قسم جامد، أى: لا يتصرف مطلقاً، ولا يوجد منه غير الماضى، وهوفعلان: "ليس بالاتفاق، و"دام"3 فى أشهرها الآراء.
"ب" قسم يتصرف تصرفاً شِبْه كامل؛ فله الماضى، والمضارع، والأمر، والمصدر، واسم الفاعل، دون اسم المفعول وباقى المشتقات؛ فإنها لم ترد فى استعمال الفصحاء؛ وهوسبعة: "كان - أصبح - أضحى - أمسى - بات - ظل - صار" فمن أمثلة "كان" للماضى: كان الوفاء شيمةَ الحر، وللمضارع: يكون الكلامُ عنوانَ صاحبه، وللأمر: كونوا أنصار الله. وللمصدر قول العرب: كوْنك شريفاً مع الفقر خير من كونك دنيئاً مع الغنى. وقول الشاعر: ببذلٍ وحلم سادَ فى قوْمهِ الفتى ... وكَوْنُكَ إيَّاهُ عليكَ يسيرُ ولاسم الفاعل: وما كلُّ من يبَدِى البشاشة كائناً ... أخاكَ إذَا لم تُلْفِه لكَ مُنْجدَا وهكذا. وبقية الأفعال السبعة مثل "كان" فى هذا لتصرف الشبيه بالكامل والذى يسمونه أحياناً: "الكامل نسبيًّا". "حـ" قسم يتصرف تصرفاً ناقصاً؛ وهوالأربعة المسبوقة بالنفى، أوشبهه "أى: زال - برح - فتئ - انفك" فهذه الأربعة ليس لها إلا الماضى، والمضارع، واسم الفاعل؛ مثل: لا زالت الأمطارُ موردَ الأنهار. ولا تزال الأنهارُ عمادَ الحياة. وليس النيل زائلاً1 عمادَ الزراعة فى بلادنا، ومن هذا قول الشاعر: قضي الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك، حتى يغمض العين مغمض2
المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير
المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير الترتيب - فى هذا الباب - واجب بين الناسخ واسمه؛ فلا يجوز تقديم الاسم على عامله الناسخ1. أما الخبر فإن كان جملة خالية من ضمير يعود على اسم الناسخ، فالأحسن تأخيره عن الناسخ واسمه2؛ ذلك لأن تقدمه - فى هذه الصورة - على الناسخ أوتوسطه بين الناسخ واسمْه، غير معروف فى الكلام العربى الفصيح3. ويجب تأخيره عنهما إن كان جملة مشتملة على ضمير يعود على اسم الناسخ؛ كالضمير الذى فى الجملة الفعلية: "تُوسعه" من قول أعرابى ينصح صديقه: "دَعْ ما يسْبق إلى القلوب إنكارُه، وإن كان عندك - اعتذارُه4 فليس من حكى عنك نُكْراً5 تُوسِعُهُ فيك عُذرا6". مما تقدم يكون للجملة الواقعة خبرا للناسخ حكم واحد، هو: التأخير عنهما - إما وجوبا، وإما استحسانا. وأما الخبر الذى ليس جملة "وهوالمفرد وشبه الجملة" فله ست حالات7:
الأولى: وجوب التأخر عن الاسم1، وذلك: 1- حين يترتب على التقديم لبْس لا يمكن معه تمييز أحدهما من الآخر2 نحو: كان شريكى أخى - صار أستاذى رفيقى فى العمل - باتت أختى طبيبتى ... فلوتقدم الخبر لأوقع فى لبس لا يظهر معه الاسم من الخبر. والفرق بينهما كبير؛ لأن أحدهما محكوم عليه؛ وهو: الاسم، والآخر محكوم به، وهو: الخبر. 2- حين يكون الخبر واقعاً فيه الحصر؛ كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ نحو: ما كان التاريخ إلا هادياً. أو"بإنما"؛ مثل: إنما كان التاريخ هادياً؛ لأن المحصور فيه: "بإلا" يجب اتصاله بها متأخراً عنها، والمحصور فيه: "بإنما" يجب تأخيره. فلوتقدم المتأخر فى الصورتين تغير المقصود، وفات الغرض الهام من الحصر. الثانية: وجوب التقدم على الاسم فقط، "فيتوسط الخبر بينه وبين العامل الناسخ" وذلك حين يكون الاسم مضافاً إلى ضمير يعود على شيء متصل بالخبر3؛ مع وجود ما يمنع تقدم الاسم على الأداة؛ مثل يعجبنى أن يكون للعملِ أهلُه فلا يصح: "يعبجنى أن يكون للعمل أهلُه 4؛فلا يصح: "يعجبني أن يكون أهله للعمل"، لما فى هذا من عود الضمير على متأخر لفظاص ورتبة، وهوممنوع فى مثل هذا5....
الثالثة: وجوب التقدم على العامل الناسخ وذلك حين يكون الخبر اسماً واجب الصدارة؛ كأسماء الاستفهام و"كم" الخبرية ... نحو: أين كان الغائب؟ وقوالشاعر: وقد كان ذِكْرى2 للفِراق يُرُوعبُنى ... فكيف أكونُ اليوم؟ وهويقينُ ويشترط في هذه الحالة ألا يكون العامل الناسخ مسبوقا بشيء آخر له الصدارة، مثل: "ما" النافية.... لأن الخبر الذي له الصدارة لا يدخل على ماله الصدارة3، فلا يصح: أين ما كان الغائب؟ ولا: أين ما زال البستاني؟ وكذلك لا يصح أن يكون العامل الناسخ هو: "ليس" لأن خبرها لا يجوز أن يسبقها، في الرأي الأرجح4. الرابعة: وجوب التوسط بين العامل الناسخ واسمه، أوالتأخر عنهما معاً؛ وذلك حين يكون العامل مسبوقاً بأداة لها الصدارة، ولا يجوز أن يفصل بينها وبين العامل الناسخ فاصل. ومن أمثلته: الاستفهام "بهل" فى: هل أصبح المريض صحيحاً؟ فيجب تأخره كهذا المثال، أوتوسطه فنقول. هل أصبح صحيحاً المريض. الخامسة: وجوب التوسط بين الناسخ واسمه، أوالتقدم عليهما، وذلك: 1- حين يكون الاسم مضافاً لضمير5 يعود على شئ متصل بالخبر؛ فمثال
التوسط: أمسى "فى البستان" حارسه، وبات "مع الحارس" أخوه1. ومثال التقدم عليهما2: فى البستان أمسى حارسه، ومع الحارس بات أخوه. فقد توسط الخبر أوتقدم؛ لكيلا يعود الضمير الذى فى الاسم على شئ متأخر لفظاً ورتبة، وهولا يجوز هنا. 2- حين يكون الاسم واقعاً فيه الحصر كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ فمثال التوسط؛ ما كان حاضراً إلا على، ومثال التقدم على العامل ما حاضراً3 كان إلا على: لأن تقديم المحصور فيه يفسد الحصر. السادسة: جواز الأمور الثلاثة "التأخر، والتقدم على العامل، والتوسط بينه وبين الاسم" فى غير ما سبق؛ نحو: كان الخطيب مؤثراً. أوكان مؤثراً الخطيبُ، أومؤثراً كان الخطيب. ومثله: كان خلقُ المرء سلاحَه، ويجوز: كان سلاحَه خلقُ المرءِ4، كما يجوز: سلاحَه كان خلقُ المرء. فأحوال الخبر الستة تتلخص فيما يأتى إذا كان غير جملة: 1- وجوب تأخيره عن الناسخ واسمه معا.
2- وجوب تقديمه عليهما معا. 3- وجوب توسطه بينهما. 4- وجوب تقديمه على العامل الناسخ أوالتوسط بينه وبين الاسم. 5- وجوب توسطه، أوتأخره. 6- جواز تأخره، أوتقدمه، أوتوسطه. وتلك الأحوال والأحكام تنطبق على جميع أخبار النواسخ فى هذا الباب إلا الأفعال التى يشترط لإعمالها أن يسبقها نفى، أوشبهه، وإلا "دام" التى يشترط لإعمالها أن يسبقها "ما" المصدرية الظرفية، وإلا "ليس" كما سبقت الإشارة إليها1. فهذه ثلاثة أشياء لكل واحد منها صور ممنوعة، وإليك البيان. فأما الأفعال التى يشترط أن يسبقها نفى أوشبهه فتنطبق عليها الأحكام السابقة إلا حالة واحدة هى وجود النافى "ما"، فلا يجوز تقديم الخبر عليه؛ لأن "ما" النافية لها الصدارة كما سبق2؛ فلا يصح: متكلماً ما زال محمود، ولكن يصح تقدمه على العامل الناسخ وحده دون حرف النفى: "ما" فيصح: ما متكلماً زال محمود. كما يصح تقدمه على حروف النفى الأخرى؛ "مثل: لا، ولم، ولن ... " أما بقية الصور الأخرى من التقديم والتأخير فشأن هذه الأفعال التى لا تعمل إلا بسبق نفى أوشبهه، كشأن غيرها. وأما "دام" فتنطبق عليها الأحوال والأحكام السابقة إلا حالة واحدة لا تجوز؛ وهى تقدم الخبر عليها وعلى "ما" المصدرية الظرفية3، ففى مثل: "سأبقى فى
البيت ما دام المطر منهمراً" لا يصح أن يقال: "سأبقى فى البيت منهمراً ما دام المطر"؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية كسائر الحروف المصدرية المختلفة1، لا يصح أن يتقدم عليها شئ من الجملة التى بعدها "وهى الجملة التى تقع صلة لها" لكن يجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها فيتوسط بينها وبين "ما" المذكورة2؛ ففى المثال السابق يصح أن نقول: سأبقَى فى البيت ما منهمراً دام المطر. وفى مثل؛ اقرأ فى الكتاب ما دامت النفس راغبة؛ لا يصح أن نقول: اقرأ فى الكتاب راغبةً ما دامت النفس، ويصح أن نقول، اقرأ فى الكتاب ما راغبةً دامت النفس ... وهكذا3. وأما "ليس" فتنطبق عليها جميع الأحوال والأحكام السابقة أيضاً4 إلا حالة
واحدة وقع فيها الخلاف بين النحاة وهى الحالة التى يتقدم فيها الخبر عليها؛ ففريق منع، وفريق أجاز1 والاقتصار على المنع أوْلى. الآن وقد عرفنا حكم الخبر المفرد، وشبه الجملة، من ناحية التقدم، أو التوسط، أو التأخر.... بقي أن نعرف حكم معمولاته من هذه الناحية أيضا؟ وسيجيء البيان في الصفحة التالية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادَة وتفصيل: "ا" عرفنا مما تقدم حكم الخبر المفرد وشبه الجملة، من حيث تقدمه وحده على عامله الناسخ، أوتوسطه بينه وبين اسمه، أوتأخره عنهما، وبقى للموضوع بقية تتصل بتقديم معمول هذا النوع من الأخبار على عامل الخبر؛ وهى أن الخبر يمتنع تقديمه وحده على الناسخ إذا كان الخبر قد رفع اسماً ظاهراً؛ ففى مثل: "كان الرجل نبيلا مقصدُه" و"بات المغنى ساحراً صوته" لا يصح: "نبيلا كان الرجل مقصدُه" - ولا ساحراً بات المغنى صوته1؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر وحده دون معموله المرفوع - كما قلنا - فإن تقدم مع معموله المرفوع جاز2؛ فيصح: "نبيلا مقصدُه كان الرجل". "ساحراً صوته بات المغنى" فإن كان معمول الخبر منصوباً نحو: "أضحى الرجل راكباً الطيارةَ" جاز تقديم الخبر وحده على العامل الناسخ لكن مع قبح3. نحو: الطيارةَ أضحى الرجل راكباً. وإن كان المعمول ظرفاً أوجارًّا مع مجروره جاز تقديم الخبر وحده بغير قبح، ففي مثل؛ ظل الفتى عاملا يوماً، وأمسى قرير العين فى بيته - يقال: يوماً ظل الفتى عاملا، وفى بيته أمسى قرير العين. "ب" يتصل بمسألة تقديم معمول الخبر مسألة توسط هذا المعمول بين الناسخ واسمه، ففى مثل: كان القادم راكباً سيارة: وكان المسافر راكباً سفينة ... نعرب كلمة: "سيارة" وكلمة: "سفينة" - وأمثالهما - مفعولا به لخبر: "كان" فكل واحدة منهما معمولة لذلك الخبر، وليست معمولة للفعل "كان". فهل يجوز تقديم ذلك المعمول وحده على الاسم بحيث يتوسط بينه وبين كان؛ فنقول: كان سيارةً القادمُ راكباً؟ وكان سفينةً المسافرُ راكباً....؟ لا يجوز ذلك، بشرط ألا يكون المعمول "شبه جملة"، لأن
لأنه مخالف للنهج العام الذى تسير عليه الجملة العربية فى نظام تكوينها المأثور، وطريقة ترتيب كلماتها. وذلك النهج يقتضى ألا يقع بعد العامل - مباشرةً معمل لغيره جملة....1، ففي مثل: أقبل القطار يحمل الركاب، نعرب كلمة: "الركاب" مفعولا به للفعل: "يحمل" وهذا الفعل هو، عاملها؛ فهى وثيقة الصلة به، وليست أجنبية منه، فلا يصح أن نقدمها ونضعها بعد عامل آخر؛ هو: "أقبل" لأنها أجنبية عنه؛ فلوقلنا: أقبل الركابَ الواردفى تركيب الجملة؛ وهوالنسق الذى تدل عليه تلك القاعدة العامة التى أشرنا إليها، والتى ملخصها: "أنه لا يجوز أن يلى العامل - مباشرة - معمول لعامل آخر". أو: "لا يصح أن يلى العامل - مباشرة - معمولٌ أجنبي عنه". ولا فرق فى المعمول التقدم بين أن يكون معمولا الخبر "كان"، أولغيرها من النواسخ، وغير النواسخ، ولا بين أن يكون المعمول مفعولا أوغير مفعول ... إلا الظرف والجار مع مجروره، فإنه يجوز أن يلى عاملا آخر غيرَ عامله. والقاعدة - كما أسلفنا - لا تختص بعامل، ولا تقتصر على معمول، وهى مستمدة من الأساليب الكثيرة الفصيحة وعلى أساسها بنى الحكم السابق. هذا إذا تقدم المعمول وحده بدون الخبر كالأمثلة السابقة، أوتقدم ومعه الخبر، وكان المعمول هوالسابق على الخبر؛ ففى مثل: كان الطالبُ قارئاً الكتاب، لا يصح أن يقال: كان الكتابَ الطالبُ قارئاً. أما لوتقدما معاً وكان الخبر هوالسابق فالأحسن الأخذ بالرأى الذى يبيحه؛ لمسايرته الأساليب الفصيحة المأثورة2 فيصح أن نقول: كان قارئاً الكتابَ الطالبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير أن هناك حالة واحدة يصح فيها تقديم معمول الخبر وحده، أومع الخبر، متقدماً عليه، أومتأخراً عنه؛ هى - كما سبق -: أن يكون المعمول شبه جملة "أى: ظرفاً، أو: جارا مع مجروره"، نحو: بات الطير نائماً على الأشجار؛ وأصبح الطَّلُّ متراكما فوق الغصون، فيصح أن يقال: بات على الأشجار الطيرُ نائماً - وأصبح فوق الغصون الطّلّ متراكما ... وهكذا1.... وقد وردت أمثلة قليلة مسموعة تقدم فيها معمول الخبر وحده، مع أنه ليس شبه جملة؛ فتناولها النحاة بالتأويل والتكلف لإدخالها تحت قاعدة عامة تصونها من مخالفة القاعدة السابقة. والأحسن إغفال ما قالوه، - إذ لا يرتاح العقل إليه2 - والحكم على تلك الأمثلة القليلة بالشذوذ؛ فلا يصح القياس عليها.
المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها
المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها "كان" ثلاثة أنواع: تامة، وناقصة، وقد عرفناهما - وزائدة، وقعت فى كثير من الأساليب المأثورة بلفظ الماضى، مع توسطها بين شيئين متلازمين1؛ كالمبتدأ والخبر فى مثل: القطار - كان - قادم. أوالفعل والفاعل فى مثل: لم يتكلم - كان - غيرُك، أوالموصول وصلته فى مثل: أقبل الذى - كان - عرفته، أوالصفة والموصوف فى مثل: قصدتُ لزيادة صديقٍ - كان - مريض، أوالمعطوف والمعطوف عليه فى مثل: الصديق مخلص فى الشَّدة - كان - والرخاءِ، أوحرف الجر ومجروره فى مثل: القلم على - كان - المكتبِ، أوبين "ما" التعجبية وفعل التعجب2 فى مثل: ما - كان - أطيبَ كلامَك، وما - كان - أكرمَ فعلكَ ... وقول الشاعر: ما كان أسعدَ مَن أجابك آخذًا ... بهداك، مجتنباً هَوًى وعِنادا وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع قليلا مع توطسه بين شيئين متلازمين فى مثل؛ أنت - تكون - رجلٌ نابهُ الشأن ... غير أن هذه القلة لم تدخل فى اعتبار النحاة؛ فقد اشترطوا للحكم بزيادة: "كان" شرطين؛ أن تكون يصيغة الماضة، وأن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، على الوجه السالف. لكن إذا وقت: "كان" زائدة، فما معنى زيادتها؟ وكيف نعربها؟ وأقياسيه تلك الزيادة، أم الأمر مقصور فيها على السماع؟ أما معنى زيادتها فأمران؛ أولهما؛ أنها غير عاملة، فلا تحتاج إلى معمول من فاعل، أومفعول أواسم وخبر، أوغيرهما؛ إذ ليس لها عمل3؛ ليست معمولة لغيرها. وهذا شأن لك فعل زائد.- ولا يتأثر صوغ الأسلوب بحذفها.
وثانيهما: أن الكلام يستغنى عنها، فلا ينقص معناه بحذفها. لا يخفى المراد منه، وكل فائدتها أنها تمنح المعنى الموجود قوة، وتوكيداً؛ فليس من شأنها أن تُحدِث معنى جديداً، ولا أن تزيد فى المعنى الموجود شيئاً إلا التقوية. فحين نقول: الوالد عطوف، فإننا نريد من هذه الجملة نسبة العطف والحنان إلى الوالد، وإلصاقهما بذاته: فلوقلنا؛ والله الوالدُ عطوف. أو، إن الولد عطوف ... لم يزد المعنى شيئاً، ولم ينقص؛ ولكنه استفاد قوة وتمكناً؛ بسبب القسَم، أو: "إنّ" وأشباههما. ومثل هذا يحصل من زيادة "كان" حين نقول: الوالد - كانض - عطوفٌ. وفرق كبير بين كلمة تنشئ معنى جديداً، أوتزيد فى المعنى القائم، وكلمة أخرى لا تنشئ معنى جديداً ولا تزيد فى المعنى الموجود، ولكنها تقتصر على تأكيده وتقويته. لهذا تجردت كلمة: "كان" عند زيادتها من الحدث الذى يكون فى الفعل؛ فلا تحتاج إلى فاعل، ولا إلى اسم، وخبر، ولا لشئ آخر مطلقاً؛ لأن الذى يحتاج لذلك إنما هوالفعل الذى له حَدَث، ومنه: "كان" التامة أوالناقصة. أما الزائدة فمخالفة لهما فى ذلك؛ فهي مقصورة على نفسها حين تكون بصيغة الماضى. والراجح أنها تدل على الزمن الماضى إذا كانت بصيغته. ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ فى مثل: ما - كان - أحسنَ صنيعك، وما - كان - أرَقّ حديثَك؛ فإنها فى هذه الصورة تدل على الزمن الماضى1، إذ المراد أن الحسن والرقة كانا فيما مضى2 ولا تدل على غيره، ولا تحتاج لفاعل، ولا لشئ آخر، كما لا يحتاج عامل ليؤثر فيها.
أما قياسية استعمالها أوالاقتصار فيها على السماع فالأنسب الأخذ بالرأى القائل بقياسيتها فى التعجب وحده، دون غيره من باقى الحالات؛ منعاً للخلط، وفِراراً من سوء الاستعمال1، وهذان عيبان يتوقاهما الحريص على لغته، الخبير بأسرارها. وقد وردت زيادة بعض أخواتها، كأصبح، وأمسى، فى قولهم: الدنيا ما أصبحَ2 أبْرَدَها، وما أمسى - أدْفأها. يريدون: ما أبردها وما أدفاها ... والأمر فى هذا وأشباهه مقصور على السماع لا محالة. "ملاحظة عامة": الأصل في الكلمة - مهما اختلفت أنواعها، وتباينت صيغها أن تكون عاملة، أو معمولة، أو هما معا، وهذا الأصل واجب المراعاة - دائما - عند عدم المانع، والأخذ به مقدم" حين الفصل في أمر الكلمة من ناحية أصالتها، أو زيادتها. فليس من المستحسن الحكم عليها بالزيادة إذا أمكن الحكم لها بالأصالة3.
المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها؟
المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها؟ ليس بين النواسخ السالفة1 "كان" وأخواتها ما يجوز حذفه وحده، أومع أحد معموليه، أومعموليه معاً - إلا: "ليس" "وكان". فأما "ليس" فيجوز حذف خبرها على الوجه الذى شرحناه عند الكلام عليها2. وأما "كان" فقد اختصت - وحدها - من بين أخواتها بأنها تعمل وهى مذكورة أحياناً، أومحذوفة أحياناً أخرى. والأصل أن تذكر مع معموليها ليقوم كل واحد من الثلاثة بنصيبه فى تكوين الجملة وتأدية المعنى المراد. لكن قد يطرأ على هذا الأصل ما يقتضى العدول عنه، لأسباب بلاغية تدعوإلى حذف واحد أوأكثر. وصور الحذف أربعة؛ حذف "كان" وحدها، أوحذفها مع اسمها فقط، أوحذفها مع خبرها فقط، أوحذفها مع معموليها. وهذه الصور الأربع شائعة فى الكلام الفصيح شيوعاً متفاوتاً يبيح لنا محاكاته، والقياس عليه. "ومن تلك الصور صورتان تحذف: "كان" فيهما وجوباً، لوجود عِوَض عنها؛ كما سنعلم....". وبقى حذف خبرها وحده أواسمها وحده، وكلاهما وهذا ممنوع فى الرأى الأصح عند جمهرة النحاة. 1- فأما حذفها وحدها دون معموليها أوأحدهما فبعد "أنْ" المصدرية فى كل موضع أريد فيه تعليل شئ بشئ؛ مثل: "أمَّا أنت غنيًّا فتَصَدَّقْ"؛
فأصل هذه الجملة فيما يتخيلون لتوضيحها1، تَصَدَّقْ؛ لأنْ2 كنتَ غنيًّا. ثم حذفت اللام الجارة، تخفيفاً؛ لأن هذا جائز وقياسى قبل "أنْ"3؛ فصارت الجملة: تَصدقْ أنْ كنتَ غنيًّا. ثم تقدمت "أنْ" وما دخلت عليه "أى: تقدمت العلة على المعلول" فصارت الجملة: "أنْ كنتَ غنيًّا تصدَّقْ". ثم حذفت: "كان" وأتينا بكلمة: "ما" عوضاً عنها، وأدغمناها فى "أنْ"؛ فصارت: "أمَّا". والحذف هنا واجب، لوجود العِوَض عن "كان". وبقى اسم "كان" بعد حذفها؛ وهو: تاء المخاطب. ولما كانت التاء ضميراً للرفع متصلا؛ لا يمكن أن يستقل بنفسه - أتينا بدله بضمير منفصل، للرفع، يقوم مقامه، ويؤدى معناه؛ وهو: "أنت" فصارت الجملة: أما أنت غنيًّا فتصَدقْ. ثم زيدت: "الفاء" فى المعلول4؛ فصارت الجملة: أما أنت غنيا فتصَدقْ. ومثلها: أما أنت قويًّا فاعملْ بجدّ. وأما أنت شابًّا فحافظ على شبابك بالحكمة5 ... ويجب عند محاكاة هذا الأسلوب - اتباع طريقته فى تركيب الجملة، وترتيبها، ولا سيما مراعاة الخطاب6.
2- وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وكثير بعد "إنْ" ولوْ" الشرطتين، فمثاله بعد "إنْ": المرء محاسَب على عمله؛ إنْ خيراً يكن الجزاءُ خيرًّا، وإن شرًّا1؛ فالأصل: المرء محاسب على عمله؛ إن كان العمل خيراً يكنْ الجزاء خيراً، وإن كان العمل شرًّا؛ فقد حذفت "كان" مع اسمها. ومثال حذفهما "لو" الشرطية: تعود الرياضةَ ولوساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاقَ ولوبرهةً قصيرة. فالأصل: تعود الرياضة ولوكانت الرياضةُ ساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاق، ولوكان الإربهاق برهةً قصيرة ... فحذفت "كان" مع اسمها وبقى الخبر2. ومن هذا قول الشاعر: لا يأمن الدهر، ذو بغي، ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل أي: ولو كان ذو البغي ملكا ... 3- وأما حذفها مع خبرها دون اسمها فجائز - مع قلته، بالنسبة للحالة السالفة - بعد: "إنْ" و"لو" الشرطيتين أيضاً؛ فمثاله بعد "إنْ"3: المرءُ محاسَبٌ على عمله؛ إنْ خيرٌ فخيرٌ4 وإن شرٌّ فشرٌّ. الأصل: المرء محاسب على
عمله؛ إن كان فى عمله خيرٌ فجزاؤه خير، وإن كان فى عمله شرٌّ فجزاؤه شر ... ومثاله بعد "لو": أطعم المسكينَ ولورغيفٌ. أى: ولوكان فى بيتكم رغيف، أو: ولويكون عندكم رغيف. 4- وأما حذفها مع معموليها فواجب بعد "إن الشرطية" أيضاً، ولكن فى أسلوب معين، مثل: "اذهب إلى الريف صَيفاً، إمَّا لاَ". والأصل: "اذهب إلى الريف صيفاً إن كنت لا تذهب إلى غيره". حُذِفت "كان" وهى فعل الشرط، مع اسمها، ومع خبرها، دون حرف النفى الذى قبله، وأتينا بكلمة: "ما" عِوَضاً عن "كان" وحدها1؛ وبسبب العِوَض كان حذفها واجباً؛ فلا تجتمع مع كلمة: "ما". وأدغمت فيها النون من "إنْ" الشرطية؛ فصار الكلام: "إمَّا2 لا". وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، وتقديره: "فافعل هذا". ومثل ما سبق أن تقول لآخر: "ساعد المحتاج ببعض المال"؛ فيجيب: "ليس عندى ما يزيد على حاجتى". فتقول: "ساعده بالمعاملة الكريمة إما لا". فأصل الكلام: ساعده بالمعاملة الكريمة إن كنت لا تملك غيرها ... وجرى على الجملة من الحذف والتقدير ما جرى على سابقتها، مما يفترضونه للتيسير والإيضاح كما بيناه ...
وحذف "كان" هنا واجب كما سلف؛ لوجود عِوَض عنها؛ فهوالموضع الثانى من موضعَى الحذف الواجب بسبب العوض، ولا يصح الجمع بين العوَض، والمعَوَّض عنه - والموضع الأول بعد "أن" المصدرية السابقة - أما فى غيرهما فالحذف جائز. ومن الأمثلة الشائعة لحذف كان مع معموليها - بعد "إنْ" من غير تعويض؛ قولك لآخر: أتسافر وإن كان البرد شديداً؟ فيجيب: نعم، وإنْ ... أى: أسافر وإن كان البرد شديداً. ومثله: أتعطى السائل وإن كان أجنبيًّا1؟ ومثل هذا الحذف جائز عند عدم اللبس، ووجود قرينة تدل على المحذوف. ومما سبق نعلم: أنّ "كان" تحذف جوازاً فى حالتين، ووجوباً فى حالتين أخْرَيَيْنِ، تجئ "ما" عوضاً عنها فى كل منهما، ولا يجوز إرجاع "كان" مع وجود العوَض عنها فى حالتى حذفها وجوباً. أما فى الحالتين الجائزتين فحذفها وإرجاعها سواء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" ورد فى الكلام القديم حذف كان مع اسمها بعد: "لَدُن": كأن يسألك سائل: متى كان الاجتماع؟ فتجيب: يومَ الخميس من لَدُن عصراً إلى المغرب. أى؛ من زمن كان الوقتُ عصراً إلى المغرب ... وهذا حذف لا يقاس عليه. وإنما عرضناه هنا لِيُفْهَم حين يرد فى كلام القدماء. "ب" قد وردت كان وحدها محذوفة فى كلام قديم مع بقاء اسمها وخبرها ومنه: أزمانَ "قومى" والجماعةَ كالذى ... لَزم الرَّحالةَ أنْ تميل مَمِيلاً أى: أزمان كان قومى مع الجماعة1. فكلمة: "قوم" اسم "كان" المحذوفة و"الجماعة" مفعول معه، و"كالذى" خبرها. والسبب فى تقدير "كان" أن المفعول معه لا يقع - فى الأكثر - إلا بعد جملة مشتملة على لفظ الفعل وحروفه، أوعلى معناه دون حروفه.
المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع: "كان"
المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان" إذا دخل جازم على الفعل المضارع من: "كان" فإنه: يجزمه، وتُحذَف الواوالتى قبل النون1. نحو: لَمْ أكنْ من أعوان الشر، ولم تكُنْ من أنصاره، وكقول علىّ: لا تكُنْ عبد غيرك، وقد جعلك الله حرًّا. وأصل الفعل بعد الجازم: لَمْ أكونْ - لم تكونْ - لا تكونْ فهومجزوم بالسكون على النون؛ فالتقى ساكنان؛ الواووالنون؛ فحذفت الواو- وجوباً - للتخلص من التقائهما؛ فصار الفعل؛ لم أكُنْ - لم تكْنْ - لا تَكُنْ ... ومثل هذا يقال فى الفعل: "يكنْ" من قول القائل: إذا لم يكُنْ فيكُنّ ظلٌّ ولا جنًى ... فأبْعدَ كُنًّ اللهُ من شجراتٍ ويجوز بعد ذلك حذف النون: تخفيفاً؛ فنقول: لم أكُ - لم تَكُ، وكقول الشاعر: فإنْ أكُ مظلوماً فعَبْدٌ ظلمتَهُ ... وإنْ تكُ ذا عُتْبَى فمِثْلُكَ يُعتِبُ2 وهذا الحذف جائز كما قلنا؛ سواء أوقع بعدها حرف هجائى ساكن3؛ نحو: لم أكُ الذى ينكر المعروف، ولم تكُ الصاحبَ الجاحدَ - أم وقع بعدها حرف هجائى متحرك، نحو: لم أك ذا مَنّ، ولم تكُ مصاباً به. إلاّ إن كان الحرف المتحرك ضميراً متصلا فيمتنع حذف النون؛ نحو: الشبَحُ المقبل علينا يُوحى بأنه صديقى الغائب؛ فإن يَكُنْهُ فسوف نسعد بلقائه، وإن لم يَكنْهُ فسوف نأسف. أى: إن يكن إياه ... وإن لم يكن إياه4.
وتسرى الأحكام السالفة على المضارع الذى ماضيه "كان" الناقصة، كالأمثلة التى سبقت، والذى ماضيه "كان" التامة2؛ نحو: صفا الجو، واعتدل، فلم تكن سحب، ولم يكن برد ... بإثبات النون أوحذفها. أى: لم توجد سحب ولم يوجد برد 2 ... و ... وبهذه المناسبة نشير إلى أمرين: أولهما: ما تقتضيه القواعد اللغوية من حذف "الألف" من عين الفعل: "كان"، ومن حذف "الواو" من عين مضارعه وأمره، بشرط أن تكون الأفعال الثلاثة ساكنة الآخر؛ كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} . وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وقوله تعالى {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} . وقول الشاعر: إِذا كنتَ ذا رأىٍ فكنْ ذا عزيمةٍ ... فإِنَّ فسَادَ الرأى أَنْ تَتَرَدَّدَا ثانيهما: وجوب ضم الكاف من الماضى عند إسناده لضمير رفع متحرك3، كما فى بعض الأمثل السالفة، وتطبيقاً للبيان الذى سبق من قبل4.
المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب
المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب وحكم زيادة "باء الجر" فيها، وفي الأسماء: إذا دخلت أداة نفى على فعل من أفعال هذا الباب "غير "ليس"، و"زال" وأخواتها الثلاثة" فإن النفى يقع على الخبر؛ فتزول نسبته الراجعة إلى الاسم؛ ففى مثل: ما كان السارق خائفاً - وقع النفى على الخوف، وسُلبتْ نسبته الراجعة إلى السارق1؛ فإذا أردنا إثبات هذا الخبر، وجعل نسبته موجبَة مع وجود أداة النفى - أتينا قبله بكلمة: "إلاّ" فنقول: ما كان السارق إلا خائفاً؛ لأنها تنقض معنى النفى2، وتزيل أثره عن الخبر متى اقترنت به. وفى مثل قول الشاعر: لم يك معروفك برْقاً خُلَّبًا3 ... إن خير البرقِ ما الغيثُ مَعَهْ وقع نَفْى خَلاَبة البرق على المعروف. فإذا أريد إثباتها قيل: لم يك معروفك إلا برقاً خُلَّبًا. كل هذا بشرط ألا يكون الخبر من الكلمات التى ينحصر استعمالها فى الكلام المنفى وحده، مثل: يَعِيج4؛ فإن كان منها لم يجز اقترانه بكلمة: "إلا"؛ ففى مثل: ما كان المريض يَعِيج بالدواء، لا يقال: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء. وفى: ما كان مثلُك أحدا5، لا يقال: ما كان مثلُك إلا أحداً.
فإن كان الفعل الناسخ هو: "ليس" "وهى معدودة من أدوات النفى1" فالحكم لا يتغير "من ناحية أن المنفى بها هوالخبر، وأنه إذا قصد إيجابه وبقاء نسبته إلى الاسم وضعنا قبله: "إلا"، وأنه إذا كان من الألفاظ التى لا تستعمل إلا فى كلام منفى لم يجز اقترانه بإلا". ومن الأمثلة: ليس الخطيب عاجزاً؛ فقد انصب النفى على "العجز" وزالت نسبته الراجعة إلى الخطيب. فإذا أردنا إبطال النفى عن الخبر، ومنع أثره فى معناه - أتينا قبله بكلمة: "إلا" فقلنا: ليس الخطيب إلا عاجزاً، لأنها تنقض النفى، وتوقف أثره؛ فيصير المراد معها هوالحكم على الخطيب بالعجز، وهوحكم يناقض السابق. أما فى مثل: ليس المريض يَعيج بالدواء، فلا يصح اقتران الخبر بإلا؛ فلا يقال: ليس المريض إلا يَعيج بالجواء. فشأن "ليس" كشأن "كان" المسبوقة بالنفى؛ حيث لا يصح أن يقال فيها: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء؛ كما سبق. فإن كان الفعل الناسخ هو: "زال" أوإحدى أخواتها الثلاث، "وكلها لا بد أن يسبقه2 نفى، أوشبهه" - فخبرها مثبت غير منفى؛ لأن كل واحدة منها تفيد النفي وقبلها نفى، ونفى النفى إثبات؛ فمثل: ما زال المال قوة، فيه إثبات لاستمرار القوة للمال، وحكم موجَب بنسبتها إليه، يمتد من الماضى إلى وقت الكلام؛ فالنفى: فى كلمة: "زال" وأخواتها مسلوب ومنقوض بالنفى الذى قبلها مباشرة. والمعنى فى جملتها موجَب، وخبرها مثبت، كما قلنا - فلا يقترن بكلمة "إلا"؛ فلا يصح ما زال المال إلا قوة؛ فشأنه شأن خبر: "كان" الخالية من نفى قبلها؛ فكلا الخبرين موجَب "مثبت". وإذا كان خبر الناسخ منفيًّا إما "بليس" غير الاستثنائية، وإما "بما"3 على الوجه السالف4 جاز أن يدخل عليه حرف الجر الزائد: "الباء" نحو: ليس الحِلْم ببلادة5، وما كان الحليم ببليد يحتمل المهانة"، أى: ليس
الحِلم بلادة، وما كان الحليم بليداً؛ يحتمل المهانة. فزيدت "باء الجر" فى أول الخبر المنفى فى المثالين - وأشباههما - لغرض معنوى؛ هو: توكيد النفى وتقويته1. وليست زيادتها مقصورة على أخبار بعض النواسخ دون بعض، وإنما هى جائزة فى جميع تلك الأخبار؛ بشرط أن تكون منفية2، فلا يصح زيادتها فى خبر: "زال" وأخواتها الثلاث؛ لأن الخبر فيها موجب "أى: مثبت" كما عرفنا. ومع أن زيادتها مباحة بالشرط السالف فإنها متفاوتة فى الكثرة بين تلك الأخبار فتكثر فى خبر: "ليس"، نحوقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَام} وقول الشاعر: ولسْتُ بهَيَّاب لمنْ لا يَهابُنى ... لسْتُ أرَى للمرء مالاَ يَرَى لِيَا ثم فى خبر: "ما" الحجازية؛ نحوقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد} وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ثم فى خبر "كان". وإذا تقدم الخبر فتوسط بينَ الناسخ واسمه جاز إدخال؛ "باء" الجر الزائدة على الاسم المتأخر؛ ففى نحو: ليس الشجاع متهوراً - يصح أن يقال: ليس متهوراً بالشجاع. وفى نحو: ما كان الجواد إسرافاً - يصح أن يقال: ما كان إسرافاً بالجود3. ومن المستحسن ألا نلجأ لهذه الزيادة فى اسم الناسخ إلا حيث يتضح أمرها، وتشتد الحاجة إليها.
الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إن"
المسألة الثامنة والأربعون: الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ" من الحروف نوع يشبه الفعل: "ليس" فى معناه، وهو: النفى1، وفى عمله؛ وهو: النسخ2 فيرفع الاسم وينصب الخبر3. وبهذه المشابهة في الأمرين بعد من أخوات: "ليس". مع أنها فعل وهوحرف، كما يعد من أخوات: "كان" لمشابهته إياها فى العمل فقط. وأشهر هذه الحروف أربعة: ما - لا - لات - إنْ". وهذه الأربعة - كسائر النواسخ - لا يكون اسم واحد منها شبه جملة، لأن اسم الناسخ في الأصل مبتدأ، والمبتدأ لا يكون شبه جملة مطلقا - كما عرفنا4 -. فأما الحرف الأول: "ما" فبعض العرب - كالحجازين - يُعْمله، وبَعْض آخر - كبنى تميم - يهمله5. وهويفيد عند الفريقين نفى المعنى فى الزمن الحالى عند الإطلاق6. تقول: ما الشجاع خوافاً، أوما الشجاع خواف؛
بالإعمال أوالإهمال. ومثل هذا فى قول الشاعر: وما الحسْنُ فى وجه الفتى شرفاً له ... إذا لم يكنْ فى فعلِه والخلائق وقول الآخر: لَعَمرك ما الإسرافُ فىَّ طبيعةٌ ... ولكنَّ طبعَ البخْل عِندِى كَالموت لكن الذى يحسن الأخذ به فى عصرنا هوالإعمال، لأنه اللغة العالية، لغة القرآن، وأكثر العرب، ولا داعى للأخذ باللغة الأخرى؛ وهي صحيحة أيضا-1يجوز الأخذ بها منعاً للبلبلة، وتعدد الآراء من غير فائدة.... وتشتهر العاملة باسم: "ما الحجازية". ويشترط لإعمالها خمسة شروط مجتمعة2: "ا" ألا تقع بعدها كلمة: "إنْ" الزائدة3؛ فيصح الإعمال فى مثل: ما الحق مغلوباً، ولا يصح فى مثل: ما إنْ الحق مغلوب4. "ب" ألا ينتقض نفيها عن الخبر بسبب وقوع "إلا" بعدها5؛ فتعمل
فى مثل: ما الجومنحرفاً، ولا تعمل فى مثل: ما الجوإلا منحرف؛ وقول الشاعر: إذا كانت النعْمَى تُكَدَّرُ بالأذَى ... فما هى إلا مِحْنَةٌ وعذابُ لأن الخبر مثبت هنا بسبب "إلا" التى أبطلت النفى عنه، ولا يضر نقضه عن المعمول؛ نحو: ما أنت متكلماً إلا بصواب. "حـ" التزام الترتيب بين اسمها وخبرها الذى ليس شبه جملة، فلا يصح تقديم الخبر الذى ليس شبه جملة عل الاسم؛ ولهذا تَعْمَل فى مثل: ما المعدنُ حجراً، وتُهْمَل فى مثل: ما حجرٌ المعدنُ؛ لتقدم خبرها على اسمها. فإن كان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها عند تقدمه ومخالفته الترتيب؛ مثل: ما للسرور "دواماً". وقول الشاعر: وما للمرء خيرٌ فى حياة ... إذا ما عُدَّ من سَقَط المتاع2 بالإعمال أوالإهمال فى كل ذلك؛ فعند الإهمال يكون شبه الجملة فى محل نصب؛ خبر "ما"، وعند الإهمال يكون فى محل رفع؛ خبر المبتدأ3. "د" ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم، بشرط أن يكون ذلك المعمول المتقدم غير شبه جملة؛ ففى مثل: ما العاقل مصاحباً الأحمق - لا يصح الإعمال مع تقدم كلمة: "الأحمق" على الاسم؛ لأنها معمول للخبر، وليست شبه جملة، فيجب الإهمال فتقول: ما، الأحمقَ - العاقل مصاحبٌ، فإن كان المعمول المتقدم شبه جملة جاز الإعمال والإهمال، نحو: ما فى الشرِّ أنت راغباً وما عندك فضلٌ ضائعاً، ويجوز ... راغبٌ، وضائعٌ4.
"هـ" ألا تتكرر "ما"، فلا عمل لها فى مثل: "ما" "ما" الحُرُّ مقيم على الضيم؛ لأن كلمة: "ما" الأولى للنفى، وكلمة "ما" الثانية للنفى أيضاً؛ فهى قد نفت معنى الأولى، ونفى النفى إثبات1 فتبتعد "ما" الأولى عن النفى، وينقلب معنى الجملة إلى إثبات، وهوغير المراد2.
حكم المعطوف على خبرها: "ا" إن كان حرف العطف مما يقتضى أن يكون المعطوف موجَباً "أى: مثبتاً" مثل: "لَكِنْ" و"بل" - وجب رفع المعطوف1؛ مثل: ما الفضل مجهولا لكنْ معروف؛ وما الإحسان منكوراً بل مشكور؛ فيجب الرفع فى كلمتى: "معروف" و"مشكور" وأشباههما؛ محاكاة لنظائرهما فى الكلام الفصيح المأثور. وتعرب كلا منهما خبراً لمبتدأ محذوف؛ فكأن أصل الكلام. ما الفضل مجهولا لكن هومعروف. وما الإحسان منكوراً بل هومشكور. ويتعين فى هذه الحالة إعراب كل واحدة من "لكن" و"بل" حرف ابتداء، ولا يصح إعرابها حرف عطف، لما يترتب على ذلك من أن يكون المعطوف جملة على حسب التقدير السابق، ولا يصح أن يكون المعطوف بهما جملة.
ولوجعلنا المعطوف بهما مفرداً ولم نلاحظ التقدير السابق لوجب أن يكون منصوباً ومنفيًّا، تبعاً للخبر المعطوف عليه؛ لأن المعطوف المفرد يشابه المعطوف عليه فى حركات الإعراب، وفى النفى، والإثبات، والعامل فيهما واحد، وهنا يقع التعارض بين المعطوف عليه والمعطوف؛ فالأول مفى "بما" ومعمول لها. والثانى معمول لها أيضاً وموجَب1؛ وقوعه بعد: "لكن" أو: "بل". المسبوقين بنفى. و"ما" لا تعمل فى الموجَب, ومن هنا يجئ التعارض أيضاً؛ وهويقضى بمنع العطف ولوكان عطف مفرد على مفرد2، ويقضى بالرفع. والأحسن أن يكون رفعه خبراً لمبتدأ محذوف. ومما تقدم نعلم أن الكلام فى حالة: "ا" لا يشتمل على عطف مطلقاً؛ فلا عاطف، ولا معطوف عليه، ولا حرف عطف3. "ب" أما إن كان العطف لا يقتضى أن يكون المعطوف موجَبًا وإنما يقتضى أن يشابه المعطوف عليه فى حركات إعرابه، ونفيه، وإثباته: كالواووالفاء ... فإنه يجوز فى هذه الحالة نصب المعطوف ورفعه، مثل: ما أنت
قاسياً وعنيفاً على الضعيف، أو: "عنيف" بنصب كلمة: "عنيفاً"؛ لأنها معطوفة على خبر "ما" المنصوب. وبرفعها لأنها معطوفة على خبر "ما" باعتبار أصله الأول قبل مجئ "ما"؛ فقد كان خبراً مرفوعاً للمبتدأ1. ويحسن الاقتصار على الأول؛ ليكون الأسلوب مُتَّسقًا مؤتلفًا2 ... وتلخيص ما تقدم فى: "اوب" هو: أن رفع المعطوف جائز مع كل عاطف وأما نصبه فمقصور على بعض حروف العَطف دون بعض آخر يقتضى إيجاب المعطوف مثل: لكن وبل2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" إنما عرض النحاة للعطف على خبر "ما" دون العطف على أخبار غيرها من النواسخ الأخرى التى لا يشترط فيها عدم نقض النفى، لأن "ما" يشترط فى عملها ألا ينتقض نفى خبرها. فإن انتقض لم تعمل كما سبق. والحرفان ""لكن"، و"بل"" من حروف العطف، ينقض كل منهما النفى عن المعطوف بعده، ويجعله موجَباً، مع أن المعطوف عليه منفى. ولما كان المعطوف على خبر "ما" بمنزلة خبرها - وجب أن يكون ذلك المعطوف منفيًّا كالخبر المعطوف عليه؛ لكى تعمل فيه "ما" النصب. غير أن المعطوف هنا موجب لوقوعه بعد "لكن"، أو"بل" فالنفى منقوض عنه، وصار موجباً. ولهذا لم يصح نصبه، لأنه بمنزلة الخبر - كما قلنا - و"ما" لا تعمل فى الموجب. وقياساً على ما سبق1 يجرى هذا الحكم على كل ناسخ آخر، "مثل: إنْ - لا، وسيجئ الكلام عليهما" مما يشترط فى إعماله ألا ينتقض النفى عن خبره فعند العطف على خبره ينطبق عليه الحكم السالف. "ب" أنسب الآراء، أنه لا يجوز حذف "ما" الحجازية وحدها، أومع أحد معموليها، أومعهما. كما لا يجوز حذف معموليها ولا أحدهما. "حـ" إذا دخلت همزة الاستفهام على "ما" الحجازية لم تغير شيئاً من أحكامها السابقة.
وأما الحرف الثاني-: "لا" فهو للنفى. وفريق من العرب -كالحجازين- يُعْمِله عمل: "ليس" ويجعل النفى به منصبًّا مثلها على الزمن الحالى عند عدم قرينة تدل على زمن غير الحال1. وفريق آخر -كالتميميين- يهْمِله. تقول: لا معروفٌ ضائعاً، أو: لا معروفٌ "ضائعٌ"، بالإعمال أوالإهمال. وله في الحالتين الصدارة في جملته....2 والمهم عند إعمالها هوفهم معناها، وإدراك أثرها المعنوى فى الجملة، ليحسن استخدامها على الوجه الصحيح1 وفيما يلي الإيضاح. "ا" لا رجلٌ غائباً - تشتمل هذه الجملة على كلمة: "لا" النافية وبعدها اسم مفرد مرفوع، وبعده اسم منصوب. فما الذى تفيده هذه الجملة؟ تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم: "لا" مفرداً -أى: غير مثنى وغير مجموع- احتمال أمرين: نفى الخبر "وهو: الغياب" عن رجل واحد، ونفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ فلا غياب لواحد أوأكثر. ولوقلنا: لا رجلان غائبيْن، ولا رجالٌ غائبِين - لكان الأمر محتملا نفى الغياب عن اثنين فقط، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب. "ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفردًا أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب. "ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفرداً أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ فلا وجود لطائر واحد، ولا أكثر. ولوقلنا: لا طائران موجودَيْن، ولا طيورٌ موجودةً - لكان النفى إمَّا واقعاً على طائرين فقط، وإما واقعاً على جماعة فقط، وإما على الجنس كله في الصورتين -
واحداً واحداً؛ بحيث لا يخلوطائر من الحكم عليه بعدم الوجود. مما سبق نعلم أن: "لا" النافية التى تعمل عمل: "كان" لا تدل على نفى الجنس كله فرد فرداً دلالة قاطعة لا تحتمل معها أمراً آخر؛ وإنما تدل - دائماً - على احتمال أمرين1، فإن كان اسمها مفرداً دلت على نفى الخبر عن فرد واحد، أوعلى نفيه عن كل فرد من الأفراد. وإن كان اسمها مثنى أوجمعاً دلت أيضاً على احتمال أمرين؛ إمَّا نفى الخبر عن المثنى فقط، أوعن الجمع فقط، وإمَّا نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس. فدلالتها على نفى الخبر تحتمل هذا، وتحتمل ذاك فى كل حالة. وليست نصًّا2 فى أمر واحد. ومن أجل أنها تحتمل نفى الخبر عن الفرد الواحد إذا كان اسمها مفرداً سميت: "لا" التى لنفى الواحد، أو: "لا" التى لنفى الوحْدة، أى: الواحد أيضاً. والذين يُعملونها يشترطون لذلك شروطاً خمسة3. أولها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين4؛ أو ما في حكم النكرة5 مثل: لا مالٌ باقياً مع التبذير. فإن كان أحدهما معرفة أوكلاهما - لم تعمل4.
ثانيهما: عدم الفصل بينها وبين اسمها وهذا يستلزم الترتيب بين معمونيها، فيجب تأخير الخبر، وكذلك تأخير معموله عن الاسم، كى لا يفصل بينها وبين اسمها فاصل؛ نحو: لا حصنٌ واقياً الظالمَ1. ولا يصح أن يسبقها شيء من جملتها2.... ثالثها: ألا ينتقض النفى بإلا؛ تقول؛ لا سعىٌ إلا مثمر، ولا يصح نصب الخبر3. رابعها: عدم تكرارها؛ فلا تعمل فى مثل: لا، لا مسرع سَبَّاق. إذا كانت "لا" الثانية لإفادة نفى جديد4. خامسها: ألا تكون نصًّا فى نفى الجنس5 - كما شرحنا - وإلا عملت عمل: "إنّ": تلك هى الشروط الحتمية لعمل "لا" وهى نفسها شروط لعمل "ما" مع زيادة شرطين فى عمل "لا" وهما: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وألا تكون نصًّا فى نفى الجنس6. وحذف خبرها كثير فى جيد الكلام؛ ومنه أن تقول للمريض؛ لا بأسٌ؛ أى: لا بأسٌ عليك. وفلان وديع لا شكٌّ. أى: لا شكٌّ فى ذلك، أوفى وداعته....
"ملاحظة": لا يتغير شئ من الأحكام السالفة إذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" سواء أكان الاستفهام باقياً على حقيقته، أم خرج إلى معنى آخر كالتوبيخ. ز أوالإنكار ... ، مثل: ألا إحسانٌ للفقير من هذا الرجل الغنى1 البخيل ... أما الحرف الثالث: "إنْ" فهولنفى الزمن الحالى عند الإطلاق، وإعمالُه وإهمالُه سِيَّانِ2. ولكن الذين يُعملونه يشترطون الشروط الخاصة بإعمال "ما"3 النافية إلا الشرط الخاص بعدم وقوع "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد "إنْ" النافية أيضاً؛ نحو: إنْ الذهبُ رخيصاً "بمعنى: ما الذهب رخيصاً" أو: إنْ الذهبُ رخيص. ففى المثال الأول تعرب "إنْ" حرف نفى ناسخ بمعنى: ما، وبعدها اسمها وخبرها. وفى المثال الثانى: "إنْ" حرف نفى مهمل، وبعده مبتدأ مرفوع، ثم خبره المرفوع4. ومن أمثلة عمالها، قول الشاعر: إنْ المرْءُ بانقضاءِ حيَاتِه ... ولكنْ بأن يُبْغَى عليه فيُخْذَلاَ وهى فى حالتى إعمالها وإهمالها لنفى الزمن الحالى، ما لم تقم قرينةٌ على غيره. - كما تقدم -. وأما الحرف الرابع: "لات"5 فهولنفى الزمن الحالى عند
الإطلاق ويشترط لعملها1: "ا" الشروط الخاصة بعمل "ما"2 إلا الشرط الخاص بعدم وقوع: "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد: "لات". "ب" ثلاثة شروط أخرى؛ هى: أن يكون اسمها وخبرها كلمتين دالتين على الزمان3، وأن يحذف أحدهما دائماً، والغالب أنه الاسم. وأن يكون المذكور منها نكرة؛ مثل: سهوتَ عن ميعادك، ولاتَ حينَ سهو. أى: ولاتَ الحينُ4 حينَ سهو. وإعرابها: "لا" نافية؛ تعمل عمل: "ليس". التاء للتأنيث اللفظى5 واسمها محذوف تقديره: الحينُ، أو: الوقت، أو: الزمن ... "حينَ" خبرها، منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف. "السهو" مضاف إليه مجرور. ومثل: تسرعتَ فى الإجابة، ولاتَ حينَ تَسرُّع. أى: وليس الحينُ حينَ تسرُّعٍ، أوليس الوقت وقتَ تسرع. والإعراب كالسابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" وردت "لات" فى بعض الكلام العربى القديم مهملة لا عمل بها؛ فهى متجردة للنفى المحض. ومنه قول الشاعر: تَرَكَ الناسُ لنا أكنافَهم ... وتولَّوا، لاتَ لمْ يُغْنِ الفرارُ فهى هنا حرف نفى محض1، مؤكد بحرف نفى آخر من معناه، هو: "لم" وهذا الاستعمال مقصور على السماع لا يجوز اليوم محاكاته. وإنما عرضناه لنفهم نظائره فى الكلام القديم حين تمر بنا، ومنه قول القائل: لَهْفى عليك لِلهفةٍ من خائفٍ ... يَبغى جوارَك حينَ لاتَ مجيرُ فهى حرف نَفى مهمل2. "ومجير" فاعل لفعل محذوف أومبتدأ خبره محذوف. "ب" حكم العطف على خبر: "لات" نفسه كحكم العطف على خبر "ما". وقد تقدم "فى ص 540 و543" فيتعين الرفع إن كان حرف العطف يقتضى إيجاب ما بعده، "مثل: لكنْ وبل"، تقول: سئمت ولات حينَ سآمة، بل حينُ صبر، أولكن حينُ صبر. فإن كان حرف العطف لا يقتضى إيجاب ما بعده "كالواو" جاز النصب والرفع، تقول: رغبت فى الراحة أياماً، ولات حين راحة، وحينَ استجمام، بنصب كلمة "حين" المعطوفة أورفعها. "حـ" من أسماء الإشارة: "هَنَّا" وهى فى أصلها ظرف مكان كما عرفنا فى باب أسماء الإشارة3. وقد وقعت فى الكلام العربى القديم بعد كلمة: "لات" كقول القائل: "حَنَّتْ نَوَارُ ولات هَنَّا حنَّت4" ... وخير ما يقال فى إعرابها: إن: "لات" حرف نَفى مهمل "أى: لا عمل له" و"هنا" اسم إشارة للمكان، منصوب على الظرفية، خبر مقدم "حنت" حن: فعل ماض، قبله "أنْ" مقدرة. والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره: هى. والمصدر المؤول من الفعل والفاعل و"أنْ" المقدرة قبل "نت" فى محل رفع مبتدأ مؤخر. وخبره اسم الإشارة الظرف المتقدم: "هنَّا". وهذا أسلوب يحسن الوقوف فيه عند السماع، والبعد عن محاكاته.
المسألة التاسعة والأربعون: زيادة "باء الجر" فى خبر هذه الأحرف تقدم أن "باء" الجر تزاد فى مواضع1، منها: أخبار الأفعال الناسخة إذا كانت تلك الأخبار منفية؛ "فلا تزاد فى أخبار "ما زال" وأخواتها الثلاثة؛ لأن أخبارها موجبَة" وأن الغرض من تلك الزيادة هوتأكيد النفى وتقويته، كما عرفنا. ومن تلك المواضع: خبر "ليس"2؛ ويكثر فيه زيادة الباء؛ نحو: ليس الحازم بمتواكل. فالباء زائدة، "ومتواكل" مجرورة بها فى محل نصب خبر "ليس". ومنها: "ما" العاملة والمهملة، فيكثر فى خبرها المنفى زيادة الباء؛ نحو: ما العربى ببخيل، وما العربى بهياب الشدائد. وأصل الكلام ما العربى بخيلا. ما العربى هياباً، فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور فى محل نصب خبر: "ما" إن كانت عاملة، أوفى محل رفع خبر المبتدأ، إن كانت: "ما" مهملة3. ومن الأمثلة، قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ، وقول الشاعر: أقْصِرْ - فؤادى - فما الذكرَى بنافعَة ... ولا بشافعةٍ فى رَدّ ما كانا وقد تزاد أحياناً بعد خبر: "لا" العاملة4، نحو: لا جاهٌ بخالد. ولا سلطانٌ
بدائم. وأصل الكلام: لا جاهٌ خالداً، ولا سلطانٌ دائما. "والإعراب كالسابق" ... وقد تقدم أنها تزاد فى خبر المضارع من "كان"، بشرط أن يكون منفيًّا بحرف النفى: "لم"؛ نحو: كلمتنى فلم أكنْ بمشغول عنك، ولم أكنْ بمنصرف عن حديثك. أى: لم أكن مشغولا عنك، ولم أكن منصرفاً عن حديثك. فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها فى محل نصب: خبر "أكن". وأنها قد تزاد أيضاً فى المفعول الثانى من مفعولى: "ظن وأخواتها"، نحو: ما ظننت المؤمن بجبان. أما زيادتها فى بقية الأفعال والحروف الناسخة، أوفى خبر المبتدأ، أوفى غير ما سبق - فمقصور على السماع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يتردد فى مواطن مختلفة من كتب النحوما يسمى؛ "العطف على التوهم"؛ وهونوع يجب الفرار من محاكاته1 - قدر الاستطاعة - ولتوضيحه نسوق المثالين التاليين: "ا" "ليس المؤمن متأخراً عن إغاثة الملهوف". فكلمة: "متأخراً" خبر "ليس"، وهومنصوب. ويجوز - كما عرفنا2 - أن تزاد باء الجر فى أول الخبر؛ فنقول: "ليس المؤمن بمتأخر عن إغاثة الملهوف"؛ فتكون كلمة: "متأخر" فى الظاهر مجرورة بالباء الزائدة، لكنها فى التقدير فى محل نصب، لأنها خبر "ليس". فإذا عطفنا على الخبر المجرور بالباء الزائدة كلمة أخرى، بأن قلنا: ليس المؤمت بمتأخر وقاعد عن إغاثة الملهوف - فإنه يجوز فى المعطوف - وهوكلمة: "قاعد" مثلا - الجر تبعاً للمعطوف عليه المجرور فى اللفظ، كما يجوز نصبه، تبعاً للمعطوف عليه المنصوب محلا، لأنه خبر "ليس". فالمعطوف فى المثال السابق يجوز نصبه تبعاً لمحل الخبر، كما يجوز جره تبعاً للفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة المذكورة فى الجملة، والتى يجوز زيادتها فى مثل هذا الخبر. لكن إذا خلا الخبر منها فكيف نضبط المعطوف عليه؟ أيجوز النصب والجر مع عدم وجودها كما كانا جائزين عند وجودها؟ يقول أكثر النحاة: نعم. ففى المثال السابق يصح أن نقول: ليس المؤمن متأخراً وقاعداً عن إغاثة الملهوف. أو: ليس المؤمن متأخراً وقاعدٍ ... بنصب كلمة: "قاعد" أوجرها؛ فالنصب لأنها معطوفة على الخبر المنصوب مباشرة؛ ولا عيب فى هذا. والجر لأنها معطوفة على خبر منصوب فى التقدير؛ على تخيل وتوهم أنه مجرور بالباء الزائدة؛ فكأن المتكلم قد تخيل وجود الباء الزائدة مع أنها غير موجودة بالفعل. وتوهم أنها ظاهرة فى أول الخبر؛ - ولذا يسمونه: "العطف على التوهم" - مع أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أن توهمه غير صحيح. ومن العجب أن يتوهم ويتخيل ما لا وجود له، ويبنى عليه آثاراً. وهذا أمر يجب الفرار منه - كما قلنا -؛ لما فيه من البعد، والعدول عن الطريقة المستقيمة الواضحة إلى أخرى ملتوية، لا خير فيها. فإن قهرتنا بعض الأساليب القديمة على الالتجاء إليه وجب أن نقتصر عليه فى الوارد، ونحصر أمره فى المسموع من تلك الأساليب، دون أن نتوسع فيها بالمحاكاة والقياس، إذ لا ضرورة تلجئنا إلى محاكاته. وهذا الرأى السديد لبعض النحاة الأقدمين1 تستريح النفس إليه وحده، ولا فرق فيه بين العطف على خبر "ليس" أو"ما" أوغيرهما من الأخبار التى تزاد فى أولها الباء جوازاً2 ... مثال آخر: ما المحسن مناناً بإحسانه. كلمة: "مناناً" - خبر "ما" منصوبة، ويجوز أن تزاد "باء" الجر فى خبر: "ما" الحجازية على الوجه المشروح فى زيادتها - فيقال: ما المحسن بمنان بإحسانه. فتكون كلمة: "منان" مجرورة فى الظاهر بالباء الزائدة، ومنصوبة المحل، لأنها خبر "ما"؛ فإذا عطفنا على هذا الخبر المجرور كلمة أخرى3، جاز فى المعطوف إما الجر تبعاً للخبر المجرور لفظه، وإما النصب أيضاً تبعاً للخبر المنصوب محله؛ فيقال ما لامحسن بمنان وذاكر إحسانه أو: "ذاكراً" إحسانه؛ بجر كلمة: "ذاكراً"، أونصبها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا لم تكن "باء" الجر الزائدة مذكورة فى أول الخبر فكيف نضبط المعطوف؟ يقول أكثر النحاة: إن العسطف عند عدم وجود باء الجر الزائدة فى الخبر كالعطف مع وجودها، فيجوز النصب فى المعطوف تبعاً للنصب اللفظى فى الخبر المعطوف عليه؛ كما يجوز الجر فى المعطوف تبعاً لتوهمهم الجر فى الخبر المعطوف عليه، وافتراضهم أن ذلك الخبر مجرور بالباء الزائدة؛ مع أنها غير موجودة، فى الكلام. وهوتوهم لا يصح الالتفات إليه اليوم، ولا الأخذ بما يرتبونه عليه ... لما أوضحناه. ويتساوى فى هذا خبر "ليس" وخبر "ما" وغيرهما من الأخبار التى يجوز فى أولها زيادة باء الجر. "ب" إذا وقع بعد خبر "ليس" وخبر "ما" - مشتق معطوف، فكيف نضبطه؟ لهذا صور يعنينا منها ما1 يأتي: أولا: أن يكون المشتق المعطوف على خبرها وصفاً2 عاملا وبعده اسم مرفوع، سبىّ3 له، نحو: "ليس المستعمر أميناً، ولا صادقاً وعدُه" أو: "ما المستعمر أميناً ولا صادقاً وعدُه". فيجوز فى الوصف المعطوف وهوكلمة: "صادق" ما يجوز فيه لوكان غير رافع اسماً بعده؛ وعلى هذا يصح فى كلمة: "صادق" النصب بعطفها على الخبر المنصوب مباشرة وهوكلمة: "أميناً" كما يصح فيها الجر عطفاً على الخبر المجرور على حسب توهم النحاة أن الخبر مجرور بباء زائدة غير ظاهرة فى اللفظ ... وهوتوهم وتخيل سبق رفضه فى: "ا" أما الاسم السبى المرفوع بعد الوصف المعطوف فيعرب فى الحالة السالفة فاعلا له "وقد يعرب أحياناً نائب فاعل فى جملة أخرى إذا كان الوصف الرافع له اسم مفعول". وفى المثال السابق بصورتيه يلتزم الوصف الإفراد فلا يثنى ولا يجمع - فى رأى أكثر النحاة -. ويصح أن يكون الوصف مرفوعاً مبتدأ - لا معطوفاً - وأن يكون السبى4 بعده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعاً به يغنى عن الخبر "سواء أكان المرفوع فاعلا أونائب فاعل"، وفى هذه الصورة يلتزم الوصف الإفراد أيضاً. ويكون الوصف مع مرفوعه معطوفاً على الجملة قبله1. ويصح أن يكون السبي مبتدأ متأخراً والوصف خبراً مرفوعاً متقدماً - لا معطوفاً وفى هذه الحالة يتطابقان؛ إفراداً وتثنية وجمعاً، وتذكيراً، وتأنيثاً؛ نحو: ليس علىّ مهملا ولا مقصرٌ أخوه - ليس على مهملا ولا مقصران أخواه - ليس على مهملا ولا مقصرون إخوانه2 ... - وكذلك لوكان الناسخ "ما" بدلا من "ليس". ثانياً: أن يكون المعطوف وصفاً أيضاً وقبله: "ليس" ومعمولاها ولكن بعده اسم أجنبى3. فيعطف الأجنبى على اسمها، ويرفع مثله. ويعطف الوصف على خبرها، وينصب مثله، تقول ليس محمود حاضراً، ولا غائباً4 حامد، فكلمة: "حامد" معطوفة على الاسم: "محمود" مرفوعة مثله. وكلمة "غائباً" معطوفة على الخبر "حاضر" منصوبة مثله. فإن كان خبر "ليس" مجروراً بالباء الزائدة جاز أيضاً جر الوصف؛ تقول: ليس محمود بحاضر، ولا غائب حامد؛ بجر كلمة: "غائب" لأنها معطوفة على الخبر المجرور لفظه بالياء الزائدة؛ ويجوز فى الحالتين السالفتين رفع الأجنبي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه مبتدأ، خبره الوصف المتقدم؛ فيتطابقان. وتكون الجملة الثانية معطوفة على الأولى. ثالثاً: أن يكون المعطوف وصفاً قبله "ما" ومعمولاها؛ وبعده اسم أجنبى؛ فيجب رفع الوصف الواقع بعد خبرها؛ سواء أكان خبرها منصوباً، أم مجروراً بالباء الزائدة؛ نحو: ما محمود حاضراً ولا غائبٌ حامدٌ1. أو: ما محمود بحاضر ولا غائبٌ حامدٌ1. أو: ما محمود بحاضر ولا غائب حامد.
أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء
المسألة الخمسون: أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء ... 1 أفعال المقاربة - معناها: فى جملة مثل: "الماء يَغلى"، يفهم السامع بسبب وجود الفعل المضارع: أن الماء فى حالة غليان الآن2، أوْ: أنه سيكون كذلك فى المستقبل3. فإذا قلنا: "كاد الماء يغلى" - اختلف المعنى تماماً؛ إذ نفهم أمرين، أن الماء اقترب من الغليان اقتراباً كبيراً، وأنه لم يَغْلِ بالفعل، أى: أنه فى حالة إنْ استمرت زمناً قليلا فسيغلى. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول هووجود الفعل: "كاد" فى الجملة الثانية، مع أنه ماض4. وكذلك الشأن: فى: "القطار يتأخر" إذ نفهم من الجملة أن القطار يباشر التأخر الآن، أوفى المستقبل. فإذا قلنا: "كاد القطار يتأخر ... " تغيَّر المعنى، وفهمنا أمرين؛ أنه اقترب من التأخر جدًّا، وأنه - بالرغم من ذلك - لم يتأخر فى الواقع. أى: أنه فى حالة، إنْ طال زمنها قليلا يقع فى التأخر. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول وجود الفعل الماضى: "كاد". ومثل ما سبق: "الكأس تتدفق ماء" فالمعنى: أن الماء يفيض منها الآن، أومستقبلا. فإذا قلنا: "كادت الكأس تفيض ماء" تغير المعنى، وانحصر في
أنها اقتربت كثيراً من التدفق، وأنها لم تتدفق بالفعل، وهذا التغير بسبب وجود الفعل الماضى: "كاد". ومن الأمثلة السابقة - وأشباهها - يتبين أن الفعل: الماضى "كاد" يؤدى فى جملته معنى خاصًّا، هوالدلالة على التقارب بين زمن وقوع الخبر والاسم1، تقارباً كبيراً مجرداً؛ "أى: لا ملابسة2 فيه، ولا اتصال". ومن أجل ذلك سميت "كاد"3 فعل: "مقاربة". ولها إخوة تشاركها فى تأدية هذا المعنى. ومن أشهر أخواتها - كرَبَ - أوشكَ....4 - مثل: كرَبَ الليلُ ينقضى - أوْشكَ الصبح يقبل، بمعنى: "كاد" فيهما. وكلها بمعنى: "قَرُبَ". عملها: أفعال المقاربة أفعال ناقصة "أىْ: ناسخة" ترفع المبتدأ5 اسماً لها، وتنصب الخبر6، فلا ترفع فاعلا، ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة6، فهى من أخوات "كان". غير أن الخبر فى أفعال المقاربة لا بد أن يشتمل على: "1" فعل مضارع7، ومرفوعه "من فاعل، أونائبه ... " ضميرٌ فى الغالب.
"2" وأن يكون هذا المضارع مسبوقاً بأن المصدرية"1 مع الفعل: "أوْشكَ" وغير مسبوق بها مع الفعل: "كاد" أو: "كَرَبَ"، نحو: أوشك المطر أن ينقطع، وكاد الجويعتدل، وكَرَبَ الهواءُ يطيب. ويجوز - قليلا - العكس، فيتجرد خبر: "أوْشَكَ"، من "أنْ" ويقترن بها خبر "كاد" و"كرب"، ولكن الأول هوالشائع فى الأساليب العالية التي يحسن الاقتصار على محاكاتها. ومن النادر أن يكون الخبر غير جملة مضارعية. ولا يصح محاكاة هذا النادر، بل يجب الوقوف فيه عند المسموع2. وعمل أفعال المقاربة ليس مقصوراً على الماضى منها: بل ينطبق عليه وعلى ما يوجد
المشتقات الأخرى، وهى محدودة؛ أشهرها ثلاثة؛ مضارع للفعل: "كاد"، ومضارع للفعل: "أوشك"، واسم فاعل له، نحو: يكاد1 العلم يكشف أسرار الكواكب - يوشك القمر أن يتكشف للعلماء - أنت موشكٌ أن تنتهى إلى خير. والأكثر أن تستعمل "كاد" و"كَرَبَ" ناسختين2. أما "أوشك" فيجوز أن تقع تامة؛ بشرط أن تُسنَد إلى "أنْ" والفعل المضارع الذى فاعله "أومرفوعه" ضمير مستتر: نحو: القوىّ أوشك أن يتعب؛ فالمصدر المؤول من "أنْ" والفعل المضارع وفاعله فى محل رفع فاعل "أوشك" التامة3. ومثله قول الشاعر: إذا المجدُ الرفيع تواكلتْه4 ... بناة السُّوء أوشَك أن يضيعا5 وهي فى حالة تمامها تلزم صورة واحدة لا تتغير، مهما تغير الاسم السابق عليها فلا يتصل بآخرها ضمير رفع مستتر أوبارز: تقول: القويان أوشك أن يتعبا. الأقوياء أوشك أن يتعبوا. القوية أوشك أن تتعب. القويتان أوشك أن تتعبا. القويات أوشك أن يتعبن ... بخلاف ما لوكانت ناقصة؛ فيجب أن يتصل بآخرها ضمير رفيع يطابق الاسم السابق فى التذكير، والتأنيث، وفى الإفراد، وفروعه: فتقول فى الأمثلة السابقة: "أوشَك" - "أوْشكا" - "أوْشكوا" - "أوشكت" - "أوشكَتَا" - "أوشَكْن" فإن وقع المضارع اسم مرفوع ظاهر نحو: أوشك أن يفوز القوىُّ - جاز فى أوشك أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" "كاد" كغيرها من الأفعال فى أن معناها ومعنى خبرها منفى إذا سبقها نفى، ومثبت إذا لم يسبقها نفى، خلافاً لبعض النحاة؛ فمثل: "كاد الصبى يقع" معناه: قارب الصبى الوقوع. فمقاربة الوقوع ثابتة. ولكن الوقوع نفسه لم يتحقق. وإذا قلنا: ما كاد الصبى يقع. فمعناه: لم يقارب الوقوع فمقاربة الوقوع منتفية. والوقوع نفسه منفى من باب أولى، ومثل هذا يقال فى بيت الشاعر: إذا انصرفت نفسى عن الشئْ لم تكَدْ ... إليه بوجه - آخِرَ الدَهرِ - تُقْبِلُ1 "ب" تعد أفعال المقاربة من أخوات "كان" الناسخة كما عرفنا2. ولكن أفعال المقاربة تخالفها فيما يأتى: 1- خبرها لا بد أن يكون مصدراً مؤولاً من جملة مضارعية - فى الأصح - مسبوقة بأنْ أوغير مسبوقة بأن3، على التفصيل السابق، وفاعل المضارع لا بد أن يكون - فى الأرجح - ضميراً يعود على اسمها: وقد ورد رفعه السبىّ4 فى حالات قليلة، لا يحسن القياس عليها، مثل: كاد الطلل تكلمنى أحجاره. 2- خبرها لا يجوز أن يتقدم عليها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- إذا كان الخبر مقترناً "بأن" لم يجز - فى الأشهر1 - أن يتوسط بينها وبين اسمها، أما غير المقترن فيجوز كما فى خبر كان. 4- يجوز حذف الخبر إن علم، نحو: "من تأنى أصاب أوكاد؛ ومن عَجل أخطأ أوكاد، وهوكثير فى خبر "كاد" قليل فى خبر "كان" ومع قلته جائز بالتفصيل الذى سبق فى موضعه2..... 5- لا يقع فعل من أفعال المقاربة زائداً. "حـ" يرى بعض النحاة أن "أوشك" ليست من أفعال المقاربة، وإنما هى من أفعال الرجاء التى سيجئ الكلام عليها فى هذا الباب3. مستشهداً ببعض أمثلة مأثورة تؤيده. ولا داعى للأخذ برأيه اليوم، بعد أن شاع اتباع الرأى الآخر الذى يخالفه، وتؤيده أيضاً شواهد فصيحة قديمة، تسايرها أساليبنا الحديثة. وإنما ذكرنا الرأى الأول ليستعين به المتخصصون على فهم النصوص القديمة.
أفعال الشروع - معناها: ما معنى كلمة: "شَرَعَ" و"أخذَ" فى مثل: شَرَعَ المُغنَّى يُجَرِّبُ صوته، ويُصْلح عوده، وأخذ يوائم1 بين رنات هذا، ونغمات ذاك".....؟ معنى: "شَرَعَ" أنه ابتدأ فعلا فى التجربة ودخل فيها، وباشرها، وكذلك معنى كلمة "أخذ" فهى تفيد أنه ابتدأ فعلا فى المواءمة والتوفيق بين الاثنين. وكذلك فى مثل: أُعِدَّ الطعامُ: فشرَع المدعوون يتوجهون إلى غرفته، وأخذ كل منهم يجلس فى المكان المهيأ له ... " أى: ابتدءوا فى الذهاب إلى الغرفة، وباشروا الانتقال إليها فعلا، كما ابتدءوا فى الجلوس ومارسوه. ومرجع هذا الفهم إلى الفعل: "شرع"، "وأخذ"، فكلاهما يدل على ما سبق، ولهذا يسميه النحاة: "فعل شروع" يريدون: أنه الفعل الذى يدل على أول الدخول فى الشئ2، وبدء التلبس به، وبمباشرته. وأشهر أفعال الشروع: شَرَع - أَنشأ - طفِقَ - أَخذَ - عَلِقَ - هَبّ - قام - هَلْهَل - جَعَل3..... عملها: هذه الأفعال جامدة لأنها مقصورة على الماضى4، إلا "طفِق"5 و"جعل" فلهما مضارعان. وعملها الدائم هورفع المبتدأ ونصب الخبر بشرط
أن يكون المبتدأ مما يدخل عليه النواسخ1، فلا ترفع فاعلا ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة؛ فهى من أخوات "كان" الناقصة. ولا تقع تامة2 حين إفادتها معنى: "الشروع" - كما أوضحناه - إلا أنّ خبر أفعال الشروه لا بد أن يكون: 1- جملة مضارعية فاعلها "أو: مرفوعها" ضمير. 2- المضارع فيها غير مسبوق "بأنْ" المصدرية3، كالأمثلة السابقة. 3- تأخير هذه الجملة المضارعية وجوبا عن الناسخ واسمه، فلا يجوز أن تتقدم على عاملها "فعل الشروع" ولا أن تتوسط بينه وبين اسمه 4. 4- جواز حذفها وهي خبر إن دل عليه دليل. أفعال الرجاء 5 - معناها: يتضح معناها من مثل: اشتد الغلاء؛ فعسى اللهُ أنْ يُخفف حدَّته - زاد شوق الغريب إلى أهله، فعسى الأيامُ أن تُقَربَ بينهم - تَطَلَّع الرحالة إلى كشف المجاهل؛ فعسى الحكومة أن تهيئ له الوسائل ... ففى المثال الأول: رجاء وأمل فى الله أن يخفف شدة الغلاء. وفى الثانى: رجاء وأمل أن تُقربَ الأيام بين الغريب وأهله. وفى الثالث كذلك: أن تُعدّ الحكومة للرحالة الوسائل ... ففى كل مثال رجاء وأمل فى تحقيق شئ مطلوب
يُفهم من الفعل المضارع مع مرفوعه، والكلمة التى تدل على الرجاء والأمل هى: "عسى"، ولهذا تبعد من أفعال الرجاء التى تدل على الرجاء التى يدل كل فعل منها على: "ترقب الخير، والأمل فى تحققه ووقعه". "والخبر المرتقب هنا هو: ما يتضمنه المضارع مع مرفوعه، كما سبق". ومن أشهرها: عسى - حَرَى1 - اخْلَولَقَ2 ... . عملها: هى أفعال ماضية فى لفظها3، جامدة1، الصيغة والأغلب أنها ترفع الاسم4 وتنصب الخبر - إن كانا صالحين لدخول النواسخ5 - فهى من الأفعال الناقصة "أى: الناسخة" أخوات "كان". وخبرها - فى الأفصح - مضارع مسبوق: بأنْ6، وفاعله ضمير، لكن يجوز فى خبر "عسى" أن يكون مضارعه غير مسبوق بأنْ، نحو: عسَى الأمن يدومُ7..... كما يجوز أن يكون فاعل هذا المضارع سببيًّا، أى: اسماً ظاهراً مضافاً لضمير اسمها؛ نحو: عسى الوطن يدوم عزُّه.
حكمها: يجب تقديم هذه الأفعال على معموليها. كما يجب - فى رأى دون آخر1 - تأخير الخبر المقرون بأن عن الأسم. ويجوز حذف الخبر لدليل وقد تقدم أن والأغلب فى استعمال هذه الأفعال أن تكون ناقصة. لكن يجوز فى "عسى" "واخلولق" أن تكونا تامتين، بشرط إسنادهما إلى "أنْ" والمضاعر الذى مرفوعة ضمير يعود على اسم سابق. دون إسنادهما إلى ضمير مستتر أوبارز؛ فلا بد لتمامهما أن يكون فاعلهما مصدراً مؤولا من "أنْ" وما دخلت عليه من جملة مضارعية، ولا يصح أن يكون ضميراً، نحو: الرجل عسى أن يكون. ونحو: الزرع اخلولق أن يتفتح، فالمصدر المؤول فى المثالين فاعل2 وفى هذه الحالة لا يكون فى "عسى" و"اخلولق" ضمير مستتر3. وفي حالة التمام تلزم "عسى" وأختها صورة واحدة لا تتغير مهما تغير الاسم السابق، فلا تلحقهما علامة تثنية ولا علامة جمع - لأن فاعلهما مذكور بعدهما - ... نحو الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسى أن يقوما - الرجال عسى أن يقوموا.... وهكذا. أما عند النقص فى: "عسى" و"اخلولق"، فلا بد أن يتصل بآخرهما ضمير مطابق للاسم السابق فتكونا ناقصتين. فإن لم يتصل بهما ضمير، وأسْندتا إلى: "أنْ" والمضارع الذى فاعله ضمير، فهما تامتان، - كما سلف - والمصدر المؤول
فاعلهما. ففى حالة النقص نقول: الرجل عسى1 أن يقوم - الرجلان عسيا أن يقوما - الرجال عَسْوا أن يقوموا. البنت عست أن تقوم. البنتان عَسَتا أن تقوما - النساء عَسيْن أن يقمن ... و ... 2 فإن كان فاعل المضارع "أومرفوعه" اسماً ظاهراً جاز فى كل منهما أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة؛ فعند التمام يكون المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الظاهر - فاعلا للناسخ، وعند النقص لا يكون الاسم الظاهر المتأخر مرفوعاً للمضارع، بل يصير هواسم الناسخ ويكون الخبر هو: المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه3 الفاعل أوما يغنى عن الفاعل.
وكل هذا يصح فى: "اخلولق" أيضاً1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا وقعت "عسى" ومثلها "اخلولق" و "أوشك" بعد اسم ظاهر مرفوع1، وليس بعدها في الجملة اسم ظاهر ولا ضمير بارز، مثل: الصديق عسى أن يحضر - جاز أمران: ا- أن تخلو"عسى" من ضمير مستتر فيها أوبارز، فتكون تامة. فاعلها هوالمصدر المؤول بعدها من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" ومرفوعها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها وهو: "الصديق". ونحو: المحمدان عسى أن يتقدما. المحمدون عسى أن يتقدموا. البنات عسى أن يتقدمن. ب- وجاز أن تكون ناقصة، فتشتمل على ضمير مستتر أوبارز هواسمها يعود على المبتدأ السابق عليها ويطابقه فى التذكير والتأنيث، وفى الإفراد وفروعه، وخبرها هوالمصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر أوالبارز. والجملة منها ومن اسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها؛ مثل: محمد عسى أن يحضر - المحمدان عسيا أن يحضُرا - المحمدون عَسوْا أن يحضُروا - النساء عسَين أن يحضُرْن ... - كما تقدم -. أما إذا تأخر ذلك الاسم المرفوع بحيث يقع بعد المضارع المسبوق بأن المصدرية كما فى المثال: عسى أن يحضر الوالد - فيجوز أربعة أوجه. الأول - أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ "وهومع تأخره فى اللفظ متقدم فى الرتبة". "عسى" فعل ماض تام، وفاعله هوالمصدر المؤول من "أنْ" ومن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" وفاعلهما فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر. الثانى: أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ مع تأخره. "عسى" فعل ماض ناقص، اسمها ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على المبتدأ، المتأخر فى اللفظ، المتقدم فى الرتبة، ويطابقه؛ وخبرها هوالمصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر. والجملة من "عسى" واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر. الثالث: أن تكون "عسى" تامة وفاعلها هوالمصدر المؤول بعدها من "أن" والفعل المضارع مع مرفوعه، ومرفوعه هوالاسم الظاهر بعده. "الولد". الرابع: أن تكون "عسى" ناقصة واسمها هو: الاسم الظاهر المتأخر "الوالد". وخبرها هوالمصدر المؤول من أن والفعل المضارع ومرفوعه المستتر. وتشترك "اخلولق" و"أوشك" مع "عسى" فى كل ما سبق من الحالات1 ... "ب" سبق2 أنه لا يجوز فى أفعال الرجاء أن يتقدم خبرها عليها، كما لا يجوز3 - فى رأى - أن يتوسط بينها وبين اسمها إن كان المضارع مقترناً "بأن". ويجوز حذف خبرها للعمل به. كما سبق عند الكلام على الصلة4 أن أفعال الرجاء لا تصلح أن تكون أفعال صلة، إلا "عسى" طبقا لما هو مدون هناك ... والأكثر فى "عسى" أن تكون للرجاء. وقد تكون للإشفاق5 "أى: الخوف من وقوع أمر مكروه" مثل قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم} - كما سبق فى رقم 2 من هامش ص 563 وكما يجئ فى رقم1 من هامش ص 575. "حـ" إذا أسند الفعل: "عسى" لضمير رفع المتكلم أوالمخاطب جاز فتح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السين وكسرها؛ نحو: عسِيَت1 أن أسْلَمَ من المرض، وعسيَت أن تفوز بالغنى، وعَسِيتما ... وعَسِيتم ... وعَسين ... والفتح أشهر2. "د" فى مثل: عسانَى أزورك - عساك تزورنى، عساه يزورنا من كل تركيب وقع فيه بعد "عسى" الضمير: "الياء" أو"الكاف" أو"الهاء" وهى ضمائر ليست للرفع - تكون: "عسى" حرفاً للرجاء3، بمعنى: "لعل" وتعمل عملها، وهذا أيسر الآراء كما سبق4. ويجوز اعتبار "عسى" من أخوات "كان" وهذا الضمير فى محل رفع اسمها. ولا يكون كذلك فى غير هذا الموضع والأفضل الإعراب الأول، والاقتصار عليه أحسن. "هـ" فى مثل: عسى أن يتلطف الطبيب مع المريض - يوجب النحاة إعراب كلمة: "الطبيب" فاعلا للفعل: "يتلطف". ولا يجيزون أن تكون مبتدأ متأخراً، ولا اسماً لعسى الناقصة، ولا غير ذلك5. وحجتهم فى المنع أن إعرابها بغير الفاعلية للفعل: "يتلطف" يؤدى إلى وجود كلمة أجنبية فى وسط صلة "أنْ" فمن الخطأ إعراب أن "مصدرية" "يتلطف" مضارع منصوب بها، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على "الطبيب" المتأخر فى اللفظ؛ دون الرتبة؛ وعلة الخطا أن كلمة: "الطبيب" سواء أكانت مبتدأ متأخراً، أم اسماً لعسى، قد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقعت غريبة بين أجزاء صلة "أنْ" لأنها ليست من تلك الصلة، وفصَلتْ بين تلك الأجزاء. ولا يجوز الفصل بأجنبى فى تلك الصلة. ومثل هذا قالوا: فى إعراب كلمة: "رَبّ"، فى قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} مع إعراب: "مقاماً" ظرف. و من الاستعمالات الصحيحة وقوع اللفظ: "حَرًى" اسماً منوناً مع ملازمته الإفراد والتذكير فى جميع حالاته؛ نحو: الصانع حَرًى أن يُكرَم - الصانعان حرًى أنْ يُكرَما - الصانعون حَرًى أن يكرموا - الصانعة حَرًى أن تكرم - الصانعتان حَرًى أن تكرما - الصانعات حرى أنْ يكرمن ... ولفظ: "حَرًى" فى كل الاستعمالات السابقة مصدر معناه: جدير وحقيق؛ فهومصدر بمعنى الوصف، والأحسن أن يكون مصدراً لفعل تام متصرف ليس فى "أفعال الرجاء" هوالفعل: حَرِىَ - يَحْرَى - حَرًى. وقد يجئ من هذا الفعل التام المتصرف وصف مشتق على: "حَرِىّ" "وزان: غَنِيّ"، وعلى: حَرٍ "وزان: صَدٍ بمعنى: ظمآن" وهذان الوصفان هما صفتان مشبهتان ولا يلتزمان صيغة واحدة، وإنما تلحقهما علامة التثنية والجمع، والتذكير والتأنيث فيقال: المكافح حَرِىّ أوحَرٍ أن يفوز - المكافحات حريَّان، أوحَريَان أن يفوزا - المكافحون حريُّون أوحريُون أن يفوزوا - المكافحة حريَّة أوحَرِيةٌ ... المكافحتان حرِّيتَان أوحَرِيتَان ... المكافحات حَرِيَّات أوحَرِيَات ...
الحروف الناسخة "إن" وأخواتها
الحروف الناسخة "إن" وأخواتها مدخل ... المسألة الحادية والخمسون: الحروف الناسخة 1 "إن" وأخواتها يراد بالحروف الناسخة هنا - سبعة أحرف2 لا شك فى حرفيتها، وهي:
وكل واحد من هذه السبعة يدخل على المبتدأ والخبر بأنواعهما1 وأحوالهما؛ فيتناولهما بالتغيير فى اسمهما، وفى شئ من ضبط آخرهما؛ إذ يصير المبتدأ منصوباً، ويسمى: اسم الناسخ، ويبقى الخبر مرفوعاً، ويسمى؛ خبر الناسخ، كالأمثلة المذكورة2. ولكل واحد من تلك الحروف معنى خاص يغلب فيه؛ فالغالب فى: "إنّ" وأنّ": التوكيد3، وفى "لكنّ"
الاستدراك1 ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها2. وفى: "كأن": التشبيه3؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلا حين يكون خرها اسما أرفع من اسمها قدرا أو أحط منها، نحو: كأن الرجل ملك. أو كأن اللص قرد: أما إذا كان خبرها جملة فعلية، أو ظرفا، أو جارا مع مجروره، أو صفة من صفات اسمها -0 فإنها للظن، نحو: كأن محمودا وقف، أو عندك، أو في الدار، أو واقف ... لأن محمودا هو النفس الذي وقف، ونفس المستقر عندك، أو في الدار، ونفس الواقف ... والشيء لا يشبه بنفسه. ويقول الذين يرونها للتشبيه باطراد: إنها في الأمثلة السابقة ونظائرها - جارية على أداء مهمتها الأصلية، وهي: التشبيه باعتبار أن المشبه به محذوف، فالأصل: كأن محمودا شخص وقف، أو شخص عندك، أو شخص في البيت، أو شخص واقف.... أو اعتبار المشبه به هو نفس المشبه، ولكن في حالة أخرى له. ولا مانع عندهم من تشبيه الشخص في حالة معينة - بنفسه في حالة أخرى تخالفها، فيكون المراد، كأن محمودا في حاله وهو غير واقف شبيه بنفسه وهو واقف.... والخلاف شكلي، ولكن هذا الرأي أنسب لأنه عام ينطبق على كل الحالات، ويريحنا من التشتيت، والخلاف، وتشعيب القواعد. والأخذ بهذا الرأي أو ذاك إنما يكون حيث لا توجد القرينة التي تعين المراد. فإن وجدت وجب الأخذ بها. ومن الأساليب الفصيحة المسموعة قولهم: "كأنك بالفرج آت، وبالشتاء مقبل". "وكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل" وقد تعددت الآراء في المراد. ومنها في لأسلوب الأول: التعبير عن قرب مجيء الفرج، وقرب إقبال الشتاء. وفي الثاني خطاب متجه إلى المحتضر: كأن الدنيا لم تكن "أي: لم توجد" أو: كأنك لم تكن بالدنيا، لقصر المدة فيها في الحالتين، وكأنك في الآخرة - تتوهم أنك لم تزل عن الدنيا ولم تبارحها. وتعددت كذلك في إعراب تلك الأساليب إعرابا يساير معنى واضحا، ومما ارتضوه في الأسلوب الأول أن يكون معنى "كأن" هنا: التقريب. والكاف اسمها. وأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج. ثم حذف المضاف، وهو كلمة: "زمان" أما الخبر فهو كلمة: "آت" مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة والجار والمجرور: "بالفرج" متعلق بالخبر: "آت". وبالشتاء الواو حرف عطف، والجار مع مجروره متعلق بكلمة: مقبل، المعطوفة على كلمة "آت" السابقة: فأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج، ومقبل "بالشتاء". وارتضوا في الأسلوب الأخير أن يكون الخبر محذوفا فيهما. وجملة: "لم تكن" وكذلك جملة: "لم تزل" في محل نصب، حال. والأصل: كأنك تبصر بالدنيا حالة كونك لم تكن بها "لأنك تبصرها في لحظة مغادرتها" وكأنك تبصر بالآخرة في حالة كونك لم تزل "أي: في حالة لم تزل فيها عن الدنيا، ولم تغادرها نهائيا". وهناك إعراب أخرى كل منها يساير معنى معينا، فتختلف الإعرابات باختلاف المعاني التي يتضمنها كل أسلوب. "راجع حاشية الصبان جـ1 عند الكلام على: كأن". ولعل الإعراب الواضح الذي يساير معنى واضحا في المثالين الأولين هو افتراض أن أصلها: كأنك أت بالفرج ومقبل بالشتاء، وهذا - مع مسايرته المعنى يفيد القرب الذي سبق الأسلوب شاهدا عليه. لأن المخاطبة دليل القرب. ولا مانع من اعتبار: كأن للقرب أو للتشبيه فإن كانت للقرب فمعناها ظاهر، وإن كانت للتشبيه فالمراد "كأنك شخص أو شيء آت بالفرج، ومقبل بالشتاء. فالمشبه به محذوف. وعلى هذا أو ذاك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ =تعرب "الكاف" اسمها، و "آت" خبرها. والفرج جار ومجرور متعلق بالخبر. و "مقبل" "الواو" حرف عطف "مقبل" معطوف على: "آت" و "بـ الشتاء" جار ومجرور متعلق بكلمة: "مقبل وما يقولونه في تأييد إعرابهم المخالف مردود وضعيف ... "كالذي ورد في المغني والتصريح وحواشيها عند الكلام على: كأن". كما يصح في المثال الأخير: اعتبار كلمة "كأن" للتشبيه "تشبيه المخاطب في هذه الحالة بنفسه في حالة أخرى، فالمشبه والمشبه به شخص واحد، ولكن في حالتين مختلفتين، وهذا أمر جائز عندهم، - كما أسلفنا - أي: كأنك في حالة وجودك بالدنيا شبيه بنفسك في حالة عدم وجودك بها. " "فالكاف اسمها، والجار والمجرور، "بالدنيا" متعلق بالفعل: "تكن" فكلمة: "لم" حرف جزم. "تكن" تامة بمعنى "توجد" فعل مضارع مجزوم بها. والفاعل: أنت، والجملة في محل رفع خبر: "كأن". "فالمراد: كأنك عند الاحتضار" لم توجد بالدنيا، فأنت في حالتك هذه تشبه نفسك في حالة عدم وجودك فيها، فالحالتان سيان". و "بالآخرة" الواو حرف عطف. الجار والمجرور حال مقدم من الضمير فاعل الفعل المضارع: "تزل" المجزوم بالحرف: "لم" "فالمراد: كأنك لم توجد بالدنيا ولم تزل عنها في حالة وجودك بالآخرة، لأنك على بابها. والجملة الفعلية الثانية معطوفة على الجملة الفعلية السابقة". ويرى فريق آخر قصر التشبيه في: "كأن" على الحالة التي يكون فيها خبرها جامدا، مثل: "كأن البخيل حجر". أما في غيره فهي للتحقيق، أو: التقريب، أو الظن.... ومن أمثلة التحقيق عندهم قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، إذ المعنى هنا محقق قطعا. ولا مجال فيه للتشبيه ومثله قول الشاعر المتغزل: كأني حين أمسي لا تكلمني ... متيم أشتهى ما ليس موجودا وهذا رأي حسن ولكن جمهرتهم لا يخرجونها عن التشبيه، وحجتهم ما ذكرنا من أن المشبه به قد يكون محذوفا. وقد يكون هو المشبه أيضا، ولكن في حالة أخرى كما سبقت الإشارة، ففي مثل: "كأن عليا يلعب" يكون المراد: كأن عليا شخص يلعب، أو: كأن عليا في حالة عدم لعبه يشبه عليا في حالة لعبه. أي: كأن هيئته في غير لعبة كهيئته في اللعب "راجع الجزء الأول من الهمع ص 133"، وقد قلنا: إن الأخذ بهذا الرأي أحسن عند عدم القرينة، إبعادا للخلاف، واختصارا نافعا في القواعد. أما مع القرينة فلا، كالآية والتأويل في الآية- ونظائرها - عسير، لأن القرينة تدل على أنها للتحقيق قد يكون أصل المضارع في: "كأنك في الدنيا لم تزل...." هو: "يزول" من "زال" التامة، بمعنى، فمني وذهب. فالزاي مضمومة وقد يكون أصله: "يزال"، من "زال"، يزال" الناسخة مثل: لا يزال الحر مكرما، بمعنى: بقي واستمر، فالزاي مفتوحة. والمعنى منها يخالف ما سبق، وفيه بعد، أي: أن الآخرة باقية خالدة تنتظر.
وفى: "ليت" التمنى1. وفى: "لعل"2 الترجى والتوقع. وقد تكون للإشفاق3.
شروط إعمال هذه الأحرف الناسخة 1: ا- يشترط لعملها ألا تتصل بها: "ما" الزائدة2. فإن اتصلت بها "ما" الزائدة2 - وتسمَّة: "ما" الكافَّة"3 - منعتها من العمل، وأباحت دخولها على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالاسمية. إلا: "ليت" فيجوز إهمالها وإعمالها4 عند اتصالها بكلمة "ما" السالفة؛ فيجب الإهمال فى مثل: إنما الأمين صديقٌ5، ولكنما الخائن عدوّ، وفى مثل قول الشاعر يصف حصاناً ببياض وجهه، وسواد ظهره: وكأنما انفَجر الصباح بوجهه ... حسْنًا، أواحْتَبَسَ الظلامُ بِمَتْنِهِ6
ويجوز الأمران مع: "ليت" مثل: ليتما علىّ حاضرٌ، أو: لَيّما عَليَا حاضرٌ، وهى فى الحالتين مختصة بالجمل الاسمية. ب- يشترط فى اسمها شروط، أهمها: ألا يكون من الكلمات التى تلازم استعمالاً واحداً، وضبطا واحداً لا يتغير؛ كالكلمات التى تلازم الرفع على الابتداء، فلا تخرج عنه إلى غيره؛ ككلمة: "طُوبَى" وأشباهها1 - فى مثل: طوبى للمجاهد فى سبيل الله. - فإنها لا تكون إلا مبتدأ. وألا يكون من الكلمات الملازمة للصدارة في جملتها، إما بنفسها مباشرة؛ كأسماء الشرط، و: "كم"....، وإما بسبب غيرها2؛ كالمضاف إلى ما يجب تصديره؛ مثل: صاحِبُ مَنْ أنت؟ فكلاهما لا يصلح أسماً. والسبب: هوأن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فى جملتها "ما عدا "أنّ"3 فإذا كان اسم واحد منها ملازماً للصدارة وقع بينهما التعارض. ولهذا كان من شروط إعمالها - أيضاً - أن يتأخر اسمها وخبرها عنها. وألا يكون اسمها فى الأصل مبتدأ واجب الحذف؛ كالمبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت، ثم انقطع عن النعت إلى الخبر4؛ نحو:
عرفت محموداً العالمُ1. حـ- ويشترط فى خبرها ألا يكون إنشائيًّا2، "إلا الإنشاء المشتمل على: "نِعْم" و"بِئْس" وأخواتهما من أفعال المدح والذم" فلا يصح: إن المريض ساعدْهُ. وليت البائسَ لا تُهنْه ... ويصح: إن الأمين نِعْم الرجل، وإن الخائن بئس الإنسان. وكذلك يشترط فى خبرها إذا كان مفرداً أوجملة - أن يتأخر عن اسمها، فيجب مراعاة الترتيب بينهما؛ بتقديم الاسم وتأخير الخبر، نحو: إن الحقَّ غَلاّب - إن العظائم كفؤُها العظماءُ - إن كبارَ النفوسِ ينفرون من صغائر الأمور3، وقول الشاعر: إن الأمينَ - إذا استعان بخائن - ... كان الأمينُ شريكَه فى المأثِم فلوتقدم هذا الخبر لم تعمل، بل لم يكن الأسلوب صحيحاً. وهذا الشرط يقتضى عدم تقدمه على الناسخ من باب أوْلى. أما إذا كان الخبر غير مفرد وغير جملة، بأن كان شبه جملة: "ظرفاً أوجاراً مع مجروره". فيجوز أن يتقدم على الاسم فقط، فيتوسطه بينه وبين الناسخ عند عدم وجود مانع4، نحو؛ إن فى السماء عبرةً5، وإن فى دراستها
عجائبَ. وقول الشاعر: إنّ من الحلْم دلاًّ أنت عارِفُهُ ... والحِلْمُ عن قُدرَةٍ فضلٌ من الكرم ومثل: إن هنا رفاقاً كراماً، وإن معنا إخواناً أبراراً. وقولهم فى وصف رجل: كانَ والله سمْحاً سهْلا، كأنّ بيْنه وبين القلوب نَسَبا، أو: بينه وبين الحياة سبباً. فإن وُجِد مانع لم يجز تقدمه؛ كوجود لام الابتداء فى نحو: إن الشجاعة لفى قول الحق: حيثَ لا يجوز تقديمه وفيه لام الابتداء1 ... وهناك حالة يجب فيها تقديمه؛ هى: أن يكون فى الاسم ضمير يعود على شئ فى الخبر الجار والمجرور؛ مثل: إن فى الحقل رجالَه، وإن فى المصنع عمالَه. فاسم الناسخ "رجال وعمال" مشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر1؛ "أى: على الحقل، والمصنع"؛ ولوتأخر الخبر لعاد ذلك الضمير على متأخر فى اللفظ وفى الرتبة معاً؛ وهوممنوع هنا3.
ومما تقدم نعلم أن للخبر - فى هذا الباب - ثلاثة أحوال من ناحية تقديمه، أوتأخيره على الاسم. الأولى: وجوب تأخيره إذا لم يكن شبه جملة. الثانية: وجوب تقديمه إذا كان شبه جملة، وكان الاسم مشتملا على ضمير يعود على بعض شبه الجملة، "أي: على بعض الخبر". الثالثة: جواز الأمرين إذا كان شبه جملة، - غير ما سلف - ولم يمنع من التقدم مانع. أما معمول الخبر "مثل: إن المتعلم قارئ كتابك، وإنه منتفع بعلمك،" فلا يجوز تقديمه على الحرف الناسخ، لكن يجوز تقديمه على الخبر مطلقاً "أى: سواء أكان المعمول شبه جملة، أم غير شبهها، فتقول: إن المتعلم - كتابَك - "قارئُ، وإنه - بعلمك - منتفع. ففى الجملة الأولى تقدم المعمول: "كتابَك" وليس بشبه جملة؛ وفى الثانية تقدم المعمول شبه الجملة، وهوالجار والمجرور: "بعلم. كما يتضح تقديم معمول الخبر على الاسم والتوسط بينه وبين الناسخ فى حالة واحدة، هى: أن يكون المعمول شبه جملة؛ نحو: إن فى المهد الطفلَ نائم - إن بيننا الودَّ راسخ. ويؤخذ من كل ما سبق: 1- أنه لا يجوز أن يفصل بين الحرف الناسخ واسمه فاصل إلا الخبر شبه الجملة الذى يصح تقديمه، أومعمول الخبر إذا كان المعمول شبه جملة أيضا الجملة كذلك، 2- كما لا يجوز أن يتقدم على الحرف الناسخ اسمه، أوخبره، أومعمول أحدهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- قد يحذف الحرف الناسخ مع معموليه أوأحدهما، ويظل ملحوظاً تتجه إليه النية؛ كأنه موجود. وأكثر ما يكون الحذف فى إنّ "المكسورة الهمزة المشدّدة النون"، ومنه قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} بناء على أن التقدير: تزعمون أنهم شركائى. وقد تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وقد تحذف وحدها ويبقى اسمها وخبرها، وقد يحذف أحدهما فقط1، وكل ذلك مع ملاحظة المحذوف ولا يصح شئ مما سبق إذا إذا قامت قرينة تدل على المحذوف مع عدم تأثر المعنى بالحذف، وهذه قاعدة لغوية عامة أشرنا إليها من قبل2"؛ هى جواز حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه. بشرط أن تقوم قرينة تدل عليه". وقد يجب حذف خبر "إن"3 إذا سَدّ مسده واوالمعية، نحو: إنك وخيراً، أى: إنك مع خير، أوسد مسده الحال، نحو: قول الشاعر: إنَّ اختيارك ما تبغيه ذائقةٍ ... بالله مستظهراً بالحزم والجدّ أومصدراً مكرراً؛ نحو: إن الفائدة سيراً سيراً. وتختص: "ليت" بالاستغناء عن معموليها، وبأحكام أخرى سبقت شروطها وتفصيلاتها فى رقم 1 من هامش ص 635. ب- الأنسب الأخذ بالرأى القائل بجواز تعدد الخبر فى هذا الباب على الوجه الذى سبق إيضاحه فى تعدد خبر المبتدأ4، لأن التعدد هنا وهناك أمر تشتد إليه حاجة المعنى أحياناً. حـ- من العرب من ينصب بهذه الحروف المعمولين؛ كما تنطق الشواهد الواردة به. لكن لا يصح القياس عليها فى عصرنا؛ منعاً لفوضى التعبير والإبانة، وإنما نذكر رأيهم - كعادتنا فى نظائره - ليعرفه المتخصصون فيكشفوا به، فى غير حيرة ولا اضطراب - ما يصادفهم من شواهد قديمة وردت مطابقة له مع ابتعادهم عن محاكاتها.
المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها
المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها لهمزة "إنّ" ثلاثة أحوال، وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الأمرين. الحالة الأولى: يجب فتحها فى موضع واحد، هو: أن تقع مع معموليها جزءا من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أومنصوب، أومجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ففى مثل: شاع أن المعادنَ كثيرةٌ فى بلادنا. سرنى أنك بارٌّ بأهلك - لا نجد فاعلا للفعل: "شاع" ولا للفعل: "سَرَّ" مع حاجة كل فعل للفاعل، ولا وسيلة للوصول إليه إلا بسبك مصدر مؤول من: "أنّ" مع معموليها؛ فيكون التقدير: شاع كثرةُ المعادِن فى بلادنا - سرنى برُّك بأهلك1 وكذلك الفعل: "زاد" فى قول القائل: لقد زادنى حُبًّا لنفْسِىَ أننى ... بغيضٌ إلىّ كل امرئٍ غير طائلِ وفى مثل: عرفت أن المدن مزدحمة - سمعت أن البحار ممتلئةً بالأحياء ... نجد الفعل: "عرف" محتاجاً لمفعول به، وكذلك الفعل: "سمع". فأين المفعولان؟ لا نتوصل إليهما إلا بسبك مصدر مؤول من: "أن" مع معموليها؛ فيكون التقدير: عرفت ازدحامَ المدنِ - سمعت امتلاءَ البحارِ بالأحياء. وفى مثل: تألمت من أن الصديقَ مريضٌ - فرحت بأن العربىَّ مخلصٌ للعروبة ... ، نجد حرف الجر: "مِنْ" ليس له مجرور، وكذلك حرف الجر: "الباء" وهذا غيرُ جائز فى العربية. فلا مفر من أن يكون المصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها فى الجملة الأولى هوالمجرور بالحرف: "منْ" وفى الجملة الثانية هوالمجرور "بالباء". والتقدير: تألمت من مرضِ الصديقِ - وفرِحتُ بإخلاص
العربىِّ للعروبة ... وهكذا كل جملة تتطلب اسماً لها، ولا سبيل لإيجاده إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ومن الأمثلة غير ما سبق: "حَقا، أنك متعلمٌ رَفْعٌ لقدرك" - "المعروف أن التعلم نافع". فالمصدر المؤول فى الجملة الأولى مبتدأ، والتقدير: تَعَلمُك رفعٌ لقدرك حقا1، أما فى الجملة الثانية فهوخبر، والتقدير: المعروف نَفْعُ التعلم. ومثله المصدر المؤول بعد: "لولا" حيث يحب فتح همزة "أنّ" نحو: لولا أنك مخلص لقاطعتك. والتقدير: لولا إخلاصك حاصل لقاطعتك. ومما سبق نعلم أن المصدر المؤول يجئ لإكمال النقص، فيكون فاعلا، أونائبه، أومفعولا به2، أومبتدأ3، أوخبراً4. وقد يكون غير ذلك5. كما نفهم المراد من قول النحاة: يجب فتح همزة: "أن" إذا تحتم تقديرها مع معموليها بمصدر يقع فى محل رفع، أونصب، أوجر6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- "أنّ" - مفتوحة الهمزة، مشددة النون - معناها التوكيد - كما شرحنا - وهى مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له، فمن الواجب أن يكون الفعل - وغيره مما هى معمولة له - مطابقاً لها فى المعنى؛ بأن يكون من الألفاظ الدالة على العلم واليقين؛ لكيلا قع التعارض والتناقض بينهما "أى: بين ما يدل عليه العامل، وما يدل عليه المعمول" وهذا هوما جرت عليه الأساليب الفصيحة حيث يتقدمها ما يدل2 على اليقين والقطع: مثل: اعتقدت، علمت، ووثِقْت، تيقتنت، اعتقادى ... ولا يقع قبلها شئ من ألفاظ الطمع، والإشفاق، والرجاء3 ... مثل: أردت، اشتهيت، وددْتُ ... وغيرها من الألفاظ التى يجوز أن يوجد ما بعدها أولا يوجد؛ والتى لا يقع بعدها إلا "أنْ" الناصبة للمضارع. وهذه لا تأكيد فيها ولا شبه تأكيد؛ فتقول أرجوأن تحسن إلى الضعيف، وأرغب أن تعاون المحتاج. وكالتى فى الآية الكريمة: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} . وما ذكرناه فى "أنّ" المشدّدة يسرى على: "أنّ" المفتوحة الهمزة المخففة من الثقيلة؛ فكلاهما فى الحكم سواء، نحوقوله تعالى {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} . ومن الألفاظ ما لا يدل على اليقين ولا على الطمع والإشفاق ولكن يقع بعده "أنْ" المشددة والمخففة الناسختان كما يقع بعده "أنْ" التى تنصب الفعل المضارع. وذلك النوع من الألفاظ هوما يدل على الظن؛ مثل: ظننت، وحسبت، وخلْت. ومعنى الظن: أن يتعارض الدليلان، ويرجح أحدهما الآخر. وقد يقوى الترجيحُ فيستعمل اللفظ بمعنى اليقين؛ نحوقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم مُلاقو ربهم"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يضعف حتى يصير مشكوكاً فى وجوده: كأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخرى ... ب- لا تكون "أنّ" "المفتوحة الهمزة. المشدة النون" مستقلة بنفسها مع معموليها: فلا بد أن تطون معهما جزءاً من جملة أخرى1 ... غير أنه لا يجوز أن يقع المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" اسماً لأختها المكسورة الهمزة2. فإذا أريد ذلك وجب الفصل بينهما بالخبر، فيتقدم بشرط أن يكون شبه جملة3 نحو: إن عندى أن التجربة خيرُ مرشد. إن فى الكتب السماوية أن الرسل هداةٌ للناس ... وقد سبق4 أنه يجوز وقوع "أنّ" مع معموليها اسماً للأحرف الناسخة - ومنها: أن - "أى: أن يكون المصدر المؤول اسماً للحرف الناسخ" بشرط أن يتقدم عليه الخبر شبه الجملة. حـ - أشرنا5 - فى ص 181 - إلى بعض مواضع المصدر المؤول من "أنّ ومعموليها". وقد يقع فاعلا لفعل ظاهر كما رأينا أومقدر؛ نحو: اسمع ما أنَّ الخطيب يخطب. أى: ما ثبت أن الخطيب يخطب، "مدة ثبوت خطبته" وذلك لأن "ما" المصدرية الظرفية لا تدخل - فى أشهر الآراء - على الجملة الاسمية المبدوءة بحرف مصدرى6. ومثلها العبارة المأثورة: "لا أكلم الظالم ما أنّ فى السماء نجماً. أى: ما ثبت أن فى السماء نجماً ... ". ومن الفعل المقدر أيضاً أن يقع ذلك المصدر المؤول بع: "لو" الشرطية؛ نحو: لوأنك حضرت لأكرمتك: فالمصدر المؤول فاعل محذوف، والتقدير: لوثبت حضورك ... لأن "لو" شرطية لا تدخل إلا على الفعل فى الرأى المشهور. والأخذ به أولى من الرأى القائل: إن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوباً، أومبتدأ لا يحتاج إلى خبر. لأن فيهما تكلفاً وبعداً1. وقد يقع ذلك المصدر نائب فاعل، نحوقوله تعالى: {قُلْ أوحِيَ إليّ أنَّهُ اسْتَمَع نَفرٌ منَ الجنّ ... } ، وقد يقع خبراً عن مبتدأ الآن، كالأمثلة السالفة، أوبحسب الأصل: نحو: كان عندى أنك مقيم. لكن يشترط فى المبتدأ الذى يقع خبره هذا المصدر المؤول، ثلاثة شروط: 1- أن يكون اسم معنى؛ نحو: الإنصاف أنك تُسَوّى بين أصحاب الحقوق؛ فلا يصح: الأسد أنه ملك الوحوش، بفتح الهمزة. بل يجب كسرها - كما سيجئ2-. 2- وأن يكون غير قول3؛ فلا يجب الفتح فى مثل: قولى: أن البطالة مهلكة. 3- وأن يكون محتاجاً للخبر المؤول من "أنّ" ومعموليها ليكمل معه المعنى الأساسى للجملة، من غير أن يكون المبتدأ داخلا فى معنى الخبر؛ "أى: من غير أن يكون معنى الخبر صادقاً عليه"، نحو: اعتقادى أنك نزيه. فكلمة: اعتقادى. مبتدأ يحتاج إلى خبر يتمم المعنى الأساسي. فجاء المصدر المؤول ليتممه. والتقدير: "اعتقادى نزاهتك"، فالخبر هنا يختلف فى معناه عن المبتدأ اختلافاً واضحاً. فإن كان المصدر المؤول من: "أن مع معموليها" ليس هومحط الفائدة الأصلية، "أى: ليس المقصود بتكملة المعنى الأساسى؛ كأن يكون معناه منطبقاً على المبتدأ وصادقاً عليه" فإنه لا يعرب خبراً، بل الخبر غيره. كما فى المثال السابق وهو: "اعتقادى أنك نزيه" إذا لم يكن القصد الإخبار بنزاهته والحكم عليها بها، وإنما القصد الإخبار بأن ذلك الاعتقاد حاصل واقع؛ فيكون المصدر المؤول مفعولا به للمبتدأ، والخبر محذوف؛ والتقدير - مثلا - اعتقادى نزاهتَك حاصل أوثابت....، والمصدر المؤول فى هذا المثال ينطبق على المبتدأ، ويصدق عليه؛ لأن النزاهة هنا هى: الاعتقاد، والاعتقاد هوالنزاهة ... و ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقع المصدر المؤول مفعولا لأجله؛ زرتك أنى أحبك، أومفعولا معه، نحو: يسنرى قعودك هنا، وأنك تحدثنا. أومستثنى؛ نحو: ترضينى أحوالك، إلا أنك تخلفَ الميعادَ. ويقع مضافاً إليه بشرط أن يكون المضاف مما يضاف إلى المفرد، لا إلى الجملة؛ مثل: سرنى عملك غير أن خطك ردئ. أى: غير رداءة خطك. فإن كان المضاف مما يضاف إلى الجملة وحدها وجب كسر الهمزة؛ مثل: حضرت حيث إنك دعوتنى، بكسر همزة: "إن" مراعاة للرأى الذى يحتم إضافة "حيث" للجمل، دون الرأى الآخر الذى يبيح إضافتها لغير الجملة فيبيح فتح همزتها. ومثل المواضع السابقة ما عطف عليها؛ نحوقوله تعالى: { ... اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ... } فالمصدر المؤول وهو"تفضيلى" معطوف على المفعول به: "نعمة"، وكذلك ما أبدل منها؛ نحوقوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُم ... } ، فالمصدر المؤول، وهو: استقرارها وكونها ... بدل من إحدى. وهكذا ... ولا يكون هذا المصدر المؤول مفعولا مطلقاً، ولا ظرفاً، ولا حالا، ولا تمييزاً ولا يسدد مسد "مفعول به" أصله خبر عن ذات1، نحو: ظننت القادم إنه عالم. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول من: "أنه عالم"؛ مفعولا ثانياً للفعل: "ظننت" مع أن أصل هذا المفعول خبر عن كلمة: "القادم" فيكون التقدير "القادم علِمْ" فيقع المعنى خبراً عن الجنة2، وهذا مرفوض هنا إلا بتأويل لا يستساغ مع أنّ. د- من الأساليب الفصحية: "أحقًّا أنَّ جيرتَنا استَقَلُّوا3.... يريدون، أفى حق أن جيرتنا استقلوا. فكلمة: "حقًّا" ظرف زمان4 - فى الشائع -، والمصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها مبتدأ مؤخر. ولهذا وجب فتح همزة "أن". أى: أفى حق استقلال جيرتنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصح أن تكون كلمة؛ "حقًّا"، مفعولا مطلقاً محذوف تقديره: حَقَّ "بمعنى: ثَبَت" والمصدر المنسبك فاعله، أى: أحق حقًّا استقلال جيرتنا؟ وأحياناً يقولون: "أمَا أنّ جيرتنا استقلوا". فكلمة: "أمَا" "بتخفيف الميم"1 بمعنى: حقًّا، ويجب فتح همزة "أن" بعدها. وخير ما ارتضوه فى إعرابها: أنها مركبة من كلمتين؛ فالهمزة للاستفهام. "ما" ظرف، بمعنى: شئ. ويراد بذلك الشئ: "حق" فالمعنى: "أحقًّا" وكلمة: "إما" مبنية على السكون فى محل نصب، وهى خبر مقدم، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخر2. هـ- قد يَسُدّ المصدر المؤول من أنّ ومعموليها مسد المفعولين إن لم يوجد سواه، نحو: ظننت أن بعض الكواكب صالح للسكنى. وكذلك فى كل موضع تحتاج فيه الجملة إلى ما يكمل نقصها فلا جد غيره، مع عدم مانع يمنع منه ... و أشرنا من قبل3 إلى وقوع: "أنَّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجى، فتشارك "لعل" فى تأدية هذا المعنى وتحتاج إلى جملة اسمية بعدها؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أ، يكون لها الصدارة فى جملتها. ولا يصح أن تسبك مع ما بها بمصدر مؤول؛ فهي تخالف "أنَّ" المفتوحة الهمزة، المشددة النون التى معناها التوكيد فى أمور: فى المعنى، وفى وجوب الصدارة، وفى منع السبك بمصدر مؤول.
الحالة الثانية: يجب كسر همزة: "إن" فى كل موضع لا يصح أن تسبك فيه مع معموليها بمصدر؛ يجب الكسر فيما يأتى: "1" أن تكون فى أول جملتها حقيقة، نحو: {إنَّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً} ، وقول الشاعر يمدح محسناً: يُخفِى صنائعَه، واللهُ يُظهرها ... إن الجميل إذا أخفيته ظهرَا وتعتبر فى أول جملتها حكماً إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح1؛ مثل: ألاَ، وأَمَا2، نحو: ألاَ إن إنكار المعروف لؤم - أمَا إن الرشوة جريمة من الراشى والمُرتشى. ومثلهما الواوالتى للاستئناف، كقول الشاعر: وإنى شِقِىٌّ باللئام ولا ترى ... شَقِيًّا بهم إلا كريمَ الشمائِل وكذلك كل واوأخرى تقع بعدها جملة تامة. فإن سبقها شىء من جملتها وجب الفتح، نحو: عندى أن الدّين وقاية من الشرور وهكذا3 ... "2" أن تقع فى جملة الصلة، بحيث لا يسبقها4 شئ منها؛ نحو: أحترم الذى "إنه عزيز النفس عندى."، وكذلك فى أول جملة الصفة التى موصوفها اسم ذات؛ نحو: أحِبُّ رجلا "إنه مفيد". وفى: أول جملة الحال أيضاً؛ نحو: أجِلُّ الرجلَ "إنه يعتمد على نفسه" وأُكْبِرُهُ "وإنه بعيد من الدنايا". "3" أن تقع فى صدر جملة جواب القسم وفى خبرها اللام؛ سواء أكانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب، أم كانت فعلية فعلُها
مذكور؛ نحو: أحلف بالله إن العدلَ لمحبوب. أوغير مذكور، نحو: والله إن الظلم لوخيم العاقبة". فإن لم تقع فى خبرها اللام لم يجب1 كسر الهمزة إلا إذا كانت جملة القسم جملة فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن السياحة مفيدة. يتضح مما سلف أن الكسر واجب فى كل الحالات التى تظهر فيها اللام فى خبر "إنّ". وكذلك فى الحالة التى تحذف فيها تلك اللام من الخبر بشرط أن تكون جملة القسم فعلية، قد حذف فعلها. "4" أن تقع فى صدر جملة محكيَّة بالقول "لأن المحكىّ بالقول لا يكون إلا جملة، - فى الأغلب - بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن1". فتكسر وجوباً فى مثل: قال عليه السلام: "إن الدّين يُسْرٌ". ويقول الحكماء: "إن المبالغة فى التشدد مَدْعاةٌ للنفور"، "فقل للمتشددين: "إن الاعتدال خير""، وكذلك فى الشطر الثانى من بيت الشاعر: تُعَيّرنا أنَّا قليلٌ عَدِيدنا ... فقلتُ لها: إنّ الكرام قليلُ فإن وجد القول ولم تكن محكية به بل كانت معمولة لغيره لم تكسر، نحو: أيها العالمُ، أخُصّك القول؛ إنك فاضل؛ أى: لأنك فاضل؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك لا تكسر إن كان القول بمعنى: الظن، بقرينة تدل على هذا المعنى فيعمل عمله فى نصب مفعولين. - نحو: أتقول المراصدُ أن الجوبارد فى الأسبوع المقبل؟ أى: أتظن3 "فتفتح مع أنها مع معموليها معمولة للقول؛ لأن القول هنا بمعنى "الظن" ينصب مفعولين فيكون المصدر المؤول منها ومن معموليها فى محل نصب يسدُّ مسدَّ المفعولين ... "
"5" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب1 وقد علِّق عن العمل، بسبب وجود لام الابتداء فى خبرها؛ نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. فإن لم يكن فى خبرها اللام2 فتحت أوكسرت. نحو: علمت إن الرياءَ بلاءٌ - بفتح الهمزة، أوكسرها3. "6" أن تقع خبراً عن مبتدأ اسم ذات؛ نحو: الشجرة إنها مثمرة4 وقد يدخل على هذا المبتدأ ناسخ؛ ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا5 وَالصَّابِئِينَ 6 وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ 7 وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ 8 اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 9 ... } .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- يَعْدّ بعض النحاة مواضع أخرى للكسر، منها: أن تقع "إنَّ" بعد كلمة "كلاّ" التى تفيد الاستفتاح؛ نحو: قوله تعالى: "كلاَّ، إن الإنسان لَيَطْغَى، أنْ رآه اسْتغنى ... ". أويقع فى خبرها اللام من غير وجود فعل للتعليق؛ نحو: إن ربك لسريع العقاب. أوتقع بعد "حتى" التى تفيد الابتداء نحو: يتحرك الهواء، حتى إن الغصون تتراقص - تفيض الصحراء بالخير، حتى إنها تجود بالمعادن الكثيرة. والتوابع لشئ من ذلك؛ نحو: إن النشاط محمود وإن الخمول داء ... والحق أن هذه المواضع ينطبق عليها الحكم الأول، وهوأنها واقعة فى مصدر جملتها؛ فلا يمنع من الحكم لها بالصدارة أن يكون لجملتها نوع اتصال معنوى - لا إعرابىّ - بجملة قبلها؛ كمثال: "حتى" السابق ... "وكلاَّ"، فى بعض الأحيان. أما اتصالها الإعرابىّ فيمنع كسرها إن كان ما قبلها محتاجاً إلى المصدر المؤول منها مع معموليها احتياجاً لا مناص منه، كما سبق.
الحالة الثالثة: جواز الأمرين "أىْ: فتح همزة "إنّ" وكسرها." وذلك فى مواضع، أشهرها: "1" أن تقع بعد كلمة: "إذا" الدالة على المفاجأة1، نحو: استيقظت فإذا إن الشمس طالعة، وفتحت النافذة، فإذا إن المطر نازل. فالكسر على اعتبار: "إذا" حرف - تبعاً للرأى الأسهل - مع وقوع "إن" فى صدر جملتها الاسمية المصَرّح بطرفيها؛ بأن يُذْكر بعدها اسمها وخبرها. والفتح على اعتبار "إذا" حرف أيضاً والمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها فى محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير: استيقظت فإذا طلوع الشمس حاضر، وفتحت النافذة فإذا نزول المطر حاضر ... ويجوز اعتبار "إذا" الفجائية ظرف زمان أومكان أيضاً، خبراً مقدماً. والمصدر المنسبك من "أنّ" ومعموليها مبتدأ مؤخر، والتقدير ففى المكان أوفى الوقت طلوع الشمس حاضر، أونزول المطر ... "2"أن تقع فى صدر جملة القسم، وليس فى خبرها اللام؛ بشرط أن تكون جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمْرك إن الرياء فاضحٌ أهلَه، أوفعلية فعلها مذكور؛ نحو: أقسم بالله أن الباغىَ هالكٌ ببغيه. بفتح الهمزة وكسرها فيهما، "فإن كان فعل القسم محذوفاً فالكسر واجب - كما سبق2 -؛ نحو: بالله إن الزكاة طهارة للنفس". فالكسر بعد جملة القسم الاسمية فى المثال الأول هوعلى اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة؛ لأنها مع معموليها جملة الجواب لا محل لها من الإعراب. والفتح هوعلى اعتبار المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض3 فهو مجرور بحرف جر محذوف،
وشبه الجملة سَد مَسَد جواب القسم، لا محل له. وليس جوابا أصيلا 1 والتقدير: لعمرك قسمى على فضيحة الرياء أهلَه. وكذلك فى المثال الثانى بعد فعل القسم المذكور، فالكسر على اعتبار "إن" مع معموليها جملة الجواب لا محل لها، والفتح على اعتبار المصدر المؤول مجروراً بحرف جرّ محذوف؛ والتقدير: أقسم بالله على هلاك الباغي ببغيه. ويكون الجار مع المجرور قد سد مسد جملة الجواب؛ وأغْنَى عنه - كما سبق -. وليس جوابا أصيلا1، ولم تقع "أن" في صدره. "3" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب، وليس فى خبرها اللام، - طبقاً لما تقدم بيانه2 -؛ نحو: علمت أن الدِّين عاصمٌ من الزلل. "4" أن تقع بعد فاء الجزاء3، نحو: مَن يرضَ عن الجريمة فإنه شريك فى الإساءة. فكسر الهمزة على اعتبار "إنّ" مع معموليها جملة فى محل جزم جواب أداة الشرط: "منْ". وفتح الهمزة على اعتبار المصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، أوخبر مبتدؤه محذوف. والتقدير: من يرض على الجريمة فشركته فى الإساءة حاصلة، أو: فالثابت شركته فى الإساءة ...
"5" أن تقع1 بعد مبتدأ هوقول، أوفى معنى القول2، وخبرها قول، أوفى معناه أيضاً، والقائل واحد، نحو: قولى: "إنى معترف بالفضل لأصحابه، وكلامى: إنى شاكر صنيع الأصدقاء". فقولى - وهوالمبتدأ - مساوفى مدلوله لخبر "إن" وهو: معترف بالفضل، وخبر "إن" مساوية فى المداول كذلك؛ فهما فى المراد متساويات، وقائلهما واحد، وهو: المتكلم. كذلك: "كلامى"، مبتدأ؛ معناه معنى خبر "إن": "شاكر صنيع الأصدقاء" وخبر "إن" معناه معنى المبتدأ؛ فالمراد منهما واحد، وقائلهما واحد. وهمزة "إنّ" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" مع معموليها جملة. وقعت خبراً3. ومع أنها محكية بالقول نصا تعرب فى محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز فتح الهمزة ذا لم تُقصَد "الحكاية"؛ وأنما يكون المقصود هوالتعبير عن المعنى المصْدرىّ من غير تقيد مطلقاً بنَصّ العبارة الأولى المعينة، ولا بترديد الجملة السابقة بألفاظها الخاصة فيكون المصدر المؤول من أن مع معموليها فى محل رفع خبر المبتدأ، والتقدير: قولى، اعترافى بالفضل لأصحابه، وكلامى، شكرى صنيع الأصدقاء. فإن لم يكن المبتدأ قولا أوما فى معناه وجب الفتح، نحو: عملى أنى أزرع الحقل. والمصدر المنسبك خبر المبتدأ. ويجب الكسر إن لم يكن خبر "إن" قولا أوما فى معناه، مثل كلمة: "مستريح4" فى نحو: قولى إنى مستريح. أولم يكن قائل المبتدأ وخبر "إن" واحداً؛ فلا يتساوى مدلول
المبتدا والخبر، ولا يتوافقان؛ نحو: كلامى إن المريض يصرخ. ففى هاتين الحالتين يجب كسر الهمزة، وتكون "إنّ" مع معموليها جملة فى محل رفع خبر المبتدأ1. ....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- سرد بعض النحاة مواضع أخرى يجوز فيها الأمران، ومن الممكن الاستغناء عن أكثرها؛ لفهمها مما سبق. فمما سردوه. "1" أن تقع "أنّ" مع معموليها معطوفة على مفرد لا يفسدُ المعنى بالعطف عليه. نحو: سرّنى نبوغك، وإنك عالى المنزلة. فيجوز فتح همزة: "أنّ" فيكون المصدر المؤول معطوفاً على نبوغ، والتقدير: سرنى نبوغك وعلومنزلتك. والمعنى هنا لا يفسد بالعطف. ويجوز كسر الهمزة فتكون "إن" فى صدر جملة مستقلة. ومثال ما يفسد فيه المعنى بالعطف فلا يصح فتح الهمزة: لى بيت، وإن أخى كثير الزروع. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول معطوفاً على "بيت" والتقدير: لى بيت وكثرة زروع أخى، وهومعنى فاسد، لأنه غير المراد إذا كان المتكلم لا يملك شيئاً من تلك الزروع. ومثله ما نقله النحاة: "إن لى مالا. وإن عمْراً ناضل" إذ يترتب عليه أن يكون المعنى: إن لى مالا وفضل عمْرو. وهومعنى غير المقصود. "2" أن تقع بعد "حتى"، فتكسر بعد "حتى" الابتدائية - كما سبق1 - فى مثل: تتحرك الريح حتى إن الغصون تتراقص ... لوقوعها فى صدر جملة. وتفتح إذا وقعت بعد "حتى" العاطفة، أوالجارة، نحو: عرفت أمورك حتى أنك مسابق، أى: حتى مسابقتَك، بالنصب على العطف، أوبالجر والأداة فيهما: "حتى". "3" أن تقع بعد "أمّا" "المخففة الميم"، نحو: أمّا إنك فصيح، فتكسر إن كانت "أمَا" حرف استفتاح وتفتح إن كانت بمعنى: "حقًّا" - كما سبق2 -. "4" أن تقع بعد. لا جرم3، نحو: لا جرم أن الله ينتقمُ للمظلوم4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "5" أن تقع فى موضع التعليل، نحوقوله: "إنَّا كنَّا ندعوه منْ قبلُ، إنه هوالبر الرحيم" قرئ بفتح الهمزة، على تقدير لام التعليل؛ أى: لأنه هوالبر الرحيم. وقرئ بكسر الهمزة على اعتبار: "إن" فى صدر جملة جديدة. ومثله قوله تعالى: {وصَلِّ عليهم إن صلاتكَ سكن لهم} . فالفتح على تقدير لام التعليل، أى: لأن صلاتك سكن لهم، والكسر على اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة جديدة ... "6" وقوعها بعد "أىْ" المفسرة؛ نحو: سرنى ابتداعك المفيد، أى: أنك تبتكر شيئا جديداً نافعاً. "7" أن تقع بعد حيث الظرفية، نحو: أزورك حيث إنك مقيم فى بلدك بفتح الهمزة وبكسرها، فالفتح على اعتبار الظرف: "حيث" داخله على الفرد المضاف إليه وهوالمصدر الأول. والكسر على اعتبارها داخلة على المضاف إليه الجملة، وهذا هوالأفصح؛ إذ الأغلب فى "حيث" أن تضاف للجملة. ملاحظة: سردنا فيما تقدم مواضع الحالة الثالثة التي يجوز فيها فتح همزة "إن" وكسرها. ومن الممكن الاكتفاء بوضع ضابط عام مركز يشملها جميعا، ويغني عنها، كأن يقال: "يجوز فتح همزة "إن" وكسرها في كل موضع يصلح لاعتبار "إن" في صدر جملتها، ولاعتبارها مؤولة مع معموليها بمصدر مسبوك، أي: يصلح للأمرين".
المسألة الثالثة والخمسون: لام الابتداء، فائدتها، مواضعها
المسألة الثالثة والخمسون: لام الابتداء 1، فائدتها، مواضعها حين نقول: أصل الماس فحم، أو: بعض الحيوانات بَرِّىٌّ بحْرِىٌّ - قد يشك السامع فى صدق الكلام، أوينكره؛ فنلجأ إلى الوسائل التى ترشد إليها اللغة لتقوية معنى الجملة، وتأكيد مضمونها، وإزالة الشك عنها أوالإنكار. ومن هذه الوسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل أخرى لها مزية التكرار فى تأكيد معنى الجملة، كالقسم، أو: "إنّ" فنقول: والله أصل الماس فحم. إن بعض الحيوانات برّى بحْرىّ. أو: لام الابتداء وتدخل على المبتدأ كثيراً "ولهذا سميت: لام الابتداء"، نحو: لرجلٌ فقير يعمل، أنفعُ لبلاده من غنى لا يعمل. ليدٌ كاسبةٌ خيرٌ من يد عاطلة. وتدخل على غيره، كخبر "إنّ"، نحو: إنّ أبطال السلام لخير من أبطال الحرب. وهكذا باقى الوسائل التى تؤكد مضمون الجملة، وتقوى معناها. وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها المثبت؛ ولذلك لا تدخل على حرف النفي، ولا فعل النفي، ولا على المنفي بأحدهما، ولكنها تدخل على الاسم المفيد لمعنى النفي. مثل: إن المنافق لغير مأمون الصداقة وسميت: "لام الابتداء" لأن أكثر دخولها على المبتدأ أو على ما أصله المبتدأ، نحو: لوالدك أشفق الناس عليك، وإن عنده لخبرة ليست لك، فاستعن برأيه. وإذا دخلت هذه اللام على الخبر فقد يسميها بعض النحاة: "اللام المزحلقة2". أما آثارها النحوية فأشهرها: الصدارة في جملتها- غالبا- وأنها إذا دخلت على
المضارع خلصت زمنه للحال، نحو: إن العصفور ليغرد، أي: الآن في وقت الكلام - وهذا إن لم توجد قرينة تدل على غير الحال، كالقرينة الدالة على الاستقبال، في قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة.... " لأن يوم القيامة لم يجيء بعد، فهي تعين المضارع للحال إن كان مبهما خاليا من قرينة لغير الحال. مواضع دخولها: ولها مواضع تدخلها جوازاً، والخلاف فيها شديد، وقد استصفينا منه ما يأتي: "1" المبتدأ، كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر: ولَلْبينُ خيرٌ من مُقام على أذًى ... ولَلمتُ خيرٌ من حياة على ذلِّ "2" الخبر المتقدم على المبتدأ؛ نحو: لصادقٌ أنت. "3" خبر إنَّ "المكسورة الهمزة، المشددة النون" - دون أخبار أخواتها فى فى الرأى الأصح؛ نحو: إن الشتاء لفصل النشاط، وإنه لموسم السياحة فى بلادنا وقول الشاعر: إِنَّا - على البِعادِ والتَّفرُّقِ- ... لَنلْتَقِى بالفكر إن لم نَلْتقِ ولكن يشترط فى خبر "إنّ" الذى تتصدره لام الابتداء ما يأتى: أن يكون متأخراً عن الاسم، فلا يجوز دخولها فى مثل: إن فيك إنصافاً، وإن عندك ميلاً للحق؛ وذلك لتقدم الخبر2. وأن يكون مثبتاً؛ فلا يصح: إن العمل لَمَا طال بالأمس. أو: إن العمل لَمَا نفعُهُ قليل. بل يجب حذفها قبل "ما" النافية وغيرها من أدوات النفى الداخلة على خبر "إن". ....3
ألا يكون جملة1 فعلية فعلها ماض، متصرف. غير مقرون بكلمة: "قَدْ"؛ فلا يصح: "إن الطيارة لأسرعتْ ... 2" بل يجب حذف لام الابتداء. فإن كان الخبر جملة فعلية فعلها ماض غير متصرف جاز - فى غير ليس - دخول اللام وعدم دخولها؛ نحو: إن القطار لنعم وسيلةُ السفر، أونعم وسيلةُ السفر ... وإن إسراع السائق لبِئْس العملُ، أوبئس العملُ. بإدخال اللام على "نعم"، و"بئس" أوعدم إدخالها ... وكذلك يجوز إن كان الفعل ماضياً متصرفاً، ولكنه مقرون بكلمة: "قد"3 فتصحبها اللام أولا تصحبها؛ نحو: إن العلم لقد رَفع صاحبه، أو: رفع ... د- ألا تكون الجملة الفعلية شرطية، لأن لام الابتداء لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله ولا على جوابه.
أما إن كان الخبر جملة فعلية فعلها مضارع مثبت1 فيجوز دخول اللام على المضارع المثبت سواء أكان متصرفاً أم غير متصرف تصرفاً2 كاملا، إلا فى حالة واحدة وقع فيها الخلاف؛ هى التى يكون فيها مبدوءاً بالسين، أوسوف. فلا يصح - فى الرأى الأحق - أن تقول: "إن الطائرة لستحضر، أو: لسوف تحضر" بل يجب حذف اللام من هذا المضارع 4المبدوء بالسين، أوسوف ومن أمثلة دخولها قوله تعالى فى أهل الديانات المختلفة: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، وقوله عليه السلام: "إن الُعجْبَ5 ليَأكل الحسنات كما تَأكلُ النارُ الحطب".، وقول الشاعر: إن الكريم6 ليخفي عنك عسرته7 ... حتى تراه غنيا. وهو مجهود8
وإن كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على مبتدئها - وهوالأنسب - أوعلى خبره؛ نحو: إنّ الكهرَبا لأثرُها عميق فى حياتنا ... أو: إنّ الكهرَبا أثرُها لعميقٌ فى حياتنا. وإن كان الخبر شبه جملة دخلت عليه أيضا، نحو: إن الذخائر الأدمية لعندك، وإن نفائسها لفي بيتك. "4" معمول خبر "إنّ" بشرطين: أن يكون هذا المعمول متوسطاً بين اسمها وخبرها4 أوغيرهما من الكلمات الأخرى التى دخلت عليها "إنّ"، وأن يكون الخبر خالياً من لام الابتداء، ولكنه صالح لقبولها. ففى مثل: إن الشدائد مُظهرةٌ أبطالا، وإن المحن صاقلةٌ نفوساً، يصح تقديم معمول الخبر مقروناً بلام الابتداء؛ فنقول: إن الشدائدَ - لأبطالا- مظهرةٌ، وإن المحن - لنفوساً - صاقلةٌ. فإن تأخر المعمول لم يجز إدخال اللام عليه؛ كما فى المثالين السابقين قبل تقديمه. وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر مشتملا عليها، ففى مثل: إن العزيزَ ليرْفُضُ هواناً - لا يصح: إنّ العزيزّ لهواناً ليرفضُ2. وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر الحالى منها غير صالح لها؛ كأن يكون جملة فعلية، فعلها ماض، متصرف، غير مقورن بكلمة "قد"؛ ففى مثل: إنّ الحرَّ رَضِىَ كفاحاً - لا يصح أن نقول: إن الحُرَّ لَكِفَاحاً رَضِىَ. "5" ضمير الفصل3؛ نحو: إن العظمة لهى الترفع عن الدنايا، وإن
العظيم لهوالبعيد عن الأدناس. وإذا دخلت على ضمير الفصل لم تدخل على الخبر. "6" اسم "إن" بشرط أن يتأخر ويتقدم عليه الخبر1 شبه الجملة؛ مثل: إن أمامك لمستقبلا سعيدا، وإن فى العمل الحرّ لمجالا واسعاً، وقول الشاعر يخاطب زوجته: إن من شيمتى لَبذلَ تِلادِى2 ... دون عِرضى. فإن رضيتِ فكونى3 وإذا دخلت على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر4.
المسألة الرابعة والخمسون: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وأخواتها، وحكمه إذا توسط بين المعمولين
المسألة الرابعة والخمسون: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وأخواتها 1، وحكمه إذا توسط بين المعمولين إن الأقمارَ دائراتٌ فى الفضاء، والشموسَ. إنّ الشعر محمودٌ فى مواطنَ - والنثرَ. إنّ الإهمال مفسدٌ للأعمال - والجهلَ.ُ إنّ الحديد دِعامة الصناعة - والنِّفْطَ. كيف نضبط الأسماء التى تحتها خط، وهى: "الشموس - النثر - الجهل - النِّفْط...." وأشباهها من كل اسم تأخر عن "إن" ومعموليها، وكان معطوفاً على اسمها2.....؟ يجوز أمران، النصب والرفع. ويكفى معرفةُ هذا الحكم من غير تعليل3. وبالرغم من جواز الأمرين فالنصب هوالأوضح والأنسب4؛ لموافقته الظاهرية لاسم "إنّ"، أى: للمعطوف عليه؛ فلا عناء معه ولا شبهة. فإن تأخر خبر "إنّ" وتوسط ذلك المعطوف بينه وبين اسمها - فالأحسن اتباع الرأى القائل بجواز الأمرين أيضاً، وبعدم وجوب النصب. ومع عدم وجوبه وأن النصب غير واجب5 مع أنه الأوضح والأنسب؛ كما سبق.
وفيما يلي بعض الأمثلة لتأخر الخبر، وتوسط المعطوف: إن القاهرةَ ودِمَشقَ ُ حاضرتان عظيمتان إن مكة والمدينةَ ُ مكرَّمان إنّ العدالة والنصَفَةَ ُ كفيلتان بالأمن والرخاء إن الظلمَ والاستبدادَ ُ مؤذنان بخراب العُمران من التيسير الحسن إجازة النصب والرفع فى كل كلمة من: "دمشق - المدينة - النصفة - الاستبداد ... " وأشباهها، مع الانتصار، على معرفة هذا الحكم دون تعليله. فيكون الحكم فى الحالتين واحداً والقاعدة مطردة، سواء أكان المعطوف متقدماً على الخبر متوسطا بينه وبين الاسم، كهذه الأمثلة، أم متأخراً عنهما معا، كالأمثلة الأولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ما صح في سابقه من عطف المفرد على المفرد "بعطف كلمة: "النثر" على كلمة: "الشعر" التي هي اسم "إن"، لأن العطف على اسم "إن" مباشرة يؤدي هنا إلى تقرير مرفوض، إذ يجعل أصل الكلام، إن الشعر والنثر محمود في مواطن، فيقع الخبر غير مطابق، لأنه مفرد، واسم إن مع ما عطف عليه بالواو متعدد في حكم المثنى، فتضيع المطابقة اللفظية الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو: بين ما أصله المبتدأ والخبر، إذ لا يصح أن يقال: "إن الهواء والماء ضروري للحياة بإعراب كلمة: "الماء" معطوفة على: "الهواء" عطف مفردات.... وهذا يقال أيضا في المثال الثالث: "إن الإهمال مفسد للأعمال والجهل" فالنصب جائز على اعتبار عطف الجملة، فيكون التقدير: إن الإهمال مفسد للأعمال وإن الجهل مفسد.... ولا يصح أن يكون عطف مفرد بالواو على مفرد، كي لا يؤد إلى عدم المطابقة اللفظية، يجعل التقدير: إن الإهمال والجهل مفسد للأعمال..... وهكذا كل أسلوب آخر يشبه هذا الأسلوب ... أما حيث لا مانع من عطف المفردات فيجوز مراعاته، أو مراعاة عطف الجمل كما في المثال الأول.... ب- تعليل الرفع عند تأخر المعطوف أيضا عن الخبر والاسم معا. يرى بعضهم: أن سبب الرفع في كلمة: "الشموس - النثر - الجهل - النفط" وأشباهها - هو اعتبار كل واحدة منها، مبتدأ خبره محذوف، يفسره خبر "إن" والجملة الاسمية، المكونة من هذا المبتدأ، وخبره المحذوف معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" ومعمولها. فأصل الكلام إن الأقمار دائرات "والشموس دائرات"- إن الشعر محمود في مواطن "والنثر محمود في مواطن...." وهكذا.... فالعطف عطف جملة اسمية على جملة اسمية. ويرى آخرون: أن هذه الكلمات المرفوعة معطوفة على الضمير المستتر في خير" "إن" وخاصة إن كان الخبر مشتقا وبينه وبين المعطوف فاصل، لأن الخبر المشتق يحوي الضمير المستتر بغير تأويل، ولأن وجود الفاصل يرضي، القائلين بأنه: "لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل- ومنه المستتر - إلا مع فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه "الذي هو: الضمير". فكلمة. "الشموس" يجوز رفعها، لأنها معطوفة على الضمير المستتر في "دائرات" وتقدير الضمير: "هي". والفاصل بينهما موجود. وكلمة "النثر" يجوز رفعها باعتبارها معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "محمود، وتقديره: "هو". والفاصل موجود أيضا. وكلمة: "الجهل" معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "مفسد" وتقديره: "هو"، والفاصل موجود، وهكذا..... فالعطف عطف مفردات. ويرى فريق ثالث: أن العطف إنما هو على اسم "إن" مباشرة، باعتباره في الأصل مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، فيجوز الرفع مراعاة لذلك الأصل بشرط ألا يتعارض مع المطابقة المطلوبة بين معمولي: "إن". ولكل فريق من الثلاثة - وغيرهم - أدلة في تأييد مذهبه، وفي الرد على معارضيه. لكن الحق أن كثيرا من تلك الأدلة جد لي، وأن كثيرا من الأساليب العربية الفصيحة ينطبق عليها بعض الآراء دون بعض. ننتقل بعد ذلك إلى الحالة الثانية التي يتأخر فيها الخبر ويتقدم عليه المعطوف، فيتوسط بينه وبين اسم "إن" وقد قلنا: "إنه يجوز فيها الرفع النصب أيضا. ولو لم نأخذ بهذا الرأي لوقعنا في لجة غامرة من التمحل والجدل، والتأويل الذي لا خير فيه، والذي يمتد إلى القرآن الكريم، والكلام الفصيح من غير داع مستساغ. وتوجيه النصب هنا يحتاج لمزيد من اليقظة والإدراك، كما سيتبين مما يأتي: 1- تعليل النصب: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في مثل: "إن القاهرة ودمشق حاضرتان...." يجوز نصب "دمشق" على اعتبار واحد، هو أنها معطوفة على اسم "إن" المنصوب، والخبر هو: "حاضرتان"، فالعطف عطف مفرد على مفرد، ولا يجوز أن يكون عطف جملة على جملة بإعراب "دمشق" منصوبة، اسم "إن" المحذوفة مع خبرها الذي يدل عليه خبر "إن" الموجودة، إذ يكون التقدير: إن القاهرة حاضرتان - وإن دمشق حاضرة - فتختل المطابقة اللفظية. هذا إلى أننا سنعطف جملة على جملة لم تكل ولم تتم. والأمران ممنوعان. ولو أعربنا كلمة "حاضرتان" خبر "إن" المحذوفة، وخبر المذكورة محذوف لكان التقدير إن القاهرة حاضرة وإن دمشق حاضرتان" وهو فاسد، لاختلال المطابقة اللفظية، كفساده في مثل: محمود وصالح غائبان، على اعتبار كلمة. "صالح" مبتدأ خبره محذوف فيكون التقدير: محمود - وصالح غائب - غائبان.... والفساد واضح هنا، كوضوحه لو أعربنا كلمة: "صالح" مبتدأ، خبره كلمة: "غائبان" والتقدير: محمود غالب وصالح غائبان. والأمر بالعكس لو قلنا: إن القاهرة ودمشق حاضرة، إذ يصح أن يكون "دمشق" منصوبة إما: على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة، وحدها، وكلمة: "حاضرة" المذكورة خبرها. ويكون خبر "إن" المذكورة محذوفة تقديره. عاصمة. مثلا - فالأصل: إن القاهرة عاصمة.... وإن دمشق حاضرة، فالجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. والعطف عطف جمل، ولا يصح أن يكون عطف مفردات، لما يترتب عليه من تقدير يجعل أصل الجملة: "إن القاهرة ودمشق حاضرة" فتختل المطابقة اللفظية - كما تختل في مثل: حامد وأمين قائم - بعطف "أمين" مباشرة - على: "حامد" فيقع المفرد خبرا عن المثنى أو ما في حكمه، وهذا ممنوع. وإما على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة - أيضا - مع خبرها. وأصل الكلام: إن القاهرة حاضرة وإن دمشق "حاضرة" فتقدمت الجملة الثانية، واعترضت بين اسم "إن" الأولى وخبرها، فهي جملة معترضة، وليست معطوفة، إذ لا يصح عطف جملة إلا بعد أن تم الجملة الأولى، وهي المعطوف عليها - كما تقدم. ومما سبق نعرف أن النزول على حكم المطابقة اللفظية أمر محتوم، فحيث تحققت وتحكمت - كالمثال الأول - وجب اعتبار العطف عطف مفردات - وحيث اختلفت - كالمثال الثاني - وجب اعتباره عطف جمل، أو اعتبار الجملة الثانية غير معطوفة، وإنما هي جملة معترضة تقدمت من تأخير تفصلت بين اسم إن وخبرها. وقد تكون مستأنفة إن اقتضى المعنى ذلك. ب- تعليل الرفع: في المثال الأول ونظائره من نحو: إن العالة والنصفة كفيلتان بالأمن والرخاء، يجوز رفع كلمة: "النصفة" على أنها معطوفة على اسم "إن" باعتبار أصله مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، والخبر هو كلمة: "كفيلتان" فالعطف عطف مفردات، لمطابقة الخبر لاسم "إن" مع المعطوف، ولا يصح أن يكون عطف جمل، بإعراب كلمة: "النصفة" مبتدأ خبره محذوف، لما يلزم عليه من فساد الأسلوب لفساد المطابقة، كما شرحنا.... ولما يلزم عليه أيضا من عطف جملة على جملة أخرى لم تكمل. فلو قلنا: إن العدالة والنصفة كفيلة بالأمن والرخاء، لجاز الرفع على اعتبار كلمة: "النصفة" مبتدأ خبره، كلمة: "كفيلة" الموجودة، وخبر "إن" محذوف. - بعد اسمها - تقديره: كفيلة أو ضامنة.... أو....، وتقدير الكلام: إن العدالة كفيلة بالأمن، والنصفة كفيلة بالأمن. فيكون الكلام عطف جملة اسمية لاحقة على نظيرتها السابقة، كما يجوز إعراب كلمة: "كفيلة" الموجودة خبر "إن". أما خبر المبتدأ فمحذوف تقديره: كفيلة - مثلا- فتكون الجملة المكونة من المبتدأ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والخبر جملة اعتراضية بين اسم "إن" خبرها، ولا يجوز أن تكون معطوفة، لما سبق من أنه لا يجوز عطف جملة على جملة إلا بعد أن تتم الأولى وهي التي عطف عليها. ولا اعتداد برأي من يرفض الرفع في الصورة التي لا مطابقة فيها - وغيرها فيمنع أن يقال: إن العدالة والنصفة كفيلة.... كما يمنع أن يقال: إن محمدا وعلى قائم. فلو أخذنا برأيه لاعترضتنا أمثلة ناصعة الفصاحة من القرآن الكريم. والكلام العربي الصحيح، ولم نجد بدا من التمحل الملعيب، والتأويل البغيض. وكيف يوجب كثير من النحاة النصب. وحده - عند العطف بعد الاسم وقبل مجيء خبر "إن" مع مجيء الرفع في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى ... } من آمن بالله...."؟ فكلمة: "الصابئون" وقعت مرفوعة بعد العاطف وقبل مجيء خبر "إن" واسم" إن" هو كلمة: "الذين ومثلها قراءة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ... } برفع كلمة "ملائكة" بعد العاطف وقيل خبر "إن" وكذلك قول الشاعر: فمن يك أمسى في المدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب وكلمة "قيار" "وهي اسم حصان الشاعر" مرفوعة: بعد العاطف وقبل خبر "إن" ومثل قول الشاعر: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق فالضمير "أنتم" ضمير رفع. وغير هذا من الشواهد المتعددة. كيف يقبلون أن تؤول الآية - بغير داع لتطابق القاعدة ولا يتصرفون في القاعدة تصرفا صريحا يساير الآية، مع اعتقادهم أن القرآن أفصح كلام عربي وأعلاه؟ ولم التمحل في الأمثلة العربية الأخرى - وهي كثيرة - وترك القاعدة بغير إصلاح؟ وهل يصير الأسلوب الفاسد صالحا بمجرد التأويل والنية الخفية من غير تغيير يطرأ على ظاهره؟ ثم هم لا يبيحون التأويل إلا في الأمثلة المسموعة التي تخالف قاعدتهم، أما الأمثلة التي هي من كلام المحدثين ففاسدة - في رأيهم - فسادا ذاتيا، فلا يجوز قبولها، ولا التماس التأويل فيها. وهم يؤولون المرفوع في الأمثلة السالفة وأشباهها بما نعتبره حكما عاما صحيحا في ذاته، لا يحتاج لتأويل - وغير مقصور على الوارد المسموع، فيؤولون المرفوع في الآية الأولى وفي البيت بأنه مبتدأ - خبره محذوف، والجملة معترضة - بين اسم إن وخبرها، لتقدم المبتدأ وخبره عن مكانهما، وتوسطهما بين اسم "إن" وخبرها. فأصل الآية - عندهم {إن الذين آمنوا - والصابئون كذلك - من آمن منهم} - وأصل البيت. فإني - وقيار غريب - لغريب، ويفضلون أن تكون الجملة في المثالين اعتراضية لا معطوفة، فرارا من العطف قبل تمام الجملة المعطوف عليها، إن جعل من عطف الجمل، وفرارا من تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير المستتر في الخبر فهم يؤولون البيت بتأويل الآية الأولى وحدها فيجعلون كلمة: "غريب" المشتملة على لام الابتداء خبر "إن" ولا يجعلونها خبرا لكلمة "قيار" لأن دخوول لام الابتداء على خبر المبتدأ ضعيف. فخبره هنا محذوف، والتقدير "قيار غريب" أو "وقيار مثل" والجملة منهما اعتراضية. وكل هذا مقبول، ولكن على أساس أنه حكم عام غير مقصور على السماع - كما تقدم وأنه صحيح ذاتيا. أما في الآية الثانية: "إن الله وملائكته..... فيلتمسون تأويلا آخر، فيجعلون خبر "إن" هو المحذوف، ويجعلون الاسم المرفوع مبتدأ خبره المذكور بعده، والتقدير عندهم: إن الله يصلي على النبي، وملائكته يصلون على النبي، إذ لا يصلح في هذه الآية التقدير الأول الذي صلح لسابقتها، لما يترتب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليه من أن يكون التقدير، إن الله يصلون على النبي، فتختل المطابقة اللفظية بين اسم "إن" وخبرها، وهي لازمة كما قلنا، فإن لم يوجد ما يعين أحد التأويلين فهما - عندهم - جائزان. كل هذا وما سبقه من تأويل عندهم، عناء لا مسوغ لاحتماله، يريحنا منه الأخذ بالرأي الذي يبيح الأمرين: الرفع والنصب بالتوجيه الذي شرحناه، فوق ما فيه من راحة أخرى، إذ يحمل القاعدة، واحدة مطردة، فيسوي بين العطف بعد مجيء خبر "أن" وقبل مجيئه. على أننا نقول: حسب الناس في الصور السابقة كلها أن يحاكوا أساليب القرآن، والكلام العربي الفصيح، فلا نرهقهم بالتأويلات المختلفة، وفهمها، ومن شاء أن يؤول كلامهم بعد قبوله كما أول القرآن، فليفعل، وعلى ضوء ما يق يمكن الوصول إلى حكمين: أولهما: فساد التركيب في مثل: "إن محمدا وإن عليا منطلقان، لاشتماله على خبر واحد لمتعاطفين تكررت فيهما "إن" فيكون معمولا واحدا لعاملين، هما: "إن" الأولى و "إن" الثانية وهو بهذه الصورة غير جائز، لأن كل عامل منهما يحتاج وحده إلى معمول خاص به "راجع الهمع جـ1 ص 135" ثانيهما: توجيه الأساليب الآتية: تطبقا على ما سبق -: "إن رجلا وغلاما حاضران". فكلمة "غلاما" منصوبة على أنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" المنصوب لفظهه. ولو قلنا: إن رجلا وغلام حاضران، لكانت كلمة غلام " مرفوعة، لأنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" باعتبار أصله المبتدأ قبل أن يصير اسم "إن" وكلمة: "حاضران" هي الخبر في الحالتين، لأنها مثنى، فهي مطابقة للمعطوف والمعطوف عليه معا. أما إذا لم تطابق في مثل: إن رجلا وغلاما حاضر. تريد: إن رجلا حاضر، وإن غلاما حاضر، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فالأصول اللغوية العامة لا تنع هذا الأسلوب، فيصح أن تكون كلمة. "حاضر" خبر "إن" المذكورة. وكلمة "غلاما" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، وهذه الجملة معترضة، ولا تصلح أن تكون معطوفة، لما سبق توضيحه - في الرأي الراجح. وكذلك إ ن لم يتطابق في مثل: إن رجل وغلام حاضر. فكلمة "حاضر" خبر "إن" المذكورة "وغلام" مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: إن رجلا حاضر، وغلام حاضر، وتكون الجملة الثانية معترضة أيضا - بين اسم إن وخبرها. ويجوز في المثال الأول: "إن رجلا وغلاما حاضر" اعتبار كلمة "حاضر" خبر "إن" محذوفة وحدها. وخبر المذكورة محذوفة أيضا، والجملة الثانية معطوفة على الأولى عطف جمل.... وهكذا ملاحظة: مما يجب التفطن له أن كل واحد من هذه الاعتبارات - وأشباهها- لا يصح الالتجاء إليه بداعي التمحل المحض في تصحيح كلمة لم يتضح في السياق مرماها المعنوي السليم ولا مهمتها في توضيح المراد، ولا يصح تلمس التصويب لمن نطق بها عفوا على غير هدى لغوي يؤدي إلى المعنى المقصود، وإلا صارت اللغة لعبا ولهوا. وإنما نلجأ إلى التأويل حين يكون هو الوسيلة لتحقيق المعنى المراد الصادر عن قصد، لقيام قرينة تفرضه وتأتي سواه. وبالرغم من الاعتبارات السالفة تقضي الحكمة ألا نلجأ إلى استعمال تلك الأساليب ما وجدنا مندوحة للبعد عنها. ومن الخير أن أن نكتفي في العطف على اسم "إن" بضبط المعطوف منصوبا فقط، سواء. أكان العطق قبل مجيء الخبر أم بعده، لأن هذا هو المسلك الظاهر، المتفق عليه، والنهج الواضح الذي يعد اتباعه عن أهم مقاصد البلغاء. ما لم يوجد مقصد أسمى يدعو للعدول المحتم عنه، كاقتضاء المقام أن يكون العطف عطف جمل، لا عطف مفردات، لأن الأولى يؤدي غرضا غير الذي يؤديه الثاني.
حكم المعطوف مع أخوات "إن"1. وكل ما قيل فى حكم المعطوف بعد استكمال "إن" خبرها، وقبل استكمالها - يقال أيضاً بعد حرفين من أخواتها، هما: أنّ "المفتوحة الهمزة، المشددة النون" و"لكنّ" المشددة النون، سواء أكان العطف قبل استكمالهما الخبر أم بعده، فالحروف الثلاثة الناسخة: "إنّ - أنّ - لكنّ" مشتركة فى الحكم السالف. تقول: علمت أنّ طائرة مسافرةٌ وسيارةً ٌ، أوعلمت أن طائرةً وسيارةً ٌمسافرتان، ينصب كلمة: "سيارة" ورفعها، مع تقدمها على الخبر وحده، أوتأخرها عنه. كما تقول الفواكه كثيرة فى بلادنا، لكنّ التفاحَ قليل. والبُرقوقَ ُ. أولكنّ التفاح والبُرقوقَ ُ قليلان، بنصب كلمة: "البرقوق" أورفعهما مع التقدم على الخبر وحده أوالتأخر عنه. أما "ليت" و"لعل" و"كأن" فلا يجوز معها فى المعطوف إلا النصب؛ سواء أوقع بعد استكمالها الخبر أم قبل استكمالها. مثل: ليت الأخ حاضر والصديقَ، أوليت الأخَ والصديقَ حاضرِان؛ بنصب كلمة: "الصديق" فى الحالتين. ومثل: لعل العلاجَ مفيدٌ والدواءَ، أو: لعل العلاجَ والدواءَ مفيدان. بنصب كلمة: "الدواء" فيهما. ومثل: ليت الصحة دائمة والثروةَ، أو: ليت الصحة "والثروةَ" دائمتان. بنصب كلمة: الثروة فيهما. وهكذا.....2 ونستخلص مما تقدم: ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقاً، "أىْ: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته؛ وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" النافية للجنس"3 فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجئ فى بابها4.
ونستخلص من كل ما تقدم أمرين: ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقا، "أي: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته، وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" الجنسية، فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجيء في بابها1. ب- امتياز: إنّ، وأنّ، ولكنّ - دون أخواتها - بجواز شىء آخر هوصحة رفع المعطوف على اسمها؛ سواء أكان المعطوف متوسطاً بين الاسم والخبر أم متأخراً عن الخبر.
المسألة الخامسة والخمسون: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة "إن، أن، كأن، لكن"
المسألة الخامسة والخمسون: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة 1 "إن، أن، كأن، لكن" فأما "إنَّ" "المكسورة الهمزة، المشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة. وعندئذ تصلح "إنْ" للدخول على الجمل الاسمية والفعلية، بعد أن كانت مع التشديد مختصة بالنوع الأول. "ا" فإن خففت ودخلت على جملة اسمية جاز إبقاء معناها وعملها وسائر أحكامها التى كانت لها قبل التخفيف2، وجاز إبقاء معناها دون عملها فتصير مهملة ملغاة. مثل: إنْ جريراً لشاعرٌ أمَوِىٌّ كبير، أو: إنْ جريرٌ لشاعر أموى كبير. مثل: إنْ أبا حنيفة لإمام عظيم، أو: إنْ أبوحنيفة لإمام عظيم. بنصب كلمتى. جريراً و"أبا" على الإعمال، وبرفعهما على الإهمال ... وإهمالها أكثر فى كلام العرب، ويحسن - اليوم - الاقتصار عليه. وإذا أهملت - مع دخولها على جملة اسمية - وجب مراعاة ما يأتى: "ا" أن يكون اسمها قبل أهمالها - اسماً ظاهراً لا ضميراً؛ مثل: إنْ بَغدادُ لبلد تاريخى مشهور. "2" أن تشتمل الجملة التى بعدها على لام الابتداء3؛ لتكون رمزاً للتخفيف، ودالة على أنها ليست النافية، ولذا قد تسمى: اللام الفارقة4؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية؛ مثل: إنْ تونُسُ لَرِجالُها عرب. ويجوز تركها والاستغناء عنها متى وجدت قرينة واضحة تقوم مقامها فى تبيين نوع "إنْ"، وأنها المخففة،
وليست النافية، لكن عدم تركها أفضل1. ولا فرق فى القرينة بين أن تكون لفظية فى أومعنوية، والمعنوية أقوى. ومن القرائن الفظية أن يكون الخبر فيها منفيًّا مثل: إنْ المجاملةُ لن تضرَّ صاحبها. فكلمة "إنْ" مخففة، وليست نافية؛ لأن إدخال النفى على النفى لإبطال الأول قليل فى الكلام الفصيح: إذ يمكن مجئ الكلام مثبتاً من أول الأمر، من غير حاجة إلى نفى النفى المؤدى للإثبات بعد تطويل. ومثال القرينة المعنوية: إنْ العاقلُ يتبع سبيل الرشاد. إنْ المحسنُ يكون محبوباً. إنّ الاستقامةُ تجلب الغِنى؛ إذ المعنى يفسد على اعتبار "إنْ" للنفى فى هذه الأمثلة ... ومن هذا النوع قول الشاعر: أنا بانُ أبَاةِ الضَّيْمِ من آلِ مالكٍ ... وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ فلوكانت "إنْ" للنفى لكان عجز البيت ذمًّا فى قبيلة مالك، مع أن صدرهُ لمدحها2.
"3" أن يكون الخبر من النوع الذى يصلح لدخول اللام عليه وقد سبق بيانه1. "ب" وإن خُفِّفت ودخلت على جملة فعلية وجب الإهمال2، وأن يكون الفعل بعدها ناسخا3؛ مثل: الحريةُ عزةٌ، وإنْ كانت لأمنيةَ النفوس الكبيرة، وقول أعرابيّ لأحد الفتيان: رَحِم الله أباك، وإنْ كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا، ومثل: إن يكادُ الذليلُ ليألفُ الهوان. ومثل: إنْ وجدْنا المنافق لأبْعَدَ من إكبار الناس وتقديرهم4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- من الأمثلة العربية المسموعة: إنْ يَزينُك لَنَفسُك، وإنْ يَشينُك لَهِيَهْ. وقد سبق1، ومنها إنْ قَنَّعتَ كاتبك لسَوْطاً2. وقول الشاعر: شَلَّتْ3 يمينُكَ إنْ قتلت لمُسلماً ... حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمد وهى أمثلة يستشهد بها النحاة على وقوع الأفعال غير الناسخة بعد "إنَّ" إذا خففت. ولا داعى لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة. وحسبنا أن نتبين معناها، والغرض الذى نستعملها فيه، دون القياس عليها من هذه الناحية. ب- بمناسبة تخفيف "إنّ" يعرض النحاة للقراءات التى فى قوله تعالى: {وإنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِينَّهم رَبُّك أعمالَهم} ، وتوجيه كل قراءة. وإليك بعض ذلك. "1" "وإنَّ كلاً لَمَا ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم" بتشديد النون، وتخفيف "ما"، فيكون الإعراب: "كلاًّ" اسم إن. "لما"؛ اللام لام ابتداء، "ما" زائدة؛ لتفصل بين اللامين. "ليوفينهم" اللام للابتداء؛ لتوكيد الأولى، والجملة بعدها خبر "إنّ". ويصح إعراب آخر: "كُلاًّ" اسم إن المشددة. "لَمَا" اللام لام الابتداء، "ما": اسم موصول خبر "إنّ" مبنى على السكون فى محل رفع. "لَيُوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب جواب قسم محذوف؛ وجملة القسم وجوابه صلة "ما"، والتقدير: "لَمَا والله لَنوفَّينَّهم4". وجملة القسم وإن كانت إنشائية - هى لمجرد التأكيد. والصلة فى الحقيقة جوابه. أى: "وإنّ كلا لَلّذين والله ليوفينهم" لهذا لا يقال إن جملة القسم هنا إنشائية مع أن جملة الصلة لا تكون إلا خبرية"5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "2" "وإنْ كُلاًّ لَمَا ليوفنيهمْ ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" و"ما" مع إعمال "إنْ" كأصلها. والإعراب لا يختلف عما سبق؛ فيصح هنا ما صح هناك. "3" "وإنْ كُلٌّ لَمَا لَيُوَفِّينَّهم...." بتخفيف "إنْ" و"ما". فكلمة "إنْ" مهملة. كل: مبتدأ. وما بعد ذلك يصح فيه الأوجه السالفة فى الصورة الأولى مع ملاحظة أن الأخبار هنا تكون للمبتدأ. "4" "وإنْ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" وتشديد "لمَّا" والإعراب يجرى على اعتبار "إنْ" حرف نفى، و"لما" أداة استثناء بمعنى: "إلا" و"كلاًّ" مفعول به لفعل تقديره: أرى - مثلاً - محذوف، و"ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة، بعدها جوابه؛ أى: ما أرى كلاًّ إلى والله ليوفينهم. "5" "وإنَّ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتشديد "إنّ" و"لمَّا" والأحسن اعتبار "لما" حرف جزم، والمجزوم محذوف، والتقدير: "وإنّ كلاًّ لمَّا يُوَفَّوْا أعمالهم" ... "ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها جوابه، والقسم وجوابه كلام مستأنف. وعلى ضوء ما تقدم نعرب قوله تعالى: "وإنْ كلٌّ لمَّا جميعٌ لديْنا مُحْضَرون" فعند تشديد "لما" تكون بمعنى "إلا"، و"إنْ" المخففة حرف نفى. "كل" مبتدأ، جميع: خبره، "محضرون" نعت للخبر، مرفوع بالواو، "لدى" ظرف متعلق به، مضاف، "نا" مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر. وعند تخفيف "ما" يكون الإعراب، كما يأتى: "إنْ" مهملة "كُلّ" مبتدأ. "لمَا" اللام لام الابتداء، "ما" زائدة، "جميع" مبتدأ ثان1 "محضرون" خبر الثانى، والثانى وخبره خبر الأول. "لدينا" "لدى" ظرف متعلق بكلمة "محضرون". "نا" مضاف إلى الظرف. ويجوز فى هذه الآية وسابقتها إعرابات وتوجيهات أخرى2.
الحرف الثاني: أن وأما "أنّ" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وترك الأولى ساكنة؛ نحو: أيقنت أنْ" "علىٌّ شجاعٌ". ويتحتم اعتبار "أنْ" مخفَّفة من الثقيلة متى وجدت علامة مما يأتى: 1- أن تقع بعد ما يدل على اليقين1 والقطع، مثل: أيقَن، تيقَّن، جزَم، عَلِم، اعتَرف التى بمعنى: عَلِمَ، أو: أقَرَّ، اعتقادى، لا شَكَّ. وغيرها من الأفعال أوالألفاظ التى تفيد اليقين2؛ نحو: أيقنت أنْ عدلٌ من الله كلُّ جزائه. وقول الشاعر: أأنت أخى ما لم تكنْ لى حاجةٌ؟ ... فإن عرَضتْ أيقنت أنْ لا أخا ليا 2- أن تدْخل على فعل جامد، أورُبّ، أوحرف تنفيس3؛ نحو: اعتقادى أنْ ليس لشفقة الوالدين مثيل؛ وقول الشاعر: وإنى رأيت الشمسَ زادت محبةً ... إلى الناس أن ليْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ ومثل: أجِدَّكِ ما تَدرينَ أنْ رُبَّ ليلةٍ ... كأن دُجَاها من قُرونِكِ يُنْشَرُ وقول الناصح لسامعيه: فإنْ عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أنْ سوف تَلْقَوْن خِزْيًا ظاهر العار 3- أن يقع بعدها فعل دعاء، نحوأطال الله عمرك، وأن هيَّأ لك المستقبل السعيد.
4- أن تكون داخلة على جملة اسمية مسبوقة بجزء أساسى من جملة - لا بجملة كاملة - بحيث يكون المصدر المؤول من: "أنْ" المخففة والجملة الاسمية التى دخلت عليها - مكملاً أساسياً للجزء السابق. كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . فالمصدر المؤول خبر المبتدأ. "أخِر"1. وقول الشاعر: كفى حزَنًا أنْ لا حياةَ هنيئةٌ ... ولا عملٌ يرضَى به اللهُ - صالحُ فالمصدر المؤول فاعل: "كفى"2. ويترتب على التخفيف أربعة3 أحكام، يوجب أكثر النحاة مراعاتها: أولها: إبقاء معنى: "أنّ" وعملها على حالهما الذى كان قبل التخفيف. ثانيهما: أن يكون اسمها ضميراً4 محذوفاً، ويغلب أن يكون ضمير شأن5 محذوف كالمثال السابق؛ وهو: أيقنت أنْ "علىٌّ شجاعٌ"6. ثالثها: أن يكون خبرها جملة؛ سواء أكانت اسمية أم فعلية؛ نحو: علمتُ أنْ حاتمٌ أشهرُ كرام العرب، وأيقنت أن قد أشْبَههُ كثيرون. رابعها: وجود فاصل - فى الأغلب - بينها وبين خبرها إذا كان جملة فعلية7، فعلها متصرف، لا يقصد به الدعاء. والفاصل أنواع. "ا" إما "قد"8 نحو: ثبت أنْ قد ازدهرت الصناعة فى بلادنا، ونحوقول الشاعر: شَهِدْتُ بأنْ قدْ خُطَّ ما هوكائنٌ ... وأنَّكَ تَمْحُوما تَشَاءُ وتُثْبِتُ "ب" وإما أحد حرفي التنفيس9 مثل: أنت تعلم أن سأكونُ نصير الحق،
قول الشاعر: وإذا رأيتَ من الهلال نُمُوّهُ ... أيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملا وقول الآخر: واعلمْ - فَعلُم المرءِ يَنْفَعُهُ - ... أنْ سَوْفَ يأتِى كُل ما قُدِرَا "حـ" وإما حرف نفى من الحروف الثالثة التى استعملها العرب فى هذا الموضع؛ وهى2: "لا - لن - لم". نحو: أيقنت أنْ لا3 يَغْدِرُ الشريفُ، وأنْ لن يحيد عن الحق. ووثقت أنْ لم ينصر الله المبطلين. ومن الأمثلة قوله تعالى: "وحسبوا4 أنْ لا تكونُ فتنةُ" فى قراءة من رفع "تكونُ". وقوله: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد} ، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} . "د" وإما "لو" والنص عليها فى كتب النحاة قليل مع أنها كثيرة فى المسموع؛ نحو: أوقن أنْ لوأخلصنا لبلادنا لم يطمع الأعداء فينا. ومما تقدم5 نعلم أن الفصل غير واجب6 في الحالات الآخرى التي منها: "ا" أن يكون الخبر جملة اسمية نحوقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ7 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ونحو: "الثابت أنْ انتقامٌ من الله يحلّ بالباغى". إلا
عند إرادة النفى نحوَ: عقيدتى أنْ لا كاذبَ محترم؛ ومنه: أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ. "ب" أن يكون الخبر جملة فعلية جامد؛ نحوقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . وثقت أنْ ليس للكرامة مكان فى نفوس الأدنياء. "حـ" أن يكون الخبر جملة فعلية؛ فعلها متصرف، ولكن قصد به الدعاء1 كالذى رواه أعرابى عن أخيه الواقف يدعو: أسأل ربى التوفيق لما يرضيه، ودوام العافية علىّ - ونظر إلىّ وصاح -: وأنْ كتب الله لك الأمن والسلامة ما حييت، وأن أسبْغَ عليك نِعَمه ظاهرة وباطنة فى قابل أيامك، وأنْ أهْلَك كلَّ باغٍ يَتَصَدّى لإيذائكَ. وفى الرسم التالى بيان للصور السالفة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ورد فى بعض النصوص القديمة - اسم "أنْ" المخففة من الثقيلة ضميراً بارزاً، لا ضميراً محذوفاً. ومعه الخبر جملة فعلية أومفرد. من ذلك قول الشاعر يخاطب زوجته: فلوأنْكِ فى يوم الرَّخاءِ سألتِْنى ... طلاقَكِ، لم أبخَلْ وأنتِ صَديقُ فقد وقعت "الكاف" اسم: "أنْ" وخبرها جملة: سألتنى. ومثل قول الآخر: لقد علمَ الضيفُ والمرْمِلون1 ... إذا اغبرَّ أفق2 هُناكَ تكون الشِّمالا3 بلأتم ربيع4 وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الشمالا5 ففى البيت الثانى تكررت "أنْ" المخففة مرتين، واسمها ضمير "بارز" فيهما، وخبر الأولى مفرد، وهوكلمة: "ربيع"، وخبر الثانية جملة فعلية هى: "تكون الثمال". وقد وصفت هذه الأمثلة الشعرية بأنها شاذة، أوبأنها لضرورة الشعر، كما وُصفت نظائرها النثرية بأنها شاذة. فالواجب أن نقتصر على الكثير الشائع الذى سردنا قواعده وضوابطه، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، ليعرفها المتخصصون فيستعينوا بها على فهم ما قد يكون لها من نظائرها قديمة. دون أن يحاكوها.
الحرف الثالث: كأن وأما "كأنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "بحذف الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة" ويترتب على التخفيف أمور؛ منها: "ا" أن معناها لا يتغير، وإعمالها واجب. "ب" أن اسمها - فى الأغلب - يكون ضميراً للشأن. أولغير الشأن؛ فمثال الأول. كأنْ عصفورٌ سهمٌ فى السرعة1، أى: كأنه "الحال والشأن" عصفورٌ سهمٌ. ومثال الثانى: يَدُقُّ البَرَدُ النافذةَ، وكأنْ حجرٌ، أى: كأنه حجر. ولوقلنا: يَدُق البرَدُ2 النافذة وكأنْ "حجر"3 صغير يَدُق - لجاز الاعتباران4. وقد اجتمعت المشددة والمخففة فى قوله تعالى يصف المُضَلِّل عن سبيله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} 5. "حـ" أن خبرها لا بد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن6. فإن كانت اسمية فلا حاجة لفاصل بينها وبين "كأن" مثل: كأنْ سبَّاحٌ فى سباحته سمكة فى انسيابها. وإن كانت فعلية7، فالأحسن الفصل8 بالحرف
"قد" قبل الماضى المثبت، وبالحرف: "لم" قبل المضارع المنفى، نحو: كأنْ قد هَوَى الغريقُ فى البحر؛ كصخرة هَوَتْ فى الماء، وكأنْ لم يكن بين الغرق والنجاة وسيلة للإنقاذ. الحرف الرابع: لكن وأما "لكنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "فتحذف الثانية المفتوحة، وتبقى الأولى ساكنة". ويترتب على التخفيف وجوب إهمالها، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمية؛ فتدخل على الاسمية، وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ويبقى لها معناها بعد التخفيف وهو: الاستدراك1. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولستُ أجازِى المعتدِى باعتدائه ... ولكنْ بصفح2 القادر المتَحِلِم وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها المشددة. ....................... 3
"لا" النافية للجنس
"لا" النافية للجنس مدخل ... المسألة السادسة والخمسون: "لا النافية للجنس" 1 نسوق بعض الأمثلة لإيضاح معناها: حين نقول: لا كتابٌ فى الحقيبة؛ بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها -، ورفع كلمة: "كتاب" - التى للمفرد" يكون معنى التركيب مُحتَمِلا أمرين: أحدهما: نفى وجود كتاب واحد فى الحقيبة، مع جواز وجود كتابين أوأكثر فيها. والآخر: نفى وجود كتاب واحد، وما زاد على الواحد؛ فليس بها شئ من الكتب مطلقاً. فالتركيب مُحتمِل للأمرين، ولا دليل فيه يعين أحدهما، ويمنع الاحتمال. وكذلك حين نقول: لا مصباحٌ مكسوراً، "بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها - ورفع كلمة: "مصباح" التى للمفرد" فإن التركيب يحتمل أمرين: أحدهما: نفى وجود مصباح واحد مكسور، ولا مانع من وجود مصباحين مكسورين؛ أوأكثر. والآخر: نفى وجود مصباح واحد مكسور وما زاد على الواحد أيضاً. فلا وجود لشئ من جنس المصابيح المكسورة. فالتركيب يحتمل نفى الواحد المكسور فقط، كما يحتمل نفى الواحد وما زاد عليه. ومثل هذا يقال فى: لا سيارةٌ موجودةً، بإدخال "لا" على جملة اسمية الأصل، ورفع كلمة: "سيارة" - التى للمفردة" حيث يحتمل التركيب الأمرين: نفى وجود سيارة واحدة، دون نفى سيارتين وأكثر، ونفى وجود شىء من جنس السيارات مطلقاًن فلا وجود لواحدة منها؛ ولا لأكثر. مما سبق نعلم: أن، "لا" فى تلك الأمثلة - وأشباهها - تدل على نفى
يُحتَمل وقوعُه على فرد واحد فقط، أوعلى فرد واحد وما زاد عليه. ولمّا كان النفى بها صالحاً لوقوعه على الفرد الواحد سماها النحاة: "لا" - التى لنفى الوَحْدة "أى: الواحد" وهى إحدى الحروف الناسخة1 التى تعمل عمل "كان" الناقصة. فإذا أردنا أن تدل الأمثلة السابقة وأشباهها على النفى الصريح2 العام3 ودب أن نضبط تلك الألفاظ ضبطاً آخر؛ يؤدى إلى هذا الغرض؛ فنقول: لا كتابَ فى الحقيبة؛ - لا مصباحَ مكسورٌ - لا سيارةَ موجودةٌ، فضبط تلك الكلمات المفردة بهذا الضبط الجديد - وهوبناء الاسم على الفتح، ورفع الخبر، كما سيجئ - يجعل النفى فى كل جملة صريحاً فى غرض واحد؛ لا احتمال معه لغيره، كما يجعله عامًّا؛ ينصبُّ على كل فرد؛ فيقع على الواحد، وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة، وما فوقها، ولا يسمح لفرد أوأكثر بالخروج من دائرته. ومثل هذا يقال فى نحو: لا مهملاً عملَه فائزٌ - لا راغباً فى المجد مُقصّرٌ ... ونحوهما مما يقع فيه الاسم منصوباً بعد: "لا" وليس مرفوعاً، والخبر هوالمرفوع - على الوجه الذى سنشرحه - فهى تنفى الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشئ الذى دخلت عليه نفيًا صريحًّا وعاماً؛ كما قلنا: وهذا مراد النحاة بقولهم فى معناها: "إنها تدل على نفى الحكم عن جنس اسمها نصًّا"4. أو"إنها لاستغراق5 حكم النفى لجنس اسمها كله نصًّا." ويسمونها لذلك؛ "لا" - النافية للجنس"6. أى: التى قصد بها التنصيص على استغراق النفى لأفراد الجنس
كله. تمييزاً لها من: "لا" التى لنفى الوَحْدَة؛ فليست نصًّا فى نفى الحكم عن أفراد الجنس كله؛ وإنما تحتملِ نفيه عن الواحد فقط، وعن الجنس1 كله؛ على ما عرفنا. ...... - "ملاحظة": سبق2 بيان هام في حكم "لا" النافية المهملة "أي: التي لا عمل لها في الجملة الاسمية ولا في غيرها" فإنها من ناحية أثرها المعنوي في الجملة الاسمية تشبه "لا" العاملة"ليس" فالحرفان متشابهان في المعنى دون العمل، إذ أن أحدهما يعمل، والآخر لا يعمل.
عملها وشروطه: "لا" النافية للجنس حرف ناسخ من أخوات: "إنًَّ"1 ينصب الاسم2: ويرفع الخبر3. ولكنها لا تعمل هذا العمل إلا باجتماع شروط ستة: أولهما: أن تكون نافية. فإن لم تكن نافية لم تعمل4 مطلقاً. ثانيهما: أن يكون الحكم المنفى بها شاملا جنس اسمها كله، "أى: منصبًّا على كل فرد من أفراد ذلك الجنس". فإن لم يكن كذلك لم تعمل عمل "إنّ"5،: نحو: لا كتابٌ واحدٌ كافياً....، إذ أن كلمة: "واحد" قد دلت دلالة قاطعة على أن النفى ليس شاملا أفراد الجنس كله، وإنما هومقصور على فرد واحد. ثالثهما: أن يكون المقصود بها نفى الحكم عن الجنس نصًّا - لا احتمالا - فإن لم يكن على سبيل التنصيص لم تعمل عمل "إنّ"5 كالأمثلة السالفة أول البحث. رابعها: ألا تتوسط بين عامل ومعموله "بأن تكون مسبوقة بعامل قبلها
يحتاج لمعمول بعدها" كحرف الجر فى مثل: حضرت بلا تأخير1 وقول الشاعر: مُتارَكةُ السَّفيه بلا جوابٍ ... أشَدُّ على السَّفيه من الجواب خامسها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين2 فإن لم يكونا كذلك لم تعمل: مطلقاً3 ولا تعد من أخوات "إنّ" ولا "ليس"؛ كالتى فى قول الشاعر:
لا القومُ قومى، ولا الأعْوان أعْوانى ... إذا وَنا1 يوم تحصيل العُلا وانِى سادسها: عدم وجود فاصل بينها وبين اسمها. فإن وجد فاصل اهْملَتْ "أى: لم تعمل شيئاً" وتكررت؛ نحو: لا فى النبوغ حَظ لكسلان، ولا نصيبٌ2. وهذا الشرط يستلزم الترتيب بين معموليها3 فلا يجوز أن يتقدم الخبر - ولوكان شبه جملة - على الاسم. فإن تقدم مثل: لا لهازلِ هيبةٌ ولا توقير - لم تعمل مطلقاً. وكذلك لا يجوز تقدم معمول الخبر على الاسم؛ ففى مثل: لا جندىَّ تاركٌ ميدانَه ... لا تعمل حين نقول، لا ميدانَه جندىٌّ تاركٌ. فإذا استوفت شروطها وجب إعمالها4: "إن اقتضى المعنى ذلك؛ سواء أكانت واحدة، أم متكررة - على التفصيل الذى سنعرفه".
حكم اسم "لا" المفردة؛ "أى: المنفردة التى لم تتكرر". لهذا الاسم حالتان: الأولى: أن يكون مضافاً1 أوشبيهاً بالمضاف2. وحكمه وجوب إعرابه، مع نصبه بالفتحة، أوبما ينوب عنها. فمن أمثلة المضاف: لا قولَ زُورٍ نافعٌ............................ ... كلمة: "قول" اسم "لا"، منصوبة بالفتحة، لأنها اسم مفرد: ومضاف. لا أنصارَ خيرٍ متنافورن................... ... كلمة: "أنصار" اسم "لا"، منصوبة بالفتحة لأنها جمع تكسير، ومضاف. لا ذا أدبٍ نمامٌ............................. ... كلمة: "ذا" اسم "لا"، منصوبة بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنها من الأسماء الستة، مضافة. لا نصيحتىْ إخلاصٍ أنفعُ من نُصح الوالدين ... كلمة: "نصيحتى ... " اسم "لا"، منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها، مثنى مضاف؟ لا خائِنى وطنٍ سالمون................ ... كلمة: "خائنى ... " اسم "لا" منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها جمع مذكر؛ مضاف. لا مهملاتِ عملٍ مُكرماتٌ............... ... كلمة: "مهملات" اسم "لا"، منصوبة بالكسرة نيابة عن الفتحة: لأنها جمع مؤنث سالم مضاف.
ومن أمثلة الشبيه بالمضاف: لا مرتفعاً قدرهُ مغمورٌ ... ... كلمة "مرتفعاً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا بائعاً دينَه بدنياه رابحٌ ... ... كلمة "بائعاً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا خمسةً وعشرين غائبون ... ... كلمة "خمسة" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا ساعياً وراء الرزق محرومٌ ... ... كلمة "ساعياً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا قاعداً عن الجهاد معذور ... ... كلمة "قاعداً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا سائقَيْنٍ طيارةً غافلان ... ... كلمة "سائقين" اسم "لا" منصوبة بالياء لأنها مثنى لا حارسِينَ بالليل نائمون ... ... كلمة "حارسين" اسم "لا" منصوبة لأنها جمع مذكر لا راغباتٍ فى الشهرة مُسْتَريحاتٌ ... كلمة "راغبات" اسم "لا" منصوبة بالكسرة؛ لأنها جمع مؤنث سالم ومن الأمثلة السالفة يتضح الإعراب مع النصب بالفتحة مباشرة فى المفرد1 وفى جمع التكسير، "ومثله: اسم الجمع2، كقوم، ورَهْط3. إذا كانا من الحالة الأولى المذكورة"، وبما ينوب عن الفتحة وهو: الألف، فى الأسماء الستة، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم، والكسرة فى جمع المؤنث السالم. الثانية: أن يكون مفرداً "ويراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، ولوكان مثنى، أومجموعاً" وحكمه: وجوب بنائه على الفتح4 أوما ينوب عن الفتح5 فيبنى على الفتح مباشرة إن كان مفرداً أوجمع تكسير
أواسم جمع؛ مثل: لا عالمَ متكبرٌ1 - لا علماءَ متكبرون - لا قومَ للسفيه. ويبنى على الياء نيابة عن الفتة إن كان مثنى أوجمع مذكر سالماً؛ نحو: لا صديقَيْن متنافران - لا حاسدِينَ متعاونون. ويبنى على الكسرة نيابة على الفتحة إن كان جمع مؤنث سالماً، نحو: لا والداتٍ قاسياتٌ. وبالوجهين روى قول الشاعر: إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذ، ولا لذات للشيب ببناء كلمة: "لذات" على الفتح، أو على الكسر.
ومع أنه مبنى فى الحالات السالفة، هوفى محل نصب دائماً. أى: مبنى لفظاً منصوب محلا1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" سبق1 أن من شروط إعمال "لا": تنكير معموليها. وقد وردت أمثلة فصيحة وقعت فيها عاملة مع أن اسمها معرفة. من ذلك قوله عليه السلام، إذا هلك كِسْرِى فلا كسرَى بعده، وإذا هَلَك قَيْصَرُ فلا قيصرَ بعده. ومن ذلك قولهم قضية" ولا أبا حسن2 لها. وقولهم: لا أمية3 في البلاد وقولهم: لا هيثم 4 الليلة للمطىّ. وقولهم: يُبْكَى على زيد ولا زيدَ مثلُه ... وغير هذا من الأمثلة المسموعة. وقد تناولها النحاة بالتأويل5 كي يخضعوها لشرط التنكير. وهوتأويل لا داعى لتكلفه مع ورود تلك الأمثلة الصريحة، الدالة على أن فريقاً من العرب لا يلتزم التنكير. فعلينا أن نتقبل تلك النصوص بحالها الظاهر دون محاكاتها، ونقتصر فى استعمالنا على اللغة الشائعة المشهورة التى تشترط الشروط التى عرفناها؛ توحيداً لأداة التفاهم، ومنعًا للتشعيب بين المتخاطبين بلغة واحدة. ب- قلنا إن حكم اسم "لا" المفرد هوالبناء على الفتحة، أوما ينوب عن الفتحة. وقد يصح بناؤه على الضمة العارضة فى حالة واحدة6، هى أن يكون الاسم كلمة: "غير" - ونظيراتها - فتكون كلمة: "غير" مبنية على الضمة الطارئة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى محل نصب، بشرط أن تكون مضافة مسبوقة بكلمة: "لا - أو: ليس" - وبشرط أن يكون المضاف إليه محذوفاً قد نُوى معناه على الوجه المفصَّل فى مكانه من باب الإضافة نحو: قطعت ثلاثة أميال لا غيرُ - أوليس غيرُ - أى: لا غيرُها، أوليس غيرُها مقطوعاً. والنحاة يقولون فى إعراب هذا: إنه مبنى على فتح مقدر، منع من ظهوره الضم العارض للبناء أيضاً - فى محل نصب. وفى هذا تكلف وتطويل يدعوهم إليه رغبتهم فى إخضاع هذا النوع الحكم المفرد بحيث يكون الحكم "وهوالبناء على الفتح فى محل نصب" عاماً مطردًا. لكن لا داعى لهذا التكلف، إذ لا مانع من أن يقال: إنه مبنى على الضمّ - مباشرة - فى محل نصب. "كما فى الصبان والخضرى، عند كلامها على أحكام: "غير" فى باب الإضافة وستجئ فى الموضع الذى أشرنا إليه"1.
المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف
المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف "1" ... لا خيرَ مرجومن الشِّرير، ولا نفعَ لا خيرَ مَرجومن الشرير، ولا نفعاً لا خيرَ مرجومن الشرير، ولا نفعٌ ... إذا تكرّرت: "لا" وكانت كل واحدة مستوفية شروط العمل، فكيف نضبط الاسم الواقع بعد: "لا" المكررة، وهى التى ليست الأولى؟ 1. لهذا الاسم صور متعددة بتعدد الأساليب التى يوضع فيها. ونبدأ بصورة من أكثر تلك الصور استعمالا؛ هى التي يكون فيها اسم لا الأولى مفرداً، واسم المتكررة مفرداً معطوفاً على اسم على الأولى. كما فى الأمثلة المعروضة2 "2" ... لا تقدمَ ولا رقيَّ مع الجهالة لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة لا تقدمَ ولا رُفيٌّ مع الجهالة "3" ... لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ ولا بحراً - ولا بحرٌ يجوز فى هذا الاسم المفرد المعطوف أحد ثلاثة أشياء3: أولها: البناء4 على الفتح، أوما ينوب عن الفتحة؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجوولا نفعَ. على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس. "نفعَ" اسمها، مبنى على الفتح فى محل نصب - وخبرها محذوف5 تقديره: مرجُو- مثلا -
مرجو 1. والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى، فعندنا جملتان. ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقىَّ مع الجهالة؛ فتكون كلمة: "رقىّ" اسم، "لا" الثانية على الاعتبار السابق، ولكن خبرها وخبر الأولى هوالظرف: "مع" فإنه يصلح خبراً لهما2. ونقول فى الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ. فيجرى على هذا المثال ما جرى على الثانى2. ثانيهما: الإعراب3 مع نصبه بالفتحة أوما ينوب عنها. فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجُومن الشرير، ولا نفعاً، بإعرابه منصوباً. وهذا على اعتبار: "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. وكلمة. "نفعاً" معطوفة بحرف العطف على محل اسم "لا" الأولى؛ لأن محله النصب. "فهومبنى فى اللفظ، لكنه منصوب المحل، كما سبق4". ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة. على الاعتبار السابق أيضاً؛ فتكون "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، "رقياً" معطوفة على محل اسم "لا" الأولى. وخبر "الأولى" هوالظرف: "مع". ونقول فى المثال الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحراً؛ كما قلنا فى الأول تماماً. ثالثها: الإعراب مع رفعه5 بالضمة، أوبما ينوب عنها؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجومن الشرير، ولا نفعٌ. برفع كلمة: "نفع" على اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. و"نفع" مبتدأ مرفوع، خبره محذوف، والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. ويصح اعتبار "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" وكلمة: "نفع" اسمها
مرفوع، والخبر محذوف، والجملة من "لا" الثانية ومعموليها معطوفة على الجملة الأولى. ويصح اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى، وكلمة: "نفع" معطوفة على "لا" الأولى مع اسمها1، لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع: فالمعطوف عليهما معاً يكون مرفوعاً أيضاً2. ويجرى على المثالين الأخيرين ما جرى على المثال الأول؛ حيث يصح فى كلمتى رقىّ، و"بحر" الرفع على أحد الاعتبارات الثلاثة السابقة3. "ملاحظة": إذا تكررت "لا" وكل واحدة مستوفية الشروط، مفردة الاسم؛ وكانت الأولى لنفى الوَحدة "أى: عاملة عمل ليس" جاز فى اسم المكررة بعد عاطف، أمران: أن يكون معرباً مرفوعاً بالضمة أوبما ينوب عنها، وأن يكون مبنيًّا على الفتح أوما ينوب عن الفتحة؛ مثل: لا قوىٌّ ولا ضعيفٌ أمام القانون. أو: لا قوىٌّ ولا ضعيفَ أمام القانون. "ا" فالرفع - فى هذا المثال - إما على اعتبار "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، والاسم بعدها معطوف على اسم الأولى؛ فالمعطوف مرفوع كالمعطوف عليه، والخبر عنهما هوالظرف: "أمام". وإما على اعتبار "لا" المكررة زائدة للنفى أيضاً، والاسم بعدها مبتدأ4. وإما على اعتبار "لا" المكررة عاملة عمل "ليس" والمرفوع بعدها اسمها5. وإنما جاز الرفع على هذين الاعتبارين، ولم يجز النصب لأن النصب إنما يجرى على اعتبار أن "لا" المكررة زائدة، والاسم الذى بعدها معطوف على محل اسم الأولى، المبنى لفظاً المنصوب محلاً، ولما كان اسم الأولى هنا مرفوعاً، وليس مبنيًّا على الفتح
لفظاً. كان غير منصوب محلا؛ فلا يجوز العطف بالنصب على محل لا وجود له1. ب- والبناء على على الفتح على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس، إلى هنا انتهى الكلام على أحكام اسم "لا" المكررة حين يكون مفرداً بعد كل واحدة. وهى أحكام تسرى على اسم "لا" المكررة2 مرة أو
أكثر، بشرط استيقفاء كل واحدة شروط العمل، وإفراد اسمها؛ كما عرفنا1. حكم المعطوف على اسم "لا" بغير تكرارها2. إذا لم تتكرر: "لا" الجنسية وعطف على اسمها جاز فى المعطوف النكرة الرفع
أوالنصب فى جميع الحالات "أى: سواء أكان مفرداً أم غير مفرد، وسواء أكان اسمها - وهوالمعطوف عليه -، مفرداً أم غير مفرد، ومن أمثلة ذلك: "ا" لا كتابَ وقلمٌ فى الحقيبة. أو: لا كتابَ وقلماً فى الحقيبة. فيجوز فى المعطوف أمرانْ: الرفع على اعتبار أن كلمة: "قلم"، معطوفة على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع، فالمعطوف عليهما مرفوع أيضاً. أو: على الاسم وحده باعتباره مبتدأ فى الأصل - وهذا أحسن -. والنصب على اعتبار أن كلمة: "قلم" معطوفة على محل اسم "لا" المبنى، لأنه مبنى فى اللفظ لكنه منْصوب المحل، فيجوز العطف عليه بمراعاة محله، لا لفظه "لأن البناء لا يراعى فى التوابع، كما سبق"1. "ب" لا كتابَ هندسة وقلمُ رصاص فى الحقيبة، يجوز فى المعطوف الأمران، الرفع على الاعتبار السالف، والنصب على العطف على لفظ اسم "لا" المنصوب. "حـ" لا كتابَ حساب وقلمٌ أوقلماً فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أوالنصب على الاعتبارين السالفين فى: "ب". "د" لا كتابَ وقلمَ ُ رصاص، فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أوالنصب على الاعتبارين السالفين فى: "ا". فإن كان المعطوف معرفة لم يجز فيه إلا الرفع على اعتباره مبتدأ2 ... وعلى ضوء الصور والأساليب السالفة - إفراداً وتركيباً - تُضبط الصور الأخر التى لم نعرضها هنا. ويجب مراعاة الخبر بدقة، ليظهر المعنى، وليمكن تمييز نوع العطف إن وجد3. حكم المعطوف على اسم "لا" المكررة. يتَبَع المعطوف عليه، "أى: يتبع اسمها" فى إعرابه رفعاً ونصباً دون أن يتبعه فى البناء كما عرفنا.
المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا"
المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا" لا تاجرَ خداع ناجحٌ ... كيف نضبط الكلمات التى تحتها خط وهى: "خدّاع - مسرعة - رديئة" وأشباعها من كل كلمة وقعت نعتاً، مفرداً، لاسم: "لا" النافية للجنس، المفرد ولم يفصل بين النعت والمنعوت فاصل؟ لا سيارةً مسرعة مأمونةٌ لا كتابةَ، رديئة ممدوحةٌ يجوز فى ضبط هذا النعت أحد أمور ثلاثة: "ا" بناؤه على الفتح أوبما ينوب عن الفتحة؛ كالشأن فى اسم: لا، فنقول: لا تاجرَ خداعَ ناجحٌ - لا سيارةَ مسرعةَ مأمونةٌ - لا كتابةَ رديئةَ ممدوحةٌ. "حـ" إعرابه مرفوعاً بالضمة أوبما ينوب عنها. على اعتباره نعتاً لكلمة: "لا" مع اسسها؛ وهما معاً بمنزلة المبتدأ المرفوع؛ فنعتهما مرفوع كذلك. أولاسمها وحده3 تقول:
لا تاجرَ خداعٌ ناجحٌ -لا سيارةَ مسرعةٌ مأمونةٌ- لا كتابةَ رديئةٌ ممدوحةٌ. فإن اختل شرط من الشروط السالفة لم يصح بناء النعت على الفتح، وصحّ أن يكون مرفوعاً أومنصوباً. فإذا كان النعت غير مفرد، مثل: لا تاجر خَدّاعَ الناس ناجحٌ، لا يجوز أن يكون النعت "وهو: خداع" مبنيًّا على الفتح1 ويجوز أن يكون مرفوعاً أومنصوباً على الاعتبار الذى أوضحناه سالفاً "فى: "ب وجـ"" وإن كان المنعوت غير مفرد، مثل: لا تاجرَ خشبٍ خداعٌ ناجحٌ، لم يجز البناء على الفتح أيضاً2، وجاز الرفع أوالنصب كسابقه. وكذلك الحكم إن وجد فاصل بين النعت والمنعوت؛ مثل لا تاجرَ وصانعٌ خَدَّاعان ناجحان. فلا يجوز بناء كلمة، "خداعان" بل يجب رفعها أونصبها. ومما يلاحظ أن المنعوت إذا كان غير مفرد بأن كان مضافاً أوشبيهاً بالمضاف" فإنه سيجئ بعده ما يفصل بينه وبين النعت حتماً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: البدل النكرة "وهوالصالح لدخول: "لا"" كالنعت المفصول، نحو؛ لا أحدَ، رجلا، وامرأةً فيها. بالنصب أوالرفع، ولا يجوز بناؤه على توهم تركبه مع المبدل منه، لأن البدل على نية تكرار العامل: "لا"، فيقع بين البدل والمبدل منه فاصل مقدر يمنع من ذلك التركيب الوهمى. وأجازه بعضهم لأن هذا الفاصل - وهو"لا" - يقتضى الفتح1. فإن كان البدل معرفة وجب رفعه2، نحولا أحد محمدٌ وعلىٌّ فيها. وكذا يقال فى عطف البيان. وأما التوكيد فالأفضل فى اللفظىّ منه أن يكون جارياً على لفظ المؤكَّد من ناحية خلوه من التنوين. ويجوز رفعه أونصبه. وأما المعنوى فيمتنع هنا تبعاً للرأى الشائع القائل: إنه لا يَتْبَع نكرة؛ لأن ألفاظه معارف. أما على الرأى القائل إنه يتبعها فيتعين رفعه، لعدم دخول "لا" على المعرفة3.
المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى
المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى ... المسألة التاسعة الخمسون: بعض أحكام أخرى "ا" دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس1. إذا دخلت همزة الاستفهام على: "لا" النافية للجنس صار الأسلوب إنشائيًّا، ولم يتغير شىء من الأحكام السالفة كلها - وهذا أوضح الآراء وأيسرها - يتساوى معه أن تكون "لا" مفردة، ومكررة، وأن يكون الاسم مفرداً وغير مفرد، منعوتاً وغير منعوت، معطوفاً وغير معطوف.... إلى غير ذلك من سائر الأحكام التى أوضحناها. ولا فرق فيما سبق بين أن تكون الهمزة للاستفهام الصريح عن النفى المحض "أىْ: دون قصد توبيخ أوغيره ... "؛ نحو: ألا رجلَ حاضراً2؟ أوللاستفهام المقصود به التوبيخ3؛ نحو: ألا إحسانَ منك وأنت غنى؟. أوللاستفهام المقصود به التمنى4؛ نحوألامالَ5 فأساعدَ المحتاج6؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" ومن الأساليب الصحيحة فى التمنى: "ألا ماءَ ماءَ بارداً". فكلمة "ماء" الثانية نعت1 للأولى: فهومبنى على الفتح، لأنه بمنزلة المركب المزجىّ مع اسم "لا" ويجوز نصبه، ولكن يمتنع رفعه عند سيبويه ومن معه - على مراعاة محل "لا" مع اسمها، وأنهما بمنزلة المبتدأ، ويجوز عند المازنى ومن وافقه. وعلى هذا، تكون "ألا" التى: للتمنى محتفظة عند بعض النحاة - بجميع الأحكام الخاصة التى كانت لكلمة: "لا" قبل دخول الهمزة. وقبل أن يصبرا كلمة واحدة للتمنى. وإذا لم يكن خبرها مذكوراً فهومحذوف. ويخالف فى هذا فريق آخر كسيبويه فيرى أنها حين تكون للتمنى - لا تعمل إلا فى الاسم؛ فلا خبر لها؛ لأنها صارت بمنزلة: أتمنى. فقولك: "ألا ماء"، كلام تام عنده؛ حملا على معناه، وهو: أتمنى ماء. فلا خبر لها لفظاً ولا تقديراً، واسمها هنا يكون بمنزلة المفعول به. ولا يجوز إلغاء عملها فى الاسم، كما لا يجوز الوصف ولا العطف بالرفع مراعاة للابتداء؛ كما أشرنا. ولا يقع هذا الخلاف فى النعوت الأخرى. التى سبق حكمها2. والرأى الأول -مع عيبه- أفضل؛ لأنه مطرد يساير القواعد العامة؛ فلا داعى للأخذ بالرأى الثانى المنسوب لسيبويه ومن معه. ويتعين تنوين كلمة: "بارداً"، لأن العرب لم تركب أربعة أشياء3 تركيباً مزجياً، ولا يصح إعراب كلمة: "ماء" الثانية توكيداً ولا بدلا؛ إذ يكون مقيداً بالنعت الآتى بعده، والأول مطلق؛ فليس مرادفًا له حتى يؤكده، ولا مساوياً له حتى يبدل منه بدل مطابقة. لكن جوز بعضهم التوكيد فى قوله تعالى: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ
كَاذِبَة} فكذا هنا. وجوز بعضهم أن يكون عطف بيان"؛ لأنه يجيز أنّ يكون أوضح من متبوعه1. "ب" قد ترد كلمة: "ألا" للاستفتاح والتنبيه "بقصد توجيه الذهن إلى كلام هام مؤكد عند المتكلم؛ يجئ بعدها"2. وهى كلمة واحدة. لا عمل لها، فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية؛ نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} وقوله: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} فقد دخلت على "ليس". كما تجئ وهى كلمة واحدة للعَرْض3، والتحضيض؛ فتَخْتَص بالجملة الفعلية؛ فمثال العَرْض: ألا تشاركنى فى الرحلة الجميلة. ومثال التحضيض ألاَ تقاوم أعداء الوطن. جـ - يجرى على خبر "لا" ما يجرى على سائر الأخبار، من جواز الحذف - وكثرته - إنْ دلَّ دليل. وليس من اللازم لجواز الحذف أن يكون الخبر هنا شبه جملة فقد يكون شبه جملة كقول الشاعر: إذا كان إصلاحى لجسمىَ - واجباً ... فإصلاح نفسى لا محالة أوجب اى: لا محالة فى ذلك. وقول الآخر: لا يصلح الناس فِوْضَى لا سَرَاة4 الهم ... ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سادوا أى: ولا سَرَاة لهم إذا جُهَّالهم سادوا. وقد يكون جملة؛ كان يقال: هل من جاهل يصلح للسيادة؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجاب: لا جاهلَ. أى: لا جاهل يصلح للسيادة.... وقد يكون مفرَداً كالأمثلة الآتية بعد: والدليل على الحذف قد يكون مقاليًا؛ كأن يقال: من المسافر؟ فيجاب: لا أحد. أى: لا أحدَ مسافر. وقد يكون الدّليل مفهوماً من المقام والحالة الملابسة؛ كأنْ يقَال للمريض: لا بأسَ، أى: لا بأس عليك. وللسارق: لا نجاة، أى: لا نجاة لك. وبغير الدليل لا يصحّ الحذف....1. ومن الأساليب التى حذف فيها الخبر: "لا سيما" وقد سبق الكلام عليها2. فى ص 363-. ومنها: لا إله إلا الله3؛ ومنها: لا ضَيْرَ4. ومنها: لا ضرر ولا ضِرَار5. ومنها: لا فوْت6.... وقد يحذف الاسم لدليل، نحو: لا عليك. أى: لا بأس عليك. د- بمناسبة الكلام على: "لا" يتعرض بعض النحاة لتفصيل الكلام على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسلوب الذى يشتمل على: "لا جرمَ" واعتبار "لا" زائدة. أوغير زائدة. وقد سبق1 تفصيل هذا فى رقم 4 من ص 595. هـ- إن جاء بعد "لا" جملة اسمية صدرها معرفة، أوصدرها نكرة لم تعمل فيها - بسبب وجود فاصل، مثلا - أوجاء بعدها فعل ماض لفظاً ومعنى2 لغير الدعاء - وجب تكرارها فى أشهرا الاستعمالات. فمثال الاسمية التى صدرها معرفة قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} 3. والشطر الثاني من قول الشاعر: عليها سلام لا تواصل بعده ... فلا القلب محزون "ولا الدمع سافح4 ومثال النكرة التى لم تعمل فيها قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ5 وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون 6 ... } . ولم تعمل هنا لوجود فاصل. ومثل الماضى قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ... } وفى الحديث: إن المنْبَتَّ7 لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وقولهم: والله لا حاق الشر إلا بأهله، ولا لصق العار إلا بكاسبه. "و" إذا وقعت كلمة "إلاّ" بعد "لا" جاز فى الاسم المذكور بعد "إلا" الرفع والنصب. نحو: لا إلهَ إلا اللهَ، - بالرفع أوالنصب، ولا سيفَ إلا ذوالفَقَار. أوذَا الفقار فالنصب على الاستثناء، والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ وإما على البدل من
الضمير المستتر فى الخبر المحذوف، وإما من محل اسم "لا" بحسب أصله الأول؛ فقد كان مبتدأ، وقد أوضحنا هذا قريباً1. "ز" إذا لم تعمل: "لا" بسبب دخولها على معرفة، أولوجود فاصل بينها وبين اسمها - فالواجب عند الجمهور تكرارها - كما تقدم -. ويلزم تكرارها2 مع اقترانها بالواوالعاطفة إذا وليها مفرد منفى بها وقع خبراً أونعتًا، أوحالا؛ نحو: علىٌّ لا قائمٌ ولا قاعدٌ، ومررت برجلٍ لا قائمٍ ولا قاعدٍ، ونظرت إليه لا قائماً ولا قاعداً. وتتكرر أيضاً إذا دخلت على الماضى لفظاً ومعنًى، وكان لغير الدعاء -كما سلف- نحو: محمود لا قام ولا قعد. وقد يغنى عن تكرارها حرف نفى آخر؛ وهذا قليل؛ مثل لا أنت أبديت رأيك ولم تظهر غرضك. ومنه وقول الشاعر: " ... فلا هوأبداها ولم يتجمجم"3، وبمناسبة صحة هذا على قلته ننقل هنا ما قاله الصبان، في باب: الاشتغال - جـ1 وحكم الاسم السابق، وكيف يضبط عند شرح بيت ابن مالك: "واختبر نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إملاؤه الفعل غلب....." حيث قال الأشموني: إن النصب يختار في مواضع، منها.... و.... ومنها النفي بما، أو: لا، أو: إن، وضرب الأمثلة الآتية الحرفي هو: "ما زيدا رأيته، ولا عمرا كلمته، وإن بكرا ضربته ... " وهنا قال الصبان ما نصه: "قوله: ولا عمرا كلمته.... مقتطع من كلام، أي: لا زيدا رأيته، ولا عمرا كلمته، لأن "لا" الداخلة على الماضي غير الدعائية، يجب تكرارها. كذا نقله شيخنا عن الدنوشري وأقره هو والبعض. وعندي أنه يقوم مقام تكرار لا الإتيان بدل "لا" الأولى بما "النافية" كما في المثال، لأنها مثلها في الدلالة على النفي وفي الصورة، إذ كل منهما فقط ثنائي آخره ألف لينة" اهـ.
ولم تتكرر فى نحو: لا نَوْلُك أن تفعل كذا ... لأنه بمعنى: لا ينبغى1.... فلم يبق شيء لا تتكرر فيه وجوباً سوى المضارع؛ نحو: حامد لا يقوم ... تم الكتاب ولله الحمد والمنة
الفهرس
الفهرس: "1" المقدمة: وتتضمن الأسباب الداعية لتأليف هذا الكتاب، وتوضح منهج تأليفه، وتبيين قيمة النحو، ومزاياه. "ب" بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء. رقم الصفحة عنوان الباب 13 الكلام وما يتألف منه. 72 الإعراب والبناء، والمعرب والمبني. 206 النكرة والمعرفة. 217 الضمير. 286 العلم. 321 اسم الإشارة. 340 الموصول. 421 المعرف بأداة التعريف وهي أل" 441 الابتداء. المبتدأ والخبر. 543 نواسخ الابتداء: "كان وأخواتها.. وهي: "ما - لا - لات - إن" 614 أفعال المقاربة. أفعال الشروع. أفعال الرجاء 630 الحروف الناسخة "إن" وأخواتها" 685 "لا" النافية للجنس. تفصيل المسائل والموضوعات التي تشتمل عليها الأبواب العامة السابقة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الواردة في: "الزيادة، والتفصيل"، والهوامش. 1- مقدمة الكتاب، ودستور تأليفه. بيان هام باب الكلام وما يتألف منه المسألة الأولى 13 الكلمة. الكلام "الجملة". الكلم. القول الكلمة والمعنى الجزئي والمعنى المركب. أول حروف الهجاء: "الهمزة" لا "الألف". حروف المباني، حروف الربط، ومنها حروف المعاني. عدد الأحرف في الكلمة العربية. 14 الكلمة قبل إدخالها في التركيب لا توصف بإعراب ولا بناء
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 15 الكلام الجملة، جمل زال عنها اسم الجملة، كجملة النعت، وجملة الشرط ... اللفظ. 16 الكلم - القول- إشارة لبعض أنواع المركب. 17 استعمال "الكلمة" بمعنى: "الكلام". 17 أقسام الكلمة. من أي أقسامها "اسم الفعل؟ " 18 موازنة بين الأنواع السابقة. 21 إشارة إلى اسم الجنس، وأنواعه. 22 ما يجوز في اسم الجنس الجمعي، وفي ضميره، وخيره، والإشارة إليه. 23 تكلمة في معناه، والمراد منه. 24 أنواعه. 25 تعريف القاعدة. المسألة الثانية. 26 أقسام الكلمة: "اسم - فعل - حرف". الاسم وعلاماته. الجر - والتنوين. 27 المناداة "النداء". 28 حكم حرف النداء إذا دخل على مالا ينادي. العلامة الرابعة والخامسة: "أل" و "الإسناد". 29 سبب تعدد علامات الاسم. علامات أخرى. 30 طريقة الإسناد إلى اسم يراد لفظه. 31 فائدة حكاية اللفظ. 32 أقسام الاسم. المسألة الثالثة 33 أقسام التنوين وأحكامه. الأول: تنوين الأمكنية، توضيحه. متى ينون الممنوع من الصرف؟ 34 مناقشة أسباب منع الصرف، رفضها. 37 الثاني: تنوين التنكير. 38 الثالث: تنوين التعويض. 39 إعراب المموع من الصرف المحذوف آخره. رفض آراء النحاة في بعض صيغ منتهى الجموع. 40 تنوين: "كل وبعض" وحكم إدخال "أل" عليهما. 41 تنوين المقابلة. تثنية العلم أو جمعه مما يزيل علميته. 43 تحريك التنوين. مواضع حذف التنوين. مواضع حذف التنوين، ومنها آخر الكلمات الموصوفة بكلمة: "ابن" 44 متى تحذف همزة الوصل من كلمتي: ابن وابنة. المسألة الرابعة 46 الفعل وأقسامه، علامة كل. للزمن ملغي في التعريفات العلمية، وفي بعض الأفعال الأخرى "مثل: كان الزائدة - نعم - بئس ... ".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 47 لا يصح اعتبار اللفظ زائدا إذا أمكن اعتباره أصيلا الفعل والجملة الفعلية والاسمية في حكم النكرة. أحرف المضارعة، واستعمالها. 48 علامات الماضي. 49 كلمة عن اسم الفعل. 50 كلمة عن تاء التأنيث وهائه. مكان تاء التأنيث من الفعل متى نستعملها هي أو نون النسوة؟ تحريكها أحيانا. حركة أول الساكنين. التقاء الساكنين. إشارة إلى جواز التقاء الساكنين في مواضع نوع الزمن في الماضي. 52 أثر "قد" في تقريبه من الحال. 53 وكذلك "ما" النافية. لا يصح تقديم شيء من مدخول "قد" عليها. دخول "قد" على الفعل الماضي المنفي. حكم دخولها على المضارع المنفي: "لا". 56 علامات المضارع السين وسوف. لا يصح أن يدخل عليهما نفي. بعض أحكام خاصة بهما "وانظر ص 60". 57 نوع الزمن في المضارع. 60 عودة إلى السين وسوف، معناهما. الفرق بينهما. 62 نوع الزمن عند عطف فعل على فعل. 64 علامة الأمر. علامتان مشركتان بين المضارع والأمر. 65 نوع الزمن في الأمر. المسألة 5 66 الحرف، معناه. معنى أدوات الربط. حروف المباني، وحروف المعاني، وحروف التوكيد. معنى زيادة اللفظ. 68 قد يراد بالحرف الكلمة مطلقا. 69 إذا وقع بعد المبتدأ أداة شرط، فأين الخبر؟ وأين الجواب؟ 70 وقوع معنى الحرف الأصلي على ما بعده. الحروف الزائدة، الغرض منها. أثرها. عدم تعلقها بعامل. متى يكون اللفظ زائدا؟ صحة زيادة الباء في مثل: كيف بك، وخرجت فإذا بالأصدقاء ... 71 الحروف نوعان: عامل، ومهمل. حروف الجر قد تسمى: "حروف الإضافة". الحروف الآحادية وغيرها.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب الإعراب والبناء - المعرب والمبني. رقم الصفحة الموضوع المسألة 6 72 معنى كل، وسببه. 73 حقيقة العامل. الرأي فيما يوجه للعامل من مطاعن 74 فائدة الإعراب. 75 كلمات لا توصف بإعراب ولا بناء. 76 المعرب والمبني من الأسماء، والأفعال، والحروف. المبني لا تراعي ناحيته اللفظية في توابعه. أولا - الحروف ثانيا - الأسماء - المبني منها وجوبا، والمبني جوازا. 79 إذا سمي بالاسم المفرد أعرب ونون. - ما لم يمنع من الصرف. 80 ثالثا - الأفعال. أحوال بناء الماضي. أحوال بناء الأمر. الفعل المؤكد بالنون لا يتقدم عليه معموله إلا في الضرورة، أو أن يكون المعمول شبه جملة. 81 أحوال بناء المضارع. 82 اتصال نون النسوة بالفعل مباشرة دون نون التوكيد. 82 المضارع المبني لفظا المعرب محلا. 84 "أ" الإعراب المحلي والتقديري، وأثرهما. 84 جدول لأشهر المبنيات، وعلامة بنائها 87 علامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء. "وانظر ص 106". 88 "ب" "الرأي في أسباب البناء والإعراب 91 زيف كثير من التعليلات ولا سيما: "أنواع الشبه الوضعي والمعنوي" 94 "ح" إعراب أمثلة معقدة يكون المضارع فيها مفصولا من نون التوكيد. توالي الأمثال الممنوع، وغير الممنوع. 96 متى يجوز التقاء الساكنين؟ 97 مواضع تتحرك واو الجماعة؟ ما نوع حركتها؟ ضابط عام في تحريكهما- إيضاح لما سبق 99 "هـ" رأي في السكون في آخر الماضي "و" أنواع معدودة من المبني بناء عارضا، وأخرى لا تعد مبنية. المسألة 7 100 أنواع البناء والإعراب. "أو: ألقا بهما" علامة كل منهما. علامات البناء الأصلية. منها: السكون، وقد يسمي: "الوقف". الفتح. الضم. الكسر. 101 العلامات الفرعية. 102 جدول يشمل علامات البناء الأصلية والفرعية، ومواضعها.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 103 أنواع الإعراب. علاماتها الأصلية. 104 علاماتها الفرعية مفصلة عودة إلى المؤكد بنون التوكيد. وأن معموله لا يتقدم عليه 106 السبب في أن لكل واحد من الإعراب والبناء علامات خاصة به. نوع من نيابة الحرف عن الحركة. علامات لا توصف بأنها علامة إعراب، ولا بناء "انظر ص 87". الكلام على: "الأتباع". 107 الإشارة إلى نوع آخر من حركة الإتباع. المسألة 8 108 "أ" الأسماء الستة. طريقة إعرابها. اللغات التي فيها. 109 "ذو" وتفصيل الكلام على استعمالها. 110 - فائدتها. متى تجمع وجوبا جمع مؤنث سالم "ذوات"؟ وكذلك ابن آوي وبنات آوي ... ؟ 111 ما يحسن الاقتصار عليه من لغات الأسماء الستة. 112 متى يرجع الحرف الأصلي المحذوف من الثلاثي؟ 114 ما فائدة دراسة تلك اللغات؟ إعراب ما سمي بواحد من هذه الأسماء 115 متى يحذف حرف إعرابها؟ معنى: "لا أبا لفلان" وإعرابه. المسألة 9 117 "ب" المثني - تعريفه. الحقيقي منه والمجازي. 118 التغليب. معناه. تقسيمه، حكمه. العرب قد تغلب المؤنث. 119 المراد من المثني في اللغة والنحو. المراد من الملحق بالمثني، ومن الجمع واسم الجمع. المثنى في المعنى يجوز إفراده، وتثنيته، وجمعه، إذا أضيف إلى ما يتضمنه. اسم المثنى. 120 ملحقات المثنى: كلا وكلتا اثنان واثنتان. إضافتهما. 123 اللغات المختلفة في إعراب المثنى. 124 عود إلى: "كلا وكلتا". الضمير العائد عليهما، وعلى كلمات أخرى تشبههما. "مثل: كم - من - ما أي - بعض.." 125 بعض حالات إعرابية تصلح للتوكيد أو لا تصلح. ما سمى بالمثنى، الغرض من التسمية. طريقة إعرابه. 126 حروف العلم لا يدخل عليهما نقص ولا زيادة. 126 طريقة تثنية المسمى بالمثنى. 128 شروط المثنى. 129 من شروط تثنية القلم تنكيره قبل التثنية، ثم تعريفه بعدها، السبب في ذلك. الطريقة لإعادة التعريف إلى العلم بعد تثنيته. 130 طريقة إعراب الاسم المركب. 133 متى تهمل التثنية استغناء بالعطف.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 134 الرأي في: "أنتما قائمان" وفي بعض الملحقات "اثنان واثنتان" إعراب كلمة: "عشر" بعدهما 135 متى تحذف نون المثنى؟ تثنية بعض كلمات محذوفة الآخر "مثل: أب - يد ... ". 136 إشارة إلى بعض أحكام هامة أخرى تتعلق بالمثنى ونونه ودلالته على أكثر من اثنين. المسألة 10 137 "ح" جمع المذكر والسالم. تعريفه. سبب تسميته هو وجمع المؤنث السالم بجمعي التصحيح. العدد الذي يدل عليه كل منهما. ضبط كلمة: "السالم" فيهما. إطلاق الجمع لغة على الاثنين "المثنى". 138 حكم الاستغناء بالعطف عن الجمع. 139 دلالة الجامد والمشتق، نوع دلالة الوصف "أي: المشتق" إذا صار علما. زوال العلمية عند الجمع. الطريقة لإعادة التعريف للجمع. العلم جامد ولو كان في الأصل مشتقا. عودة إلى: "التغلب". 140 شروطه 141 المراد من خلوه من تاء التأنيث. كيفية جمع أنواع المركب جمع مذكر سالم 143 نوع تاء التأنيث في الصفة "أي: في المشتق". 146 كيف يجمع المبني جمع مذكر سالم؟ المسألة 11 148 الملحق بجمع المذكر. أنواع الستة السماعية. كلمة عن اسم الجمع. 149 العموم الشمولي والعموم البدلي. 151 التسمية بجمع المذكر السالم. 153 إعراب ما سمي به. 155 طريقة جمع المسمى به، وبملحقاته. 156 عودة للكلام على "نون" المثنى وجمع المذكر من جهة حركتها، وفائدتهما، وحذفها، وما يترتب على الحذف. زيادة الفاء للتحسين. 157 إعراب كلمة "عشر" بعد اثنى ... واثنتي.... 158 قد يدل المثنى على معنى الجمع. 159 حالات تقدير الواو. زيادة موضع لالتقاء الساكنين. 160 ما يتبع في تثنية أعضاء الجسم، وجمعها. التثنية جمع لغوي. 161 هل يثني جمع التكسير ويجمع؟ المسألة 12 162 د جمع المؤنث السالم، تعريفه، شروطه، سبب تسميته هو وجمع المذكر السالم بجمعي التصحيح - كما سبق - ضبط كلمة: "السالم".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 162 الاستغناء عنه بالعطف أحيانا. هل الأفضل تسميته بالجمع المزيد بالألف والتاء؟ أنواع المؤنث. 163 العدد الذي يدل عليه هذا الجمع. 164 حكمه. 165 ملحقاته. حركة "الكاف" في "كن" وأصل "كان". 166 إشارة إلى السبب في التسمية بالجمع. حكم التنوين في آخر ما سمي به. 167 حكم في ضبط حروف الهجاء عند قصرها. 168 الأشياء التي ينقاس فيها هذا الجمع. 170 حركة عين الثلاثي. 171 تثنية المركب الإضافي وجمعه هذا الجمع. طريقة جمع أسماء الأجناس التي في صدرها كلمة "ذو" أو ابن، أو أخ.... 172 طريقة تثنية المسمى بهذا الجمع، وجمعه. المفرد الذي لا يجمع جمع المذكر سالم لا يجمع جمع مؤنث سالم، الرأي في هذا المسألة 13 174 "هـ" إعراب مالا ينصرف، والأحكام المتصلة بهذا. 175 قاعدة لغوية في ضبط الفعل: "جر" وأشباهه. 176 قد يعرب جمع المؤنث إعراب ما لا ينصرف. بعض المبنيات يعرب إعراب الممنوع من الصرف. بعض القبائل يجعل "أم" مكان: "أل". المسألة 14 177 "و" الأفعال الخمسة، وأحكامها. 179 الفرق بين "النساء لن يسعفون - النساء يعفون - الرجال يعفون." حذف نون الرفع لغير ناصب أو جازم. حالات نون الرفع مع نون الوقاية 180 ملخق حالات نون الرفع. 181 الرأي في مثل: "هما يفعلان"، وتفعلان "للمؤنثتين، وهن يفعلن وتفعلن. المسألة 15 182 "ز" المضارع المعتل الآخر: أقسامه الثلاثة، وحكم كل قسم، ومعنى تقدير الإعراب فيه. 185 بعض اللغات لا يحذف منه حرف العلة مطلقا. حكم المعتل إن كان حرف العلة مبدلا من الهمزة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 186 المضارع المعتل الآخر بالياء قد تحذف ياؤه جوازا قد تحذف ياء المتكلم جوازا من آخر الأفعال المسألة 16 187 الاسم المعتل الآخر، أنواعه الثلاثة، ومنها: المقصور والمنقوص. أحكام كل نوع، وحكم صحيح الآخر، وما يشبه صحيح الآخر "أو: المعتل الجاري مجري الصحيح". معنى المعتل عند النحاة وعند الصرفيين، حرف العلة، وحرف اللين، وحرف المد. المعتل والمعل. 188 تفصيل الكلام على المقصور معنى قولهم: "ألف المقصور موجودة دائما". معنى المقصور والممدود عند اللغويين والنحاة والقراء. 189 نوع من نيابة حرف عن حركة 189 كيف تكتب ألف المقصور؟ 190 تفصيل الكلام على المنقوص 193 نوع ثالث معتل الآخر بالواو 196 المنقوص الواقع صدر مركب. 197 حكم الظرف: "لدى" عند إضافته للضمير. 198 الإعراب التقديري وأثره، والحاجة إليه. حصر مواضع الإعراب التقديري. 199 الكلام على سكون التخفيف ومنه سكون التخفيف مع الوصل على نية الوقف. 200 أنواع من حركة الإتباع". 201 نوعا الإضافة لياء المتكلم، حالات الياء. 203 الأصل في التخلص من التقاء الساكنين الكسر 204 أشهر المواضع التي تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات. 205 إعراب: "إنه من يتق ويصبر..... " باب النكرة والمعرفة وفروعهما المسألة 17 206 معناهما: معنى الشيوع والإبهام. معنى الحقيقة الذاتية والتشابه فيها. 209 الجمل والأفعال في حكم النكرات. علامة النكرة. الهمزة في كلمة: "أل" ذاتها للقطع. متى تتحول همزة الوصل إلى القطع. إذا صار المشتق علما دخل في عداد الجامد. 210 حكمة كلمة: "أحد" الملازمة للنفي، وغير الملازمة. 211 أنواع المعارف. معنى اللفظ المتوغل في الإبهام.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل والهامش. رقم الصفحة الموضوع 212 اختلاف درجة المعارف في التعيين. بيان درجاتها وترتيبها. 213 حكم الجمل وأشباهها بعد المحض وغير المحض من المعارف والنكرات. معنى المحض، درجاته. النكرة التامة، والناقصة، والمعرفة كذلك. 215 حكم عام في شبه الجملة بعد المعرفة والنكرة. نكرات في اللفظ دون المعنى، والعكس. ما يصلح للأمرين. باب الضمير المسألة 18 217 تعريفه. - أمثلة منه. الكلام على أصل الضمير: "أنا" وألفه، وأثر ذلك في النطق وفي الكتابة. إذا رفع المشتق ضميرا مستترا وجب أن يكون للغائب. الضمير جامد، لا يكون نعتا ولا منعوتا. "الكاف" التي هي حرف محض الخطاب، أمثلة منها ومن بعض أخواتها ... 218 حكم الضمير. 219 يقال: كتبت الرسالة لسبع خلو، أو دخلت من الشهر. "أقسام الضمير بحسب مدلوله "تكلم - خطاب - غيبة.: " تقسيمه بحسب ظهوره، وعدم ظهوره إلى: "بارز مستتر- متصل- منفصل ... وأقسام كل". الفرق بين المستتر والمحذوف. 221 أقسام المتصل بحسب مواقعه من الإعراب.. إشارة إلى موضع حكم الضمائر. حركة الهاء التي للغائب في مثل: سليه.... متى تشبع حركتها؟ المنفصل. الضمائر مبنية لفظا معربة محلا. اتصال التاء ببعض الحروف، "مثل ما، وميم الجمع، ونون النسوة"، ونوع حركة التاء. 222 حركة "ميم الجمع" إذا وليها ضمير متصل. حذف واو الجماعة في بعض الهجات، مع الاكتفاء بالضمة قبلها، متى تكون الألف والواو من الضمائر. إعراب الضمير في نحو: لولاي - عساي - عساك - عساه. 223 الفرق بين الياء في مثل: قومي، ومثل أكرمني. يصح حذف ياء المتكلم من آخر الفعل. الفرق بين كتابة الهاء للغائب والغائبة. ومتى يزاد بعدها. ما - ميم الميم- النون المشددة للنسوة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 225 حكم دخول "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المتصل المنفصل الذي خبره اسم إشارة؛ مثل: ها أنا: 226 أقسام المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب. يقال للغائبات: تسافرون، أو: يسافرن ... ولمثنى الغائبتين؛: هما تسافران – هما يسافران. معنى الضمير الأصل والفرعي. حركة الهاء في: "هو – هي" متى تسكن؟ 227 تقسيم المستتر إلى واجب الاستتارة، وجائزه. هل تستعمل ضمائر الرفع المنفصلة في غيره؟ 228 مواضع المستتر وجوبا. 231 إعراب المرفوع المستتر جوازا. متى يستغنى الفعل واسم الفعل عن الفاعل؟ 233 تلخيص ما سبق من أقسام البارز والمستتر المسألة 19 235 الضمير المفرد "البسيط" والمركب. 236 كيفية إعراب الضمير بنوعيه 238 عودة إلى "الكاف" التي هي حرف خطاب فقط، ومواضع لها. 239 إعراب مثل قوله تعالى: {أرايتك هذا الذي كرمت علي} . 241 عودة إلى إعراب الضمير بعد"لولا" و"عسى". 242 ضمير الفصل وشروطه، وإعرابه. تسميته "عمادا" أو "دعامة". 250 ضمير الشأن، أو القصة، أو الضمير المجهول، أو ... 255 مرجع الضمير. الفرق الاصطلاحي بين الضمير والمبهم. عودة الضمير على متقدم 257 معنى التقدم في اللفظ وفي الرتبة التقدم المعنوي. 256 عودة الضمير على المضاف لا المضاف إليه عند عدم القرينة – والعكس. 258 عودة الضمير على متأخر "وهي مواضع التقدم الحكمي". 259 إعراب مثل: "ربه صديقا" – الضمير المجهول. 261 تعدد مرجع الضمير، الضمير العائد على المضاف، ومتى يعود على المضاف إليه؟ 262 التطابق بين الضمير ومرجعه. 263 عودة الضمير على أحد الأمرين السابقين ... ، أو عليهما معا. 266 حكم مطابقة الضمير العائد على: "كم - كلا – كلتا – من – ما – كل – بعض – أي ... " 268 تفاوت المرجع في القوة. 271 اختلاف نوع الضمير مع مرجعه.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 20 272 حكم اتصال الضمير بعامله. 273 تقديم الضمير الأخص. جواز مجيئه متصلا أو منفصلا. 276 حالات واجبة الانفصال. المسألة 21 280 نون الوقاية، وأحكامها، وفائدتها. وقوعها في غير آخر فعل. 282 الكلام على: "قدني، قطني، حسبي". ملخص ما تقدم. 284 الحكم عند اجتماعها مع نون الأفعال الخمسة، أمثلة مسموعة وقعت فيها آخر المشتق. 285 حكمها مع نون النسوة. باب العلم. المسألة 22 286 علم الشخص، وعلم الجنس، 287 العلم الذهني. 288 عودة إلى اسم الجنس، والنكرة، وعلم الجنس، وعلم الشخص، وأحكامه المسألة 23 292 أقسام العلم 293 علم الشخص وأحكامه. 294 تنكير العلم، وسببه، إضافة العلم. 295 معنى: "إيضاح المعرفة وتخصيصها" عند إضافتها، وكذا النكرة. 296 علم الجنس وأحكامه، واستعمالاته. 299 استعمالات أخرى لعلم الجنس. 300 أقسام العلم باعتبار لفظه إلى: مفرد، ومركب- أقسام المركب "إضافي- إسنادي- مزجي" وتعريف كل وملحقاته. الكنية مركب إضافي- إسنادي - مزجي" وتعريف كل وملحقاته". الكنية مركب إضافي ولكن معناه إفرادي302 أقسامه باعتبار الأصالة إلى: "مرتجل" ومنقول". 303 حكم المرتجل إذا انتقل لنوع آخر. وضع العلم المرتجل ليس مقصورا على العرب. 304 الفرق بين النقل من جملة فعلية والنقل من فعل فقط. 305 العلم اسم "جامد" ولو كان منقولا من مشتق. صغية العلم لا تزيد ولا تنقص. 306 قد تتحول همزة الوصل إلى القطع.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 307 انقسامه إلى: اسم، وكنية، ولقب، الفوارق بينها في الدلالة والمعنى. 308 عودة إلى أن الكنية مركب إضافي ولكن معناه إفرادي، أثر ذلك. الأحكام الخاصة بالأقسام السالفة. أولها: الأحكام الخاصة بإعراب المفرد والمركب. 310 معنى حكاية الأعلام، الملحق بالمركب الإسنادي. المركب الوصفي. 312 طريقة تثنية أنواع المركب وجمعها. 313 إعراب المركبات العددية، "ومنها اثنا عشر، واثنتا عشرة" والظرفية، والحالية، وهي من أنواع المركب المزجي. 314 إشارة إلى الإعراب المحلي. "انظر ص 84، 198". 316 الترتيب بين قسمين أو أكثر - من أقسام العلم. 319 الترتيب والإعراب عند اجتماع الأقسام الثلاثة. 320 بقية الأحكام المعنوية واللفظية باب اسم الإشارة المسألة 24 321 معنى اسم الإشارة. أقسامه بحسب الإفراد والقرب وفروعهما. 322 الإفراد الحقيقي والحكمي. الإشباع. 324 معنى المد والقصر عند النحاة، وغيرهم. 324 الكلام على "لام البعد". "وكاف الخطاب" وبيان حكمها، و "ها، التنبيه" 326 ضبط لام البعد. 327 سبب تسميتها. 331 جدول لكل ما سبق من أسماء الإشارة. المسألة 25 333 كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها. 336 إشارة إلى إعراب "كاف الخطاب" فيها. 337 الفصل بين "ها التنبيه" واسم الإشارة. مواضع "ها". 338 "هنا" قد تكون اسم إشارة للزمان. اسم الإشارة مبهم. وكذا اسم الموصول: معنى الإبهام هنا. 339 إعراب الاسم الذي بعد اسم الإشارة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. باب الموصول رقم الصفحة الموضوع المسألة 26 340 تقسيم الموصول، وتعريفه. الأسماء المبهمة، ومعنى الإبهام في الموصول، وغيره. عودة إلى الفرق بين المضمر والمبهم، وإلى إعراب الاسم الذي بعد اسم الإشارة. 341 سبب التسمية بالموصول. 342 ألفاظ الموصول الاسمى الخاصة والعامة. 345 المراد من المقصور والممدود عند النحاة، وغيرهم. 346 معنى الجمع اللغوي. 347 "أل" الداخلة على أسماء الموصول زائدة لوصف المعارف بالجمل. ألفاظ القسم العام "المشترك". 348 استعمالات: "من" الموصولة 351 استعمالات "ما" الموصولة. 352 ما يصلحان له. ومنه النكرة التامة. 353 ما تنفرد به "ما" اللفظ الزائد "اسما كان، أو فعلا، أو حرفا". يسمى أيضا: صلة 356 استعمال "أل" صلتها 357 نوع جديد من شبه الجملة - إعراب "أل" الموصولة. ذو 358 ذا. 360 إلغاء "ذا" وعدم إلغائها أثر كل من الأمرين. 363 أي: أحوال إعرابها وبنائها. 365 باقي أنواعها. 368 متى تكون بمعنى: "كل" أو "بعض" 369 جدول يشتمل على الموصولات الخاصة ثم العامة. 371 كيفية إعراب أسماء الموصول. المسألة 27 373 صلة الموصول والرابط تعريفها شروطها للصلة معان اصطلاحية. أنواعها 374 الجملة الخيرية، والجملة الإنشائية. أنواعهما. متى يبقى للجملة اسمها، ومتى يزول؟ 377 الاستغناء باسم ظاهر عن الضمير العائد "الرابط". قد تخلو الصلة من الرابط. 378 شروط أخرى للصلة. حكم تقديم بعض أجزاء الصلة. 379 الفصل بين الموصول وصلته. 380 الرابط، ومطابقته، وعدم مطابقته، وخاصة في التكلم، والخطاب، والغيبة. 383 جزم المضارع بعد جملة الصلة. الظرف من جهة حذف المتعلق وذكره 384 النوع الثاني: شبة الجملة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 385 شبه الجملة المستقر واللغو. المشتق وأنواعه. 387 وقوع الصفة الصريحة صلة. متى تكون في قوة الجملة؟ 388 إدغام "أل" في تاء المضارع الداخلة عليه. 390 تعدد الموصول دون الصلة، أو مع تعددها، حذف الصلة. 392 حذف الموصول. 393 خبر المبتدأ الموصول قد يقترن بالفاء، وكذلك المبتدأ الذي له اتصال بالموصول. المسألة 28 394 حكم حذف الرابط "العائد". حذف الرابط "العائد" المرفوع. معنى الإفراد في الصلة، وفي الخبر، وفي غيرهما. 396 حذف الرابط "العائد" المنصوب 398 حذف العائد المجرور. 401 قد يستغنى الموصول عن العائد. 401 الكلام على: "ولا سيما". 404 النكرة التامة - أيضا. المسألة 29 407 "ب" الموصولات الحرفية بيانها، الفرق بينها وبين الاسمية. 408 الكلام على كل واحد منها. أن: 409 هل تكون صلتها طلبية؟ إشارة إلى "أن" المفسرة والزائدة 410 أن - كي. 411 ما 313 لو. 414 من حروف السبك همزة التسوية. كيف يصاغ المصدر المؤول؟ 417 لماذا نلجأ له؟ الفرق بينه وبين الصريح. 419 نوع الزمن في المصدر المؤول. باب المعرفة بأل المسألة 30 421 أنواعها، إشارة أخرى إلى تحول همزة الوصل للقطع. 422 النكرات المتوغلة في الإبهام. إعراب ومعنى كلمتي: "فقط" و "حسب". 423 "أل" المعرفة والتي للعهد، وأنواع العهد. "أل" التي للتعريف غير الموصولة التي سبق الكلام عليها وعلى إعرابها "في ص 356 و357".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 31 429 "أل" الزائدة بنوعيها إعراب كلمة: "الأول" فالأول" والآن. 431 "أل" التي للمح الأصل المسألة 32 433 العلم بالغلبة، تعريفة، 435 أحكامه: درجته في التعريف تلغي الدرجة التي سبقتها. 438 تعريف العدد "بأل". 440 الاسم النكرة المضاف إلى معرفة. 440 المنادي النكرة المقصودة. باب المبتدأ والخبر، وما يتصل بهما المسألة 33 441 تعريفها. معنى العامل، أنواعه. إشارة عابرة إلى حكم مجيء الحال من المبتدأ. 442 تقسيم المبتدأ، المراد "بالوصف". 442 الفعل - كالجملة - كلاهما في حكم النكرة. 443 تمييز المبتدأ من الخبر، وطريقة ذلك. الخبر يتم الفائدة بنفسه، أو مع مساعده. 444 مبتدأ خبره الجملة الشرطية. إشارة إلى أنواع من المبتدأ لا يكون خبرها إلا جملة. المبتدأ الناسخ قد يستغنى عن الخبر. 445 أوجه التشابه بين الفعل والوصف. 446 الجملة وتقسيمها. 447 رافع المبتدأ والخبر 448 دخول العوامل الزائدة "دون الأصلية" على المبتدأ. إعراب "بحسبك كذا". - كافيك - ناهيك. دخول الباء الزائدة في مثل: كيف بك - إذا بالرجل.... 449 أشياء تجري مجرى الوصف. أنواع النفي - مرفوع يغني عن المنصوب. 450 أساليب سماعية تجري مجرى الوصف. 451 أين الخبر في مثل: فلان وإن كثر ماله لكنه بخيل؟. 452 الكلام المولد. المسألة 34 453 تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه. أنواع من المطابقة. 454 صور للتطابق وعدمه. 455 مناقشة التقسيم القديم. 457 صور أخرى من التطابق، وأحكامها. ومنها مراعاة معطوف محذوف. 460 متى يراعى البدل؟
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 35 أقسام الخبر. 461 الكلام على الخبر المفرد. 462 الخبر المفرد وتحمله الضمير. نوع ذلك الضمير. مشتقات تتحمل الضمير، وأخرى لا تتحمل وجوب إبرازه أحيانا. 463 جريان الخبر على من هو له وعلى غيره أحيانا. 465 مسائل أخرى يجب فيها إبراز الضمير. 466 الخبر الجملة، شروطها- متى تفقد الجملة اسمها. الحرف لا يخرج الكلمة عن الصدارة. معنى: "الجملة في محل كذا" أو: "نائبة عن الفرد". 467 أنواع الروابط. رأي في إعراب "إن هذان لساحران" 471 وقوع الجملة الإنشائية خبرا. 471 إعراب الجملة الواقعة خبرا وحكايتها 473 وكذا المبتدأ الجملة. مبتدأ لا يكون خبره إلا جملة، أو شبهها. 474 إعراب: "طوبى". 475 الخبر شبه الجملة، وغيره. 478 شبه الجملة التام وغير التام. 479 نوع الظرف الذي يقع خبرا. معنى إفادة الظرف. الغرض من الكلام الإفادة 480 وقوع المعنى خبرا عن الجثة. 481 عودة للكلام على: "طوبي" ونوع خبرها. تعلق الظرف بالإسناع وقوع ظرف الزمان خبرا عن الجثة. 482 كيف يضبط ويعرب الظرف. 485 المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة الفعل في حكم النكرة- مسوغات الابتداء بالنكرة. 487 معنى الخبر المختص 489 تتمة المسوغات. مالا فائدة منه لا خير في ذكره. 490 إشارة إلى لام الابتداء. وأرقام الصفحات المشتملة على أحكامها "أنظر م 53 ص 659". المسألة 37 492 تأخير الخبر جوازا وجوبا وهي أيضا تقديم حالة المبتدأ" حالة الوجوب - كملة عن التساوي والتقارب في درجة التعريف والتنكير. 493 عودة إلى المبتدأ، وأنه محكوم عليه، والخبر محكوم به. معنى القرينة. تقسيمها. 495 معنى القصر "الحصر" أركانه الثلاثة 497 مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر. الرأي في مطابقة الخبر للمبتدأ المضاف والمضاف إليه معا. 499 تقديم أحدهما عند تساويهما أو تقاربهما في درجة التعريف والتنكير، والجدل حول ذلك. المعول عليه في تقديم المبتدأ والخبر المسألة 38 501 تقديم الخبر وجوبا "وهي الحالة - الثالثة له".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 504 مواضع أخرى يجب فيها تقديمه. الأمثال لا تتغير. المسألة 339 507 حذف المبتدأ والخبر. قاعدة عامة في كل ما يحذف. إشارة إخرى. 508 الكلام على: "إذا" الفجائية 509 الكلام على: "كيف". معناها، وإعرابها. 510 حذف المبتدأ وجوبا. قد يراد بالظرف الجامع مجروره الكلام على النعت المقطوع، والغرض منه وإعرابه، وسبب القطع. 515 مواضع أخرى يجب فيها حذف المبتدأ تلخيص موجز لما سبق في معنى: "لاسيما"، وإعرابها. إعراب: سقيا ورعيا" وأساليب أخرى. ألفاظ أخرى مسموعة وغير مسموعة 519 حذف الخبر وجوبا. 524 إعراب: "حسب". وبعض أساليب في الحذف. عودة إلى المبتدأ الذي يليه أداة شرط. المسألة 40 528 تعدد الخبر، وأنواعه، وحكم كل نوع 533 تعدد المبتدأ. الخبر الذي يصله نعتا للخبر الأول. والذي لا يصلح. الخبر في التعريفات العلمية. تعدد المبتدأ وما فيه من عيب. المسألة 41 535 مواضع اقتران الخبر بالفاء- فائدتها نواسخ الابتداء المسألة 42 543 معنى الناسخ، ونوعه، ومعنى اسمه وخبره 544 أشياء لا يدخل عليها. 544 الكلام على "طوبى" أيضا، نوع الزمن في خبر الناسخ. 546 شروط عمل "كان" وأخواتها. نوع الزمن في خبر "كان" الماضية وأخواتها إذا كان الخبر جملة مضارعية 547 حكم دخول: "قد" إذا كان جملة فعلية 550 إشارة إلى زيادة "الواو" في خبر الناسخ. 551 إشارة إلى زيادة "الواو" في خبر الناسخ. 551 معنى: كائنا ما كان"، أو: "من كان" وإعرابها، وقولهم: "كان مما يفعل كذا". 554 ظل - أصبح- 555 أضحى. أمسي - بات -
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موصوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 556 صار. 557 أفعال بمعنى: "صار". إعراب قولهم: "ما جاءت حاجتك". 559 "ليس". حكم دخولها على الماضي. حكم دخول الفعل على الفعل الذي من نوعه 561 عودة إلى زيادة الواو في خبر الناسخ. إشارة إلى حكم المعطوف المشتق بعد خبرها. 562 زال- نفي النفي إثبات، وكذلك نفي النهي والدعاء. إشارة إلى المبتدأ الناسخ الذي لا يحتاج إلى خبر. 563 شروط إعمالها وإعمال المشتقات. متى يحذف حرف النفي قبل الناسخ؟ 564 فتيء - برح- 565 انفك - دام. "ما" المصدرية الظرفية، وغير الظرفية. 567 مجمل تقسيم الأفعال الناسخة. 568 مدخول "قد" لا يتقدم عليها. عودة إلى المبتدأ الناسخ الذي يستغني باسمه على خبر المبتدأ. المسألة 43 569 الترتيب هذا الباب بين الناسخ ومعموليه. حكم أخبار النواسخ هنا من ناحية التقديم والتأخير. 570 "أن" المصدرية لا يتقدم عليها شيء من مدخولها - لا يجوز الفصل بينهما وبين فعلها. 571 كل ماله الصدارة كالاستفهام وغيره لا يتقدم عليه شيء من مدخوله. 572 ملخص الأحوال السابقة. 573 بعض صور ممنوعة. "ما" النافية لا يتقدم عليها شيء من مدخولها، وكذلك، "إن" النافية. 574 الفرق بين "أن" و "ما" المصدرتين من جهة العمل. كذلك "ما" المصدرية الظرفية. 576 حكم تقدم معمول الخير وتوسطه. لا يقع بعد العامل معمول لغيره. المسألة 44 579 زيادة "كان" وبعض أخواتها. 580 قد يكون فعل التعجب مجردا من الزمن 581 متى يصح الحكم بزيادة الكلمة. المسألة 45. 582 حذف "كان"، وحذف معموليها. هل يقع ذلك في غيرها. المسألة 46. 588 حذف النون من مضارع: "كان". 589 متى تحذف الألف والواو من "كان" ويكون؟ متى تضم كاف الماضي، مثل: كن المسألة 47. 590 نفي الأخبار في هذا الباب. 591 زيادة باء الجر في أحد المعمولين "الخبر، أو: الاسم".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب الحروف التي تشبه "ليس" في المعنى والعمل: ما لا - لات - إن رقم الصفحة الموضوع المسألة 48 593 "ما". 594 شروط إعمالها. 597 حكم المعطوف على خبرها. 601 "لا" العاملة عمل "ليس". 602 الفرق بينها وبين "لا" النافية للجنس. 604 "إن" العاملة عمل "ليس" "لات". 606 قد تهمل "لات". 606 حكم العطف على خبرها. وقوع "هسنا بعدها. المسألة 49 607 زيادة "باء الجر" في خبر هذه الأحرف 609 كلمة في: "العطف على التوهم". 610 إشارة إلى الجز بالمجاورة. 611 عطف المشتق بعد خبر "ما" و "ليس". باب أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء. المسألة 50 614 أفعال المقاربة، معناها. نوع الزمن فيها وفي أخبارها. 615 عملها. وقوع المعنى خبرا عن الجثة. 618 "كاد" كغيرها في النفي. 620 أفعال الشروع، معناها، عملها. 621 أفعال الرجاء، معناها، 622 عملها. 623 حكممها. بعض أفعال هذا الباب يستعمل تاما وناقصا. 627 بعض شروط في أفعال الرجاء. ضبط "السين" في "عسى" عند الإسناد للتاء التي هي ضمير. 628 إعراب: "عساني - عساك". عدم الفصل بأجنبي بين ما دخلت عليه "أن" التي في خبر: "عسى" وغيره. 629 الكلام على: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". استعمال: "حسري" بالتنوين.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. باب الحروف الناسخة: "إن وأخواتها". رقم الصفحة الموضوع المسألة 51 630 إشارة إلى أشياء لا يدخل عليها الناسخ. 631 أوجه الاختلاف بينها وبين "كان" وأخواتها معاني هذه الأحرف. متى نستخدمها؟ دخول هذه الأحرف على "أن". 632 إعراب قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي. 633 الكلام م على بعض أساليب مسموعة: "كأنك بالفرج آت". 635 ما تختص به: "ليت". 636 شروط إعمال هذه الأحرف تصدير خبر: "لعل" "بأن" المصدرية. معنى "لعل" و "عسى في كلام الله تعالى. "ما" الكافية. فصل. "ما" ووصلها. معنى قولهم: "كافة ومكفوفة". 638 متى يتقدم الخبر، ومتى يمتنع تقدمه؟ 640 متى يتقدم معموله؟ 641 حذف الحرف الناسخ والمعمولين. تعدد أخبار هذه الأحرف. نصب المعمولين عند بعض العرب. المسألة 52 642 فتح همزة "إن" وكسرها الحالة الأولى: وجوب الفتح 644 نوع العامل في "أن" المفتوحة الهمزة مع معموليها. مواضع "أن" المخففة، والمصدرية الناصبة للمضارع، والصالحة للاثنين مواضع المصدر المؤول من "أن" ومعموليها، ومواضع المخففة. 647 الكلام على: "أحقا كذا"؟ 648 قد يسد المصدر المؤول مسد المفعولين، وغيرهما. 649 الحالة الثانية: كسر همزة "إن" وجوبا. 652 مواضع أخرى للكسر. 653 الحالة الثالثة: جواز الفتح والكسر. إعراب "إذا" الفجائية. 654 جواب القسم قد يكون شبه جملة. معنى فاء الجزء - مواضعها. جملة جواب القسم قد تغني عن الخبر. 657 مواضع أخرى لجواز الأمرين. معنى: "لا جرم" وإعرابها. المسألة 53 659 لام الابتداء، سبب التسمية، فائدتها، مواضعها، اللام المزحلقة. أنواع من اللام. 661 نوع من الفرق بين لام الابتداء ولام القسم 662 حكم الجمع بين اللام، والسين، وسوف".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 54 665 حكم المعطوف بعد خبر "إن" وحكمه إذا توسط بين معموليها 666 مناقشة رأي الاقدمين في ذلك. المسألة 55 673 تخفيف "النون" في هذه الأحرف الناسخة. تخفيف "إن". 676 بعض أمثال مسموعة في "إن" المخففة من الثقيلة. إعراب بعض آيات قرآنية تشتمل على المخففة، كقوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} 678 تخفيف "أن" مفتوحة الهمزة عودة إلى تعيين نوع "أن". 680 متى تظهر نون "أن" كتابة.... 683 تخفيف: "كأن". 684 تخفيف: لكن، ولعل. باب: "لا" النافية للجنس المسألة 56 685 معناها، معنى التي لنفي الوحدة. اتفاق معناهما في غير المفرد. صدارتها. 686 عمل النافية للجنس، وتسمى: "لا" التي للتبرئة - شروطه 689 العامل قد يتخطى الكلمة، ولا يعمل فيها مع أنها أصلية. عودة إلى "الواو" الداخلة في خبر الناسخ. 690 الحرف: "لا" - يتصدر جملته، لأن الذي في حيز النفي لا يتقدم على النافي. 691 حكم اسمها إذا لم تتكرر. تعريف الشبيه بالمضاف. 692 عودة إلى الكلام على: "لا أباله". 693 أمثلة سماعية أخرى، منها: لا غلامي لك. 695 حكم أمثلة مسموعة ليست نكرة. يصح بناء "اسم لا" على الضمة العارضة. المسألة 57. 697 اسم "لا" المتكررة مع العطف 701 حكم المعطوف على اسم لا" بغير تكرارها. المسألة 58 703 حكم نعت اسم "لا". 704 قد تكون "الفاء" زائدة لتحسين اللفظ 705 حكم بقية التوابع بعد اسم "لا".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 59 706 بعض أحكام أخرى. دخول همزة الاستفهام على: "لا". 707 حكم "ألا" التي للتمني في مثل "ألا ماء ماء باردا". النعت الموطيء، أو: النعت بالجامد أحيانا. 708 "ألا" التي للأستفتاح والتنبيه. حذف خبر "لا". 709 حذف اسمها إشارة إلى: "ولا سيما" 710 عودة إلى الكلام على: "لا جرم" متى تتكرر: "لا". حكم "لا" عند وقوع "إلا" بعدها.
المجلد الثاني
المجلد الثاني ظن وأخواتها المسألة 60: ظن وأخواتها ... ظن وأخواتها: المسألة 60: ظن وأخواتها 1 أمثلة: الكلام عنوان على صاحبه ... علمت الكلام عنوانًا على صاحبه المجاملة حارسة للصداقة ... ظننت المجاملة حارسة للصداقة الوفاء دليل على النبل ... اعتقدت الوفاء دليلًا على النبل الماء الجامد ثلج ... صبر البرد الماء ثلجًا الجلد أسود ... ردت2 الثمن المجلد أسود الخشب مشتعل ... تركت النار الخشب رمادًا من النواسخ ما يدخل -في الغالب3- على المبتدأ والخبر فينصبهما معًا، ويُغير اسمهما؛ إذا يصير اسم كل منهما: "مفعولًا به"4 للناسخ. "مثل: علم، ظن - أعتقد - صبر ... ، وغيرها من الكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة". وهذا هو: "القسم الثالث" من النواسخ، ويشتهر باسم:
"ظن وأخواتها" وليس يه حروف؛ فكله أفعال، أو أسماء تعمل عملها. وتنحصر هذه الأسماء في مصادر تلك الأفعال، وفي بعض المشتقات العاملة عملها. فالفعل الماضي المتصرف1 هنا، لا ينفرد وحده بالعمل السالف؛ وإنما يشابهه فيه ما قد يكون له من مضارع، وأمر، ومصدر، واسم فاعل، واسم مفعول، دون بقية المشتقات2 الأخرى. أما غير المتصرف فعمله مقصور على صبغته الخاصة به، إذا ليس لها فروع، ولا صيغ أخرى تتصل بها. وقد ارتضى بعض النحاة تقسيم الأفعال العاملة هنا قسمين؛ مراعيًا الأغلب في استعمالها3؛ هما: "أفعال قلوب"4 و "أفعال تحويل"5. ولا بد لكل
فعل من القسمين من فاعل1, ولا يغني عنه وجود المفعولين أو أحدهما: أ- فأما أفعال القلوب2 فمنها ما قد يكون معناه العلم. "أي: الدلالة على اليقين3 والقطع"، ومنها ما قد يكون معناه الرجحان4 والنوعان صالحان للدخول - مباشرة - على المبتدأ الصريح، وعلى المصدر المؤول من "أن مع معموليها"، أو: "أن والفعل مع مرفوعة"5. ويشتهر من الأفعال الأول6 سبعة: 1- علم7؛ مثل: علمت البر سبيل المحبة، وعملت المحبة سبيل القوة. 2- رأى8؛ مثل: رأيت الأمل داعي العمل، ورأيت اليأس رائد الإخفاق، وقول الشاعر:
رأيت لسان المرء وافد1 عقله ... وعنوانه؛ فأنظر بماذا تعنون؟ 2 3- وجد؛ مثل: وجدت ضعاف الأمم تهبًا لأقوياتها، ووجدت العلم أعظم أسباب القوة3. 4- دري؛ مثل: دريت المجد قريبًا من الدائب في طلبه، ودريت لذة إدراكه ماحية تعب السعي إليه. 5- ألفي4, مثل: ألفيت الشدائد صاقلة للنفوس، وألفيت إحتمالتها سهلًا على كبار العزائم. 6- جعل؛ مثل: جعلت5 الإله واحدَا، لا شك فيه. 7- تعلم6, مثل: "اعلم": مثل: تعلم وطنك شركة بين أبنائه، وتعلم نجاح الشركة رهنًا بالإخلاص والعمل.
ويشتهر من الأفعال الثانية1 ثمانية، هي: 1- ظن؛ مثل: ظن الطيار النهر قناة، وطن البيوت الكبيرة أكواخًا. 2- خال2, مثل: خال المسافر الطيارة أنفع له، وهو يحال الركوب فيها متعة. 3- حسب؛ مثل: أحسب السهر الطويل إرهاقًا، وأحسب الإرهاق سبيل المرض، وقول الشاعر: لا تحسبن الموت موت المبلي ... وإنما الموت سؤال الرجال3 4- زعم4؛ مثل: زعمت الملاينة مرغوبة في مواطن، وزعمت التشدد مرغوبًا في أخرى.
(5) عَدَّ؛ مثل: عدَّدت الصديق أخاً. وقول الشاعر: فلا تَعْدُد المولَى (1) شريكَك في الغنى ... ولكنما المولَى شريكُكَ في العُدمِ (2) (6) حَجَا (3) ؛ مثل: حَجَا السائحُ المِئذنة بُرْجَ مراقبة. وقول الشاعر: قد كنت أحْجُو أبا عمْروٍ أخاً ثقةً ... حتى ألَمَّتْ بنا يوماًَ مُلِمَّاتُ (7) جَعَلَ؛ مثل: جعل الصياد السمكةَ الكبيرةَ حوتاً. وقوله تعالى في المشركين: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} ... (4) [الزخرف: 19] (8) هَبْ؛ ": هبْ مالَك سلاحاً في يدك؛ فلا تعتمد عليه وحده (5) ... وهذا الفعل دون بقية أفعال الرجحان السّالفة -جامد، ملازم صيغة الأمر (6) *** (ب) وأما أفعال التحويل (أو: التَّصيير) فأشهرها سبعة، ولا تدخل على مصدر مؤول من "أنَّ" مع معموليها، أو: من "أنْ" الفعل مع مرفوعه (7) - وهي: (1) صَيَّر؛ مثل: صَيَّر (8) الصائغُ الذهب سبيكةً، وصَيَّر السبيكةَ سوَاراً.
(2) جَعَلَ؛ مثل: جعل الغازلُ القطنَ خيوطاً، وجعل الحائك الخيوط نسيجاً (1) ... وقول الشاعر: اجعلْ شعارك رحمةً ومودةً ... إن القلوب مع المودة تُكْسَبُ (3) اتَّخذَ؛ مثل: اتخذ المهندسون الحديدَ والخشبَ باخرةً، واتخذ المسافرون الباخرةَ فُنْدُقاً. (4) تَخٍِذَ؛ مثل: تَخِذَت الحرارةُ الثلجَ ماءً، وتَخِذَت الماءَ بخاراً. (5) تَرَك؛ مثل: ترك الموجُ الصخورَ حصىً، وتركت الشمس الحصَى رمالا. (6) رَدَّ؛ مثل: ردّ الأمل الوجوهَ الشاحبةَ مُشْرقةً، وردّ النفوس اليائسة مستبشرةً. (7) وَهَبَ؛ مثل: وهَبَت الحَبَّ دقيقاً، ووهبت الدقيقَ عجيناً (2) . *** وفيما يلي بيان موجزَ للأفعال السابقة (3) ، وأنواعها المختلفة:
ظن وأخواتها أ- أفعال قلْبية - أفعال يقين، وأشهرها سبعة: (1) علِمَ 1 (2) رأى (3) وجَد (4) دَرَى (5) ألفَى (6) جَعَل (7) تعلَّم، بمعنى: اعلم - أفعال رجحان، وأشهرها ثمانية: (1) ظنّ (2) خال (3) حسِبَ (4) زعم (5) عَدَّ (6) حَجَا (7) جعل (8) هبْ ب- أفعال تحويل أشهرها سبعة: (1) صَيَّر (2) جَعَل (3) اتخذَ (4) تَخِذَ (5) تركَ (6) ردّ (7) وهبَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (1) ليس من اللازم -كما أشرنا (1) - أن يكون المفعولان أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة، بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك ولو بشيء من التأويل المقبول، كالشأن في أفعال التحويل، وكالشأن في: "حسب"؛ مثل: صيرُ الفضة خاتَماً؛ إذ لا يصح المعنى بقولنا: الفضةُ خَاتَمٌ؛ لأن الخبر هنا لس هو المبتدأ في المعنى الحقيقي؛ فليست الفضة هي الخاتم، وليس الخاتم هو الفضة؛ إلا على تقدير هذه الفضة ستئُول (2) إلى خاتم. ومثل: حسبت المِرِّيخَ الزُّهَرَة؛ إذ لا يقال على سبيل الحقيقة المحضة: المِرِّيخُ الزُّهَرة؛ لفساد المعنى كذلك؛ فليس أحدهما هو الآخَر، إلا على ضرب من التشبيه. أو نحو من التأويل السائغ، المناسب للتعبير. فالأول (أي: التشبيه) قد جعل المفعول الثاني بمنزلة ما أصله الخبر. وإن لم يكن خبراً حقيقياً في أصله. هذا كلامهم. والواقع أنه لا داعي لهذا التمحل، والتماس التأويل؛ إذ يكفي أن يكون فصحاء العرب قد أدخلوا النواسخ على ما أصله المبتدأ والخبر حقيقة، وعلى ما ليس أصله الحقيقي المبتدأ والخبر، مما يستقيم معه المعنى المراد بغير غموض. (ب) ليس من اللازم أن تدخل أفعال هذا الباب القلبية على المبتدأ والخبر لتنصب كلاًّ منهما مباشرة (3) فقد تدخل على "أنّ" مع معموليها، أو: على "أنْ" مع الفعل؛ فيكون المصدر سادّاً مسد المفعولين (4) ، مغنياً عنهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل: علمت أن السباحة أسْلمُ من الملاكمة، وأظن أن العاقل يختار الأسلم وقول الشاعر: يرى الجبناء أن الجبن حزمٌ ... وتلك خديعة الطبع اللئيم ومثل: دَرَيت أن الكِبْرُ بغيض إلى النفوس الكبيرة، ووجدت أن صغائر الأمور محببة إلى النفوس الصغيرة. ومثل: من زعم أن يَخْدعَ الناسَ فهو المخدوع ومن حسب أن يدرك غايته بالتمني فهو مخبول (1) . أما أفعال التحويل فلا تدخل على "أنّ" ومعمليها، ولا على "أنْ" والفعل مع فاعله (2) ... (ج) جرى بعض النحاة على تقسيم الأفعال القلبية السابقة أربعة أقسام، بدلاً من اثنين: فلليقين وحده خمسة: وجد - تَعلمْ، بمعنى: اعلم - دَرى - ألْفَى - جعل. وللرجحان وحده خمسة: جعل - حجا - عدّ - زعم - هبْ، بمعنى: ظُنّ. وللأمرين والغالب اليقين، اثنان: رأى - علِم. وللأمرين والغالب الرجحان، ثلاثة: ظنّ - خال - حَسِب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن التقسيم الثنائي أنسب، لأنه أدمج القسم الثالث فى الأول، والرابع في الثاني؛ نظراً للغلب عليهما، وتقليلاً للأقسام (1) ، واكتفاء بالإشارة إلى أن كل فعل يستعمل في معنىً آخر غير ما ذكر له، مع ضرب أمثلة لذلك: 1- فمن أفعال اليقين وألفاظه ما يستعمل في الرجحان؛ فينصب مفعولين أيضاً، وقد يستعمل في بعض المعاني الأخرى، فينصب مفعولاً به واحداً، أو لا ينصب؛ فيكون لازماً. كل ذلك على حسب معناه اللغوي الذي تدل عليه المراجع اللغويَّة الخاصة، وليس هنا موضع استقصاء تلك المعاني؛ وإنما نسوق بعضها: فمن الأمثلة: الفعل "عَلِمَ"؛ فإنه ينصب المفعولين حين يكون بمعنى: اعتقد وتيقن -كما سبق-؛ مثل: علمت الكواكبَ متحركةً. وقد يكتفي بمفعول به واحد في هذه الحالة؛ بأن نأتي بمصدر المفعول الثاني، وننصبه مفعولاً به، ونكتفي به، بعد أن نجعله مضافاً أيضاً، ونجعل المفعول الأول هو المضاف إليه. فنقول: علمت تَحَرّكَ الكواكب، فيستغني عن المفعول الثاني وعن تقديره. ومن النحاة من لا يقصر هذا الحكم على "عَلِمَ"؛ بل يجعله عامًّا في جميع أفعال هذا الباب؛ فيحيز إضافة مصدر المفعول الثاني إلى المفعول الأول، والاكتفاء بهذا المصدر مفعولاً به واحداً (2) . وقد يكون بمعنى: "ظن" فينصب مفعولين أيضاً؛ مثل أعْلَمُ الجوَّ بارداً في الغد. فإن كان بمعنى: "عرف" نصب مفعولاً به واحداً (3) ؛ مثل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت الخبر، أي عرفته (1) . وإن كان بمعنى: "انشَقّ" فهو لازم لا ينصب المفعول المفعول به؛ مثل عَلِم البعيرُ (2) ، أي: انشقت شفته العليا ... والفعل: "رأى" ينصب المفعولين إذا كان بمعنى: اعتقدَ وتيقَّن، أو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى: "ظَنّ". وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى عن منكري البعث ويوم القيامة: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (1) [المعارج: 6، 7] فالفعل الأول بمعنى: "الظن" والثاني بمعنى: اليقين (2) . وكلاهما نصب مفعولين. وكذلك إن كان معناه مأخوذاً من: "الحُلمُ" (أي: دالاًّ على الرؤيا المنامية) ، نحو: كنت نائماً؛ فرأيت الصديق مسرعاً إلى القطار (3) . فإن كان معناه الفهم وإبداء الرأي في أمر عقليّ فقد ينصب مفعولاً به واحداً، أو مفعولين، على حسب مقتضيات المعنى؛ مثل: يختلف الأطباء في أمر القهوة؛ فواحد يراها ضارَّةً، وآخر يراها مفيدةً إذا خلت من الإفراط. أو: واحد يرى ضررها، وآخرُ يرى إفادتها. فإذا نظرت رأيت قوماً سادة ... وشجاعة، ومهابة، وكمالا وقول الآخر: إنّ العرانين تلقاها محسَّدة ... ولن ترى للئام الناس حسَّادا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ْوكذلك أن كان معناه أصاب: الرئة؛ مثل انطلق السهم فرأى الغزَالَ؛ أي: أصاب رئتهُ. وقد أشرنا قريباً (1) إلى أن الأساليب العالية يتردد فيها الماضي: "رأى" -دون المضارع، والأمر، والمشتقات الأخرى- مسبوقاً بأداة استفهام. ومعناه: "أخْبِرني"؛ نحو: أرأيتَكَ هذا القمر، أمسكون هو؟ وينصب مفعولاً به، أو مفعولين، على حسب المراد من الأسلوب، وأوضحنا الأمر بإسهاب فيما سبق (2) كذلك يتردد في تلك الأساليب وقوع المضارع: "أُرَى" مبنيّاً للمجهول -غالباً- على حسب السماع، وناصباً للمفعولين (3) ؛ لأن معناه: "أظنُّ"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدال على الرجحان؛ نحو: كنت أُرى الرحلة مُتْعبة، فإذا هي سارّة. ولا يكون معناه في الفصيح الوارد: "أعْلَمُ"؛ الدّال على اليقين، بالرغم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من أنّ الماضي: "أُريتُ" المبني للمجهول والمسند للضمير: "التاء" -لا يستعمل في الأكثر إلا بمعنى: "أُعْلِمْتُ" المفيد لليقين؛ مثل: أُرِيتُ الخير في مقاومة الباطل. وكذلك يتردد في بعض الأساليب المسموعة وقوع المضارع: "تَرَى" قد حذف آخره، وقبله الحرف: "لا"، أو: "لو"، وبعده "ما" الموصولة في الحالتين. ومعناه فيهما: "لا سيَّما"، مثل: كرّمت الضيوف، لا تر ما عليّ -أو: كرّمت الضيوف لو ترما عليّ. والمعنى ولا سيّما عليّ (1) ... والفعل: "وجَد" قد يكون بمعنى: "لقِيَ، وصادف"، فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: وجدت القلم. وقد يكون بمعنى "استغنَى"، فلا يحتاج لمفعول؛ نحو: وَجَد الأبيُّ بعمله. والفعل: "دَرَى" قد ينصب المفعولين كما سبق، والأكثر استعماله لازماً مع تعديته إلى مفعوله بحرف الجر: "الباء"؛ نحو: "دَرَيتُ بالخبر السارّ. فإن سبقته همزة التعدية نصب بنفسه مفعولاً آخر مع المجرور؛ نحو: قد أدريتك بالحبر السارّ (2) . وكذلك يتعدى لواحد إن كان بمعنى: "ختلَ" (أي: خدَع) نحو: دَرَيت الصيد؛ بمعنى: ختلتهُ وخدعتهُ. والفعل: "تعلَّمْ" ينصب المفعولين حين يكون جامداً بمعنى: "اعْلَمْ". فإن كان مشتقًّا بمعنى: "تَعَلَّمْ" نصب مفعولاً به واحداً؛ مثل: تَعَلَّمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنون الآداب (1) . والفعل: "ألفَى" قد يكون بمعنى: "وَجَدَ" و"لَقِيَ" فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: غاب عصفوري، ثم ألفيتُهُ. 2- ومن أفعال الرجحان ما قد يستعمل في اليقين؛ فينصب المفعولين أيضاً. وقد يستعمل في بعض المعاني اللغوية الأخرى؛ فينصب بنفسه مفعولاً واحداً؛ أوْ لا ينصبه؛ وذلك على حسب ما ترشد إليه اللغة. ومن أمثلة ذلك الفعل: "خال" فمعناه اليقين في نحو: إخالُ الظلمَ بغيضاً إلى النفوس الكريمة. وكذلك في نحو: حَسِبت المالَ وقايةً من ذل السؤال. فإن كان "حَسِبَ" (2) بمعنَى: "عَدّ" نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: حَسَبت النقود التي معي. أي: عددتها. وإن كان معناه صار ذا بياض، وحمرة، وشقرة -كان لازماً؛ نحو: حَسِب الغلام ... و ... والفعل: "جعل" إن كان بمعنى: "أوْجَد" أو بمعنى: "فَرَض وأوجب" -نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: جعل الله الشمس، والقمر، والنجوم، وسائر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المخلوقات، أى: أوجدها وخلقها (1) ..، ونحو: جعلت للحارس أجراً (2) ، بمعنى فرضت له، وأوجبت عليّ ... والفعل؛ "هبْ" ينصب مفعولاً به واحداً إن كان متصرفاً (3) أمراً من الهبة؛ نحو: هبْ بعض المال لأعمال البرّ (4) . أو أمراً من الهيبة؛ نحو: هبْ ربَّك في كل ما تقدم عليه من عمل. وهكذا (5)
شروط إعمالها:
شروط إعمالها: يشترط لإعمال هذه النواسخ بنوعيها القلْبيّ والتحويليّ، أن يكون المبتدأ الذي تدخل عليه صالحاً للنسخ على الوجه الذي سبق تفصيله وتوضيحه عند بدء الكلام على النواسخ (1) . وملخصه: أن النواسخ بأنواعها المختلفة لا تدخل على شيء مما يأتي: (1) المبتدأ الذي له الصدارة الدائمة في جملته؛ بحيث لا يصح أن يسبقه منها شيء. ومن أمثلته: أسماء الشرط -أسماء الاستفهام - كَم الخبرية - المبتدأ المقرون بلام الابتداء ... (نحو: من يكثُر مزحُه تَضعْ هيبته. من ذا الذي ما ساء قط؟ كَمْ من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله!!. لَكلمةُ حقّ في وجه حاكم ظالم أفضلُ عند الله من اعتكاف صاحبها يوما في المسجد) . ويستثنى من هذا النوع الذي له الصدار في جملته -ضمير الشأن (2) فيجوز أن تدخل عليه النواسخ بأقسامها المختلفة؛ نحو حَسِبته "الحقُّ واضح". لكن تختص النواسخ في هذا الباب -دون غيرها من النواسخ- بجواز دخولها على المبتدأ الذي هو اسم استفهام، أو المضاف إلى اسم استفهام. وإذا دخلت على أحدهما وجب تقديمه عليها؛ نحو: أيًّا ظننتَ أحسنَ؟ وغلامَ أيٍّ حسبتَ أنشطّ؟. ولا تدخل على أحدهما "كان" ولا "إن" ولا أخواتهما؛ منعاً للتعارض؛ إذ الاسم في بابي "كان" و"إنَّ" وأخواتهما لا يصح تقديمه على الناسخ. فلو وقع الاسم أحدهما لامتنع تقديمه على الناسخ؛ تطبيقاً لهذا الحكم، مع أن الاستفهاك لابد أن يتقدم (3) .
(ب) المبتدأ الملازم للابتداء بسبب غيره؛ كالاسم الواقع بعد "لولا"؛ الامتناعية، أو بعد "إذا" الفجائية؛ فإنه لا يكون إلا مبتدأ؛ إذ لا يصح -في الرأي الأشهر- دخول أحدهما على غير المبتدأ؛ نحو: لولا العقوبةُ لزادت الجرائم. ونحو؛ فتحت الكتاب؛ فإذا الصّوَرُ فاتنة. (ج) المبتدأ الذي يجب حذفه بشرط أن يكون أصلُ خَبَرِه نعتاً مقطوعاً (1) نحو: شكراً للمتعلم، النافعُ العزيزُ (أي: هو النافعُ العزيزُ) . (د) كلمات معينة لم ترد عن العرب إلا مبتدأ. ومنها: "ما" التعجبية، وكلمة: "طُوبى"؛ (بمعنى: الجنة) وكلمة: دَرّ (2) ، وكلمة: أقلّ ... وذلك في نحو: ما أجملَ الهواء سَحَراً!!، وما أطيب الرياضة عصراً!! طوبى للشهداء، ولله دَرُّهم (2) !! وأقَلُّ (3) رجل يُسْكِر فضلهم.
ومثل بعض ألفاظ الدعاء؛ ومنها (1) : سلامٌ - ويلٌ؛ في نحو: سلام على الأحرار، وويل للجبناء. *** حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير: لا ترتيب في هذا الباب بين الناسخ ومعموليه؛ فيجوز -لغرض بلاغي- أن يتقدم عليهما معاً، ويتأخر عنهما، ويتوسط بينهما. لكن يترتب على كل حالة أحكام سيجيء تفصيلها قريباً (2) . فمثال تقدُّم الناسخ عليهما: يظنّ الجاهلُ السرابَ ماء. ومثال تأخره عنهما: السرابَ ماءً يظن الجاهل السرابَ. أما الترتيب بين المفعولين وتقديم أحدهما على الآخر دون الناسخ فحكمه حكم الترتيب بين أصلهما المبتدأ والخبر قبل دخول الناسخ عليهما؛ فما ثبت لأصلهما يثبت لهما من غير اعتبار لوجود الناسخ. ويترتب على هذا أن يكون المفعول الأول واجب التقديم على المفعول الثاني في كل موضع يجب فيه تقديم المبتدأ على الخبر، وأن يكون المفعول الثاني واجب التقديم على المفعول الأول في كل موضع يجب فيه تقديم الخبر على المبتدأ، وأن يكون تقديم أحدهما على الآخر جائزاً في كل موضع يجوز فيه تقديم المبتدأ أو الخبر بغير ترجيح. فلا بد من مراعاة الأصل (3) في ناحية التقديم والتأخير، وتطبيقه على الفرع تطبيقاً مماثلاً. ففي مثل: حسبت أخي شريكي، يجب الترتيب، بتقديم المفعول الأول وتأخير الثاني؛ منعاً لوقوع لَبْس لا يمكن معه تمييز الأول من الثاني؛ فيلتبس المعنى تبعاً لذلك. وفي مثل: علمت الكلب حارساً أميناً إلا الكلب. أي: أنه لا حارس أميناً سواه. وفي مثل: ظننت القِطّ البَرَِّّ (4) ثعلباً، يجوز تقديم المفعول الثاني؛
فتقول: ظننت ثعلباً القِطّ البَرّيّ؛ إذ لا مانع يمنع تقديم أحدهما على الآخر ... وهكذا تجب مراعاة الأحكام الخاصة بالترتيب بين المبتدأ والخبر، وتطبيقها هنا، عند النظر في الترتيب بين المفعولين (1) . *** ما تنفرد به الأفعال القلبية الناسخة، هي وما يعمل عملها: تنفرد النواسخ القلبية بخمسة أحكام، منها حكم واحد مشترك بينها جميعاً، سواء أكانت متصرفة أم جامدة، وهذا الحكم هو: تنوّع مفعولها الثاني. أما الأحكام الأربعة الأخرى فمقصورة على النواسخ القلبية المتصرفة، دون الجامدة، وسيجيء لهذه الأربعة بحث مستقل (2) . (1) فأما تنوع المفعول الثاني الذي أشرنا إليه فلأنه إليه فلأنه خبر في الأصل، فهو ينقسم إني مثل ما ينقسم إليه الخبر؛ من مفرد (ة3) ، وجملة (4) ، وشبه جملة (5) ؛ فليس من اللازم في المفعول الثاني أن يكون مفرداً، وإنما اللازم أن يكون الناسخ قلبيّاً متصرفاً أو غير متصرف (6) ؛ كما في الأمثلة الآتية، ومن المهم التنبه لإعراب كل قسم، ولا سيما الجملة وشبهها.
جدول
المسألة 61:
المسألة 61: ب- الأحكام الأربعة الخاصة بالأفعال القلبية المتصرفة (1) . عرفنا (2) أن الأفعال القلبية متصرفة، إلا فعلين؛ هما: "تعَلَّمْ" (3) بمعنى "اعلَمْ"، و"هَبْ" بمعنى: "ظُنَّ"؛ نحو: تعلمْ داءَ الصمت خيراً من داء الكلام. وهبْ كلامَك محموداً؛ فتَخَيرْ له أنسب الأوقات. والفعل القلبيُّ المتَصرف قد يكون له الماضي، والمضارع، والأمر، والمصدر واسم الفاعل، واسم المفعول، وبقية المشتقات المعروفة، لكن الناسخ الذي يعمل في هذا الباب هو الماضي وما جاء بعده مما صرّحْناه باسمه هنا، دون بقية المشتقات المعروفة (4) التي اكتفينا بالإشارة الموجزة إليها، ولم نصرح بأسمائها. وبديهٌ أن النواسخ المتصرفة التي سردنا أسماءها - متساوية في العمل؛ لا فرق بين ماض وغيره، ولا بين فعل واسم مما سردناه (5) . أما الناسخ الجامد فيعمل وهو على صورته
القائمة، لا يفارقها، ولا يَدْخُل عليها تغيير. وتختص الأفعال القلبية المتصرفة، هي وما تتصرف له مما ذكرنا اسمع صريحاً بأحكام تنفرد بها؛ فلا يدخل -في الأغلب- حكم منها على المشتقات القلبية التي لا تعمل هنا (1) ، ولا على الأفعال القلبية الجامدة، ولا على أفعال التحويل وما يتصرف منها. وأشهر تلك الأحكام أربعة (2) . الحكم الأول -التعليق: ومعناه: "منع الناسخ من العمل الظاهر في لفظ المفعولين معاً، أو لفظ أحدهما، دون منعه من العمل في المحلّ" (3) . فهو في الظاهر ليس عاملاً النصب، ولكنه في التقدير عامل. وهذا ما يعبر عنه النحاة بأنه: "إبطال العمل لفظاً، لا محلاً". سواء أكان أثر الإبطال واقعاً على المفعولين معاً، أم على أحدهما. هذا المنع والإبطال واجب إلا في صورة واحدة (4) . وسببه أمر واحد، هو: وجود لفظ له الصدارة (5) يَلِي الناسخ؛ فيفصل بينه وبين المفعولين معاً،
أو أحدهما، ويَحُول بينه وبين العمل الظاهر، ويسمى هذا اللفظ الفاصل: "بالمانع" ويقع بعده جملة (1) -في الغالب-؛ ففي مثل: علمت البلاغة إيجازاً، ورأيت الإطالة عجزاً. نجد: "عَلِم" قد نصب مفعولين مباشرة. وكذلك الفعل؛ "رأى" -لم يَنصب كل من الفعلين شيئاً في الظاهر، بسبب وجود "لام الابتداء" التي فصلت بين كل فعل ناسخ ومفعوليه- وهي من ألفاظ التعليق، أي: من الموانع -، ولكن هذا الفعل يَنْصِب المحلّ؛ فنقول عند الإعراب: "البلاغة": مبتدأ- "إيجازٌ": خبره. والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب؛ سدّت مَسدّ مفعولي "عَلم" (وهذه الجملة هي التي تَلِي -في الغالب- اللفظ المانع من العمل) . وكذلك نقول: "الإطالةُ": مبتدأ -"عجزٌ": خبره. والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب؛ سدّت مسد مفعولَيْ: "رأى". فقد وقع التعليق بسبب وجود المانع من العمل، ووقع بعد المانع جملة محلها النصب؛ لتسدّ مسد المفعولين. أما في مثل: علمت البلاغةَ لَهِي الإيجازُ، ورأيت الإطالةَ لَهِيَ العجزُ، فاللفظ المانع من العمل -وهو لام الابتداء- قد وقع في المثالين بعد المفعول به الأول، ووقع بعد المانع جملة سدت مَسَدّ المفعول به الثاني الذي لا يظهر في الكلام، وحلَّت محله وحده. فعند الإعراب يَحْتَفظ المفعول به الأول باسمه وبإعرابه؛ (مفعولاً به أول، منصوباً) (2) . وتعرب الجملة التي بعد المانع إعرابها التفصيلي، ويزاد عليه: "أنها في محل نصب؛ سدّت مسد المفعول به الثانين (3) الذي وقع عليه التعليق".
نعلم مما تقدم أن أثر التعليق في منع العمل لفظي ظاهريّ فقط، لا حقيقيّ، محليّ، وأن سببه الوحيد وجود فاصل لفظي له الصدارة، يسمى: "المانع"؛ يفصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو أحدهما (1) ، وبعد "المانع" جملة (2) تسدّ مسدّ المفعولين معاً، أو أحدهما على حسب التركيب ... ولما كان أثر التعليق مقصوراً على ظاهر الألفاظ دون محلها كان اختفاء النصب عن المفعولين معاً أو أحدهما، هو اختلفا شكليّ محض؛ لا حقيقيّ محليّ -كما قدمنا- ولهذا يصح في التوابع (كالعطف ... ) مراعاة الناحية الشكلية الظاهرة، أو مراعاة الناحية المحلية؛ فنقول: علمت لَلبلاغةُ إيجازٌ والفصاحةُ اختصارٌ- ورأيت لَلإطالةُ عجزٌ والحشوُ عيبٌ؛ برفع المعطوف، تبعاً للفظ المعطوف عليه، وحركته الظاهرة (3) . أو نقول: علمت لَلبلاغة إيجازٌ، والفصاحةَ اختصاراً -ورأيت لَلإطالةُ عجزٌ والحشوَ عيباً؛ بنصب المعطوف؛ تبعاً للحكم المحليّ في المعطوف عليه. فمراعاة إحدى الناحيتين جائزة (3) . أما سبب التعليق في هذه الأمثلة وأشباهها، فيرتكز في الأمر الواحد الذي
ذكارناه، وهو: وجود فاصل لفظيّ بعد الناسخ؛ يفصل بينه وبين مفعوليه أو أحدهما، بشرط أن يكون هذا الفاصل اللفظي من الألفاظ التي لها الصدارة (1) في جملتها، مثل: لام الابتداء، وأدوات الاستفهام (2) ، وغيرها من كل ما له الصدارة في جملته (3) . وبعبارة أخرى: (يحدُث التعليق بكل لفظ له الصدارة إذا فصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو توسط بين المفعولين) . وإليك مثالاً آخر للمانع يفصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو يَفصل بين الناسخ ومفعوليه الثاني فقط: أعلَمُ، أمحمودٌ حاضرٌ أم غائبٌ؟ أعلَمُ محموداً، أحاضر هو أم غائب؟ فمتى وقع بعد الناسخ مانع بإحدى الصورتين السالفتين مَنع العمل الظاهر حتماً، دون العمل التقديريّ (المحليّ) كما رأينا، وأوجب التعليق (4) . وأشهر الموانع الألفاظ الآتية التي لها الصدارة، وكل واحد منها يوجب (4) التعليق:
(أ) لام الاربتداء، كالأمثلة السالفة. (ب) لام القسم: نحو: علمت لَيُحَاسَبَنَّ (1) المرء على عمله. (ج) حرف من حروف النفي الثلاثة (2) : (ما - إنْ - لا) دون غيرها من
أدوات النفى الأخرى. فمثال "ما" النافية: علمت ما التهوّر شجاعة. ومثال "إنْ" النافية: زعمت إنْ الصفحُ الجميلُ ضارٌّ (أي: ما الصفح الجميل ضارّ) ومثال "لا" النافية: ألفيتُ لا الإفراطُ محمودٌ ولا التفريط (1) . (د) الاستفهام (2) ؛ وله صور ثلاث: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام
نحو: علمت أيُّهم بطلٌ؟ أو يكون مضافاً إلى اسم استفهام؛ نحو: علمت صاحبُ أيِّهم البطلُ؟ أو يكون قد دخلت عليه أداة استفهام؛ نحو: علمت أعليٌّ مسافرٌ أم مقيمٌ؟ وأعلمُ على الشتاء أنسبُ للعمل من الصيف (1) ؟ وقولهم لظريف: لا ندري أجِدُّك أبلغُ وألطف، أم هزلُك أحبُّ وأظرف؟. (هـ) الألفاظ الأخرى التي لها الصدارة في جملتها؛ مثل "كم" (2) . الخبرية؛ في نحو: دريْت كم كتاب اشتريته. ومثل: "إنّ" وأخواتها، ما عدا "أنّ" مفتوحة الهمزة؛ فليس لها الصدارة؛ نحو: علمت إنك لمُنصف (3) ،
ونحو: لا أدرى لعل الله يريد بكم خيراً. والأغلب الفصيح في: "لعل" هذه أن تكون أداة تعليق للفعل: "أدْرِي" المبدوء بالهمزة، أو بحرف آخر من حروف المضارعة (نَدْري - تَدْري - يدرِي (1) ... ) . ومثل: أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة في نحو: لا أعلم إن كان الغد ملائماً للسفر أو غير ملائم. ونحو أحْسَب لو ائتلف العامل وصاحب العمل لَسَعِدا. *** فيما يلي أمثلة تزيد التعليق وضوحاً (2) ، وتبيّن موضع "المانع"، وأن موضعه بعد الناسخ حتماً ويليه المفعولان، أو بعد الناسخ مع توسط هذا المانع بين المفعولين:
جدول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - زيادة وتفصيل: (أ) تقدم (1) أن الفعل القلبي الناصب لمفعولين يصيبه التعليق إذا وُجدت إحدى أدوات التعليق، ومنها: "الاستفهام". والتعليق بالاستفهام ليس مقصوراً على الأفعال القلبية المتصرفة الخاصة بها الباب -كما أشرنا من قبل (1) -، وإنما يصيبها غيره، طبقاً للبيان الآتي: 1- الفعل القلبي الناصب لمفعول به واحد؛ مثل: نسى - عرف ... ومنه قول الشاعر: ومن أنتمو؟ إنا نسينا من انتمو ... وريحكموا من أي ريح الأعاصر 2- الفعل القلبي اللازم، مثل: تفكَّر؛ كقوله تعالى: "أولم يتفكروا؟ ما بصاحبهم من جنة؟ "؛ فالتعليق هنا عن الجار والمجرور (2) ؛ لأن المجرور بالحرف بمنزل المفعول به (3) . 2- ما ليس قَلبيّاً، وينطبق على أفعال كثيرة لا تكاد تدخل تحت حصر؛ مثل: نظر - أبصر - سأل - استنبأ- ... و..، ومن الأمثلة قوله تعالى: (فَلْيَنظُرْ أَيُّها أزكَى طعاماً) ، وقوله تعالى: (فستُبصر ويُبصرون؛ بأيِّكم المفتون؟) ، وقول تعالى: (يَسألون: أيَّانَ يومُ الدين؟) ، وقوله تعالى: (ويستنبئونكَ: أحَقٌّ هُو؟ ... ) ، فهذه الأفعال ونَظائرها قد يصيبها التعليق بأداة الاستفهام، ولهذا يوقف في الآية الأولى على قوله: (يتفكروا) ، والكلام بعدها مستأنف، وهو: (ما بصاحبكم من جنة؟) ، وما الستفهامية بمعنى النفي، إذ المراد: أي شيء بصاحبكم من الجنون؟ ليس به شيء منه (4) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ب) عرفنا (1) أن التعليق لا يكون في الأفعال القلبية الجامدة، ولا في بعض النواسخ الأخرى؛ كأفعال التحويل ... و ... فما المراد من هذا؟ أيراد أن ألفاظ التعليق لا تقع بعد تلك الأفعال الجامدة ولا بعد تلك النواسخ؛ فلا يحدث التعليق؟ أم يراد أن هذه الألفاظ مع وقوعها بعدها لا تقوى على منعها من العمل الظاهري فكأنها غير موجودة؟ يرتضي النحاة الرأي الأول. والاقتصار عليه حسن. (ج) سبق (2) أن الجملة بعد أداة التعليق تسدّ مسدّ المفعولين إن كان الناسخ إليهما، ولم يَنصب المفعول به الأول مباشرة، فإن نصبه سدت مسدّ الثاني فقط ... فإن كان الفعل ليس ناسخاً ولا يتعدى لمفعولين، ووقعت بعده جملة مسبوقة بأداة التعليق -فإن كان يتعدى بحرف جر، فالجملة في محل نصب بإسقاط الجار؛ نحو: فكرت أصحيح هذا أم غير صحيح؟ أي: فكرت في ذلك (3) . وإن كان الفعل يتعدى بنفسه إلى واحد غير مذكور سدت مسدّه؛ نحو: عرفت البارع أبو مَنْ هو؟ فقيل الجملة بدل كل من كل، على تقدير مضاف؛ أي: عرفت شأن البارع، وقيل بدل اشتمال من غير حاجة إلى تقدير، أو هي مفعول ثان لعرفت بعد تضمينه معنى: "علمت". والرأيان الأخيران أوضح وأيسر استعمالاً، ولكل منهما مزية قد يتطلبها المقام، ويقتضيها المعنى. (د) إذا كانت "رأى" حُلُمِيَّة لم يدخل عليها التعليق (4) . ***
الحكم الثاني - الإلغاء: وهو: "منع الناسخ من نصب المفعولين معاً، لفظاً ومحلا، منعاً جائزاً، -في الأغلب- لا واجباً) . أو هو: "إبطال عمله في المفعولين معاً لفظاً ومحلاًّ، على سبيل الجواز لا الوجوب". ولا يصح أن يقع المنع على أحد المفعولين دون الآخر. وسببه: إمَّا توسط الناسخ بين مفعوليه مباشرة بغير فاصل آخر بعده يوجب التعليق (1) ، وإما تأخره عنهما. فإذا تحقق السبب جاز -في الأغلب (2) - الإعمال أو الإهمال، وإن لم يتحقق وجب الإعمال. فللناسخ ثلاث حالات من ناحية موقعه في الجملة، وأثر ذلك: الأولى: أن يتقدم على المفعولين. وفي هذه الحالة يجب إعماله -عند عدم المانع-؛ فينصبهما مفعولين به، نحو: رأيت النزاهةً وسيلةً لتكريم صاحبها. الثانية: أن يتوسط بين مفعوليه مباشرة. وفي هذه الحالة يجوز -في الأغلب (2) - إعماله؛ فينصبهما مفعولين (3) به؛ نحو: النزاهةَ - رأيت - وسيلةً لتكريم صاحبها. ويجوز إهماله (4) ؛ فلا يعمل النصْبَ فيهما معاً، ولا في أحدهما؛
وإنما يرتفعان باعتبارهما جملة اسمية: (مبتدأ وخبراً) ، ونحو: النزاعةُ - رأيت - وسيلةٌ لتكريم صاحبها. الثالثة: أن يتأخر عن مفعوليه؛ والحكم هنا كالحكم في الحالة السابقة؛ فيجوز إعماله فينصب المفعولين؛ نحو: النزاهةَ وسيلةً لتكريم صاحبها - رأيت. ويجوز إهماله فلا يعمل النصب (1) ويرتفع الاسمان باعتبارهما جملة اسمية، مركبة من مبتدأ وخبره؛ نحو: النزاهةُ وسيلةٌ لتكريم صاحبها - رأيت. مما تقدم ندرك أوجع الفرق بين التعليق والإلغاء؛ وأهمها: (أ) أن التعليق واجب (2) عند وجود سببه. أما الإلغاء فجائز - في الأغلب (3) - عند وجود سببه.
(ب) أن أثر التعليق يصيب المفعولين معاً أو أحدهما. أما الإلغاء فيصيبهما معاً. (ج) ان أثر التعليق لفظي ظاهري، لا يمتد إلى الحقيقة والمحل. وأثر الإلغاء لفظيّ ومحليّ معاً. (د) أن التعليق يجوز في توابعه مراعاة ناحيته اللفظية الظاهرية، أو مراعاة ناحيته المحلية. والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الواحدة التي هو عليها؛ وهي الناحية الظاهرة المحضة. (هـ) أن التعليق لابد فيه من تقدم الناسخ على معموليه؛ ومن وجود فاصل بعده له الصدارة. أما الإلغاء فلا بد فيه من توسط (1) الناسخ بينهما، أو تأخره عنهما؛
وليس في حاجة بعد هذا إلى فاصل، أو غيره (1) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (أ) إذا تقدم الناسخ على مفعوليه فلن يخرجه من حكم هذا التقدم -في الرأي الأصح- أن يسبقه معمول آخر له، أو لأحدهما؛ نحو: متى علمت الضيفَ قادماً؟ باعتبار: "متى" ظرفاً للناسخ، أو لمفعوله الثاني. وكذلك لن يخرجه من حكم التقدم أن يسبقه شيء آخر ليس معمولاً له، ولا لأحدهما، مثل: إني علمت الحذرَ واقياً الضرر. (ب) يختلف النحاة في بيان الأفضل عند توسط العامل أو تأخيره. ولهم في هذا جدل طويل، لا يعنينا منه إلا أن الأنسب هو تساوي الإلغاء والإعمال عند توسط العامل. أما عند تأخره فالأمران جائزان ولكن الإلغاء أعلى، لشيوعه في الأساليب البليغة المأثورة. وإذا توسط الناسخ أو تأخر وكان مؤكداً بمصدر فإن الإلغاء يَقْبُح؛ نحو: الكتابَ -زعمت زعماً- خيرَ صديق؛ لأن التوكيد دليل الاهتمام بالعامل، والإلغاء دليل على عدم الاهتمام به؛ فيقع بينهما شبه التخالف والتنافي. فإن أكَّد الناسخ بضمير يعود على مصدره المفهوم في الكلام بقرينة، أو باسم إشارة يعود على ذلك المصدر -كان الإلغاء ضعيفاً أيضاً؛ نحو: السفينةَ - ظننتُه - قصراً. أي: ظننت الظن -و: السفينةَ ظننت - ذاك - قصراً. أي ذاك الظن ... (ج) رأي الحُلُمية لا يصيبها الإلغاء، وقد سبق (1) أنها لا يصيبها تعليق. ***
الحكم الثالث- الاستغناء عن المفعولين بالمصدر المؤول: يجوز أن يَسُدّ المصدر المؤول من ("أنّ" الناسخة (1) وما دخلت عليه، أو: "أنْ" المصدرية الناصبة وما دخلت عليه من جملة فعلية - مسدّ المفعولين، ويغني عنهما (2) . ويجب أن يراعى فى معنى المصدر بعد تأويله أن يكون مثبتاً أو ِمنفيّاًَ على حسب ما كان عليه المعنى قبل التأويل. فمن أمثلة المثبت ما جاء فى خطبة لقائد مشهور: (عَلِمْنا أن السيفَ ينفع حيث لا ينفع الكلام، ورأينا أنّ كلمة القَوِيّ مسموعة، فن زعم أنْ يفوز وهو ِضعيف فقد أخطأ، ومن ظن أن يَسْلمَ بالاستسلام فقد قضى على نفسه ... ) . وتقدير المصادر المؤولة (3) : (علمنا نفعَ السيف ... -رأينا سماعَ كلمة القويّ- من عم فوّزه ... - من ظنّ سلامته ... ) فَكل مصدر من المصادر التى نشأت من التأويل سدّ مسدّ المفعولين المطلوبين للفعل القلبي الذي قبله. فالمصدر "نفَعْ"، أغْني عن مفعولى الفعل "عَلمَ ". والمصدر: "سماع"، أغنى عن مفعولى الفعل: "رأى". والمصدر: "فوز"، أغنى عن مفعولى الفعل: "زعم" والمصدر: سلامة" أغنى عن مفعولى الفعل "ظن" (4) ... ويقاس على هذا أشباهه (5)
من مثل قول الشاعر (1) : توَد عدوى ثم تَزعُم أنني ... صديقك؛ إن الرأي عنك لعازب فالمصدر المؤول من "أنّ مع معموليها" يسدّ مسدّ مفعولي الفعل: "تزعمُ" ومن أمثلة المعنى المنفي قول الشاعر: الله يعلم أني لم أقل كَذبا ... والحق عند جميع الناس مقبول وتأويل المصدر مع زيادة ما يدل على النفي هو: "الله يعلم عدم كذب قولي". - وقد سبق (2) تفصيل الكلام على طريقة صوغ المصدر المؤول. الحكم الرابع (3) - جواز وقوع فعلها ومفعولها الأول ضميرين معينين: وذلك بأن يكونا ضميرين متصلين، متحدين في المعنى (4) ، مختلفين في النوع؛ نحو: عَلِمتُني راغباً في مودة الأصدقاء، ورَأيتُني حريصاً عليها. فالتاء والياء في المثالين ضميران. متصلان، ومدلولهما شيء واحد؛ فهما للمتكلم، مع اختلف نوعهما: فالتاء ضمير رفع فاعل، والياء ضمير نصب، مفعول به. ونحو: علِمتَك زاهداً في الشهرة الزائفة، وحسِبْتَك نافراً من أسابها. فالتاء والكاف في المثالين ضميران، متصلان، ومعناهما واحد؛ لأن مدلولهما هو المخاطب، مع اختلاف نوعهما كذلك؛ فالتاء ضمير رفع فاعل، والكاف ضمير نصب، مفعول به (5) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: الحكم الرابع غير خاص بالأفعال القلبية وحدها؛ فهناك بعض أفعال أخرى تشاركها فيه؛ مِثل: "رأى" البصرية والحلُمية، وهو كثير فيهما، ومثل: "وجَد" (بمعنى: لَقِيّ) ، وفَقَد. وعَدِم. وهو قليل في هذه الثلاثة، ولكنه قياسي في الخمسة، وفي غيرها مما نصّت عليه المراجع؛ وليس عامّاً في الأفعال؛ نحو: اسْتيقظتُ فرأيتُني منفرداً --أخذني النوم فرأيتُني جالساً في حفل أدبيّ-. ساءلت نفسي في غمرة الحوادث: أين أنا؟ ثم وجَدْتُني (أي: لقيتُ نفسي، وعرفتُ مكانها) -فقدتُني إن جنحت إلى خيانة، أو عدمتني. ولا يجوز هذا في غير ما سبق إلا ما له سند لغوي يؤيده. فلا يصح: كرمتُني، ولا سمعتُني، ولا قرأتُني، وأشباهها مما لم يرد في المراجع. إلا إن كان أحد الضميرين منفصلاً، فيجوز في جميع الأفعال، نحو: ما لمستُ إلا إياي- ما راقبتُ إلا إياي (1) . ويمتنع في باب: "ظن وأخواتها"، وفي جميع الأفعال الأخرى -اتحاد الفاعل والمفعول اتحاداً معنويّاً إن كان الفاعل ضميراً، متصلاً، مستتراً، مفسَّراً بالمفعول به، فلا يصح محمداً ظَن قائماً- ولا عليا نَظر؛ بمعنى: محمداً ظنَّ نفسه..، وعليّاً نظر نفسه ... لأن مفسر الضمير هنا: (أي مرجعه) هو المفعول به. فإن كان الضمير الفاعل منفصلاً بارزاً صَحّ؛ فيقال: ما ظن محمداً قائماً إلا هو. وما نظر عليّاًَ إلا وهو ...
المسألة 62:
المسألة 62: الْقَوْل معناه، متى ينصب مفعولا واحداً؟ ومتى ينصب مفعولين؟ يعرض النحاة فى هذا الباب للقول ومشتقاته، لتشابهٍ بينه وبين "الظن" فى بعض المعاني والأحكام. وصفوة كلامهم: أن "القوْل" متعدد المعاني، وأنّ الذى يتصل منها بموضوعنا مَعْنيان؛ أحدهما: "التلفظ المحض، ومجرد النطق" والآخر: "الظن". (1) فإن كان معناه: "التلفظ المحض، ومجرد النطق" فإنه ينصب مفعولاً به واحداً، تكون دلالته المعنوية مقصودة غير مهملة (1) ، سواء أكان الذى جرى به التلفظ، ووقع عليه القول -كلمة مفردة (2) ، أم جملة. فمثال المفردة ما جاء على لسان حكيم: (تسألني عن العظَمة الحقة، فأقول: "الكرامةَ"، وعن رأس الرذائل، فأقول: "الكذبَ") فمعنى "أقول" هنا: "أنطقُ، وأتلفظُ". والكلمة التى وقع عليها القول (أى: التي قيلت) ، هى: "الكرامة"- "الكذب". وكلتاهما مفعول به منصوب مباشرة. ومن الأمثلة للكلمة المفردة أيضاً: سألت والدي عن مكان نقضى فيه وم العُطلة، فقال: "الريفَ". وعن شىء نعمله هناك، فقال: "التنقلَ"، فمعنى قال: "تلفظَ ونَطق"، والكلمة التي وقع عليها القول هي: "الريفَ" -"التنقلَ" وتعرب كل واحدة منهما مفعولاً به منصوباً مباشرة. ومثل هذا قول الشاعر: جَدَّ الرحيل، وحَثَّني صحْبي ... قالوا: "الضباحَ"؛ فطيَّروا لُبِّي (3)
ومن أمثلة الجملة بنوعيها (1) : (قلتُ: الشعرُ غذاءُ العاطفة (2) ... - (أقول: تصفو النفسُ بسماع الغناء الرفيع) - (قال شوقي: "آيةُ هذا الزمانِ الصحفُ") -ويقولُ: "تسيرُ" مَسِيرَ الضحا فى البلاد " ... ) . ومثل: (يقولون: "طالَ الليل") ، والليلُ لم يُطلْ ... ولكنّ من يشكو من الهمّ يسهرُ فمعنى "القول" في هذه الأمثلة كسَابقه. وبعده جملة اسمية، أو فعلية، يزاد على إعرابها: أنها في محل نصب (3) سدّت مسدّ المفعول به للقول، وليست مفعولاً به (4) مباشرة. بخلاف الكلمة المفردة، فإنها هي المفعول به مباشرة -كما تقدم- سواء أكان الناطق بالكلمة قد نطقها ابتداء؛ دون أن يسمعها من غيره فيرددها بعده؛ كالتي في المثال الأول (5) . أم كان نطقه تالياً لنطق آخر، وترديداً لما سمعه؛ كثرة النحاة (6) . ولو كان النطق بها ترديداً ومحاكاة لنطق سابق؛ لأن الحكاية في هذا الباب لا تكون عندهم للكلمة المفردة (7) .
أما الجملة التى تسُدّ- في الأغلب (1) - مسدّ مفعول "القول" والتى محلها النصب فيسمونها: "مَحْكيَّةً بالقول" بشرط أن تكون قد جرَتْ من قبل على لسان، ثم أعادها المتكلم، وردّ ما سبق أن جرى على لسانه أو على لسان غيره. فلابد في الجملة التي تسمى: "مَحْكِيَّة" أن تكون قد ذُكرَتْ مرة سابقة قبل حكايتها بالقول. وإلا فلا يصح تسميتها: "مَحْكِيَّة" على الصحيح. والأغلب أنها في الحالتين في محل نصب، سادة مسدّ المفعول به. وتشتهر بين المعرْبين بأنها: "مقُول القول" (2) ؛ أي: الجملة التي جرى بها القول، وهي المرادة منه. *** (ب) وإن كان معنى "القول" -ومشتقاته هو: "الظنّ" (أي: الرجحان (3) -) فإنه ينصب مفعولين مثله -بالشرط التي سنعرفها- ويجرى عليه ما يجري على "الظن" (4) (بمعنى الرجحان) من التعليق، والإلغاء، وسائر الأحكام السابقة الخاصة بالأفعال القلبية؛ فهو والظن سواء. إلا في اختلاف
الحروف الهجائية. ومن الأمثلة: أتقول السماءَ صحْواً (1) فى الغد-؟ أتقولان الكتابَ نفيسًا إنْ تَمّ إعداده؟ - أتقولون السفرَ المنتظَر مفيداً؟ ... فلا بد من مفعولين منصوبين بعده (2) - إلا عند التعليق أو الإلغاء (3) - فإن لم يتحقق له المفعولان المنصوبان لم يكن معناه "الظن" وإنما يكون معناه: "التلفظ المحض، ومجرد النطق"، وفي هذه الصورة يكون من النوع الأول "ا" الذي ينصب مفعولاً به واحداً، ولا ينصب مفعولين؛ فمدلوله إن كان كلمة مفردة وقع عليها القول وجب اعتبارها مفعوله المنصوب مباشرة؛ مثل: أتقول: الجَوَّ؟؛ أي: أتنطق بكلمة: "الجَوّ" وإن كان مدلوله جملة اسمية أو فعلية فهي في محل نصب تسدّ مسدّ ذلك المفعول به الواحد، مثل: أتقول: الحروبُ خادمةٌ للعلوم؟ -أتقول: السَّلمُ الطويلة داءٌ؟ -. ومثل: أتقول: قد يجمع الله الشتيتين بعد اليأس من التلاقي؟ -أنقول: لا يضيع العُرف (4) بين الله والناس؟ فمعنى "تقول" في هذه الجمل هو: تنطق، ومعنى "القول" في كل ما تقدم هو "النطق" لا الظن، والجملة بعده في الأمثلة المذكور: "مَقُولُ القول" ولا تُسمى محْكية بالقول إلا إذا سبق النطق بها قبل هذه المرة -كما أوضحما-. وملخص ما تقدم: أن القول المستوفي للشروط (5) إذا وقع له مفعولان منصوبان به كان بمعنى: "الظن" حتماً، وتجري عليه أحكام "الظن" ولا وجود للحكاية هنا أو غيرها، -على الأرجح-. وإذا وقع له كلمة واحدة (هي التي قيلت) كان معناه: "مجرد النطق"، ونَصَبها مفعولاً به واحداً، ولا تسمى هذه الكلمة محكية (6) ، مع أنها هي مفعوله المباشر. وكذلك إذا وقع له جملة اسمية أو فعلية كان معناه مجرد النطق أيضاً، ولكنه ينصب مفعولاً به واحداً نصباً غير مباشر؛ لأن الجملة التي بعده تكون في محل نصب؛ فتسدّ مسدّ المفعول به، وتسمى:
"مًقُول القول" دائماً، ولا تسمى "محكية بالقول" إلا إذا سبق النطق بها. فالقول بمعنى "الظن" لا حكاية معه -كما عرفنا- إذا وقع له مفعولاه المنصوبان. فإذا تغير ضبطهما وصارا مرفوعين أصاله (1) فإن معناه وعمله يتغيران تبعاً لذلك؛ إذ يصير معناه: النطق المجرد، ويقتصر عمله على نصب مفعول واحد فتكون الجملة الجديد اسمية في محل نصب، تسدّ مسدّ مفعوله. *** شروط القول بمعنى الظن: يشترط النحاة ما يأتي لإجراء القول مجرى الظن معنى وعملاً، طبقاً لما استنبطوه من أفصح اللغات العربية، وأكثرها شيوعاً: (1) أن يكون فعلاً مضارعاً. (2) وأن يكون للمخاطب بأنواعه المختلفة (2) . (3) وأن يكون مسبوقاً باستفهام (3) . (4) وألا يَفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. لكنْ يجوز الفصل بالظرف، أو بالجار (4) مع مجروره، أو بمعمول آخر للفعل، أو بمعمول معموله (5) . وكثير من النحاة لا يشترط عدم الفصل، ورأيه قوي، والأخذ به أيسر. (5) ألا يتعدى بلام الجر، وإلا وجب الرفع على الحكاية (6) ، نحو: أتقول للوالد فضلُك مشكورٌ؟. فمثال المستوفي للشروط الخمسة: أتقول المنافقَ أخطرَ من العدو؟ أتقول الاستحمامَ ضارّاً بعد الأكل مباشرة؟.
ومثال الفصل بالظرف: أفوق السحاب - تقول الطائرَ مرتفعاً؟. وقوك الشاعر: أبَعْدَ بُعْدٍ تقول الدارَ جامعةً ... شملي بهم، أم تقول البعدَ محتوماً وبالجار مع مجروره: -أفي أعماق البحر- تقول الغواصةَ مقيمةً؟. وبمعمول الفعل مباشرة: -أواثقاً- تقول الكيمياءَ دِعامةَ الصناعة؟ ومن هذا أن يفصل أحد المفعولين بين الاستفهام والفعل المضارع، كقول الشاعر: أجُهَّالا تقول: بَنِي لُؤَيّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا والأصل: أتقول بني لؤي جهالا ... وبمعمول معموله: -أللأمن- تقول: العدلَ ناشراً. والأصل: ناشراً للأمن. فإذا اختل شرط من الشروط السابقة لم يكن "القول" بمعنى: "الظن" فلا يكون بمعنى: "النطق والتلفظ"؛ فينصب مفعولاً به واحداً لا محالة. أما إذا استوفى شروطه مجتمعة فيجوز أن يكون كالظن معنى وعملا، على التفصيل الذي شرحناه. ويجوز -مع استيفائه تلك الشروط كاملة- أن يكون بمعنى: "النطق والتلفظ" فينصب مفعولاً به واحداً فقط، وعندئذ يتعين أن يكون الاسمان بعده مرفوعين حتماً -كما سلف- ويتعين إعرابهما مبتدأ وخبراً في محل نصب، لتسد جملتُهما مسد المفعول به. فالأمران جائزان عند استيفائه الشروط (1) . ولكن لكل منهما معنى وإعراب يخالف الآخر. والمتكلم يختار منهما ما يناسب المراد. فيصح: أتقول: الطائرَ مرتفعاً؟ كما يصح: أتقول: الطائرُ مرتفعٌ؟ ينصب الاسمين معاً، أو برفعهما على الاعتبارين السالفين المختلفين (1) ؛ طبقاً للمعنى المقصود. وهناك رأي آخر مستمَدّ من لغة قبيلة عربية اسمها: سُلَيْمٌ، وملخصه:
أن القول -ومشتقاته- إذا كان معناه: "الظن" فإنه ينصب مفعولين مثله. وتجري عليه بقية أحكام "الظن" بغير اشتراط شيء من تلك الشروط الخمسة أو غيرها، فالشرط الوحيد عندهم أن يكون معناه: "الظن" (1) فإن لم يتحقق هذا الشرط يكن معناه -في الغالب- "النطق المجرد والتلفظ"، وينصب مفعولاً به واحداً، ولهذا يجب رفع الاسمين بعده، واعتبار جملتها الاسمية في محل نصب تسدّ مسدّ مفعوله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (1) تضطرب أقوال النحاة فى اللفظ المحْكيّ بالقول، أيكون مفرداً وجلمة؛ أم يقتصر على الجملة فقط؟ أيكون ترديداً ومحاكاة لنطق سابق به، أم يكون ابتداء كما يكون ترديداً ومحاكاة؟ أيكون حكاية للقول بمعنى النطق والتلفظ فقط، أم يكون حكاية له بهذا المعنى، وبمعنى الظن أيضاً؟ ... إلى غير ذلك من صنوف التفريع؛ والخلف، والاضطراب الذي يخفي الحقيقة، ويُغَشَّى على وضوحها، ويكدّ الذهن في استخلاصها. وقد تخيرنا أصفى الآراء فيها، وقدمناه فيما سبق (1) . وللحكاية تفصيلات وأحكام أخرى في بابها الخاص، وأشرنا في الجزء الأول (2) إلى بعض أحكامها. (ب) الأصل (3) في الجملة المحكية بالقول أن يذكر لفظها نصّاً كما سُمع من غير تغيير، وكما جرى على لسان الناطق بها أول مرى. لكن يجوز أن تحكَى بمعناها، لا بألفاظها (4) فإذا نطق الناطق الأول، وقال حكمةً؛ هي: الأممُ الأخلاقُ "جاز لمن يحكيها بعده أن يرددها بنصها الحرفي، وبضطبها وترتيبها، فيرددها بالعبارة التالية: قال الحكيم: الأممُ الأخلاقُ". وجاز أن يرددها بمعناه مع مراعاة الدقة في المعنى؛ كما يأتي: قال الحكيم: الأمم ليست شيئاً إلا الأخلاق". أو: الأمم بأخلاقها". أو: ما الأمم إلا أخلاقها" ... وعلى هذا لو سمعنا شخصاً يقول: البرد قارس". لجاز في الحكاية أن نذكر النصّ بحروفه وضبطه وترتيبه: قال فلان: البرد قارس"، أو بمعناه: قال فلان: البرد شديد" ... وإذا قالت فاطمة أنا كاتبة" -مثلاً- وقلتَ: لزينب أنت شاعرة"؛ فلك في الحكاية أن تذكر النصّ: (قالت فاطمة "أنا كاتبة"، وقلت لزينب "أنت شاعرة") ، مراعاة لنَصّ اللفظ المحليّ فيهما، ولك أن تذكر المعنى: (قالت فاطمة "هي كاتبة"، وقلت لزينب "هي شاعرة"، أو: إنها شاعرة") مراعاة لذلك المعنى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حالة الحكاية؛ حيث تكون فيها فاطمة وزينب غائبتين وقت الكلام (1) . فالحكاية بالمعنى لا تقتضى المحافظة على اسمية الجملة، أو فعليتها، أو نصّ كلماتها، أو إعراب بعض كلماتها إعراباً معيناً؛ وإنما تقتضى المحافظة على سلامة المعنى، ودقته، وصحة الألفاظ، وصياغة التركيب، فيكفي فى الجملة المحكية أن تكون صحيحة في مطابقة المعنى الأصلي، وسليمة من الخطأ اللفظي. فإن كانت الجملة المحكية مشتملة فى أصلها على خطأ لغويّ أو نحويّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما فيها من خطأ. إلا إن كان المراد إظهار هذا الخطأ، وإبرازه لسبب مقصود؛ وعندئذ يجب حكايتها بما اشتملت عليه. (ج) هل يُلحق "بالقول" الذى معناه النطق والتلفظ، ما يؤدى معناه من كلمات أخرى؛ مثل:. ناديت، دعوت، أوحيت، قرأت - أوصيت - نصحت ... وغيرها من كل ما يراد به: "النطق المجرد، والتلفظ المحض" فتنصب مفعولاً به أو مفعولين (2) ، على التفصيل الذي سبق؟. الأنسب الأخذ بالرأي القائل: إنها تُلحق به في نصب المفعول والمفعولين، ما دامت واضحة الدلالة على معناه. ومن الأمثلة قوله تعالى: (ونادَوْا يا مالكُ: لِيَقْضِ علينا ربك) ، وقوله تعالى: ( {فَدَعَا رَبَّهُ: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} بَكَسر الهمزة في قراءة الكسر. وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} ... ولا داعي للتأويل في هذه الآيات وغيرها بتقدير "قوْل" ... إذ لا حاجة للتقدير مع الدلالة الواضحة، وعدم فساد المعنى أو التركيب ... أما إذا اقتضى المقام التقدير فلا مانع منه لسبب قوي، ومن ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ... أيْ: فيقال لهم: أكفرتم؟ فهنا القول
محذوف (1) ولا بد من تقديره لصحة المعنى والأسلوب.
المسألة 63:
المسألة 63: حذف المفعولين، أو أحدهما، وحذف الناسخ الاختصار أصل بلاغيّ، لا يختص بباب، ولا يقتصر على مسألة، ويراد به: حذف ما يمكن الاستغناء عنه من الألفاظ لداع يقتضيه. وهو جائز بشرطين: (1) أن يوجد دليل يدل على المحذوف، ومكانه (1) . (ب) وألا يرتب على حذفه إساءة للمعنى، أو إفسادٌ فى الصياغة اللفظية (2) . واستناداً إلى هذا الأصل القويم يصح الاختصار هنا بحذف المفعولين معاً أو أحدهما. فمثال حذفهما معاً: - هل علمتَ الطيارةَ سابحةً فى ماء الأنهار؟. فتجيب: نعم، علمتُ ... - هل حسبت الإنسان واصلا إلى الكواكب الأخرى؟. نعم، حسبت ... ، أى: علمت الطيارَةَ سابحةً ... -وحسبت الإنسانَ واصلاً ... ومثال حذف الثانى وحده (وهو كثير) : أيّ الكلامين أشدُّ تأثيراً في الجماهير؛ آلشعرُ أم الخَطابة؟ فتقول: أظن الخطابة ... أي: أظن الخطابة أشدَّ ... ومثال حذف الأول وحدع، (وحذفه أقل من الثاني) : ما مبلغ علمك بخالد بن الوليد؟ فتقول: أعلم ... بطلا صحابيّاً من أبطال التاريخ. أيْ: أعلم خالداًَ بطلا.. فقد صَحّ الحذف في الأمثلة السابقة؛ لتحقق الشرطين معاً. فإن لم يتحقق
الشرطان معاً لم يجز الحذف (1) ؛ فلا يصح فى تلك الأمثلة وأشباهها: علمت فقط، ولا حسبت فقط؟ بحذف المفعولين فيهما. ولا يصح علمت الطيارة ... ولا حسبت الإنسان ... بحذف المفعول الثانى فقط، ولا علمت ... سابحةً، ولا حسبت ... واصلا؟ بحذف الأول. وهكذا امن كل ما فقد الشرطين معًا؟ أو أحدهما. واعتماداً عك الأصل البلاغي السابق أيضًا يصح حذف الناسخ مع مرفوعه؛ نحو: ماذا تزعم؟ فتجيب: ... الأخَ منتظراً فى الحقل. أى: أزعم (2)
المسألة 64: أعلم ... أرى ...
المسألة 64: أعلم ... أرى ... أ ... فرح ... الحزين. ... ... أفرحت الحزين. زهق ... الباطل. ... ... أزهق الحق الباطل. لان ... المتشدد. ... ... ألانت الحوادث المتشدد. ب ... سمع ... الصديق الخبر السار. ... ... أسمعت الصديق الخبر السار. ورد ... الغائب أهله. ... ... أوردت الغائب أهله. قرأ ... الأديب القصيدة. ... ... أقرأت الأديب القصيدة. جـ ... علمت ... الحرفة وسيلة الرزق. ... ... أعلمت الغلام الحرفة وسيلة الرزق. علم ... الشباب الاستقامة طريق السلامة. ... ... أعلمت الشباب الاستقامة طريق السلامة. رأيت ... الفهم رائد النبوغ. ... ... أريت المتعلم الفهم رائد النبوغ. رأى ... الخبراء الآثار كنوزًا. ... ... أريت الخبراء الآثار كنوزا. الفعل نوعان: "لازم"؛ "أي: قاصر؛ لا ينصب بنفسه المفعول به" و"متعد"؛ينصب بنفسه مفعولًا به، أو مفعولين، أو ثلاثة، ولا يزيد عليها. ولتعدية الفعل اللازم وسائل معرفة في بابه1، منها: وقوعه بعد "همزة النقل". "أي همزة التعدية"، فإذا دخلت همزة النقل على الفعل الثلاثي اللازم، أو الثلاثي المتعدي لواحد أو لاثنين غيرت حاله، وجعلت الثلاثي اللازم متعديًا لواحد - كأمثلة: "أ"- وصيرت الثلاثي المتعدي لواحد متعديًا لاثنين -كأمثلة "ب"- وصيرت الثلاثي المتعدي لاثنين متعديًا لثلاثة -كأمثلة: "ج"- فشأنها أن تجعل فاعل الفعل الثلاثي مفعولًا به2؛ فتنقله من حالة إلى أخرى تخالفها3؛ فتسكب الجملة مفعولًا به جديدًا لم يكن له وجود قبل دخول همزة النقل
على الفعل أما غير الثلاثي، فلا تدخل عليه هذه الهمزة. ولا يكاد يوجد خلاف هام في أن التعدية بهمزة النقل على الوجه السالف قياسية في الثلاثي اللازم، وفي الثلاثي المتعدي بأصله لواحد1، إنما الخلاف في الثلاثي المتعدي بأصله لاثنين؛ أتكون تعديته بهمزة النقل مقصورة على فعلين من الأفعال القلبية؛ هما: علم -ورأى 2- دون غيرهما من باقي الأفعال القلبية التي تنصب مفعولين، والتي سبق الكلام عليها3 -أم ليست مقصورة على الفعلين المذكورين؛ فتشملهما، وتشمل أخواتهما القلبية التي مرت في الباب السالف؟ رأيان: وتميل إلى أولهما جمهرة النحاة، فتقصر التعدية على الفعلين المعينين "علم" و"رأى" ولا تبيح قياس شيء عليهما من أفعال اليقين، والرجحان وغيرهما، فلا يصح عندها أن تقول: أظننت الرجل السيارة قادمة، وأحسبته السفر فيها مريحًا، في حين يصح هذا عند بعض آخر يبيح القياس على الفعلين السالفين، ولا يرى وجهًا للتفرقة بينهما وبين نظائرهما من أفعال اليقين والرجحان التي تنصب مفعولين بحسب أصلها4. سواء أخذنا برأي الجمهرة أم بالرأي الآخر، فالفعل القلبي الناصب للمفعولين بحسب أصله، وبحسب رأي كل منهما في نوعه5 ... سينصب ثلاثة بعد دخول
همزة التعدية عليه، ومفعوله الثاني والثالث أصلهما المبتدأ والخبر، ويجري عليهما في حالتهما الجديدة ما كان يجري عليهما قبل مجيء همزة التعدية، فتطبق عليهما وعلى أفعالهما -وباقي المشتقات- والأحكام والآثار الخاصة بالأفعال القلبية التي سبق شرحها، ومنها: التعليق، والإلغاء، والحذف اختصارًا لدليل ... فمن أمثلة التعليق: أعلمت الشاهد لأداء الشهادة واجب، وأريته إن1 كتمانها لإثم كبير، ومن أمثلة الإلغاء أو عدمه: النخيل أعلمت البدوي أنسب للصحراء -أو: أنسب للصحراء أعلمت البدوي النخيل- أو: النخيل أنسب للصحراء أعلمت البدوي، وأصل الجملة: أعلمت البدوي النخيل أنسب للصحراء، أما المفعول به الأول من الثلاثة فقد كان في أصله فاعلًا كما عرفنا، فلا علاقة له بهذه الأحكام والآثار الخاصة بالأفعال القلبية السالفة. ومن أمثلة حذف المفعول به الثاني لدليل أن يقال: عرفت حالة المزرعة؟ فتجب: أعلمني الخبير ... جيدةً، أي: أعلمني الخبير المزرعة جيدة، ومثال حذف الثالث لدليل؛ أن يقال: هل علم الوالد أحدًا قادمًا لزيارتك؟ فتجيب: أعلمته زميلًا، أي: زميلًا قادمًا2 لزيارتي ومثال حذف الثاني والثالث معًا أن تقول: أعلمته. فإن كان الفعل: "علم" بمعنى: "عرف" أو كان الفعل: "رأى" بمعنى "أبصر" - لم ينصب كلاهما في أصله إلا مفعولًا به واحدًا كما سبق3، نحو: علمت الطريق إلى النهر -رأيت الشهب المتساقطة، فإذا دخلت على أحدهما همزة التعدية صيرته ينصب مفعولين، نحو: أعلمت الرجل الطريق إلى النهر، وأريت4 الغلام الشهب المتساقطة، وهذان المفعولان ليسا في الأصل مبتدأ وخبرًا؛ إذ لا يصح: الرجل الطريق -الغلام الشهب، ولهذا لا يصح
تطبيق الأحكام وآثار الخاصة بالأفعال القلبية عليهما، إلا التعليق فجائز؛ ومنه قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي 1 كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} . وقد نصت كتب اللغة على أفعال أخرى -قلبية وغير قلبية- قد ينصب كل فعل منها بذاته ثلاثة من المفاعيل، دون وجود همزة التعدية قبله، وأشهر تلك الأفعال خمسة: نبأ - أنبأ - حدث - أخبر - خبر ... مثل: نبات الطيار الجو مناسبًا للطيران - أنبأت البحار الميناء مستعدًا - حدثت الصديق الرحلة طيبة - أخبرت المريض الراحة لازمة - خبرت البائع الأمانة أنفع له، والكثير من الأساليب المأثورة أن يكون فيها تلك الأفعال الخمسة مبنية للمجهول، وأن يقع أول المفاعيل الثلاثة نائب فاعل مرفوعًا، ويبقى الثاني والثالث مفعولين صريحين، ومن الأمثلة قول الشاعر: نبت نعمى على الهجران عاتبة ... سقيًا ورعيًا2 لذاك العاتب الزاري وقد جاء في القرآن "نبأ" ناصبًا مفعولًا واحدًا صريحًا، وسد مسد المفعولين الآخرين جملة "إن" مع معموليها، بعد أن علقت الفعل عنها باللام في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الأساليب الفصيحة: أحب العلوم، ولا تر ما العلوم الكونية، أو: أحب العلوم، ولو تر ما العلوم الكونية ... بمعنى: ولا سيما العلوم الكونية. وقد سبق الكلام مفصلًا على: "لا سيما" وعلى هذه الأساليب التي بمعناها 1- وسيجيء هنا لمناسبة أخرى2.
المسألة 65: الفاعل
المسألة 65: الفاعل 1 تعريفه: اسم، مرفوع، قبله فعل تام2، أو ما يشبهه 3، وهذا الاسم هو الذي فعل 4 الفعل، أو قام به 5.
فمثال الاسم، صريحًا، أو مؤولًا: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} ، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1، "شاع أن البغي وخيم العاقبة"، "اشتهر أن تنتقل العدوى من المريض للسليم". ومثال ما يشبه الفعل: أواقف على الشجرة عصفورة - ما فرج أعداؤنا بوحدتنا وقوتنا، فكلمة: "عصفورة" فاعل للوصف؛ "وهو" واقف، اسم الفاعل" وكلمة: "أعداؤنا" فاعل للوصف: "فرح - الصفة المشبهة". ومن أمثلة الفاعل الذي قام به الفعل أيضًا: اتسعت ميادين العمل في بلادنا، وتنوعت أسبابه؛ فلن يضيق الرزق بطالبيه ما داموا جادين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يكون الفاعل مؤولًا إذا وقع مصدرًا منسبكًا من حرف مصدري وصلته. وحروف المصادر خمسة1، لكن الذي يصلح منها للسبك في باب الفاعل ثلاثة2؛ هي: "أن" - "أن" - "ما"، المصدرية بنوعيها، مثل: يسعدك أن تعمل الخير، ويسعدني أنك حريص عليه، "أي: يسعدك عمل الخير ويسعدني حرصك عليه" ... ومثل: ينفعك ما أخلصت في عملك - يسرني ما طالت ساعات الصفر، "أي: ينفعك إخلاصك في عملك -يسرني مدة 3 إطالة ساعات الصفو"، فلا يوجد المصدر المؤول إلا من اجتماع أمرين مذكورين - غالبًا 1 في الكلام، هما: حرف سابك وصلته، ولا يجوز حذف أحدهما إلا "أن" الناصبة للمضارع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنها قد تحذف وحدها وجوبا أو جوازا في مواضع معينة، وتبقى صلتها -كما سيجيء1- ومع حذفها في تلك المواضع تسبك مع صلتها الباقية مصدرا يعرب على حسب حالة الجملة، وقد حذفت سماعا في غير تلك المواضع، وبقيت صلتها أيضا، وهو حذف شاذ لا يصح القياس عليه، ومنه قولهم: وما راعني إلا يسير الركب، أي: إلا أن يسير الركب، والتقدير ... ما راعني إلا سير الركب، فالمصدر المؤول فاعل، ومثله: يفرحني يبرأ المريض، أي: أن يبرأ المريض والتقدير: يفرحني برء المريض، فالمصدر المنسبك فاعل، وهو نظير المسموع، وكلاهما لا يجوز القياس عليه، وإنما يذكر هنا لفهم المسموع الوارد في الكلام العربي القديم، دون محاكاته. وقد دعاهم إلى تقدير "أن" حاجة الفعل الذي قبلها إلى فاعل، فيكون المصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعلًا، ولولا هذا لكان الفاعل محذوفًا أو جملة: "يسير الركب - يبرأ المريض"، وكلاهما لا يرضى عنه النحاة، لمخالفته الأعم الأغلب. وبهذه المناسبة نشير إلى أن الراجح الذي يلزمنا أتباعه اليوم يرفض أن تقع الجملة الفعلية أو الاسمية فاعلًا، وأما قوله تعالى في قصة يوسف: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّه} ، فالفاعل ضمير مستتر تقديره، "هو" عائد على المصدر المفهوم من الفعل، أي: بدا لهم بداء، أي: ظهور رأي، وهذا أحد المواضع التي يستتر فيها الضمير - كما سبق2. وهناك رأي يجيز وقوعها فاعلًا مطلقًا، ورأى ثالث يجيز وقوعها فاعلًا بشرط أن تكون فعلية معلقة3 بفعل قلبي، وأداة التعليق الاستفهام؛ كقوله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} 1، والرأي الأول أكثر مسايرة للأصول اللغوية، وأعبد من التشتيت والتفريق، وأثارهما السيئة في الإبانة والتعبير، فالاقتصار عليه أولى. نعم إن كانت الجملة مقصودًا لفظها وحكايتها بحروفها وضبطها جاز وقوعها فاعلًا؛ لأنها -بسبب قصد لفظها- تعتبر بمنزلة الفرد؛ كأن تسمع صوتًا يقول: "رأيت البشير"، فتقول: "سرني رأيت البشير"؛ فتكون الجملة كلها باعتبارها كتلة واحدة متماسكة، فاعلًا، مرفوعًا بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهروها حركة الحكاية2.
المسألة 66: أحكام الفاعل للفاعل أحكام تسعة، لا بد أن تتحقق فيه مجتمعة: أولها: أن يكون مرفوعًا، كالأمثلة المتقدمة، ويجوز أن يكون الفاعل مجرورًا في لفظه، ولكنه في محل رفع، ومن أمثلته إضافة المصدر إلى فاعله؛ في نحو: يسرني إخراج الغني الزكاة؛ فكلمة: "الغني" مضاف إليه مجرور، وهي فاعل المصدر؛ إذ المصدر هنا يعمل عمل فعله1، "أخرج" فيرفع مثله فاعلًا، وينصب مفعولًا به، وأصل الكلام: يعجبني إخراج الغني الزكاة؛ ثم صار المصدر مضافًا، وصار فاعله مضافًا إليه مجرورًا في اللفظ، ولكنه مرفوع في المحل بحسب أصله2، كما قلنا؛ فيجوز في تابعه "كالنعت، أو غيره من التوابع الأربعة3"، أن يكون مجرورًا؛ مراعاة للفظه، أو مرفوعًا مراعاة للمحل، تقول: يعجبني إخراج الغني المقتدر الزكاة؛ برفع كلمة: "المقتدر" أو جرها. ومن أمثلة ذلك أيضًا الفاعل المجرور بحروف جر زائد، ويغلب أن يكون حرف الجر الزائد هو: "من"، أو: "الباء"، أو: "اللام"، نحو: ما بقي من أنصار للظالمين -كفى4 بالحق ناصرًا ومعينًا- هيهات لتحقيق الأمل بغير الجهد الصادق. فكلمة: "أنصار" مجرورة في اللفظ بحرف الجر الزائد: "من"، ولكنها في محل رفع فاعل، وكلمة: "الحق" مجرورة بحرف الجر الزائد: "الباء" في محل رفع؛ لأنها "فاعل"، وكذلك: كلمة: "تحقيق" مجرورة بلام الزائدة في محل رفع؛ لأنها فاعل لاسم الفعل: "هيهات".
فالفاعل في الأمثلة الثلاثة وأشباهها مجرور اللفظ، مرفوع المحل؛ بحيث لو جاء بعده تابع "كالعطف، أو غيره من التوابع الأربعة" لجاز في تابعه الرفع والجر؛ كما أسلفنا- ففي المثال الأول نقول: ما بقي من أنصار وأعوان1 للظالمين؛ بالجر والرفع في كلمة: "أعوان" المعطوفة، وفي المثال الثاني نقول: كفى بالحق والأخلاق ... يجر كلمة: "الأخلاق" ورفعها، وفي الثالث هيهات لتحقيق الأمل والفوز ... بجر كلمة: "الفوز" ورفعها2. ثانيها: أن يكون موجودًا -ظاهرًا، أو مستترًا- لأنه جزء أساسي 3 في
جملته؛ لا بد منه، ولا تستغني الجمة عنه لتكملة معناه الأصيل مع عامله؛ ولهذا لا يصح حذفه. ويستثنى من هذا الحكم أربعة أشياء1 كل منها يحتاج للفاعل، ولكنه قد يحذف -وجوبًا، أو جوازًا- لداع يقتضي الحذف؛ وهي: أ- أن يكون عامله مبينًا للمجهول؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، ومثل: إن القوي يخاف بأسه. وأصل الكلام: كتب الله عليكم الصيام إن القوي يخاف الناس بأسه ... ثم بني الفعل للمجهول، فحذف الفاعل وجوبًا: وحل مكانه نائب له. ب- أن يكون الفاعل واو جماعة أو ياء مخاطبة، وفعله مؤكد بنون التوكيد؛ كالذي في خطبة أحد القواد ... " أيها الأبطال، لتهزمن أعداءكم، ولترفعن راية بلادكم خفاقة بين رايات الأمم الحرة العظيمة ... فأبشري يا بلادي "فوالله لستمعن أخبار النصر المؤزر2، ولتفرحن بما كتب الله لك من عزة، وقوة، وارتقاء". "وأصل الكلام: تهزمونن - ترفعونن - تسمعينن - تفرحينن - حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، ثم حذفت وجوبًا واو الجامعة وياء المخاطبة، لالتقاء الساكنين"3. جـ- أن يكون عامله مصدرًا؛ مثل: إكرام الوالد4 مطلوب، والحذف هنا جائز.
د- أن يحذف جوازًا مع عامله لداع بلاغي، بشرط وجود دليل يدل عليهما مثل: من قابلت؟ فتقول: صديقًا1، أي: قابلت صديقًا. وفي بعض الأساليب القديمة التي نحاكيها اليوم ما قد يوهم أن الفاعل محذوف في غير المواضع السالفة، لكن الحقيقة أنه ليس بمحذوف، ومن الأمثلة لهذا: أن يتكلم اثنان في مسألة، يختلفان في تقديرها، والحكم عليها، ثم ينتهي بهما الكلام إلى أن يقول أحدهما لصاحبه: إن كان لا يناسبك فافعل ما تشاء، ففاعل الفعل المضارع: "يناسب" ليس محذوفًا، ولكنه ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود إلى شيء مفهوم من المقام، أي: إن كان لا يناسبك رأيي، أو نصحي، أو الحال الذي أنت فيه2. ومنها: أن يعلن أحدهما رأيه بقوة وتشدد؛ فيقول أحد السامعين: ظهر -أو: تبين- أو: تكشف ... يريد: ظهر الحق.... أو تبين الحق ... أو: تكشف الحق. وقصارى القول: لا بد -في أكثر3 الحالات- من وجود الفاعل اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا مستترًا أو بارزًا، وقد يحذف أحيانًا؛ كما في تلك المسائل الأربعة. وحذفه في المسألتين الأوليين واجب، أما في الأخيرتين فجائز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مذكور أو محذوف؛ منها: "كان"1 الزائدة؛ مثل: المال - كان - عماد للمشروعات العمرانية. ومنها الفعل التالي لفعل آخر؛ ليؤكده توكيدًا لفظيًا؛ مثل: "اقترب - اقترب - القطار"؛ "فتهيأ - تهيأ - له"، فالفعل الثاني منهما مؤكد للأول توكيدًا لفظيًا، فلا يحتاج لفاعل2 مع وجود الفاعل السابق. ومنها أفعال اتصلت بآخرها: "ما" الكافة: "أي: التي تكف غيرها عن العمل، وتمنع ما اتصلت به أن يؤثر في معمول" مثل: طالما - كثر ما - قلما، نحو: "طالما أوفيت بوعدك، وكثر ما حمدت لك الوفاء، وقلما3 يخلف النبيل وعده"، ويعرب كل واحد فعلًا ماضيًا مكفوفًا عن العمل "أي: ممنوعًا" بسبب وجود "ما" التي كفته، وقد يقال في الإعراب: طالما - أو كثر ما - أو: قلما - "كافة ومكفوفة" بمعنى: أن كل كلمة من الاثنتين كفت الأخرى، ومنعتها من العمل، فهي كافة لغيرها، ومكفوفة بغيرها. وهناك رأي أفضل؛ يعرب الفعل ماضيًا، ويعرب "ما" مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعل الفعل الماضي؛ فالتقدير: طال إيفاؤك بوعدك - وكثر حمدي لك الوفاء - وقل إخلاف النبيل وعده، وإنما كان هذا الرأي أفضل؛ لأنه يوافق الأصل العام الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل؛ فلا داعي لإخراج هذه الأفعال من نطاق ذلك الأصل4. هذا ويقول اللغويون: إن تلك الأفعال - هي - في الرأي الأحسن الجدير بالاتباع - لا يليها إلا جملة فعلية؛ كالأمثلة السابقة.
ثالثها: وجوب تأخيره عن عامله، كالأمثلة السالفة، وقد يوجد في بعض الأساليب الفصحى ما يوهم أن الفاعل متقدم، والواقع أنه ليس بفاعل في الرأي الأرجح؛ ففي مثل: "الخير زاد"، لا نعرب كلمة: "الخير" فاعلًا مقدمًا، وإنما هي مبتدأ، وفاعل الفعل بعده ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الخير، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، وفي مثل: إن ملهوف استعان بك فعاونه، تعرب كلمة: "ملهوف" فاعلًا1 بفعل محذوف يفسره الفعل بعدها؛ والتقدير: إن استعان بك ملهوف -استعان بك- فعاونه، ومثله: إن أحد استغاث بك فأغثه ... وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، فالفاعل لا يكون متقدمًا، ما الاسم التقدم على الفعل في تلك الأمثلة وأشباهها فقد يعرب حينًا، مبتدأ، وفاعل الفعل الذي بعده ضمير مستتر يعود على ذلك الاسم، وقد يعرب في حالات أخرى فاعلًا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده2، أو غير هذا من الأوجه الإعرابية الصحيحة التي تبعده عن أن يكون فاعلًا متقدمًا. رابعها: الشائع أن يتجرد عامله "فعلًا كان، أو شبه فعل" من علامة في آخره تدل على التثنية، أو على الجمع حين يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مثنى أو جمعًا، نحو: طلع النيران -أقبل المهنئون- برعت الفتيات في الحرف المنزلية، فلا
يصح في الأمثلة السابقة وأشباهها -طبقًا، للرأي الشائع- أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية، ولا واو جماعة، ولا نون نسوة؛ فلا يقال: طلعًا النيران -أقبلوا المهنئون- برعن الفتيات1 ... إلا على لغة تزيد هذه العلامات مع وجود الفاعل الظاهر بعدها، وهي لغة فصيحة2، ولكنها لم تبلغ من درجة الشيوع والجري على ألسنة الفصحاء ما بلغته الأولى التي يحسن الاكتفاء بها اليوم، والاقتصار عليها؛ إيثارًا للأشهر -وتوحيدًا للبيان- مع صحة الأخرى. ومثل الفعل في الحكم السابق ما يشبهه في العمل، فلا يقال في اللغة الشائعة: هل المتكلمان غريبان؟ هل المتكلمون غريبون، بإعراب كلمتي: "غريبان" و"غريبون" فاعلًا للوصف، ويجوز على اللغة الأخرى3.
خامسها: أن عامله قد يكون مضمرًا "أي: محذوف اللفظ" جوازًا أو وجوبًا: أ- فيكون العامل مضمرًا "أي: محذوف لفظه" جوازًا إذا وقع جواب استفهام ظاهر الأداة، تشتمل جملته على نظير العامل المحذوف، نحو: من انتصر؟ فتجيب: الشجاع، أي: انتصر الشجاع ... ونحو: أحضر اليوم أحد؟ فتجيب: الضيف، أي: حضر الضيف ... أو يكون في جواب استفهام ضمني مفهوم من السياق من غير تصريح بأدائه ودلالته؛ نحو: ظهر المصلح فاشتد الفرح به ... ؛ العلماء - القادة - الجنود - أي: فرح العلماء - فرح القادة - فرح الجنود فكان سائلًا سألك من فرح به؟ فكان الجواب: العلماء ... و؛ فالاستفهام غير صريح، ولكنه مفهوم من مضمون الكلام، ومثل: ازدحم الطريق؛ الأولاد، السيارات، الدراجات ... أي: زحمه الأولاد، زحمته السيارات ... زحمته الدراجات فليس في الكلام استفهام صريح، وإنما فيه استفهام ضمني، أو مقدر يفهم من السياق؛ فكأن أصل الكلام: من زحمه؟ فأجيب: الأولاد، أي: زحمه الأولاد، ومثل: العيد بهجة مأمولة، وفرحة مشتركة: الكبار، الأطفال، الرجال، النساء ... ففي الكلام سؤال ضمني أو مقدر؛ هو: من يشترك فيها؟ فأجيب: الكبار.. و. أي: يشترك فيه الكبار. .. و..، ومثل: لم يدخل الحزن قلبك لموت فلان، فتقول: بل أعظم الحزن. فكأن أصل الكلام: هذا أصحيح؟ فأجبت أعظم الحزن، أي بل دخله أعظم الحزن ...
وهكذا1. ب- ويكون العامل مضمرًا وجوبًا إذا وقع مفسرًا بما بعد فاعله من فعل آخر "أو ما يشبهه" يعمل في ضمير يعود على الفاعل الظاهر السابق، أو: في اسم مضاف إلى ضمر2 يعود على ذلك الفاعل؛ نحو: إن ضعيف استنصرك فانصره - إن صديق حضر والده فأحسن استقباله، فالفعل: "استنصر" و"حضر" هو المفسر للفعل المحذوف، وأصل الكلام: إن استنصرك ضعيف استنصرك، وفاعل الفعل المفسر ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على فاعل الفعل المحذوف. وكذلك فاعل الفعل: "حضر" فإنه مفسر لفعل محذوف، والتقدير: إن لابس صديق؛ حضر والده فأحسن استقباله3، فالضمير في كلمة: "والده" مضاف إليه، والمضاف هو كلمة: "الوالد" المعمولة للفعل المفسر: "حضر" وفي هذين المثالين وأشباههما لا يجوز الجمع بين المفسر والمفسر؛ لأن المفسر هنا يدل على الأول، ويغني عنه؛ فهو كالعوض، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه4. سادسها: أن يتصل بعامله علامة تأنيث تدل على تأنيثه "أي: على تأنيث الفاعل حين يكون مؤنثًا، هو، أو نائبه"5، وزيادتها على الوجه الآتي:
أ- إن كان العامل فعلًا ماضيًا لحقت آخره تاء التأنيث الساكنة1، مثل قول شوقي في سكينة بنت الحسين بن علي: رضي الله عنهما: كانت سكينة تملأ الدنيا ... وتهزأ بالرواة روت الحديث، وفسرت ... آي الكتاب البينات ب- إن كان العامل مضارعًا فاعله المؤنث اسم ظاهر، للمفردة، أو لمثناها أو جمعها، لحقت أوله تاء متحركة: مثل: تتعلم عائشة، تتعلم العائشتان -تتعلم العائشات، وكذلك إن كان فاعله ضميرًا متصلًا للغائية المفردة أو لمثناها2، مثل: عائشة تتعلم3- العائشتان تتعلمان، ومثل قولهم: عجبت للباغي كيف تهدأ نفسه، وتنام عيناه، وهو يعلم أن عين الله لا تنام؟ وكالمضارع تملأ" و"تهزأ" في البيت السالف. فإن كان فاعله ضميرًا متصلًا لجمع الغائبات "أي: نون النسوة"، فالأحسن - وليس بالواجب4- تصديره بالياء، لا بالتاء؛ استغناء بنون النسوة في آخره؛ نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، ويسهرن الليالي في رعايتهم. ويصح: تبذلن، تسهرن ... ولكن الياء أحسن -كما تقدم. ج- إن كان العامل وصفًا5 لحقت آخره تاء التأنيث المربوطة6؛ مثل:
أساهرة والدة الطفل؟. وحكم زيادة تاء التأنيث عام ينطبق على المواضع الثلاثة السالفة " أ - ب - ج " غير أن زيادتها قد تكون واجبة، وقد تكون جائزة، فتجب في حالتين. الحالة الأولى: أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقي التأنيث1، متصلًا
بعامله مباشرة1، غير مراد منه الجنس، وغير جمع2 وما يجري مجراه كقولهم: سعدت امرأة عرفت ربها حق المعرفة؛ فأطاعته: وشقيت امرأة لم تراقبه في السر والعلن، ويلاحظ التفصيل الآتي: 1- إن كان الفاعل اسمًا ظاهرًا مؤنثًا حقيقيًا، ولكنه مفصول من عامله بفاصل جاز تأنيث العامل وعدم تأنيثه3؛ نحو: نسق الزهر مهندسة بارعة، أو نسقت ... ومثل: ما صاح إلا طفلة صغيرة، أو: صاحت، وعدم التأنيث هو الأفصح حين يكون الفاصل كلمة: "إلا" 4 والأفصح مع غيرها التأنيث5.
2- وكذلك يصح الأمران إن كان الفاعل ظاهرًا، ومؤنثًا حقيقيًا غير مفصول، ولكن لا يراد به فرد معين، وإنما يراد به الجنس كله ممثلًا في الفاعل: فكأن الفاعل رمز لجنس معناه، أو مرادٌ به ذلك الجنس كله، ومنه "الفاعل" الذي فعله: "نعم" أو"بئس" أو أخواتهما1، فيجوز إثبات علامة التأنيث في العامل وحذفها: نحو: نعم الأم، ترعى أولادها، وتشرف على شئون بيتها ... فكلمة "الأم" هنا لا يراد بها واحدة معينة، وإنما يرمز بها إلى جنس الأم من غير تحديد ولا تخصيص، وهذا على اعتبار "أل" جنسية2؛ فيجوز أن يقال: نعم الأم، ونعمت الأم3. 3- وكذلك إن كان الفاعل ظاهرًا ولكنه جمع تكسير للإناث، أو الذكور فيصح تأنيث العامل، وعدم تأنيثه؛ نحو: عرفت الفواطم طريق السداد، واتبعت الهنود سبل الرشاد، ويصح: عرف ... واتبع ... ؛ فالتأنيث على قصد تأويل الفاعل بالجماعة، أو الفئة، وعدم التأنيث على قصد تأويله بالجمع أو الفريق؛ فكأنك في الحالة الأولى تقول: عرفت جماعة الفواطم طريق السداد، واتبعت جماعة الهنود سبل الرشاد، وكأن: في الحالة الثانية تقول: عرف جميع الفواطم 4 ... واتبع جمع الهنود 4 ... فالتأنيث ملاحظ فيه معنى "الجماعة"، والتذكير ملاحظز فيه معنى " الجمع"، وكأن العامل مسند إلى هذه أو تلك؛ ويجري التأنيث أو التذكير على أحد الاعتبارين. ومثل قولهم؛ إذا دعا البدوي استجاب سكان الحي لدعوته؛ فأسرع الرجال
إليه، وبادر الفتيان لنجدته ... ويجوز: استجابت - أسرعت - بادرت؛ فيجري التأنيث أو التذكير هنا - كما في سابقتها - على أحد الاعتبارين. ويجري على اسم الجمع1 واسم الجنس الجمعي2 المعرب3، ما يجري على جمع التكسير؛ نحو: قالت طائفة لا تسالموا العدو، ونحو: شربت البقر ... ويجوز: "قال، وشرب"4 ... 4- وإن كان الفاعل الظاهر جمع مؤنث ساملًا - مستوفيا للشروط 5- فحكمه كحكم مفرده؛ فيجب تأنيث عامله - في الرأي الأقوى- كقولهم: بلغت الأعرابيات في قوة البيان وبلاغة القول مبلغ الرجال، وكانت الشاعرات تجيد
القريض كالشعراء، وربما سبقت شاعرة كثيرًا من الفحول ... فإن لم يكن مستوفيًا للشروط جاز الأمران؛ نحو: أعلنت الطلحات السفر، أو أعلن ... "جمع: طلحة، اسم رجل"، وكقول بعض المؤرخين: "لما تمت "أذرعات" 1 نباء وعمرانًا هيأ واليها طعامًا للفقراء، ونظر فإذا جمع من النساء مقبل؛ فقال: الحمد لله، أقبل أولات الفضل من عملن بأنفسهن، وساعدن بأولادهن؛ ابتغاء مرضاة الله " فيصح في الفعلين: "تم ... " "أقبل ... " زيادة تاء التأنيث في آخرهما، أو عدم زيادتها. وبديه أن الفاعل إذا كان جمع مذكر سالمًا مستوفيًا للشروط، لا يجوز -في الرأي الأصح- تأنيث عامله وإنما يحكم له بحكم مفرده، كقولهم: "أسرع المحاربون إلى لقاء العدو، فرحين، ولم يتزحزح الواقفون في الصفوف الأمامية، ولم يتقهقر الواقفون في الصفوف الخلفية؛ حتى كتب الله لهم النصر، وفاز المخلصون بما يبتغون". فإن كان غير مستوف للشروط2 جاز الأمران على الاعتبارين السالفين - "معنى الجمع أو معنى الجماعة" نحو: أظهر أولو العلم في السنوات الأخيرة عجائب؛ لم يشهد الأرضون مثلها من بدء الخليقة، وشاهد العالمون من آثار العبقرية ما جعلهم يرفعون العلم والعلماء إلى أعلى الدرجات؛ فيصح في الأفعال المذكورة عدم إلحاق علامة التأنيث بها كما هنا، أو زيادتها فيقال: أظهرت - تشهد - شاهدت ... 5 وإن كان الفاعل الظاهر مؤنثًا غير حقيقي "وهو: المؤنث المجازي" صح تأنيث عامله وعدم تأنيثه؛ نحو: امتلأت الحديقة بالأزهار -تمتلئ الحديقة بالأزهار، ويصح: امتلأ، ويمتلئ. 6- هناك صور للفاعل المؤنث الحقيقي لا يصح أن يؤنث فيها عامله، منها: أن يكون الفعل هو التاء التي للمفردة؛ مثل: كتبت - أو لمثناها؛ نحو كتبتما،
أو التي معها نون النسوة؛ مثل كتبتن1 ... أو يكون الفاعل هو: "نا" التي لجماعة المتكلمات؛ نحو: كتبنا، أو نون النسوة، نحو: كتبن. ومنها: أن يكون الفاعل المؤنث الحقيقي مجرورًا في اللفظ بالباء التي هي حرف جر زائد، وفعله هو: كلمة؛ "كفى" مثل: "كفى بهند شاعرة"2. الحالة الثانية3: أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا عائدَا على مؤنث مجازي، أو حقيقي؟ كقولهم: بلادك أحسنت إليك طفلًا، وأفاءت عليك الخبر يافعًا؛ فمن حقها أن تسترد جزاءها منك شابًا وكهلًا، وكقولهم: الأم المتعلمة تحسن رعاية أبنائها؛ فترفع شأن بلادها4، ففاعل الأفعال "وهي: أحسن - أفاء - تسترد" ضمير مستتر تقديره: "هي" يعود على مؤنث مجازي، وأما فاعل الفعلين: "تحسن - ترفع ... "، فضمير مستتر تقدير: "هي" يعود على مؤنث حقيقي ... فإن كان الفاعل ضميرًا بارزًا منفصلًا كان الأفصح الشائع في الأساليب العالية عدم تأنيث عامله: نحو: " ما فاز إلا أنت يا فتاة الحي" - "الفتاة ما فاز إلا هي" - "إنما فاز أنت - إنما فاز هي"، ووأشباه هذه الصور مما يقال عند إرادة الحصر، ومع أن التأنيث جائز فإن الفصحاء يفرون منه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اسم الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة - إذا وقع مفرده هذا فاعلًا وجب تأنيث عامله مطلقًا؛ "أي: سواء أكان من الممكن تمييز مذكره من مؤنثه: كبقرة وشاة، أم لم يمكن؛ كنملة ودودة"؛ فيقال: سارت بقرة - أكلت شاة - دأبت نملة على العمل - ماتت دودة. أم اسم الجنس المفرد الخالي من التاء الذي لا يمكن تمييز مذكره من مؤنثه فيجب تذكير عامله، ولو أريد به مؤنث؛ مثل: صاح هدهد - غرد بلبل، ... فإن أمكن تمييز مذكره من مؤنثه روعي في تأنيث العامل، وعدم تأنيثه ما يدل عليه التمييز، فالمعمول عليه في تأنيث عامل اسم الجنس المفرد الخالي من التاء، أو عدم تأنيثه - هو مراعاة اللفظ عند عدم التمييز. ب - إذا كان الفاعل جمعًا يجوز في عامله التذكير والتأنيث "كجمع التكسير"، فإن الضمير العائد على ذلك الفاعل يجوز فيه أيضًا التذكير والتأنيث؛ نحو: قامت الرجال كلهم -أو قام الرجال كلها، والأحسن لدى البلغاء موافقة الضمير للعامل في التذكير وعدمه؛ نحو: قامت الرجال كلها، أو قام الرجال كلهم، ونحو: حضرت الأبطال كلها، أو: حضر الأبطال كلهم، وذلك ليسير الكلام على نسق متماثل. ج- كما تلحق تاء التأنيث الفعل في المواضع السابقة تلحق أيضًا الوصف - كما سبق1- إلا إذا كان الوصف مما يغلب عليه ألا تلحقه التاء في بعض حالاته، مثل: "فعول" بمعنى: "فاعل"؛ كصبور، وجحود ... ومثل: "فعيل" بمعنى: مفعول؛ كطريح وطريد، بمعنى: مطروح، ومطرود2، ومثل: "أفعل التفضيل"3 في بعض صوره، وكذلك لا تلحق آخر اسم الفعل4، كهيهات. ولا العامل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كانت شبه جملة على الرأي الذي يجعل شبه الجملة رافعًا فاعلًا بشروط اشترطها، وهو رأي يحسن إغفاله اليوم. د- إذا قصد لفظ كلمة ما؛ "اسمًا كانت، أو فعلًا، أو حرفًا" جاز اعتبارها مذكرة على نية: "لفظ" أو مؤنثة على نية: "كلمة"، وكذلك حروف الهجاء في الرأي الأشهر؛ تقول في كلمة سمعتها مثل: "هواء" أعجبني الهواء، أو: أعجبتني الهواء، فالأولى على إرادة: أعجبني لفظ: "الهواء" والثانية على إرادة: أعجبتني كلمة: "الهواء"، وتقول في إعراب: "أعجب" إنه فعل ماض، أو إنها فعل ماض. وتقول "أل" هو: حرف يفيد التعريف أحيانًا: أو: هي حرف تفيد التعريف أحيانًا، وهكذا. وتنظر للحروف الهجائي "الميم" مثلًا فتقول: إنه جميل المنظر، أو إنها جميلة المنظر ... وعلى حسب التذكير أو التأنيث في كل ما سبق، ونظائره - يذكر أو يؤنث العامل والضمائر وغيرها من كل ما يتصل بالمطابقة. هـ- الأحكام الخاصة بالتذكير والتأنيث المترتبين على وقوع الفاعل مفردا مؤنثًا، تطبق أيضًا حين وقوعه مثنى مؤنثًا، فيجري على عامل الفاعل المؤنث المثنى، وعلى الضمائر العادة عليه من التذكير والتأنيث، ما يجري عليهما مع الفاعل المفرد المؤنث -كما يفهم مما سبق- كما سبق حكم العامل مع الفاعل المجموع1.
سابعها: أن يتقدم - أحيانًا - على المفعول به؛ كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر: وإذا أراد الله امرًا لم تجد ... لقضائه ردًّا ولا تحويلًا ولهذا التقدم أحوال ثلاث؛ فقد يكون واجبًا، وقد يكون ممنوعًا، وقد يكون جائزًا. أ- فيجب الترتيب بتقديم الفاعل وتأخير مفعوله في مواضع، أشهرها: 1- خوف اللبس الذي لا يمكن معه تمييز الفاعل من المفعول به؛ كأن يكون كل منهما اسمًا مقصورًا؛ نحو: ساعد عيسى يحيى، أو مضافًا لياء المتكلم؛ نحو: كرم صديقي أبي1، فلو تقدم المفعول به على الفاعل لخفيت حقيقة كل منهما، وفسد المراد بسبب خفائها؛ لعدم وجود قرينة تزيل هذا الغموض2، واللبس. فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية تزيله لم يكن الترتيب واجبًا، فمثال اللفظية: أكرمت يحيى سعدى، فوجود تاء التأنيث في الفعل دليل على أن الفاعل هو المؤنث "سعدى"، ومثل: كلم فتاه يحيى؛ لأن عودة الضمير على "يحيى" دليل على أنه الفاعل، وأنه متقدم في الرتبة3، برغم تأخره في اللفظ، "ولهذا يسمى المتقدم حكمًا، ولم يكن معولًا به لكيلا يعود الضمير على شيء متأخر في اللفظ والرتبة؛ وهذا أمر لا يساير الأساليب الصحيحة التي تقضي بأن الضمير لا بد أن يعود على متقدم في الرتبة، إلا في بعض مواضع 4 معينة، ليس منها هذا الموضع. ومثال المعنوية: أتعبت نعمى الحمى، فالمعنى يقتضي أن تكون "الحمى" هي الفاعل؛ لأنها هي التي تتعب "نعمى"، لا العكس.
2- أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا والمفعول به اسمًا ظاهرًا؛ نحو: أتقنت العمل، وأحكمت أمره، ولا مانع في مثل هذه الصورة من تقدم المفعول به على الفعل والفاعل معًا؛ لأن الممنوع أن يتقدم على الفاعل وحده؛ فيتوسط بينه وبين الفعل. 3- أن يكون كل منهما ضميرًا متصلًا ولا حصر1 في أحدهما؛ نحو عاونتك كما عاونتني. 4- أن يكون المفعول به قد وقع عليه الحصر، "والغالب أن تكون أداة الحصر هي: "إنما" أو"إلا" المسبوقة بالنفي"، نحو: إنما يفيد الدواء المريض، أو: ما أفاد الدواء إلا المريض. وقد يجوز تقديم المفعول به على فاعله إذا كان المفعول محصورا بإلا المسبوقة بالنفي، بشرط أن تتقدم معه "إلا"؛ نحو: ما أفاد -إلا المريض- الدواء2. ومع جواز هذا التقديم لا يميل أهل المقدرة البلاغية إلى اصطناعه؛ لمخالفته الشائع بن كبار الأدباء. ب- ويبج إهمال الترتيب: وتقديم المفعول به على الفاعل فيما يأتي: 1- أن يكون الفاعل مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: صان الثوب لابسه -قرأ الكتاب صاحبه3 ... ففي الفاعل "وهو: لابس- صاحب" ضمير يعود على المفعول به السابق4، فلو تأخر المفعول به لعاد ذلك
الضمير على متأخر لفظًا ورتبة1؛ وهو مرفوض في هذا الموضع، أما عوده على المتأخر لفظًا دون رتبة -وهو المسمى بالمتقدم حكمًا- فجائز، ومن أمثلته: عود الضمير من مفعول به متقدم على فاعله المتأخر؛ نحو؛ حملت ثمارها الشجرة - فالضمير "ها" في المفعول عائد على "الشجرة" التي هي الفاعل المتأخر في اللفظ، دون الرتبة؛ لأن ترتيب الفاعل في تكون الجملة العربية يسبق المفعول به. ونحو: أفادت صاحبها الرياضة - أروى حقله الزارع ... أما عودة الضمير على المتأخر لفظًا ورتبة فكما عرفنا - ممنوعة إلا في بعض مواضع محددة، وقد وردت أمثلة قديمة عاد الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة في غير تلك المواضع؛ فحكم عليها بالشذوذ وبعدم صحة محاكاتها، إلا في الضرورة الشعرية، بشرط وضوح المعنى، وتمييز الفاعل من المفعول به؛ فمن الخطأ أن تقول: أطاع ولدها الأم - أرضى ابنه أباه. 2- أن يكون الفاعل قد وقع عليه الحصر "بأداة يغلب أن تكون إلا" المسبوقة بالنفي، أو"إنما" نحو: لا ينفع المرء إلا العمل الحميد - إنما ينفع المرء العمل الحميد، وقد يجوز تقديم المحصور "بإلا" على مفعوله إذا هي تقدمت معه وسبقته؛ نحو: لا ينفع إلا العمل الحميد المرء ... "ملاحظة": ستأتي2 مواضع يجب أن يتقدم فيها المفعول به على عامله، فيكون متقدمًا على فاعله تبعًا لذلك.
جـ- في غير ما سبق "في: أ، ب" يجوز الترتيب وعدمه، ومن أمثلة تقديم الفاعل على المفعول جوازًا1 قول الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود ومن أمثلة تقديم المفعول به -جوازًا- على فاعله وحده: الجهل لا يلد الضياء ظلامه ... ، والشطر الأول من قول الشاعر: أبت لي حمل الضيم نفس أبية ... وقلب إذا سيم الأذى شب وقده2 ويفهم من الأقسام السالفة أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبًا -هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول به وجوبًا، فيمتنع تقديمه على فاعله، والعكس صحيح كذلك؛ فالمواضع التي يتقدم فيها المفعول به على فاعله وجوبًا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبًا، ويمتنع تقديمه عليه، حيث لا وجوب في التقديم أو التأخير يجوز الأمران، ولا يمتنع تقديم هذا أو ذاك. بقيت مسألة الترتيب بينهما وبين عاملهما، وملخص القول فيها: أن الفاعل لا يجوز تقديمه على عامله -كما سبق3 وأن المفعول به يجب تقديمه على عامله في صور4، ويمتنع في أخرى؛ ويجوز في غيرهما. أ- فيجب تقديمه: 1- إن كان اسمًا له الصدارة في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط؛ نحو؛ من قابلت؟ أي نبيل تكرم أكرم ... وكذلك إن كان مضافًا لاسم له الصدارة؛ نحو: صديق من قابلت؟ - صاحب أي نبيل تكرم أكرم ...
2- كذلك يجب تقديمه إن كان ضميرًا مفصلًا لو تأخر عن عامله لوجب اتصاله1 به؛ كقولهم: "أيها الأحرار: إياكم نخاطب، وإياكم ترقب البلاد ... "، فلو تأخر المفعول به: "إيا" لا تصل بالفعل، وصار الكلام: نخاطبكم ... ترقبكم ... ؛ فيضيع الغرض البلاغي من التقديم "وهو: الحصر". 3- وكذلك يجب تقدميه إذا كان عامله مقرونًا بفاء الجزاء2 في جواب "أما" الشرطية الظاهرة أو المقدرة، ولا اسم يفصل بين هذا العامل وأما، فيجب تقديم المفعول به ليكون فاصلًا؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" الشرطية3، ومن الأمثلة قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} ، وقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 4 بخلاف: أما اليوم فساعد نفسك، حيث لا يجب تقديم المفعول به، لوجود الفاصل؛ وهو هنا: الظرف5. ب- ويمتنع تقديم المفعول به على عامله في الصور الآتية6: وقد سبقت الإشارة لبعضها. 1- جمع الصور التي يمتنع فيها تقدمه على فاعله، وقد سبقت 7؛ "ومنها أن يكون تقدمه موقعًا في لبس، نحو: ساعد يحيى عيسى، فلو تقدم المفعول به -من غير قرينة- لالتبس بالمبتدأ، ومهمة المبتدأ المعنوية تخالف مهمة الفاعل.
وكذلك بقية الصور الأخرى، ما عدا الثانية؛ فيجوز فيها الأمران. 2- أنه يكون مفعولًا لفعل التعجب "أفعل" في مثل: ما أعجب قدرة الله التي خلقت هذا الكون. 3- أن يكون محصورًا بأداة حصر، هي: "إلا" المسبوقة بالنفي، أو "إنما" نحو: لا يقول الشريف إلا الصدق - إنما يقول الشريف الصدق. 4- أن يكون مصدرًا مؤولًا من "أن المشددة أو المخففة" مع معموليها؛ نحو: عرف الناس أن الكواكب تفوق الحصر، وأيقن العلماء أن بعض منها قريب الشبه بالأرض، إلا أن كانت "أن" مع معموليها مسبوقة بأداة الشرط: "أما"؛ نحو: أما أنك فاضل فعرفت؛ لأن "أما" لا تدخل إلا على الاسم. 5- أن يكون واقعًا في صلة حرف مصدري1 ينصب الفعل "وهو: أن - كي" في نحو: "سرني أن تقرن القول الحسن بالعمل الأحسن؛ لكي يرفع الناس قدرك"، فإن كان واقعًا في صلة حرف مصدري غير ناصب جاز -في رأي- تقديمه على عامله، لا على الحرف المصدري؛ نحو: أبتهج ما الكبير احترم الصغير، والأصل: ابتهج ما احترم الصغير الكبير، وامتنع -في رأي آخر 2 تقديمه على عامله، وهذا الرأي أقوى وأنسب في غير صلة " ما" المصدرية 3. 6- أن يكون مفعولًا لعامل مجزوم بحرف جزم يجزم فعلًا واحدًا 4، فيجوز تقدمه على عامله وعلى الجازم معًا، ولا يجوز تقدمه على العامل دون الجازم؛ تقول: وعدًا لم أخلف، وإساءة لم أفعل، ولا يصح: لم وعدًا أخلف، ولم إساة أفعل. 7- أن يكون مفعولًا به لفعل منصوب بالحرف: "لن"، فلا يجوز أن يتقدم
على عامله فقط، وإنما يجوز أن يتقدم عليه، وعلى "لن" معًا، نحو، ظلمًا لن أحاول، وعدوانًا لن أبدأ1. وفي غير مواضع التقديم الواجب، والتأخير الواجب2، يجوز الأمران.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك مواضع أخرى لا يجوز فيها تقدم المفعول به على عامله، منها1: أن يكون مفعولصا به لفعل مؤكد بالنون، نحو: حاربن هواك. أو مفعولًا به لفعل مسبوق بلام الابتداء؛ وليس قبلها "إن"؛ ففي مثل: لينصر2 الشريف أهل الحق ... لا يصح أن يقال: أهل الحق لينصر الشريف، ويصح أن يقال: إن الشريف أهل الحق لينصر. أو يكون فعله مسبوقًا بلام القسم؛ نحو: والله لفي غد أقضى حق الأهل. أو مسبوقًا بالحرف: "قد" نحو: قد يدرك المتأني غايته؛ أو: "سوف"؛ نحو: سوف أعمل الخير جهدي. أو مسبوقًا باللفظ: "قلما"؛ نحو: قلما أخرت زيارة واجبة. أو: "ربما"، نحو: ربما أهلكت البعوضة الفيل.
ثامنها: عدم تعدده؛ فلا يصح أن يكون للفعل وشبهه إلا فاعل واحد، أما مثل: تصافح علي وأمين، ومثل تسابق حليم، ومحمود، وسليم، و ... فإن الفاعل هو الأول، وما بعده معطوف عليه، ولا يصح في الاصطلاح النحوي إعراب ما بعده فاعلًا، برغم أن أثر الفعل ومعناه متساو بين الأول وغيره1. تاسعها: إغناؤه عن الخبر حين يكون المبتدأ وصفًا مستوفيًا الشروط 2؛ مثل: أمتقن الصانعان؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: مسألة أخيرة: عرض بعض1 النحاة لما سماه: "الاشتباه بين الفاعل والمفعول به"، وصعوبة التمييز بينهما في بعض الأساليب، وأن ذلك يكثر حين يكون أحدهما اسمًا ناقصًا "أي: محتاجًا لتكملة بعده تبين معناه؛ كاسم الموصول، و"ما الموصوفة" والآخر اسمًا تامًا؛ أي: لا يحتاج للتكملة، وضرب لذلك مثلًا؛ هو: "أعجب الرجل ما كره الأخ"، فما الفعل في الجملة السابقة؟ أهو كلمة: "الرجل"، أم كلمة: "ما" التي بعده؟ وما "المفعول به" في الحالتين؟ وقد وضع ضابطًا مستقلًا لإزالة الاشتباه؛ ملخصه: أ- أن نفرض الاسم التام هو الفاعل؛ فضع مكانه ضميرًا مرفوعًا للمتكلم، ونفرض الاسم الناقص هو المفعول به؛ ونضع مكانه اسمًا ظاهرًا، منصوبًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه2؛ "حيوانًا مثله إن كان المراد من الاسم الناقص حيوانًا، وغير حيوان إن كان الناقص كذلك، فإن استقام المعنى مع هذا الفرض فالضبط الأول صحيح، على اعتبار أن الاسم التام هو الفاعل، وأن الناقص هو المفعول به، وإن لم يستقم المعنى لم يصح الضبط السابق، نقول في المثال السالف أعجبت الثوب، فالتاء ضمير للفاعل المتكلم، جاءت بدلًا من الاسم التام "الرجل" وكلمة: "الثوب" جاءت بدلًا من الاسم الناقص: "ما" وهي من جنسه، باعتباره من جنس غير حيواني، وقد ظهر أن المعنى على هذا الفرض غير مستقيم؛ وهذا ينتهي إلى أن الضبط الذي كان قبله غير صحيح أيضًا. فإن كان المقصود من: "ما"، إنسانًا مثلًا، فوضعنا مكانها فردًا من أفراد الإنسان فقلنا: أعجب محمدًا ... صح الفرض وصح الضبط الذي كان قبله. ب- نفرض الاسم التام: "الرجل" في المثال السابق هو المفعول به، "وما" هي الفاعل؛ فنضع مكان المفعول به ضميرا منصوبًا للمتكلم، ونضع مكان الناقص اسمًا ظاهرًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه؛ فإن استقام المعنى صح الضبط السابق وإلا فلا يصح؛ نقول: أعجبني الثوب؛ إن كان المراد من "ما" شيئًا غير حيواني، فيستقيم المعنى ويصح الضبط الأول.
جـ- إذا لم يصلح المعنى على اعتبار الاسم التام فاعلًا أجريت التجربة على اعتباره مفعولًا به، وكذلك العكس إلى أن يستقيم. وكالمثال السالف: أمكن المسافر السفر1، بنصب: "المسافر"، كما يدل على هذا الضابط السالف؛ لأنك تقول: أمكنني السفر؛ بمعنى: مكنني فاستطعته، ولا تقول: أمكنت السفر ... والحق أن هذه المسالة التي عرض لها بعض النحاة لا تفهم بضابطهم2، ولا يزول ما فيها من اشتباه إلا بفهم مفرداتها اللغوية، وقيام قرينة تدل على الفاعل والمفعول به، وتفرق بيانهما، أما ذلك الضابط وما يحتويه من فروض فلا يزيل شبهة، ولا يكشفها؛ لأنه قائم على أساس وضع اسم ظاهر مكان الناقص بشرط أن يكون من جنسه "حيوانًا عاقلًا، وغير عاقل - أو غير حيوان"، فكيف نختار هذا البديل من جنس الأصيل إذا كنا لا نعرف حقيقة ذلك الأصيل وجنسه؟ فمعرفة البديل متوقفة على معرفة الأصيل أولًا، ونحن إذا اهتدينا إلى معرفة الأصيل لم نكن بعده في حاجة إلى ذلك الضابط، وما يتطلبه من فروض لا تجدي شيئًا؛ ذلك أن الأصيل سيدل بمعناه في جملته على من فعل الفعل، فيعرف من وقع عليه الفعل تبعًا لذلك، ويزول الاشتباه، وإذًا لا حاجة إلى الضابط، ولا فائدة من استخدامه؛ لأن الغرض من استخدامه الكشف عن حقيقة الاسم الناقص، وهذا الكشف يتطلب اختيار اسم من جنسه ليحل محله. فكيف يمكن الاهتداء إلى اسم آخر من جنسه إذا كان الاسم الناقص مجهول الجنس لنا؟. فمن الخير إهمال تلك المسألة بضابطها، وفروضه، والرجوع في فهم المثالين السابقين وأشباهما إلى فهم المعاني الصحيحة لمفرداتها اللغوية، والاعتماد بعد ذلك على القرائن، مع الفرار -جهد الطاقة- من استعمال تلك الأساليب الغامضة، هذا هو الطريق السديد، وعليه المعول.
المسألة 67: النائب عن الفاعل
المسألة 67: النائب عن الفاعل 1 من الدواعي2 ما يقتضي حذف الفاعل دون فعله، ويترتب على حذفه أمران محتومان؛ أحدهما: تغيير يطرأ على فعله3، والآخر: إقامة نائب عنه يحل محله، ويجري عليه كثير من أحكامه التي أسلفناها4؛ كأن يصير جزءًا أساسيًا في الجملة؛ لا يمكن الاستغناء عنه، ويرفع مثله؛ وكتأخره عن عامله5، وتأنيث عامله له أحيانًا، وتجرد العامل من علامة تثنية أو جمع؛ وكعدم
تعدده، وكإغناء هذا النائب عن الخبر أحيانًا في مثل: أمزروع الحقلان؟ " فالحلقلان، نائب فاعل للمبتدأ اسم المفعول، واسم المفعول لا يرفع إلا نائب فاعل؛ كما عرفنا من قبل" إلى غير هذا من الأحكام الخاصة بالفاعل؛ والتي قد تنتقل بعد حذفه إلى نائبه1. ولكل واحد من الأمرين تفصيلات وأحكام تخصه. أ- إليك ما يتعلق بالأمر الأول: 1- إن كان الفعل ماضيًا، صحيح العين2، خاليًا من التضعيف - وجب ضم أوله، وكسر الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مكسورًا من قبل، فالفعل في مثل: "فتح العمل باب الرزق - أكرم الناس الغريب"، يتغير بعد حذف الفاعل؛ فيصير في الجملة: "فتح باب الرزق3 أكرم الغيب 4"، "وهناك بعض حالات يجوز فيها كسر أوله،
وستجيء ... 1". 2- إن كان الفعل مضارعًا وجب -في كل حالاته- ضم أوله أيضًا، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا من قبل؛ فالمضارع في مثل: "يرسم المهندس البيت - يحرك الهواء الغصن ... " يصير في الجملة بعد حذف الفاعل: يرسم البيت - يحرك الغصن2، ومثل قول الشاعر: أعندي وقد مارست3 كل خفية ... يصدق واش، أو يخيب سائل وقد يكون الفتح قبل الآخر مقدارًا لعلة تمنع ظهوره؛ مثل: يصام، "أصله: يصوم، ثم صار "يصام" لسبب صرفي معروف"4، ومثل: "تصاب وتنال"، في قول الشاعر: يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول وفي قول الآخر: إن الكبار من الأمور ... تنال بالهمم الكبار والأصل قبل التغيير الصرفي: تصوب وتنيل ...
3- إن كان الماضي مبدوءًا بتاء تكثير زيادتها عادة - سواء أكانت للمطاوعة1
أما لغيرها - "مثل الماضي: تعلم، تفضل - تعاون - تناشد، تجاهل" وجب ضم الحرف الثاني مع الأول؛ ففي مثل: تعلم الصبي حرفة - تفضل الصديق بالزيارة - ... يصير الماضي: تعلمت حرفة - تفضل بالزيارة1 وفي مثل قولهم: "تعلم البحار في الملاحة، وتعاون مع رفاقه فأمن الخطر" يصير الكلام بعد بناء الفعل الماضي للمجهول: تعلم2 فن الملاحة، وتعوون مع الرفاق؛ فأمن الخطر وهكذا. 4- إن كان الماضي مبدوءًا بهمزة وصل فإن ثالثة يضم مع أوله؛ ففي مثل: "اعتمد العاقل على كفاحه - انتصر المكافح بعمله" - يقال في بناء الفعلين للمجهول: اعتمد على الكفاح - انتصر بالعمل3.
5- إن كان الماضي الثلاثي معل العين1؛ واويًا كان أو يائيًا -مثل: صام، باع - وبني للمجهول، جاز في فائه عند النطق أو الكتابة، إما الكسر الخالص؛ فينقلب حرف العلة ياء؛ نحو: صيم، بيع، وإما الضم الخالص، فينقلب حرف العلة واوًا، نحو: صوم، بوع، وإما الإشمام2 وهذا لا يكون إلا في النطق. والكسر أعلاها، فالإشمام، فالضم، وكل واحد من الثلاثة جاز بشرط ألا يوقع في لبس، وإلا وجب العدول عنه إلى ضبط آخر لا لبس فيه؛ فكثير من الماضي المعل الوسط قد يوقع في اللبس إذا بني للمجهول، وأسند لضمير تكلم، أو خطاب؛ سواء أكان الضمير فيهما للمفرد المذكر أم لغيره، وكذلك
إذا أسند لنون النسورة الدالة على الغائبات، فالفعل: "ساد" - وأشباهه - في نحو "ساد الرجل قومه بالفضل" ... إذا أسندناه لضمير متكلم أو مخاطب من غير أن يبنى للمجهول، قلنا عند الضم: "سدت"، ولو بنينا الفعل للمجهول، وقلنا: "سدت" أيضًا 1؛ لوقع اللبس حتمًا بين هذه الصورة التي بني فيها للمجهول، والصورة السالفة التي لم يبن فيها للمجهول، وفرارًا من اللبس الذي ليس معه قرينة تزيله، ويجب البعد عن ضم الحرف الأول2 في هذه الصورة المبنية للمجهول، ولنا بعد ذلك استعمال الكسر، أو: الإشمام. ومثل: الفعل: "ساد" غيره ن كل فعل ماض ثلاثي، إما معل الوسط بألف أصلها واو؛ "وليس من باب: "فَعِلَ يَفْعَلُ"؛ كخاف يخاف.3 مثل: شاق، يشوق، رام، يروم ... وإما معقل الوسط بألف أصلها ياء أيضًا، فليس اللبس مقصورًا على الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها واو، وليس من باب فعل يفعل، بل يمتد إلى الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها ياء؛ مثل الفعل: "زاد" في نحو: قد زادك الصديق ودًا،
فإنه إذ أسند لضمير المخاطب -مثلا- من غير بناء للمجهول يصير: قد زدت الصديق ودا، بكسر أول الماضي، وإذا أسند للمخاطب أيضا مع البناء للمجهول، فإن كسر أوله صار: زدت ودا1 كذلك، فصورته في الحالتين واحدة مع اختلاف الإسناد والمعنى، وهذا هو اللبس الواجب توقيه، ومن أجله لا يصح الكسر هنا عند بنائه للمجهول؛ فيجب العدول عنه؛ إما إلى ضم أوله نطقًا وكتابة، فنقول: "زدت"، وإما إلى الإشمام "وهذا لا يكون إلا في حالة النطق -كما عرفنا"-. ومثل الفعل "زاد" كثير من الأفعال الماضية المعلة الوسط بالألف التي أصلها الياء؛ ومنها: دان، يدين - قاس، يقيس - عاب، يعيب - باع - يبيع. وخلاصة ما سبق: أن الواجب يقتضي العدول عن ضم فاء الثلاثي المعل العين بالواو، عند خوف اللبس "لا ما كان مثل: "خاف"". والعدول عن كسر فاء الثلاثي المعل العين بالياء عند خوف اللبس أيضًا. وكذلك إن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول عنه إلى النطق بالكسرة الصريحة الواضحة، أو بالضمة الصريحة الواضحة. ومن أجل اللبس والعمل على اجتنابه وضح النحاة القاعدة التالية: "يجوز في فاء الفعل الماضي، الثلاثي، المعتل الوسط، عند بنائه للمجهول ثلاثة أشياء: الضم، أو: الكسر، أو: الإشمام، بشرط أمن اللبس في كل حالة، فإن أوقع الضم في لبس وجب تركه إلى الكسر أو الإشمام، وأن أوقع الكسر في لبس وجب تركه إلى الضم أو الإشمام، وإن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول
عنه إلى النطق بحركة صريحة واضحة، وهي: الضمة أو الكسرة، بحيث يمتنع اللبس معها، وعند صحة الأمور الثلاثة، يكون الكسر أحسنها1، فالإشمام، ثم الضم وهو أقلها استعمالًا. 6- وإن كان الماضي الثلاثي المبني للمجهول مضعفًا2 مدغمًا؛ مثل الفعل: "عد" في: "عد الصيرفي المال"3 ... جاز في فائه الأوجه الثلاثة، "الضم الخالص، وهو الأكثر هنا، فالإشمام، فالكسر الخالص"، تقول وتكتب: عرفت أن المال قد عد -بضم العين أو كسرها- كما يجوز الإشمام في حركتها عند النطق، وإذا خيف اللبس في وجه من الثلاثة وجب تركه إلى غيره؛ كالفعل: "عد" - "رد"، وأشباههما، فإن فعل الأمر منهما يكون مضموم الأول: فيلتبس به الماضي المبني للمجهول إذا كانت حركة فائه الضمة؛ إذ يقال: عد المال، رد العدو، فلا تتضح حقيقة الفعل؛ أهو فعل ماضي مبني للمجهول أم فعل أمر؟ وفي مثل هذه الحالة يجب العدول عن الضم إلى الكسر، أو الإشمام؛ لأن الكسر والإشمام لا يدخلان أول هذين الفعلين إذا كانا للأمر4.
7- وتجوز الأوجه الثلاثة أيضًا في الحرف الثالث الأصلي من الماضي المعل العين؛ إذا كان على وزن؛ انفعل، أو: افتعل؛ مثل: "انقاد - انهال - انهار"، ومثل: "اختار - اجتاز - احتال ... ". ويلاحظ هنا أن حركة الحروف الأول "وهو: همزة الوصل" لا تلزم صورة واحدة في ضبطها، فلا تقتصر على حركة معينة، وإنما تماثل وتساير حركة الحرف الثالث، وأن ضمة الثالث ستؤدي إلى قلب الألف التي بعده واوًا، وأن كسرته ستؤدي إلى قلبها ياء؛ فلا بد في حركة الحرف الأول -وهو همزة الوصل- من أن تكون مناسبة لحركة الثالث في الضم، أو الكسرة، أو الإشمام، كما سبق؛ فيقال ويكتب فيهما: انقود، أو: انقيد، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا باقي الأفعال التي تشبه: "انقاد". كذلك يقال ويكتب: اختور، أو: اختير، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا يقال في باقي الأفعال التي تشبه: "اختار". ويشبههما في الحكم السابق: "انفعل" و"افتعل" إذا كانا صحيحين مضعفي اللام؛ نحو: انصب - انسد - انجر - ... ومثل: امتد - اشتد - ابتل، فإذا بني فعل للمجهول من هذه الأفعال ونظائرها - جاز في حرفه الثالث - عند أمن اللبس - الضم، الخالص نطقًا وكتابة، أو: الكسر الخالص كذلك، أو الإشمام نطقًا، وفي كل حالة من الثلاث يتحرك الحرف الأول؛ - وهو همزة الوصل - بمصل حركة الحرف الثالث، نحو: انصب - أو انصب، امتد - امتد1.
8- إن كان الفعل جامدًا أو فعل أمر لم يصح بناؤه للمجهول مطلقًا ... 9- إن كان الفعل ناقصًا "مثل: كان، وكاد، وأخواتهما"، فالصحيح أنه يبنى للمجهول، وتجري عليه أحكام المبني للمجهول1 بشرط الإفادة، وعدم اللبس -إلا الناقص الجامد؛ مثل: ليس، وعسى؛ لأن الجامد لا يبنى للمجهول- كما سبق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ورد عن العرب أفعال ماضية تشتهر بأنها ملازمة للبناء للمجهول، سماعًا عن أكثر قبائلهم، وهي الأفعال التي يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول في الصورة اللفظية، لا في الحقيقة المعنوية1؛ ولذلك يعربون المرفوع بها فاعلًا؛ وليس نائب2 فاعل، ومن أشهرها: هزل - دهش وشده، وهما بمعنى واحد -؛ ومنها: "شغف بكذا، وأولع به، وأهتر به، استهتر به، وأغري به، وأغرم به ... ، وكلها بمعنى واحد؛ هو: التعلق القوي بالشيء"، ومنها: أهرع، بمعنى: أسرع، ومنها: نتج، ومنها: عني بكذا؛ أي: اهتم به، ومنها: حم فلان "بمعنى أصابته الحمى" - أغمي عليه - فلج - امتقع لونه "بمعنى تغير" - زهي "بمعنى تكبر" ... و ... 3. لكن ما حكم مضارع هذه الأفعال؟ أيجب بناؤه للمجهول مثلها، أم يتوقف أمره -كماضيه- على السامع الوارد من العرب في كل فعل؟ الصحيح أنه مقصور على السماع الوارد في كل فعل4، ومنه في الشائع: "يهرع، يعني، يولع، يستهتر ... ". بقي توضيح المراد من أن تلك الأفعال الماضية ملازمة للبناء للمجهول سماعًا عن أكثر القبائل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرى أكثر النحاة أن المراد هو عدم استعمالها في معانيها السالفة مبنية للمعلوم؛ تقول: شدهت من الأمر، بالبناء للمجهول، ولا يصح عند هؤلاء شدهني الأمر، بالبناء للفاعل، لاعتمادهم على ما جاء في كتاب: "فصيح ثعلب"، ونحوه من التصريح القاطع بأنها لا تبنى للمعلوم. وأنكر بعض المحققين -كابن بري1- ما قاله ثعلب وغيره من اللغويين والنحاة، وحجة ابن بري في الإنكار أن "ثعلبًا"، ومن معه لم يعلموا ما سجله ابن درستويه وردده؛ ونصه2: "عامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول، ولم يقولوا: إنه إذا سمي فاعله جاز بغير ضم، وهذا غلط منهم؛ لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي؛ فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها مضمومة الأوائل، ولم نخص بذلك بعضها دون بعض، وقد بينا ذلك بعلته وقياسه؛ فيجوز: عنيت بأمرك، وعناني أمرك - وشغلت بأمرك، وشغلي أمرك - وشدهت بأمرك، وشدهني أمرك". ا. هـ، هذا ما نقله "ابن بري"1 وختمه بقوله: "وفي ذلك كفاية تغني عن زيادة إيضاح وبيان". ا. هـ. ورأيه هو السديد الذي تؤيده النصوص الصحيحة التي تحمل الباحث على أن يسأل: كيف خفيت هذه النصوص على كثير من اللغويين والنحاة القدامى؟ وكيف رتبوا على وجود نوع وهمي من الأفعال يلازم البناء للمجهول -في رأيهم- أحكامًا خاصة؛ كمنع مجيء "صيغتي التعجب" من الثلاثي مباشرة، وعدم صحته إلا بوسيط، وكمنع صوغ "أفعل التفضيل" من مصادرها إلا بوسيط كذلك ... و ... و ... ولا شك أن رأي "ابن بري"، ومن معه من المحققين هو السديد -كما تقدم- والأخذ به يؤدي إلى إلغاء تلك الأحكام الخاصة، ويبيح في الثلاثي "التعجب" المباشر، وكذا "التفضيل" بغير وسيط، ويرد لتلك الأفعال اعتبارها وحقها، ويجعل شأنها شأن غيرها من باقي الأفعال التي يصح أن تبنى للمعلوم حينًا، وللمجهول حينًا آخر، على حسب مقتضيات المعنى.
ب- عرفنا1 أن نائب الفاعل يكون مرفوعًا بأحد شيئين؛ الفعل المبني للمجهول، واسم المفعول، فهل يرتفع بالمصدر المؤول المسبوك في أصله من "أن"، والفعل المبني للمجهول؟ انتهى النحاة إلى أن الأصح جوازه بشرط أمن اللبس، ومن أمثلتهم: عجبت من أكل الطعام؛ بتنوين المصدر "أكل" ورفع كلمة: "الطعام" على اعتبارها نائب فاعل له، والأصل عندهم: عجبت من أن أكل الطعام، فلما سبك المصدر المؤول صارت كلمة: "الطعام" نائب فاعل له بعد سبكه. فإن أوقع في السبك لبس لم يصح؛ نحو؛ عجبت من إهانة علي، إذا كان علي هو المهان، "والأصل: من أن أهين علي"، فيتعين أن يكون المصدر مضافًا و"علي"، هو المضاف إليه المجرور، وهو في محل نصب مفعول به، ولا يصح الرفع؛ لوقوع اللبس بسببه. وكما صح رفع نائب الفاعل بالمصدر المؤول يصح أن يكون مجرورًا باعتباره مضافًا إليه، والمصدر هو المضاف، فيكون نائب الفاعل مجرورًا لفظًا -مرفوعًا محلًا؛ كما يجوز جعل ما أضيف إليه المصدر في محل نصب على المفعولية. والفاعل محذوف من غير نيابة شيء عنه. أما على الرأي الذي يمنع المصدر المؤول من رفع نائب فاعل يتعين إضافة المصدر لما بعده ويكون ما بعده -وهو المضاف إليه- في محل نصب على المفعولية2. بالرغم من أن الأصح -عندهم- جوازه، فالأنسب اليوم عدم الالتجاء إليه؛ لأنه لا يكاد يخلو من غموض وثقل ينافيان الأساليب الناصعة العالية، وأسس البلاغة، وهذان أمران لهما اعتبارهما، ويزيدهما قوة ورجاحة خلو المراجع المتداولة من أمثلة مسموعة من فصحاء العرب تؤيده. ج- في الفعل الثلاثي المعل العين، وفي غيره من الأفعال الماضية المبنية للمجهول لغات أخرى، أعرضنا عنها؛ لأنها لهجات متعددة، لقبائل متباينة لا نرى خيرًا في استعمالها اليوم؛ حرصًا على الإبانة والتوحد المفيد قدر الاستطاعة، ومنعًا للتشتت والتعدد في أهم وسيلة للتفاهم والإيضاح، وهي: اللغة.
المسألة 68: ب- الأشياء التي تنوب عن الفاعل بعد حذفه. ننتقل إلى الأمر الثاني1 الذي يترتب على حذف الفاعل؛ وهو: إقامة نائب عنه يحل محله، ويخضع لكثير من أحكامه، -كما قلنا-. والذي يصلح للنيابة عن الفاعل واحد من أربعة أشياء؛ المفعول به، والمصدر والظرف، والجار مع مجروره 2، وقد تلحق بها -أحيانًا- حالة خامسة، ستيجيء3. 1- فأما المفعول به فقد سبقت له أمثلة كثيرة، غير أن فعله قد يكون متعديًا لواحد؛ كالأمثلة المشار إليها، وقد يكون متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر؛ كمفعولي: "ظن" وأخواتها4 -في مثل ظن الغلام الندى مطرا، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر، كمفعولي: "أعطى"، وأخواتها، ومنها: "كسا"، في مثل: أعطى الغني الفقير مالًا، وكسا المحتاج ثوبًا 5، وقد يكون متعديًا لثلاثة؛ "كأعلم" و"أرى" 6، نحو: أعلم الطبيب المريض الدواء شافيًا. فإن كان الفعل متعديًا لمفعول به واحد، مذكور في الكلام أقيم هذا الواحد مقام الفاعل ... وإن كان متعديًا لاثنين مذكورين، فقد يكون أصلهما المبتدأ والخبر أو ليس أصلهما كذلك، فأي المفعولين ينوب؟
وإن كان متعديا لثلاثة مذكورة فأيها ينوب كذلك1. خير الآراء وأنسبها: اختيار الأول للنيابة إذا كان هو الأظهر والأبين للقصد مهما كان نوع فعله، لكن لا مانع من تركه، واختيار غيره؛ فيكون في هذا اختيار لغير الأفضل، فإن كان غير الأول هو الأقدر على إيضاح المراد، وإبراز الغرض من لجلمة فنيابته مقدمة على نيابة الأول، ولا بد في كل الحالات من أمن اللبس؛ وإلا وجب العدول عما يحدثه إلى ما لا يحدثه، وفيما يلي أمثلة لأنواع الفعل المتعدي قبل بنائه للمجهول، وبعد بنائه، وما يحدث اللبس وما لا يحدثه. فما لا يحدثه؛ "عرف المسترشد الصواب - عرف الصواب". "ظن الجاهل الخفاش طائرًا - ظن الخفاش طائرًا - ظن طائر الخفاش". " أعطى الوالد الطفل كتابًا - أعطى الطفل كتابا - أعطى كتاب الطفل". "أعلمت التاجر الأمانة نافعة - أعلم التاجر الأمانة نافعة - أعلم الأمانة التاجر نافعة - أعلم نافعة التاجر الأمانة". ولا يصح إنابة غير الأول في مثل: "أعطيت محمدًا فريقًا من الأعوان"، "منحت الشركة مهندسًا"؛ لأن كلا من الأول والثاني يصلح أن يكون أخذًا ومأخوذًا؛ فلا يمكن التمييز بينهما عند بناء الفعل للمجهول إلا باختيار أولهما ليكون نائب فاعل؛ لأن اختياره يجعله بمنزلة الفاعل في المعنى؛ فيتضح من تقدمه أنه الآخذ؛ وغيره المأخوذ، ومثل هذا يقال في: ظننت الولد الوالد، حيث يجب اختيار الأول للنيابة؛ لأن كلا منهما صالح أن يكون هو المظنون الشبيه بالآخر. ولا يمنع هذا اللبس إلا اختبار الأول وذلك للسبب السالف، ولا سيما أن الأول هنا
هنا أصله مبتدأ، والمبتدأ متقدم بحسب أصل رتبته على الخبر، ومثل هذا يقال في: "أعلم السائق المهندس زميله مهملًا"، حيث يجب اختيار الأول؛ لما سلف. وإذا وقع الاختيار على واحد وجب ترك ما عداه على حاله -كما كان- مفعولًا به منصوبًا 1. ومما يجب التنبه له أن المفعول الثاني "لظن"، وأخواتها قد يكون جملة -كما سبق في بابها2- فإن كان جملة لم يصح اختياره نائب للفاعل؛ لأن الفاعل ونائبه لا يقعان جملة3 في الراجح، وينطبق هذا على غير "ظن" أيضًا؛ فهو حكم عام فيها وفي غيرها ... 2 وأما المصدر -ومثله اسم المصدر- فيصلح للنيابة عن الفاعل بشرطين؛ أن يكون متصرفًا، ومختصًا، والمراد بالتصرف: ألا يلازم النصب على المصدرية،
وإنما ينتقل بين حركات الإعراب المختلفة؛ فتارة يكون مرفوعًا، وأخرى يكون منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب حالة الجملة؛ مثل: فهم، جلوس، تعلم ... ؛ نحو: الفهم ضروري للمتعلم - إن الفهم ضروري ... - اعتمدت على الفهم ... و ... كذا الباقي ونظائره مما لا يلازم النصب على المصدرية؛ لأن ملازمته النصب على المصدرية تمنع أن يكون مرفوعًا مطلقًا؛ فلا يصلح نائب فاعل أو غيره من المرفوعات. فإن كان المصدر - أو اسمه 1 - ملازمًا النصب على المصدرية لم يكن متصرفًا، ولم يصح اختياره للنيابة عن الفاعل؛ مثل: "معاذ"؛ فإنه مصدر ميمي لم يشتهر استعماله عن العرب إلا منصوبًا مضافًا2 في نحو: معاذ الله أن يغدر الأمين، ومثل: "سبحان" 3؛ فإنه اسم مصدر لم يشتهر استعماله عن العرب كذلك إلا منصوبًا مضافًا - في الأغلب - فلو وقع أحدهما نائب فاعل لصار مرفوعًا، ولخرج عن النصب الواجب له، وهو ضبط لا يصح مخالفته، ولا الخروج عليه؛ حرصًا على اللغة، ومحافظة على طرائقها المشهورة. والمراد بالاختصاص: أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائدًا على معناه المبهم، المقصور على الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، فالمعاني المبهمة المجردة "مثل؛ قراءة - أكل - سفر ... و ... وأمثالها"؛ يدل كل منها على معناه الذي يفهم من لفظه نصًا، دون زيادة شيء عليه؛ فكلمة: "قراءة" ليس في معناها الحرفي ما يدل على أنها قراءة سهلة أو صعبة، نافعة أو ضارة، و"الأكل" ليس في معناه الحرفي ما يدل على أنه لذيذ أو بغيض، قليل أو كثير، حار أو بارد ... و"السفر" ليس في معنى نصه الحرفي
ما يدل على أنه سفر قريب أو بعيد، سهل أو شاق، مرغوب فيه أو مرغوب عنه.. وهكذا يدل المصدر وحده -وكذا اسمه- على المعنى المجرد، أي: على ما يسمونه: "الحدث المحض" فمثل هذا المصدر، أو اسمه لا يصلح أن يكون نائب فاعل؛ لأن الإسناد إليه لا يفيد معنى جديد أكثر من معنى فعله، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وتوكيد المعنى الموجود ليس هو المقصود الأساسي من الإسناد، ولا يوصف بأنه معنى جديد، فلا يصح أن يقال: علم علم، فهم فهم ... إذ لا بد مع المصدر من زيادة معنى جديد على معناه الأصلي، ليكون صالحا للنيابة عن الفاعل، وهذه الزيادة تأتيه من خارج لفظه، وهي التي تجعله مختصا. وتحدث بواحد أو أكثر من أمور متعددة؛ منها: وصفه؛ نحو: علم علم نافع - فهم فهم عميق، ومنها: إضافته؛ نحو: علم علم المخترعين، وفهم فهم العباقرة. ومنها: دلالته على العدد؛ نحو: قرئ عشرون قراءة ... وغير هذا من كل ما يزيل إبهام المصدر، واسمه، ويزيد معناهما على مجرد تأكيد معنى الفعل، ويجعل الإسناد إليهما مفيدًا فائدة جديدة أساسية. ومما سبق نعلم لمراد من قولهم المختصر: "إن المصدر يصلح للنيابة إذا كان مفيدًا"، ويكتفون بهذه الجملة؛ لأن الإفادة لا تحقق إلا بالشرطين السالفين وهما: "التصرف والاختصاص". 3 وأما الظرف بنوعيه فيصلح للنيابة عن الفاعل إذا كان مفيدًا أيضًا، وهذه الفائدة تتحقق بشرطين، أن يكون الظرف متصرفًا كامل التصرف، وأن يكون مختصًا. والمراد بالتصرف الكامل: صحة التنقل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من "رفع، إلى نصب، إلى جر؛ على حسب حالة الجملة"، وعدم التزامه النصب على الظرفية وحدها دائمًا، أو النصب على الظرفية مع الخروج عنها أحيانًا إلى شبه الظرفية، وهو الجر بالحرف "من" 1 - في الغالب؛ لأن عدم تصرفه
الكامل يمنع وقوعه مرفوعًا - نائب فاعل أو غيره من المرفوعات، كما سبق - فمثال الظرف الكامل التصرف: يوم - زمان - قدام - خلف؛ لأنك تقول: اليوم يوم طيب - قضيت يومًا طيبًا - تطلعت إلى يوم طيب ... وتقول: قدامك فسيح - إن قدامك فسيح - سأتجه إلى قدامك، فهذه الظروف المتصرفة يصح وقوعها نائب فاعل إن كانت مختصة1. ومثال الظرف غير المتصرف مطلقا، "وهو يلازم النصف على الظرفية وحدها": قط2 - عوض 3 - إذا - سحر؛ "بشرط أن يراد به سحر يوم معين دون غيره؛ ليكون ظرفصا ملازمًا للنصب"، فلا يصح أن يقع واحد من هذه الظروف - وأشباهها - نائب فاعل؛ فلا يقال عنه نائب فاعل في مثل: ما كتب قط - لن يكتب عوض - مما يجاء إذا جاء الصديق - مدح سحر. لا يقال ذلك4 لعدم تحقق الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولئلا يخرج الظرف عن الظرفية إلى غيرها، وهي الحكم الدائم الثابت له في الكلام العربي الأصيل الذي لا تجوز مخالفة طريقته. ومثال الظروف الشبيه بالمتصرف "أي: الظرف ناقص التصرف، وهو الذي لا يترك النصب على الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ وهو الجر بالحرف "من" -غالبًا-
كما سبق " عند - ثم - مع ... وهذا النوع لا يصلح للنيابة عن الفاعل؛ لأنه كسابقه - لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد؛ ولأنه لا يصح إخراجه عن الحكم والضبط الذي استقر له وثبت في الكلام العربي المأثور؛ وهو النصب أو الجر الغالب بمن، فلا يقال: قرئ عند، ولا كتب ثم؛ ولا عرف مع1. والمراد بالاختصاص هنا: أن يزاد على معنى الظرف معنى جديد آخر يكتسبه من كلمة تتصل به اتصالًا قويًا؛ ليزول الغموض والإبهام عن معناه، كأن يكون الظرف مضافًا؛ نحو: أذن وقت الصلاة - نودي ساعة البيع ... أو يكون موصوفًا؛ نحو: قضي شهر جميل في المصايف - قطع يوم كامل في السفر - أو يكون معرفًا2؛ نحو: يحب اليوم؛ لأنه معتدل، أو غير ذلك مما يزيد معنى جديدا على الظرف، ويخرج معناه السابق من الإبهام والتجرد. 4 وأما الجار مع مجروره فإن كان حرف الجر زائدًا - نحو: ما صودر من شيء - فلا خلاف أن النائب هو المجرور وحده - "وأنه مجرور لفظًا، مرفوع محلًا، فيجوز في التوابع مراعاة لفظه أو محله. أما حرف الجر الأصلي مع مجروره - نحو: قعد في الحديقة الناضرة، فالصحيح أن الذي ينوب منهما عن الفاعل هو المجرور وحده 3 "برغم أن الشائع
على الألسنة هو: الجار مع مجروره، ولا مانع من قبوله تيسيرًا وتخفيفًا"1. ويشترط لإنابتهما أن يكون الإسناد إليهما مفيدًا، وتتحقق الفائدة بأمرين؛ أن يكون حرف الجر متصرفًا، وأن يكون مجروره مختصًا. والمراد من التصرف في حرف الجر ألا يلتزم طريقة واحدة لا يخرج عنها إلى غيرها. كأن يلتزم جر الأسماء الظاهرة فقط؛ "ومن أمثلته: مذ - منذ - حتى "، أو جر النكرات فقط؛ "ومن أمثلته: رب" أو يلتزم جر نوع آخر معين من الأسماء؛ "كحروف القسم؛ فإنها لا تجر إلا مقسمًا به، وكحروف الجر التي للاستثناء "وهي: خلا - عدا - حاشًا"، فإنها لا تجر إلا المستثنى، ومثل: مذ ومنذ: فإنهما لا يجران إلا الأسماء الظاهرة الدالة على الزمان"، فلا يصح وقوع شيء من تلك الحروف مع مجروراتها نائب فاعل؛ فلا يقال نائب فاعل في مثل: صنع منذ الصبح، ولا زرع حتى الشاطئ، ولا قوتل رب رجل عنيد ... و ... 2. والمراد بالاختصاص: أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائدًا فوق معناهما
الخاص بهما، ويجيئهما هذا المعنى الزائد من لفظ آخر يتصل بهما؛ كالوصف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، مما يكسبهما معنى جديدًا؛ فتحصل الفائدة المطلوبة من الإسناد. ومن أمثلة الجار والمجرور المستوفيين للشروط: أخذ من حقل ناضج - قطع في طريق الماء، فلا يصح: أخذ من حقل - قطع في طريق. من كل ما سبق نعرف أن "الإفادة" هي الشرط الذي يجب تحققه فيما ينوب عن الفاعل من مصدر، أو ظرف، أو جار مع مجروره، وأن هذه الإفادة تنحصر في التصرف والاختصاص معًا. 5- يلحق بما تقدم الجملة المحكية بالقول، وكذا المؤولة بالمفرد، طبقًا للبيان الذي سلف1 عنهما. إلى هنا انتهى الكلام على الأشياء التي يصلح كل واحد منها أن يكون نائب فاعل إذا لم يوجد غيره في الجملة، فإذا وجد أكثر من واحد صالح للإنابة لم يجز أن ينوب عن الفاعل إلا واحد فقط؛ لأن نائب الفاعل -كالفاعل- لا يتعدد لكن ما الحق بالنيابة عند وجود نوعين مختلفين، صالحين، أو أكثر؟ يميل كثير من النحاة إلى الرأي القائل باختيار المفعول به2 دائمًا، "أي في كل الحالات"؛ ليكون هو النائب؛ ويفضلونه على غيره، وهم -مع ذلك- يجيزون ترك الأفضل؛ ففي مثل: أنشد الشاعر القصيدة إنشادًا بارعًا في الحفل أمام الحاضرين، يكون الأفضل عندهم -حين بناء الفعل للمجهول- اختيار المفعول به نائبًا؛ فيقال: أنشدت القصيدة، إنشادًا بارعًا، في الحفل أمام الحاضرين، ولا مانع من ترك الأفضل واختيار غيره، كما قالوا.
والحق أن الرأي السديد الأنسب هو أن نختار من تلك الأنواع ما له الأهمية في إيضاح الغرض، وإبراز المعنى المراد، من غير تقيد بأنه مفعول به أو غير مفعول به، وأنه أول أو غير أول، متقدم على البقية أو غير متقدم، ففي مثل: "خطف اللص الحقيبة من يد صاحبتها أمام الراكبين في السيارة" - تكون نيابة الظرف: "أمام" أولى من نيابة غيره؛ فيقال خطف أمام الراكبين في السيارة الحقيبة من يد صاحبتها؛ لأن أهم شيء في الخبر وأعجبه أن تقع الحادثة أمام الراكبين، ويحورهم؛ وهم جمع كبير يشاهد الحادث فلا يدفعه، ولا يبالي بهم اللص ... وقد تكون الأهمية في مثال آخر: للجار والمجرور؛ نحو: سرف في ديوان الشرطة سلاح جنودها ... وهكذا1.
ومثل هذا يقال عند حذف الفاعل، وعدم وجود مفعول به في الجملة ينوب عنه، مع وجود أنواع أخرى تصلح للنيابة: فإن اختيار بعض هذه الأنواع دون بعض يقوم على أساس الأهمية ودرجتها؛ فما كان أكبر أهمية وأعظم تحقيقًا للمراد من الجملة، فهو الأحق بالاختيار، والأولى بالنيابة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في الإنابة عن الفاعل لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، والتمييز الملازم للنصب، والمفعول لأجله؛ فكل واحد من هذه الخمسة لا يصلح للإنابة؛ لأنها تخرجه من مهمته الخاصة، وتنقله إلى غيرها، وقد تتغير حركته الملازمة له. لكن فريقًا من النحاة يرى -بحق- جواز نيابة التمييز المجرور بالحرف "من"، وكذا نيابة المفعول لأجله المجرور، بشرط أن يحقق كل منهما الفائدة المطلوبة منه، والغرض من وجوده؛ نحو: يقام لإجلال العلماء النافعين، ويفاض من سرور رؤيتهم، ويسمى كل منهما: نائب فاعل، ويزول عنه الاسم السابق، ورأي هذا الفريق حسن1. ب- الصحيح أنه لا يجوز إنابة خبر "كان"2 ولا سيما المفرد؛ لعدم الإفادة؛ فلا يصح؛ كين قائم، "على فرض استساغته"؛ إذ معناه كما يقولون: حصل كون لقائم، ومن المعلوم أن الدنيا لا تخلو من حصول كون لقائم. جـ- عرفنا3 أن جمهرة النحاة تختار المفعول به -دون غيره- لإقامته نائبًا عن الفاعل المحذوف عند تعدد الأنواع الصالحة للنيابة، وقد شرحنا رأيهم، وأوضحنا ما فيه، ويترتب على الأخذ برأيهم ما يأتي: إذا قلت: زيد في أجر الصانع عشرون - كانت "عشرون" باعتبارها مرفوعة النائب عنه الفاعل، ولا يكون الفعل متحملًا ضميرًا، ولا يلحق بآخره علامة تثنية أو جمع. أما إذا قدمت: "الصانع" فقلت: الصانع زيد في أجره عشرون -فيجوز أحد أمرين: 1- أن تكون: "عشرون" مرفوعة على أنها نائب الفاعل، والفعل معها خال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الضمير، فلا يتصل بآخره علامة تثنية أو جمع، وفي هذه الصورة يجب بقاء الحال والمجرور، واشتماله على ضمير مطابق للاسم السابق - المبتدأ - ويكون هو الرابط، مثل: الصانعان زيد في أجرهما عشرون - الصانعون زيد في أجرهم عشرون ... وهكذا. 2- نصب كلمة: "عشرين" على أنها ليست نائب فاعل1، وإنما النائب ضمير مصتل بالفعل؛ لأن الفعل في هذه الصورة يتحمل الضمير مستترًا أو بارزًا، يعود على المبتدأ ويطابقه ويكون هو الرابط، وفي هذه الحالة يمكن الاستغناء عن الجار ومجروره، أو عدم الاستغناء مع بقاء الضمير الذي في آخر المجرور، ومطابقته أيضًا للمبتدأ: "تقول: الصانعان زيدًا عشرين أو: الصانعان زيدًا في أجرهما عشرين" - "الصانعون زيدوا عشرين، أو الصانعون زيدوا في أجرهم عشرين ... " وهكذا.
المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول
المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول أ- في مثل: "شاورت الخبير" - يتعدى الفعل المتصرف: "شاور" بنفسه إلى مفعول به واحد؛ فينصبه؛ ككلمة: "الخبير" هنا، ويجوز - لسبب بلاغي، أو غيره - أن يتقدم هذا المفعول به الواحد على فعله1، ويحل في مكانه بعد تقدمه أحد شيئين: إما ضمير عائد إليه، يعمل فيه الفعل الموجود النصب مباشرة، ويستغنى به عن ذلك المفعول المتقدم، فنقول: الخبير شاروته "فالهاء ضمير حل محل المفعول السابق، واكتفى به الفعل". وإما لفظ ظاهر آخر، يعمل فيه الفعل المنصرف النصب أيضًا؛ بشرط أن يكون هذا اللفظ الظاهر سببًا2 للمفعول به المتقدم الذي استغنى عنه الفعل، وأن يكون مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: الخبير شاورت زميله، فاللفظ الظاهر: "زميل" هو الذي حل محل المفعول به السابق، وهو سببي له ومضاف، والضمير في آخره مضاف إليه، عاد على المفعول به المتقدم. والسببي في هذا المثال مضاف، ولكنه في مثال آخر قد يكون متبوعًا بنعت، ونعته هو المشتمل على الضمير المطلوب؛ نحو: التجارة عرفت رجلًا يتقنها؛ فجملة "يتقنها" نعت، وفيها الضمير العائد، وقد يكون متبوعًا بعطف بيان مشتمل على ذلك الضمير أيضًا؛ نحو: الصديق أكرمت الولد أباه، وقد يكون متبوعًا
بعطف نسق بالواو -دون غيرها- مشتملًا على الضمير المذكور، نحو: الزميلة أكرمت الوالد وأهلها، ولا يصلح من التوابع سببي غير أحد هذه الثلاثة. ومن الممكن حذف ما حل محل المفعول به السابق من ضميره العائد إليه مباشرة، أو سببية المشتمل على ضميره يعود عليه كذلك، ومتى وقع هذا الحذف صار الاسم المتقدم مفعولًا به للفعل المتأخر عنه كما كان، وتفرغ هذا الفعل لنصبه. وكالأمثلة السابقة نظائرها؛ نحو: يصاحب العاقل الأخيار ... أنجز الوعد ... وأشباههما؛ حيث ينصب الفعل المتصرف مفعولًا به واحدًا1؛ يجوز أن يتقدم على عامله، ويحل محله أحد الشيئين؛ إما ضميره العائد عليه مباشرة، والذي يعمل فيه الفعل الموجود النصب، ويستغنى به عن المفعول السابق؛ فنقول: الأخيار يصاحبهم العاقل - الوعد أنجزه - وإما لفظ ظاهر سببي يشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم، ويشتغل الفعل الموجود بنصبه، ويكتفي به عن ذلك المفعول؛ فنقول: الأخيار يصاحب العاقل زملاءهم - الوعد أنجز صاحبه ... وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يكون مضافًا، أو منعوتًا، أو عطف بيان، أو عطف نسف بالواو، مع اشتمال كل واحد على الضمير العائد إلى الاسم السابق. ويصح - كما سبق - حذف الضمير العائد على ذلك الاسم المتقدم، كما يصح حذف السببي وما فيه من ضمير عائد عليه أيضًا؛ فيصير الاسم المتقدم في الحالتين مفعولًا به للفعل المتأخر، ويتفرغ هذا الفعل لنصبه بعد أن كان قد انصرف عنه إلى الضمير المباشر، أو إلى السببي. ب- وليس من اللازم أن يكون الفعل المتصرف متعديًا بنفسه مباشرة إلى المفعول به الواحد؛ وإنما يجوز أن يكون هذا الفعل قاصرًا لا يتعدى إلى المفعول به إلا بمساعدة حرف جر أصلي؛ نحو: فرحت بالنصر؛ فالفعل: "فرح" لازم لم ينصب مفعوله "وهو: النصر" بنفسه مباشرة؛ وإنما نصبه بمعونة حرف الجر:
"الباء"، فكلمة "النصر" في ظاهرها مجرورة بالباء، ولكنها في المعنى والحكم بمنزلة المفعول به1، ويصح في هذه الكلمة المجرورة التي تعتبر بمنزلة المفعول به في المعنى والحكم، أن تتقدم وحدها -دون حرف الجر- على فعلها؛ بشرط أن يحل محلها بعد حرف الجر مباشرة أحد الشيئين: إما الضمير الذي يعمل فيه الفعل معًا وحكمًا، والذي يعود على المفعول به المعنوي السابق؛ نحو: النصر فرحت به، وإما لفظ آخر سببي، يعمل فيه الفعل، ويشتمل على ضمير يعود على المفعول به المعنوي "المحكمي" السابق، نحو: النصر فرحت بأبطاله2. ومثل هذا يقال في النظائر: من نحو؛ ينتصر الحق على الباطل - سر في طريق الخير ... ، حيث يصح: الباطل ينتصر الحق عليه - الباطل ينتصر الحق على أعوانه - طريق الخير سر فيه - طريق الخير سر في جوانبه، وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يصح أن يكون واحدًا من التوابع الثلاثة التي ذكرناها. ومن الممكن حذف الضمير أو السببي، فيرجع الاسم السابق إلى مكانه القديم فيعمل فيه عامله الجر. جـ- وليس من اللازم أيضًا أن يكون العامل فعلًا، فقد يكون3 اسم
فاعل، أو: اسم مفعول، فنحو: أنا مشارك الأمين، نقول فيه: الأمين أنا مشاركة1 - الأمين أنا مشارك رفاقه، ونحو: الحق منصور على الباطل، نقول فيه: الباطل الحق منصور عليه - الباطل الحق منصور على شياطينه. فمتى تقدم المفعول به على عامله، وحل محله ما يشغل مكانه، ويغني العامل عن ذلك المفعول به المتقدم، فقد تحقق ما يسميه النحاة: "اشتغال العامل عن المعمول"، ويقولون في تعريف الاشتغال. أن يتقدم اسم واحد2، ويتأخر عنه عامل يعمل في ضميره مباشرة، أو يعمل في سببي للمتقدم، مشتمل على ضمير يعود على المتقدم، بحيث لو خلا الكلام من الضمير الذي يباشره العامل، ومن السببي، وتفرغ العامل للمتقدم - لعمل فيه النصب لفظا، أو معنى "حكما" حكما كما كان قبل التقدم. فلا بد في الاشتغال من ثلاثة أمور مجتمعة، "مشغول"، وهو: العامل، ويسمى أيضا: "المشتغل"، وله شروط عرفناها3، "ومشغول به": وينطبق على الضمير العائد على الاسم السابق مباشرة، كما ينطبق على اللفظ السببي الذي له ضمير يعود على ذلك المتقدم، و"مشغول عنه"، وهو: الاسم المتقدم الذي
كان في الأصل متأخرا، مفعولا به حقيقيا أو معنويا "حكميا"، ثم تقدم على عامله، وترك مكانه للضمير المباشر، أو للسببي، فانصرف العامل عن المفعول، واشتغل بما حل محله. ولا بد في هذا الاسم المتقدم أن يتصل بعامله بغير فاصل ممنوع بينهما1 إذا
كان العامل فعلا1، أما إن كان وصفا فيجوز الفصل. حكم الاسم السابق في الاشتغال: يجوز في هذا الاسم السابق من ناحية إعرابه وضبط آخره، أمران -بشرط ألا يوجد ما يحتم أحدهما مما سنعرفه. أولهما: إعرابه مبتدأ، والجملة بعده خبره2. وثانيهما: إعرابه مفعولا به لعامل محذوف وجوبا، يدل عليه ويرشد إليه العامل المذكور بعده في الجملة، فيكون العامل المحذوف وجوبا مشاركا للمذكور إما في لفظه ومعناه معا، وإما في معناه، فقط، ولا يصح الجمع بين العاملين ما داما مشتركين3، إذ المذكور عوض عن المحذوف، فمثال الأول: الأمين شاركته، فالتقدير: شاركت الأمين شاركته، ومثال الثاني: البيت قعدت فيه، التقدير: لابست البيت، قعدت فيه: أو: لازمت البيت، قعدت فيه، ومثل: الحديقة مررت بها، أي: جاوزت الحديقة مررت بها، وهكذا نستأنس بالعامل المذكور في الوصول إلى العامل المحذوف وجوبا من غير أن نتقيد أحيانا بلفظ العامل المذكور أما معناه، فنحن مقيدون به في كل حالات الاشتغال. مع جواز الأمرين السالفين فالأول "وهو إعرابه مبتدأ" أحسن؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف، ولا إلى التفكير في اختياره، وفي موافقته للعامل المذكور، وقد تكون موافقته معنوية فقط؛ فتحتاج -أحيانًا- إلى كد الفكر4.
والنحاة يتخيرون هذا الموضع للكلام على حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها وينتهزون فرصة: "الاشتغال" ليعرضوا أحكام تلك الأسماء؛ سواء منها ما يدخل في باب: "الاشتغال" وتنطبق عليه أوصافه التي عرفناها، وما لا يدخل فيه، ولا تنطبق عليه صفاته1: وهم يقسمونها ثلاثة أقسام2: ما يجب نصبه، وما يجب رفعه، وما يجوز فيه الأمران.
1 فيجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأداة الشرط، وأداة التحضيض1، وأداة العرض1، وأداة الاستفهام2، إلا الهمزة 3؛ نحو: "إن ضعيفًا تصادفه4 فترفق به - حيثما أديبا تجالسه يؤنسك" - "هلًا حلمًا تصطنعه - ألا زيارة واجبة تؤديها" - "متى عملًا تباشره؟ أين الكتاب وضعته؟ "فلا يجوز الرفع في هذه الأمثلة ونظائرها على الابتداء، أما الرفع على أنه فاعل، أو نائب فاعل لفعل محذوف، أو أنه اسم لكان المحذوفة - فجائز5. ومن الأمثلة للرفع قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، وقول الشاعر:
وليس بعامر بنيان قوم ... إذا أخلاقهم كانت خرابا وقول الآخر: وإذا مطلب كسا حلة العار ... فبعدا1 لمن يروم نجازه2 التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ... وإذا كانت أخلاقهم كانت 3 وإذا كسا مطلب كسا حلة العار ... وهكذا 4. ب- ويجب 5 رفع الاسم السابق: 1- إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الاسم؛ فلا يجوز أن يقع بعدها فعل؛ مثل: إذا "الفجائية"6 نحو: خرجت فإذا الرفاق أشاهدهم؛ فيجب رفع كلمة: "الرفاق"، ولا يجوز نصبها على الاشتغال بفعل محذوف؛ لأن "إذا الفجائية" لا يقع بعدها الفعل مطلقًا؛ لا ظاهرًا ولا مقدرًا.
ومثل "إذا" الفجائية أدوات أخرى؛ منها: "لام" الابتداء في نحو: إني للوالد أطيعه؛ فلا يجوز نصب كلمة: "الوالد" على الاشتغال، ولا اعتبارها مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على المفعول به. ومنها: واو الحال الداخلة على الاسم الذي يليه المضارع المثبت، في مثل: أسرع والصارخ أغيثه، فلا يصح نصب "الصارخ" على اعتباره مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله، وتقديرهما: "أغيث" والجملة من الفعل المحذوف مع فاعله في محل نصب على الحال لا يصح هذا؛ لأن الجملة المضارعية التي مضارعها مثبت، غير مسبوق بلفظ: "قد" ... لا تقع حالًا -على الأرجح- إذا كان الرابط هو: "الواو" فقط1، كهذا المثال وأشباهه. ومنها: "ليست" المتصلة "بما" الزائدة؛ فلا نصب على الاشتغال في مثل: ليتما وفي أصادفه؛ لأن "ما" الزائدة لا تخرج "ليت" من اختصاصها بالأسماء؛ إذ يجوز إعمال "ليت" وإهمالها؛ فالمنصوب بعدها اسم لها، ولا يصح أن يقع بعدها فعل مطلقًا. 2- وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا وقع قبل أداة لها الصدارة في جملتها؛ فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وبعد تلك الأداة العامل، مثل أداة الشرط، والاستفهام2 وما النافية ولا النافية الواقعة في جواب قسم3؛ فلا يصح نصب الاسم السابق في نحو: الكتاب إن استعرته فحافظ عليه - المريض هل زرته؟ الحديقة ما أتلف زروعها - والله الذنوب لا أرتكبها؛ لأن هذه الأدوات لها الصدارة، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ "أيك لا يجوز أن يتقدم
معمولها عليها، ولا معمول لعامل بعدها"، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون دالًا على عامل محذوف يماثله، ولا مرشدًا إليه1 ومثلها: أدوات الاستثناء؛ فلا نصب في نحو: ما السفر إلا يحبه الرحالون1. ج ويجوز الأمران2، في غير القسمين السالفين، فيشمل ما يأتي: 1 - الاسم - المشتغل عنه - الذي بعده فعل دال على طلب؛ كالأمر3، والنهي، والدعاء؛ نحو: الحيوان ارحمه - الطيور لا تعذبها - اللهم
الشهيد ارحم، أو: الشهيد رحمه الله. وكذلك إن وقع الاسم السابق بعد أداة يغلب أن يليها فعل، كهمزة الاستفهام، نحو: أطائرة ركبتها؟ وكأدوات النفي الثلاثة: "ما - لا إن"؛ نحو: ما السفه نطقته - لا الوعد أخلفته، ولا الواجب أهملته - إن السوء فعلته، ومثل: "حيث" المجردة من "ما"، نحو: اجلس حيث الضيف أجلسته. وكذلك إن وقع الاسم السابق عد عاطف تقدمته جملة فعلية، ولم تفصل كلمة: "أما"1 بين الاسم والعاطف؛ نحو: خرج زائر والقادم استقبلته، فلو فصلت "أما" بينهما كان الاسم "المشتغل عنه" في حكم الذي لي يسبقه شيء؛ نحو: خرج زائر، وأما المقيم فأكرمته. فالأمثلة في كل الصور السابقة وأشباهها، يجوز فيها الأمران، النصب والرفع. وجمهرة النحاة تدخلها في النوع الذي يجوز فيه الأمران قياسًا، والنصب أرجح1 عندهم، وحجتهم: أن الرفع يجعل الاسم السابق مبتدأ، والجملة الطلبية بعده خبر، ووقوع الطلبية خبرًا -مع جوازه- قليل بالنسبة لغير الطلبية، أو يجعل الاسم السابق مبتدأ بعد همزة الاستفهام ونحوها، ووقوع المبتدأ بعدها - مع جوازه- قليل أيضًا، لكثرة دخولها على الأفعال دون الأسماء، أو يجعل الجملة الاسمية بعده إذا كانت غير مفصولة بأما2، معطوفة على الجملة الفعلية قبله؛
والعطف عل جملتين مختلفتين في الاسمية والفعلية -مع صحته- قليل. 2- الاسم السابق "أي: المشتغل عنه" الواقع بعد عاطف غير مفصول بالأداة: "أما" وقبله جملة ذات وجهين1، مع اشتمال التي بعده في حالة نصبه على رابط يربطها بالمبتدأ السابق2، -كالضمير العائد عليه، أوالفاء المفيدة للربط به-، نحو: "النهر فاض ماؤه صيفا، والحقول سقيناها من جداوله" - "العلم الحديث نجح في غزو الكون السماوي، فالعلوم الرياضية، استلهمها الغزاة قبل الشروع"، فيصح رفع كلمتي: "الحقول - والعلوم" على اعتبار كل منهما مبتدأ، خبره الجملة الفعلية بعده، وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الاسمية التي قبلها، ويجوز نصب الكلمتين على أنهما مفعولان لفعل محذوف، والجملة من هذا الفعل المحذوف وفاعله معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرا قبلهما، وفي الحالتين تتفق الجملتان المعطوفتان مع الجملتين، المعطوف عليهما في ناحية الاسمية أو الفعلية، فيجري الكلام على نسق واحد، ولهذا يتساوى3 الأمران.
3- الاسم السابق "المشتغل عنه" الواقع في غير ما سبق، نحو الرياحين زرعتها. والنحاة يجيزون الأمرين ويرجحون الرفع؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف1. "ملاحظة" بانضمام هذا الأقسام الثلاثة "1، 2، 3" إلى القسم الذي يجب فيه النصب فقط، والقسم الذي يجب فيه الرفع فقط، تنشأ الأقسام الخمسة التي عرضها النحاة فيه هذا الباب، وارتضوها وجعلوا لكل منها حكمًا، وقد أشرنا 2 إلى أنه يمكن إدماج بعضها في بعض وجعلها ثلاثة، اختصارًا وتيسيرًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- زاد فريق من النحاة شروطًا أخرى للاشتغال رفضها سواه، بحجة أنها لا تثبت على التمحيص، وهذا رأي سديد حملنا على إهمالها؛ ادخارًا للجهد، وإبعادًا لنوع من الجدل لا خير فيه للنحو. 2- أشرنا قريبًا1: إلى صحة أن يكون الاسم السابق المنصوب مفعولًا به لفعل محذوف، يخالف الفعل المذكور بعده في جملته، ولا يكون له صلة بلفظه ولا بمعناه؛ وذلك حين تقوم قرينة تدل على هذه المخالفة: كأن يقال: ماذا اشتريت؟ فتجيب: كتابًا أقرؤه، "فكتابًا" مفعول به لفعل محذوف تقديره: اشتريت كتابًا أقرؤه؛ فالفعل المحذوف مخالف للمذكور في لفظه ومعناه؛ فلا تكون المسالة من باب "الاشتغال"، ولا يكون العامل الثاني صالحًا للعمل في المفعول به السابق، ولا مفسرًا لعامله المحذوف، وفي هذه الحالة التي يختلف فيها الفعلان: المحذوف والمذكور، لا يكون الحذف واجبًا، وإنما يكون جائزًا 2، فيصح في الفعل المحذوف أن يذكر، أما الحذف الواجب ففي: "الاشتغال"؛ فلا يصح الجمع بينهما؛ لأن الثاني بمنزلة العوض عن الأول؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه3. 3- إنما يقع "الاشتغال" بمعناه العام الذي يشمل الاسم السابق المرفوع بعد أدوات الشرط، والتحضيض والاستفهام، غير الهمزة، كما سبق في الشعر؛ فقط؛ للضرورة، وأما في النثر فلا يحسن بعد تلك الأدوات إلا صريح الفعل4
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى من أدوات الشروط ثلاثة أشياء؛ يقع بعدها الاشتغال نثرًا ونظمًا. أولها: أدوات الشرط التي لا تجزم؛ ومنها: إذا - ولو - مثل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} إلخ، ومثل: لو الحرب امتنعت لطابت الحياة. وثانيهما: "إن"، بشرط أن يكون الفعل في التفسير ماضيًا لفظًا، نحو: إن علمًا تعلمته فاعمل به، أو ماضيًا معنى1 فقط، نحو: إن علمًا لم تتعلمه فاتتك فائدته. فإن كان فعل التفسير مضارعَا مجزومًا 2 لم يقع الاشتغال بعده إلا في الشعر، دون النثر. وثالثها: "أما" الشرطية، ولكن لا يجب نصب الاسم بعدها؛ لأن الاسم يليها حتمًا3 ولو كان الفعل مذكورًا بعده؛ نحو: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} ، فقد قرئ "ثمود" بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاشتغال، وفي حالة النصب يجب تقدير العامل بعد الاسم المنصوب، وبعد الفاء معًا؛ لأن "أما" لا يليها إلا الاسم4 ولا يفصل بينها وبين الفاء إلا اسم واحد، والتقدير -كما يقولون- وأما ثمود فهديناهم5 هديناهم، وللبحث تحقيق. 4- من الأصول النحوية أن المحذوف قد يحتاج -أحيانًا- إلى شيء مذكور يفسره، ويدل عليه، وقد يكون التفسير واجبًا، كما في باب: "الاشتغال" وفي هذا الباب إن كان المحذوف جملة فعلية، فتفسيره لا يكون إلا بجملة مذكورة في الكلام، مشاركة للمحذوفة في لفظها ومعناها معًا، أو في المعنى فقط؛ نحو:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العظيم نافسته - المصنع وقفت فيه - التقدير: نافست العظيم نافسته - لابست المصنع وقفت فيه، أو نحو ذلك مما يؤدي إلى الغرض في الحدود المرسومة، ولا يصح هنا تفسير الجملة بغير جملة مثلها على الوجه السابق. وإن كان المحذوف فعلًا فقط أو وصفًا عاملًا يشبهه، ويحل محله، جاز أن يفسر كل منهما بفعل أو بما يشبهه، تفسيرًا لفظيًا ومعنويًا معًا، أو معنويًا فقط والأفضل التماثل عند عدم المانع بأن يفسر الفعل نظيره الفعل، ويفسر الوصف نظيره الوصف، نحو: إن أحد دعاك لخير فاستجب - ما الصلح أنت كارهه. التقدير: إن دعاك أحد، دعاك لخير فاستجب - ما أنت كاره الصلح - أنت كارهه. ويدور بين النحاة جدل طويل في موضع الجملة المفسرة؛ أيكون لها محل من الإعراب، أو ليس لها محل؟ وقد يكون الأنسب الأخذ بالرأي القائل: إنها تساير الجملة المحذوفة، "المفسرة" وتماثلها في محلها الإعرابي وعدمه، كما تمثلها في لفظها ومعناها على الوجه السالف، وعلى هذا إن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لا محل لها من الإعراب فالمفسرة كذلك لا محل لها من الإعراب؛ نحو: البحر أحببته، أي: أحببت البحر أحببته؛ فالجملة التفسيرية لا محل لها من الإعراب؛ لأن الأصلية المحذوفة كذلك، وإن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لها محل من الإعراب؛ فالتي تفسرها تسايرها وتماثلها فيه؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، أي: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر؛ فالجملة المحذوفة " المفسرة" في محل رفع خبر "إن"، فالتي تفسرها: كذلك في محل رفع خبر، ونحو: العقلاء الواجب يؤدونه؛ أي: العقلاء يؤدون الواجب يؤدونه، فالجملة المحذوفة "المفسرة" في محل رفع خبر المبتدأ والمفسرة في محل رفع خبر المبتدأ كذلك، وفي قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} تقع الجملة الاسمية "المفسرة" مفعولًا به في محل نصب؛ لأن المحذوف المفسر مفعول به منصوب؛ إذ التقدير: "الجزاء، أو الجنة وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات، لهم مغفرة"، فجملة: "لهم مغفرة" هي المفسرة المفعول به المحذوف1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تكون الجملة هي المفسرة في باب الاشتغال إلى حين يكون الاسم السابق منصوبًا كالأمثلة السالفة؛ فإن كان مرفوعًا للمحذوف فالمحذوف هو فعله وحده1، ويتعين أن يكون مفسره هو الفعل المذكور وليس الجملة، ولا بد -عند المحققين- أن يكون هذا الفعل المذكور "المفسر" مسايرا للمحذوف " المفسر" في حكمه وإعرابه اللفظي، والتقديري، والمحلي ... مثل إن العتاب يكثر يؤد إلى القطيعة، التقدير: إن يكثر العتاب - يكثر - يؤد إلى القطيعة، فالمفسر هو الفعل: "يكثر" الثاني، وهو مضارع مجزوم كالأول المحذوف2، إذا العناية تلاحظك عيونها فلا تخف شيئًا، التقدير: إذا تلاحظك العناية تلاحظك عيونها، فالمفسر في المثال هو الفعل: "تلاحظ" وحده، وهو كالأول في حكمه
الإعرابي، ومثل: إذا الملك الجبار صعر خده1 ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه أي: إذا صعر الملك خده، صعره، فالمفسر هو الفعل الماضي وحد "صعر"، ومثل: فمن نحن نؤمنه2 يبت وهو آمن ... ومن لا نجره يمس منا مفزعًا التقدير: فمن نؤمنه يبت وهو آمن، فالمفسر هو الفعل "نؤمن" وحده، وهو مجزوم كالفعل المفسر المحذوف، وكلمة: "نحن" في البيت ضمير فاعل للفعل المحذوف، وقد برز هذا الضيمر -بعد استتاره الواجب- بسبب حذف فعله وحده؛ إذ لا يبقى الفاعل مستترًا بعد حذف عامله، فإذا رجع العامل وظهر، عاد الضمير الفاعل إلى الاستتار كما كان، فإن ظهر مع ظهور عامله لم يعرب -في الرأي الشائع- فاعلًا؛ وإنما يعرب توكيد لفظيًا للضمير المستتر المماثل له. وينطبق هذا الكلام على البيت التالي: فإن أنت لم ينفعك علمك3 فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل التقدير: فإن لم تنتفع لم ينفعك علمك ... وأشباه هذا، فالفعل "ينفع" هو وحده المفسر للفعل المحذوف، وهو مساير لذلك المحذوف في الجزم والنفي معًا. والضمير البارز "أنت" فاعل الفعل المحذوف، وكان مستترًا وجوبًا فيه، فلما حذف الفعل برز في الكلام فاعله المستتر، ولما رجع الفعل إلى الظهور في الجملة الأخيرة عاد فاعله الضمير إلى الاستتار، كما كان أولًا، ومثله قول الشاعر:
إذا أنت 1 فضلت امرأ ذا براعة ... على ناقص كان المديح من النقص وقول الآخر: بليغ إذا يشكو إلى غيرها الهوى ... وإن هو لاقاها فغير بليغ وفي مثل: لا تجزعي إن منفس أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي يكون التقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته ... والمحذوف هنا مطاوع للمذكور، فهو من مادته اللفظة ومن معناه، وإن كانت المشاركة اللفظية ليست كاملة. أما تفضيل الرأي القائل بمسايرة الجملة المفسرة للجملة المفسرة في حكمها، ومحلها الأعرابي فراجع إلى أمرين: أولهما: أن الجملة المفسرة قد يكون لها محل من الإعراب -بالاتفاق- في بعض مواضع، كالجملة المفسرة لضمير الشأن2 في نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فإن جملة "الله أحد" مبتدأ وخبر في محل رفع؛ لأنها خبر لضمير الشأن: "هو"، وفي نحو: ظننته: "الصديق نافع"؛ الجملة الاسمية في محل نصب؛ لأنها المفعول الثاني لظن ... وليس في هذا خلاف. وثانيهما3: أن هناك كلمات تفسر غيرها وقد تسايرها في حركة إعرابها؛ كالكلمات الواقعة بعد "أي" التي هي حرف تفسير في مثل: هذا سوار من عسجد؛ أي: ذهب، فكلمة: "أي" حرف تفسير؛ يدل على أن ما بعده يفسر شيئًا قبله، وكلمة: "ذهب" هي التفسير لكلمة: "عسجد" ويجب أن تضبط مثلها في حركات الإعراب، نعم إنهم يعربون كلمة "ذهب"، وأمثالها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مما يقع بعد "أي" التفسيرية بدلًا أو عطف بيان؛ لكن هذا لا يخرجها عن أنها مماثلة للمفسر في حركة إعرابه؛ إذ كل من البدل وعطف البيان تابع هو بمنزلة متبوعه. ومن الكلمات التي تفسر غيرها، ويتحتم أن تسايره في حركة إعرابه ما يقع بعد حرف العطف: "الواو" الذي يدل أحيانًا على أن ما بعده مفسر لما قبله، كما في مثل: الماء الصافي يشبه اللجين والفضة، فالواو وحرف عطف للتفسير؛ لأن ما بعدها يفسر ما قبلها، وهو مساير له - وجوبًا - في حركات إعرابه؛ إذا المعطوف كالمعطوف عليه في كثير من أحكامه التي منها حركات الإعراب. فالرأي القائل باعتبار الجملة التفسيرية مسايرة لما تفسره يجعلها كنظائرها من الجمل التي لها محل من الإعراب، وكغيرها من المفردات التي تؤدي مهمة التفسير، ولا معنى للتفرقة في الحكم بين ألفاظ تؤدي مهمة واحدة، إلا إن كان هناك سبب قوي، ولم يتبين هنا السبب القوي؛ بل الذي تبين أن الكلام المأثور الفصيح يؤيد أصحاب هذا الرأي الواضح الذي يمنع تعدد الأقسام والأحكام، ويؤدي إلى التيسير بغير ضرر. وقد أشرنا1 إلى أن الجملة لا تكون مفسرة في باب "الاشتغال" إلا حين يكون الاسم السابق منصوبًا، فإن كان مرفوعًا لعامله المحذوف فالمحذوف هو فعله وحده، ويتعين أن يكون التفسير بفعل فقط، كما قلنا: إن الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل وجب نصبه، ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ، وإنما يجوز رفعه على أنه مرفوع فعل محذوف؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْه} ، فكلمة: "أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ... إلى آخر ما أوضحنا ... والذي نريد بسطه الآن أن بعض القدامى والمحدثين لا يروقهم هذا التقدير، ويسخرون منه، مطالبين بإعراب الاسم المرفوع -في الآية السالفة وأشباهها- إما مبتدأ مباشرة، وإما فاعلًا مقدمًا للفعل الذي بعده "أي: للمفسر"، وبإهمال التعليل الذي يحول دون هذا الأعراب؛ لأنه -كما يقولون- تعليل نظري محض،
ساسه التخيل والتوهم، وتعارضه النصوص الكثيرة الواردة بالرفع الصريح ... ولا حاجة إلى عرض أدلة كل فريق ممن يبيح، أو يمنع فقد فاضت بها المطولات والكبت التي تتصدى لمثل هذا الخلاف، وسرد تفاصيله وأدلته التي تضيق بها الصدور -أحيانًا- حين تقوم على مجرد الجدل، وتعتمد على التسابق في إظهار البراعة الكلامية، ومنها: كتاب: "الإنصاف في أسباب الخلاف"، لابن الأنباري ... والحق يقتضينا أن نحكم على كل وجه من أوجه الإعراب الثلاثة بالضعف. ولكن الضعف في حالة تقدير عامل محذوف، أخف وأيسر، ويما يلي البيان بإيجاز، ولعل فيه -مع إيجازه- ما يرد بالأمر مورده الحق، ويضعه في نصابه الصحيح، هذا، وفي الاستئناس والاسترشاد بما يقال في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط -كالآية السابقة، وأمثالها- ما يكفي ويوصل لتأييد النحاة، ودعم رأيهم في باقي حالات رفعه. أ- في مثل: إن عاقل ينصحك ينفعك، لو أعربنا الاسم السابق: "عاقل" مبتدأ لكانت الجملة الفعلية بعده "وهي: ينصحك" في محل رفع، خبره - ويترب على هذا أن تكون أداة الشرط، وهي تفيد - دائمًا - التعليق 1 قد دخلت على جملة اسمية، مع أن الجملة الاسمية تفيد الثبوت2 في أكثر الصور، وهو من أضداد التعليق، وهنا يقع في الجملة الواحدة التعارض الواسع بين مدلول الأداة، ومدلول المبتدأ مع خبره؛ وهو تعارض واقعي3 لا خيالي؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ مرده الاستقراء المنتزع من الأساليب العربية الصحيحة التي لا يسوغ مخالفتها، ولا سيما في النواحي المتعلقة بالمعنى، وإلا اضطربت المعاني، وتناقضت، ولم تؤد اللغة مهمتها - بخلاف الجملة الفعلية؛ فإنها تقبل التعليق، ولا تعارضه. وشيء آخر يؤيد ما سلف؛ هو أن بعض النصوص الفصيحة الواردة تدل على وجود لغات أو لهجات ترفع المضارع "ينصح" في ذلك المثال وأشباهه، فإذا ورد مرفوعًا فأين فعل الشرط؟ أيكون هو فعل الشرط مع رفعه، فنتكلف أقبح التأول والتمحل في إعرابه؟ أم نتركه على حاله مرفوعًا، ونقدر فعلًا آخر للشرط مجزومًا مباشرة؟ الأمران معيبان، ولكن الثاني أقرب إلى القبول؛ لأنه - بسبب جزمه المباشر الخالي من التأول - ينخرط في عداد أفعال الشرط؛ إذ الأصل في أفعال الشرط أن تكون مجزومة، وهذا دليل آخر يدفعنا إلى رفض الوجه الإعرابي السابق "المبتدأ"، كما تحمل على رفضه أمور نحوية، وبلاغية دقيقة وفي مقدمتها الفصل بالمبتدأ بين أداة الشرط الجازمة وفعلها، وهذا ممنوع1؛ لمخالفته المأثور الشائع، ومنها: أن دخول النواسخ على المبتدأ مطرد، مع أن كثير من النواسخ لا يصح دخوله هنا على المبتدأ، ومن هذا الكثير الحرف: "إن" إذ له الصدارة في جملته، فلا يصح وقوعه بعد أداة الشرط ... و ... و ... ب- ولو أعربنا الاسم السابق وهو: "عاقل" وأشباهه، فاعلًا - أو شيئًا آخر مرفوعًا بالعامل الذي بعده - كما يرى فريق من الكوفيين لكان هذا أخذًا برأي ضعيف أيضًا، فوق ما فيه من الفصل الممنوع عند أكثر النحاة - كما أوضحنا-، ومن اختلاط الأمر في كثير من الأساليب بين المبتدأ والفاعل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدم كما في المثال المعروض ونظائره -وما أكثرها- فيوجد من يعرب كلمة؛ "عاقل" مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره، ومن يعربها فاعلًا مقدمًا للفعل بعده. وعلى الإعراب الأول تكون الجملة اسمية، وقد سبق ما فيها من عيب، إما على الإعراب الثاني فالجملة فعلية؛ ودلالتها مختلفة عن سابقتها، فشتان بين مدلولي الجملتين في لغتنا، هذا إلى مشكلات أخرى تتعلق بوجود فاعل مذكور - أحيانًا- بعد الفعل المتأخر، كالتاء في قول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فهل يمكن إعراب الضمير "أنت" في كل شطر فاعلًا مع وجود التاء بعده، ومشكلات تتعلق بالضمائر: المستترة المتصلة بالفعل المتأخر، كموقع الضمير "أنت" في مثل قول الشاعر: إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه فما إعراب "أنت"؟ أتكون فاعلًا مقدمًا للفعل "تشرب" مع أن فاعله ضمير مستتر وجوبًا، لا يجوز إظهاره؟ أم تكون توكيدًا متقدمًا لذلك الفاعل المستتر مع أن التوكيد لا يصح تقديمه على المؤكد؟ إلى غير هذا من مشكلات تتصل بالضمائر - وسواها - كمشكلة الفاعل المتقدم في مثل: "محمد" قام، بإعراب "محمد" فاعلًا عند من يجيزونه، فما إعرابه إن سبقه ناسخ مثل: كان محمد قام؟ أين الفاعل؟ وأين اسم الناسخ؟ وكذلك مشكلة عودة الضمائر، ومطابقتها للفاعل المتقدم أو عدم مطابقتها، واعتبارها حروفًا أو أسماء مهملة حينًا وغير مهملة حينًا آخر بغير ضابط سليم يعتمد عليه في كل ذلك. ج- فلم يبق إلا اختيار الإعراب الثالث القائم على تقدير فعل محذوف، "تحقيقًا لما اشترطه جمهور النحاة من دخول أداة الشرط على فعل ظاهر، أو مقدر ومنع دخولها على الاسم واعتباره أفضلها، وأن العيب فيه أخف وأيسر، كما قلنا، ولن يترتب على هذا "التقدير" خلط بين المعاني والمدلولات اللغوية، ولا تداخل بين القواعد النحوية، على أن "التقدير" باب واسع وأصيل في لغتنا، ولكنه محكم، وسائغ ممن يحسن استخدامه - عند مسيس الحاجة الشديدة - على النط الوارد الفصيح الذي يحتج به، والذي لا يؤدي إلى خلط أو اضطراب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- أجرى بعض النحاة الذين لا يقصرون الاشتغال على النصب - أحكامًا أربعة على الاسم السابق إذا كان مرفوعًا، وبعده فعل قد عمل الرفع في ضميره أو في ملابسه: فيجب رفع هذا الاسم السابق إما بالابتداء إذا وقع بعد أداة لا يليها فعل؛ كإذا الفجائية، وليتما "المختومة بما الزائدة"، نحو: خرجت فإذا النسيم ينعش - ليتما الجو يعتدل، وإما على الفاعلية يفعل محذوف إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل -كأداة الشرط- نحو: إن سيارة أقبلت فاحترس منها، وقول الشاعر: إذا أنت لم تحم القديم بحادث ... من المجد لم ينفعك ما كان من قبل ويكون الرفع بالابتداء راجحًا في مثل: الزارع يكافح: حيث لا يحتاج إلى تقدير شيء محذوف، أما إعرابه فاعلًا بفعل محذوف فيحتاج إلى تقدير ذلك الفعل، والتقدير هنا ردئ ما دام الاسم غير واقع بعد أداة تطلب فعلًا؛ كأداة الاستفهام، ونحوها ... وقد يكون الرفع بالفعل المحذوف راجحًا على الرفع بالابتداء في مثل: العاملة لتجتهد؛ لأن وقوع الجملة الطلبية خيرًا قليل بالنسبة لغير الطلبية. وقد يتسويان في مثل كلمة: "الزروع" من نحو: المطر نزل، "والزروع ارتوت منه؛ لأن الجملة الأولى ذات وجهين فإذا أعربت كلمة "الزروع" مبتدأ والجملة بعدها الخبر كانت هذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة الاسمية التي قبلها. وإذا أعربت كلمة: "الزروع" فاعلًا لفعل محذوف كانت هذه الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرًا قبلها. 5- أبيات ابن مالك في هذا الباب ليست مرتبة ترتيبًا متماسكًا يساير المعاني ويؤالف بعضه بعضًا، فقد يذكر بيتًا أو بيتين في أول الباب يشرح بهما قاعدة معينة، ثم يأتي ببيت أو أكثر ليشرح قاعدة ثانية، فثالثة ... ثم يذكر بيتًا آخر يتمم القاعدة الأولى، فآخر يتمم الثالثة، وهكذا تتفرق أجزاء القاعدة الواحدة في بيتين أو أكثر ليس بينهما توال، أو اتصال مباشر، فلم يكن يد من استيفاء كل قاعدة على حدة استيفاء كاملًا، ثم الإشارة في الهامش إلى أبيات ابن مالك
المتعلقة بتلك القاعدة، وتدوينها على حسب ما يقتضيه تماسك القاعدة وتكاملها، لا على حسب ورودها في ألفيته؛ وإلا جاءت القاعدة مفككة، متناثرة هنا وهناك، متداخلة في غيرها، على أنا وضعنا بجانب كل بيت من أبيات ابن مالك رقمه الخاص به الذي يدل على ترتيبه الحقيقي بين أبيات هذا الباب كما وردت في ألفيته. 6- أسلوب: "الاشتغال" بمعناه العام دقيق، يتطلب براعة في تأليفه وضبطه، كي يسلم من الخطأ، والالتواء، والتفكك؛ فحيذا الاقتصاد في استعماله.
المسألة 70: تعديل الفعل ولزومه الكلام على المفعول به وأحكامه المختلفة
المسألة 70: تعديل الفعل ولزومه الكلام على المفعول به وأحكامه المختلفة مدخل ... المسألة 70: تعدية الفعل ولزومه الكلام على المفعول به، وأحكامه المختلفة الفعل التام1 ثلاثة أنواع: أ- نوع يسمى: "المتعدي2"؛ وهو: "الذي ينصب بنفسه مفعولًا به3 أو اثنين، أو ثلاثة؛ من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم4" مثل، سمع - ظن - أعلم، في نحو: لما سمعت الخبر ظننت الراوي مخطئا، لكن الصحف أعلمتنا الخبر صحيحا.
ب- نوع يسمى "اللازم"1 أو: "القاصر"، وهو: "الذي لا ينصب بنفسه مفعولًا به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيرها مما يؤدي إلى التعدية" مثل: أسرف - انتهى - قعد - في نحو: إذا أسرف الأحمق في ماله انتهى أمره إلى الفقر، وقعد في بيته ملومًا محسورًا2، فكل كلمة من: مال، فقر، بيت ... هي في المعنى - لا في الاصطلاح - مفعول به للفعل قبلها، ولكن الفعل لم يوقع معناه وأثره عليها مباشرة من غير وسيط؛ وغنما أوصله ونقله بمساعدة حرف جر؛ كان هو الوسيط في ذلك؛ فهي في الظاهر مجرورة به، وهي في المعنى في حكم المفعول به لذلك الفعل3. جـ- نوع مسموع، يستعمل متعديًا ولازمًا، مثل: شكر، ونصح4.
وقد أراد النحاة تيسير التمييز بين الفعل المتعدي بنفسه والفعل اللازم، وسهولة تعيين كليهما؛ فوضعوا لذلك ضابطين يصلح كل منهما لأداء هذه المهمة - في رأيهم1. أولهما: أن يتصل بالفعل ضمير؛ كالهاء2، أو: ها - يعود على اسم سابق غير ظرف وغير مصدر. وطريقة ذلك: أن يوضع الفعل في جملة تامة، وقبله اسم جامد، أو مشتق؛ بشرط أن يكون هذا الاسم غير مصدر وغير ظرف، وبعد الفعل ضمير يعود على ذلك الاسم المتقدم، وإن صح التركيب واستقام المعنى فالفعل متعد بنفسه، وإلا فهو لازم، فإذا أردنا أن نبين حقيقة الفعل: "أخذ" من ناحية التعدي واللزوم وضعنا قبله اسمًا غير مصدر وغير ظرف، وجعلنا بعد الفعل ضميرًا يعود على ذلك الاسم؛ فنقول: الصحف أخذتها، فنرى المعنى سليمًا، والتركيب صحيحًا "لموافقته الأصول والضوابط اللغوية"؛ فنحكم بأن هذا الفعل متعد؛ ينصب المفعول به بنفسه، إلا إن صار المفعول به نائب فاعل فيرفع3. ومثل هذا يتبع في الفعل "قعد" حيث نقول: الغرفة قعدتها؛ فندرك سريعًا فساد الأسلوب والمعنى، ولا سبب لهذا الفساد اللغوي إلا تعدية الفعل، "قعد" تعدية مباشرة، لهذا نحكم بأنه لازم. ومثل الفعلين "أخذ" و"قعد" غيرهما من الأفعال؛ حيث يمكن التوصل إلى معرفة المتعدي واللازم باستخدام الضابط السالف. وإنما اشترطوا في الاسم السابق أن يكون غير مصدر وغير ظرف؛ لأن الضمير يعود عليهما من الفعل المتعدي واللازم على السواء؛ فلا يصلح الضمير العائد على المصدر أو الظرف أن يكون أداة للتمييز، بين المتعدي واللازم؛ ففي مثل: طلبت
منك أن تمشي في الصباح المبكر طويلا، ثم تستريح ساعة، تذهب بعدها إلى مزاولة عملك فماذا فعلت؟ قد يكون الجواب: "المشي مشيته، والساعة استرحتها1، والذهاب ذهبته، والعمل زاولته"، ففي الإجابة ضمائر عاد بعضها على المصدر أو على الظروف، مع أن أفعالها لازمة، كما في الثلاثة الأولى، وعاد بعضها على المصدر أيضًا مع أن الفعل: "زوال" متعد بنفسه. ثانيهما: صياغة اسم مفعول تام2 من الفعل الذي معرفة تعديته أو لزومه؛ فإن أدى اسم المفعول معناه بغير حاجة إلى جار ومجرور كان فعله متعديًا بنفسه، وإلا كان لازمًا، في مثل: فتح - أكل - أعلن ... نقول: الباب مفتوح - الفاكهة مأكولة - الخبر معلن ... فنرى اسم المفعول مستغنيًا عن الجار والمجرور في أداء لمراد منه، بخلافه عند صياغته في مثل: قعد - يئس - هتف ... حيث نقول: الحجرة مقعود فيها - القضاء على أسباب الحرب ميئوس منه - العظيم مهتوف باسمه ... فاسم المفعول هنا لم يستغن في أداء معناه عن الجار مع مجروره ... فالوسيلة إلى معرفة التعددية واللزوم تكون باستخدام أحد الضابطين السالفين، أو باستخدامهما معًا؛ كما يقول النحاة3.
وبالرغم من هذه الوسيلة لجئوا إلى أخرى أدق منها وأصح؛ فقد بذلوا الجهد -قدر استطاعتهم- في استقصاء كلام العرب، وحصر الأفعال اللازمة الواردة فيه، وتقسيمها أقسامًا تقريبية متعددة، لكل قسم عنوان معين ينطبق - إلى حد كبير - على عدد كثير من الأفعال اللازمة الداخلة تحته؛ فيكتفي الراغب بمعرفة هذا العنوان، وتطبيق معناه على الفعل الذي يريد الحكم عليه بالتعدية أو باللزوم؛ فيصل - غالبًا - إلى ما يريد، فمنزلة هذا العنوان العام منزلة القاعدة التي تطبق على أفراد متعددة؛ فتغني عن المراجع اللغوية، وتوصل إلى الغاية المرجوة بغير جهد مبذول، ولا وقت ضائع، وقد نجحوا في وضع هذه العناوين أو القواعد التقريبية نجاحًا كبيرًا يمكن الاعتماد عليه، والاكتفاء به، بالرغم من أنها لم تنطبق على قليل من الأفعال وصف بالشذوذ، ونحوه، وأشهر تلك العناوين والقواعد التقريبية الدالة -في الغالب- على الأفعال اللازمة ما يأتي: 1- الأفعال الدالة على صفة تلازم صاحبها، ولا تكاد تفارقه إلا لسبب قاهر، وهي الأفعال الدالة على السجايا، والأوصاف الفطرية: مثل: شرف فلان؛ نبل - ظرف - قصر - طال - سمن - نحف ... والأغلب في هذه الأفعال أن تكون على وزن: "فعل" - بفتح فضم - وهذه صيغة تكاد تقتصر على الفعل 1 اللازم. ويتصل بها ما لا يدوم ولكن ومنه يطول، أو يتكرر؛ مثل: جبن - شجع - نهم 2 - جشع.
2- الأفعال الدالة على أمر عرضي1 طارئ، يزول بزوال سببه المؤقت؛ كالأفعال في مثل: مرض المتعرض للعدوى - أحمر وجهه - ارتعشت يده ... وكالأفعال الدالة على فرح أو حزن؛ "هنئ - سعد - حزن - جزع - فزع - رجف"، أو على نظافة ودنس؛ مثل: نظف الثوب أو غيره - طهر - وضؤ - دنس - وسخ - قذر - نجس. 3- الأفعال الدالية على لون، أو حلية، أو عيب، مثل: خمر - احمر - احمار - سود، أسود - ابيض ... ومثل: دعج2، كجل - عور - عمي ... 4-الأفعال التي على وزن "افعلل" نحو: اقشعر - ابذعر3 - اشمأز - وما ألحق بهذا الوزن من مثل: افوعلّ "بسكون الفاء، وفتح الواو والعين، وتشديد اللازم"، نحو: أكوهد4 وأكوأل ... 5- الأفعال التي على وزن "افعنلل"؛ من كل فعل في وسطه نون بعدها حرفان أصليان، نحو: رنجم5. وكالأفعال التي تضاهي "افعنلل" من كل فعل في وسطه نون بعدها حرفان أحدهما زائد للإلحاق، نحو: اقعنسس6؛ فإن السين الثانية زائدة للإلحاق 7؛ باحرنجم.
ويلحق بهما ما كان على وزن "افعنلى" نحو اسلنقى1 واحرنبى2. 6- الأفعال التي على وزن "فعل" -بكسر العين أو فتحها- إذا كان الوصف منها على "فعيل"؛ نحو: قوي الرجل، فهو قوي، وذل3 الضعيف فهو ذليل. 7- الأفعال التي على وزن: انفعل؛ نحو: انبعث وانطلق، والتي على وزن "أفعل"، ومعناها: صار صاحب شيء معين، مثل: أغد البعير؛ بمعنى: صار ذا غدة4. أو التي على وزن: "استفعل" وتفيد الصيرورة5 أيضَا؛ نحو: استنوق الجمل، أي: صار كالناقة، واستأسد القط؛ أي: صار كالأسد في صورته. 8- الأفعال الدالة على مطاوعة 6 فعل لفعل آخر متعد بنفسه لواحد؛ مثل: "امتد" في نحو: مددت الحديد الساخن فامتد، ومثل: "توفر" في نحو: وفرت المال فتوفر، ومثل: انكسر في نحو: كسرت الخشبة فانكسرت. 9- الأفعال الرباعية الأصول التي يزاد عليها حرف أو حرفان؛ مثل: تدحرج، واحرنجم. تلك هي أشهر أنواع الأفعال التي يغلب عليها اللزوم7.
"ملاحظة": للفعل اللازم ثلاثة أنواع يتردد ذكرها في مناسبات مختلفة1. أولها: اللازم أصالة؛ ويراد به الفعل الموضوع في أصله اللغوي لازمًا؛ مثل: نام - قعد - تحرك. ثانيها: اللازم تنزيلًا؛ ويراد به الفعل المتعدي لواحد، ولكن مفعوله هذا يحذف - غالبًا - في بعض الاستعمالات؛ كأن يشق من مصدر هذا الفعل اسم فاعل يضاف إلى فاعله، فيصير اسم الفاعل بسبب هذه الإضافة دالًا على الثبوت بعد أن كان قبل الإضافة دالًا على الحدوث، ويصير في حالته الجديدة: "صفة مشبهة" ويسمى باسمها، وتجري عليه كل أحكامها مع بقائه على صورته الأولى، دون بقاء اسمه السابق، وهو في حالته الجديدة لا ينصب "مفعولًا به"؛ لأنه صار - كما قلنا - صفة مشبهة، والصفة المشبهة لا تشتق أصالة إلا من فعل لازم، فحق ما هو بمنزلتها أن يكون كذلك، فيحذف - في الغالب - مفعوله؛ مجاراة لها، ففي مثل: رحم قلب المؤمن الضعفاء، يقال فيه: فلان راحم القلب. ثالثها: اللازم تحويلًا، وهذا يكون بتحويل الفعل المتعدي لواحد إلى صيغة: "فعل" بقصد المدح أو الذم2 وهذه الصيغة لا تكون إلا لازمة؛ مثل: جهل الأمي، في ذم الأمي، والأصل المتعدي قبل التحويل هو: جهله ... ؛ فصار بعد التحويل لازمًا.
المسألة 71
المسألة 71: طريقة تعدية الفعل اللازم الثلاثي: من الممكن جعل الفعل الثلاثي اللازم متعديًا إلى مفعول به واحد، أو في حكم المتعدي إليه1؛ وذلك بإحدى الوسائل التي ستذكرها، وكلها قياسي؛ إلا الأخيرة2 ... وقبل أن نسردها نشير إلى أمر هام، هو: أن هذه الوسائل كلها تشابه في أمر واحد، يتركز في صلاحية كل منها لتعدية الفعل اللازم، وتختلف بعد ذلك بينهما اختلافًا واضحًا، وناحية الخلاف تتركز أيضًا في أن كل وسيلة منها تؤدي مع التعدية معنى خاصًا لا تكاد تؤديه وسيلة أخرى؛ فواحدة تفيد - مثلًا - مع التعدية جعل الفاعل مفعولًا به؛ كهمزة النقل3، ولهذا أثره في تغيير المعنى الأول4، وواحدة تفيد التكرار والتمهل؛ كالتضعيف، وهذا تغيير طارئ على المعنى السابق، وثالثة تفيد المشاركة، ولم تكن موجودة، كتحويل الفعل اللازم إلى صيغة فاعل ... وهكذا ... ، مما سيتضح عند الكلام على كل واحدة، وما تجلبه من المعنى الطارئ مع التعدية، فإن كان أثر الوسائل من ناحية التعدية واحدًا، فإن أثرها مختلف من ناحية المعنى لهذا لا تختار وسيلة منها إلا على أساس أنها - مع تعديتها
الفعل - تجلب معها معنى جديدًا يساير الجملة، ويناسب الغرض، وعلى هذا الأساس وحده يقع الاختيار على وسيلة دون أختها؛ فالتي تصلح لمعنى لا تصلح لغيره في الغالب إلا إذا عرف عنها أنها قد تشابه غيرها في تأدية معناه، كحرف الجر الأصلي فإنه يؤدي ما تؤديه همزة النقل أحيانًا؛ نحو: أذهبت العصفور، وذهبت به ... وإليك الوسائل: 1- إدخال حرف الجر الأصلي المناسب للمعنى، على الاسم الذي يعتبر في الحكم - لا في "الاصطلاح" كما شرحنا أول هذا الباب، وكما يأتي هنا1 - مفعولا به معنويًا للفعل اللازم 2، ليكون حرف الجر الأصلي مساعدًا على توصيل أثر الفعل إلى مفعوله المعنوي؛ فمثل: قعد - صاح - خرج - يقال في تعديته بحرف الجر: قعد المريض على السرير - صاح الجندي بالبوق - خرجت من القرية، فكلمة: السرير - البوق - القرية ... هي من الناحية المعنوية في حكم المفعول به، لوقوع أثر الفعل عليها، وإن كانت لا تسمى في "اصطلاح" النحاة مفعولًا به حقيقيًا 3، ولا يجوز -في الرأي الأنسب- نصب شيء من توابعها ما دام حرف الجر الأصلي مذكورًا قبلها في الكلام "كما سبق وكما سيجيء"4. وقد وردت أمثلة قليلة مسموعة عن العرب، حذف فيها حرف الجر، ونصب مجروره بعد حذفه؛ منها: "تمرون الديار" بدلًا من: تمرون بالديار، ومنها: "توجهت مكة، وذهبت الشام"، بدلًا من: توجهت إلى مكة، وذهبت إلى الشام ... ، فهذه كلمات منصوبة على نزع الخافض5، كما يقول
النحويون، والنصب به سماعي1 - على الأرجح المعول عليه؛ مقصور على ما ورد منها منصوبًا مع فعله2 الوارد نفسه؛ فلا يجوز -في الرأي الصائب- أن ينصب فعل3 من تلك الأفعال المحددة المعينة كلمة على نزع الخافض إلا التي وردت معه مسموعة عن العرب، كما لا يجوز في كلمة من تلك الكلمات المعدودة المحدودة أن تكون منصوبة على نزع الخافض إلا مع الفعل4 الذي وردت معه مسموعة، أي: أن هذه الكلمات القليلة المنصوبة على نزع الخافض لا يجوز القياس عليها، فهي، مقصورة على أفعالها الخاصة بها، وأفعالها مقصورة
عليها1، ولولا هذا لكثر الخلط بين الفعل اللازم2 والفعل المتعدي، وانتشر اللبس والإفساد المعنوي، وفقدت اللغة أوضح خصائصها؛ وهو: التبيين؛ وأساسه الضوابط السليمة المتميزة التي لا تداخل فيها، ولا اختلاط. وليس للتعدية بحرف الجر الأصلي -وشبهه 3- حرف معين يجب الاقتصار عليه وحده، وإنما يختار للتعدية الحرف الذي يحقق المعنى المراد، ويناسب السياق؛ فقد يكون الحرف: من، أو، إلى، أو الباء، أو غيرها ... ؛ كالأمثلة السابقة، وكقولنا: انصرف الصانع إلى مصنعة - وانصرف من المصنع إلى بيته - انصرف العالم عن الهزل - انصرف في سيارته ... وهكذا تتغير أحرف الجر، وتتنوع مع العامل اللازم بتنوع4 المعاني المطلوبة. وحرف الجر إذا كان وسيلة للتعدية، "وهي التعدية غير المباشرة"، لا يجوز حذفه مع بقاء معموله مجرورًا، إلا في بضعة مواضع قياسية5.
ويعنينا الآن من تلك المواضع ما يكون فيه المجرور مصدرا مؤولا من حرف
مصدري من الحروف الثلاثة مع صلته، "وهي: أن، وأن المختصة بالفعل1
وكي1"، مثل: "سررت من أن الناشئ راغب في العلم، حريص على أن يزداد منه، لكي يبني مجده، ويرفع شأن بلاده"، فيصح حذف الجار قبل كل حرف من الثلاثة، فتصير الجملة: "سررت أن الناشئ ... حريص أن يزداد ... كي يبني ... " فالمصادر التي تؤول في العبارات السالفة من الحرف المصدري وصلته، تكون مجرورة على التوالي بالحرف: "من" فالحرف: "على"، فالحرف: "اللام" ولا داعي لأن يكون المصدر المؤول في محل نصب على نزع الخافض - كما يرى فريق - لأن حرف الجر المحذوف ملاحظ هنا بعد حذفه، والمعنى قائم على اعتباره كالموجود، فهو محذوف بمنزلة المذكور؛ ولأن النصب على نزع الخافض خروج على الأصل السائد الغالب، فلا نلجأ إليه مختارين. وهذا الحذف القياسي لا يصح إلا عند أمن اللبس2 كما في الأمثلة السالفة، وفي قول الشاعر: ولا عار أن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارًا أن يزول التجمل والأصل: "في أن زالت ... - في أن يزول ... " فإن خيف اللبس لا يصح الحذف؛ ففي مثل: "رغبت في أن يفيض النهر"، لا يصح حذف حرف الجر: "في" فلا يقال: رغبت أن يفيض النهر؛ إذ لا يتضح المراد بعد الحذف؛ أهو: رغبت في أن يفيض النهر، إذ لا يتضح المراد بعد الحذف، أهو: رغبت في أن يفيض النهر، أم رغبت عن أن يفيض ... ، والمعنيان متعارضان متناقضان، لعدم معرفة الحرف المحذوف المعين، وخلو الكلام من قرينة تزيل اللبس، ومثل هذا: انصرفت عن أن أقرأ المجلة، فلا يجوز حذف الجار؛ لأن حذفه يؤدي إلى أن تصير الجملة: انصرفت أن أقرأ المجلة، فلا ندري المقصود، أهو: انصرفت إلى أن أقرأ ... ، أم انصرفت عن أن أقرأ....، والمعنيان متناقضان، ولا قرينة تزيل اللبس3.....
2- إدخال همزة النقل على أول الفعل الثلاثي1 "وهي همزة تنقل معنى الفعل إلى مفعوله، ويصير بها الفاعل مفعولًا، ولا تقتضي -في الغالب- تكرارا، ولا تمهلًا" نحو: خفي القمر -وأخفى السحاب القمر- ومثل: جزعنا وأجزعنا، في قول الشاعر: فإن جزعنا فإن الشر أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر2 3- تضعيف عين الفعل اللازم، بشرط ألا تكون همزة3، ففي نحو:
فرح المنتصر - نام الطفل، نقول: فرحت المنتصر - نومت الأم طفلها. 4- تحويل الثلاثي اللازم إلى صيغة: "فاعل" الدالة على المشاركة؛ نقول في: جلس الكاتب، ثم مشى، وسار - جالست الكاتب، وماشيته، وسايرته. 5- تحويل الفعل الثلاثي اللازم إلى صيغة: "استفعل" التي تدل على الطلب1، أو على النسبة لشيء آخر، فمثال الأول: حضر - عان "بمعنى: عاون" تقول: استحضرت الغائب - استعنت الله؛ أي: طلبت حضور الغائب، وعون الله. ومثال الثاني: حسن - قبح ... تقول: استحسنت الهجرة - استقبحت الظلم: أي: نسبت الحسن للهجرة، ونسبت القبح للظلم. وقد تؤدي صيغة استفعل إلى التعدية لمفعولين إذا كان الفعل قبلها متعديًا لواحد؛ نحو: كتبت الرسالة - استكتبت الأديب الرسالة، وربما لا تؤدي، نحو: استفهمت الخبير، والأحسن قصر هاتين الحالتين الأخيرتين على السماع2...............
6- تحويل الفعل الثلاثي إلى فعل "مفتوح العين" الذي مضارعه "يفعل" "بضمها"، بقصد إفادة المغالبة1؛ نحو: كرمت الفارس أكرمه؛ بمعنى: غلبته في الكرم - شرفت النبيل أشرفه؛ بمعنى: غلبته في الشرف2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إذا حصلته بسعي وقصد، وتقول: كسبته، إن لم يكن بسعى وقصد، كالمال الموروث. "ولأصل الفعل"، كالتحى، أي: طلعت لحيته، و"المطاوعة" كأوقدت النار فاتقدت: و"معنى تفاعل" نحو: اقتتلوا واختصموا. "ملاحظة": ومما يختص بصيغة: "افتعل وتفاعل" الدالتين على الاشتراك ما قرره مؤتمر مجمع اللغة العربية "في دورته السابعة والثلاثين" من جواز إسناد الصيغتين إلى معموليهما، باستعمال "مع" أو"الباء" في الصيغة الأولى، واستعمال "مع" في الصيغة الثانية؛ "كقولهم: اتفق معه، والتحم معه، والتقى به، واتصل به، واجتمع معه، واجتمع به، وتجاوب معه ... و ... ". ومما يتصل بصيغة "افتعل" قرار المجمع اللغوي القاهري "طبقًا لما جاء في ص 39 من كتابه المسمى: "مجموعة القرارات العلمية" الصادرة في الدورة الأولى والدورات التي تليها إلى نهاية الثامنة والعشرين"، ونص القرار الخاص بمطاوع: "فعل" المتعدي - وقد سبقت الإشارة إليه من هامش ص 100 - هو: "كل فعل ثلاثي، متعد، دال على معالجة حسية، فمطاوعة القياسي هو: "انفعل"، ما لم تكن فاء الفعل واوًا، أو: لامًا، أو: نونًا، أو: ميمًا، أو: راء، ويجمعها قولك: "ولنمر" فالقياس فيه: "افتعل". ا. هـ - وسيجيء هذا في "هـ" ومعه الأمثلة. وجاء في كتاب: "الجامع الكبير" لابن الأثير - ج1 ص 48 - ما نصه بهامشها: "قال الحريري في درة الغواص: يقولون: انضاف الشيء إليه، وانفسد الأمر عليه، وكلا اللفظين معيرة لكتاب، والمتلفظ به، لمخالفته السماع والقياس. والوجه: أضيف إليه، وسد عليه؛ فقد تقرر أن مطاوع "فعل" الثلاثي هو: "انفعل وافتعل" ومطاوع "أفعل" الرباعي هو: "فعل" ويشترط في ذلك التعدي. وما ورد مما يخالف ما ذكر - نحو: انزعج مطاوع "أزعج"، وانطلق مطاوع "أطلق" وانفحم مطاوع "أفحم"، ونحو: انسرب مطاوع "سرب"، وهو لازم - شاذ لا يقاس عليه، ونقل العلامة شهاب الدين الألوسي "في كشف الطرة ص 48" أنا أبا علي الفارسي صحيح قياس "انفعل" من "أفعل" الرباعي، وأن ابن عصفور اختاره، وأن ظاهر قول ابن بري قياسية "انفعل" من "أفعل" الرباعي. قلنا: والسبب في ذلك كله اضطراب النحويين في فهم "المطاوعة". ا. هـ، ما جاء في كتاب: الجامع الكبير، لكن القاموس يقول في مادة: "فسد" إن القياس لا يأتي انفسد. وفيما يلي مباشرة الكلام على صيغة: "انفعل". "هـ" "انفعل" يقول الصبان ما نصه: هو: "المطاوعة الفعل ذي العلاج "أي: التأثير" المحسوس؟؛ كقسمته فانقسم؛ فلا يقال: علمت المسألة فانعلمت، ولا ظننت ذلك حاصلًا فانظن؛ لأن العلم والظن مما يتعلق بالباطن، وليس أثرهما محسوسًا، وأما نحو: فلان منقطع إلى الله تعالى، وانكشفت لي حقيقة المسألة، وحديث: "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" - فمن باب: "التجوز"، سلمنا أنه حقيقة، لكن لا نسلم أنه مطاوع، بل هو من باب انطلق علي". ا. هـ. "وجاء لأصل الفعل" كانطلق؛ أي: ذهب "لبلوغ الشيء" كانحجز؛ بلغ الحجاز، واستغنوا عن انفعل بافتعل - كما سبق في "د" - فيما فاؤه لام كلويته فالتوى، أو راء، كرفعته ارتفع، أو واو كوصلته فاتصل، أو نون كنقلته فانتقل، وكذا الميم غالبًا؛ كملأته فامتلأ
7 - التضمين - "وهو أن يؤدي فعل - أو ما في معناه - مؤدى فعل آخر
أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم"1، ومن أمثلته في التعدية: لا تعزموا السفر، فقد عدي الفعل، "تعزم" إلى المفعول به مباشرة؛ مع أن هذا الفعل لازم لا يتعدى إلا بحرف الجر1؛ فيقال: أنت تعزم على السفر، وإنما وقعت التعدية بسبب تضمين الفعل اللازم: "تعزم" معنى الفعل المتعدي: تنوي، فنصب المفعول بنفسه مثله؛ فمعنى: "لا تعزموا السفر" لا تنووا السفر ... ومثل: رحبتكم الدار – وهو مسموع – فإن الفعل: "رحب" لازم؛ لا يتعدى بنفسه إلى مفعول به1 ولكنه تضمن معنى: "وسع فنصب المفعول به "الكاف" مثله؛ إذ يقال: وسعتكم الدار؛ بمعنى: اتسعت لكم، ومثل: طلع القمر اليمن، وهو من الأمثلة المسموعة أيضًا – والفعل: "طلع"2
– بضم اللام1 – لازم، ولكنه نصب المفعول به بنفسه بعد أن ضمن معنى: "بلغ". ومن أمثلة جعل المتعدي لازمًا: "سمع الله لمن حمده"، فالفعل: "سمع" في أصله متعد بنفسه، ولكنه هنا تضمن 2 معنى: "استجاب" فتعدى مثله باللام، وهكذا ... والصحيح عندهم أن التضمين قياسي؛ والأخذ بهذا الرأي يفيد اللغة تيسيرًا وإتساعًا3، ولما كان الفعل في التضمين لا يتعدى إلا بعد أن يستمد القوة من فعل آخر، فقد وصف بعد هذه التقوية بأنه في حكم المتعدي، وليس بالمتعدي حقيقة؛ لأن المتعدي الحقيقي لا تتوقف تعديته على حالة واحدة تجيئه فيها المعونة من غيره. 8– إسقاط حرف الجر توسعًا، ونصب المجرور على ما يسمى: "نزع الخافض"4، وهذا – مقصور على السماع الوارد فيه نفسه، دون استعمال آخر5 ... كقوله تعالى: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} ، أي: عن أمره، وهذا
-كسابقه1- يكون فيه الفعل في حكم المتعدي وليس بالمتعدي حقيقه، مراعاة؛ لأنه العامل في المجرور معنى، ولكن لا دخل له في نصبه. إلى هنا انتهى الكلام على أشهر الوسائل لتعدية الفعل اللازم، ومنها يتضح ما أشرنا إليه2 قبل سردها، وهو: أن كل وسيلة تؤدي مع تعدية الفعل اللازم معنى خاصا لا تؤديه أختها -في الغالب- وأن تلك الوسائل قياسية مطردة، ما عدا: إسقاط حرف الجر توسعا، مع نصب المجرور على نزع الخافض، فإن إسقاطه بهذه الصورة3 مقصور على السماع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: سبق تعريف "المغالبة"1، ووعدنا أن نتكلم عليها هنا، ملخصين آراء الباحثين فيها: جاء في مقدمة "القاموس" – في المقصد الأول الخاص ببيان الأمور التي امتاز بها القاموس، عند تعليق المصحح على الأمر الخامس، والكلام على الأمور التي توجب ضم العين في المضارع ضمًا قياسيًا، ومنها أن يكون دالًا على المغالبة – التعليق التالي: "قوله: أو دالًا على المغالبة ... " يقتضي أن باب المغالبة قياسي؛ وليس كذلك، كما يدل عليه عبارة الرضي؛ حيث قال: "واعلم أن باب المغالبة ليس قياسيًا بحيث يجوز نقل كل لغة إلى هذا الباب، قال: س2. "وليس في كل شيء يكون هذا ألا ترى أنك لا تقول: نازعني فنزعته أنزعه بضم العين "وهي الزاي"، للاستغناء عنه بغلبته، وكذا غيره، بل نقول: هذا الباب مسموع كثير". ا. هـ. وقال صاحب القاموس في الجزء الرابع مادة: الخصومة: ما نصه: "الخصومة: الجدل – خاصمه مخاصمة، وخصومة؛ فخصمه يخصمه: غلبه، وهو شاذ؛ لأن فاعلته ففعلته يرد "يفعل" منه "أي: المضارع منه" إلى الضم، إن لم تكن عينه حرف حلق فإنه بالفتح؛ كفاخره ففخره يفخره، وأما المعتل كوجدت وببعت فيرد إلى الكسر إلا ذوات الواو؛ فإنها ترد إلى الضم؛ كراضيته فرضوته أرضوه – وخاوفني فخفته أخوفه، وليس في كل شيء3؛ فلا يقال: نازعته أنزعه؛ لأنهم استغنوا عنه بغلبته". وقال الجاربردي في شرح الكافية4: "معنى المغالبة: ما يذكر بعد المفاعلة مسندًا إلى الغالب"، أي: المقصود
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان الغلبة في الفعل الذي جاء بعد المفاعلة، على الآخر، فإذا قلت: كارمني، اقتضى أن يكون من غيرك إليك كرم، مثل ما كان منك إليه؛ فإذا غلبته في الكرم فإنك تبينه على "فعل" بفتح العين؛ لكثرة معانيه، ثم خصوا من أبوابه بالرد إليه ما كان عين مضارعه مضمومة، وإن كان من غير هذا الباب، نحو كارمني فكرمته، يكارمني فأكرمه، وضاربني فضربته، يضاربني فأضربه "بضم الراء في المضارع"، فهذا قد ضربته وضربك، ولكنك قد غلبته في الضرب. ويجوز ألا يكون قد ضربك، وإنما ضربتما غيركما؛ لتغلبه في ذلك أو لتغلبك؛ كذا البواقي. وإنما فعلوا ذلك؛ لأن "الفعل" بمعنى المغالبة قد جاء كثيرًا من هذا الباب؛ نحو الكبر؛ وهو: الغلبة في الكبر: والكثر، وهو الغلبة في الكثرة، والقمر، وهو الغلبة في القمار، فنقلوا من غير ذلك الباب أيضًا إليه، ليدل على المراد الموضوع؛ ثم استثنوا من هذه القاعدة معتل الفاء؛ واويًا كان نحو: وعد، أو يائيًا نحو: يسر؛ فإنه لا ينقل إلى "يفعل" بضم العين، لئلا يلزم خلاف لغتهم؛ إذ لم يجئ "مثال"1 مضموم العين، فيقال: واعدني فوعدته أعده، وياسرني فيسرته، ومعتل العين أو اللام، اليائي؛ فإنه لا ينقل إلى "يفعل" بالضم، بل يبقى على الكسر؛ فيقول بايعني فبعته أبيعه، وراماني فرميته أرميه؛ إذ لم يجئ أجوف ولا ناقص يأتي من: "يفعل" بالضم؛ لأنك لو ضممت عينه لانقلب حرف الباء واو، فيلتبس بذوات الواو، ومثل هذا قاله الرضي وغيره من شراح الكافية". ا. هـ. وجاء في الهمع "ج 2 ص 163" في فعل يفعل ما نصه: "لزموا الضم في باب المغالبة، على الصحيح؛ نحو: ضاربني فضربته أضربه – وكابرني فكبرته أكبره، وفاضلني ففضلته أفضله، وجوز الكسائي فتح عين مضارع هذا النوع إذا كان عينه أو لامه حرف حلق؛ قياسًا؛ نحو: فاهمني ففهمته أفهمه، وفاقهني ففقهته أفقهه، وحكى الجوهري: واضأني فوضأته، أوضؤه؛ قال: وذلك بسبب الحرف الحلقي، وروى غيره: وشاعرته فشعرته، أشعره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاخرته ففخرته أفخره، بالفتح، ورواية أبي ذر بالضم ... ". ا. هـ. ورأى الكسائي –مع قلته– حسن؛ لأن فيه تيسيرًا باستعمال ضبطين في بعض الصور والأساليب، والعجيب أن اللغتين شائعتان –حتى اليوم– في كثير من نواحي الإقليم الجنوبي "الصعيد" المصري. مما تقدم – عن باب: المغالبة – يعلم أنه مسموع كثير عند سيبويه، والوصف بأنه مسموع كثير يؤدي إلى الحكم بأنه قياسي، وكذلك يعلم من قول شارح الكافية السابق – وهو: "أنك تبنيه على كذا – أن هذا من عملك؛ فهو مقيس لك؛ لكثرته، وهذا رأي ابن جني أيضًا في كتابه: "الخصائص" ج1 عند الكلام على المغالبة". وخير ما يلخص به الموضوع تلخيصًا وافيًا حكيمًا هو ما جاء في الجزء الثاني من مجلة المجمع اللغوي القاهري ص 226، ونصه1: ذهب بعض إلى أن المغالبة ليست قياسًا؛ وإنما هي مسموعة كثيرًا، وذهب بعض إلى أن استعمالها مطرد في كل ثلاثي متصرف تام خال مما يلزم الكسر. وإنه يكفي أنه مسموع كثير لنقيس عليه، كما قرر المجمع، وكما قال ابن جني". ا. هـ. وهذا هو الحكم الموفق الذي يحسن الاقتصار عليه.
المسألة 72
المسألة 72: تعدد المفعول به، وما يتبع هذا من ترتيب1، وحذف عرفنا أن الفعل المتعدي قد يتعدى -مباشرة- إلى مفعول به واحد2؛ نحو: عدل الحاكم يكفل السعادة للمحكومين، أو إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، نحو: رأيت الظلم أقرب طريق للخراب، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر؛ نحو: منعت النفس التسرع في الرأي، وقد ينصب ثلاثة؛ نحو علمني العقل: الاعتدال وافيًا من البلاء ... ولا يتعدى الفعل لأكثر من ثلاثة. أ- فإن كان الفعل متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر جاز مراعاة هذا الأصل في ترتيبهما، فيتقدم المفعول به الذي أصله المبتدأ على المفعول به الذي أصله الخبر؛ - ففي مثل "الصبر أنفع في الشدائد ... " يجوز: حسبت الصبر أنفع في الشديد، كما يجوز: حسبت أنفع في الشدائد الصبر، لكن مراعاة الأصل أحسن. وقد تجب مراعاة الأصل في المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر3، كأن يؤدي عدم الترتيب إلى الوقوع في اللبس؛ ففي نحو: خالد محمود ... "والمراد: خالد كمحمود" نقول: ظننت خالدًا محمودًا؛ فلو تقدم الثاني لاختلط الأمر والتبس؛ إذ لا يمكن تميز المشبه من المشبه به؛ لعدم وجود قرينة تساعد على هذا؛ فيكون التقديم بمراعاة الأصل هو القرينة. وقد تجب مخالفة الأصل؛ فيتقدم المفعول الثاني في المواضع التي يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ4؛ كأن يكون في المفعول الأول ضمير يعود على الثاني؛ نحو: ظننت في البيت5 صاحبه.
فأحوال الترتيب بين المفعولين ثلاثة: حالة يجب فيها مراعاة الأصل بتقديم ما أصله المبتدأ وتأخير ما أصله الخبر، وحالة يجب فيها مخالفة هذا الأصل، وثالثة يجوز فيها الأمران، وقد تقدم هذا مفصلًا في موضعه الأنسب من باب: "ظن وأخواتها"1. ب– إن لم يكن أصلهما المبتدأ والخبر، فالأحسن تقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ نحو: أعطيت الزائر وردة من الحديقة: "فالزائر" هو الآخذ، و"الوردة" هي المأخوذة؛ فهو في المعنى بمنزلة الفاعل؛ وهي بمنزلة المفعول به؛ وإن كانت هذه التسمية المعنوية لا يلتفت إليها في الإعراب. ويجوز مخالفة الأصل؛ فيقال: أعطيت وردة من الحديقة الزائر، لكن الترتيب أحسن. وقد يجب التزام الترتيب بتقديم الأول حتما وتأخير الثاني في مواضع، أشهرها ثلاثة: 1- خوف اللبس؛ نحو أعطيت محمودًا زميلًا في السفر، فلا يجوز تقديم الثاني؛ إذ لو تقدم لم يتبين الآخذ من المأخوذ، ولا قرينة تزيل هذا اللبس، ولا وسيلة لإزالته إلا بتقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ ليكون التقديم هو الدليل على أنه الفاعل المعنوي. وفي هذه الصورة يجوز تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول وعلى الفعل معًا؛ لعدم اللبس في هذه الحالة؛ نحو زميلًا في السفر أعطيت محمودًا. 2- أن يكون الثاني واقعًا عليه الحصر2؛ نحو: لا أكسو الأولاد إلا المناسب. فلو تقدم الثاني لفسد الحصر، ولزال الغرض منه. ولا مانع من تقديمه مع "إلا" على المفعول الأول؛ إذ لا ضرر من هذا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد "إلا" مباشرة؛ نحو: لا أكسو إلا المناسب الأولاد. 3- أن يكون الأول ضميرًا متصلًا والثاني اسمًا ظاهرًا؛ نحو: منحتك الود، "لكن لا مانع من تقديم المفعول الثاني على الأول والفعل معًا، نحو الود منحتك". وتجب مخالفة الترتيب في مسائل، أشهرها ثلاثة أيضًا: 1- أن يكون المفعول الأول "أي: الفاعل في المعنى" محصورًا نحو: ما أعطيت
المكافأة إلا المستحق، ويجوز تقديمه مع "إلا " على المفعول الأول وحده، دون عامله. 2- أن يكون المفعول الأول –الذي هو فاعل معنوي– مشتملًا على ضمير يعود على المفعول الثاني؛ نحو: أسكنت البيت صاحبه، فإن كان الثاني هو المشتمل على ضمير يعود على الأول جاز الأمران، نحو: أسكنت محمدًا بيته، أو: أسكنت بيته محمدًا. 3- أن يكون المفعول الثاني ضميرًا متصلًا، والأول "أي: الفاعل المعنوي" اسمًا ظاهرًا؛ نحو: القلم أعطيته كاتبًا ... فأحوال الترتيب ثلاث ي هذا القسم "ب"؛ هي: وجوب التزامه في ثلاثة مواضع، ووجوب مخالفته في ثلاثة أخرى، وجواز الأمرين في غير المواضع السالفة1. جـ- إن كان الفعل متعديًا لثلاثة، فالأول منها كان فاعلًا، وقد صيرته همزة النقل مفعولًا به2، فالأصل الذي يراعى فهي أن يقدم على المفعول الثاني والثالث، وأصلهما الأرجح مبتدأ وخبر؛ فيراعى في الترتيب بينهما ما يراعى بين المبتدأ والخبر؛ طبقًا للبيان الذي سبق 3 "عند الكلام على حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير".
حذف المفعول به: الأغلب أن يؤدي المفعول به معنى ليس أساسيًا 1 في الجملة؛ فيمكن الاستغناء عن المفعول به من غير أن يفسد تركيبها، أو يختل معناها الأساسي، ولهذا يسمونه: "فضلة" "وهي اسم يطلقه النحاة على كل لفظ معناه غير أساسي في جملته". بخلاف المبتدأ، أو الخبر، أو الفاعل، أو نائبه ... أو غير هذا من كل جزء أصيل في الجملة لا يمكن أن تتكون ولا أن يتم معناها الأساسي إلا به، مما يسميه النحاة "عمدة". بالرغم من أن المفعول به فضلة – فقد تشتد الحاجة إليه أحيانًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنه في بعض المواضع، ولا يصح حذفه بها: كما سنرى، أما في غيرها فيجوز حذفه –واحدًا أو أكثر– لغرض لفظي، أو معنوي. 1- فمن اللفظي: المحافظة على وزن الشعر، كقول شوقي: ما في الحياة لأن تعا ... تب أو تحاسب متسع "أي: تعاتب المخطئ أو تحاسبه2"....، ومنها: المحافظة على تناسب الفواصل 3 نحو قوله تعالى مخاطبًا رسوله الكريم: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} وقوله: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى 4، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 5 فحذف مفعول الفعل: "يخشى" ولم يقل: "يخشاه" أو: يخشى الله؛ لكي تنتهي الجملة الثانية بكلمة مناسبة في وزنها لكلمة: "تشقى" التي انتهت بها الجملة الأولى، وكذلك الفعل: "قلا" الذي حذف مفعوله؛ فلم يقل: "قلاك" ليكون مناسبًا في وزنه للفعل: "سجا".
ومنها: الرغبة في الإيجاز؛ نحو: دعوت البخيل للبذل، فلم يقبل، ولن يقبل – أي: لم يقبل الدعوة، أو البذل، ولن يقبل الدعوة أو البذل ... ب– ومن المعنوي: عدم تعلق الغرض به، كقول البخيل لمن يعيبه بالبخل: طالما أنفقت، وساعدت، وعاونت؛ أي: طالما أنفقت المال، وساعدت فلانًا. وعاونت فلانًا1. أو: الترفع عن النطق به؛ لاستهجانه، أو: لاحتقار صاحبه، أو نحو هذا من الدواعي البلاغية وغير البلاغية. فإذا اشتدت حاجة المعنى إلى ذكر المفعول به بحيث يختل المعنى أو يفسد بحذفه لم يجز الحذف؛ كأن يكون المفعول به هو الجواب المقصود من سؤال معين؛ مثل: ماذا أكلت؟ فيجاب: أكلت فاكهة، فلا يجوز حذف المفعول به: "فاكهة" لأنه المقصود من الإجابة. أو: يكون المفعول به محصورًا؛ نحو: ما أكلت إلا الفاكهة. أو: يكون مفعولًا به متعجبًا منه بعد صيغة: "ما أفعل" التعجبية، نحو: ما أحسن الحرية. أو: يكون عامله محذوفًا: نحو: قول القائل عند نزول المطر: خيرًا لنا، وشرًا لعدونا، أي: يجلب خيرًا. وليس هذا الحذف مقصورًا على مفعول الفعل المتعدي لواحد؛ بل يشمله ويشمل المفعول الأول وحده، أو الثاني وحده، أو هما معًا للفعل الذي ينصب مفعولين؛ مثل: "ظن" وأخواتها، وكذلك يشمل المفعول الثاني والثالث – دون الأول 2 – للأفعال التي تنصب ثلاثة؛ مثل: "أعلم وأرى" كما سبق الكلام على
هذا وإيضاحه بالأمثلة1. حذف عامل المفعول به: بمناسبة الكلام على حذف المفعول به الواحد أو المتعدد يعرض النحاة إلى حذف عامله جوازًا أو وجوبًا. أفيجيزون حذفه إن كان معلومًا بقرينة تدل عليه، مثل؛ ماذا حصدت فتقول: قمحًا: أي: حصدت قمحًا, وماذا صنعت؟ فتجيب: خيرًا. أي: صنعت خيرًا 2.... ب- ويوجبون حذفه في أبواب معينة؛ منها: الاشتغال؛ وقد سبق3، ومنها: النداء4، ومنها: التحذير والإغراء5، ومنها: الاختصاص6....، بالشروط
المدونة في باب1 كل ومنها: الأمثال المسموعة عن العرب بالنصب؛ نحو: أحشفا وسوء كيلة2؟ وكذلك ما يشبه الأمثال؛ كقوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} ، أي: واعملوا خيرًا لكم. الاشتباه بين الفاعل والمفعول به: سبق تفصيل الكلام عليه، وعلى طريقة كشفه، في آخر باب "الفاعل"3. جعل الفعل الثلاثي المتعدي لازمًا أو في حكم اللازم4، قياسًا. يصير الثلاثي المتعدي لواحد لازمًا –قياسًا– أو في حكم اللازم لسبب مما يأتي5.
1- التضمين1 لمعنى فعل لازم؛ نحو: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، فإن الفعل: "يحذر" متعد في الأصل بنفسه، تقول حذرت عواقب الغضب، ولكنه حين تضمن معنى الفعل المضارع: "يخرج" صار متعديًا مثله بحرف الجر: "عن"، فالمراد: فليحذر الذين يخرجون عن أمره، ومثله قوله تعالى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، فالفعل "تعدو" بمعنى "تتجاوز" متعد بنفسه؛ كما في مثل: أنت لا تعدو الحق؛ أي: لا تتجاوز الحق، ولكنه هنا متعد بحرف الجر: "عن"؛ بسبب تضمنه معنى فعل آخر، هو: "تنصرف" الذي يتعدى بحرف الجر: "عن". ومثله قول القائل: "قد قتل الله زيادًا عني" فالفعل: "قتل" في أصله متعد بنفسه مباشرة إلى مفعول واحد، مستغن بعد ذلك –غالبًا– عن التعدية بالحرف الجار إلى مفعول ثان، ولكنه هنا تضمن معنى الفعل: "صرف" المتعدي بنفسه إلى المفعول الأول، وإلى الثاني بحرف الجر: "عن"؛ فصار مثله متعديًا بنفسه إلى الأول، وبهذا الحرف الجار إلى الثاني، فالمراد: قد صرف الله بالقتل زيادًا عني. والتضمين من الوسائل التي تجعل المتعدي في حكم اللازم، ولا تجعله لازما حقيقيا، لما بيناه من قبل2. 2- تحويل الفعل الثلاثي المتعدي لواحد إلى صيغة: "فعل" "بفتح أوله وضح عينه"3بشرط أن يكون القصد من التحويل إما المبالغة في معنى الفعل، والتعجب منه4، نحو: نظر القط، وإما المدح أو الذم5 مع التعجب فيهما؛ نحو:
سبق الفيلسوف وفهم، وذلك في مدحه بالسبق والفهم، ومنع القادر وحبس؛ عند ذمه بمنع المعونة وحبسها. 3- الإتيان بمطاوع1 للفعل الثلاثي المتعدي لواحد؛ نحو: هدمت الحائط المائل؛ فانهدم، ثم بنيته؛ فانبنى. 4– ضعف الفعل الثلاثي عن العمل بسبب تأخيره عن معموله؛ نحو، قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} . ومثله العامل الوصف الذي يعتوره الضعف بسبب أنه من المشتقات؛ مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وقوله: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، والأصل: إن كنتم تعبرون الرؤيا – الذين يرهبون ربهم – فعال لما يريد – مصدقًا ما بين يديه ... وفي كل ما سبق تجيء قبل المعمول لام الجر، وتسمى: "لام التقوية"؛ لأنها تساعد العامل على الوصول إلى مفعوله المعنوي الحالي الذي كان في الأصل مفعوله الحقيقي. والضعف على الوجه السابق يجعل المتعدي في حكم اللازم، وليس لازمًا حقيقة2.
5- ضرورة الشعر، كقول القائل: تبلت فؤادك1 في المنام خريدة2 ... تسقي الضجيع ببارد بسام فإن الفعل "تسقى" ينصب مفعولين بنفسه، ولكنه تعدى إلى الثاني هنا: "بالباء" نزولا على حكم الضرورة الشعرية، وهذه الوسيلة أيضا مما يجعل الفعل في حكم اللازم، وليس باللازم حقيقة، لما أوضحناه من قبل3.
المسألة 73: التنازع في العمل
المسألة 73: التنازع في العمل 1 أ– في مثل: وقف وتكلم الخطيب – نجد فعلين لا بد لكل منهما من فاعل، وليس في الكلام إلا اسم ظاهر واحد، يصلح أن يكون فاعلًا لأحدها، وهذا الاسم الظاهر هو: "الخطيب"، فأي الفعلين أحق بالفاعل؟ وإذا فاز به أحدهما، فأين فاعل الفعل الثاني؟. ب- وفي مثل: سمعت وأبصرت القارئ – نجد فعلين أيضًا، يحتاج كل منهما إلى مفعول به منصوب، وليس في الكلام ما يصلح أن يكون مفعولًا به إلا شيئًا واحدًا؛ وهو: "القارئ" فأيهما أحق به؟ وإذا فاز به أحدهما فأين مفعول الفعل الثاني؟. جـ– وفي مثل: أنشد وسمعت الأديب، نجد فعلين يحتاج أحدهما إلى مرفوع يكون فاعلًا، ويحتاج الآخر إلى منصوب، يكون مفعولًا به، فمطلب كل منهما يخالف الآخر –على غير ما في الحالتين السالفتين– وليس في الكلام إلا لفظة: "الأديب" وهي تصلح لأحدهما، فأي الفعلين أولى بها؟ وما نصيب الآخر بعده؟ د– وفي مثل: أنست وسعدت بالزائر الأديب، نجد كلا من الفعلين محتاجًا إلى الجار مع مجروره2؛ ليكمل المعنى، فأي الفعلين أولى؟ وما نصيب الآخر بعد ذلك؟.
ومن الأمثلة السالفة –وأشباهها– نعرف أن الأفعال1 قد تتعدد في الأسلوب الواحد، ويحتاج كل منها إلى معمول خاص به، ولكن لا يوجد في الكلام إلا بعض معمولات ظاهرة، تكفي بعض الأفعال دون بعض، مع حاجة كل فعل إلى معمول خاص به؛ فتتزاحم تلك العوامل الكثيرة على المعمولات القلية، وكأنها تتنازع ليظهر كل منها وحده بالمعمول، ولهذا يسمى الأسلوب: "أسلوب التنازع"2، يعرفه النحاة بأنه: "ما يشتمل على فعلين – غالبًا3، متصرفين 4، مذكورين، أو على اسمين يشبهانهما في العمل، أو على فعل واسم يشبهه في العمل، وبعد الفعلين وما يشبههما معمول مطلوب 5 لكل من الاثنين السابقين. والفعلان أو ما يشبههما يسميان: "عاملي التنازع"، والمعمول يسمى: "المتنازع فيه". فلا بد في التنازع من أمرين: أولهما: تقدم فعلين أو ما يشبههما في العمل، وكلاهما يريد المعمول. ثانيهما: تأخير المعمول عنهما. فمثال تقدم العاملين وهما فعلان متصرفان: تصدق وأخلص الصالح، ومثال تقدم العاملين وهما اسمان مشتقان يعملان عمل الفعل: المؤمن ناصر ومساعد الضعيف، ومثال المختلفين: دراك وساعد الملهوف، بمعنى أدرك وساعد، وهكذا الصور6 الأخرى التي تدخل في التعريف.
على هذا لا يصح أن يكون من عوامل التنازع الحرف، ولا العامل المتأخر في مثل: أي الرجال قابلت وصافحت، ولا العامل الذي توسط المعمول بينه وبين العامل الآخر، نحو: اشتريت الكتاب وقرأت، ولا العامل الجامد؛ مثل: "عسى" أو"ليس"، كما في قول الشاعر: من كان فوق محل الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع إلا فعلي التعجب1 فإنهما مع جمودهما يصح أن يكونا العاملين في أسلوب التنازع؛ نحو ما أحسن وأنفع صفاء النفوس، وأحسن وأنفع بصفاء النفوس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– ليس من اللازم – كما أشرنا1 – الاقتصار في أسلوب "التنازع" على عاملين متقدمين، ولا على معمول واحد ظاهر2 بعدهما، فقد يقتضي الأمر أن يكون العوامل ثلاثة3 متقدمة من غير أن يتعدد المعمول؛ نحو: يجلس ويسمع ويكتب المتعلم، وقد تتعدد العوامل والمعمولات الظاهرة؛ نحو: تكتبون وتقرءون وتحفظون النصوص الأدبية كل أسبوع، ففي صدر الكلام ثلاثة عوامل تتنازع العمل في معمولين بعدها؛ "أي: في المفعول به، وهو: النصوص"، وفي الظرف4، وهو: "كل ... "، والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد. ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة على أربعة عوامل، ولكن لا مانع من الزيادة عند وجود ما يقتضيها، ويشترط -في كل الحالات- أن تقوم القرينة على أن الأسلوب أسلوب تنازع؛ لتجري عليه أحكام التنازع، وأنه ليس من باب اللف والنشر: مثل: غرد وزأر العصفور والأسد؟ أي غرد العصفور، وزأر الأسد....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب– لا بد أن يكون بين العاملين –أو العوامل– نوع ارتباط؛ كالعطف في مثل: أعيد وأخاف الله، أو أن يكون العامل المتأخر جوابًا معنويًا عن السابق؛ نحو قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} 1، أي: يستفتونك في الكلالة، قل الله يفتيكم في الكلالة ... أو جوابًا نحويًا، كجواب الأمر وغيره مما يحتاج لجواب؛ نحو: أنشد، أسمع القصيدة، أو يكون المتأخر معمولًا للسابق؛ نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطا} ، أو أن يكون العاملان خبرين عن اسم؛ نحو: الحاكم مكافئ معاقب المستحق. ج– يقع التنازع في أكثر المعمولات، ومنها: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله، وشبه الجملة، دون الحال والتمييز -على الأصح-. د– ليس من التنازع "التوكيد اللفظي" كالذي في قولهم: "هيهات هيهات العقيق ومن به ... "؛ لأن شرط التنازع: أن يكون المعمول مطلوبًا لكل واحد من العاملين من حيث المعنى، وأن يوجد الضمير -إذا كان مرفوعًا– في العامل المهمل، وهو غير موجود في هذا التوكيد؛ إذ الطالب للمعمول إنما هو كلمة: "هيهات الأولى؛ فهي وحدها المحتاجة للعقيق؛ لتكون فاعلها، والإسناد بينهما، أما كلمة: "هيهات" الثانية فلم تجئ للإسناد إلى العقيق؛ وهي خالية من المضير المرفوع؛ وإنما جاءت لمجرد تأكيد الأولى وتقويتها؛ فالأولى هي المحتاجة للفاعل، أما الثانية فلا تحتاج لفاعل؛ ولا لغيره، فليست عاملة، ولا معمولة؛ شأن نظائرها التي تجيء للتوكيد اللفظي: ومثل هذا: جاءك جاءك الراغبون في معرفتك2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمير في باب التنازع، في هذه الحالة لا يكون العامل الثاني في باب التوكيد اللفظي؛ لأن العامل الثاني في بابه زائد للتوكيد اللفظي؛ فلا فاعل له – في الرأي الشائع – فلا يتحمل ضميرًا – كما سيجيء في باب: "التوكيد" من الجزء الثالث، ص 510 م 116. والذين يقولون: إن التوكيد اللفظي لا يصلح للتنازع يستدلون بأمثلة مسموعة: منها قول الشاعر يخاطب نفسه: فأين إلى أين النجاة ببغلتي؟ ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس فلو كان في الكلام تنازع لقال – أتاك أتوك اللاحقون، أو: أتوك أتاك اللاحقون، تطبيقًا لأحكام التنازع. والحق أن كلا الرأيين لا يصلح للأخذ المطلق أو الرفض المطلق؛ لمجرد أنه منسوب لذا أو لذاك، وإنما الذي يعول عليه عند عدم الضمير البارز هو الأخذ بما يساير المعنى ويحقق الغرض؛ فيجب أن أن تكون المسألة من باب التوكيد اللفظي وحده – ولا دخل للتنازع فيها – حين يقتضي المقام تحقيق غرض من أغراض التوكيد اللفظي، وفي مقدمتها إزالة شك يحيط بالعامل وحده؛ كأن يجري الحديث عن سقوط المطر عدة أيام متوالية؛ فيقول أحد الحاضرين: لم يسقط المطر أمس ... فيرد آخر: سقط سقط المطر أمس، ففي هذه الصورة يدور الشك حول الفعل: "سقط" وحده دون فاعله؛ إذ ليس هناك شك في أن الذي سقط هو: المطر، وليس حجرًا، ولا حديدًا، ولا خشبًا ... و ... أما في صورة أخرى يدور الشك فيها حول العامل ومعموله معًا، فإن إزالة الشك عنها قد تكون بتكرار الجملة كلها، وتكرارها قد يدخلها في باب التنازع، ولا سيما منع وجود الضمير البارز، مثال ذلك: أن يدور حول عدم حضور أحد من الغائبين؛ بأن يقول قائل: لم يحضر أحد من الغائبين، فيرد آخر: حضر حضر أخي، أو: حضر حضر المجاهدان، أو: حضرا حضر المجاهدان ... فالمقام هنا يقتضي أن يكون المسألة من باب: "التنازع" وليست من توكيد الجملة الفعلية بأختها؛ لأن توكيد الجملة الفعلية بنظيرتها الفعلية يقتضي تكرار لفظي الفعل والفاعل في كل واحدة منها كما هو مدون في باب: "التوكيد" جـ 3 م 116ص 510-
الأحكام الخاصة بالتنازع 1: تتلخص هذه الأحكام يما يأتي: 1- لا مزية لعامل على نظيره من ناحية استحقاقه للمعمول "أي: للمتنازع فيه"؛ فكل عامل يجوز اختياره للعمل من غير ترجيح في الأغلب2؛ فيجوز اختيار الأول السابق مع إهمال الأخير، ويجوز العكس3، وإذا كانت العوامل ثلاثة أو أكثر فإن الحكم لا يتغير بالنسبة للأول والأخير، أما المتوسط بينهما – ثالثًا أو أكثر – فيصح أن يساير الأول أو الأخير؛ فالأمران متساويان بالنسبة لإعمال الثالث المتوسط، وما زاد عليه من كل عامل بين الأول والأخير. 2– إذا وقع الاختيار على الأول ليكون هو العامل المستحق للمعمول وجب تعويض العامل الأخير المهمل تعويضًا يغنيه عن المعمول، وذلك بإلحاق ضمير4 به يطابق ذلك المعمول مطابقة تامة في الإفراد والتثنية، والجمع، والتذكير،
والتأنيث، لأن المعمول، "المتنازع فيه" هو المرجع للضمير، ويعتبر هذا المرجع متقدمًا برغم تأخر لفظه عن الضمير، ولا بد من المطابقة بين الضمير ومرجعه في الأشياء السالفة. والأفضل وجود الضمير في جمع الحالات؛ سواء أكان ضمير رفع، أم نصب، أم جر؛ فمن إعمال الأول في المعمول المرفوع مع إعمال الأخير في ضميره: المثال الوارد في "أ"، وهو1: "وقف – وتكلم – الخطيب"، فنقول: "وقف – وتكلما – الخطيبان"، "وقف – وتكلموا – الخطيبون"، "وقفت – وتكلمت – الخطيبة"، "وقفت – وتكلمتا – الخطيبتان" – "وقفت – وتكلمن – الخطيبات". فكأن الأصل: "وقف الخطيب، وتكلم"، "وقف الخطيبان وتكلما"، "وقف الخطيبون، وتكلموا"، "وقفت الخطيبة، وتكلمت"، "وقفت الخطيبتان، وتكلمتا"، "وقفت الخطيبات وتكلمن"، وهكذا. والوسيلة المضبوطة لاستعمال الضمير على الوجه الصحيح أن نتخيل العامل الأول، وهو في صدر الجملة، ثم يليه مباشرة المعمول: "المتنازع فيه"، وقد تقدم من مكانه حتى صار بعد العامل الأول بغير فاصل بينهما، ثم يليهما كل عامل مهمل، وبعده الضمير المناسب لهذا التركيب القائم على التخيل المحض؛ كما في الأمثلة السالفة؛ وكما في الآتية: "أوقد واستدفأ الحارس"؛ فكل من الفعلين: "أوقد" و"استدفأ" يحتاج إلى كلمة: "الحارس" لتكون فاعلًا له، فإذا أعملنا الأول وجب تعويض الأخير بإلحاق ضمير مناسب بآخره، ولكي يكون الضمير مناسبًا صحيح الاستعمال نتخيل أن الاسم الظاهر "المتنازع فيه"، وهو كلمة: "الحارس" قد تقدم حتى صار بعد العامل الأول مباشرة "أي: بغير فاصل بينهما"، وهذا يقتضي أن يتأخر عنهما كل عامل مهمل، فكأن أصل الأسلوب: "أوقد الحارس واستدفأ"، "فالحارس" هو الفاعل للفعل: "أوقد" أما الفعل المهمل"استدفأ"، فقد لحق
بآخره ضمير مستتر، مرفوع، يعرب فاعلًا، ويغني عن الاسم الظاهر "المتنازع فيه"، وهذا الضمير هنا مفرد مذكر؛ ليطابق مرجعه "المتنازع فيه"، فلو كان المرجع مفردًا مؤنثًا أو مثنى أو جمعًا بنوعيهما، لوجب أن يطابقه الضمير، فتقول: "أوقدت – واستدفأت – الحارسة"، "أوقد – واستدفأ – الحارسان". "أوقدت – واستدفأتا – الحارستان"، "أوقد – واستدفئوا – الحارسون"، "أوقدت – واستدفأن - الحارسات" ... و ... وهكذا، فكأن الأصل: "أوقدت الحارسة، واستدفأت"، "أوقد الحارسان، واستدفأا"، "أوقدت الحارستان، واستدفأتا"، "أوقد الحارسان، واستدفئوا"، "أوقدت الحارسان، واستدفأن....". هذا حكم "التنازع" عند إعمال الأول حين تتعدد العوامل، ولا يتعدد المعمول المرفوع؛ وهو هنا الفاعل الظاهري الذي يطلبه كل منهما. وما سبق يقال في مثال: "ب"1 وهو: "سمعت وأبصرت القارئ" عند إعمال الأول أيضًا؛ حيث تعددت العوامل التي يحتاج كل منها إلى المفعول به؛ وليس في الكلام إلا مفعول به واحد؛ فنقول: "سمعت – وأبصرته – القارئ"، "سمعت – وأبصرتها القارئة"، "سمعت – وأبصرتهما – القارئين"، "سمعت – وأبصرتهما – القارئتين"، "سمعت – وأبصرتهم – القارئين" "سمعت – وأبصرتهن – القارئات". فكأن أصل الكلام عند التخيل: "سمعت القارئ وأبصرته"، "سمعت القارئة وأبصرتها" "سمعت القارئتين، وأبصرتهما"، "سمعت القارئتين، وأبصرتهما"، "سمعت القارئين وأبصرتهم"، "سمعت القارئات وأبصرتهن". وكذلك يقال في مثال: "ج"2 وهو: "أنشد وسمعت الأديب"، برغم اختلاف المطلب بني العاملين، فأحدهما يريد المعمول فاعلًا له، والآخر يريد مفعولًا به؛ فنقول؛ عند إعمال الأول3؛ و"أنشد – وسمعته – الأديب"4، "أنشدت - وسمعتها - الأديبة"، "أنشد - وسمعتهما - الأديبان"، "أنشدت -
وسمعتهما – الأديبتان"، "أنشد – وسمعتهما – الأديبون"، "أنشدت – وسمعتهن – الأديبات". فكأن الأصل مع التخيل: "أنشد الأديب، وسمعته"، "أنشدت الأديبة، وسمعتها". "أنشد الأديبان، وسمعتهما"، "أنشد الأديبون وسمعتهم"، "أنشدت الأديبات وسمعتهن ... ". ومثل هذا يقال عند إعمال الأول أيضًا في مثال: "د"1 وهو: "أنست وسعدت بالزائر الأديب" حيث يحتاج كل من العاملين في تكملة معناه إلى الجار مع المجرور؛ نحو: "أنست – وسعدت – بالزائر الأديب، به2"، "أنست- وسعدت – بالزائرة الأديبة، بها"، "أنست – وسعدت - بالزائرين الأديبين، بهما"، "أنست – وسعدت بالزائرتين الأديبتين، بهما"، "أنست – وسعدت – بالزائرين الأديبين، بهم"، "أنست - وسعدت - بالزائرات الأديبات، بهن". وكأن الأصل مع التخيل: "أنت بالزائر الأديب، وسعدت به"، "أنست بالزائرة الأديبة، وسعدت بها"، "أنست بالزائرين الأديبين، وسعدت بهما"، "أنست بالزائرتين الأديبتين، وسعدت بهما"، "أنت بالزائرين الأديبين، وسعدت بهم"، "أنت بالزائرات الأدبيات، وسعدت بهن ... "... و ... وهكذا نرى أن إعمال الأول يقتضي أمرين محتومين: ألا يعمل الأخير مباشرة في ذلك المعمول الظاهر، وأن يعمل هذا الأخير في ضمير مطابق للمعمول الظاهر، في الإفراد والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث. ويعتبر مرجع الضمير في كل الصور السالفة متقدمًا عليه، بالرغم من تأخر لفظ المرجع – كما أسلفنا. وهناك حالة واحدة لا يصح فيها مجيء الضمير لتعويض الأخير المهمل، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، تلك الحالة تتحقق بأن يكون هذا الفعل المهمل محتاجًا إلى مفعول به لا يصح حذفه؛ لأنه عمدة في الأصل، ولا يصح إضماره، إذ لو أضمرناه لترتب على إضماره عدم مطابقته لمرجعه الاسم الظاهر؛ مثل: "أظن – ويظناني أخا – محمودًا وعليًا، أخوين"، فكلمة: "محمودا" هي المفعول به الأول
للعامل، وهو الفعل: "أظن"، وكلمة: "عليًا" معطوفة عليها، و"أخوين" هي المفعول به الثاني للفعل: "أظن"، وإلى هنا استوفى الفعل – العامل: "أظن" مفعوليه، ويبقى الفعل الأخير المهمل: "يظنان" وهو محتاج لمفعولين كذلك. فأين هما؟ أو أين ما يغني عنهما؟. إن "الياء" ضمير، وهي مفعوله الأول، وبقي مفعوله الثاني، فلو أتينا به ضميرًا أيضًا، فقلنا: أظن –ويظناني إياه– محمودًا وعليًا أخوين، أي: أظن محمودًا وعليا أخوين، ويظناني إياه - لكان "إياه" مطابقا في الإفراد "للياء" التي هي المفعول الأول، فتتحقق المطابقة بينهما، على اعتبار أن أصلهما مبتدأ وخبر، كما هو الشأن في مفعولي: "ظن وأخواتها"، ولكنها لا تتحقق بين الضمير "إياء"، وما يعود عليه؛ وهو: "أخوين"؛ إذ "إياه" ضمير للمفرد، ومرجعه دال على اثنين؛ فتفوت المطابقة بين الضمير ومرجعه، وهذا غير جائز. ولو أتينا بالضمير الثاني مثنى فقلنا: أظن – ويظناني إياهما – محمودًا وعليًا، أخوين – لتحققت المطابقة بين الضمير ومرجعه؛ فكلاهما لاثنين، ولكن تفوت المطابقة بين المفعول الثاني، والمفعول الأول، مع أن الثاني أصله خبر عن الأول، ولا بد من المطابقة هنا بين المبتدأ والخبر، أو ما أصلهما المبتدأ أو الخبر، – كما أشرنا. فلما كان الإضمار هنا يوقع في الخطأ وجب العدول عنه إلى الإظهار الذي يحقق الغرض، ولا يوقع في الخطأ، فنقول: أظن – ويظناني أخًا – محمودًا وعليصا أخوين، أي: أظن محمودًا وعليًا أخوين، ويظناني أخا، وفي هذه الصورة لا تكون المسألة من باب التنازع1. 3- إذا أعملنا الأخير، وأهملنا الأول، وجب الاستغناء عن تعويض الأول المهمل؛ فلا نلحق به ضمير المعمول "المتنازع فيه"، ولا ما ينوب عن ذلك الضمير، إلا في ثلاث حالات، لا بد في كل واحدة من الإتيان بضمير مطابق للمعمول، المتأخر عن هذا الضمير "وفي الحالات الثلاث يجوز عودة الضمير على متأخر لفظًا ورتبة"2.
الأولى: أن يكون المعمول المتأخر مرفوعًا، كأن يكون فاعلًا مطلوبًا لعاملين قبله –أو أكثر– وكل عامل يريده لنفسه؛ نحو: شرب وتمهل العاطش، فإذا أعملنا الأخير وأهملنا الأول وجب إلحاق الضمير المناسب بالأول1؛ فنقول: "شربت، وتمهلت العاطشة"، "شربا، وتمهل العاطشان"، "شربتا، وتمهلت العاطشتان" "شربوا وتمهل العاطشون"، "شربن وتمهلت العاطشات". الثانية: أن يكون المعمول "المتنازع فيه" اسمًا منصوبًا أصله عمدة؛ كمفعولي "ظن" وأخواتها؛ فأصلهما المبتدأ والخبر؛ وكخبر "كان" وأخواتها2، وفي هذه الحالة لا يحذف الضمير المناسب، وإنما يبقى ويوضع متأخرًا من المعمول "المتنازع فيه"، نحو: أظنهما – ويظن محمد حامدًا ومحمودًا، مخلصين – إياهما، فالفعلان تنازعا كلمة: "مخلصين" لتكون المفعول الثاني ... فجلعناها للأخير، وأعلمنا الأول في الضمير العائد إليهما وجعلناه ومتأخرًا. والمراد: يظن محمد حامدًا ومحمودًا مخلصين، وأظنهما إياهما، أي: أظن حامدًا ومحمودًا مخلصين، "فحامدًا"؛ مفعول أول للفعل: "يظن"، و"محمودًا" معطوف عليه، "مخلصين" مفعول ثان للفعل: "يظن"، و"أظنهما": "أظن" مضارع، فاعله مستتر تقديره: "أنا"، "هما" ضمير، مفعول أول، وقد تقدم ليتصل بفعله؛ لأن الاتصال ممكن؛ وهذا يقتضي التقديم فلا داعي للانفصال3، "إياهما": المفعول الثاني الذي جاء متأخرًا4. ومثل: كنت وكان الصديق أخا إياه، فالفعلان تنازعا كلمة: "أخا" لتكون خبرا، فجعلناها للمتأخر منهما، وأعملنا السابق في ضمير هذا الخبر وجعلنا
الضمير متأخرا بعد الخبر، فالمراد: كان الصديق أخا، وكنت إياه، أي: كنت أخا، ويصح: كنته؛ لأن الاتصال ممكن وجائز، فلا داعي لوجوب الانفصال1. بقي أن نذكر حالة2 لا يصح فيها حذف ضمير الاسم المتنازع فيه، ولا إعمال الأول المهمل فيه، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، وهذه الحالة هي التي يكون فيها الفعل الأول المهمل محتاجا إلى مفعول به، أصله عمدة، فلا يحذف3 ولو أضمرناه لترتب على إضماره عدم مطابقه لمرجعه الاسم الظاهرة، نحو: "يظناني، وأظن الزميلين أخوين -أخا"، فكلمة: "أظن" مضارع، فاعله مستتر، تقديره: "أنا" وهذا المضارع محتاج إلى مفعولين، أصلهما: المبتدأ والخبر، فلا يحذف واحد منهما، "الزميلين" مفعوله الأول، "أخوين": مفعوله الثاني، إلى هنا استوفى العامل الأخير مفعوليه، بقي أن يستوفي المتقدم المهمل "وهو: "يظنان""، مفعوليه، فالفعل "يظنان" مضارع، فاعله: "ألف الاثنين" و"الياء"، مفعوله الأول، فأين مفعوله الثاني؟. لو جئنا به ضميرا مطابقا للمفعول الأول فقلنا: يظناني -وأظن الزميلين أخوين إياه- لتحققت المطابقة بين المفعول الثاني "إياه" والمفعول الأول: "الياء" وهي المطابقة الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو ما أصلهما المبتدأ والخبر، ولكن تفوت المطابقة بين الضمير: "إياه" الذي للمفرد، ومرجعه المثنى، وهو: "أخوين". ولو جئنا به مثنى، فقلنا: يظناني -وأظن الزميلين أخوين- إياهما، لتحققت المطابقة الواجبة بين الضمير ومرجعه، فكلاهما للتثنية، وضاعت بين المفعول الثاني، الدال على التثنية، والمفعول الأول وهو "الياء" الدالة على المفرد، مع أن المطابقة بينهما لازمة؛ لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر. فللخروج من هذا الحرج نأتي بالمفعول الثاني اسما ظاهرا، فنقول: يظناني وأظن الزميلين أخوين -أخا، ولا تكون المسألة من باب "التنازع"4. فإن كان المفعول: "المتنازع فيه" ليس عمدة في أصله، وكان العامل هو
المتأخر، فالأحسن حذف المعمول، نحو: عاونت وعاونني الجار، وليس من الأحسن أن يقال: عاونته وعاونني الجار. الثالثة: أن يكون الضمير مجرورا1، ولو حذف لأوقع حذفه في لبس، فيبقى ويوضع متأخرا عن المعمول، نحو: استعنت -واستعان علي الزميل- به، فالفعل الأول يطلب كلمة: "الزميل" لتكون مجرورة بالباء: "أي: استعنت بالزميل" والفعل الأخير يطلبها لتكون فاعلا؛ لأنه استوفى معموله المجرور بالحرف، "على"، فأعملنا الفعل المتأخر في الاسم الظاهر، وأضمرنا بعده ضميره مجرورا بالباء، فقلنا: "به"، ولو تقدم بحيث يقع بعد عامله المهمل، ويتوسط بين الفعلين لترتب على هذا تقدم الضمير الفضلة، المجرور على مرجعه، وهو غير مستحسن في هذه الصورة، ولو حذفناه وقلنا: استعنت -واستعان على الزميل لأدى حذفه إلى لبس، إذ لا ندري: آلزميل مستعان به، أم مستعان عليه ... فإن أمن اللبس فالأحسن الحذف مع ملاحظة المحذوف في النية، فكأنه موجود، نحو: مررت ومر بي الصديق2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المتقدم: "يحسن" فقد أعمل في ضميره، فصار: "يحسنان" والمثال الذي في الشطر الثاني يشتمل على الاسم المتنازع فيه، وهو: "عبداك"، وقد أعمل فيه الأول: "بغى" وأهمل المتأخر وهو، "اعتدى"، ولكنه أعمل في ضميره، فصار: "اعتديا"، ولم يحذف الضمير في المثالين؛ لأنه ضمير رفع، فلا يحذف ... ثم انتقل إلى بيان حكم خاص بالعامل الأول المهمل، يتلخص في أنه لا يعمل في ضمير الاسم المتنازع فيه، إلا إذا كان ذلك الضمير للرفع، فإن كان للنصب، أو للجر لم يذكر مع الأول، وإنما يحذف إن كان ضميرا ليس عمدة في الأصل، ويؤخر إن كان أصله عمدة، "وقد شرحنا هذا تفصيلا، وأوضحناه بالأمثلة". ويقول فيه: ولا تجئ مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذف الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر "أوهل: أهل، أي: صار أهلا، بمعنى: أعد، واستعمل في غير الرفع"، ثم بين الحالة التي يحل فيها الظاهر محل الضمير، فقال: وأظهران يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا نحو: أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا "الرخا = الرخاء، وهو سعة الرزق".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يعد باب "التنازع" من أكثر الأبواب النحوية اضطرابا، وتعقيدًا، وخضوعًا لفلسفة عقلية خيالية، ليست قوية السند بالكلام المأثور الفصيح، بل ربما كانت مناقضة له. أ– فأما الاضطراب فيبدو في كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيل للتوفيق بينها، أو التقريب، وقد أهملنا أكثرها. يتجلى هذا في أن بعضها يجيز حذف المرفوع؛ كالفاعل، وبعضها لا يجيز. وفريق يجيز أن يشترك فعلان أو أكثر في فاعل واحد، وفريق يمنع، وطائفة تبيح الاستغناء عن المعمولات المنصوبة، وعن ضمائرها ... ، وطائفة تبيح حذف ما ليس عمدة الآن أو في الأصل، وفئة تحتم تقدير ضمير المعمول متأخرًا في بعض الصور، وفئة لا تحتم ... و ... فليس بين أحكام "التنازع" حكم متفق عليه، أو قريب من الاتفاق، حتى ما اخترناه هنا، وقد يبدوا الخلاف واضحًا في كثير من المسائل النحوية الأخرى، ولكنه في مسائل "التنازع" أوضح وأفدح، كما يبدو في المراجع المطولة1، حيث يدور الرأس، وتضيق النفس. ومن مظاهر الاضطراب أيضًا أن يحرموا هنا ما أباحوه في أبواب أخرى، فقد منعوا حذف ضمير الاسم المتنازع فيه إن كان أصله عمدة؛ كأحد مفعولي "ظن" وأخواتها، مع أنهم أباحوا ذلك في باب "ظن"2، ومنعوا حذف المعمول إن كان فضله، والمهمل هو المتأخر، مع أنهم أجازوه في الأساليب الأخرى التي ليست للتنازع، ومنعوا هنا الإضمار قبل الذكر في بضع الحالات، مع أنهم أباحوه في مكان آخر ... و ... وكأن اسم هذا الباب قد سرى إلى كل حكم من أحكامه. ب– وأما التعقيد فلما أوجبوه مما ليس بواجب، ولا شبه واجب؛ فقد حتموا أن يكون ضمير الاسم المتنازع فيه واجب التأخير عنه حينًا – في رأي كثرتهم؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرارًا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه، وربما استغنوا عن الضمير، وأحلوا محله اسمًا ظاهرًا مناسبًا إذا أدى الإضمار إلى الوقوع في مخالفة نحوية عندهم. ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم ما نصه الحرفي: "استعنت واستعان علي زيد به"، "وطننت منطلقة وظننتي منطلقًا هند إياها"، "وأعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرًا قائمًا"، "وأعلمت واعلمنى زيدًا عمرا قائمًا إياه إياه ... و ... و ... "1، وهذا قليل من الأمثلة البغيضة، التي لا يطمئن المرء إلى أن لها نظائر في الأساليب المأثورة، ومن شاء زيادة عجيبة منها فليرجع إلى مظانها في المطولات. ج– وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب؛ منها: تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمد؛ حيث يوجبون أن يكون الفاعل: "محمد" لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ: "محمد" فاعلًا لهما؛ بحجة "أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملين على معمول واحد"2، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: "قيام محمد وذهب"، فإن فاعل الفعل: "ذهب" ضمير يعود على محمد، فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلين؛ ولا يقبل العقل غير هذا ... من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب؛ والتعقيد، والتخيل الذي لا يؤيده –في ظننا– الفصيح المأثور. ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار "من محاكاة الصور البيانية، وأساليب التعبير الواردة بهذا الباب - ولو كان لها نظائر مسموعة – لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة ...
ولتدارك هذا كله، والوصول إلى أحكام واضحة، سهلة، لا غبار عليها من ناحية السلامة اللغوية، وقوة مشابهتها للكلام البليغ، وتناسقها مع الأحكام النحوية الأخرى – نرى أن تكون أحكام التنازع مقصورة على ما يأتي، "وكلها مستمد من آراء ومذاهب لبعض النحاة، تضمنتها الكتب المتداولة، وهذا ما نود التنويه به". 1- تعريف التنازع: هو ما سبق أن ارتضيناه من مذاهب النحاة، ونقلناه أول هذا الباب1. 2- تتعدد العوامل؛ فتكون اثنين، أو أكثر، وقد تتعدد المعمولات، أو لا تتعدد، ويشترط عند تعددها أن تكون أقل عددًا من عواملها المتنازعة. 3 كل عامل من العوامل المتعددة يجوز اختياره وحده للعمل في المعمول المذكور في الكلام، ولا ترجيح من هذه الناحية، لعامل على آخر. 4- إذا تعددت العوامل وكان كل واحد منها محتاجًا إلى معمول مرفوع؛ "كاحتياجه إلى الفاعل في مثل: جلس وكتب المتعلم"، فالمرفوع الظاهر في الكلام يكون لأحدها، أما غيره من العوامل فمرفوعه ضمير يعود على ذلك الاسم المرفوع، ولا مانع ها من عودة الضمير على متأخر في الرتبة. ويجوز أن يكون المرفوع الظاهر مشتركًا بين العوامل المتعدد كلها2؛ إذا كان متأخرًا عنها؛ فيكون فاعلًا –مثلًا– لها جميعًا، ولا يحتاج واحد منها للعمل في ضميره. 5- إذا تعددت العوامل وكان وكان كل منها محتاجًا إلى معمول غير مرفوع جاز اختبار أحدهما للعمل، وترك الباقي من غير عمل، لا في ضمير المعمول، ولا في اسم ظاهر ينوب عنه؛ لأن الاستغناء عن هذا الضمير أو ما يحل محله من اسم ظاهر، وجائز في الأساليب الفصيحة الخالية من التنازع، فلا بأس أن يجري في التنازع أيضًا، وبضع المأثور من أمثلة التنازع يطابق هذا ويسايره، ولا فرق بين ما أصله عمدة، وما أصله فضلة، وإذا أوقع الحذف في لبس وجب إزالته بإحدى الوسائل التي لا تعقيد فيها، ولا تهوى بقوة الأسلوب، وحسن تركيبه.
المسألة 74: المفعول المطلق
المسألة 74: المفعول المطلق مدخل ... المسألة 74: المفعول المطلق 1 معناه: الفعل -بعد إدخاله في جملة- يدل على أمرين معًا؛ أحدهما: "المعنى المجرد"2، ويسمى: "الحدث"، والآخر: "الزمان"، ففي مثل: "رجع المجاهد؛ فأسرع الناس لاستقباله، وفرحوا بقدومه ... نجد ثلاثة أفعال، هي: رجع - أسرع - فرح"، وكل فعل منها يدل بنفسه مباشرة؛ أي: من غير حاجة إلى كلمة أخرى، - على أمرين معًا. أولهما: معنى محض نفهمه بالعقل؛ هو: الرجوع - الإسراع - الفرح ... وهذا المعنى المجرد هو ما يسمى أيضًا: "الحدث". وثانيهما: زمن وقع فيه ذلك المعنى المجرد "الحدث"، وانتهى قبل النطق بالفعل؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام، وهذا الفعل يسمى: "الفعل الماضي". ولو غيرنا صيغة الفعل؛ فقلنا: "يرجع المجاهد؛ فيسرع الناس لاستقباله، ويفرحون بقدومه" - لظل كل فعل بعد التغيير دالًا على الأمرين معًا؛ وهما: "المعنى المجرد، والزمن"، ولكن الزمن هنا صالح للحال والاستقبال، ويسمى الفعل في هذه الصورة الجديدة: "الفعل المضارع".
ولو غيرنا الصيغة مرة ثالثة فقلنا: "ارجع ... أسرع ... افرح ... " – لدل الفعل في صورته الجديدة على الأمرين معًا؛ وهما: "المعنى المجرد، والزمن" لكن الزمن هنا مستقبل فقط، وينشأ ما يسمى: "فعل الأمر". فالفعل المتصرف –بأنواعه الثلاثة السالفة– يدل على: "المعنى المجرد" "الحديث"، والزمان1 معًا. ولو أتينا بمصدر صريح 2 لتلك الأفعال – أو نظائرها – لوجدناه وحده يدل في جملته على أمر واحد معين، هو المعنى المجرد "أي: الحدث" فقط؛ كالمصدر وحده في مثل: الرجوع حسن – الإسراع نافع – الفرح كثير؛ فهو يدل على أحد الشيئين اللذين يدل عليهما معًا الفعل، ولا يدل على الثاني ... وهذا معنى قولهم: "المصدر الصريح3 يدل – في الغالب4 – على الحدث، ولا يدل على الزمان5. والمصدر الصريح أصل المشتقات – في الرأي الشائع6 – ويصلح لأنواع الإعراب المختلفة؛ فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، ومفعولًا به ... و ... و
.. و ... وقد يكون منصوبًا في جملته باعتباره مصدرًا صريحًا جاء لغرض معنوي خاص؛ كتأكيد معنى عامله المشارك له في المادة اللفظية، "أو غير هذا مما سيجيء هنا" مثل: حطم التمساح السفينة تحطيمًا، وفي هذه الحالة الخاصة وأشبهها يسمى: "مفعولًا مطلقًا"1، ويقال في إعرابه: إنه منصوب على المصدرية، أو: منصوب؛ لأنه مفعول مطلق. وإذا كان منصوبًا على هذه الصورة الخاصة، فناصبه قد يكون مصدرًا آخر من لفظه ومعناه معًا، أو من معناه فقط، وقد يكون فعلًا2 من مادته ومعناه معًا، أو من معناه فقط، وقد يكون الناصب له وصفًا متصرفًا يعمل عمل فعله – إلا أفعل التفضيل؛ كقولهم: "إن الترفع عن الناس ترفعًا أساسه الغطرسة، يدفع بصاحبه إلى الشقاء دفعًا لا يستطيع منه خلاصًا"، وقولهم: "المخلص لنفسه إخلاص العقلاء يصدها عن الغي؛ فيسعد، والمعجب بهما إعجاب الحمقى يطلق لها العنان فيهلك" ... 3. فالمصدر: "ترفعًا" – قد نصب بمصدر مثله؛ هو: ترفع. والمصدر: "دفعًا" – قد نصب بالفعل المضارع قبله؛ وهو: يدفع. والمصادر: "إخلاص ... " قد نصب باسم الفاعل قبله؛ وهو: المخلص.
والمصدر: "إعجاب" – قد نصب باسم المفعول قبله؛ هو: المعجب. وكقولهم: الفرح فرحًا مسرفًا، كالحزين حزنًا مفرطًا؛ كلاهما مسيء لنفسه، بعيد عن الحكمة والسداد. فالمصدر: "فرحًا" – منصوب بالصفة المشبهة قبله وهي: "الفرح". وكذلك المصدر: "حزنًا" – فإنه منصوب بالصفة المشبهة قبله، وهي: "الحزين"1. تقسيم المصدر بحسب فائدته المعنوية: أ- قد يكون الغرض من المصدر المنصوب أمرًا واحدًا؛ هو: أن يؤكد – توكيدًا لفظيًا – معنى عامله المذكور قبله2، ويقويه، ويقرره؛ "أي: يبعد عنه الشك واحتمال المجاز"، ويتحقق هذا الغرض بالمصدر المنصوب المبهم3، نحو: بلع الحوت الرجل بلعا – طارت السمكة في الجو طيرانًا. ب– وقد يكون الغرض من المصدر المنصوب أمرين معًا – فهما متلازمان: توكيد معنى عاملة المذكور، وبيان نوعه4، ويكون بيان النوع هو
الأهم1؛ نحو: نظرت للعالم نظر الإعجاب والتقدير، وأثنيت عليه ثناء مستطابًا. وقوله تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} ، وليس من الممكن بيان النوع2 وحده من غير توكيده لمعنى العامل. جـ– وقد يكون الغرض منه أمرين متلازمين أيضًا؛ هما: توكيد معنى عامله
المذكور مع بيان1 عدده، ويكون الثاني هو الأهم، ولا يتحقق الثاني وحده بغير توكيده معنى العامل؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين وزرت الآثار الرائعة ثلاث زورات. د– وقد يكون الغرض منه الأمور الثلاثة مجتمعة2؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين نافعتين – وزرت الآثار الرائعة ثلاث زورات طويلات. ولا بد من اعتبار المصدر مختصًا في هذه الحالات الثلاث الأخيرة: "ب – ج – د"؛ لأن المصدر المبهم مقصور على التوكيد المحض؛ لا يزيد عليه شيئًا، فإذا دل مع التوكيد على بيان النوع، أو بيان العدد، أو عليهما معًا – وجب اعتباره مصدرًا مختصًا3. ومما تقدم نعلم أن فائدة المصدر المعنوية قد تقتصر على التوكيد وحده، ولكنها لا تقتصر على بيان النوع وحده، ولا بيان العدد وحده، ولا على هذين الآخيرين معًا؛ إذ لا بد من إفادة التوكيد في كل حالة من هذه الحالات الثلاث، ومن ثم قسم بعض النحاة المصدر قسمين؛ "مبهمًا"؛ ويراد به: المؤكد لمعنى عامله المذكور، و"مختصًا"؛ ويراد به المؤكد أيضًا مع زيادة بيان النوع، أو زيادة بيان العدد، أو بيانهما معًا. وقسمه بعض آخر ثلاثة أقسام؛ هي: المؤكد لعامله المذكور، والمؤكد المبين لنوعه، والمؤكد المبين لعدده، وسكت عن المؤكد المبين للنوع والعدد معًا؛ لأنه مركب من الأخيرين؛ فهو مفهوم ومقبول بداهة، ونتيجة التقسيم واحدة4.
أمثلة لما سبق: أمثلة للتوكيد وحده: كلم الله موسى تكليمًا – غزا العلم الكواكب غزوًا – نزل الطيارون فوق سطح القمر نزولًا، ومشوا عليه مشيًا، صافح الفيل صاحبه مصافحة. أمثلة للتوكيد مع بيان النوع: ترنم المغني ترنم البلبل – رسم الخبير رسمًا بديعًا – أجاد المطرب إجادة الموسيقى. أمثلة للتوكيد مع بيان العدد: قرأت رسالة الأديب قراءة واحدة، وقرأها أخي قراءتين، وقرأها غيرنا ثلاث قراءات. أمثلة للتوكيد مع بيان الأمرين: ترنمت ترنيمي البلبل والمغني الساحرين – رحلت لبلاد الشام ثلاث رحلات جميلات. العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق: النحاة يسمون المصدر المنصوب الدال بنفسه على قسم مما سبق: "المفعول المطلق"1. فالمفعول المطلق تسمية يراد منها: المصدر المنصوب المبهم، أو المختص"، وقد يراد منها: "النائب عن ذلك المصدر"، فهي تسمية صالحة لكل واحد منهما، تنطبق عليه، كما سنعرف2.
حكم المصدر 1: 1– إذا كان المصدر مؤكدًا لعامله المذكور في الجملة تأكيدًا محضًا2، فإنه لا يرفع فاعلًا3، ولا ينصب مفعولًا به – إلا إن كان مؤكدًا نائبا عن فعله المحذوف4. كما لا يجوز –في الرأي الشائع– تثنيته، ولا جمعه، ما دام المراد منه في كل حالة هو المعنى المجرد، دون تقييده بشيء يزيد عليه، "أي: ما دام المصدر مبهمًا"؛ فلا يقال: صفحت عن المخطئ صفحين، ولا وعدتك وعودًا، إلا إن كان المصدر المبهم مختومًا بالتاء؛ مثل التلاوة؛ فيقال: التلاوتان، والتلاوات. وسبب امتناع التثنية والجمع أن المصدر المؤكد به معنى الجنس5 لا الأفراد؛ فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في المفرد، والتثنية، والجمع؛ لأن دلالته تتضمنها: ومثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه. ولا يجوز أيضًا –في الغالب– حذف عامل المصدر المؤكد ولا تأخيره؛ عن معموله المصدر؛ لأن المصدر جاء لتقوية معنى عامله، وتقريره بإزالة الشك عنه، وإثبات أنه معنى حقيقي، لا مجازي، والحذف مناف للتقوية والتقرير، كما أن التأخير ينافي الاهتمام6، لكن هناك مواضع بحذف فيها عامل المصدر المؤكد وجوبًا بشرط إنابة المصدر عنه، وستجيء 7.
2- أما المصدر المبين للنوع – إذا اختلفت أنواعه – أو المبين للعدد، فيجوز تثنيتهما وجمعهما جمعًا مناسبًا1 وتقدمهما على العامل، وهما في حالة الإفراد أو التثنية أو الجمع، ولا يعملان شيئًا – في الغالب 2؛ فليس لهما فاعل ولا مفعول ... ؛ فمثال تثنية الأول وجمعه: سلكت مع الناس سلوكي العاقل؛ الشدة حينًا، والملاينة حينًا آخر – سرت سير الخلفاء الراشدين؛ أي: سلكت مع الناس نوعين من السلوك، وسرت معهم أنواعًا من السير، "وليس المراد ببيان عدد مرات السلوك، وأنه كان مرتين، ولا بيان مرات السير، وأنه كان متعددًا3، وإنما المراد بيان اختلاف الأنواع في كل حالة، بغير نظر للعدد3. ومثال الثاني: خطرت في الحديقة عشر خطوات، ودرت في جوانبها أربع دورات4.
المسألة 75
المسألة 75: حذف المصدر الصريح، وبيان ما ينوب عنه: يجوز حذف المصدر الصريح بشرطين: أن يكون صيغته "أي: مادته اللفظية" من مادة عاملة اللفظية1، وأن يوجد في الكلام ما ينوب عنه بعد حذفه. وحكم هذا النائب: النصب دائمًا2، ويذكر في إعرابه: أنه منصوب لنيابته عن المصدر المحذوف، أو: منصوب؛ لأنه مفعول مطلق، ولا يصح في الإعراب الدقيقي أن يقال: "منصوب؛ لأنه مصدر"؛ ذلك؛ لأنه ليس مصدرًا للعامل المذكور؛ إذ مصدر العامل المذكور قد حذف، وهذا نائب عنه ... فمن الواجب عدم الخلط بين المصطلحات، والتحرز من الخطأ في مدلولاتها؛ فعند إعراب المصدر الأصلي المنصوب نقول: إنه "مصدر منصوب" أو: "مفعول مطلق" منصوب كذلك: أما عند حذف المصدر الأصلي، ووجود نائب عنه فنقول في إعرابه: "إنه نائب عن المصدر المحذوف، منصوب"، أو: "مفعول مطلق، منصوب"، ولا يصح أن يقال: مصدر ...
والأشياء التي تصلح للإنابة عن المصدر كثيرة 1؛ منها: ما يصلح للإنابة عن المصدر المؤكد، قد ينوب عن المصدر المبين أيضًا إذا وجدت قرينة تعين المصدر المبين المحذوف، ومنها ما لا ينوب عن المصدر المؤكد، ولكنه ينوب عن غيره من باقي أنواع المصدر، فمما يصلح للإنابة عن المصدر المؤكد: 1- مرادفه2؛ مثل: أحببت عزيز النفس مقة، وأبغضت الوضيع كرهًا. 2- اسم المصدر3, بشرط أن يكون غير علم4: نحو: توضأ المصلي وضوءًا – اغتسل – الصانع غسلًا، فالوضوء والغسل اسما مصدرين للفعلين قبلهما، نائبين عن المحذوف، ومثل: فرقة، وحرمة، في قولهم: افترق الأصدقاء فرقة، ولكني أحترم عهودهم حرمة، فالكلمتان اسما مصدرين للفعلين "افترق، واحترم" قبلهما، ونائبين عن المصدرين المحذوفين5؛ كالشأن في كل ما يلاقي المصدر في أصول مادة الاشتقاق6؛ بأن يشاركه في حروف مادته
الأصلية؛ إما مع كونه مصدر فعل آخر؛ كالمثالين الأولين، ونحو: "التبتيل" في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ 1 إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} ، فإنه مصدر2 للفعل: "بَتَّل" وقد تاب عن "التبتل"، الذي هو مصدر الفعل: "تبتل" وإما مع كونه اسم3 عين؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} ، فكلمة: "نباتًا" اسم للشيء الثابت من زرع أو غيره، وقد ناب عن: "إنباتًا" الذي هو المصدر القياسي للفعل: "أنبت"4. 3- بعض أشياء أخرى؛ كالضمير العائد عليه بعد الحذف؛ وكالإشارة له بعد الحذف أيضًا: كقولهم لمن يتكلم عن الإخلاص: "أخلصته لمن أوده"، وعن الإقبال: "أقبلت هذا"، والأصل: أخلصت الإخلاص، وأقبلت الإقبال، فالضمير عائد على المصدر المؤكد الذي حذف، ونائب عنه، وهو: "الإخلاص" واسم الإشارة يشير إلى المصدر المؤكد الذي حذف وينوب عنه؛ وهو "الإقبال". والذي يصلح للإنابة في الأنواع الأخرى: 1- لفظ كل أو بعض، بشرط الإضافة لمثل المصدر المحذوف؛ نحو: لا تنفق كل الإنفاق، ولا تبخل كل البخل؛ وابتغ بين ذلك قوامًا5 إذا سنحت الفرصة لغاية كريمة فلا تتمهل في اقتناصها بعض تمهل، ولا تتردد بعض تردد؛ فإنها قد تفلت، ولا تعود. ومثل كل وبعض ما يؤدي معناهما من الألفاظ الدالة على العموم، أو على
البعضية، مثل: جميع، عامة، بعض، نصب، شطر ... 2– صفة المصدر المحذوف1؛ نحو: تكلمت أحسن التكلم وتكلمت أي تكلم2، إذ الأصل: تكلمت تكلمًا أحسن التكلم – وتكلمت تكلمًا أي تكلم، بمعنى: تكلمت تكلمًا عظيمًا – مثلًا. 3– مرادف المحذوف؛ نحو: وقوفًا وجلوسًا في مثل: قمت وقوفًا سريعًا للقادم العظيم، وقعدت جلوسًا حسنًا بعد قعوده، ومثل: لما اشتعلت النار صرخ الحارس صياحًا عاليًا؛ لينبه الغافلين، ولم يتباطأ توانيًا معيبًا في مقاومتها. 4– اسم الإشارة؛ والغالب أن يكون بعده مصدر كالمحذوف؛ كأن تسمع من يقول: "راقني عدل عمر"، فتقول: سأعدل ذاك العدل العمري، ويصح مع القرينة: سأعدك ذاك. ومثل أن تسمع: أعجبني إلقاؤك الجميل، وسألقي ذاك الإلقاء أو سألقي ذاك، فقد حذف المصدر بعد اسم الإشارة: لوجود القرينة الدالة عليه بعد حذفه، وهي اسم الإشارة – في المثالين – فإنه يدل دلالة المصدر هنا بالإشارة إليه، ويغني عنه3. 5- الضمير العائد على المصدر المحذوف؛ كأن تقول لمن يتحدث عن الإكرام التام والإساءة البالغة: "أكرمه من يستحقه، وأسيئها من يستحقها" تريد: أكرم الإكرام التام من يستحقه ... ، وأسيء الإساءة البالغة من يستحقها4.
6– العدد الدال على المصدر المحذوف: نحو: يدور عقرب الساعات في اليوم والليلة أربعًا وعشرين1دورة، ويدور عقرب الدقائق في الساعة ستين1 دورة. 7- الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى ذلك المصدر المحذوف، وتحقيق دلالته؛ نحو: سقيت العاطش كوبًا – ضرب اللاعب الكرة رأسًا، أو رجلًا، أي: سقيت العاطش سقي كوب – ضرب اللاعب الكرة ضرب رأس، أو ضرب رجل، بمعنى: سقيت العاطش بأداة تؤدي مهمة السقي: تسمى: "الكوب" وضرب اللاعب الكرة بأداة معروفة بهذا الضرب تسمى: الرأس، أو: الرجل2 ولا بد من الآلة أن تكون معروفة بأنها تستخدم في إحداث معنى المصدر؛ فلا يصح سقيت الرجل العاطش دلوًا – ولا ضرب اللاعب الكرة بطنًا؛ لأن الدلو لا يسقي بها الرجل، والبطن لا يضرب به الكرة. 8– نوع من أنواعه؛ نحو؛ قعد الطفل القرفصاء 3 – مشي العدو القهقري 4. أو: التقهقر – سرت وراءه الجري – نام الآمن ملء جفونه5 ... أي: قعد قعود القرفصاء – مشى مشي القهقري، وسرت سير الجري – نام الآمن نومًا ملء جفونه ...
9– اللفظ الدال على هيئة المصدر المحذوف؛ كصيغة: "فعله"؛ نحو: مشى القط مشية الأسد، ووثب وثبة النمر، فكلمة: مشية – وثبة – تدل على نوع من الهيئة يكون عليه المصدر؛ فهي هنا نائبة عنه. 10– وقته؛ نحو: فلان يلهو ويمرح؛ لأنه لم يحي ليلة المريض، ولم يعش ساعة الجريح، أي: لم يحي حياة ليلة المريض، ولم يعش عيشة ساعة الجريح، "تريد: لم يحي في ليلة كليلة المريض، ولم يعش في ساعة كساعة الجريح؛ يذوق ما فيهما من آلام"، ومن هذا كلمة: "ليلة" في قول الشاعر: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم1 مسهدا 11– "ما" الاستفهامية؛ نحو: ما تكتب خطك؟ بمعنى: أي كتابة تكتب خطك؟ أرقعة، أم ثلثًا أم نسخًا ... ؟ ومثله: ما تزرع حقلك؟ بمعنى: أي زرع تزرع حقلك؟ أزرع قمح، أم ذرة، أم قطن ... ؟ 12– "ما" الشرطية؛ نحو: ما شئت فاجلس، بمعنى: أي جلوس شئته فاجلس. تلك هي أشهر الأشياء التي تنوب عن المصدر غير المؤكد عند حذفه2.وتتخلص كلها في أمر واحد، هو: وجود ما يدل عليه عند حذفه3، ويغني عنه من غير لبس.
المسألة 76
المسألة 76: حذف عامل المصدر: إقامة المصدر المؤكد نائبًا عن عامله في بعض المواضع. أ– يجوز حذف عامل، المصدر المبين للنوع أو للعدد بشرط وجود دليل1 مقالي، أو حالي يدل على المحذوف، فمثال حذف عامل النوعي لدليل مقالي، أن يقال: هل جلس الزائر عندك؟ فيجاب: جلوسًا طويلًا؛ أي: جلس جلوسًا طويلًا، ومثال حذفه لدليل حالي أن ترى صيادًا أصاب فريسته؛ فتقول: إصابة سريعة؛ أي: أصاب إصابة سريعة، ومن هذا قولهم للمتهيئ للسفر: "سفرًا حميدًا، ورجوعًا سعيدًا"، أي: تسافر سفرًا حميدًا، وترجع رجوعًا سعيدًا. ومثال حذف عامل العددي لدليل مقالي: هل رجعت إلى بيتك اليوم؟ فيجاب: رجعتين، أي: رجعت رجعتين، ولدليل حالي أن ترى خيل السباق وهي تدور: في الملعب؛ فتقول: دورتين؛ أي: دارت دورتين ... وهكذا. والمصدر في الحالات السالفة منصوب بعامله المحذوف جوازًا، وليس نائبًا عنه. ب– أما المصدر المؤكد لعامله فالأصل عدم حذف عامله؛ لما عرفنا2 من أن هذا المصدر مسوق لتأكيد معنى عامله في النفس، وتقويته، ولتقرير المراد منه، - أي: لإزالة الشك عنه – ولبيان أن معناه حقيقي لا مجازي – وهذه هي دواعي المجيء بالمصدر المؤكد، ومن أجلها لا يصح تثنيته، ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلًا أو ينصب مفعولًا، ولا أن يتقدم على عامله، ولا أن يحذف عامله3 ... لأن هذا الحذف مناف لتلك الدواعي، معارض للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد4.
لكن العرب التزموا حذف عامله باطراد في بعض مواضع معينة، وأنابوا عنه المصدر المؤكد؛ فعل محله، وعميل عمله في رفع الفاعل، ونصب المفعول، وأغنى عن التلفظ بالعامل، وعن النطق بصيغته؛ وصار ذكر العامل ممنوعًا معه؛ لأن المصدر بدل عنه، وعوض عن لفظه ومعناه1؛ ولا يجتمع العوض والمعوض عنه2. ولما كان العرب قد التزموا الحذف "والإنابة – معًا - باطراد في تلك المواضع، لم يكن بد من أن نحاكيهم، ونلتزم طريقتهم الحتمية في حذف العامل في تلك المواضع، وفي إنابة المصدر المؤكد عنه، ولهذا قال النحاة: إن عامل المصدر المؤكد لا يحذف جوازًا –في الصحيح– وإنما يحذف وجوبًا في المواضع التي التزم فيها العرب حذفه لحكمه مقصودة، مع إقامة المصدر المؤكد مقامه، والأمران متلازمان. ومع أن العامل محذوف وجوبًا، فإنه هو الذي ينصب المصدر النائب عنه "أي: أن المصدر نائب عن عامله المحذوف، ومنصوب به معًا". أما المواضع التي ينوب فيها هذا المصدر عن عامله3 المحذوف وجوبًا، فبعضها خاص بالأساليب الإنشائية الطلبية، وبعض آخر خاص بالأساليب الإنشائية غير الطلبية، أو بالأساليب الخبرية المحضة4.
1– فيراد بالأساليب الإنشائية الطلبية هنا: ما يكون فيها المصدر المؤكد النائب دالًا على أمر، أو نهي أو دعاء، أو توبيخ والكثير أن يكون التوبيخ مقرونًا بالاستفهام1؛ فمثال الأمر أن تقول للحاضرين عند دخول زعيم: قيامًا، بمعنى: قوموا، وأن تقول لهم بعد دخوله واستقراره: جلوسًا، بمعنى: اجلسوا: فكلمة: "قيامًا" مصدر "أو: مفعول مطلق" منصوب بفعل الأمر المحذوف وجوبًا. والمصدر نائب عنه في الدلالة على معناه، وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلًا2 له؛ فصار بعد حذف فعله فاعلًا للمصدر النائب، ومثل هذا يقال في: "جلوسًا" وأشباههما، والأصل قبل حذف العامل وجوبًا: قوموا قيامًا – أجلسوا جلوسًا 3 ... ومثال النهي أن تقول لجارك وقت سماع محاضرة، أو خطبة ... سكوتًا، لا تكلمًا؛ أي: اسكت، لا تتكلم، فكلمة: "سكوتًا" مصدر – أو مفعول مطلق – منصوب بفعل الأمر المحذوف وجوبًا، والذي ينوب عنه هذا المصدر في أداء معناه, وفاعل المصدر النائب مستتر وجوبًا تقديره: أنت؛ وقد انتقل إليه هذا الفاعل بعد حذف فعل الأمر على الوجه السالف2، وكلمة: "لا" ناهية،
و"تكلما": مصدر منصوب بالمضارع المحذوف، المجزوم بلا الناهية1، ونائب عنه في تأدية معناه، وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه، تقديره: أنت، وهذا الضمير انتقل للمصدر النائب من المضارع المحذوف -كما تقدم. ومثال الدعاء بنوعيه2 قول زعيم: "ربنا إنا قادمون على معركة فاصلة مع طاغية جبار؛ فنصرًا عبادك المخلصين، وهلاكًا وسحقًا للباغي الأثيم"، أي: فانصر –بارب– عبادك المخلصين، وأهلك واسحق الباغي الأثيم ... ومنه "سقيًا" و"رعيًا" 3 لك، "وجدعًا وليًا" لأعدائك، وإعراب المصادر في هذه الأمثلة كإعرابها في نظائرها السابقة. ومثال الاستفهام التوبيخي4: أبخلًا وأنت واسع الغنى؟ أسفاهة وأنت
مثقف؟ أي: أتبخل بخلًا ... . أتسفه سفاهة.... وإعراب المصدر هنا كسابقه. ونيابة المصدر عن عامله المحذوف في الأساليب الإنشائية الطلبية –قياسية– بشرط أن يكون العامل المحذوف فعلًا من لفظ المصدر ومادته، وأن يكون المصدر مفردًا منكرًا، وإلا كان سماعيًا؛ مثل: ويحه، ويله1 ... – كما تقدم 2. 2– ويراد – هنا – بالأساليب الإنشائية غير الطلبية: المصادر الدالة على معنى يريد المتكلم إعلانه وإقراره، والتسليم به، من غير طلب شيء3، أو عدم إقراره، كما سبق4، والكثير من هذه المصادر مسمع عن العرب جار مجرى الأمثال، والأمثال لا تغير؛ كقولهم عند تذكر النعمة: "حمدًا، وشكرًا، لا كفرًا"؛ أي: أحمد الله وأشكره – ولا أكفر به، وكانوا يردون الكلمات الثلاث مجتمعة لهذا الغرض وهو إنشاء المدح، والشكر، وإعلان عدم الكفر, ووجوب حذف العامل متوقف على اجتماعها؛ مراعاة للمأثور؛ وإلا لم يكن الحذف واجبًا. وكقولهم عند تذكر الشدة: "صبرًا، لا جزعًا"، بمعنى "أصبر5،
لا أجزع، يريد إنشاء هذا المعنى، وعند ظهور ما يعجب: "عجبًا" بمعنى أعجب، وعند الحث على أمر: "افعل وكرامة"، أي: وأكرمك, وعند إظهار الموافقة والامتثال: "سمعًا وطاعة"، بمعنى: أسمع وأطيع. والمصادر في كل ما سبق – أو: المفعول المطلق – منصوب بالعامل المحذوف وجوبًا، وهو الذي ناب عنه المصدر في أداء المعنى، وفي تحمل الضمير الفاعل، وتقديره للمتكلم: أنا. ونيابة هذا النوع من المصادر عن عامله تكاد تكون مقصورة على الألفاظ المحددة الواردة سماعًا عن العرب، ويرى بعض المحققين جواز القياس عليها في كل مصدر يشيع استعماله في معنى معين، ويشتهر تداوله فيه، وله فعل من لفظه، من غير اقتصار على ألفاظ المصادر المسموعة, وهذا رأي عملي مفيد1. 3- ويراد بالأساليب الخبرية المحضة أنواع، كلها قياسي، بشرط أن يكون العامل المحذوف وجوبًا فعلًا من لفظ المصدر ومادته. منها: الأسلوب المشتمل على مصدر يوضح أمرًا مبهمًا مجملًا، تتضمنه جملة قبل هذا المصدر، ويفصل عاقبتها؛ أي: يبين الغاية منها، "فالشروط ثلاثة في المصدر: تفصيله عاقبه، وأنها عاقبة أمر مبهم تتضمنه جملة، وهذه الجملة قبله" مثل: "إن أساء إليك الصديق فاسلك مسلك العقلاء؛ فإما عتابًا كريمًا، وإما صفحًا جميلًا2"؛ فسلوك مسلك العقلاء أمر مبهم، مجمل، لا يعرف المقصود منه؛ فهو مضمون جملة محتاجة إلى إيضاح، وتفصيل، وإبانة عن المراد، فجاء بعدها الإيضاح والتفصيل البيان من المصدرين: "عتابًا" و"صفحًا" المسبوقين بالحرف الدال على التفصيل؛ وهو: "إما". وهما منصوبان بالفعلين المحذوفين وجوبًا، وقد ناب كل مصدر عن فعله في بيان معناه، والتقدير: فإما أن تعتب عتابًا كريمًا، وإما أن تصفح صفحًا جميلًا.
ومثله: "إذا تعبت من القراءة فاتركها لأشياء أخرى؛ فإما مشيًا في الحدائق، وإما استماعًا للإذاعة، وإما عملًا يدويًا مناسبًا"، فالمصادر "مشيًا" – "استماعًا" – "عملًا" ... موضحه ومفصله لأمر غامض مجمل في جملة قبلها، يحتاج لبيان، هو: "الترك لأشياء أخرى" فعامل كل منها محذوف وجوبًا، والتقدير: تمشي مشيًا – تستمع استماعًا – تعمل عملًا ... فهي مصادر منصوبة بفعلها المحذوف الذي نابت عنه في تأدية معناه ... وانتقل إليه الفاعل بعد حذف العامل؛ فصار فاعلًا مستترًا للمصدر النائب، والتقدير: "أنت"، ومثل قول الشاعر: لأجهدن؛ فإما درء واقعة ... تخشى، وإما بلوغ السؤل والأمل والتقدير: فإما أدرأ درء واقعة، وإما أبلغ بلوغ السؤال ... ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مكررًا أو محصورًا، ومعناه مستمرًا إلى وقت الكلام، وعامل المصدر واقعًا في خبر مبتدأ اسم ذات1، فمثال المكرر: المطر سحا سحا – الخيل الفارهة2 صهيلًا 3 صهيلًا، وقول الشاعر: أنا جدًا جدًا ولهوك يزدا ... د إذا ما إلى اتفاق سبيل
ومثال المحصور: "ما الأسد مع فريسته إلا فتكا – ما النمر عند لقاء الفيل إلا غدرًا"؛ التقدير: يسح سحًا سحًا – تسهل صهيلًا صهيلًا – أجد جدًا جدًا – إلا يفتك فتكًا – إلا يغدر غدرًا – فهذه المصادر وأشباهها؛ تقتضي – بسب التكرار، أو الحصر – حذف فعلها، وهي منصوبة بفعلها المحذوف وجوبًا، ونائبة عنه في بيان معناه، ومتحملة لضميره المستتر الذي صار فاعلًا لها، وتقديره: "هو"، أو: "هي" على حسب نوع الضمير المستتر. ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مؤكدا لنفسه، بأن يكون واقعا بعد جملة مضمونها كمضمونه، ومعناها الحقيقي -لا المجازي1- كمعناه، ولا تحتمل مرادا غير ما يراد منه، فهي نص في معناه2 الحقيقي، نحو: "أنت تعرف لوالديك فضلهما يقينا"، أي: توقن يقينا، فجملة: "تعرف لوالديك فضلهما" هي في المعنى: "اليقين" المذكور بعدها؛ لأن الأمر الذي توقنه هذا هو: الاعتراف بفضل والديك، والاعتراف بفضل والديك هو الأمر الذي توقنه، فكلاهما مساو للآخر من حيث المضمون. ومثلها: سرتني رؤيتك حقا، بمعنى: أحق حقا، أي: أقرر حقا، فالمراد من: سرتني رؤيتك، هو المراد من: "حقا"، إذ السرور بالرؤية هو: "الحق" هنا، والحق هنا هو: السرور بالرؤية"، فمضمون الجملة هو مضمون المصدر، والعكس صحيح. فكلمة: "يقينا"، و"حقا" وأشباههما من المصادر المؤكدة لنفسها، منصوبة بالفعل المحذوف وجوبا، النائبة عن في الدلالة على معناه، أما فاعله فقد صار بعد حذف الفعل فاعلا للمصدر، وهذا الفاعل ضمير مستتر تقديره في المثالين: أنا. ولا يصح في هذا النوع3 من الأساليب تقديم المصدر على الجملة التي يؤكد معناها، ولا التوسط بين جزأيها.
ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مؤكدا لغيره، بأن يكون المصدر واقعا بعد جملة معناها ليس نصا في أمر واحد يقتصر عليه، ولا يحتمل غيره، وإنما يحتمل عدة معان مختلفة، منها المعنى الذي يدل على المصدر عليه قبل مجيئه، فإذا جاء بعدها منع عنها الاحتمال، وأزال التوهم، وصار المعنى نصا في شيء واحد، نحو: هذا بيتي قطعا أي: أقطع برأيي قطعا، فلولا مجيء المصدر: "قطعا" لجاز فهم المعنى على أوجه متعددة بعضها حقيقي، والآخر مجازي......، أقربها: أنه بيتي حقا، أو: أنه ليس بيتي حقيقة، ولكنه بمنزلة بيتي، لكثرة ترددي عليه، أو: ليس بيتي ولكنه يضم أكثر أهلي ... أو: ... ، فمجيء المصدر بعد الجملة قد أزال أوجه الاحتمال والشك، والمجاز، وجعل معناها نصا في أمر واحد1 بعد أن لم يكن نصا. وهو منصوب بعامله المحذوف وجوبا، وقد ناب عنه بعد حذفه لتأدية معناه. وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه، تقديره: أنا، انتقل إليه بعد حذف ذلك العامل ولا يصح -أيضا- في هذا النوع من الأساليب تقديم المصدر "المؤكد" لغيره على تلك الجملة، ولا التوسط بين جزأيها. ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر دالا على التشبيه بعد جملة مشتملة -إجمالا- على معناه وعلى فاعله المعنوي2، وليس فيا ما يصلح عاملا غير المحذوف3
نحو: "للمعنى صوت صوت البلبل"، أي: للمغني صوت، يصوت صوت البلبل، بمعنى: صوتا يشبهه، ومنه: "للشجاع المقاتل زئير زئير الأسد"، أي: يزأر زئير الأسد، أي: زئيرا يشبه زئيره، ومنه: "للمهموم أنين، أنين الجريح"، أي: يئن أنين الجريح، "أنينا شبيها بأنين الجريح" ... وهكذا، والمصدر منصوب في هذه الأمثلة على الوجه الذي شرحناه1.
هذا، وقد اشترطنا أن تكون الجملة السابقة مشتملة على معناه، فهل يشترط أن تكون مشتملة على لفظه أيضًا؟. الجواب: لا؛ فإنها قد تشتمل على لفظه كالأمثلة السابقة، وربما لا تشتمل؛ مثل قول القائل يصف النخيل: "رأيت شجرًا محتجبًا في الفضاء، ارتفاع المآذن"، فكلمة: "ارتفاع" مصدر منصوب بعامل محذوف وجوبًا، تقديره: يرتفع ارتفاع المآذن، وإنما حذف وجوبًا لتحقق الشروط، التي منها؛ وقوع المصدر بعد جملة مشتملة على معناه، وإن كانت غير مشتملة على لفظه؛ لأن معنى: "رأيت شجرًا محتجبًا في الفضاء" – هو رأيت شجرًا مرتفعًا، ومثله: رأيت رجلًا يزحم الباب، ضخامة الجمل، أي: يضخم ضخامة الجمل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– كررنا أن الأفضل اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا مستقلًا بنفسه، ينضم إلى الأقسام الأخرى الشائعة، وأوضحنا1 سبب استقلاله، أما عامله المحذوف فلا بد أن يكون في جميع المواضع القياسية فعلًا مشتركًا معه في المادة اللفظية، وفي حروف صيغتها، كالأمثلة الكثيرة التي مرت، وأما الأمثلة السماعية، فمنها الخالي من هذا الاشتراك اللفظي؛ مثل: ويح – ويل – ويس - ويب ... وأمثالها من الألفاظ التي كانت بحسب أصلها كنايات عن العذاب والهلاك، وتقال عند الشتم والتوبيخ، ثم كثر استعمالها حتى صارت كالتعجب؛ يقولها الإنسان لمن يحب ومن يكره، ثم غلب استعمال: "ويس" و"ويح" في الترحم وإظهار الشفقة، كما غلب استعمال: "ويل" و"ويب" في العذاب. وإذا نصبت الألفاظ الأربعة – وأشباهها – كانت مفعولات مطلقة لعامل مهمل2،
أو لفعل من معناها؛ فالأصل: "رحمه الله ويحًا وويسًا بمعنى: رحمة الله رحمة" - أو: "رحمة الله ويحه وويسه، بمعنى رحمه الله رحمته ... " وكذا: "أهلكه الله ويلًا، وويبًا، أو أهلكه الله ويله، وويبه؛ بمعنى أهلكه الله إهلاكًا، وأهلكه الله إهلاكه"، فالفعل مقدر في الأمثلة بما ذكرناه، أو بما يشبهه أداء المعنى من غير تقيد بنص الأفعال السالفة التي قدرناها. وقيل: إن الكلمات السالفة: "ويح – ويس – ويل – ويب ... " عند نصبها تكون منصوبة على أنها مفعول به؛ وليست مفعولًا مطلقًا؛ فالأصل مثل: ألزمه الله ويحه، أو ويله ... أو ... ، وهذا رأي حسن لوضوحه ويسره، وإن كان الأول هو الشائع، ومثله: بله الأكف "في حالة الكسر" بمعنى: ترك الأكف، أي: اترك ترك الأكف ... ب– من المصادر المسموعة التي ليس لها فعل من لفظها، ما يستعمل مضافًا وغير مضاف، كالكلمات الخمسة السابقة، فإن كانت مضافة فالأحسن نصبها على اعتبارها مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف، أو مفعولًا به، كما شرحنا. والنصف هو الأعلى، ولم يعرف –سماعًا– في كلمة: "بله" المضافة سواه، أما الكلمات الأربع التي قبلها، فيجوز فيها الرفع على اعتبارها مبتدأ خبره محذوف,
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو خبرا والمبتدأ محذوف، وتقدير الخبر المحذوف: ويحه مطلوب – مثلًا – ويله مطلوب – مثلًا – وهكذا الباقي ... وتقدير المبتدأ المحذوف: المطلوب ويحه ... المطلوب ويله ... وهكذا ... فإذا كانت الكلمات الأربع مقرونة "بأل"، فالأحسن الرفع على الابتداء – وهو الشائع؛ نحو: الويح للحليف، والويل للعدو، ولا مانع أن تكون خبرًا؛ نحو: المطلوب الويح – المطلوب الويل، ويجوز النصب على أنها مفعول مطلق للفعل المحذوف، أو مفعول به لفعل محذوف أيضًا. وإن كانت تلك الكلمات خالية من "أل ومن الإضافة" جاز النصب والرفع على السواء؛ كقولهم: "الوعد دين، فويل لمن وعد ثم أخلف" – "ويحًا للضعيف المظلوم"، بالنصب أو الرفع في كل واحدة من الكلمتين. وملخص الحكم: أن الرفع والنصب جائزان في كل حالات الألفاظ الأربعة غير أن أحد الأمرين قد يكون أفضل من الآخر أحيانًا، طبقًا للبيان السالف1. جـ– أشرنا2 إلى أن فريقًا من النحاة يجيز عدم التقييد بالسماع، وعدم وجوب حذف العامل في المصادر المسموعة بالنصب على المصدرية لنيابتها من عاملها، مثل: "سقيًا" و"رعيًا" ... كما يجيز في التي ليست مضافة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا مقرونة بأل، أن تضاف، وأن تقترن بأل؛ فتجري عليها الأحكام السالفة في كل حالة، وهذا هو الأنسب اليوم؛ ليسره مع صحته وإن كان الأول هو الأقوى. د– هناك مصادر أخرى مسموعة بالنصب، وعاملها محذوف وجوبًا، وهي نائبة عنه1. 1- منها: ما هو مسموع بصيغة التثنية مع الإضافة؛ مثل: "لبيك وسعديك"، لمن يناديك أو يدعوك لأمر، والأصل: ألبى لبيك، وأسعد سعديك؛ بمعنى: أجيبك إجابة بعد إجابة، وأساعدك مساعدة بعد مساعدة، أي: كلما دعوتني وأمرتني أجبتك، وساعدتك.، المسموع في الأساليب الواردة استعمال: "سعديك" بعد "لبيك"، واتباع هذه الطريقة الواردة أفضل، لكن يجوز استعمال "سعديك" بدون "لبيك" إن دعت حكمة بلاغية، أما "لبيك"، فالمسموع فيها الاستعمالان. ومثل: حنانيك في قولهم: "حنانيك، بعض الشر أهون من بعض" بمعنى: حن علي حنانيك؛ "أي: تحنن واعطف" حنانًا بعد حنان، ومرة بعد أخرى – فهي هنا كلمة: "استعطاف". ومثل: دواليك، في نحو: تقرأ بعض الكتاب، ثم ترده إلي، فأقرأ بعضه، وأرده إليك، فتقرأ وترد ... وهكذا دواليك ... بمعنى أداول دواليك، أي: أجعل الأمر متداولا ومتنقلا بيني وبينك، مرة بعد مرة. ومثل: هذا ذيك، في نحو: هذا ذيك في غصون الشجر، أي: تهذ هذا ذيك، بمعنى: تقطع مرة بعد مرة، ومثل: حجازيك، في نحو: حجازيك عن إيذاء اليتامى: أي: تحجز حجازيك، بمعنى: تمنع مرة بعد أخرى. ومثل: حذاريك، في نحو: حذاريك الخائن، أي: احذر حذاريك بمعنى: احذر الخائن، حذرا بعد حذر ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصادر السالفة كلها منصوبة، وعاملها محذوف وجوبًا وهي نائبة عنه، وكلها غير متصرف – في الأغلب -، أي: أنها ملازمة في الأكثر حالة واحدة سمعت بها، وهي حالة النصب والتثنية مع الإضافة إلى كاف الخطاب – التي هي ضمير مضاف إليه – وقد ورد بعضها بغير التثنية، أو بغير الإضافة مطلقًا، أو: بالإضافة مع غير كاف الخطاب، أو: له عامل مذكور ... لكن لا داعي لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة؛ فلا خير في محاكاتها، وترك الأكثر الأغلب. بقي أن نسأل: ما معنى التثنية في الأمثلة السابقة وأشباهها؟ أهي تثنية حقيقية يصير بها الواحد اثنين ليس غير، فيكون معنى: "لبيك"، و"سعديك" و"حنانيك" ... تلبية موصولة بأخرى واحدة، ومساعدة موصولة بمساعدة واحدة، وحنانًا موصلًا بمثله واحد؟ أيكون هذا الاقتصار المعنوي على اثنين هو المراد، أم يكون المراد هو مجرد التكثير الذي يشمل اثنين، وما زاد عليهما؟ رأيان قويان ... ، ولا داعي للاقتصار على أحدهما دون الآخر؛ لأن بعض المناسبات والمواقف المختلفة قد يصلح له هذا ولا يصلح له ذاك، وبعض آخر يخالفه؛ فالأمر موقوف على ما يقتضيه المقام. 2- ومنها ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة –إلا في ضرورة الشعر– مثل: "سبحان1 الله" أي: براءة من السوء، ومثله: معاذ2 الله؛ أي: عياذًا بالله، واستعانة به، ومثل ريحان الله؛ أي: استرزاق الله، ولا يعرف لهذا فعل من لفظه؛ فيقدر من معناه؛ أي: أسترزقه، والكثير استعماله بعد سبحان الله، والثلاثة السالفة غير متصرفة، ومثلها: حاش 3الله؛ بمعنى تنزيه الله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أمثلة أخرى أكثرها ملازم النصب بغير تثنية ولا إضافة؛ مثل: "سلامًا" من الأعداء، بمعنى: براءة منهم، لا صلة بيننا وبينهم، بخلاف "سلام" بمعنى: "تحية"؛ فإنه متصرف. ومثل: "حجرًا" في نحو قولك لمن يسألك: أتصاحب المنافق؟ فتجيب: "حجرًا"، أي: أحجر حجرًا؛ بمعنى أمنع نفسي، وأبعده عني، وأبرأ منه1 ... ومثل قولك لمن يطالب إنجاز أمره: "سأفعله، وكرامة ومسرة – أو: نعمة، أو: ونعام عين – وهذه مضافة" أي: سأفعله وأكرمك كرامة، وأسرك مسرة، وأنعم نفسك نعمة، وأنعم نعام عين، أي: إنعام عين ... بمعنى أمتعك تمتع عين. 4- أمثلة أخرى تختلف عن كل ما سبق في أنها ليست مصادر، ولكنها أسماء منصوبة تدل على أعيان، أي: على أشياء مجسمة محسوسة: "ذوات"، كقولهم في الدعاء على من يكرهونه: "تربًا2 وجندلًا 3"، والأحسن أن تكون هذه الكلمات وأشباهها مفعولًا به لفعل محذوف، والتقدير: ألزمه الله تربًا وجندلًا. أو: لقي تربًا وجندلًا، أو: أصاب، أو: أصاب، أو: صادف ... أو: نحو هذه الأفعال المناسبة لمعنى الدعاء المطلوب ...
المسألة 77: المفعول له، أو المفعول لأجله
المسألة 77: المفعول له، أو: المفعول لأجله أ ... لازمت البيت؛ استجمامًا ... - أو: للاستجمام. زرت المريض؛ اطمئنانًا عليه ... - أو: للاطمئنان. أتغاضى عن هفوات الزميل؛ استبقاء لمودته ... - أو: لاستبقاء مودته. أحترم القانون؛ دفعًا للضرر ... - أو: لدفع الضرر. ب ... تنزهت؛ طلب الراحة ... - أو: لطلب الراحة. تحفظت في كلامي؛ خشية الزلل ... - أو: لخشية الزلل. ألتزم الاعتدال؛ رغبة السلامة ... - أو: لرغبة السلامة. أسال الخبير؛ قصد الاسترشاد ... - أو: لقصد الاسترشاد. جـ ... أجلس بين الأصدقاء؛ الصلح ... - أو: للصلح. أطلت المشي بين الزروع؛ التمع بها ... - أو: للتمتع بها. أسعى بين المتخاصمين؛ التوفق ... - أو: للتوفيق. هجرت الصحف الهزلية؛ النفور منها ... - أو: للنفور. كل جملة من الجمل المعروصة تصلح أن تكون سؤالًا معه جوابه على النحو الآتي: ما الداعي أو: ما السبب في أنك لازمت البيت؟ الجواب: الاستجمام. ما العلة، أو: ما السبب في أنك زرت المريض؟ ... الاطمئنان. ما السبب في تغاضيك عن هفوات زميلك؟ استبقاء المودة ... وهكذا باقي الأمثلة؛ حيث يدل كل مثال على أنه يصلح سؤالًا عن السبب1، جوابه كلمة معه في جملته.
ولو لحظنا الكلمة الواقعة جوابًا لوجدناها – مصدرًا، يبين سبب ما قبله "أي: علته ... "، ويشارك عامله في الوقت، وفي الفاعل1؛ لأن زمن الاستجمام وفاعل الاستجمام هو زمن ملازمة البيت وفاعلها، وزمن الاطمئنان وفاعله، هو زمن زيادة المريض وفاعلها.... وكذا الباقي ... فكل كلمة اجتمعت فيها الأمور – أو الشروط – الأربعة السالفة تسمى: "المفعول له"، أو: "المفعول لأجله"2 فهو: المصدر3 الذي يدل على سبب ما قبله "أي: على بيان علته"4، ويشارك عامله في وقته، وفاعله ... أقسامه: المفعول لأجله ثلاثة أقسام 5 قياسية، مجرد من "أل" والإضافة؛ كالقسم الأول: "أ" ومضاف؛ كالقسم الثاني: "ب" ومقترن بأل؛ كالقسم الثالث "جـ"، وهذا القسم دقيق في استعماله وفهمه، قليل التداول قديمًا وحديثًا –مع أنه قياسي– ومن المستحسن لذلك أن نتخفف من استعماله. أحكامه: 1- إذا استوفى شروطه جاز نصبه مباشرة، وجاز جره بحرف من حروف
الجر التي تفيد التعليل؛ وأوضحها1: "اللام – ثم: في، والباء، ومن"، والأمثلة السالفة توضح أمر النصب والجر باللام، ومن الممكن حذف اللام من تلك الأمثلة، ووضع حرف جر آخر من حروف التعليل مكانها – لكنه في جميع حالات جره لا يعرب – اصطلاحًا – مفعولًا لأجله، وإنما يعرب جارًا ومجرورًا متعلقًا بعامله، وهذا برغم استيفائه الشروط، وبرغم أن معناه في حالتي نصبه وجره لا يختلف1. ومع أن النصب والجر جائزان، والمعنى فيهما لا يختلف – هما ليسا في درجة واحدة من القوة والحسن؛ فإن نصب المجرد أفضل من جره، لشيوع النصب فيه، ولتوجيهه الذهن مباشرة إلى أن الكلمة: "مفعول لأجله"، وجر المقترن "بأل" أكثر من نصبه، أما المضاف فالنصب والجر فيه سيان، "وقد تقدمت الأمثلة للأنواع الثلاثة". فإن فقط شرط من الأربعة2 لم يجز تسميته مفعولًا لأجله، ولا نصبه على هذا الاعتبار؛ وإنما يجب جره بحرف من حروف التعليل السابقة، إلا عند فقد التعليل؛ فإنه لا يجوز جره بحرف من هذه الحروف الدالة على التعليل؛ منعًا للتناقض.
فمثال ما فقد المصدرية: "أعجبتني الحديقة: لأشجارها، وسرتني أشجارها؛ لثمارها"؛ فالأشجار والثمار ليستا مصدرين، ولهذا لم يصح نصبهما مفعولين لأجله، وصارتا مجرورتين. ومثال ما فقد التعليل: "بعدت الله عبادة، وأطعت الرسول إطاعة1" ... ولا يجوز في هذين، وأمثالهما الجر بحرف جر يفيد التعليل – كما سبق. ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت: "ساعدتني اليوم، لمساعدتي إياك غدا"2". ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل: "أجبت الصارخ؛ لاستغاثته"؛ لأن فاعل الإجابة غير فاعل الاستغاثة3.
2- ومن أحكامه أنه يجوز حذفه لدليل يدل عليه عند الحذف؛ كأن يقال: "إن الله أهل للشكر الدائم؛ فاعبده شكرًا، وأطعه"، والتقدير: أطعه شكرًا؛ فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، ومثل: "إن الضيف الذي سيزورنا جدير أن نظهر له التكريم في كل حركاتنا؛ فنقف تكريمًا، ونتقدم عند قدومه تكريمًا، ونصافحه ... "، أي: نصافحه تكريمًا، ومثل هذا ما سبق من قول ابن مالك: "جد شكرًا ودن ... ".
3- ومنها: أنه – وهو منصوب أو مجرور – يجوز تقدمه على عامله؛ نحو: "طلبًا للنزهة – ركبت الباخرة"، "انتفاعًا – شاهدت تمثيل المسرحية"، والأصل: ركبت الباخرة؛ طلبًا للنزهة – شاهدت تمثيل المسرحية؛ انتفاعًا، وقول الشاعر: فما جزعًا – ورب الناس – أبكي ... ولا حرصًا على الدنيا اعتراني والأصل: فما أبكي جزعًا1. 4– ومنها: جواز حذف عامله؛ لوجود قرينة تدل عليه؛ نحو: بعدًا عن الضوضاء؛ في إجابة من سأل: لم قصدت الضواحي؟ ... 5– ومنها: أنه لا يتعدد 2؛ سواء أكان منصوبًا أم مجرورًا؛ فيجب الاقتصار على واحد للعامل الواحد، ولا مانع من العطف عليه أو البدل منه 3 – لهذا قالوا في الآية الكريمة: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} ، أن كلمة: "ضرارًا" مفعول لأجله، والجار والمجرور: "لتعتدوا" متعلقان بها، ولا يصلح أن يكون التعلق في الآية بالفعل إلا عند إعراب: "ضرارًا" حالًا مؤولة؛ بمعنى: مضارين.
المسألة 78: ظرف الزمان وظرف المكان
المسألة 78: ظرف الزمان، وظرف المكان 1 في مثل: "جاءت السيارة صباحًا، ووقفت يمين الطريق؛ ليركب الراغبون" تدل كلمة: "صباحًا" على زمن معروف؛ هو أول النهار وتتضمن في ثناياها معنى الحرف: "في" الدال على الظرفية2، بحيث نستطيع أن نضع قبلها هذا الحرف، ونقول: "جاءت السيارة في صباح، ووقفت يمين الطريق"؛ فلا يتغير المعنى مع وجود "في"، ولا يفسد صوغ التركيب، فهو حرف عند حذفه هنا ملاحظ كالموجود، يراعى عند تأدية المعنى؛ ولأن كلمة: "صباحًا" ترشد إليه، وتوجه الذهن لمكانه؛ وهذا هو المقصود من أن كلمة "صباحًا" تتضمنه 3. ولو غيرنا الفعل: "جاء"، ووضعنا مكانه فعلًا آخر؛ مثل: وقف – ذهب – تحرك ... – لبقيت كلمة: "صباحًا" على حالها من الدلالة على الزمن المعروف، ومن تضمنها معنى: "في"، وهذا يدل على أن تضمنها معنى: "في" مطرد4 مع أفعال كثيرة متغيرة المعنى.
بخلاف ما لو قلنا: الصباح مشرق – صباح الخميس معتدل، ... فإن كلمة: "الصباح" في المثالين، وأشباهما تدل على الزمن المعروف، ولكنها لا تتضمن معنى "في"، فلو وضعنا هذا الحرف قبلها لفسد الأسلوب والمعنى المراد منه؛ إذ لا يصح أن يقال: في الصباح مشرق – ولا في صباح الخميس معتدل؛ ومن أجل هذا لا يصح اصطلاحًا تسمية كلمة: "الصباح" في هذين المثالين ظرف زمان؛ لعدم وجود شيء مظرف فيها، بالرغم من أنها تدل على الزمان فيهما. وتدل كلمة: "يمين" في المثال الأول على المكان؛ لأن معناها وقفت السيارة في مكان؛ هو: "جهة اليمين"، وهي متضمنة معنى: "في"، إذ نستطيع أن نقول: وقفت في اليمين، أو: في جهة اليمين؛ فلا يتغير المعنى. ولو غيرنا الفعل، وجئنا بآخر، فآخر ... لظلت كلمة: "يمين" على حالها من الدلالة على المكان، ومن تضمنها معنى "في" باطراد. بخلاف قولنا: اليمين مأمونة – إن اليمين مأمونة – خلت اليمين ... فإنها في هذه الأمثلة وأشباهها – لا تتضمن معنى الحرف: "في"، ويفسد الأسلوب والمعنى بمجيئه؛ إذ لا يقال: في اليمين مأمونة، وكذا الحال في باقي الأمثلة وأشباهها؛ لهذا لا يصح تسميتها في هذه الأمثلة ظرف مكان، لعدم وجود شيء مظرف فيها ... فكلمة: "صباحًا" في المثال الأول ونظائرها تسمى: ظرف "زمان". وكلمة "يمين" ونظائرها، تسمى: "ظرف مكان". فالظرف1 هو: "اسم منصوب يدل على زمان أو مكان، ويتضمن معنى:
"في" باطراد1 ... "، وينقسم إلى ظرف زمان، وظرف مكان2. أحكام الظرف بنوعيه: أشهرها سبعة: 1– أنه منصوب3 على الظرفية4، فلو كان مرفوعًا، أو كان منصوبًا لداع آخر غير الظرفية، أو مجرورًا 4ولو كان الجار هو: "في" الدالة على الظرفية فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان5. وناصبه ويسمى: عامله إما مصدر؛ نحو: المشي يمين الطريق أسلم. والجري وراء السيارات يعرض للأخطار. وإما فعل6 لازم أو متعد، نحو: أنجزت عملي مساءً، ثم قعدت أمام المذياع، أتمتع به.
وإما وصف1 حقيقي عامل، "اسم فاعل، اسم مفعول ... " نحو الطيارة مرتفعة فوق السحاب، والسحاب مركوم تحتها لا يعوقها. إما وصف تأويلًا؛ ويزاد به الاسم الجامد المقصود منه الوصف بإحدى الصفات المعنوية، مثل: أنا عمر عند الفصل في قضايا الناس، وأنت معاوية ساعة الغضب، فالظرف: "عند" منصوب بكلمة: "عمر", والمراد منها: "العادل". وكلمة: "ساعة" منصوبة بكلمة: "معاوية" والمراد منها: الحليم2 ... 2- ولا بد أن يتعلق3 الظرف بناصبه "أي: بعامله"، وليس من اللازم أن يكون عامله متقدمًا عليه؛ كالأمثلة السالفة، فقد يكون متأخرًا عنه؛ كقولهم: "الجر عند الحمية لا يصطاد، ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد"، والمشهور أنه لا يتعلق بعامله المباشر إن كان هذا العامل حرفًا من "حروف المعاني"4.
3- أن عامله قد يحذف جوازًا، أو وجوبا، فيحذف جوازا حين يدل عليه دليل؛ كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: يوم الجمعة؛ أي: حضرت يوم الجمعة، ومتى وصلت يوم الجمعة؟ فيجاب: مساءً، أي: وصلت مساءً، ومثل: كم ميلًا مشيت؟ فيجاب: ميلين؛ أي: مشيت ميلين، ويسمى الظرف الذي ذكر عامله أو حذف جوازًا لوجود قرينة تدل عليه: "الظرف اللغو"1، أما الذي حذف عامله وجوبًا فيسمى: "الظرف المستقر"1.
ويجب حذف هذا العامل في ستة مواضع: أن يقع خبرًا، أو حالًا، أو صفة، أو صلة، أو مشتغلًا1 عنه، أو لفظًا مسموعًا عن العرب محذوفًا في أكثر استعمالهم، فمثال الخبر: الأزهار أمامنا، والزروع حولنا، ومثال الحال: هذا الأسد أمام مروضه كالفأر، ومثال الصفة: إن شهادة زور أمام القضاء قد تحفر هوة سحيقة تحت أقدام شاهدها، ومثال الصلة: احتفيت بالصديق الذي معك، ومثال الاشتغال: يوم الأحد سافرت فيه2. ومثال المسموع: حينئذ الآن.
والعامل المحذوف في الثلاثة الأولى يصح أن يكون وصفًا أو فعلًا؛ فالتقدير على اعتباره وصفًا هو: "مستقر، أو موجود، أو كائن، أو حاصل ... ، وأشباه هذا مما يناسب"، وعلى اعتباره فعلًا هو: "استقر – وجد – كان التي بمعنى: وجد – حصل ... وأشباه هذا مما يناسب". أما مع الصلة فيجب أن يكون فعلًا1؛ لأن الصلة لغير "أل" لا بد أن تكون جملة فعلية، والوصف مع مرفوعه ليس جملة2. والأحسن في "المشغول عنه" هنا، وفي "المسموع" أيضًا أن يكون فعلًا، فأصل المشغول عنه: سافرت يوم الأحد سافرت فيه، وأصل المسموع في قولهم: حينئذ الآن، هو: "كان ذلك حينئذ، واسمع الآن3".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا كان عامل الظرف محذوفًا وجوبًا بعض المواضع1، فما الداعي إلى ملاحظته عند الإعراب، ووجوب تقديره في تلك المواضع، واعتباره هو الخبر أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو ... ، دون الظرف نفسه؟ لم لا يكون الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو ... في تلك المواضع ما دام متعلقة المحذوف واجب الحذف، ولا يصح ذكره بحال؟ وإذا كان كلام العرب خاليا منه دائمًا فكيف عرفنا أنه محذوف؟ إن الحكم بالحذف يقتضي علمًا سابقًا ومعرفة من اللغة بأن هذا المحذوف أو نظائره قد وجد حقيقة في الكلام العربي، ثم حذف لسبب طارئ، وهذه المعرفة لم توجد حقًا، فكيف حكمنا إذا بأنه محذوف؟ ... إلى غير هذا مما يحتج به المعارضون، وينتهون منه إلى أن الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو ... أو ... ، وليس من اللازم في رأيهم أن يكون هذا الظرف منصوبًا بالعامل المحذوف، فقد يكون منصوبا بشيء آخر في الجملة، أو بعامل معنوي كالحذف ... أو بغير عامل ... ، ولا ضرر في هذا عندهم. وفريق منهم يقول: إن خصائص العامل ومنها: معناه، وتحمله للضمير قد انتقلت للظرف؛ فلا مانع أن يكون الظرف نفسه بعد هذا هو الخبر، أو: الصفة ... أو ... "وقد أشرنا لهذا الرأي في ص 447، وسبق إيضاحه في الجزء الأول، هامش ص 271 م 27 وص 346 م 35"، وأنه رأي مقبول عند بعض القدامى المحققين". أما الذين يحتمون أن يكون العامل المحذوف هو الخبر، أو الصفة ... أو ... دون الظرف، ويشترطون أن يكون للظرف في تلك المواضع متعلقًا هو الخبر أو الصفة ... أو ... ، فلهم حجة منطقية قوية، ولكنها على قوتها تتسع للتيسير والتخفيف بغير ضرر، وتنتهي إلى ما يقوله المعارضون؛ هي: أن الزمان المجرد لا وجود له؛ فمن المستيحل أن يوجد زمان لا يقع فيه حادث جديد، أو لا يستمر فيه حادث موجود، فخلو الزمان من أحداث جديدة، أو مستمرة محال. وبتعبير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أدق: لا بد من اقتران كل حادث بزمان، ويستحيل أن يوجد حادث في غير زمان، ولهذا سمي الزمان ظرفًا؛ تشبيهًا بالظرف الحسي كالأواني والأوعية التي توضع في داخلها الأشياء، وإذا كان الأمر هكذا فكل زمان مقرون حتمًا بالحادث المتصل به الواقع فيه، وكثير من هذه الحوادث أمر عام يدل على مجرد "الوجود المطلق" من غير زيادة معنوية عليه، فهو معروف، فلا داعي لذكره؛ إذ لا فرق في المعنى بين: قولنا: "السفر حاصل غدًا"، وقولنا: "السفر غدًا"؛ لأنه هو والزمان متلازمان كما سلف؛ فذكر الثاني كاف في الدلالة على وجود المحذوف؛ فهو مع حذفه ملاحظ وكأنه موجود، هذا من الناحية العقلية المحضة1. وهناك شيء آخر يقولونه في شبه الجمة الواقع خبرًا أو غير خبر من الأشياء التي سلفت؛ هو: أن اللفظ الدال على الزمان لا يكمل وحده بغير متعلقه المعنى الأساسي للجملة، ولا يستقل بنفسه في تحقيق فائدة تامة، وإنما يجيء لتكملة معنى آخر فيما يسمى: "العامل"؛ فليس من شأن اللفظ الزماني أن يتمم المعنى الأساسي المراد بغير ملاحظة العامل المحذوف؛ فلولا ملاحظته في مثل: "السفر يوم الخيمس" لكان المعنى: السفر زمان، وهذا الزمان يوم الخميس، وبعبارة أخرى: السفر هو يوم الخميس نفسه، ويوم الخميس هو السفر، والمعنى لا شك فاسد، مع أن الثابت المقرر من استقراء كلام العرب يوجب أن يكون الخبر هو المبتدأ في المعنى، والمبتدأ هو الخبر في المعنى كذلك، ولا فساد في ذلك مطلقًا. ومثل هذا يقولون في ظرف المكان؛ فالمكان المجرد لا وجود له؛ فمن المستحيل أن يوجد مكان لا تقع فيه أحداث جديدة، أو تستمر يه أحداث قديمة؛ فالحوادث والأماكن مقترنان متلازمان على الدوام، فذكر الثاني في الكلام كاف في الدلالة على وجود المحذوف الملاحظ حتمًا، فيتساوى المعنى بين: "علي موجود في البيت" و"علي في البيت، وكذلك بين" "علي موجود أمامك"، و"علي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمامك"، هذا إلى أن ظرف المكان وحده بغير ملاحظة عامله المحذوف لا يتمم المعنى الأساسي المراد، ولا يكمل القصد؛ فالمكان إنما يجيء لتكملة معنى، ولا يمكن أن يستقل بإيجاد معنى أساسي جديد، وإذا ثبت أن لكل حادثة زمنًا فلا بد لها من مكان أيضًا، وإذا استحال أن يخلو زمان من حادثة استحال أن يخلو مكان من حادثة أيضًا. ولولا ملاحظة المحذوف لكان المبتدأ في مثل: "الجلوس فوق" هو نفس الخبر، أي: أن: الجلوس هو "فوق"، "وفوق" هو الجلوس ذاته1، وهذا معنى فاسد، ومثل هذا يقولون في الجار مع مجروره؟ تلك هي الأدلة القوية، ولا حاجة لغير المتخصصين بمعاناتها، وحسبنا أن نحكم بقوة الرأي القائل بأن شبه الجملة هو الخبر، أو الحال، أو ... ، وأنه رأي سديد لا مانع من مسايرته، على الوجه المدون في الجزء الأول في الصفحات المشار إليها.
4– أن أسماء الزمان الظاهرة1 كلها تصلح للمنصب على الظرفية، يتساوى في هذا ما يدل على الزمان المبهم2، وما يدل على الزمان المختص4 فمثال الأول: عملت حينًا، واسترحت حينًا، ومثال الثاني: قضيت يومًا سعيدًا في الضواحي، وأمضيت يوم الخميس في الريف، كما يتساوى في هذا ما كان منها جامدًا؛ مثل: يوم، وساعة ... وما كان مشتقًا مرادًا به الزمان؛ كصيغتي: "مفعل، ومفعل" بفتح العين وكسرها القياسيتين الدالتين على "الزمان"، بشرط أن تكون الصيغ القياسية المشتقة جارية على عاملها "أي: مشتركة معه في مثل
حروفه الأصلية"، مثل: قعدت مقعد الضيف، أي: زمن قعود الضيف1. أما أسماء المكان فلا يصح منها للنصب على الظرفية إلا بعض أنواع: أ- منها: المبهم2 وملحقاته؛ نحو: الجهات الست، في مثل: وقف الحارس أمام البيت وطار العصفور فوقه ... ، فإن كان المكان مختصًا لم يصح نصبه على الظرفية، ووجب جره بالحرف: "في" إلا في حالتين: الأولى: أن يكون عامل الظرف المكاني المختص هو الفعل: "دخل" أو: "سكن" أو: "نزل"، فقد نصب العرب كل ظرف مختص مع هذه الثلاثة؛ نحو: دخلت الدار، وسكنت البيت ... ، ونزلت البلد ... ، والأحسن في إعراب هذه الصور وأشباهها أن يكون كل من " الدار"، و"البيت"، "والبلد" مفعولًا به لا ظرفًا ويكون الفعل قبلها متعديًا3 إليها بنفسه مباشرة. الثانية: أن يكون الظرف المكاني المختص هو كلمة: "الشام" وعامله هو الفعل: "ذهب"، فقد قال العرب: "ذهبت الشام" وتعرب هنا ظرفًا ومثله الظرف المختص: "مكة" مع عامله الفعل: "توجه" فقد قال العرب أيضًا: توجهت مكة. فنصب ظرفًا مع هذا الفعل وحده، و"الشام" و"مكة" ضرفان مكانيان على معنى: "إلى". ب– ومنها: المقادير4، نحو: غلوة – ميل – فرسخ –
بريد1 ... و ... و ... مثل: مشيت غلوة، ثم ركبت ميلًا، ثم سرت فرسخًا. ج– ومنها: ما صبغ، على وزن2: "مفعل"، أو"مفعل" للدلالة على المكان، بشرط أن يكون الوزن جاريًا على عامله، "أي: مشتركًا معه في مثل حروفه الأصيلة ومشتملًا عليها"3، مثل: وقفت موقف الخطيب، وجلست مجلس المتعلم صنعت مصنع الورق، وبنيت مبناه ... ، فلو كان عامله من غير لفظه لوجب الجر بالحرف: "في"، نحو: جلست في مرمى الكرة4.
ومن ثم كان هذا النوع غير متضمن معنى "في" باطراد، ومستثنى من التضمن1 المطرد. وهذا القسم يكون مختصا كالأمثلة السالفة، ومبهما، نحو: وقفت موقفا، جلست مجلسا2. ومما يلاحظ أن هذه الصيغة: "مفعل -مفعل" صلحة للزمان والمكان ويكون التمييز بينهما بالقرائن، كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر القطار، أي: زمن حضور القطار؛ لأن "متى" للاستفهام عن الزمن، بخلاف: أين حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر المجتمعين حول الخطيب، أي: مكان حضور المجتمعين ... لأن "أين" أداة استفهام عن المكان. 5- أنه يجوز تعدد الظروف المنصوبة على الظرفية لعامل واحد بغير اتباع3، بشرط اختلافها في جنسها: "أي: اختلافها زمانا ومكانا"، مثل: استرح هنا ساعة أقم عندنا يوما، أما إذا اتفقت في جنسها فلا تتعدد إلا في صورتين، إحداهما: الاتباع، يجعل الظرف الثاني بدلا4 من الأول، نحو: أقابلك يوم
الجمعة ظهرًا، فكلمة "ظهرا" بدل بعض من كلمة: يوم1. والأخرى، أن يكون العامل اسم تفضيل؛ نحو: المريض اليوم أحسن منه أمس. "فاليوم وأمس؛ ظرفان عاملها أفعل التفضيل وهو: أحسن"، وقد تقدم عليه واحد، وتأخر واحد ... 6- أنه يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؛ مسايرة للرأي القائل بذلك، توسعًا وتيسيرًا؛ نحو: أعطيت السائل أمامك ويوم العيد قرأت الكتاب هنا، ويوم السبت الماضي2. 7– إذا وقع الظرف خبرًا فإنه يستحق أحكامًا خاصة يستقل بها، وقد سبق تسجيلها في مكانها الأنسب، وهو باب: "المبتدأ والخبر"3، ومن تلك الأحكام أن يكون في مواضع معينة باقيًا على حالته من النصب، وفي مواضع أخرى يكون مرفوعًا أو مجروًا، ولا يسمى في هاتين الحالتين ظرفًا ... إلى غير هذا من الأحكام الهامة المدونة في الموضع المشار إليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 "المبهم" من ظروف المكان، وأنه يشمل أنواعًا منها: "الجهات الست"، وقد ألحقوا بهذه الجهات ألفاظًا أخرى، منها: "عند – لدى – وسط – بين – إزاء – حذاء ... "، واختلفوا في مثل2: "داخل – خارج – ظاهر – باطن – جوف الدار – جانب"، وما بمعناه "مثل: جهة – وجه – كنف" في مثل: قابلته داخل المدينة أو خارجها، أو ظاهرها ... ؛ فكثير من النحاة يمنع نصب هذه الكلمات على الظرفية المكانية؛ لعدم إبهامها، ويوجب جرها بالحرف: "في"، وفريق يجيز، ويرى أن هذا هو الأوجه3، لما فيه من تيسير؛ لأن تلك الكلمات الدالة على المكان لا تخلو من إبهام، فهي شبيهة بالمبهم، وملحقة به. وكان الجدير بكل فريق أن يستند في تأييد رأيه على موقفه من كثرة المسموع المأثور، ويعتمد عليه وحده في الاستدلال، واستنباط الحكم، فمن نصره السماع الكثير فرأيه هو الأقوى، دون غيره، ولكنهم لم يفعلوا، ومن ثم يكون الرأي المجيز أولى بالاتباع، وإن كانت المبالغة في الدقة والحرص على سلامة الأسلوب وسموه تقتضي البعد عن الخلاف باستعمال الحرف "في"؛ لاتفاق الفريقين على صحة مجيئه؛ فيجري التعبير اللغوي على سنن موحد. ب- من أنواع الظرف ما يكون مؤسسًا، وما يكون مؤكدًا، فالمؤسس هو الذي يفيد زمانًا أو مكانًا جديدًا لا يفهم من عامله؛ نحو: صفًا الجو اليوم، فقضيته حول المياه المتدفقة، وبين الأزاهر والرياحين، فكل واحد من الظروف: "اليوم – حول – بين ... " يسمى: "ظرفًا مؤسسا، أو تأسيسيًا"؛ لأنه أسس أي: أنشأ معنى جديدًا لا يفهم من الجملة بغير وجود هذا الظرف.
والمؤكد: هو الذي لا يأتي بزمن جديد، ولا مكان جديد، وإنما يؤكد زمنًا أو مكانًا مفهومًا من عامله، ومن الأمثلة قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، فالظرف: "ليلًا" لا جديد معه إلا التوكيد لزمن الإسراء؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلًا، ومثل: صعد الخطيب فوق المنبر؛ فالظرف: "فوق" لم يأت بجديد إلا توكيد معنى عامله الدال على الصعود، أي: الارتفاع والفوقية. لما سبق كان الظرف في مثل قول القائل: سرت حينًا ومدة لم يزد زمنًا جديدًا غير الزمن الذي دل عليه الفعل 1 ...
المسألة 79: الظرف المتصرف وغير المتصرف، وأقسام كل الظرف بنوعيه قد يكون متصرفًا، وقد يكون غير متصرف. أ- فالمتصرف هو الذي لا يلازم النصب على الظرفية، وإنما يتركها إلى كل حالات الإعراب الأخرى التي لا يكون فيها ظرفًا؛ كأن يقع مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا به، أو مجرورًا بالحرف: "في" المذكور قبله أو بغيره ... أو ... فمثال الزمان المتصرف كلمة: "يوم" في العبارات التالية: يومكم مبارك، ونهاركم سعيد، إن يومكم مبارك، وإن نهاركم سعيد، جاء اليوم المبارك ... إنا نرقب مجيء اليوم المبارك في يوم العيد يتزاور الأهل، والأصدقاء ... و ... ومثال المكان المتصرف: يمينك أوسع من شمالك العاقل لا ينظر إلى الخلف إلا للعبرة؛ وإنما وجهته الأمام، ومثل: الفرسخ ثلاثة أميال، ونعرف أن الميل ألف باع1. وقد سبق2 أن الظرف بنوعيه إذا ترك النصب على الظرفية إلى حالة أخرى غير النصب على الظرفية ولو إلى الجر "بفي" أو بغيرها، فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان3 ...
حكم الظرف المتصرف: 1- إما معرب منصرف؛ مثل: يوم – شهر – يمين – مكان1. 2- وإما معرب غير منصرف مثل: غدوة2؛ وبكره3, وضحوة؛ بشرط أن تكون كل واحد "علم جنس"4، على وقتها المعين المعروف؛ سواء أكان هذا الوقت مقصودًا ومحددًا من يوم خاص بعينه، أم غير مقصود ولا محدد من يوم معين، فهذه الثلاثة وأشباهها متصرفة؛ تستعمل ظرفًا وغير ظرف، وفي الحالتين تمنع من الصرف، وسبب منعها من الصرف: "العلمية الجنسية والتأنيث اللفظي"، فإن فقدت العلمية لم تمنع من الصرف، وذلك لعدم التعيين؛ "لأنها فقدت تعيين الزمن وتحديده؛ وصارت دالة على مجرد الوقت المحض الخالي من كل أنواع التخصيص إلا بقرينة أخرى للتعيين"؛ مثل: غدوة وقت نشاط، يسرني السفر غدوة والقودم ضحوة، بشرط أن يراد بهما مطلق زمن بغير تعيينه، ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} 5.
3– وإما مبني، والمبني قد يكون مبنيا على السكون، مثل: "إذ" الواقعة "مضافًا إليه"، والمضاف زمان، نحو: لاح النصر ساعة إذا أخلص المجاهدون كان النصر يوم إذ جاهد المخلصون، أو مبنيًا على الكسر، مثل الظرف: "أمس" عند الحجازيين؛ في نحو: اعتدل الجو أمس. ب– أما غير المتصرف1: فمنه الذي لا يستعمل إلا ظرفًا، ومنه ما يستعمل ظرفًا، وقد يترك الظرفية ولا يسمى ظرفًا إلى شبهها، وهو الجر بالحرف: "من" غالبًا2، فمثال الذي لا يستعمل إلا ظرفًا: "قط"3، و"عوض"4 و"بدل" بمعنى: مكان "مثل: خذ هذا بدل ذلك"، و"مكان" بمعنى: "بدل"، "أما "مكان" بمعناه الأصلي فظرف متصرف". "وسحر"5؛ إذا أريد به سحر يوم معين محدد؛ نحو: أزورك سحر يوم السبت المقبل؛ وإلا فهو ظرف متصرف؛ نحو: تمتعت بسحر منعش؛ فهل يساعفني سحرا مثله؟. ومثال ما يلازم النصب على الظرفية، وقد يتركها إلى شبهها: "عند، ولدن
وقبل، وبعد، وحول1، و ... "، مثل: مكثت عندك ساعة، ثم خرجت من عندك إلى بيتي سأقصد الحدائق لدن الصبح حتى الضحا، ثم أعود من لدنها حضرت قبل الميعاد ولم أحضر بعده، أو: حضرت من قبل الميعاد، ولم أحضر من بعده2. حكم الظرف غير المتصرف: 1– إما معرب ممنوع من الصرف؛ مثل: عتمة3 عشية4 سحر5 بشرط أن يقصد بكل واحدة التعيين الدال على وقت خاص، فتكون علم جنس عليه؛ لدلالتها على زمن معين محدد دون غيره من الأزمان المبهمة الخالية من التعيين، نحو: استيقظت: ليلة الخميس سحر، حضرت يوم الجمعة عشية، سهرت يوم السبت عتمة. فإن فقدت هذه العلمية صارت نكرة لا تدل على وقت مخصص من يوم بذاته، وخرجت من نوع الظرف غير المتصرف، ودخلت في نوع المتصرف المنصرف؛ فتصير مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا ... و ... وغير ذلك، مع التنوين في كل حالة؛ نحو سحر خير من عيشة، ورب عتمة خير من سحر5.
2– وإما معرب مصروف مثل: "بدل" و"مكان" السالفين1. 3– وإما مبني على السكون أو غيره في مثل: لدن، ومتى2، ومد، ومنذ3 وقط، ... وغيرها "مما سيجيء 4". 4- جميع الظروف غير المتصرفة لا يصح التصريح قبلها بالحرف: "في" بخلاف المتصرفة، وإذا ظهرت "في" قبل الظرف مطلقًا، فإنه يصير اسمًا محضا مجرورًا بها، ولا يصح تسميته ظرف زمان، أو ظرف5 مكان. ما ينوب عن الظرف: أ– يكثر حذف الظرف الزماني المضاف إلى مصدر، وإقامة المصدر مقامه6. فنيصب مثله باعتباره نائبا عنه، وذلك بشرط أن يعين المصدر الوقت ويوضحه، أو يبين مقداره، وإن لم يعينه؛ فمثال الأول: أخرج من البيت شروق الشمس، وأعود إليه غروبها أزوركم في العام الآتي قدوم الراجعين من الحج، "تريد: أخرج من البيت وقت طلوع الشمس، وأعود إليه وقت غروبها، ووقت قدوم الراجعين"، فحذف الظرف الزماني: "وقت" وقام مقامه المصدر، وهو: "شروق، غروب، قدوم"، فأعرب طرفًا بالنيابة.
ومثال الثاني: أمكث عندك كتابة صفحة؛ "أي: مدة كتابة صفحة"، وأنتظرك لبس الثياب، "أي: مدة لبسها"، وأغيب غمضة عين، "أي: مدة غمضها"، ففي هذه الصور ونحوها بيان للمقدار الزمني الذي يدل عليه المصدر في كل صورة، دون أن يعين ذلك الوقت، ويحدده: "أهو الصبح، أم الظهر، أم الغروب، أم غيرهما ... ؟ ". وقد يحذف الظرف وينوب عنه مصدر مضاف إلى اسم عين1، ثم يحذف هذا المصدر المضاف أيضًا، ويحل محله اسم العين، باعتباره نائبًا عن النائب عن الظرف الزماني، ويعرف ظرفًا بالإنابة، نحو: لا أكلم السفية النيرين أي: مدة طلوع النيرين؛ "وهما: الشمس والقمر": فحذف الظرف الزماني؛ وهو "مدة"، وقام مقامه المصدر المضاف: "طلوع"، ثم حذف المصدر المضاف وحل محله المضاف إليه؛ وهو: كلمة: "النيرين" وتعرب ظرفًا بالإنابة كما قلنا ومن أمثلتهم: لا أجالس لمحدًا الفرقدين2، ولا أماشيه القارظين3 يريدون: مدة ظهور الفرقدين، ومدة غياب القارظين. هذا، والإنابة فيكل ما سبق قياسية إذا تحقق ما شرحناه. ب– أما نيابة المصدر عن ظرف المكان، فقليلة حتى قصروها على المسموع دون غيره مثل كلمة: قرب نحو: جلست قرب المدفأة، أي: مكان قرب المدفأة، فكلمة: "قرب" مصدر بالنيابة. ج– وهناك أشياء أخرى غير المصدر تصلح للإنابة قياسًا عن الظرف بنوعيه بعد حذفه، وتعرب ظرفًا بالنيابة. منها: صفته؛ نحو: صبرت طويلًا من الدهر جلست شرقي المنزل؛ أي: صبرت زمنًا طويلًا ... جلست مجلسًا شرقي المنزل، أو جلست مكانًا شرقي المنزل.
ومنها: عدده، بشرط أن يوجد ما يدل على أنه عدده: كالإضافة إلى زمان، أو مكان؛ نحو: مشيت خمس ساعات قطعت فيها ثلاثة فراسخ. ومنها: كل أو بعض، وغيرهما مما يدل على الكلية والجزئية، بشرط الإضافة إلى زمان أو مكان1؛ نحو: نمت كل الليل، وقول الشاعر: أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي علي، وما يقيني؟ ومثل: استمخر الحفل بعض الليل ... مشت القافلة كل الأميال أو بعض الأميال2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– الظروف من حيث التصرف وعدمه، ودرجته، أربعة أقسام: قسم يمتنع تصرفه أصلًا؛ مثل: "قط"، "عوض" وقد سبقا، ومثل: "بين" إذا اتصلت بها "الألف" أو"ما" فصارت: "بينا أو بينما"، فإنها عندئذ تلازم الظرفية تمامًا كالتي في ص 277، و 278 أيضًا. ويلحق بهذا القسم: "عند، وفوق، وتحت"1، وأشباهها مما لا يخرج عن الظرفية إلا إلى الجر بالحرف: "من" غالبًا 2. وقسم ثان: يتصرف كثيرًا، كيوم، شهر، يمين3، شمال، ذات اليمين ذات الشمال4. وثالث: متوسط في تصرفه؛ وهو: أسماء الجهات "إلا ما سبق حكمه في القسمين السالفين؛ من مثل: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وذات اليمين، وذات الشمال ... ". ومن هذا القسم المتوسط: "بين" التي لم يتصل بآخرها: "الألف" أو"ما"، فإن اتصلت بها: "الألف" أو: "ما" وصارت: "بينا، بينما" ... فهي ممنوعة التصرف 5، كما أسلفنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورابع: تصرفه نادر في السماع، لا يقاس عليه، مثل: الآن، وحيث، ودون، التي ليست بمعنى رديء ووسط؛ بسكون السين في الغالب، أما بفتحها فاسم متصرف في الغالب أيضًا، وفي غير الغالب يجوز في كليهما التسكين والفتح، والأفضل اتباع الغالب؛ ليقع التفاهم بغير تردد، وقد وضعوا علامة للتميز المعنوي بين الكلمتين؛ فقالوا: إن أمكن وضع كلمة: "بين" مكان: "وسط" واستقام المعنى فهي ظرف؛ نحو: جلست وسط القوم، أي: بينهم، وفي هذه الحالة يحسن تسكين السين؛ مراعاة للغالب، وإن لم تصلح كانت اسمًا، نحو: احمر وسط وجهه، وفي هذه الصورة يحسن تحريك السين بالفتح، مراعاة للغالب. ب– إذا كان الظرف منصوب اللفظ أو المحل على الظرفية، وجب عند الأكثرين أن يكون متعلقًا بالعامل الذي عمل فيه النصب1، وهذا العامل يكون في الغالب فعلًا2، أو مصدرًا، أو شيئًا يعمل عمل الفعل3 كالوصف؛ نحو: سافرت يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، أو: أنا مسافر يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، فالظرفان "يوم" و"فوق" متعلقان بعاملهما "سافر" أو: "مسافر" ... و ... ومعنى أنهما متعلقان به: مرتبطان ومستمسكان به، كأنهما جزءان منه لا يظهر معناهما إلا بالتعلق به، فاستمساكهما بالعامل كاستمساك الجزء بأصله، ثم هما في الوقت نفسه يكملان معناه. بيان هذا: أن العامل يؤدي معناه في جملته، ولكن هذا المعنى لا يتم ولا يكمل إلا بالظرف الذي هو جزء متمم ومكمل له؛ ففي مثل: جلس المريض ... قد نحس في المعنى نقصًا يتمثل في الأسئلة التي تدور في النفس عند سماع هذه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألفاظ؛ ومن الأسئلة: أين جلس؟ أكان فوق السرير، أم أمامه، أو وراء النافذة، ... أيمين الداخل ... أم شمال الخارج....؟ متى جلس؟ أصباحًا، أم ظهرًا، أم مساء ... ؟ وهكذا ... فإذا جاء الظرف الزماني أو المكاني، فقد أقبل ومعه جزء من الفائدة ينضم إلى الفائدة المتحققة من العامل؛ فيزداد المعنى العام اكتمالًا بقدر الزيادة التي جلبها معه؛ فمجيئه إنما هو لسبب معين، ولتحقيق غاية مقصودة دعت إلى استحضاره، هي عرض معناه، مع تكملة معنى عامله، فلهذا وجب أن يتلعق به. والاهتداء إلى هذا العامل قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى فطنة ويقظة، ولا سيما إذا تعددت في الجملة الواحدة الأفعال أو لا يعمل عملها؛ حيث يتطلب استخلاص العامل الحقيقي من بينها أناة وتفهمًا؛ خذ مثلًا لذلك: "أسرعت الطائرة التي تخيرتها بين السحب" ... فقد يتسرع من لا دراية له فيجعل الظرف "بين" متعلقًا بالفعل القريب منه، وهو الفعل: "تخير" فيفسد المعنى؛ إذ يصير الكلام: تخيرت الطيارة بين السحب، إنما الصحيح: أسرعت بين السحب، وهذا يقتضي أن يكون الظرف متعلقًا بالفعل "أسرع"، فيزداد معناه، ويكمل بعض نقصه، كما لو قلنا: تخيرت الطيارة فأسرعت بين السحب. مثال آخر: "قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها تحت لسانه"، فلا يصح أن يكون الظرف "تحت" متعلقًا بالفعل "كتب"؛ لئلا يؤدي التعلق إلى أن الكتابة كانت تحت اللسان؛ وهذا معنى فاسد لا يقع، أما إذا تعلق الظرف "تحت" بالفعل: "قاس" فإن المعنى يستقيم، وتزداد به الفائدة، أي: قاس الطبيب حرارة المريض تحت لسانه، فالقياس تحت اللسان، وهكذا يجب الالتفات لسلامة المعنى وحدها دون اعتبار لقرب العامل أو بعده من الظرف1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جـ- الزمان أربعة أقسام 1: أولها: المعين2 المعدود3 معًا، مثل: رمضان، المحرم من غير أن يذكر قبلهما كلمة: شهر"، الصيف، الشتاء، وهذا القسم يصلح جوابًا لأداتي الاستفهام: "كم، ومتى"، نحو: كم شهرًا صمت؟ متى رجعت من سفرك؟ والجواب: صمت رمضان، رجعت الصيف ... ثانيًا: غير المعين وغير المعدود؛ فلا يصلح جوابًا لواحد منهما؛ مثل: حين، وقت. ثالثها: المعين غير المعدود؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "متى" فقط؛ نحو: يوم الخميس، وكلمة: "شهر" المضاف إلى اسم بعده من أسماء الشهور، مثل: شهر صفر، شهر رجب ... وذلك جوابًا فيهما عن قول القائل: متى حضرت؟ متى تغيبت؟. رابعها: المعدود غير المعين؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" فقط، نحو: يومين، ثلاثة أيام، أسبوع، شهر، حول. 1– فالذي يصلح جوابًا للأداتين: "كم"، و"متى" "وهو القسم الأول" أو يصلح جوابًا للأداة: "كم" وهو القسم الرابع يستغرقه الحدث "المعنى"، الذي تضمنه ناصبه سواء أكان الجواب نكرة أم معرفة بشرط ألا يوجد ما يدل على أن الحدث مختص ببعض أجزاء ذلك الزمان، فإذا قيل: كم سرت؟ فأجبت: "شهرًا"، وجب أن يقع السير في جميع الشهر كله، ليله ونهاره إلا إن قامت قرينة تدل على أن المقصود المبالغة والتجوز وكذا إن كان الجواب: المحرم، مثلًا. وكذا يقال في الأبد والدهر، مقرونين بكلمة: "أل" فالحدث الواقع من ناصبهما يستغرقها ليلًا ونهارًا 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان حدث الناصب "أي: معناه" مختصًا ببعض أجزاء الزمان، استغرق بعضها الذي يختص به، وانصب عليه وحده دون غيره من الأجزاء الأخرى. فإذا قيل: كم صمت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب الصوم على الأيام دون الليالي؛ لأن الصوم لا يكون إلا نهارًا، وإذا قيل: كم سريت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب السرى على الليالي دون الأيام؛ لأن السرى لا يكون إلا ليلًا. وكذا يقال: ي الليل والنهار معرفين، فالحدث الواقع على كل منهما مقصور على زمنه الخاص. 2– وغير ما سبق يجوز فيه التعميم والتبعيض؛ كيوم، وليلة، وأسماء أيام الأسبوع، وأسماء الشهور؛ بشرط أن يذكر قبلها المضاف وهو كلمة: شهر؛ كشهر رمضان، شهر المحرم. وهناك رأي آخر من عدة آراء في هذا البحث؛ هو: أن ما صلح جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" أو: "متى" يكون الحدث "المعنى" في جميعه تعميمًا أو تقسيطًا، فإذا قلت: سرت يومين؛ فالسير واقع في كل منهما من أوله إلى آخره، وقد يكون في كل واحد من اليومين، وإن لم يشمل اليوم كله من أوله إلى آخره. ولا يجوز أن يكون في أحدهما فقط، ومن التعميم: صمت ثلاثة أيام، ومن التقسيط أذنت ثلاثة أيام، ومن الصالح لهما: تهجدث ثلاث ليال. وعلى كل فهذه كما قالوا ضوابط تقريبية، والقول الفصل للقرائن الحاسمة، ولا سيما العرف الشائع؛ فتلك القرائن هي التي توضح أن المراد التعميم أو التبعيض. د– قلنا1: إن الظرف غير المتصرف إما معرب منصرف، وإما معرب غير منصرف، وإما مبني، وقد تدمت الأمثلة، وهو في حالالته الثلاث لا يجوز أن تسبقه "في" 2، فالمبنى قد يكون مبنيًا على السكون مثل: مذ3، ولدن ... أو على الضم مثل: منذ3، أو على فتح الجزأين؛ مثل ظروف الزمان أو المكان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المركبة تركيب مزج1؛ "نحو: صباح مساء – يوم يوم – صباح صباح. والمعنى: كل صباح ومساء "أي: كل صباح، وكل مساء"، وكل يوم، وكل صباح". "ومثل: بين بين وستأتي" 2، فإن فقدت الظروف التركيب، أو أضيف أحد الجزأين للآخر، أو عطف عليه امتنع البناء، ووجب إعرابها وتصرفها ... لكن أيبقى المعنى في الجميع مع فقد التركيب بسبب وجود العطف، أو الإضافة كما كان مع التركيب أم يختلف؟ اتفقوا على أنه باق في الجميع، إلا صباح مساء عند الإضافة، مثل: أنت تزورنا صباح مساءٍ، ففريق يرى أنها كغيرها من الظروف المركبة التي تتخلى عن التركيب وتضاف، فيظل المعنى الأول باقيًا بعد الإضافة "وهو هنا: كل صباح وكل مساء"، وفريق يرى أن المعنى مع الإضافة يختلف؛ فيقتصر على الصباح وحده كما في المثال السالف، حيث تقتصر الزيارة فيه على الصباح فقط؛ اعتمادًا على أن المعنى منصب على المضاف، "وهو الصباح"، أما المضاف إليه فهو مجرد قيد له؛ أي: صباحًا لمساء3. والحق أن الأمرين محتملان في المثال، إلا عند وجود قرينة تحتم هذا وحده، أو ذاك، فوجودها ضروري لمنع هذا الاحتمال. ومن الظروف المركبة مزجًا، المبنية لهذا على فتح الجزأين، والتي لا تتصرف، "بين بين"4 بمعنى: التوسط بين شيئين: مثل: درجة حرارة الجو أو الماء: بين بين، أي: متوسطة بين المرتفعة والمنخفضة، ثروة فلان بين بين، أي: بين الكثرة والقليلة ... فإن فقد الظرف: "بين" التركيب جاز أن يكون معربًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متصرفًا ومنه قوله تعالى: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} ، وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من قرأه مرفوعًا، أما من قرأه بالنصب يدل الرفع فقد جرى على أغلب أحواله1 ومثله الظرف: "دون" في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} . ومن الظروف غير المتصرفة2: "ذا"، و"ذات"، بشرط إضافتها إلى الزمان دون غيره، فيلتزمان النصب على الظرفية الزمانية فلا يجوز جرهما بـ"في" ولا وقوعهما في موقع إعرابي آخر، إلا على لغة ضعيفة لقبيلة "خثعم" تبيح فيهما التصرف، وقد رفضها جمهرة النحاة3؛ نحو: قابلت الأخ ذا صباح، أو ذا مساء، أو ذات يوم، أو ذات ليلة، أي: وقتًا ذا صباح، ووقتًا ذا مساء، ومدة ذات يوم، ومدة ذات ليلة، أي: وقتًا صاحبًا لهذا الاسم، ومدة صاحبة لهذا الاسم4. وقد تضاف "ذات"، إلى كلمة: "اليمين" أو: "الشمال" وهما من الظروف المكانية كما سبق5 فتصير ظرف مكان متصرفًا؛ نحو: تتحرك الشجرة ذات اليمين وذات الشمال، ونحو: دارك ذات اليمين والحدائق ذات الشمال، "وقد سبقت الإشارة إلى "ذا" و"ذات" من ناحية إفرادهما وجمعهما في الجزء الأول، باب الأسماء الستة م 8 ص 699، وفي آخر هامش ص 321 منه إشارة إلى استعمال: "ذات" استعمال الأسماء المحضة المستقلة، وأن النسب إليها هو: "ذووي، أو ذاتي" طبقًا للبيان التفصيلي في باب النسب ج 2 م 178، وص 544". ومن غير المتصرف أيضًا: حوال – حوالى – حول – حولى ... – أحوال – أحوالى6 ... وليس المراد في الغالب حقيقة التثنية والجمع، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد المعنى المفهوم من الكلمة المفردة، وهو: الإحاطة والالتفاف وقد يستعمل "حواليك" مصدرًا: مثل: لبيك1؛ لأن الحول، والحوال يكونان بمعنى "جانب الشيء المحيط به"، كما يكونان بمعنى: "القوة". ومن الظروف التي لا تصرف "شطر" بمعنى: ناحية أو جهة؛ كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، ومنها: زنة الجبل، أي: إزاءه، ومثله: وزن الجبل، أي: الناحية التي تقابله؛ سواء أكانت قريبة أم بعيدة. ومنها في أي: صددك وصقبك، تقول: بيني صدد بيتك، بنصبه على الظرفية؛ أي: قربه وقبالته، وبيتي صفت بيتك، أي: قربه كذلك، والصحيح أن هذين الظرفين يتصرفان؛ فيستعملان اسمين. هـ- هناك ألفاظ مسموعة بالنصب، جرت مجرى ظرف الزمان والمكان، كانت مجرورة بحرف الجر: "في" فأسقطوه توسعًا، ونصبوها على اعتبارها متضمنة معناه، فمن أمثلة الزمان كلمة "حقًا" في مثل: أحقًا أنك مسرور؟ فحقًا ظرف زمان ومنصوب خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ والأصل: أفي حق سرورك2؟ وقد نطقوا بالحرف "في" أحيانًا فقالوا: "أفي حق مواساتي أخاكم ... "، وقالوا: "أفي الحق أني مغرم بك هائم ... " وهذا الاستشهاد قد يصلح دليلًا على أن كلمة: "حقًا" السالفة ظرف زمان ... ومثلها: "غير شك أنك مسرور"، أو: "جهد رأيي أنك محسن"، أو: "ظنا مني أنك أديب"، فغير، وجهد، وظنا كلمات منصوبة هنا على الظرفية الزمانية3 توسعًا بإسقاط حرف الجر: "في" والأصل: في غير شك في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهد رأيي في ظني والظرف فيها جميعًا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ مؤخر. ومن أمثلة ظروف المكان السماعية: مطرنا السهل والجبل، وضربت الجاسوس الظهر والبطن، وإنما كانت هذه الظروف سماعية مقصورة عليه؛ لأنها لا تدخل في أنواع الظروف المكانية القياسية1. و– قد ينزل بعض الظروف منزلة أداة الشراط؛ فيحتاج لجملة بعدها جملة بمثابة الجواب، وقد تقترن هذه بالفاء؛ كقوله تعالى: في منكري القرآن: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} . وعلى هذا قول ابن مالك في حكم "خلا وعدا"، في باب "الاستثناء". "وحيث جرًا فهما حرفان ... "2 ز- هل يجو عطف الزمان على المكان وعكسه؟ سيجيء الجواب في مكانه الأنسب، من باب العطف آخر الجزء الثالث3. ح– الظروف الزمانية والمكانية متعددة الأنواع، والأحكام، جديرة أن تستقل برسالة توفيها حقها من البسط، والإيضاح، والتهذيب، وجمع شتاتها المتناثر في المطولات، والمراجع الكبيرة، واستصفاء ما يجدر الأخذ به، واستبعاد ما يغشيه مما لا يناسب، وتحقيق هذا كله غرض جليل هام يقتضي بحثًا مستقلًا؛ لا تزحمه البحوث الأخرى، فتضغطه، أو تطغى عليه. على أن هذا لا يحول دون استخلاص موجز، مركز، دقيق؛ قد يفيد القانع؛ أو يسعف المضطر، ولكنه لا يغني المستقصي، الذي لن يرضى بغير التوفية بديلًا. ومثل هذا لا يجد طلبته إلا في بطون المراجع الواسعة؛ كالمعنى، وشرح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المفصل، والجزء الأول1 من همع الهوامع: للسيوطي؛ فقد حوى أو كاد من شأن "الظرف" بنوعيه، ولا سيما الظرف المبني، ما لم يهيأ لسواه، وجمع في فصل: "الظروف المبنية" ما وصفه صادقًا بقوله1: "إني أوردت في هذا الفصل ما لم أسبق إلى جمعه واستيفائه من مبني ظروف الزمان والمكان، مرتبا على حروف المعجم ... ". وفيما يلي الموجز: الذي استخلصناه من تلك المراجع، ورتبناه على حسب الحروف الهجائية، مع ترك ما سبق الكلام عليه2. 1- إذ3 ظرف للزمن الماضي في أكثر استعمالاتها، وقد تكون للمستقبل بقرينة4، وهي مبنية على السكون، غير متصرفة5 في الأغلب وتكون أحيانًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مضافًا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: حيئذ، يومئذ.... فتتحرك "الذال" بالكسر عند التنوين. وإذا كانت ظرفًا التزمت الإضافة إلى جملة1؛ إما اسمية ليس عجزها فعلًا ماضيًا2، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} ، وإمال فعليه نحو: جئتك إذ دعوتني، ويشترط في الجملة الفعلية أن تكون ماضوية لفظًا ومعنى فقط كأن يكون فعلها مضارعًا قصد به حكاية الحال الماضية3، وألا تكون شرطية، ولا مشتملة على ضمير يعود على المضاف، فلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح: أتذكر إذ إن تأتنا نكرمك ... وقد يحذف شطر الجملة الاسمية أحيانًا مع ملاحظة وجوده؛ كقول الشاعر: هل ترجعن ليال قد مضين لنا ... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانًا والتقدير عندهم: العيش منقلب أفنانًا إذ ذاك كذلك؛ لأنها لا تضاف في الأغلب1 إلى مفرد2، ومثله قول الآخر: كانت منازل آلاف عهدتهموا ... إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانًا أي: إذ ذاك كذلك. وقد تحذف الجملة التي تضاف إليها، ويعوض عنها التنوين3؛ نحو: أقبل الغائب وكنتم حينئذ مجتمعين، أي: حين إذ أقبل ... وقد تزاد للتعليل؛ كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ؛ أي: لأجل ظلمكم في الدنيا ... ولا تصلح للظرفية هنا؛ لأن الظلم لا يقع يوم القيامة، وإنما يقع قبله في الدنيا ... وهي حرف بمنزلة لام التعليل وهذا أسهل وقيل: ظرف، والتعليل مستفاد من قوة الكلام، لا من اللفظ. وقد تكون حرفًا للمفاجأة، أو زائدة لتأكيد معنى الجملة كلها؛ وذلك بعد كلمة: "بين"4 المختومة "بالألف" الزائدة، أو"ما" الزائدة؛ نحو: بينا نحن جلوس إذ أقبل صديق ... ومثل: "فبينما العسر إذا دارت مياسير5".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا، واستعمال "إذ" قياسي في جميع الصور، والحالات المختلفة التي سردناها في الكلام عليها. 2– إذا1 الصحيح أنها اسم؛ بدليل وقوعها خبرًا مع مباشرتها الفعل؛ نحو: الهناء إذا تسود المحبة الأهل، ووقوعها بدلًا من الاسم الصريح، نحو: المقابلة غدًا إذا تطلع الشمس. أ– وهي ظرف للمستقبل في أكثر استعمالاتها، وتكون للماضي بقرينة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ؛ لأن الآية نزلت بعد انفضاضهم. وقد تكون ظرفًا للحال بعد القسم؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؛ لأن الليل والغشيان مقترنان، وهل "إذا" في الآية متعلقة بفعل القسم، وفعل القسم للحال2؟ ومثل قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} . ب- والغالب ي استعمالها أن تتضمن مع الظرفية معنى الشرط بغير أن تجزم إلا في ضرورة الشعر، وتحتاج بعدها إلى جملتين، الأولى تحتوى على فعل الشرط، والثانية الجواب: نحو قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} . وقد تتجرد للظرفية المحضة الخالية من الشرط3؛ كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} ، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} 1، وقد اجتمع النوعان الظرفية المحضة، والظرفية الشرطية، مع حذف فعل الشرط في قول الشاعر: إذا أنت لم تترك أخاك وزلة2 ... إذا زلها أوشكتما3 أن تفرقا4 وإذا كانت للشرط فإنها لا تدل على التكرار؛ في مثل: إذا خرجت أخرج معك، يتحقق المراد بالخروج مرة واحدة، وهي أيضًا لا تفيد الشمول والتعميم في الرأي الشائع، فلو حلف رجل على أن يتصدق بمائة مثلًا إذا رجع ابن من أبنائه الغائبين؛ فرجع ثلاثة، لم يجب عليه إلا مائة، وتسقط عنه اليمين بعدها. وتستعمل "إذا" الظرفية الشرطية في التعليق إذا كان الشرط محقق الوقوع5، نحو: إذا أقبل الشتاء أقيم عندكم، أو مرجع الوقوع، نحو: إذا دعوتموني أيها الإخوان أحضر. ج "وإذا" الظرفية الشرطية تضاف دائمًا إلى جملة فعلية خبرية، غير مشتملة على ضمير يعود على المضاف، والأكثر أن تكون ماضوية، وقد اجتمع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النوعان في قول الشاعر: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع والماضي في شرطها أو جوابها مستقبل الزمن1؛ فإن وليها اسم مرفوع بعده فعل فالاسم في الغالب فاعل لفعل محذوف2 مثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وحين تقع شرطية ظرفية تكون مضافة إلى الجملة الشرطية المكونة من فعل الشرط ومرفوعه، ومنصوبة بما يكون في جملة الجواب من فعل أو شبهة3. د– وقد تكون "إذا" للمفاجأة4، والأحسن في هذه الحالة اعتبارها حرفًا5؛ فتدخل وجوبًا؛ إما على الجمل الاسمية، نحو: اشتدت الريح، فإذا البحر هائج، وإما على الجمل الفعلية المقرونة بقد؛ لأن "قد" تقرب زمن الفعل من الحال نحو: اشتدت الرياح، فإذا قد لجأت السفن إلى المواني يضطرب البحر، فإذا قد يتألم ركاب البواخر، كما يجب في كل حالاتها أن يسبقها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام قبلها تقع عليه المفاجأة، وأن تكون المفاجأة في الزمن الحالي1 حتمًا لا المستقبل، ولا الماضي وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد2، وأن تخلو من جواب بعدها، وقد تليها الباء الزائدة التي تدخل سماعًا في مواضع؛ ومنها بعض أنواع معينة من المبتدأ، كالمبتدأ الذي بعدها، نحو نظرت فإذا بالطيور مهاجرة3. 3– الآن وهو اسم للوقت الحاضر جميعه، وهو الوقت الذي يستغرقه نطق الإنسان بهذه الكلمة نحو: أنارت الشمس الآن، أو الحاضر بعضه فقط، مثل: الملآح يحرك سفينته الآن، فإن تحريكه السفينة لا يعم ولا يشمل كل وقته الحاضر عند النطق، وقد يقع على الماضي القريب من زمن النطق، أو على المستقبل القريب منه: تنزيلًا للقريب في الحالتين منزلة الحاضر. وهو ظرف، مبني على الفتح تلازمه "أل"، وظرفيته غالبة، لازمة أي: لا يخرج عنها إلا في القليل المسموع الذي لا يقاس عليه، ويرى بعض النحاة أنه معرب منصوب على الظرفية، وليس مبنيًا، وله أدلة تدعو إلى الاطمئنان والاستراحة لرأيه الأسهل4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4– أمس، اسم، معرفة، متصرف، وهو اسم زمان لليوم الذي قبل يومك مباشرة، أو ما في حكمه عند إرادة القرب ويستعمل مقرونًا بأل لزيادة التعريف، أو غير مقترن بها فلا يفقد التعريف. وللعرب فيه لهجات ولغات مختلفة، تعددت بسببها آراء النحاة في استنباط حكمه، وخير ما يستصفى منها أنه: إذا كان مقرونًا بأل فإعرابه وتصرفه هو الغالب، ولا يكون ظرفًا؛ نحو كان المس طيبا، إن الأمس طيب، أسفت على انقضاء الأمس. وإذا لم يكن مقترنًا بأل فالأحسن عند استعماله ظرفًا أن يكون مبنيًا على الكسر دائمًا في محل نصب، نحو: أتممت الكتابة أمس ... وإن لم يستعمل ظرفًا، فالأحسن بناؤه على الكسر أيضًا في جمع أحواله، نحو: انقضى أمس بخير، إن أمس كان حسنًا، لم أشعر بانقضاء أمس. ومما يتصل باستعمال "أمس" ما جاء في كتاب: "لسان العرب" وغيره، وهو أنك تقول: ما رأيت الصديق مذ أمس؛ إذا كان ابتداء عدم الرؤية هو
اليوم الذي قبل يومك الحالي مباشرة، فإن لم تره يومًا قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أمس1، فإن لم تره مذ يومين قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أول من أمس، ولا يقال إلا ليومين قبل أمس، أي: لا يصح ذكر "أمس" لما قبلهما2. 5- بعد، أول، قبل، أمام، قدام، وراء، خلف، أسفل، يمين، شمال، فوق، تحت، عل3، دون ... 4. من الظروف المبنية حينًا، والمعربة حينًا آخر: "بعد" وهو ظرف5 زمان أو مكان6، ملازم للإضافة في الحالتين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أ- غير أن المضاف إليه قد يذكر، نحو: صفا الجو بعد المطر، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون الظرف معربًا منصوبًا بغير تنوين؛ لأنه مضاف، ويجوز جرء بالحرف: "من". ب– وقد يحذف المضاف إليه وينوي وجود لفظه بنصه الحرفي؛ فيبقى المضاف على حاله معربًا منصوبا غير منون؛ كما كان قبل حذف المضاف إليه؛ نحو: لما انقطع المطر صفا الجو بعد، أي: بعد المطر، وحكم الظرف هنا كسابقه. جـ– وقد يحذف المضاف إليه، ويستغنى عنه نهائيًا كأن لم يكن؛ مثل: صفا الجو بعدًا ... والظرف في هذه الحالة معرب، منصوب، نون ... د– وقد يحذف المضاف إليه وينوى معناه، "أي: ينوى وجود كلمة أخرى تؤدي معنى المحذوف في غير أن تشاركه في نصه وحروفه"، وفي هذه الصورة يلتزم الظرف المضاف: البناء على الضم؛ مثل: لما انقطع المطر صفًا الجو بعد، أي: بعد انقطاعه، أو: بعد ذلك1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأحوال أربعة 2 تعرب في ثلاثة منها، وتبنى في حالة واحدة هي: التي يحذف فيها المضاف وينوى معناه. وتلك الأحوال الأربعة تنطبق على باقي الظروف التي وليت: "بعد". غير أن هناك بعض الأمور تتصل بلفظ: "أول" الذي ليس ظرفًا1، منها: اعتباره اسمًا مصروفًا معناه ابتداء الشيء المقابل لنهايته، ولا يستلزم أن يكون له ثان؛ فقد يكون له ثان، وربما لا يكون؛ تقول: هذا أول ما اكتسبته: فقد تكتسب بعده شيئًا، أولا تكتسب، وقيل: يستلزم كما أن الآخر يستلزم أولًا، والحق الرأي الأول، وللقرائن دخل كبير في توجيه المعنى إلى أحد الرأيين، ومنه قولهم: "ما له أول ولا آخر2. ومنها: أن يكون وصفًا مؤولًا، أي: افعل تفضيل بمعنى: "أسبق"، فيجري عليه حكمه؛ من منع الصرف وعدم التأنيث بالتاء، ووجوب إدخال "من" على المفصل عليه؛ ... نحو: هذا أول من هذين، ولقيته عام أول من عامنا3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن يكون اسمًا معناه: "السابق"؛ فيكون مصروفًا؛ نحو لقيه عامًا أولًا، أي: سابقًا. أما "أول" الظرف الزماني فمعناه: "قبل" نحو: رأيت الهلال أول الناس. هذا، وأصل أول في الأرجح، بنوعيه: الظرف، والاسم، هو "أو أل" بوزن: أفعل؛ قلبت الهمزة الثانية واوًا، ثم أدغمت الواو في الواو، بدليل جمعه على أوائل1. 6- بين2 بدل فأما: "بين" فأصله ظرف للمكان، وقد يكون للزمان أيضًا. والكلمة في الحالتين مضافة إلا عند التركيب كما سبق2 وتتخلل شيئين3، أو ما في تقدير شيئين4، أو أشياء5، وتصرفها متوسط، وكذلك وقوعها معربة، مثل قوله تعالى في الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَ} ، فقد وقعت اسمًا معربَا مضافًا إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة؛ كشأنها في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من رفع الظرف، وقوله: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تضاف إلا إلى متعدد؛ كقولهم: مقتل المرء بين فكيه، وقول الشاعر: شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي ... فارقتني فأقام بين ضلوعي فإن أضيفت لمفرد وكان ضميرًا لا يدل على تعدد، وجب تكرارها مع عطف المكررة بالواو، كالآية السابقة؛ وهي: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وإن كان اسمًا ظاهرًا فالكثير أنها لا تتكرر, إذ يكتفى بالعطف بالواو على الاسم الظاهر المضاف إليه، مع جواز التكرار، وإن كان الأول هو الأكثر1؛ مثل: تضيع الغاية بين التردد واليأس، وقولهم: شتان بين روية وتسرع. وقد يتصل بآخرها "الألف" الزائدة أو"ما"2 الزائدة، فتصير في الحالتين زمانية غير متصرفة، واجبة3 الصدارة والإضافة إلى جملة "اسمية، أو فعلية"، وبعدها كلام مرتب على هذه الجملة، يعتبر منزلة الجواب4
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليها، كأنه جواب لها، معلق عليها كتعليق الجواب على الشرط، وقد يقترن هذا الجواب بالفاء ... على الوجه الذي سبق في "و" ص 276، وكما يجيء في هامش ص 359"، وما سبق هو رأي الجمهور، وهناك آراء أخرى أيسرها أنها بعد اتصال "ما" الزائدة، أو: الألف الزائدة بها، تصير ظرف زمان غير مضاف؛ لأن الحرف الزائد قد كفها عن العمل، ويصير الظرف "بين" منصوبًا بالعامل الذي في الجملة التي تليه مباشرة، والجملة التي تليها بمنزلة الجواب، وهذا رأي حسن، وفيه تيسير. ومن المفيد الذي يوضح ما سبق أن نسجل هنا ما جاء في حاشية الأمير على المغني، وما جاء في الصبان عن هذه المسألة بالرغم مما في كلامهما من تحليل لا يعرفه العربي القديم: "أ" جاء في المغنى؛ ج في الكلام على "إذا" وأنواعها، ما نصه: "تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد "بينا"، أو"بينما" ... و ... "، وقد علق على هذا: الأمير في حاشيته، قائلًا ما نصه: أصل: "بين" مصدر "بان"، إذا تفرق، ثم استعملت الظروف؛ زمانية ومكانية، ولا تضاف إلا لمتعدد؛ فأصل قولك: جلست بين زيد وعمرو، وأتيت بين الظهر والعصر، جلست مكان تفرق زيد وعمرو، أي: المكان الواقع بينهما، وأتيت زمن تفرق الظهر والعصر، أي: الذي يفصل بينهنما، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم لما أرادوا أن يضيفوها إلى الجملة مع كونها لازمة للإضافة للمفرد أي: لغير الجملة وكانت الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، لعدم تأثيرها في لفظ المضاف إليه وصلوها بأحد الأمرين، "ما" التي شأنها الكف، فكأنها كفتها عن الإضافة، أو"الألف" مشبعة عن الفتحة؛ لأنها أيضًا تفيد قطع ما قبلها في الوقف، مبدلة عن تنوين إثر فتح، كالظنونا في قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ، ثم هي بعد ظرف زمان فقط؛ لأنه ليس لنا مكان يضاف للجملة غير "حيث"، وإن تأملت ما سبق أغناك عن إضمار "أزمان" بعدها إذا أضيفت للجملة كما قيل"". ا. هـ، وهذا الرأي أحسن من التالي. "ب" وقال الصبان في الجزء الثاني باب الإضافة عند الكلام على قول ابن مالك: وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ......................... ما نصه: "اعلم أن أصل: "بين" أن تكون مصدرًا بمعنى: الفراق، فمعنى جلست بينكما: جلست مكان فراقكما، ومعنى أقبلت بين خروجك ودخولك: أقبلت زمان فراق خروجك ودخولك، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فتبين أن: "بين" المضافة إلى المفرد أي: الذي ليس جملة تستعمل في الزمان والمكان. فلما قصدوا إضافتها إلى الجملة، اسمية أو فعلية والإضافة إلى الجملة كلا إضافة زادوا عليها تارة: "ما" الكافة: لأنها تكف المقتضى عن اقتضائه، وأشبعوا تارة أخرى الفتحة، فتولدت "ألف" لتكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه؛ لأنه حينئذ كالموقوف عليه؛ لأن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للظرف1 فمثال الفعلية: بينما أنصفتني بالود ظلمتني بالمن، وقول الشاعر: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف2 ومثال الاسمية: استقدر الله خيرا3، وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبطًا ... إذ صار في الرمس4 تعفوه الأعاصير وقد ورد في السماع الذي لا يقاس عليه إضافة "بينا" للمصدر دون: "بنيما" على الصحيح ... وقد تركب تركيب مزج "كخمسة عشر"، فتبنى مثلها على فتح الجزأين كقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحمي حقيقتنا وبعض ... القوم يسقط بين بين الأصل: بيننا وبين الأعداء، أي: بين المقاتلين، فأزيلت الإضافة من الظرفين، وركب الأسمان تركيب خمسة عشر. فإن أضيف صدر: "بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية في الصدر، وجاز زوالها. فمن الأول قولهم: المنافق بين بين، ينصب الأولى على الظرفية مباشرة، ومن الثانية قولهم: المنافق بين بين، أما إذا وقعت مضافًا إليه، فيتعين زوال الظرفية. وأما: "بدل" قد سبق الكلام عليه في ص 261. 7– حيث من الظروف المكانية الملازمة للبناء، برغم أنها مضافة1، والأكثر أن تبنى على الضم، وتضاف للجمل2 الاسمية والفعلية، وإضافتها للفعلية أكثر نحو: قعدت حيث الجو معتدل، وبقيت حيث طاب المقام؛ وقول الشاعر: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل ومن القليل إضافتها للمفرد، ومع قلته جائز، ولكن لا داعي لترك الكثير إلى القليل، ومثله دلالتها على الزمان3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 8– حول.... سبق عنه بيان مناسب 1. 9– ريث أصله: مصدر راث، يريث، إذا أبطأ، ويجوز أن يترك المصدرية ويستعمل في معنى ظرف الزمان، فيكون مبينًا على الفتح، ومضافًا إلى جملة فعلية؛ نحو: بقيت معك ريث حضر زميلك، أي: قدر بطء حضور زميلك. وقد تقع بعدها "ما" الزائدة أو المصدرية فاصلة بينها وبين الجملة الفعلية، نحو: فلان يمنح المحتاج ريث ما2 يسمع. 10- عند، ظرف يبين أن مظروفه إما حاضر حسًا، أو؛ معنى، وإما قريب حسًا، أو: معنى، فالأول، نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} 3، والثاني: نحو قوله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، والثالث: نحو قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} ، والرابع: نحو قوله تعالى: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ، وقوله: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} . وهي ظرف مكان معرب، لا يكاد يستعمل إلا منصوبًا على الظرفية المكانية، كالأمثلة السابقة، أو مجرورًا بالحرف: "من" دون غيره من حروف الجر مثل: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ، وقد وردت للزمان قليلًا في مثل: أزورك عند شروق الشمس وقولهم: الصبر عند الصدمة الأولى، ويجوز محاكاته عند قيام قرينة، بشرط إضافة "عند" للزمان4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتشترك: "عند"1 مع "لدى" – و"لدن"1 في أمور، أهمها: الدلالة على ابتداء غاية مكانية أو زمانية 2، وتخالفهما في أمور أخرى يجيء الكلام عليها مع الكلام عليهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 11، 12- عوض، قط، سبق الكلام عليهما في ص116 و261
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13– كلما ظرف مركب من كلمتين هما: "كل" و"ما"، وهو بهذا التركيب اللفظي يفيد تكرار المعنى؛ نحو: كلما رأى الناس المصلح أكبروه، ويقول النحاة: إن كلمة "كل" فيه منصوبة باتفاق، وأنها مضافة إلى كلمة "ما" المصدرية؛ أو التي تعتبر نكرة بمعنى: "شيء"، وهذا الشيء "وقت" فكلمة: "ما" هنا محتملة لوجهين. أحدهما: أن تكون حرفًا مصدريًا والجملة بعد هذا الحرف المصدري صلة له؛ لا محل لها من الإعراب، والأصل: كل رؤية الناس ... ، ثم عبرنا عن معنى المصدر بكلمتي: "ما والفعل" ثم أنيبا عن الزمان، أي: كل وقت رؤية ... كما أنيب عنه المصدر الصريح في مثل: جئتك خفوق النجم. والآخر: أن تكون "ما" اسمًا نكرة بمعنى: "وقت"، فلا تحتاج على هذا إلى تقدير: "وقت" والجملة بعده في محل جر صفة؛ فتحتاج إلى تقدير ضمير عائد منها، أي: كل وقت رأى الناس فيه ... وقد سبق أن هذا الظرف مركب من كلمتين، وأن كلمة: "كل" منصوبة حتمًا، وبقي أنه يحتاج إلى جملتين ماضيتين بعده، والثانية منهما بمنزلة الجواب له مع أنه ليس أداة شرط، والماضي فيها هو عامل نصبه ويجب تأخيرها. "راجع المغني والهمع". 14– لدن، يكون ظرفًا دالًا على مبدأ الغايات، "أي: أنه لابتداء غاية زمان أو مكان بالمعنى الذي سبق1 شرحه في "عند"، ويلازم البناء، وبناؤه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على السكون هو الأغلب، مثل: تذكر فضل والديك لدن أنت صغير. والكثير في استعماله أن يكون مسبوقًا "بمن الجارة"1 مثل: هذا فضل من لدن الله الكريم، ومثل: بقي هنا من لدن الظهر إلى الغروب، وأن يكون مضافًا لمفرد كهذين المثالين2، أو مضافًا للجملة؛ نحو: فلان مولع بالعلم لدن شب إلى أن شاب أو؛ مولع بالعلم لدن هو يافع، وقد يستغني عن الإضافة في حالة ستجيء ويكون بمعنى: "عند" كثيرًا، ولكن يخالفها في أمور؛ منها: أن "لدن" ظرف ملازم للإضافة للمفرد، أو للجملة، ويجوز استغناؤه عن الإضافة إذا وقعت بعده كلمة: "غدوة"؛ منصوبة3 مثل قضيت الوقت لدن غدوة حتى غروب الشمس، أما "عند" فيصح أن تترك الإضافة، وتصير اسمًا مجردًا؛ كأن يقول شخص: عندي مال؛ فيجاب: وهل لك عند؟ "فعند" هنا مبتدأ، أو يقال: الكتاب عندي، فيجاب: أين عندك؟: ومنها: أنه لا يكون إلا فضلة ولو ترك الظرفية؛ ففي مثل السفر من عند البيت لا يصح: السفر من لدن البيت، فكلمة: "عند" مجرورة، والجار والمجرور خبر، والخبر عمدة، وقد اشتركت "عند" في تكوينه؛ فهي عمدة بسبب اشتراكها، ولذا لا يصح: "السفر من لدن البيت" لكيلا تشترك: "لدن" في تكوين العمدة، وهي لا تكون إلا فضلة خالصة دائمًا. 15– لدى، ظرف معرب ملازم للنصب على الظرفية، ومعناه: "عند" ويخالفها في أمور: منها: أن "لدى" لا تجر أصلًا، أما "عند" فتجر بالحرف "من".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن "عند" تكون ظرفًا للأعيان "أي: للأشياء المجسمة" وللمعاني، أما "لدى" فلا تكون إلا للأعيان في الصحيح؛ تقول: هذا الرأي عندي صائب، ولا تقول: لدي. ومنها: أنك تقول: عندي مال، وإن كان غائبًا، ولا تقول: لدي مال، إلا إذا كان حاضرًا. هذا، وبإضافة "لدى" للضمير تنقلب ألفها ياء، نحو: لديك، لديه ... 1 أما حين إضافتها للاسم الظاهر فلا تنقلب. 16– لما2 تكون ظرف زمان3، بمعنى: حين، فتفيد وجود شيء لوجود آخر. والثاني منهما مترتب على الأول؛ فهو بمنزلة الجواب المعلق وقوعه على وقوع شيء آخر، نحو: لما جرى الماء شرب الزرع، ولهذا لا بد لها من جملتين، بعدها، تضاف وجوبًا إلى الأولى منهما؛ لأنها من الأسماء الواجبة الإضافة لجملة وتكون ثانيتهما متوقفة التحقق على الأولى، وعامل النصب في: "لما" هو الفعل أو ما يشبهه في الجملة الثانية. والأغلب الأكثر شيوعًا في الجملتين ولا سيما 4 الثانية أن تكون معًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماضيتين لفظًا ومعنى؛ نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} ، أو معنى فقط1 كقول المعري يصف خيلًا سريعة: ولما لم يسابقهن شيء ... من الحيوان سابقن الظلالا وقول المتنبي: عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ... فلما دهتني لم تزدني بها علما وقد ورد في القرآن الكريم وقوع الجملة الثانية مضارعية في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} كما ورد فيه وقوعها جملة اسمية مقترنة بالفاء، أو إذا، حيث يقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، ويقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 1، وقد تأول النحاة هذه الآيات؛ بتقدير حذف الجواب أو بغير هذا، ولا داعي للتأول في القرآن بغير حاجة شديدة، وإذا كنا نقبل التأول في القرآن فلم لا نقبله في كلام من يحاكي القرآن؟ نعم نقبل محاكاته، وندع التأول لمن يتخذه شرطًا للقبول؛ فالنتيجة الأخيرة واحدة، هي صحة الاستعمال، وصحة تأليف الأسلوب على نسق القرآن، وقد جاء في كتاب: "مجمع البيان لعلوم القرآن" للطبرسي ج 3 ص 155 في إعرابه قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّه} ما نصه: إذا، بمنزلة "الفاء" في تعليقه الجملة بالشرط. ا. هـ، يريد: ربط جملة جواب "لما" بشرطها، وهذا يؤيد ما قلناه. وقد رأيت الجواب ماضيًا مقترنًا بالفاء أو أنه محذوف إن أخذنا بالرأي السالف في خطبة عائشة تدافع على أبيها، وتذكر مناقبه بعد موته وهي الخطبة الرائعة التي نقلها، وشرحها العلامة اللغوي محمد بن القاسم الأنباري " المتوفى سنة 327 هـ"، وقد جاء فيها قولها: " ... أبى، والله لا تعطوه2 الأيدي، وذاك طود منيف3، وظل مديد ... فتى قريش ناشئًا، وكهفها كهلًا ... فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم اضطرب حبل الدين، ومرج4 عهده، وماج أهله ... وأنى والصديق بين أظهرهم؛ فقام حاسرًا مشمرًا ... فلما انتاش5 الدين، فنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرر الرءوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، فلما حضرته منيته ففسد ثلمته بنظيره في المعدلة، وشقيقه في السيرة والمرحمة؛ ذاك ابن الخطاب ... " ففي المنقول هنا من الخطبة ووقع جواب "لما" ماضيًا مقرونًا بالفاء في موضعين هما: "فنعشه" و"فسد" ... إلا على الرأي القائل إنه محذوف. والخطبة كاملة مشروحة في الجزء الثالث من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عدد تموز "يوليو" سنة 1962 م المحرم سنة 1382 هـ ص 414. هذا "ولا مانع أن يتقدم جواب لما" عليها ما ورد في بعض المراجع اللغوية6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 17– مذ ومنذ 1 قد يكونان ظرفين للزمان2 متصرفين، مبنيين، وقد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكونان اسمين مجردين من الظرفية، وقد يكونان حرفي جر. فيصلحان للظرفية إذا وقع بعدهما جملة اسمية، أو فعلية ماضوية؛ فيعربان ظرفين مبنيين في محل نصب، مع إضافة كل منهما إلى الجملة التي بعده، وعامل النصب فيهما لا بد أن يكون فعلًا ماضيًا؛ وكذلك الفعل في الجملة الفعلية التي يضافان إليهما لا بد أن يكون ماضيًا، نحو: جئت مذ أو منذ الوالد حاضر مذ أو منذ حضر الوالد. ويتجردان للاسمية الخالصة1 إذا لم تقع بعدهما جملة، ووقع بعدهما اسم مرفوع2 نحو: غادرت البلد مذ، أو: منذ يومان، "فمنذ" أو"منذ" مبتدأ و"يومان" خبره. أو العكس3، ولا بد من تقدمها في الحالتين "أي: عند إعرابها مبتدأ وخبرًا". والمعنى: غادرت البلد، أمد المغادرة يومان. ويكونان حرفي جر إذا وقع الاسم بعدهما مجرورًا. 18– مع، ظرف لا يتصرف، وهو معرب منصوب على الظرفية في الرأي الشائع ويدل على زمان اجتماع اثنين غالبًا أو مكانهما4، وإضافته هي الكثيرة، فإن انقطع عن الإضافة نون، وصار حالًا، وقد يصير خبرًا طبقًا لما سيجيء5 من كلام وتفصيل هام عليه، وعلى ظروف تقدمت في المكان المناسب من باب: "الإضافة". بناء أسماء الزمان المبهمة، وشبيهتها الأسماء الأخرى المبهمة التي ليست بزمان. تبنى على الفتح أسماء الزمان المبهمة كلها6، ظروفًا وغير ظروف، جوازًا لا وجوبًا في حالتين:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: إذا أضيفت إلى الجمل جوازًا ولا وجوبًا1، والمراد بالمبهمة هنا: النكرة التي تدل على الزمان دلالة غير محدودة بمبدأ ولا نهاية، مثل: حين، زمان وقت، أو تدل على وجه من الزمان دون وجه؛ مثل: نهار، صباح، عشية، غداة، بخلاف أسماء الزمان المختصة بتعريف أو غيره، مما سبق بيانه في رقم 2 من هامش ص252، فإن المختصة لا تضاف إلى الجمل، ومثلها: الزمان المحدود، كأمس، وغد، والمعدودة كيومين، ليلتين، أسبوع، شهر، سنة؛ فكل هذه الأزمنة2 لا يضاف منها شيء للجمل. فإذا أضيفت تلك الأسماء الزمانية المبهمة إلى الجمل فإنها تبنى جوازًا كما أسلفنا ويكون بناؤها على الفتح3، ويجوز فيها الإعراب؛ ولكن البناء على الفتح أفضل إذا أضيفت لجملة فعلية، فلها مبني ولو كان مضارعًا مبنيا مثل: عاد المسرف فقيرًا كيوم جاء إلى الدنيا، ومثل: أشرف أيام الأمهات حين يحرص، على تربية أولادهن4 ... والإعراب أفضل إذا أضيفت لجملة مضارعية مضارعها معرب، أو لجملة اسمية 5؛ مثل قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 6 ... ومثل: أن تسمع من يقول: "الشجاعة مطلوبة"، فنقول: هذا يوم الشجاعة مطلوبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: إذا أضيفت لمبني مفرد "أي: غير جملة"، نحو: يومئذ، حينئذ ... وألحق النحاة بأسماء الزمان المبهمة، ما ليس زمانًا من كل اسم معرب ناقص الدلالة بسبب توغله1 في الإبهام؛ مثل: غير – دون – بين – مثل ... ونحوها ما يسمونه: "التوغل في الإبهام2، ومن الأمثلة: "ما قام أحد غيرك" والآيات الكريمة: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} ، في قراءة من قرأ: مثل بفتح اللام {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالبناء على الفتح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جوازًا في هذه الأمثلة، وأشباهها، فالإضافة تجوز البناء على الفتح وحده في الأنواع الثلاثة السالفة. وذهب ابن مالك إلى أنه لا يبني مضاف بسبب إضافته إلى مبني أصلًا، لا ظرفًا ولا غيره؛ وأن الفتحة في الأمثلة السابقة حركة إعراب لا بناء؛ إما على الحالية، أو على المصدرية، أو ... أو1.... وهذا الرأي قد يكون أنسب للأخذ به اليوم والاقتصار عليه، بالرغم من صحة الأول وقوته، شيوعه قديمًا، منعًا للاضطراب، وتحديدًا للغرض.
المسألة 80: المفعول معه
المسألة 80: المفعول معه 1 أ- إذا سأل مسترشد: أين دار الآثار القديمة؟ فقد يكون الجواب: تسير مع طريقك هذا؛ فينتهى بك إليها. ليس المراد أنه يسير، والطريق يسير معه حقيقة، وإلا كان المعنى فاسدًا؛ لأن الطريق لا يمشي، وإنما المراد أن يباشر السير في هذا الطريق، ويقرن المشي به حتى يصل. ولو كان الجواب: تسير وطريقك هذا ... لكان التعبير سليمًا، والمراد واحدًا في الجوابين. فإن كان السؤال: أين محطة2 القطر؟ فالجواب قد يكون: تمشي مع الأبنية التي أمامك؛ فتنتهى بك إلى ميدان فسيح، فيه المحطة2، ليس المراد أن يمشي، وتمشي معه الأبنية فعلًا: وإلا فسد المعنى؛ إذ الأبنية لا تمشي، وإنما المراد أن يلتزم المشي الذي يقارنها، ويلابسها حتى يصل إلى غايته. ولو كان الجواب تمشي والأبينة التي أمامك ... لصح الأسلوب، وما تغير المراد. ب– وإذا قلنا: أكل الوالد مع الأبناء ... فإن الجملة تفيد أن الأبناء شاركوا والدهم فعلًا في الأكل حين يأكل؛ بسبب وجود كلمة تفيد المشاركة الحقيقية في معنى الفعل، وهي كلمة: "مع" ولا يفسد المعنى بهذا الاشتراك الحقيقي. وكذلك لو قلنا: أكل الوالد والأبناء؛ فإن المعنى يبقى على حاله، ولا فساد في التركيب. ومثل هذا: جلس الأب مع الأسرة؛ فإن هذه الجملة تفيد اشتراك الأسرة في الجلوس اشتراكًا واقعًا في زمن واحد؛ بسبب وجود كلمة تفيد هذا؛ وهي: "مع"، ولا شيء يحول دون هذا المعنى، أو يؤدي إلى فساد الصياغة لو قلنا: جلس الأب والأسرة.
نعود إلى الجمل التي فيها: "الواو" بدلًا من كلمة: "مع" وهي: تسير وطريقك، تمشي والأبنية، أكل الوالد والأبناء، جلس الأب والأسرة ... فنلحظ أن كل كلمة وقعت بعد الواو مباشرة هي: اسم، مسبوق بواو بمعنى: "مع"، وهذه الواو تدل على أن ما بعدها قد لازم اسمًا قبلها، وصاحبه زمن وقوع الحدث1، وقد يشاركه، في الحدث كالمثالين الأخيرين في "ب" أولًا يشاركه؛ كالمثالين الأولين، وهذا الاسم الذي بعدها هو ما يسمى: "المفعول معه"، ويقولون في تعريفه: إنه: اسم مفرد2، فضلة، قبله واو بمعنى: "مع"، مسبوقة بجملة فيها فعل أو ما يشبهه في العمل وتلك الواو تدل نصًا3 على اقتران الاسم الذي بعدها باسم آخر قبلها 4 في زمن حصول الحدث، مع مشاركة الثاني للأول في الحدث، أو عدم مشاركته5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من التعريف السابق نعلم أن كل جملة مما يأتي لا تشتمل على المفعول معه: أقبل القطار والناس منتظرون؛ لأن الذي وقع بعد الواو1 جملة، وليس اسمًا مفردًا. اشترك محمود وحامد؛ لأن الذي بعد الواو عمدة، لا فضلة، إذ الفعل: "اشترك" يقتضي أن يكون فاعله متعددًا، أي: مثنى أو جمعًا؛ لأنه فعل لا يقع إلا من اثنين أو أكثر؛ فلا بد من التعدد، ولو بطريق العطف كالمثال المذكور؛ "فحامد" معطوف على الفاعل: "محمود" فهو في حكم الفاعل، وعمدة مثله. خلطت القمح والشعير؛ لأن الواو لم تفد: "معية" وإنما فهمت المعية من الفعل: "خلط". نظرت عليًا وحليمًا قبله، أو بعده شاهدت الليل والنهار؛ لأن الواو فيهما ليست للمعية وإلا فسد المعنى. شاهدت الرجل مع زميله اشتريت الحقيقة بكتبها؛ فالمعية هنا مفهومة واضحة، ولكن لا توجد الواو. كل زارع وحقله، بشرط أن يكون خبر المبتدأ: "كل" محذوفًا في آخر الجملة؛ والتقدير: كل زارع وحقله مقترنان؛ فلا تكون الواو للمعية؛ لعدم وقوعها بعد جملة، أما إذا كان الخبر مقدرًا قبل الواو "أي: كل زارع موجود وحقله" فالواو للمعية. لا تتناول الطعام وتقرأ؛ لأن الذي وقع بعد الواو فعل2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا المال لك وأباك ما الرجل فرح والشريك، لعدم وجود ناصب يعمل النصب فيهما1؛ فلا يصح النصب؛ إذ لا مفعول معه.
أحكامه: له عدة أحكام، منها: 1 النصب، والناصب له: إما الفعل الذي قبله كالأمثلة السالفة أول الباب، وإما ما يشبه الفعل في العمل1؛ كاسم الفاعل، في نحو: الرجل سائر والحدائق وكاسم المفعول؛ في نحو: السيارة متروكة والسائق، وكالمصدر، في نحو: يعجبني سيرك والطوار2، واسم الفعل في مثل: رويدك والغاضب3 بمعنى: أمهل نفسك مع الغاضب. وقد وردت أمثلة مسموعة لا يصح القياس عليها لقلتها وقع فيها المفعول معه منصوبًا بعد: "ما"، أو"كيف" الاستفهاميتين، ولم يسبقه فعل أو ما يشبهه في العمل، مثل: ما أنت والبحر؟ كيف أنت والبرد؟ فالبحر والبرد وأشباههما مفعولان معه، منصوبان بأداة الاستفهام. وقد تأول النحاة هذه الأمثلة، وقدروا لها أفعالًا مشتقة من الكون وغيره4، مثل: ما تكون والبحر؟ كيف تكون والبرد؟ فالكلمتان مفعولان معه؛ منصوبان بالفعل المقدر5 عندهم.
2– لا يجوز أن يتقدم على عامله مطلقًا، ولا أن يتوسط بينه وبين الاسم
المشارك له والمقارن ... ففي مثل: مشي الرجل والحديقة؛ لا يصح أن يقال: والحديقة مشي الرجل، ولا: مشي والحديقة الرجل. 3– لا يجوز أن يفصل بينه وبين واو المعية فاصل، ولو كان الفاصل شبه جملة1. 4- لا يجوز حذف هذه الواو مطلقًا1. 5– إذا جاء بعده تابع أو ضمير أو ما يحتاج إلى المطابقة وجب أن يراعى عند المطابقة الاسم الذي قبل الواو وحده؛ نحو: كنت أنا وزميلًا كالأخ، أحبه وأعطف عليه، ولا يصح كالأخوين ... حالات الاسم الذي بعد الواو: له حالات أربع: أولها: جواز عطفة على الاسم السابق، أو نصبه مفعولًا معه2، والعطف أحسن، مثل: بالغ الرجل والابن في الحفاوة بالضيف، فكلمة: "الابن"، يجوز رفعها بالعطف على الرجل، أو نصبها مفعولًا معه، ولكن العطف أحسن من النصب على المعية؛ لأنه أقوى في الدلالة المعنوية على المشاركة والاقتران3، ولا شيء يعيبه هنا، ومثله: أشفق الأب والجد على الوليد أضاء القمر والنجوم. ثانيها: جواز الأمرين، والنصب على المعية أحسن؛ للفرار من عيب لفظي أو معنوي، فمثال اللفظي: أسرعت والصديق؛ فكلمة: "الصديق" يجوز فيها الرفع عطفًا على الضمير المرفوع المتصل4، ويجوز فيها النصب على المعية، وهذا أحسن؛ لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل يشوبه بعض الضعف إذا كان
بغير فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ كهذا المثال1 والفرار من الضعف أفضل من الإقبال عليه بغير داع2. ومثال العيب المعنوي قولهم: "لو تركت الناقة وفصيلهما3 لرضعها"، فلو عطفنا كلمة: "فصيل" على كلمة: "الناقة" لكان المعنى: لو تركت الناقة وتركت4 فصيلها لرضعها، وهذا معنى غير دقيق، يحتاج تصحيحه إلى تأويل وتقدير لا داعي لهما. وعيبه آت من أن تركهما لا يستلزم تلاقيهما المؤدي إلى حصول الرضاعة، وقد نتركهما؛ لا نحول بينهما، ولكن الأم تنفر منه، ولا تمكنه من الرضاعة، أو ينفر منها ... ثالثها: وجوب العطف، وامتناع المعية5: وذلك حين يكون الفعل أو ما يشبهه مستلزمًا تعدد الأفراد التي تشترك في معناه اشتراكًا حقيقيًا، وكذلك حين يوجد ما يفسد المعنى مع المعية، فمثال الأول: تقاتل النمر والفيل، اختصم العادل والظالم، اتفق التاجر والصانع ... فكل فعل من هذه الأفعال: "تقاتل، اختصم، اتفق 6 وأشباهها7 ... لا يتحقق معناه إلا بالفاعل المتعدد فيشترك الأفراد في معنى العامل؛ فلا بد من وجود اثنين أو أكثر يشتركان حقيقة
في التقاتل، والاختصام، والاتفاق ... وهذا يتحقق بالعطف دائمًا؛ لأنه يقتضي الاشتراك المعنوي الحقيقي1، بخلاف المعية؛ فإنها تقتضي الاشتراك الزمني؛ أما المعنوي فقد تقتضيه حينًا، ولا تقتضيه أحيانًا؛ كما عرفنا2. ومثال الثاني: أشرق القمر وسهيل قبله أو بعده.... فتفسد المعية بسبب وجود: "قبل"، أو"بعد". رابعها: امتناع العطف ووجوب النصب في الأصح إما على المعية، إن استقام المعنى عليها، وإما على غيرها إن لم يستقم؛ "كنصب الكلمة مفعولًا به لفعل محذوف"؛ وذلك منعًا لفساد لفظي أو معنوي، فمثال وجوب النصب على المعية لمانع لفظي يمنع العطف: نظرت لك وطائرًا؛ لأن الأصل الغالب في العطف على الضمير المجرور أن يعاد حرف الجر مع المعطوف؛ كما في قول الشاعر: فما لي وللأيام لا در درها ... تشرق بي طورًا، وطورًا تغرب فقد أعاد اللام مع المعطوف3 ومثال النصب لمانع معنوي يمنع العطف: مشى المسافر، والصحراء، بنصب كلمة: "الصحراء" على المعية؛ إذ لو رفعت بالعطف على كلمة: "المسافر" لكان المعنى: مشت الصحراء، وهذا فاسد4. ومثال النصب على غير المعية بتقدير فعل محذوف ينصب الكلمة مفعولًا به: دعينا لحفل ساهر فأكلنا لحمًا، وفاكهة، وخضرًا، وماء عذبًا، وغناء ساحرًا فيجب نصب كلمة: "ماء" وكلمة: "غناء" بفعل محذوف يناسب كلا منهما. والتقدير: وشربنا ماء عذبًا، وسمعنا غناء ساحرًا ... ولا يصح النصب على المعية، ولا على العطف5 وإلا فسد المعنى، ومثله قول الشاعر:
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه كان له وفر1 يريد: ويفقأ عينيه؛ لأن الجدع في اللغة خاص بالأنف، فلا يكون للعينين2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في كل حالة يجوز فيها الأمران؛ "العطف والمعية"، لا بد أن يختلف المعنى فيكل أمر منهما؛ ذلك أن العطف يقتضي المشاركة الحتمية بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، من غير أن يقتضي المشاركة الزمنية الحتمية؛ فقد يقتضيها أو لا يقتضيها، في مثل: "آنسني محمود وصالح في السفر" لا بد أن يشترك الاثنان في معنى الفعل، وهو مؤانسة المتكلم، وأن تتناولهما المؤانسة؛ لأن العطف على نية تكرار العامل؛ فكأنك قلت: آنسني محمود، وآنسني صالح. لكن ليس من اللازم أن تكون هذه المؤانسة قد شملتهما، وشملت معهما المتكلم في زمن واحد؛ فقد تكون في وقت واحد أو لا تكون1، والأمر في هذه المشاركة الزمنية وعدمها، متروك للقرائن والدلائل. أما المفعول معه فلا بد فيه من المشاركة الزمنية الحتمية، أما المشاركة في معنى الفعل فقد يقتضيها أو لا يقتضيها2؛ ففي مثل: سافر الرحالة والصحراء، تتعين المشاركة الزمنية وحدها دون المعنوية؛ فإنها تفسد المعنى؛ لأن الصحراء لا تسافر ... كما سبق 3 وفي مثل: سار القائد والجنود، تصح المشاركة المعنوية مع المشاركة الزمنية المحتومة، فجواز الأمرين في كل حالة يجوز فيها أمران ليس معناه أن المراد منهما واحد، وإنما معناه أن هذا الضبط صحيح إن أردت المعنى المعين المختص به، وأن ذاك الضبط صحيح أيضا إن أردت المعنى المختص به كذلك: وإن شئت فقل: إن كل ضبط صحيح منهما لا بد أن يؤدي إلى معنى يخالف ما يؤديه الضبط الآخر. ب– قد يقتضي المقام ذكر أنواع مختلفة من المفاعيل، وفي هذه الحالة يحسن ترتيبها بتقديم المفعول المطلق، فالمفعول به الذي تعدى إليه العامل مباشرة. فالمفعول به الذي تعدى إليه العامل بمعونة حرف جر، فالظرف الزماني، فالمكاني، فالمفعول له، فالمفعول معه، وهذا الترتيب هو ما ارتضاء كثير من النحاة، والحق أن الذي يجب مراعاته عند الترتيب هو تقديم ما له الأهمية.
المسألة 81: الاستثناء
المسألة 81: الاستثناء مدخل ... المسألة 81: الاستثناء 1 تمهيد: يتردد في هذا الباب كثير من المصطلحات الخاصة به، والتي لا بد من معرفة مدلولاتها قبل الدخول في مسائله وأحكامه؛ ليمكن فهم المراد، ومن تلك المصطلحات: المستثنى منه، المستثنى، أداة الاستثناء، التام، الموجب، المفرغ، المتصل، المنقطع، ... وفيما يلي بيانها. أ- "المستثنى منه - المستثنى - أداة الاستثناء". هذه الثلاثة تنكشف مدلولاتها على أكمل وجه إذا عرفنا أن أسلوب الاستثناء في أكثر حالاته، هو أسلوب أهل الحساب في عملية: "الطرح"، فالذي يقول: أنفقت من المال مائة إلا عشرة، إنما يعبر عما يقول أهل الحساب: "أنفقت" 100-10"، والذي يقول: اشتريت تسعة كتب إلا اثنين؛ إنما يعبر عن قولهم: اشتريت "9-2" ... وهكذا ... والتعبير الحسابي السالف وأمثاله يشتمل على ثلاثة أركان مهمة؛ هي: "المطروح منه"؛ "مثل 100 ومثل 9 ... وأشباههما ... " "المطروح"؛ "مثل 10 ومثل 2 ... " و "علامة الطرح"، ويرمزون لها بشرطة أفقية قصيرة: "_". ولهذه المصطلحات الحسابية الثلاثة ما يقابلها تمامًا في الأسلوب الاستثنائي؛ ولكن بأسماء أخرى اصطلاحية، فالمطروح منه يقابله: "المستثنى منه"، والمطروح يقابله: "المستثنى"، وعلامة الطرح يقابلها أداة الاستثناء وهي: "إلا"، أو إحدى أخواتها، أي ثلاثة إزاء ثلاثة. ولما كانت عملية الطرح بمصلطحاتها شائعة واضحة، بل أولية كان ربط
أسلوب الاستثناء بها عند شرحه وتبيينه كفيلًا بإيضاح مصطلحاته الثلاثة السالفة، ومعرفة مدلولاتها في سهولة، واستقرار1، معرفة توصلنا إلى المعنى المقصود من الجملة كلها. وفي ضوء هذا نستطيع أن نفهم قول النحاة في تعريف الاستثناء الاصطلاحي: "إنه الإخراج "بإلا" أو إحدى أخواتها لما كان داخلًا في الحكم السابق عليها"2، فليس هذا الإخراج إلا "الطرح"؛ بإسقاط ما بعدها من المعنى الذي قبلها، ومخالفته للمتقدم عليها فيما تقرر من أمر مثبت أو منفي ... ب– الاستثناء التام: ما كان فيه المستثنى منه مذكورًا؛ كالأمثلة السالفة، ومثل: ركب الطائرة عشرين ساعة إلا خمسة، وكان معي زملائي إلا ثلاثة، فكلمة "عشرين" هي المستثنى منه، وكذا كلمة: "زملاء" وبسبب وجود كل منهما في الكلام سمي الاستثناء: "تامًا". ج- الاستثناء الموجب، وغير الموجب: فالأول: ما كانت جملته خالية من النفي3؛ وشبهه "وشبه النفي هنا: النهي؛ والاستفهام الذي يتضمن معنى النفي4" كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر:
قد يهون العمر إلا ساعة ... وتهون الأرض إلا موضعًا والثاني: ما كانت جملته مشتملة على نفي أو شبهة؛ نحو: ما تأخر المدعوون للحقل إلا واحدًا هل تأخر المدعون إلا واحدًا1؟. ومن النفي ما هو معنوي "يفهم من المعنى اللغوي للكلمة، دون وجود لفظ من ألفاظ النفي"، مثل: "يأبى الله إلا أن يتم نوره"، فمعنى "يأبى": لا يريد، ومثل: "قل رجل يقول ذلك"، معنى: "قل" في هذا الأسلوب المسموع، هو: النفي: أي: لا رجل يقول ذلك. أما "لو" في مثل: لو حضر الضيوف إلا واحدًا، لأكرمتهم فإنه نفي ضمني غير مقصود، فلا ينظر إليه من هذه الناحية، فكأنه غير موجود. د – الاستثناء المفرغ2، هو: ما حذف من جملته المستثنى منه، والكلام غير موجب، فلا بد من الأمرين معًا3 نحو: ما تكلم ... إلا واحد ما شاهدت ... إلا واحدًا، ما ذهبت ... إلا لواحد، والأصل مثلًا قبل الحذف: ما تكلم الناس إلا واحدًا ما شاهدت الناس إلا واحدًا، ما ذهبت للناس إلا واحدًا4، ثم حذف المستثنى منه؛ فوقع لتغيير بسبب حذفه كالذي في قول الشاعر: لا يكتم السر إلا كل ذي شرف ... والسر عند كرام الناس مكتوم والأصل: لا يكتم الناس السر إلا كل ذي شرف ... و ...
فالاستثناء المفرغ يقتضي أمرين مجتمعين حتمًا: أن يكون الكلام غير تام وغير موجب، وهذا أمر يجب التنبه له، وإلى أن أداة الاستثناء الفعلية لا يصح استخدامها فيه؛ لأنها لا تستخدم إلا في الاستثناء التام المتصل1. هـ الاستثناء المتصل والمنقطع: فالأول: ما كان فيه المستثنى بعضًا 2 من المستثنى منه؛ نحو: سقيت الأشجار إلا شجرة فحص الطبيب الجسم إلا اليد. والثاني: ما لم يكن فيه المستثنى بعضًا من المستثنى منه؛ نحو: حضر الضيوف إلا سياراتهم، اكتمل الطلاب إلا الكتب، ومثل قوله تعالى عن أهل الجنة: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلامًا} فاللغو هو: رديء الكلام وقبيحه، والسلام ليس بعضًا منه، وكذلك قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً} . وليس معنى انقطاعه أنه لا صلة له بالمستثنى منه، ولا علاقة تربطهما ارتباطًا معنويًا؛ فهذا خطأ بالغ لا يكون في أسالب الاستثناء مطلقًا؛ وإنما معناه انقطاع صلة "البعضية" بينهما؛ الصلة على الوجه السالف لا بد أن يكون هناك نوع اتصال معنوي يربط بينهما، ولهذا تؤدي أداة الاستثناء فيه معنى الحرف: "لكن"، "ساكن النون أو مشددها" الذي يفيد الابتداء والاستدراك معًا3؛ وبالرغم من إفادته الابتداء والاستدراك معًا لا يقطع الصلة
المعنوية بين ما بعده وما قبله، ومن ثم كان من المحتوم في كل "استثناء منقطع" صحة وقوع الحرف: "لكن" الساكن النون، أو مشددها موقع أداة الاستثناء فيه مع استقامة المعنى1. ولا يجوز في الاستثناء المنقطع أن تكون أداته فعلًا؛ لأن هذه الأداة الفعلية لا تستخدم إلا في التام المتصل، كما تقدم في "الصفحة السالفة". والآن نبدأ الكلام في أحوال الاستثناء، وأحكامه، وهي متعددة2 بتعدد أنواعه، وأدواته الثمانية التي منها الحرف المحض، والاسم المحض، والفعل المحض، وما يصلح فعلًا وحرفًا. الكلام على أحكام المستثنى الذي أداته حرف خالص، وهي: "إلا"3: أ- إذا كانت أداة الاستثناء هي "إلا"، ولم تكرر4 فللمستثنى بها ثلاثة أحكام: الأول: وجوب النصب في الأغلب5، بشرط أن يكون الكلام تامًا موجبًا6؛ سواء أكان "المستثنى" متأخرًا بعد "المستثنى منه"، أم متقدمًا7 عليه، وسواء أكان "متصلًا"، أم "منقطعًا"، فمتى تحقق الشرط كان النصب واجبًا في الأغلب5 وعامًا يشمل كل الأحوال، وعند الإعراب يقال: "إلا" حرف
استثناء، والمستثنى: منصوب على الاستثناء كالأمثلة الآتية، ولا بد أن تتقدم "إلا" على المستثنى في كل الحالات1، سواء أكان متقدمًا على المستثنى منه أم متأخرًا عنه: ... "امتلأت الجداول إلا جدولا كبيرا" ... ، "امتلأت - إلا جدولا كبيرًا - الجداول" ... "كتبت الرسائل إلا رسالة واحدة" ... ، "كتبت - إلا رسالة واحدة - الرسائل" ... "تمتعت بالصحف إلا صحيفة تافهة" ... ، "تمتعت - إلا صحيفة تافهة - بالصحف" ... "أعدت ملابس الرحلة إلا الحقائب" ... ، "أعدت - إلا الحقائق - ملابس الرحلة" ... "تناولت الطعام إلا الماء" ... ، " تناولت - إلا الماء - الطعام" ... "أضأت المصابيح إلا غرفة" ... ، "أضأت - إلا غرفة - المصابيح" الثاني: إما نصب "المستثنى" "والإعراب كالحالة السابقة"، وإما ضبطه على حسب حركة "المستثنى منه"، "فيكون مثله؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا"، ويعرف: "بدلًا"2، ولا بد من الحالتين أن يكون الكلام تامًا غير موجب3. ولا فرق بين المتصل والمنقطع 4، ومن الأمثلة: ما تخلف السابقون إلا واحدًا ... - أو: واحد. ما جهلت السباقين إلا واحدًا ... - أو: واحدًا5. هل تأخرت عن السياقين إلا واحدًا ... - أو: واحد.
ويجوز أن يتقدم "المستثنى"1 وهو منصوب، على المستثنى منه مباشرة، ويبقى كل شيء كما كان، فلا يتغير الإعراب كالأمثلة الآتية: ما تخلف – إلا واحدًا – السابقون. ما جهلت إلا واحدًا – السابقين2. هل تأخرت إلا واحدًا – عن السباقين. أما لو تقدم وهو بدل في الأصل؛ فإن الأمر يتغير تغيرًا كليًا3، فيعرب "المستثنى" المتقدم على حسب حاجة الكلام قبله، ويزول عنه اسم المستثنى، كما يزول عن "المستثنى منه" المتأخر، اسمه ويعرف بدلًا من الاسم الذي تقدم، وتابعًا له في حركة إعرابه، تصير "إلا" ملغاة4، ومن الأمثلة: ما تخلف إلا واحد – السباقون. ما جهلت إلا واحدًا – السابقين5. هل تأخرت إلا عن واحد6 – السباقين. ففي مثل: ما تخلف – إلا واحد – السباقون ... تعرب كلمة "إلا" ملغاة. وتعرب كلمة: "واحد" فاعلًا للفعل: "تخلف" وتعرب كلمة: "السباقون" بدلًا منها7، بدل كل من كل، وهذا إعرابها في باقي الأمثلة المعروضة8.
الثالث: أن يعرف ما بعد "إلا" على حسب العوامل قبلها؛ بشرط أن يكون الكلام "مفرغًا"1، وهذه الصورة لا تعد من صور الاستثناء؛ لعدم وجود المستثنى منه2، لهذا تعرب "إلا" ملغاة، ويعرب ما بعدها فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولًا، أو خبرًا، أو غير ذلك على حسب السياق ... فكأن كلمة: "إلا" غير موجودة من هذه الناحية الإعرابية3 فقط، دون المعنوية ويسمون الكلام: "مفرغًا"؛ لأن ما قبل "إلا" تفرغ للعمل الإعرابي فيما بعدها، ولم يشتغل بالعمل في غيره، ومن الأمثلة: ما أخطأ إلا واحد متسرع ... - ما العدل إلا دعامة الحكم الصالح. ما سمعت إلا بلبلًا صداحًا ... - ليس العمل إلا سلاح الشريف. ما ذهبت إلا للنابغ4 ... - ما سعيت إلا في الخير. ونحو: يأبى الحر إلا العزة ... - يأبى الله إلا أن يتم نوره5.
وأصل الكلام مثلًا قبل حذف المستثنى منه: ... ما أخطأ المتكلمون إلا واحدًا متسرعًا ... - أو: واحد متسرع. ... ما العدل دعامة الحكم الصالح ... - أو: دعامة الحكم الصالح. ... ما سمعت طيورًا مغردة إلا بلبلًا صداحًا ... - أو: بلبلًا صداحًا. ... ليس العمل سلاحًا إلا سلاح الشريف ... - أو: سلاح الشريف. ... ما ذهبت لحد إلا النابغ ... - أو: النابغ. ... ما سعيت في أمر إلا الخير ... - أو: الخير. ... يأبى الحر كل شيء، إلا العزة ... - أو: العزة. ... يأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره ... - أو: إتمام ... فالكلام في أصله كلام تام غير موجب، يجوز فيه الأمران السالفان؛ إما النصب على الاستثناء، وإما الاتباع على البدلية، فلما حذف المستثنى منه صار الكلام نوعًا جديدًا؛ هو: المفرغ1، وصار له حكم جديد خاص، تبعًا لذلك ...
ويمكن تلخيص كل ما تقدم من أحكام المستثنى بـ"إلا" الواحدة1 فيما يأتي: أ- النصب صحيح في جميع أحوال المستثنى "بإلا" التي لم تتكرر، ما عدا حالة: "التفريغ"؛ فإن المستثنى يعرب فيها على حسب حاجة الجملة، وتعرف "إلا" ملغاة. ب– يزاد على النصب "البدلية" حين يكون الكلام "تامًا" غير موجب، بشرط ألا يتقدم المستثنى على المستثنى منه مباشرة؛ فإن تقدم وهو منصوب بقي على حاله منصوبًا على الاستثناء، وإن تقدم وهو "بدل" تغير الأمر؛ فزال اسم المستثنى عنه، وصار معربًا على حسب حاجة الجملة؛ لأن الكلام يصير: "مفرغًا" أما المستثنى منه الذي تأخر فيزول عنه اسمه أيضًا، ويعرب "بدل كل من كل" من المستثنى الذي تقدم وتغير حاله2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم عرض بعد ذلك لحالة المستثنى المتقدم حين يكون الكلام تامًا غير موجب، فبين أن غير النصب هو: "البدل" قد يجوز، ولكن النصب هو المختار، فالأمران جائزان قياسيان، ولكن أحدهما أكثر في الاستعمال في الآخر كثرة نسبية؛ يقول: وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي، ولكن نصبه اختر إن ورد ثم انتقل الكلام على الاستثناء المفرغ، فقال: وإن يفرغ سابق "إلا" لما ... بعد يكن كما لو ألا عدما أي: إذا كان الكلام قبل إلا مفرغًا "متجهًا للعمل فيما بعدها"، فإن تأثيره فيما بعدها يقوم على افتراض أنها غير موجودة، وعلى هذا الفرض نضبط ما بعدها؛ فقد يكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبر أو غيره ... على حسب حاجة ما قبلها. لكن ما إعراب عراب: " كما لو ألا...." في البيت الأخير؟ وكذا في البيت الآتي في ص 342 حيث يقول هناك: كما لو كان دون زائد"؟ قال الصبان في الموضعين، وكذا الخضري فيهما: "إن: "ما" مصدرية، و"لو" زائدة، أو العكس". ا. هـ. وهذا يؤيد المذهب الكوفي الذي لا يرى في الأسماء حرجًا، وجاء في الصبان ج 3، باب: "الترخيم" عند بيت ابن مالك: واجعله إن لم تنو محذوفًا كما ... لو كان بالآخر وضعًا تممًا.... ما نصه: "الظاهر: أن: "ما" في قوله: "كما" زائدة، و"لو" مصدرية، والتقدير: ككونه متممًا بالآخر في الوضع، إنما كان هذا هو الظاهر مع أن الحقيقي يجعله مزيدًا هو الثاني دون الأول، لوقوعه في مركزه، لكثرة زيادة "ما" بخلاف: "لو". ا. هـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يتردد في فصيح الأساليب الواردة أسلوب مطرد1، يحوي نوعًا آخر من التفريغ، يخالف ما سبق ... وضابط هذا النوع: أن يكون الكلام مشتملًا على جملة قسمية، ظاهرها مثبت، لكن معناها منفي، وجواب القسم جملة فعلية ماضوية لفظًا، مستقبلة معنى، مصدرة "بإلا" نحو: سألتك بالله إلا نصرت المظلوم، ناشدتك الله إلا تركت الإساءة، حلفت بربي إلا عاونت الضعيف، وقول الشاعر: بالله ربك إلا قلت صادقة ... هل في لقائك للمشغوف من طمع فالاستثناء في الأمثلة السابقة ونظائرها مفرغ يقتضي أن يكون الكلام في معناه غير تام، وغير موجب، فالمراد: "ما سأتلك بالله ... إلا نصرك المظلوم" "ما ناشدتك الله ... إلا تركك الإساءة ... " "ما حلفت بربي ... إلا على معاونتك الضعيف"، "ما حلفت بالله ربك ... إلا على قولك صادقة ... " فقد اجتمع في الكلام الأمران معًا تقديرًا؛ "وهما عدم التمام، وعدم الإيجاب" واجتمع معهما أمر ثالث؛ هو: أن الفعل مع فاعله بعد "إلا" مؤول بمصدر منسبك بغير سابك، ليمكن إعراب هذا المصدر على حسب ما تحتاج إليه الجملة قبل "إلا" أي: على حسب ما يقتضيه "التفريغ"؛ تطبيقًا لحكم "الاستثناء المفرغ"، فيكون مفعولًا به في المثال الأول، "وهو: سأتلك بالله إلا نصرت المظلوم"، أي: ما سألتك بالله إلا نصرك المظلوم، ويكون شيئًا آخر غير مفعول به إذا اقتضى الكلام غيره؛ لعدم صلاحية المفعول به، ويجري هذا التأويل والسبك في بقية الأمثلة، وأشباهها مما يطرد صوغه على النمط الوارد الموافق للمأثور2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبهذه المناسبة تذكر "لما" التي سبقت الإشارة إليها1، وهي التي تماثل "إلا" في الحرفية، وفي الدلالة على الاستثناء، ولكنها لا تدخل إلا على جملة اسمية؛ كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، في قراءة من شدد الميم، واعتبر "إن" التي في صدر الجملة، نافية أو على جملة فعلية ماضوية لفظًا لا معنى؛ "بأن يكون الفعل ماضيًا في لفظه، مستقبلًا في معناه"، نحو: أنشدك الله لما فعلت، أي: أنشدك بالله، وأستحلفك به إلا فعلت، والمعنى: ما أسألك إلا فعلك؛ على تقدير: إلا أن تفعل كذا ... ؛ ليكون الفعل الماضي مستقبل الزمن؛ تطبيقًا لما تقرر من أن الماضي الذي يليها يكون ماضيًا في لفظه، مستقبلًا في معناه2 وسيجيء3 تفصيل الكلام على جواب القسم، وأنواعه، وأحكامه. ب نعود لذكر ما قرره النحاة خاصًا بتقديم المستثنى بالإ، قالوا: لا يصح مطلقًا تقديمه وحده عليها4، ولا يجوز أن يتقدم على المستثنى منه، وعلى عامله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معًا؛ فلا يصح: إلا التفاح أكلت الفواكه، أما تقدمه على أحدهما وحده فجائز؛ وقد تقدمت1 الأمثلة لتقدمه على المستثنى منه دون العامل، وأما تقدمه على العامل وحده فنحو: الفواكه إلا التفاح أكلت، حيث تقدم المستثنى على عامله بعد أن سبقهما معًا المستثنى منه. وإذا كان المستثنى منه اسم موصول لم يجز تقديم المستثنى على الصلة؛ لأنه لا يصح الفصل بين الموصول وصلته بالمستثنى. وإذا كان للاسم الواقع بعد إلا مباشرة أو لغيره مما بعدها في جملتها معمول؛ فإنه لا يجوز تقديمه عليها؛ ففي مثل: ما أنا طالب علمًا لا يصح: ما أنا علمًا إلا طالب. وإذا كان قبلها عامل له معمول؛ فإنه لا يجوز تأخير هذا المعمول عنها؛ ففي مثل ما يجيد الناشئون الخطابة إلا الأديب أول مثل: ما يحرص على الأدب إلا الأديب ... لا يصح أن يقال: ما يجيد الناشئون إلا الأديب الخطابة ولا ما يحرص إلا الأديب على الأدب، وبعض النحاة يجيز تأخير هذا المعمول إذا كان شبه جملة، أو حالًا، ويؤيد رأيه بأمثلة كثيرة فصيحة تجعله مقبولًا؛ فيصح أن يقال: "يتكلم الخطباء، إلا المريض، واقفين ... " "يعترف الأجانب، إلا بعضهم، بعظمة العرب ... " "تتضافى النفوس، إلا الخبيثة، أمام الخطر". ويصح تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه؛ ففي مثل: ما كرمت الأمة المتحضرة إلا النابغين ... يصح أن يقال: ما كرمت الأمة إلا النابغين المتحضرة. جـ– تعددت الآراء في الناصب للمستثنى؛ "إلا" وقيل: العامل الذي قبلها بمساعدتها، وقيل: فعل محذوف تقديره: استثنى ... و ... ولا أثر لهذا الخلاف النظري في أحكام المستثنى، وضبطه: فالخير في إغفاله؛ اكتفاء بأن تقول في الإعراب: المستثنى منصوب على الاستثناء، ولعل أقوى الآراء أنه منصوب بالفعل قبلها، أو بغيره مما يعمل عمل الفعل2، إلا المستثنى المنقطع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعامله هو: "إلا" ونحن في غنى عن التعرض لأقواها وغيره إلا حين يعرض أمر يختص بالعامل وهذا قليل وعندئذ يرجع الفعل، أو ما يعمل عمله كالحالات السالفة التي يجوز فيها تقدم المستثنى على عامله أو عدم تقدمه. د– وردت أمثلة مسموعة وقع فيها المستثنى غير منصوب، مع أن الكلام تام موجب؛ ومنها قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُم} في قراءة كلمة: "قليل" بالرفع، ومنها: تغير المنزل إلا باب1 ومنها قوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة، إلا امرأة، أو مسافر، أو مريض"، وقوله أيضًا: "فتفرقوا كلهم إلا قتادة ... " ... و ... و ... وقد كلف النحاة أنفسهم عناء التأويل والتقدير؛ ليجلعوا الكلام تامًا غير موجب، فيصلوا من هذا إلى جواز البدل، وإلى أن الأمثلة مسايرة للقاعدة عندهم، فمما قالوه في الآية: إن نصها على لسان طالوت هو: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} ... {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} فمعنى: "شربوا منه": لم يكونوا مني ولا من أنصاري، فهي في تأويل كلام منفي في تقديرهم. وقالوا: في المثال الثاني وأشبابه: إن: "تغير" معناها لم يبق على حاله، فالكلام يتضمن نفيًا في المعنى ... كما عرضوا تأويلات أخرى لبقية الأمثلة الواردة. ولا شك أن كلامهم مردود، وتأويلهم بعيد، لسببين: أولهما: أن كل كلام مثبت لا بد له من نقيض غير مثبت، ويستحيل الحكم على شيء بالإثبات دون أن يتصور العقل له ضدًا منفيًا؛ فمعنى "سكت الفتى: لم يتكلم، ومعنى لم يتكلم: سكت، ومعنى: "نام الرجل" لم يتيقظ، ومعنى "تيقظ": ليس بنائم، ومعنى "تحرك الطفل": لم يسكن، ومعنى "سكن": لم يتحرك ... ومعنى "شرب": لم يفقد الماء ويظمأ، ومعنى "فقد الماء": ما شرب ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و ... و ... ، وهكذا، فلو أخذنا برأيهم، وفتحنا باب التأويل على هذا النمط لم يبق في الكلام العربي أسلوب مقصور على "التمام مع الإيجاب" دون أن يصلح للنوع الثاني "وهو: التام غير الموجب"، وهذا غير مقبول. وثانيهما: وهو الأهم أن الآية والمثال وغيرها مما وقع فيه المستثنى غير منصوب في الكلام التام الموجب إنما ورد صحيحًا مطابقًا للغة بعض القبائل العربية، التي تجهل السلقية الكلام "التام الموجب، والتام غير الموجب" متماثلين في الحكم1؛ ويجوز فيهما: إما النصب على الاستثناء، وإما البدل من المستثنى منه، وإما الرفع على الابتداء 2 ... و ... فلا معنى للتأويل بقصد إخضاع لغة قبيلة للغة نظيرتها3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان التأويل على هذا النمط معيبا، وواجبنا الفرار منه جهد استطاعتنا، فإن الأنسب لنا اليوم أن نتخير عند الضبط اللغة الضاربة في الفصاحة، الشائعة بين اللغات المتعددة؛ لنقتصر عليها في استعمالنا تاركين غيرها من اللغات واللهجات القليلة، توحيدًا للتفاهم، وفرارًا من البلبلة الناشئة من تعدد اللهجات واللغات بغير حاجة ماسة؛ فعلينا أن نعرف تلك اللغات في مناسباتها، ويستعين بها المتخصصون على فهم النصوص الواردة بها، دون محاكاتها في الضبط، أو القياس عليها كما أشرنا لهذا كثيرًا على الرغم من أنها صحيحة يجوز محاكاتها1. هـ- إذا كان الكلام تامًًا موجبًا 2، فلا يكون المستثنى منه في الفصيح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكرة، إلا إن أفادت 1 فلا يقال: جاء قوم إلا رجلًا، ولا قام رجال إلا محمدًا، لعدم الفائدة، بسبب أن النكرة محضة، فإن أفادت جاز؛ نحو قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} ، وقام رجال كانوا في بيتك إلا واحدًا منهم، أما الكلام التام غير الموجب فالفائدة تحقق فيه بالنفي وشبهه؛ لدلالة النكرة معه غالبًا على العموم نحو: ما جاءنا أحد إلا رجلًا، أو إلا عليًا ... كذلك لا يكون المستثنى منه معرفة، والمستثنى نكرة لم تخصص؛ فلا يقال: قام القوم إلا رجلًا: فإن تخصصت جاز؛ نحو: خرج القوم إلا رجلًا منهم، أو: إلا رجلًا حارسًا.... و– عرفنا 2 أن المستثنى المنقطع ليس بعضا من المستثنى منه، فليس فردًا من أفراد نوعه، وليس جزءًا من أجزاء الفرد؛ كما سبق 2 فكيف يكون مستثنى وبينه وبين المستثنى منه هذا التخالف والتباين؟ كيف يكون المطروح مباينًا جنس المطروح منه؟. قال النحاة: 1– إن كان المستثنى المنقطع جملة 3؛ مثل قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} ، {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ، {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ... } أعربت هذه الجملة 1، في موضع نصب على الاستثناء، و"إلا" أداة استثناء حرف؛ بمعنى: "لكن" الساكنة النون، التي تفيد الاستدراك والابتداء 2 معًا، وتقتضي أن تسبقها جملة، وتدخل على جملة جديدة اسمية أو فعلية3، فهي متوسطة بين جملتين؛ فكأن التقدير؛ لست عليهم بمسيطر، لكن من تولى وكفر فيعذبه الله ... 2– إن كان المستثنى المنقطع مفردًا منصوبًا فأداة الاستثناء: "إلا" تكون عند أكثر النحاة بمعنى: لكن "المشددة النون" التي تفيد الابتداء2، والاستدراك، وتعمل عمل: "إن"، نحو: نام أصحاب البيت إلا عصفورًا مغردًا، فكلمة؛ "إلا" بمعنى: "لكن" المذكورة، التي تقتضي بعدها جملة اسمية الأصل تنصب فيها المبتدأ وترفع الخبر؛ سواء أكان خبرها مذكورًا أم محذوفًا، ولا بد على هذا الرأي من جملة اسمية بعدها، ولا بد من ذكر جملة أخرى قبلها، فكأن التقدير: نام أصحاب البيت لكن عصفورًا مغردًا يقظ، أو: لم ينم ... ويرى سيبويه أن المستثنى المنقطع المنصوب بعد "إلا" إنما هو منصوب بعامل قبلها، شأنه في هذا شأن المستثنى المتصل، فما بعد "إلا" عند سيبويه مفرد سواء أكان متصلًا أم منقطعًا، وهي بمعنى: "لكن" العاطفة التي لا يقع المعطوف بها إلا مفردًا، غير أن "إلا" ليست حرف عطف. والأخذ برأي سيبويه هنا في اعتبار عامل المستثنى المنقطع، أسهل وأيسر. 3– وإن كان المستثنى المنقطع مفردًا مرفوعًا؛ كما في حالة البدلية ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند من يجيزها، والابتداء عند من لا يجيزها1 في نحو؛ ما سهر أصحاب البيت إلا عصفور مغرد كانت أداة الاستثناء "إلا" بمعنى: لكن "ساكنة النون"، فأصل التقدير، ما سهر أصحاب البيت لكن عصفور مغرد سهر. والسبب في تعدد هذه التقديرات كما يبدو هو إدخال كل ضبط من تلك الضبوط تحت قاعدة نحوية عامة، أما المعنى فلن يتغير في المستثنى، ولا المستثنى منه، ولا غيرهما، وسيظل المستثنى منصوبًا على الاستثناء إن كان جملة أو مفردًا منصوبًا، فإن كان مفردًا غير منصوب فهو بدل، ويجوز في الاسم المرفوع اعتباره مبتدأ خبره مذكور أو محذوف، كما تقدم والجملة منصوبة على الاستثناء. بالرغم من أن المنقطع ليس بعضًا من المستثنى منه، فإنه لا يجوز أن يكون منقطع المناسبة والعلاقة بينه، وبين المستثنى منه انقطاعًا كليًا في المعتاد كما سبق 2، فلا يصح: أقبل الضيوف إلا ثعبانا، كذلك لا يصح أن يسبقه ما هو نص صريح في خروجه وفقد تلك العلاقة، فلا يجوز: صهلت الخيل إلا الإبل؛ لأن الصهيل نص قاطع في صوت الخيل وحدها؛ فلا صلة بين المستثنى والمستثنى منه مطلقًا؛ فيصير الكلام خلطًا وبترًا، بخلاف صوتت الخيل إلا الإبل. ز– تقدم، في الحكم الثاني3 أن المستثنى في الاكلام التام غير الموجب يجوز فيه النصب والبدل، ويقول النحاة في تفريع هذا البدل كلامًا مرهقًا غير مقبول، والخبر في إهماله؛ ومنه: إذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع، فمثل: ما جاءني من أحد إلا البائع ... لا يجوز إعراب "البائع" بدلًا مجرورًا من لفظ: "أحد"، لزعمهم أن كلمة: "أحد" مجرورة اللفظ بالحرف الزائد: "من" وهو حرف لا يزاد غالبًا إلا في كلام منفي؛ كالمثال السالف، وأن كلمة: "البائع" معناها مثبت؛ لأن الكلام الذي بعد "إلا" مناقض لما قبلها في النفي والإثبات، كما هو معروف فإذا كان معناها مثبتًا، فكيف تكون بدلًا من كلمة: "أحد" المنفية،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المجرورة لفظًا بالحرف الزائد، والبدل على نية تكرار العامل الذي يعمل في المبدل منه؟ فكأنهم يقولون: إن كلمة: "البائع" المجرورة ملحوظ قبلها في التقدير الحرف "من" الزائد الذي عمل الجر في المبدل منه "أحد"، ويترتب على هذا عندهم دخول "من" الزائدة الجارة في كلام مثبت بعد "إلا" وهي في الغالب لا تكون إلا في كلام منفي، كما سبق، وقرارًا من هذا الذي يرونه محظورًا منعوا البدل الجر من لفظة: "أحد"، وأجازوا البدل بالرفع من محلها: لأنها مجرورة بمن "لفظًا" وفي محل رفع فاعل للفعل: جاء، فالتقدير: جاء البائع. ومثل: ليس اللص بشيء إلا رجلًا تافهًا، فقالوا لا يجوز ضبط كلمة: "رجلًا" بالجر على اعتبارها بدلًا من كلمة: "شيء" المجرور لفظها؛ وإنما يجوز النصب على اعتبارها بدلًا من محل كلمة: "شيء"، وذلك للوهم السالف أيضًا؛ وهو أن المبدل منه، "وهو كلمة: شيء" مجرور بالباء الزائدة، وهذه الباء لا تزاد إلا في جملة منفية، والمستثنى "بإلا" مثبت بعد الكلام المنفي، فلو أبدلنا كلمة: "رجلًا" في كلمة: "شيء" المجرورة لكان هذا البدل مستلزمًا في التقدير وقوع الباء وهي العامل في المبدل منه قبل البدل أيضًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل؛ فيترتب على هذا دخول "باء" الجر الزائدة على مثبت؛ وهو عندهم ممنوع، فللفرار من هذا أبدلوا كلمة: "رجلًا" من كلمة: "شيء" مع مراعاة محلها، لا لفظها؛ لأن محلها النصب؛ فهي مجرورة لفظًا، منصوبة محلًا، باعتبارها خبر: "ليس"!!. ومثل: لا ساهر هنا إلا حارس، لا يجوز عندهم أن تكون كلمة: "حارس" بدلًا منصوبًا من محل كلمة: "ساهر" المبنية على الفتح لفظًا في محل نصب، وحجتهم أن كلمة: "ساهر" ... اسم "لا" واسم "لا" منفي، أما المستثنى هنا فموجب، لوقوعه بعد "إلا"، "وما بعدها مخالف لما قبلها نفيًا وإثباتًا، كما تقدم"، ولما كان العامل في المستثنى منه: هو "لا" النافية للجنس وجب عندهم أن تكون عاملة أيضًا في المستثنى؛ لأن العامل في الاثنين لا بد في الرأي المشهور أن يكون واحدًا، ثم يقولون: كيف تعمل "لا" في المستثنى الموجب، وهي لا تعمل إلا في منفي؟ وللفرار من هذا قالوا: إن البدل هو من محل اسم "لا"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل دخولها، وليس من محل اسمها بعد دخولها، فاسمها قبل دخولها كان مبتدأ1، فالبدل مرفوع مثله، ولا عمل للناسخ فيه إذ ذاك. ومثل: ما الخائن شيئًا إلا رجل حقير؛ فقد منعوا أن تكون كلمة: "رجل" بدلًا منصوبًا من كلمة: "شيئًا" المنصوبة، وحتموا أن تكون بدلًا مرفوعًا من كلمة: "شيئًا" باعتبار أصلها؛ فقد كانت خبرًا مرفوعًا للمبتدأ قبل مجيء "ما" الحجازية التي تعمل عمل: "ليس"، وسبب المنع أن المستثنى منه منفي، والمستثنى موجب، والعامل في الاثنين واحد؛ هو: "ما" الحجازية، فتكون "ما" الحجازية قد عملت في الموجب، وهي لا تعمل إلا في المنفي. ذلك رأيهم ودليلهم 2 في كل ما سبق من الأمثلة الممنوعة، وهو رأي غريب "إذا ما الحكمة كما قال بعض آخر من النحاة في ارتكاب هذا التكلف 3؟ مع أن القاعدة: "أنه يغتفر فيا لتابع ما لا يغتفر في المتبوع 4".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثلوا له بقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، حيث لا يمكن تسليط العامل على المعطوف 1 فهلا جاز هنا في البدل الجر، أو النصب تبعًا للفظ المبدل منه على هذه القاعدة 2. وشيء آخر له الأهمية الأولى، ولا أعرف أنهم ذكروه؛ هو كلام العرب في مثل ما سبق، والمأثور من أساليبهم، أجاء خاليًا من اتباع المستثنى للفظ المستثنى منه، أم لم يجئ؟ وفي الحالتين لا يقوم دليل على المنع؛ لأن عدم المجيء ليس معناه التحريم، فالأمر السلبي لا يكفي في انتزاع حكم قاطع مخالف للمألوف في نظرائه التي يتبع فيها البدل حركة المبدل منه اللفظية، كما أن المجيء قاطع في الصحة. الحق أن هذا كله وأشباهه هو الجانب المعيب في: "نظرية العامل"؛ إذ يمنحه سلطانًا قويًا يتحكم به في صياغة الأسلوب، أو ضبطه، بغير سند يؤيده من فصيح الكلام، وقد سبق أن امتدحنا هذه النظرية البارعة التي لا تصدر إلا عن عبقرية، وذكاء لماح، وقلنا3: إنها لا عيب فيها إلا ما قد يشوبها في قليل من الأحيان من مثل هذه الهنوات. ح– في مثل: ما أحد يقول الباطل إلا الدنيء، يجوز في كلمة: "الدنيء" أن يكون بدلًا مرفوعًا من كلمة: "أحد" أو: من ضميره المستتر الواقع فاعلًا للمضارع، ويجوز نصبه على الاستثناء، فللرفع ناحيتان، وللنصب واحدة. أما في مثل: ما رأيت أحد يقول الباطل إلا الدنيء، فيجوز في كلمة: "الدنيء" النصب على الاستثناء، أو: على البدلية من كلمة: "أحدًا" المنصوبة ويجوز فيها الرفع على البدلية من الفاعل المستتر في الفعل المضارع؛ فللنصب ناحيتان وللرفع ناحية.
ب– الحكم إذا كانت أداة الاستثناء هي "إلا" المكررة 1: أ- قد يكون تكرارها بقصد التوكيد اللفظي المحض، وتقوية "إلا" الأولى الاستثنائية، بغير إفادة استثناء جديد، ولهذه حالة صورتان: الأولى: أن تقع "إلا" التي تكررت للتوكيد اللفظي المحض، بعد "الواو" العاطفة لا يصح أن تقع بعد غيرها من حروف العطف نحو: أحب ركوب السفن إلا الشراعية، وإلا الصغيرة، فالواو حرف عطف، "إلا" الثانية: للتوكيد اللفظي، ولا تفيد استثناء، و"الصغيرة" معطوفة على "الشراعية"؛ فهي مستثنى، بسبب العطف، لا بسبب "إلا" المكررة 2؛ ولهذا يكون المستثنى المعطوف تابعًا للمعطوف عليه في ضبطه، ولا تأثير لوجود "إلا" المكررة في ضبطه، أو ضبط غيره، وإنما تأثيرها مقصور على ما تتضمنه من فائدة معنوية يحققها التوكيد اللفظي بها. الثانية: ألا تقع "إلا" التي جاءت للتكرار المحض بعد حرف عطف، ولكن يكون اللفظ الواقع بعدها مباشرة متفقًا مع المستثنى الذي قبلها في المعنى والمدلول، برغم اختلاف اللفظين في الحروف الهجائية، ويكون ضبط اللفظ بعد المكررة جاريًا على افتراض أنها غير موجودة؛ فوجودها وعدمها سواء من ناحية الحكم الإعرابي الذي يخصه، مثال ذلك رجل يقال له: هارون الرشيد، أو: محمد الأمين ... أو ... ، نحو: جاء القوم إلا هارون إلا الرشيد، اشتهر الخلفاء إلا محمدًا إلا الأمين، فكلمة: "إلا" الثانية في المثالين لا تفيد استثناء جديدًا؛ لأن "الرشيد" المقصود هو: "هارون"، و"الأمين" المقصود هو: "محمد"، وإنما أفادت الثانية توكيدًا لفظيًا
لكلمة: "إلا" الأولى، ولا تأثير للثانية في ضبط كلمتي: "الرشيد، والأمين"، فكل واحدة منهما تعرب هنا بدل كل من كل 1، أو: عطف بيان من المستثنى الأول، ولو حذفنا كلمة: "إلا" التي جاءت للتكرار ما تغير الضبط ولا الإعراب، فوجودها لا أثر له من هذه الناحية الإعرابية، على الرغم من أثرها المعنوي الذي يكون للتوكيد اللفظي المحض. ولو قلنا: ما جاء القوم إلا هارون إلا الرشيد لصح في كلمة: "الرشيد" الرفع أو النصب، تبعًا لكلمة: "هارون" التي يجوز فيها الأمران، بسبب أن الاستثناء تام غير موجب، وكذلك ما جاء القوم إلا محمدًا، أو محمد، إلا الأمين، فيجوز في كلمة: "الأمين" المران للسبب السابق، فكأن "إلا" المكررة غير موجودة: إذ لا أثر لها في الحكم الإعرابي. ولو قلنا: ما أشتهر إلا هارون إلا الرشيد، لوجب رفع كلمة "الرشيد" اتباعًا لكلمة: "هارون" التي يجب رفعها؛ بسبب أن الاستثناء مفرغ، وكذلك الحال في: ما جاء إلا محمد إلا الأمين2. ب– وقد يكون تكرار "إلا" لغير التوكيد اللفظي المحض، وإنما الغرض استثناء جديد: بحيث لو حذفت لم يفهم الاستثناء الجديد، ولم يتحقق المراد منه، فهي في هذا الغرض كالأولى تمامًا؛ كلتاهما تفيد استثناء مستقلًا؛ وفي هذه الحالة تتعدد الأحكام على الوجه الآتي:
1- إن كان تكرارها لغير التوكيد في كلام تام موجب، فالمستثنيات كلها منصوبة في كل الأحوال؛ نحو: "ظهرت النجوم إلا الشمس، إلا القمر، إلا المريخ". 2– إن كان الكلام تامًا غير موجب والمستثنيات متقدمة على المستثنى منه نصبت جميعًا؛ نحو: "ما غاب إلا الشمس، إلا القمر، إلا المريخ، النجوم". فإن تأخرت نصبت أيضًا، ما عدا واحدًا منها أي واحد فيجوز فيه أمران؛ إما النصب على الاستثناء كغيره، وإما البدل من المستثنى منه؛ مثل: ما غابت النجوم، إلا الشمس بالرفع أو النصب إلا القمر إلا المريخ. 3– إن كان الكلام مفرعًا وجب إخضاع أحد المستثنيات 1 لحاجة العامل الذي قبل "إلا"، "الأولى" ونصب باقي المستثنيات، نحو: "ما نبت إلا قمح جيد إلا شعيرًا غزيرًا إلا قصبًا قويًا ... ". وإذا كانت "إلا" التي جاءت للتكرار تفيد استثناء جديدًا كما سبق، فلا بد أن يجيء بعدها مستثنى، ولا بد أن يكون له مستثنى منه، فأين هذا المستثنى منه؟ أهو المستثنى منه الأول السابق، أم هو المستثنى الذي قبل "إلا" المكررة مباشرة، فيكون المستثنى الذي بعدها خارجًا، ومطروحًا من المستثنى الذي قبلها مباشرة؟ وبعبارة أخرى: أين "المستثنى منه" بعد "إلا" المكررة لغير توكيد في مثل: بكر العاملون إلا صالحًا، إلا محمودًا، إلا حسينًا؟ فكلمة: "محمودًا" مستثنى ثان، فأين المستثنى منه؟ أهو: "العاملون" منه الأول، أم هو "صالحًا" المستثنى الذي قبله مباشرة؟. وكذلك: "حسينًا" مستثنى ثالث ... فأين المستثنى منه؟ أهو العاملون "محمودًا"، أم ماذا؟. إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض كهذا المثال كان المستثنى منه هو الأول حتمًا، وهو هنا: العاملون: أما إذا أمكن استثناء كل واحد مما
قبله مباشرة كالأعداد فيجوز الأمران، أي استثناء كل واحد مما قبله مباشرة، أو استثناء المجموع من المستثنى منه الأول؛ ففي مثل: أنفقت عشرة، إلا أربعة، إلا اثنين، إلا واحدًا، يجوز إسقاط المستثنيات كلها من العشرة، فنجمع أربعة، واثنين، وواحدًا، ونطرح المجموع من العشرة؛ فيكون الباقي الذي أنفق هو ثلاثة، "أي: 10 – "4 + 2 + 1" = 3" كما يجوز إسقاط المستثنى الأخير مما قبله مباشرة، ثم نسقط الباقي من المستثنى الذي قبله مباشرة ... وهكذا، فما بقي آخر الأمر يكون هو المطلوب، ففي المثال السابق: نطرح 1 من 2 فيكون الباقي: 1 ثم نطرح 1 من 4 فيكون الباقي: 3 ثم نطرح 3 من 10 فيكون الباقي: 7 وهو المبلغ الذي أنفق. والأحسن في الطريقة الثانية جمع الأعداد التي في المراتب الفردية، ومنها المستثنى منه الأول، ثم جمع الأعداد التي في المراتب الزوجية، وطرح مجموعها من مجموع الفردية، فباقي الطرح هو المطلوب. ويلاحظ أن الطريقتين جائزتان ولكن نتيجتهما مختلفة، ولهذا كان اختيار إحداهما خاضعًا للقرائن؛ فهي التي تعين إحداهما فقط مراعاة للمعنى. على الرغم من صحة استعمال الطريقتين، فالأنسب العدول عنها في كل مقام يقتضي وضوحًا في الأداء، وسموًا في التعبير. ولو أردنا تلخيص كل ما تقدم من الأحكام الخاصة بكلمة: "إلا" المكررة 1
المفيدة لاستثناء جديد أي: التي ليست للتوكيد المحض لكان التلخيص الموجز هو: 1– إذا تكررت "إلا" لغير التوكيد المحض نصبت بعدها المستثنيات في جمع الأحوال، وفي مختلف الأساليب، إلا في حالة: "التفريغ" فيجب حتمًا تخصيص مستثنى واحد يخضع في إعرابه لحاجة العامل، ونصب ما عداه. 2– ويجوز في حالة الكلام التام غير الموجب إذا تأخرت المستثنيات اختيار واحد منها ليكون بدلًا من المستثنى منه الأول، ويجوز نصبه مع باقيها.
المسألة 82
المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء 1: "غير، وسوى، بلغاتها المختلفة" من أدوات الاستثناء ما هو اسم صريح؛ أشهره: غير، وسوى "وفيها لغات مختلفة: سوى، سوى، سواء، سواء"، وهذه الأسماء الصريحة عند استعمالها أداة استثناء تشترك في المعنى وفي الحكم. فأما "غير" ومثلها نظيراتها، فمعناها إفادة المغايرة ... أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير ومخالف لما قبلها في المعنى الذي ثبت له، إيجابًا أو نفيًا؛ فمعنى: "أسرع المتسابقون غير سعيد"، أنهم أسرعوا مغايرين ومخالفين في هذا الأمر سعيدًا؛ فهو لم يسرع، فكان مخالفًا ومغايرًا لهم أيضًا، وكذلك: "ما ضحك الحاضرون غير صالح"، فالمعنى: أنهم لم يضحكوا، مغايرين ومخالفين صالحًا في هذا، أي: في عدم الضحك؛ لأنه ضحك دونهم، فكان مخالفًا ومغايرًا أيضًا. ومثل هذا يقال في بقية أسماء الاستثناء. وأما حكم تلك الأسماء فينحصر في أمرين2؛ أولهما: ضبط المستثنى الواقع بعد كل اسم منها، وطريقة إعرابه. وثانيهما: ضبط أداة الاستثناء الاسمية، وطريقة إعرابها؛ "لأنها اسم لا بد له من موقع إعرابي؛ فيكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب موقعه من الجملة؛ كشأن جميع الأسماء".
أ– فأما ضبط المستثنى وإعرابه فليس له إلا ضبط واحد، وإعراب واحد، هو: ضبطه بالجر، ويعرب "مضافًا إليه"، إليه دائمًا، ولا بد أن يكون مفردًا 3 والأداة الاسمية هي المضاف، كما في الأمثلة الآتية: "أ" ... أسرع ... المتسابقون ... غير ... سعيد. فرح ... الفائزون ... غير ... واحد. ظهرت ... النجوم ... غير ... نجم. "ب" ... ما أسرع المتسابقون غير سعيد، أو: غير سعيد. ما رأيت الفائزين غير سعيد، أو: غير سعيد. ما نظرت للنجوم غير نجم، أو: غير نجم. "جـ" ... ما أسرع ... غير سعيد. ما رأيت ... غير سعيد. ما نظرت ... لغير سعيد. ففي كل هذه الأمثلة وأشباهها لا يكون المستثنى إلا مضافًا إليه مجرورًا، مفردًا1، وأداة الاستثناء الاسمية هي: المضاف. ب– وأما ضبط أداة الاستثناء وإعرابها، فيختلف باختلاف حالة الكلام، فحين يكون الكلام تامًا موجبًا، تنصب على الاستثناء2 كما في "أ" من الأمثلة السالفة، وكقول الشاعر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد وحين يكون الكلام تامًا غير موجب يجوز نصبها على "الاستثناء"، ويجوز اتباعها للمستثنى منه؛ كما في "ب" من الأمثلة السالفة، وكما في قولهم: "أين الأقوال من الأفعال، فلن تتحقق بالكلام الغايات الجليلة غير بعض منها، وما أقلة؟ ". وحين يكون الكلام مفرغًا تضبط وتعرب على حسب حاجة الجملة، فقد
تكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو غيرهما، كما في "ج" من الأمثلة السالفة، وكقولهم: لا ينفع المرء غير عمله. يفهم من كل ما تقدم: "أنه يطبق على كلمة: "غير" عند ضبط صيغتها الخاصة كل الأحكام التي تجري على المستثنى بإلا عند إرادة ضبطه1 بالتفصيلات المختلفة التي سبقت هناك، ولا فرق في هذا التطبيق بين: "غير" وباقي أخواتها الأسماء 2. لكن بينها وبين أخواتها 3 بضع فروق من نواح أخرى؛ منها: أن المضاف إليه بعد الأداة "غير" 4 قد يحذف إذا دلت عليه قرينة: مثل: "عرفت خمسين ليس غير"5، أي: ليس غير الخميس، ولا يصح: عرفت خمسين ليس سوى؛ لأن "سوى بلغاتها المختلفة واجبة الإضافة لفظًا ومعنى، ولا يصح قطعها عن هذه الإضافة اللفظية6.
ومنها: أن "غير" لا تكون ظرفًا، أما "سوى" فتقع ظرف مكان في مثل: "جاء الذي سواك"، عند من يرى ذلك، ويجعلها صلة الموصول؛ "لأن الصلة لا تكون إلا جملة أو شبه جملة"، والتقدير عنده: جاء الذي استقر في مكانك عوضًا عنك، ثم توسعوا في استعمال "سواك" ومكانك، فجعلوهما مجازًا بمعنى: "عوضك" من غير ملاحظة حلول بالمكان. ومنها: أن استعمال "غير" في الاستثناء ليس هو الأكثر، وإنما الأكثر أن تكون: 1– نعتًا لنكرة؛ فتفيد مغايرة مجرورها للمنعوت، أما في ذاته المادية؛ نحو: "أقبلت على رجل غير1 علي"، وإما في وصف طارئ على ذاته المادية، نحو: "خرج البريء من المحكمة بوجه غير الذي دخل به"، ذلك أن وصف الوجه مختلف في الحالتين ... ، أما ذات الوجه، ومادته التي يتكون منها، فلم تتغير. وكقول الشاعر: تحاول مني شيمة غير شيمتي ... وتطلب مني مذهبًا غير مذهبي "فالشيمة، أو المذهب، وصف طارئ على الذات، وأمر عرضي لاحق بها، وليس جزءًا أساسيًا في تكوينها المادي الأصيل. 2– أو نعتًا لشبه النكرة: وهو المعرفة المراد منها الجنس2، نحو قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة "غير" مجرورة، وهي لذلك نعت لكلمة: "الذين" المراد بها جنس لأقوام معينين 3، وليست للاستثناء؛ إذ لو كانت للاستثناء لوجب نصبها.
وإذا وقعت نعتًا كما في الحالتين السالفتين، فإنها تكون مؤولة بالمشتق؛ بمعنى: مغاير1. 3– يلي هاتين في الكثرة أن تقع موقعًا إعرابيًا آخر مما تصلح له الأسماء الجامدة؛ كالمبتدأ في قول الشاعر: وغير تقي بأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض وكالخير ومنه خبر النواسخ في قول الشاعر: وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعمال غير حسان وكالفاعل ونائبه، والمفعول به ... و ... ، وكل هذا قياسي فصيح. أما "سوى" فالأكثر فيها أن تكون للاستثناء؛ كالأمثلة السالفة؛ ولغير الاستثناء في نحو: سواك متسرع رأيت سواك متسرعًا القوة بسوى الحق مهزومة ... لا ينفع سوى الصبر عند معالجة المشكلات، وكقول الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها، وأنت المشتري وقول الآخر: أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة؟ إني إذا لصبور وقد تكون نعتًا لنكرة، أو لشبه نكرة كما تكون "غير" ... وهكذا 2. حكم تابع المستثنى "بغير" وأخواتها. مما يلاحظ أن المستثنى "بغير وأخواتها الأسماء" مجرور دائمًا؛ لأنه "مضاف إليه". لكن إذا جاء بعده تابع 3 له جاز في التابع أمران:
أحدهما: الجر مراعاة للفظ المستثنى المجرور؛ نحو: قدمت المنح للفائزين غير محمود وحسن. ثانيهما: ضبطه بمثل ضبط المستثنى "بإلا"، لو حذفت "غير" وحل محلها: "إلا". وذلك بأن نتخيل حذف كلمة: "غير" ووقوع "إلا" موقعها، وضبط المستثنى بغير على حسب ما تقتضيه الحالة الجديدة بسبب مجيء "إلا"، في مكان "غير"، ثم نضبط تابعه بمثل حركته الجديدة، في المثال السابق: "قدمت المنح للفائزين غير محمود" يصير: قدمت المنح للفائزين إلا محمودًا، فصار المستثنى منصوبًا مع "إلا" بعد أن كان مجرورًا مع الأداة: "غير"، فيصح في تابعه أن يكون منصوبًا مع كلمة "غير" أيضًا، على تخيل "إلا" المقدرة والملحوظة، وأن المستثنى بها على فرض وجودها في الكلام منصوب؛ فنقول: قدمت المنح للفائزين غير محمود، وحسن أو: غير محمود وحسنًا؛ بافتراض أن كلمة: "محمود" مجرورة في ظاهرها؛ لأنها مستثنى للأداة "غير"، ومنصوبة في التقدير والتوهم؛ لأنها مستثنى للأداة: "إلا" المقدرة، ولهذا يصح النصب والجر في كلمة: "ضرب" من قول الشاعر: ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى، وضرب الرقاب ومثل: ما جاء الفائزون غير محمود وحسن، أو: حسنًا، أو: حسن؛ لأننا لو وضعنا الأداة: "إلا" مكان الأداة "غير" لجاز في المستثنى، الذي كان مجرورا بعد "غير" أمران بعد مجيء "إلا" هما النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية، هكذا: ما جاء الفائزون إلا محمودًا أو محمود، فيجوز في تابعه الأمران: النصب والرفع؛ وهذا يجري أيضًا في تابع المستثنى بكلمة: "غير" التي تجيء في مكان: "إلا" فيجوز فيه الأمران زيادة على جره، ومعنى هذا أن كلمة "حسن"، وهي المعطوفة في المثال السالف، يجوز فيها الجر، والنصب، والرفع. والنحاة يسمون الضبط الناشئ من التخيل السالف: "الإعراب على التوهم"1 أو: "على المحل"، وهو مقصور في باب الاستثناء على المستثنى "بغير"، وأخواتها الأسماء، ولا يجوز في غيرها، ومع جوازه المشار إليه يحسن البعد عنه، وعن التوهم عامة؛ حرصًا على أهم خصائص اللغة، وتمسكًا بسلامة البيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من أخوات "غير" الاستثنائية كلمة بمعناها، هي: "بيد"1 "وقد يقال فيها: "ميد"، ولكنها تختلف عن "غير" في أمور: منها: ملازمة "بيد" للنصب دائمًا، على اعتبارها حالًا مؤولة، بمعنى: "مغاير"، أو على اعتبارها منصوبة على الاستثناء؛ فلا يكون صفة، ولا تكون مرفوعة، ولا مجرورة، ولا تكون منصوبة إلا على الاعتبار السابق. ومنها: أنها لا تكون أداة استثناء إلا في الاستثناء المنقطع. ومنها: أنها مضافة دائمًا إلى مصدر مؤول من: "أن ومعموليها"، ولا يجوز قطعها عن الإضافة. ومن الأمثلة: فلان غني، بيد أنه جشع، وأخوه فقير بيد أنه عزيز النفس. ب– تختلف الأداتان "غير" و"إلا" في أمور2؛ أهمها: 1– أن كلمة "غير" لا يقع بعدها الجمل؛ لأنها اسم لا يضاف إلا للمفرد. أما "إلا" فيقع بعدها المفرد والجمل بنوعيها الاسمية والفعلية، وقد سبق3 القول بأنه لا داعي للأخذ بما اشترطه بعض النحاة لوقوع الجمل بعدها، وهو: ألا يكون الاستثناء متصلًا، وأن يكون الكلام مفرغًا وأن يكون الفعل في الجمل الفعلية إما مضارعًا، نحو: ما النبيل إلا يعمل الخير، وإما ماضيًا مقترنًا لحرف "قد" نحو: ما النبيل إلا قد قام بالواجب، وإما ماضيًا مسبوقًا بماض آخر قبل "إلا"، نحو: ما أرسلت رسالة إلا تمنيت أن ترضي صاحبها، وقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بطور سيناء، كرم، ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء فالظاهر أن ما سبق ليس بالشروط المحتومة، وإنما هو البادي في الصور الكثيرة 1. 2– يجوز أن يقال: عندي درهم غير جيد، على النعت، ولا يجوز: عندي درهم إلا جيد؛ لأن الكثير في وقوع "إلا" نعتًا أن يكون ذلك في أسلوب يصح فيه الاستثناء، وهنا لا يصح الاستثناء؛ لمخالفته الكثيرة 2 ... 3– يجوز أن يقال: قام غير واحد، ولا يجوز: قام إلا واحد؛ لأن حذف المستثنى منه لا يكون في الكلام الموجب. 4– يجوز أن يقال: أقبل الإخوان غير واحد وزميلة، أو زميلة، يجر "زميلة" مراعاة للفظ المعطوف عليه، أو نصبها حملًا على المعنى المتخيل كما شرحناه، وأبدينا فيه رأينا من قبل 3 ولا يجوز مع "إلا" تخيل سقوطها، وإحلال "غير" محلها ... 5– يجوز أن يقال: ما جئتك إلا ابتغاء علمك، ولا يجوز مع الأداة: "غير" إلا الجر، أي: ما جئتك لغير ابتغاء معروفك؛ لأن المفعول لأجله يجب أن يكون مصدرًا، و"غير" ليست مصدرًا. جـ– قد يقتضى المعنى أن تخرج "إلا" عن الحرفية، وعن أن تكون أداة استثناء، لتكون اسمًا بمعنى: "غير" وتعرب صفة بشرطين 4. أولهما: أن يكون الموصوف نكرة أو ما يشبهها من معرفة يراد بها الجنس كما سبق 5 مثل المعرف بأل الجنسية ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثانيهما: أن يكون جمعًا أو شبه جمع، والمراد يشبه الجمع: ما كان مفردًا في اللفظ، دالًا على متعدد في المعنى؛ مثل: كلمة: "غير" ... في نحو: جاء غير الغريب، فغير الغريب وأشباهه متعدد حتمًا 1. فمثال إلا الواقعة صفة لجمع حقيقي هو نكرة حقيقية: "سينهزم الأعداء، فقد خرج لملاقاتهم جيش كبير، إلا القواد والرماة"، فلا يصح أن تكون "إلا" هنا حرف استثناء؛ خشية أن يفسد المعنى؛ إذ الاستثناء كما شرحنا أول الباب يقتضي أن يكون المعنى هنا: خرج لملاقاتهم جيش كبير طرحنا، ونقصنا منه القواعد والرماة، ولا يعقل أن يخرج جيش كبير دون قواده ورماته. ومثل: "تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة إلا المحاضر"، فهي هنا كما في المثال السابق بمعنى: غير، ولا يصح أن تكون بمعنى "إلا" الاستثنائية؛ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المعنى: تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة طرحنا ونقصنا منهم المحاضر، إذا لا يعقل أن تتسع قاعة المحاضرة للسامعين، ولا تتسع للمحاضرة، فلا يمكن أن يجتمعوا لسماع محاضرة من ليس له مكان عندهم، ومثل هذا قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا 2 آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فلو كانت "إلا" حرف استثناء لكان المعنى: لو كان فيهما آلهة، ليس من ضمنها الله لفسدتا، أي: لو كان فيهما آلهة أخرجنا وطرحنا منها الله، لفسدتا"، وهذا معنى باطل؛ إذ يوحي بأنهما لا تفسدان إذا كان الله من ضمن الآلهة ولم يخرج ولم يطرح، وهذا واضح البطلان، بخلاف ما لو كانت "إلا" اسمًا بمعنى: "غير"، نعتًا للنكرة قبلها، فإن المعنى يصح ويستقيم. ومثال: "إلا" الاسمية الواقعة نعتًا لشبه الجمع الذي هو نكرة حقيقية أن تقول للخائن: غيرك إلا الخائن يستحق الصفح، فكلمة "إلا" اسم بمعنى: "غير" ولا تصلح أن تكون استثناء؛ لئلا يكون المعنى: غيرك من الخائنين يستحق
الصفح إلا الخائن، وفي هذا تناقض ظاهر، أو غيرك من الأمناء مطروحًا وخارجًا منهم الخائن يستحقون الصفح، والخائن ليس من الأمناء، ولا علاقة له بهم حتى يستثنى منهم1، فإذا جعلنا: "إلا" بمعنى: "غير" صح المعنى واستقام وتعرب صفة لكلمة "غير" الأولى، ولا يصح أن تكون حرف استثناء لفساد المعنى وتناقضه ... ومثالها نعتًا للجمع الحقيقي الشبيه بالنكرة: يخشى عقاب الله العصاة إلا الصالحون، فالعصاة شبه نكرة لوجود "أل" 2 الجنسية، و"إلا" بمعنى "غير" صفة، ولو كان حرفًا لفسد المعنى؛ إذ يكون: يخشى عقاب الله العصاة، والصالحون لا يخشونه. أما شبه الجمع الشبيه بالنكرة، فكالمفرد المعروف "بأل الجنسية" نحو: الرجل إلا المريض يحتمل الأثقال. وإذا كانت "إلا" الاسمية نعتًا، فكيف نعربها؟ أتكون هي وحدها النعت: مباشرة؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، بحركات مقدرة على آخره، على حسب المنعوت، وبعدها ما أضيفت إليه مجرورًا؟ أم تكون هي النعت أيضًا مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، على حسب المنعوت، ولكن صورتها كصورة الحرف، فالحركات لا تقدر عليها، وإنما تنتقل إلى المضاف إليه الذي بعدها مباشرة؛ فتكون "إلا" نعتًا مضافًا، واللفظ بعدها هو المضاف إليه، وهو مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الحركة المنقولة إليه من "إلا"؟. رأيان، كلاهما معيب، معترض عليه، ولكن أولهما: أقرب إلى القبول، ومن الخير ألا نلجأ في أساليبنا إلى استعمال "إلا" الاسمية ما استطعنا لذلك سبيلًا.
المسألة 83
المسألة 83: أحكام المستثنى الذي أدواته أفعال خالصة 1، والذي أدواته تصلح أن تكون أفعالًا وحروفًا1 ... أ– فأما الأدوات التي هي أفعال خالصة، فتنحصر في فعلين ناسخين 2 جامدين؛ هما: "ليس" و"لا يكون"، بشرط وجود "لا" النافية قبل هذا الفعل المضارع، الذي للغائب، دون غيرها من أدوات النفي، ولا يصلح من أفعال "الكون" أداة للاستثناء إلا هذا المضارع الجامد، الدال على الغائب المنفي بالأداة: "لا"؛ مثل: زرعت الحقول ليس حقلًا، أو: زرعت الحقول لا يكون 3 حقلًا، ومثل: ما تركت الكتب ليس كتابًا، أو لا يكون كتابًا ... وحكم المستثنى بهما وجوب النصب باعتباره خبرًا لهما؛ لأنهما فعلان ناسخان جامدان، من أخوات: "كان" 4 كما سبق أما الاسم فضمير مستتر وجوبًا
تقديره: هو؛ يعود على "بعض" مفهوم من "كل" يرشد إليه السياق، ويدل عليه المقام ضمنًا1؛ فمعنى "زرعت الحقول ليس حقلًا": ليس هو من المزروع؛ أي: ليس بعض الحقول المزروعة حقلًا، فالمزروع "كل" استثنى 2بعضه. وإذا كانت أداة الاستثناء فعلًا خالصًا وجب أن يكون الاستثناء تامًا متصلًا، موجبًا أو غير موجب؛ فلا بد في هذا النوع من الاستثناء أن يجمع أمرين؛ وهما: "التمام والاتصال" كما في الأمثلة المذكورة ... وتعرب الجملة المشتملة على الناسخ واسمه وخبره في محل نصب حالًا 3، أو تعتبر جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب، ولا علاقة لها بما قبلها من الناحية الإعرابية فقط؛ أما من الناحية المعنوية فبينهما ارتباط4. ب– وأما الأدوات التي تكون أفعالًا تارة، وحروفًا تارة أخرى فهي ثلاثة: عدا – خلا – حاشًا وفي الأخيرة لغات5 أشهرها: حاشا – حشا – حاش ... " ومعنى كل أداة من هذه الأدوات الفعلية: "جاوز"، ويتعين عند استعمالها أفعالًا أن يكون الاستثناء بها تامًا متصلًا، موجبًا أو غير موجب؛ كالشأن في جميع أدوات الاستثناء إذا كانت أفعالًا؛ فإنها لا تصلح للمفرغ، ولا المنقطع. 1– فإن تقدمت على كل منها "ما" المصدرية وجب اعتبارها أفعالًا ماضية خالصة، ولا تكون هنا إلا ماضية جامدة؛ "فهي جامدة في حالة استعمالها أدوات استثناء"، مثل: أحب الأدباء ما عدا الخداع وأقرأ الصحف ما خلا
التافهة، وأشاهد تمثيل المسرحيات ما حاشا السوقية، غير أن تقدم "ما" المصدرية على "حاشا" قليل؛ حتى قيل: إنه ممنوع، ويحسن الأخذ بهذا الرأي. وحكم المستثنى في الصور السالفة التي تتقدم فيها "ما" المصدرية وجوب النصب، باعتباره مفعولًا به لفعل الاستثناء المذكور في الجملة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "هو" يعود على "بعض"، مفهوم من "كل" يدل عليه المقام كما سبق أما المصدر المؤول من "ما" المصدرية، والجملة الفعلية التي بعدها1؛ فهو في محل نصب حال2 مؤولة بالمشتق، أو ظرف زمان، والتقدير على الأول: أحب الأدباء مجاوزين الخداع ... مجاوزة التافهة ... مجاوزة السوقية. والتقدير على الثاني: وقت مجاوزتهم الخداع ... وقت مجاوزتها التافهة ... وقت مجاوزتها السوقية3 ... وكلا التقديرين حسن، ولا يكاد يختلف في الدلالة على الآخر. 2– أما إذا لم تتقدم "ما" المصدرية على الكلمات الثلاث السابقة، فيجوز اعتبارها أفعالًا ماضية جامدة تنصب المستثنى، مفعولًا لها، وفاعلها ضمير مستتر وجوبًا تقدير: "هو" كما سلف والجملة في محل نصب حال، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ويجوز اعتبار الكلمات الثلاث حروف جر أصلية، والمستثنى مجرور بها، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما أو بما يشبه، أو أنهما ليسا في حاجة إلى تعلق. على اعتبار الثلاثة حروف جر شبيهة بالزائد4،
"وحروف الجر الشبيه بالزائد لا يحتاج إلى تعليق"، ففي الأمثلة السابقة يجوز: أحب الأدباء عدا الخداع، أو: الخداع، وأقرأ الصحف خلا التافهة، أو التافهة، وأشاهد تمثيل المسرحيات حاشًا السوقية أو السوقية، فكلمات: "الخداع، التافهة، السوقية" يجوز في كل منها النصب، فيكون مستثنى مفعولًا به، والعامل فعلًا ماضيًا جامدًا، ويجوز فيها الجر والعامل حرف جر1 ... وقد وردت أمثلة مسموعة وقعت فيها "ما" قبل الكلمات الثلاث: "خلا – عدا – حاشا"، ووقع فيها المستثنى مجرورًا؛ وهي أمثلة شاذة لا يصح
القياس عليها، وقد أولها النحاة ليصححوها؛ فقالوا: إن "ما" التي وقعت قبلها ليست مصدرية، ولكنها زائدة. ولا خير في هذا التأويل؛ لأن العربي الذي نطبق بتلك الأمثلة لا يعرف "ما" المصدرية، ولا الزائدة، ولا شيئًا من هذه المصطلحات النحوية التي ظهرت أيام تدوين العلوم، وجمعها، وتأليفها ولا شأن له بها، هذا إلى أن التأويل السابق كشأن كثير من نظائره قد يخضع لغة قبيلة، ولهجتها لأخرى تخالفها من غير علم أصحابها، وهذا غير سائغ؛ كما أشرنا مرارًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– هل تقع الجملة المكونة من فعل الاستثناء وفاعله نعتًا؟ ننقل هنا رأيين مفيدين، وإن كان بينهما نوع تعارض ... أولهما: ما جاء في الهمع 1 ونصه2: "من أدوات الاستثناء: "ليس"، "ولا يكون" وهذه هو الناقصة، وليست أخرى ارتجلت للاستثناء وينصبان المستثنى على أنه خبر لهما، والاسم ضمير مستتر. لازم الاستار كما تقدم هنا3، وكذلك في مبحث الضمير4 نحو: قام القوم ليس محمدًا؛ وخرج الناس لا يكون عليًا، ولفظ: "لا" قيد في كلمة: "يكون" فلو نفيت بما، أو: لم، أو: لما، أو: لن ... لم تقع في الاستثناء، ومن شواهد "ليس" قول الشاعر: عددت قومي كعديد الطيس ... إذا ذهب القوم الكرام ليسي5 وقوله عليه السلام: "يطبع المؤمن على كل خلق، وليس الخيانة والكذب". "وقد يوصف بـ"ليس، ولا يكون"، حيث يصح الاستثناء، بأن يكون أي: المستثنى منه نكرة منفية6، قال ابن مالك: أو معرفًا بلام الجنس، نحو: ما جاءني أحد ليس محمدًا، وما جاءني رجل لا يكون بشرًا، وجاءني القوم ليسوا إخوتك، قال أبو حيان: ولا أعلم في ذلك خلافًا، إلا أن المنقول هو اختصاصه بالنكرة، دون المعرف بلام الجنس. "ولا يجوز في النكرة المؤنثة: نحو: أتتني امرأة لا تكون فلانة، إذ لا يصح الاستثناء منها، ولا في المعرفة؛ نحو جاء القوم ليسوا إخوتك، بل يكونان في موضع نصب على الحال".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وإذا وصف بهما رفعا ضمير الموصوف المطابق له؛ فيبرز1؛ نحو: ما جاءتني امرأة ليست أو لا تكون فلانة، وما جاءني رجال ليسوا زيدًا، أو نساء لسن الهندات. "قال السيرافي: أجازوا الوصف "بليس، ولا يكون"؛ لأنهما نص في نفي المعنى عن الثاني، وهذا معنى الاستثناء، وليس ذلك في "عدا وخلا"، إلا بالتضمن، فلم يوصف بهما؛ لأنهما ليسا موضعي جحد؛ فلا يقال: ما أتتني امرأة عدت هندًا، أو: خلت دعدًا. ا. هـ، همع بتيسير بعض الألفاظ. ثانيهما: ما جاء في المفصل 2 ونصه: "قد يكون: ليس، ولا يكون" وصفين لما قبلهما من النكرات، تقول: أتتني امرأة لا تكون هندًا، فموضع "لا تكون" رفع؛ بأنه وصف لامرأة، وكذلك تقول في النصب والجر: رأيت امرأة ليست هندًا، ولا تكون هندًا، ومررت بامرأة ليست هندًا، ولا تكون هندًا. "ولا يوصف" "بخلا وعدا" كما وصف بـ"ليس، ولا يكون"، فلا تقول: أتتني امرأة خلت هندًا، وعدت جملًا، وذلك أن "ليس ولا يكون" لفظهما جحد، فخالف ما بعدهما ما قبلهما؛ فجريا في ذلك مجرى "غير"، فوصف بهما كما يوصف "بغير"، وأما "خلا وعدا" فليس كذلك، وإنما يستثنى بهما على التأويل، لا؛ لأنهما جحد، ولما كان معناهما المجاوزة والخروج عن الشيء فهم منهما مفارقة الأول، فاستثنى بهما لهذا المعنى، ولم يوصف بهما؛ لأن لفظهما ليس جحدًا؛ فليس جاريًا مجرى "غير". ا. هـ. ويلاحظ: أن صاحب "المفصل" لم يقيد وقوعهما نعتًا بالموضع الذي يصلحان فيه للاستثناء، كما قيده صاحب الهمع، وأن الأمثلة التي ذكرها صاحب المفصل صالحة للنعت هي التي نصب صاحب الهمع على عدم صلاحها نعتًا. فكيف ذلك؟. لا مفر من إعراب الجملة الفعلية في هذه الأمثلة نعتًا خالصًا لا يصلح للاستثناء؛ لأن النكرة التي قبل الفعلين ليست عامة؛ فلا تصلح "مستثنى منه" يتسع لإخراج المستثنى، فالجملة نعت محض –كالشأن في كل الجمل الواقعة بعد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النكرات المحضة، وبهذا يتلاقى الرأيان ويتفقان. ب– ليست: "حاشًا" مقصورة على الاستثناء؛ وإنما هي ثلاثة أنواع: أولها: الاستثنائية؛ وهي فعل ماض جامد، وقد سبق ما يختص بها1. وثانيها: أن تكون فعلًا ماضيًا متعديًا متصرفًا؛ بمعنى "استثنى"، مثل: "حاشيت مال غيري أن تمتد له يدي حين نتخير موضوعات الكلام نحاشي الموضوعات الضارة إذا دعوت لحفل فحاش من لا يحسن أدب الاجتماع"2. ثالثها: أن تكون للتنزيه وحده3 أي: للدلالة على تنزيه ما بعدها من العيب 4 وهي اسم مرادف لكلمة: "تنزيه" التي هي مصدر: نزه، وتنصب "حاشا" هنا على اعتبارها مصدرًا قائمًا مقام فعل من معناه، محذوف وجوبًا، ويغني هذا المصدر عن النطق بفعله المحذوف 5؛ نحو: حاشًا لله، أي: تنزيهًا لله أن يقترب منه السوء، فكلمة: "حاشًا" – بالتنوين – مفعول مطلق، منصوب بالفعل المحذوف وجوبًا، الذي من معناه، وبتقديره: "أنزه"، والجار والمجرور متعلقان بها، ويصح أن يقال فيها: حاش لله، بغير تنوين؛ فتكون "حاش" مفعولًا مطلقًا، ولكنه مضاف، واللام بعده زائدة 6، وكلمة "الله" مضاف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه مجرور، كما يصح أن يقال فيها: حاش الله، بغير اللام الزائدة بين المضاف والمضاف إليه. ج– هل يحذف المستثنى؟ وهل تحذف أداة الاستثناء؟. أما حذف الأداة فالأصح أنها لا تحذف، وأما حذف المستثنى فيجوز بشروط ثلاثة: فهم المعنى، وأن تكون الأداة هي: "إلا" أو: "غير" وأن تسبقهما كلمة: "ليس"1، نحو: قبضت عشرة ليس إلا، أو: ليس غير، أي ليس المقبوض إلا العشرة، وليس المقبوض غير العشرة ... ومن القليل أن يحذف المستثنى بعد: "لا يكون"، بشرط فهم المعنى أيضًا، نحو: قبضت عشرة، لا يكون ... أي لا يكون غيرها ... لا يكون المقبوض غيرها. د– من أدوات الاستثناء "لما" بمعنى "إلا"، وقد وردت في أمثلة مسموعة إما في كلام منفي؛ مثل قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2، وإما في كلام مثبت ولكنه مقصور على بضعة أساليب سماعية؛ أشهرها: نشدتك الله لما فعلت كذا، وعمرك الله لما فعلت كذا. وإذا كانت للاستثناء وجب إدخالها على الجملة الاسمية، أو على الماضي لفظًا لا معنى كالمثالين السالفين3 إذا المعنى فيهما "إلا أن تفعل كذا"، ويستحسن كثير من النحاة الاقتصار على المسموع ... هـ- يذكر بعض النحاة في آخر باب الاستثناء تفصيل الكلام على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "لا سيما" من ناحة تركيبها، ومعناها، وعلاقاتها بالاستثناء، وضبط الاسم الذي بعدها، وإعرابهما ... ويذكرها فريق آخر من باب الموصول، بحجة أن "ما" المتصلة بها تكون موصولة ... وقد آثرنا ذكرها في باب الموصول 1؛ لأنه أسبق، وصلتها به أقوى. ونزيد هنا أن بعض الرواة نقل لها أخوات مسموعة، منها: لا مثل ما ... لا سوى ما 2 ... فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها وفي أحكامها الإعرابية التي فصلناها فيما سبق3. ومنها: "لا تر ما ... "، و"لو تر ما"2 ... ، وهما بمعناها كما قلنا في الوضع المشار إليه، ولكنهما يخالفانها في الإعراب؛ فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم بعدهما؛ ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة مع جر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف، والأحسن أن تكون "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت، والاسم بعدها مرفوع على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة. وإنما كان الفعل مجزومًا بعد "لا"؛ لأنها للنهي، والتقدير في "قام القوم لا تر ما علي": لا تبصر "أيها المخاطب الشخص" الذي هو علي، فإنه في القيام أولى منهم، أو تكون "لا" للنفي، وحذفت الألف من آخر الفعل سماعًا، وشذوذًا. وكذلك بعد "لو" سماعًا، والتقدير: لو تبصر الذي هو علي لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا، على: "ولا سيما" لشيوعها، ووضوحها قديمًا حديثًا.
المسألة 84: الحال
المسألة 84: الحال مدخل ... المسألة 84: الحال 1 ظهر البدر كاملًا ... ـــ ... نجا الغريق شاحبًا أبصرت النجوم متوهجة ... ـــ ... أرسل التاجر البضاعة ملفوفة فحص الطبيب مريضه جالسين ... ـــ ... صافح المضيف ضيفه واقفين البرد قارسًا ضار ... ـــ ... الشمس شديدة مؤذية النزول من القطار متحركًا خطر ... ـــ ... ركوب السيارة ماشية وخيم العاقبة تعريفه: وصف2، منصوب3، فضلة4، يبين هيئة ما قبله؛ من فاعل، أو مفعول به،
أو منهما معًا1، أو من غيرهما 2 وقت وقوع الفعل3 كالكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة. وتعرف دلالته على الهيئة بوضع سؤال كهذا: كيف كان شكل البدر حين ظهر؟ أو: كيف كانت صورته؟ فيكون الجواب: هو لفظ الحال السابقة؛ أي: كاملًا، أو: مستديرًا ... و ... و ... وكذا الباقي. وليس من اللازم أن تكون الحال في كل الاستعمالات وصفًا، وإنما هذا هو الغالب4، ولا أن تكون فضلة؛ فهذا غالب أيضًا؛ فقد تكون بمنزلة العمدة
أحيانًا في إتمام المعنى الأساسي للجملة، أو في منع فساده؛ فالأولى كالحال التي تسد مسد الخير1، في مثل: امتداحي الغلام مؤدبًا؛ فإن المعنى الأساسي هنا لم يتم إلا بذكر الحال، وكالحال في قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} وقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} ، وقول الشاعر: ولست ممن إذا يسعى لمكرمة ... يسعى وأنفاسه بالخوف تضطرب فالمعنى الأساسي لا يتم لو حذفت الحال: "كسالى" أو: "جبارين" أو: "أنفاسه تضطرب؟ والثانية: "وهي الحال التي يفسد معنى الجملة بحذفها"؛ مثل: ليس الميت من فارق الحياة، إنما الميت من يحيا خاملًا لا نفع له؛ فلو حذفنا الحال: "خاملًا" وقلنا: الميت من يحيا لوقع التناقض الذي يفسد المعنى، ومثل كلمة: "لاعبين" في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} ، فلو حذفت الحال "لاعبين" لفسد المعنى أشد الفساد2 ... هذا، وما يبين الحال هيئته من فاعل، أو مفعول به، أو منهما معًا؛ أو من غيرهما، يسمى: "صاحب الحال3". والتعريف السابق مقصور على الحال "المؤسسة" دون "المؤكدة"؛ لأن المؤسسة هي التي تبين هيئة صاحبها، أما المؤكدة فلا تبين هيئة، ومثال الأولى: ارتمى السارق صارخًا، ومثال الثانية: ولى الحزين منصرفًا، وسيجيء بيانهما وتفصيل الكلام عليهما قريبًا 4. أقسام 5 الحال، والكلام على كل قسم: تتعدد أقسام الحال بتعدد الاعتبارات المختلفة التي ينبني عليها التقسيم، وفيما يلي
أشهر هذه الاعتبارات، وما تؤدي إليه. الأول: انقسام الحال باعتبار ثبات معناها وملازمته1 شيئًا 2 آخر، أو عدم ذلك إلى "منتقلة"، وهي الأكثر، "وثابتة"، وهي الأقل. فالمنتقلة: هي التي تبين هيئة شيء2مدة مؤقتة، ثم تفارقه بعدها، فليست دائمة الملازمة له: مثل: أقبل الرابح ضاحكًا، أسرع البرق مشتعلًا، شاهدت كتائب النمل مهاجرة ... و ... ، فكل حال من الثلاثة: "ضاحكًا، مشتعلًا، مهاجرة" يدل على معنى ينقطع، "فالضحك" لا يلازم صاحبه إلا مدة محددة يزول بعدها، وكذلك: "الاشتعال"، أو "المهاجرة". والثابتة: هي التي تبين هيئة شيء تلازمه غالبًا ولا تكاد تفارقه، وتتحقق الملازمة في إحدى صور ثلاث. أ- أن يكون معناها التأكيد، وهذا يشمل: 1– أن يكون معناها مؤكدًا مضمون جملة قبلها، بشرط أن يكون هذا المضمون أمرًا ثابتًا ملازمًا في الغالب، فيتفق معنى الحال ومضمون الجملة؛ ويترتب على هذا أن تكون الحال ثابتة ملازمة صاحبها تبعًا لذلك؛ نحو: خليل أبوك رحيمًا، "فرحيما" حال من "أب" الذي هو صاحبها الملازمة له، ومعنى هذا الحال وهو: "الرحمة" يوافق المعنى الضمني للجملة التي قبلها، وهو: "أبوة خليل"؛ لأن هذه الأبوة لا تتجرد من الرحمة، كما أن المعنى الضمني للجملة هو معنى الحال، إذ مضمون: "خليل أبوك" أنه رحيم، بداعي الأبوة التي تقتضي الرحمة والشفقة كما سلف، فلهذا كان معنى الحال مؤكدًا مضمون الجملة التي قبلها، والحال فيها ملازمة صاحبها. ويشترط في هذه الجملة التي قبلها أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها "وهما: المبتدأ والخبر" معرفتين، جامدتين3، ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا وعن
عاملها، وأن يحذف عاملها وصاحبها1 وجوبًا؛ طبقًا للتفصيل الذي سيأتي ... 2– وكذلك يشمل أن تكون مؤكدة لعاملها؛ إما في اللفظ والمعنى معًا، نحو، قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، وإما في المعنى فقط، نحو، قوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} ، فكلمة: "حيا" حال من نائب فاعل المضارع: أبعث، أي: من الضمير المستتر "أنا"، ومعناها: الحياة، وهو معنى الفعل: أبعث؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فمعناها مؤكد لمعنى عاملها، والرسالة صفة ملازمة للرسول، وكذا حياة المبعوث؛ فكلاهما وصف حل بصاحبه لا يفارقه. 3– ويشمل أيضًا أن تكون مؤكدة بمعناها معنى صاحبها مع ملازمتها صاحبها؛ نحو: اختلف كل الشعوب جميعًا، فكلمة "جميعًا" حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو: "كل"؛ لأن معنى الجمعية هو معنى الكلية، لا يفترقان. وسنعود للكلام على أنواع من المؤكدة بمناسبة أخرى2. ب– أن يكون عاملها دالًا على تجدد صاحبها؛ بأن يكون صاحبها فردًا من نوع يستمر فيه خلق الأفراد وإيجادها على مر الأيام، أي: أن لذلك الفرد أشباهًا ونظراء توجد وتخلق بعد أن لم تكن، ويتكرر هذا الخلق والإيجاد طول الحياة؛ نحو: "خلق الله جلد النمر منقطًا، وجلد الحمار الوحشي مخططًا"، فكلمة "منقطًا" حال، وكذا كلمة "مخططًا"، وعاملهما: "خلق" وهو يدل على تجدد هذا المخلوق، أي: إيجاد أمثاله، واستمرار الإيجاد ي الأزمنة المقبلة.
جـ– أحوال مرجعها السماع، وتدل على الدوام بقرائن خارجية؛ مثل: "قائمًا" في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} ، فكلمة "قائمًا" حال، وعاملها الفعل: "شهد"، وصاحبها: "الله". ودوام القيام بالقسط معروف من أمر خارجي عن الجملة؛ هو: صفات الخالق. ومثل: "مفصلًا" في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} 1. الثاني: انقسامها بحسب الاشتقاق والجمود إلى: "مشتقة" وهي الغالبة؛ كالأمثلة السالفة وإلى "جامدة" وهي القليلة، ولكنها مع قلتها قياسية في عدة مواضع 2؛ سواء أكانت جامدة مؤولة بالمشتق، أم غير مؤولة 3. وأشهر مواضع المؤولة بالمشتق أربعة: أ- أن تقع الحال "مشبهًا به" في جملة تفيد التشبيه إفادة تبعية غير
مقصودة لذاتها، نحو: ترنم المغني بلبلا سارت الطيارة برقا هجم القط أسدا. فالكلمات الثلاث: "بلبلا، برقا، أسدا" أحوال منصوبة مُئَوَّلَة بالمشتق، "أي: سارا، سريعة، جريئا"، وكل حال من الثاث يعد بمنزلة المشبه به، "أي: كالبلبل، كالبرق، كالأسد"، ولا يعتبر مشبها به مقصودا حقيقة؛ لأن التشبيه المقصود الأول هنا، إنما المقصود الأول هو المعنى الحادث عند التأويل بالمشتق. ب- أن تكون الحال دالة على مفاعلة: "بأن يكون لفظها أو معناها جاريا على صيغة "المفاعلة"، وهي صيغة تقتضي في الأغلب المشاركة من جانبين أو فريقين في أمر"، نحو، سلمت البائع نقوده مقابضة، أو: سلمت البائع النقود يدا بيد، فكلمة: "مقابضة"، حال جامدة، ولفظها على صيغة: "المفاعلة" مباشرة ومعناها: "مقابضين"، وهذا يستلزم اشتراك البائع والمتكلم في عملية القبض. ولهذا كانت الحال هنا مبنية هيئة الفاعل والمفعول به معا، أي: أن صاحب الحال هو الأمران. ومثلها: يدا بيد1، إذ معنى الكلمتين لا لفظهما جاريا على صيغة: "المفاعلة" غير المباشرة؛ لأن معناهما: "مقابضة" وتأويلها: "مقابضين" أيضا، والأسهل عند الإعراب أن نقول: "يدا" حال من الفاعل والمفعول به معا، و: "بيد" جار ومجرور متعلقان بمحذوف، صفة للحال، والتقدير: ملتصقة بيد مثلا فمن مجموع هذه الصفة والموصوف ينشأ معنى الحال، وهو: "المفاعلة" المقتضية للمشاركة، فهذه المشاركة لا تتحقق إلا باجتماع الصفة والموصوف في المعنى. أما في الإعراب فكلمة: "يدا" وحدها هي الحال، وهي أيضا الموصوف، و"بيد" ... صفة ... ومثل هذا يقال في: "كلمت المنكر عينه إلى عيني1 أي: مواجهة أو مقابلة، بمعنى مواجهين ... فكلمة "عين" حال2 من الفاعل والمفعول به
معًا، وهي مضاف، "والهاء" مضاف إليه، و"إلى عيني" جار ومجرور، ومضاف إليه، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة؛ والتقدير؛ عينه المتجهة إلى عيني ... ومجموع الصفة والموصوف هو الذي يوجد صيغة: "المفاعلة" برغم أن الإعراب يقتضي التوزيع على الطريقة السالفة؛ فتكون: "عين" الأولى وحدها هي الحال والموصوف معًا، وما بعدها صفة ... ومثل هذا أيضًا: كلمت الصديق فاه إلى في "أي: فمه إلى فمي"، بمعنى مشافهة؛ المؤولة بكلمة: مشافهين. ومثل: ساكنته غرفته إلى غرفتي؛ بمعنى: ملاصقة، التي تؤول بكلمة: ملاصقين، وجالسته جنبه إلى جنبي، كذلك ... ، وكل هذا قياس في الرأي الأحسن. ج– أن تكون دالة على سعر؛ نحو: بع القمح كيله بثلاثين، أي: مسعرًا فكلمة "كيلة" حال منصوبة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف، هو صفتها، والتقدير: كائنة مثلًا ومن مجموع الصفة والموصوف يكون المشتق المؤول. د– أن تكون الحال دالة على ترتيب: نحو: ادخلوا الغرفة واحدًا واحدًا 1أو: اثنين اثنين، أو: ثلاثًا ثلاثًا ... والمعنى: ادخلوها: مترتبين. وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولًا مجملًا، مشتملًا ضمنًا على جزأيه المكررين، ثم يأتي بعده تفصيله مشتملًا صراحة على بيان الجزأين المكررين. ومن أمثلته: يمشي الجنود ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة ... ، ينقضي
الأسبوع يومًا يومًا، وينقضي الشهر أسبوعًا أسبوعًا، وتنقضي السنة السنة شهرًا شهرًا، وهكذا 3، ومن مجموع الكلمتين المكررتين تنشأ الحال المؤولة؛ الدالة على الترتيب ولا يحدث الترتيب من واحد فقط، لكن الأمر عند الإعراب يختلف؛ إذ يجب إعراب الكلمة الأولى وحدها هي الحال من الفاعل كما في الأمثلة السالفة أو من المفعول به، أو من غيره على حسب الجمل الأخرى التي تكون فيها. أما الكلمة الثانية المكررة فيجوز إعرابها توكيدًا لفظيًا للأولى، كما يجوز وهذا أحسن أن تكون معطوفة على الأولى بحرف العطف المحذوف "الفاء" أو: "ثم" دون غيرهما من حروف العطف1، فالأصل: ادخلوا الغرفة واحدًا فواحدًا، أو: ثم واحدًا يمشي الجنود ثلاثة فثلاثة، أو: ثم ثلاثة ... 2، ويصح أن يقال: ادخلوا الأول فالأول 3 ... و ... و ... فيكون حرف العطف ظاهرًا، وما بعده معطوف على الحال التي قبله، ولكن الحال هنا مع صحتها فقدت الاشتقاق والتنكير معًا. هـ- أن تكون مصدرًا صريحًا 4 متضمنًا معنى الوصف "أي: معنى المشتق"؛
بحيث تقوم قرينة تدل على هذا؛ نحو: اذهب جريًا لإحضار البريد، أي: جاريًا تكلم الخطيب ارتجالًا، أي: مرتجلًا1 حضرالوالد بغتة، أي مفاجئًا لا تثق بالكذوب، واعلم يقينا ... أن شر الرجال فينا الكذوب أي: متيقنًا. وقد ورد بكثرة في الكلام الفصيح وقوع المصدر الصريح المنكر حالًا؛ ولكثرته كان القياس عليه مباحًا في رأي بعض المحققين 2، وهو رأي فوق صحته فيه تيسير، وتوسعة، وشمول لأنواع من المصادر أجازها فريق، ومنعها فريق، ولا معنى لتأويل المصادر الكثيرة المسموعة تأويلًا يبعدها عن المصدر، كما فعل بعض النحاة من ابتكار عدة أنواع من التأويل بغير داع 3؛
إذ لم يراعوا للكثرة حقها الذي يبيح القياس 1. وأشهر مواضع الحال الجامدة التي لا تتأول بالمشتق سبعة: أ– أن تكون الحال الجامدة موصوفة بمشتق2 أو بشبه 3 المشتق؛ نحو: "ارتفع السعر قدرًا كبيرًا، وقفت القلعة سدًا حائلًا، تخيل العدو القلعة جبلًا في طريقه، عرفت جبل المقطم حصنًا حول القاهرة. والنحاة يسمون هذا الحال الموصوفة: "بالحال الموطئة"، "أي: الممهدة" لما بعدها؛ لأنها تمهد الذهن، وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة التي لها الأهمية الأولى دون الحال، فإن الحال غير مقصودة؛ وإنما هي مجرد وسيلة وطريق إلى النعت الذي بعدها، ولهذا يقسم النحاة الحال قسمين: أحدهما: "الموطئة"، وتسمى أيضًا: "غير المقصودة"، وهي التي شرحناها. وثانيهما: "المقصودة مباشرة"؛ وهي المخالفة للسالفة.
ب– أن تكون دالة على شيء له سعر؛ نحو: اشتريت الأرض قيراطًا بألف قرش، وبعتها قصبة بدينار رضيت بالعسل رطلًا بعشرة قروش، وبعته أقة بثلاثين ... فالكلمات؛ "قيراطًا، قصبة، رطلًا، أقة" حال جامدة، وهي من الأشياء التي تسعر؛ كالمكيلات، والموزونات، والمساحات ... جـ– أن تكون دالة على عدد؛ نحو: اكتمل العمل عشرين يومًا، وتم عدد العاملين فيه ثلاثين عاملًا، فكلمة: "عشرين" و"ثلاثين"، ... حال. د– أن تكون إحدى حالين ينصبهما "أفعل التفصيل"، متحدتين في مدلولهما، وتدل على أن صاحبها في طور من أطواره مفضل1 على نفسه أو على غيره، في الحال الأخرى، نحو: هذا الخادم شبابًا أنشط منه كهولة، فللخادم أطوار مختلفة؛ منها طور الشباب، وطور الكهولة، وهو في طور الشباب مفضل على نفسه في طور الكهولة، وناحية التفضيل هي: النشاط. ومثل: الشتاء بردًا أشد منه دفئًا، فللشتاء أطوار، منها طور البرودة، وطور الدفء، وهو في ناحية البرد أشد منه في ناحية الدفء، ومثل: الحقل قصبًا أنفع منه قمحًا. ومن الأمثلة للمفضل على غيره: الولد غلامًا أقوى من الفتاة غلامة2 المنزل سكنًا أحسن من الفندق إقامة ... وكلتا الحالين في جميع ما تقدم منصوبة بأفعل التفضيل، والأكثر أن تتقدم إحداهما عليه، وهي المفضلة، وتتأخر الثانية 3. هـ- أن تكون نوعًا من أنواع صاحبها المتعددة؛ نحو: هذه أموالك4 بيوتًا؛ فكلمة: "بيوتًا" حال، وصاحبها وهو: أموال له أنواع متعددة
"منها: البيوت، والزروع والمتاجر، والثياب ... "، ونحو: هذه ثروتك كتبًا، وهذه كتبك هندسية ... و– أن يكون صاحبها نوعًا معينًا وهي فرع منه؛ نحو، رغبت في الذهب خاتمًا، انتفعت بالفضة سوارًا، تمتعت بالحرير قميصًا ... و ... فكل من الذهب؛ والفضة، والحرير، نوع، والحال فرع منه1. ز– أن كون هي النوع وصاحبها هو الفرع المعين؛ نحو: رغبت في الخاتم ذهبًا انتفعت بالسوار فضة، تمتعت بالقميص حريرًا 2 ... الثالث: انقسامها من ناحية التنكير والتعريف: لا تكون الحال إلا نكرة 3، كالأمثلة السالفة، وقد وردت معرفة في ألفاظ مسموعة لا يقاس عليها، ولا يجوز الزيادة فيها، ومنها كلمة "وحد" في قولهم: جاء الضيف وحده سايرت الزميل وحده، فكلمة: "وحد" حال، معرفة؛ بسبب إضافتها للضمير؛ وهي جامدة مؤولة بمشتق من معناها، أي: منفردًا، أو متوحدًا 4.
ومنها: "رجع المسافر عوده على بدئه"، فكلمة: "عود" حال، وهي معرفة، لإضافتها للضمير، ومؤولة بالمشتق، على إرادة: رجع عائدًا، أو راجعًا على بدئه، والمعنى: رجع عائدًا فورًا، أي: في الحال: أو: رجع على الطريق نفسه. ومنها: "ادخلوا الأول فالأولى1"، أي: مترتبين، ومنها: جاء الوافدون الجماء الغفير 2، أي: جميعًا. ومنها: قولهم في رجل أرسل إبله أو حمره الوحشية إلى الماء، مزاحمة غيرها ومعاركة: أرسلها العراك، أي: معاركة، مقاتلة3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الألفاظ التي وقعت حالًا مع أنها معرفة بالإضافة، قولهم: تفرق المهزومون أيادي سبأ، على تأويل: متبددين، لا بقاء لهم، أو على تأويل "مثل أيادي سبأ"1، وحذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه؛ فأعرب حالًا مثله2. ومنها: طلبت الأمر جهدي، أو طاقتي، على تأويل، جاهدًا، ومطيقًا 3. ومنها: العدد من ثلاثة إلى عشرة، مضافًا إلى ضمير المعدود؛ نحو: مررت بالإخوان ثلاثتهم ... أو خمستهم ... أو سبعتهم ... على تأويل مثلثًا إياهم، أو مخمسًا، أو مسبعًا ... ويجوز اتباعه لما قبله؛ فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًا: بمعنى جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد. والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد؛ بل يسري على المركب؛ نحو: جاء القوم خمسة عشرهم؛ بالبناء على الفتح 4 في محل نصب، أو محل غيره على حسب حاجة الجملة.
الرابع: انقسامها من ناحية انها هي نفس صاحبها في المعنى أو ليست كذلك. الغالب أنها هي نفسه؛ كالحال المشتقة في نحو: صاح المتألم صارخًا، شاهدت الطيور مبكرة ... فالصارخ في الجملة، هو المتألم، والمتألم هو الصارخ؛ والمبكرة هي الطيور، والطيور هي المبكرة. وغير الغالب أن تكون مخالفة له، كالحال الواقعة مصدرًا صريحًا في نحو: خرج الولد جريًا، وجاء القادم بغتة، وأشباههما؛ فإن الجري ليس هو الولد، والولد ليس هو الجري، والبغتة ليست هي القادم، والقادم ليس هو البغتة، وقد سبق 1 الكلام على صحة وقوع المصدر حالًا، وهذه المخالفة لصاحبها لا تؤثر في المعنى مع القرينة. الخامس: انقسامها بحسب تأخيرها عن صاحبها، أو تقديمها عليه، وبحسب تأخيرها عن عاملها أو تقديمها عليه إلى ثلاثة أقسام في كل2 هي: وجوب تأخيرها، ووجوب تقديمها، وجواز الأمرين. ترتيبها مع صاحبها: أ– يجب تأخيرها عن صاحبها إذا كانت محصورة 3، نحو قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} ، فلا يصح تقديم الحال وحدها؛ لأن تقديمها يفسد سلامة التركيب، ويزيل الحصر والغرض البلاغي منه،. ولو تقدمت معها "إلا" فالأحسن المنع أيضًا، مع مجاراة لنهج الصحيح الشائع. وكذلك يجب تأخيرها إن كان صاحبها مجرورًا بالإضافة "أي: أنه مضاف إليه" 4، نحو: أعجبني شكل النجوم واضحة؛ فلا يجوز تقديم الحال: "واضحة" على صاحبها المضاف: "النجوم" لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف
إليه، والفضل بها لا يصح، كما لا يصح في الرأي الأنسب تقديمها على المضاف، "ولا فرق في الحالين بين الإضافة المحضة وغيرها". أما إذا كان صاحبها مجرورًا بحرف جر أصلي؛ نحو: جلست في الحديقة، ناضرة، فالأحسن الأخذ بالرأي القائل بجواز تقديمها؛ لورود أمثلة كثيرة منها في القرآن وغيره تؤيده 1، ولا داعي لتكلف التأويل والتقدير2 والتقديم، فإن كانت مجرورة بحرف جر زائد جاز التقديم؛ نحو: ما جاء متأخرًا من
أحد، وهذا بشرط أن يكون حرف الجر الزائد مما لا يمتنع حذفه، أو مما لا يقل حذفه؛ فالذي يمتنع كالباء الداخلة على صيغة: "أفعل" الخاصة بأسلوب التعجب؛ نحو: أحمل بالنجوم1 طالعة، والذي يقل كالباء في فاعل: "كفى" بمعنى: "يكفي"، مثل: كفى بالزمان مرشدًا، فإن كان حرف الجر الزائد مما يمتنع حذفه، أو يقل لم يجز تقديم الحال عليه. وزاد بعض النحاة مواضع أخرى يمتنع فيها تقديم الحال على صاحبها، منها: أن يكون صاحبها منصوبًا بالحرف الناسخ: "كأن" أو: "ليت"، أو: "لعل" أو بفعل تعجب، أو بصلة الحرف المصدري في نحو: أعجبني أن ساعدت الفقيرة عاجزة أو أن يكون ضميرًا متصلًا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقة صافيًا2. ب– ويجب تقديمها على صاحبها إذا كان محصورًا؛ نحو: ما فاز خطيبًا إلا البليغ، ولا انتصر مدافعًا إلا الصادق. أو كان صاحبها مضافًا إلى ضمير يعود على شيء له صلة وعلامة بالحال، نحو: جاء زائرًا هندًا أخوها، جاء منقادًا للوالد ولده. ج– ويجوز التقديم والتأخير في غير حالتي الوجوب السالفتين، نحو دخل الصديق مبتسمًا، أو: دخل، مبتسمًا، الصديق. ترتيبها مع عاملها3: أ– يجب أن تتأخر عنه إن كان فعلًا جامدًا كفعل التعجب؛ نحو:
ما أحسن الصديق وفيًا، أو كان مشتقًا يشبه الجامد، كأفعل التفضيل1؛ نحو: أنت أفصح الناس متكلمًا 2. أو كان عاملها مصدرًا صريحًا يمكن تقديره بأن والفعل والفاعل، نحو: من الخير إنجازك العمل سريعًا، فكلمة: "سريعًا" حال من الكاف، والعامل هو المصدر الصريح3: "إنجاز" ومن الممكن أن يحل محله مصدر مؤول من أن والفعل والفاعل فتكون الجملة: من الخير أن تنجز العمل سريعًا، ومثله أن تقول: يعجبني إنجاز الصانع عمله سريعًا؛ فكلمة: "سريعًا" حال من "الصانع"، والعامل هو: "نجاز" أيضًا. فإن كان المصدر الصريح غير مقدر بهما جاز تقديم الحال وتأخيره؛ نحو: معتذرًا لك صفحًا عن المسيء ... أو: صفحًا عن المسيء معتذرًا لك. أو كان العالم اسم فعل؛ نحو: نزال مسرعًا؛ أي: انزل مسرعًا؛ لأن معمول اسم الفعل لا يتقدم عليه.
أو كان العامل معنويًا؛ "وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروف الفعل كألفاظ الإشارة، والاستفهام، وأحرف التمني والتشبيه، وكشبه الجملة الظرف، أو الجار مع مجروره الواقع خبرًا، أو نعتًا كذلك"1، نحو: هذا كتابك جميلًا، فكلمة: "جميلًا" حال من الخبر: "كتاب" والعامل هو اسم الإشارة، ومعناه: أشير؛ فهو يتضمن معنى الفعل، دون أن يشتمل على حروفه. ومثل: ليت الصانع، متعلمًا، حريص على الإتقان، فكلمة: "متعلما" حال من الصانع، والعامل "هو: ليت"، وحرف معناه: "أتمنى"، فيتضمن معي الفعل دون حروفه ... ومثل: كأن الباخرة، واسعة، فندق كبير، ومثل: الزروع أمامك ناضرة، أو: الزروع في حديقتك، ناضرة ... والاستفهام المقصود به التعظيم؛ نحو: يا جارتا، ما أنت، جارة؟ وهكذا كل ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه غير ما سبق، كأدوات التنبيه، والترجي، والنداء ... لكن بعض النحاة يستثني من العامل الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه، شبه الجملة بنوعيه "الظرف والجار مع مجروره"، فيجيز أن يتقدم عليها الحال أو يتأخر، نحو: "الحارس عند الباب واقفًا، و: الحارس، واقفًا، عند الباب"، نحو: القط في الحديقة قابعًا، أو: القط، قابعًا، في الحديقة، وإنما يجيز تقدم هذه الحال بشرط أن تتوسط بين مبتدأ متقدم وخبره شبه الجملة المتأخر عنه، وعن الحال معًا، ولا يصح تقدم الحال عليهما معًا، فلا يقال: "واقفًا، الحارس عند الباب، ولا قابعًا القط في الحديقة"، فإن تقدمت الحال والخبر معًا، وكانت الحال هي الأسبق جاز؛ نحو: واقفًا عند الباب الحارس، وهذا رأي مقبول2.
ويصح عند أكثر النحاة تقديم الحال على عاملها "شبه الجملة" إن كانت هي شبه جملة أيضًا؛ نحو: الخير عندك أمامك، أو الخير في الدار أمامك ... على اعتبار الظرف "عند"، والجار مع مجروره "في الدار" حالين من الضمير المستكن في شبه الجملة بعدهما1. أو كانت الحال مؤكدة معنى الجملة2؛ نحو: على جدك شفيقًا، وتقدير العامل: علي جدك أعرفه، "أو: أعلمه، أو: أحقه ... " شفيقًا، فعامل الحال وصاحبها "باعتباره الضمير" محذوفان وجوبًا قبل الحال. أو كان العامل قد عرض له ما يمنع من تقدم معموله عليه، كالماضي المبدوء بلام الابتداء 3، أو بلام جواب القسم 4؛ فإن المعمول لا يتقدم على هذه اللام نحو: إني لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب، أو: والله لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب. وكالعامل الواقع في صلة حرف مصدري مطلقًا؛ نحو: لك أن تنتقل راكبًا: أو الواقع صلة "أل"5، نحو: أنت السائق بارعًا؛ لأن معمولهما لا يتقدم عليهما في الرأي الراجح. أو كانت الحال جملة مقترنة بالواو؛ نحو: اقر الكتاب والنفس صافية6.
ب– يجب أن تتقدم عليه إذا كان لها الصدارة، نحو: كيف أنقذت الغريق؟ فكلمة: "كيف" اسم على الأرجح مبني على التفح في محل نصب، حال1. ج– يجوز الأمران في غير الحالتين السالفتين، مثل: واقفًا أنشد الشاعر القصيدة. وأشباه هذا مما يكون فيه عامل الحال فعلًا متصرفًا، أو مشتقًا يشبه الفعل المتصرف، أو مصدرًا نائبًا عن فعله المحذوف وجوبًا "كما سبقت الإشارة إليه"2، والمراد بالذي يشبه الفعل ما يتضمن معنى الفعل وحروفه، ويقبل عاملات التأنيث، والتثنية، والجمع3، فمثال الحال المتقدمة على عاملها الفعل المتصرف غير ما سبق راغبًا أقبلك على زيارتك، ومثال المتقدمة على اسم فاعل: مسرعة الطائرة مسافرة، ومثال المتقدمة على صفة مشبهة: الإنسان، قانعًا، غني، ومثال اسم المفعول: الحاكم، ظالمًا، محطم ... ومثال المتقدمة على المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا: متعلمة إكرامًا هندًا4. د– إذا كان العامل هو أفعل التفضيل الذي يقتضي حالين5 إحداهما تدل على أن صاحبها في طور من أطواره أفضل من نفسه، أو غيره في الحال الأخرى، فالأحسن أن تتقدم إحداهما على أفعل التفضيل، وتتأخر الثانية كما سبق 6 نحو: الحقل قطنًا أنفع منه قمحًا الفدان عنبا أحسن منه قطنًا المتعلم تاجرًا أقدر منه زارعًا، المصباح الكهربي منفردًا أقوى من عشرات الشموع
مجتمعة1، ومثل قول علي -رضي الله عنه- لأنصاره، وهم يعرضون عليه الخلافة أول الأمر: "أنا لكم وزيرًا، خير لكم من أميرًا ... ". ملاحظة: أجاز فريق من النحاة ما يشيع اليوم في بعض الأساليب، من تأخر الحالين معًا عن أفعل التفضيل، بشرط أن تقع بعده الحال الأولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه؛ نحو: المتعلم أقدر تاجرًا منه زراعًا المصباح الكهربي أقوى منفردًا من عشرات الشموع مجتمعة هذه الفاكهة أطيب ناضجة منها فجة. السادس: انقسامها بحسب التعدد الجائز والواجب وعدمه، إلى واحدة وإلى أكثر: قد يكون الحال واحدة لواحد؛ نحو: يقف الشرطين متيقظًا، وهذه تطابق:
صاحبها الحقيقي في الإفراد وفروعه، وفي التأنيث والتذكير1 نحو: هبط الطيار هادئًا، هبط الطياران هادئين، هبط الطيارون هادئين، هبطت الطيارة هادئة ... و ... وقد تكون الحال واحدة ولكن يتعدد ما تصلح له، من غير أن توجد قرينة تعين واحدًا مما يصلح؛ نحو: قابلت الأخ راكبًا، والأنسب من هذا النوع أن تكون للأقرب، ومنع بعض النحاة هذا الأسلوب، لإبهامه، وخفاء الصاحب الحقيقي، ورأيه سديد. والمتعددة 2 قد تكون متعددة لواحد، فتطابقه في الأمور السالفة، نحو: هبط الطيار هادئًا، مبتسمًا، لابسًا ثياب الطيران، ونزل مساعده نشيطًا مبتهجًا حاملًا بعض معداته، وخرجت المضيفة مسرعة قاصدة حجرتها ... ، ولا يجوز وجود حرف عطف بين الأحوال المتعددة ما دامت أحوالًا، فإن وجد حرف العطف صح، وكأن ما بعده معطوفًا، ولا يصح أن يعرف حالًا 3. وقد تكون متعددة لأكثر من واحد؛ فإن كان معنى الأحوال ولفظها واحدًا وجب تثنيتها، أو جمعها على حسب أصحابها من غير نظر للعوامل، أهي متحدة في عملها وألفاظها، ومعانيها، أم غير متحدة في شيء من ذلك؟ نحو: عرفت النحل والنمل دائبين على العمل، والأصل: عرفت النحل دائبًا ... والنمل دائبًا ... والحالان متفقان لفظًا ومعنى4، وهما يبينان هيئة شيئين؛ فوجب تثبيتهما تبعًا لذلك، فرارًا من التكرار، ونحو: أبصرت في الباخرة الربان،
والبحار والمهندس منهمكين في إدارتها، والأصل: أبصرت الربان منهمكًا، والبحار منهمكًا، والمهندس منهمكًا، فالحال هنا متعددة، وهي متفقة الألفاظ والمعاني، وأصحابها ثلاثة؛ فجمعت وجوبًا تبعًا لذلك، استغناء عن التكرار. ونحو: بنيت البيت وأصلحت السور جميلين، ووقفت سعاد وشاهدت أمها متكلمتين1. هذا، والتكرار الممنوع في التثنية والجمع هو تعدد الأحوال متوالية، كل واحدة وراء الأخرى مباشرة 2، أما وقوع كل واحدة بعد صاحبها مباشرة، فليس بممنوع، وإن تعددت لمتعدد وكانت مختلفة الألفاظ والمعاني وجب التفريق بغير عطف؛ بحيث تكون كل حال بعد صاحبها مباشرة، وهو الأحسن؛ منعًا للغموض، ويجوز تأخير الأحوال المتعددة كلها وتكون الأولى منا للاسم الأخير 4 والحال الثانية للاسم الذي قبله 2، والحال الثالثة للاسم الذي قبل هذا3 ... وهكذا ترتب الأحوال مع أصحابها ترتيبًا عكسيًا، فأول الأحوال لآخر الأصحاب، وثاني الأحوال للصاحب الذي قبل الأخير ... ومراعاة هذا واجبة. إلا إن قامت قرينة تدل على غيره، فمثال مراعاة الترتيب السابق: كنت أسوق السيارة فأبصرت زميلي في سيارته قاصدًا الريف، مقبلًا من الريف، فكلمة: "قاصدًا" حال من "زميل" بإعطاء أول الحالين لآخر الاسمين، وكلمة: "مقبلًا" حال من التاء في: "أبصرت"، بإعطاء ثاني الحالين للاسم الذي قبل السابق ... و ... ومثال مخالفة هذا الترتيب لقرينة تدعو للمخالفة: لقي الترجمان جماعة السياح باحثًا عنهم، سائله عنه، فكلمة: "باحثًا" حال من: "الترجمان"، وكلمة: "سائلة" حال من "جماعة" ولو روعي الترتيب هنا لاختلت المطابقة الواجبة بين الحال وصاحبها في التذكير والتأنيث، فالذي ربط بين الحال وصاحبها، وعين لكل حال صاحبها هو قرينة التذكير فيهما معًا، أو التأنيث فيهما معًا، ومثل: حدث المحاضر طلابه وافقًا جالسين؛ فكلمة: "واقفا" حال من: "المحاضر"
و"جالسين" حال من: "الطلاب"، ولم يراع الترتيب؛ لأن اللبس مأمون؛ سبب وجود المطابقة التي تقضي بأن يكون صاحب المال المفردة مفردًا، وصاحب الحال المجموعة جمعًا1. والجدير في هذه المسألة وفي غيرها الاعتماد على القرينة؛ فلها الاعتبار الأول دائمًا. وإذا وقعت الحال بعد: "إما" التي للتفصيل، أو بعد: "لا" النافية وجب تعدد الحال، نحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، ونحو: يقفز الطيار؛ لا خائفًا، ولا مترددًا، أما في غير هذين الموضعين، فالتعدد جائز على حسب الدواعي المعنوية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– إذا تعددت الحال لواحد سميت: "مترادفة"؛ أي: متوالية، "تتلو الواحدة الأخرى"، ويجوز أن تكون الحال الثانية حالًا من الضمير المستتر في الأولى؛ وعندئذ تسمى الثانية: "متداخلة"، وهذا يجري فيكل حال متعددة، فيجوز أن تكون حالًا من ضمير التي قبلها مباشرة. ويمنع جماعة من النحاة ترادف الحالين؛ بزعم أن العامل الواحد لا ينصب إلا حالًا واحدة، وله حجة جدلية مردودة؛ لأنها من نوع الجدليات التي تسيء إلى النحو من غير أن تفيده1. ب– عرفنا أن يجوز أن تتعدد الحال من غير أن يتعدد صاحبها؛ نحو: مشيت بين الرياحين هانئًا، مستنشقًا أريجها، متمليًا جمالها ... ، ولكن لا يجوز أن تتعارض الأحوال، فلا يقال: حضر القطار سريعًا بطيئًا، ولا وقف الحارس متيقظًا غافلًا، نعم يجوز هذا عند إرادة الوصول إلى معنى واحد يؤخذ من الحالين معًا، ولا يؤديه أحدهما دون الآخر؛ نحو: أكلت الطعام ساخنًا باردًا، أي: معتدلًا في حرارته، ونحو: ركبت السيارة مسرعة بطيئة؛ أي: متوسطة في سرعتها، ومثل: لا تأكل الفاكهة ناضجة فجة، أي: متوسطة النضج، ونحو: اترك الطعام ممتلئًا جائعًا، أي: متوسطًا في الشبع، ونحو: تخير ثيابك واسعة ضيقة، أي: معتدلة السعة، وهكذا. بالرغم من أن المعنى المقصود لا يتحقق إلا من اللفظين معًا، فإن الإعراب يقتضي أن يكون كل لفظ منهما حالًا.
السابع: انقسامها بحسب الزمان إلى: مقارنة، ومقدرة 1 "مستقبلة" ... فالمقارنة هي التي يتحقق معناها في زمن تحقق معنى عاملها، وحصول مضمونه؛ بحيث لا يتخلف وقوع معنى أحدهما عن الآخر، نحو: "أقبل البريء فرحًا، هذا يسوق السيارة الآن محترسًا" فزمن الفرح، والاحتراس، وهو زمن وقوع معنى الفعلين: أقبل، يسوق ... 2. والمقدرة، أو المستقبلة3: هي التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها، أي: بعد تحقق معناه بزمن يطول أو يقصر؛ فحصول معنى الحال هنا متأخر عن حصول مضمون عاملها؛ نحو: سيسافر بعض الطلاب غدًا إلى البلاد الغربية؛ موزعين فيها، متدربين في مصانعها، ثم يعودون عاملين في مصانعنا؛ فزمن التوزع والتدرب متأخر عن السفر، الذي هو زمن حصول العامل، ومستقبل بالنسبة له، وكذلك العمل متأخر عن العودة. وكقوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، فكلمة "شاكرًا" حال، وزمن وقوعه متأخر حتمًا عن زمن عامله "وهو الفعل: هدى"، وكلمة: "كفورًا" معطوف عليه، وهو حال مثله، وكذلك قوله تعالى للصالحين أهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} ، وقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، فكل من الأمن والخلود متأخر في زمنه عن زمن الدخول لا محالة ... 4
والحال المقارنة أكثر استعمالًا وورودًا في الكلام، ولا تحتاج إلى قرينة كالتي يحتاج إليها غيرها. الثامن: انقسامها بحسب التأسيس والتأكيد على مؤسسة ومؤكده، فالمؤسسة، وتسمى المبينة1: هي التي تفيد معنى جديدًا لا يستفاد من الكلام إلا بذكرها، نحو: وقف الأسد في قفصه غاضبًا، ثم هدأ حين رأى حارسه مقبلًا"، فكلمة، "غاضبًا" حال مؤسسة: لأنها أفادت الجملة معنى جديدًا لا يفهم عند حذفها. وكذلك كلمة: "مقبلًا" وأشباههما من الأحوال التي لا يستفاد معناها من سياق الكلام بدون ذكرها. والمؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديدًا, وإنما تقوي معنى تحتويه الجملة قبل مجيء الحال 2، ولو حذفت الحال لفهم معناها مما بقي من الجملة، نحو: لا تظلم الناس باغيًا، ولا تتكبر عليهم مستعليًا، "فالبغي"هو الظلم، و"الاستعلاء" هو الكبر، ولو حذف كل من الحالين في المثال "وهما يؤكدان عاملهما" ما نقص المعنى، ولا تغير، ولفهم معناها من بقية الكلام، ومثلهما باقي الأحوال التي يستفاد معناها بغير وجودها. وقد سبق في مناسبة أخرى 3 الإشارة إلى المؤكدة، وأنها قد تكون مؤكدة لمضمون الجملة؛ نحو: خليل أبوك عطوفًا، أو مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى؛ نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، أو معنى فقط: نحو: {.... وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً....} ؛ لأن البعث يقتضي الحياة، أو مؤكدة لصاحبها؛ نحو قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} ، فكلمة: "جميعًا" حال من الفاعل "من"، وهذا الفاعل اسم موصول يفيد العموم، والحال هنا تفيد العموم، وهي مؤكدة له.
وأشرنا هناك إلى أن الجملة التي تؤكد الحال مضمونها لا بد أن تكون جملة اسمية، طرفاها معرفتان، جامدتان1؛ ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا، وعن عاملها أيضًا، وأن العامل في هذه الحال محذوف وجوبًا، وكذلك صاحبها. ففي المثال السابق: "خليل أبوك عطوفًا"، يكون التقدير: أحقه، أو: أعرفه، أعلمه، أو نحو ذلك، وهذا التقدير حين يكون المبتدأ كلمة غير ضمير المتكلم، فإن كان ضميرًا للمتكلم وجب اختيار الفعل أو العامل المقدر مناسبًا له، أي: أحقني أعرفني أعلم أني ... ولا بد أن تكون هذه الحال متأخرة عنه أيضًا. أما الغرض2 من التوكيد بالحال فقد يكون بيان اليقين، نحو: أنت الرجل معلومًا، أو الفخر، نحو: أنا فلان بطلًا، أو التعظيم؛ نحو: أنت العالم مهيبًا، أو: التحقير: نحو: هو الجاني مقهورًا؛ أو: التصاغر، نحو: رب أنا عبدك فقيرًا إليك؛ أو التهديد والوعيد، نحو: فلان قاهر للأبطال قادرًا على الفتك بك 3 ... التاسع: انقسامها بحسب الإفراد وعدمه إلى: مفردة، وجملة، وشبه جملة، ثم الكلام على ما تحتاج إليه الجملة الحالية من رابط.
أ– فالمفردة: ما ليست جملة ولا شبهها، نحو: أشرب الماء صافيًا 1 سر في الطريق حذرًا 2، ... ومثل كلمة: "جاهدًا" في قول الشاعر: ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة ... يجدها، ولا يسلم له الدهر صاحب ب– وشبه الجملة هو: "الظرف، والجار مع مجروره"، نحو: كنت في الطائرة فأبصرت البيوت الكبيرة فوق الأرض صغيرة، والسفن الضخمة بين الأمواج محتجبة إن دار الآثار في القاهرة مليئة بالنفائس تشكلت الثلوج على الغصون أشكالًا بديعة ... ولا بد في شبه الجملة أن يكون تامًا؛ أي: مفيدًا، وإفادته قد تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك مما يكون مناسبًا له، ويجعله مقيدًا على الوجه الذي تكرر شرحه من قبل3 فلا يصح: هذا إبراهيم عنك، ولا هذا إبراهيم اليوم ...
وإذا كانت الحال جملة وستأتي أو شبه جملة، فلا بد أن يكون صاحبها معرفة1 محضة؛ "أي: معرفة لفظًا ومعنى"؛ مثل: وقف جاري يكلمني، فإن لم يكن معرفة خالصة؛ بأن كان معرفة في اللفظ دون المعنى؛ كالمبدوء "بأل الجنسية"، أو كان نكرة مختصة، بسبب نعت أو غيره2، جاز في الجملة وشبهها أن تكون حالًا، وأن تكون نعتًا؛ نحو: أعرف الطائرات تفوق غيرها في السرعة. وقد عرفنا طائرات سريعة تطوف بالكرة الأرضية في دقائق3 ... ونحو: في الجو تهدر الطائرات كقصف الرعود ... وهذه طائرة كبيرة أمامنا تهدر كالرعد. ج– والجملة4 قد تكون اسمية أو فعلية؛ نحو: لازمت البيت والمطر هاطل5 لازمت البيت، وقد هطل المطر6 ... وقد اجتمعت الجملتان في قول الشاعر:
كأن سواد الليل والفجر ضاحك ... يلوح ويخفى، أسود يتبسم ويشترط في الجملة الواقعة حالًا أن تكون خبرية، غير تعجبية "وعلى القول بأن الجملة التعجبية خبرية، فلا تصح الإنشائية بنوعيها1 الطلبي، وغير الطلبي، وأن تكون مجردة من علامة تدل على الاستقبال2كالسين وسوف، ولن، وأداة الشرط.... و.... وأن تكون مشتملة على رابط يربطها بصاحبها ليكون المعنى متصلًا بين الجملتين؛ فيحقق الغرض من مجيء الحال جملة، ولولا الرابط3 2لكانت الجملتان منفصلتين لا صلة بينهما، والكلام مفككًا4. والرابط قد يكون واوًا مجردة تسمى: واو5 الحال، نحو: احترست من الشمس والحرارة شديدة، وقد يكون الضمير6 وحده؛ نحو: تركت البحر أمواجه
عنيفة، وقد يكون الواو والضمير معًا، نحو: لا أكل الطعام وأنا شبعان، ولا أشرب الماء وهو غير نقي، وكقول الشاعر: إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيًا وهو مجهود .............................1 ... ............................... وقد يستغنى عن الرابط أحيانًا كما سيجيء2. لكن هناك موضعان تجب فيهما الواو، ومواضع أخرى تمتنع؛ فتجب الواو في الجملة الحالية الخالية من الضمير لفظًا وتقديرًا3؛ نحو: تيقظت وما طلعت الشمس، وفي الجملة المضارعية المثبتة، المسبوقة بالحرف: "قد؛ نحو قوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} . والمواضع التي تمتنع فيها الواو هي: 1- أن تكون جملة الحال اسمية واقعة بعد عاطف يعطفها على حال قبلها، نحو: سيجيء المتسابقون مشاة، أو هم راكبون 4السيارات؛ فلا يصح أن يكون الرابط هنا واو الحال؛ لوجود حرف العطف: "أو" وواو الحال لا تلاقي حرف عطف. 2- أن تكون جملة الحال مؤكدة لمضمون جملة قبلها5؛ كالقول عن القرآن هو الحق لا شك فيه، وقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه} ، وليس من اللازم أن تكون جملة الحال المؤكدة اسمية، فقد تكون فعلية أيضًا؛ نحو: هو الحق لا يشك فيه أحد ...
أما المؤكدة لعاملها فقد تقترن بالواو؛ نحو: قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} . 3– الجملة الفعلية الماضوية بعد "إلا" التي تفيد الإيجاب "أي: المسبوقة بكلام غير موجب فيكون المعنى بعدها موجبًا؛ نحو: ما تكلم العظيم إلا قال حقًا. ويرى بعض النحاة: أنه يجوز في هذا الموضع الربط بالواو، محتجًا بأمثلة فصيحة متعددة1، وحجته مقبولة، ولكن من يريد الاقتصار على الأعم الأفصح لا يساير هذا الرأي، ويجيز بعض آخر صحة الربط بالواو بشرط أن تقع بعدها "قد" مباشرة2، وهذا رأي حسن وفيه تيسير. 4– الجملة الماضوية المعطوفة على حال، بالحرف العاطف: "أو"؛ نحو: أخلص للصديق؛ حضر3 أو غاب.
5– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "لا"؛ نحو: ما أنتم؟ لا تعملون1. وقول الشاعر: فلا مرحبًا بالدار لا تسكنونها ... ولو أنها الفردوس أو جنة الخلد ومن القليل الذي لا يقاس عليه أن تقع الواو رابطة في الجملة الفعلية مضارعية، أو ماضوية إذا كانت مسبوقة بالحرف النافي "لا". 6– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "ما"2؛ نحو: عرفتك ما تحب العبث، وعهدتك ما تسعى للإيذاء. 7– الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد"؛ نحو: شهدت الطالب الحريص يسرع إلى المحاضرة, يتفرغ لها، وقد وردت أمثلة مسموعة من هذا النوع، وكان الرابط فيها الواو، منها قولهم: قمت وأصك عين العدو، ومنها: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت، وأرهنهم مالكا ومنها: "علقتها"3 عرضًا وأقتل قومها" ... وأمثلة أخرى. وقد تأول النحاة هذه الأمثلة ليدخلوها في نطاق القاعدة، ويخرجوها في مجال الشذوذ، ولا داعي لهذا التأول4 الذي لم يعرفه، ولم يقصد إليه الناطقون بتلك
الأمثلة، والخير أن نحكم عليها بما تستحقه من القلة والندرة التي لا تحاكى، ولا يقاس عليها. في غير هذه المواضع التي تمتنع فيها الواو يكون الربط بالواو وحدها، أو بالضمير وحده، أو بهما معًا، وقد سبقت الأمثلة لكل هذا1. وإذا كانت جملة الحال ماضوية مثبتة وفعلها متصرف، ورابطها الواو وحدها وجب مجيء "قد" بعد الواو مباشرة2؛ نحو: انصرفت وقد انتهى ميعاد العمل،
كان الرابط هو الضمير وحده، أو الواو أو الضمير معًا فالأحسن مجيء "قد". وتمتنع "قد" مع الماضي الممتنع ربطه بالواو، وقد سبق بيانه كالماضي التالي "إلا" الاستثنائية التي تفيد الإيجاب عند من يمنع ربطه بالواو1، أو الذي بعده: "أو". العاشر: انقسامها باعتبار جريانها على صاحبها أو عدم جريانها إلى قسمين؛ حقيقية وسببية2. فالحقيقية: هي التي تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ كالأمثلة التي مرت في أكثر الموضوعات السالفة، ومثل: فزع العصفور من المطر مبتلًا، فكلمة "مبتلًا" حال. تبين هيئة صاحبها نفسه؛ وهو: "العصفور" وقت فزعه، ولا تبين هيئة شيء آخر غير العصفور نفسه، كعشه، أو شجرته، أو صاحبه، أو طيور أخرى ومثل: وقف المصلي خاشعًا، فكلمة: "خاشعًا" حال تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ وهو: المصلي، ولا شأن لها بغيره ... ولا بد أن تطابق الحال الحقيقية3 صاحبها في التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية والجمع. والسببية: هي التي تبين هيئة شيء له اتصال وعلاقة بصاحبها الحقيقي، أي علاقة، دون أن تبين هيئة صاحبها الحقيقي مباشرة؛ مثل: فزع العصفور من
المطر مبتلًا عشه، ومثل: وقف المصلي خاشعًا قلبه، فكلمة: "مبتلًا" حال، كما كانت، وصاحبها هو: "العصفور" كما كان، أيضًا، ولكن الحال هنا لا تبين هيئة صاحبها الحقيقي: "العصفور"، وإنما تبين هيئة: "العش"، وللعش صلة وعلاقة بصاحبها؛ فهو مسكن العصفور ومأواه. كذلك المثال الثاني، فكلمة: "خاشعًا" حال، وصاحبها الحقيقي هو: المصلي. ولكنها لا تبين هيئته، وإنما تبين شيئًا له صلة وعلاقة به؛ هو قلبه؛ فإن قلبه جزء منه. ومن أمثلة السببية: كتبت الصفحة مستقيمة خطوطها، سمعت المغنية عذبًا صوتها، وسمعت القارئ واضحة نبراته. ولا بد في الحال السببية أن ترفع اسمًا ظاهرًا مضافًا لضمير يعود على صاحب الحال كالأمثلة السالفة، وأن تكون مطابقة لهذا الاسم المرفوع بها، في التذكير والتأنيث، والإفراد، دون التثنية والجمع، إذا الأحسن أن تلتزم معها الإفراد؛ نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مدخلاه، نظيفة مسالكه ... 1
المسألة 85
المسألة 85: صاحب الحال: عرفنا1 أن الحال قد تبين هيئة الفاعل في مثل: ينفع الصانع متقنًا، أو هيئة المفعول به في مثل: يحترم الناس العامل مخلصًا2 ... أو هيئة الفاعل والمفعول به معًا في نحو: استقبل الأخ أخاه مسرورين، أو هيئة المبتدأ3 في نحو: "الصحف، ماجنة، ضارة" ... أو غير ذلك مما تبين الحال هيئته؛ كالمضاف والمضاف إليه4 ... وهذا الذي تبين الحال هيئته يسمى: صاحب الحال؛ كالذي في الأمثلة السالفة: "الصانع، العامل، الأخ، أخاه، الصحف ... والأكثر في صاحب الحال أن يكون معرفة، وقد يكون نكرة بمسوغ من المسوغات الآتية: 1– أن تكون النكرة متأخرة والحال متقدمة عليها؛ نحو: "يمشي، حزينًا، مدين"، "يدعو، متألمًا، مظلوم"5.
2- أن تكون النكرة متخصصة1؛ إما بنعت بعدها؛ نحو: أشفقت على طفلة صغيرة تائهة، وإما بإضافة؛ نحو: حافظ على أثاث الغرفة منسقًا، وإما بعمل؛ نحو: أفرح بناظم شعرًا مبتدئًا، وإما بعطف معرفة عليها، نحو: ذهب فريق ومحمود مسرعين. 3– أن تكون النكرة مسبوقة بنفي، أو شبهة "وهو هنا: النهي والاستفهام"؛ نحو: ما خاب عامل مخلصًا، لا تشرب في كوب مكسورًا، هل ترضى عن أم قاسيًا قلبها؟. 4– أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ نحو: استقبلت صديقًا وهو راجع من سفر ... 2 5– أن تكون الحال جامدة، نحو: هذا خاتم ذهبًا3. وقد وردت أمثلة مسموعة من فصحاء العرب وقع فيها صاحب الحال نكرة بغير مسوغ؛ منها: صلى رجال قيامًا، ومنها: فلان يستعين بمائة أبطالًا ... وللنحاة في هذا المسموع كلام وجدل، والذي يعنينا أن فريقًا منهم يبيح مجيء صاحب الحال نكرة بغير مسوغ4 وفريقًا آخر5 يمنعه، ويقصره على السماع، ويؤول الأمثلة القديمة، أو يحكم عليها بالشذوذ الذي لا يصح القياس عليه، وفي الأخذ بالرأي الأول توسعه ومحاكاة نافعة، ولكن يحسن ألا نسارع إليه قدر الاستطاعة، ذلك
أن صاحب الحال النكرة بغير مسوغ قليل في فصيح الكلام المأثور، نعم هذه القلة ليست مطلقة؛ وإنما هي نسبية "أي: بالنسبة لصاحب الحال المعرفة أو النكرة المختصة"1 لكن هذا لا يمنعنا أن نختار الأكثر استعمالًا في المأثور الفصيح، وإن كان غيره مقبولًا2. صاحب الحال الحال إذا كان مضافًا إليه: يصح أن يكون صاحب الحال مضافًا إليه، نحو: تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر متفتحًا ناضرًا، وأكلت نادر الفاكهة ناضجة، ويشرط أكثر النحاة3 في صاحب الحال إذا كان مضافًا إليه أن يكون المضاف: أ– إما جزءًا حقيقيًا من المضاف إليه؛ نحو: أعجبتني أسنان الرجل نظيفًا، وراقتني أظفاره باسطًا أنامله، "فالأسنان" مضاف وهي جزء حقيقي من المضاف إليه؛ أي: من صاحب الحال؛ "وهو: الرجل" و"الأظفار" مضاف، وهي جزء حقيقي من المضاف إليه صاحب الحال؛ "وهو: الضمير العائد: على الرجل، ويعتبر في حكم الرجل"، ومن هذا قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} ؛ فكلمة: "إخوانًا" حال من الضمير: "هم" المضاف إليه، والمضاف بعض حقيقي منه. ومن الأمثلة قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} ، فكلمة: "ميتًا" حال من المضاف إليه "وهو: أخ"، والمضاف "وهو: لحم" بعض منه.
ب– وإما بمنزلة الجزء الحقيقي "حيث يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ فلا يتغير المعنى العام" كما في الأمثلة الأولى: "تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر، متفتحًا ناضرًا ... و ... "، فيصح أن يقال: تمتعت بالحديقة واسعة، ونعمت بالزهر متفتحًا ... و ... ومن هذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ؛ حيث يصح: أن اتبع إبراهيم حنيفًا ... جـ– وإما عاملًا في المضاف إليه، كأن يكون المضاف مصدرًا عاملًا فيه؛ نحو: عند الله تقدير العاملين مسرورين، ونحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} 1، أو أن يكون وصفًا عاملًا فيه2، نحو: هذا رافع الراية عالية في الغد3 ... 4
مطابقة الحال بنوعيها 1 لصاحبها: أ– الأصل أن تطابق الحال "الحقيقية" صاحبها وجوبًا في التذكير والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، كالأمثلة السالفة2، لكن يستثنى من هذا الأصل بعض حالات لها أحكام أخرى تتلخص فيما يلي: 1– إذا كان صاحب الحال الحقيقية جمعًا مفردة مذكر لغير العاقل3، جاز في الحال أن تكون مفردة مؤنثة، وجمع مؤنث سالمًا، وجمع تكسير4؛ نحو: سرتني الكتب نافعة، أو: نافعات، أو: نوافع. 2– إذا كان لفظ الحال الحقيقية من الألفاظ التي يغلب استعمالها بصورة واحدة للمذكر والمؤنث ككلمة: صبور، بقي على صورته؛ نحو: عرفت المؤمن صبورًا عند الشدائد، وعرفت المؤمنة صبورًا كذلك5. 3– إذا كان لفظ الحال الحقيقية أفعل التفضيل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة، لزم الإفراد والتذكير على الأرجح، كما سيجيء في بابه6 نحو: عرفت العصامي أنشط وأنفع، أو: أنشط عامل، وأنفع رجل.
4– إذا كانت الحال الحقيقية مصدرًا فإنه يلازم صورة واحدة؛ نحو: حضر القطار سرعة، وإذا اشتهر المصدر صح تثنيته وجمعه كالنعت؛ نحو: عرفت الوالي عدلًا، والواليين عدلين، والولاة عدولًا. 5– إذا كانت الحال كلمة: "أي"1 فإنها –في الغالب– تقع حالًا من معرفة مع إضافتها إلى نكرة؛ نحو: استعمت إلى علي أي خطيب. ب– أما الحال "السببية"، فتطابق الاسم المرفوع بها –وجوبًا– في التذكير والتأنيث والإفراد، دون التثنية والجمع، إذ الأحسن أن تلتزم معهما الإفراد كما سبق2 نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مداخله، نظيفة مسالكه.
المسألة 86
المسألة 86: حكم الحال، وعاملها، وصاحبها، ورابطها، من ناحية الذكر والحذف. أ– الأصل في الحال أن تكون مذكورة؛ لتؤدي مهمتهما المعنوية؛ وهي بيان هيئة الفاعل، أو المفعول به، أو غيرهما، مما سبق تفصيله1 لهذا يجب ذكرها في كثير من المواضع، ويجوز حذفها في أخرى. فمن المواضع التي يجب أن تذكر فيها ما يأتي: 1– أن تكون محصورة؛ نحو: ما أحب العالم إلا نافعًا بعلمه. 2– أن تكون نائبة عن عاملها المحذوف سماعًا؛ نحو: هنيئًا لك2، بمعنى: ثبت لك الخير هنيئًَا، أو: هناك الأمر هنيئًا3، أو نحو هذا التقدير الدال على الدعاء بالهناءة. 3– أن يتوقف على ذكرها المعنى المراد، أو يفسد يحذفها ... كما أشرنا أول الباب4؛ فالأول نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، والثاني نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} . ومن هذا الموضع أن تكون سادة مسد الخبر5 في مثل: سهري على المزرعة نافعة. 4– أن تكون جوابًا، مثل: كيف حضرت؟ فيجاب: راكبًا. ويجوز حذف الحال إذا دل عليها دليل، وأكثر حذفها حين يكون لفظها مشتقًا من مادة "القول"، ويكون الدليل عليها بعد الحذف هو: "المقول"6؛
نحو جلست في حجرتي، فإذا صديقي الغائب يدخل: "السلام عليكم"، أي: يدخل قائلًا: السلام عليكم، فكلمة: "قائلًا" هي الحال المحذوفة، وهي مشتقة من مادة: "القول"، وقد دل عليها الكلام الذي قيل؛ وهو: "السلام عليكم". ومثل: هل دار بينك وبين المسافر كلام؟ نعم، لما قابلني في الصباح حياني: "صباح الخير"، وحدثني عن رحلته المنتظرة: ثم أسرع إلى القطار بعد أن صافحني ومد يده: "الوداع"، أي: قائلًا صباح الخير؛ قائلًا: الوداع. ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} ، أي: قائلين: سلام عليكم، وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} ، أي: قائلين ربنا تقبل منا. ب– والأصل في عامل الحال –وغيرها– أن يكون مذكورًا؛ ليحقق غرضًا معينًا، وهو: إيجاد معنى جديد، أو تقوية معنى وجود، وقد يحذف جوازًا أو وجوبًا؛ لدواع تقتضى الحذف، أي: أن عامل الحال قد يذكر وجوبًا، وقد يحذف وجوبًا، وقد يجوز ذكره وحذفه. فيجب ذكره إن كان عاملًا معنويًا "وقد سبق شرحه"1 كأسماء الإشارة؛ وحروف التنبيه، والتمني؛ وكشبه الجملة ... و ... و ... ويجوز حذفه إذا كان عاملًا غير معنوي، ودال عليه دليل مقالي2، أو حالي فمثال المقالي أن يقال: أتستطيع الصعود إلى قمة الجبل؟ فيجيب المسؤول: مسرعًا، أي: أصعد مسرعًا –أتعتني بخط رسائلك؟ فيجاب: واضحًا جميلًا أي: أعتني به واضحًا جميلًا. ومثال الحالي: أن ترى مسافرًا فتقول له: "سالمًا"، أي: سافر سالمًا،
وأن ترى من يشرب الدواء، فتقول: "شافيًا"، أي: تشرب الدواء شافيًا، وأن تقول لمن يبني بيتًا: "معمورًا"، أي: تبني البيت معمورًا، أو تسكن البيت معمورًا. ويجب حذفه في مواضع، أهمها: 1– أن تكون الحال سادة مسد الخبر1، نحو: إنشادي القصيدة محفوظة، فكلمة: "محفوظة" حال سدت مسد خبر المبتدأ المحذوف وجوبًا؛ والأصل: إنشادي القصيدة إذ كانت، أو: إذا كانت محفوظة. 2– أن تكون الحال مفردة مؤكدة مضمون جملة2 قبلها نحو: الجد أب راحمًا. 3– أن تكون الحال مفردة دالة بلفظها على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي نحو: تصدق على المحتاج بدرهم؛ فصاعدًا لا تتعرض للشمس عند شروقها إلا عشرين دقيقة؛ فنازلًا ... فكلمة: "صاعدًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان. والتقدير: فاذهب بالعدد صاعدًا. والجملة المحذوفة هنا إنشائية، معطوفة بالفاء على نظيرتها الفعلية الإنشائية3، وكلمة: "نازلًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان: والجملة منهما إنشائية معطوفة بالفاء على نظيرتها، ولا بد من من اقتران هذه الحال المفردة "بالفاء" العاطفة، أو"ثم" العاطفة4. ومن الأمثلة التي تحوي الحالين: "صاعدًا ونازلًا": تدرب على الحفظ خمسة أسطر، فستة، فسبعة، فصاعدًا، لا تتناول في اليوم أكثر من ثلاث وجبات؛ فنازلًا ... 4– أن تكون الحال مسبوقة باستفهام يراد به التوبيخ؛ نحو: أنائمًا وقد أشرقت الشمس؟ أعاطلًا والعمل يطلبك؟ أسفيهًا وهو كريم النشأة؟ أي:
أتوجد نائمًا؟ أتوجد عاطلًا؟ أيوجد سفيهًا؟ ... 5– عوامل حذفت سماعًا، من ذلك قولهم لمن ظفر بشيء؛ هنيئًا لك ما أدركت، أي: ثبت هنيئًا1. والحذف في المواضع الأربعة الأولى قياسي2. جـ والأصل في صاحب الحال أن يكون مذكورًا في الكلام: لتتحقق الفائدة من ذكره، وقد يحذف جوازًا في مثل قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} ، أي: بعثه الله. ويجب حذفه في الصورة التي يحذف فيها عامله وجوبًا حين تؤكد الحال مضمون جملة قبلها، على الوجه الذي سبق3 شرحه، وكذلك يجب حذفه مع عامله حين تدل الحال على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي وهي الصورة الثالثة من الصور التي في الصفحة المتقدمة. د– والأصل في الرابط أن يكون مذكورًا؛ ليعقد الصلة المعنوية بين جملة الحال والجملة التي قبلها المشتملة على صاحب الحال، فيمنع التفكك، لكن يجوز حذف الرابط لفظًا، لا تقديرًا4، إذا كان ضميرًا مفهومًا من السياق، نحو: ارتفع سعر القمح، كيلة بخمسين قرشًا، أي؛ كيلة منه ... وكذلك يصح حذفه إن كان الحال جملة خالية من الرابط لكن عطف عليها
"بالفاء"، أو: "الواو"، أو: "ثم" جملة تصلح أن تكون حالًا مع اشتمالها على الرابط؛ نحو: عرفت الوالي العادل تشكو الرعية، فيزيل أسباب الشكوى1 أقبل الفائز، يصفق الناس، ويشرق وجهه تداوى المريض يشير الأطباء، ثم يستجيب للمشورة. "ملاحظة": يتفق الحال والتمييز2 في أمور: ويختلفان في أخرى. وسيجيء البيان في: "هـ" ص 429.
المسألة 87: التمييز
المسألة 87: التمييز
هـ- نسبة، أو: جملة1 ... ازداد المتعلم ... ... - ازداد المتعلم أدبًا. أعجبني الخطيب ... ... - أعجبني الخطيب كلامًا. فاضت البئر.... ... - فاضت البئر نفطًا2.
للمطلوب، ومثل هذا يقال في كلمة: رطل، وأقة، في المثال الثاني والثالث من أمثلة: قسم ب وفي نظائرها من الكلمات العربية التي يجري في العرف اعتبارها من الموازين، ومنها: قنطار، ودرهم، وحبة ... جـ– وفي جملة مثل: جنيت محصول فدان "من أمثلة: "ج"" نجد الكلمة الغامضة المبهمة هي كلمة: "فدان" فإنها تحتمل أن يكون مدلولها فدان قصب، أو فدان عنب، أو قمح، أو غيره، فإذا قلنا: ... "فدان قطن"، انقطع الاحتمال، وزال الغموض والإبهام، وتحدد القصد. ومثل هذا يقال في كلمة: "قيراط"، وقصبة "من أمثلة القسم: "ج""، وغيرها من الألفاظ العربية التي تستعمل في المساحات1، ومنها: السهم2، والذراع، والباع والشبر، والفتر ... " د– ومثل هذا يقال في كل عدد من جمل القسم: "د" أو ما شابهها مما يشتمل على أحد الأعداد؛ نحو: عندي خمسة، فإن كلمة: "خمسة" وهي عدد حسابي غامضة، مبهمة؛ لا يزول غموضها وإبهامها إلا بلفظ آخر يحدد المراد منها؛ مثل: أقلام، أو غيرها مما ورد في هذا القسم وفي نظائره. هـ- ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الغموض والإبهام يختلف عما سبق؛ ففي مثل: "ازداد المتعلم"، لا يقع الغموض على كلمة واحدة كالتي سلفت، وإنما ينصب على الجملة كلها؛ أي: على المعنى جزأيها الأساسيين معًا، فقد نسبنا الازدياد للمتعلم، فأي ازدياد هذا الذي نسبناه له، أهو في علمه؟ أم في أدبه، أم في ماله؟ أم في جسمه، أم في حسن معاملته ... ؟ فالأمر المنسوب للمتعلم غامض مبهم، وهذا الأمر الغامض ليس منصبًا على كلمة واحدة كما قلنا؛ وإنما يشمل معنى جملة كاملة؛ لأن الجملة هي التي تحوي في طرفيها نسبة شيء3 لشيء آخر، فإذا قلنا: ازداد المتعلم أدبًا ارتفع
الغموض عن النسبة؛ بسبب الكلمة التي جاءت لإزالته، واتضح المراد من الجملة بعد مجيء هذه الكلمة. ومثل هذا يقال ي المثالين الأخيرين من أمثلة القسم: "هـ" وفي غيرهما من كل جملة يقع فيها الغموض على النسبة الناشئة من طرفيها. ومن كل ما تقدم يتضح ما يأتي: أ– أن في اللغة ألفاظًا مبهمة، غامضة، تحتاج إلى تبيين وتوضيح. ب– وأن هذه الألفاظ قد تكون كلمات منفردة، كالكلمات المستعملة في العدد، أو في المقادير الثلاثة الشائعة، وهي: الكيل، والوزن1، والمساحة وقد يكون جملًا كاملة تقع النسبة في كل واحدة منها موقع الغموض، والإبهام المحتاج إلى تفسير وإيضاح2. جـ– وإذا تأملنا الكلمات التي أزالت الغموض والإبهام في الأمثلة السالفة وأشباهها وجدنا كل كلمة منها: نكرة3، منصوبة في الأكثر4، فضلة، تبين جنس ما قبلها أو نوعه، أو: توضح النسبة فيه، فهي كما يقولون بمعنى: "من"5 البيانية غالبًا، والكلمة التي تجتمع فيها هذه الأوصاف
تسمى: "التمييز"1، كما يسمى ما تفسره وتزيل الإبهام عنه: "المميز"، أي: أن التمييز: "نكرة، منصوبة في الأغلب فضلة، بمعنى "من" التي للبيان"2. أقسام التمييز: ينقسم التمييز بحسب المميز إلى قسمين: أولهما: تمييز المفرد، أو: الذات3 وهو الذي يكون مميزه لفظًا دالًا على العدد، أو على شيء من المقادير4 الثلاثة: "الكيل، الوزن، المساحة"، أي:
"أنه الذي يزيل إبهام لفظ من ألفاظ الكيل، أو: الوزن، أو: المساحة، أو: العدد" 1، فتمييز المفرد أو الذات أربعة أنواع غالبًا2. ثانيهما: تمييز الجملة، وهو الذي يزيل الغموض والإبهام عن المعنى العام بين طرفيها، وهو المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء، ولذلك يسمى أيضًا: "تمييز النسبة"، وقد سبقت الأمثلة للنوعين. تقسيم تمييز الجملة "أي: النسبة" بحسب أصله: ينقسم تمييز الجملة "دون تمييز المفرد" إلى ما أصله فاعل في الصناعة3 وإلى
ما أصله مفعول به كذلك، ويرى أكثر النحاة أن تمييز الجملة لا يخرج في الغالب عن واحد من هذين، "ولو تأويلًا"1؛ مثل: زادت البلاد سكانًا، اختلف الناس طباعًا، قوي الرجل احتمالًا، ومثل: أعددت الطعام ألوانًا، وفيت العمال أجورًا، نسقت الحديقة أزهارًا ... فالأصل: "زاد سكان البلاد، اختلفت طباع الناس، قوي احتمال الرجل". فتغير الأسلوب؛ بتحويل الفاعل تمييزًا، وقد كان الفاعل مضافًا؛ فأتينا بالمضاف إليه، وجعلناه فاعلًا، بعد أن صار الفاعل فاعلًا، بعد أن صار الفاعل تمييزًا بالصورة السالفة2 ... والأصل في الأمثلة الباقية: "أعددت ألوان الطعام، وفيت أجور العمال، نسقت أزهار الحديقة"؛ فتغير الأسلوب؛ بتحويل المفعول به تمييزًا، وقد كان هذا المفعول مضافًا، فأتينا بالمضاف إليه، وجعلناه مفعولًا به، بعد أن صار المفعول به السابق تمييزًا. أما تمييز المفرد فلا تحويل فيه مطلقًا.
المسألة 88: أحكام التمييز أ– يختص تمييز المفرد "أو: الذات" بالأحكام التالية: أ– إن كان تمييزًا للكيل، أو: الوزن، أو: المساحة، جاز فيه ثلاثة أشياء، إما نصبه على أنه التمييز مباشرة وهذا هو الأحسن1، وإما جره2 على أنه مضاف إليه، والمميز هو المضاف، وإما جره بالحرف "من"، ومن الأمثلة غير ما سبق: "اشتريت كيلة أرزًا، اشتريت كيلة أرز، اشتريت كيلة من أرز"، "اشتريت درهمًا ذهبًا، اشتريت درهم ذهب، اشتريت درهمًا من ذهب"، "بعت محصول فدان قصبًا، بعت محصول فدان قصبٍ، بعت محصول فدانٍ من قصبٍ". وإما يجب جر التمييز على اعتباره مضافًا إليه بشرط ألا يكون المقدار، وهو المميز قد أضيف لغيره؛ فإن أضيف المقدار لغير التمييز وجب نصب التمييز، أو: جره "بمن"، نحو: ما في الإناء قدر راحة دقيقًا3، أو: من دقيق.
وإن كان تمييز المفرد خاصًا بالعدد الصريح، والعدد ثلاثة، أو عشرة، أو ما بينهما ... ، وجب جر التمييز، بإعرابه مضافًا إليه، والمضاف هو العدد "أي: المميز"، والغالب في هذا التمييز المجرور أن يكون جمع تكسير للقلة. فإن كان العدد لفظًا دالًا على المائة أو المئات، أو الألف أو الألوف وجب أن يكون التمييز مفردًا مجرورًا؛ لأنه يعرب مضافًا إليه، والمضاف هو العدد1. وإن كان العدد غير ما سبق وجب نصب التمييز مباشرة، وأن يكون مفردًا، وفيما يلي أمثلة لكل ما سبق: "قرأت في العطلة ثلاثة كتب، كل كتاب مائة صفحة، وعدد السطور ألف سطر".
"قضينا في الرحلة خمسة أيام، قطعنا فيها مائة ميل مشيًا، وأنفق كل منا ألف قرش"، "الأسبوع سبعة أيام بلياليها، كل منها أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة"، "السنة اثنا عشر شهرًا، والشهر ثلاثون يومًا –غالبًا– السنة ثلاثمائة يوم وأربعة وستون يومًا، في الغالب"1. 2- وعامل النصب أو الجر بالإضافة في "التمييز المفرد"، وهو اللفظ المبهم، أي: المميز، أما عند الجر بالحرف: "من"، فإن هذا الحرف يكون هو العامل. 3- ولا بد من تقدم العامل على التمييز في جميع الأنواع الخاصة بتمييز الذات "المفرد"1. 4- وإذا تعدد تمييز المفرد، فالأحسن العطف بين المتعدد2، وإذا كان التمييز مخلوطًا من شيئين جاز تعدده بعطف وغير عطف، نحو: عندي رطل سمنًا عسلًا، أو: سمنًا وعسلًا. ب- يختص تمييز "الجملة" أي: تمييز "النسبة" بالأحكام الآتية: 1– يجب نصبه إن كان محولًا عن الفاعل أو المفعول الصناعيين3؛ نحو: "ارتفع المخلص درجة، وعلا الأمين منزلة"، ومثل: "رتبت الحجرة أثاثًا، نظمت الكتب صفوفًا"، والأصل: ارتفعت درجة المخلص، علت منزلة الأمين، رتبت أثاث الحجرة، نظمت صفوف الكتب. ومن تمييز الجملة الواجب النصب ما يكون واقعًا بعد أفعل التفضيل، نحو: المتعلم أكثر إجادة، وإنما يجب نصبه بشرط أن يكون سببًا4؛ أي: فاعلًا
في المعنى، كالمثال المذكور، وإلا وجب جره بالإضافة، وعلامة التمييز الذي هو فاعل في المعنى ألا يكون من جنس المفضل الذي قبله، وأن يستقيم المعنى بعد جعله فاعلًا مع جعل أفعل التفضيل فعلًا1؛ ففي المثال السابق نقول: المتعلم كثرت إجادته، وفي مثل: أنت أحسن خلقًا، نقول: أنت حسن خلقك ... وهكذا، ومثال التمييز الذي ليس بفاعل في المعنى: "على أفضل جندي، ومية أفضل شاعرة"، وضابط هذا النوع أن يكون أفعل التفضيل بعضًا من جنس التمييز؛ فيصح أن يوضع مكان أفعل التفضيل كلمة: "بعض" مضافة، والمضاف إليه جمع يقوم مقام التمييز ويحل في مكانه؛ فلا يفسد المعنى، ففي المثال السابق نقول: علي بعض الجنود، ومية بعض الشاعرات، وإذا لم يصح أن يكون فاعلًا في المعنى وجب جره بالإضافة كما قلنا، لوجوب إضافة أفعل التفضيل إلى ما هو بعضه2 "متابعة للرأي الأشهر". وإنما يجب الجر بالإضافة هنا بشرط أن يكون أفعل التفضيل غير مضاف لشيء آخر غير التمييز، فإن كان مضافًا وجب نصب التمييز؛ نحو: علي أفضل الناس إخوة، ومية أفضل النساء أشعارًا. ومما تقدم نعلم أن تمييز أفعل التفضيل يجب نصبه في حالتين وجره في واحدة. ومن تمييز الجملة الذي يجب نصبه، ولا تصح إضافته3: ما يقع بعد التعجب القياسي، أو السماعي4؛ فالأول، نحو: ما أحسن الغني مشاركة في الخير
أحسن بالغني مشاركة في الخير، والثاني نحو: لله در العالم مخترعًا1 حسبك به رجلًا كفى به نافعًا، يا جارتا ما أنت جارة2 حسبك بالصادق رجلًا، وقول الشاعر: وحسبك داء أن تبيت ببطنة3 ... وحولك أكباد تحن إلى القد4 2– لا يجوز تعدده بغير عطف؛ نحو: نما الغلام جسمًا وعقلًا5 ... 3– عامل النصب في هذا التمييز هو ما في الجملة من فعل، أو: شبهه6. 4– لا يجوز تقديم هذا التمييز على عامله إذا كان العامل جامدًا، كأفعل في التعجب؛ وكنعم وبئس7، وأخواتهما من أفعال المدح والذم، نحو: "ما أنفع
الطبيب إنسانًا، ونعم الأمين رفيقًا، وبئس القاسي رجلًا"، أو كان فعلًا متصرفًا يؤدي معنى الجامد؛ نحو: كفى بالطبيب إنسانًا، فإن الفعل: "كفى" متصرف ولكنه بمعنى فعل غير متصرف، وهو فعل التعجب، فمعنى قولنا: كفى بالطبيب إنسانًا: ما أكفاه إنسانًا: أما في غير هاتين الصورتين الممنوعتين، فالأحسن عد تقديم التمييز1على عامله. وأما توسط هذا التمييز بين عامله ومعموله، فجائز بشرط أن يكون العامل فعلًا أو وصفًا يشبهه؛ نحو: صفا نفسًا الورع، وقول المتنبي: فهن أسلن دما مقلتي ... وعذبن قلبي بطول الصدود
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– تمييز النسبة قد يكون غير محول إلا بتأويل لا داعي له، نحو: امتلأ الإناء ماء؛ إذ لا يقال: امتلأ الماء. ب– عرفنا1 أن التمييز الواجب النصب بعد "أفعل التفضيل" هو السببي2، وأنه نوع من تمييز الجملة؛ إذ أصله: "فاعل" وأصل "أفعل" هو: الفعل، ومن الممكن إرجاعهما إلى أصلهما؛ فتعود الجملة الفعلية للظهور، وتجرع لأصلها الذي تركته، وتحولت عنه إلى أسلوب آخر ... لكن كيف يتحقق هذا؟ ففي مثل: أنت أكثر مالًا، وأعلى منزلًا، ونظائرهما لا يمكن تحويل أفعل إلى فعل يؤدي المعنى الأصلي الأساسي لصيغة التفضيل، "وهو الكثرة، والعلو مثلًا"، مزيدًا عليه الدلالة على التفضيل. يرى بعض النحاة في هذا النوع التفضيلي أنه محول عن مبتدأ مضاف، والأصل، مالك أكثر؛ ومنزلك أعلى ... فصار المبتدأ تمييزًا، وصار الضمير المتصل المضاف إليه مبتدأ مرفوعًا منفصلًا، وفي هذه الحالة وأمثالها يجيء التمييز محولًا عن المبتدأ. ويرى آخرون؛ أن المراد معروف من السياق، وهو: أنه كثر كثرة زائدة، وملأ علوًا زائدًا، فلا يفوت التفضيل بتحويله عن الفاعل، أو: أن فوات معنى التفضيل غير ضار؛ إذ لا يجب بقاؤه في الفعل الموضوع مكان أفعل التفضيل في هذا الباب، قياسًا على عدم بقائه في بعض أبواب أخرى. وكلا الرأيين حسن، ولعل الرأي الثاني –بوجهتيه– أحسن؛ لأن فيه تخفيفًا من غير ضرر، وتقليلًا للأقسام بحصرها في الفاعل والمفعول به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جـ– من الأساليب المسموعة في التمييز: لله در خالد فارسًا1، فكلمة: "فارسًا"، وأشباهها مما يحل محلها في هذا التركيب، ويكون مشتقًا2 يصح إعرابها حالًا؛ لاشتقاقها؛ ولأن المعنى يتحمل الحالية، ويصح إعرابها تمييزًا للنسبة؛ والمعنى على هذا التمييز أوضح، وبه أكمل. وإنما يكون التمييز في مثل: "لله در خالد فارسًا" من تمييز النسبة إذا كان المتعجب منه "وهو المميز" اسمًا ظاهرًا مذكورًا في الكلام كهذا المثال، أو كان ضميرًا مرجعة معلوم؛ نحو: سجل التاريخ أبدع صور البطولة لخالد بن الوليد؛ لله دره بطلًا أو: يا له رجلًا، أو: حسبك به فارسًا ... فالضمير هنا وهو الهاء معروف المرجع: فإن جهل المرجع وجب اعتبار التمييز من تمييز المفرد3؛ لأن الضمير مبهم، فافتقاره إلى التمييز ليكون مرجعًا يبين ذات صاحبه؛ ويوضح حقيقته أشد من افتقاره إلى بيان نسبة التعجب إليه "أي: إلى صاحب الضمير"، أما الضمير المعلوم فبالعكس كما ذكرنا4، ومثل هذا يقال في الضمير المتصل بالصيغتين القياستين في التعجب"، وهما "ما أفعله، وأفعل به". أما تمييز الضمير المستتر في: "نعم" و"بئس" في مثل: الفارس نعم رجلًا، الجبال بئس جنديًا، فالأحسن اعتباره من تمييز المفرد؛ برغم أن مرجعه مذكور دائمًا: وهو: التمييز، ومثله: ربه رجلًا. أما تمييز "كم" في مثل: كم رجلًا شاركتهم؛ فإنه مفرد من نوع تمييز العدد؛ لأن "كم" كناية عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ د– تجب مطابقة تمييز الجملة للاسم السابق1 في مواضع، ويجب ترك المطابقة في أخرى، وقد تترجح المطابقة أو عدمها في ثالثة، وفيما يلي البيان: فتجب المطابقة في الحالات التالية: 1– إن كان كل من التمييز والاسم السابق عليه في الجملة لشيء واحد، أي أن مدلول كل منهما هو مدلول الآخر؛ نحو: كلام علي رجلًا، "فالرجل هو: علي، وعلي هو: الرجل"، وكرم العليان رجلين، وكرم العليون رجالًا، وكرمت عبلة فتاة، وكرمت العبلتان فتاتين، وكرمت العبلات فتيات ... و ... 2– إن كان مدلول التمييز غير مدلول الاسم السابق1، ولكن هذا الاسم السابق جمع، والتمييز مصدر فإنه يجمع إذا اختلفت أنواعه باختلاف الأفراد التي يدل عليها الاسم السابق، وتنطبق عليها تلك الأنواع، وتنصب عليها، نحو: خسر الأشقياء أعمالًا، فقد جمع التمييز "أعمالًا" بقصد معين: هو بيان أن هذه الأعمال مختلفة الأنواع، وأن كل نوع منها يصيب شقيا، وهو فرد من أفراد الاسم السابق المجموع: "الأشقياء". 3– إن كان التمييز غير الاسم السابق، ولكن الاسم السابق جمع، والتميز جمع متعدد، غير مصدر، فيجمع لإزالة ليس محتمل؛ نحو: كرم الأولاد آباء، فقد جمع التمييز: "آباء" ليدل جمعه على أن لكل ولد أبًا، وليسوا إخوة، ولو لم نجمعه، وقلنا: كرم الأولاد أبًا، لقوى احتمال أنهم إخوة من أب واحد. ويجب ترك المطابقة فيما يأتي: 1– إن كان معنى التمييز واحدًا ليس له أفراد متعددة، ومعنى الاسم السابق متعددًا؛ نحو: كرم الأولاد أبًا "إذا كانوا إخوة لأب". 2– أو كان التمييز غير الاسم السابق، ولكن الاسم السابق مفرد، والتمييز جمع متعدد غير مصدر، وقصد بجمعه إزالة لبس محتمل؛ نحو: نظف المتعلم أثوابًا، وكرم الشريف آباء، فلو طابق التمييز الاسم السابق لوقع في الوهم
أن المقصود ثوب واحد، وأب واحد، ولإزالة هذا الاحتمال، والوهم جمع التمييز. 3– أو كان التمييز مصدرًا لا يقصد أن تختلف أنواعه، نحو: أحسن الجنود عملًا. وتترجح المطابقة في مثل؛ حسنت الفتاة عينًا؛ لأن احتمال اللبس يكاد يكون معدومًا؛ إذ لا يكاد يخطر على البال أن السن مقصور على عين واحدة. ويترجح تركها في: حسن الفتيان، أو الفتية وجهًا، للسبب السالف. هـ- يتفق الحال والتمييز في أمور، ويفترقان في أخرى، وأهم ما يتفقان فيه خمسة أمور: كلاهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة، رافع للإبهام. وأهم ما يختلفان فيه سبعة: 1– التمييز لا يكون إلا مفردًا1، أما الحال فقد تكون جملة، أو شبه جملة. 2- التمييز لا يكون إلا فضله، أما الحال فقد يتوقف عليها المعنى الأساسي كما سبق في بابها2. 3- التمييز مبين للذوات أو للنسبة، والحال لا تكون إلا مبينة للهيئات. 4– تمييز الجملة لا يتعدد إلا بالعطف؛ نحو: ارتفع النبيل خلقًا، وعلمًا، وجاهًا. والأحسن في التمييز المتعدد للمفرد أن يكون تعدده بالعطف، إلا إن كان المراد من التمييز المتعدد المفرد معنى واحدا كالاختلاط في مثل عندي رطل عسلًا سمنًا؛ فيجوز التعدد مع العطف، وبدونه3 أما الحال فتعدد بعطف وبغير
عطف؛ نحو أقبل المنتصر، فرحًا، مسرعًا، مصافحًا رفاقه، أو فرحًا ومسرعًا، ومصافحًا.... وعند وجود العاطف لا تسمى في الاصطلاح "حالًا"، وإنما تعرف معطوفًا، برغم أنها تؤدي معنى الحال 1، وكذلك التمييز بعد العاطف لا يسمى في الاصطلاح تمييزًا، وإنما يعرب معطوفًا. 5– لا يصح تقديم تمييز المفرد على عامله، والأحسن عند تقديم تمييز الجملة على عامله، إذا كان فعلًا مشتقًا، أو وصفًا يشبه، أما الحال فيجوز. 6– التمييز في الغالب يكون جامدًا2، أما الحال فتكون مشتقة وجامدة3. 7– التمييز لا يكون مؤكدًا لعامله في الصحيح4، والحال قد تكون مؤكدة.
المسألة 89: حروف الجر
المسألة 89: حروف الجر مدخل ... المسألة 89: حروف الجر 1 يتناول الكلام عليها الأمور الآتية: "وأكثرها دقيق هام". "عددها، وبيانها"، "عملها"، "تقسيمها من ناحية هذا العمل، والأصالة فيه، أو عدمها؛ وما يترتب على ذلك من التعلق بالعامل، وآثار التعلق ... ". - "معاني كل حرف، ووجوه استعماله"، "حذف حرف الجر وحده مع إبقاء عمله، وحذفه مع مجروره"، "نيابة حرف جر عن آخر". أ– فأما عددها وبيانها فالمشهور منها عشرون2؛ هي: من – إلى - حتى – خلا – عدا – حاشا – في – عن – على – مذ – منذ – رب – اللام – كي – الواو – التاء – الكاف – الباء – لعل – متى. ب– وأما عملها فهو جر آخر الاسم3 الذي يليها في الاختيار
مباشرة1، جرًا محتومًا2؛ ظاهرًا، أو مقدرًا، أو محليًا3، فالظاهر كالذي
في الأسماء المجرورة في قول الشاعر: إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد ... كالجهل داء للشعوب، مبيدا والمقدر كالذي في كلمة: "فتى" في قولهم: ما من فتى يستجيب لدواعي الغضب إلا كانت استجابته بلاء وخسرانًا. والمحلى كالذي في قولهم: لا أتألم ممن يسعى بالوقيعة بين الناس قدر تألمي من الذين يعرفونه، وهم إلى ذلك يستجيبون لما يقول ... هذا، ومن آثار حرف الجر أنه إذا دخل على "ما" الاستفهامية أوجب حذف ألفها في غير الوقف1؟ نحو قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ؟ ونحو: لم التواني؟ وفيم الرضا بالهوان؟ ... أما في الوقف فيجب حذف الألف، والإتيان بهاء السكت، وهي من الحروف الساكنة التي تزاد في آخر الكلمة، نحو: عمه؟ لمه؟ فيمه؟ ... ج– وتنقسم هذه الحروف من ناحية الاسم الذي تجره إلى قسمين، قسم لا يجر إلا الأسماء الظاهرة، وهو: عشرة. مذ – منذ – حتى – الكاف – الواو – رب2 – التاء – كي – لعل – متى.
وقسم يجر الأسماء الظاهرة والمضمرة؛ وهو: العشرة الأخرى1، وسيأتي الكلام على معنى كل حرف من القسمين، وعمله. وتنقسم من ناحية الأصالة وعدمها إلى ثلاثة أقسام، حروف أصلية وما قد يشبهها2، ويلحق بها أحيانًا وحروف زائدة3، وحروف شبيهة بالزائدة. القسم الأول: الحرف الأصلي وشبهه2، وهو الذي يؤدي معنى فرعيًا جديدًا في الجملة، ويوصل بين العامل والاسم المجرور4؛ فله مهمتان يؤديهما معًا، وفيما يلي إيضاحهما: أ– فأما من ناحية إفادته معنى فرعيًا جديدًا لا يوجد إلا بوجوده فيتجلى في مثل: "حضر المسافر"؛ فإن هذه الجملة مفيدة، ولكنها بالرغم من إفادتها
تبعث في النفس عدة أسئلة، يكون منها: أحضر المسافر من القرية أم من المدينة؟ أحضر من بلد أجنبي، أم غير أجنبي؟ أحضر في سيارة، أم في طيارة، أم في باخرة، أم في قطار؟ أحضر إلى بيته، أم إلى مقر عمله؟ ... و ... و ... ففي هذه الجملة المفيدة نقص معنوي فرعي فإذا قلنا: "حضر المسافر من القرية"، وأتينا بحرف الجر الأصلي "من"، وبعده مجرورة فإن بعض النقص يزول، ويحل محله معنى فرعي جديد، بسبب وجود "من"، فإنها بينت أن ابتداء المجيء هو: "القرية "، ولم يوجد هذا المعنى إلا بوجود "من"؛ فهي لبيان: "الابتداء" وقد ظهر هذا المعنى الفرعي الجديد على المجرور بها1. وإذا قلنا: "حضر المسافر من القرية إلى مقر عمله"، فإن نقصًا آخر معنويًا يزول، ويحل محله معنى فرعي جديد، هو: "الانتهاء"؛ بسبب وجود "إلى"، فقد دلت على أن نهاية السفر هي مقر العمل، ولولا وجود: "إلى" ما فهم هذا المعنى الفرعي الجديد، فهي لبيان الانتهاء، وقد ظهر على المجرور بها. ولو قلنا: "حضر المسافر من القرية إلى مقر عمله في سيارة" لزال نقص معنوي آخر، وحل محله معنى فرعي جديد؛ هو: "الظرفية" بسبب وجود حرف الجر الأصلي "في" الذي يدل على أن المسافر كان خلال حضوره في سيارة تحويه كما يحوي الظرف المظروف، أي: كما يحوي الوعاء الشيء الذي يوضع فيه، وهكذا بقية حروف الجر الأصلية كلها وكذا الشبيهة بالأصلية2، فإن كل حروف من النوعين لا بد أن يحمل معه للجملة المفيدة معنى فرعيًا جديدًا من المعاني3
التي يختص بتأديتها، ولا يتكشف هذا المعنى الجديد إلا بعد وضع الحرف مع مجروره في الجملة المفيدة، وعندئذ يتكشف ويتحقق مدلوله على الاسم المجرور به كما سبق1. أما وجود الحرف وحده أو مع مجروره بغير وضعها في جملة، فلا يفيد شيئًا. هذا من ناحية إفادته معنى فرعيًا جديدًا لم يكن له وجود قبل مجيئه. ب– وأما من ناحية وصله بين عامله والاسم المجرور وهو ما يسمى: "التعلق بالعامل"2، فالنحاة يقولون: إن الداعي القوي لاستخدام حرف الجر الأصلي مع مجروره، هو الاستفادة بما يجلبه للجملة من معنى فرعي جديد، وهذا المعنى الفرعي الجديد ليس مستقلًا بنفسه، وإنما هو تكملة فرعية لمعنى فعل أو شبهه في تلك الجملة، ويوضحون هذا بما يشبه الكلام السابق، ففي مثل: حضر المسافر من القرية نجد الجار مع مجروره قد أكملا بعض النقص البادئ في معنى الفعل: "حضر"؛ فلولاهما لتواردت علينا الأسئلة السالفة، لكن بمجيئهما انحسم الأمر. فلهذا يقال: الجار والمجرور متعلق بالفعل: "حضر"، أي: مستمسك ومرتبط به ارتباطًا معنويًا كما يرتبط الجزء بكله، أو الفرع بأصله؛ لأن المجرور يكمل معنى هذا الفعل، بشرط أن يوصله به حرف الجر الأصلي3، أو ما ألحق به.
والنحاة يسمون هذا الفعل1"عاملًا". ويقولون أيضًا: إن حرف الجر الأصلي وما ألحق به بمثابة قنطرة توصل المعنى من العامل إلى الاسم المجرور، أو بمثابة رابطة تربط بينهما؛ ولا يستطيع العامل أن يوصل أثره إلى ذلك الاسم إلا بمعونة حرف الجر الأصلي أو ما ألحق به؛ فهو وسيط، أو وسيلة للاتصال بينهما2، ومن أجل هذا كان حرف الجر الأصلي وملحقه مؤديًا معنى فرعيًا، وهو في الوقت نفسه أداة من أدوات تعدية الفعل اللازم لمفعول به معنى "أي: حكمًا"، وهذه الأداة تتغير وتتنوع طبقًا للمعنى الذي يراد منها أن تؤديه. مثال آخر: "قعد الرجل" ... فهذه جملة مفيدة؛ لكن أقعد في البيت، أم في السفينة، أم في الحقل ... ؟ فمعنى الفعل: "قعد" في الجملة السالفة محتاج إلى تكملة فرعية تدعو للإتيان بالجار الأصلي مع مجروره؛ فإذا قلنا: قعد الرجل في السفينة ... انكشف المعنى الكامل للفعل: "قعد" بسبب اتصاله بالسفينة، وكان هذا الاتصال بمساعدة حرف الجر الأصلي، إذ ليس من الممكن أن نقول: قعد الرجل السفينة؛ بإيقاع المعنى على السفينة مباشرة بغير حرف الجر؛ لأن الاستعمال العربي الصحيح يأبى ذلك؛ برغم شدة احتياج العامل وهو هنا الفعل: "قعد" إلى كلمة: "السفينة" ليقع عليها أثره المعنوي، لكنه عاجز عن أن يوصله إليها بنفسه؛ فجاء حرف الجر الأصلي وسيطًا للجمع بينهما، ومعينًا على تذليل تلك الصعوبة، ووصل بين معنى الفعل
والاسم المجرور بعده، فهو بحق أداة اتصال بينهما؛ ولذا يعد وسيلة من وسائل تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به تقديرًا، زيادة على ما يجلبه معه من معنى فرعي. وكما سبق لا بد أن يتنوع هذا الحرف، ويتغير على حسب الغرض المعنوي المقصود1. مثال ثالث: نام الوليد، فمعنى الفعل: "نام" معروف، ولكنه معنى يشوبه بعض النقص الفرعي؛ إذ لا يدل مثلًا على المكان الذي وقع فيه النوم، فالعامل؛ " وهو هنا الفعل: نام" بحاجة إلى إتمام المعنى بذكر المكان الذي وقع فيه أثره، فهل نقول: نام الوليد السرير؟ لا نستطيع ذلك؛ لأن الأساليب العربية السليمة تأباه، فالفعل عاجز عن إيصال معناه المباشر إلى تلك الكلمة، فنلجأ إلى الوسيط المساعد؛ وهو حرف الجر الأصلي، وشبهه ليوصل بين الاثنين، ويعدي الفعل اللازم إلى مفعول به معنى، "حكمًا"؛ فنقول: نام الوليد في السرير، ومثل هذا يقال في الفعلين: "دها"، و"ذم" من قول الشاعر: ومن دعا الناس إلى ذمه2 ... ذموه بالحق وبالباطل ... وهكذا ... من كل ما سبق نفهم أن حرف الجر الأصلي3 مع مجروره إنما يقومان بمهمة مشتركة ومزدوجة، كانت السبب القوي في مجيئهما؛ وهي: إتمام معنى عاملها، واستكمال بعض نقصه4 بما يجلبانه معهما من معنى فرعي جديد؛ وأحدهما وهو حرف الجر الأصلي3 يقوم بمنزلة الوسيط الذي يصل بين العامل والاسم المجرور،
فيحمل معنى الأول إلى الثاني، ويجعل عامله اللازم متعديًا حكمًا وتقديرًا، ويعبر النحاة عن كل هذا تعبيرًا اصطلاحيًا؛ هو: "أن الجار الأصلي وشبهه مع مجروره متعلقان بالعامل، حتمًا1"، فالمراد من تعلقهما حتمًا به هو: وجوب اتصالهما وارتباطهما به؛ لتكملة معناه الفرعي على الوجه الذي سلف. كما نفهم أيضًا ما يقولونه من: أن الاسم المجرور بالحرف الأصلي وشبه وهو بمنزلة "المفعول به" لذلك العامل؛ لوقوع معنى العامل عليه؛ كما يقع على "المفعول به" الحقيقي؛ فكلا الاسمين يقع عليه معنى عامله، وكلاهما يتمم معنى العامل، "المتعلق به"، إلا أن المفعول به الحقيقي منصوب، ويصل إليه معنى ذلك العامل مباشرة أي: بغير وسيط أما الاسم الآخر، فمجرور بحرف الجر الأصلي، ولا يصل إليه معنى عامله "وهو المتعلق به" إلا بوسيط، ولا يصح تسميته مفعولًا به حقيقيًا، بالرغم من أنه بمنزلته2، كما لا يصح إعرابه فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا مبتدأ، ولا بدلًا3 ولا غير ذلك ... ، وإنما يقتصر في إعرابه على أنه "اسم مجرور بالحرف"، وكفى4 ... أنواع العامل "أي: المتعلق به"، ومواضع ذكره وحذفه: ليس من اللازم أن يكون العامل "أي: المتعلق به" فعلًا؛ فقد يكون فعلًا مطلقًا5، وقد يكون شيئًا آخر يشبهه؛ كاسم الفعل في مثل: نزال في
الباخرة، بمعنى: انزل في الباخرة، وحيهل على داعي المروءة، بمعنى: أقبل على داعي المروءة، وكالمصدر الصريح1 في قولهم: السكوت عن السفيه جواب، والإعراض عنه عقاب ... ومثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة من أقوى الدعائم لإصلاح المجتمع، وكالمشتق الذي يعمل عمل الفعل؛ نحو: أنا محب لعملي، فرح به، مرتاح لرفاقي فيه، وقول الشاعر: يموت المداوي للنفوس ولا يرى ... لما فيه من داء النفوس مداويًا وكذلك2 المشتق الذي لا يعمل3؛ كاسم الزمان، واسم المكان ... و ... نحو: انقضى مسعاك لتأييد الحق، وعرفنا مدخلك إلى أعوانه. وقد يكون العامل لفظًا غير مشتق، ولكنه في حكم المؤول به "أي: يؤدي معنى المشتق"؛ مثل: "أنت عمر من قضائك"، فالجار مع مجروره متعلقان بكلمة: "عمر" الجامدة؛ لأنها مؤولة بالمشتق؛ فهي هنا بمعنى: عادل، ومثل قولهم: "قراءة كلام السفهاء علقم على ألسنتنا"، فالجار والمجرور متعلقان "بعلقم" الجامدة؛ لأنها هنا بمعنى: صعب، أو شاق، أو مؤلم، أو: مر ... والمشهور: أن حرف الجر الأصلي مع مجروره لا يتعلقان بأحرف المعاني، ولكن
هذا المشهور مخالف لما نقلناه عن بعض المحققين1. وقد يخلو الكلام من ذكر العامل2؛ لأنه: أ– إما محذوف جوازًا لوضوحه؛ بسبب اشتهاره في الاستعمال قبل الحذف وأمن اللبس بعد الحذف، أو بسبب وجود دليل يدل عليه؛ فمثال الأول: "بأبي" في قول المتنبي: بأبي من وددته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعا وقول الآخر: بنفسي تلك الأرض؛ ما أطيب الربا!! ... وما أحسن المصطاف3 والمتربعا4!! يريد: أفدي بأبي، أفدي بنفسي، ومثال الثاني: أزورك في مساء الخميس أما أخوك ففي مساء الجمعة، أي: فأزوره في مساء الجمعة. ب– وإما محذوف وجوبًا إذا كان هذا العامل2 دالًا على مجرد الكون العام، أي: الوجود المطلق؛ وذلك في مسائل؛ أشهرها سبعة: 1– أن يقع صفة، نحو؛ هذه رسالة في يد صديق عزيز. 2– أو: حالًا؛ نحو: نظرات الرسالة في يد صديق عزيز. 3– أو: صلة، نحو: استمتعت بالأزهار التي في الحديقة. 4– أو: خبرًا لمبتدأ أو لناسخ، كقول الشاعر: جسمي معي، غير أن الروح عندكمو ... فالجسم في غربة، والروح في وطن فليعجب الناس مني؛ أن لي بدنًا ... لا روح فيه، ولى روح بلا بدن
5– أو: أن يلتزم العرب حذفه في أسلوب معين؛ كقولهم لمن تزوج: "بالرفاء 1والبنين"، أي: تزوجت ... فلا يجوز في مثل هذا الأسلوب ذكر العامل؛ لأنه أسلوب جرى مجرى الأمثال، والأمثال لا تغير. 6– أو يكون حرف الجر هو "الواو" أو"التاء" المستعملتين في القسم، نحو: والله لا أبتدئ بالأذى، وقول الشاعر: فوالله لا يبدي لساني حاجة ... إلى أحد حتى أغيب في القبر تالله لأصنعن المعروف، التقدير: أقسم والله، أقسم بالله. 7– أو: أن يرفع الجار مع مجروره الاسم الظاهر عند من يقول بذلك2؛ بشرط اعتمادها على استفهام، أو نفي؛ نحو: أفي الله شك؟: ما في الله شك. وإذا كان العامل محذوفًا جاز تقديره فعلًا، "مثل: استقر – حصل – وجد – كان بمعنى: وجد ... و ... " وجاز تقديره وصفًا يشبهه؛ "مثل: مستقر – حاصل – كائن ... "، إلا في القسم والصلة لغير "أل" الموصولة؛ فيجب تقديره فيهما فعلًا؛ لأن جملتي القسم والصلة لغير "أل"، لا تكونان هنا إلا جملتين فعليتين3، ولن يتحقق هذا إلا بتعلق شبه الجملة بفعل محذوف، لا بغيره. وقد سبق أن أوضحنا جواز القول تيسيرًا بأن الجار والمجرور إذا وقعا صفة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا، هما الصفة، أو الصلة، أو الخبر، أو الحال، من غير نظر للعامل، ولا اعتباره واحدًا من تلك الأشياء4. ولما كانت العلاقة بين العامل "المتعلق به"، والجار مع مجروره على ما ذكرنا من الارتباط المعنوي الوثيق وجب أن ننتبه عند التعليق؛ فنميز العامل الذي يحتاج إلى الجار مع المجرور لتكملة معناه، من غيره الذي لا يحتاج؛ فنخص الأول بتعلقهما به، ونعطيه ما يناسبه، دون سواه من العوامل التي لا يصح التعلق بها؛ إما
بسبب الاكتفاء بمعنى العامل دون احتياج إلى الجار مع مجروره، وإما بسبب فساد المعنى المراد من العامل إذا تعلقا به. بيان ذلك: أن الكلام قد يشتمل على عدة أفعال أو غيرها مما يشبهها، فيتوهم من لا فطنة له أن التعلق بكل واحد منها جائز؛ فيسارع إلى التعليق غير متثبت من حاجة العامل لهذا التعليق، في استكمال المعنى أو عدم حاجته، وغير ملتفت إلى ما يترتب عليه من فساد المعنى أو عدم فساده؛ كما يتضح من الأمثلة التالية: "جلست أقرأ في كتاب تاريخي" ... فلو تعلق الجار والمجرور: "في كتاب" بالفعل: "جلس" لكان المعنى: جلست في كتاب ... ، وهذا واضح الفساد، لكن يستقيم لمعنى لو تعلقا بالفعل: "أقرأ"، فيكون: أقرأ في كتاب تاريخي ... "قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها، بمقياس الحرارة"، فلو تعلق الجار والمجرور بالفعل: "كتب" لكان المعنى: كتب الطبيب حرارة المريض بمقياس الحرارة. وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يحصل، وإنما يصح المعنى بتعلقهما بالفعل: "قاس"؛ إذ كان الأصل: قاس الطبيب بمقياس الحرارة حرارة المريض، وهذا معنى سليم. ويقول الرصافي: جهلت كجهل الناس حكمة خالق ... كل الخلق طرًا بالتعاسة حاكم وغاية جهدي أنني قد علمته ... حكيمًا، تعالى عن ركوب المظالم فلو تعلق الجار والمجرور: "على الخلق" بالفعل: "جهل" لأدى هذا التعلق إلى فساد شنيع في المعنى؛ إذ يكون التركيب: جهلت على الخلق جميعًا أي: تكبرت عليهم، وأسأت إليهم، وهذا غير المراد، وكذلك لو تعلقا بالمصدر: "جهل" أو: "حكمة" ... ، أما لو تلعقا بالوصف المشتق: "حاكم" فإن المعنى يستقيم، ويتحقق به المراد، إذ يكون التركيب ... حاكم على الخلق طرا بالنعاسة ... ، ومثل هذا يقال في الجار والمجرور: "بالتعاسة". ويقول الشاعر: عداتك منك في وجل وخوف ... يريدون المعاقل والحصونا ... فلو تعلق الجار ومجروره "منك" بكلمة: "عداة"1 لفسد المعنى، بخلاف
تعلقهما بكلمة: "وجل" فإن المعنى معه يكون: غداتك في وجل منك ... وهو معنى مستقيم. ومن الأمثلة السالفة يتبين أن متعلقهما قد يكون متأخرًا عنهما، أو متقدمًا عليهما؛ فليس من اللازم أن يتقدم عليها العامل الذي يتعلقان به، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: بالعلم والمال يبني الناس ملكهمو ... لم يبن ملك على جهل وإقلال وفي قول الآخر: لئن لم أقم فيكم خطيبًا فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب ... فالمراد: يبني الناس ملكهم بالعلم والمال ... لم يبن الناس ملكهم على جهل وإقلال لئن لم أقم فيكم خطيبًا، فإنني لخطيب بسيفي1 ... فالواجب يقتضي في كل الأحوال أن نبحث لحرف الجر الأصلي2 مع مجروره عن "العامل" المناسب لهما، ولا سيما إذا تعددت حروف الجر ومجروراتها، وتعددت معها الأفعال وأشباهها3، وأن نميزه ونستخلصه من غير المناسب؛ ولا نتأثر في اختياره بقربه من الجار والمجرور، أو بعده عنهما، أو تقدمه عليهما أو تأخره، أو ذكره، أو حذفه4، وإنما نتأثر بشيء واحد؛ هو
ما يكون بين العامل وبينهما من ارتباط معنوي يحتم اتصالهما به بطريقة تعلقهما به مع ملاحظة الرأي المشهور؛ وهو: أن شبه الجملة بنوعيه لا يتقدم على عامله المؤكد بالنون1. وفي هذه الحالة التي يتمم فيها الجار والمجرور المعنى مع عاملهما يسميان "شبه الجملة2 التام"، فإن لم يكمل بهما المعنى "وقد يكون ذلك لعدم اختيار "المتعلق به" المناسب سميًا: "شبه الجملة الناقص"، نحو: محمد عنك، الشمس حتى اليوم، النهر بك ... و ... فهذه تراكيب فاسدة، بخلاف: محمد في البيت، الشمس على خط الاستواء، النهر لنا3.
ملاحظة: المشهور أن شبه الجملة التام بنوعيه "الظرف، والجار مع مجروره" إذا وقع
بعد نكرة محضة وجب إعراب متعلقه "عامله" نعتا، وإذا وقع بعد معرفة محضة.
وجب إعرابه حالا، أما إذا وقع بعد نكرة غير محضة، أو معرفة محضة فيجوز
إعرابه في كل صورة من الصورتين، حالًا، أو نعتًا، لكن يقول بعض المحققين: إن متعلق شبه الجملة يصلح أن يكون حالًا أو نعتًا في جميع الصور؛ سواء أكانت النكرة والمعرفة محضتين أم غير محضتين، ما عدا صورة واحدة يتعين أن يكون شبه الجملة فيها نعتًا، هي: أن تكون النكرة محضة، ورأيه حسن، وقد سبق إيضاحه التام وتفصيله1. وحروف الجر السابقة كلها أصلية خالصة، إلا أربعة؛ هي: "من"، و"الباء" و"اللام" و"الكاف"، فهذه الأربعة تستعمل أصلية حينًا، وزائدة حينًا آخر، وإلا "لعل" و"رب"؛ فإنهما حرف جر شبيهان بالزائد، وكذا: "لولا" في رأي أشرنا إليه من قبل2، ومن النحاة من يجعل: خلا، وعدا،
وحاشا، من حروف الجر الشبيهة بالزائدة، لكن لا داعي للعدول عن اعتبارها حروفًا أصلية؛ كما سبق1 في باب الاستثناء وسيجيء تفصيل الكلام عن معاني حروف الجر، وعملها يالموضع الخاص بهذا من الباب2. القسم الثاني: حرف الجر الزائد3 زيادة محضة4، وهو الذي لا يجلب معنى جديدًا، وإنما يؤكد ويقوي المعنى العام في الجملة كلها، فشأنه شأن كل الحروف الزائدة؛ يفيد الواحد منها توكيد المعنى العام للجملة كالذي يفيده تكرار تلك الجملة كلها، سواء أكان المعنى العام إيجابًا أم سلبًا، ولهذا لا يحتاج إلى شيء يتعلق به، ولا يتأثر المعنى الأصلي بحذفه، نحو: كفى بالله شهيدًا، بمعنى: يكفي الله شهيدًا؛ فقد جاءت "الباء" الزائدة لتفيد تقوية المعنى الموجب وتأكيده؛ فكأنما تكررت الجملة كلها لتوكيد إثباته وإيجابه، ومثل: ليس من خالق إلا الله أي: ليس خالق إلا الله، فأتينا بالحرف الزائد: "من": لتأكيد ما تدل عليه الجملة كلها من المعنى المنفي، وتقوية ما تتضمنه من السلب، ولو حذفا الحرف الزائد في المثالين ما تأثر المعنى بحذفه5. ولا فرق في إفادة التأكيد بين أن يكون الحرف الزائد في أول الجملة، أو في وسطها، أو في آخرها؛ نحو: بحسبك الأدب، كفى بالله شهيدًا، الأدب بحسبك ... وقد تكون زيادة الحرف واجبة لا غنى عنها كزيادة "باء الجر" بعد صيغة "أفعل" للتعجب القياسي؛ نحو: أكرم بالعرب6.
وإنما لم يتعلق الجار الزائد مع مجروره بعامل؛ لأن التعلق والزيادة متعارضان؛ إذ الداعي للتعلق هو الارتباط المعنوي بين عامل عاجز، ناقص المعنى، واسم يكمل هذا النقص، ولا يصل إليه أثر ذلك العامل إلا بمساعدة حرف جر أصلي وشبهه أما الزائد، فلا يدخل الكلام ليعين على الإكمال، والإيصال الأثر من العامل العاجز إلى الاسم المجرور، وإنما يدخل الكلام لتأكيد معناه القائم، وتقويته كله، لا للربط. طريقة إعراب المجرور بالحرف الزائد: لا بد من أمرين معًا في الاسم المجرور بالحرف الزائد؛ أن يكون مجرورًا في اللفظ، وأن يكون مع ذلك في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب مقتضيات العوامل، فله إعراب لفظي، معه آخر محلي، ففي مثل، "كفى بالله شهيدًا" تعرب "الباء" حرف جر زائدًا "الله" مجرور بها، في محل رفع؛ لأنه فاعل، إذ الأصل: كفى الله ... وفي مثل: "بحسبك الأدب"، "الباء": حرف جر زائد، "حسب" مجرور بها، في محل رفع؛ لأنها تصلح مبتدأ؛ إذ الأصل: حسبك الأدب ... وهكذا، فحرف الجر الأصلي والزائد يشتركان في أمر واحد، هو: أن كل منهما لا بد أن يجر الاسم بعده، ويختلفان في ثلاثة أمور: 1– في أن الحرف الأصلي لا بد أن يأتي بمعنى فرعي جديد لم يكن في الجملة قبل مجيئه، أما الحرف الزائد فلا يأتي بمعنى جديد، وإنما يؤكد ويقوي المعنى العام الذي تتضمنه الجملة كلها قبل مجيئه. 2– والحرف الأصلي مع مجروره لا بد أن يتعلقا1 بعامل محتاج إليهما في تكلمة معناه وإيصال أثره إلى الاسم المجرور، أما الحرف الزائد ومجروره فلا يتعلقان. 3- والحرف الأصلي يجر الاسم بعده لفظًا دون أن يكون لهذا الاسم محل آخر من الإعراب2، وتوابعه مجرورة اللفظ مثله، ولا محل لها، أما الزائد فلا بد
أن يجر الاسم لفظًا، وأن يكون له مع ذلك محل من الإعراب، وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز فيه أمران؛ إما الجر مراعاة للفظ المتبوع، وإما حركة أخرى يراعى فيها محل المتبوع لا لفظه؛ ففي مثل: "كفى بالله القادر شهيدًا" يصح في كلمة: "القادر" الجر تبعًا للفظ "الله" المجرور لفظًا، ويجو الرفع تبعًا لمحله باعتباره فاعلًا، ومثل هذا يجري في سائر التوابع؛ حيث يجمع في التابع الإعراب اللفظي مع الإعراب المحلي. وأشهر حروف الجر الزائدة هو الأربعة السالفة "من – الباء – اللام – الكاف ... "، وسيأتي معنى كل وعمله في المكان الخاص بذلك1. القسم الثالث: حرف الجر الشبيه بالزائد، وهو الذي يجر الاسم بعده لفظًا فقط، ويكون له مع ذلك محل من الإعراب2 فهو كالزائد في هذا، ويفيد الجملة معنى جديدًا مستقلًا، لا معنى فرعيًا مكملًا لمعنى موجود، ولهذا لا يصح حذفه؛ إذ لو حذفناه لفقدت الجملة المعنى الجديد المستقبل الذي جلبه معه، ولكنه لا يحتاج مع مجروره لشيء يتعلق به؛ لأن هذا الحرف الشبيه بالزائد لا يستخدم وسيلة للربط بين عامل عاجز ناقص المعنى، واسم آخر يتمم معناه. ومن أمثلته: رب، لعل"، وكذا "لولا"، عند فريق من النحاة"، نحو: رب غريب شهم كان أنفع من قريب، رب صديق أمين كان أوفى من شقيق، فقد جر الحرف: رب، الاسم بعده في اللفظ، وأفاد الجملة معنى جديدًا مستقلًا هو: التقليل، ولم يكن هذا المعنى موجودًا. وسيجيء فصيل الكلام على هذا الحرف من ناحية معناه وعمله، وكل ما يتصل به في موضعه الخاص3.
طريقة إعراب الاسم المجرور بحرف الجر الشبيه بالزائد: حرف الجر الشبيه بالزائد يجر الاسم بعده لفظًا فقط، ويكون لهذا الاسم محل من الإعراب؛ فهو في هذا شبيه بالحرف الزائد كما أسلفنا ففي المثالين السابقين: تعرب "رب" حرف جر شبيه بالزائد، وكلمة: "غريب" أو: "صديق" مجرورة بها في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز الجر مراعاة للفظ المتبوع، وجاز ضبطه بحركة تناسب محله، ففي المثالين السابقين نقول: رب غريب شهم كان أنفع من قريب، رب صديق مهذب كان أوفى من شيق؛ بجر كلمتي: "شهم" و"مهذب" مراعاة للفظ المنعوت، أو رفعهما مراعاة لمحله. مما سبق نعلم أن الشبيه بالزائد يشبه الأصلي في أمرين؛ هما: جر الاسم بعده، وإفادة الجملة معنى جديدًا مستقلًا؛ فلم يجئ ليتمم معنى عامله. ويخالفه في أمرين؛ هما: عدم تعلقه هو ومجروره بعامل، وأن لمجروره محلًا من الإعراب فوق إعرابه اللفظي بالجر. وأن الشبيه بالزائد يشارك الزائد في أمور ثلاثة: هي، جر الاسم لفظًا واستحقاق هذا الاسم للإعراب المحلي فوق إعرابه اللفظي بالجر، وعدم حاجة الجار مع مجروره إلى متعلق. ويخالفه في أمر واحد؛ هو: إتيانه بمعنى جديد مستقل كما أسلفنا أما الزائد، فلا جديد في المعنى معه، وإنما يستخدم لتأكيد معنى الجملة كلها.
تلك هي الأنواع الثلاثة من حروف الجر، وتتلخص أوجه المشابهة والمخالفة بين هذه الأنواع الثلاثة فيما يأتي:
المسألة 90
المسألة 90: د– معاني1 حروف الجر، ووجوه استعمالها. المشهور من حروف الجر عشرون، سردنا ألفاظها2، وأنواعها الثلاثة. ونشير إلى أمرين: أولهما: أن كل حرف من هذه العشرين، قد يتعدد معناه، وقد يشاركه غيره في بعض هذه المعاني، أي: أن المعنى الواحد قد يؤديه حرفان أو أكثر، وللمتكلم أن يختار من الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد أو غير المشتركة، ما يشاء مما يناسب السياق، غير أن الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد قد تتفاوت في هذه المهمة، فبعضها أقوى على إظهاره من غيرها، لكثرة استعمالها فيه، وشهرتها به، وهذه الكثرة والشهرة، تختلف باختلاف العصور والطبقات، ومن ثم كان من المستحسن بلاغة اختيار الحرف الأوضح، والأشهر وقت الاستعمال، دون الحرف الغريب، أو غير المألوف، برغم صحة استعمال كل منهما استعمالًا قياسيًا في المعنى الواحد، أما إذا اختلف الحروف في أداء المعاني فجيب الاقتصار على ما يؤدي المعنى المراد، واختياره وحده؛ ولهذا يجب تنويع حروف وتغييرها على حسب المعاني المقصودة. ثانيهما: أن بضع حروف الجر يكثر استعماله في الجر حتى يكاد يقتصر عليه؛ مثل: من، إلى، عن، على، رب، في، وبعضًا آخر يقل استعماله فيه، وهذا ستة أحرف3 هي: خلا – عدا – حاشا – كي – لعل – متى. غير أن الذي يكثر استعماله في الجر والذي لا يكثر سيان، من ناحية أن
استخدامها قياسي في الموطن المناسب للمعنى، لا يمنع منه مانع؛ حتى القلة المشار إليها، فإنها ليست من النوع الذي يمنع القياس والمحاكاة، إذ هي قلة نسبية لا ذاتية1 "أي: أنها تعتبر قليلة إذا قيست بالنوع الآخر الكثير، وليست قليلة في ذاتها، بل كثيرة بغير تلك الموازنة". فأما الثلاثة الأولى من القسم القليل القياسي، فقد سبق إيفاؤها حقها من الإبانة والتفصيل في باب الاستثناء2. وأما "كي" فحرف جر أصلي للتعليل لا يجر إلا أحد ثلاثة أشياء: الأول: "ما" الاستفهامية التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته؛ كأن يقول شخص: قد لازمت البيت أسبوعًا، فيسأله آخر: كيمه3؟ بمعنى: لمه؟ أي: لماذا؟، ومثل: أقصد الريف كل أسبوع، فيقال: كيمه؟ أي: لمه؟. و"كي" هذه تسمى: "كي التعليلية"؛ لأنها تدخل على استفهام يسأل به عن العلة والسبب كما سبق، فهي بمنزلة اللام الجارة التي تسمى: "لام التعليل" في معناها وعملها. الثاني: "ما" المصدرية مع صلتها4؛ فتجر المصدر المنسبك منهما معًا؛ مثل: أحسن معاملة الناس كي ما تسلم من أذاهم، أي: لسلامتك من أذاهم. وتسمى: "كي المصدرية": لجرها المصدر المنسبك من الحرف المصدري مع صلته؛ فهي مثل "لام التعليل" معنى وعملًا. الثالث: "أن المصدرية" مع صلتها4؛ فتجر المصدر المنسبك منهما
معًا؛ والغالب في هذه الصورة إضمار "إن" بعد "كي" مثل: أحسن السكوت كي تحسن الفهم، والأصل: كي أن تحسن الفهم، فالمصدر المنسبك من "أن" المضمرة، وصلتها في محل جر بالحرف: "كي"1، وهي أيضًا مثل "لام التعليل"، معنى وعملًا. أي: أنها في المواضع الثلاثة السابقة تؤدي معنى واحدًا وعملًا واحدًا2 ... ومما تقدم نعلم أن: "كي" الجارة لا تجر اسمًا معربًا، ولا اسمًا صريحًا. وأما لعل3، فحرف جر شبيه بالزائد، ومعناه الكثير هو: الترجي والتوقع4؛
نحو: لعل الغائب قادم غدًا، فكلمة: "لعل" حرف جر شبيه بالزائد "الغائب" مجرور بها لفظًا في محل رفع مبتدأ، "قادم" خبره، غدًا ظرف زمان منصوب على الظرفية. وأما "متى" فحرف جر أصلي1 ومعناه: الابتداء غالبًا نحو: قرأت الكتاب متى الصفحة الأولى حتى نهاية العشرين، أي: من ابتداء الصفحة الأولى ... فهي في تأدية هذا المعنى مثل "من الابتدائية". إلى هذا انتهى الكلام على الحروف التي تستعمل قليلًا في الجر، مع قياس استعمالها. وننتقل إلى الكلام على الحروف الكثيرة الاستعمال فيه، فنوضح المعاني القياسية لكل واحد، وما قد يتصل بعمله. ويلاحظ ما سبق2، وهو أن حرف الجر الأصلي حين يؤدي معنى فرعيًا من المعاني التي ستذكر لا بد أن يقوم في الوقت نفسه بتعدية عامله اللازم إلى مفعول به معنى3، وهذا المفعول المعنوي هو الاسم المجرور بالحرف الأصلي. من: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا ... ويتردد بين أحد عشر معنى: 1– التبعيض، أي: الدلالة على البعضية، وعلامتها: أن يكون ما قبلها
في الغالب جزءًا من المجرور بها، مع صحة حذفها ووضع كلمة: "بعض" مكانها؛ نحو: خذ من الدراهم، وكقولهم: ادخر من غناك لفقرك، ومن قوتك لضعفك؛ فالمأخوذ بعض الدراهم، والمدخر بعض الغني والقوة، ويصح وضع كلمة: "بعض" مكان كلمة: "من"، ومثل هذا قول الشاعر: وإنك ممن زين الله وجهه ... وليس لوجه زانه الله شائن فالمخاطب جزء من الاسم المجرور بها؛ وهو: "من" الموصولة التي بمعنى "الذين"، وقد يكون ذلك الجزء متأخرًا عنها وعن الاسم المجرور بها، وفي اللفظ دون الرتبة؛ كقولهم: "إن من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الخلاق الملق"، فالكذب والملق متأخران في الترتيب اللفظي وحده، ولكنهما متقدمان في درجتهما؛ لأن كلًا منهما هو: "اسم إن"، والأصل في "اسم إن" تقدمه في الرتبة على خبرها1 ... 2– بيان الجنس2، وعلامتها: أن يصح الإخبار بما بعدها عما3 قبلها؛ كقولهم: اجتنب المستهترين من الزملاء، فالزملاء فئة من جنس عام هو: المستهترون؛ فهي نوع يدخل تحت جنس "المستهترين" الشامل للزملاء وغير الزملاء. وكقولهم: تخير الأصدقاء من الأوفياء ... أي: الأصدقاء الذين هم جنس ينطبق على فئة منهم لفظ: "الأوفياء"، وهذا الجنس عام، يشمل بعمومه الأوفياء وغيرهم. 3- ابتداء الغاية4 في الأمكنة كثيرًا، وفي الأزمنة أحيانًا وهي في الحالتين
قياسية، وهذا المعنى أكثر معانيها استعمالًا1؛ فمثال الأولى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ؛ فابتداء مكان الإسراء هو المسجد الحرام، ونحو: جاءتني رسالة من فلان، فابتداء مكان المجيء هو فلان ... ومثال الثانية قولهم: فلان ميمون الطالع من يوم ولادته، راجح العقل من أول نشأته ... فابتداء زمان اليمن هو يوم ولادته، وابتداء زمان رجاحة العقل هو أول نشأته. 4– التوكيد، "ولا تكون معه إلا زائدة"، وزيادتها إما للنص على عموم المعنى وشموله كل فرد من أفراد الجنس، وإما لتأكيد ذلك العموم والشمول إذا كانا مفهومين من الكلام قبل دخولها، فالأول مثل: "ما غاب من رجل"، وأصل الجملة: ما غاب رجل، وهي جملة قد يفهم منها أن نفي المعنى منصب على رجل واحد دون ما زاد عليه، أي: أن رجلًا واحدًا هو الذي لم يغب، وأن من الجائز غياب رجلين أو رجال. والسبب في اختلاف الفهم أن كلمة: "رجل" النكرة، ليست من النكرات الملازمة للوقوع بعد النفي، "وهي النكرات القاطعة في الدلالة على العموم والشمول بعد ذلك النفي، ويتحتم أن ينصب النفي الذي قبلها على كل فرد من أفراد مدلولها؛ وأن يمتنع معه الخلاف في الفهم؛ مثل: كلمة: أحد، وديار، وغريب، وإنما كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي، أو لا تقع، وإذا وقعت بعده لم تفد العموم والشمول الإفادة القاطعة التي تشمل كل فرد من الرجال إلا بقرينة، وإنما تفيدهما مع احتمال خروج بعض الأفراد من دائرة المعنى المنفي كما
أوضحنا، فإذا أردنا إزالة هذا الاحتمال، وجعل المعنى نصًا في العموم والشمول على سبيل اليقين أتينا بالحرف الزائد: "من" ووضعناه قبل هذه النكرة مباشرة، وقلنا: "ما غاب من رجل"؛ وعندئذ لا يصح أن يختلف الفهم، ولا أن يتنوع؛ إذ يتعين أن يكون المراد النص على عدم غياب فرد واحد، وما زاد عليه من أفراد الرجال، ومن ثم لا يصح أن يقال: "ما غاب من رجل، وإنما غاب رجلان أو أكثر"، منعًا للتناقض والتخالف، في حين يصح هذا قبل مجيء "من" الزائدة؛ لأن الأسلوب قبل مجيئها قد يحتمل أمرين؛ نفي الواحد دون ما زاد عليه؛ ونفيه مع ما زاد عليه معًا كما أسلفنا، وهذا معنى قولهم: "من الزائدة" تفيد النص على عموم الحكم، وشموله كل فرد من أفراد الجنس إذا دخلت على نكرة منفية لا تقتضي وجود النفي الدائم الشامل قبلها اقتضاء محتومًا. وعلى ضوء ما سبق تتبين فائدة "من" في قول الشاعر: ما من غريب وإن أبدى تجلده ... إلا تذكر عند الغربة الوطنا وأما الثاني وهو: "تأكيد معنى العموم" ... فمثل: "ما غاب من ديار"؛ من كل كلام مشتمل على نكرة لا تستعمل غالبًا إلا بعد النفي، أو شبهه "مثل: أحد – عريب - ديار ... و ... "، فإنها بعده تدل دلالة قاطعة على العموم والشمول، أي: أن كل نكرة من هذه النكرات، ونظائرها لا يراد منها فرد واحد من أفراد الجنس ينتفي عنه المعنى، وإنما يراد أن ينتفي المعنى عن الواحد وما زاد عليه، ففي المثال السابق قطع ويقين بأمر واحد؛ هو: عدم غياب فرد أو أكثر من الأفراد؛ فكل الأفراد حاضر لم يغب أحد، ولا مجال لاحتمال معنى آخر، فإذا أتينا بحرف الجر الزائد "من"، وقلنا: ما غاب من ديار لم يفد الحرف الزائد عنى جديدًا، ولم يحدث دلالة طارئة لم تكن قبل مجيئه، وإنما أفاد تقوية المعنى القائم وتأكيده، وهو النص على شمول المعنى المنفي وتعميمه؛ بحيث ينطبق على الأفراد كلها فردًا فردًا. والفصيح الذي لا يحسن مخالفته عند استعمال "من" الزائدة أن يتحقق شرطان1:
وقوعها بعد نفي1 أو شبهة "وهو هنا: النهي2 وبضع أدوات الاستفهام"، وأن يكون الاسم المجرور بها نكرة، وهذا الاسم يكون مجرورًا في اللفظ لكنه مرفوع المحل إما؛ لأنه مبتدأ، أو أصله مبتدأ؛ في مثل قولهم: هل من صديق للواشي؟ وما من صاحب للنمام3، وإما؛ لأنه فاعل؛ في مثل قولهم: ما سعى من أحد من الشر إلا ارتد إليه سعيه وقد يكون مجرورًا في اللفظ منصوب المحل "إما؛ لأنه مفعول به، كقولهم: تأمل هذا الكون العجيب هل ترى من نقص أو قصور؟ وهل تظن من أحد يقدر على هذا الإبداع إلا الله؟ وإما؛ لأنه مفعول مطلق، نحو قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، أي: من تفريط. ومن النادر الذي لا يقاس عليه، زيادتها في غير هذه المواضع الأربعة التي يكون الاسم فيها مجرورًا لفظًا كما سبق، لكنه في محل رفع مبتدأ، "الآن أو بحسب أصله" أو: فاعل، أول في محل نصب؛ لأنه مفعول به، أو مفعول مطلق ... و ... وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز في التابع أمران4؛ الجر مراعاة للفظ
المتبوع، والرفع أو النصب مراعاة لمحله، نحو: ما للواشي من صديق مخلص، بجر كلمة: "مخلص"، أو برفعها، باعتبارها نعتا لكلمة: "صديق"، وكذا بقية التوابع، وباقي الأمثلة المختلفة، وأشباهها. 5- أن تكون بمعنى كلمة: "بدل" بحيث يصح أن تحل هذه الكلمة محلها. كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} ، أي: بدل الآخرة. 6- أن تكون دالة على الظرفية1، "أي: على أن شيئا يحويه آخر، كما يحوي الإناء ما في داخله، أو: كما يحوي الظرف وهو الغلاف المظروف، وهو الشيء الذي يوضع فيه"، نحو: ماذا أصلحت من حقلك، وغرست من جوانبه؟ أي: في حقلك ... في جوانبه. 7– إفادة التعليل، فتدخل على اسم سببًا وعلة في إيجاد شيء آخر، نحو: لا تقوى العين على مواجهة قرص الشمس، من شدة ضوئها، ونحو: من كدك ودأبك أدركت غايتك، أي: بسبب شدة ضوئها ... وبسبب كدك2 ... 8– إفادة المجاوزة3، فتدخل على الاسم للدلالة على البعد الحسي أو المعنوي
بينه وبين ما قبله ... نحو قوله تعالى: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} ، أي: عن هذا، بمعنى بعيدين عنه، وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي: عن ذكر الله. ومثل: كلام الحمقى بمعزل من الصواب، أي: عن الصواب1 ... 9– إفادة الاستعانة2 فتدخل على الاسم للدلالة على أنه الأداة التي استخدمت في تنفيذ أمر من الأمور؛ نحو: ينظر العدو إلى عدوه من عين ترمي بالشرر، أي: بعين ... 10– إفادة الاستعلاء، فتدخل على الاسم للدلالة على أن شيئًا حسيًا أو معنويًا وقع فوقه؛ نحو: قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} . أي: على القوم3 ...
11– إفادة معنى القسم، ذلك أن بعض العرب يستعملها "مضمومة الميم أو مكسورتها" حرف قسم، ولا يكاد يجر إلا كلمة: "الله" نحو؛ من الله لأقاومن الباطل1، ويجب معه حذف الجملة القسمية، "فعلها وفاعلها". "وسيجيء2 الكلام على بقية أدوات القسم بنوعيه وأحكامه". هذا، وقد تتصل "ما" الزائدة بالحرف: "من"، فلا تخرجه عن معناه ولا عن عمله، بل يبقى له كل اختصاصه كما كان قبل مجيء هذا الحرف الزائد3؛ نحو: مما أعمال المسيء يلاقي جزاءه، أي: من أعمال المسيء؛ وبسببها4 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– من الأساليب الواردة المأثورة: "مما" كالتي في حديث لابن عباس نصه: "كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة إذا نزل عليه الوحي، وكان مما يحرك لسانه وشفتيه". وكقول الشاعر: وإنا لمما يضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم و ... و ... وقد قيل: إن معنى "مما" هنا هو: "ربما" طبقًا لما بينه سيبويه في كتابه "جـ1 ص476"، وملخصه: أن "من" الجارة المكفوفة بالحرف "ما"1 قد تكون بمعنى "ربما"، واستشهد بالبيت السالف. وقال ابن هشام في "المغني" عند الكلام على: "من" وعلى معناها العاشر: إنها تكون بمعنى "ربما"، وذلك إذا اتصلت بما؛ كالبيت السالف، ثم أردف هذا بقوله: "والظاهر: أن "من" في البيت ابتدائية و"ما" مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب2 ... ". ب- إذا كان الاسم المجرور بالحرف: "من" مبدوءا بالأداة: "أل" التي ليست معدودة في حروفه الأصلية، فالأشهر فتح النون، مثل: قد نعرف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإذاعة ما لا نعرفه من الصحف، وغيره1. والأحسن ألا تحذف النون إن وقع حرف مشدد بعد "أل" السالفة؛ نحو: لا تعجب من الشعوب إذا انتقمت من الظالم. وإن وقع بعد: "من" حرف ساكن آخر تحركت النون بالكسر غالبًا نحو: عجبت من استهانة الإنسان بحقوق أخيه ومن استبداده به.
إلى: حرف جر أصلي1 يجر الظاهر والمضمر، وينتقل بين معان أشهرها ستة: 1– انتهاء الغاية2 مطلقًا؛ "أي: سواء أكانت الغاية في زمان أم مكان؛ وسواء أكانت" هي الآخر الحقيقي لما قبل "إلى" أم ليست الآخر الحقيقي، ولكنها متصلة به اتصالًا قريبًا أو بعيدًا"، وهذا المعنى أكثر استعمالات الحرف إلى؛ فمثال انتهاء الغاية الحقيقية الزمانية: نمت الليلة إلى طلوع النهار، ومثال انتهاء الغاية الزمانية المتصلة بالآخر اتصالًا قريبًا: نمت الليلة إلى سحرها3، ومثال انتهاء الغاية الزمانية البعيدة من الآخر نمت الليلة إلى نصفها أو ثلثها و ... و ... ومثال انتهاء الغاية المكانية الحقيقية: عربت الطريق إلى الجانب الآخر محترسًا، ومثال انتهاء الغاية المكانية المتصلة بالآخر: قرأت الكتاب إلى خاتمته، ومثال انتهاء الغاية المكانية البعيدة من الآخر، قرأت الكتاب إلى ثلثه. والغالب أن نهاية الغاية نفسها لا تدخل في الحكم الذي قبل "إلى" ما لم توجد قرينة تدل على دخوله، فإذا قلت: قرأت الكتاب إلى الصفحة العاشرة، فالمقصود غالبًا في مثل هذا الاستعمال أن الصفحة العاشرة لم تقرأ، فهي خارجة من الحكم الذي ثبت لما قبل "إلى"، وكذلك لو قلت: صمت الأسبوع الماضي إلى يوم الخميس؛ فإن يوم الخميس لا يدخل غالبًا في أيام الصيام، فإذا وجدت قرينة تدل على دخولها كانت داخلة؛ مثل: صمت الشهر المفروض من أوله إلى اليوم الأخير، ومثل: أكملت قراءة الكتاب كله من أوله إلى الصفحة الأخيرة ... لأن صيام الشهر المفروض يقتضي صوم اليوم الأخير منه، وإكمال الكتاب كله
يقتضي قراءة الصفحة الأخيرة منه1 ... 2- المصاحبة2، كقولهم: من قعد عن طلب الزرق أساء أهله إلى نفسه، وعذبهم إلى عذابه، أي: مع نفسه ... ومع عذابه ... وكقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، أي: مع الله. 3– التبيين، "فتبين أن الاسم المجرور بها فاعل في المعنى لا في الصناعة النحوية، وما قبلها مفعول به في المعنى لا في الصناعة كذلك، وذلك بشرط أن تقع بعد اسم التفضيل، أو: فعل التعجب، المشتقين من لفظ يدل على الحب أو: البغض، وما بمعناهما، كالود والكره ... "، كقولهم: "احتمال المشقة أحب إلى النفس الكريمة من الاستعانة بلئيم الطبع، فما أبغض الاستعانة به إلى نفوس الأحرار!! "، فكلمة: "نفس"، هي الفاعل المعنوي لا النحوي لاسم التفضيل "أحب"؛ لأنها في الواقع هي فاعلة الحب، أو: هي التي قام بها الحب، وكذلك كلمة "نفوس"، فإنها الفاعل المعنوي "لا النحوي" لفعل التعجب: "أبغض"؛ إذ هي فاعلة البغض حقيقة، أو: هي التي قام بها البغض، والذي قطع في الحكم بفاعليتها المعنوية، ومنع كل احتمال آخر هو وقوعهما بعد حرف الجر: "إلى" الذي من وظيفته القطع في مثل هذا الأسلوب الذي يحتاج إلى تيقظ، لدقته3؛ ولأنه قد يلتبس بما يقع فيه حرف "اللام"
مكان "إلى"، "وسيأتي الكلام عليه في اللام"1. 4– الاختصاص "أي: قصر شيء على آخر، وتخصيصه به"، كقولهم: الأب راعي الأسرة؛ وأمرها إليه، والحاكم راعي المحكومين، وأمرهم إليه ... فليتق الله كل راع في رعيته. 5– الظرفية2: كقولهم: سيجمع الله الولاة إلى يوم تشيب من هوله الولدان ... أي: في يوم. 6- البعضية، "وهذا قليل في المسموع"3، نحو: شرب العاطش فلم يرتو إلى الماء، أي: من الماء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– جعل بعض النحاة من معاني: "إلى" أن تكون بمعنى: "عند1" مستدلًا بمثل قول القائل: أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل وأن تكون زائدة؛ مستدلًا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} ، بفتح الواو، أي: تهواهم ... وقد دفع ذلك الرأي بأن الشاهد الأول وقعد فيه "إلى" للتبيين؛ لأن ما بعدها وهو باء المتكلم فاعل معنوي على الوجه المشروح الحالة الثالثة السالفة، وأن الشاهد الثاني: "الآية" وقع فيه الفعل، "تهوى" مضمنًا، معنى: "تميل" فلا تكون "إلى" زائدة، وهذا رأي حسن يقتضينا أن نأخذ به؛ فرارًا من الحكم بالزيادة من غير ضرورة. ب– يجب قلب ألفها2 ياء إذا كان المجرور بها ضميرًا، نحو: نقصد الوفود إلينا من بلاد بعيدة، فتقدم إليهم ضروب المجاملة الكريمة. فإن كان الضمير ياء المتكلم أدغمت الياءان؛ نحو: إلي يتجه الخائف.
اللام: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا1 ... ، ويؤدي عدة معان قد تجاوز العشرين. 1- انتهاء الغاية2 "أي: الدلالة على أن المعنى قبل اللام ينتهى، وينقطع بوصوله إلى الاسم المجرور بها، الداخل في ذلك المعنى"، نحو: صمت شهر رمضان لآخره، وقرأت الكتاب لخاتمته ... واستعمالها في هذا المعنى قليل بالنسبة لباقي معانيها، ولكنه مثل كل معانيها المختلفة قياسي "كما سبق"3. 2- الملك؛ وتقع بين ذاتين، الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، نحو: المنزل لمحمود، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها. 3– شبه الملك؛ وتقع: إما بين ذاتين، والثانية منهما لا تملك ملكًا حقيقيًا؛ وإنما تختص بالأولى، وتقتصر الأولى عليها، دون تملك حقيقي من إحداهما للأخرى؛ نحو: "السرج للحصان – المفتاح للباب – الباب للبيت"، وإما قبلهما نحو: للصديق ولد نبيه، حيث تقدمت "اللام" على الذاتين ... ، وإما بين معنى وذات؛ نحو الحمد للأمهات، والشكر للوالدين ... وتسمى هذه اللام بصورها الثلاثة: لام الاستحقاق، أو: لام الاختصاص. 4– الدلالة على شبه التمليك؛ نحو: جعلت للمحتاج عطاء ثابتًا، فالعطاء الذي يأخذه المحتاج يصير ملكًا له، يتصرف فيه تصرف المالك الحر كما يشاء. 5- الدلالة على شبه التمليك؛ نحو: جعلت لك أعوانًا من أبنائك البررة، فالأعوان هنا بمنزلة الشيء المملوك، ولكنه ليس ملكًا حقيقيًا تقع عليه التصرفات
المختلفة، وإنما يشبهه من بعض الوجوه دون بعض1. 6– الدلالة على النسب؛ نحو: لفلان أب يقول الحق، ويفعل الخير، أي: ينتسب فلان لأب1 ... 7– التعدية2 المجردة؛ نحو: ما أحب العقلاء للصمت المحمود، وما أبغضهم للثرثرة. 8– التعليل؛ بأن يكون ما بعدها علة وسببًا فيما قبلها، نحو: الاكتساب ضروري، لدفع الفاقة وذل الحاجة3. 9- التوكيد المحض، وتكون في هذه الحالة زائدة زيادة محضة لتأكيد معنى الجملة كلها، لا معنى العامل وحده كما شرحنا4، ويجري عليها ما يجري على حرف الجر الزائد4، وأكثر ما تكون زيادتها بين الفعل ومفعوله؛ نحو قول الشاعر: وملكت ما بين العراق ويثرب5 ... ملكًا أجار6 لمسلم ومعاهد أي: أجار مسلمًا ومعاهدًا7، وقول الشاعر في الغزل:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل ... 1 فالفعل: "أريد" متعد يحتاج للمفعول به، ومفعوله الذي يكمل المعنى هو المصدر المؤول بعد "لام التعليل" الجارة، والأصل: أريد أن أنسى، واللام زائدة بينهما. أو بين المتضايفين؛ كقولهم: لا أبا لفلان، على الرأي الذي يعتبرها زائدة2. وقد أجازوا زيادتها3 للضرورة الشعرية بين المنادى المضاف والمضاف إليه، كقول الشاعر4 في فتاة: لو تموت لراعتني، وقلت: ألا ... يا بؤس للموت، ليت الموت أبقاها وقول الآخر5: يا بؤس للجهل ضررًا لأقوام ... ومن المستحسن اليوم الاقتصار في الزائدة على المسموع6؛ مبالغة في الاحتياط.
10- التقوية، وهي التي تجيء لتقوية عامل ضعيف؛ إما بسبب تأخره عن معموله، نحو، قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 1، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ، وإما بسبب أنه فرع مأخوذ من غيره، كالفروع المشتقة؛ مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وقوله: {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} ، وقول علي رضي الله عنهم: "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به"، فأصل الكلام في الآيتين الأوليين: إن كنتم تعبرون الرؤيا يرهبون ربهم ... فلما تقدم كل من المفعولين على فعله ضعف الفعل بسبب تأخيره عن معموله "مفعوله"؛ فجاءت اللام لتقويته2، وأصل الكلام في الآيتين الأخيرتين وفي كلام علي: فعال
ما يريد مصدقًا ما معهم، التاركينه ... فكلمة: "فعال" صيغة مبالغة متعدية، تعمل عمل فعلها، ولكنها أضعف منه، فجاءت اللام لتقويتها. وكذلك كلمة: "مصدقًا"، وكلمة "التاركين" وكلاهما اسم فاعل1 ...
11- الدلالة على القسم1 والتعجب معًا، بشرط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به هو لفظ الجلالة؛ كقولهم: "لله! ! لا ينجو من الزمان حذر"، يقال هذا في عرض الحديث عن رجل حريص يتوقى أسباب الضرر جهد استطاعته، ولكنه بالرغم من ذلك يصاب. وقولهم: "لله! ! انتصرت الفئة القليلة المؤمنة بحقها على الفئة الكبيرة المختلفة". وهذا يقال في معرض الكلام عن قلة متوحدة؛ مؤتلفة، لم يكن أحد ينتظر لها الفوز والغلبة، على كثرة تفوقها عدة وعديدًا، فلا بد من قرينة تدل على معنى القسم والتعجب المجتمعين في "اللام". وبغير القرينة لا يتضح هذا المدلول. ومن الجائز أن تحذف هذه اللام، ويبقى المقسم به على حاله من الجر بشرط أن يكون لفظ الجلالة. 12- الدلالة على التعجب بغير قسم، بشرط القرينة أيضًا؛ ويكون بعد النداء كثيرًا؛ نحو: يا للأصل2 وما به من روعة يا للكشف العلمي وما انتهى إليه. ويكون بعد غيره، نحو: لله در فلان شجاعًا في الحق، لله أنت معوانًا في الخير 3 ...
13– الدلالة على العافية المنتظرة، "أي: على النتيجة المرتقبة، أو: الصيرورة". نحو: "سأتعلم للحياة السعيدة، وأتنقل في جنبات المعمورة لتحصل أنفع التجارب"، ونحو: "ربيت النمر لهجوم علي"، يقول هذا من صادف نمرًا صغيرًا فأشفق عليه وتعهده، وخدع فيه، ثم غدر به النمر، فكأنه يقول ساخطًا متهمكًا: ربيته، فكانت عاقبة التربية ونتيجتها الهجوم علي، ونحو: "أربي هذا الولد الضال ليسرقني، ويفر كأخيه"، يقول هذا من يؤدي إليه شريدًا، ويحسن إليه، وهو يتوقع أن يغافله، ويسرقه، ويهرب، كما فعل أخوه من قبل: وتسمى اللام في الأمثلة السابقة وأشباهها: لام "الصيرورة" أو: "العاقبة"؛ لأنها تبين ما صار إليه الأمر، وتوضح عاقبته1 ... 14– الدلالة على التبليغ؛ وهي الدالة على إيصال المعنى إلى الاسم المجرور بها؛ نحو: قابلت صديقك، ونقلت له ما تريد أن أنقله2 ... "وقد يسميها لذلك بعض النحاة "لام التعدية" يريد: إيصال المعنى وتبليغه". 15– الدلالة على التبيين؛ أي: إظهار أن الاسم المجرور بها هو في حكم المفعول به معنى، وما قبلها هو الفاعل في المعنى كذلك، بشرط أن تقع بعد اسم تفضيل أو فعل تعجب، مشتقين من لفظ يدل على الحب، أو البغض، وما بمعناهما؛ كالود، والكره، ونظائرهما ... ، نحو: "السكون في المستشفى أحب للمرضى، وإطالة زمن الزيارة أبغض لنفوسهم"، فالمجرور باللام في المثالين وأشباههما في حكم المفعول به من جهة المعنى "لوقوع أثر الكلام السابق عليه" لا من جهة الإعراب، فكلمة "السكون" هي الفاعل المعنوي لا النحوي الذي أوجد الحب، وكان سببًا فيه، وكلمة: "المرضى" هي المفعول به المعنوي لا النحوي الذي وقع عليه الحب، وأنصب عليه أثره، ومثل هذا يقال في
كلمتي: "إطالة، ونفوس"، فالأولى هي الفاعل المعنوي لا النحوي، والأخرى هي المفعول به المعنوي كذلك. ومثل: البدوي الصميم أحب للصحراء، وأبغض للخضر، وما أكرهه للاستقرار، ودوام الإقامة في مكان واحد1. ومن هنا يتبين الفرق الدقيق بين: "إلى" التي تفيد التبيين، و"اللام" التي تفيده أيضًا2، ويتركز في أن ما بعد "إلى" التبيينية "فاعل" في المعنى لا في اللفظ؛ وما قبلها مفعول به في المعنى كذلك، أما "اللام التبيينية" فبعكسها؛ فما بعدها مفعول به معنوي لا لفظي؛ وما قبلها فاعل معنوي كذلك، فإذا قلت: الوالد أحب إلى ابنه، كان الابن هو المحب، والوالد هو المحبوب، أي: أن الابن هو فاعل الحب معنى، والوالد هو الذي وقع عليه الحب؛ فهو بمنزلة المفعول به معنى، أما إذا قلت: الوالد أحب لابنه، فإن المعنى ينعكس؛ فيصير الابن هو المحبوب؛ فهو بمنزلة المفعول به معنى، والأب هو المحب، فهو بمنزلة الفاعل معنى، وقد سبق2 القول بأن مثل هذا الأسلوب دقيق يتطلب يقظة في استعماله، وفهمه 3. 16– أن تكون بمعنى: بعد4، كقولهم: "كان الخليفة يقصد المسجد لأذان الفجر مباشرة، ويصلي الصبح بالناس إمامًا، ثم ينظر قضاياهم، ولا يغادر المسجد إلا للعصر، وقد فرغ من صلاته، ونظر شؤون رعيته"، أي: بعد أذان الفجر مباشرة، وبعد العصر، ومن هذا النوع ما كان يؤرخ به الأدباء وسائلهم؛ فيقولون: "كتبت هذه الرسالة لخمس خلون من "شوال"" يريدون: بعد خمس ليال مررن
من شوال، ومثل قول الشاعر1: توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام، وذا العام سابع أي: بعد ستة أعوام ... ، وقول الآخر: فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول2 اجتماع لم نبت ليلة معًا 17– أن تكون بمعنى: "قبل"، كقولهم في التاريخ: كتبت رسالتي لليلة بقيت من رمضان، أي: قبل ليلة. 18– أن تفيد الظرفية3 نحو: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . وقوله: تعالى في أمر الساعة: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} 4، وقولهم في التاريخ: كتبت هذه الرسالة لغرة شهر رجب، وقولهم: مضى فلان لسبيله ... ، "أي: في يوم القيامة في وقتها في غرة شهر رجب في سبيله". 19– أن تكون بمعنى: "من البيانية"5 كقول الشاعر يخاطب عدوه: لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة. 20– أن تكون للمجاوزة6. "مثل: عن" كقول الشاعر: كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبعضًا إنه لذميم أي: عن وجهها ... ويرى بعض النحاة أنها هنا بمعنى الظرفية "أي مثل: "في". وأنها لا تكون بمعنى: "عن" ولا بمعنى: "على"، المفيدة للاستعلاء"7.
والرأي السديد أنها إن دلت في السياق على المجاورة، أو: الاستعلاء دلالة واضحة كالتي في الأمثلة الواردة جاز أن تكون من حروفهما، وإلا طلبنا لها معنى آخر يظهر فيه الوضوح والإبانة. 21– أن تكون لتوكيد النفي، وهي الداخلة في ظاهر الأمر دون حقيقته على المضارع المسبوق بكون منفي؛ وتسمى: "لام الجحود"1؛ لسبقها بالنفي دائمًا. نحو: ما كان الحق لينهزم، ولم يكن الباطل لينتصر. 22– أن تكون بمعنى: "مع" كقوله تعالى في اليتامى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، أي: مع أموالكم. 23– أن تكون بمعنى "عند" المفيدة للتوقيت؛ كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر} ، أي: عند أول الحشر 2 ... حركة لام الجر: تتحرك لام الجر بالكسرة إن دخلت على اسم ظاهر غير المستغاث3 في نحو: يا للقادر للضعيف؛ وتتحرك بالفتحة إن دخلت على ضمير، إلا على ياء المتكلم؛ فتكسر في نحو: رب اغفر لي، و ...
حتى1: حرف جر أصلي، وهو نوعان: أ– نوع لا يجر إلا الاسم الظاهر الصريح2، ومعنى: "حتى" في هذا النوع الدلالة على انتهاء الغاية3؛ ولهذا تسمى فيه: "حتى الغائية"، نحو: تمتعت بأيام الراحة حتى آخرها، والأكثر أن يكون الوصول إلى نهاية الغاية تدرجًا وتمهلًا، أي: دفعات لا دفعة واحدة، والغالب كذلك أن يجر الآخر من الأشياء، أما ما يتصل بالآخر مما يكون قبله مباشرة، نحو: "شربت الكوب كله حتى الصبابة، وأتممت الصفحة حتى السطر الأخير". ونحو: "سهرت الليلة حتى السحر، وتنقلت في الحديقة حتى الباب الخارجي". والغالب أيضًا أن تدخل نهاية الغاية في الحكم4 الذي قبل "حتى"، إلا إذا قامت قرينة تدل على عدم الدخول؛ نحو: قرأت الكتاب كله حتى الفصل الأخير؛ فنهاية الغاية داخلة بقرينة تدل على الشمول والعموم؛ هي كلمة: "كل"، بخلاف: كدت أفرغ من الكتاب؛ فقد قرأته حتى الفصل الأخير؛ لأن كلمة: "كدت" التي معناها: "قاربت" تدل على أن بعضه الأخير لم يقرأ ... وعلى هذا لا يستحسن الإتيان "بحتى" في مثل: قرأت الكتاب حتى ثلثه أو نصفه، وإنما يجيء مكانها "إلى". ب- نوع لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وجوبًا، وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، وأشهر معاني هذا النوع ثلاثة: الدلالة على انتهاء
الغاية، كالنوع السابق، أو الدلالة على التعليل1، أو الدلالة على الاستثناء2 إن لم يصلح أحد المعنيين السابقين. وهذا النوع كما قلنا: لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" الناصبة للمضارع، المقدرة وجوبًا، ومن صلتها الفعلية المضارعية3؛ نحو: أتقن عملك حتى تشتهر اجتب الكسب الخبيث حتى تسلم ثروتك التاجر الحصيف يحرص على الأمانة حتى يزداد ربحه ... ، ولا يصح أن تكون في هذه الأمثلة لانتهاء الغاية؛ لأن انتهاء الغاية يقتضي انقطاع ما قبل: "حتى" وانتهاءه بمجرد وقوع ما بعدها وحصوله، ولا يتحقق هذا في الأمثلة السالفة إلا بفساد المعنى؛ إذ ليس المراد أن يتقن المرء عمله حتى يشتهر؛ فإذا اشتهر ترك الإتقان ... ولا أن
يجتنب الكسب الخبيث حتى تسلم ثروته، فإذا سلمت لا يجتنبه ... ، ولا أن يحرص على الأمانة حتى يزداد ربحه، فإذا ازداد تركها، ليس المقصود شيئًا من هذا لفساده؛ فهي في تلك الأمثلة للتعليل. ومثال الدلالة على انتهاء الغاية: أقرأ الكتاب النافع حتى تنتهي صفحاته يمتد الليل حتى يطلع الفجر ... أما دلالتها على الاستثناء فقليلة1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– قلنا فيما سبق1: إن "حتى" الجارة نوعان؛ نوع: يجر الاسم الصريح، ومعنى هذا النوع الدلالة على الغائية، أي: على نهاية الغاية، فيجر الآخر أو ما يتصل بالآخر، ونوع يجر المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وجوبًا، وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، ومعنى هذا النوع، إما نهاية الغاية2 وإما التعليل، وإما الاستثناء. فمن معاني "حتى": الدلالة على الاستثناء وهذا أقل استعمالاتها، ولا يلجأ إليه إلا بعد القطع بعدم صحة واحد من المعنيين السابقين، ولا تجر فيه إلا المصدر المنسبك من "أن" الناصبة المستترة وجوبًا ومن صلتها الفعلية المضارعية، وتكون "حتى"3 في هذه الحالة بمعنى "إلا" الاستثنائية، والغالب أنه يكون الاستثناء منقطعًا، فتكون "إلا" فيه بمعنى "لكن" أي: يصح أن يحل محلها: "لكن"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي تفيد الابتداء والاستدراك معًا؛ "فيكون الاستثناء منقطعًا"؛ نحو: لا يذهب دم القتيل هدرًا حتى تثار1 له الحكومة، أي: إلا أن تثأر له الحكومة بمعنى: لكن تثأر له الحكومة، فلا يذهب هدرا، والغالب في هذا المثال –وأشباهه– أن يبقى النفي الذي قبل "حتى" على حاله بعد تأويلها بالحرف "إلا". ولا يصح في المثال السالف أن تكون: "حتى" للغاية؛ لأن "حتى" الغائية –كما عرفنا– إذا وقع ما بعدها وتحقق معناه توقف المعنى الذي قبلها، وانقطع. يترتب على هذا أن الحكومة حين تثأر للقتيل، ينقطع عدم ذهاب دمه هدرًا؛ وانقطاعه وتوقفه يؤدي -حتمًا- إلى وقوع ضده وحصوله؛ أي: إلى أن دمه يذهب هدرًا، وهذا فاسد. وشيء آخر يمنع أن تكون "حتى" غائية في المثال؛ هو: أن ما قبلها لا ينقضي شيئًا فشيئًا. وكذلك لا تصح أن تكون: "حتى" "تعليلية"؛ لأن ما قبلها –هنا– ليس علة وسببًا فيما بعدها؛ إذ عدم ذهاب دمه هدرًا بالفعل ليس هو السبب في انتقام الحكومة له؛ لأن هذا يناقض المراد، وإنما الانتقام له فعلًا وواقعًا هو السبب في عدم ذهاب دمه هدرًا، إذ السبب لا بد أن يسبق المسبب، ويوجد قبله؛ ليجيء بعده ما ينشأ عنه، ويترتب عليه، وهو: المسبب، فأخذ الثأر لا بد أن يتحقق بطريقة عملية توجد أولًا، ليوجد بعدها عدم ذهاب الدم هدرًا، لا العكس. وإذا كانت "حتى" في المثال السابق وأشباهه لا تصلح أن تكون غائبة، ولا تعليلية فلا مفر بعدهما من أن تكون بمعنى: "إلا" الاستثنائية، في استثناء منقطع؛ أي: أنها بمعنى: "لكن" التي تفيد الابتداء والاستدراك معًا -كما أسلفنا- ومن الأمثلة: 1- كل مولود يولد جاهلًا بالشر حتى يتعلمه من أسرته وبيئته، بمعنى
إلا أن يتعلمه، أي: لكن يتعلمه، فلا تصلح أن تكون "غائية"؛ لأن ما قبلها هنا لا يقع متدرجًا متطاولًا بحيث يمتد إلى ما بعدها، بل يقع دفعة واحدة، ولا تصلح أن تكون "تعليلية"؛ لأن ولادة الجاهل بالشر ليست هي العلة المؤثرة في أمر التعليم، ولا السبب المباشر فيه؛ إذ العلة لا يتخلف أثرها؛ فلا بد أن يتحقق بتحققها المعلول، ويوجد بوجودها: لأن العلة لا يتأخر عنها المعلول، فلم يبق إلا أن تكون "حتى"، بمعنى: "إلا" في استثناء منقطع، أي: بمعنى: "لكن" المشار إليها. 2- ناديتك حتى تحصد القمح بعد ساعات؛ فالنداء ليس فيه تمهل وتدرج يمتدان إلى وقت الحصد، وليس سببًا مباشرًا في الحصد. 3- افتح نوافذ الحجرة حتى يشتد البرد ليلًا ... ويقال فيه ما سبق1 ... ب- من الأمثال: "ما سلم القادم العزيز حتى2 ودع"، "وهو مثل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال فيمن قصرت مدة زيارته"، أي: ما سلم في زمن؛ لكن ودع فيه، أو: ما سلم في زمن إلا زمنًا ودع فيه1. ومن المستحسن التخفف من استعمال "حتى" التي بمعنى "إلا" قدر الاستطاعة؛ لأن فهم المراد منها، والتمييز بينهما وبين نوعيها الآخرين لا يخلو من صعوبة؛ ولأن كثيرًا من النحاة لا يوافق على أنها تكون بمعنى "إلا"، ويتأول الوارد منها. ج- وضح مما تقدم أن "حتى" الجارة بنوعيها لا تدخل على جملة؛ لأن التي تدخل على الجملة "الاسمية أو الفعلية" نوع آخر، يسمى: "حتى الابتدائية"2 وسيجيء تفصيل الكلام عليها في موضعها المناسب3 ...
الواو، والتاء: حرفان أصليان للجر، ومعناهما القسم1 غير الاستعطافي2 ولا يصح أن يذكر معهما جملة القسم، وهما لا يجران إلا الاسم الظاهر، والتاء تفيد مع القسم التعجب3، ولا تجر من الأسماء الظاهرة إلا ثلاثة: "الله - رب - الرحمن"، ومن الشذوذ أن تجر غير هذه الثلاثة. فمن أمثلة واو القسم قول الشاعر: فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء ومن أمثلة تاء القسم قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 3. ويجري على الحرفين السابقين ما يجري على كل حروف القسم من جواز الحذف4 مع بقاء المقسم به مجرورًا بشرط أن يكون هو لفظ الجلالة "أي: الله".
ملاحظة: حرف "الواو" أنواع متعددة، لكل نوع استعمال خاص يؤدي إلى معنى معين. ومن أنواعه "واو: رب" حيث ينوب عن "رب" جوازًا بعد حذفها في مواضع محددة يأتي بيانها1، ولا يتحتم أن تكون هذه الواو نائبة عن "رب المحذوفة كما سنعرف. الباء: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا2، ويؤدي عدة معان، أشهرها خمسة عشر: 1- الإلصاق حقيقة أو مجازًا؛ نحو: أمسكت باللص، ومررت بالشرطي، فمعنى أمسكت به، قبضت على شيء من جسمه، أو مما يتصل به اتصالًا مباشرًا؛ كالثوب ونحوه، وهو عند كثير من النحاة أبلغ من: أمسكت اللص؛ لأن معناه مع "الباء"، المنع من الانصراف منعًا تامًا. ومن الإلصاق الحقيقي قول الشاعر: سقى الله أرضًا لو ظفرت بتربها ... كحلت بها من شدة الشوق أجفاني ومعنى مررت بالشرطي: ألصقت مروري بمكان يتصل به ... 2- السببية أو التعليل "بأن يكون ما بعدها سببًا وعلة فيما قبلها"، نحو: كل امرئ يكافأ بعمله، ويعاقب بتقصيره، أي: بسبب عمله، وبسبب تقصيره3 ... وقول الشاعر: إنما ينكر الديانات قوم ... هم بما4 ينكرونه أشقياء وقول الآخر: جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي والمراد: هم أشقياء بسبب ما ينكرونه وعرفت بسببها5. 3- الاستعانة، "بأن يكون ما بعد الباء هو الآلة لحصول المعنى الذي قبلها"5
نحو: سافرت بالطيارة رصدت الكوكب بالمنظار، وهذا المعنى هو والإلصاق أكثر معانيها استعمالًا. 4- الظرفية؛ نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ، أي: في بدر. 5- التعدية، أو: النقل: "وهي التي يستعان بها غالبًا في تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به، كما تعديه همزة النقل"، نحو: ذهبت بالمريض إلى الطبيب، بمعنى: أذهبته، وقعدت بفلان همته عن الطموح، بمعنى: أقعدته ... 6- أن تكون بمعنى كلمة: "بدل"1، "بحيث يصح إحلال هذه الكلمة محل "الباء" من غير أن يتغير المعنى"، مثل: ما يرضيني بعملي عمل آخر أرتضي بالملاكمة رياضة أخرى، أي: ما يرضيني بدل عملي عمل آخر، أرتضي بدل الملاكمة2 رياضة أخرى.
ومنه قول الشاعر: إن الذين اشتروا دنيا بآخرة ... وشقوة بنعيم، ساء ما فعلوا 7- العوض1 "أو: المقابلة"؛ نحو: اشتريت الكتاب بعشرة دراهم، واشتراه أخي بأحد عشر ... 8- المصاحبة2؛ نحو قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ، ونحو: سافر برعاية الله، وارجع بعنايته، أي: ع سلام مع رعاية الله مع عنايته. 9- التبعيض، أو: البعضية، "بأن يكون الاسم المجرور بالباء بعضًا من شيء قبلها"، نحو قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} ، أي: منها، وقولهم: حفلت المائدة؛ فتناولت بها شهي الطعام، ولذيذ الفواكه، أي: تناولت منها3 ...
11- المجاوزة1؛ نحو قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، أي: عنه، وقوله تعالى في وصف المؤمنين يوم القيامة: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} ، أي: عن إيمانهم، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عن الغمام ... 12- الاستعلاء فترادف: على؛ كقولهم: من الناس من تأمنه بدينار فيخون الأمانة، ومنهم من تأمنه بقنطار من الذهب، فيصونه ويؤديه كاملًا، أي: على دينار، وعلى قنطار. 13- أن تكون بمعنى: "إلى"، نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ، بمعنى أحسن إلي. 14- التوكيد2؛ "وهي الزائدة" جوازًا في مواضع معينة. منها: الفاعل؛ نحو قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ، والمفعول به نحو قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، والمبتدأ نحو: بحسبك البراعة الفنية، وخبر الناسخ؛ مثل: ليس المال بمغن عن التعلم3 ... والتقدير: كفى الله، ولا تلقوا أيديكم، حسبك البراعة، ليس المال مغنيًا ... كما يجوز زيادتها في المبتدأ الواقع بعد "إذا الفجائية"؛ نحو: نزلت البحر فإذا بالماء بارد4، وكذلك يجوز زيادتها في لفظين من ألفاظ التوكيد المعنوي، هما: "نفس، وعين"؛ مثل: خرج الوالي نفسه، أو بنفسه يتفقد أحوال الناس كلمت الوالي نفسه، أو بنفسه وهو يراقب عماله، سلمت على الوالي
11- المجاوزة1؛ نحو قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، أي: عنه، وقوله تعالى في وصف المؤمنين يوم القيامة: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} ، أي: عن إيمانهم، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عن الغمام ... 12- الاستعلاء فترادف: على؛ كقولهم: من الناس من تأمنه بدينار فيخون الأمانة، ومنهم من تأمنه بقنطار من الذهب، فيصونه ويؤديه كاملًا، أي: على دينار، وعلى قنطار. 13- أن تكون بمعنى: "إلى"، نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ، بمعنى أحسن إلي. 14- التوكيد2؛ "وهي الزائدة" جوازًا في مواضع معينة. منها: الفاعل؛ نحو قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ، والمفعول به نحو قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، والمبتدأ نحو: بحسبك البراعة الفنية، وخبر الناسخ؛ مثل: ليس المال بمغن عن التعلم3 ... والتقدير: كفى الله، ولا تلقوا أيديكم، حسبك البراعة، ليس المال مغنيًا ... كما يجوز زيادتها في المبتدأ الواقع بعد "إذا الفجائية"؛ نحو: نزلت البحر فإذا بالماء بارد4، وكذلك يجوز زيادتها في لفظين من ألفاظ التوكيد المعنوي، هما: "نفس، وعين"؛ مثل: خرج الوالي نفسه، أو بنفسه يتفقد أحوال الناس كلمت الوالي نفسه، أو بنفسه وهو يراقب عماله، سلمت على الوالي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: تعددت هنا الأمثلة للباء الزائدة كي تدل على أنها تزاد في الفاعل، والمفعول به، والمبتدأ، وخبره، وخبر الناسخ، وقد تزاد في غير ذلك قليلًا. بقي أن نسأل: أزيادتها قياسية أم سماعية1؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل: إن الزائدة في الفاعل تكون واجبة في فاعل فعل التعجب الذي صيغته القياسية: "أفعل"، مثل: أصلح بنفسك، وأحسن بعملك؛ بمعنى: ما أصلح نفسك! ! وما أحسن عملك! ! وتكون جائزة، في فاعل: "كفى"، مثل: كفى بالله شهيدًا. أما الزائدة في المفعول به فغير مقيسة، ولو كان مفعولًا به للفعل: "كفى" نحو: كفى بالمرء عيبًا أن يكون نمامًا. وقول الشاعر: كفى بالمرء عيبًا أن تراه ... له وجه وليس له لسان ويستثنى من هذا زيادتها في مفعول الأفعال الآتية: "عرف علم بمعنى: عرف - جهد - سمع - أحسن"، فإن هذه الزيادة جائزة. والزائدة في المبتدأ والخبر غير قياسية؛ إلا في مثل الأنواع المسموعة2 كثيرًا منها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - كالتي بعد: "كيف" و"إذا" وقبل كلمة: "حسب" كقول الشاعر: وقفنا، فقلنا إيه عن أم سالم ... وكيف بتكليم الديار البلاقع؟ ونحو: كيف1 بك إذا اشتد الأمر أصغيت فإذا بالطيور2 مغردة بحسبك علم نافع. أما زيادتها في خبر: "ليس"، وخبر: "ما" النافية، وخبر: "كان" المنفية"، فقياسية في الثلاثة بالشروط الهامة، والتفصيلات المعروضة في مكانها الأنسب3. وزيادتها جائزة4 في كلمتي: النفس، والعين، عند استعمال لفظهما في5 التوكيد؛ مثل: اخترقت الطائرة السحاب نفسه أو بنفسه، واجتازت الغلاف الهوائي عينه أو بعينه، قطعت السيارات نفسها أو بنفسها، الصحراء، وقول علي رضي الله عنه: "من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه؛ فذاك الأحمق بعينه".
15- الدلالة على القسم؛ وهذا من أكثر استعمالاتها، وهي الأصيلة فيه دون حروفه السابقة "اللام، الواو، التاء، من ... "، وتشاركها في جواز حذفها مع بقاء الاسم المجرور بها على حاله؛ بشرط أن يكون هذا الاسم هو لفظ الجلالة " الله"، ولكنها تخالف تلك الحروف في ثلاثة أمور تنفرد بها، ولا يوجد واحد منها في حرف آخر من حروف القسم، غير الباء؛ هي: أ- جواز إثبات فعل القسم وفاعله مع الباء أو حذفهما؛ نحو: أقسم بالله لأعاونن الضعيف، أو بالله لأعاونن الضعيف، أما مع غير الباء فيجب حذفه فعل القسم وفاعله. ب- وجواز أن يكون المقسم بالباء اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا بارزًا؛ نحو: برب الكون لأعملن على نشر السلام، بك لأنزلن عند رغبتك الكريمة، أما غير الباء فلا يجر إلا الظاهر. ج- وجواز أن يكون القسم بالباء "استعطافيًا"1 "وهو الذي يكون جوابه إنشائيًا"؛ نحو: بالله، هل ترحم الطائر الضعيف، والحيوان الأعجم؟ بربك، أموافق أنت على تأييد الضعفاء؟ وقول الشاعر2: بعيشك هل أبصرت أحسن منظرًا ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر؟ أما القسم بغير الباء فمقصور في الرأي الغالب على القسم غير الاستعطافي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- كل حرف من أحرف القسم الأربعة1 هو ومجروره يتعلقان معًا بالعامل: "أحلف"، أو: "أقسم"، أو: نحوهما من كل فعل يستعمل في القسم، ومن فعل القسم وفاعله تتكون الجملة الفعلية الإنشائية: التي هي: "جملة القسم" ولا بد أن تكون فعلية؛ سواء أذكر الفعل أم حذف، لكن ليس من اللازم أن يكون الفعل "صريحًا" في دلالته على القسم كالأفعال السابقة؛ فهناك ألفاظ أخرى يسمونها: "ألفاظ القسم غير الصريح"، وهو الذي لا يعرف منه بمجرد سماعه أن الناطق به حالف؛ بل لا بد معه من قرينة؛ ومن أمثلته الأفعال: شهد - علم 2- آلى ... ؛ نحو: أشهد لقد رأيت الغلبة للحق آخر الأمر، علمت لقد فاز بالسبق من أحسن الوسيلة إليه، والقرينة هنا: "اللام، وقد" الداخلان على الجواب، غير أن الجملة القسمية التي من هذا النوع خبرية لفظًا. ولا بد لجملة القسم من جملة بعدها، تسمى: "جواب القسم"3، بيان ذلك: أن الغرض من "جملة القسم" إما تأكيد المراد من جملة تجيء بعدها، وإزالة الشك في معناها؛ بشرط أن تكون هذه الجملة الثانية خبرية4، وغير تعجبية5، نحو: أقسم بالله "لا أنقاد لرأي يجافي العدالة"، فهذه الجملة الثانية هي "جواب القسم"، ولا محل لها من الإعراب في الأغلب6، ويسمى القسم في هذه الحالة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "قسمًا خبريًا" أو: "غير استعطافي" وإما تحريك النفس، وإثارة شعورهم بجملة إنشائية تجيء بعد جملة القسم، والفصيح أن تكون الأداة هي الباء؛ نحو: بربك، هي رحمت الثكلى؟ بحياتك، أعطفت على البائس؟ وقول الشاعر: بعينيك يا سلمى ارحمي ذا صبابة ... أبى غير ما يرضيك في السر والجهر فالجملة الثانية هي جواب القسم، ولا محل لها من الإعراب هنا، ويسمى القسم في هذه الحالة: "استعطافيًا"، أو"غير إنشائي"، ولا بد أن يكون جوابه جملة إنشائية، "كما أوضحنا"1، وهي لا تحتاج لزيادة شيء عليها، بخلاف: القسم "غير الاستعطافي"، فإن جوابه يتطلب إدخال بعض الزيادة على جملته، بالتفصيل الآتي2: 1- إن كان الجواب جملة فعلية ... فعلها ماض، متصرف، مثبت، فالكثير الفصيح اقترانها "باللام" و"قد"، معًا، نحو: "والله لقد أفاد الاعتدال في ممارسة الأمور"، ويجوز - بقلة - الاقتصار على أحدهما، أو التجرد منهما، مع ما في الأمرين من ترك الكثير الفصيح، وتسمى هذه اللام المفتوحة: "لا جواب القسم، أو: الداخلة على جوابه". وإن كان الماضي غير متصرف فالكثير الفصيح اقترانه باللام فقط؛ نحو: "والله لنعم المرء يبتعد عن الشبهات" إلا الفعل "ليس" فلا يقترن بشيء؛ مثل: "والله ليست قيمة المرء بالأقوال، ولكن بالأفعال". وإن كان الماضي غير مثبت لم يزد عليه شيء إلا حرف من حروف النفي الثلاثة التي يكثر دخولها على الجواب المنفي؛ وهي: ما - لا - إن -؛ نحو: "والله ما مدحت أثيمًا"، "بالله لا رفضت عتاب الصديق، ولا غضبت منه". "تالله إن امتنعت عن مزاملتك فيما رفع الشأن، أي: بالله ما امتنعت"، وغير هذا شاذ. 2- إن كان الجواب جملة مضارعية مثبتة، فالأغلب الأقوى اقتران مضارعها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باللام ونون التوكيد معًا1؛ نحو؛ والله لأحبسن يدي ولساني عن الأذى، ومن القليل الجائز الاقتصار على أحدهما. فإن كانت الجملة مضارعية منفية ... لم يزد عليها شيء إلا أحد حروف النفي الثلاثة2 التي يكثر دخولها على الجواب المنفي3، "وقد سبقت لها الإشارة" مثل: والله ما أحبس يدي ولساني من محاربه المنكر، والله إن أحبس يدي ولساني ... والله لا أحبس يدي ولساني، ومن هذا قول الشاعر: رقي4، بعمركم لا تهجرينا ... ومنينا المنى، ثم امطلينا 3- إن كان الجواب جملة اسمية مثبتة، فالأحسن اقترانه بحرفين معًا، هما: "إن" ولام الابتداء في خبرها5، نحو: والله إن الغدر لأقبح الطباع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز الاقتصار على أحدهما؛ نحو: والله إن عنوان المرء عمله، أو: والله لعنوان المرء عمله، ولا يستحين التجرد من أحدهما؛ إلا إذا طال القسم بأن ذكر معه تابع له، أو: شيء آخر يتصل به؛ نحو: بالله الذي لا إله سواه، الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وقول الشاعر: ورب السموات العلا وبروجها ... والأرض وما فيها المقدر كائن ولا يصح اقتران الجملة الاسمية الجوابية بالحرف: "إن" إذا كانت هذه الجملة مصدرة بحرف ناسخ من أخوات "إن": كقولهم في وجه جميل: والله لكأن جماله يقتاد العيون قسرًا إليه؛ فما تستطيع عنه تحولًا. فإن كان الجواب جملة اسمية منفية لم يزد عليه إلا أداة النفي في أوله، وهي إحدى الحروف الثلاثة السالفة "ما - لا - إن"، نحو: والله ما هذه الدنيا بدار قرار1 بالله لا المال ولا الجاه بنافع إلا بسياج من الفضيلة ... والله إن هذه الدنيا بدار قرار ... مما سبق يتبين أن الجواب المنفي، في جميع أحواله لا يتطلب زيادة شيء إلا أداة النفي قبله، مع اشتراط أن تكون إحدى الأدوات الثلاث2، سواء أكان الجواب جملة فعلية ماضوية، أم مضارعية، أم جملة اسمية. "ملاحظة": قد يكون الكلام مشتملًا على جملة قسمية، ظاهرها مثبت، ولكن معناها منفي، وجواب القسم جملة فعلية ماضوية لفظًا، مستقبلة معنى، مصدرة "بإلا" أو: "لما" التي بمعناها، نحو: سألتك بالله إلا نصرت المظلوم، بالله ربك لما قلت الحق ... وأمثال هذا مما يعد نوعًا خاصًا من "الاستثناء المفرغ ... "، "وقد سبق بيان هذا النوع، وتفصيل الكلام - بإسهاب - على معناه، وحكمه، وطريقة إعرابه"3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- قد يقع القسم بين أداتي نفي، بقصد تأكيد النفي في المحلوف عليه؛ كقول الشاعر: أخلاي، لا تنسوا مواثيق بيننا ... فإني لا -والله- ما زلت ذاكرا ج- قد تتكرر أداة القسم -ومعها مجرورها- مبالغة في التأكيد، غير أن المستحسن ألا يتكرر حرف من حروف القسم إلا بعد استيفاء الأول جملة جوابه، نحو: بالله لأطيعن الوالدين، بالله لأطيعنهما، والله لأطيعنهما1. د- تحذف جملة القسم وجوبًا إن كان حرف القسم "الواو"، أو: "التاء"، أو: "اللام"2، وجوازًا إن كان حرف القسم الباء كما سبق عند الكلام على الحروف الأربعة3، ومن أوضح الدلائل المرشدة إلى جملة قسمية محذوفة، "ومعها أداة القسم" وجود واحد من الألفاظ الآتية بعدها؛ وهي: "لقد - لئن4- المضارع المبدوء باللام المفتوحة المختوم بنون التوكيد"، فإن وجد أحد هذه الألفاظ الثلاثة بغير أن يسبقه جملة قسم فهي، مع القسم وأداته، مقدرة قبله، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} ، أي: أقسم بالله لقد صدقكم الله وعده5، ومثله قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} ، وقوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} ، وهذه اللام المفتوحة في المواضع السالفة هي الداخلة على الجواب بعد حذف جملة القسم، وأداته ولا يصح فيها، وفي أمثالها أن تكون لام ابتداء أو غيره؛ لأن أنواع اللام الأخرى لها مواضع محدودة معينة، ليس منها هذه. هـ- يجوز أن تحذف أداة القسم وحدها مع بقاء الاسم المجرور بهاء على حاله، بشرط أن يكون الاسم لفظ الجلالة: "الله" طبقًا للرأي الأرجح6؛ مثل الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأساعدن الضعيف، أي: والله، ويجوز حذف أداة القسم والمقسم به معا لوضوحهما بكثرة الاستعمال؛ نحو أقسم إن الحرية لغالية، أشهد إن الوطن لعزيز، أي: أقسم بالله، أشهد بالله، ومنه قول الشاعر: فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع و ما نوع "اللام" في مثل: والله لئن أخلصلت لي لأخلصن لك؟ وهي "اللام" التي قبلها قسم، وبعدها أداة شرط؛ كالمثال السابق وأشباهه، والتي سبقت في: "د"؟. يسميها بعض النحاة "لام الشرط"، ويسميها آخرون: "اللام الموطئة" للقسم؛ أي: الممهدة له؛ لأنها التي تهيئ الذهن لمعرفته، وتدل على أن الجملة المتأخرة المصدرة بلام أخرى، هي جواب للقسم وليست جوابًا للشرط، فاللام الأولى "الموطئة" هي التي أعلمت بذلك، وبينت أن اللام الثانية هي "اللام" الداخلة على جواب القسم، وأن الجملة بعد هذه اللام الثانية هي جملة جواب القسم. ولا يصح أن تكون "اللام" الأولى، وما دخلت عليه جوابًا للقسم؛ لأن القسم كما أسلفنا1 لا يكون جوابه جملة شرطية، ولا جملة قسمية، ويجب التنبه إلى الفرق بين "لام القسم"، "ولام الابتداء"، وقد أوضحناه في مكانه المناسب من الجزء الأول عند الكلام على: "لام الابتداء"2. وحين يجتمع أداتا قسم وشرط فالجواب يكون في الأغلب للمتقدم منهما3، أما المتأخر فيحذف جوابه؛ لوجود الجواب السابق الذي يدل عليه، وبسبب أن الجواب في الأغلب للمتقدم لم تحذف النونان في المضارع من قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ} ، وهو السبب أيضًا في عدم مجيء الفاء قبل "إن" في قول الشاعر: لئن كنت محتاجًا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل4 في بعض الأحايين أحوج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ز- تحذف جملة القسم وجوبًا في إحدى حالات ثلاث: 1- أن يتأخر القسم ويتقدم عليه جملة تغني عن جوابه لدلالتها عليه نحو: "تسعد الأمة وتشقي بأبنائها، والله"، ويلاحظ أن جملة الجواب نفسها لا يصح تقديمها على القسم. 2- أو أن يحيط بالقسم جملة تعني عن الجواب كذلك؛ نحو: "سعادة الأمة والله رهن بعمل أبنائها"، فجواب القسم في هذه الحالة كالتي قبلها جملة محذوفة لا يصح ذكرها؛ لوجود ما يغني عنها؛ فلا داعي للتكرار فيهما بقولنا: "تسعد الأمة وتشقى بأبنائها، والله تسعد الأمة وتشقي بأبنائها"، وقولنا: "سعادة الأمة رهن يعمل أبنائها، والله سعادة الأمة رهن بعمل أبنائها". أما في مثل: "الغضب والله إنه وخيم"، أو: "الغضب والله إنه لوخيم"، حيث يكون المتأخر عن القسم جملة فيصح في هذه الجملة المتأخرة أن تكون جوابًا للقسم، وجملة القسم جوابه في محل رفع خبر السابق1، "وهذا من المواضع التي يكون فيها لجملة القسم مع جملة جوابه محل من الإعراب"2، كما يصح أن تكون الجملة المتأخرة خبرًا للمتقدم في محل رفع وجواب القسم محذوف لوجود ما يغني عنه ويدل عليه. 3- أو أن يجتمع أداتا شرط وقسم ويتأخر القسم عن الشرط والحكم في هذه الحالة هو الأغلب كما سبق في: "و". وتحذف جملة الجواب جوازًا في غير الحالات السالفة، لدليل أيضًا؛ نحو قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، فجواب القسم محذوف تقديره: "إنك لمنذر"، أو: نحو: هذا، بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ، ومثله قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} .
فجملة الجواب محذوفة، تقديرها كالسابقة: "إنك لمنذر"؛ بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ، أو: نحو هذا مما يكون فيه دلالة على المحذوف. ومن الأمثلة أن يقال: أتقسم على أنك أديت الشهادة الصادقة؟ فتقول: أقسم والله. ومن مواضع الحذف الجائز لدليل أن يكون القسم مسبوقًا بحرف جواب عن سؤال سابق؛ كقوله تعالى: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} ، فالأصل: بلى وربنا؛ إن هذا هو الحق، ومثله أن يسألك سائل: أتعاهد على تأييد الملهوف؟ فنقول: إي، والله، أو: نعم، والله، أو: أجل، والله ... أو غير هذا من أحرف الجواب التي تسبق القسم مباشرة. ج- جواب القسم لا يكون إلا جملة؛ فلا يكون مفردًا، ولا شبه جملة، غير أن النحاة عرضوا حالة وقع فيها لجار والمجرور سادًا مسد جواب القسم، ومغنيًا عنه وليس جوابًا أصيلًا وهي التي سبقت1 عند الكلام على جواز فتح همزة "إن" وكسرها؛ حيث قالوا: يجوز فتح همزة "إن" وكسرها إذا وقعت في صدر جواب القسم، وفعل القسم مذكور قبلها، وليس في خبرها اللام؛ نحو: أقسم بالله أن الإحسان نافع، فقد جوزوا عند فتح الهمزة أن يكون التقدير؛ أقسم بالله نفع الإحسان، أي: أقسم بالله على نفع الإحسان؛ فيصح في المصدر المؤول الجر بحرف الجر المحذوف مع بقاء جره2، والجار مع مجروره يسد مسد الجواب مباشرة. أو: أن المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض3؛ فهو مفعول به تأويلًا. وهذا المفعول به ساد مسد الجواب4. وهناك إعرابات أخرى لا تتصل بموضوعنا الحالي. ط- من الألفاظ التي قد تستعمل أحيانًا في القسم: "جير"، كقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: قهرت، فقلت: جير؛ ليعلمن ... عما قليل أينا المقهور والأحسن في إعرابها: أن تكون حرف قسم مبنيًا على الكسر لا محل له من الإعراب1. ومنها: "لا جرم" في مثل: لا جرم إن الله يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يتركه بعد ذلك، وقد سبق أن قلنا2: إذا كسرت همزة "إن" فالسبب إجراء: "لا جرم" مجرى اليمين عند بعض العرب؛ بدليل وجود اللام بعدها في مثل: لا جرم لأنا مكرمك، فالحرف "لا"، ناف للجنس "جرم" اسمه مع تضمنه القسم، والجملة بعده من "إن ومعموليها" جواب القسم، أغنت عن خير "لا". أما مع فتح همزة "أن" فكلمة: "جرم" فعل ماض، بمعنى: "وجب" و"لا" زائدة، والمصدر المؤول فاعل. ومنها: "ها" التي للتنبيه في مثل: ها الله ما فعلت كذا ... أي: والله ما فعلت كذا ... وقد سبقت الإشارة إليها3 ...
في: حرف يجر الظاهر والمضمر، والغالب فيه أن يكون أصليًا، وأشهر معانيه تسعة: 1- الظرفية1 حقيقة أو مجازًا؛ نحو: "المعادن متراكمة في جوف الأرض، والنفط حبيس في طبقاتها"، ونحو: "السعادة في راحة النفس، والغنى في التعفف عما لا يملكه المرء2"، وهذا المعنى أكثر استعمالاته. 2- السببية؛ نحو: كان المحامي الشاب مغمورًا؛ فاشتهر في قضية خطيرة تجرد لها، وذاع اسمه فيها، أي: اشتهر بسبب قضيته ... وذاع اسمه بسببها3 ... 3- المصاحبة؛ كقول أحد المؤرخين: "كان الخليفة العباسي يتخير يومًا للراحة، ولقاء بطانته، ويدعو فيه الشاعر الذي يؤنسهم، فيستجيب فرحًا، ويسرع في الداخلين، فيستقبله الخليفة، قائلًا إلي في بطانتي؛ فلن يتم سرورنا إلا بك" ... أي: يدعو معهم، يسرع مع الداخلين، مع بطانتي ... ومن هذا قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} ، أي: مع أمم. 4- الاستعلاء؛ نحو: "غرد الطائر في الغصن، أي: على الغصن"، "يصيح الغراب في المئذنة، أي: عليها"، وقولهم: "بطل كأن ثيابه في سرحة4 أي: على سرحة؛ لأنه ضخم طويل". 5- المقايسة، أو: الموازنة5؛ نحو: قوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي
الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} أي: بالنسبة للآخرة، وموازنته بمتاعها. 6- أن تكون بمعنى: "إلى" الغائية؛ نحو: دعوت الأحمق للسداد؛ فرد يده، في أذنيه، أي: إلى أذنيه، كي لا يسمع النصح، ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} ، كناية عن عدم الرد، وعن ترك الكلام، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} ِ. 7- أن تكون بمعنى "من" التبعيضية غالبًا؛ نحو: أخذت في الأكل قدر ما أشار الطبيب، أي: من الأكل، "بعض الأكل". 8- أن تكون بمعنى "الباء" التي للإلصاق1؛ نحو: وقف الحارس في الباب، أي: ملاصقًا له. ومثل قولهم: من لم يكن بصيرًا في ضرب المقاتل لم يكن آمنًا على حياته، أي: بضرب المقاتل. 9- التوكيد "بسبب زيادتها"، والرأي الراجح أن زيادتها غير قياسية، فيقتصر فيها على المسموع؛ مثل قول الشاعر: أنا أبو سعد إذا الليل دجا ... يخال في سواده يرندجا2 أي: يظن سواده يرندجا3.
على: حرف جر أصلي يجر الظاهر والمضمر، وأشهر معانيه ثمانية1: 1- الاستعلاء؛ وهو أكثر معانيه استعمالًا، ويدل على أن الاسم المجرور به قد وقع فوقه المعنى الذي قبل "على" وقوعًا حقيقيًا مباشرًا2 أو مجازيًا، فالحقيقي نحو: يعود السائحون إما على القطر، وإما على السيارات، أو على الطائرات، أو على البواخر، والمجازي، نحو قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، وقولهم: إن الدموع على الأحزان أعوان. وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: توكلت على الله، واعتمدت عليه؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء حقيقة أو مجازًا، وإنما هي بمعنى الاستناد له، والإضافة إليه "أي: النسبة إليه"؛ تريد: أسندت توكلي واعتمادي إلى الله، وأضفتهما "أي: نسبتهما" إليه. 2- الظرفية؛ نحو قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} 3، أي: في حين غفلة، وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمر ... وحبذا المساء فيه والسحر أي: في ضوء القمر ...
"حبذا: جملة فعلية للمدح العام وقبلها الحرف: "يا"1 ... 3- المجاوزة2؛ نحو: إذا رضي علي الأبرار غضب الأشرار، أي: رضي عني. 4- التعليل؛ نحو: اشكر المحسن على إحسانه، وكافئه على صنيعه، أي: لإحسانه، ولصنيعه3 ... 5- المصاحبة؛ نحو: البر الحق أن تبذل المال على حبك له، وحاجتك إليه، أي: مع حبك له4 ... ومثل قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ، أي: مع ظلمهم5 ... ، وقول الشاعر6: بعيشك، هل أبصرت أحسن منظرا ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر أي: مع ما رأت ... 6- أن تكون بمعنى من، نحو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ، أي: من الناس، ونحو قوله عليه السلام: "بني الإسلام على خمس" ... أي: من خمس مواد. 7- أن تكون بمعنى "الباء"؛ نحو: سمعت من الوالد نصحًا، وحقيق عليه أن يقول ما ينفع، أي: حقيق به، بمعنى جديد به. 8- الإضراب، والمراد به هنا: إبعاد المعاني الفرعية التي تخطر على البال من
كلام سابق، وإبطال ما يرد على النفس منها؛ "فهو كالاستدراك المستفاد من كلمة: "لكن""، ومن أمثلته قولهم: "هفا الصديق فاحتملت هفوته؛ على أن احتمالها مر أليم، وجفا، فقبلت جفوته، على أن الرضا بها كالرضا بالطعنة المسددة؛ كل نفس لها كارهة ... ، فقد بين المتكلم أنه احتمل الهفوة، وقد يوحي هذا في النفس أن احتمالها سهل، وأنه راض به الاحتمال، فأزال هذا الاحتمال بما ذكره من أن احتمالها مر وأليم، كذلك بين أنه قبل جفوة صديقه. وهذا قد يشعر بأن قبولها كان عن رضا وارتياح؛ فأزال هذا الوهم، نافيًا له؛ مبينًا أن الرضا به بغيض إلى النفس بغض الطعنة القاتلة ... وكانت وسيلته للإبانة هي كلمة: "علي" التي بمنزلة: "لكن". ومن ذلك قولهم: "الإسراف كالشح؛ كلاهما داء وبيل، يخشى عواقبه اللبيب، على أن داء الشح أخف ضررًا، وأهون خطرًا من داء الإسراف ... "، فقد بين أن كلاهما داء سيئ العاقبة، وهذا يوحي إلى النفس أنهما في الشر سواء، ومنزلتهما من الضرر واحدة، فأزال هذا المعنى الفرعي المتوهم بكلمة: "على"، وما بعدها؛ فهي بمنزلة: "لكن"، التي تجيء أول الجملة لإبطال المعاني الفرعية الناشئة مما قبلها. ومن الأمثلة أيضًا ما قاله الشاعر في أمر قربه أو بعده عن ديار أخلائه، وأنه يفيد أو لا يفيد: بكل تداوينا؛ فلم يشق ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود فقد بين أولًا أن تداوي بالقرب وبالبعد فلم يفده واحد منهما، وعدم الإفادة بعد التجربة يوقع في الوهم أنهما سيان من كل الوجوه، لكنه أبطل هذا التوهم بتصريحه بعد ذلك حيث يقول: "على أن قرب الدار خير من البعد"، فهذه الجملة تبطل ما سبق، وتوحي بمعنى جديد؛ هو: أن القرب مطلقًا خير من البعد، ثم عاد فأبطل هذا المعنى الذي أوحي به الوهم بجملة جديدة؛ هي: قرب الدار ليس بنافع" ... وكانت أداة الإضراب والإبطال هي كلمة: "على".
والأحسن في كلمة: "على" الجارة الأصلية إذا كانت للإضراب1 والإبطال عدم تعلقها هي ومجرورها بشيء؛ "لأنها في هذا الاستعمال بمنزلة: "لكن" التي تفيد الاستدراك" مع اعتبارها كحرف ابتداء لوقوعها في أول الجملة، وعلى هذا تكون "على" التي للإضراب والإبطال حرف جر واستدراك معًا2 ... وقد تستعمل: "على" اسمًا بمعنى: "فوق" ويكثر هذا بعد وقوعها مجرورة بالحرف "من"، فإنه لا يدخل إلا على الأسماء، نحو: تمر من على بلدنا الطائرات، أي: من فوق بلدنا3، فقد خرجت من حرفيتها، وصارت اسمًا بمعنى "فوق"، كما نرى، وهذا قياسي كباقي استعمالاتها. وإذا كان المجرور بها ضميرًا وجب قلب ألفها ياء4؛ نحو: تقبل علينا وفود السائحين شتاء، وقول الشاعر: إذا طلعت شمس النهار فإنها ... أمارة تسليمي عليك، فسلمى فإن كان الضمير ياء المتكلم، وجب إدغام الياءين؛ نحو: علي أن أسعى للخير جاهدًا5 ...
عن1: حرف جر أصلي؛ يجر الظاهر والمضمر، وأشهر معانيه تسعة: 1- المجاوزة2، وهي أظهر معانيه، وأكثرها استعمالًا؛ نحو: جلوت عن بلد المظالم، ورغبت عن الإقامة فيه، أي: ابتعدت وتركت. 2- أن تكون بمعنى: "بعد"3، كقولهم: دع المتكبر؛ فعن قليل يؤدبه زمانه، والمغرور؛ فعن قريب تكشفه أيامه، أي: بعد قليل، وبعد قريب ... 3- الاستعلاء "فتكون بمعنى: "على"، نحو: من يبخل بخدمة وطنه فإنما يسيء لنفسه بما يبخل عنها، ويمنع من إفادتها ... أي: بما يبخل عليها4 وكقولهم: العظيم من زادت خيراته عن المحتاج لها، وفصلت عنه ... أي: على المحتاج لها وفصلت عنه ... أي: على المحتاج لها، وفضلت عليه، وقول الشاعر: إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فما زال غضبانًا علي لئامها 4- التعليل، "أن يكون ما بعدها علة وسببًا فيما قبلها"، نحو: لم أحضر إليك إلا عن طلب منك، ولم أفارقك إلا عن ميعاد ينتظرني، أي: بسبب طلب، وبسبب ميعاد. 5- الظرفية؛ كقولهم: الزعيم لا يكون عن حمل الأعباء الثقال وانيًا، ولا عن
بذل التضحيات مترددًا، أي: في حمل ... وفي بذل. 6- الاستعانة1؛ نحو: رميت عن القوس؛ أي: بالقوس، إذا كانت القوس أداة الرمي2 ... 7- أن تكون بمعنى: بدل، نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} . ومثل: أديت العمل عن صديقي المريض، أي: بدل نفس، وبدل صديقي، وقول الشاعر يمدح محسنًا: وتكفل الأيتام عن آبائهم ... حتى وددنا أننا أيتام 8- أن تكون بمعنى: "من" نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، أي: من عباده3، "وهذا أوضح من اعتبارها للمجاورة؛ على معنى: الصادرة عن عباده، ولا تقدير فيه" ... 9- أن تكون بمعنى الباء، نحو قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، أي: بالهوى. وقد ذكر لها بعض معان أخرى، تركناها متابعة للمتعرضين بحق عليها4.
وتستعمل "عن" اسمًا بمعنى: "جانب"، ويغلب أن يكون هذا بعد وقوعها مجرورة بالحرف: "من"، نحو: يجلس القاضي: ومن عن يمينه مساعده، ومن عن يساره كاتبه، أي: من جانب يمينه، ومن جانب يساره1 ... ، وهذا الاستعمال قياسي كباقي استعمالاتها السابقة. اتصال "ما" الزائدة بالحرف: عن. إذا كانت "عن" جارة جاز وقوع "ما" الزائدة بعدها، فلا تغير شيئًا من عملها أو معناها؛ وإنما يبقى لها كل اختصاصها السابق قبل مجيء الحرف الزائد، نحو: عما قريب يتحقق المأمول2. الكاف: حرف يجر الظاهر، ويقع أصليًا وزائدًا، وأظهر معانيه أربعة: 1- التشبيه: وهو بنوعيه الحسي والمعنوي أكثر معانيه تداولًًا، والأغلب دخول "الكاف" على المشبه به؛ نحو: الأرض كرة كالكواكب الأخرى، تستمد ضوءها من الشمس كبقية المجموعة الشمسية، ونحو: الذكاء كالكهرباء، كلاهما لا يدرك إلا بآثاره، ويقولون في المدح: فلان كهربي الذكاء، يريدون: أنه في سرعة فهمه واستنباطه كالكهربا؛ في سرعة تأثرها وتأثيرها3 ...
2- التعليل والسببية؛ كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ، أي: بسبب هدايته لكم، وقوله تعالى عن الوالدين: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} ، أي: بسبب تربيتهما إياي في صغري. 3- التوكيد1 ويختص بالزائدة؛ نحو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، أي: ليس شيء مثله ... "وهذا في رأي من يرون زيادة الكاف هنا"2. 4- الاستعلاء؛ كقولهم: كمن كما أنت، أي: على الحال التي أنت عليها. واستعمالها في هذا المعنى، والذي قبله قليل، ولكنه قياسي. ومن الاستعمالات القياسية أن تخرج "الكاف" عن الحرفية، لداع يوجب ذلك، فتصير اسمًا مبنيًا بمعنى: "مثل"، يجري عليه ما يجري عليه ما يجرى على نظائره من الأسماء المبنية3؛ كقولهم: لن ينفع في منع الإجرام كالعقوبات الرادعة، وقولهم:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه1 ... وقولهم: وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا؟ أي: مثل العقوبات مثل نفسه مثل العفو؛ فالكاف في الأمثلة السالفة اسم، لحاجة الجملة إلى فاعل، فالكاف فاعل1، مبني على الفتح في محل رفع. وقد تكون أحيانًا خبرًا لمبتدأ2؛ كقولهم: من حذرك كمن بشرك ... وقد تكون مفعولًا به في نحو قول الشاعر: ولم أر كالمعروف؛ أما مذاقه ... فحلو، وأما وجهه فجميل3 ... 4 وقد تكون في محل جر في نحو: يبتسم فلان عن كاللؤلؤ المكنون، وهكذا ... فهي بمعنى: "مثل" في كل ذلك، وفي كل موضع آخر يستوجب المعنى والإعراب أن تكون فيه اسمًا مبنيا5.
وإذا كانت "الكاف" أداة جر، فقد تتصل بها "ما" الزائدة، فتكفها عن العمل غالبًا وتزيل اختصاصها "وهو: الدخول على الاسم لجره"، فتدخل على الجمل الاسمية والفعلية، نحو: "الصحة خير النعم؛ كما المرض شر المصائب"، ونحو: "الفقر يخفي مزايا المرء، كما يزيل ثقة الناس بصاحبه1 ... "، وهذه هي "ما" الزائدة الكافة عن العمل، ومن القليل؛ الذي لا يقاس عليه أن يبقى لها اختصاصها الأول، فتدخل على الاسم، فتجره بالرغم من اقترانها بكلمة "ما" الزائدة؛ نحو: قول القائل: وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مظلوم عليه وظالم أي: كالناس، وهذه هي "ما" الزائدة فقط، وليست بكافة. مذ ومنذ2: يكثر استعمالها اسمين ظرفين، أو اسمين غير ظرفين، كما يكثر استعمالهما حرفين أصليين للجر. أ- فيصلحان للاسمية المجردة من الظرفية إذا لم تقع بعدهما جملة، وإنما وقع بعدهما اسم مرفوع؛ نحو: ما سافرت مذ الشهر الماضي، أو منذ ... فمذ ومنذ مبتدأ خبره الاسم المرفوع بعده3.
ويصلحان للظرفية إذا وقع بعدهما جملة اسمية، أو فعلية ماضوية، ولا يصح أن تقع بعدهما المضارعية المستقبلة1؛ فمثال الجملة الاسمية: ما سافرت مد الجو مضطرب، أو منذ ... فكلاهما ظرف زمان للفعل "سافر"، مبني على السكون والضم، في محل نصب، وهو مضاف، والجملة الاسمية بعدهما في محل جر مضاف إليه، ومثال الجملة الفعلية الماضوية: أسرعت إليك مذ أو منذ دعوتني، وكلاهما ظرف زمان للفعل: "أسرع" مبني على السكون والضم في محل نصب. والظرف مضاف والجملة الماضوية بعده مضاف إليه في محل جر، ومن هذا قول الشاعر: بدا الصبح فيها2 منذ فارقت مظلما ... فإن أبت صار الليل أبيض ناصعًا "فمنذ" ظرف زمان للفعل: "بدا". ب- ويكونان حرفين أصليين للجر، وهذا يوجب شروطًا؛ أهمها3: أن يكون المجرور اسمًا ظاهرًا، لا ضميرًا، وأن يكون وقتًا4، وأن يكون هذا الوقت متصرفًا، معينًا لا مبهمًا، ماضيًا أو حاضرًا لا مستقبلًا، نحو: ما رأيته مذ يوم السبت الأخير، أو مذ ساعتنا، فلا يصح: مذه، ولا مذ البيت، ولا: مذ سحر، "تريد: سحر يوم معين" ولا مذ زمن، ولا مذ غد، وكذلك "منذ" في كل ما سبق.
ويشترط في عاملهما أن يكون ماضيًا، إما منفيًا يصح أن يتكرر معناه؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة، وإما مثبتًا، معناه ممتد متطاول1؛ نحو: سرت مذ، أو منذ يوم الخميس. فإن كان الاسم المجرور بهما معرفة ومدلول زمنه ماضيًا، كان معناهما الابتداء مثل: "من" الابتدائية، نحو: ما رأيته مذ، أو: منذ يوم الجمعة الماضي، أي: من يوم الجمعة؛ فابتداء عدم الرؤية هو يوم الجمعة، وإن كان معرفة ومدلول زمنه حاضرًا كان معناهما لا إعرابهما الظرفية، مثل "في" نحو: ما رأيته مذ ساعتنا، أو منذ يومنا، أي: في ساعتنا وفي يومنا. أما إن كان المجرور بهما نكرة معدودة2 فمعناهما الابتداء والانتهاء معًا؛ فهما مثل "من" و"إلى" مجتمعين؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومين، أي: ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى نهايتها. ومما يجب التنويه به أن الاسم بعد "مذ"، و"منذ" مع جواز جره على اعتبارهما حرفي جر، وجواز رفعه على اعتبارهما اسمين محضين قد يترجع فيه أحد الضبطين على الآخر، وقد يقوي حتى يقترب من الوجوب كما يتبين مما يأتي. إذا كان الزمن بعدهما للحاضر فالراجح أن يكونا حرفي جر، والاسم بعدهما مجرورًا بهما، نحو: ما تركت الكتابة مذ أو منذ ساعتنا، وعلى هذا تجري أكثر القبائل العربية، وتكاد تلتزمه وتوجبه. وإذا كان الزمن بعدهما للماضي، فالأرجح اعتبار "منذ" حرف جر، والاسم بعدها مجرور، نحو: ما زرت الصديق منذ يومين، والعكس في "مذ"، نحو ما زرت الصديق مذ يومان3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: في مثل: "ما رأيته مذ أو منذ أن الله خلقه" بفتح همزة أن، "أي: من زمن أن الله خلقه" يجوز اعتبارهما اسمين، مبتدأين، والمصدر المؤول خبرهما، كما يجوز اعتبراهما حرفي جر والمصدر المؤول هو المجرور بهما، أما عند كسر همزة "إن" فيتعين اعتبارهما اسمين مبتدأين لوقوع جملة اسمية بعدهما هي الخبر1.
"رب": ليس بين حروف الجر ما يشبه هذا الحرف في تعدد الآراء فيه. واضطراب المذاهب النحوية، واللغوية في أحكامه ونواحيه المختلفة: "التي منها ناحية معناه، وناحية حرفيته، وناحية زيادته أو شبهها، وتعلقه بعامل أو عدم تعلقه، ونوع الفعل الذي يقع بعده، والجملة التي يوصف بها مجروره ... و ... "، وكان من أثر هذا الاضطراب قديما وحديثا الحكم على بعض الأساليب بالخطأ عند فريق، وبالصحة عند آخر، وبالقبول بعد التأول والتقدير عند ثالث، وكل هذا يقتضينا أن نستخلص أفضل الآراء، بأناة، وحسن تقدير. وخير ما نستصفيه من معناه، ومن أحكامه النحوية هو ما يأتي: أ- أن معناه قد يكون التكثير وقد يكون التقليل، وكلاهما لا بد فيه من القرينة التي توجه الذهن إليه، ولهذا كان الاستعمال الصحيح للحرف "رب"، وما دخل عليه أن يجيء بعد حالة خالية من اليقين1 تقتضي النص على الكثرة أو القلة، "كأن يقول قائل2: أظنك لم تمارس الصناعة، فتجيب: رب صناعة نافعة مارستها، فقد جاءت الأداة "رب"، وجملتها لإزالة أمر مظنون قبل مجيئها". فمثال دلالتها على الكثرة: رب محسود على جاهه احتمل البلاء بسببه، ورب مغمور في قومه سعد بغفلة العيون عنه ... وقولهم: رب أمل في صفاء الزمان قد خاب، ورب أمنية في مسالمة الليالي قد بددتها المفاجئات. ومثال القلة قولهم: رب منية في أمنية تحققت ... ورب غصة في انتهاز فرصة تهيأت، وقولهم: رب غاية مأمولة دنت بغير سعي، ورب حظ سعيد أقبل بغير انتظار ... والقرينة على القلة والكثرة في الأمثلة السالفة هي: التجارب الشائعة التي يعرفها السامع، ويسلم بها. ب- وأن أحكامه النحوية أهمها: 1- أنه حرف جر شبيه3 بالزائد، وله الصدارة في جملته؛ فلا يجوز
أن يتقدم عليه شيء منها1، لكن يجوز أن يسبقه الواو، أو أحد الحرفين. "ألا" الذي للاستفتاح2 و"يا"، نحو: ألا رب مظهر جميل حجب وراءه مخبرًا مرذولًا. يا رب عظيم متواضع زاده تواضعه عظمة وإكبارًا، وقول الشاعر: فيا رب وجه كصافي النمير ... تشابه حامله والنمر 2- وأنه لا يجر غالبًا إلا الاسم الظاهر النكرة3، وقد وردت أمثلة قليلة لا يحسن القياس عليها كان مجروره فيها ضميرًا للغائب، يفسره اسم منصوب، متأخر عنه وجوبًا، يعرب تمييزًا، نحو: ربه شابًا نبيلًا صادفته، وفي تلك الأمثلة القليلة كان الضمير مفردًا غائبًا في جمع أحواله، يعود على التمييز الواجب التأخير، ويجب مطابقة هذا التمييز لمدلول هذا المضير المسمى: "الضمير المجهول4"، لعدم عودته على متقدم، نحو: ربه شابين نبيلين صادفتهما، ربه شبابًا نبلاء صادفتهم، ربه فتاة نبيلة صادفتها ... و ... وهكذا. 3- وأن النكرة التي يجرها تحتاج في أشهر الآراء لنعت مفرد، أو جملة، أو شبه جملة، غير أن الأكثر الأفصح حين يكون النعت جملة أن تكون فعلية، ماضوية لفظًا ومعنى، أو: معنى فقط كالمضارع المسبوق بالحرف "لم"
"نحو: رب صديق وفي عرفته، رب صديق لازمك عرفته، رب صديق عندك عرفته، رب صديق في الشدة عرفته، رب صديق لم يتغير عرفته"، ومثال النعت بجملة اسمية، رب ملوم لا ذنب له، وقول الشاعر: ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام1 4- وأن "رب" مع مجرورها لا بد أن يكون لها في الأغلب الأحوال اتصال معنوي يفعل ماض يقع بعدها، أو: بما يعمل عمله ويدل دلالته الزمنية، "وهذا الفعل مع فاعله غير الجملة الماضية التي قد تقع أحيانًا صفة لمجرورها"، ويكون الفعل أو ما يعمل عمله بمنزلة العامل الذي تتعلق به "رب" ومجرورها2 بالرغم ما هو مقرر من أن حرف الجر الزائد، وشبه الزائد لا يعلق مع مجروره بعامل كما سبق نحو: رب كلمة طيبة جلبت خيرًا، ودفعت شرًا، وقول الشاعر: فيا رب وجه كصافي النمير ... تشابه حامله والنمر ... والأغلب في هذا الفعل وما في معناه أن يكون محذوفًا مع فاعله؛ لأنهما معلومان تدل عليهما قرينة لفظية أو معنوية، "لما قدمنا من أن الاستعمال الصحيح للحرف "رب"، وما دخل عليه أن يكون بعد حالة ظن، أو شك تستدعي النص على القلة أو الكثرة، فيكون جوابًا عن قول لقائل، أو: من هو في حكمه"؛ فاللفظية نحو: ما أطيب العمل، وما أبغض البطالة: فرب عمل نافع، ورب بطالة
ضارة، فالتقدير: فرب عمل نافع أحببته، ورب بطالة ضارة كرهتها، والمعنوية كأن تمر على قوم منهمكين في العمل، مشغولين به، فتبتسم ابتسامة الرضا والانشراح، ثم تنصرف عنهم قائلا: رب علم نافع، ورب بطالة ضارة، فالتقدير رب عمل نافع أحببته، أو احترمت صاحبه، أو أكبرته ... أو ... ، ورب بطالة ضارة كرهتها، أو أنكرت أمرها ... أو ... ومن الجائز ذكر هذا الفعل وفاعله. ويقول النحاة: إن "رب" توصل معنى هذا الفعل وما في حكمه إلى الاسم المجرور بها، ففي مثل: "رب رجل عالم أدركت" أوصلت معنى الإدراك إلى الرجل1، وكذلك في الأمثلة السابقة، ومن ثم كان الأحسن عندهم في مثل: "رب عالم لقيته"، وقول الشاعر: رب حلم2 أضاعه عدم المال ... وجهل غطى عليه النعيم أن تكون الجملة الفعلية الماضوية المذكورة هي الصفة للنكرة المجرورة بالحرف: "رب"، وأن تكون هناك جملة أخرى ماضوية محذوفة، تتصل بها "رب" ومجرورها اتصالًا معنويًا، ولا يرتاحون أن تكون الجملة الماضوية المذكورة هي المرتبطة ارتباطًا معنويًا بهما؛ لأنها صفة للنكرة المجرروة "برب"، وهذه النكرة قد تستغني عن كل شيء أساسي أو غير أساسي بعدها إلا عن الصفة، ومثل هذا الفعل الداخل في جملة الصفة لا يصلح أن يكون هو الذي بمنزلة العامل في: "رب" ومجرورها؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف؛ منعًا للفساد المعنوي. 5- وأنه يجوز أن يتصل بآخرها "ما" الزائدة، والشائع في هذه الحالة
أن تمنعها من الدخول على الأسماء المفردة، ومن الجر، فتجعلها مختصة بالدخول على الجمة الفعلية والاسمية1، ولذا تسمى: "ما" الزائدة الكافة؛ "لأنها كفتها - أي: منعتها من عملها؛ وهو: الجر؛ ومن اختصاصها؛ وهو: الدخول على الاسم وحده؛ لجره"؛ نحو: ربما رأيت في الطريق مستجديًا، وهو في الأغنياء. ونحو: ربما كان السائل أغنى من المسؤول، أو ربما السائل أغنى من المسؤول. ولكن دخولها على الماضي2 هو الكثير، أما دخولها على المضارع الصريح3 وعلى الجملة الاسمية فنادر لا يقاس عليه، إلا إن كان معنى المضارع محقق الوقوع قطعًا كما سيجيء، ومن العرب من يبقيها على حالها من الدخول من الأسماء المفردة، وجرها مع وجود "ما" الزائدة؛ فيقول: رب ما سائل في الطريق أزعجني، ولا تسمى "ما" في هذه الحالة "كافة"؛ وإنما تسمى: "زائدة" فقط. والأفضل الاقتصار على الرأي الأول الشائع4. 6- والشائع أيضًا أن "رب" بحالتيها العاملة والمكفوفة عن العمل، لا تدخل إلا على كلام يدل على الزمن الماضي، سواء أكان مشتملًا على فعل ماض أم على غيره مما يدل على الزمن الماضي، كالمضارع المقرون بالحرف: " لم"، أو: الوصف الدال على الماضي ... أو ... نحو: رب معروف قدمته سعدت بفعله رب علم لم ينفع صاحبه أحزنه رب بئر متفجرة أمس نفعت بما في داخلها. وقد أشرنا إلى أنها تدخل على المضارع الصريح إذا كان معناه محقق الوقوع لا شك في حصوله؛ فكأنه من حيث التحقق بمنزلة الماضي الذي رفع معناه5،
صار أمرًا مقطوعًا به، كقوله تعالى، في وصف الكفار يوم القيامة، ووصفه صدق لا شك فيه: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 1، أما في غير ذلك فشاذ لا يقاس عليه2. وإنما كان الأكثر دخولها على الزمن الماضي؛ لأن معناه التكثير والتقليل، لا يمكن الحكم بأحدهما إلا على شيء قد عرف3 ... 7- أنه يجوز في ضبطها لغات تقارب العشرين، أشهرها ضم الراء أو فتحها مع تشديد الباء في الحالتين، أو مع تخفيفها بالفتح بغير تشديد، كما يجوز أن تلحقها تاء التأنيث المتسعة في المشهور لتدل على تأنيث مجرورها؛ نحو: ربت
عبارة موجزة أغنت عن كلام كثير، وتكون التاء إما ساكنة ويوقف عليها بالسكون، وإما مفتوحة ويوقف عليها بالهاء. حذف رب: يجوز حذف "رب" لفظًا، مع إبقاء عملها ومعناها كما كانت، وهذا الحذف قياسي بعد "الواو"، و"الفاء"، و"بل"، ولكنه بعد الأول أكثر، وبعد الثاني كثير، وبعد الثالث قليل بالنسبة للحرفين الآخرين، نحو: وجانب1 من الثرى يدعي الوطن ... ملء العيون، والقلوب، والفطن2 ونحو: أن تسمع من يقول: "ما أعجب ما قرأته على صفحات الوجوه اليوم"، فتقول: "فحزين قضى الليل هما طلع النهار عليه بما بدد أحزانه، ومبتهج نام ليلة قريرًا، ثم أفاق على هم وبلاء"، ونحو: "بل حزين قد تأسى3 بحزين"
أي: رب جانب. . . رب حزين قضى الليل. . . رب مبتهج. . . رب حزين قد تأسي. . . وكل حرف من هذه الثلاثة يسمى: "العوض" عن: "رب"1؛ أو: "النائب عنها"؛ لأنه يدل عليها، وهو مبني لا محل له من الإعراب؛ والاسم المجرور بعده، مجرور برب المحذوفة2، وليس مجرورًا في الصحيح العوض عنها أو النائب3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان الحرف: "رب" شبيهًا بالزائد1 فمن الواجب أن يكون للاسم النكرة المجرور به ناحيتان، ناحية الجر لفظًا، وناحية الإعراب محلًا، فيكون مجرورًا في محل رفع، أو محل نصب على حسب حاجة الجملة، ويعامل بما يعامل به عند عدم وجودها، ففي مثل: رب زائر كريم أقبل، تعرب كلمة: "زائر" مجرورة برب لفظًا، في محل رفع: لأنها مبتدأ، وفي مثل: رب زميل وديع صاحبت، تعرب كلمة: "زميل" مجرورة لفظًا في محل نصب؛ لأنها مفعول به للفعل: "صاجبت"، وفي مثل: رب مساعدة خفية ساعدت، تعرب كلمة: "مساعدة" مجرورة لفظا في محل نصب؛ لأنها مفعول مطلق، وفي مثل: رب ليلة مقمرة سهرت مع رفاقي، تعرب كلمة: "ليلة" مجرورة لفظًا في محل نصب؛ لأنها ظرف زمان. . . و. . . وهكذا. . . وخير مرشد لمعرفة المحل الإعرابي للاسم المجرور بها هو ما قلناه من تخيل عدم وجود "رب"، وإعراب المجرور بها بما يستحقه عند فقدها. . . ويترتب على ما سبق من جر النكرة لفظًا بها واعتبارها في محل رفع أو نصب أن التابع لهذه النكرة "من نعت، أو: عطف، أو: توكيد، أو: بدل" يجوز فيه الأمران، مراعاة لفظ النكرة، أو مراعاة المحل، ففي مثل: رب زائر كريم أقبل، يجوز في كلمة: "كريم الجر والرفع، وفي مثل: رب زميل وديع صاحبت،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز في كلمة: "وديع" الجر والنصب. . . وهكذا. ولا يتغير الحكم لو جاء تابع آخر كالعطف، فقلنا: رب زائر كريم وسائح هنا، فيجوز في كلمة: "سائح" المعطوفة، الأمران الجائزان في المعطوف عليه. . . ويجوز أن يكون المعطوف هنا معرفة، نحو؛ رب زائر كريم وأخيه أقبلا، مع أن المعطوف في حكم المعطوف عليه، فهو بمنزلة الاسم الذي دخلت عليه "رب"، فحقه أن يكون نكرة كمجرورها، إلا أن الأساليب العربية الفصحى تدل على أنه قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، وهذا معنى قول النحاة: قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل1. ب- إذا دخل الحرف: "رب" على الجمل بنوعيها2، وهو مكفوف بسبب اتصاله، "بما" الكافة، فإن معناه يبقى على حاله من إفادة التكثير أو التقليل على حسب القرائن، "كما أشرنا من قبل"3، ولكن التكثير أو التقليل في هذه الحالة يكون منصبًا على النسبة التي في الجملة، وهي النسبة الدائرة بين طرفيها؛ ففي مثل: ربما أتى الغائب، أو ربما الغائب آت. . .، يكون التقليل والتكثير واقعًا على نسبة الإتيان للغائب، وقيل: إن معنى "رب" المكفوفة، هو: التحقيق. ج- قد تحل: "مما". . .، محل: "ربما" فتؤدي معناها؛ طبقًا للبيان الموجز الذي سبق في ص 466، وللتفصيل الشامل الذي تقدم في جـ1 م 42، ص549 عند الكلام على النواسخ، و"كان" الناسخة.
المسألة 91
المسألة91: هـ- حذف حرف الجر وحده، مع إبقاء عمله1، وحذفه مع مجروره. يجوز أن يحذف حرف الجر، ويبقى عمله كما كان قبل الحذف، ويطرد هذا في مواضع قياسية، أشهرها أربعة عشر نذكرها كاملة هنا، وقد مر بعضها في مواضع متفرقة2. 1- أن يكون حرف الجر هو: "رب" بشرط أن تكون مسبوقة "بالواو"، أو: "بالفاء"، أو "بل"، كما سبق قريبًا عند الكلام عليها3 نحو: وعامل بالحرام، يأمر بالبر، ... كهاد يخوض في الظلم 2- أن يكون الاسم المجرور بالحرف مصدرًا مؤولًا من "أن" من معموليها، أو من "أن" والفعل والفاعل؛ نحو: فرحت أن الصانع بارع، أو: أفرح أن يبرع الصانع، والأصل: فرحت بأن الصانع بارع، أو: أفرح بأن يبرع الصانع. والتقدير فيهما: فرحت ببراعة الصانع، أو: أفرح. . . ولا بد من أمن اللبس قبل حذف حرف الجر على الوجه الذي شرحناه في مكانه من باب: "تعدية الفعل ولزومه"4.
3- أن يكون حرف الجر حرفا من حروف القسم، والاسم المجرور به هو لفظ الجلالة "الله"، نحو: الله لأكثرن من العمل النافع، أي: بالله1 ... 4- أن يكون حرف الجر داخلا على تمييز "كم" الاستفهامية، بشرط أن تكون مجرورة بحرف جر مذكرو قبلها؛ نحو: بكم درهم اشتريت كتابك؟ أي: بكم من درهم2؟ . . . 5- أن يكون حرف الجر مع مجروره واقعين في جواب سؤال، وهذا السؤال مشتمل على نظير لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: في أي بلد قضيت الأمس؟ فيجاب: القاهرة، أي: في القاهرة. 6- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، بغير فاصل بين الحرفين، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف؛ كقولهم: "ألا تفكر في تركيب جسمك لترى قدرة الله العجيبة، والسماوات؛ لترى ما يحير العقول، وخواص المادة؛ لترى الإبداع والإعجاز. . ." أي: في السماوات وفي خواص المادة؛. . . وقد حذف الحرف: "في"؛ لأنه مع مجروره معطوف بالواو بغير فاصل بينهما، والمعطوف عليه وهو: "تركيب" مشتمل على حرف جر قبله؛ مماثل للمحذوف3.
7- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف مع وجود "لا" فاصلة بين حرف العطف وحرف الجر المحذوف؛ نحو: ما للفتى سلاح إلا علمه النافع، ولا لفتاة إلا فنها العملي الملائم، أي: ولا للفتاة. 8- أن يكون حرف الجر السابق ولكن الحرف الفاصل هو: "لو"؛ كقولهم: من تعود الاعتماد على غيره، ولو أهله، فقد استحق الخيبة والإخفاق، أي: ولو على أهله1. . . 9- أن يكون حرف الجر واقعًا هو ومجروره في سؤال بالهمزة، وهذا السؤال ناشئ من كلام مشتمل على نظير للحرف المحذوف؛ كأن يقال: أعجبت بمحمود، فيسأل القائل: أمحمود النجار؟ أي: أبمحمود النجار؟. 10- أن يكون حرف الجر ومجروره واقعين بعد "هلا" التي للتحضيض بشرط أن يكون التحضيض واردًا بعد كلام مشتمل على مثيل لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: سأتصدق بدرهم، فيقال: هلا دينارٍ، أي: بدينارٍ، والمراد: هلا تتصدق بدينار. 11- أن يكون حرف الجر هو: "لام التعليل" الداخلة على: "كي" المصدرية؛ نحو: يجيد الصانع صناعته كي يقبل الناس عليه، أي: لكي يقبل الناس عليه، بمعنى: لإقبالهم عليه. 12- أن يكون حرف الجر داخلًا على المعطوف على خبر "ليس"، أو خبر "ما" الحجازية، بشرط أن يكون كل منهما صالحًا لدخول حرف الجر عليه2؛ نحو: لست مرجعًا فرصة ضاعت، ولا قادر على ردها، فكلمة "قادر" مجرورة؛ لأنها معطوفة على خبر ليس: "مرجعًا"، وهذا الخبر يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمرجع، فكأنها موجودة توهمًا وتخيلًا، وعلى أساس هذا الجواز الموهوم عطفنا عليه بالجر؛ وهذا هو العطف الذي يسميه النحاة؛ "العطف على
التوهم"، وقد سبق1 إبداء الرأي فيه تفصيلًا، وأنه لا يصح الالتجاء إليه، ولا القياس على ما ورد منه. 13- أن يكون حرف الجر مسبوقًا "بإن" الشرطية، وقبلهما كلام يشتمل على مثيل للحرف المحذوف، نحو: سلم على من تختاره، إن محمد، وإن علي؛ وإن حامد، التقدير: إن شئت فسلم على محمد، وإن شئت فسلم على علي، وإن شئت فسلم على حامد، وبالرغم من جواز هذا فالمحذوف فيه كثير، والمراد قد يخفى، فمن المستحسن عند محاكاته قدر الاستطاعة. 14- أن يكون حرف الجر مسبوقًا بفاء الجزاء الواقعة في جواب شرط، قبله نظير لحرف الجر المحذوف؛ نحو: اعتزمت على رحلة طويلة؛ إن لم تكن طويلة فقصيرة، أي: فعلى رحلة قصيرة، ويقال في هذا الموضع ما قيل في سابقه من ترك القياس عليه قدر الاستطاعة، بالرغم من صحة القياس. هذا، وجميع التأويلات والتقديرات السابقة جائزة وليست محتومة؛ بل إن الكثير منها يجوز فيه أوجه إعرابية أخرى؛ قد تكون أيسر، والمعنى عليها أوضح. واختيار هذه أو تلك متروك لمقدرة المتكلم والسامع، وخبرتهما بدرجات الكلام قوة، وضعفًا، وحسنًا، وقبحًا، مع التزام الصحة التزامًا دقيقًا، والبعد عن الخطأ في كل حالة، ومن الخير أن نترك ما فيه غموض وإلباس إلى ما لا خفاء فيه ولا إبهام؛ لأن اللغة ليست تعمية وإلغازًا، وإلا فقدت خاصتها، وعجزت عن أداء مهمتها، وهذا أساس يتحتم مراعاته عند استخدامها، وفي كل شأن من شؤونها. تلك مواضع حذف حرف الجر حذفًا قياسيًا مطردًا مع إبقاء عمله، وهناك أمثلة مسموعة وقع الحذف فيها مخالفًا ما سبق، ولا شأن لنا بها؛ فهي مقصورة على السماع؛ لا يجوز محاكاتها، لعدم اطرادها2.
أما حذف الجار والمجرور معًا1 فجائز إذا لم يتعلق الغرض بذكرهما، بشرط وجود قرينة تعينهما، وتعين مكانهما، وتمنع اللبس، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} ، أي: لا تجزي فيه2. . .
المسألة 92
المسألة92: و نيابة حرف جر عن آخر. . .1 يتردد بين النحاة: "أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض 1. . ."، فيتوهم من لا دراية له أن المراد هو: "جواز وضع حرف جر مكان آخر بغير ضابط، ولا توقف على اشتراك بينهما في تأدية معنى معين، ولا تشابه مقيد في الدلالة". وهذا ضرب من الفهم المتغلغل في الخطأ2؛ إذ يؤدي إلى إفساد المعاني، والقضاء على الغرض من اللغة. أما حقيقة الأمر في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، فتتلخص في مذهبين: الأول:3 أنه ليس لحرف الجر إلا معنى واحد أصلي يؤديه على سبيل الحقيقية لا المجاز؛ فالحرف: "في" يؤدي معنى واحدًا حقيقيًا هو "الظرفية"، والحرف: "على" يؤدي معنى واحدًا حقيقيًا هو: "الاستعلاء"، والحرف: "من" يؤدي: "الابتداء"، والحرف: "إلى" يؤدي: "الانتهاء". . . و. . . وهكذا3. . . فإن أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الواحد الأصلي الخاص به
وجب القول: بأنه يؤدي المعنى الآخر الجديد إما تأدية "مجازية" "أي: من طريق المجاز1، لا الحقيقية"، وإما تأدية، "تضمينية"2 "أي: بتضمن الفعل، أو: العامل الذي يتعلق به حرف الجر الأصلي3 ومجروره، معنى فعل أو عامل آخر يتعدى بهذا الحرف"، فحرف الجر مقصور على تأدية معنى حقيقي واحد يختص به، ولا يؤدي غيره إلا من طريق "المجاز" في هذا الحرف، أو من طريق "التضمين" في العامل الذي يتعلق به الجار الأصلي3 مع مجروره. فمن الأمثلة للمجاز: الحرف الأصلي "في"؛ فمعناه الحقيقي: "الظرفية" "أي: الدلالة على أن شيئًا يحوي بين جوانبه شيئًا آخر. . . و. . . كما سبق4، فإذا قلنا: "الماء في الكوب"، فهمنا أن الكوب يحوي بين جوانبه الماء؛ فيكون الحرف "في" مستعلًا في تأدية معناه الحقيقي الأصيل، ولكن إذا قلنا: "غرد الطائر في الغصن. . ."، لم نفهم أن الغصن يحوي في داخله وبين جوانبه الطائر المغرد؛ لاستحالة هذا، وإنما نفهم أنه كان على الغصن وفوقه، لا بين ثناياه. فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس بمعناه الحقيقي الأصيل، فالمعنى الجديد؛ وهو: "الفوقية"، أو"الاستعلاء" إنما يؤديه حرف آخر مختص بتأديته، هو: "على" فلو راعينا الاختصاص وحده لقلنا: غرد الطائر على الغصن، فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس من اختصاصه، بل هو من اختصاص غيره، وهذه التأدية ليست على سبيل الحقيقية، وإنما هي على سبيل المجاز، واجتمع للحرف: "في" الشرطان اللذان لا بد من تحققهما لصحة استعمال المجاز5، فالظرفية بما تقتضيه من تمكن وثبات شبيهة بالاستعلاء الذي يقتضي التمكن والثبات أيضًا؛ فاستعملنا "الظرفية" مكان الحرف لدال على "الاستعلاء"؛
تبعًا لذلك، وكل هذا على سبيل "الاستعارة"؛ وهي نوع من المجاز، والقرينة الدالة على أنه مجاز "أي: على أن الحرف: "في" مستعمل في غير معناه الأصلي" وجود الفعل: "غرد"؛ إذ لا يقع التغريد في داخل الغصن؛ وإنما يكون فوقه، فهذه القرينة هي المانعة من إرادة المعنى الأصلي. ومن الأمثلة: للمجاز أيضًا: "على": فهو حرف جر يقتصر عند أصحاب هذا الرأي على معنى حقيقي واحد؛ هو: "الاستعلاء"، فإذا قلنا: "الكتاب على المكتب"، فهمنا هذا المعنى الحقيقي الدال على أن شيئًا معينًا فوق آخر، فالحرف مستعمل في معناه الأصيل، لكن إذا قلنا: "اشكر المحسن على إحسانه"، لم تفهم الاستعلاء الحقيقي، ولم يرد على خاطرنا أن الشكر قد حل واستقر فوق الإحسان؛ لاستحالة هذا، وإنما الذي يخطر ببالنا هو أن المراد: "اشكر المحسن لإحسانه"؛ فالحرف: "على" قد جاء في مكان: "اللام" التي معناها: "السببية"، أو"التعليل"، فأفاد ما تفيد اللام، ولكن إفادته على سبيل "الاستعارة" وهي نوع من المجاز؛ ذلك أن لام التعليل تفيد التمكن والاتصال القوي بين السبب والمسبب، أو بين العلة والمعلول؛ والاستعلاء يشبهها في أنه يفيد التمكن والاتصال بين الشيئين؛ فهذا التشابه صح استعمال الاستعلاء مجازًا، مكان السببية والتعليل، وتبع ذلك استعمال الحرف الدال على الاستعلاء مكان الحرف الدال على السببية، والقرينة الدالة على أن الحرف: "على" مستعمل في غير حقيقته وجود الفعل: "شكر" إذ لا يستقر الشكر فوق الإحسان، ولا يوضع فوقه وضعًا حقيقيًا، لاستحالة هذا، كما سبق. ومثل ما سبق يقال في بقية حروف الجر يؤدي الواحد منها معنيين أو أكثر. أما أمثلة التضمين1 في العامل فمنها قول بعض الأدباء: "نأيت من صحبة فلان بعد أن سقاني بمر فعاله"، والأصل: "نأيت عن صحبة فلان، بعد أن
سقاني من مر فعاله"، ولكنه ضمن الفعل: "نأي" الذي لا يتعدى هنا بالحرف "من" معنى فعل آخر يتعدى بها؛ هو: "بعد، أو: "ضجر"؛ فالمراد: بعدت، أو: ضجرت من صحبة فلان، كما ضمن الفعل: "سقى" الذي لا يتعدى هنا "بالباء" معنى فعل آخر يتعدى بها؛ هو: "آذى"، أو"تناول" فالمراد: "آذاني" أو: "تناولني" بمر فعاله، وكذلك: "شربت بماء عذب"؛ فإن الفعل "شرب" قد ضمن معنى الفعل: "روي" فالأصل: رويت، وهكذا بقية حروف الجر. والمذهب الثاني1: أن قصر حرف الجر على معنى حقيقي واحد، تعسف وتحكم لا مسوغ له، فما الحرف إلا كلمة، كسائر الكلمات الاسمية والفعلية، وهذه الكلمات الاسمية والفعلية تؤدي الواحدة منها عدة معان حقيقية2، لا مجازية، ولا يتوقف العقل في فهم دلالتها الحقيقية فهمًا سريعًا، فما الداعي لإخراج الحرف من أمر يدخل فيه غيره من الكلمات الأخرى، ولإبعاده عما يجري على نظائره من باقي الأقسام؟ إنه نظيرها؛ فإذا اشتهر معناه اللغوي الحقيقي، وشاعت دلالته، بحيث يفهمها السامع بغير غموض، كان المعنى حقيقيًا لا مجازيًا، وكانت هذه الدلالة أصيلة لا علاقة لها بالمجاز، ولا بالتضمين ولا بغيرهما، فالأساس الذي يعتمد عليه هذا المذهب في الحكم على معنى الحرف بالحقيقية هو شهرة المعنى اللغوي الأصلي المراد وشيوعه،
بحيث يتبادر ويتضح سريعًا عند السامع؛ لأن هذه المبادرة علامة الحقيقة، وإن من يسمع قول القائل: "كانت في الصحراء، ونفد ما معي من الماء، وكدت أموت من الظمأ، حتى صادفت بئرًا شربت من مائها العذب ما حفظ حياتي التي تعرضت للخطر من يومين. . ."، سيدرك سريعًا معنى الحرف: "من" وقد تكرر في هذا الكلام بمعان لغوية مختلفة: أولها: بيان الجنس، وثانيها: السببية، وثالثها: البعضية، ورابعها: الابتداء. . . و. . . كذلك من يسمع قول القائل: "إني بصير في الغناء: يستهويني، ويملك مشاعري إذا كان لحنه شجيًا، وعبارته رصينة؛ كالأبيات التي مطلعها: رب ورقاء هتوف في الضحا ... ذات شجو صدحت في فنن .................................... ... فإن المعاني اللغوية المقصودة من الحرف: "في" ستبتدر إلى ذهنه، فالأول: للإلصاق، والثاني: للظرفية، والثالث: للاستعلاء، وكل واحد من المعاني السالفة يقفز إلى الذهن سريعًا بمجرد سماع حرف الجر خلال جملته، وهذا علامة الحقيقة1، كما سبق. فإذا كان المعنى المراد هو من الشيوع، والوضوح وسرعة الورود على الخاطر بالصورة التي ذكرناها، ففيم المجاز أو التضمين أو غيرهما؟ إن المجاز أو التضمين أو نحوهما يقبلان، بل يتحتمان حين لا يبتدر المغني المراد إلى الذهن، ولا يسارع الذهن إلى التقاطه؛ بسبب عدم شيوعه شيوعًا يجعله واضحًا جليًا، وبسبب عدم اشتهاره شهرة تكفي لكشف دلالته في يسر وجلاء، أما إذا شاع واشتهر وتكشف للذهن سريعًا، فإن هذا يكون علامة الحقيقية1 كما قلنا فلا داعي للعدول عنها، ولا عن قبولها براحة واطمئنان2. وهذا رأي نفيس أشار بالأخذ به والاقتصار عليه كثير من المحققين3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا شك أن المذهب الثاني1 نفيس كما سبق؛ فمن الأنسب الاكتفاء به؛ لأنه عملي سهل، بغير إساءة لغوية، وبعيد من الالتجاء إلى المجاز، والتأويل، ونحوهما من غير داع؛ فلا غرابة في أن يؤدي الحرف الواحد عدة معان مختلفة، وكلها حقيقي2 كما قلنا، ولا غرابة أيضًا في اشتراك عدد من الحروف في تأدية معنى واحد؛ لأن هذا كثير في اللغة، ويسمى: المشترك اللفظي3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهناك سبب آخر يؤيد أصحاب هذا المذهب الثاني؛ هو أن الباحثين متفقون على أن المجاز إذا اشتهر معناه في زمن ما، وشاع بين الناطقين به، انتقل هذا المجاز إلى نوع جديد آخر يسمى: "الحقيقة العرفية"، "ولها بحث مستفيض في مكانها من أبواب علم البلاغة"، ومن أشهر أحكامها: أنها في أصلها مجاز قائم على ركنين أساسيين: علاقة بين "المشبه والمشبه به"، و"قرينة"، تمنع من إرادة المعنى الأصلي، فإذا اشتهر المجاز في عصر أي عصر1، وشاع استعماله مع وضوح المراد منه، تناسى الناس أصله، واختفى ركناه، واستغني عنهما وعن اسمه، ودخل في عداد نوع جديد يخالفه، يسمى: "الحقيقة العرفية" فلو سلمنا أن حرف الجر لا يؤدي إلا معنى واحدًا أصليًا، وأن ما زاد عليه ليس بأصلي، لكان بعد اشتهاره وشيوعه في المعنى الجديد داخلًا في الحقيقة العرفية، وهي ليست بمجاز في صورتها الحالية الواقعة، لا في الصورة السابقة، المتروكة نهائيًا، المنسية كأن لم تكن.
بحث مستقل في "مذ" و"منذ" من الوجهتين اللفظية، والمعنوية 1: قال الباحث: طالما أنعمت النظر في هاتين الكلمتين، ورجعت إلى ما دونه فيهما النحاة واللغويون، فكنت أجد أحيانًا عنتًا ومشقة في استخلاص حكم، أو تلخيص خلاف، أو دفع إشكال، ذلك بأن هذه المادة مبعثرة في الكتب قديمها وحديثها؛ فما في هذا ليس في ذاك، مع كثرة الآراء واشتداد الخلاف، وتباين التفسيرات والشروح. فما زلت في مراجعة وبحث، حتى اجتمع لي من ذلك فصل صالح، حاولت أن أذلل فيه ما استصعب، وأن أشرح ما خفي، بالموازنة والترجيح. ولا أدعي أني أحطت بالموضوع جميعه؛ فهذا ما لا سبيل إليه في وجيز كهذا. ولكنني أرجو أن أكون قد عبدت الطريق، ومهدت السبيل للباحثين والمستفيدين، فأقول: أ- يقع مذ ومنذ2 اسمين:
1- إن كان ما بعدها اسمًا مرفوعًا، معرفة، أو نكرة معدودة لفظًا، أو معنى كما سيأتي. 2- أو كان ما بعدها فعلًا ماضيًا1. 3- أو كان ما بعدها جملة اسمية. فالحالة الأولى "وفيها الأسماء المرفوعة نكرة معدودة"، نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومان، أو عشرة أيام، أو خمسة عشر يومًا، أو عشرون يومًا، أو مائة يوم، أو ألف يوم، أو ألفا يوم، أو سنة، أو شهر أو يوم2. ومثال المعرفة ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة. فمذ أو منذ اسم مبتدأ3، والخبر واجب التأخير معهما، وجوز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما.
والحالة الثانية، نحو: ركب أخي مذ أو منذ حضرت السيارة، فمذ أو منذ اسم منصوب المحل على الظرفية، والعامل فيه "ركب"، وهو مضاف إلى الجملة بعده، وهذا هو المشهور، وقيل: هما مبتدآن1. والحالة الثالثة نحو: فما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع ... وليدًا وكهلًا حيث شبت، وأمردا فمذ هنا ظرف لمضمون ما قبله، ومضاف إلى الجملة بعده، على المشهور. ب- وتقعان حرفين2. 1- بمعنى: "من" الابتدائية، إن كان المجرور ماضيًا معرفة؛ نحو: ما قابلت صديقي مذ أو منذ يوم الأربعاء، أي: من يوم الأربعاء3. 2- بمعنى: "في"، إن كان المجرور حاضرًا معرفة، نحو ما قرأت مذ أو منذ اليوم، أو عامنا، أو شهرنا، أو أسبوعنا أو منذ هذا الأسبوع أو هذا الشهر، أو هذه السنة، مثلًا ولا يجوز في الحاضر بعدها إلا الجر عند أكثر العرب.
3- بمعنى: "من وإلى" معًا، فيدخلان على الزمان الذي وقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه، ويشترط حينئذ. أولًا: أن يكون الزمان نكرة، معدودًا لفظًا؛ كمذ يومين. ثانيًا: أو أن يكون معدودًا معنى: كمذ شهر. لأنهما لا يجران المبهم، أي: ما عملت كذا من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها، وعما عملت كذا من ابتداء شهر إلى انتهائه. والمراد بالمبهم هنا: الوقت النكرة غير المعدودة لفظًا أو معنى، نحو: "برهة" ولا ينافيه قول زهير بن أبي سلمى: لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين مذ جحج ومذ دهر1 لأن الدهر متعدد في المعنى2. ويأتون بهذا البيت أيضًا شاهدًا على قلة الجر بعد "مذ" في الماضي، أما "منذ" فما بعده يترجح جره في الماضي3.
تنبيهات وإيضاحات: أ- قد رأيت في الأحوال الثلاث التي يقع فيها مذ ومنذ حرفين. 1- أن المجرور وقت1. 2- وأن هذا الوقت متصرف2.
3- وأنه معين لا مبهم، وقد فسرنا معنى الإبهام آنفًا. 4- وأنه ماضي أو حاضر، لا مستقبل، لما تقدم. ب- وقد رأيت في عاملها في هذه الأحوال الثلاث: 1- أنه فعل ماض. 2 وأنه منفي يصح تكرره. وقد يأتي مثبتًا بشرط أن يكون متطاولًا، نحو: سرت منذ يوم الخميس، والمراد بالتطاول: أن يكون في طبيعة الحدث معنى الاستمرار كالسير، فإن من شأنه التطاول، وكالنوم، والمشي، والكلام؛ وهكذا. . . وتوفية للمقام، نذكر عبارة الخضري في هذا الموضوع، قال: "شرط عاملهما كونه ماضيًا، إما منفيًا يصح تكرره، كما رأيته منذ يوم الجمعة، أو مثبتًا متطاولًا، كسرت منذ يوم الخميس، بخلاف: قتلته، أو ما قتلته منذ كذا، فإذا قلت: ما قتلت منذ كذا، بلا هاء، صح؛ لأن القتل المتعلق بمعين لا يكرر، بخلاف غيره، ما لم يتجوز بالقتل عن الضرب، فتدبر". ا. هـ. فقوله: "بخلاف: قتلته. . . إلخ"، كأن تقول مثلًا: قتلته، أو ما قتلته مذ أو منذ يوم الجمعة، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى "من" الابتدائية وكأن تقول: مثلًا: قتلته، أو ما قتله مذ أو منذ سنتين، مثلًا، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى من وإلى معًا، فكل هذا غير جائز. أقول: فهبنا قلنا مثلًا: قتلته مذ أو منذ يومنا، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى "في"، فعلى مقتضى إطلاق كلامهم لا يجوز مثل هذا، لبقاء السبب، وهو: عدم تطاول العامل في حالات الإثبات، ولكني أرى أنه سائغ، إذ ما الذي يمنعنا أن نقول مثلًا: قتلته اليوم، أو في هذا اليوم الحاضر؟ وواضح أنه يجوز لك أن تقول أيضًا: ما قتلت مذ أو منذ يومنا، وما قتلته
مذ أو منذ يومنا، فكلامهم في "التطاول" و"صحة التكرر" مجمل يفتقر إلى تفصيل وتوضيح1. هذا، ولم أجد فيما لدي من المراجع مثالًا للحدث غير المتطاول إلا "القتل". وإني مورد أمثلة له فيما يلي للإيضاح، لا للحصر فأقول: أولًا: أو مضى، أو ومضى وفسر الزمخشري الإيماض بأنه لمع خفي، قال: وشمت ومضة برق كنبضة عرق. ا. هـ. فالإيماض غير متطاول كالقتل؛ لأنه عبارة عن لمع خاطف كرجع البصر، أو نبضة العرق، فلا يصح أن نقول مثلًا: ومض البرق مذ أو منذ يوم الخميس، أي: من يوم الخميس، كما لا يجوز أن نقول مثلًا: أو مضى البرق مذ أو منذ ليلتين: من ابتدائهما إلى انتهائهما2. ولكن يصح أن نقول مثلًا: أو مضى البرق مذ أو منذ ليلتنا، أي: في ليلتنا كما صح أن تقول مثلًا: قتلته مذ أو منذ يومنا، كما قررته آنفًا، كما يصح أن تقول مثلًا: ما أومض البرق مذ أو منذ يوم الجمعة، أي: من يوم الجمعة، وما أومض البرق منذ أو مذ ليلتنا، أي: ليلتنا، وما أومض البرق مذ أو منذ ليلتين؛ لأن الحدث هنا يصح تكرره. ثانيًا: شرق، أي: بدا وظهر، فيقال: شرقت الشمس، إذا بدت من المشرق. وكذا القمر، أو النجم، فالشروق غير متطاول؛ لأنه مجرد الظهور، وهو ملامسة الأفق، وهو لا يستغرق من الوقت إلا ما لا يكاد يذكر، فلا يقال مثلًا في الإثبات: شرقت الشمس مذ أو منذ ساعتين، أي: من ابتدائهما إلى انتهائهما. كما أوضحنا مثل هذا من قبل، كما لا يصح أن يقال في النفي مثلًا:
ما شرقت الشمس مذ أو منذ دقيقتين1؛ لأن شروق الشمس لا يمكن تكرره في أثناء دقيقتين بالنسبة لأفق واحد، وكذا يقال في سائر الكواكب؛ لأنهما كلها بحسبان، فهب نجمًا بعينه يتم دورته في ثلاث سنين مثلًا، فإنه لا يجوز أن يقال: ما شرق هذا النجم منذ أو منذ ثلاث سنين؛ لأنه لا يمكن أن يتكرر شروقه في هذه المدة، ويجوز أن يقال: ما شرق نجم مذ أو منذ ساعتنا، وذلك؛ لأنه شروق متعلق بغير معين، فيجوز تكرره. ولا تقول: شرق هذا النجم، أو نجم مذ أو منذ السبت، ولكنك تقول في الإثبات، على ما استظهرت آنفًا: شرق هذا النجم، أو نجم، مذ أو منذ ساعتنا أو ليلتنا، مثلًا. ثالثًا: سنح قال في الأساس: من المجاز: سنح له رأي، أي عرض له. ا. هـ، وفي المصباح: وسنح لي رأي في كذا: ظهر، وسنح الخاطر به: جاد. ا. هـ. فأنت ترى أن عروض الرأي حدث غير متطاول؛ لأنه طروء فاجئ، فإذا حصلت الفكرة فقد انقطع السنوح، وذلك لا يستغرق إلا وقتًا يسيرًا؛ لا يمكن أن يوصف بالتطاول، فلا نقول مثلًا: سنحت لي فكرة كذا مذ أو منذ يوم الخميس، أي: من يوم الخميس، ولا: سنحت لي فكرة كذا منذ ساعتين. ولكنك تقول، على ما استظهرت آنفًا: سنحت لي فكرة كذا منذ يومنا، أو مذ هذه الساعة، أو الدقيقة، مثلًا. وتقول أيضًا، مثلًا: ما سنحت لي فهذه الفكرة مذ أو منذ ساعتين؛ لأن سنوح فكرة بعينها يمكن تكرره في أثناء ساعتين، ولكن لا يمكن أن تقول: ما سنحت لي فكرة مذ أو منذ ساعتين، مثلًا: أم ومذ أو منذ يومنا، لاستحالة مثل هذا عادة، في حال الإنسان الطبيعية. فقد رأيت في الأفعال الثلاثة المتقدمة، وما فرعنا عليها من الأمثلة أنها ليست كلها سواء2، فقد يجوز في استعمال أحدها مع مذ أو منذ لا يجوز في الآخر. فالمسألة إذًا راجعة لمعنى الفعل الخاص عند استعماله مع مذ أو منذ، في الإثبات
أو النفي، وما قد يلابسه من تطاول أو تكرر أو عدمهما. ج- ما اشترط في مجرور مذ ومنذ وفي عاملهما، يشترط في حالة رفع ما بعدهما. د- لا تدخل "من" على مذ أو منذ، ولا يصح العكس أيضًا. وقد وقعت "إلى" بعدهما، حيث لا مانع من وقوعها1، فقد جاء في اللسان: "قال سيبويه: أما "مذ" فيكون ابتداء غاية الأيام والأحيان، كما كانت "من" فيما ذكرت لك، ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها، وذلك قولك: ما لقيته مذ يوم الجمعة إلى اليوم، ومذ عدوة إلى الساعة، وما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه، فجعلت اليوم أول غايتك، وأجريت في بابها كما جرت "من" حيث قلت: من مكان كذا إلى مكان كذا، وتقول: ما رأيته مذ يومين، فجعلته 2غاية، كما قلت أخذته من ذلك المكان، فجعلته2 غاية: ولم ترد منتهى، هذا كله كلام سيبويه". ا. هـ، عبارة اللسان. فقد وضع سيبويه "إلى" بعد "مذ"، ولم أر ذلك في أمثلة غيره من النحويين فيما بين يدي من المراجع، أما في كلام البلغاء فكثير، ففي كتاب "الأوراق" للصولي، في أخبار الراضي بالله: وكان "الراضي" يقول: أنا مذ3 حبسني القاهر عليل إلى وقتي هذا. ا. هـ، وفي البخلاء للجاحظ: أعلم أني منذ يوم ولدتها إلى أن زوجتها. . . ا. هـ، إلى غير ذلك. وقول سيبويه: "ما رأيته مذ يوم الجمعة إلى اليوم" مذ فيه بمعنى "من"، وقوله: "ما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه"، مذ فيه بمعنى "من" الابتدائية أيضًا؛ لأن عدم اللقاء وقع في الماضي واتصل بالحال، كما يجوز أن تقول، فيما أرى:
ما حدث كذا من اليوم إلى هذه الساعة1. وقوله: "وتقول: ما رأيته مذ يومين. . . إلخ"، يريد قوله: "فجعلته غاية"، أي جعلت معنى: "مذ يومين" ابتداء الغاية لانقطاع الرؤية، وقوله: "ولم ترد منتهى"، يريد أنك أردت ابتداء الغاية وحدها، ولم تتعرض للمنتهي، ولكنا رأينا فيما سقناه آنفًا لمعنى هذا المثال أنه يتضمن ابتداء الغاية ومنتهاها. وقوله: "ومذ غدوة إلى الساعة"، "مذ" فيه بمعنى "من"، فيجب أن يكون ما بعدها معرفة، فيتعين أن تكون "غدوة" هنا من يوم بعينه، ولإيضاح المقام تورد ما جاء في اللسان قال: الغدوة: بالضم البكرة، ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، وغدوة من يوم بعينه غير مجراه2، علم للوقت. . . وفي التهذيب: وغدوة معرفة لا تصرف. قال النحويون: إنها لا تنون، ولا يدخل فيها الألف واللام. . . ويقال: أتيته غدوة، غير مصروفة؛ لأنها معرفة؛ مثل: سحر، إلا أنها من الظروف المتمكنة. تقول: سير على فرسك غدوة وغدوة وغدوة وغدوة، فما نون من هذه فهو نكرة، وما لم ينون فهو معرفة، والجمع غدًا3. ا. هـ. ونحوه في الصحاح. وإذا رجعنا إلى عبارة اللسان هذه نجده يقول: " ... لأنها "أي: غدوة" معرفة، مثل سحر، إلا أنها من الظروف المتمكنة"4 ...
فيلخص مما مر من الكلام على "غدوة وسحر" أنهما يجتمعان في الامتناع من الصرف، إذ أريدا من يوم بعينه، فأما "سحر"؛ فلأنه معدول عن الألف واللام. وأما غدوة فللعلمية والتأنيث، كما يجتمعان في أنهما كليهما من الظروف المتصرفة إذا لم يرادا من يوم بعينه. ويفترقان في أن "سحر غير متصرف إذا أريد من يوم بعينه، فلا يرفع على الابتداء أو الخبر مثلًا، كأن تقول: سحر جميل، أو هذا سحر ولكنك تقول مثلًا: بين أسحار الأسبوع الماضي سحر جميل، بخلاف: غدوة، فإنها متصرفة، ولو أريدت من يوم بعينه، فتقول مثلًا: غدوة جميلة، كما تقول: كان بين غدا هذا الأسبوع غدوة جميلة. وقال الأشموني: "الظرف المتصرف منه منصرف نحو. . . ومنه غير منصرف، وهو غدوة وبكرة، علمين لهذين الوقتين"، فقال الصبان: "قوله علمين لهذين الوقتين"، أي: علمين جنسيين، بمعنى أن الواضع وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين، أعم من أن يكونا من يوم بعينه أولًا. ا. هـ. وإنما أطلنا القول في "غدوة" و"سحر"، وأكثرنا من الأمثلة فيهما، لما يغشاهما من الإجمال والإبهام في كلام اللغويين والنحويين، حتى إن العلامة الصبان على جلال قدره أشكل عليه الأمر في "سحر"، وإليك البيان. فقد قال الأشموني: والظرف غير المتصرف، منه منصرف وغير منصرف. فالمنصرف نحو: سحر، وليل، و. . . غير مقصود، بها كلها التعيين. ا. هـ. فقال الصبان: فيه أن سحرًا. . . متصرفة، ومن خروج سحر عن الظرفية وشبهها قوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، فكيف جعلها من غير المتصرف. ا. هـ. وقد مر بك رد العلامة الخضري عليه، "فراجعه في رقم2 من هامش ص548". هـ- قد تقدم1 أنهم جوزوا أن يقال مثلًا: ما قابلته مذ أو منذ دهر، أو شهر، على أن يكون مذ أو منذ بمعنى من وإلى معًا؛ لأن الدهر والشهر في حكم المعدود.
فيظهر على هذا أنه يجوز أن يقال أيضًا: ما قابلته مذ أو منذ زمن؛ لأن الدهر من معانيه الزمن، فقد جاء في المصباح: الدهر يطلق على الأبد، وقيل: هو الزمان قل أو كثر، وقال الأزهري: والدهر عند العرب يطلق على الزمان، وعلى الفصل من فصول السنة، وأقل من ذلك. ا. هـ. ولكن بعض العلماء يعدون "الزمن" أو"الزمان" من المبهم، فقد جاء في حاشية العلامة الخضري على ابن عقيل ما يأتي؛ وشرط الزمان المجرور بهما كونه متعينًا لا مبهمًا، كمنذ زمن. ا. هـ، ولكن جاء في الأشموني أن "بعضهم يقول: مذ 1 زمن طويل"، فلعله يعتبر الوصف نوعًا من التعيين. وكما يقال: مذ أو منذ دهر، يقال أيضًا: مذ أو منذ أدهر، أو دهور2، ومذ أو منذ أزمن، أو أزمان، أو أزمنة قال: "وربع عفت آياته منذ أزمان"3. وكذا يقال: مذ أو منذ حقب، أو حقوب، أو حقب، أو حقب4 أو حقاب، أو أحقاب إلى غير ذلك من كل متعدد لفظًا، أو ما هو في حكم المتعدد. وليت شعري هل قال العرب مثلا: مذ أو منذ دهرين، أو زمنين، أو حقبين كما جمعوا، فقالوا: أحقاب وأزمان، مثلًا؟ الظاهر أنهم لم يقولون ذلك، اكتفاء بالجمع عند المبالغة، على أن تثنيته لا مانع منها صناعة. و يظهر أن ابن هشام لا يشترط التعريف في مجرور "مذ" و"منذ"، إذا كانا بمعنى "من"، فيقول في التوضيح: "ومعنى مذ ومنذ ابتداء الغاية، إن كان الزمان ماضيًا، كقوله: "أقوين مذ حجج ومذ ذهر"، وقوله: "وربع عفت آياته منذ أزمان"، فأقره شارحه الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري، فقال بعد "أقوين إلخ": من حجج، وقال بعد: "وربع إلخ": أي: من أزمان".
وقد رأيت فيما ذكرناه آنفًا أن مذ ومنذ، إذا كان بمعنى "من"، كان مجرورهما معرفة، فقد قال ابن عقيل: "وإن وقع ما بعدهما مجرورًا فهما حرفًا جر بمعنى "من"، إن كان المجرور ماضيًا"، فقال العلامة الخضري: "قوله بمعنى من"، أي: البيانية1 هذا إذا كان المجرور معرفة كمثاله، فإن كان نكرة فهما بمعنى "من" و "إلى" معًا، ولا تكون النكرة إلا معدودة لفظًا، كمذ يومين، أو معنى، كمذ شهر، لما مر من أنهما لا يجران المبهم. ا. هـ، ونحو ذلك في الأشموني، قال:. . . ثم إن كان ذلك "في مضي فكمن هما" في المعنى، نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة. ا. هـ. ويتضح من ذلك أن في الموضوع مذهبين: أحدهما يشترط تعريف مجرور مذ ومنذ إذا كان بمعنى "من"، مع مضي الزمن، والثاني لا يشترط غير مضي الزمن 2. ز قال العلامة الشيخ ياسين بن زين الدين العليمي الحمصي في حاشيته على شرح التوضيح، عند قول المتن: "أحدهما أن يدخلا على اسم مرفوع، نحو: ما رأيته مذ يومان"، ما يأتي: "قوله: مذ يومان"، قال الزرقاني: قال الرضي: قال الأخفش: لا تقول: ما رأيته مذ يومان وقد رأيته أمس ويجوز أن يقال: ما رأيته مذ يومان، وقد رأيته أول من أمس أما إذا كان وقت التكلم آخر اليوم فلا شك فيه؛ لأنه يكون قد تكمل لانتفاء الرؤية يومان. . . قال: ويجوز أن يقال في يوم الاثنين مثلًا: ما رأيته منذ يومان: وقد رأيته يوم الجمعة ولا تعتد بيوم الإخبار ولا يوم الانقطاع، قال: ويجوز أن تقول: ما رأيته منذ يومان، وأنت لم تره منذ عشرة أيام، قال: لأنك تكون قد أخبرت عن بعض ما مضى أقول وعلى ما بينا، وهو أن منذ لا بد فيه من معنى الابتداء في جميع مواقعه، لا يجوز ذلك3".
وقال: "إنهم يقولون: منذ اليوم ولا يقولون: منذ الشهر؛ ولا: منذ السنة. ويقولون: منذ العام، قال: وهو على غير القياس قال: ولا يقال: منذ يوم، استغناء بقولهم: منذ أمس، ولا يقولون: منذ الساعة، لقصرها فإن كان جميع ما قاله مستندًا إلى السماع فبها ونعمت، وإلا فالقياس جواز الجميع، والقصر ليس بمانع؛ لأنه جوز: "منذ أقل من ساعة". ا. هـ. المراد من كلام الشيخ ياسين. أقول: قد أسلفنا القول في امتناع أن يقال مثلًا: ما رأيته مذ أو منذ يوم، لا لتلك العلة التي نقلها ياسين عن الأخفش، بل؛ لأن منذ ومذ لا يجران إلا النكرة المعدودة، أو التي في حكم المعدودة، إذا كانا بمعنى من وإلى معًا. وقوله: "ولا يقولون: منذ الساعة، لقصرها"، هذا هو أحد معانيها، وهو الوقت القليل، فقد جاء في اللسان: والساعة الوقت الحاضر. . . والساعة في الأصل تطلق بمعنيين: أحدهما أن تكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءًا، هي مجموع اليوم والليلة، والثاني أن تكون عبارة عن جزء قليل من النهار أو الليل. يقال: جلست عندك ساعة من النهار، أي وقتًا قليلًا منه. ا. هـ. فإذا قلت مثلًا، على القول بالجواز: طال العصفور مذ أو منذ الساعة، فمعنى مذ أو منذ هنا: "في"، أي: طار في هذا الوقت الحاضر، وهذا واضح، كما قال ياسين، والقصر ليس بمانع. وأما ما قاله ياسين من أنه جوز أن يقال: منذ أقل ساعة، فمعناه: منذ وقت أقل من ساعة، فنذ فيه بمعنى "من" "على رأي ابن هشام ومن تابعه، كما قررنا في "و"، فتقول مثلًا: حضر فلان مذ أو منذ أقل من ساعة، أي: من زمن وجيز. بقي المعنى الثاني للساعة، وهي أنها جزء من أربعة وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة، فهذه الساعة محدودة؛ لأنها مقسمة أيضًا أقسامًا متساوية؛ هي الدقائق الفلكية، والقصر الذي هو علة المنع فيما قال الأخفش، منتف فيها
فتقول مثلًا: ما كتبت مذ أو منذ الساعة، أي: في هذا الوقت المقدر بستين دقيقة، كما تقول مثلًا: كتبت مذ أو منذ الساعة، وفي الإثبات؛ لأن الفعل متطاول هذا ما نستظهره. ح- وهناك موضوع له شبه واتصال بما قررنا في الفقرة السابقة، ذلك أن ما قلنا آنفًا: إن "يومًا" من المبهم؛ فلا يجوز: مذ أو منذ يوم، فهذا ما مثل به النحاة، ففي الصبان عند قول الأشموني: "فإن كان المجرور بها نكرة. . . إلخ ما يأتي: "قوله نكرة"، أي معدودة، إذ لا يجوز: منذ يوم". ا. هـ، والظاهر أن النحاة لم يدخلوا "اليوم" في باب ما هو في حكم المعدود، وألحقوه بالمبهم، لاختلاف اللغويين في معناه، فمنها أنه من طلوع الشمس إلى غروبها، ومنها أنه مطلق الزمان، إلى غير ذلك. وأما المعنى الآخر الذي نقلناه عن اللسان فيما تقدم، فقد حدث في الحضارة الإسلامية، وهو في حكم المعدود، ذلك أن تقول مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ يوم، كما لك أن تقول: مذ أو منذ ليلة، لهذا الاعتبار، كما قالوا: مذ أو منذ شهر، أو سنة. وكذلك يقال في الساعة والدقيقة الفلكيتين، فنقول مثلًا: قرأ القارئ مذ أو منذ ساعة، ما قرأ منذ أو مذ ساعة، وكلمني صديقي مذ أو منذ دقيقة، قياسًا سائغًا لا غبار عليه. وقد خطر لي وأنا أكتب هذان لفظ: هنيهة أو هنية، ففي المصباح: الهن خفيف النون كناية عن كل اسم جنس، والأنثى: هنة؛ ولامها محذوفة، ففي لغة هي هاء؛ فيصغر على: هنيهة، ومنه يقال: سكت هنيهة أي: ساعة لطيفة، وفي لغة هي: واو، فيصغر في المؤنث على: هنية، وجمعها "أي: هنة" هنوات، وربما جمعت على هنات، على لفظها، مثل: عدات وفي المذكر: هني. ا. هـ. وإنما تعرضت لهذه الكلمة، لكثرة دورانها على الألسن والأقلام في مختلف شؤون الحياة، فهي ليست من المعدود لفظًا أو حكمًا، ولا يمكن ضبطها بقياس.
ومثل هنيهة أو هنية: "لحظة"، للزمان اليسير، ففي الأساس: وفعل ذلك في لحظة. ا. هـ، وفي شرح القاموس: ومما يستدرك عليه: اللحظة المرة من اللحظ ويقولون: جلست عنده لحظة، أي: كلحظة العين1، ويصغرونه لحيظة، والجمع لحظات. ا. هـ. وهذه الكلمة أيضًا شائعة جدًا، وحكمها حكم الهنيهة أو الهنية، لما قررنا من انبهامها، وأنها ليست من المعدود ولا ما هو في حكمه، وهل ثنوا هنيهة أو هنية "للوقت اليسير"، ولحظة، فقالوا مثلًا: جلس هنيهتين أو هنيتين؟ لعلهم لم يفعلوا؛ لأنه لا معنى لقولك مثلا: جلست وقتين لطيفين2. ولو أنهم فعلوا لجاز؛ نحو قولك: جلست مذ أو منذ لحظتين أو هنيهتين، كما تقرر آنفًا. وهل جمعوا هنيهة أو هنية "للوقت اليسير"، فقالوا مثلًا: جلس هنيهات، أو هنيات؟ الغالب أنهم لم يفعلوا، على ما وصل إليه اطلاعي، ولو أنهم فعلوا لجاز أن تقول مثلًا: جلست أو ما جلست عنده مذ أو منذ هنيهات. أما اللحظة فلعلهم لم يثنوها، والغالب أنهم جمعوها. على أن تثنية كل أولئك وجمعه جائز صناعة فلا كلام في هذا3. ط- وقد كنت أرجع في أثناء كتابة هذه العجالة إلى شرح الإمام موفق الدين أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى سنة643 هـ، لمفصل الزمخشري، ورجعت أيضًا إلى شرح كتاب سيبويه للإمام أبي سعيد الحسن
ابن عبد الله بن المرزبان السيرافي المتوفى سنة 368هـ، فوجدت فيهما تعليقات طريقة تتصل بموضوع هذا البحث، آثرت أن أتحف القارئ بنتف منهما، ليرى كيف كان يكتب هذا الإمامان، ولتكمل بها الفائدة. قال الإمام ابن يعيش: 1- وأما الفرق بينهما "أي: "مذ ومنذ" الحرفيتين والاسميتين" من جهة المعنى، فإن "مذ" إذا كانت حرفًا دلت على أن المعنى الكائن فيما دخلت عليه، لا فيها نفسها، نحو قولك: زيد عندنا مذ شهر؛ على اعتقاد أنها حرف، وخفض ما بعدها، فالشهر هو الذي حصل فيه الاستقرار في ذلك المكان، بدلالة مذ على ذلك. وأما إذا كانت اسمًا ورفعت ما بعدها، دلت على المعنى الكائن في نفسها، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة، فالرؤية متضمنة "مذ" وهو الوقت الذي حصلت فيه الرؤية، وهو يوم الجمعة، كأنك قلت: الوقت الذي حصلت1 فيه الرؤية يوم الجمعة. ا. هـ. وقال: 2- والصواب ما ذهب إليه البصريون من أن ارتفاعه بأنه خبر والمبتدأ منذ ومذ، فإذا قلت: ما رأيته منذ يومان، كأنك قلت: ما رأيته مذ ذلك يومان. فهما جملتان، على ما تقدم، وإنما قلنا: إن "مذ" في موضع مرفوع بالابتداء؛ لأنه مقدر بالأمد، والأمد لو ظهر لم يكن إلا مرفوعًا بالابتداء، فكذلك ما كان في معناه". ا. هـ. وقال: 3- وله "أي: مذ أو منذ" في الرفع معنيان: تعريف ابتداء المدة، من غير تعرض إلى الانتهاء، والآخر تعريف المدة كلها.
فإذا وقع الاسم بعدهما معرفة، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة. . .، ونحوه، وكان المقصود به ابتداء غاية الزمان الذي انقطعت فيه الرؤية وتعريفه. والانتهاء مسكوت عنه، كأنك قلت: وإلى الآن، ويكون في تقدير جواب "متى". وإذا وقع بعده نكرة، نحو: ما رأيته منذ يومان، ونحو ذلك، كان المراد منه انتظام المدة كلها، من أولها إلى آخرها، وانقطاع الرؤية فيها كلها. فإن خفضت ما بعدهما، معرفة كان أو نكرة، كان المراد الزمان الحاضر، ولم تكن الرؤية قد وقعت في شيء منه. ا. هـ. ويظهر أن أبا البقاء أراد بالمعرفة في قوله: "فإن خفضت ما بعدها. . . إلخ" نحو يومنا أو اليوم، في قولك مثلًا: ما رأيته مذ أو منذ يومنا، أو اليوم. ولم يرد نحو قولك: ما رأيته مذ أو منذ يوم الأربعاء1، أي: من يوم الأربعاء، كما تقدم، وذلك؛ لأن أبا البقاء يرفع "يوم" فيه وجوبًا، بدليل قوله آنفًا في فقرة 3: "فإذا وقع الاسم بعدها معرفة، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة. . . إلخ". أما الدلالة على الزمن الحاضر في حال جر مذ ومنذ للنكرة، فقد سلف لك أنك إذا قلت مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ شهرين "مما هو معدود"، أو شهر "مما هو في حكم المعدود"، كان المعنى أن الحدث انتفى من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها، فأنت إذا تقول مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ شهر، تتكلم في نهاية الشهر، أي: ما وقع الكلام في هذا الشهر الحاضر، من أوله إلى آخره. هذا شرح الفقرة الأخيرة من كلام أبي البقاء، كما قدرت أن أوجهها. وقال الإمام السيرافي: 1- اعلم أن منذ ومذ جميعًا في معنى واحد، وهما يكونان اسمين وحرفين، غير أن الغالب على منذ أن تكون حرفًا، وعلى مذ أن تكون اسمًا. ا. هـ.
2-. . . تقول: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وما رأيته منذ اليوم، وإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة: كان معناه: انقطعت رؤيتي له من يوم الجمعة، فكان يوم الجمعة لإبداء غاية انقطاع الرؤية، فمحل ذلك من الزمان كمحل "من" في المكان، إذا قلت: ما سرت من بغداد، أي: ما ابتدأت السير من هذا المكان. فكذلك: ما وقعت رؤيتي عليه من هذا الزمان. ا. هـ. 3-. . . وتقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة، وما رأيته مذ السبت. . . فإن قال قائل: فما حكم "مذ" في هذا الوجه، وتقديرها؟ قيل له: حكمها أن تكون اسمًا، وتقديرها أن تكون مبتدأة، ويكون ما بعدها خبرها، كأنك قلت: ما رأيته، مدة ذلك يوم السبت، فيكون على كلامين. . . وذلك أنك إذا قلت: ما رأيته مذ يوم الجمعة، فإنما معناه: انقطاع رؤيتي له ابتداؤه يوم الجمعة، وانتهاؤه الساعة، فتضمنت "من" معنى الابتداء والانتهاء. وإذا قلت ما رأيته مذ اليوم، فليس فيه إلا معنى ابتداء الغاية وانقطاعها، وهو "في" معنى، وانخفض ما بعدها. ا. هـ. 4-. . . وذلك أنك إذا قلت: لم أره مذ يومان، أو مذ شهران، أو نحو ذلك: مما يكون جوابًا لكم، فتقديره: لم أره وقتًا ما، ثم فسرت ذلك فقلت: أمد ذلك شهران، أو مدة ذلك شهران، فقولك مذ شهران جملة ثانية هي تفسير للوقت المبهم في الجملة الأولى، فهذا أحد تقديري مذ إذا رفعت ما بعدها. والتقدير الآخر أن تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة فيكون تقديره: فقدت رؤيته وقتًا ما، أوله يوم الجمعة فمذ في هذين الوجهين بمنزلة اسم مضاف: إما على تقدير: أمد ذلك، أو أول ذلك. ا. هـ.
5- تكميل: وفي المخصص: قال سيبويه: سألت الخليل رحمه الله عن قولهم؛ مذ عام أول1، ومذ عام أول، فقال: أول: ههنا صفة، وهو أول من عامك، ولكن ألزموه ههنا الحذف استخفافًا، فجعلوا هذا الحرف بمنزلة "أفضل منك" قال: وسألته رحمه الله عن قول العرب، وهو قليل: مذ عام أول، فقال: جعلوه ظرفًا في هذا الموضع، وكأنه قال: مذ عام قبل عامك. ا. هـ. قال الباحث: إلى هنا وقف القلم، وفي النفس شوق إلى المزيد، وتطلع إلى الاستيفاء، ولعلي أكون قد وفقت إلى ما أردت من توضيح وتسهيل، والله تعالى المستعان.
بحث التضمين 1: أقوال العلماء في التضمين: قال أبو البقاء في كتابه "الكليات": التضمين: هو إشراب معنى فعل ففعل، ليعامل معاملته، وبعبارة أخرى: هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة. ثم قال: قال بعضهم: التضمين هو أن يستعمل اللفظ في معناه الأصلي، وهو المقصود أصالة، لكن قصد تبعية معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ، أو يقدر له لفظ آخر، فلا يكون التضمين من باب الكناية، ولا من باب الإضمار، بل من قبيل الحقيقة التي "فيها" قصد بمعناه الحقيقي معنى آخر يناسبه ويتبعه في الإرادة. وقال بعضهم: التضمين إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه لمعناه، وهو نوع من المجاز، ولا اختصاص للتضمين بالفعل، بل يجري في الاسم أيضًا، قال التفتازاني في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} : لا يجوز تعلقه بلفظه: الله، لكونه اسمًا لا صفة، بل هو متعلق بالمعنى الوصفي الذي
ضمنه اسم الله، كما في قولك، هو حاتم من طيئ، على تضمين معنى: الجواد. وجريانه في الحرف ظاهر في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ، فإن "ما" تتضمن معنى "إن" الشرطية، ولذلك جزم الفعل. وكل من المعنيين مقصود لذاته في التضمين، إلا أن القصد إلى أحدهما وهو المذكور بذكر متعلقه يكون تبعا للآخر وهو المذكور بلفظه، وهذه التبعية في الإرادة من الكلام، فلا ينافي كونه مقصودًا لذاته في المقام، وبه يفارق التضمين الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن كلا من المعنيين في صورة الجمع مراد من الكلام لذاته، مقصود في المقام أصالة، ولذلك اختلف في صحته مع الاتفاق في صحة التضمين. والتضمين سماعي لا قياسي1 وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله فإنه يكون أولى، وكذا الحذف والإيصال، لكنهما لشيوعهما صار كالقياس، حتى كثير للعلماء التصرف والقول بهما فيما لا سماع فيه، ونظيره ما ذكره الفقهاء من أن ما ثبت على خلاف القياس إذا ما كان مشهورًا يكون كالثابت بالقياس في جواز القياس عليه. وجاز تضمين اللازم المتعدي مثل: سفة نفسه"، فإنه متضمن لأهلك: وفائدة التضمين هي أن تؤدي كلمة مؤدي كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معًا قصدًا وتبعًا، فتارة يجعل المذكور أصلًا والمحذوف حالًا، كما قيل في قوله تعالى: {َلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} كأنه قيل: ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم، وتارة بالعكس، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، أي: يعترفون به مؤمنين. ومن تضمين لفظ معنى آخر قوله تعالى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، أي: لا تفتهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، أي:
لا تضموها آكلين، {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، أي: من ينضاف في نصرتي إلى الله، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أي: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوه} ، أي: فلن تحرموه، فعدي إلى اثنين، {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ، أي: لا تنووه، فعدي بنفسه لا بعلي، {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} ، أي: لا يصغون، فعدى بإلي، وأصله يتعدى بنفسه، ونحو: "سمع الله لمن حمده"، أي: استجاب، فعدي باللام، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} ، أي: يميز. ومن هذا الفن في اللغة شيء كثير لا يكاد يحاط به. ومن تضمين لفظ لفظًا آخر قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} إذ الأصل: أمن؟ حذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما في "هل"، فإن الأصل أهل1؟ فإذا أدخلت حرف الجر فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك؛ كأنك تقول: أعلى من تنزل الشياطين؟ كقولك: أعلى زيد مررت، وهذا تضمين لفظ لفظًا آخر1. لقد ذكر أو البقاء عن بعض العلماء أن التضمين ليس من باب الكناية، ولا من باب الإضمار، بل من باب الحقيقة، إذا قصد بمعناه الحقيقي معنى آخر يناسبه ويتبعه في الإرادة. ويؤخذ من هذا أنه لا بد من المناسبة، وإنما يعرف المناسبة أهل العربية الذين لهم دراية بالعربية وأسرارها. وذكر عن بعضهم أن التضمين إيقاع لفظ موقع غيره، لتضمنه معناه، وهو نوع من المجاز. وقال: التضمين سماعي لا قياسي، وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله، فإنه يكون أولى. وذكر أمثلة لتضمين لفظ معنى لفظ آخر، ثم قال: "ومن هذا الفن في اللغة شيء كثير لا يكاد يحاط به".
ويؤخذ من هذا التضمين قياسي. وقال ابن هشام في المغني: قد يشربون لفظَا لفظ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك: "تضمينًا"، وفائدته: أن تؤدي كلمة مؤدي كلمتين، قال الزمخشري ألا ترى كيف رجع معنى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك، مجاوزتين إلى غيرهم، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، أي: ولا تضموها آكلين لها؟ قال الدسوقي: قوله يشربون لفظًا معنى لفظ، هذا ظاهر في تغاير المعنيين، فلا يشمل نحو: "وقد أحسن بي"، أي: لطف، فإن اللطف والإحسان واحد. فالأولى أن التضمين إلحاق مادة بأخرى لتضمنها معناها ولو في الجملة، أعني باتحاد أو تناسب، قوله: "أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين": ظاهر في أن الكلمة تستعمل في حقيقتها ومجازها، ألا ترى أن ألا ترى أن الفعل من قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} ضمن معنى: يمتنعون من نسائهم بالحلف، وليس حقيقة الإيلاء إلا الحلف، فاستعماله في الامتناع من وطء المرأة إنما هو بطريق المجاز، من باب إطلاق السبب على المسبب؛ فقد أطلق فعل الإيلاء مرادًا به ذالك المعنيان جميعًا، وذلك جمع بين الحقيقة، والمجاز بلا شك، وهو، أي: الجمع المذكور إنما يتأتي على قول الأصوليين: إن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة، أما على طريقة البيانيين من اشتراط كونها مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، فقيل: إن التضمين حقيقة ملوحة لغيرها. وقدر "السعد" العامل مع بقاء الفعل مستعملًا في معناه الحقيقي، فالفعل المذكور مستعمل في معناه الحقيقي، مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، فقولنا: أحمد إليك فلانًا، معناه: أحمده منهيًا إليك حمده. ويقلب كفيه على كذا: أي نادمًا على كذا، فمعنى الفعل المتروك وهو المضمن معتبر على أنه قيد لمعنى الفعل المذكور.
وزعم بعضهم أن التضمين بالمعنى الذي ذكره "السعد"، وهو جعل وصف الفعل المتروك حالًا من فاعل المذكور يسمى تضمينًا بيانيًا، وأنه مقابل للنحوي 1. وقيل: إن التضمين من باب المجاز، ويعتبر المعنى الحقيقي قيدًا، وهذا هو الذي اعتبره الزمخشري، فعلى مذهب السعد يقال: ولا تأكلوا أموالهم ضاميها إلى أموالكم، وعلى مذهب الزمخشري نقول: ولا تضموها إليها آكلين. وقيل: التضمين من الكناية، أي لفظ أريد به لازم معناه. فالأقوال خمسة، وانظر ما بيان صفحة الأخير منها، تأمل. ا. هـ، تقرير الدردير. وقال الأمير: قوله: "وفائدته إلخ" ظاهر في الجمع بين الحقيقية والمجاز، وقيل: مجاز فقط، وقيل: حقيقة ملوحة بغيرها. وقدر "السعد" العامل، فزعم بعضهم أن تضمين بياني مقابل للنحوي. قول ابن هشام "قد يشربون لفظًا معنى لفظ" لا يخفى أن "قد" في عرف المصنفين للتقليل كما سيأتي، وعلى ذلك يكون التضمين قليلًا، ولكنه سيذكر في آخر الموضوع عن ابن جني أنه كثير، حتى قال الدسوقي: هذا ربما يؤيد القول بأن التضمين قياسي. وقد أشار الدسوقي إلى أن ابن هشام: "وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين" ظاهر في أن الكلمة تستعمل في حقيقتها ومجازها، والجمع بين الحقيقة والمجاز إنما يتأتى على قول الأصوليين: إن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة، أما على قول البيانيين يشترط أن تكون القرينة مانعة، فقيل: التضمين حقيقة ملوحة لغيرها، وقدر السعد العامل مع بقاء الفعل مستعملًا في معناه الحقيقي إلخ ما تقدم. وقيل: التضمين من باب المجاز، وقيل: من باب الكناية، وسيأتي شرح المذاهب في ذلك.
وذكر ياسين على التصريح أن التضمين سماعي كما هو المختار1. ثم قال: واعلم أن كلام المصنف في المغني في تقريره التضمين في مواضع يقتضي أن أحد اللفظين مستعمل في معنى الآخر؛ لأنه قال في {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، أي: فلن تحرموه، وفي: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أي: لا تنووا. وحينئذ فمعنى قوله: "إنه إشراب لفظ معنى آخر". . .، أن اللفظ مستعمل في معنى الآخر فقط، فإن هذا هو الموافق لذلك التقرير، وإن احتمل أنه مستعمل في معناه ومعنى الآخر. وقول ابن جني في الخصائص: "إن العرب قد تتوسع فتوقع أحد الحرفين2 موقع الآخر، إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد، مع ما هو بمعناه" صريح في أنه مستعمل في معنى الآخر فقط. وعلى هذا فالتضمين مجاز مرسل؛ لأنه استعمال اللفظ في غير معناه لعلاقة بينهما وقرينة، كما سيتضح ذلك، وهذا أحد أقوال فيه. وقيل: إن فيه جمعًا بين الحقيقة والمجاز، لدلالة المذكور على معناه بنفسه، وعلى معنى المحذوف بالقرينة. وهذا إنما يقول به من يرى جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهو ظاهر قول المغني "إن فائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين"، فظاهر تعريفه مخالف لما ذكره من فائدته، فليتنبه لذلك. وعلى هذا القول جرى سلطان العلماء العز بن عبد السلام، فقال في كتاب "مجاز القرآن": "الفصل الثاني والأربعون في مجاز التضمين، وهو أن يضمن اسم معنى اسم لإفادة معنى اسمين، فتعديه تعديته في بضع المواضع، كقوله: "حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق"، فيضمن: "حقيق" معنى: "حريص"، ليفيد أنه محقوق
بقول الحق، وحريص عليه، ويضمن فعل معنى فعل، فتعديه أيضًا تعديته في بعض المواضع كقول الشاعر: "قد قتل الله زيادًا عني"، ضمن: قتل، معنى: صرف، لإفادة أنه صرفه حكمًا بالقتل، دون ما عداه من الأسباب، فأفاد معنى القتل والصرف جميعًا". ا. هـ، المقصود منه. وفيه تصريح بأن التضمين يجري في الأسماء بل صدر به. وقول المغني " إشراب لفظ" يشملها. فاقتصار "السعد" و"السيد" على بيانه في الأفعال، جار مجرى التمثيل لا التقييد، ودعوى أصالته في الأفعال مجردة عن الدليل. وقيل: إن المذكور مستعمل في حقيقته، لم يشرب معنى غيره، وعليه جرى صاحب الكشاف، وعجيب للمصنف في المغني حيث نقل كلامه بعد تعريف التضمين بما مر، فأوهم أنه يرى بما يقتضيه ذلك التعريف فتفطن له، وقال السعد في تقرير كلام الكشاف، وبيان أنه لا يرى أن من التضمين مجازًا، ولا الجمع بين الحقيقة والمجاز، وإنه مع استعماله في المذكور يدل على المحذوف ما نصه: حقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، ثم قال: إن الفعل المذكور مستعمل في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، نحو: أحمد إليك فلانًا، معناه أحمده منهيًا إليك حمده. وقد يعكس، كما يقال في: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، يعترفون به مؤمنين. وفي قوله: "مع فعل آخر" حذف مضاف أي مع حذف فعل. فإن قلت: المناسبة إنما هي بين الفعل المحذوف ومتعلقه المذكور لا بين الفعلين، قلت: لا بد من المناسبة بينهما، لا يقال: ضربت إليك زيدًا، أي: منهيًا إليك ضربه؛ ولا تكفي القرينة. واعترض عليه بأن في كلامه تناقضًا؛ لأن قوله: "مع فعل آخر يناسبه" غير ملائم لقوله: "مع حذف حال"، فإن الثاني يدل على أن المحذوف اسم هو حال، لا فعل، بخلاف الأول.
وأجيب بأن في كلامه تغليبًا وإطلاقًا للفعل عليه وعلى الاسم، أو أراد بالفعل معناه اللغوي، وكذا في قوله: "أن يقصد بالفعل"، ولا يخفي سقوطه على هذا الكلام وبعده عن المرام. وذلك أن الداعي للسعد على ما قاله، الفرار من الجميع بين الحقيقية والمجاز. والأصل تضمين الفعل لمثله، فالملاحظة في تضمين المذكور مثله، وأشير بالحال عند بيان المعنى إلى ذلك التضمن ولو قدر نفس الفعل، كان من الحذف المجرد، ولم يكن المحذوف في تضمن المذكور، وأيضًا في تقديره تكثير للحذف. وبهذا يظهر أنه من قال: لا تنحصر طرق التضمين فيما قال، وأن منها العطف، نحو: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ، أي: الرفث والإفضاء إلى نساءكم، فقد غفل عن الباعث على هذا القول، على أنه لم يدع أحد الحضر، وقال السيد: ذهب بعضهم إلى أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف بدل عليه ما هو من متعلقاته، فتارة يجعل المذكور أصلًا في الكلام والمحذوف قيدًا فيه، على أنه حال، كما في قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، كأنه قال: "لتكبروا الله حامدين على ما هداكم" وتارة يعكس، فيجعل المحذوف أصلًا والمذكور مفعولًا، كقوله: أحمد إليك فلانًا" كأنك قلت أنهي إليك حمده، أو حالًا كما يدل عليه قوله، "يعني الكشاف"، عند الكلام على قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب} ، أي: يعترفون به، فإنه لا بد من تقدير الحال، أي: يعترفون به مؤمنين، إذ لو لم يقدر لكان مجازًا عن الاعتراف لا تضمينًا، وقوله: على "أنه حال"، وقوله: "والمذكور مفعولًا" بمعنى أن المذكور يدل على ذلك كما يفيده قول السعد مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر. والظاهر أن السيد يوافقه على ذلك؛ لأنه لم يشر للرد عليه، كما هو دأبه عند مخالفته. فاندفع قول بعضهم: إن في جعله المذكور مفعولًا للمحذوف نظرًا ظاهرًا؛ لأن الفعل والجملة لا يقع واحد منهما مفعولًا لغير القول والفعل المعلق. فالصواب كون جملة: "أحمد" حالًا من فاعل: أنهى، والمعنى أنهى حمده إليك حال كوني حامدًا له، ويرد عليه أنه إن أراد أن جملة: "أحمد"
حال في التركيب ففاسد أوفى المعنى، فالذي وقع فيه حالًا إنما هو اسم الفاعل المحذوف بدلالة الفعل المذكور عليه، كما يشهد به قوله حال كوني حامدًا، وقد ذكر السعد أن هذا التركيب مما حذف فيه الحال، والظاهر أن السيد لم يقصد الرد عليه، وإنما أراد بيان وجه آخر، ليفيد أن ذلك أمر اعتباري لا ينحصر فيما قاله السعد. ومن العجيب أن بعضهم بعد ذكر كلام السعد والسيد قال: إنه لا ينحصر فيما قال السيد بل له طرق أخرى منها: أن يكون مفعولًا، كما في قولهم: أحمد إليك الله، أي: أنهى حمده إليك. ومن العجب أيضًا قوله في الجواب عن كلام البعض المتقدم، إن هذا من السبك بلا سابك كباب التسوية؛ وأنت قد عرفت أن هذا حذف كما نص عليه السعد لا سبك. هذا، وقد اتفق هذان المحققان السعد والسيد، على أن في "أحمد إليك زيدًا" تضمينًا. ووقع للمولى أبي السعود في أول تفسيره الفرق بين الحمد والمدح، بأن الحمد يشعر بتوجيه النعت بالجميل إلى المنعوت بخلاف المدح، وأنه يرشد إلى ذلك اختلافهما في كيفية التعلق بالمفعول في حمدته ومدحته، فإن تعلق الثاني تعلق عامة الأفعال بمفعولاتها، والأول مبني على معنى الإنهاء كما في قولك كلمته، فإنه معرب عما تفيده لام التبليغ في قولك: قلت له. ولا يخفى أن هذا مخالف لكلام القوم، ولا يثبت بشهادة من معقول أو منقول. فمن العجائب نقل شيخنا الدنوشري له في رسالة التضمين، وقوله: وهو كلام حسن ربما يؤخذ منه أن الإنهاء من مفهوم الحمد، فتعلق إلى به بالنظر لذلك، فلا حاجة إلى اإدعاء التضمين فيه، فليتأمل ذلك. ا. هـ. فإن أراد بكونه حسنًا حسن تراكيبه، فلا شك في ذلك، وإن أراد حسنه من جهة المعنى فلم يظهر، فإنه وإن أطال الكلام كما يعلم بالوقوف عليه، لم يأت فيه ببيان المرام.
بقي هنا أمران؛ الأول: ما أشار إليه السعد والسيد من أخذ الحال من المحذوف أو المذكور، لا شك أنهما وجهان متغايران عند من له في التحقيق يدان، وإنما الكلام في أنهما: هو يستويان دائمًا أو يترجح أحدهما في بعض الأحيان؟. والذي يقتضيه النظر وإليه يشير كلامهم، رجحان أحدهما على الآخر بحسب المقام، بل تعيينه كما لا يخفى على من له بالقواعد إلمام، فيترجح أخذها من المحذوف في: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، وإن جرى السيد على خلافه كما مر، فقد قال صاحب الكشاف: المعنى لتكبروا الله حامدين، ولم يقل لتحمدوا الله مكبرين، قال بعضهم: لأن الحمد إنما يستحق ويطلب لما فيه من التعظيم، وكما في حديث: "أن تؤمن بالقضاء. . ."، فالمعنى: أن تؤمن معترضًا بالقضاء؛ لا أن تعترف بالقضاء مؤمنًا؛ لأن "أن" والفعل يسبك بمصدر معروف، وهو لا يقع حالًا كما قال الرضي في الكلام على أن "إن" تكسر وجوبًا إذا وقعت حالًا، وإن كان لا يخلو عن نظر؛ لعدم وجوب كون المصدر المسبوك معرفة كما يأتي، ولما يدلان عليه من اسم الفاعل حكمهما، وفي بعضها يترجح أخذها من المذكور كما إذا ضمن العلم معنى القسم، نحو: علم الله لأفعلن، فالمعنى: أقسم بالله عالمًا لأفعلن لا عكسه؛ لأن "أقسم" جملة إنشائية لا تقع حالًا إلا بتأويل، واسم الفاعل الواقع حالًا قائم مقامها فيعطى حكمها، ونحو: "فأماته الله مائة عام"؛ لأن التقدير: ألبثه الله مائة عام مماتًا، لا أماته الله مائة عام ملبثًا؛ لأنه يلزم منه ألا تكون الحال مقارنة بل مقدرة، والأصل كونها مقارنة. وأما ما توهمه بعضهم من أنه صلة المتروك تدل على أن المقصود أصالة، فمردود بأنها إنما تدل على كونه مرادًا في الجملة؛ إذ لولاها لم يكن مرادًا أصلًا، بل إن الصلة لا يلزم أن تكون للمتروك كما دل عليه كلام البيضاوي في تفسير: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً} ، فإنه فسر "انتبذت" باعتزلت، وذكر أنه متضمن معنى: أتت، و"مكانًا" ظرف أو مفعول، ولا شك أن قوله: "من أهلها"، حينئذ متعلق "بانتبذت" الذي بمعنى: اعتزلت، لا بأتت. ومما يتفطن له أن المراد بالصلة ما له دلالة على التضمين؛ لارتباطه بالمحذوف
الذي في ضمن المذكور، فيشمل ما إذا ضمن اللازم معنى المتعدي، فإن التعدية حينئذ قرينة التضمين لا ذكر الصلة. وأما إذا ضمن فعل متعد لواحد معنى متعد لاثنين وبالعكس، كتضمن العلم معنى القسم كما مر، فإن القرينة إنما هو الجواب. الثاني: هل الخلاف في كون التضمين سماعيًا أو قياسيًا، مبني على الخلاف في أنه حقيقة أو مجاز إلى غير ذلك مما فيه من المذاهب؟ وهل ذلك في المجاز مبني على كون المجاز سماعيًا أو لا؟ والذي يخطر بالبال أنه على القول بأنه حقيقة لا تتوقف على سماع، واشتراط المناسبة بين اللفظين لا يقتضي ذلك كما لا يخفي، وأنه يلزم من كون مطلق المجاز قياسيًا قياسية هذا المجاز الخاص، خلافًا لبعضهم. قال في التلويح: المعتبر في المجاز وجود العلاقة المعلوم اعتبار نوعها في استعمال العرب، فلا يتشرط اعتبارها بشخصها، حتى يلزم في آحاد المجاز أن ينقل بأعيانها عن أهل اللغة، وذلك لإجماعهم على اختراع الاستعارات العربية البديعة التي لم تسمع بأعيانها من أهل اللغة، وهي من طرق البلاغة وشعبها التي بها ترتفع طبقة الكلام، فلو لم يصح لما كان كذلك، ولهذا لم يدونوا المجاز تدوينهم الحقائق، وتمسك المخالف بأنه لو جاز التجوز بمجرد وجود العلاقة لجاز: "نخلة" لطويل، غير إنسان، للمشابهة، و"شبكة" للصيد، للمجاورة، و"أب"، لابن، للسببية، واللازم باطل اتفاقًا. وأجيب بمنع الملازمة، فإن العلاقة مقتضية للصحة، والتخلف عن المقتضي ليس بقادح، لجواز أن يكون لمانع مخصوص، فإن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى. وذهب المصنف رحمه الله إلى أنه لم يجز نحو "نخلة" لطويل غير إنسان، لانتفاء شرط الاستعارة، وهو المشابهة في أخص الأوصاف، أي: فيما له مزيد اختصاص بالمشبه به، كالشجاعة للأسد. فإن قيل: الطول للنخلة كذلك، قلنا: لعل الجامع ليس مجرد الطول، بل مع فروع وأغصان في أعاليها، وطراوة وتمايل فيها.
ولا شك أن على القول بأن التضمين مجاز، فهو لغوي علاقته تدور على المناسبة، وهي مع أنها ليست مما نصوا عليه في العلاقات أمر مشترك بين أفراده، لكن الذكي يرجعها في كل موضع إلى ما يليق به، مما هو من العلاقات المعتبرة، وبذلك يمتاز بعض الأفراد عن بعض آخر، والتخلف في بعض الأفراد إن فرض لا يضر، كما علمت. هكذا ينبغي أن يحقق المقام، وقل من حققه مع إطالته الكلام. فتمم الكلام على بقية الأقوال، تقدم ثلاثة. والرابع: وهو الذي ارتضاه السيد، أن اللفظ مستعمل في معناه الأصلي، فيكون هو المقصود أصالة، لكن قصد بتبعيته معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ ويقدر له لفظ آخر، فلا يكون من الكناية ولا الإضمار، بل من الحقيقة التي قصد منها معنى آخر يناسبها ويتبعها في الإرادة، وحينئذ يكون واضحًا بلا تكلف. وهذه مبني على أن اللفظ يدل على المعنى، ولا يكون حقيقة، ولا مجازًا، ولا كناية، والسيد جوزه ومثله بمستتبعات التراكيب، وذلك أن الكلام قد يستفاد من عرضه معنى ليس دالًا عليه بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة، كما يفيد قولك: "آذيتني فستعرف" التهديد، "وإن زيدًا قائم" إنكار المخاطب. و"السعد" وغيره جعلوا ذلك كناية. والمراد من التبعية في قوله: "لكن قصد بتبعيته" التبعية في اللفظ، كما يصرح به قوله في حواشي المطول في بحث الاستعارة عند الكلام في قوله: "أسد علي وفي الحروب نعامة" لا ينافي تعلق الجار به إذا لوحظ مع ذلك المعنى ما هو لازم له، ومفهوم منه؛ من الجراءة والصولة. والفرق بين هذا الوجه والتضمين، أن في التضمين لا بد أن يكون المعنى المقصود من اللفظ تبعًا مقصودًا في المقام أصالة، وبه يفارق التضمين الكناية، وفي هذا الوجه لا يكون المعنى الملحوظ تبعًا مقصدًا في المقام أصلًا، كيف والمقام مقام التشبيه بالأسد على وجه المبالغة، وذلك يغني عن القصد إلى وصف الجراءة، والصولة مرة أخرى.
وبذلك يندفع قول ابن كمال باشا في رسالة التضمين: إن قيد: "يتبعه في الإرادة" يخرج المعنى الآخر عن حد الأصالة في القصد، والأمر في التضمين ليس كذلك، بل قد تكون العناية إليه أوفر، ومن العجب أنه نقل كلام حاشية المطول في تلك الرسالة. وأما الاعتراض على ما قاله "السيد" بأنه: كيف يعمل اللفظ باعتبار معنى لا يدل عليه، فلا يرد؛ لأن اللفظ دال عليه، لكنه لم يستعمل فيه. والخامس: أن المعنيين مرادان على طريق الكناية، فيراد المعنى الأصلي توصلا إلى المقصود، ولا حاجة إلى التقدير إلا لتصوير المعنى. قال السيد: وفيه ضعف؛ لأن المعنى المكنى به قد لا يقصد، وفي التضمين يجب القصد إلى كل من المضمن والمضمن فيه. ا. هـ. ولا يخفى أن "قد" علم القلة في عرف المصنفين، وجعلها المناطقة سور الجزئية. فمن الغريب قول بعضهم: إن أراد أنه لا يقصد أصلًا فممنوع؛ لتصريحهم بخلافه، وإن أراد التقليل أو التكثير لم يثبت المطلوب؛ لأن عدم إرادته في بعض المواضع لا ينافي إرادته في بعض الآخر. وحاصل ما أشار إليه السيد: أن الكناية في بعض الأحيان لا يقصد منها المعنى الأصلي، ولو كان التضمين منها لاستعمل استعمالها في وقت ما. ويجاب كما قال العصام: بأنه قد يجب في بعض الكناية شيء لا يجب في جنسها، ولذلك سمي باسم خاص. ا. هـ. فإن قيل: إذا شرط في التضمين وجوب إرادة المعنيين، نافي الكناية؛ لأن المشروط فيها جواز إرادته. أجيب: بأن المراد بالجواز الإمكان العام المقيد بجانب الموجود، لإخراج المجاز، لا الجواز بمعنى الإمكان الخاص؛ لظهور أن عدم إرادة الموضوع له لا مدخل له في خروج المجاز، حتى لو وجب إرادته خرج أيضًا، وأورد بعضهم على قول السيد: إن التضمين يجب فيه القصد إلى المعنيين، أنه ممنوع، وادعى أنه وارد على طريق الكناية، قال: ألا ترى أن معنى الإيمان جعلته في الأمان، وبعد
تضمينه بمعنى التصديق لا يقصد معناه الأصلي، وأرأيتك بمعنى أخبرني. "ا. هـ"، وهو باطل، لما أنه مفوت فائدة التضمين من أداء كلمة مؤدى كلمتين، وجعل: "أرأيتك" بمعنى: أخبرني من التضمين: غير ظاهر. والسادس: أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز كما بيناه في رسالتنا. وذكر بعضهم في التضمين قولًا آخر لو صح كان "سابعًا"، وهو: أن دلالته غير حقيقية؛ ولا تجوز في اللفظ، وإنما التجوز في إفضائه إلى المفعول، وفي النسبة غير التامة، ونقل ذلك عن ابن جني، وقال: ألا ترى أنهم حملوا النقيض على نقيضه، فعدوه بما يتعدى به، كما عدوا: "أسر" بالباء، حملًا: على "جهر" و"فضل" بعن حملا على "نقص"، ولا مجاز فيه قطعًا بمجرد تغيير صلته، وإنما هو تصرف في النسبة الناقصة. ا. هـ. وهذا القول مخالف لما نص عليه ابن جني في الخصائص، وقد تقدم كلامه فيها. ومن العجب أن هذا الناقل نقل كلامه في الخصائص، واستدل به المذهب في التضمين جعله مغايرًا لهذا، وحمل النقيض على النقيض ليس من التضمين، ولا قريب منه ليقرب به، ولهذا قابله بعضهم به، فإنه قال في المغني في بحث "على" وقد تكلم على قوله: "إذا رضيت على بنو قشير" يحتمل أن يكون "رضي" ضمن معنى: "عطف"، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط. ا. هـ. سأل الله تعالى الرضا بغير سخط، بفضله وكرمه. وبقي قول آخر: إن ثبت كان "ثامنًا"، واختاره المولى ابن كمال باشا حيث قال: وبالجملة لا بد في التضمين من إرادة معنيين من لفظ على وجه يكون كل منهما بعض المراد، وبه يفارق الكناية، فإن أحد المعنيين تمام المراد، والآخر وسيلة إليه، لا يكون مقصودًا أصالة، وبما قررناه اندفع ما قيل، والفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي، فلا دلالة له على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر، فلا دلالة على المعنى الحقيقي، وإن كان فيهما لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يمكن أن يقال ههنا ما يقال في الجمع بين المعنيين في صورة التغليب؛ لأن كلا من المعنيين ههنا مراد بخصوصه. ا. هـ، المقصود منه. ولا يخفى أنه لم يظهر الدفاع الجمع بين الحقيقة والمجاز في التضمين، لما
اعترف به من أن كلا من المعنيين مراد بخصوصه، ثم قال: إن التضمين على المعنى الذي قررناه، لا اشتباه بينه وبين المجاز المرسل؛ لأنه مشروط يتعذر المعنى الحقيقي، وهو فيه متعذر، نعم يلزم اندراجه تحت مطلق المجاز، وبين أن الحق أنه ركن مستقل من أركان البيان، كالكناية أو المجاز المرسل، وأنه فيه مندوحة عن تكلف الجمع بين الحقيقية والمجاز، وفي قوله: "إن المعنى الحقيقي في التضمين غير متعذر"، نظر؛ لأنه متعذر بواسطة القرينة كما عرف مما مر، ولا بد من المصير إلى المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأن القرينة في المجاز إنما تمنع من إرادة الحقيقية فقط، فاحفظه، فإنه مما يقع فيه الغلط. ثم إنه علم من كلامه أن في المذهب الذي اختاره السلامة من الجمع بين الحقيقة والمجاز اللازم على بعض الأقوال، وهو القول الثاني المتقدم، كما عرفت تحقيقه مما مر، فدعوى أن شبهة الجمع في التضمين مطلقًا واهية، دعوى باطلة، ولم يرد بذلك على السيد، كما لا يخفى على من راجع كلامه، وإن كلام السيد لا يتوهم فيه ذلك الجمع، فمن قال: إنه اعترض عليه بذلك فقد افترى. في كلام ياسين ثمانية أقوال في التضمين: الأول: أنه مجاز مرسل؛ لأن اللفظ استعمل في غير معناه لعلاقة وقرينة. الثاني: أن فيه جمعًا بين الحقيقة والمجاز لدلالة المذكور على معناه بنفسه، وعلى معنى المحذوف بالقرينة. الثالث: أن الفعل المذكور مستعمل في حقيقته لم يشرب معنى غيره، "كما جرى عليه صاحب الكشاف"، ولكن مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر المناسب، بمعونة القرينة اللفظية، كما ذكر السعد. وقال السيد: "ذهب بعضهم إلى أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف يدل عليه ما هو من متعلقاته"، وفيما مثل به جعل المحذوف أصلًا، والمذكور مفعلًا و"كأحمد إليك فلانًا"، أي: أنهى إليك حمده، بمعنى أن المذكور يدل على ذلك كما يدل على الحال، وقد أراد السيد بيان وجه آخر، ليفيد أن ذلك أمر اعتباري لا ينحصر فيما قاله السعد.
الرابع: أن اللفظ مستعمل في معناه الأصلي، فيكون هو المقصود أصالة، ولكن قصد بتبعيته معنى آخر، فلا يكون من الكناية ولا الإضمار. الخامس: أن المعنيين مرادان على طريق الكناية، فيراد المعنى الأصلي، توصلًا إلى المقصود، ولا حاجة إلى التقدير إلا لتصوير المعنى. السادس: أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز. السابع: أن دلالته غير حقيقية، ولا تجوز في اللفظ، وإنما التجوز في إفضائه إلى المعمول، وفي النسبة غير التامة، ونقل ذلك عن ابن جني، وقال: ألا ترى أنهم حملوا النقيض، على نقيضه، فعدوه بما يتعدى به، كما عدوا: "أسر" بالباء حملًا على: "جهر"، "وفضل" بعن حملًا على: "نقص". وقد علق هذا القول على الصحة. الثامن: أنه لا بد في التضمين من إرادة معنيين في لفظ واحد على وجه يكون كل منهما بعض المراد، وبذلك يفارق الكناية، فإن أحد المعنيين تمام المراد، والآخر وسيلة إليه لا يكون مقصودًا أصالة"، "وهذا اختيار ابن كمال باشا"، وقد علق هذا القول على الثبوت. وقال السيوطي في الأشياء، والنظائر: قال الزمخشري في شأنهم: يضمنون الفعل معنى فعل آخر؛ فيجرونه مجراه، ويستعملونه استعماله، مع إرادة معنى المتضمن. قال: والغرض في التضمين إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى. ألا ترى كيف رجع معنى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، أي: ولا تضموها إليها آكلين. ا. هـ. قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في حاشية الكشاف: فإن قيل: الفعل المذكور إن كان مستعملًا في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. قلنا: هو في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة
القرينة اللفظية؛ فمعنى يقلب كفيه على كذا: نادمًا على كذا، ولا بد من اعتبار الحال، وإلا كان مجازًا لا تضمينًا، وكذا قوله: "يؤمنون بالغيب" تقديره: معترفين بالغيب. ا. هـ. وقال ابن يعيش: الظرف منتصب على تقدير "في"، وليس متضمنًا معناها حتى يجب بناؤه لذلك، كما وجب بناء نحو: "من وكم " في الاستفهام، وإنما "في" محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف، فهي في حكم المنطوق به، ألا ترى أنه يجوز ظهور "في" معه، نحو قمت اليوم وقمت في اليوم، ولا يجوز ظهور الهمزة من "من وكم" في الاستفهام، فلا يقال: أمن؟ ولا أكم؟ وذلك من قبل أن "من وكم" لما تضمنا معنى الهمزة صارًا كالمشتملين عليها، فظهور الهمزة حينئذ كالتكرار، وليس كذلك الظرف، فإن الظرفية فيه مفهومة من تقدير "في"، ولذلك يصح ظهورها. ثم ذكر أن ابن جني قال في التضمين: "ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به، ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابًا ضخمًا، وقد عرفت طريقه، فإذا مر بك شيء منه فتقبله وأنس به، فإنه فصل من العربية لطيف حسن". وقال ابن هشام في تذكرته: زعم قوم من المتأخرين منهم خطاب الماردي أنه قد يجوز تضمين الفعل المتعدي لواحد معنى: "صير" ويكون من باب: "ظن"، فأجاز: حفرت وسط الدار بئرًا؛ أي: صيرت، قال: وليس "بئرًا" تمييزًا، إذ لا يصلح لمن، وكذا أجاز: بنيت الدار مسجدًا، وقطعت الثوب قميصًا. وقطعت الجلد نعلًا، وصبغت الثوب أبيض إلخ. . . قال: والحق أن التضمين لا ينقاس، وقال ابن هشام في المغني: قد يشربون لفظًا معنى لفظ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك: تضمينًا، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين، ثم ذكر لذلك عدة أمثلة منها قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} ضمن معنى تحرموه، فعدي إلى اثنين لا إلى واحد، ومنها: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ضمن معنى: تنووه، فعدي بنفسه لا بعلى، وقوله: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} ضمن معنى "يصغون"، فعدي بإلى، وأصله أن
يتعدى بنفسه، ومثل: سمع الله لمن حمده، ضمن معنى: استجاب، فعدي باللام، ومثل: "والله يعلم المفسد من المصلح"، ضمن معنى: يميز، فجيء بمن. وذكر ابن هشام في موضع آخر: من المغني: أن التضمين لا ينقاس، وكذا ذكر أبو حيان، ثم قال السيوطي: "قاعدة": المتضمن معنى شيء لا يلزم أن يجري مجراه في كل شيء، ومن ثم جاز دخول الفاء في خبر المبتدأ المتضمن معنى الشرط، نحو الذي يأتيني فله درهم. وكل رجل يأتيني فله درهم، وامتنع في الاختيار جزمه عند البصريين، ولم يجيزوا: الذي يأتيني أحسن إليه، أو: كل من يأتيني أحسن إليه، بالجزم، إلا في الضرورة، وأجار الكوفيون جزمه في الكلام تشبيهًا بجواب الشرط، ووافقهم ابن مالك، قال أبو حبان: ولم يسمع من كلام العرب الجزم في ذلك إلا في الشعر. ا. هـ. قال ابن هشام في المغني: وهو كثير، قال أبو الفتح في كتاب التمام: أحسب لو جمع ما جاء منه، لجاء منه كتاب يكون مئين أوراقًا. ا. هـ. قال الدسوقي: قوله: وهو أي التضمين كثير، وقوله: قال أبو الفتح: دليل لقوله وهو كثير، "قوله: قال أبو الفتح إلخ"، هذا ربما يؤيد القول بأن التضمين قياسي، وقيل: البياني فقط، وظاهر أنه ليس كل حذف مقيسًا، وكذا المجاز إذا ترتب عليه حكم زائد. ا. هـ. وقال ابن هشام في أوائل الباب الخامس من المغني: وفائدة التضمين أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين، يدلك على ذلك أسماء الشروط والاستفهام. قال الأمير: قوله: "على معنى كلمتين" ظاهره الجمع بين الحقيقة والمجاز، وسبق الخلاف في ذلك، قال ابن جني: لو جمعت تضمينات العرب ملأت مجلدات، فظاهره القول بأنه قياسي، قوله: أسماء الشروط مثلًا "من" معناها العاقل، وتدل مع ذلك على معنى إن، والهمزة. ا. هـ. وقال ابن هشام في معاني الباء من المغني: "الثالث عشر" الغاية، نحو: "وقد أحسن بي"، أي: إلي، وقيل: ضمن أحسن معنى: لطف. ا. هـ. قال الأمير: ظاهره كقولهم: التضمين إشراب الكلمة معنى آخر، وأنه مجاز،
أو حقيقة ملوحة، أو جمع بينهما؛ يقتضي مغايرة المعنيين، ولا يظهر في الإنسان واللطف، فالأولى أن التضمين إلحاق كلمة بأخرى لاتحاد المعنى أو تناسبه، ويأتي الكلام فيه، وهل هو قياسي أو البياني1؛ لأنه مجرد حذف لدليل إن قلنا بمغايرته للنحوي. ا. هـ. وقال الملوي على السلم: "وذللت فيه صعاب المشكلات على طرف الثمام". فقال: الصبان: "الثمام" بضم المثلثة: نبت ضعيف يشد به فرج السقوف، والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف: أي: ووضعتها، فهو من باب حذف الواو مع ما عطفته لعدم اللبس، أو: "بذللت"، على تضمينه معنى "وضعت" تضمينًا نحويًا، وقد نقل أبو حيان في ارتشافه عن الأكثرين أن ينقاس، فهو في باب الجمع بين الحقيقة والمجاز. أو بحار محذوفة من فاعل ذللت، أي: واضعًا لها، أو من مفعوله: أي: موضوعة، فعلى هذين التضمين بياني، وهو مقيس. ا. هـ. وقال الصبان على الأشموني: إن التضمين النحوي إشراب كلمة معنى أخرى، بحيث تؤدي المعنيين، والتضمين البياني تقدير حال تناسب الحرف، وتمنع كون التضمين النحوي ظاهرًا عن البياني، للخلاف في كون النحوي قياسيًا: وإن كان الأكثرون على أنه قياسي، كما في ارتشاف أبي حيان دون البياني فاعرفه. ا. هـ، أي: فلا خلاف في كونه قياسيًا، كما أشار إليه قبل بقوله: "وهو مقيس". وقال صاحب التصريح في آخر الكلام في المفعول معه: "واختلف في التضمين: أهو قياسي أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام، قاله المرادي في تلخيصه. ا. هـ"، وكلامه في النحوي، وقال ياسين على القطر في أن "التضمين إشراب لفظ معنى لفظ آخر" هو أحد أقوال خمسة في التضمين، والمختار منها عند المحققين أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، مع حذف حال مأخوذ من اللفظ الآخر، بمعونة القرينة اللفظة، فمعنى "يقلب كفية على كذا": أي: نادمًا على كذا، وقد
يعكس كما في: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، أي: يعترفون به مؤمنين، وبهذا يتوقع أن اللفظ المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الآخر، وإن كان في معنى الآخر فلا دلالة على المعنى الحقيقي، وإن كان فيهما لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. لقد ذكرنا طائفة من أقوال العلماء في التضمين، وذكرنا القول بأنه سماعي، والقول بأنه قياسي، ورأيناه قوة في القول بأنه قياسي، ونقلنا فيما تقدم أن التضمين ركن من أركان البيان، فإن ذهبنا إلى القول بأنه قياسي، قلنا: إنما يستعمله العارف بدقائق العربية وأسرارها على نحو ما ورد، وإنك لتجد كثيرًا في عبارات المؤلفين فيها التضمين، فمن ذلك عبارة الملوي السابقة، ومن ذلك قول ابن مالك "وأستعين الله في ألفية"، فقد جوز الأشموني أنه ضمن أستعين معنى: أستخير، ونحوه مما يتعدى بفي. ذكرنا القول بأن التضمين سماعي، ومعناه أن يحفظ ولا يقاس عليه، وذكرنا قول القائلين: إن التضمين النحوي قياسي عند الأكثرين، وأن التضمين البياني قياسي بإجماع النحويين، وقد ذكر ابن جني في الخصائص أنه لو نقل ما جمع من التضمين عن العرب لبلغ مئين أوراقًا. والتضمين مبحث ذو شأن في اللغة العربية، وللعلماء في تخريجه طرق مختلفة فقال بعضهم: إنه حقيقة، قال بعضهم: إنه مجاز، وقال آخرون: إنه كناية، وقال بعضهم: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز على طريقة الأصوليين؛ لأن العلاقة عندهم لا يشترط فيها أن تمنع من إرادة المعنى الأصلي ... فإذا قررنا التضمين قياسي، فقد جرينا على قول له قوة، وإذا قلنا: إنه سماعي، فقد يعترض علينا من يقول: إن علماء اللغة من يرى أنه قياسي، فلماذا تضيقون على الناس، وما جئتم إلا لتسهلوا اللغة عليهم؟ فنحن نثبت القولين بالقياس وبالسماع، ولكنا نرجع قياسيته، والقول بجواز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسرارها، ولا يصح أن نحظره عليهم؛ لأنه داخل في الحقيقة، أو المجاز، أو: الكناية، والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج،
فكيف نسد باب التضمين في اللغة، وهو يرجع إلى أصول ثابتة فيها؟. وأقول بعد هذا: لا بد من قيود نضبط بها استعمال التضمين، وقد رأى بعض الزملاء أن يقصر التضمين على الشعر، وفي هذا قصر للحقيقة، أو للمجاز، أو للكناية؛ وهي الأصول التي يخرج عليها التضمين على فن من الكلام دون آخر، وهذه الأمور الثلاثة تقع في الشعر والنثر بلا قيد ولا شرط. على أن الشعر من أكثر فنون القول ذيوعًا، والناس يحفظون الشعر ويجرون على أساليبه في الكتابة والخطابة، فإن أجزنا التضمين في الشعر وحده، وقعنا في الأمر الذي نفر منه، ونحن هنا نقرر الحقائق العلمية، ونرجع منها ما يستحق الترجيح تحقيقًا لأغراضنا. انتهى البحث. حضرة رئيس الجلسة: يتفضل الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين بتلاوة بحثه في التضمين1. حضر العضو المحترم الأستاذ الخضر حسين: للتضمين غرض هو الإيجاز. وللتضمين قرينة، هي تعدي الفعل بالحرف وهو يتعدى بنفسه، أو تعديته بنفسه وهو يتعدي بالحرف، وللتضمين شرط هو وجود مناسبة بين الفعلين, وكثرة وروده في الكلام المنثور والمظلوم تدل على أنه أصبح من الطرق المفتوحة في وجه كل ناطق بالعربية، متى حافظ على شرطه؛ وهو؛ مراعاة المناسبة. فإذا لم توجد بين الفعلين العلاقة المعتبرة في صحة المجاز كان التضمين باطلًا. فإذا وجدت العلاقة بين الفعلين ولم يلاحظها المتكلم، بل استعمل فعل: "أذاع" مثلًا متعديًا بحرف الباء على ظن أنه يتعدى بهذا الحرف لم يكن كلامه من قبيل التضمين، بل كان كلامه غير صحيح عربية. فالكلام الذي يشتمل على فعل عدي بحرف وهو يتعدى بنفسه، أو عدي بحرف وهو يتعدى بغيره، يأتي على وجهين:
الوجه الأول: ألا يكون هناك فعل يناسب الفعل المنطوق به، حتى تخرج الجملة على طريقة التضمين، ومثل هذا نصفه بالخطأ، والخروج عن العربية، ولو صدر من العارف بفنون البيان. الوجه الثاني: أن يكون هناك فعل يصح أن يقصد المتكلم لمعناه مع معنى الفعل الملفوظ، وبه يستقيم النظم، وهذا إن صدر ممن شأنه العلم بوضع الألفاظ العربية، ومعرفة طرق استعمالها حمل على وجه التضمين الصحيح، كما قال سعد الدين التفتازاني: "فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم"، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى: "الميل" الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد. فإن صدر مثل هذا من عامي أو شبيه بعامي1، أي: ممن يدلك حالة على أنه لم يبين كلامه على مراعاة فعل آخر مناسب للفعل الملفوظ، كان لك أن تحكم عليه بالخطأ، فلا جناح عليك أن تحكم على قول العامة مثلًا أرجو الله قضاء حاجتي، باللحن والخروج عن قانون اللغة الفصحى؛ لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين، وليس لك أن تخرجه على باب التضمين، كأن تجعل "أرجو" مشربًا معنى "أسأل" بناء على أن بين الرجاء، والسؤال علاقة السببية والمسببة، فإن هذا الوجه لم ينظر إليه أولئك الذين استعملوا فعل "أرجو" متعديًا إلى المفعولين. ومن هنا نعلم أن من يخطئ العامة في أفعال متعدية بنفسها، وهم يعدونها بالحروف، مصيب في تخطئته، إذا لم يقصدوا لإشراف هذه الأفعال معاني أخرى تناسبها، حتى يخرج كلامهم على باب التضمين. وليس معنى هذا أن التضمين سائغ للعارف بطرق البيان دون غيره، وإنما أريد أن العارف بوجوه استعمال الألفاظ، لا نبادر إلى تخطئته، متى وجدنا لكلامه مخرجًا من التضمين الصحيح، أما غيره كالتلاميذ، ومن يتعاطى الكتابة من غير
أن يستوفي وسائلها، فإن قام الشاهد على أنه نحا نحو التضمين، كما إذا اعترضت عليه في استعمال الفعل المتعدي بنفسه متعديًا بحرف، فأجاب بأنه قصد التضمين وبين الوجه، فوجدته قد أصاب الرمية؛ فقد اعتصم منك بهذا الجواب المقبول، ولم يبق لاعتراضك عليه من سبيل. وإن قام شاهد على أن المتكلم لم يقصد التضمين، وإنما تكلم على جهالة بوجه استعمال الفعل، كان قضاؤك عليه بالخطأ قضاء لا مراد له، فمصحح ما يكتبه التلاميذ ونحوهم، يجب عليه أن يرد الأفعال إلى أصولها، ولا يتخذ من التضمين وجهًا لترك العبارة بحالها، والكاتب لا يعرف هذا الوجه، أو لم يلاحظه عند الاستعمال1. فللتضمين صلة بقواعد الإعراب من جهة تعدي الفعل بنفسه أو تعديه بالحرف, وصلة بعلم البيان من جهة التصريف في معنى الفعل، وعدم الوقوف به عند حد ما وضع له، ومن هذه الناحية لم يكن كبقية قواعد علم النحو، قد يستوي في العمل بها خاصة الناس وعامتهم. حضرة العضو المحترم الأستاذ الشيخ أحمد علي الإسكندري: رجعت إلى أقوال العلماء بعد المناقشة التي دارت أمس، فوجدت أن القائلين بسماعية التضمين إنما يخشون أن يحدث في اللغة فساد واضطراب في معاني الأفعال إذا أباحوه للناس، مع أنهم يسلمون أن ما ورد من التضمين كثير يجمع في مئين أوراقًا. وقد شرط القائلون بقياسية التضمين شرطين وهما: 1- وجود المناسبة. 2- وجود القرينة. ثم تأملت في وظيفة علوم البلاغة وخاصة علم المعاني، فوجدت أن موضوعه إن هو إلا بيان الذوق المعبر عنه عندهم "بمقتضى الحال"، وكذلك رأيت الشرطين اللذين اشترطهما العلماء قديمًا للتضمين غير كافيين، فرأيت أن نضيف إليهما قيدًا ثالثًا، هو "موافقة العبارة التي فيها التضمين للذوق العربي"، وذلك ما تنشده علوم البلاغة.
ثم قلت: هل للذوق حد؟ ففطنت إلى وجوب تقييد الذوق بالبلاغي، وهو الذي وضعت علوم البلاغة العربية لتحديد ضوابطه. وبعد ذلك رأيت أن ألخص مناقشات اللجنة والمجمع ومذكرتي1 التي قدمتها في القرار الآتي: "التضمين: أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير، مؤدى فعل آخر أو ما في معناه، فيعطي حكمه في التعدية واللزوم، ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي بشروط ثلاثة. الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين. الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس. الثالث: ملاءمة التضمين للذوق البلاغي العربي". حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: التضمين سواء أخرج على الحقيقة أم على المجاز أم على الجمع بين الحقيقة والمجاز، لا يستعمله إلا البلغاء العارفون بأسرار اللغة، وإذا لا يستعمله العامة إلا إذا جارينا من يقول: إن العامة لا يزال عندهم بقية من الذوق العربي والبلاغة. وأرى أن نأخذ الرأي أولًا على أن التضمين قياسي، ثم نأخذ الرأي على الشروط التي نشترطها لإباحته. حضرة العضو المحترم الدكتور منصور فهمي: أريد أن أعرف ما فائدة "التضمين" الذي نبحث فيه هذا البحث الطويل، إن كل ما فهمته من كلام فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين أن فائدته الإيجاز، أي: أن تؤدي الكلمة معنى كلمتين، وفي اللائحة التي وضعناها نص يوجهنا إلى العمل لتيسير اللغة على الناس، والذي يريد أن ييسر اللغة على الناس لا يكلفهم العمل الشاق الطويل لمعرفة كلمات تؤدي الواحدة منها معنى كلمتين، ولعل هذه الكلمات لا تزيد على مائتي كلمة، فلا أجد الفائدة كبيرة بتقسيم الناس إلى خاصة وعامة، وطفل وبالغ، وبليغ له
ذوق العرب البلاغي، وآخر ليس له هذا الذوق؛ لأنه لم يدرس العربية العلوم التي تفيد الذوق على رأي الأستاذ الإسكندري، قالوا: إن القانون الرياضي، والقانون الطبيعي أولى القوانين بالاحترام؛ لأنه لا يتخلف، والعلوم المختلفة الآن نتيجة اتجاه الرياضيات والطبيعيات، فيحاول أصحابها أن يجعلوا قوانينها كقوانين الرياضيات في الدقة، والضبط وعدم الاستثناء. وأريد أن نرقى باللغة العربية إلى مضاف العلوم ذات القوانين الثابتة التي يقل فيها الشذوذ والاستثناء. الغرض من علمنا المحافظة على اللغة وتيسيرها، فهل تتحكم في "تطور" اللغة وذوقها من أجل مئتي كلمة لطبقة خاصة، هذا عمل على ما أرى ليس من خدمة اللغة التي نسعى لخدمتها، نحن الآن نقرر الواقع الذي تقرر منذ أزمان طويلة، فنقول: إن التضمين قياسي أو سماعي، وكنت أظن أن المجمع يدرس الواقع، ويسموا فوقه، فيقرر ما من شأنه أن يحقق حاجات الرقي الحاضر. قد يكون المثل الأعلى للبلاغة العربية ما يراه بعض الأعضاء في علوم البلاغة وبعض نماذج معروفة، والذي يخيل إلي أن التقدم لا ينبغي أن يقيد بمثل أعلى واحد، فإذا كان تقدم اللغة ينتهي عند معرفة ما قررته علوم البلاغة، فليس هذا عندي تقدمًا، واللغة تتطور مع العصور، وكل هذا يبيح لي ألا ألتزم أمرًا إلا بمقدار، وأرى أن هذا القرار لا يوصلني إلى غايتي. كل اللغات "تتطور"، فلماذا نريد أن نقف بلغتنا؟ ولو أن كاتب فرنسيًا أو إيطاليًا اليوم أراد أن يرجع إلى أساليب القرن الخامس عشر مثلًا، تشبهًا بكاتب قديم، لقيل: إنه متحذلق، ونحن كأولئك، فلماذا نتعمل ونجهد أنفسنا ونقول بالتضمين؟ والذي أراه أن نقر الماضي على أنه تاريخ، وتتقدم نحو خطوة أخرى، فتقرر أشياء جديدة لا تنافي تاريخ اللغة، وهي مع ذلك تفي بحاجات العصر الحاضر. وأنا لا أزال على رأيي، فلا أقبل التضمين إلا إذا اضطرني إليه الشعر أو السجع؛ وفي غير ذلك تجري الأفعال في معانيها الأصلية.
حضرة العضو المحترم الدكتور فارس نمر: أرى أن كل واحد منها ينظر إلى المسألة من "زاوية" غير التي ينظر منها الآخر، على حد تعبير الرياضيين، وأرجو أن تسمحوا لي أن أورد بعض أمثلة خبرتها بنفسي. فعندما كنت أدرس الحروف واستعمالها، عرفت أن "متى" تكون بمعنى "من" كما في قول الشاعر: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج فأردت أن أبين لأستاذي أني حفظت هذا الشاهد، وأريد القياس عليه في كتابتي، فكتبت له هذه العبارة: "إن صديقي ينتظرني فخرجت متى منزلي إلى السوق"، فأنكر علي قولي، فقلت: إنه على حد قول القائل: أخرجها متى كمه، أي: من كمه، فحار أستاذي، ولم يدر أيمنعني من استعمال الحرف أم يوافقني عليه؟ والذي أريده من الأستاذ الشيخ الخضر حسين أن يجيبني: هل يوافق على أن نستعمل مثل هذه العبارات في العصر الحاضر؟ أنا أجل علماء اللغة، وأحترم ما قالوه، ولا أنازع في قياسية التضمين أو سماعيته، وإنما أريد أن نسهل اللغة على الناس عامة، فنتخير اللغة السهلة الصريحة، ونضع أساسًا، ونحكم حكمًا يلائم هذا العصر، ونسهل على علمائنا وكتابنا الكتابة والتأليف، ليكون المجمع ثقة ومرجعًا للناس. حضرة العضو المحترم الأب أنستاس الكرملي: أوافق على ما قال الدكتور منصور فهمي، والدكتور نمر، وفي ذكر الشواهد وغيرها تطويل، وقد اختصرت قرار المجتمع ووضعته في الصيغة الآتية: "يعمل بالتضمين بنوع عام لوروده في كثير من الآيات القرآنية، وفي الشعر القديم والمخضرم والإسلامي، بشرط ألا يقع في التضمين لبس في التعبير، ولا إخلال بالمعنى". حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد على الإسكندري: كلام الأب المحترم يفيد قياسية التضمين، وشرط عدم اللبس هو ما ذكرناه، ونحن ما اخترنا البحث في التضمين إلا لنسهل على الناس الكتابة والكلام؛ لأنه إذا اتسع مجال القول،
كان في ذلك رخصة وتيسير، وما قصدنا إلى هذا البحث إلا؛ لأن بعض المتحذلقين من النقاد يأخذون على بعض الشعراء، والكتاب مآخذ ترجع إلى تعدية الأفعال بحروف لا تتعدى بها، ويردون استدلالهم إلى المعاجم دون القواعد اللغوية والنحوية، فإذا قلنا بترجيح قياسية التضمين، فإنما نقصد بهذا توجيه مثل هؤلاء النقاد إلى أشياء غابت عنهم، ونيسر في الوقت ذاته على الكتاب والشعراء مجال القول والكتابة، فنزيد الثروة اللغوية بتعدد أساليب التعبير وصوره، وإني أقرر أن عمل المجمع لا يقف عند ذكر الآراء المختلفة ونصوص العلماء، وإنما يذكرها ليوازن بينها ويرجع رأيًا على رأي، إذا رأى أن في هذا الترجيح فائدة، والمجمع بقرار الجديد، متى كان موافقًا للذوق البلاغي والقواعد الصحيحة، ولا ينبغي أن يكون ذوق العامة حجة على أهل اللغة، وقياس لغتنا على اللغات الأوروبية قياس مع الفارق، وفائدة التضمين لا تقتصر على مائة كلمة أو مائتين، وإنما هو باب واسع يتعلق بجميع الأفعال في اللغة العربية، ولكننا لا نبيح التضمين على إطلاقه؛ لأن هذا يجر إلى الفوضى والفساد في اللغة، ولهذا نشترط له شروطًا خاصة. حضر العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: إذا قلنا: إن التضمين قياسي، فقد وافقنا القدماء، وإذا قلنا: إنه سماعي فقد وافقناهم في ذلك أيضًا، أما إذا قلنا: إنه قياسي بشرط أنه يسيغه الذوق؛ فهذا تلفيق بين المذهبين، ونحن كمجمع، ينبغي ألا نرجع المسألة إلى الذوق؛ لأن ذلك رد إلى مجهول، فلا بد إذًا أن نضع ضوابط وأمثلة نقدمها للجمهور ليحتذيها. حضرة العضو المحترم الأستاذ نلينو: استفدت كثيرًا من المناقشة في هذا الباب. وعلى الرغم من أني أستحسن قرار الإسكندري بقيوده التي وضعها، فإني أرى أن فتح باب التضمين في عصرنا يجر إلى كثير من الخطأ؛ لأننا لا نستطيع أن نميز الخاصة من العامة. حضرة العضو المحترم الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف: "قدم اقتراحًا مكتوبًا طلب فيه أن توضع أمثلة للتضمين ليحتذيها الناس". حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: قال بعض حضرات الأعضاء:
ما أتت به اللجنة من الكلام في التضمين معروف، والمجمع ألف لجنته للبحث في التضمين، وكتابة تقرير فيه، فبحثت اللجنة، وكتبت التقرير، وذكرت آراء العلماء؛ ووجدت أن القول بقياسيته أقوى من القول بسماعيته، ثم رفعت عملها إلى المجمع وهو صاحب الرأي فيه: فلا لوم علينا في نقل كلام القدماء. أما ما قاله حضرة الدكتور منصور فهمي من أن فائدة التضمين الإيجاز، وهو فائدة يسيرة، فلا نقره عليه؛ لأن الإيجاز مقصد من مقاصد البلغاء: وأصل من أصول الأساليب اللغوية. وأما القول بأن التضمين بفتح باب الخطأ والفساد في اللغة، فهذا صحيح، ولكن علاج هذا أن يتعلم الناس قواعد لغتهم التي تعصمهم من الوقوع في الخطأ، فكما أن إغفال الاشتقاق والتصريف يجر إلى الخطأ فيهما، كذلك يجر إهمال قواعد التضمين، وضوابطه إلى الخطأ في الأسلوب، فإذا ثابرنا على تعليم قواعد اللغة في المدارس مثلًا، انتشرت الأساليب الصحيحة وذاعت، وفتح باب التضمين يسهل اللغة على الناس، أما القول بسماعيته فهو التضييق والحجر. وإذا قلنا بهذا فربما جاء زمان يقول فيه الناس كان باب التضمين مفتوحًا بالقياس، فسده مجمع اللغة العربية، وأنه لا بد من سبب اضطره إلى هذا، فإذا قرأ الناس ما جاء في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية من التضمين، توهموا أو ظنوا أن فيها شيئًا حمل المجمع على حظر التضمين على الناس. وأما قول حضرة الدكتور منصور: إن فائدة التضمين محصورة في مائتي كلمة، فهذه مبالغة؛ لأننا على أي وجه خرجناه فقد خرجنا على ما هو قياسي: من حقيقة أو مجاز، أو كناية، وهذه أمور مقيسة لا تحصر. والقول بقصره على الشعر والسجع مع أن شأنهما الشيوع يوقعنا فيما نريد الفرار منه. واللجنة قد أدت عملها، وهو البحث في مسألة التضمين، وبقي الكلام في اتقاء الخطأ الذي يقع فيه العامة، فإذا رأى المجمع أن اتقاء ذلك يكون بقصر استعمال التضمين على العارفين باللغة ودقائقها، فإني أوافق عليه، وإذا رأى المجمع أن يرجئ بت الكلام في التضمين، فله ما يرى.
حضرة رئيس الجلسة: لا بد أن نقر فيه اليوم قرارًا. حضرة العضو المحترم الأستاذ فيشر: أنا مواقف على ما قال الدكتور منصور فهمي والأب الكرملي، وقولهما بالتقريب هو قول فقهاء اللغة الأوربيين العصريين في حياة اللسان وتقدمه وترقيه، حسن عندهم ما يرد في الأشعار المشهورة، وفي كتب الأدب الحسنة وما يسمع من ناس كثيرين، والسماع عندهم أولى من القياس. حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: أرى أن أضيف في آخر القرار الذي اقترحته العبارة الآتية: "ويوصي المجمع ألا تستعمل هذه الرخصة في كتابة المبتدئين، ولا في الكتابة العلمية". حضرة العضو المحترم محمد كرد علي "بك": لا أرى، وقد ضبطت اللغة وقررت قواعدها وأصول بلاغتها، أن نقر شيئًا جديدًا في التضمين؛ لأني أخشى أن يفتح الباب لكل كاتب أو شاعر أن يخترع أمورًا وتعابير تزيدنا اضطرابًا، ولا يقرها القدماء الذين عرفوا ضوابط اللغة برمتها، وعللوا في هذه المسألة مسألة التضمين التي نحن بصددها، فقال قوم بقياسيتها وآخرون بسماعيتها إلخ، وإذا كان لا بد من التعرض لهذه المسألة التي قتلها زملائي بحثا كاد يخرجنا عن الغرض الذي نتوخاه إذا كان لا بد من التعرض لهذه المسألة، فأرى إجراء تعديل خفيف في صورة القرار الذي اقترحه الأستاذ الإسكندري، أو نسكت الآن عن هذه المسالة وهو الأولى، ونصرف جهدنا إلى العمليات لنخرج أولًا للأمة ألفاظًا، وتعابير تشتد الحاجة إليها من ألفاظ العلوم والفنون، وبذلك تكون قد قمنا بالجزء العلمي من واجب المجمع. حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: قال بعض حضرات الأعضاء: إن التضمين لا يقبل منه إلا ما يستسيغه الذوق البلاغي، فبماذا تحدون الذوق البلاغي؟ حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: وضعت كلمة الذوق البلاغي العربي، اتقاء لحذلقة بعض الناس، مثل كتاب: "البرازيل" وغيرها ممن خرجوا على قواعد اللغة وأساليبها، حتى صار كلامهم يشبه الرطانة، فإذا جاءنا واحد من هؤلاء، وقال: إن هذا ذوقي الخاص، قلنا له: إنك تخالف الذوق العربي الذي لا يزال ثابتًا بحكم الفطرة والسليقة في البلاد العربية، والذي يجري عن قواعد اللغة والبلاغة ولا ينفر منها.
حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: أنكتفي بعبارة الذوق البلاغي، ويكون هذا مرجعنا عند الاختلاف، أم نأتي بأمثلة ضوابط؟ حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: نريد ألا يزد الأمر إلى الذوق، بل نستخرج ضوابط بعد درس أمثلة. حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: المتقدمون لم يدونوا قواعدهم إلا بعد الاستقصاء، ولا نريد أن نبحث في أصول القواعد من جديد، فكل هذا قد فرغ منه العلماء قبلنا بأكثر من ألف سنة. حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: المجمع مكلف تقديم تراكيب صحيحة لتتبع، وتراكيب فاسدة لتجتنب، ورجع الناس إلى الذوق لا معنى له وكأننا لم نعمل شيئًا، وابن جني وغيره لم يكلفوا تقديم تراكيب للأمة. حضرة العضو المحترم الأستاذ علي الجارم: هل ترى أن يقال: الذوق العربي. حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: الذوق العربي يختلف. حضرة رئيس الجلسة: أتريد أن تحذف كلمة "الذوق"؟ حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: لا، ولكنني أريد أن نضع ضوابط لنحدد ما الذوق؟. حضرة العضو المحترم الدكتور فارس نمر: التضمين صحيح، وموضوعه عربي، ولكن المجمع يجب أن يقدم الحقيقة على اتباع التضمين إلا حيث تكون ضرورة. حضرت العضو المحترم الدكتور منصور فهمي: نقول: "ويوصي المجمع ألا يستعمل التضمين في الكتابة العامة". حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: أوافق على هذا، والأصل ألا تخرج عن الحقيقة إلا لنكتة بلاغية. حضرة العضو المحترم الأستاذ أحمد العوامري "بك" أقترح أن يقال: "ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". فوافق أكثر الأعضاء على هذا. وأمر رئيس الجلسة أن يقرأ نص القرار النهائي، وهو:
القرار: "التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم". ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة: الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين. الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس. الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي. ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". فوافق أكثر حضرات الأعضاء على هذا النص1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم ما هذا الذوق العربي الذي يريده المجمع؟ وكيف يحدد؟ ولم يقتصر "التضمين" على الفعل دون ما يشبه، كما جاء في الشرط الأول الذي أقره المجمع وارتضاه؟ اللهم إلا إذا كان يريد الفعل وما يشبهه، كما يفهم من سياق البحث. وبعد: فما زالت أدلة "التضمين" واهية، منهارة إن صح تسميتها أدلة"! ! ولم أجد في الآراء السالفة كلها، ولا في أمهات المراجع التي صادفتها ما يزيل الضعف، والرأي الأقوى في جانب الذين يمنعونه ممن عرضنا أسماءهم فيما سبق، أو لم نعرض: ومن هؤلاء الشهاب الخفاجي في "طراز المجالس" ص 219 حيث يصرح بأنه سماعي، وكالدماميني في كتابه: "نزول الغيث" ص 56 حيث يقرر أن تضمين فعل معنى آخر يأباه كثير من النحاة، وكأبي حيان فيما نقله السيوطي في "الهمع" ج 1 ص 149 مصرحًا بقوله: "التضمين لا ينقاس" وغير هؤلاء كثير، بل إن الذين يقصرونه على السماع لم يستطيعوا إثبات أنه ليس بحقيقة، وليس بمجاز، ولا بشيء مركب منهما، وإنما هو نوع جديد اسمه: "التضمين" لم يستطيعوا ذلك؛ لأن العرب الفصحاء نطقوا بالفعل أو بما يشبهه متعديًا بنفسه مباشرة، أو غير متعد إلا بمعونة حرف جر معين؛ فكيف يسوغ لقائل بعد هذا أن يقول: إن هذا الفعل لم يتعد إلى معموله إلا من طريق التضمين، بحجة أن هذا الفعل لا يعرف فيه التعدي إلا بهذه الوسيلة!؟ كيف يقول هذا محتجًا به مع أن الناطق بالفعل المتعدي وشبهه هو القرآن الكريم، أو العبي الفصيح الذي يحتج بكلامه من غير خلاف في الاحتجاج؟ ما الدليل على أن الفعل وشبهه متعد أو غير متعد من طريق "التضمين" وحده، ونحن نراه متعديًا بواسطة حرف الجر، أو بغير واسطة، ولا دليل معنا على أسبقية أحد الفعلين في الوجود والتعدي وعدمه؟ والحق إن إثبات التضمين أمر لا تطمئن له نفس المتحري المتحرر، ولا سيما إذا عرفنا أن كل فعل، أو شبهه لا يكاد يؤدي معناه مع "التعدية" دون أن يكون هناك فعل آخر، أو شبهة له معنى يؤديه مع "اللزوم"، وبين هذين المعنيين ما يسمونه؛ "المناسبة، أو الإشراب"، والعكس صحيح كذلك إذ لا يكاد فعل أو: شبهه يؤدي معناه مع "اللزوم" دون أن يكون هناك فعل آخر أو شبهه له معنى يؤديه مع "التعدية"، وبين المعنيين "المناسبة أو الإشراب"، والنتيجة الحتمية لكل ذلك أنه لا يوجد فعل أو شبهه مقصور على "التعدية"، ولا آخر مقصور على "اللزوم"، وهذه غاية الفوضى والإساءة اللغوية التي تحمل في ثناياها فساد المعاني. وبالرغم من تلك المعارك الجدلية لا أرى الأمر في التضمين يخرج عن إحدى حالتين، وفي غيرهما الفساد اللغوي، والاضطراب الهدام: الأولى: أن الألفاظ التي وصفت بالتضمين إن كانت قديمة في استعمالها منذ عصور الاستشهاد، والاحتجاج اللغوي فإن استعمالها دليل على أصالة معناها الحقيقي، ما دمنا لم نعرف يقينًا لها معنى سابقًا تركته إلى المعنى الجديد. الثانية: أن العصور المتأخرة عن عصور الاستشهاد، والاحتجاج غير محتاجة إلى "التضمين" لاستغنائها عنه بالمجاز والكناية، وغيرهما من أنواع البيان المختلفة التي تتسع لكثير من الأغراض والمعاني الدقيقة البليغة.
بحث نفيس لابن جني 1، عنوانه: "باب في اللغة المأخوذة قياسًا": هذا موضع كأن في ظاهره تعجرفًا، وهو مع ذلك تحت أرجل الأحداث ممن تعلق بهذه الصناعة فضلًا عن صدور الأشباح، وهو أكثر من أن أحصيه في هذا الموضع لك، لكني أنبهك على كثير من ذلك، لتكثر التعجب ممن تعجب منه، أو يستبعد الأخذ به. وذلك أنك لا تجد مختصرًا من العربية إلا وهذا المعنى منه في عدة مواضع، ألا ترى أنهم يقولون في وصايا الجمع: إن ما كان من الكلام على فعل فتكسيره على: أفعل؛ ككلب وأكلب، وكعب وأكعب، وفرخ وأفرخ. . .، وما كان على غير ذلك من أبنية الثلاثي فتكسيره في القلة على أفعال: نحو جبل وأجبال، وعنق وأعناق، وإبل وآبال، وعجز وأعجاز، وربع وأرباع، وضلع وأضلاع، وكبد وأكباد، وقفل وأقفال، وحمل وأحمال و. . .؛ فليت شعري هل قالوا هذا ليعرف وحده، أو ليعرف هو ويقاس عليه غيره؟ ألا تراك لو لم تسمع تكسير واحد من هذه الأمثلة، بل سمعته منفردًا أكنت تحتشم من تكسيره على ما كسر عليه نظيره؟ لا بل كنت تحمله عليه للوصية التي تقدمت لك في بابه، وذلك كأنه يحتاج إلى تكسير: "الرجز" الذي هو العذاب، فكنت قائلًا لا محالة "أرجاز"؛ قياسًا على: "أحمال"، وإن لم تسمع "أراجازًا" في هذا المعنى، وكذلك لو احتجت إلى تكسير عجر، من قولهم: "وظيف عجر"2 لقلت: "أعجار"؛ قياسًا على يقظ3 وأيقاظ، وإن لم تسمع "أعجازًا"، وكذلك لو احتجت إلى تكسير: "شيع"، بأن توقعه على
النوع، لقلت "أشياع"، وإن لم تسمع ذلك، لكنك سمعت: "نطع وأنطاع" و "ضلع وأضلاع"، وكذلك لو احتجت إلى تكسير: "دمثر"1 لقلت: "دمثر"؛ قياسًا على: "سبطر وسباطر". وكذلك قولهم: إن كان الماضي على "فعل"، فالمضارع منه على يفعل: فلو أنك على هذا سمعت ماضيًا على فعل، لقلت في مضارعه يفعل، وإن لم تسمع ذلك، كأن يسمع سامع ضؤل، ولا يسمع مضارعه؛ فإنه يقول فيه يضؤل، وإن لم يسمع ذلك، ولا يحتاج أن يتوقف إلى أن يسمعه؛ لأنه لو كان محتاجًا إلى ذلك لما كان لهذه الحدود والقوانين التي وضعها المتقدمون، وعمل بها المتأخرون معنى يفاد، ولا غرض ينتحيه الاعتماد، لكان القوم قد جاءوا بجميع المواضي والمضارعات، وأسماء الفاعلين، والمفعولين، والمصادر، وأسماء الأزمنة، والأمكنة، والأحادي والثنائي، والجموع والتكابير، والتصاغير2، ولما أقنعهم أن يقولوا: إذا كان الماضي كذا وجب أن يكون المضارع كذا، واسم فاعله كذا، واسم مفعوله كذا، واسم مكانه كذا، واسم زمانه كذا؛ ولا قالوا: إذا كان المكبر كذا فتصغيره كذا، وإذا كان الواحد كذا فتكسيره كذا دون أن يستوفوا كل شيء من ذلك، فيوردوه لفظًا منصوصًا معينًا، لا مقيسًا ولا مستنبطًا كغيره من اللغة؛ التي لا تؤخذ قياسًا ولا تنبيهًا؛ نحو: دار، وباب، وبستان، وحجر، وضبع، وثعلب، وخزز، لكن القوم بحكمتهم وزنوا كلام العرب فبوجدوه ضربين: أحدهما: ما لا بد من تقبله كهيئته لا بوصية فيه، ولا تنبيه عليه؛ نحو: حجر، ودار، وما تقدم. ومنه: ما وجدوه يتدارك بالقياس، وتخف الكلفة في عمله على الناس، فقننوه وفصلوه، إذا قدروا على تدراكه من هذا الوجه القريب، المغني عن المذهب الحزن3 البعيد، وعلى ذلك قدم الناس في أول المقصور والممدود ما يتدارك بالقياس والأمارات، ثم أتبعوه ما لا بد له من السماع والروايات، فقالوا: المقصور من حالة كذا، ومن صفته كذا؛ والممدود من أمره كذا، ومن سببه كذا، وقالوا:
ومن المؤنث الذي فيه علامات التأنيث كذا، وأوصافه كذا، ثم لما أنجزوا ذلك قالوا: ومن المؤنث الذي روى رواية كذا وكذا، فهذا في الوضوح على ما لا خفاء به. فلما رأى القوم كثيرًا من اللغة مقيسًا منقادًا وسموه بمواسمه، وغنوا بذلك عن الإطالة والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز، ثم لما تجاوزوا ذلك إلى ما لا بد من إيراده، ونص ألفاظه ألتزموا وألزموا كلفته؛ إذ لم يجدوا منها بدًا، ولا عنها مصرفًا. ومعاذ الله أن ندعي أن جميع اللغة تتسدرك بالأدلة وقياسًا، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به، ونبهنا عليه، كما قبلنا، ممن نحن له متبعون، وعلى مثله وأضاعه حاذون، فأما هجنة الطبع، وكدورة الفكر، وجمود النفس وخيس1 الخاطر، وضيق المضطرب، فنحمد الله على أن حماناه، ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه، ويستعملنا به فيما يدني منه، ويوجب الزلفة لديه، بمنه". ا. هـ. هذا البحث النفيس لابن جني يذكرنا بماله من آراء جليلة أخرى، تتصل منها بموضوعنا قوله2: "حكى لنا أبو علي عن ابن الأعرابي، أظنه قال: يقال: درهمت الخبازى، أي: صارت كالدرهم، فاشتق من الدرهم، وهو اسم أعجمي. وحكى أبو زيد: رجل مدرهم، ولم يقولوا منه: "درهم" إلا أنه إذا جاء اسم المفعول، فالفعل نفسه حاصل في الكف3، ولهذا أشباه. . .". ا. هـ.
ثم قال بعد ذلك1: "ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع؛ فإذا حذا إنسان على مثلهم، وأم مذهبهم، لم يجب أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية. . .". وكذلك قوله2: "إذا ثبت أمر المصدر الذي هو الأصل لم يتخالج شك في الفعل الذي هو الفرع، قال لي أبو علي بالشام: إذا صحت الصفة فالفعل في الكف. وإذا كان هذا حكم الصفة كان في المصدر أجدر؛ لأن المصدر أشد ملابسة للفعل من الصفة؛ ألا ترى أن في الصفة نحو: مررت بإبل مائة، وبرجل أبي عشرة أهله. . .". ا. هـ. صحة الاشتقاق من الجامد. جاء في ص69 من الكتاب المجمعي الصادر في سنة 1969 مشتملًا على القرارات المجمعية الصادرة من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين، ما نصه تحت عنوان: "الاشتقاق من أسماء الأعيان، دون تقييد بالضرورة" بناء على رأي لجنة الأصول بمجمع اللغة العربية، وهو: "قرر المجمع من قبل إجازة الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم كما أقر قواعد الاشتقاق من الجامد". واللجنة تأسيسًا على أن ما اشتقه العرب من أسماء الأعيان كثير كثرة ظاهرة، وأن ما ورد من أمثلته في البحث الذي احتج به المجمع لإجازة الاشتقاق يربي على المائتين ترى التوسع في هذه الإجازة؛ يجعل الاشتقاق من أسماء الأعيان جائز من غير تقييد بالضرورة". ا. هـ. وقد وافق المجمع ومؤتمره العام على رأي اللجنة، وصدر قرار موافقتهما في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968. أما قواعد الاشتقاق المشار إليها، في القرار السالف، فقد ورد بيانها في الكتاب المجمعي الذي تقدم ذكره، ففي ص 64 النص الآتي تحت عنوان:
1- إذا أريد اشتقاق فعل لازم من الاسم العربي الجامد، الثلاثي مجردة ومزيدة، فالباب فيه: "نصر" ويعدى إذا أريد تعديته بإحدى وسائل التعدية؛ كالهمزة، والتضعيف، "مثل: قطنت الأرض تقطن، كثر قطنها، وقطنتها: زرعتها قطنًا". 2- أما إذا أريد اشتقاق فعل ثلاثي متعد فالباب فيه: "ضرب": "مثل قطنت الأرض، أقطنها، زرعتها قطنًا". 3- وفي كلتا الحالتين يستأنس بما ورد في المعجمات من مشتقات للأسماء العربية الجامدة؛ لتحديد صيغة الفعل. 4- ويشتق الفعل من الاسم العربي الجامد غير الثلاثي على وزن: "فعلل" متعديًا، وعلى وزن "تفعلل" لازمًا. 5- وإذا كان الاسم رباعي الأصول أو رباعيًا مزيدًا فيه؛ مثل: درهم وكبريت اشتق منه على وزن: "فعلل" بعد حذف الزائد من المزيد؛ فيقال: درهم الزهر وكبرت، أي صار كالدرهم والكبريت. 6- وإذا كان الاسم خماسيًا مثل: "سفرجل" اشتق منه على وزن "فعلل" بعد حذف خامسه، فيقال: "سفرج النبت" بمعنى: صار كالسفرجل. 7- تؤخذ المشتقات الأخرى من هذه الأفعال على حسب القياس الصرفي. ثانيًا- في الاسم الجامد المعرب: 8- يشتق الفعل من الاسم الجامد المعرف الثلاثي على وزن: "فعل" بالتشديد متعديًا، ولازمه: "تفعل". 9- ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب غير الثلاثي على وزن: "فعلل" ولازمه: "تفعلل. . .".
الفهرس
الفهرس: 1- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب 3 ظن وأخواتها 58 أعلم وأرى، ونظائرهما. 63 الفاعل 97 نائب الفاعل. 124 اشتغال العامل عن المعمول. 150 تعدية الفعل ولزومه. المفعول به، وأحكامه. 186 التنازع في العمل. 204 المفعول المطلق. 238 المفعول له "لأجله". 242 ظرف الزمان والمكان. 304 المفعول معه. 313 الاستثناء. 363 الحال. 413 التمييز. 431 حروف الجر. 544 بحث في: "مذ ومنذ". 564 بحث في: "التضمين. 596 بحث في: "اللغة المأخوذة قياسا". ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي يشتمل عليها كل باب من الأبواب العامة السابقة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الوارة في: "الزيادة والتفصيل"، والهوامش. باب: ظن وأخواتها: 3 المسألة 60: ظن وأخواتها 4 معنى الماضي المتصرف، وغير المتصرف "أي: الجامد" إشارة إلى المشتقات بقسميها أفعال القلوب، وأفعال التحويل، ومعنى كل. 5 معنى اليقين والظن، والشك، والوهم، الكلام على: أرأيتك، بمعنى: أخبرني". 7 ضبط همزة "إخال" معاني: زعم. 9 موجز للأفعال السابقة. 11 المراد من أن المفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. ما تدخل عليه الأفعال القلبية.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش رقم الصفحة: الموضوع: 12 تقسيم آخر، والسبب 13 الفرق بين علم وعرف. الاكتفاء بمفعول واحد في هذا الباب. 16 إشارة إلى: "أرأيتك"، بمعنى: أخبرني تفصيل الكلام على المضارع: "أرى" المبني للمجهول، والفعل: "أريت" المبني له، كذلك. 19 الفرق بين صيغتي فعل الأمر: "تعلم". 20 الفعل: "وهب" من ناحية "التعدي واللزوم". 21 شروط إعمال هذه النواسخ. حكم تقديم خبر النواسخ عامة. حكم خبرها الإنشائي. 22 معنى: لله دره بطلا. 23 التقديم والتأخير في هذا الباب. 24 ما تنفرد به الأفعال القلبية الناسخة. -أ- تنوع المفعول الثاني. 26 المسألة61: -ب- الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية المتصرفة. إذا كان فاعل اسم الفاعل ضميرا مستترا وجب أن يكون للغائب. 27 الحكم الأول: التعليق. تعريفه، سببه، وجوبه إلا في صورة واحدة جائزة. "ستجئ في رقم4 من هامش ص30". 29 شروط العطف بالنصب على محل الجملة التي علق عنها الناسخ، عطف المفرد على محل الجملة. 30 سبب التعليق. مسألة يجوز فيها التعليق، ولا يجب. 31 قد يكون لجملة القسم مع جوابه محل من الإعراب. وكذلك لجملة الجواب وحدها ... هل يسد جملتان معا مسد المفعولين؟ 32 حكم "لا" النافية من ناحية الصدارة. 34 أمثلة تزيد التعليق وضوحا. 36 زيادات خاصة بأحكام التعليق. 38 الحكم الثاني: الإلغاء، سببه، وأحكامه. 39 الفرق بين الإلغاء والتعليق. الإلغاء جائز إلا في بعض حالات. 40 هل يلغى العامل المتقدم؟ 42 زيادات خاصة بالإلغاء. 43 الحكم الثالث: الاستغناء عن المفعولين بالمصدر المؤول. 44 الحكم الرابع: جواز وقوع فاعلها ومفعولها الأول ضميرين. 45 زيادة تختص بالحكم الرابع. 46 المسألة62: القول: معناه، متى ينصب مفعولا واحدًا، ومتى ينصب مفعولين حكاية الكلمة والجملة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض الموضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 48 إشارة إلى وقوع الجملة المحكية فاعلا، ونائب فاعل. الجملة المحكية تسمى: "مقول القول". 50 شروط إعمال القول بمعنى الظن. 53 عودة إلى اللفظ المحكي، إشارة إلى فائدة الحكاية، وموضعها من الجزء الأول. 58 المسألة 64: أثر التعدية بهمزة النقل. 61 إشارة إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 63 المسألة65: التفريق بين الفاعل الذي فعل الفعل، والفاعل الذي قام به الفعل. 65 الفاعل المصدر المؤول، والأداة الصالحة للسبك في باب الفاعل، ومنها: همزة التسوية. 66 هل تقع الجملة فاعلا؟ 67 إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 68 المسألة66: أحكام الفاعل التسعة، أولها: الرفع. 53 هل تصح الحكاية بالمعنى؟ 54 هل يلحق بالقول ما يؤدي معناه؟ 55 إشارة إلى حذف القول جوازا. 56 المسألة 63: حذف المفعولين معا، أو: أحدهما، وحذف الناسخ. معنى القرينة، أو: الدليل. أعلم وأرى، ونظائرهما مما ينصب ثلاثة مفاعيل. 61 أفعال أخرى تنصب بنفسها ثلاثة مفاعيل 62 إشارة إلى: "ترما" ونظائرها التي بمعنى: "لا سيما". الفاعل وتعريفه، وأحكامه حكم المعطوف على الفاعل المجرور بحرف زائد، ومناقشة رأي النحاة. 69 ثانيها: وجوده، وقد يحذف في مواضع. 70 حذف الفاعل. 72 أفعال لا تحتاج لفاعل، "ومنها أفعال مختومة "بما" الكافة"، رأي آخر. "قلما" تكون حرف نفي، أحيانا. 73 ثالثها: تأخيره. رابعها: نجرده من علامة تثنية، أو جمع. 74 القلة النسبية لا تمنع القياس لا يصح إخضاع لغة قبيلة للغة أخرى ...
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 75 خامسها: إضمار عامله في مواضع. 76 سادسها: تأنيث عامله في مواضع. 78 أنواع المؤنث. 80 مواضع أخرى لتأنيث العامل وعدمه، منها اسم الجنس والتكسير 85 تأنيث الكلمة إذا قصد لفظها، وتذكيرها باعتبار آخر. 86 سابعها: أحوال تأخره وتقدمه على المفعول به، "وتنطبق على أحوال المفعول به أيضا". 88 معنى التقدم في اللفظ والرتبة، وإشارة إلى المحصور: "بإلا" أو"إنما". النائب عن الفاعل: المسألة67: 97 أ- الدواعي لحذف الفاعل العوامل التي تحتاج وجوبا لنائب فاعل. 98 التغيير الذي يطرأ وجوبا بسبب حذف الفاعل. 100 المطاوعة، معناها وبعض ضوابطها الهامة. 99 مطاوع "فعل" الثلاثي المتعدي. 101 هفوة نحوية في كلام ابن مالك. 102 الفرق بين المعتل، والمعل، وحرف العلة، واللين، والمد. معنى الإشمام. 107 ما لا يصح بناؤه للمجهول. 108 الرأي في أفعال يقال إنها مبنية للمجهول لزوما، هل يصح بناؤها للمعلوم؟ 110 هل يكو المصدر المؤول عاملا لنائب الفاعل؟ 89 الترتيب بين الفاعل والمفعول به، وعاملهما. 90 الفاء بعد "إما" الشرطية الظاهرة والمقدرة. 93 مواضع أخرى لا يجوز فيها تقدم المفعول به على عامله. 94 ثامنها: عدم تعدد الفاعل. تاسعها: إغناؤه عن الخبر أحيانا. 95 الاشتباه بين الفاعل والمفعول، وطريقة التمييز بينهما. المسألة 68 ب- الأشياء التي تنوب عن الفاعل، وشروطها. إنابة المفعول به. 113 إنابة المصدر واسمه متى تقع الجملة نائب فاعل؟ 115 إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 116 الكلام على: "معاذ الله". 117 إنابة الظرف. 118 قط - عوض - فقط. 119 إنابة الجار مع مجروره. النائب هو المجرور وحده، إعرابه، وإعراب توابعه. الأشياء التي لا يجوز أن تنوب عنه.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش. اشتغال العامل عن المعمول، معناه، وطريقته 122 المسألة 69: معناه. معنى السببي. 126 الضمير العائد على الظرف يجر بالحرف: "في". نوع العامل، وشروطه. 129 حكم الاسم السابق في الاشتغال. 130 حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها. 138 شروط وتفصيلات أخرى. المسألة 70: 150 أنواع الفعل من حيث التعدية واللزوم. 151 حكم توابع المفعول به الحكمي. 152 لهما ضابطان. 153 قيمة الضابطين مناقشتهما، وإبداء الشك في قيمتهما. "في ص86 حكم ترتيب المفعول به الواحد، أي: تقديمه وتأخره في جملته." أنواع الفعل التام. المراد من كلمة: "مفعول" عند إطلاقها. 153 هل يجوز العطف بالنصب على المفعول به المعنوي؟ 154 أشهر علامات الفعل اللازم. 155 معنى الإلحاق، وحكمه، عصور الاستشهاد بالكلام القديم. 138 قد يصح الجمع بين المفسر والمفسر، لا العوض والمعوض عنه. 139 الجملة المفسرة، وحكمها، وحكم غير الجملة، قد يكون لها محل. 141 الاسم المرفوع بعد أداة الشرط فاعل، أو نائبه ... ولا يكون مبتدأ. 144 تأييد النحاة في إعراب: "وإن أحد من المشركين استجارك" وأمثالهما. 148 تقسيم بطريقة أخرى. أبيات "الألفية" في هذا الباب مفككة. 157 أنواع اللازم. المسألة71: 158 طريقة تعدية الفعل اللازم، وما في حكمه. معنى: "ما في حكمه". 161 التعدية بحرف الجر الأصلي نزع الخافض والنصب به "وهو المسمى: الحذف والإيصال". 161 تنويع حروف الجر وتغييرها بتنوع المعاني ولو لم يتغير العامل. المراد من أن فعلا لازما يتعدى بحرف جر معين.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 162 حذف الجار، وأنواع الحذف وآثاره. النصب على نزع الخافض أي: الحذف والإيصال". 165 بقية وسائل التعدية: "همزة النقل، التضعيف". 166 تحويل صيغة الفعل الثلاثي إلى: "فاعل واستفعل". 167 تحويل صيغة الفعل الثلاثي إلى "فعل للمبالغة" ... 168 التضمين ونوعاه ومزيته ... بعض أحكام المطاوعة. 171 إسقاط الجار والنصب على نزع الخافض "أي: الحذف والإيصال". 173 تعريف المغالبة وتفصيل الكلام عليها. 176 المسألة 72: تعدد المفعول به، وترتيبه، وحذفه. مواضع جواز الترتيب. التنازع في العمل: المسألة 73: 186 أمثلة وتعريف. 192 أحكام التنازع. 177 التزام الترتيب. موضع مخالفة الترتيب وجوبا. 179 حذف المفعول به. الفضلة والعمدة. حذف المفعول به جوازا. 181 عدم حذفه. 182 معنى المثل، ما يشبهه. 183 حذف عامل المفعول به جوازا ووجوبا. الاشتباه بين الفاعل والمفعول به، جعل المعدي لازما، أو في حكم اللازم. 183 - 1- التضمين لمعنى الفعل اللازم حكما. 2- تحويل الفعل الثلاثي إلى "فعل" للمدح والذم، وشروط ذلك، الفرق بينه وبين: نعم 184 3- المطاوعة. 4- ضعف الفعل الثلاثي، الرأي فيه. 185 5- ضرورة الشعر. التنازع في العمل. إعمال الأول. 196 إعمال الأخير. 201 رأي في باب "التنازع"، إصلاح عيوبه.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش المفعول المطلق، ومعناه رقم الصفحة الموضوع: 204 المسألة 74: سبب التسمية. 205 بعض الأفعال لا يدل على زمن. 206 ناصب المصدر. 207 تقسيم المصدر بحسب فائدته اللغوية المصدر المبهم، والمختص، ومنه النوعي، والعددي تعريف كل. تعريف المصدر المبهم. 208 متى تستعمل المصدر المبهم؟ توكيد المصدر لعامله نوع من التوكيد اللفظي. 210 العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق. 211 حكم المصدر المؤكد لعامله، وغير المؤكد. 213 المسألة 75: حذف المصدر الصريح، وبيان ما ينوب عنه. 214 معنى اسم المصدر. المفعول له، أو: لأجله. 236 المسألة 77: أمثلة له. 237 تعريفه وتقسيمه، أحكامه. رقم الصفحة الموضوع: 219 المسألة 76: حذف عامل المصدر، وإقامة المصدر المؤكد نائبا عنه. الدليل المقالي والحالي. 220 حذف العامل وجوبا. معنى الخبر والإنشاء، وجملة كل، الجملة الإنشائية: طلبية، وغير طلبية، بيان كل واحدة. 222 الكلام على: "سقيا" و"رعيا". 224 الأساليب الخبرية. 226 الكلام على: ألبتة "معناهما، وهمزتها". 229 متى يعمل المصدر الصريح؟ في موضعين. 230 اللفظ المهلم، صحة استعماله وتجديده، تكملة المادة اللغوية الناقصة. الكلام على معنى إعراب كلمة: "ويح-ويل-ويب-ويس-بله ... " 231 أنواع مختلفة من المصادر السماعية. 2342 ما يجوز فيها وفي قولهم: ويل للشجي من الخلي. 234 معنى التثنية فيها. متى يكون نكرة ومتى يكون معرفة؟ 240 التذكير والتأنيث في اللفظ باعتبارين مخلفين.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش ظرف الزمان والمكان 242 المسألة 78: شبه الجملة، وهو شبه الوصف، المراد من تضمن الظرف معنى: "في". ظهور "في" وعدم ظهورها. بعض الظروف لا يتضمنها. 243 قد يطلق الظرف ويراد منه الجار مع مجروره. 244 أحكامه. إشارة إلى حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات. 245 حروف المعاني، هل يتعلق بها شبه الجملة؟ 246 حذف عامل الظرف جوازا ووجوبا، الظرف اللغو والمستقر. 249 سبب تعلق الظروف بالعامل المحذوف وجوبا. 252 الظرف الزماني المبهم والمختص، "أو أسماء الزمان المبهمة والمختصة". الضمير العائد على الظرف يجر "بفي" وقد يحذف. حكم إضافة كلمة: "شهر" إلى أسماء بعض الشهور. 255 أنواع ظرف المكان. 255 متى يتعدد الظرف؟ 257 ما يلحق بالجهات، الرأي في مثل: "داخل-خارج-ظاهر المدينة ... " الظرف المؤسس والمؤكد. 259 المسألة 79: الظرف المتصرف وغير المتصرف. أقسام كل. "ا" المتصرف. 260 ... حكمة. 261 ... "ب" الظرف غير المتصرف شبه الظرفية كلمة عن الظروف الآتية: "أين-ثم-هنا-متى ... " إعراب: قط-عوض-فقط-مكان-بدل-حول "وفي هذه لغات" سحر-عند لدن-قبل-بعد ... 262 ... حكم الظرف غير المتصرف، ظرف الزمان "متى" أيضا. ومذ، ومنذ. 263 ما ينوب عن الظرف. 266 أقسام الظرف من حيث التصرف، وعدمه، ودرجته أقسام الظرف من حيث التصرف. 267 الفرق بين وسط بسكون السين، ووسط، بتحريكها. وجوب تعلق شبه الجملة، ومعنى هذا، هل يصح تقدمهما على عاملهما؟ قد يتلعقان بعامل معنوي هو: "الإسناد". 269 أقسام الزمان، واستغراقه المعنى. 270 حكم الظروف المركبة. 271 "بين" المركبة: "بين بين". 272 إشارة إلى الظرف: "ذات" في مثل: ذات اليمين وذات الشمال. أنواع أخرى من الظروف غير المتصرفة، حوال وفيها لغات. 275 "شطر-زنة الجبل-صقب".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش. 273 ظروف منصوبة على نزع الخافض. "حقا-غير شك-جهد رأيي-ظنا مني-و ... " حذف العامل وجوبا. 274 تنزيل بعض الظروف منزلة أدوات الشرط في غر الجزم، اقتران جوابه بالفاء، هل يعطف الزمان على المكان، والعكس؟ موجز للظروف المختلفة مع جدارتها برسالة مستقلة بها. 275 إذا. 278 إذا. 279 الفرق المعنوي بين: "إذا ون" 281 الآن. 282 أمس أول-بين-بدل. 283 بعد: حكمها، وبعض استعمالاتها الأدبية، أول-قبل-أمام-قدام-وراء -خلف-أسفل-يمين-شمال- فوق-تحت-عل-دون. 304 المسألة 80: 305 تعريفه. 306 بعض صور ممنوعة. 308 أحكامه. 287 الكلام على: "بينا وبينما"، إشارة إلى إلحاق الظرف بالشرط. 290 حيث. 291 حول-ريث-عند. 292 معنى ظروف الغايات، وإيضاح المراد من: "الغاية" 293 عوض-قط. 294 كلما-لدن. 295 لدى. 296 لما، وهل تدخل على مضارع؟ 299 مذ-منذ-متى-مع. بناء أسماء الزمان "المبهمة". 300 مع-ملحقاتها. 301 الإضافة الواجبة إلى الجمل تحتم البناء. شروط إضافة اسم الزمان للجملة. المفعول معه. 310 حالات الاسم الذي بعد الواو. 314 اختلاف معنى الجملة باختلاف ضبط الاسم بعد الواو. ترتيب المفعولات المجتمعة، المختلفة الأنواع.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش الاستثناء 315 المسألة 81: إيضاح مصطلحاته ومعناه. 316 المستثنى منه، المستثنى، الأداة. 318 الاستثناء الموجب وغيره، التام. النفي الصريح وغير الصريح. الاستفهام الإنكاري، والتوبيخي. 317 المفرغ. 318 المتصل، المنقطع. 319 حكم المستثنى بإلا. 320 بدل لا يحتاج لرابط. 323 معمولات لا يصح فيها التفريغ. 325 إعراب قولهم: "كما لو كان الأمر كذا ... ". 326 نوع آخر من التفريغ. 327 "لما" الاستثنائية. شروط تقديم المستثنى بإلا وما يتصل به. 330 أشياء يصح فيها التقديم وعدمه. 328 ناصب المستثنى. 329 أمثلة مخالفة للقاعدة. 331 هل يكون المستثنى أو المستثنى منه نكرة؟ 332 وقوع المستثنى جملة، أنواع من المنقطع. 334 بعض صور إعرابية دقيقة. 334 يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. 337 بعض عيوب نظرية العامل. 338 الاستثناء "بإلا" المكررة. 341 ملخص أحكام "إلا" المكررة. 343 المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء: "غير-سوى". 345 فوارق بين "غير" وأخواتها. 346 هل تتعرف "غير"؟ وهل تدخل عليها "أل"؟ 347 حكم تابع المستثنى بغير وأخواتها. 348 نوع من الإعراب على التوهم. 349 بيد الاستثنائية. الفوارق بين "غير" و"إلا" 350 وقوع "إلا" اسما لا يفيد استثناء. 353 المسألة 83: أحكام المستثنى الذي أدواته أفعال خالصة، والذي أدواته تصلح أن تكون أفعالا وحروفا. 355 الحرف المصدري لا يدخل على فعل جامد إلا أفعال الاستثناء. 357 تعلق شبه الجملة بالنسبة. 358 متى تصلح تلك الأفعال مع فاعلها لأن تكون جملة تعرب نعتا؟ 362 أنواع: "حاشا" وكيف تكتب؟ 363 حذف المستثنى وأداته. "لما" الاستثنائية. "لا سيما" ونظائرها "لا ترما ولو ترما...."
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش الحال: 363 المسألة 84: تعريفه تذكير لفظه وتأنيثه: 364 عامل الحال وصاحبها، هل يختلف العامل فيهما؟ 365 صاحب الحال مجيء الحال من المبتدأ أو من اسم الناسخ وصحة ذلك. 366 أقسام الحال والكلام على كل قسم، المنتقلة والثابتة. 368 المشتقة والجامدة بنوعيها. الجامدة المؤولة بالمشتق. معنى القلة الذاتية والنسبية، إشارة إلى الموضع المشتمل على بيان: الاطراد والقياس، والغالب و ... 371 العرب تكرر اللفظ بقصد الترتيب، أو: الاستيعاب، قياسية التكرار المفيد للترتيب. 372 وقوع المصدر حالا. 373 الحال الجامدة غير المؤولة. الحال الموطئة، والمقصودة، معنى شبه المشتق. 375 تقسيمها إلى نكرة ومعرفة. الجملة نكرة أو في حكم النكرة. 376 إشارة عابرة إلى كلمة: "وحد"، إعرابها وإضافتها. 378 تقسيمها إلى حال هي نفس صاحبها، وإلى غيره. 378 تقديمها وتأخيرها. ترتيبها مع صاحبها 379 الكلام على "كافة" و"قاطبة" وعدم التزامهما النصب. 380 ترتيبها مع عاملها، وجوب تأخيرها. عودة إلى العامل في الحال وصاحبها وميجئها من المبتدأ، وهل يختلف العامل في الحال وصاحبها؟ 384 وجوب تقديمها. جواز الأمرين. "كيف" بيان الموضع الذي يشتمل على استعمالاتها وإعرابها. 385 تقسيمها إلى متعددة، وغير متعددة. 386 إشارة إلى الحال الحقيقية والسببية. 389 الحال المترادفة - المتوالية - والمتداخلة. 390 تقسيمها إلى مقارنة، ومقدرة "أي: مستقبلة، ومحكية" ... 391 تقسيمها إلى مؤسسة، "مبنية" ومؤكدة. 392 تقسيمها إلى مفردة وغيرها. 393 ومن المفردة ألفاظ مركبة مبنية، مثل: شغر بغر -الكلام على الرابط. 395 الحال شبه الجملة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 393 نوع من الحال المفردة يجب اقترانه بالفاء، أو: ثم، العاطفتين. 394 الحال الجملة، 395 الجملة نكرة أو في حكم النكرة، وأثر ذلك. شروط الجملة. نوع الرابط. "لا" النافية، وهل تخلص المضارع للمستقبل؟ 397 واو اللصوق التي تسبق الجملة النعتية. 400 تقسيمها إلى حقيقية وسببية. 402 المسألة: 85: صاحب الحال أيضا، حكم نعت النكرة إذا تقدم عليها. 404 صاحب الحال المضاف إليه. المسألة 87: 413 أمثلة. 416 المراد اصطلاحا من كلمة: "تمييز" معنى: "من" البيانية. 417 أقسام التمييز. الغالب على تمييز المفرد الجمود. 418 تقسيم تمييز الجملة. الفرق في التمييز بين الفاعل النحوي والمعنوي، وكذا المفعول. 406 مطابقة الحال لصاحبها ... 407 الإشارة إلى "أي". عودة إلى صحة مجيء الحال من المبتدأ و ... و 408 المسألة 86: حكم الحال، وعاملها، وصاحبها، ورابطها، من ناحية الذكر، والحذف. 409 حذف عامل الحال، الدليل المقالي والحالي. 410 إشارة أخرى لحال مفردة تقترن بالفاء، أو ثم، وجوبا. 411 حذف صاحب الحال. حذف الرابط. 412 التوافق والتخالف بين الحال والتمييز. التمييز. 420 المسألة 88: 420 أحكام تمييز المفرد. 422 أحكام تمييز النسبة. 424 تقديم التمييز. إعراب: "يا جارتي ما أنت جارة". 427 ألفاظ تصلح حالا وتمييزا. تمييز الضمير. 428 مطابقة التمييز، وتركها. 429 اتفاق الحال والتمييز واختلافهما.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش حروف الجر. 431 المسألة 89: حروف الجر تسمى: "حروف الإضافة، أو: حروف الصفات، "وقد تسمى: ظروفا"، بيانها، أسباب جر الاسم، رأى في الجر بالتوهم، والمجاورة. 432 الفصل بين الجار ومجروره، الفصل بـ"كان" الزائدة، أو: "لا" النافية. 433 انقسامها إلى ما يجر الظاهر وحده، أو الظاهر والضمير، حروف كل. من آثار حرف الجر حذف ألف "ما" الاستفهامية المجرورة، الإعراب المحلي. 434 انقسامها بحسب الأصالة والزيادة، وشبهها، وتعريف كل. 434 إشارة إلى الموضع الذي يشتمل على الكلام على اللفظ الزائد حرفا، وغير حرف. عمل حرف الجر، وفائدته، العامل، وأنواعه. حذف العامل جوازا ووجوبا. 436 تعلق الجار الأصلي مع مجروره بالعامل، وسببه. استغناء الحرف "على" أحيانا عن التعلق. 436 لا بد من تغيير حروف الجر، وتنويعها على حسب المعاني "السياق". 439 نوع العامل "أي: المتعلق به" هل يتعلقان بأحرف المعاني؟ 441 تعلق شب الجملة بالإسناد، "أي: بالنسبة، وتسمى: العامل المعنوي". 444 عدم تعلق حرفين للجر مع مجرورهما بعامل واحد إذا كان معناهما واحدا. 445 ما المراد من شبه الجملة؟ 446 تفصيل الكلم على شبه الجملة التام، وغير التام، وعلى التعلق بالعامل ... تلخيص ما تفرق من أحكم شبه الجملة، وأنه هو الخبر، و........و........... الفرق بين نوعي الظرف من جهة المتعلق الواجب حذفه. حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات. شبه الجملة المستقر واللغو. 449 سبب التسمية بشبه الجملة. شبه الوصف. بيان الحروف الأصلية وغيرها النحو الوافي - ثان
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة" والتفصيل والهامش. 450 حرف الجر الزائد. فائدة حرف الجر الزائد. إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي الكلام على اللفظ الزائد مطلقا. 451 إعراب المجرور بحرف الجر الزائد. 452 حرف الجر الشبيه بالزائد. 453 طريقة إعراب حرف الجر الشبيه بالزائد. 454 أوجه المشابهة والمخالفة بين أنواع حروف الجر. 455 المسألة 90: معاني حروف الجر، وعملها، تفاوتها في الشيوع. 456 معنى القلة الذاتية والنسبية أيضا. كي: واستعمالاتها. 457 لعل. 458 متى. حروف الجر الشائعة: من: حكمها، معانيها. 461 زيادتها في الإثبات. 466 أسلوب مسموع "مما ... " ضبط نون "من" بعض أساليب مسموعة. 468 إلى: حكمها ومعانيها. 472 اللام، أصالتها وزيادتها، من أيهما لام الاستغاثة معاني اللام. 475 لام التقوية، حكمها، بعض مواضعها. 476 مناقشة كلام النحاة في التقوية. لام الإضافة، أو اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله. 477 إشارة إلى كل حروف القسم. 478 لام التبيين، والمراد منه. 479 إشارة إلي: سقيا لك، ورعيا لك، وتبا للخائن. 481 حركة لام الجر. 482 حتى: الفروق بين "حتى" و"إلى" 484 و485 قد تكون "حتى" للاستثناء، وأمثلة لذلك. 489 الواو، والتاء. 490 الإشارة إلى واو: "رب" ... أحرف القسم، حكمها، ومعانيها. الباء. الفرق بين باء السبب وباء الاستعانة. 494 اتصال "ما" الزائدة بالباء. 495 مواضع زيادتها، وهل تقاس؟ 498 جملة القسم، وجملة جوابه، القسم الاستعطافي وغيره. 499 وشروط الجواب، ومحل جملة القسم. 502 وقوع القسم بين أداتي نفي.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش، 502 تكرار أدة القسم. حذف جملة القسم. حذف أداة القسم وحدها، أو مع المقسم به. 503 اللام الداخلة على أداة الشرط. إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للمتقدم غالبا. 504 حذف جواب القسم. قد يكون لجملة القسم محل من الإعراب. 505 نوع جواب القسم: "جملة أو شبهها". ألفاظ أخرى للقسم، ومنها: لا جرم، وجير. 507 في: معناها، وحكمها. 509 على: معناها، وحكمها. 512 استغناؤها عن التعليق أحيانا. 513 عن: معناها وحكمها. 515 اتصال "ما" الزائدة بها. الكاف: معناها، وحكمها. 518 اتصال "ما" الزائدة بها. مذ ومنذ. 522 رب: معناها، وحكمها. 523 الضمير المجهول. 525 اتصالها "بما" الزائدة. 527 ضبطها، واصتالها بتاء التأنيث. 528 حذف: "رب"، بعد الواو والفاء، وبل. لا يتحتم أن تعرب هذه الواو نائبة عنها. 530 كيفية إعراب الاسم المجرور بها، وتوابعه. 531 دخول "رب" على الجمل وأثر ذلك عليه، قد تحل "مما" محل "ربما". 532 المسألة 91: حذف حرف الجر وإبقاء عمله. إشارة إلى: "نزع الخافض" 536 حذف الجار والمجرور معا. 537 المسألة 92: نيابة حروف الجر بعضها عن بعض. 544 بحث في: مذ ومنذ. 546 بحث في: التضمين. 594 رأي في البحث السالف. 596 باب في: اللغة المأخوذة قياسا لابن جني. 599 إشارة موجزة إلى تكملة مادة لغوية ناقصة وإلى اطراد القياس، وإلى الاشتقاق من الجامد.
المجلد الثالث
المجلد الثالث الإضافة ... المسألة 93: الإضافة 1 تقسيمها: تنقسم قسمين؛ محضة، "وتسمى: معنوية أو حقيقية"، وغير محضة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على هذه النسبة الجزئية أو: الفرعية، المعنى الأساسي للجملة، ولا يختل بحذفها؛ فمن الممكن -غالبًا- الاستغناء عنها عن الزيادة اللفظية التي جلبتها. وكذلك لو قلنا: أقبل الضيف مبتسمًا، أو فرحت بالضيف يومًا ... أو غير هذا من الزيادات اللفظية الفرعية التي منها: الحال، والتمييز، والمفعولات، والتوابع، وغيرها من سائر "المكملات" التي تزداد على طرفي الجملة الأصلية؛ فتكسبها معنى جزئيًا جديدًا، قد يمكن الاستغناء عنه. والنحاة يسمون هذه النسبة الجزئية، أو الفرعية: "القيد"، أو: "النسبة التقييدية" يريدون بها: "النسبة التي جاءت لإفادة التقييد"، أي: لإفادة نوع من الحصر، والتحديد، ذلك أن اللفظ قبل مجيئها كان عامًّا مطلقًا يحتمل أنواعًا وأفرادًا كثيرة؛ فجاءت التكملة "أي: القيد" فمنعت التعميم والإطلاق الشاملين، وجعلت المراد محددًا محصورًا في مجال أضيق من الأول، ولم تترك المجال يتسع لكثرة الاحتمالات الذهنية التي كانت تتوارد من قبل. ج- من أمثلة التكملات كلمة: "الغرفة" في نحو: "أضاء مصباح الغرفة" فلو لم نذكر هذه الكلمة لكانت الجملة في حاجة إلى زيادة لفظية تتبعها زيادة معنوية جزئية، تزيل التعميم والإطلاق عن المراد من كلمة: "مصباح"؛ إذ لا ندري: أهو مصباح للغرفة، أم للطريق، أم للمصنع، أم للنادي ... ؟ فلما جاء القيد -وهو كلمة: "الغرفة"- أزال تلك الاحتمالات، وقصر الفهم على واحد منها، فأفاد التقييد، بأن جعل العام المطلق محدودًا محصورًا. ومثل هذا: قرأت أدب العرب- تمتعت بأدب العرب ... و ... فقد تبع الزيادة اللفظية الجزئية زيادة معنوية جزئية. ومما يلاحظ أن التكملة "أي: القيد" مجرورة في أمثلة هذا القسم: "ج" لا تفارق الجر مطلقًا. أما في غيرها فقد تكون التكملة مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، أو مجزومة ... على حسب حاجة الجملة. وتسمى التكملة الجزئية التي تلازم الجر دائمًا: "المضاف إليه" ويسمى اللفظ الذي قبلها، والذي جاءت لتقييده، وتحديد مدلوله: "المضاف" ويطلق عليهما معًا: "المتضايفان" و"الإضافة" هي الصلة المعنوية الجزئية التي بين المتضايقين، "وهما: المضاف، والمضاف إليه": ويقول النحاة في تعريفها: "إنها نسبة تقييدية بين اسمين، تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورًا دائمًا". نعم، قد يكون المضاف إليه جملة -كما سيجيء البيان في ص 28، وله إشارة في ص 78 و83 و84، ولكن الجملة في هذه الحالة بمنزلة المفرد، أي: الاسم الواحد؛ فمحلها الجر، أما المضاف فلا بد أن يكون في جميع حالاته اسما يعرب على حسب الحاجة، ولا يصح أن يكون فعلًا، أو حرفًا، أو جملة "انظر ص7 ج". مما تقدم نعلم؛ أن التكملة تسمى: "القيد"، أو: التنبية "التقييدية" وليست مقصورة على الإضافة، بل تشمل جميع المكملات. وأن التكملة في الإضافة تسمى: "المضاف إليه" ولا بد أن يسبقه: "المضاف"، وكلاهما لا بد أن يكون اسمًا واحدًا، وقد يكون المضاف إليه" جملة بمنزلة =
"وتسمى: لفظية، أو مجازية1 -ولها ملحقات2-". فالأولى: ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويًّا؛ وليست على نية الانفصال3؛ لأصالتها، ولأن المضاف -في الغالب- خال من ضمير مستتر يفصل بينهما. والأكثر أن يكون المضاف في الإضافة المحضة واحدًا مما يأتي: 1- اسم من الأسماء الجامدة الباقية على جمودها4، كالمصادر5، وأسماء
المصادر1، وكثير من الظروف، والجوامد الأخرى، نحو: لا يَتِم حسن الكلام إلا بحسن العمل -لو استعان الناس كعون النمل ما وجد بينهم شقي، ولا محروم- عند الشدائد تعرف الإخوان. لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه- ومن الأمثلة للجوامد المضافة، الباقية على جمودها، الكلمات: أرض، بعض، جسم، فؤاد، في قول الشاعر: أيها الراكب الميمم2 أرضي ... اقر3 من بعضيَ السلام لبعضي إن جسمي -كما علمت- بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض ب- المشتقات الشبيهة بالجوامد؛ "وهي المشتقات التي لا تعمل مطلقًا4، ولا تدل على زمن معين" كصيغ أسماء الزمان، والمكان، والآلة، مثل الكلمات: مسكن، مزرعة، محراث، منجل، مذارة، مَغْرب ... في نحو: "الفلاح كالنحلة الدءوب النافعة؛ يغادر مسكنه قبل الشروق، قاصدًا مزرعته؛ يعمل فيها ويكد؛ فلا تراه إلا قابضًا على محراثه، أو منحنيًا على فأسه، أو حاصدًا بمنجله، أو مذريًا بمذراته، أو متعهدًا زروعه. و ... ويظل على هذا الحال حتى المغرب؛ فيرجع من حيث أتى، دون أن يعرج على ملعب، أو ملهى، أو مقهى يسهر فيه، ثم يقضي الليل هادئًا نائمًا حتى يوافيه الصباح الجديد". ويدخل في هذا النوع: المشتقات التي صارت أعلامًا؛ وفقدت خواص الاشتقاق، وبسبب استعمالها الجديد في التسمية5؛ مثل الأعلام: محمود، حامد، حسن ...
ج- المشتقات التي لا دليل معها على نوع الزمن الذي تحقق فيه معناها1؛ نحو: قائد الطيارة مأمون القيادة؛ فإن كلمة: "قائد" اسم فاعل مضاف، وليس في الجملة دليل على نوع زمن القيادة؛ أهو الماضي، أم الحال، أم الاستقبال؟ وكذلك كلمة "مأمون" التي هي اسم مفعول.. "وتسمى هذه المشتقات الخالية من الدلالة الزمنية: بـ"المشتقات المطلقة الزمن2". د- المشتقات الدالة على زمن ماضٍ3 فقط؛ نحو: عابر الصحراء أمس كان مملوء النفس أمنًا واطمئنانًا. هـ- أفعل التفضيل -على الرأي المشهور4- وهو من المشتقات التي لها بعض5 عمل- مثل: أعجبت بشوقي، أشهر الشعراء في عصره، وقولهم: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا. و إضافة الوصف إلى الظرف مع وجود القرينة الدالة على المضي أو على الدوام؛ مثل: أزال ساطعُ الصباح البهيج حالكَ الليل البهيم، وكقوله تعالى عن نفسه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
والثانية: ما يغلب أن يكون فيها المضاف وصفًا1، عاملًا، دالًا على الحال، أو الاستقبال، أو الدوام. "ويسمى هذا الوصف: بـ"المشبه للفعل المضارع في العمل والدلالة الزمنية"، وينحصر في اسم الفاعل، واسم المفعول، بشرط أن يكونا عاملين، دالين على الحال، أو الاستقبال. وفي الصفة المشبهة في الرأي الراجح بين آراء أخرى قوية2 ولا تكون إلا للدوام غالبًا؛ نحو: "استجب لطالب الحق اليوم"، قبل أن ينتزعه بعامل القوة غدًا"- "إذا شاهدت غلامًا مشرد النظرات، موزع الفكر، مسلوب الهدوء، فاعلم أنه بائس يستحق العطف، أو جان يستحق الزراية" –"عظيم القوم من يهوى عظيمات الأمور". ويلحق بالإضافة غير المحضة بعض إضافات أخرى سيجيء الكلام عنها في موضعه المناسب3 عند تناول ما سبق من بالإيضاح. ولا بد في جميع حالات الإضافة المحضة وغير المحضة من أن يكون المضاف اسمًا4 وكذا المضاف إليه. وقد يقع المضاف إليه -أحيانًا- جملة؛ فيكون في حكم المفرد -كما سنعرف-5. الأحكام المترتبة على الإضافة 6: يترتب على الإضافة بنوعيها أحكام؛ فبعضها واجب، وبعضها جائز. وأشهر الأحكام الواجبة أحد عشر7:
الأول: أن يكون "المضاف إليه" مجرورًا دائمًا1، ولا فرق بين أن يكون مجروًا في اللفظ؛ "نحو قول الشاعر: على قدر أهل العزم تأتى العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم ونحو: من وثق بأعوان السوء لقي منهم شر المصائب ... " ومجرور المحل2؛ نحو: من التمس تقويم ما لا يستقيم كان عابثًا، وإخفاقه محققًا. ونحو: نعم العربي؛ يسرع للنجدة حين يدعوه الداعي.. و.. فكلمة: "ما" مضاف إليه مبنية على السكون في محل جر. والضمير "الهاء" -في إخفاقه- مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. والجملة المضارعية: "يدعو" مضاف إليه في محل جر. وإذا كان المضاف إليه هو: "ياء المتكلم"3 فإنه يستوجب أحكامًا أخرى غير الكسر، ستجيء في باب خاص به4. أما المضاف فلا بد أن يكون اسمًا -كما سبق- ويعرب على حسب حالة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو غير ذلك ... والكثير أن يكون معربًا، ومنه ما يكون مبنيًا، ولا يمنعه البناء من أن يكون مضافًا؛ مثل: حين، حيث، إذ، إذا، لدن ... و ... 5 وغيرها مما سيمر بعضه في هذا الباب ... والمضاف هو عامل الجر في المضاف إليه6- تبعًا للرأي المشهور.
الثاني: وجوب حذف نون المثني، ونون جمع المذكر السالم، وملحقاتهما -إن وقع أحدهما مضافًا مختومًا بتلك النون. فمثال حذفها من آخر المثنى المضاف قول الشاعر: العين تعرف من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها ومثال حذفها من آخر الملحق بالمثنى1 قول الشاعر: بدت الحقيقة غير خافٍ أمرها ... واثنا2 عليٍّ يشهدان بما بدا ومثال حذفها من جمع المذكر: الجنود حارسو الوطن، باذلو أرواحهم
في حمايته. ومثال حذفها من الملحق1 به قولهم: أحب الناس للمرء أهلوه؛ فلا يقض سني حياته في معاداتهم، أو مقاطعتهم. وقول بعضهم يصف شهرًا من شهور الصيف: لقد اشتدت وقدته، وتأجج سعيره، وأحرقتنا ثلاثوه، وكان الأصل2 قبل الإضافة: عينين، اثنان، حارسون، باذلون، أهلون، سنين، ثلاثون. فإن كانت النون الأخيرة ليست للتثنية ولا لجمع المذكر السالم، ولا لملحقاتها لم يجز حذفها من المضاف؛ كالنون التي في آخر المفرد، مثل: سلطان، حنان، وكالتي في آخر جمع التكسير، مثل: بساتين، رياحين؛ تقول: سلطان الضمير أقوى من سلطان القانون، حنان الآباء والأمهات لا يسمو إليه حنان أحد، كان العرب القدامى مفتونين ببساتين الشام ورياحينها، يكثرون القول في وصفها، والتغني بمباهجها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- هناك حالة يجوز فيها حذف النون وعدم حذفها من آخر المثني وجمع المذكر السالم، مع عدم إضافة كل منهما. وتحقق هذه الحالة في الإضافة غير المحضة حين يكون المضاف وصفًا عاملًا بعده معموله. والغالب1 في هذا الوصف أن يكون صلة "أل"؛ نحو: اشتهر المتقنان العمل، اشتهر المتقنون العمل ... فعند إثبات النون في الوصف -كما في المثال- يتحتم إعراب كلمة: "العمل" مفعولًا به للوصف. وعند حذفها، مثل اشتهر المتقنا العمل، اشتهر المتقنو العمل يجوز في كلمة: "العمل" أمران: أحدهما: الجر على اعتبارها مضافًا إليه، والوصف قبلها هو المضاف، حذفت من آخره نون التثنية، أو الجمع؛ بسبب إضافته. والثاني: النصب على اعتبارها مفعولًا به للوصف، حذفت النون من آخره للتخفيف، لا للإضافة؛ إذ الوصف في هذه الصورة ليس مضافًا، وإنما حذفت من آخره "النون" -بالرغم من عدم إضافته-؛ متابعة لبعض القبائل التي تجيز حذفها من آخر المثني، وجمع المذكر السالم، بشرط أن يكون كل منهما وصفًا عاملًا يغلب1 أن يكون صلة "أل" وبعده مفعوله غير مجرور؛ كما شرحنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن من الخير إهمال هذه الصورة اليوم، وعدم محاكاتها –وإن كانت محاكاتها جائزة، لما قد تحدثه من لبس وإبهام ينافيان الغرض الصحيح من اللغة، وما يجب أن توصف به. وإنما عرضناها، كما نعرض نظائر لها في بعض الأحيان، للسبب الذي نردده كثيرًا، وهو: الاستعانة بها على فهم الوارد منها. في النصوص القديمة، دون الموافقة على محاكاتها.
الثالث: وجوب حذف التنوين إن وجد في آخر المضاف قبل إضافته؛ كقولهم: بناء الظلم إلى خراب عاجل، وكل بنيان عدل فغير منهدم. فقد حذف التنوين من الكلمات المعربة: "بناء، كل، بنيان، غير ... "، وبسبب الإضافة. ولو زالت الإضافة لعاد التنوين. الرابع: وجوب حذف "أل" من صدر المضاف، بشرط أن تكون زائدة1 في أوله للتعريف، أو لغيره، وأن تكون الإضافة محضة، نحو: بلادنا تاج الفخار للشرق، وهي درة عقده. والأصل: البلاد، التاج، الدرة، العقد. فحذفت "أل" من أول كل مضاف. فإن كانت "أل" غير زائدة؛ "نحو: ألف، وألباب"2 لم تحذف. أما إن كانت الإضافة غير محضة، فيجب حذف "أل" أيضًا إلا في الحالات الأربع التالية3: أ- أن توجد في المتضايفين معًا "أي: في المضاف والمضاف إليه، معًا"؛ نحو: الوالدان هما الرحيما القلب، العلماء هم المؤسسو الحضارة. ب- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه، ويكون المضاف إليه مضافًا إلى اسم مبدوء بها؛ نحو: أعاون المؤسسي نهضة البلاد، وأعتقد أنهم الرائدو خير الوطن. ج- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه ويكون المضاف إليه مضافًا
إلى ضمير يعود على لفظ مشتمل عليها، نحو: المجد أنتم المدركو قيمته، والفضل أنتم الباذلو غايته. د- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف مثني أو جمع مذكر سالمًا؛ نحو: أنتما الصانعا معروف، أنتم الصانعو معروف. ومنه قول الشاعر: وما لكلام الناس فيما يريبني ... أصول، ولا للقائليه أصول وفي غير هذه الحالات الأربع الخاصة بالإضافة غير المحضة يجب حذف "أل" كما قلنا. ففي كلمات مثل: العزيز، الشاهد، السارق، الأفضل ... و ... وأشباهها نقول فيها عند إضافتها: عزيز قومه مطاع فيهم، شاهد زور أكبر ضررًا من سارق مال. أفضل مواهب المرء عقله ... و ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- الكوفيون يجيزون في الإضافة المحضة دخول "أل" على المضاف، بشرط أن يكون اسم عدد، وأن يكون المضاف إليه هو المعدود، وفي أوله "أل" أيضًا؛ فلا بد من وجودها فيهما معًا، نحو: قرأت الثلاثة كتب في السبعة الأيام. وحجتهم في هذه الإجازة السماع عن العرب، وورود عدة أمثلة صحيحة تكفي عندهم للقياس عليها. والبصريون لا يجيزون هذا، مستندين في المنع إلى أن العدد مع المعدود هو ضرب من المقادير، والمقادير لا يجوز فيها ما سبق؛ فكما لا يصح أن يقال: اشتريت الرطل الفضة، -بالإضافة- لا يصح كذلك أن يقال: الثلاثة الكتب -بالإضافة- حملًا للنظير على نظيره، وقياسًا للشيء على ما هو من بابه. فَعِلَّة المنع عندهم: "التنظير". والحق أن حجة الكوفيين هي الأقوى؛ لاعتمادها على السماع الثابت، وهو الأصل والأساس الذي له الأولوية والتفضيل؛ فلا مانع من الأخذ له لمن شاء غير أن المذهب البصري أكثر شهرة، وأوسع شيوعًا؛ فمن الخير الاكتفاء بمحاكاته؛ لتماثل أساليب البيان اللغوي، وتتوحد، حيث يحسن التماثل والتوحد1. ب- في مثل: "جاء المكرمك". من كل وصف عامل مبدوء: بـ"أل" ومفعوله ضمير بعده2- يعرب هذا الضمير "وهو هنا: الكاف"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعولًا به في محل نصب، ولا تصح الإضافة؛ لوجود "أل" في صدر المضاف؛ إذ هذه الصورة ليست من الصور السالفة1 التي تباح فيها الإضافة مع وجود: "أل" في المضاف. ويتعين في الضمير "الكاف" الجر المحلى بالإضافة إن كان الوصف مجردًا من: "أل" في مثل: "جاء" مكرمك"، لفقد التنوين؛ إذ لم نقل: جاء مكرم إياك. أما إن كان مفعول الوصف ظاهرًا بعده فإن آثار الإضافة ستظهر عليه جلية؛ وتتبين بجره، مع حذف التنوين من الوصف المضاف، وإلا فلا إضافة فينصب المفعول به بعد الوصف ... ومثل الضمير "الكاف" في وجوب النصب: الضمير "الهاء" في: "أوضعه" من قولهم المأثور: "لا عهد لي بألأم قفًا منه، ولا أوضعه". بفتح العين -كما وردت سماعًا- فـ"الهاء" هنا مثل "الكاف" في المثال السابق. إلا أن "الكاف" مفعول به، و"الهاء" مشبه بالمفعول به هنا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب مفعولًا به. وليست كلمة "أوضع" مضافة، و"الهاء" مضافة إليها؛ لأنها لو كانت مضافة لوجب جرها بالكسرة لا بالفتحة التي سمعت بها. على أنه لا مانع من جرها في استعمالنا الآن على الإضافة2. وفي مثل: "مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره"، يجوز جر: "أحمر" بالفتحة؛ على اعتباره معطوفًا على كلمة "أبيض"، و"الهاء" بعده في محل نصب؛ على "التشبيه بالمفعول به" للصفة المشبهة: "وهي أحمر" ويجوز جر: "أحمر" بالكسرة: على اعتباره معطوفًا على أبيض أيضًا، مضافًا، و"الهاء" مضاف إليه، مبنية على الضم في محل جر3.
الخامس: وجوب اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلي1، مناسب، اشتمالًا أساسه التخيل والافتراض، لا الحقيقية والواقع؛ فيلاحظ وجوده، مع أنه غير موجود إلا في التخيل، أو: في النية2 -كما يقولون-. والغرض من هذا التخيل: الاستعانة بحرف الجر على توصيل معنى ما قبله إلى ما بعده؛ كالشأن في حرف الجر الأصلي3، وأيضًا الاستعانة على كشف الصلة المعنوية بين المتضايفين، "وهما: المضاف والمضاف إليه"، وإبانة ما بينهما من ارتباط محكم، وملابسة "أي: مناسبة" قوية لا تتكشف ولا تبين إلا من معنى حرف الجر المشار إليه4. بشرط أن يكون هذا الحرف خفيًّا متخيّلا، مكانه بين المضاف والمضاف إليه، وأن يكون أحد ثلاثة أحرف أصلية؛ هي: "من"، "في"، "اللام"5.
وإنما انحصر الاختيار في هذه الثلاثة؛ لأنها -دون غيرها- أقدر على تحقيق الغاية المعنوية؛ فالحرف: "من" يدل على أن المضاف بعض المضاف إليه.." والحرف: "في" يدل على أن المضاف إليه يحوي المضاف كما يحوي الظرف المظروف ... والحرف: "اللام" يدل على ملكية المضاف إليه للمضاف، أو اختصاصه به بنوع من الاختصاص ... فمثال: "من" قول أعرابية لابنها الخارج إلى القتال، وقد رأته متزينًا: حرام على من يروم انتصارا ... ثياب الحرير، وحلي الذهب أي: ثياب من الحرير، وحلي من الذهب. ومثال "في" قول الشاعر: ولقد ظفرت بما أردت من الغنى ... بكفاح صبح، واجتهاد مساء أي: بكفاح في صبح، واجتهاد في مساء. ومثال "اللام" قول الشاعر في وصف الصحف: لسان البلاد، ونبض العباد ... وكهف الحقوق، وحرب الجنف1 أي: للبلاد، للعباد، للحقوق، للجنف. ومن الواجب التنبه لما قلناه من أن الحرف الجار -في الأمثلة السالفة وأشباهها- لا وجود له في الحقيقة الواقعة، ولا في التقدير الذي يقوم مقامها، وإنما وجوده مقصور على التخيل، ومجرد النية. ولهذا لم يعمل الجر في المضاف إليه -في الرأي المشهور- ولم يحتاجا معًا إلى عامل يتعلقان به؛ إذ التعلق لا يكون إلا للجار والمجرور الحقيقيين الأصليين. وبالرغم من أن هذا الحرف خيالي محض فإن التصريح به جائز في أكثر الإضافات المحضة2 ... ولكن أيصلح كل حرف من تلك الأحرف الثلاثة لكل إضافة محضة؛ بحيث يصح أن يحل هذا الحرف محل ذاك، والعكس، بغير ضابط ولا اشتراط شيء، أم أن الأمر في الاختيار مقيد بشرط خاص، وخاضع لضابط معين؟. وبعبارة أخرى: أيباح استعمال كل واحد من الأحرف الثلاثة في كل إضافة
محضة، أم أن لكل إضافة محضة حرفًا واحدًا يناسبها، ولا يصلح لها سواه؟. نعم لكل واحدة منها حرف يناسبها، ولا يجوز اختيار غيره، وإلا فسد المعنى المراد، ولهذا قالوا: إذا صلح لواحدة أكثر من حرف جر وجب أن يختلف المعنى باختلاف الأحرف الجارة الصالحة؛ لأن لكل حرف من الثلاثة معنى خاصًّا به، لا يؤديه غيره، فلا يمكن أن تتفق المعاني في إضافة واحدة مع اختلاف هذه الأحرف. وفيما يلي بيان الضابط الذي يراعى عند اختيار أحد الأحرف الثلاثة: "وقد جرى الاصطلاح النحوي عند اختيار حرف منها أن يذكر اسم الحرف؛ فيقال: الإضافة على معنى "من"1، أو: الإضافة على معنى: "في"، أو الإضافة على معنى: "اللام". 1- تكون الإضافة على معنى: "من"، إن كان المضاف إليه جنسًا عامًا يشمل المضاف، ويصح إطلاق اسمه على المضاف، وإن شئت فقل: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه2، من غير فساد للمعنى، مثل: ثياب حرير، حلي ذهب ... فالحرير: مضاف إليه، وهو جنس عام، يشمل أشياء كثيرة؛ منها الثياب، وغيرها. والذهب جنس عام يشمل أشياء متعددة، منها الحلي وغيره، فالمضاف في الحالتين -ونظائرهما- بعض مما يشمله المضاف إليه، ولو سمي باسم المضاف إليه لكانت التسمية صحيحة، ولو وقع المضاف مبتدأ خبره المضاف إليه ما فسد المعنى، فيصح؛ الثياب حرير، الحلي ذهب..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الإضافة التي على معنى: "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: اشتريت أربعة كتب. ويدخل في هذا النوع إضافة العدد إلى عدد آخر؛ نحو: عندي من الكتب ثلاثمائة1. ومنها: إضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: بعت فدان قطن. وإذا كانت الإضافة على معنى "مِن" جاز في المضاف إليه أوجه إعرابية أخرى، فيجوز أن يعرب بدلًا، أو عطف بيان، وتزول بوجودهما الإضافة وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذي كان مضافًا في الأصل. كما يجوز أيضًا -إن كان نكرة- نصبه على الحال أو التمييز بعد الاستغناء عن الإضافة؛ ففي مثل: هذه ساعة فضة، يصح إعراب: "فضة" مضافًا إليه مجرورًا، والمضاف هو كلمة: "ساعة" خبر مرفوع، مجرد من التنوين. ويصح في كلمة: "فضة" إعرابها بدلًا، أو عطف بيان، فتكون مرفوعة، تبعًا لكلمة "ساعة" المرفوعة، والتي يجب أن يرجع إليها التنوين في هذه الصورة بعد زوال الإضافة. ويصح أيضًا إعراب كلمة "فضة" حالًا أو تمييزًا؛ فيجب نصبها كما يجب تنوين كلمة: "ساعة" في هذه الصورة أيضًا، بعد زوال الإضافة. ولكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى يختلف عن الآخر؛ لأن المعنى الذي يؤديه البدل أو عطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أو التمييز، وكذا ما يؤديه هذان.
ب- تكون الإضافة على معنى: "في" إن كان المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعًا فيه المضاف1: نحو: يحرص كثير من الناس على رحلة الشتاء إلى المشاتي، ورحلة الصيف إلى السواحل البحرية. أى: رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف. ونحو: قول شوقي في وصف الظبي: "عروس البيد، الفاتن كالغيد ... إذا شرع في السماء روقيه2، خلته دمية محراب، أو شجيرة عليها تراب". يريد: عروس في البيد، دمية في محراب ... ج- تكون الإضافة على معنى "اللام" إن كان معناها هو الذي يحقق القصد، دون معنى: "من" أو "في"؛ كالإضافة التي يراد منها بيان الملك، أو الاختصاص، في مثل: يضع العربي يده في يد أخيه، ويعاهده على النصر والتأييد والفداء. أي: يد له في يد لأخيه. وقول شوقي يخاطب أبا الهول3: أبا الهول، أنت نديم الزمان ... نجي الأوان4، سمير العصر5 أي: نديم للزمان -نجي للأوان- سمير للعصر، فالإضافة في هذه الصورة وأشباهها على معنى: "اللام" ولا تصلح أن تكون على معنى "من" أو: "في". والغالب في اللام الملحوظة أن تكون لبيان الملك أو الاختصاص6. فإن صلح في مكانها ملاحظة حرف آخر وجب أن يقوم المعنى على ملاحظة الحرف الذي يحقق القصد؛ لأن لكل حرف -كما أشرنا7- معنى يؤديه؛ فالحرف الذي يؤدي المعنى الذي يريده المتكلم يكون هو الحرف المطلوب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قد تكون الإضافة على معنى: "اللام" ولكن لا يصح التصريح1 بهذا الحرف، مثل: يوم السبت، يوم الأحد، ... و ... ومثل: علم الحساب، علم الهندسة، ... و ... وفي هذه الحالة يكتفي من اللام بتحقيق الغرض من مجيئها؛ وهو: إفادة الاختصاص. وهناك صور أخرى لا يصح التصريح فيها باللام إلا إذا تغير لفظ المضاف، وحل محله لفظ آخر يرادفه أو يقاربه؛ ومن هذه الصور: ذو مال، عند علي، -مع الوالد- كل رجل.. فتصير بعد التغيير الذي لا يفسد المعنى: صاحب مال، مكان علي، مصاحب الوالد، أفراد الرجل. 2- الأصل أن تكون النسبة الإضافية قوية، أي: أن تكون الصلة المعنوية بين المضاف والمضاف إليه وثيقة، والربط بينهما محكمًا بحيث يظهر ويتحقق جليًّا معنى الحرف: "من" أو: "في" أو: "اللام" على حسب القصد. وهذه الإضافة تسمى: "الإضافة قوية الملابسة" "أي: قوية المناسبة". وقد تقوم دواعٍ بلاغية تقتضي أن تكون الصلة بين المضاف والمضاف إليه ضعيفة، لكنها واضحة مفهومة، ويعبرون عنها بأنها "الإضافة لأدنى ملابسة"2، ومن أمثلتها: "قمر القاهرة ساحر، شمس حلوان3 رائعة". فقد أضيف القمر إلى القاهرة، ونسب إليها، إضافة على معنى "اللام" فأين ما تفيده الإضافة التي على معنى "اللام" من الملك أو الاختصاص؟ ... إن صلة القمر بمدينة القاهرة ضعيفة لا تستحق تلك الإضافة، ولا هذه النسبة؛ إذ يشاركها فيها آلاف من البلاد الأخرى؛ فلا داعي لاستئثارها بالقمر. غير أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هناك داعيًا بلاغيًّا اقتضى هذه النسبة وتخصيص القمر بالقاهرة؛ هو: إفادة أنه يمنحها ما لا يمنح سواها، ويضفي عليها جمالًا قلَّ أن تفوز به مدينة أخرى، فكأنه خاص بها، مقصور عليها. ومثل هذا يقال في المثال الثاني وأشباهه1.
السادس: استفاد المضاف من المضاف إليه تعريفًا أو تخصيصًا؛ بشرط أن تكون الإضافة محضة؛ فيستفيد الأول من الثاني، ويبقى الثاني على حالة1 لم يفقد شيئًا بسبب الاستفادة منه. وإيضاح هذا: أنه -في الإضافة المحضة- إذا كان المضاف نكرة: وأضيف إلى معرفة -فإنه يكتسب منها التعريف مع بقائها معرفة؛ كقولهم: كلام المرء عنوان لعقله، وعقله ثمرة لتجاربه. فالكلمات: "كلام، عقل، تجارب" هي في أصلها نكرات، لا تدل كلمة منها على معين، ثم صارت معرفة بعد إضافتها إلى المعرفة، واكتسبت منها التعيين الذي يزيل عن كل واحدة منها إبهامها وشيوعها. ومثل كلمة: "يد" المضافة للمعرفة في قول الشاعر: الغنى في يد اللئيم قبيح ... قدر قبح الكريم في الإملاقِ فإن كان المضاف معرفة باقية على التعريف لم يصح -في الأغلب- إضافته إلى المعرفة2؛ لأنه لا يستفيد منها شيئًا، ولهذا السبب لا يصح أيضًا إضافة المعرفة الباقية على تعريفها إلى النكرة. أما إذا كان المضاف نكرة وأضيف إلى نكرة فإنه يكتسب منها -مع بقائها على حالها- "تخصيصًا" يجعله من ناحية التعيين والتحديد في درجة بين المعرفة والنكرة؛ فلا يرقى في تعيين مدلوله إلى درجة المعرفة الخالصة الخالية من الإبهام والشيوع، ولا ينزل في الإبهام والشيوع إلى درجة النكرة المحضة الخالية من كل تعيين وتحديد. ومن أمثلته قولهم: "فلان رجل مروءة، وكعبة أمل، وغاية فضل" ... فالكلمات: "رجل، كعبة، غاية" ... نكرات محضة قبل إضافتها، فلما أضيفت إلى النكرة قلت أفراد كل مضاف بعد الإضافة؛
فكلمة: "رجل" تدل على أفراد لا حصر لها؛ منها رجل مروءة، رجل علم، رجل حرب ... إلى غير هذا من رجال لا عدد لهم، فإذا قلنا: "رجل مروءة" انحصر الأمر في نوع معين من أفراد الرجل، ولم يبق مجال لدخول أفراد أخرى؛ كرجل علم، أو حرب، أو زراعة، أو ... وكذا كلمة: "كعبة" و "غاية" وأشباهها؛ فكل كلمة من هذه الكلمات قد اكتسبت نوعًا من "التخصيص" أفادها بعض التجديد الذي خفف من درجة إبهامها وشيوعها، وإن كانت لم تستفد التعريف الكامل، ولم تبلغ في التعيين درجة المعرفة الأصلية ... واستفادة المضاف من المضاف إليه التعريف1 أو التخصيص على الوجه المشروح هي الأثر المعنوي الثاني الذي ينضم إلى الأثر المعنوي الناشئ من الحكم الخامس2، فيحدث من انضمامها معًا إدراك السبب الحقيقي في تسمية هذا النوع من الإضافة المحضة: "بالإضافة المعنوية" كما أشرنا من قبل3. وهناك ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير في الأغلب؛ لا تفيدها الإضافة المحضة تعريفًا، ولا تخصيصًا في أكثر الاستعمالات؛ ولذا تسمى: "بالألفاظ المتوغلة4 في الإبهام"؛ ومنها: غير، حسب، مثل،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فعوملت معاملتها، ووصف بها المعرفة. ومن هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها الألف واللام، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخل ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام. ولك أن تمنع الاستدلال وتقول: الإضافة هنا ليست للتعريف، بل للتخصيص. والألف واللام لا تفيد تخصيصًا فلا تعاقب إضافة للتخصيص ولا تدخله الألف واللام ... ". ا. هـ. وجاء في الصبان -عند الكلام على ما يسيمه بعض النجاة: "الإضافة شبه المحضة" وما كان منها شديد الإبهام لا يقبل التعريف، كغير، ومثل، وشبه ... - ما نصه وقد نقله عن غيره: "ينبغي أن هذه الكلمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فيما استثني لا تتعرف "بأل" أيضًا؛ لأن المانع من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها "بأل". ونقل الشنواني عن السيد أنه صرح في حواشي الكشاف بأن "غير" لا تدخل عليها "أل" إلا في كلام المولدين" ا. هـ. وسيجيء الكلام عليها بمناسبة أخرى في ص131. وكذلك الشأن في كلمة: "مثل" إذا أضيفت لمعرفة بغير وجود قرينة تشعر بمماثلة خاصة؛ فإن قولنا: "مثل محمد" يشمل أفرادًا لا عداد لها؛ منها واحد في طوله، وآخر في عمله، وثالث في علمه، ورابع في حسنه، و.... و.... وهكذا مما لا آخر له". فالإضافة للمعرفة لا تعرفها، ولا تزيل إبهامها؛ ولهذا وقعت نعتًا للنكرة في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا؛ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أما إن أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة فإنها تتعرف، نحو: راقني هذا الخط، وسأكتب مثله. وهذا معنى قولهم: إذا أريد بكلمة "غير" و"مثل" مغايرة خاصة، ومماثلة خاصة حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في كلمة: "غير" إذا وقعت بين متضادين. وأما قوله تعالى: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} حيث وقعت كلمة "غير المتوسطة بين المتضادين" المضافة للمعرفة صفة لنكرة –فتعرب هنا بدلًا، وإن كانت جامدة، ولا داعي لإعرابها صفة "راجع الكعبري، في أول الفاتحة، ثم الأشموني والصبان، أول باب الإضافة، عند الكلام على الإضافة غير المحضة". "ملاحظة": تصدى لبحث هذه المسألة مؤتمر المجمع اللغوي المنعقد بالقاهرة في دورته الخامسة والثلاثين "شهر فبراير سنة 1969"، وارتضى الرأي القائل: إن كلمة "غير" الواقعة بين متضادين تكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ويصح في هذه الصورة التي تقع فيها بين متضادين وليست مضافة أن تقترن بأل فتستفيد التعريف. وفيما يلي النص الحرفي لقرار المجمع منقولًا من مجلته "الجزء الخامس والعشرين الصادر في نوفمبر سنة 1969 ص202" بناء على اقتراح لجنة الأصول بالمجلس التي تقول: "تختار اللجنة -وفاقًا لجماعة من العلماء- أن كلمة: "غير" إذا وقعت بين ضدين لا قسيم لهما، تتعرف بإضافتها إلى الثاني منهما إذا كان معرفة. وإذا كانت "أل" تقع في الكلام معاقبة للإضافة فإنه يجوز دخول "أل" على "غير" فتفيدها التعريف في مثل الحالة التي تعرفت فيها بالإضافة إذا قامت قرينة على التعيين ... ". ا. هـ. واللفظ المتوغل في الإبهام لا يصلح -في أكثر حالاته- لأن يكون نعتًا أو منعوتًا، ومنه: "قبل" و "بعد"، ما عدا بعض ألفاظ منها "غير" و "سوى" فيصلحان للنعت -كما سيجيء في باب: النعت، ص466. بقي أن نذكر ما قرره النحاة بشأن الألفاظ المبهمة التي لم تستفد التعريف من المضاف إليه المعرفة. فسيبويه والمبرد يقولان: إن الإضافة في هذه الحالة غير محضة، فائدتهما التخفيف، وما يتصل به مما عرفناه، وما يجيء مفصلًا في ص30. وغيرهما يقول: إنها محضة ومعنوية تفيد التخصيص، وإن كانت لا تفيد التعيين.
ناهيك1" ... فإنها نكرات "في أغلب حالاتها" وإن أضيفت لمعرفة؛ نحو: غيرك، حسبك، مثلك ... ومنها: المعطوف على مجرور "رب"، والمعطوف على التمييز المجرور بعد "كم"، نحو: رب ضيف وأخيه هنا -كم رجل وكتبه رأيت- وسبب ذلك أن المجرور بعد "رب" و "كم" لا يكون إلا نكرة؛ فما عطف عليها فهو نكرة كذلك؛ لأنه في حكم "المعطوف عليه" من ناحية أن عامل الجر فيه هو العامل في المعطوف عليه، فكلا "المعطوف والمعطوف عليه" لا بد أن يكون نكرة، أو في حكم النكرة؛ ليصلح معمولًا للعامل المشترك. وقيل: إن المعطوف في الحالتين السالفتين يكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ولا داعي للتمسك بتنكيره بسبب العامل: "رب" أو "كم"؛ لما تقرر2 من أن التابع قد يغتفر فيه ما لا يغتفر في المتبوع. وسبق3 أن الأخذ بهذا الرأي أولى. ومنها: كلمة: "وحْد" و"جهْد"، و"طاقة" في مثل قولهم: "يحترق الحاسد وحده، ويتمنى جهده أن تزول نعمة المحسود، ويجتهد طاقته أن يلحق به النقائض والعيوب". وهي -في أكثر استعمالاتها- أحوال مؤولة. والحال في أصله لا يكون إلا نكرة، وتأويل تلك الكلمات: "منفردًا"، "جاهدًا"، "مطيقًا"4. وإلى هنا انتهى الكلام على "الإضافة المحضة"، من ناحية ما يكسبه المضاف
من التعريف أو التخصيص، وننتقل إلى "غير المحضة" للكلام عليها من هذه الناحية1:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يادة وتفصيل: إذا كانت الإضافة "محضة" والمضاف إليه جملة، فإن هذه الجملة في حكم المفرد المضاف إليه، لأنها تؤول بمصدر لفعلها، مضاف إلى فاعله إن كانت الجملة الفعلية، وبمصدر خبرها مع إضافته إلى مبتدئه إن كانت اسمية. ولا يحتاج هذا المصدر المؤول إلى أداة سبك، فالأولى: أزورك حين يوافق الوالد. وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد. والثانية: أزورك حين الوالد موافق، وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد. ويترتب على ما سبق أن المصدر الناشئ من التأويل يكون معرفة إن أضيف لمعرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف لنكرة1. نعم إن الجمل نكرات في حكمها2 ولكن لا ينظر لهذا هنا, ووقوع الجملة صفة للنكرة المحضة في كل الأحوال لا يقدح في هذا؛ لأنها صفة باعتبار ظاهرها، وقطع النظر عن تأويلها بمصدر مضاف للمعرفة أو نكرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عودة إلى الإضافة غير المحضة: عرفنا1 أن الإضافة غير المحضة: هي التي يغلب أن يكون المضاف فيها "وصفًا2 عاملًا"، "وزمنه للحال، أو الاستقبال، أو الدوام". ومتى اجتمع الأمران -الوصفية العاملة، والزمنية المعينة كان المضاف مشتقًا يشبه مضارعه في نوع الحروف الأصلية التي تتكون منها صيغتهما، وفي المعنى، والعمل، وكذلك في نوع الزمن غالبًا، وهذا كله يتحقق في المضاف إذا كان اسم فاعل يعمل عمل فعله، أو اسم مفعول كذلك، فكلاهما وصف عامل، زمنه للحال أو للاستقبال على حسب المناسبات، كما يتحقق في الصفة المشبهة3 الأصلية أيضًا؛ لأنها تعمل عمل فعلها اللازم، وتفيد في أكثر حالاتها الدوام والاستمرار، وهذان يقتضيان أن تشتمل دلالتها على الأزمنة الثلاثة: "الماضي، والحال، والمستقبل"، إذ لا يتحقق معنى الدوام والاستمرار بغير عناصره الأساسية الثلاثة. فلا يمكن أن تكون للماضي وحده -وإلا كانت إضافتها محضة- ولا للمستقبل وحده. وكذلك لا يمكن أن تخلو من الدلالة على زمن الحال؛ فلا بد أن تشتمل الدلالة على الثلاثة؛ المضي والحال والاستقبال، إلا أن دلالتها على الحال أقوى تحققًا ووجودًا من دلالتها على غيره، وبسبب هذا كانت إضافتها غير محضة في رأي كثير من النحاة4. أما باقي المشتقات غير ما ذكرناه هنا بقيوده؛ من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة؛ فإضافته محضة، لانطباق شروطها عليه، دون شروط الأخرى. فمثال اسم الفاعل: يشكو راكب الباخرة اليوم بطئها بالنسبة للطائرة. وغدًا يشكو راكب الطائرة بطئها بالنسبة "للصاروخ"؛ فكلمة: "راكب" في الجملتين مضافة. وهي في الأولى اسم فاعل للزمن الحالي، وفي الثانية اسم
فاعل للزمن المستقبل. وكقولهم: من تراه جاحد النعمة الساعة تراه فاقدها غدًا. ويدخل في اسم الفاعل صيغ1 المبالغة العاملة أيضًا؛ كقولهم: في هذا الشهر يتفرغ فلان للعبادة؛ فتراه صوام الفم نهارًا عن الطعام، حذر اللسان من اللغو، حبيس النفس عن الهوى. ومثال اسم المفعول: مجهول القدر اليوم قد يصير معروف المكانة غدًا.. ومثال الصفة المشبهة قولهم: عزيز النفس من يأبى الدنايا فإن فقد المضاف أحد الشرطين كانت الإضافة محضة؛ كأن يفقد الوصفية لكونه اسمًا جامدًا، غير مؤول بالمشتق؛ كالمصدر في نحو: بذل الودَّ والنصيحة لمن لا يستحقها كبذر الحب في الصخر الأصم. أو يفقد العمل دون الوصفية بسبب أنه من المشتقات التي لا تعمل مطلقًا؛ "كأسماء الزمان، والمكان والآلة". أو يكون في أصله من المشتقات العاملة، ولكنه فقد شرطًا من شروط العمل؛ فلا يعمل؛ كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا للماضي2 الخالص دون دلالة على الحال والاستقبال، نحو: باذل الخير أمس يسعد اليوم بما قدم، وماضي أعماله عنوان صفحته التي كان بها مسرورًا أو محزونًا. أثر الإضافة غير المحضة: لا تأثير لها في المعني في أغلب الأحيان؛ لأنها ليست على نية حرف من حروف الجر الثلاثة التي يفيد كل منها الفائدة التي أوضحناها فيما سلف3 ولأنها لا تكسب المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا، والتعريف والتخصيص
أثران معنويان لا صلة للإضافة غير المحضة بجلبهما للمضاف، وعلى هذا لا نصيب لها من التأثير المعنوي الذي "للمحضة". والدليل على أنها لا تفيد "المضاف" تعريفًا دخول "رب" عليه مع إضافته للمعرفة1. مثل: "رب مخرج الزكاة، مسرور بإخراجها -قد أبطل ثوابها بالمن والأذى". فلو أن المضاف؛ وهو: مخرج- اكتسب التعريف من المضاف إليه ما دخلت عليه "رب"؛ لأنها لا تدخل إلا على النكرات2. وشيء آخر؛ هو أن هذا المضاف إلى المعرفة يصح أن يقع نعتًا للنكرة، فكيف يقع نعتًا للنكرة إذا صح أنه يكتسب من المضاف إليه التعريف ويصير معرفة، والمعرفة لا تكون نعتًا للنكرة3؟ ومن الأمثلة لوقوعه نعتًا للنكرة: أتخير للصداقة زميلًا مخلص المودة، مأمون العثرات. باذل الجهد في الإخاء4. كما أن الدليل على أنها لا تفيد المضاف تخصيصًا هو أن الأصل قبل
الإضافة في مثل: "أتخير زميلًا مخلص المودة، باذل الجهد، ... " هو: مخلصًا المودةَ ... باذلًا الجهدَ ... بنصب كلمتي "المودة" و"الجهد" مفعولين للوصف، والمفعول به يخصص الوصف؛ فتخصيص الوصف ثابت ومتحقق قبل أن يصير مضافًا ويصير مضافًا إليه مجرورًا. أ- وإنما فائدتها: "التخفيف اللفظي"؛ بحذف نون المثنى، وجمع المذكر السالم وملحقاتها من آخر المضاف إذا كان وصفًا عاملًا. وكذلك حذف التنوين من آخره؛ فكل من النون والتنوين يحدث ثقلًا على اللسان عند النطق بالوصف مع معموله من غير إضافتهما. فإذا جاءت الإضافة زال الثقل، وخف النطق. يتضح هذا الثقل في مثل: "أنتما خطيبان الحفل غدًا، وساحران الألباب فيه ... ولا أشك أن سامعين الخطاب، وعارفين الفضل سيعجبون بكم أشد الإعجاب" وفي مثل: "تخيرت زميلًا، مخلصًا المودة، باذلًا الجهد ... ". ويختفي الثقل حين نضيف الوصف إلى معمولة، ونحذف النون والتنوين من آخر الوصف المضاف؛ فنقول: "أنتما خطيبا الحفل غدًا، وساحر الألباب فيه، ولا أشك أن سامعي الخطاب، وعارفي الفضل -سيعجبون أشد الإعجاب". كما نقول: "تخيرت زميلًا مخلص المودة، باذل الحهد ... ". ب- وقد تكون فائدتها الفرار من القبح الذي يلازم بعض الصور الإعرابية الجائزة مع قلتها وضعفها. فمن الجائز الضعيف في أساليب الصفة المشبهة أن نقول: الصديق سمح الطبع، عف اللسان، مخلص المودة، بإعراب كلمة: "الطبع" المرفوعة فاعلًا للصفة المشبهة قبلها. وكلمة: "اللسان" فاعلًا مرفوعًا للصفة المشبهة قبلها. وكذلك كلمة: "المودة" وأشباهها. ففي هذا الإعراب الجائز نوع من القبح جعله ضعيفًا؛ هو: خلو أسلوب الصفة المشبهة من ضمير يعود إلى الاسم الذي يقع عليه معناها ومدلولها1. ومن الجائز نصب تلك الكلمات الثلاث المرفوعة، وإعرابها: "شبيهة بالمفعول به" وليست مفعولًا به؛
لأن الصفة المشبهة تصاغ من الفعل اللازم؛ فهي كفعلها لا تنصب المفعول به فإذا وقع بعدها معمولها وكان نكرة منصوبًا أعرب "تمييزًا"، أو: "شبيهًا بالمفعول به"، وإن كان معرفة أعرب شبيهًا بالمفعول به؛ كالكلمات الثلاثة السالفة؛ فإنها لا تصلح تمييزًا؛ لعدم تنكيرها. فضبطها بالنصب -مع جوازه- يؤدي إلى ما يسمى: "الشبيه بالمفعول به". وهذا النوع قد يختلط أمره على كثير؛ فيقع في وهمهم أنه مفعول به، مع أنه ليس بالمفعول به الصريح. وإذا كان الرفع والنصب قبيحين في تلك الكلمات -ونظائرها- فإن الجر بالإضافة خالٍ من ذلك القبح، وفيه ابتعاد عما يستكره1 كقول الشاعر: وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جماله؟ ولما كانت فائدة هذه الإضافة مقصورة على التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى وجمع المذكر السالم، من آخر المضاف، وعلى التحسين المترتب على إزالة القبح، وهما أمران لفظيان -سميت: "إضافة لفظية"؛ لوقوع أثرها المباشر على الألفاظ دون المعاني؛ إذ أنها -في الأغلب- لا تؤثر في المعاني؛ كما سبق "فلا تفيد المضاف تعريفًا، ولا تخصيصًا، ولا تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة المعروفة ... " وقد يسمونها –لهذا-: "الإضافة المجازية"2؛ لأنها لغير الغرض الحقيقي من الإضافة، وهو الغرض المعنوي الذي أوضحناه. أما تسميتها: "بغير المحضة" فلأن المضاف فيها لا بد أن يكون في
الأغلب1 وصفًا عاملًا -كما سبق- وأكثر الأوصاف العاملة يرفع ضميرًا مستترًا عند الإضافة. وهذا الضمير المستتر -برغم استتاره- يفصل بين الوصف المضاف، ومعموله المضاف إليه، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال، وغير متمكنة من أداء مهمتها بسبب الفاصل؛ إذ الأصل الغالب في الإضافة الأصيلة ألا يقع بين طرفيها فاصل يضعف قوة الارتباط والاتصال بينهما. وشيء آخر؛ هو أنه يمكن العدول عن الإضافة اللفظية، بالرجوع إلى الأصل الذي كان قبلها من غير أن يتأثر المعنى -في الأكثر- وذلك بجعل المضاف إليه معمولًا مرفوعًا، أو منصوبًا، على حسب حاجة الوصف بعد إزالة تلك الإضافة؛ ولهذا يصفونها بأنها على: "نية الانفصال، يريدون: أنها في النية والتقدير ليست موجودة، وليست ملحوظة؛ لأن الذي يلحظ ويعتبر موجودًا تتجه إليه النفس هو الأصل الأصيل؛ ففي مثل: "الصديق خالص النصح" -بالإضافة- يكون التقدير الملحوظ في النفس هو: "الصديق خالص النصح"، والمعنيان متحدان. ولكن الأسلوب الثاني الخالي من الإضافة هو الأصل الذي يُنوَى ويلاحظ؛ بسبب اعتبار الوصف شبيهًا بالفعل في بعض نواحيه التي منها العمل. والفعل يرفع دائمًا، وقد يرفع وينصب، وهو في كل حالاته لا يعمل الجر، فالأنسب فيما يشبهه أن يكون كذلك، والمخالفة -لداعٍ أقوى- هي مخالفة للأصل، والداعي لها أمر طارئ له اعتباره، ولكنه لا ينسينا الأصل الأول المكين، ومن ثم كان هو الملحوظ مع وجود الإضافة غير المحضة، وكانت معه على نية الانفصال2. مما تقدم يتضح -مرة أخرى- السبب في تسمية النوع الأول: "بالإضافة المحضة"، أو: "المعنوية"، أو: "الحقيقية"3 وما يترتب على هذا من آثار مختلفة، منها: عدم زيادة "أل" في أول المضاف، في حين يجوز -أحيانًا-
زيادتها في المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ كما شرحنا1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم ذكر بعد هذا حالة أخرى يصح أن يكون فيها المضاف وحده مبدوءًا بـ "أل"؛ وهي الحالة التي يكون فيها المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا اتبع سبيل المثنى "أي: تحققت فيه الشروط الواجبة في المثنى"؛ وهو جمع المذكر السالم؛ يقول: وكونها في الوصف كافٍ إن وقعْ ... مثنىً أو جمعا، سبيله اتبعْ يريد: يكفي وقوع "أل" في صدر المضاف الذي إضافته غير محضة بدون اشتراط شيء آخر سوى اشتراط أن يكون ذلك المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا تحققت فيه شروط التثنية "وهو جمع المذكر السالم". وقد ترك بقية الحالات الأخرى التي تدخل فيها "أل" على المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ وما يتبع هذا من شروط وتفصيلات أوضحناها في الصفحة السابقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- في هذا الجزء أبواب خاصة بالمشتقات، لكل منها باب مستقل شامل، وسنكتفي هنا بلمحة موجزة تناسب ما نحن فيه، ولا تغني عن الرجوع إلى تلك الأبواب. اسم الفاعل: اسم مشتق، يدل على أمرين معًا: "معنى مجرد، وصاحب هذا المعنى". ولا بد في اسم الفاعل أن يشتمل على حروف مضارعه الأصلية، وأن يماثله في ترتيبها، وترتيب حركاتها، وسكناتها؛ مثل: قاعد ويقعد، ذاهب ويذهب، منصت وأنصت، متعلم ويتعلم ... وهو يفيد حدوث معناه، ولا يفيد الدوام أو الثبوت، إلا إذا تخلى عن دلالته الخاصة، وانتقل إلى اختصاص آخر؛ وهو: اختصاص "الصفة المشبهة". وهي: اسم مشتق؛ يدل على أمرين معًا: "معنى مجرد، ولكنه ثابت دائم. أو كالدائم، وصاحب هذا المعنى". فدلالتها على الزمن شاملة أنواعه الثلاثة، بسبب ذلك الدوام1، ولا بد أن تشتمل على الحروف الأصلية لمضارعها، ولكنها -في الغالب- لا تماثله في ترتيب الحركات والسكنات إلا إذا كانت في الأصل اسم فاعل أريد به الدوام2. فمثال الصفة المشبهة الأصيلة: فَرِحٌ ويفرح، حَسَنٌ ويحسن، بليغٌ ويبلغ ... ومثال الصفة المشبهة التي كانت في أصلها اسم فاعل يفيد الحدوث، ثم أريد بها الدوام والثبوت بعد ذلك كلمة: بَاسِم، مشرق، محارب؛ في مثل: فلان باسم الثغر، مشرق الوجه، محارب الطغيان. وإذا كانت الصفة المشبهة دالة على ثبوت معناها ودوامه -غالبًا- فإن زمنها بمقتضى هذه الدلالة لا بد أن يشمل –كما سبق3- الماضي، والحال، والمستقبل. فكيف تكون إضافتها "غير محضة"، مع أننا اشترطنا في "غير المحضة": أن يكون الزمن فيها الحال، أو الاستقبال؟. الحق: أن إضافتها قد تكون محضة في بعض الصور، وغير محضة في
أخرى1؛ فقد قالوا: إن الاستمرار "أو: الدوام" يحتوي على الأزمنة الثلاثة دائمًا. لكن قد توجد قرينة تقوي جانب الزمن الماضي على غيره -وللقرينة المقام والاعتبار الأول دائمًا- فتضاف الصفة وتعمل الجر مع تلك القرينة؛ إذ تتغلب الإضافة، وتكتسب الصفة التعريف من المضاف إليه؛ ككلمة: "مالك" في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ... فكلمة: "مالك" وصف مشتق؛ زمنه يشمل الماضي، والحال، والمستقبل؛ لأن الله مُتَّصف بصفة التملك في جميع الأزمان. وقد وجدت قرينة تدل على تغليب الزمن الماضي؛ فصارت الإضافة بسببها محضة2؛ وهذه القرينة هي: أن كلمة: "مالك" نعت للفظ الجلالة: "الله" وهو أعرف المعارف، فلا يمكن أن يكون نعته نكرة؛ فلا بد أن تكون كلمة: "مالك"، معرفة. فمن أين جاءها التعريف؟ لا سبيل لاكتسابها التعريف إلا من المضاف إليه، وقد اكتسبه أيضًا من الإضافة إلى ما بعده. وكل هذا يقتضي أن تكون إضافة الصفة هنا محضة. ولو أعربنا كلمة: "مالك" بدلًا، أو: عطف بيان؛ لكان في هذا الإعراب -مع جوازه- عدول عن الظاهر الشائع؛ وهو: إعراب المشتق نعتًا، لا بدلًا، ولا عطف بيان؛ إذ يغلب على الأول الاشتقاق، وعلى الأخيرين الجمود -كما تقدم3- هذا إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف الدال بالقرينة على المضي أو على الدوام محضة4، عند جمهور النحاة. أما إذا تغلب جانب الحال أو الاستقبال، بأن قامت قرينة تؤيد أحدهما فالإضافة غير محضة؛ فلا يتعرف بها الوصف، ولا يتخصص، ويجوز إزالتها، وإعمال الوصف في معموله عملًا آخر غير الجر؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَالِقُ الإِصْبَاحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} 1؛ فجعل الليل سكنًا أمر لا يقتصر على زمان دون آخر؛ فقد وقع في الماضي، وهو يقع الآن، وسيقع بعد ذلك، غير أن الكلام فيه ما يقوي جانب الحال والمستقبل على الماضي، ويجعل الإضافة غير محضة؛ هو أن المحضة تقتضي -غالبًا- أن يكون المضاف اسمًا جامدًا، أو في حكم الجامد، فلا يعمل؛ وهذا يؤدي إلى اعتبار كلمة: "جاعل" في حكم الجامد، فلا تنصب مفعولًا به، ولا مفعولين، وإلى إعراب كلمة: "سكنا" المنصوبة، مفعولًَا به لعامل محذوف، تقديره "يجعل"، أو ما يماثله، وكأن الأصل: جاعل الليل يجعله سكنًا. وفي كل هذا عدول عن النسق الظاهر، والإعراب الواضح الذي يدخل الوصف "جاعل" هو وفعله في سلك الألفاظ العاملة التي تنصب مفعولين. وقد أضيف الوصف إلى أحدهما، ونصب الثاني مباشرة، فلا حاجة إلى تأول وتقدير يبعدان عن هذا السنن الواضح. وشيء آخر؛ هو: أن زمن الوصف في الآية دائم مستمر؛ يشمل الماضي والحال، والمستقبل. ولكن هذا الدوام الزمني ليس متصل الأجزاء بغير انقطاع، وإنما يتخلله انقطاع يزول، ثم يعود مرة فأخرى؛ فحين يجعل الله الليل سكنًا يكون الليل موجودًا، وحين لا يجعله سكنًا يختفي. ثم يجعله مرة أخرى؛ ثم يزيله، ثم يعيده؛ وهكذا دواليك؛ ... فالاستمرار موجود حقًّا؛ ولكنه على ما وصفنا من توالي الإيجاد والإزالة بغير توقف، ومن تجدد الظهور والاختفاء بغير انقطاع2، أما الدوام المتصل على حالة واحدة، هي: جعل الليل سكنًا في جميع لحظات الزمان وأوقاته - فلا وجود له. ولما كان الانقطاع والتجدد هما من خصائص الفعل المضارع، وزمن المضارع هو الحال أو الاستقبال كان الوصف "المشتق" الذي يشاركه فيهما شبيهًا به من الناحية المعنوية، ومحمولًا عليه في ناحية أخرى، هي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة الزمنية أيضًا. أي: أنه شبيه به في الدلالة على التجدد والحدوث، وفي الدلالة الزمنية المعينة. وإذا كانت دلالة الوصف الزمنية على هذه الشاكلة فإن إضافته غير محضة1. ب- إذا كان الوصف المضاف مطلق الزمن؛ أي: لا دليل معه يبين نوعًا من أنواع الزمن الثلاثة كانت إضافته محضة؛ نحو: "صاحب السلطان كراكب السفينة"2 ... فلا قرينة في المثال تدل على ربط المعنى المقصود بزمن معين؛ ماضٍ، أو حال، أو مستقبل، أو ما يشمل الثلاثة ... "وقد سبقت الإشارة لهذا"3. ج- أشرنا4 إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف نوع من الإضافة المحضة، وأوضحنا شرط ذلك؛ كالمثال السابق: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: مالك الأمر والنهي في يوم الدين. بخلاف: "جاعل الليل سكنًا"؛ لأن الليل مفعول به، في الأصل قبل الإضافة، وليس ظرفًا، وإلا فسد المعنى5. د- من الإضافة غير المحضة ما يأتي من الأنواع الملحقة بها6؛ وهي: 1- إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة نعتًا للمضاف؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وهذا ما يعبرون عنه بأنه إضافة الاسم المنعوت إلى نعته". كقولهم: "صلاة الأولى" تذهب الخمول. كان الخلفاء السابقون يقصدون "مسجد الجامع"؛ ليذيعوا على الناس ما يريدون إذاعته. إني أحرص على "ديانة القيِّمة"؛ لأسعد. والأصل: الصلاة الأولى، أو: صلاة الساعة الأولى. المسجد الجامع أو: مسجد الوقت الجامع، الديانة القيِّمة، أو ديانة الملة القيِّمة1. 2- إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة منعوتًا للمضاف. فصار بعدها هو المضاف إليه. "أي: إضافة النعت إلى منعوته" كقوله تعالي: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} . وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} والأصل في الآيتين: اليقين الحق، فتقدمت الصفة على الموصوف، وصارت مضافًا، وصار الموصوف مضافًا إليه مجرورًا. ومثله ما جاء في خطبة قائد بين جنوده: "إن العدو لن يعبأ بكم إلا إذا أحس منكم صادق الجهاد، وعظيم البلاء، وملأتم قلبه فزعا، وضربتموه كما تضرب عوادي الوحوش، وطردتموه كما تطرد غرائب الإبل، وتركتم جنوده بين صريع وأسير ... " أي: الجهاد الصادق. البلاء العظيم، الوحوش العوادي، الإبل الغرائب ... 3- إضافة المسمى إلى الاسم2؛ نحو: شهر3 رجب معظَّم في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية والإسلام. شجر التفاح كثير في الشام. وهذه هي إضافة: "البيان أو: "الإضافة البيانية" التي يقصد منها إيضاح الأول وبيانه بالثاني1، وهي كثيرة في استعمالنا؛ كإضافة الأيام والعلوم إلى أسمائها؛ مثل: يوم الخميس. يوم الجمعة. علم الحساب. علم الهندسة ... ولها أمثلة أخرى وردت في المطولات، منها قولهم: لقيته ذات مرة، أو ذات ليلة. مررت به ذات يوم. داره ذات اليمين، أو؛ ذات الشمال. مشينا ذا صباح2 ... ومن المفيد المهم أن ننقل هنا ما دونه ابن يعيش شارح المفصل3 خاصًا بهذا. قال ما نصه "مع حذف بعض الأمثلة، اكتفاء ببعض": "اعلم أنهم قد أضافوا المسمى إلى الاسم مبالغة في البيان؛ لأن الجمع بينهما آكد "أقوى" من إفراد أحدهما بالذكر. وفي ذلك دليل من جهة النحو على أن الاسم عندهم غير المسمى؛ إذ لو كان إياه لما جاز إضافته إليه، وكان من إضافة الشيء إلى نفسه. فالاسم هو اللفظ المعلق على الحقيقة؛ عينا كانت تلك الحقيقة، أو معنى؛ تمييزا لها باللقب مما يشاركها في النوع،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمسمى تلك الحقيقة؛ وهي ذات اللقب، أي: صاحبته1. فمن ذلك قولهم: "لقيته ذات مرة"، والمراد: الزمن المسمى بهذا الاسم الذي هو: مرة. ومثله: "ذات ليلة، ومررت به ذات يوم، وداره ذات الشمال، وسرنا ذا صباح" كل هذا معناه وتقديره: داره شمالًا، وسرنا صباحًا ... ، بالطريق التي ذكرناها. إلا أن في قولنا: ذا صباح، وذات مرة –تفخيما للأمر. "ومن ذلك قول الشاعر: عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسود من يسود المراد: على إقامة صاحب هذا الاسم، وصاحبه هو: صباح؛ فكأنه قال: على إقامة: صباح ... ومثله قول الكميت: إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب2 فالمراد: يا آل النبي، أي: يا أصحاب هذا الاسم الذي هو آل النبي، ولو قال: "يا آل النبي" لم يكن فيه ما في قوله: "يا ذوي آل النبي" من المدح والتعظيم. وفائدة هذا الأسلوب ظاهرة؛ لأنه لما قال: يا ذوي آل النبي جعلهم أصحاب هذا الاسم؛ وهو آل النبي. ومن كان صاحب هذا الاسم كان ممدوحًا معظمًا لا محالة ... ومثله قول الأعشى: فكذَّبوها بما قالت: فصحبهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا3 أي: صبحهم الجيش الذي يقال له: آل حسان. ومثله قول الآخر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ما كنت مثل ذوي عدي ... ودينار، فقام على ناعي أي: مثل كل واحد من الرجلين المسميين "عديًا"، و"دينارًا" ... "وحكي عن العرب: هذا ذو زيد، ومعناه: هذا صاحب هذا الاسم، وقد كثر ذلك عندهم. وربما لطف1 هذا المعنى على قوم، فحملوه على زيادة. "ذي"، و"ذات". والصواب ما ذكرناه" ا. هـ. وهذا كلام جليل في إيضاح تلك الأساليب التي أضيف فيها المسمى إلى الاسم؛ لتحقيق غرض بلاغي هام، كالإيضاح مع التوكيد. ومن أمثلتها الواردة أيضًا قولهم: "اذهب بذي تسلم. اذهبا بذي تسلمان. اذهبوا بذي تسلمون ... ". أي: اذهب بسلامتك التي تلازمك ولا تفارقك. اذهبا بسلامتكما. اذهبوا بسلامتكم"2. 4- إضافة الموصوف إلى اسم قائم مقام الصفة؛ كقول الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض، ماضي الشفرتين يماني ... 3 أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين، وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة. ويرى بعض النحاة أن البيت ونحوه هو من إضافة الشيء إلى ملابسه4 بعد تنكير العلم، وإضافته إضافة محضة من غير حاجة لتأويل بما ذكر5. والرأيان صحيحان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 5- إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد، وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة "أي: التي لا تحدد ببدء وانتهاء معرفين؛ مثل كلمة: حين، وقت، زمن، أيام ... ونحوها مما سبق الكلام عليه في الجزء الثاني، باب: "الظروف"، نحو: إذا اشتدت وقدة الصيف أسرع الناس إلى سواحل البحار؛ ليقيموا بها ما وسعهم الأمر، وحينئذ ينعمون بجو معتدل، وهواء رطب منعش ... أي: حين إذ يقيمون ... ينعمون؛ فحذفت الجملة المضارعية الأولى، وهي المضاف إليه، وعوض عنها التنوين. فالمؤكد هو: "الحين" وهو زمن مبهم. والمؤكِّد هو: "إذ" الظرفية المضافة إلى الجملة المضارعية المحذوفة1. والمراد من لفظ: "الحين" المبهم هو المراد من لفظ: "إذ" المخصصة بالجملة التي أضيفت إليها، فالظرف الزمني الثاني مؤكد للأول؛ لاتفاق معناهما، والمراد منهما، مع مجيئه بعده2.. ويرى بعض النحاة -بحق- أن مثل هذا يعد من إضافة العام إلى الخاص، لا المؤكد إلى المؤكد، لتخصيص الظرف الثاني -كما قلنا- بالجملة التي أعربت مضافًا إليه، وهي الجملة المضارعية التي حذفت وقام مقامها التنوين عوضًا عنها ... ومن النادر أن تكون إضافة المؤكد إلى المؤكد في غير أسماء الزمان المبهمة؛ كقول الشاعر: فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه3
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: اسلخا عن الناقة نجا الجلد -والنجا، بالقصر- هو: الجلد. 6- إضافة الاسم الملغى1 إلى الاسم المعتبر2؛ كقوله تعالي: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ....} ، ومثل: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم. والأصل: الجنة التي وعد المتقون ... - ألقيت السلام عليكم3. 7- إضافة الاسم المعتبر إلى الاسم الملغى كقول الشاعر: أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشام شوق مبرح4 8- ومن الإضافة غير المحضة قولهم: "لا أبا لفلان" لوجود الفاصل بين المتضايفين. وقد سبق5 -في مناسبة أخرى- الكلام على هذا الأسلوب من ناحية الإضافة، ومن ناحية إعرابه ومعناه. 9- ومن الإضافة غير المحضة إضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه -مسايرة لبعض اللغات الجائزة فيه- نحو: قامت الطائرة من "أفغانستان" فوصلت إلى "بور سعيد" في بضع ساعات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كانت الإضافة هنا لفظية؛ لأن كلًّا من الجزأين يكمل الآخر كما يكمل الحرف الواحد في الكلمة الواحدة نظائره فيها، كالخاء، أو الشين، أو الباء ... في كلمة: "خشب" مثلًا. وفائدة هذه الإضافة التخفيف الناشئ من التركيب، مع التنبيه إلى شدة الامتزاج1. 10- ومن الإضافة غير المحضة: "الكنية" على الوجه الذي سبق تفصيله وإيضاحه في الجزء الأول2 ... إلى هنا انتهت تلك الإضافات الملحقة "بغير المحضة". ونعود إلى ما أشرنا إليه3 من الجدل الدائر حولها. ويتركز فيما يأتي: أمحضة أم غير محضة؟ أهي نوع ثالث مستقل بنفسه، ولكن إضافته "شبيهة بالمحضة"؛ ويجب أن يسمى بهذا الاسم؟ ثم لهذا النوع -عندهم- اعتباران؛ أحدهما الاتصال؛ لأن المضاف غير مفصول من المضاف إليه بالضمير الذي يلاحظ وينوى في الإضافة غير المحضة، كما سلف بيانه. والآخر: الانفصال؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتأول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكلف يخرجان الإضافة عن ظاهرها1. فأيهما الصحيح؟. وبعد كل ما سبق أقياسية هي أم سماعية؟. لكل رأي أدلته التي يقويها أصحابه بتأويل الأسلوب تأويلًا يبعده عن ظاهره، وبتخريجه إلى حيث يريدون من إثبات رأيهم ودعمه ... والأمر لا يحتاج إلى هذا العناء الجدلي الذي له أسبابه التاريخية النحوية التي لا تعنينا اليوم؛ فحسبنا أن نترك فضول التأويل والتخريج، ونعول على ظاهر الأسلوب الإضافي تعويلًا لا يعارض المراد منه؛ فنجد تلك الإضافات المتعددة قد انحصرت في قسمين: أولهما: يكون فيه المضاف والمضاف إليه بمعنى واحد، مع اختلاف لفظهما. أي: أن اللفظين مختلفان، ولكن مدلولهما متحد، كإضافة المسمى إلى الاسم "في مثل: شهر رمضان -شجر البرتقال- علم الهندسة ... "، ومثل هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا؛ لأن المضاف من حيث المعنى هو نفس المضاف إليه، أو بمنزلته؛ والشيء لا يتعرف ولا يتخصص بنفسه، أو بما هو بمنزلة نفسه؛ فلا يمكن أن تكون الإضافة في هذا القسم "محضة"؛ إذ "المحضة" لا بد أن تفيد المضاف تعريفًا أو تخصيصًا إذا كان غير متوغل في الإبهام، وأن تتضمن معنى حرف من أحرف الجر الثلاثة المعروفة2، و"الإفادة والتضمين"، يقتضيان أن يكون معنى المضاف غير معنى المضاف إليه. ثانيهما: يكون فيه أحد الاسمين المتضايفين أصليًا والآخر زائدًا "يمكن الاستغناء عنه من غير أن يتأثر المعنى المراد بحذفه" نحو: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم ... فكلمة: "اسم" زائدة؛ فلا فائدة منها مستجدة، وإذا كانت كذلك فكيف تعتبر إضافتها محضة؟. إن الإضافة المحضة تؤثر في الأسلوب تأثيرًا معنويًا؛ لا غنى عنه -كما قلنا- فحيث يمكن الاستغناء عن أحد طرفي الإضافة لا تكون الإضافة محضة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما قياسية تلك الإضافات الملحقة بغير المحضة، أو عدم قياسيتها، فكثرة النحاة تقصرها على المسموع، ولا تبيح فيها القياس. إلا الكوفيين فيبيحون القياس على المسموع، بشرط اختلاف لفظي المضاف والمضاف إليه، بحجة أن الوارد من تلك الإضافات كثير كثرة تكفي للقياس عليه، وأن الحاجة قد تدعو لاستخدام القياس؛ للانتفاع بفائدة تلك الإضافات المتعددة الأنواع، فإنها لا تخلو من فائدة معنوية –كالإيضاح مع التوكيد-، برغم أن هذه الفائدة المعنوية تختلف -نوعًا ومقدارًا- عن الفائدة المعنوية التي للإضافة المحضة1 ... ورأي الكوفيين سديد مفيد. وفي الأخذ به هنا تيسير محمود تتطلبه حياة الناس كما طلبته قديمًا. لكن من المستحسن -وبخاصة القسم الثاني- أن نأخذ به في أضيق الحدود؛ حين تشتد إليه الحاجة، وتقوم قرينة على بيان المراد منه، بحيث لا يشوبه لبس أو غموض. وقد صرح بعض كبار النحاة باستحسان الرأي الكوفي، ففي شرح شواهد العيني للبيت المرقوم "448" وهو الذي سبق هنا في الإضافة الخامسة "ص45" وصدره: "فقلت: انجُوَا عنها نجا الجلد إنه ... " ما نصه: "الشاهد في: "نجا الجلد" حيث أضاف المؤكَّد إلى المؤكِّد؛ لأن "النجا" -بالقصر- هو الجلد. والأحسن ما قاله الفراء: إن العرب تضيف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين كقوله تعالى: ... {حَقُّ اليَقِينِ} 2.."ا. هـ. وقال الأشموني عند الكلام على بيت ابن مالك3: ولا يضاف اسم لما به اتحدْ ... معنى، وأوِّلْ موهمًا إذا وردْ ما نصه: "لا يضاف اسم لما اتحد به معني؛ كالمرادف مع مرادفه؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والموصوف مع صفته؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه؛ فلا بد أن يكون غيره في المعنى؛ فلا يقال، قمح بر، ولا رجل فاضل، ولا فاضل رجل. وإذا جاء من كلام العرب ما يوهم جواز ذلك وجب تأويله؛ فمما أوهم إضافة الشيء إلى مرادفه قولهم: "جاءني سعيد كرز". وتأويله: أن يراد بالأول المسمى، وبالثاني الاسم؛ أي: جاءني مسمى هذا الاسم1. ومما أوهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: "حبة الحمقاء"، و"صلاة الأولى"، و"مسجد الجامع"، وتأويله أن يقدر موصوف، أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع1. ومما أوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: جرد قطيفة2" وسحق عمامة3، وتأويله: أن يقدر موصوف أيضًا، وإضافة الصفة إلى جنسها؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة" ا. هـ. كلام الأشموني. ثم قال ما نصه: "أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين. ووافقه ابن الطراوة، وغيره ونقله في "النهاية" عن الكوفيين، وجعلوا من ذلك ما ورد في الآيات القرآنية من نحو: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ، {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته"4. ا. هـ. الأشموني. ويقول الرضي في شرح الكافية5 -بعد أن شرح مذهب الكوفيين وغيرهم وعرض أمثلة مما سبق- ما نصه: "الإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه"6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أطلنا الكلام في أمر الإضافات السالفة لنفصل في أمرها بحكم قاطع -وهو إباحتها- فيُحسَم النزاع، ويوقَف الجدل الذي امتد حتى وصل إلينا عنيفًا، واستخدمه اليوم -بغير حق- بعض الباحثين في إصدار أحكام بالفساد والخطأ على بعض الإضافات الشائعة، مثل: "استرحنا من عناء التعب"، و"نعمنا برغد الرخاء".
السابع: عدم الفصل بين المضاف والمضاف إليه باسم ظاهر، أو بضمير بارز1، أو بغيرهما؛ لأن المتضايفين بمنزلة الكلمة الواحدة ذات الجزأين، لا يصح أن يتوسط بينهما فاصل. غير أن هناك مواضع يجوز فيها الفصل في السعة2؛ فإباحتها في الشعر، وملحقاته، أقوى. ومواضع أخرى يجوز فيها الفصل للضرورة3. 1- فأما مواضع الفصل في السعة فمنها: 1- أن يكونا المضاف مصدرًا والمضاف إليه هو فاعله في الأصل قبل الإضافة، والفاصل بينهما إما مفعول به للمصدر4؛ كقول الشاعر: حملت إليه من ثنائي حديقة ... سقاها الحجا سقي الرياضَ السحائبِ والأصل: سقي السحائب الرياض. وقول الآخر: عَتَوْا إذ أجبناهم إلى السلم رأفةً ... فسقناهم سوق -البغاثَ- الأجادلِ5 يريد: سوق الأجادلِ البغاثَ، فوقع الفصل في المثالين بين المصدر وفاعله بمفعوله المنصوب. وإما ظرف للمصدر؛ كقولهم: تَرْكُ يومًا نفسك وهواها، سعيٌ لها في
رداها. فقد فصل الظرف: "يومًا" بين المصدر وفاعله، وهما: ترك نفسك ... 1. 2- أن يكون المضاف اسم فاعل للحال أو الاستقبال، والمضاف إليه هو مفعوله، والفاصل بينهما إما: مفعوله الثاني، وإما الظرف، وإما الجار والمجرور المتعلقان بهذا المضاف، فمثال الفصل بالمفعول الثاني قول الشاعر: ما زال يوقِنُ من يؤمُّك بالغنى ... وسواك مانع -فَضْلَهُ- المُحْتَاجِ أي: مانع المحتاج فضله. والأصل قبل الإضافة مانع المحتاج فضله؛ فاسم الفاعل هنا ناصب مفعولين، ثم أضيف إلى أولهما، وبقي الثاني منصوبًا، ولكنه تقدم وفصل بين المتضايفين. ومثال الظرف قول الشاعر: وداعٍ إلى الهيجا وليس كِفَاءَهَا ... كجالبِ -يومًا- حتفِهِ بسلاحِه والأصل: كجالب حتفه يومًا ... ، ومثال الجار والمجرور المتعلقين به قوله عليه السلام: "هل أنتم تاركو - لي - صاحبي". والأصل: تاركو صاحبي لي. 3- الفصل بالقسم، أو: بإما، أو: بالجملة الشرطية؛ سواء أكان المضاف شبه فعل2 أم غيره؛ فمثال القسم: شرُّ -والله- البلادِ بلاد لا عدل فيها ولا أمن. ومثال "إما" قول الشاعر: هما خُطَّتَا3 إما إسار4 ومنة5 ... وإما دَمٌ، والقتل بالحرِّ أجدرُ أي: هما خطتا إسار ... وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصلت بينه وبين المضاف إليه كلمة: "إما". ومثال الشرط ما نقل من نحو: هذا غلام -إن شاء الله- أخيك". والأصل: هذا غلام أخيك إن شاء الله. 4- الفصل بـ"ما" الزائدة حيث يكون المضاف منادى، وحرف النداء هو: "يا"؛ كقول الشاعر:
يا شاةَ -ما- قُنُصٍ لمن حلت له ... حرمت عليَّ وليتَهَا لم تحرم 5- الفصل بالتوكيد اللفظي بشرط أن يكون المضاف منادى قد تكرر لفظه للتوكيد اللفظي، من غير أن يضاف اللفظ الذي جاء للتوكيد، نحو: "يا صلاح، صلاح، الدين الأيوبي، ما أطيب سيرتك"؛ على اعتبار أن كلمة: "صلاح"، الأولى منادى، منصوب، مضاف، وكلمة: "الدين" مضاف إليه، وكلمة: "صلاح" الثانية هي التوكيد اللفظي للأولى، وقد فصلت بين المتضايفين1. ب- وأما مواضع الفصل المباح في الضرورة فمنها: 1- وقوع المضاف اسما –مشبها الفعل في العمل، رافعًا بعده فاعله الذي يفصل بينه وبين المضاف إليه؛ كقول الشاعر: نرى أسهما للموت تصمي2 ولا تنمي3 ... ولا نرعوي4 عن نقض -أهواؤنا- العزم فقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بكلمة: "أهواؤنا" وهي فاعل المصدر المضاف، والأصل: عن نقض العزم أهواؤنا. أي: عن أن تنقض أهواؤنا العزم. 2- أن يكون الفاصل بين المضاف والمضاف إليه أجنبيا من المضاف، "أي: أن يكون الفاصل معمولًا لعامل آخر غير هذا المضاف"؛ كالفصل بالفاعل الأجنبي في قول الشاعر:
أنجب1 أيامَ والداه به ... إذ نجلاه2؛ فنعم ما نجلا والأصل: أنجب والده به أيام إذ3 نجلاه ... فقد فصل الفاعل4 وهو "والداه" بين المضاف: أيام، وبين المضاف إليه وهو: "إذ نجلاه"، والفاصل هنا ليس معمولًا للمضاف. 3- الفصل بالمفعول الأجنبي؛ كالذي في قول الشاعر يصف فتاة: تسقي امتياحا5 ندى -المسواكَ- ريقتِهَا ... كما تضمن ماءَ المزنة الرصفُ6 يريد: أنها تسقي المسواك ندى ريقتها. فقد توسط المفعول به الأجنبي، "وهو: المسواك" بين المضاف والمضاف إليه، وفصل بينهما، مع أنه معمول للفعل: "تسقى" وليس معمولًا للمضاف. 4- الفصل بالظرف الأجنبي7: كالذي في قول الشاعر يصف رسوم الدار بأنها: كما خطَّ8 الكتاب بكفِّ -يومًا- ... يهوديٍّ يقارب9 أو يزيلُ10
والأصل: كما خط الكتاب يومًا بكف يهودي؛ فوقع الظرف الأجنبي فاصلًا بين المضاف وهو: "كف"، والمضاف إليه، وهو: "يهودي". 5- الفصل بالجار مع مجروره الأجنبيين، كما في قول الشاعر1: هما أخوا -في الحرب- من لا أخا له ... إذا خاف يومًا نبوة، ودعاهما تريد: هما أخوا من لا أخا له في الحرب. وقول الآخر2: كأن أصوات -من إشغالهن3، بنا- ... أواخر الميس4 أصوات الفراريج5 يريد: كأن أصوات أواخر الميس ... 6- الفصل بنعت المضاف؛ مثل: ولئن حلفت على يديك لأحلفن ... بيمين أصدق من يمينك مقسم أي: بيمين مقسم، أصدق من يمينك. 7- الفصل بالنداء، كالذي في قول الشاعر: وفاق6 –كعب7- يجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة8، والخلد في سقرا9 أي: وفاق بجير يا كعب ...
تلك أشهر مواضع: "الفصل" -بنوعيه- بين المضاف والمضاف إليه كما رآها كثرة النحاة. لكن فريقًا من نحاة البصرة لا يبيحون الفصل في السعة، ويقتصرونه على الضرورات. والأخذ برأيهم أفضل؛ حرصًا على وضوح المعاني، وجريًا على مراعاة النسق الأصيل في تركيب الأساليب. فمما لا شك فيه أن الفصل بين المتضايفين لا يخلو من إسدال ستارٍ ما على المعنى لا يرتفع ولا يزول إلا بعد عناء فكري يقصر أو يطول، وأن الأسلوب المشتمل على: "الفصل" غريب على اللسان والآذان، ولا سيما اليوم. سواء أخذنا بهذا الرأي الأفضل أم بذاك -وكلاهما جائز- فلا مناص لمن يبيح الفصل أن يبيحه حيث تقوم القرينة عليه، ويتضح المعنى معه، في غير إبهام ولا غموض1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من مواضع الفصل للضرورة: الفصل بين المتضايفين بالفعل الزائد "أي: الذي يمكن حذفه مع فاعله1 بغير أن يفسد المعنى" ومنه قول العربي يسأل عن أهله: بأي -تراهمُ- الأرضين حلوًا؟ ... أبالدبران، أم عسفوا الكفارا يريد: بأي الأرضين؟ فجملة: "تراهم"2 زائدة، فاصلة بين المتضايفين. ثم يسأل: أحلوا المكان الذي يسمى: الدبران -بفتح الباء- أم قصدوا المكان الآخر المسمى: الكفار؟ وأيضًا الفصل بالمفعول لأجله؛ كقول الشاعر: أشم كأنه رجل عبوس ... معاود -جرأةً- وقتِ الهوادي والأصل: معاود وقت الهوادي؛ جرأة. أي: يعاود الحرب وقت ظهور أعناق الخيل؛ لجرأته في الحرب3. وكذلك الفصل بلام الجر الزائدة بين المضاف المنادى والمضاف إليه4 كقول الشاعر: يا بؤس للحرب ضرارًا لأقوامِ
الثامن: استفادة المضاف من المضاف إليه وجوب التصدير1، وانتقال هذا الوجوب من الثاني للأول. فإذا كان المضاف إليه لفظًا من الألفاظ التي يجب تصديرها في جملتها كألفاظ الاستفهام ... و ... فإنه يفقد التصدير حين يصير مضافًا إليه، وينتقل وجوب التصدير إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة الحتمية؛ ولهذا وجب تقديم المبتدأ في مثل: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صباح أي يومٍ السفر؟ والمفعول به في مثل: دعوة أيهم تجيب؟ والجار والمجرور في مثل: من بلاد الأنصار أقبلت؟ وهكذا ... وأصل الكلام: معك كتاب من؟ السفر صباح أي يوم؟ تجيب دعوة أيهم؟ أقبلت من بلاد أي الأنصار؟ ففي الأمثلة السابقة تقدم وجوبا كل من المبتدأ، والخبر، والمفعول به، والجار مع مجروره ... و ... مع أن كل واحد من هذه الألفاظ ليس من الألفاظ الواجبة التصدير لذاتها؛ ولكنه استفاد حق التصدير الواجب من المضاف إليه، وسلبه هذا الحق؛ إذ المضاف إليه هنا أداة استفهام، وأدوات الاستفهام واجبة التصدير بنفسها قبل أن تصير: "مضافًا إليه" فحين صارت مضافًا إليه فقدت هذا التصدير الواجب، وانتقل منها إلى المضاف. التاسع: وجوب تقديم المضاف، على المضاف إليه، وكذلك على معمولات المضاف إليه، إن وجدت. فلا يجوز أن يتقدم المضاف إليه، ولا شيء من معمولاته "سواء أكانت هذه المعمولات مفردة، أم جملة، أم شبه جملة"، إلا حالة واحدة يجوز فيها تقديم المعمول؛ هي: أن يكون المضاف كلمة: "غير" التي يقصد بها النفي2؛ ففي نحو: "أنا مرشد الغرباء ... " لا يصح: "أنا الغرباء مرشد ... " وفي نحو: "أنا مثل كاتب سطورًا"، لا يصح أن يقال: "أنا - سطورا - مثل كاتب" أما في نحو: "أنا غير منكر فضلا-" فيجوز: "أنا - فضلًا - غير منكر"؛ لأنه يجوز: "أنا فضلًا لا أنكر". ومنه قول الشاعر:
المسألة 98: أبنية المصادر
المسألة 98: أبنية المصادر مدخل ... المسألة98: أبنية المصادر 1 المصادر الصريحة ثلاثة أنواع قياسية: أولها: "المصدر الأصلي"، وهو ما يدل على معنى مجرد، وليس مبدوءًا "بميم" زائدة، ولا مختومًا بياء مشددة زائدة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ومن
أمثلته: علم، فهم، تقدم، استضاءة، إبانة. ومثل: بلاء، نضال
فضل، صلاح ... في قول شوقي يخاطب رجال الصحف الوطنية:
حمدنا بلاءكمو في النضال ... وأمس حمدنا بلاء السلف ومن نسي الفضل للسابقين ... فما عرف الفضل فيما عرف أليس إليهم صلاح البناء ... إذا ما الأساس سما بالغرف؟
ومئات أخرى. وهذا النوع -وحده- هو المقصود من كلمة: "مصدر" حين تذكر مطلقة بغير قيد يبين نوعًا معينًا. أما غيره فلا بد أن يذكر معه ما يبين نوعه.
ويدخل في نوع المصدر الأصلي المصدر الدال على "المرة1 والهيئة" فوق دلالته على المعنى المجرد، ولكنه لا يذكر إلا مقيدًا بذكر المرة أو الهيئة2. ثانيهما: المصدر الميمي3، وهو: "ما يدل على معنى مجرد، وفي أوله "ميم" زائدة، وليس في آخره ياء مشددة زائدة بعدها تاء تأنيث مربوطة4"، ومن أمثلته: مطلب، مضيعة، مجلبة، مَعدل ... "بمعنى: طلب، ضياع، جلب، عدول" في قول بعض الحكماء: "ينبغي للعاقل إذا عجز عن إدراك مطلبه ألا يسرف في الهم؛ فإن الإسراف فيه مضيعة للحزم؛ مجلبة لليأس، معدل عن السداد. وإذا ضاع الحزم، وأقبل اليأس، واختفى السداد -فرّت فرص النجاح، وساءت الحياة". وهو قياسي، ويلازم الإفراد، والراجح أنه لا يعد من المشتقات5. وسيجيء تفصيل الكلام على طريقة صياغته، وفائدته، وبقية أحكامه الأخرى6: ثالثها: المصدر الصناعي؛ -وهو قياسي- ويطلق على: كل لفظ "جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم" زيد في آخره حرفان، هما: ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ليصير بعد زيادة الحرفين اسمًا دالًا على معنى مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. وهذا المعنى المجرد الجديد هو مجموعة الصفات الخاصة بذلك اللفظ، مثل كلمة: إنسان؛ فإنها اسم، معناه الأصلي: "الحيوان الناطق"
فإذا زيد في آخره الياء المشددة، وبعدها تاء التأنيث المربوطة1، صارت الكلمة: "إنسانية" وتغيرت دلالتها تغيرًا كبيرًا؛ إذ يراد منها في وضعها الجديد معنى مجرد، يشمل مجموعة الصفات المختلفة التي يختص بها الإنسان، كالشفقة، والحلم، والرحمة، والمعاونة، والعمل النافع ... و ... ولا يراد الاقتصار على معناها الأول وحده، ومثلها: الاشتراك والاشتراكية، الأسد والأسدية، الوطن والوطنية، التقدم والتقدمية، الحزب والحزبية، الوحش والوحشية، الرجع والرجعية و.... وهكذا. وليس لهذا النوع من المصدر القياسي صيغ أخرى، ولا دلالة غير التي شرحناها. ولا أحكام نحوية تخالف الأحكام العامة التي لكل اسم من سائر الأسماء، إلا أنه اسم جامد، مؤول بالمشتق، يصح أن يتعلق به شبه الجملة -كما سبق22- ويصح أن يكون نعتًا وحالًا ... و ... 3 بخلاف النوعين السابقين، فهما اسمان جامدان، ولكل منهما أحكام خاصة به، وأوزان وطرق لصياغته4 على حسب البيان التالي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا تأنيث، ولا تذكير، ولا علمية، ولا شيء أكثر من ذلك المعنى المجرد. والمعاني المجردة كثيرة، لا تكاد تحصر، والحاجة إلى استعمالها شديدة. ومن العسير على غير العرب الأوائل معرفة المصدر الصحيح للفعل، والاهتداء إليه بين غيره من المصادر الأخرى الكثيرة المتنوعة. بل أن العرب الأوائل -وهذا أمر يجب التنبة له- نطقوا المصادر بفطرتهم ارتجالًا، دون أن يعرفوا أسماءها الاصطلاحية، وأحكامها المختلفة، وغير هذا مما وضع عند تدوين العلوم العربية، ولا سيما النحو. فلوضع ضوابط للكشف عن هذا المصدر، والاهتداء إليه في يسر وسهولة وتوفيق، عكف اللغويون والنحويون -منذ عصور بعيدة- على فصيح الكلام العربي المأثور، وعرضوا للمصادر الواردة بأكثره خلال ما عرضوا له من المسائل، ودرسوها دراسة وافية من نواحيها المختلفة، وبذلوا فيها الجهد -كعادتهم- مصممين أن يصلوا من وراء هذه الدراسة الصادقة المضنية إلى تجميع أكثر المصادر الواردة، واستخلاص ظواهرها وخواصها، ثم تصنيفها أصنافًا متماثلة، لكل صنف أوصافه وخصائصه التي ينفرد بها، وتشترك فيها أفراده واحدًا واحدًا، دون غيرها، بحيث يصح أن ينطبق على كل صنف عنوان خاصٍّ به، تندرج تحته أفراده، ولا يشاركها فيه أفراد صنف آخر، له عنوانه الخاص، وله أوصافه وخصائصه التي تغاير ذاك. كما هو الشأن في كل القواعد والضوابط العلمية. وقد نجحوا فيما أرادوا. فجمعوا المصادر المأثورة جمعًا حميدًا -قدر استطاعتهم- ثم صنفوها، ونوعوها، وجعلوا لكل صنف ونوع قواعد وضوابط مركزة؛ تضم تحتها أفراده الكثيرة، المبعثرة، وتنطبق عليها وعلى نظائرها مما نطق به العرب، وما ستنطق به -قياسًا على ما نطقت به العرب- أجيال قادمة لإعداد لها من خلفائهم؛ فهذا صنف لمصدر الثلاثي المتعدي، وهذا صنف آخر لمصدر الثلاثي اللازم. وكلاهما قد يكون دالًا على حركة، أو صوت، أو غيرهما ... -وصنف ثالث لمصدر الرباعي أو الخماسي ... و.... والعارف بتلك الضوابط والقواعد يستطيع أن يهتدي إلى صيغة "المصدر الأصلي" الذي يريده في سرعة وتوفيق. وتخلص من هذا أمرين هامين: أولهما: أن تلك الضوابط والقواعد التي وضعوها، وحصروا بها أنواع المصادر، وأوزانها، ونسقوا صنوفها، ونظموا استعمالها -مستنبطة من أكثر الكلام العربي فصاحة، وصحة، وشيوعًا؛ فتطبيقها مباح لكل عارف بها، محسن لاستخدامها، من غير أن يلزمه أحد الرجوع إلى أصولها الأولى التي استنبطت منها، "وهي؛ المصادر الواردة في الكلام العربي الأصيل"؛ فإن هذا الرجوع عبث واضح، وجهد ضائع بعد أن استنفد الأئمة والعلماء جهدهم في استنباط قواعدهم وضوابطهم من ذلك الكلام الفصيح، وانتزعوا أحكامهم من أصيله للغالب، في دقة وحيطة، وبالغ أمانة. فالعمل بما استنبطوه إنما هو تطبيق صحيح على ذلك الكثير المسموع، أو مجاراة سليمة للشائع الوارد عن العرب، ومحاكاة سائغة لا مكان معها لإيجاب الرجوع إلى "الأصل" الأول، وتحتيم المعاودة إليه قبل استعمال الضوابط والقواعد؛ ففي هذا الرجوع إضاعة الجهد والوقت، فلن تأتي المعاودة بجديد. وقد يكون في هذا الإيجاب والتحتيم -فوق ما فيه من إضاعة الجهد، والوقت، والمال -تعجيز لغير المتفرغين المشتغلين "باللغويات" عامة، و"النحويات" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خاصة، فليس بد من الأخذ الحر بما استنبطه ثقات العلماء الحاذقين، والاستناد إلى ما قالوه؛ فإذا قرروا، -مثلًا- أن مصدر الفعل الماضي الرباعي الذي على وزان: "فعَّل" هو: "التفعيل" وجب الإيمان بما قرروا؛ فنقول في مصادر: قوَّم، علَّّم، كسَّر، كرَّم ... وأمثالها: تقويم، تعليم، تكسير، تكريم ... و ... وهكذا من غير بحث عنه في كلام عربي قديم. أو في مرجع لغوي، أو غيره ... فلا داعي لهذا البحث مع وجود القاعدة وانطباقها. وإذا قالوا: إن مصدر الفعل الثلاثي المتعدي هو: "فعل" وجب الاطمئنان لقولهم، والأخذ به، وتطبيقه -في غير تردد- على كل فعل ثلاثي متعدٍّ، نريد الوصول إلى مصدره، نحو: سمع سمعًا، فهم فهمًا، كتب كتابًا، ونظائر هذا من مئات، بغير رجوع إلى مرجع لغوي أو غير لغوي، ولو كان الرجوع إليه لا يكلفنا جهدًا، أو وقتًا، أو مالًا. وبهذه الطريقة المثلى نجنب أنفسنا الشطط، ونوقيها مساءة العافية التي تترتب على إهمال رأي الثقات البارعين من العلماء المتخصصين المتفرغين إهمالا يستحيل معه أن تستقيم أمور اللغة، أو يستقر لها وضع صالح، وحياة قوية ناهضة. فالواجب أن نعتمد على القاعدة في الوصول إلى المصدر القياسي للفعل، ولا نبالي بعد ذلك أله مصدر سماعي آخر أم لا؟ وما سبق مستمدٌّ من أقوال أئمة كبار يقررون: "أن استعمال المصدر القياسي جائز وإن سمع غيره"، وفي مقدمتهم: "الفراء" الذي وصفه الإمام اللغوي النحوي "ثعلب" -كما جاء في مقدمة كتاب معاني القرآن، للفراء -أحد أئمة الكوفة- بقوله: "لولا الفراء لما كانت عربية: لأنه خلصها وضبطها. ولولا الفراء ما كانت عربية؛ لأنها كانت تتنازع، ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس فيها على قدر عقولهم وقرائحهم فتذهب ... " والذي وصفه عالم آخر "كما جاء في معجم الأدباء -ج20 ص110" بقوله: "لو لم يكن لأهل بغداد من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان بهما الافتخار على جميع الناس". ا. هـ. وقيل عنه أيضًا -كما جاء في تهذيب ج11 ص212 -"والفراء أمير المؤمنين في النحو". ا. هـ، وفي تاريخ بغداد: "كان يقال: النحو الفراء، والفراء أمير المؤمنين في النحو". وقد وصفه يحق أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري. بأنه "إمام الكوفيين، ووارث علم الكسائي، ولا يترتب علينا إذا أخذنا بمذهبه" -راجع ص108 من محاضر جلسات الدور الرابع. ومنهم العبقري: "ابن جني". في كتابه الخصائص "ج1 ص362، 367، 439" ومن أوضح النصوص في هذه الصفحات ما جاء في ص367 من الباب الذي عنوانه: "باب في اللغة تؤخذ قياسًا" "وقد سجلته مجلة المجمع اللغوي في أحد أعدادها، وسجلته محاضر جلسته في دور الانعقاد الرابع ص45. وسجلناه في آخر الجزء الثاني من كتابنا. ثم هو صاحب المذهب الذي أخذه من المازني، ونصه -كما ورد في ص44 من تلك المحاضر، وفي ج1 ص367 من كتابه: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب". وهو القائل: "ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مثالهم، وأمَّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية". ومثل هذا ما جاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "المصباح المنير"، مادة: "خلف"، -ونصه: "عدم السماع لا يقتضي عدم الأطراد مع وجود القياس ... " ا. هـ. وأقوى من هذا كله ما دونه أبو البركات ابن الأنباري -المتوفى سنة 577 هـ- في كتابه: "لمع الأدلة" في أصول النحو" "الفصل الحادي عشر ص95" وفي مطلعه يقول ما نصه: "اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق؛ لأن النحو كله قياس؛ ولهذا قيل في حده: "النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب؛ ومن أنكر القياس فقد أنكر النحو. ولا نعلم أحدًا من العلماء أنكره؛ لثبوته بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة ... " ا. هـ. وقد رأى المجمع اللغوي الاعتماد على ما قاله ابن جني، وعلى أدلته في كثير من المسائل الأخرى -كما في "جـ1 ص226" من مجلته. ومن القائلين بقياسية المصدر: الزمخشري، ومكانته في العلوم العربية والشرعية معروفة "راجع كلامه ص13 من كتاب "القياس والسماع" لأحمد تيمور". لكل هذا لم يكن مقبولًا رأي "سيبويه"، ومن انضم إليه قديمًا وحديثًا، مخالفين رأي "الفراء" ومن وقف إلى جانبه؛ إذ يرى سيبويه أن الضوابط التي تحدد وتضبط مصادر الفعل الثلاثي لا يصح استخدامها قياسًا مطردًا قبل الرجوع إلى السماع، ويجب الاقتصار على المسموع وحده بعد البحث عنه والعثور عليه، وإنما تستخدم الضوابط والأقيس للوصول إلى المصدر حين لا يكون للفعل مصدر مسموع من العرب، فإذا ورد فعل لم يُعرف عن العرب كيف نطقوا بمصدره جاز استخدام القياس بتطبيق الضابط والقاعدة. أما مع ورود المصدر المسموع المعروف فلا يجوز؛ لأننا مقيدون "بالمصدر" الذي نطقت به العرب الخلص، وعرفناه عنهم، ولا داعي معه لخلق مصدر جديد لم ينطقوا به نصًّا. وهذا رأي غريب يعوق الانتفاع باللغة، ويسلمها إلى الجمود والتخلف. وأعجب من هذا، وأوغل في الغرابة أن يكون هناك رأي آخر يحرم استخدام الصيغ القياسية مطلقًا "أي مع وجود أخرى سماعية أو عدم وجودها، وسيجيء في ص291". والفراء وأنصار رأيه يخالفون. ولعل أظهر حججهم أن في رأي سيبويه إعناتًا من غير داعٍ؛ لأن القاعدة -أي قاعدة- إنما هي حكم عام مستنبط، كما شرحنا من الكثير الوارد عن فصحاء العرب، وضابط متنزع من الغالب الذي استعملوه، فكيف يراد منا أن نمتنع عن القياس على ذلك الكثير حين يوجد ما يخالفه ولو كان شاذًّا، وأن نقتصر على هذا المخالف وحده، دون استخدام القياس الذي يجري على نهج الكثير الفصيح المخالف له؟ كيف يتحتَّم علينا استعماله ولو كان شاذًّا، ويحرم علينا صوغ ألفاظنا وعباراتنا على النهج الغالب في كلام العرب الخلص مع علمنا أن الشاذ هو القليل النادر في كلامهم؟ ومع علمنا -كما تقدم- أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب؛ كما سجله ابن جني في المراجع السابقة، وكما يقرره جمهرة النحاة في مراجعهم، ومنه ما نقله الهمع -في باب الحال جـ1 ص247- عن أبي حيان ونصه: "إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة" -كما سيأتي هنا -وما نقله أيضًا -في باب التصريف جـ2 ص217- من مذاهب القياس، وفيها يقول ما نصه: "المذهب الثالث: التفصيل بين ما تكون العرب قد فعلت مثله في كلامها كثيرًا واطرد، فيجوز لنا إحداث نظيره، وإلا فلا ... " ا. هـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فليس استخدامنا المصدر القياسي مع وجود السماعي إلا كاستخدامنا الألفاظ والكلمات التي تجري عليها الرفع، أو النصب، أو الجزم في أساليبنا الخاصة التي تنشئها إنشاء يختاره كل منا على حسب هواه، ونؤلفها تأليفًا مبتكرًا لم تنطق به العرب نصًّا، ولم تعلم عنه شيئًا، وإن كان لا يخرج في هيئة تكوينه، ومادة كلماته، وترتيبها، وضبط حروفها -على النسق الوارد عنهم، ولا يتعدى حدودهم العامة، فهي أساليبنا، ومن صنعنا، وهي في الوقت نفسه أساليب عربية صميمة، وتسمى بهذا الاسم؛ لجريانها على النظام العربي الأصيل في مفرادتها، وطرائق تركيبها، وضبط حروفها؛ فلا مسوغ عند هؤلاء لمنع استخدام المصدر القياسي مع وجود السماعي المعروف. وشيء آخر: هو أن قصر القياس في هذا الباب على الأفعال التي لم يرد لها مصادر مسموعة، يقتضينا أن نرجع لكل المظان المختلفة، ونطيل البحث؛ حتى نطمئن إلى عدم وجود مصدر سماعي للفعل؛ كي نستبيح استعمال المصدر القياسي. وفي هذا من الجهد المضني والوقت ما لا يقدر عليه خاصة الناس، بلْه عامتهم. ولو أخذنا به قبل استعمال كل مصدر لحملنا أنفسنا مالا تطيق، ودفعناها إلى اليأس، والانصراف عن لغتنا، وأنكرنا واقع الحياة الذي قضي باستقلال العلوم والفنون، وتفرغ طوائف العلماء للفروع المستقلة، والاعتماد على رأيهم الخاص فيما تفرغوا له، واستحالة أن يتخصصوا معه في "اللغويات". ثم ما هو المراد الدقيق من عدم معرفة المصدر الوارد للفعل؟ ما حدود هذا؟ وما ضبطه؟ وكيف يتحقق مع تفاوت الناس علمًا، وعملًا، واقتدارًا على استحضار المراجع وغيرها؟.. إن رأي الفراء وأنصاره رأي سديد؛ فيه رفق، وحكمة، ومسايرة واضحة لطبائع الأشياء. وليس فيه ما يسيء إلى اللغة، أو يسد المسالك أمام الراغبين فيها، المقبلين على اصطناعها وإعلاء شأنها. ولهذا يجب الأخذ به وحده، والاقتصار عليه؛ حفاظًا على حياة اللغة، وإبقائها -على الأيام- فتية متجددة الشباب والنفع. وقد يكون المصدر الذي نصنعه ولم ينطق بلفظه العرب نصًّا -غريبًا على الأسماع، ولكن هذه الغرابة والوحشة يزولان بالاستعمال. ثانيهما: أن الراجع إلى الكلام العربي الأصيل، أو المطولات اللغوية. قد يجد مصادر أخرى مسموعة لا تساير تلك الضوابط والقواعد برغم دقتها وإحكامها. وهذه المصادر الأخرى هي التي يسمونها: "مصادر سماعية"، أو "مصادر شاذة"، أو "مصادر قليلة الاستعمال"؛ أو ما شاكل هذا من الأسماء الدالة على قلتها وعدم صحة القياس عليها ... والحكم الصحيح على مثل هذه المصادر السماعية أنه يجوز استعمال كل واحد منها -بذاته- مصدرًا سماعيًّا مقصورًا على فعله الخاص؛ فلا يجوز استخدام وزنه في إيجاد صيغة كصيغته لفعل آخر غير فعله المعين، ويجوز -أيضًا- استعمال المصدر القياسي لفعله، فاستعمال المصدر السماعي لفعل معير لا يمنع استعمال المصدر القياسي لهذا الفعل؛ فمن شاء أن يصطنع المسموع أو القياسي فله ما شاء، ويجري هذا على كل فعل له مصدران مقيس ومسموع، فإن استعمال أحدهما مباح. وإلا كلفنا جمهرة الناس ما لا تطيق -كما تقدم؛ إذ نطالبها بمعرفة المسموع لكل قياسي، والاقتصار على هذا المسموع وحده. وفي هذا من التعجيز وتعطيل القياس أفدح الضرر. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومما يؤيد استعمال القياس مع ورود السماع -وما أكثر ما يؤيده- ما جاء في "القاموس المحيط" -للفيروزآبادي- ج1 مادة: "سجد" من كلمات وردت في صيغة اسم الزمان أو المكان بالكسر، وكان قياسها الفتح، ومنها: مسجِد، مشرِق، مفرِق، مطلِع، مسقِط، مجزِر، مسكِن، منبِت، منسِك، مرفِق ... "ولهذا الحكم الخاص بالكلمات السالفة بيان وتحقيق مفيدان -في ص". وبعد أن سردها قال ما نصه: "ألزموها كسر العين، والفتح جائز، وإن لم نسمعه" ا. هـ.. وكذلك ما جاء في "تاج العروس شرح القاموس، مادة: "حج" حيث نقل عن السابقين أن المصدر السماعي الدال على المرة للفعل: "حَجَّ" هو: "حِجَّة" -على وزن: "فِعلَة" بكسر، فسكون، ففتح -بالرغم من أن هذه الصيغة خاصة بالمصدر الدال على "الهيئة" فقط في غير هذا. ولكنها استعملت مصدرًا لهذا الفعل يدل على "المرة" فقط، ولا يدل على الهيئة مطلقًا. ثم قال بعد ذلك ما نصه الحرفي خاصًا بصيغة "المرة": قال الكسائي: كلام العرب كله على فعلت فَعْلَة -بفتح، فسكون، ففتح -في المرة؛ إلا حججت حِجة، ورأيت رِئية". ا. هـ. ثم أردف صاحب التاج هذا بقوله مباشرة ما نصه: "فتبين أن "الفعلة" للمرة تقال بالوجهين؛ الكسر على الشذوذ، ولا نظير له في كلامهم، والفتح على القياس" ا. هـ، فهو يبيح القياس وتطبيق القاعدة مع وجود السماع المخالف لها، الوارد عن العرب. ومعنى هذا أن ورود السماع لا يلغي القياس، ولا يمنع استخدام القاعدة المخالفة. وكذلك جاء في القاموس مادة: "فسد" ما نصه: "لم يسمع انفسد" ا. هـ، فقال شارحه: "والقياس لا يأباه". هذا، وكما ينطبق حكم السماع والقياس على المصادر المختلفة ينطبق على غيرها مما له سماع وقياس ... كجموع التكسير، وسيجيء في بابها بالجزء الرابع، وكالمشقات، وسواها ... ولا معنى لقصر هذا الحكم على نوع دون نوع يماثله، أو مسألة أخرى تشابهها. قال الصبان "ج4" في باب "جمع التكسير" تعليقًا على بيت ابن مالك الذي صدره: "والزمه في نحو طويل ... " وعلى كلام ابن حيان، ... ما نصه: "إذا سمع في جمع التكسير غير قياسه امتنع النطق بقياسه، وهذا أحد قولين في المصدر الوارد على خلاف قياسه، وهو نظير ما نحن فيه". ا. هـ. ويقول صاحب كتاب "القياس في اللغة العربية للخضر، ص41 ما نصه: "أما الألفاظ التي لم ترد إلا على الوجه المخالف للقياس؛ نحو: "عبيد" -تصغير عيد- فيقتصر فيها على ما ورد عن العرب، إلا أن يبدو لك أن تتعلق بمذهب من يجيز إجراء الألفاظ على مقتضى القياس زيادة على الوجه الثابت من طريق السماع"" أهم وسيجيء -في ج4 أول باب: "جمع التكسير"- أن فريقًا من أئمة النحاة -في مقدمتهم الكسائي- زعيم المدرسة الكوفية -الذي أوضحنا منزلته في هامش ص189- يجيز استعمال السماع والقياس في الجموع، والمصادر، وغيرهما. فقد جاء في مقدمة: "القاموس المحيط"، في الأمر الخامس =
أ- أوزان المصدر الأصلي؛ "وهو المصدر الحقيقي الذي يراد عند الإطلاق؛ أي: عند عدم التقييد ببيان نوع معين من أنواعه1: المصدر الأصلي إما أن يكون لفعل ماضٍ ثلاثي، أو غير ثلاثي؛ علمًا بأن الفعل -ماضيًا وغير ماض- لا تتجاوز صيغته ستة أحرف. وأن الثلاثي لا بد أن يكون مفتوح الأول2. أما ثانية فقد يكون مفتوحًا، أو مضمومًا، أو مكسورًا، فأوزانه ثلاثة2 فقط؛ هي: فَعَلَ، فَعِلَ، فَعُلَ. والأساس الأول في معرفة مصادر الثلاثي، وإدراك صيغها المختلفة إنما هو الاطلاع على النصوص اللغوية الفصيحة، وكثرة قراءتها، حتى يستطيع القارئ بالدربة والمرانة أن يهتدي إلى المصدر السماعي الصحيح الذي يريد الاهتداء إليه. أما الأوزان والصيغ القياسية الآتية فضوابط أغلبية صحيحة تفيد كثيرًا في الوصول إلى المصدر القياسي؛ فيكتفي به من شاء، ولكن الاطلاع والقراءة أقوى إفادة، وأهدى سبيلًا. وفيما يلي أوزان المصادر القياسية للفعل الثلاثي المتعدي واللازم: 1- إن كان الماضي ثلاثيًّا متعديًا غير دالٍّ على صناعة؛ فمصدره
القياسي: "فَعْل"، نحو: أخذ أخْذًا، فتح فتْحًا، حمد حَمْدًا، سمع سمْعًا1. فإن دل على صناعة فمصدره الغالب: "فعالة"، نحو: صاغ الخبير المعادن صياغة دقيقة -حاك العامل الثوب حياكة متقنة، ثم خاطه الصانع خياطة جميلة2. ويلاحظ أن الثلاثي المعتدي لا يكون إلا مفتوح العين أو مكسورها. أما مضمومها فلا يكون إلا لازمًا، نحو: حسن، ظرف، شرف ... 2- وإن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مكسور العين، غير دالٍّ على لون، أو على معالجة3، أو على معنى ثابت، فمصدره القياسي: "فَعَل" نحو: تعِب تَعَبًا، جزِع جَزَعًا، وجِع وَجَعًا، أسِف أَسَفًا. فإن دل على لون، فالغالب في مصدره: "فُعْلَة"؛ نحو: سَمِر الفتى سُمرة، خضر الزرع خُضرة.
وإن دل على معالجة فمصدره: "فُعُول"؛ نحو: قدم قدومًا، صعد صعودًا، لصق لصوقًا. وإن دل على معنى ثابت فقياسه: "فُعُولة"؛ نحو: يبس يبوسة1. 3- وإن كان الماضي الثلاثي لازمًا، مفتوح العين، صحيحها، غير دال على إباء وامتناع، ولا على اهتزاز وتنقل وحركة متقلبة، ولا على مرض، ولا سير، أو صوت، ولا على حرفة أو ولاية -فإنَّ مصدره القياسي: "فُعُول" نحو: قعد قعودًا، سجد سجودًا، ركع ركوعًا، خضع خضوعًا ... فإن كان معتل العين فالغالب في مصدره أن يكون على: "فَعْل"، مثل: نام نومًا، صام صومًا. أو على "فِعَال"، نحو: صام صِيَامًا، قام قيامًا ... و ... فإن دل على إباء وامتناع فمصدره: "فِعَال" نحو: أبى إِبَاء، نفر نِفَارًا، شرد شِرَادًا، جمح جِمَاحًا. وإن دل على تنقل وحركة متقلبة فيها اهتزاز فمصدره: "فَعَلان"؛ نحو: طاف طوفانًا، جال جولانًا2- غلى غليانًا. وإن دل على مرض فمصدره: "فُعَال"، نحو: سعل سُعَالًا، رعف3 الأنف رُعَافًا. وإن دل على نوع من السير فمصدره: "فَعِيل"، نحو: رحل رحيلًا، ذمل4 ذميلًا.
وإن دل على نوع من الصوت فمصدره: "فَعِيل" و"فُعَال"؛ نحو: صرخ الطفل صريخًا وصراخًا، ونعب1 الغراب نعيبًا ونعابًا. وقد اشتهر "فعيل" مصدرًا لبعض الأفعال أكثر من "فعال"؛ مثل صهلت الخيل صهيلًا، أزت2 القدور أزيزًا. "ويؤخذ مما سبق أن وزن: "فعال" يكون مصدرًا لما يدل على مرض أو صوت، وأن وزن "فعيل" يكون مصدرًا لما دل على سير أو صوت أيضًا". وإن كان دالَّا على حرفة أو ولاية فمصدره: "فعالة": نحو: تجر تجارة، سفر سفارة، أمر إمارة، نقب نقابة3. 4- إن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مضموم العين4 فمصدره: إما: "فَعَالة"، وإما "فُعُولة". فيكون "فعالة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فعيل": نحو: ملُح فهو مليح، ظرُف فهو ظريف، شجُع فهو شجيع ... فالمصدر: ملاحة، ظرافة، شجاعة. ويكون: "فعولة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على: "فعْل"، نحو: سهُل فهو سهْل، عذُب فهو عذْب، صعُب فهو صعْب ... فالمصدر: سهولة، عذوبة5، صعوبة ... وهذا الضابط في الحالتين أغلبي منقوض بأمثلة أخرى، مثل: ضخُم فهو ضخْم، مع أن المصدر الشائع هو ضَخَامة. وملُح الطعام -أي: صار مِلحًا- ومصدره: المُلُوحة. مع أن الصفة المشبهة منه ليست على فعل ولا فعيل5. تلك هي الأوزان القياسية للفعل الثلاثي بنوعيه؛ المعتدي واللازم؛ وهي أوزان أغلبية. وقد يرد في الكلام المأثور ما يخالفها، فيجب قبوله على اعتباره مسموعًا يصح استعماله -بنصه- مصدرًا لفعله الخاص به، دون استخدام
صيغته ووزنها في أفعال أخرى، أو القياس عليها في فعْل غير فعله. وهذا الوزن السماعي لا يمنع استعمال الصيغة القياسية؛ كما أوضحنا أول الباب1. ومن أمثلة السماعي: سخط سُخْطًا، ذهب ذَهَابًا، شكر شُكْرًا، عظم عَظَمَة ... وغير هذا كثير؛ جعل النحاة يقررون ما سبق من أن أوزان المصادر القياسية للماضي الثلاثي، أوزان جارية على الأغلب، ولا تفيد الحصر؛ لوجود كثير سماعي غيرها2؛ حتى قيل إنها لا تكاد تنضبط3، واقتصر بعض النحاة على سرد تسٍع وتسعين صيغة تخالف كل واحدة منها القياس
الخاص بمصدر فعلها" ... 1 أما المصادر القياسية لغير الثلاثي فمضبوطة محصورة -غالبًا- وقل أن تخرج على الضوابط والحدود الموضوعة لها. كما سنرى. "ملاحظة": وردت ألفاظ سماعية، كل واحد منها يؤدي معنى المصدر ولكن بصيغة اسم المفعول من الثلاثي، فهي في حقيقة أمرها مصادر سماعية من جهة المعنى، جاءت ألفاظها على وزن: "مفعول"؛ منها: معقول، مجلود "في قولهم: فلان لا معقول له ولا مجلود له؛ أي: لا عقل له ولا جلد ... " مفتون2، ميسور3، معسور4. وكل ما سبق مقصور على السماع. ويرى سيبويه: أن تلك الألفاظ، ونظائرها ليست مصادر في المعنى، وأن كل واحد منها هو اسم مفعول في صيغته وفي معناه؛ فيجب عند تأويل الكلام الذي يحويه تأويلًا يساير اسم المفعول في المبنى والمعنى، دون التفات إلى المصدر5. مصادر الماضي غير الثلاثي: 1- إن كان رباعيًّا على وزن: "فعَّل"6 مضاعف العين، صحيح اللام "أي: صحيح الآخر" غير مهموزها، فمصدره القياسي: "تفعيل" مثل: قوَّم تقويمًا، وقصَّر تقصيرًا؛ في قولهم: من قوَّم نفسه بنفسه أدرك بالتقويم ما يبتغي، ومن قصَّر في إصلاح عيبه قعد به تقصيره عن بلوغ الغاية. وقد يكون على وزن: "فِعَّال" كقوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ،
وقد يكون على "فِعَال" بتخفيف العين؛ كقراءة من قرأ: "وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَابًا". فإن كان معتل اللام فمصدره "التفعيل" أيضًا، ويجب حذف ياء "التفعيل" والاستغناء عنها بزيادة تاء التأنيث في آخر المصدر، وزيادتها في هذه الصورة لازمة، فيصير: "تفعلة"؛ نحو: رضَّى ترضية، وزكَّى تزكية، وورَّى تورية، مثل: "رضَّى الأخ البار أخاه ترضية كريمة، وزكَّاه تزكية صادقة، وحين رأى منه بادرة إساءة ورَّى1 تورية تمنعه من التمادي". وأصل الأفعال: من غير التضعيف: رَضِيَ، زَكَا، وَرِيَ، فهي معتلة اللام ومصادرها مع التضعيف من غير حذف وتعويض هي: ترضِّيًا، تزكِّيًا، تورِّيًا ... فحذفت الياء الأولى التي هي "ياء التفعيل" وعوض عنها -وجوبًا- تاء التأنيث في آخر المصدر؛ فصار: ترضية. تزكية. تورية ... كما عرفنا. ومن الشاذ عدم الحذف. أو عدم التعويض. وإن كان مهموز اللام2 فمصدره "التفعيل"، أو "التفعلة" -وهذه هي الأكثر- نحو: برأ تبريئًا وتبرئة، وجزأ تجزيئًا وتجزئة، وهنأ تهنيئًا وتهنئة، وخطأ تخطيئًا وتخطئة3. "ملاحظة": مذهب البصريين أن "التَفعال" -بفتح التاء وإسكان الفاء- مثل4: تذكار، بمعنى: التذكر، هو مصدر: "فَعَل" "المفتوح
الأول والثاني بغير تشديد الثاني" -وجيء بالمصدر على ذلك الوزن للتكثير. وقال الفراء وجماعة من الكوفيين: إنه مصدر: "فعَّل" -مفتوح العين المشددة- ورجحه ابن مالك وغيره؛ لكون هذا المصدر للتكثير، و"فعل" المضعف العين للتكثير أيضًا، ولكونه نظير "التفعيل" في الحركات، والسكنات، والزوائد؛ ومواقعها1. وأسماعي هو أم قياسي؟ قولان؛ أظهرهما أنه قياسي2. أما "التِفعال" بكسر التاء، كالتبيان والتلقاء فليس بمصدر، بل بمنزلة اسم المصدر3. وإن كان الماضي رباعيًّا على وزن: "أفعل" صحيح العين فمصدره على "إفعال" نحو: أجمل الخطيب القول إجمالًا محمودًا، وأحسن الإلقاء إحسانًا بارعًا. فإن كان معتل العين نقلت في المصدر حركة عينه إلى فاء الكلمة، وحذفت العين، وعوض عنها -غالبًا- تاء التأنيث في آخره، نحو: أقام إقامة. أبان إبانة. أعان إعانة ... والأصل: إقوام. إبيان. إعوان. فعين المصدر حرف علة متحرك بالفتح وقبله حرف صحيح ساكن؛ فنقلت حركة حرف العلة "العين" إلى الساكن الصحيح قبله؛ "تطبيقًا للأساليب العربية وضوابطها". وحذف حرف العلة الأول للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصار
اللفظ: إقام، إبان، إعان، ثم زيدت تاء التأنيث في آخره؛ عوضا عن المحذوف؛ فصار المصدر: إقامة، إبانة، إعانة ... ومن الجائز ألا تزاد هذه التاء. ولكن الغالب زيادتها، كما سبق. وإن كان رباعيًّا مجردًا على وزن "فعلل" فمصدره الغالب: "فعللة". وقد يكون على "فعلال"1 مع قلته، نحو: دحرجت الكرة دحرجة ودحراجًا، سرهفت2 الصبي، سرهفة وسرهافًا. بهرج3 المنافق حديثه بهرجة، وبهراجًا1. ومثله الماضي الرباعي الذي على وزان: "فوعل" و"فيعل" فإن مصدرهما القياسي الغالب: "فعللة" -وهذه أكثر، و"فعلال"؛ نحو: حوقل4 حوقلة وحيقالا، وبيطر5 بيطرة وبيطارًا. وإن كان رباعيًّا على وزن: "فاعل" غير معتل الفاء بالياء -فمصدره "فِعَال" و"مفاعلة"، نحو: خاصمت الباغي مخاصمة، أو: خصامًا. صارعت الطاغية مصارعة، أو: صراعًا ... فارقت أهل السوء مفارقة، أو: فراقًا ... و"المفاعلة" أكثر وأعم اطَّرادًا6. فإن كان رباعيًّا معتل الفاء بالياء فمصدره "المفاعلة"، نحو: يامَنْتُ ميامنة، وياسَرْتُ مياسرة، "أي: ذهبت جهة اليمين، وجهة اليسار".
2- وإن كان خماسيًّا، على وزن: "تفعل" فمصدره "تفعل" نحو: تعلَّم الراغب تعلمًا، ثم تخرَّج تخرجًا، وتدرَّب تدربًا ... وإن كان خماسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل على وزن: "انفعل" فمصدره "انفعال"، "والوصول إليه يكون بكسر ثالث الفعل، وزيادة "ألف" قبل الحرف الأخير" نحو: انشرح صدري انشراحًا عظيمًا حين رأيت عدونا ينهزم انهزامًا ساحقًا. وإن كان خماسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل، على وزن: "افتعل" فمصدره: افتعال، "والوصول إليه يكون بكسر الثالث من الفعل، وزيادة "ألف" قبل الحرف الأخير" نحو: إذا اقتصد الفقير بلغ باقتصاده الغنى. من اعتمد على نفسه كان خليقًا أن يدرك باعتماده ما يريد. وإن كان خماسيًّا على وزن "تفعلَلَ" فإن مصدره يكون على وزن: "تفعلُل"، بضم الحرف الرابع؛ نحو: تدحرَج الحجر تدحرُجا. 3- وإن كان سداسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل، على وزن: "استفعل" وليس معتل العين فمصدره: "استفعال"، "والوصول إليه يكون بكسر الحرف الثالث من الفعل، وزيادة "ألف" قبل حرفه الأخير"؛ نحو: استحسان، واستقباح ... وأشباههما، مثل: إني أستحسن قراءة الأدب الرفيع استحسانًا لا يعادله إلا سماع الأغاني العالية الشجية، وأستقبح تافه الكتب استقباحًا لا يعادله إلا الأغاني الماجنة الخليعة. فإن كان على وزن "استفعل" مع اعتلال عينه، نقلت في المصدر حركة عينه إلى الساكن الصحيح قبلها، وحذفت العين، وجاءت تاء التأنيث في آخره؛ عوضًا عنها وهو عوض لازم، نحو: استعاد المريض قوته استعادة، والأصل: استعوادًا، جرى فيها ما أسلفنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ضم الحرف الرابع في الفعل الخماسي المبدوء بتاء زائدة للوصول إلى مصدره، ليس مقصورًا على "تفعلَل" وإنما يجري عليه وعلى ما يماثله، من كل فعل مبدوء بتاء زائدة، وعدد حروفه، وحركاتها، وسكناتها -يماثل "تفعلَل" من غير تقيد بنوع الحركات والسكنات؛ فليس من اللازم أن يكونا على وزن صرفي واحد؛ إنما اللازم أن يقابل المتحرك متحركًا، والساكن ساكنًا، وهذا الضابط يشمل عشرة أوزان غالبة: 1- تفعَّل؛ مثل: تجمَّل تجمُّلًا. 2- تفاعَلَ؛ مثل: تغافَل تغافُلًا. 3- تفعلَل؛ مثل: تلملَم تلملُمًا. 4- تفعْيَل؛ مثل: تبيْطَر تبيْطُرًا. 5- تمفْعَلَ؛ مثل: تمسْكَن تمسْكُنًا. 6- تفوْعَل؛ مثل: تجوْرَب تجوْرُبًا. 7- تفعْنَل؛ مثل: تقلْنَس تقلْنُسًا. 8- تفعْوَل؛ مثل: ترهْوَك ترهْوُكًا1. 9- تفعْلَتَ؛ مثل: تعفْرَت تعفْرُتا. 10- تَفَعْلَى؛ مثل: تَسَلْقَى تسلْقِيًا2. لكن تقلب الضمة هنا قبل الياء كسرة.
تلك هي أشهر المصادر القياسية للفعل الماضي الرباعي، والخماسي، والسداسي1. وهي على ضبطها واطرادها لم تسلم من مصادر مسموعة تخالفها، نحو:
حوقل الطائع حيقالا1. تنزى2 سرير الطفل تنزيا. تملق المنافق تملاقًا ... و.... والقياس: حوقلة. تنزية. تملقا3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من المصادر السالفة كلها، مقصور على السماع، لا يقاس عليه، ونص تصريحه: لِفَاعَل الفِعَالُ والمُفَاعَلَهْ ... وَغَيْرُ مَا مَرّ السّمَاعُ عَادَلَهْ أي: ساواه. ثم ختم ابن مالك الباب ببيتين في بيان الوزن الذي يصاغ عليه المصدر الدال على "المرة والهيئة" -وسيجيء شرحهما في مكانهما المناسب من ص230- هما: و"فَعْلَةٌ" لِمَرَّةٍ كَجَلْسَةْ ... وَ"فِعْلَةٌ" لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَةْ في غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بِـ"التَّا" المَرَّهْ ... وَشَذَّ فيه هَيْئَةٌ؛ كالْخِمْرَهْ
المسألة 99
المسألة 99: إعمال المصدر، واسمه 1:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 حين نقول: "تَحسَّنَ" أو "يتحسن" أو: "تحسنْ" نجد أن كل كلمة مستقلة من هذه الكلمات لا بد أن تدل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المحض السالف "أي: الحدث المجرد" والزمان "ماضيًا، أو حالًا، أو مستقبلًا ... و......" ولا يمكن أن تؤدي أمرًا واحدًا دون الآخر؛ ولذلك لا تسمى: "مصدرًا" وإنما تسمى: "فعلًا"، فالمصدر الصريح -غير الدال على المرة أو الهيئة- يؤدي شيئًَا واحدًا من شيئين يؤديهما الفعل، وهذا الشيء الواحد هو ما سوى الزمان. وفيه يقول ابن مالك في بيت سبق شرحه "في باب المفعول المطلق جـ2 ص155 م74": المصدر اسم ما سوى الزمان منْ ... مدولي الفعل؛ في كأمْنٍ من أمِنْ 2 وأننا حين نقول "متحسن" نفهم من هذه الكلمة -دون الاستعانة بغيرها- أمرين معًا؛ وهما: المعنى المحض "أي: الحدث المجرد" الذي أوضحناه، و"الذات" أي: المادة المجسدة المجمدة، أو: "الجسم" الذي يتصف بالتحسن، فلا بد من المعنى والذات معًا، ولهذا لا تصلح كلمة "متحسن" لأن تسمى: "مصدرًا" ولا فعلًا، وإنما تسمى: اسم فاعل "وسيجيء الكلام عليه في ص238. 3 وفي مثل: أعطيت المحتاج عطاء يكفيه، نجد كلمة: "عطاو" تدل على معنى مجرد محض، ولا تدل معه على شيء آخر. ولكنها لا تشتمل على جميع الحروف التي في فعلها المذكور في جملتها؛ إذ الهمزة الأولى غير موجودة لفظًا ولا تقديرًا، ومن هنا لا نستطيع أن نسمي كلمة: "عطاء" مصدرًا للفعل الماضي: "أعطى" وإنما نسميها: "اسم مصدر"؛ وسنعرفه هنا. ومثلها: كلمة "سلام" و"عون" في نحو: سلمت على اللاجئ سلام الأخ، وعاونته عون الشقيق؛ فإن كل واحدة منهما لا تصلح مصدرًا للفعل المذكور معها "برغم أنها تصلح لغيره" لأن حروفها خالية لفظًا وتقديرًا من بعض حروف فعلها، فكلمة: "سلام" تشتل على "لام" واحدة مع أن فعلها المذكور في جملته مشتمل على لام مشددة تعد لامين. وكلمة: "عون" خلية من الألف التي في فعلها المذكور معها، فكلاهما ليس مصدرًا، وإنما يسمى: "اسم مصدر" -وسيجيء في الصفحة الآتية إيضاحه، وأنه سماعي. 4 وفي مثل: دهن وكحل "بضم أولهما" من كل ما يشتمل على حروف فعله ولكنه ذات لا نسميه مصدرًا. 5- وفي مثل: برة؛ بمعنى: البر، وسبحان بمعنى: التسبيح، وحماد، بمعنى: الحمد -نجد هذه الكلمات وأشباهها، تدل على الحدث المجرد، ولا تدل معه على ذات، ولا زمان، ولا غيره، ولكننا لا نستطيع أن نسميها "مصادر؛ لأن كل واحدة منها صارت علم جنس"، يدل على المعنى الخاص به؛ فكلمة: "برة" جنس على "المبرة" بمعنى: البر، و"سبحان" علم جنس على: "التسبيح"، و"حماد" علم جنس على: الحمد؛ فهي ونظائرها أسماء مصادر "سبق الكلام عليها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في الجزء الأول ص209 م22 في علم الجنس". وقد قلنا إن المصدر لا بد أن يشتمل على كل حروف فعله الماضي، أو على أكثر منها. والمراد اشتماله عليها لفظًا أو تقديرًا. فاللفظي أن تكون جميع الحروف موجودة منطوقًا بها؛ نحو: أخذت أخذًا. تعلم الصبي تعلمًا، والتقديري: أن يكون الحرف محذوفًا قد عوض عنه حرف آخر، كمجيء تاء التأنيث في آخر المصدر عوضًا عن واو الفعل، في مثل وعد، عِدَةً، وكالتاء أيضًا حين تكون في أوله عوضًا، مثل سلم تسليمًا، وعلم تعليمًا؛ فإن إحدى اللامين حذفت من المصدر وجاءت في أوله التاء عوضًا. أو يكون الحرف محذوفًا للتخفيف وكثرة الاستعمال، مع ظهوره أحيانًا في بعض اللهجات واللغات؛ مثل: ضارب ضرابًا. قاتل قتالًا ... والأصل: ضيرابًا وقيتالًا؛ فقلبت الألف ياء لوقوعها بعد الكسرة، ثم حذفت تخفيفًا، ومن العرب من كان يظهرها. ومثال اشتمال المصدر على حروف أكثر من حروف فعله الماضي: إكرام، وإجمال -وأشباهمها؛ فإنهما مصدران للفعلين: "أكرم، وأجمل" وقد زيد في وسط كل مصدر منها الألف. ومثل: "فرقان" مصدر "فَرَق" فقد زيد في وسطه الألف. ومثل الألف التاء في كلمة: "معاونة" مصدر: عاون. ب- وأما اسم المصدر "وهو مقصور على السماع" فقالوا في تعريفه: "إنه ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه بخلوه لفظًا وتقديرًا من بعض حروف عامله -الفعل، أو غيره- دون تعويض". وذلك كعطاء؛ فإنه مساوٍ لإعطاء في المعنى، ومخالف له بنقص الهمزة الأولى لفظًا وتقديرًا من غير أن يعوض عنها شيء. فإن خلا منه لفظًا ولم يخلُ تقديرًا فليس اسم المصدر؛ وإنما هو مصدر -كما تقدم- مثل كلمة قتال؛ فإن أصلها: قيتال، على الوجه الذي شرحناه في هذه الصفحة، وإن خلا منه لفظًا ولكن مع تعويض عنه فليس باسم المصدر، وإنما هو مصدر أصيل؛ نحو: عدة، مصدر الفعل "وعد" فقد حذفت الواو، وجاءت التاء في آخر الاسم عوضًا عنها؛ كما قلنا آنفًا. فلا بد في اسم المصدر من نقص بعض حروفه الأصلية أو الزائدة. وأن يكون النقص بغير تعويض عنه، وبغير وجود المحذوف مقدرًا. إن الفرق اللفظي بين المصدر الأصلي واسم المصدر واضح مما سبق "ولا سيما قصر "اسم المصدر" على السماع، أما المصدر الأصلي فمنه القياسي ومنه السماعي ... " ولكن الفرق المعنوي بينهما في حاجة إلى تجلية وإبانة. فما معنى: "أن اسم المصدر يساوي المصدر في الدلالة على معناه؟ " ذهب النحاة في الإيضاح مذاهب لا تخلو من غموض أو نقص. ولعل خيرها ما جاء في كتاب: "الأشباه والنظائر" للسيوطي، منسوبًا لابن النحاس: قال ما نصه: "الفرق بينهما أن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره؛ كقولنا: إن كلمة "ضَرْب" هي مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرًا. يكون مدلوله: "معنى" "يقصد: أن مدلول كلمة "المصدر" ومفهومها وسماها، هو أمر معنوي محض، وأنه هو المصدر حقيقة، لا مجازًا. أما اللفظ المذكور في الجملة، المركب من حروف هجائية معينة، فليس بالمصدر الحقيقي" وسموًا ما يعبر به عنه مصدرًا، "مجازًا"، "أي: تسمية مجازية، لا حقيقية" -نحو: "ضرْب" في قولنا: إن: "ضرْبًا" مصدر منصوب، إذا قلت: ضربت ضربًا؛ فيكون مسماه لفظًا". ا. هـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهو يريد: أن كلمة "ضربًا" هي المسمى اللفظي المجازي لكلمة: "مصدر. ومقتضى هذا أن كلمة "مصدر" اسم له مدلولان أو مفهومان، وإن شئت فقل: له مسميان، أحدهما: معنوي محض؛ هو الحدث المجرد، وهذا الحدث هو المسمى الحقيقي -لا المجازي- لكلمة: مصدر. والمسمى الآخر لفظي؛ هو اللفظ الذي ننطق به، أو نكتبه، والذي نقول في إعرابه: إنه مصدر منصوب، وهو المصدر المجازي المراد منه المصدر الحقيقي المعنوي ثم قال بعد ذلك: "واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره؛ كسبحان؛ والمسمى به: "التسبيح" الصادر عن الشخص المسبِّح -مثلًا- لا لفظ التاء، والسين، والباء، والياء، والحاء، بل المعنى المعبر عنه بهذه الحروف، ومعناه البراءة والتنزية". ا. هـ. راجع ياسين على التصريح. ويفهم مما سبق أن اسم المصدر كالمصدر المجازي السالف؛ كلاهما يدل مباشرة على الحدث المجرد من غير واسطة. ولكن كثيرًا من المحققين يقولون إن اسم المصدر يدل مباشرة على لفظ لا على الحدث المجرد، وأن دلالته على لفظ المصدر تؤدي -تبعًا- إلى الدلالة على معنى المصدر، وبذا تكون دلالته على الحدث المجرد دلالة غير مباشرة، وإنما هي بالواسطة؛ إذ هي من طريق المصدر. "راجع الخضري والصبان في هذا الموضع من الباب". ومن أوضح أسماء المصادر كل اس يدل على معنى مجرد، وليس له فعل من لفظه يجري عليه؛ كالقهقهري؛ فإنه لنوع من الرجوع، ولا فعل له -في المشهور- يجري عليه من لفظه. وكذلك كل اسم يدل على معنى مجرد، ويجري على وزن مصدر الثلاثي، مع أن الفعل المذكور معه في الجملة غير ثلاثي؛ مثل: توضأ وضوءًا، وأعان عونًا، وما شابههما من الوارد المسموع -كالشأن في جميع أسماء المصادر فإنها مقيدة بالسماع. بقيت مسألة هامة، تتلخص في: أن بعض الباحثين المحققين ينكر وجود قسم مستقل يطلق عليه: "اسم المصدر". وحجته: ما سبق هنا، وأن تعريف المصدر الأصيل ينطبق عليه. وهذا رأي قوي ودفعه عسير. ومسألة أخيرة: "أشرنا إليها في ص183"، نوردها بمناسبة دلالة المصدر -في الغالب- على شيء واحد من شيئين يدل عليهما الفعل؛ فإن هذه الدلالة تثير سؤالا: أيهما أصل للآخر؟ فالبصريون يقولون: المصدر. ويحتجون بأدلة، أقواها: أنه يدل على شيء واحد؛ هو المعنى المجرد؛ فهو "بسيط". والفعل الماضي يدل على شيئين؛ المعنى والزمن؛ فهو مركب. و"البسيط" أصل المركب. والكوفيون يقولون: الفعل الماضي هو الأصل الذي يدخله بعض التغيير. فتتفرع منه المشتقات؛ لأنه يدل على ما يدل عليه المصدر وزيادة؛ والذي يتضمن غيره والزيادة عليه يعد أصلًا له. وهذا -وغيره مما ذكره الفريقان- لا يعدو أن يكون أدلة جدلية دفاعية، لها طلاوة الجدل القوي، وليس لها قوة الحجة المنطقية، ولا صحة البرهان. إذ ليس لدينا في المشتقات الكثيرة المسموعة عن العرب ما يدل من قرب أو بعد على الأصل الذي تفرع منه هذا المشتق. أما المسألة في واقعها فليست إلا مجرد اصطلاح محض، غير أن كلمة: "المصدر" في أصلها اللغوي معناها: "الأصل" وقد شاعت بهذا المعنى بين أكثر النحاة. وأطلقوها اصطلاحًا على أنها للفعل وللمشتقات كلها، فلا ضرر من الأخذ بهذا. والاقتصار عليه.
يعمل المصدر عمل الفعل1 في حالتين: الأولى: أن يحذف الفعل، وينوب عنه مصدره في تأدية معناه، وفي التعدي واللزوم، وكثير من أنواع العمل، نحو قول الشاعر: يا قابل التوب. غفرانا مآثم، قد ... أسلفتُها، أنا منها خائفٌ وَجِلُ وقول الآخر: شكرًا لربك يوم الحرب نعمته ... فقد حماك بعز النصر والظفر ونحو: تعظيمًا والديك، وتكريمًا أهلك، وإشفاقًا على ضعيفهم المحتاج. والأصل: اغفر مآثم2 ... اشكر لربك، عَظِّم والديك، كرِّم أهلك، وأشفق على ضعيفهم. فحذف فعل الأمر وجوبًا، وناب عنه مصدره، فعمل عمله في رفع الفاعل المستتر هنا، وفي نصب المفعول به، إن كان الفعل المحذوف ينصب مفعولًا به؛ كالفعلين: عظم، وكرم، وفي أكثر الأعمال الأخرى التي يعملها الفعل، كالعمل في النعت، وكتعلق الجار والمجرور به في المثال الأخير، وكغيرهما من باقي المعمولات؛ فكل هذا يعمله المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا. "وقد سبق3 تفصيل الكلام على هذا الموضع، وبيان الحذف الجائز فيه والواجب، والقياسي وغير القياسي، وكيفية إعراب هذا المصدر وباقي معمولاته، وكل ما يتصل به من هذه النواحي المختلفة....".
الثانية: أن يكون المصدر صالحًا -في الغالب1- للاستغناء عنه، بأن يحل محله فعل من معناه، مسبوق "بأن" المصدرية2، أو: "ما" المصدرية، فيسبق الفعل "بأن" المصدرية حين يكون الزمن ماضيًا، أو مستقبلًا. ويسبق "بما" المصدرية حين يكون ماضيًا، أو حالًا، أو مستقبلًا، ولكنها أوضح وأقوى في الزمن الحالي، حيث لا تصلح له "أن"؛ "لأنها لا تصلح إلا للماضي والمستقبل3؛ بخلاف "ما" فإنها صالحة للثلاثة". فمن أمثلة الماضي: ساءنا بالأمس مدح المتكلم نفسه. التقدير: ساءنا بالأمس أن مدح المتكلم نفسه، أو: ما مدح ... ومن أمثلة المستقبل: سنسر غدًا باجتياز الاختراع مرحلة الاختبار. وقولهم: تأن، ولا تعجل بلومك صاحبًا ... لعل له عذرًا وأنت تلوم4 والتقدير: " ... بأن يجتاز الاختراع مرحلة الاختبار، أو: بما يجتاز ... بأن تلوم صاحبًا أو: بما تلوم صاحبًا ... " ومثل: لا شيء أنقص للأحرار من إفشائهم الأسرار، أي: من أن يفشوا الأسرار، أو: مما يفشون، ومن أمثلة الزمن الحالي: ينعشنا الآن إشاعة الشمس الدفء. والتقدير: ينعشنا الآن ما تشيع الشمس الدفء. ومن هنا يتبين أن المصدر يصلح للعمل في الأزمنة الثلاثة بالطريقة المفصلة السالفة؛ دون غيرها. والذي يعينه لنوع خاص منها هو: القرينة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قلنا: إن الحالة الثانية هي التي يصلح فيها المصدر للاستغناء عنه "بأن والفعل" الذي بمعناه، أو: "ما والفعل" ... هذا الاستغناء أمر غالبي -فقط- كما نصوا على ذلك. وذكروا أمثلة لغير الغالب؛ منها قول بعض العرب: "سَمْع أذني أخاك يقول ذلك" فكلمة: "سمْع" مصدر، مبتدأ مضاف إلى فاعله: "أذُن" -وكلمة "أخا" مفعول للمصدر ... والجملة المضارعية من الفعل: "يقول"، وفاعله في محل نصب "حال" سدت مسد الخبر1 وأغنت عنه. ومثل قولنا: "كان استقبالك الضيوف حسنًا. إن إكرامك الوفود حميد لا إعراضَ عن أحد" ... فهذه المصادر -وأشباهها- عاملة في بعض كلام العرب، مع أنه يمتنع تأويلها بالفعل الذي قبله الحرف المصدري "أن"، أو "ما"؛ لالتزام أغلب العرب عدم وقوع الفعل المسبوق بأحد الحرفين في هذه المواضع؛ فلم يعرف عنهم وقوعه مبتدأ خبره حال سدت مسد الخبر، مثل: أن تسمع أذني أخاك يقول ذلك، ولم يعرف عنهم أيضًا وقوع "أن" المصدرية -بنوعيها المخففة من الثقيلة، والناصبة للمضارع- مع صلتها بعد "كان" و"إن" إلا مفصولة بالخبر، كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} ، ولا وقوع الحرف المصدري وصلته بعد "لا"، غير المكررة. أي: أنه لا يتحقق في هذه المواضع الاستغناء عن المصدر بالفعل المسبوق "بأن، أو ما" المصدريتين2. وليس من اللازم كذلك أن يتحقق هذا لعمل المصدر في شبه الجملة بنوعيه، فقد يعمل فيهما من غير إحلال ما ذكر محله. أما عمله القياسي في غير شبه الجملة فيستلزم صحة الإحلال بالتفصيل السالف. ب- من المصادر التي لا تعمل مطلقًا المصدر المؤكد لعامله المذكور
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجملة؛ مثل: "خرج الإنسان من نطاق الكرة الأرضية خروجًا"؛ لأن إعماله يقتضي -مراعاة للغالب- أن يصلح في مكانه إحلال الفعل مع "أن" المصدرية، أو "ما" المصدرية؛ فيكون التقدير؛ خرج الإنسان أن خرج، أي: خروجه، فيصير المصدر المنسبك مضافًا إلى ضمير كان في الأصل فاعلًا له. وهذه الإضافة تخرجه من المصدر المؤكد: -وهو مصدر مبهم، وإلى مصدر مضاف لفاعله، والمصدر المضاف نوعي، لا توكيدي؛ كما عرفنا في باب: "المفعول المطلق". ولكن هناك نوعًا من المصدر يؤكد عامله المحذوف وجوبًا، ويعمل عمله. وقد سبق إيضاح هذا النوع، وسرد فروعه وأحكامه1. كذلك المصدر العددي؛ فإنه لا يعمل -في الغالب الأرجح؛ لأن مجيء "أن" أو "ما" وصلتهما يزيل العدد حتمًا2، ويضيعه؛ ليحلا محله، فلا يوجد في التركيب الجديد ما يدل على العدد. أما المصدر النوعي فيعمل في بعض حالات قليلة -ولكنها قياسية- منها: أن يكون مضافًا لفاعله3 ولو كان هذا المصدر مفعولًا مطلقًا -نحو: زرعت حقلي زراعة الفلاح حقله ... أي: مثل زراعة الفلاح حقله، فقد عمل في فاعله المضاف إليه، وعمل النصب في مفعوله. وقد تكلمنا بمناسبة أخرى4- على أقسام المصدر ما يعمل منها، وما لا يعمل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- شروط أخرى: الشرط السابق لإعمال المصدر هو شرط "وجودي"، أو "إيجابي" كما نقول اليوم، "أي: لا بد من تحققه ووجوده" وهناك شروط أخرى يسميها النحاة شروطًا عدمية "أو: سلبية، بمعنى: أنه لا بد من عدم وجودها"، وأهمها: 1- ألا يكون مصغرًا؛ فلا يجوز: فُتَيْحك الباب بعنف أمر لا يسوغ. تريد: فتحك الباب1. 2- ألا يكون ضميرًا، فلا يجوز: حبي الأوطان عظيم، وهو بلادًا أجنبية أقل. تريد: وحبي بلادًا أجنبية أقل؛ فناب الضمير عن المصدر المحذوف. وهذا غير جائز إلا عند الكوفيين، ورأيهم هنا ضعيف؛ لأن الضمير النائب عن المصدر المحذوف لا ينوب عنه في العمل؛ طبقا للرأي الأصح، الأغلب الذي يؤيده الوارد الكثير. 3- ألا يكون مختومًا بالتاء الدالة على الوحدة2؛ فلا يصح: ابتهجت بضربتك العدو الغادر؛ لأن ضربة، مصدر مختوم بالتاء الزائدة الدالة على المرة الواحدة3. فإن كانت التاء من صيغة الكلمة وليست للوحدة، نحو: "رحمة" و"رهبة" جاز أن يعمل؛ نحو: رحمتك الضعفاء دليل نبلك. 4- ألا يتأخر عن معموله الذي ليس شبه جملة؛ فلا يصح: أعجبتني
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -المريض- مساعدتك". والأصل: أعجبتني مساعدتك المريض. أما المعمول شبه الجملة فالأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح تقديمه؛ لوروده في القرآن الكريم1 في قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} ، وقوله تعالى: {لا يَبْغُونَ، عَنْهَا، حِوَلًا} ، وقوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا، رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، وقولهم: "اللهم اجعل، لنا من أمرنا، فَرَجًا"، وقول الشاعر: وبعض الحلم عند الجهـ ... ـل للذلة إذعانُ والأصل: السعي معه. حِوَلًا عنها. رأفة بهما. فرجًا لنا من أمرنا. إذعان للذلة ... و ... ولا داعي للتكلف والتأويل للمنع، من غير داعٍ، وبخاصة في القرآن. 5- ألا يكون مفصولًا من معْموله -المفعول، وغير المفعول- بفاصل أجنبي2، ولا بتابع3، ولو كان هذا التابع نعتًا أو غيره من التوابع الأربعة4، فلا بد أن تقع بعده -مباشرة- كل معمولاته من غير فاصل أجنبي بينها؛ لأن الفصل بالأجنبي ممنوع مطلقًا ... فلا يجوز: إني أقوى على تأدية في الصباح أعمالًا مختلفة؛ أي: على تأدية أعمالًا مختلفة في الصباح. كما5 لا يجوز: إني أبادر إلى تلبية صارخًا المستغيث. أي: إلى تلبيةٍ المستغيثَ صارخًا ... و.... و....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ألا يكون مثنى أو جمعًا "فيجب أن يكون مفردًا" ومن الشاذ إعمال غير المفرد؛ كقول الشاعر: قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفَنَعَا1 فكلمة: "أبا" "من أبا قدامة" مفعول به للمصدر المجموع جمع تكسير، وهو: "تجارب"2. وأجاز بعض النحاة إعمال الجمع. ورأيه حسن؛ لورود السماع به في بضعة أمثلة، ولما فيه من تيسير يفيد ولا يضر. 7- ألا يكون محذوفًا والمعمول غير شبه جملة؛ فإن كان شبه جملة جاز إعمال المصدر المحذوف؛ ولهذا أجازوا أن يكون الجار والمجرور في: "بسم الله الرحمن الرحيم". متعلقًا بمصدر محذوف، والتقدير: ابتدائي باسم الله.
أقسام المصدر العامل المقدر بالحرف المصدري وصلته: ثلاثة أقسام رئيسية: 1- مضاف، وهو أكثرها عملا، وأعلاها فصاحة؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} ، المصدر الأول: "ذكر" مضاف لضمير "الكاف"، ومعها الميم1. وإذا أضيف المصدر فقد يضاف لفاعله وينصب المفعول به2 إن وجد؛ فيكون الفاعل مجرورًا في اللفظ، مرفوعًا في المحل، كقولهم؛ "مصاحبة المرءِ العقلاءَ ألزم، ومجانبة المرءِ السفهاءَ أسلم". فقد أضيف كل من المصدرين: "مصاحبة"، و"مجانبة" لفاعله: "المرء"، وجره لفظًا فقط؛ لأنه مرفوع محلا، ونصب المفعول بعد ذلك؛ وهو: "العقلاء" و"السفهاء"، ومثل قول الشاعر: وأقتل داء رؤية العين ظالما ... يسيء، ويتلى في المحافل حمدُهُ فالمصدر؛ وهو؛ "رؤية" أضيف لفاعله -"العين" المجرور لفظًا، المرفوع محلًّا، ونصب المفعول به "ظالمًا". ومثل: يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ فالمصدر: "وجدان" أضيف لفاعله: "نا" -على الوجه السالف- ونصب المفعول به: "كل". فإذا جاء تابع للفاعل -كالنعت، أو: التوكيد، أو: العطف، أو: البدل -جاز في التابع الجر؛ مراعاة للفظ الفاعل المتبوع، وجاز الرفع مراعاة لمحل هذا الفاعل؛ ففي المثال الأول: نقول: مصاحبة المرء العاقل العقلاء ألزم، ومجانبة المرء المهذب السفهاء أسلم، بجر كلمتَي: "العاقل"
و"المهذب"؛ أو برفعهما، على الاعتبارين السالفين1. وقد يضاف المصدر للظرف2؛ فيجره، ويرفع الفاعل وينصب المفعول به إن وجد؛ نحو: إهمال اليوم المريض الدواء معوق للشفاء. وقد يضاف المصدر لمفعوله؛ فيصير المفعول به مجرورًا في اللفظ منصوبًا في المحل3؛ ويجيء الفاعل بعدهما مرفوعًا إن وجد؛ كقولهم: "صيانة4 الحواسِّ الشابُ وديعة تنفعه في شيخوخته"5. والأصل: صيانة الشاب الحواس، فأضيف المصدر: "صيانة" إلى مفعوله: "الحواس" فصار المفعول به مجرورًا لفظًا، منصوبًا محلا. وتلاهما الفاعل مرفوعًا6. فإذا جاء للمفعول به تابع -من التوابع الأربعة- جاز في التابع الجر مراعاة للفظ المفعول به، أو النصب مراعاة لمحله. فنقول في المثال السالف: صيانة الحواس ِّالخمسَِ الشابُّ، دين عليها ... بجر كلمة: "الخمس" أو نصبها ... "ملاحظة": إنما يضاف المصدر لفاعله وينصب المفعول به، أو: العكس، حين يقتضي المقام ذكرهما، وإلا فقد يحذف أحدهما، أو
يحذفان معًا. فمن إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول به الذي لا يتعلق الغرض بذكره؛ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} ، والأصل: استغفار إبراهيم ربه لأبيه. كما يجوز العكس بحذف الفاعل مع ذكر المفعول به كقوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} ، أي: من دعائه الخير. 2- منون، ويلي السابق في كثرته وفصاحته، نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 1، فكلمة: "يتيمًا"، مفعول به للمصدر: "إطعام"، ومنه قول الشاعر: بضربٍ بالسيوف رءوسَ قومٍ ... أزلْنا هامهُنَّ2 عن المقيلِ3 فكلمة: رءوس، مفعول به للمصدر: "ضَرْب". 3- مبدوء "بأل" وهو -مع قياسيته كسابقيه- أقل منهما استعمالًا وبلاغة. ومن أمثلته قول الشاعر يَذُم: ضعيف النكاية4 أعداءَه ... يخال الفرارَ يراخي الأجلْ5 فكلمة: "أعداء" مفعول به للمصدر: "النكاية". إعمال اسم المصدر 6: اسم المصدر نوعان: علَم، وغيرُ علَم، فالأول لا يعمل7؛ ومن أمثلته: "برة" علم جنس على: "البر"، و"فجار" علم جنس على: "الفجرة" بمعنى: "الفجور"، بشرط أن يكون فعلهما: "أفجر" و"أبر" في
مثل: أفجر فلان فلانًا، وأبره؛ بمعنى: صيره ذا فجور، وبر. فإن كان فعلهما "فجر" و"بر" فهما مصدران مباشرة1. أما غير العلم فيعمل بالشرط الذي يعمل به المصدر الذي ليس نائبا عن فعله؛ "وهو: إحلال الحرف المصدري "أن" أو: "ما" وصلتها محله2". وإعمال اسم المصدر -مع قياسيته- قليل. والأفضل العدول عنه إلى المصدر قدر الاستطاعة، ومن أمثلة إعماله قول الشاعر: بعشرتك الكرام تعد منهم ... فلا ترين لغيرهمُ الوفا وقول الآخر: إذ صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرًا من الآمال إلا ميسرا فكلمة: "الكرام" مفعول به لاسم المصدر: "عشرة"، وفعله هنا: "عاشر". وكلمة: "المرء" مفعول به لاسم المصدر: "عَوْن" وفعله هنا عاون ... 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بعد إضافة المصدر إلى ما أضيف له، وبعد جره للمضاف إليه -كمل عمله بعد ذلك بالنصب أو بالرفع، وذلك بأن تأتي باللفظ منصوبًا مفعولًا به إن كان المصدر قبله مضافًا للفاعل المجرور في اللفظ، المرفوع في المحل. أو أن تأتي بكلمة مرفوعة فاعلًا، إن كان المصدر قبلها مضافًا للمفعول به وصير هذا المفعول مجرورًا في اللفظ منصوب المحل. وختم الباب بقوله: وجرّ ما يتبع ما جُرَّ ومن ... راعى في الإتباع المحل فحَسَنْ يريد: إن جاء تابع للمضاف إليه المجرور فجُرَّ "فاجرُرْ ... " هذا التابع؛ مراعيًا لفظ المجرور، سواء أكان مرفوعًا محلًا؛ لأنه فاعل، أو منصوبًا محلًا؛ لأنه مفعول به. وبين أن هذا الجر لمراعاة اللفظ ليس محتومًا؛ فمن يراعي المحل المرفوع أو المنصوب فعمله حسن، ورأيه سديد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بعض النحاة يجعل لاسم المصدر قسمًا ثالثًا يسميه: "المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة". ومن أمثلته: المحمدة، أي: الحمد، والمضرب، أي: الضرب، ومصاب، "بمعنى: إصابة" في قول الشاعر: أظلومُ1 إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام -تحية- ظلمُ لكن يرى المحققون أن المبدوء بالميم كالأمثلة السابقة -ونظائرها- هو نوع من المصدر يسمى: "المصدر الميمي"، "وله أحكام خاصة ستجيء في بابه"2، وليس باسم مصدر. وهذا الرأي هو الشائع اليوم، والأخذ به واجب، وإعماله عمل فعله كثير بالطريقة التي سنشرحها هناك2. أما المبدوء بميم زائدة للمفاعلة فمصدر أصيل نحو: قاومت الباطل مقاومة عنيفة، وناصرت أهل الحق مناصرة لا تواني فيها ولا قصور. ب- اسم المصدر العامل ثلاثة أقسام، كالمصدر العامل: 1- مضاف، وهو الأكثر؛ نحو: ناصرت الوطن نصر الحر وطنه، وهدمت الباطل هدم الخيمة صاحبها. وإضافته -كما رأينا- قد تكون لفاعله مع نصب المفعول به، وقد تكون للمفعول به مع رفع الفاعل. ويجوز في تابع المضاف إليه الجر مراعاة للفظه، كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز مراعاة محله في الرفع والنصب على الوجه الذي سبق في المصدر1. 2- منون؛ نحو: طربت لنصرٍ حرٌّ وطنه انتصارًا باهرًا. 3- ومحلى بأل؛ مثل: عاونت الصديق كالعون الأهلَ.. ج- من أحكام اسم المصدر العلَم أنه لا يضاف، ولا تدخل عليه "أل" التي للتعريف، ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، ولا يقصد به الشيوع2.
المسألة 100
المسألة 100: المصدر الدال على المرة، والدال على الهيئة: عرفنا1 أن المصدر الأصلي لا يدل بذاته إلا على: "المعنى المجرد"، فلا علاقة له -في الغالب- بزمان، ولا مكان، ولا تأنيث، ولا تذكير، ولا عَلَمية، ولا عدد، ولا هيئة، ولا شيء آخر غير ذلك المعنى المجرد. لكن من الممكن تناوله ببعض التغيير اليسير والزيادة اللفظية القليلة، فلا يُقتصر -بعدهما- على المعنى المجرد، وإنما يدل عليه وعلى شيء آخر معه هو: "المرة الواحدة"، أو: الهيئة"2، بمعنى: أن المصدر الأصلي يدل بعد هذا التغيير، والزيادة اللفظية -إما على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة العددية التي تبين الوحدة، "أي: أنه واحد، لا اثنان، ولا أكثر ... ". وإما على المعنى المجرد مزيدًا عليه وصفة بصفة من الصفات؛ كالحسن، أو: القبح؛ أو: الطول، أو: القصر ... أو غير ذلك مما يتصل بهيئته، وشكله، وأوصافه، لا بعدد مراته3. فالمصدر الأصلي في دلالته الأساسية الأولى خالٍ من التقييد، بخلافه إذا دل على المرة أو الهيئة؛ فإنه يكون في "المرة" مقيدًا -مع الحدث- بالدلالة على أن هذا الحدث مرة واحدة، وفي "الهيئة" يكون مع الحدث مقيدًا بوصف خاص4.
وإذا دل المصدر الأصلي -بعد التغيير- على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة على الوحدة -وهي "المرة"- أو على "الهيئة" فإنه يظل محتفظًا باسمه كما كان. ولكنه يشتهر باسم: المصدر الدال على "المرة"، أو على "الهيئة" فهو في الحالتين مصدر أصلي1 له اسمه، وكل أحكام المصدر الأصلي2. إلا أن الدال على "المرة" لا يعمل -كما سبق3. أ- فإذا أردنا الدلالة على "المرة" الواحدة من المصدر الأصلي لفعل ثلاثي فوق دلالته على المعنى المجرد: "أتينا بمصدره المشهور، مهما كانت صيغته، ومهما كان وزنه"، "وجعلناه على وزن: "فَعْل"، ولو بحذف أحرفه الزائدة إن اقتضي الأمر هذا"، "وزدنا في آخره تاء التأنيث": فيصير الوزن: "فَعْلَة"، وهي صيغة المصدر المطلوب الدال على "المرة" فوق دلالته على المعنى المجرد؛ ولا تتحقق هذه الصيغة إلا بتحقق الأمور الثلاثة السالفة. فللوصول إلى الصيغة الدالة على "المرة" من المصادر: أخذ، قعود، فرح، جولان وأشباهها ... يجب: "تجريد كل مصدر أصلي من حروفه الزائدة، إن وجدت"، ثم "تحويل صيغته بعد ذلك إلى: "فَعْل"، ثم "زيادة تاء التأنيث في آخرها"؛ فتصير: أخذة، قعدة، فرحة، جولة؛ وهذه المصادر الأصيلة تدل هنا على
المعنى المجرد، وعلى المرة معًا؛ نحو: أخذت من المال أَخْذة. قعدت على الأريكة قَعْدة. تجددت لنا فَرْحة بالنصر. قمت بجَوْلة حول المدينة. والمعنى: أخذة واحدة، قعدة واحدة، فرحة واحدة، جولة واحدة1. فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فعلة": نحو: نظرة. هفوة. رأفة. صيحة ... لم تدل بنفسها في هذه الصورة على المرة، ووجب زيادة لفظ آخر معها ليدل على "المرة" أو قيام قرينة أخرى تدل عليها. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا. فنقول مثلًا: ربما تنفع النظرة الواحدة في ردع المسيء. قد تعقب الهفوة الواحدة عواقب خطيرة. إن رأفة واحدة بضعيف قد تضمه إلى أعوانك المخلصين. أهلك الله بعض الغابرين بصيحة لم تتكرر2 ... ولا بد في صياغة "فَعْلة" الدالة على "المرة" من تحقق شرطين: أن تكون لشيء حسي صادر من الجوارح الظاهرة والأعضاء الجسمية، وأن يكون ذلك الشيء المحسوس غير ثابت؛ فلا تصح صياغة "فَعْلة" لدلالة على أمر معنوي عقلي محض، كالذكاء، أو العلم، أو الجهل، أو النبوغ ... ولا تصح صياغتها من الأوصاف الثابتة؛ كالظرف، والحسن. والملاحة، والقبح، والطول، والقصر ... وإن كان الفعل الماضي غير ثلاثي فالوسيلة للدلالة على المرة من مصدره الأصلي هي: زيادة تاء التأنيث في آخر هذا المصدر مباشرة، دون زيادة، أو حذف، أو تغيير آخر. مثل: "إنعام" مصدر الفعل الرباعي: "أنعَم"
و"تبيُّن" مصدر الفعل الخماسي: "تبين"، و"استفهام" مصدر الفعل السداسي: "استفهم" فإن صيغها الدالة على "المرة" هي: "إنعامة". تبيُّنة1. استفهامة ... نحو: إن إنعامة الله تملأ النفس انشراحًا. تبيُّنة الحق جلبت الخير ودَفَعَت البلاء. استفهامةٌ وهدايةٌ2 خير من صمت وضلالة. فإن كان مصدر الفعل غير الثلاثي مشتملًا في أصله على تاء التأنيث؛ فإنه لا يصح للدلالة المباشرة على المرة، ويجب زيادة لفظ آخر معه، أو قيام قرينة تدل عليها. نحو: "استعانة" تقول: استعانة واحدة بأريحي قد تمنع خطرًا داهِمًا. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا؛ كالمثال السالف. ب- وإذ أردنا أن ندل على "الهيئة" بمصدر الثلاثي -فوق دلالته على المعنى المجرد- صغناه بالطريقة السالفة على وزن: "فِعْلة"، "بأن نجيء بمصدر الفعل الثلاثي، دون غيره من الأفعال التي ليست ثلاثية ونحذف ما فيه من الحروف الزائدة إن وجدت،" ثم "نزيد في آخره تاء التأنيث"، ثم "نجعله على صورة: "فِعلة" فهذه أمور ثلاثة لا بد من تحققها؛ فنقول في مصادر الثلاثي السالفة: إخذة، قِعْدة، فِرْحة، جِيلة3 ... نحو: إخذة القط فريسته مزعجة، قِعْدة الوقور جميلة، فِرْحة العاقل يزينها الاعتدال، جِيلة3 الرحالة شاهدة برغبته في كشف المجهول. والمعنى: هيئة أخذ القط، وطريقته في الأخذ ... -هيئة قعود الوقور، وطريقته، وشكل قعوده ... -هيئة فرح العاقل وصورته في أثناء فرحه ... -هيئة جولان الرحالة، وشكل جولانه، ومنظره ... فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فِعْلة" الخاص "بالهيئة"؛ نحو: عِزة، نِشدة4، رِخوة5 ... وجب
التصرف بإيجاد ما يضمن الدلالة على "الهيئة"؛ كزيادة بعض الألفاظ للدلالة عليها؛ أو إقامة قرينة -أي قرينة- ترشد إليها، وإلى ما يراد منها من حسن، أو قبح، أو زيادة، أو نقص ... أو غير هذا من الأوصاف التي يراد وصف المصدر بها، مثل: العِزة الجاهلية تحمل صاحبها على الطغيان. نشدة المآرب بالحكمة كفيلة بإدراكها. ويلاحظ أن الدلالة على "الهيئة" بالصيغة المباشرة السالفة، إنما تقتصر على مصدر الفعل الثلاثي؛ مع زيادة التاء في آخر هذا المصدر إن لم تكن موجودة؛ فمنهما تتكون الصيغة الدالة بنفسها على المعنى المجرد وعلى "الهيئة" معًا. أما الأفعال التي ليست ثلاثية فلا تصاغ -قياسًا- من مصادرها الأصلية صيغة تدل على "الهيئة"، وإنما يزاد على المصدر الأصلي قرينة، أو لفظ يدل على الوصف المراد، من غير التزام قرينة معينة، أو لفظ معين. فعند إرادة الدلالة على الهيئة من المصادر: تكلُّم، استماع، اندفاع، وأشباهها ... نقول: التكلم الكثير مدعاة للملل. الاستماع الحسن أمارة العقل الراجح. الاندفاع الطائش مقدمة البلاء العاجل. ومجمل القول: إذا كان المصدر الأصلي موضوعًا في أصله على وزن: "فِعلة" كعزة"، وأردنا أن يدل على "المرة" وجب تحويله إلى صيغة "فَعلة" فنقول: ثارت في رأسي الجاهلي عَزة أبعدته عما يحسن بالعاقل. وكذلك إن كان موضوعًا في أصله على وزن: "فَعْلة"؛ كرحمة. وأردنا أن يدل على "الهيئة" فإننا نحوله إلى صيغة: "فِعْلة"؛ فنقول: رِحْمة، مثل: "رِحْمة تداوي، ورِحْمة تجرح"1. وخلاصة ما سبق: 1- أن الفعل الثلاثي يصاغ بشرطين -مصدره الأصلي الشائع على وزن: "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، و"المرة".
ويتوصل إليهما من مصدر غير الثلاثي بزيادة تاء التأنيث على هذا المصدر. 2- ويصاغ مصدر الثلاثي على وزن "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، والهيئة. ولا يصاغ المصدر للهيئة مباشرة من غير الثلاثي. 3- مصدر المرة والهيئة هو مصدر أصلي يحتفظ باسمه، وبخصائصه1 التي عرفناها، وبعمله. إلا أن المصدر الدال على المرة لا يعمل2. 4- إذا كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على صورة المصدر الذي نريد أن يدل على المرة أو الهيئة، وجب إدخال تغيير أو زيادة عليها أو المجيء بقرينة تدل على المراد، وتُرشد إلى المرة أو الهيئة، طبقًا للتفصيل الذي سبق ... 3.
المسألة 101
المسألة 101: ب 1 -المصدر الميمي: يصاغ من المصدر الأصلي للفعل الثلاثي وغير الثلاثي صيغة قياسية، تلازم الإفراد2 والتذكير3، وتؤدي ما يؤديه هذا المصدر الأصلي من الدلالة على المعنى المجرد ومن العمل -كما سيأتي- لكنها تفوقه في قوة الدلالة وتأكيدها4.
وتسمى هذه الصيغة: المصدر الميمي1. وتعرب -في الأغلب2- على حسب حاجة الجملة. 1- وللوصول إليها من الفعل الثلاثي غير المضعف3 نأتي بمصدره القياسي المشهور -مهما كانت صيغته- وندخل عليه من التغيير اللفظي ما يجعله على وزن "مفعل" -بفتح الميم والعين- وهذه هي الصيغة القياسية للمصدر الميمي في جميع حالات4 الفعل الماضي الثلاثي غير المضعف. ما عدا حالة واحدة5؛ وهي التي يكون فيها الفعل الماضي الثلاثي صحيح الآخر، معتل الفاء6 بالواو التي تحذف7 في مضارعه؛ "لوقوعها بين الفتحة والكسرة؛ مثل: وصل، وصف، وعد، وثب, وجد ... فإنها أفعال واوية الفاء، ومضارعها مكسور العين، محذوف الواو، وهو: يصل، يصف، يعد، يثب، يجد ... " وفي هذه الحالة الواحدة تكون على وزن: "مَفْعِل" بكسر العين8.
فمن أمثلة "مَفْعَل" بفتح الميم والعين: ملعب، بمعنى لعب. مسقط؛ بمعنى: سقوط. مصعد، بمعنى: صعود. مأكل؛ بمعنى: أكل. مغنم؛ بمعنى: غنم. مأثم؛ بمعنى: إثم. مخبثة؛ بمعنى: خبث. منطق، بمعنى: نطق. مقدم: بمعنى: قدوم. معاب1؛ بمعنى: عيب. وأفعالها الماضية: لعب، سقط، صعد، أكل، غنم، أثم، خبث، قدم، عاب، يقال: فلان رياضي يحسن مَلْعَب الكرة. سقط البرد، وكان مسقطه عنيفًا. صعدت إلى قمة الجبل مسترشدًا في مصعدي بخيبر. أهلك فلانًا مأكله الحرام ... ومثل قولهم: ليس في الشر مغنم، ولا لوم على امرئ إلا في مأثم، والكفر مخبثة لنفس المنعم. وقول الشاعر: لا يملأ الهول صدري قبل مقدمه ... ولا أضيق به ذرعًا2 إذا وقعا وقول الآخر: أنا الرجل الذي قد عبتموه ... وما فيه لعياب معاب3 ومن أمثلة: "مَفْعِل" بكسر العين": موصِل؛ بمعنى: وصول. موصِف، بمعنى؛ وصف. موعِد، بمعنى: وعد ... و..... و..... و...... فيقال: كان موصِلي للصديق تنفيذًا للموعِد الذي بيننا، وكان موصِفه لمكان التلاقي واضحًا؛ فلم أخطئه ... أي: كان وصولي للصديق تنفيذًا للوعد الذي بيننا، وكان وصفه4 ... فإن كان الثلاثي مضعف العين جاز في مصدره الميمي أن يكون مفتوح العين
أو مكسورها1 كالمفَِرّ -بفتح الفاء وكسرها- في قولهم: لا ينفع الجاني المفر من قصاص الدنيا، فقصاص الآخرة أشد. أما ما ورد من الألفاظ المسموعة خارجًا في صياغته على الضابط الموضح في الحالتين السابقتين؛ مخالفًا له -فحكمه: جواز استعماله بالصيغة الواردة، أو إخضاعه للضابط، وتطبيق القاعدة عليه؛ فيصاغ صياغة جديدة على حسب مقتضاها. 2- وإن كان الماضي غير ثلاثي فمصدره الميمي يصاغ على صورة مضارعه، مع إبدال أول المضارع ميمًا مضمومة، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا2 ... ففي مثل الأفعال: عرف، تعاون، استفهم ... يكون المضارع: يعرف، يتعاون، يستفهم. وتكون صيغة المصدر الميمي: معرف، متعاون، مستفهم ... يقال: "كان معرفك للنظرية العلمية واضحًا، والمتعاون بيننا في فهمها خير وسيلة لتحقيق الغرض، والإجابة على كل مستفهم أنارت غوامض البحث". تريد: "كان تعريفك. والتعاون بيننا ... والإجابة عن كل استفهام" ومثل قول الشاعر: ألا إنما النعمى تجازى بمثلها ... إذا كان مسداها إلى ماجد حرّ أي: إسداؤها. وملخص ما سبق من حيث: الصياغة القياسية، والحكم، والدلالة: 1- أن المصدر الميمي للماضي الثلاثي غير المضعف يصاغ دائمًا على وزن "مَفْعَل" -بفتح الميم والعين- إلا إن كان الماضي صحيح الآخر معتل
الأول بالواو التي تحذف عند كسر عين مضارعه، فيجيء مصدره الميمي على "مَفْعِل" بكسر العين1. أما المصدر الميمي للثلاثي المضعف فيجوز فيه فتح العين وكسرها. 2- وأن المصدر الميمي لغير الثلاثي يصاغ على صورة مضارعة، مع إبدال الحرف الأول ميمًا مضمومة، مع فتح الحرف الذي قبل آخره2. 3- وأن المصدر الميمي يلازم الإفراد3 والتذكير، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعًا في رأي كثير من النحاة. ويخالفهم -بحق- آخرون4. والراجح أنه لا يعد من المشتقات، ولكن يصح أن يتعلق به شبه الجملة -كما سبق5-. 4- أنه يعرب على حسب حاجة الجملة إليه ما كان منه مسموعًا بالنصب6.
5- ومن حيث العمل فإنه يعمل عمل مصدره1. 6- أما من حيث الدلالة فيدل على المعنى المجرد -كالمصدر الأصلي- ويمتاز الميمي بقوة دلالته وتأكيدها. ولا يدل على بيان السبب إلا سماعًا. "ملاحظة": جاء في بعض المراجع اللغوية ما نصه2: "إن كان الماضي الثلاثي معتل العين بالياء فالمصدر الميمي مفتوح العين، واسم الزمان والمكان مكسور كالصحيح؛ نحو: مال مَمَالًا، وهذا مَمِيله ... هذا هو الأكثر. وقد يوضع كل واحد موضع الآخر؛ نحو المَعاش والمَعِيش، والمسار والمسير. قال ابن السكيت: لو فُتِحَا جميعًا في اسم الزمان والمكان، وفي المصدر الميمي، أو كسرا معًا فيهما -أي: في الاسم والمصدر- لجاز، لقول العرب: المعاش والمعيش؛ يريدون بكل واحد: المصدر واسم الزمان والمكان، وكذا المعاب والعيب، قال الشاعر: أنا الرجل الذي قد عبتموه ... وما فيه لعياب معاب ... 3
وقول الآخر: أزمان قومي والجماعة كالذي ... منع الرحالة أن تميل مميلًا أي: أن تميل ميلًا. الرحالة: الرحل، والسرج أيضًا. وقال ابن القوطية أيضًا: من العلماء من يجيز الفتح والكسر فيهما؛ مصادر كن أو أسماء زمان ومكان؛ نحو: الممال والمميل، والمبات والمبيت" ا. هـ.
المسألة 102: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة
المسألة 102: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة مدخل ... المسألة 102: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة: تعريف كلٍّ، وصوغُه، وإعمالُه. اسم الفاعل، تعريفه: "اسم مشتق، يدل على معنى مجرد، حادث1 وعلى فاعله". فلا بد أن يشتمل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد الحادث، وفاعله، مثل كلمة: "زاهد"، وكلمة: "عادل" في قول القائل: "جئني بالنمر الزاهد، أجئك
بالمستبد العادل". فكلمة: "زاهد" تدل على أمرين معًا هما: الزهد مطلقًا، والذات التي فعلته أو ينسب إليها، وكذا كلمة: "عادل" تدل على أمرين معًا؛ هما العدل مطلقًا والذات، التي فعلته أو ينسب إليها، ومثلهما كلمتي: "واشٍ" و"سائل" في قول المعري: أعندي وقد مارست كل خفية ... يُصدَّق واشٍ1، أو يُخيَّب سائلُ ودلالة اسم الفاعل على المعنى المجرد الحادث، أغلبية؛ لأنه قد يدل2 -قليلًا- عن المعنى الدائم، أو شبه الدائم، نحو: دائم، خالد، مستمر، مستديم ... و ... 3 ودلالته على ذلك المعنى المجرد مطلقة "أي: لا تفيد النص على أن المعنى قليل أو كثير ... " فصيغته الأساسية محتملة لكل واحد منهما4، إلا أن وجدت قرينه تعين أحدهما دون الآخر.
صوغه 1: أ- يصاغ من مصدره الماضي الثلاثي، المتصرف، على وزن: "فاعِل"؛ بأن نأتي بهذا المصدر -مهما كان وزنه- وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن: "فاعِل". ولا فرق في الماضي بين المتعدي واللازم، ولا بين مفتوح العين، ومكسورها، ومضمومها2؛ نحو: "فتح، يفتَح، فتحًا؛ فهو: فاتح، قعَد، يقعُد، قعودًا؛ فهو: قاعد، حسب، يحسب، حُسابًا؛ فهو: حاسب. نعم، ينعم، نعمًا؛ فهو: ناعم" كرم، يكرم كرمًا؛ فهو كارم. حسن، يحسن، حسنًا؛ فهو: حاسن"؛ بشرط أن يكون الكرم والحسن أمرين طارئين، لا دائمين3
وكذلك بقية المعاني السابقة، حين يكون المراد النص على حدوث المعنى. ويجب أن يَتَحقق في صيغة: "فاعل" المذكورة أمران؛ أن يكون ماضيها الثلاثي متصرفًا، وأن يكون معنى مصدره غير دائم؛ لأن الماضي الجامد "مثل: نِعْم، وعسى، وليس ... " لا يكون له مصدر، ولا اسم فاعل، ولا شيء من المشتقات الأخرى، ولأن المصدر الدال على معنى دائم، أو شبه دائم -لا يُشتق منه ما يدل نصا على الحدوث، وعدم الدوام، وهو: اسم الفاعل. إنما يشتق من ذلك المصدر شيء آخر يدل على الدوام أو شبهه؛ "كالصفة المشبهة"1، ولها صيغ متعددة بتعدد الاعتبارات المختلفة، وأحكام خاصة بها، سنعرفها في بابها2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا: إن صيغة "فاعل" المراد بها: "اسم الفاعل" لا تُشتق إلا من مصدر فعل ماضٍ، ثلاثي، متصرف. ويتساوى في هذا كل أنواع الماضي "الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، مفتوح العين، ومضمومها، ومكسورها" ... فلا مكان للتوهم بأن بعض أنواع الماضي الثلاثي المتصرف اللازم لا يصاغ من مصدره اسم الفاعل على صيغة "فاعل" للدلالة على الحدوث نصًّا؛ إذ من أين يجيء التوهم بعد أن قطع الأئمة بالحكم العام السابق، وبقياسية: كرُم الرجل؛ فهو: كارم، بخل فهو: باخل، شرف فهو: شارف، "أي: صار صاحب شرف"، وحسن فهو: حاسن، وغني فهو: غانٍ ... و.... وأمثال هذا مما فعله ثلاثي متصرف، لازم، يدل على معنى طارئ غير ثابت، ولا شبيه بالثابت. أمَا إن كان المعنى ليس طارئًا حادثًا وإنما هو دائم أو شبه دائم -فيجب التصرف؛ إما بتغيير صيغة "فاعل" الدالة على الحدوث إلى أخرى دالة على الثبوث أو شبهه؛ كأن نقول: كريم، بخيل، شريف، حسن، غني -"كما سيجيء في باب الصفة المشبهة" وإما بإيجاد قرينة -لفظية أو معنوية - تدل على أن صيغة: "فاعل" لا يراد منها الحدوث؛ وإنما يراد منها الثبوت، ومن القرائن اللفظية: إضافة اسم الفاعل من الثلاثي اللازم إلى فاعله1، نحو: لي صديق، راجح العقل، رابط الجأش، حاضر البديهة ... والأصل: راجع عقله،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رابط1 جأشه، حاضرة بديهته. ومنها: أن تكون صيغته اللفظية صريحة الدلالة على الدوام أو شبهه2. ومثال القرينة المعنوية قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وقول المؤمن: رباه، آمنت بك، خالقَ الأكوان، لا شريك لك، وخفتك قاهرَ الطغاة لا يعجزك شيء ... وقول شوقي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قف "بروما"1 وشاهد الأمر، واشهد ... أن للملك مالكًا، سبحانَهْ فهذه الأوصاف المتصلة بالله، من المُلك2 والخلق، والقهر ليست طارئة، ولا عارضة، ولا مؤقتة بزمن محدود تنقضي بانقضائه؛ لأن هذا لا يناسب المولى جل شأنه، ومن ثم كانت تلك الصيغ في معناها ودلالتها: "صفات مشبهة" وليست "اسم فاعل"، إلا في الصورة اللفظية، والأحكام النحوية الخاصة به برغم أنهما على صيغة: "فاعل"؛ فهذا الوزن وحده ليس كافيًا في الدلالة على الحدوث أو على الثبوت والدوام؛ فلا بد معه من القرينة التي تعين أحدهما، وتزيل عنه اللبس والاحتمال؛ كي يمكن القطع بعد ذلك بأنه في دلالته المعنوية -لا الشكلية- اسم فاعل، أو صفة مشبهة.
ب- ويصاغ اسم الفاعل من مصدر الماضي غير الثلاثي بالإتيان بمضارعه، وقلب أول هذا المضارع ميمًا مضمومة، مع كسر الحرف الذي قبل آخره، إن لم يكن مكسورًا من الأصل. فإذا أردنا الوصول إلى اسم الفاعل من الفعل: "قاوم" آتينا بمضارعه، وهو: "يقاوم"، وأجرينا عليه ما سبق؛ فيكون اسم الفاعل هو: "مقاوم"، وفي مثل: يتبين -وهو مضارع للماضي: "تبين"- نقول: متبيِّن ... نحو: الفريسة مقاوِمة المفترس، والغلب متبيِّن للقوي. وفي مثل: أذل وأعز؛ ومضارعهما يذل ويعز ... نقول: "مذِلّ" و"معِزّ" كقول عائشة -رضي الله عنها- في رثاء أبيها: "نضر الله وجهك يا أبت؛ فقد كنت للدنيا مذلًا بإدبارك عنها، وللآخرة معزًا بإقبالك عليها". ج- مجيء الصيغة من مصدر الفعل غير الثلاثي بالطريقة السالفة لا يكفي -من غير قرينة- للقطع بأنها صيغة "اسم فاعل"؛ فقد يوهمنا مظهرها أنها كذلك، مع أنها في حقيقتها "صفة مشبهة"؛ بسبب دلالتها على معنى ثابت. ومن هذا: الصيغة المضافة إلى فاعلها1 في مثل: "النجم مستدير الشكل، متوقد الجرم؛ مستضيء الوجه. والكوكب مستدير الشكل، منطفئ الجسم، مظلم السطح". والأصل: مستدير شكله، متوقد جرمه، مستضيء وجهه، منطفئ جسمه، مظلم سطحه. وأفعالها هي: "استدار, توقد، استضاء، انطفأ، أظلم ... و ... " فقد قامت في الأمثلة السابقة قرينة لفظية، "هي إضافة الصيغة إلى فاعلها على الوجه المشروح" وقرينة معنوية، "هي اليقين الشائع بدوام تلك الأوصاف"، وتدل كل منهما وحدها على أن الصيغة ليست اسم فاعل؛ بالرغم من صورتها الظاهرة. وإذًا لا بد من قرينة تقوم بجانب الصيغة هنا -كما قامت في صيغة "فاعل" المشتق من مصدر الثلاثي؛ لتبعد الوهم، وتحدد النوع؛ أهو اسم فاعل نصًّا، أم صفة مشبهة قطعًا. د- لا بد من زيادة تاء التأنيث في آخر "اسم الفاعل" للدلالة على
تأنيثه، سواء أكان فعله ثلاثيًّا أم غير ثلاثي؛ إلا في المواضع التي يحسن ويكثر ألا تزاد فيها1، ومنها: اسم الفاعل الخاص بالمؤنث؛ كالمرأة مثلًا؛ أي: الخاص بأمر مقصور عليها، يناسب طبيعتها وتكوينها الجسمي؛ فلا يحتاج لعلامة تدل على التأنيث، وتمنع اللبس؛ مثل: الحامل، والمرضع، في نحو: "ولدت الحامل، وصارت مرضعًا"2. هـ- كسر الحرف الذي قبل الآخر في اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي -قد يكون كسرًا ظاهرًا كما في مثل: "متوقِّد، منطفِئ، مظلِم ... "، وقد يكون مقدرًا كما في مثل: "مستضِيء، مستدير، مختار"؛ فأصلها: مستضْوِئ، مستدْوِر، مختَيِر ... و ... فقلبت الواو في الكلمتين الأوليين ياء بعد نقل كسرتها إلى الساكن الصحيح قبلها؛ تطبيقًا لقواعد صرفية في "الإعلال". وكذلك قلبت الياء في "مختير" ألفًا: لوقوعها متحركة بعد فتحة ... إعماله: يجري اسم الفاعل مجرى فعله في العمل، وفي التعدي واللزوم بتفصيلات وشروط تختلف باختلاف حالتي تجرده من: "أل" الموصولة3 أو اقترانه بها4.
أ- فإن كان مجردًا منها رفع فاعله بغير شرط إن كان الفاعل ضميرًا مستترًا1 أو ضميرًا بارزًا2، وعمل كذلك في باقي المعمولات التي ليست فاعلًا ظاهرًا، ولا مفعولًا به. أما الفاعل الظاهر فلا يرفعه إلا إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا للشروط الآتية3، وفي مقدمتها اعتماده على أحد الأشياء المذكورة هناك. نحو: أقادم صديقنا الآن؟ وأما نصبه المفعول به فلا يجوز إلا بعد استيفائه تلك الشروط، ومنها الاعتماد أيضًا، وأن يكون: بمعنى الحال أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد4 الذي يشمل الأزمنة الثلاثة، مثل: "من يكن اليوم مهملًا عمله يجد نفسه غدًا فاقدًا رزقه". ومثل: "ما أعجب الصانع الماهر، مديرًا مصنعه في حزم، مدبرًا أمره في يقظة". ويقولون في سبب إعماله: إنه جريانه -غالبًا- على مضارعه الذي بمعناه5، وإن هذه الشروط تقرِّبه من الفعل، وتبعده من الاسمية المحضة ...
ولهذا يمكن أن يحل محله المضارع الذي بمعناه. فإن لم يكن اسم الفاعل المجرد من "أل" الموصولة مستوفيًا الشروط الآتية -ومنها الاعتماد- لم يرفع فاعلًا ظاهرًا ولم ينصب مفعولًا به. وإن لم يكن بمعنى الحال، أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد؛ بأن كان بمعنى الماضي المحض، لم ينصب المفعول به إلا بشرطين: أولها: تحقق الشروط الآتية؛ ولا سيما الاعتماد. وثانيهما: صحة وقوع مضارعه موقعه من غير فساد المعنى. نحو: "كانت الأمطار أمسِ غاسلةً الأشجارَ، منقيةً مياهُها الهواءَ"؛ إذ يصح: كانت الأمطار أمس تغسل الأشجار وتنقي مياهها الهواء. ولا يصح: هذا حاصدٌ قمحًا أمس؛ إذ لا يقال: هذا يحصد قمحًا أمس. وأما عمله في شبه الجملة بنوعيه وفي باقي المعمولات الأخرى التي ليست بفاعل ظاهر، ولا بمفعول به منصوب -فلا يشترط فيها شيء؛ لأن الشروط مطلوبة لإعماله في الفاعل الظاهر، والمفعول به المنصوب، كما أسلفنا، وهذا أمر يجب التنبُّه له. وإنما أهمل اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي، فلم ينصب المفعول به مباشرة من غير اشتراط شيء -كما نصب فعله المتعدي- لأنه لا يجري على لفظ الفعل الماضي الذي بمعناه، فهو يشبهه معنى، لا لفظًا؛ ولهذا لا يجوز أن ينصب المفعول به مباشرة عند عدم تحقق الشروط؛ فيجب في هذه الصورة الإضافة، بأن يكون اسم الفاعل مضافًا، ومعموله مضافًا إليه مجرورًا1، ولا يصح تسمية هذا المعمول مفعولًا به، ولا إعرابه كذلك ... والإضافة في
هذه الصورة إضافة محضة، لا يجوز فيها وجود "أل" في اسم الفاعل ما دام بمعنى الماضي فقط كما تقدم في باب الاضافة1. وفيما يلي تلك الشروط التي أشرنا إليها: 1- أن يسبقه شيء يعتمد عليه؛ كالاستفهام المذكور نصًّا، مثل قول الشاعر: أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به ... أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوبِ? أو الاستفهام المقدر في مثل: غافرٌ أخوك الإساءة أم محاسب عليها؟ فإن الأصل: أغافرٌ أخوك ... ؟ بدليل وجود "أم" المعادلة2 ... أو النداء في مثل: يا بانيًا3 مستقبلك بيمينك ستدرك غايتك. أو النفي4 في مثل: ما مخلفٌ عهده شريف، وقول الشاعر: سليمُ دواعي الصدر5، لا باسطًا أذى ... ولا مانعًا خيرًا، ولا قائلًا هجرًا6 أو: أن يقع نعتًا لمنعوت مذكور؛ في مثل: الحسد نار قاتلةٌ صاحبها. أو لمنعوت محذوف لقرينة؛ مثل: كم معذب نفسه في طلب الحرية لبلاده يرى العذاب من أجلها نعيمًا، وكم مبدد ثروته في سبيلها يرى التبديد ذخرًا. أو يقع حالًا في مثل: سحقًا وبعدًا للمال جالبًا الذل والشقاء لصاحبه. أو يقع خبرًا لمبتدأ، أو لناسخ، أو مفعولا لناسخ؛ مثل: هذا منفقٌ مالًا في وجوه البر. اشتهر العربي بأنه حامٍ عشيرته، أحسب الحر موطنًا نفسه على احتمال المشتقات في سبيل حريته، وكنت أزعم المشقة موهنةً عزيمته؛ فإذا هي
أكبر حافز. أعلمتُ الجنودَ القائدَ مضاعفًا الثناء عليهم ... 2- ألا يكون مصغرًا، فلا يصح: يقف حويرسٌ زرعًا؛ أي: يقف حارس زرعًا. 3- ألا يكون له نعت يفصل بينه وبين مفعوله؛ فلا يصح: يقبل راكب مسرعٌ سيارةً. فإن تأخر النعت عن مفعول اسم الفاعل جاز؛ يقبل راكب سيارة مسرع. ويجوز الفصل بالنعت إن كان معمول اسم الفاعل شبه جملة، لا مفعولًا به؛ نحو: "لا تستشر إلا قادرًا، ناصحا، على حل المشكلات، ولا تركن إلى صداقة ساعٍ، طامع، وراء مآربه"؛ والأصل: قادرًا على حل المشكلات، ناصحًا، ساعٍ وراء مآربه، طامع. 4- ألا يفصل بينه وبين مفعوله فاصل أجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لاسم الفاعل، وإنما يكون معمولًا لغيره"؛ فلا يجوز "هذا مكرِّمٌ، واجبها، مؤديةً" والأصل: هذا مكرمٌ مؤديةً واجبها؛ ففصلت كلمة: "واجب" بين اسم الفاعل ومفعوله، مع أنها ليست معمولًا لاسم الفاعل: "مكرم"؛ وهذا لا يصح. وهناك حالة يصح فيها الفصل بالأجنبي؛ هي: أن يكون الفاصل الأجنبي شبه جملة، أو أن يكون معمول اسم الفاعل شبة جملة، لا مفعول به؛ نحو: الرحيم مساعدٌ، عن النهوض، عاجزًا. ونحو: إن هذا الشاهد ناطقٌ، نافعٌ، بالحق، والأصل: الرحيم مساعد عاجزًا عن النهوض. إن هذا الشاهد ناطق بالحق نافع1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = استفهامًا "أي: يقع بعد استفهام" أو: بعد حرف نداء، أو: بعد نفي، أو: أن يكون اسم الفاعل صفة "والمراد بها هنا: النعت، والحال". أو مسندًا. والإسناد المقصود يتحقق بكونه خبرا للمبتدأ أو الناسخ، كما يتحقق بكونه مفعولًا لناسخ من النواسخ التي تنصب مفعولين أو أكثر. "والجار والمجرور: "عن مضيه" متعلقان بكلمة: "معزل": فإن اسم المكان فيه رائحة الفعل، برغم أنه مشتق لا يعمل؛ فيجوز أن يتعلق به شبه الجملة، كما في رقم 5 من هامش ص235 وفي رقم 2 من هامش ص321، وكما سبق في ج2 ص343 م89 عند الكلام على تعلق شبه الجملة، وراجع الخضري عند كلامه على البيت السالف". هذا ما تضمنه البيتان. وفيهما قصور واضح تداركناه في الشرح. أو يقع نعتًا في المعنى لمنعوت محذوف معروف. وهذا الذي يشير إليه ابن مالك بقوله بعد البيتين السابقين: وقد يكون نعتُ محذوفٍ عرفْ ... فيستحق العمل الذي وُصِفْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يختلف الاعتماد هنا عنه في باب: المبتدأ والخبر؛ فهو هناك مقصور على النفي والاستفهام دون غيرهما -كما أشرنا1- فوجود أحدهما شرط "أغلبي" لكي يرفع الوصف فاعلًا يغني عن الخبر. وقد يمكن الاستغناء عن هذا الشرط هناك. فيرفع الوصف فاعله الذي يستغني به عن الخبر بدون اعتماد على نفي أو استفهام، كما أوضحنا الحكم وتفصيله في موضعه المناسب من باب: المبتدأ والخبر2. ب- إذا وقع الوصف "ومنه اسم الفاعل ... " مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه عن الخبر فإنه يحتاج إلى شروط أغلبية3 أخرى؛ أهمها: ألا يكون مُعرَّفا، ولا مثنى، ولا مجموعًا؛ لأن الوصف -فيما يقولون- بمنزلة الفعل، والفعل لا يعرف، ولا يثنى، ولا يجمع. وتفصيل هذا في مكانه من الباب المشار إليه....4. ج- إذا رفع اسم الفاعل ضميرًا مستترًا وجب أن يكون مرجع هذا الضمير غائبا5؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب؛ ففي مثل: أنا ظانٌّ محمدًا قائمًا -يكون التقدير: أنا رجل ظان ... فالضمير في: "ظان" تقديره: "هو"، يعود على ذلك المحذوف، ولا يصح تقديره: أنا6 ... فقد قال النحاة: إن الضمير قد يختلف مع مرجعه في مثل: "أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" كما عرفنا. لكن ما مرجعه؟ يجيبون: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره. فالضمير للغائب، تقديره؛ "هو" عائد هنا على محذوف حتمًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يصح عودته على الضمير: "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا"، بدلًا من: "هو" لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغالب أيضًا. الظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل، بل يسري على غيره من المشتقات المحتملة ضميرًا مستترًا؛ فيجب إرجاعه للغائب كذلك.
ب- وإن كان اسم الفاعل مقترنًا "بأل" الموصولة1 فإنه يعمل مطلقًا بغير تقيد بزمن معين2، ولا بشرط من الشروط السالفة التي منها: الاعتماد، وعدم التصغير ... و ... نحو: ما أعجب رائدنا هذا، فهو الناظم أمس قصيدة رائعة، وهو الناطق الآن الحكمة والبيان، وهو المواجه خصمه غدًا بالحجة والبرهان3 ... وكقول المتنبي: القاتل السيف في حسم القتيل به ... وللسيوف كما للناس آجالُ بعض أحكام اسم الفاعل العامل: 1- إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا شروط إعماله لنصب المفعول به جاز نصب هذا المفعول مباشرة -بشرط أن يكون اسمًا ظاهرًا- وجاز جره باعتباره "مضافًا إليه"، واسم الفاعل هو "المضاف"؛ ففي نحو: ما أنت اليوم مصاحب الغادر -يصح نصب كلمة: "الغادر" باعتبارها مفعولًا به لاسم الفاعل، ويجوز جرها باعتبارها مضافًا إليه. فإذا جاء تابع للمفعول به المنصوب مباشرة وجب في هذا التابع النصب، مراعاة للفظ المتبوع المنصوب، ولا يصح إلا النصب. أما عند جر المتبوع بالإضافة فيجوز في تابعه الأمران، إما مراعاة الأصل السابق وهو النصب؛ لأن المضاف إليه كان مفعولًا به في أصله -وإما مراعاة الأمر الواقع الآن، وهو: الجر. ففي مثل: ما أنت مصاحب الغادر
والمنافقَ، يتعين نصب المعطوف، وهو كلمة: "المنافق" تبعًا للمعطوف عليه المنصوب؛ وهو كلمة: "الغادر". وفي مثل: ما أنت مصاحب الغادر والمنافق؛ بجر المعطوف عليه، يجوز في المعطوف النصب، ويذكر في إعرابه: أنه منصوب؛ تبعًا لأصل المعطوف عليه، كما يجوز فيه الجر تبعا لحالة المعطوف اللفظية. ويجوز في مفعول اسم الفاعل أن تدخل عليه لام التقوية1، فتجره، نحو: أنت متقنٌ "العملَ" أو للعمل ... ونحو قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 2، والأصل: فعّال2 ما يريد. فإن كان لاسم الفاعل المستوفي الشروطَ مفعولان أو ثلاثة وأضيف إلى واحد منها وجب ترك الباقي مفعولًا به منصوبًا كما كان، نحو: أنا ظانٌّ الجوَّ معتدلًا. أأنت مخبرٌ الصديقَ الزيارةَ قريبةً؟ وفعلهما "ظن" الناصب لمفعولين، و"أخبر" الناصب لثلاثة، فاسم الفاعل المستوفي لشروط نصب المفعول به مماثل لفعله في نصب المفعول به أو المفعولين أو: الثلاثة، وعند إضافته لمفعول به منها يظل الباقي على حاله منصوبا3. وقد يضاف اسم الفاعل للخبر؛ لشبهه بالمفعول به، مثل: أنا كائن
أخيك. فإن كان مفعول اسم الفاعل ضميرًا متصلًا وجب جره بالإضافة1 نحو: والدك مكرمك، ولا يجوز إعرابه مفعولًا به إلا في رأي مرجوح. 2- عرفنا2 أنه لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه مع احتفاظه باسمه وبقائه اسم فاعل. لكن إن دل على الثبوت، وقامت قرينة تدل على هذا من غير أن تتغير صيغته وصورته اللفظية الظاهرة، صار صفة مشبهة يجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يكون لازمًا ينصب مفعولًا به أصيلًا، وأن تجوز إضافته إلى فاعله3، وهذا أحد الأحكام التي يختلف فيها اسم الفاعل العامل، والمصدر العامل4.
3- جميع ما تقدم من الأحكام، والشروط، والتفصيلات الخاصة باسم الفاعل المفرد تسري باطراد عليه إذا صار مثنى1 لمذكر أو مؤنث، أو جمعًا لمذكر أو مؤنث سالمين، أو جمع تكسير. فلا فرق بين مفرده ومثناه وجمعه في شيء مما سبق1 خاصًّا بإعماله، أو عدم إعماله، مقترنا "بأل" أو غير مقترن بها. صيغة المبالغة: "تكوينها، والغرض منها" 4- يجوز تحويل صيغة. "فاعل" -وهي صيغة: "اسم الفاعل" الأصلي من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف- إلى صيغة أخرى تفيد من الكثرة والمبالغة الصريحة في معنى فعلها الثلاثي الأصلي ما لا تفيده إفادة صريحة صيغة: "فاعل"2 السالفة، مثال هذا أن نتحدث عن شخص يزرع الفاكهة، فنقول: فلان زارعٌ فاكهة. فإذا أردنا أن نبين في صراحة لاحتمال معها، كثرة زراعته الفاكهة، ونبالغ في وصفه بهذا المعنى -نقول: فلان زرَّاعٌ فاكهة مثلًا. فكلمة: "زرَّاع" تفيد من كثرة زراعته، ومن المبالغة في مزاولة الزراعة ما تفيده كلمة: "زارع" مع أن الكلمتين من فعل ثلاثي واحد؛ هو: "زرع"، وكلتاهما تدل على أمرين؛ معنى مجرد؛ هو: "الزرع" وذاتٌ فعلته. ولكنهما تختلفان بعد ذلك في درجة الدلالة على المعنى المجرد، "أي: في
مقدار قلته، وكثرته، وضعفه، وقوته"؛ فصيغة: "فاعل" التي هي وزن "اسم الفاعل" من الثلاثي لا تدل وحدها على شيء من ذلك إلا من طريق الاحتمال، ولا تدل دلالة صريحة خالية من هذا الاحتمال، على قوة، ولا ضعف، ولا كثرة، ولا قلة في المعنى المجرد؛ فكلمة "زراع" لا تدل بلفظها -بغير قرينة أخرى- على أكثر من ذات متصفة بأنها تفعل الزراعة. وليس في صيغة الكلمة دليل صريح على أن تلك الذات تفعل الزراعة قليلًا أو كثيرًا ... بخلاف صيغة "فعّال" مثلًا؛ فإنها تدل بنصها وصيغتها الصريحة على الكثرة والمبالغة في ذلك الفعل، أي: في المعنى المجرد. ولهذا تسمى: "صيغة مبالغة"، ومن ثَمَّ كان الذي يستخدم صيغة "فاعل" يرمي إلى بيان أمرين: "المعنى المجرد مطلقا، وصاحبه"، دون اهتمام ببيان درجة المعنى؛ قوة وضعفًا، وكثرة وقلة. بخلاف الذي يستخدم "صيغة المبالغة"؛ فإنه يقصد إلى الأمرين مزيدًا عليهما بيان الدرجة1، كثرةً وقوةً. وما قيل في: "زارعٌ فاكهة وزرّاعٌ فاكهة" يقال في: ناظمٌ شعرًا، ونظّامٌ شِعرًا. صانعٌ خبزًا، وصنّاع خيرًا. قائلٌ الصدق، وقوّالٌ الصدق ... وهكذا يمكن تحويل صيغة "فاعل" الدالة على اسم الفاعل من الثلاثي المتصرف إلى صيغة: "فعّال" أو غيرها من الصيغ المعروفة باسم: "صيغ المبالغة". وأشهر أوزانها خمسة قياسية؛ هي: "فعّال"2؛ نحو: ما أعظم الصديق إذا كان غير قوّال سوءًا. ولا فعّال إساءة، وقول الشاعر: وإني لقوّال لِذِي البثِّ3 مرحبا ... وأهلا إذا ما جاء من غير مَرْصَد4 و"مِفعال"5، نحو: الطائر مِحذار صائده، مِخواف أعداءه.
و"فعول"؛ نحو: البارُّ وَصُول أهله. وقول الشاعر يخاطب سيدًا كريمًا: ضَرُوب بنصل السيف سُوق سِمَانها1 ... إذا عدموا زادًا فإنك عاقر وقول الآخر يفتخر: إذا مات منا سيد قام سيد ... قَُئول2 بما قال الكرام فَعُولُ3 ومثل: ذريني؛ فإن البخل يا أم مالك ... لصالح أخلاق الرجال سَرُوقُ و"فَعِيل"؛ نحو: أقدُرُ4 من يكون سَمِيعًا خَيْرًا، نَصِيرًا عدلًا5. وقول الشاعر: فتاتان: أما منهما فشَبِيهة ... هلالًا، وأخرى منهما تشبه البدرا و"فَعِل"؛ نحو: يسوءنا أن نرى جاهلًا مَزِقًا أوراقه، راميًا بها في الطريق. وقول الشاعر: حَذِرٌ أمورًا لا تضير، وآمن ... ما ليس ينجيه من الأقدار هذه هي الصيغ الخمس القياسية. وهناك بعض صيغ قليلة مقصورة على السماع عند أكثر القدماء؛ أشهرها من الفعل الماضي الثلاثي: "فِعِّيل"6.
و"مِفْعَل"؛ نحو: إنه شِرِّيب أهوال، ومِسْعَر1 حروب. وفعلهما الثلاثي؛ شرب، وسعر. ومن غير الثلاثي: دَرَّاك، سَآَّر، معوان2، مهوان، نذير، سميع، زهوق، وأفعالها الشائعة: أدرك. أسأر "بمعنى: ترك في الكأس بقية" أعان، أهان، أنذر، أسمع، أزهق. أحكامها: لصيغ المبالغة القياسية أحكام؛ أهمها: أ- أنها لا تصاغ إلا من مصدر فعل ثلاثي، متصرف، متعدٍّ، ما عدا صيغة: "فعَّال" فإنها تصاغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم3 والمتعدي؛ كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ 4 مَهِينٍ 5، هَمَّازٍ 6 مَشَّاءٍ 7 بِنَمِيمٍ 8، مَنَّاعٍ 9 لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، وقولهم: فلان بسَّام الثغر، ضحَّاك السن، وقول الشاعر:
وإني لصبَّار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبرِ ولست بنظَّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقرِ ب- وأنها لا تجري على حركات مضارعها وسكناته، بالرغم من اشتمالها على حروفه الأصلية، ولهذا كانت محمولة في عملها على اسم الفاعل لا على فعله. ج- وأنها -في غير الأمرين السالفين- خاضعة لجميع الأحكام التي يخضع لها اسم الفاعل بنوعيه المجرد من: "أل" والمقرون بها، فلا اختلاف بينهما إلا في الأمرين المتقدمين، وكذلك في شكل الصيغة، وفي أن صيغة المبالغة بنصها الصريح أكثر مبالغة، وأقوى دلالة في معنى الفعل1 من صيغة اسم الفاعل المطلقة، وما عدا هذا فلا اختلاف بينهما في سريان الأحكام والشروط وسائر التفصيلات التي سبق الكلام عليها في اسم الفاعل2.
ملاحظة: ورد في المسموع الذي لا يقاس عليه بعض صيغ المبالغة خاليًا من معنى: "المبالغة"، مقتصرًا في دلالته المعنوية على المعنى المجرد الذي لا مبالغة فيه؛ فهو يدل على ما يدل عليه اسم فاعله الخالي من تلك المبالغة المعنوية: مثل كلمة: "ظلوم" في قول الشاعر: وكل جمال للزوال مآله ... وكل ظَلُوم سوف يلبى بظالمِ فإنها ليست للمبالغة؛ إذ المقام هنا يقتضي أن يكون المراد من لفظ: "ظلوم" هو: "ظالم" وليس كثير الظلم؛ لأن كلا من الاثنين سيلقى ظالمًا. من غير أن يتوقف هذا اللقاء إلا على مجرد وقوع الظلم من أحدهما، دون نظر لقلة الظلم أو كثرته1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان اسم الفاعل -ومثله صيغ المبالغة- مقرونًا بـ"أل" لم يجز تقديم شيء من معمولاته عليه إلا شبه الجملة. لأن "أل" الداخلة عليه موصولة، واسم الفاعل مع فاعله بمنزلة الصلة لها؛ والصلة لا تتقدم هي ولا شيء منها ولا من معمولاتها على الموصول؛ إلا شبه الجملة1؛ لأنه محل التساهل؛ فيصح أن يقال: أنا لك المرافق، ومعك الدائب، أي: أنا المرافق لك، الدائب معك. أما إن كان مجردًا منها فيجوز تقديم المعمول: مفعولًا كان أو غير مفعول2 إلا في بعض حالات، فمثال التقديم الجائز: الحديقة، عطرًا، فواحة، والأصل: الحديقة فواحة عطرًا. ومن الحالات التي لا يجوز فيها التقديم أن يكون اسم الفاعل مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر أصلي، نحو: يروقني رسم مصور طيورًا، ألا تغضب من معذب الحيوان؟ فلا يجوز: يروقني -طيورًا- رسم مصور. ألا تغضب، الحيوان، من معذب، بخلاف المجرور بحرف جر زائد؛ فيجوز أن يتقدم عليه معموله؛ نحو: ما العزيز، الهوان يقابل، والأصل: ما العزيز يقابل الهوان. وأجاز قوم تقديم المعمول إن كان اسم الفاعل: "مضافًا إليه"، و"المضاف" كلمة: "غير" أو: "حق"، أو: "جد" أو: مثل، أو: أول، نحو: "المنافق، الوعد، غير منجز". "هذا، الأعداء, حق قاهر، أو: جد قاهر"، والأصل: المنافق غير منجز الوعد. هذا حق قاهر الأعداء، أو: جد قاهر الأعداء. "شاعرنا، درًا، مثل ناظم"، "العرب، ضيفًا، أول ناصر". وهذا الرأي حسن؛ لما فيه من تيسير، وأحسن منه براعة استخدامه في أنسب الأساليب له، وأليق المواقف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز أيضًا تقديم معموله على مبتدأ يكون اسم الفاعل خبرًا له، نحو: الضيوف أنت مصافح. والأصل: أنت مصافح الضيوف. ب- يجوز إعمال اسم الفاعل -أحيانا- وهو محذوف؛ مثل: أعليًّا أنت مساعده؟ فقد اشتغل اسم الفاعل المذكور بضمير الاسم السابق، واستغنى بنصبه عن نصب الاسم السابق، فلم يبق إلا أن يكون الناصب للاسم السابق عاملًا آخر، محذوفًا، يفسره المذكور على الوجه المعروف في باب: "الاشتغال"1 والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعده؟ ومثله أيضًا: أعليًّا أنت مساعد أخاه، والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعد أخاه. ومثله في كل ما سبق صيغ المبالغة. ج- عرفنا أن اسم الفاعل يدل -غالبًا- هو وصيغ المبالغة، على الحدوث وعدم الدوام، وعرفنا طريقة صوغه. لكن قد يراد منه النص على الثبوت والدوام مع قيام قرينة تدل على هذا، فيصير صفة مشبهة2. ويسمى باسمها -بالرغم من بقائه على صورته الأصلية3؛ ويجري عليه أحكام الصفة المشبهة؛ فيجوز في السببي4 بعده إن كان معرفة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع والنصب والجر، نحو: هذا عابد طائع، مرتفع الجبهة، طاهر القلب، ناصعٌ صفحة؛ فيجوز في السببي هنا؛ "وهو: الجبهة، القلب، صفحة" الرفع على أنه فاعل للصفة المشبهة. والجر على اعتباره مضافًا إليه، والنصب على أنه شبيه بالمفعول به وليس مفعولا به1. فإن كان السببي نكرة -جاز نصبه على أنه تمييز، أو على أنه شبيه بالمفعول به. ومقتضى ما سبق أن السببي المعرفة والنكرة يجوز فيه دائمًا الرفع على الفاعلية، والجر على الإضافة2؛ كما يجوز فيه النصب أيضًا؛ ولكن المنصوب في حالة التعريف يعرب شبيهًا بالمفعول به، وفي حالة التنكير يعرب شبيهًا بالمفعول به، أو: تمييزًا. د- لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه "سواء أكان فعله ثلاثيًا أم غير ثلاثي، لازمًا أم متعديًا" إلا إذا أريد منه الثبوت والدوام، وقامت القرينة على هذا؛ فيصبر صفة مشبهة، تجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يحكم عليه باللزوم فلا ينصب المفعول به الأصيل ولو كان فعله متعديًا، وهذا على حسب البيان المشروح فيما سبق3 وفيما يلي:
............................................................................................................................... اسم الفاعل المضاف لفاعله بقصد النص على الثبوت والدوام بقرينة، فيترك الحدوث، وينتقل إلى معنى الصفة المشبهة- ثلاثة أنواع "وكذا صيغة المبالغة، وهذه لا تصاغ إلا من الثلاثي": أولها: نوع مأخوذ من الفعل اللازم -الثلاثي وغير الثلاثي- مثل: عالٍ وشامخ ... في نحو: هذا عالي القامة، شامخ الأنف "وفعلهما: علا، شمخ". ومثل "تائب" في قول الشاعر: تباركت؛ إني من عذابك خائفٌ ... وإني إليكم تائب النفس باخعُ1 "والفعل: تاب"، وقول الآخر يمدح: ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس2 ولا يكاد يوجد خلاف في جواز انتقال هذا النوع من حالة الحدوث إلى معنى الصفة المشبهة. ثانيها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعول به واحد. والراجح في هذا النوع جواز انتقاله إلى معنى الصفة المشبهة، بشرط أن يكون اللبس مأمونًا؛ "وهو: التباس الإضافة للفاعل بالإضافة للمفعول به". فإذا لم يؤمَن اللبس لم تجز الإضافة؛ كقولهم: فلان راحم الأبناء، نافع الأعوان، يريدون: أن أبناءه راحمون وأعوانه نافعون. فإذا كان المقامُ مقامَ مدح الأبناء والأعوان جاز؛ لدلالة المقام على أن الإضافة للفاعل؛ كصدورها ممن يرد على قول القائل: "ليس أبناء فلان بمفطورين على الرحمة، ولا أعوانه بمطبوعين على النفع"، أو من يرد على قول القائل: "أبناء فلان قساة، وأعوانه ضارون، بسجيتهم ... " ففي هذا المثال وأشباهه مما يحذف فيه المفعول به ويؤمن فيه اللبس لقرينة لفظية، أو: معنوية، يجوز في السببي -ككلمة: "الأبناء" وكلمة: "الأعوان"- إما الرفع؛ على أنه فاعل للصفة المشبهة "وهي: راحم. نافع"، وإما النصب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه شبيه بالمفعول به، ولا يصلح تمييزًا إن كان معرفة، كما في المثال. وإما الجر، على أنه مضاف إليه. وهذه الأوجه الإعرابية الثلاثة هي التي تجري على معمول الصفة المشبهة الأصيلة1، كالتي في مثل: "فلان جميل الوجه، حسن الهيئة، حلو الحديث" ومن أمثلة هذا النوع: ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما وفي هذا النوع من الإضافة إلى المرفوع يكثر حذف المفعول به، الذي كان معمولًا لاسم الفاعل قبل إضافته لفاعله، وقبل أن يصير بهذه الإضافة صفة مشبهة. ويصح ذكر هذا المفعول به في الرأي الراجح -مع إعرابه "شبيهًا بالمفعول به"، لا مفعول به أصيلًا، مثل: "فلان راحم الأبناء الناس، ونافع الأعوان أفرادًا كثيرة". فكلمتا: "الناس" و"أفرادًا" شبيهتان بالمفعول به. ولا داعي لمنع هذا الشبيه المنصوب من ذكره وظهوره في الجملة، بزعم أن منصوب الصفة المشبهة -إذا كان شبيهًا بالمفعول به- لا يزيد على واحد كما قرره النحاة. وقرارهم حق؛ فمنصوبها الشبيه بالمفعول به لا يزيد على واحد. والذي في المثال السابق -ونظائره- لم يزد على واحد. ولكن المانعين يتوهمون أن الواحد يشمل "المضاف إليه" بعد الصفة المشبهة؛ لأن هذا "المضاف إليه" يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به قبل إضافته2؛ فاعتبروه بمنزلة "الشبيه بالمفعول به". برغم أنه: "مضاف إليه" مجرور، وبنوا على هذا عدم صحة المنصوب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر معه؛ لئلا يزيد منصوب الصفة المشبهة على واحد إذا كان شبيهًا بالمفعول به. قال "الصبان" في هذا الموضع1: لا داعي للأخذ بالوهم السابق، ولا بما يترتب عليه، فالصحيح عنده في هذه الصورة وأشباهها جواز الإضافة إلى المرفوع مع ذكر المنصوب الواحد بعده، والذي يعرب "شبيهًا بالمفعول به". وفي رأيه تيسير، واستبعاد لشرط أن يكون الفعل محذوف المفعول به، كما اشترطه بعضهم. ثالثها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعولين، أو ثلاثة: نحو: "أنا ظانٌّ رفيقًا قادمًا، ومخبر الأصدقاء السرور شاملًا بقدومه". ولا يكاد يوجد كبير خلاف في منع انتقال هذا النوع إلى معنى الصفة المشبهة من طريق إضافته لفاعله؛ لأن الوصف ينصب مفعولين أو أكثر كفعله، ومنصوب الصفة المشبهة لا يزيد على واحد على الوجه الذي أوضحناه في النوع السالف. هذا، ولأكثر النحاة فلسفة خيالية فيما تقدم؛ فهم يقولون2: إن إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه تتم على الصور السابقة في ثلاث مراحل مرتبة3: أولها: تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف. وثانيها: نصب المرفوع بعد ذلك على التشبيه بالمفعول به. وثالثها: جره على الإضافة. ففي مثل: الطبيب رائف القلب، يكون الأصل: الطبيب رائف قلبه؛ -برفع كلمة: قلب"- ثم يتحول الإسناد عن المرفوع السببي، وينتقل إلى الضمير المضاف إليه؛ وهو: "الهاء" ويستتر هذا الضمير في الوصف: "رائف"، ويعوض منه "أن" في رأي الكوفيين4؛ وينصب المرفوع الذي تحول عنه الإسناد؛ لأنه صار بعد تحويل الإسناد عنه أشبه بالفضلة؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب استغناء الوصف عنه بضمير الموصوف؛ فينصب مثلها، ويصير: "الطبيب رائف القلب". ثم يجر بالإضافة؛ فرارًا من القبح البادي في إجراء الوصف اللازم أو ما يشبهه مجرى المتعدى. "والمراد بما يشبهه1: الوصف المتعدي لمفعول واحد، ومفعوله محذوف". فيصير: "الطبيب رائف القلب". ويقولون في تعليل هذه المراحل الثلاث2 المتخيلة: إنه لا يصح إضافة الوصف لمرفوعه مباشرة؛ لأنه عينه في المعنى؛ فلزم إضافة الشيء إلى نفسه3، ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلم يبقَ طريق إلى إضافته لمرفوعه إلا ذلك الطريق الذي وضحنا مراحله. ويستدلون على الإضافة بكثير من الأمثلة المأثورة تؤيد4 رأيهم. وكل هذا كلام افتراضي؛ لا تعرفه طوائف العرب؛ أصحاب اللغة، ومرجعها الأول الصحيح. فإغفاله خير. ولن يترتب عليه ضرر. هـ- لا تجيء "صيغ المبالغة" إلا من مصدر فعل قابل للزيادة، فلا يقال: موات ولا قتال، في شخص مات أو قتل؛ إذ لا تفاوت في الموت والقتل. و سيجيء1 أنه كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: "فعال" للدلالة على "النسب" -بدلًا من يائه- وكثر هذا الحرف؛ فقالوا: حداد لمن حرفته "الحدادة"، ونجار لمن حرفته "النجارة" ... وكذا: لبَّان، وبقَّال، وعطَّار. ونحوها من كل منسوب إلى صناعة. والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف؛ لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعلوا من استعمالها في النسب قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} أي: بمنسوب إلى الظلم، وحجتهم أن صيغة "فعال" هنا لو كانت للمبالغة وليست للنسب لكان النفي منصبًّا على المبالغة وحدها؛ فيكون المعنى: وما ربك بكثير الظلم؛ فالمنفي هو الكثرة وحدها دون الظلم الذي ليس كثيرًا. وهذا معنى فاسد؛ لأن الله لا يظلم مطلقًا، لا كثيرًا ولا قليلًا.
المسألة 103
المسألة 103: اسم المفعول: تعريفه: اسم مشتق1، يدل على معنى مجرد، غير دائم2، وعلى الذي وقع عليه هذا المعنى. فلا بد أن يدل على الأمرين معًا3، "وهما: المعنى المجرد، وصاحبه الذي وقع عليه". مثل كلمة: "محفوظ" و"مصروع" في قولهم: العادل محفوظ برعاية ربه، والباغي مصروع بجناية بغيه. "فمحفوظ" تدل على الأمرين أيضًا؛ المعنى المجرد؛ "أي: الحفظ" والذات التي وقع عليها الحفظ وكذلك "مصروع" تدل على الأمرين أيضًا؛ المعنى المجرد؛ "أي: الصرع"، والذات التي وقع عليها. ومثل هذا يقال في كلمة: "منسوب" من قول الشاعر: لا تلم المرء على فعله ... وأنت منسوب إلى مثله4 وهكذا ... ودلالته على الأمرين السالفين مقصورة على الحدوث -أي على: الحال- فهي لا تمتد إلى الماضي، ولا إلى المستقبل، ولا تفيد الدوام إلا بقرينة في كل صورة. صوغه 5: أ- يصاغ قياسًا على وزن: "مفعول" من مصدره الماضي الثلاثي
المتصرف1؛ مثل: "محفوظ" من "حفظ" و"مصروع" من "صرع" و"منسوب" من "نسب"، و"معلوم" من "علم" و"مجهول" من "جهل" و"معروف" من "عرف". ومثل "محمود" من "حمد" في قول الشاعر: لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل ب- ويصاغ قياسيًا من مصدر الماضي غير الثلاثي بالإتيان بمضارعه وقلب أوله ميمًا مضمومة مع فتح ما قبل الآخر. فللوصول إلى اسم المفعول من: "سارع" نجيء بمضارعه: "يسارع"، ثم ندخل عليه التغيير السالف، فيكون اسم المفعول: "مسارَع"، نحو: الخبر مسارَع إليك. واسم المفعول من "هدَّم" هو: مهدَّم؛ نحو: صرح البغي مهدم، واسم المفعول من: "أوجع" هو: "موجَع؛ كما في قول الشاعر2 الكهل الوفي: خُلقْت ألوفًا؛ لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجَعَ القلب، باكيًا وهكذا: استخرج، يستخرج، مستخرج، نحو: المستخرج من النفط في بلادنا يكفي حاجاتنا. ومثل: "منزهة"، ومكرمة" في قول أبي تمام في وصف قصائده: منَزَّهة عن السرق المورَّى3 ... مكرمة عن المعنى المعاد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- فتح الحرف الذي قبل الآخر قد يكون ظاهرًا كالأمثلة السالفة، وقد يكون مقدرًا؛ مثل: مستعان، منقاد ... أصلهما: مستعون. منقود ... قلبت الواو ألفًا بعد فتح ما قبلها بنقل حركتها إليه؛ تطبيقًا لقاعدة صرفية1. ب- إذا كان اسم المفعول مؤنثا وجب زيادة تاء التأنيث في آخره؛ كما في آخر: "منزهة، ومكرمة" من بيت أبي تمام السابق. ج- قد وردت صيغ سماعية تؤدي ما يؤديه اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي وليست على وزنه؛ فهي نائبة عن صيغة "مفعول" في الدلالة على الذات والمعنى. ومن تلك الصيغ: "فعيل"، بمعنى: مفعول؛ نحو: كحيل: بمعنى: مكحول. و"فعل"، كذبح؛ بمعنى مذبوح. و"فعل" كقنص، بمعنى: منقوص، و"فعلة"؛ كغرفة، ومضغة، وأكلة، بمعنى: مغروفة، وممضوغة ومأكولة ... وهذه الصيغ وأمثالها غير مقيسة. لكن هل تعمل عمل اسم المفعول كما تؤدي معناه؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل: إنها تعمل عمله -بشروطه- فترفع نائب فاعل حتمًا، وقد تنصب مفعولًا به -أو أكثر- إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك؛ فحكمها حكم المبني للمجهول. وفي هذا الرأي توسعة لمن شاء اتباعه2. غير أن حكمًا سيجيء3 لا يسري عليها؛ هو أن اسم المفعول يجوز أن يضاف لمرفوعه بشرط أن تكون صيغته أصلية4، فإن كانت نائبة عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصيلة -كفعيل؛ بمعنى: مفعول، وغيرها مما سبق -فلا تضاف لمرفوعها. د- سبقت الإشارة1 إلى أنه وردت صيغ مسموعة على وزن: "مفعول"، ولكن معناها هو معنى المصدر؛ فهي في حقيقة أمرها مصادر سماعية على وزن المفعول، منها: معقول، مجلود، مفتون، ميسور، معسور، أي: عقل، جلد، فتنة؛ بمعنى: خبرة، يسر "سهل"، عسر "ضد: سهل"، ومن كلامهم: "فلان لا معقول له ولا مجلود". وقد سبق شرح هذا وشرح بقية الكلمات الأخرى في ص198، وأوضحنا رأي سيبويه هناك.
إعماله: يجري على اسم المفعول كل ما يجري على اسم الفاعل من الاقتران "بأل" وعدم الاقتران بها، ومن الشروط اللازمة لعمله ... و ... فإن كان مقرونًا "بأل" عمل مطلقًا، "بغير اشتراط شيء". وإن لم يكن مقترنًا بها وجب تحقق كل الشروط التي سبقت لإعمال اسم الفاعل1؛ وفي مقدمتها: الاعتماد، وعدم التصغير، وأن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال أو الاستمرار التجددي ... و ... فإذا استوفى شروط الإعمال كلها عمل ما يعمله مضارعه المبني للمجهول؛ فيحتاج -وجوبًا- لنائب فاعل مثله: ويكتفي بنائب فاعله إن كان مضارعه مكتفيًا بنائب الفاعل2. نحو: يساعد القوي زميله. يساعد الزميل. هل القوي مساعد زميله؟ ولما سبق يمكن أن يحل محل اسم المفعول مضارع بمعناه مبني للمجهول. وإذا كان مضارعه ناصبًا مفعولين ثم حذف فاعله فإن أحد المفعولين ينوب عنه، ويصير مرفوعًا مثله، ويبقى المفعول الآخر على حاله منصوبًا، وكذلك اسم المفعول؛ نحو: يظن الرجل العوم نافعًا -يظن العوم نافعا- هل المظنون العوم نافعًا؟ ... وإن كان فعله متعديًا لثلاثة ثم حذف فاعله وناب أحد المفعولات عنه صار مرفوعًا مثله. ووجب نصب ما عداه؛ وكذلك الشأن في اسم المفعول؛ نحو: تخبر المراصد الطيارين الجو هادئًا -يخبر الطيارون الجو هادئًا- هل المخبر الطيارون الجو هادئًا؟. ويجوز -بقلة في الأحوال السابقة كلها أن يضاف اسم المفعول إلى نائب فاعله الظاهر؛ بشرط أن تكون صيغة اسم المفعول أصلية3 فيصير نائب الفاعل مضافًا إليه، مجرور اللفظ، ولكنه مرفوع المحل؛ مراعاة
لأصله1؛ نحو: إن القوي مساعد الزميل، هل يشيع مظنون العوم نافعًا" أمخبر الطيارين الجو هادئًا؟ فإن لم تكن صيغته أصلية امتنع أن يضاف لمرفوعه. وإذا جاء تابع لهذا المضاف إليه جاز جره مراعاة للفظ المضاف إليه، أو رفعه؛ مراعاة لأصله؛ نحو: إن القوي مساعد الزميل والزميلة -هل يشيع مظنون العوم البارع نافعًا؟ أمخبر الطيارين المسافرين -أو المسافرون- الجو هادئًا؟ بجر التابع أو رفعه في كل ذلك وأشباهه. ما سبق حين يكون مضارعه متعديًا. فإن كان لازمًا قد حذف فاعله وناب عنه شيء آخر غير المفعول به؛ كالظرف، أو الجار مع مجرور أو المصدر ... فإن اسم المفعول يكون لازمًا أيضًا، ويحتاج لنائب فاعل من هذه الأشياء الصالحة للنيابة عند عدم وجود المفعول به، نحو: "اعتكف المريض في الغرفة، يُعتكف في الغرفة، هل الغرفة معتكف فيها؟ ". "اتسع المجال أمام المخلص. يتسع أمام المخلص. هل المتسع أمام المخلص"2. هذا؛ واسم المفعول حين يضاف بقلة إلى مرفوعة- نحو: الغرفة مفتوحة النوافذ، وقول المتنبي وقد سبق: خلفت ألوفًا، لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا والأصل: مفتوحة نوافذها. موجع قلبي يظل مع إضافته لمرفوعه دالًا
على الحدوث، كما كان قبل الإضافة إليه1. إلا إن قامت قرينة تدل على أن المراد منه الثبوت والملازمة الدائمة، فيصير صفة مشبهة؛ لما أوضحناه2 من أن الأصل في اسم المفعول أن يدل على معنى حادث غير دائم الملازمة لصاحبه "فهو -عند عدم القرينة- يدل على مجرد الحدوث الذي لا يشمل الماضي ولا المستقبل ولا يفيد الاستمرار". فإن قصد به النص على الثبوت والدوام -وقامت قرينة تدل على هذا- صار صفة مشبهة3؛ فيسمى باسمها، ويخضع لأحكامها؛ وبالرغم من بقائه على صورته الأصلية؛ إذ لا يصح تغيير صورته بسبب انتقال معناه من الحدوث إلى الدوام والاستمرار. والكثير الغالب في اسم المفعول عدم إضافته إلى مرفوعه إلا إذا أريد تحويله إلى الصفة المشبهة؛ ليدل مثلها على معنى ثابت دائم، لا حادث؛ وبشرط وجود القرينة التي تدل على ثبوته ودوامه. وإذا صار صفة مشبهة جاز في السببي4 الواقع بعده الرفع، على اعتباره "فاعلًا"، ولا يصح اعتباره نائب فاعل للصفة المشبهة5 التي جاءت على صورة اسم المفعول. ويجوز فيه النصب على اعتباره "شبيهًا بالمفعول به" إن كان معرفة، و"تمييزًا" أو "شبيهًا بالمفعول به" إن كان نكرة، ويجوز فيها الجر على اعتباره مضافًا إليه، ففي مثل: أنت مرموق المكانة دائمًا، مسموع الكلمة؛ مُحَصَّن خلقًا، مكمَّل علمًا، يجوز في الكلمات5: "المكانة، الكلمة، خلقا، علمًا" الرفع على اعتبارها فاعلًا
للصفة المشبهة، ويجوز فيها الجر؛ لاعتبارها مضافًا إليه، ويجوز فيها النصب، إما على التشبيه بالمفعول به إن كانت معرفة، وإما على التمييز أو على التشبيه بالمفعول به إن كانت نكرة. ولا مناص من قيام قرينة تدل على أن المراد من الصيغة هو الصفة المشبهة، وليس اسم المفعول. أما إذا أضيف اسم المفعول لمرفوعه بغير إرادة تحويله إلى الصفة المشبهة وبغير القرينة الدالة على إفادة الدوام، وهذه الإضافة قليلة جائزة، كما سبق؛ فإنه يظل محتفظًا باسمه وبكل الأحكام الخاصة به، وقد عرفناها. ولا بد في اسم المفعول الذي يصير صفة مشبهة من أن يظل على صيغته الأصيلة التي أوضحناها، لا الصيغة التي تنوب عليها، وأن يكون فعله في أصله متعديًا لمفعول واحد؛ ليكون هذا المفعول الواحد في السببي الذي يصح في إعرابه الأوجه الثلاثة السالفة؛ كالمثال السابق؛ وكقولهم: لا ينقضي يوم لا أراك فيه إلا علمت أنه مبتور القدر، منحوس الحظ1. فإن كان فعله لازمًا لم يصلح أن يصاغ منه اسم المفعول الصالح للانتقال إلى الصفة المشبهة. وكذلك إن كان فعله متعديًا لأكثر من واحد؛ فإنه في الرأي الشائع لا يصلح2؛ سواء أذكر مع السببي مفعول آخر أم لم يذكر. ومن الأمثلة لاسم المفعول المراد منه الصفة المشبهة3 ما ورد عنهم في رفع السببي على الفاعلية، هو: بثوب، ودينار، وشاة، ودرهم ... فهل أنت مرفوع بما ههنا رأسُ4؟
فكلمة: "رأس" فاعل للصفة المشبهة التي هي كلمة: مرفوع. وفي نصبه على التشبيه بالمفعول به: لو صنت طرفك لم تُرَع بصفاتها ... لما بدت مجلوة وجناتها1 وفي جره: تمنى لقائي الجونُ2 مغرورُ نفسِهِ ... فلما رآني ارتاع ثُمت3 عردا4 وهكذا ... و ... 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يضاف اسم المفعول إلى مرفوعه بالشروط والتفصيلات التي سلفت1، ولكن بالطريقة التي ارتضوها، وقد شرحناها2 وافية في إضافة اسم الفاعل لمرفوعه؛ أي: بعد تحويل الإسناد عن السببي إلى ضمير الموصوف، ثم نصب السببي على التشبه بالمفعول به، ثم جره على الإضافة بعد ذلك، كمثال الناظم، وهو: محمود المقاصد الورع. فأصله: الورع محمودة مقاصده. فكلمة: "مقاصده" مرفوعة على النيابة "لمحمودة" ثم صار: الورع محمود "المقاصد" بالنصب؛ ثم صار: ... محمود المقاصد، بالجر. والسبب عندهم: ما تقدم2 من أن الوصف هو عين مرفوعة في المعنى؛ فلو أضيف إليه من غير تحويل للزم إضافة الشيء إلى نفسه من غير مسوغ وهي -في الأغلب- غير صحيحة. ولا يصح حذفه؛ لعدم الاستغناء عنه. فلا طريق إلى إضافته إلا بتحويل الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى الموصوف ثم ينصب السببي لصيرورته فضلة حينئذ، بسبب استغناء الوصف بالضمير، ثم يجر السببي، فرارًا من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين3 ... وقد قلنا4 إن هذه الأمور الثلاثة بترتيبها السابق فلسفة خيالية يرددها كثير من النحاة؛ "كصاحب التصريح، وعنه أخذ الصبان"، ولا شيء منها يعرفه العربي الأصيل، فليس في إهمالها إساءة.
المسألة 104
المسألة 104: الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد 1: تعريفها: نسوق الأمثلة التالية؛ لكشف دلالتها، وإيضاح ما في معناها من دقة: سئل أحد الأدباء القدامى أن يصف: "أبا نواس"؛ فكان مما قال: "عرفته جميل الصورة، أبيض اللون، حسن العينين والمضحك، حلو الابتسامة، مسنون الوجه2، ملتف الأعضاء، بين الطويل والقصير، جيد البيان، عذب الألفاظ.. و ... ". في هذا الوصف كثير مما يسمى: "صفة مشبهة"؛ مثل: جميل، أبيض، حسن، حلو ... و ... فما الذي تدل عليه كل كلمة من هذه الكلمات، ونظائرها؟ لنأخذ مثلًا كلمة: "جميل" فإنها اسم مشتق، يدل على أربعة أمور مجتمعة: أولها: المعنى المجرد الذي يسمى: "الوصف"، أو "الصفة". وهو هنا: الجمال. ثانيها: الشخص، أو غيره من الأشياء التي لا يقوم المعنى المجرد إلا بها، ولا يتحقق وجوده إلا فيها. وإن شئت فقل: هو الموصوف الذي يتصف بهذا الوصف، "الصفة" ... ، ولا يمكن أن يوجد الوصف مستقلًا بنفسه بغير موصوفه. والمراد به في المثال: الشخص الذي ننسب له الجمال، ونصِفُه به.
ثالثها: ثبوت هذا المعنى المجرد "الوصف، أو: الصفة" لصاحبه في كل الأزمنة ثبوتًا عامًا؛ أي: الاعتراف بتحققه ووقوعه شاملًا الأزمنة الثلاثة المختلفة؛ فلا يختص ببعض منها دون آخر، بمعنى أنه لا يقتصر على الماضي وحده، ولا على الحال وحده، ولا على المستقبل كذلك، ولا يقتصر على زمنين دون انضمام الثالث إليهما؛ فلا بد أن يشمل الأزمنة الثلاثة؛ بأن يصاحب موصوفه فيها. فوصف شخص بالجمال على الوجه الوارد في العبارة السابقة معناه الاعتراف بالجمال له، وأن هذا الجمال ثابت متحقق في ماضيه، وفي حاضره، وفي مستقبله، غير مقتصر على بعض منها. "ولهذا نتيجة حتمية تجيء في الأمر الرابع التالي". رابعها: ملازمة ذلك الثبوت المعنوي العام للموصوف ودوامه؛ لأنه -كما أوضحناه- يقتضي أن يكون المعنى المجرد الثابت وقوعه وتحققه ليس أمرًا حادثًا الآن، ولا طارئًا ينقضي بعد زمن قصير. وإنما هو أمر دائم ملازم صاحبه "الموصوف" طول حياته، أو أطول مدة فيها حتى يكاد يكون بمنزلة الدائم1؛ إذ ليس بمعقول أن يصحبه في ماضيه وحاضره ومستقبله من غير أن يكون ملازمًا له، أو كالملازم2؛ فالجمال مثلًا لا يفارق صاحبه، وإن فارقه3 فزمن المفارقة أقصر من زمن الملازمة الطويلة التي هي بالدوام أشبه. ومن ثم كان هذا الأمر الرابع نتيجة للثالث4.
فكلمة: "جميل" في الكلام السالف -وأشباهه- تدل على: 1- معنى مجرد "أي: على وصف، أو: صفة"؛ هو: الجمال. 2- وعلى صاحبه الموصوف به. 3- وعلى ثبوت ذلك المعنى له وتحققه ثبوتًا زمنيًا عامًا. "ويشمل الماضي والحاضر، والمستقبل". 4- وعلى دوام الملازمة، أو ما يشبه الدوام1. والناطق بتلك الكلمة إنما يريد الأمور الأربعة مجتمعة، إن كان خبيرًا باللغة، وبدلالة الألفاظ فيها. ومثل هذا يقال في كلمة: "أبيض"؛ فهي اسم مشتق يدل على ما يأتي: 1- معنى مجرد "أي: وصف، أو: صفة"، هو: البياض. 2- الشيء الذي لا يقوم ولا يتحقق المعنى المجرد إلا بوجوده فيه "أي: الموصوف الذي يراد وصف بصفة: "البياض"، وهو هنا الشخص الذي نريد أن ننسب له تلك الصفة؛ ونصفه بها. 3- أن ذلك المعنى المجرد "الوصف، أو: الصفة"، ثابت له متحقق في كل الأزمنة ثبوتًا عامًا؛ فليس خاصًا بزمن من الثلاثة دون غيره، أو بزمنين، فالبياض، يصاحب المتصف به في ماضيه، وحاضره، ومستقبله. 4- أن هذا الثبوت العام يلازم صاحبه، ولا يكاد يفارقه؛ لأن مصاحبته إياه في الأزمنة الثلاثة تقتضي أن يكون ملازمًا له أو في حكم الملازم، برغم أنه قد يفارقه حينًا. فالناطق بكلمة: "أبيض" في التركيب السابق -ونظائره- إنما يريد بها الدلالة على تلك الأمور الأربعة مجتمعة إن كان يفهم أسرار العربية، ويجيد اختيار الألفاظ التي توضح تلك الأسرار. وما يقال في كلمتي: "جميل"، و"أبيض" يقال في: "حسن" و"حلو"، ... و ... وأمثالهما ... من كل ما تقدم يتبين المراد من قول النحاة في تعريف الصفة المشبهة
الأصيلة إنها: "اسم مشتق؛ يدل على ثبوت صفة لصاحبها1 ثبوتًا عامًّا"2. أنواعها، وطريقة صوغ كل نوع: الصفة المشبهة ثلاثة أنواع قياسية3: أولها وأكثرها: "الأصيل"، وهو المشتق الذي يصاغ أول أمره من مصدر الفعل الثلاثي، اللازم، المتصرف؛ ليدل على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتًا عامًا -وقد شرحناه بالأمثلة- ولهذا النوع أوزان وصيغ كثيرة خاصة به، وسنذكر أشهر القياسي منها.... ثانيها: الملحق بالأصيل من غير تأويل، ويلي الأول في الكثرة؛ وهو: "المشتق الذي يكون على الوزن الخاص باسم الفاعل أو باسم المفعول4، من غير أن يدل دلالتهما على المعنى الحادث وصاحبه، وإنما يدل -بقرينة- على أن المعنى ثابت لصاحبه ثبوتًا عامًا". وقد عرفنا طريقة صياغته في الباب الخاص بكل منهما5. وحكم هذا النوع أنه قياسي، وأنه بمنزلة الصفة المشبهة؛ فله اسمها، ودلالتها، وأحكامها المختلفة، دون أوزانها؛ لأنه يظل على صيغته الخاصة باسم الفاعل أو اسم المفعول، ويلازم وزنه السابق، على الوجه الذي شرحناه في باب كل منهما5. ثالثها وأقلها: الجامد المؤول بالمشتق، وهو: "الاسم الجامد الذي يدل دلالة الصفة المشبهة مع قبوله التأول بالمشتق6". وحكمه: أنه قياسي يظل على لفظه الجامد القابل للتأويل، ويؤدي معناها، ويعمل عملها دون أن تتغير صيغته.
وبالرغم من قياسيته يحسن الإقلال منه قدر الاستطاعة، وقد يزاد على آخره ياء مشددة للنسب، فتقرِّبه من المشتقات؛ نحو: تناولنا شرابًا عسلًا طعمه، أو: تناولنا شرابًا عسليًّا طعمه. ويجوز في معموله "وهو هنا كلمة: طعم" ما يجوز في معمول الصفة المشبهة من الرفع، أو النصب، أو الجر، على التفصيل المذكور في إعمالها -وسيأتي1- فنقول: تناولنا شرابًا عسليًا طعمه بالرفع، عسلًا طعمًا بالنصب، عسل الطعم بالجر بالإضافة. مع جواز زيادة الباء المشددة في كل حالة، وعليها تقع علامات الإعراب. ومن أمثلته قول الشاعر يهجو: فراشة الحِلمِ، فرعون العذاب، وإن ... تطلب نداه فكلب دونه كلب والمراد بفراشة: طائش، وبفرعون: أليم، أو: شديد. والمعاني الثلاثة على التأويل بالمشتق، وقول الآخر: فلولا الله والمهر المفدى ... لأبْت وأنت غربال الإهاب والمراد: مثقب الجلد. وهذا على التأويل بالمشتق أيضًا. والآن نعود إلى صياغة النوع الأول الأصيل، وأوزانه: لما كانت الصفة المشبهة الأصلية لا تصاغ قياسًا إلا من مصدر الفعل الماضي الثلاثي، اللازم، المتصرف ... تحتم أن يكون فعلها كسائر الأفعال الثلاثية، إما مكسور العين "أي: على وزن: "فعِل"، وهو أكثر أفعالها المتصرفة التي يقع الاشتقاق من مصدرها، وإما مضموم العين، "أي: على وزن "فعُل"، ويلي الأول في كثرة الصياغة من مصدره، وإما مفتوح العين، "أي: على وزن "فعَل"، وهو أقل أفعالها، بل أندرها. وأوزانها القياسية من هذه الأنواع الثلاثة كثيرة نعرض أشهرها، وضوابطه فيما يلي: 1- فإن كان الماضي الثلاثي اللازم على وزن "فعِل" -بكسر العين- وكان دالًا على فرح، أو حزن، أو أمر من الأمور التي تطرأ وتزول سريعًا،
ولكنها تتجدد1، وتتردد على صاحبها كثيرًا لأنه اعتادها -فالصفة المشبهة على وزن: "فعل" للمذكر، و"فعلة" للمؤنث- ويلاحظ أن هذين الوزنين ليسا مقصورين على الصفة المشبهة من مصدر الفعل "فعل" فقد يكونان من مصدر "فعل" أيضًا، كما سنعرف -نحو: فرح فهو فرِحٌ، طرب فهو طرِبٌ، بطر فهو بطِر، حذر فهو حذِر، تعب فهو تعِب، ومن هذا قولهم: الحذِر آمن، والضجِر مكروب، والبطِر مهدَّد بزوال النعم. وقول الشاعر: ويل للشجِي2 من الخلي3 فإنه ... نصب الفؤاد، بحزنه مهموم وإن كان دالًّا على خلو، أو امتلاء، ونحو هذا مما يطرأ ويتكرر ولكنه يزول ببطء -فالصفة المشبهة على وزن: "فعلان" ومؤنثها -في الغالب- على وزن: "فعلى"- نحو: عطش فهو عطشان، ظمئ فهو ظمآن، صدى فهو صديان، شبع فهو شبعان، روي فهو ريان، يقظ فهو يقظان، عرق فهو عرقان. ومن هذا قولهم في الهجاء: فلان شبعان البطن، صديان الروح، نائم العقل، يقظان الهوى.
فإذا كان دالًا على أمر خلقي يبقى ويدوم، "مثل: لون، أو عيب، أو حلية، وكل هذا خلقي يبقى ويثبت" فالصفة في الغالب على وزن: "أفعل" للمذكر، و"فعلاء" للمؤنث؛ نحو: حمر فهو أحمر، خضر فهو أخضر، عرج فهو اعرج، عور فهو أعور، حور1 فهو أحور، كحل فهو أكحل ... ومنه قولهم: اشتهرت الخيول العربية برشاقة الجسم، وضمور البطن، وأنها دعجاء2 المقلة، كحلاء العين، وَطْفاء الأهداب3. فالصفات المشبهة التي ماضيها مكسور العين -تدور معانيها الغالبة حول ثلاثة أشياء؛ أمور تطرأ وتزول سريعًا ولكنها تتردد كثيرًا، أو أمور تطرأ وتتكرر، تزول ببطء. أو أمور تثبت وتبقى في الغالب. 2- إذا كان الثلاثي اللازم على وزن: "فعُل" "بضم العين" فالصفة المشبهة كثيرة الأوزان؛ فقد تكون على وزن: "فعيل"؛ مثل: شرُف فهو شريف، نبُل فهو نبيل، قبُح فهو قبيح. أو: على وزن: "فَعْل"؛ مثل: ضخُم فهو ضخْم، شهُم فهو شهْم، صعُب فهو صعْب. أو على وزن: "فَعَل"؛ مثل: حسُن فهو حَسَن، بَطُل4 فهو بَطَل. أو على وزن: "فَعَال"؛ مثل: جبُن فهو جبان، رزُنت المرأة فهي رزان5، حصُنت فهي حصان، أي: عفيفة. أو على وزن: "فُعَال"؛ مثل شجُع فهو شُجاع، فَرُت الماء "بمعنى: عذب"، فهو فُرَات.
أو على وزن: "فُعْل": مثل: صلُب فهو صُلْب - أو على وزن: "فِعْل"؛ نحو ملُح الماء فهو مِلْح. أو على وزن: فَعِل: مثل نَجُس الصديد فهو نَجِس. أو على وزن: "فَاعِل"؛ مثل: طهُر فهو طاهر. وليست الأوزان السابقة مقصورة على الصفة المشبهة المصوغة من مصدر: "فعُل" بضم العين، بل بعضها مقصور عليها؛ وهو: "فَعَل" كحسن، و"فَعَال": كجبان، و"فُعال": كشجاع ... وبعضها غير مقصور ولا مختص؛ لأنه مشترك بين فعُل -بضم العين- وفعِل، بكسرها. ومن هذا: "فعيل"؛ مثل: بخُل الوضيع فهو بخيل. كرُم الماجد فهو كريم. ومنه: "فَعْل"؛ مثل: سبط فهو سَبْط1، ضخم فهو ضَخْم؛ ومنه: "فِعْل" مثل؛ صفِر جيب المسرف؛ فهو صِفْر. ملُح ماء البحر فهو مِلْح. ومنه: "فُعْل"؛ مثل: حَرَّ القوي فهو حُرٌّ، "والأصل: حَرِرَ". صلُب الحديد فهو صُلْب. ومنه: "فَعِل"، كفرِح المنتصر فهو فَرِح. نَجُس الطعان الحرام فهو نَجِس. ومنه: "فاعل"، مثل: صحِب الضوء الشمس فهو صاحب. طهر ثوب المصلى فهو طاهر. 3- وإن كان الثلاثي اللازم على وزن "فَعَل" بفتح العين وهو أندر أفعالها. كما أسلفنا- فالصفة المشبهة على وزن فيعِل؛ نحو: مات يموت فهو ميت2.
تلك أشهر الصيغ والأوزان القياسية للصفة المشبهة1. وهناك صيغ أخرى سماعية، متناثرة في الكلام العربي الفصيح ومراجعه،
فإذا عرف المتكلم صيغة مسموعة مخالفة للصيغة القياسية جاز له استعمال ما يشاء منهما، ولكن الأفضل الاقتصار على المسموعة، ولا سيما الصيغة المشهورة.
أما إذا لم توجد صيغة مسموعة، أو وجدت ولكنه لا يعرفها1 فليس أمامه إلا استخدام الصيغة القياسية2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: وبهذه المناسبة نشير إلى حكم سبق1، فنردده لأهميته؛ وهو: أن الصفة المشبهة قد يراد منها النص على الحدوث؛ لحكمة بلاغية، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فتصير اسم فاعل؛ لما اسمه، ومعناه، وحكمه، وتنتقل إلى صيغته الخاصة به، "وهي صيغة اسم "فاعل" من مصدر الثلاثي"؛ فلا بد أن تترك اسمها، وصيغتها، ومعناها، وحكمها، وتصير إليه في كل شأن من شئونه بغير إبقاء على حالها السابق. فإذا أردنا النص على وصف رجل بالفصاحة. وبيان أنها صفة ثابتة ملازمة له؛ ردًّا على من قال إنها طارئة عليه، مؤقتة -أتينا بالصفة المشبهة، "دون اسم الفاعل الحادث"؛ لأنها المختصة بهذه الدلالة، وتخيرنا من صيغها وأوزانها الصيغة الملائمة للمراد. فقلنا: "فصيح" وأجرينا على هذه الصيغة اسم "الصفة المشبهة وكل أحكامها، بشرط إرادة النص. ووجود القرينة الدالة عليه. لكن إذا أردنا الدلالة على الحدوث نصًّا، وأن الفصاحة طارئة غير ملازمة -أتينا باسم الفاعل الحادث، دون الصفة المشبهة؛ لأنه المختص بهذه الدلالة نصًّا. وجئنا بصيغته الخاصة من مصدر الثلاثي، وهي صيغة "فاعل"، فقلنا: "فاصح" غدًا، مثلًا، وأجرينا عليها اسمه، وكل أحكامه وحده كما أسلفنا1. وربما تترك الصفة المشبهة دلالتها على الدوام، وتدل على المضي وحده -وهذا نادر2. أو تدل على الحال وحده، أو المستقبل كذلك، من غير أن تترك صيغتها، وإنما تظل عليها مع تغير الدلالة، وكل هذا حين توجد قرينة تدل على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن المراد هو الاقتصار على: المضي، أو على الحال، أو على الاستقبال، وليس المراد الدوام1؛ بالرغم من بقاء الصيغة على صورتها؛ نحو: "هذا المتسابق سريع العدو في الساعة الماضية، بطيء الحركة الآن، وسيبدو بعد قليل فسيح الخطو، بعيد القفز، عظيم الأمل في الفوز". ولكن بقاءها على صيغتها مع تغير دلالتها بسبب اقتصارها على زمن بعيد خاص -ولا سيما الماضي- رأي ضعيف2؛ لا يحسن اتباعه ولا القياس عليه؛ بالرغم من وجود القرينة الدالة على تغير الدلالة. أما إذا لم توجد القرينة فيجب تغيير الصيغة بتحويلها إلى صيغة: "فاعل"3. واسم الفاعل من الثلاثي إذا أريد به الدلالة على الثبوت -بشرط وجود قرينة- فإنه يصير صفة مشبهة يحمل اسمها دون اسمه، ويدل دلالتها، ويخضع لأحكامها وحدها. وتتغير صياغته؛ فتصير من الثلاثي على وزن من أوزانها القياسية، وقد يظل محتفظًا بصيغته التي كان عليها قبل الانتقال4، إلى الدلالة الجديدة، بشرط وجود القرينة، كما في مثل: أهذا الطبيب رحيب الصدر؟ فيجاب: نعم، راحب الصدر5. وقد بسطنا القول في كل هذا في موضعه من البابين.
إعمالها: الصفة المشبهة الأصلية1 مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم؛ فحقها أن تكون كفعلها؛ ترفع فاعلًا حتمًا، ولا تنصب مفعولًا به. لكنها خالفت هذا الأصل، وشابهت اسم الفاعل المتعدي لواحد؛ "فإنه -كفعله المتعدي- يرفع فاعلًا حتمًا، وقد ينصب مفعولًا به"، وصارت مثله ترفع فاعلها حتمًا، وقد تنصب معمولًا2 لا يصلح إلا مفعولًا به، ولكن هذا المعمول حين تنصبه لا يسمى مفعولا به، وإنما يسمى: "الشبيه بالمفعول به3؛ إذ كيف يعتبر مفعولًا به وفعلها لازم لا ينصب المفعول به؟ لهذا يقولون في إعرابه حين يكون منصوبًا، إنه: "منصوب على التشبيه4 بالمفعول به". ولا تنصب هذا الشبيه إلا بشرط: "اعتمادها"5؛ سواء أكانت مقرونة؛ "بأل" أم غير مقرونة. مثل الكلمات: القول، الطبع، القلب ... وفي قولهم: "إنما يفوز برضا الناس الحلو القول، الكريم الطبع، الشجاع القلب" ... ولا يشترط هذا الشرط لعملها في معمول آخر "غير الشبيه بالمفعول به": كالحال، والتمييز، وشبه الجملة ...
لأن كلمة "معمول" ليست مقصورة الدلالة على هذا الشبيه، ولا على النوع المنصوب منه. بل إن معمولها الشبيه البارز -ويسمى أيضًا السببي1"- يجوز فيه ثلاثة أوجه2؛ أن يكون مرفوعًا على اعتباره فاعلًا لها، ويجوز أن يكون منصوبًا على التشبيه بالمفعول به إن كان هذا المعمول "أي: السببي" نكرة، أو معرفة: كالأمثلة السابقة، أو منصوبًا على التمييز بشرط أن يكون نكرة3؛ "نحو ... الحلوُ قولًا، الكريم طبعًا، الشجاع قلبًا"، ويجوز أن يكون مجرورًا بالإضافة: "نحو: ... الحلو القول، الكريم الطبع، الشجاع القلب" أي: أن هذا المعمول السببي يجوز فيه -دائمًا- ثلاثة أوجه إعرابية؛ "إما الرفع على الفاعلية"4، "وإما النصب على التشبيه بالمفعول به، إن كان المعمول -أي: السببي- معرفة أو نكرة، ويصح في المعمول النكرة دون المعرفة نصبه تمييزًا"، "وإما الجر على الإضافة"، ولا فرق في هذه الأوجه الثلاثة بين أن تكون الصفة المشبهة مقرونة "بأل" أو مجردة منها"، كما تقدم، ولا بين أن يكون هذا المعمول مقرونًا بها أو مجردًا منها. إلا أن المعمول المقرون بها لا يعرب تمييزًا كما عرفنا. وفي جميع حالاتها لا يشترط لإعمالها: "الاعتماد"، إلا في الحالة الواحدة التي سبقت، وهي التي تنصب فيها "الشبيه بالمفعول به"5.
وينشأ من هذا التفريع صور متعددة أكثرها صحيح، وأقلها غير صحيح. ومن المشقة والإرهاق أن نتصدى لحصر صورهما، ونحدد عددهما على الوجه الذي فعله بعض الخياليين، فأوصلهما إلى مئات، بل ألوف1، وانتهى به التحديد إلى ما لا خير فيه. وإذا كان التحديد على الوجه السالف خياليًا مرهقًا، فإن الحرص على سلامة الأداء، وصحة التعبير يقتضينا أن نعرف الصور الممنوعة؛ كي نتجنبها، ونصون أنفسنا من الخطأ. وقد وضع لها النحاة ضابطًا نافعًا، يسهل فهمه واستيعابه، فقالوا2: يمتنع جر المعمول في كل صورة جمعت ما يأتي كاملًا؛ حيث لا يصح إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها: 1- إفراد الصفة المشبهة "بأن تكون غير مثناة، وغير جمع مذكر سالم". 2- اقترانها "بأل". 3- تجرد معمولها من "أل"، ومن الإضافة إلى ما فيه أل، ومن الإضافة إلى المختوم بضمير يعود على ما فيه "أل". 4- تجرد الموصوف من "أل". فيمتنع الجر في: غرد محمود الرخيمُ3 صوتِهِ، ولا يمتنع في: غرد الطائر الرخيمُ صوته. فإذا كانت الصفة بـ"أل"، وكذلك معمولها صح الجر بالإضافة مثل: لا تجادل إلا السمحَ الخلقِ، العفَّ القولِ، الأمينَ الزللِ. ويجوز الجر بالإضافة أيضًا إذا كانت الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجردًا، لكنه مضاف إلى المقترن بها: مثل: هذا الحكيم إعدادِ الخطط، الحسنُ تدبيرِ الأمور. كما يجوز الجر إن كانت الصفة مقرونة بـ"أل"، ومعمولها مجرد من: "أل"، ولكنه مضاف لمضاف إلى ضمير يعود على المقرون بها،
مثل: راقني الطاووس البديعُ لونِ ريشِهِ؛ فإن الضمير الذي في آخر كلمة: "ريش" عائد على الطاووس وفيه "أل". وهكذا. هذا هو الضابط العام الذي يرشدنا إلى المعمول الذي يمتنع جره بالإضافة، ويوضح الصور الكثيرة التي لا يجوز فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها. وأقرب هذه الصور للخاطر: الأربعة الآتية1، وهي حالات جر ممنوع حين يكون فيها الموصوف مجردًا من: "أل". 1- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى ضمير الموصوف الخالي منها؛ نحو: إبراهيم النبيلُ خلقِهِ. 2- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى مضاف لضمير الموصوف الخالي منها؛ نحو: إبراهيم النبيلُ خلقِ والده. 3- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى الخالي من "أل" والإضافة؛ نحو: هذا النبيل خلقِ والدٍ. 4- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، خالٍ من "أل" والإضافة؛ نحو: هذا النبيل خلقٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سلك بعض النحاة مسلكًا حسنًا آخر؛ لبيان أكثر الصور الصحيحة والممنوعة التي تتردد على الخواطر؛ فقال: الصفة المشبهة إما أن تكون مقرونة بـ"أل"، وإما أن تكون مجردة منها؛ فإذا كانت مقرونة بـ "أل" فلمعمولها ستة أحوال يمتنع الجر في بعضها: 1- أن يكون مقرونًا بـ"أل" أيضًا مثل: أحب الكتاب العظيم الفائدة. 2- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف للمقرون بها: مثل: أحب الكتاب العظيم فائدة البحوث. 3- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف لضمير يعود على الموصوف مثل: أحب الكتاب العظيم فائدته. 4- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف لمضاف للمقرون بضمير يعود على الموصوف؛ مثل: أحب الكتاب العظيم فائدة بحوثه. 5- أن يكون مجردًا من "أل"، ولكنه مضاف إلى الخالي من "أل" والإضافة؛ مثل: أحب الكتاب العظيمَ فائدةِ بحوث. 6- أن يكون مجردًا من "أل" ومن الإضافة معا؛ نحو: أحب الكتاب العظيمَ فائدة. وهذه الحالات الست قد يكون المعمول في كل واحدة منها مرفوعًا، أو منصوبًا. أو مجرورًا، فمجموع الصور ثماني عشرة صورة. وبعضها يمتنع فيه جر المعمول. هذه أحوال المعمول وصوره حين تكون الصفة مقرونة بـ"أل". فإن كانت مجردة منها فله ست حالات هي الحالات السالفة نفسها مع تجريد الصفة من "أل" وبعد هذا التجريد يكون المعمول في كل حالة مرفوعًا أو منصوبًا، أو مجرورًا، فله ثماني عشرة صورة أيضًا، بعضها يمتنع جره كذلك. فمجموع صوره
في حالتي اقتران الصفة "بأل" وعدم اقترانها هو: ست وثلاثون صورة بعضها يمتنع جره. وأظهر الممنوع منها هو الأربعة التي سبق إيضاحها قبل هذه الزيادة مباشرة1. "وهناك غيرها ممنوع ولكن لا حاجة للإثقال بسرده؛ لقلة وروده على الأذهان، وندرته في الأساليب الناصعة". ب- ما ليس ممنوعًا من الصور يجوز استعماله. ولكنه -مع جواز استعماله- متفاوت في درجته؛ حسنًا وقبحًا، وقوة وضعفًا: 1- فمن القبيح أن ترفع الصفة المقرونة: بـ"أل" أو المجردة منها، فاعلًا نكرة؛ نحو: صلاح الحسن وجه، أو الحسن وجه أب ... أو: صلاح حسن وجه، و ... ومن القبيح أيضًا أن تكون الصفة مقترنة بأل، أو مجردة، ومرفوعها مقرونًا "بأل"، أو مجردًا منها. ولهذا صور أربع. 2- من الضعيف: أن تكون الصفة المشبهة نكرة ومعمولها معرفة منصوبة أو مجرورة، إلا إذا كان المعمول "بأل"، أو مضافًا لما فيه "أل". ومن الضعيف أيضًا: أن تكون الصفة "بأل" مضافة على معمولها الخالي منها. ولكنه مضاف لضمير يعود على المقرون بها. وما عدا حالتي القبح والضعف -مما ليس ممنوعًا- حسن قوى.
المسألة 105
المسألة 105: أوجه التشابه والتخالف بينها وبين اسم الفاعل المتعدي لواحد 1: يجدر بنا الآن -وقد عرفنا أحوال كل منهما وقياسيته، وفرغنا من شرح أحكامهما- أن نعرض لموازنة نافعة بينهما. أ- إنها تشبهه في أمور، ومن أجل هذه الأمور مجتمعة2 سميت: "الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد". وأهم هذه الأمور المشتركة بينهما: 1- الاشتقاق. فإن لم تكن مشتقة -كما في بعض أنواعها3 القليلة- فليست بصفة أصيلة مشبهة باسم الفاعل، وإنما هي صفة مشبهة على وجه من التأويل، نحو: عرفت رجلًا أسدًا أبوه، أو نمرًا خادمه، أو ثعلبًا حارسه ... ونحو: هذه قمر وجهها، حرير شعرها، "ويجوز في كل هذا النوع زيادة ياء النسب في آخره" والمعنى التأويلي شجاع أبوه، غادر خادمه، ماكر حارسه، مضيء أو جميل وجهها، ناعم شعرها ... و ... وهذا النوع المؤول3 قياسي -على قلته- ولكن يحسن التخفف منه قدر الاستطاعة. 2- الدلالة على المعنى وصاحبه. 3- عملها النصب في "الشبيه بالمفعول به" بشرط اعتمادها. ولكن هذا الاعتماد عام في المقرونة "بأل" والمجردة منها. "وقد سبق بيان هذا عند الكلام
على إعمالها، كما سبق1 تفصيل الاعتماد، وما يتصل به في موضعه المناسب من باب اسم الفاعل2، ومنه يعلم أن الاعتماد ضروري لعمل اسم الفاعل النصب إذا كان غير مقترن بـ"أل" ... أما هي فالاعتماد ضروري لها في الحالتين3، إذا أريد أن تنصب الشبيه ... ". ومما تجب ملاحظته أن الاعتماد شرط في نصب الصفة المشبهة لما يسمى: "الشبيه بالمفعول به"، أما غيره فتعمل عملها فيه بدون شرط؛ كالرفع في فاعلها، والجر فيما أضيف إليها، والنصب في كل المنصوبات الأخرى؛ ومنها: الحال، والتمييز، والمفعول لأجله، والظرف، والمفعول المطلق4، وكل معمول مرفوع، أو مجرور، أو منصوب. إلا المنصوب على "التشبيه بالمفعول به" فلا بد فيه من الاعتماد. 4- قبول التثنية. والجمع، والتذكير، والتأنيث، مثل: "جميل، جميلة، "جميلان، جميلتان"، "جميلون، جميلات"، ومثل: "حسن، حسنة"، "حسنان، حسنتان"، "حسنون، حسنات"، وهكذا ... و ... فإن لم تصلح للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فليست صالحة لأن تكون صفة مشبهة؛ مثل كلمتَي: "قنعان"5، و"دلاص"6؛ فلكتاهما تستعمل بلفظ واحد للمفرد وفروعه، وللمذكر والمؤنث، تقول: "رجل، أو رجلان، أو رجال. أو امرأة، أو امرأتان، أو نسوة"، قُنْعَان، في كل حالة مما سبق. "وهذه درع ... أو هاتان درعان
... أو هؤلاء دروع" -دلاص، في كل حالة أيضًا. ومثل كلمة: "مرضع" في نحو: ما أعظم حنان، مرضع الأولاد. فإن هذه الكلمة لا تلحقها علامة التأنيث -غالبًا-1، لأنها خاصة بالمؤنث، ولا تستعمل بهذا المعنى في المذكر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: بمناسبة الإشارة إلى تأنيث "الصفة المشبهة" وتذكيرها نعرض للحالات التي يجب أن تطابق فيها الموصوف وحده، أو السببي وحده، والحالات التي يجوز فيها مطابقة هذا، أو ذاك. ويشترط أن تكون الحالات السالفة وأحكامها مقصورة على تأنيث الصفة المشبهة وتذكيرها حين ترفع السببي للمنعوت: 1- إذا رفعت الصفة المشبهة سببيًّا للمنعوت، وكانت صالحة1 في لفظها ومعناها للمذكر والمؤنث جاز أن تطابق هذا أو ذاك، سواء أكانا مذكرين معًا. أم مؤنثين معًا، أم مختلفين تذكيرًا وتأنيثًا، فمثال المذكرين معًا: هذا عالم عظيم نفعه. ومثال المؤنثين معًا: هذه عالمة عظيمة والدتها. ومثال المنعوت المذكر والسببي المؤنث: هذا عالم عظيمةٌ تلميذاتُه، أو عظيمٌ تلميذاتُه، ومثال المنعوت المؤنث والسببي المذكر: هذه عالمة عظيمٌ اختراعُها، أو عظيمةٌ اختراعها. وسبب الإباحة في هذه الحالة أن الكلمة صالحة1 للأمرين مع زيادة تاء التأنيث في المؤنث، وانتفاء القبح اللفظي والمعنوي2 منها. بخلاف الصور الآتية، فإن فيها قبحًا، ولذا تمتنع المطابقة. 2- إذا كان لفظها -دون معناها- مختصًا بأحدهما وجب -في الأغلب- أن يكون المنعوت مثلها في التذكير، أو في التأنيث، ولا يصح -في الرأي الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف لفظها في التذكير أو التأنيث؛ مثل كلمة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عجزاء1.... و ... نحو: تلك فتاة عجزاء أختُها. فلا يصح: ذلك فتى عجزاء أختُه. 3- وكذلك إن كان معناها -دون لفظها- مختصًّا بأحدهما، فلا يصح -في الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف معناها في التذكير أو التأنيث، مثل: كلمتَي: خصي، ومرضع2 ... و ... في قول بعض المؤرخين: يصف بيت أحد المماليك ... وشاهدت مملوكًا خصيًّا خادمه، وأميرًا مرضعًا جاريتها ... و ... فلا يصح: مملوكة خصيًّا خادمها، ولا أميرًا مرضعًا جاريته. 4- وكذلك إن كان لفظها ومعناها مختصين بأحدهما؛ كأكمر "وهو خاص بالذكور"، ورتقاء "وهو خاص بالنساء"؛ نحو: انصرف رجل أكمرُ وليدُه. وعجبتْ أمٌّ رتقاءُ وليدتُها. فلا يصح -في الأغلب- انصرفت امرأة أكمرُ ابنها، ولا: عجب والد رتقاءُ بنته ... ومن النحاة من يجعل الحالات الثلاث الأخيرة كالحالة الأولى، فيجيز أن تقع الصفة بعد موصوف يخالفها لفظًا فقط، أو معنى فقط، أو لفظًا ومعنى معًا، فلا فرق عنده في جميع الأحوال الأربعة السابقة من حيث التذكير والتأنيث. فيجيز أن تكون الصفة مطابقة فيهما للموصوف أو للسببي. وهذا الرأي -على قلة أنصاره- سائغ؛ لما فيه من التيسير، ومنْع التشعيب، مع موافقته لبعض النصوص العربية الفصيحة. ولكن الرأي الأول أكثر شيوعًا في النصوص العالية المأثورة التي تمتاز بسمو عبارتها، وقوة بلاغتها، وبُعدها من القبح اللفظي. كل ما سبق مقصور على الحالات التي ترفع فيها الصفة المشبهة سببي المنعوت. لكن هناك بعض حالات خاصة تحتاج إلى إيضاح3؛ ففي مثل: "مررت
بفتاة حسن الوجهُ" يكون السببي -وهو: الوجه- واجب الرفع، لا يجوز فيه الجر بالإضافة؛ لأن الجر بالإضافة يقتضي إزالة الإسناد عنه "بالطريقة التي سبق شرحها في ص268 ... والتي ستأتي في "ب" ص310"، وتحويله إلى ضمير الموصوف وهو الضمير المستتر في الصفة، ومتى تحملت الصفة المشبهة هذا الضمير المستتر وجب -في المثال السالف وأشباهه- "تأنيثها بالتاء؛ مراعاة للمنعوت: فعدم التأنيث في المثال السابق وأشباهه دليل على أن المعمول ليس "مضافًا إليه" مجرورًا؛ وإنما هو فاعل واجب الرفع. وقد يتعين عدم الرفع؛ كما في: "امرأة حسنة الوجهِ"؛ لأن "الوجه" لو كان فاعلًا لوجب تذكير الوصف للسبب السالف. وقد يجوز الأمران -الرفع والجر- كما في: "مررت برجل حسن الوجهُِ". فالصفة المشبهة إذا تحملت ضميرًا مستترًا للموصوف وجب مطابقتها في التأنيث والتذكير لذلك الموصوف، ووجب أن يكون معمولها غير فاعل1 ...
ب- وتخالفه في أمور وأحكام هامة؛ توضح حقيقة كل منهما، وتميزه من الآخر؛ منها: 1- اشتقاقها من الفعل اللازم حقيقة، أو من المتعدي الذي هو في حكم اللازم وفي منزلته؛ فمثال الأول: حسن، وجميل؛ في نحو: "الغزال حسن الصورة، جميل العينين"، وفعلهما: حسُن وجَمُل "بضم عينهما". وهما فعلان لازمان. وكذلك سَمْح، وجامد، في قول الشاعر: السمح في الناس محبوب خلائقه ... والجامد1 الكف ما ينفك ممقوتا وفعلهما: "سَمُح، وجمد"، وهما لازمان. ومثال الثاني: "هذا فارع2 القامة، عالي الرأس؛ إذا أريد بكل من: "فارع" و"عالٍ" الثبوت والدوام3، لا التجدد والحدوث. وفعلهما: "فرع" وعلا؛ وكلاهما متعدٍّ. ولكن مجيء الصفة المشبهة من مصدره -عند إرادة الثبوت نصًّا- جعله بمنزلة اللازم؛ إذ إنها لا تصاغ أصالةً إلا منه، ولا تصاغ من المتعدي إلا على هذا الاعتبار الذي يجعله بمنزلة اللازم4. أما اسم الفاعل فيصاغ من اللازم والمتعدي بغير تقيد بأحدهما. 1- تعدد صيغها القياسية وكثرة الأوزان المسموعة؛ بخلاف اسم الفاعل؛ فإن له صيغة قياسية واحدة إذا كان فعله ثلاثيًا؛ وهي صيغة: "فاعل". وأخرى على وزن مضارعه مع إبدال أوله ميما مضمومة وكسر الحرف الذي قبل الآخر -كما عرفنا- إذ كان فعله غير ثلاثي. والصيغتان محدودتان مضبوطتان.
3- دلالتها على معنى دائم الملازمة لصاحبه، أو كالدائم؛ فلا يقتصر على ماضٍ وحده، أو حال وحده، أو مستقبل كذلك، أو على اثنين دون الثالث، فلا بد أن يشمل معناها الأزمنة الثلاثة مجتمعة مع دوامه أو ما يشبه الدوام كما شرحنا. وهذا يعبر عنه بعض النحاة بأنه: "دلالتها على معنى في الزمن الماضي المتصل بالحاضر1 الممتد، مع الدوام"؛ لأن اتصال الماضي بالحاضر، ودوام هذا الحاضر، وامتداده يستلزم اتصال الأزمنة الثلاثة حتما. فغاية العبارتين واحدة. وعلى هذا لا يصح أن يقال في الرأي الأقوى الذي يجب الاقتصار عليه: الوجه حسنٌ أمس، أو الآن، أو غدًا. أما على الرأي الضعيف الذي سبق أن أشرنا بإهماله2 فيجوز -بشرط وجود قرينة- بقاءُ الصفة المشبهة على صيغتها مع تغير دلالتها إلى الماضي، أو الحال، أو المستقبل. وأما على الرأي القوي فنقول في هذه الصور وأمثالها مما يقتصر فيه المعنى على نوع من الزمن دون اكتمال الأنواع كلها: الوجه حاسنٌ أمس، أو: الوجه حاسنٌ الآن، أو: الوجه حاسنٌ غدًا؛ وذلك بتحويل صيغة الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، وإخضاعها لأحكامه كلها. وهذا الرأي وحده أحق بالأخذ. وقد سبق أن أوضحنا3 أن من يريد الدلالة على ثبوت الوصف ودوامه نصًّا فعليه أن يجيء بالصفة المشبهة، ومن يريد الدلالة نصًّا على حدوثه وتقييده بزمن معين دون باقي الأزمنة فعليه أن يجيء باسم الفاعل. وأنه لا بد مع الإرادة من قرينة تبين نوع الدلالة؛ أهي الثبوت والدوام، أم الحدوث. ولا فرق في دلالتها على دوام الملازمة بين أن يكون الدوام مستمرًّا لا يتخلله انقطاع؛ "كطويل القامة، حلو العينين"، وأن يتخلله انقطاع أحيانًا، "نحو: سريع الحركة، بطيء الغضب"، فيمن طبعه هذا؛ فإن الانقطاع الطارىء -ولو تكرر- لا يخرج الصفة عن أنها في حكم الملازمة لصاحبها؛ إذ إنها من عاداته الغالبة عليه4.
4- مجاراتها لمضارعها في حركاته وسكناته حينًا، وعدم مجاراته أحيانًا إن كان فعلها في الحالتين ثلاثيًّا. "والمراد بالمجاراة أمران: أن يتساوى عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا، فإن كان الثاني أو الثالث أو الرابع -أو غيره- في أحدهما متحركًا كان في الآخر كذلك. أو كان ساكنًا فهو ساكن في الآخر. وليس من اللازم أن يتفق نوع الحركة في كل منهما؛ فقد يكون الأول مفتوحًا في أحدهما، مضمومًا في الآخر مثلًا. فمن أمثلة المجاراة بينهما قولهم في الذم: فلان ساكن الريح1، أشأم الطالع، والمضارع من الثلاثي هو: يسكن. يشؤم. ومن الأمثلة المخالفة: رخيص، ثمين، نجيب، هجين، لطيف، وغيرها مما في قول شوقي: "الوطن كالبنيان؛ فقير إلى الرأس العاقل، والساعد العامل، وإلى العتب الوضيعة، والسقوف الرفيعة. وكالروض محتاج إلى رخيص الشجر وثمينه، ونجيب النبات وهجينه؛ إذ كان ائتلافها في اختلاف رياحينه؛ فكل ما كان منها لطيفًا موقعه، غير نابٍ موضعه فهو من نوابغ الزهر قريب، وإن لم يكن في البديع ولا الغريب ... ". وأفعالها المضارعة التي لا تجاريها "وهي من الثلاثي": يرخص، يثمن، ينجب، يهجن، يلطف ... أما الصفة المشبهة من مصدر غير الثلاثي2 فلا بد من مجاراتها لمضارعها؛ إذ هي في الأصل اسم فاعل أو اسم مفعول من غير الثلاثي وهما من غير الثلاثي يجاريان المضارع حتمًا، ثم أريد من كل منهما الثبوت؛ فصار صفة مشبهة على هذا الاعتبار -كما عرفنا- لأن الصفة المشبهة لا تصاغ أصالة إلا من ثلاثي؛ فوجب أن تكون من غير الثلاثي مجارية لمضارعها. ومن الأمثلة: فلان مستقيم الخطة، معتدل النهج، مسدد الرأي. ومضارعها: يستقيم، يعتدل، يسدد ... و ...
أما اسم الفاعل فلا بد أن يجاري مضارعه دائمًا1 -نحو: ذاهب، ويذهب، فاهم ويفهم، سامع ويسمع. ونحو: مكافح ويكافح، مرتفع ويرتفع، متمهل ويتمهل. 5- امتناع تقديم معمولها عليها إن كان "شبيهًا بالمفعول به"2، أما غيره فيصح؛ كشبه الجملة، والمنصوبات الأخرى التي ينصبها الفعل القاصر والمتعدي والتي يجوز تقديمها؛ كالمفعول لأجله، والحال، ... و ... و ... فلا يصح الغزال العين جميل؛ بنصب كلمة: "العين" على التشبيه بالمفعول به للصفة المشبهة بعدها. أما اسم الفاعل فيجوز تقديم معموله عليه في حالات كثيرة إذا كان3 غير مقرون بـ"أل" مثل: العواصف شجرًا مقتلعةٌ، والسحب الكثيفة نور الشمس حاجبةٌ. والأصل: مقتلعة شجرًا، حاجبة نور الشمس. وكذلك يجوز في الصفة المشبهة تقديم معمولها عليها إن كان شبه جملة أو فضلة ينصبها العامل المتعدي واللازم ولا يمنع من تقديمها مانع آخر كما قلنا. ومن أمثلة هذا قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فشبه الجملة: "على كل شيء" متعلق بالصفة المشبهة: "قدير"، وكذلك ما ورد في وصفهم عمر رضي الله عنه: "كان بالضعفاء رحيم القلب، لين الجانب، وعلى الطغاة شديد البأس، قاسي الفؤاد. وأمام الشدائد ثقة بالله. ثبت الجنان، قوي الإيمان ... "، والأصل: "كان رحيم القلب بالضعفاء شديد البأس على الطغاة، ثبت الجنان أمام الشدائد، ثقة بالله. 6- وجوب سببية معمولها المجرور، أو المنصوب على التشبيه بالمفعول به. فلا بد أن يكون معمولها سببيًا في الحالتين، وكذلك إذا كان معمولها
مرفوعًا، والصفة جارية على موصوف. والمراد بالسببي1: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود على صاحبها2، اتصالًا لفظيًا أو معنويًا. فمثال اللفظي: لنا صاحب سمح خليقته، حلو شمائله، كريم طبعه، تهفو القلوب إليه كأنما بينه وبينها نسب، وقول الشاعر: لقد كنت جلدًا قبل أن توقد النوى ... على كبدي نارًا بطيئًا خمودها فكل كلمة من الكلمات: خليقة، شمائل، طبع، خمود ... معمول للصفة المشبهة التي قبله، وهو معمول سببي؛ لأنه اسم ظاهر، متصل بضمير يعود -مباشرة- على المتصف بمعنى تلك الصفة. ومثال المعنوي قول الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين: سهل الخليقة، لا تخشى بوادره ... تزينه الخصلتان: الحلم3، والكرمُ لا يخلف الوعد ميمون بغرته ... رحب الفناء، أريب حين يعتزمُ والأصل: سهل الخليقة منه، رحب الفناء منه، أي: من زين العابدين في المثالين. فالضمير محذوف مع حرف الجر، وهو مع حذفه ملحوظ كأنه موجود4. أو أنه لا حذف في الكلام. وأن "أل" الداخلة على السببي تغني عن الضمير5. أما اسم الفاعل فيعمل في السببي والأجنبي، مثل: "مكرم، مكرمة، منكرة، عاطفة ... في قولهم: "تكريم العظيم تأييد له، ونصر للفضيلة، وتكريم الحقير إغراء له، ومشاركة في جرائمه؛ فشتان بين مكرم عظيمًا
يستحق التكريم ومكرم صغيرًا هو أولى بالزراية والتحقير. وما الجماعة الناهضة إلا المكرمة عظماءها، المنكرة أراذلها، العاطفة أقوياؤها على ضعفائها". 7- استحسان إضافتها إلى فاعلها المعنوي1 وجره بالإضافة2؛ سواء أكانت الصفة المشبهة من الصفات التي تلازم صاحبها ولا تفارقه، مثل: البدوي طويل القامة، عريض الجبهة، أسمر اللون، أم كانت من الصفات التي تلازمه طويلًا وقد تفارقه نحو: العربي قوي السمع، حديد3 البصر خفيف الحركة ... والأصل: البدوي طويلة قامته، عريضة جبهته، أسمر لونه، قوي سمعه، حديد بصره ... و ... أما اسم الفاعل فإضافته إلى مرفوعه ممنوعة في أكثر أحواله التي يدل فيها على الحدوث، لا على الدوام. وقد سبق تفصيل هذا4؛ حيث أوضحنا أن اسم الفاعل الدال على الحدوث، وفعله لازم أو متعدٍّ لأكثر من مفعول، لا يجوز إضافته لفاعله إلا إذا أريد منه الدلالة على الثبوت، كدلالة الصفة المشبهة، وأن الذي فعله متعدٍّ لمفعول واحد قد يجوز إضافته لفاعله عند أمن اللبس ... للدلالة على الثبوت ... و ... إلى آخر ما سردناه هناك، وأن اسم الفاعل إذا ترك الدلالة على الحدوث إلى الدلالة على الثبوت والدوام لا يبقى له اسمه، ولا أحكامه، وإنما ينتقل إلى الصفة المشبهة؛ فيسمى باسمها، ويخضع لأحكامها دون أن تتغير صيغته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بقيت، أمور وأحكام أخرى تنفرد بها الصفة المشبهة1، ولا يشاركها فيها اسم الفاعل، منها:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1- عدم تعرفها بالإضافة "في الرأي الراجح بين آراء قوية أيضًا أشرنا إليها من قبل1" أما هو فيتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، أو أريد به الاستمرار فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده. 2- "أل" الداخلة عليها قد تعتبر للتعريف وموصولة معًا -في رأي- وأداة تعريف فقط في رأي أقوى. أما الداخلة عليه فمعرفة واسم الموصول معًا "كما سبق في بابه. وفي ج1 ص278 م27".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- مخالفتها فعلها اللازم أصالة، فتنصب معمولها على التشبيه بالمفعول به دون فعلها؛ فإنه قاصر لا ينصب المفعول به1، ولا شبهه. أما اسم الفاعل فلا يخالف فعله في التعدي واللزوم. 4- إعراب معمولها المنصوب مشبهًا بالمفعول به -وليس مفعولا به- سواء أكان المعمول معرفة أم نكرة، وتمييزًا فقط إن كان نكرة1. أما معموله فمفعول به مباشرة، ما دام منصوبًا قد وقع عليه فعل الفاعل. 5- تأنيثها يكون أحيانًا بألف التأنيث؛ نحو: هذه بيضاء الصفحة. أما هو فلا تدخله ألف التأنيث. 6- عدم مراعاة محل معمولها المجرور بإضافته إليها، المتبوع بعطف؛ أو بغيره من التوابع. بخلاف اسم الفاعل. 7- عدم إعمالها محذوفة؛ فلا يصح هذا حسن القول والفعل، بنصب "الفعل"، على تقدير: وحسن الفعل، أما هو فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن، بنص الخائن. كما يجوز في باب: "الاشتغال" أن يقال: أضعيفًا أنت مساعده، أي: أمساعدًا ضعيفًا ... ؟ " بتقدير اسم فاعل محذوف بعد الهمزة، ولا يصح: أوَجْهًا هذه المرأة جميلته2. 8- عدم الفصل بينها وبين معمولها المرفوع أو المنصوب3 بظرف أو جار ومجرور -في الرأي الأرجح- إلا عند الضرورة، بخلافه. 9- وجوب تغيير صيغتها إلى صيغة اسم الفاعل إن تركت الدلالة على الثبوت -بقرينة- إلى الدلالة على الحدوث. أما هو فقد يبقى على صيغته إن ترك الدلالة على الحدوث -بقرينة- إلى الدلالة على الثبوت. 10- جواز إتباع معمولة بالنعت أو غيره من باقي التوابع. أما معمولها فلا يتبع بنعت، أي: لا يصح نعته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- يذكر النحاة تعليلًا جدليًا1 لاستحسان إضافة الصفة المشبهة لفاعلها دون إضافة اسم الفاعل لفاعله، ونلخصه هنا "بالرغم من أنه جدل منقوض بجدل مثله، ومعارض بأمثلة كثيرة، أوردها المعترضون، وضمنوها بطون المطولات، وأن التعليل الحق هو استعمال العرب ليس غير". إن إضافة اسم الفاعل إلى فاعله ممنوعة -على وجه يكاد يقع عليه الاتفاق- إذا بقي على دلالة الحدوث نصًّا، وكان فعله لازمًا، أو متعديًا لأكثر من مفعول به؛ لأن إضافته في هاتين الصورتين توقع في اللبس. فتوهم أنه أضيف؛ ليجاري الصفة المشبهة -حيث تضاف لفاعلها كثيرًا- وأنه ترك دلالته على الحدوث والتجدد؛ ليصير دالًا على الثبوت والدوام مثلها؛ فأضيف إضافتها؛ ليؤدي دلالتها. أما إن كان فعله متعديًا لواحد؛ فقد يمتنع إضافته إذا أوقعت في لبس. كما في مثل: البارُّ مكرمٌ أبوه فلو قلنا: البار مكرم الأب لجاز أن يقع في الوهم أن الإضافة هي للمفعول، لا للفاعل، وأن الأصل: البار مكرم أباه؛ بل إن إضافته قليلة حين يكون فعله متعديًا لواحد، ومعناه من المعاني التي لا تقع على الذوات، "أي: على الأجسام"؛ حيث اللبس مأمون، والإبهام غير واقع. مثل محمد كاتبٌ أبوه، فلا يصح: محمد كاتبُ الأبِ -إلا على قلة كما سبق- مع أنه لا لبس ولا إبهام في الإضافة؛ إذ الكتابة لا تقع على الذوات. أما السبب في عدم صحة هذا -إلا على قلة- فلأن الصفة الدالة على الثبوت لا تضاف إلى فاعلها إلا بعد تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، واستناد الضمير فيها "كما أشرنا في ص268"، إذ لو لم يتحول الإسناد بالطريقة السالفة للزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الصفة هي نفس مرفوعها في المعنى، وهو أمر غير جائز، إلا في مواضع2 ليس منها الموضع الحالي. ويؤيد هذا -عندهم- تأنيث الصفة المشبهة بالتاء في مثل: مررت بالفتاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسنة الوجه1؛ فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الفتاة لوجب تذكيرها كما تذكر مع فاعلها المرفوع؛ لهذا كان من المستحسن -وقيل: من الواجب- في مثل: أقبلت الفتاة الجميل وجهها أن تضاف الصفة إلى فاعلها؛ فيقال: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، لأن في الإضافة تخفيفًا وتقليلًا من عدة أمور تتشابه في أن كل اثنين منها بمنزلة شيء واحد، ففي المثال السابق قبل الإضافة "وهو: مررت بالفتاة الحسن وجهها" -الجار والمجرور بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك الصفة مع الموصوف، والفعل مع فاعله، والمضاف مع المضاف إليه. وكل هذه الأمور المتشابهة المجتمعة تقتضي التخفيف، ولم يمكنهم أن يزيلوا منها شيئًا إلا الضمير؛ حيث تصرفوا في شأنه، فنقلوه، وجعلوه فاعلًا بالصفة، فاستتر فيها؛ لأن الصفة في هذه الصورة تعد بمنزلة الجارية على من هي له2، حيث رفعت ضميره، ومن ثم استحسنت الإضافة في المثال السالف، وفي نحو: أقبلت الفتاة الجميلة وجهها، فيصير: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، ولم تستحسن، أو لم تصح في: محمد كاتب الأب، "وأصله قبل الإضافة. محمد كاتب أبوه"؛ لقلة الأشياء المتشابهة التي تقتضي التخفيف. وسبب آخر -عندهم- هو: أن الإسناد في مثل؛ الفتاة الجميلة الوجه -بإضافة الصفة إلى فاعلها- قد تغير؛ فصار الجمال مسندًا إلى الضمير العائد إلى الفتاة كلها بعد أن كان الإسناد متجهًا إلى وجهها فقط، وهو جزء منها، أي: أن الإسناد في ظاهره هو للكل، ولكن المراد منه الجزء على سبيل المجاز؛ لأن من جَمُل وحَسُن بعضه ساغ أن يسند الجمال والحسن إلى كله مجازًا؛ لحكمة بلاغية؛ قد تكون المبالغة أو نحوها ... وهذا لا يستساغ في مثل: محمد الكاتب الأب "والأصل: محمد كاتب أبوه"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد غير مقبول، سرى من المضاف -وهو "الأب"- إلى المضاف إليه؛ وهو: "الهاء". فهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإسناد إلى المضاف إليه، مع إرادة المضاف. وشتان بين الإسنادين والمجازين؛ فالإسناد في الأول واقع بين الكل والجزء الذي هو بعضه، فيصح إطلاق كل منهما وإرادة الآخر، بخلاف الثاني فهو بين الأبوة والبنوة. هكذا يقولون1، وهو تعليل جدلي محض كما قلنا. وفيه مخالفة لما أجازوه من قبل، من إضافة الشيء إلى نفسه أحيانا ... 2.
المسألة 106: اسم الزمان واسم المكان
المسألة 106: اسم الزمان واسم المكان 1 تعريفهما: اسمان يصاغان من المصدر الأصلي1 للفعل بقصد الدلالة على أمرين معًا: هما: المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر؛ مزيدًا عليه الدلالة على زمان وقوعه، أو مكان وقوعه. أو يقال: اسم الزمان ما يدل -بكلمة واحدة- على المعنى المجرد وزمانه2، واسم المكان ما يدل -بكلمة واحدة- على المعنى المجرد ومكانه3. ومن الميسور الوصول إلى هذه الدلالة بتعبيرات أخرى خالية من الاسمين السالفين. ولكنها تعبيرات لن تبلغ في الإيجاز مبلغ اسم الزمان واسم المكان، فمزية كل منهما أنه يؤدي بكلمة واحدة ما لا يؤديه غيره إلا بكلمات متعددة. صوغهما: أ- طريقة صياغتهما، والوصول إليهما من الماضي الثلاثي، غير معتلِّ العين بالياء4، تتحقق بالإتيان بمصدره القياسي -مهما كانت صيغته- ثم
جعلها على وزن: "مَفعَل"1 -بفتح الميم والعين- في جميع الحالات، ما عدا حالتين، تكون الصيغة فيهما على وزن "مَفعِل"1 -بكسر العين-: الأولى: الماضي الثلاثي صحيح الأحرف الثلاثة، مكسور العين في المضارع؛ مثل: جلس يجلس، رجع يرجع، قصد يقصد، حسب يحسب ... و ... الثانية: الماضي معتل الفاء بالواو2، صحيح اللام3، بشرط أن يكون مضارعه مكسور العين4، تحذف فيه الواو لوقوعها بين الفتحة والكسرة، مثل: وأل يئل5، وثق يثق، وجم يجم6، وخز يخز7، وعد يعد. فمن أمثلة "مفعَل" -بفتح العين- للزمان: مطلع الفجر خير وقت للقراءة والإطلاع النافع. لكثير من الطيور هجرة سنوية، فرارًا من البرد فإذا أقبل المشتى، وحل المهجر، رحلت إلى بلد أكثر دفئًا، وأنسب
جوًّا. والمراد: زمن طلوع الفجر. زمن الشتو "بمعنى: الشتاء". زمن الهجر: "بمعنى الهجرة". وأفعالها الثلاثية هي: طلع. شتا. هجر. ومن أمثلة "مفعل" -بكسر العين- للزمان: كلمتا مغرس، وموعد في قولهم: لغرس الشجر مواسم معينة: فإذا حان المغرس، وحل موعده أسرع الزراع إلى غرس ما يريدون. ومن أمثلة "مفعِل" -بفتح العين -للمكان: "مدخل، مطعم، مطبخ، مكتب، ملعب، مشرب، منأى، مسرح، مأوى ... " في قول القائل: "زرت بيتًا لأحد الرفاق؛ فراقني جماله؛ وتمام نظافته، وبراعة تنسيقه، ووفاؤه بمطالب الحياة السعيدة؛ فهذا مدخل للأضياف، يسلمهم إلى غرفة استقبال أنيقة. وهذا مطعم واسع، حسن الترتيب، يحمل إليه شهي الطعام من مطبخ آية في النظافة. وفي جانب هادئ غرفة واسعة جعلها رب البيت مكتبًا له، تطل على حديقة عامرة بعيون الأزاهير. وفي أحد الأطراف ملعب فسيح، مهدت طرقه، وفرشت أرضه بالكلأ الناعم الأخضر. وفي ركن منه مشرب للدافىء والبارد. وفي منأى عنه مسرح ومأوى للطيور الأليفة، وبعض الحيوانات المستأنسة ... ". والمراد؛ مكان الدخول، مكان الطعام، مكان الطبخ، مكان الكتابة. مكان اللعب، مكان الشرب، مكان النأي، أي: البعد. مكان السرح أي: الرعي، مكان الإيواء ... ومن أمثلة "مفعل" -بكسر العين- للمكان؛ مجلس، مرجع، مقصد، موثق، موئل، مورث؛ كقولهم في وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: كان واضح الجلال، عظيم الهيبة. مجلسه مجلس علم ووقار؛ لا تسمع فيه لغوًا، ولا تأثيمًا، والإمام فيه مرجع الفتوى، ومقصد المستفهم، وموثق الشاك، وموئل اللائذ ... أي: مكان الجلوس، مكان الرجوع، مكان القصد، مكان الوثوق، مكان الوأل، "أي: الالتجاء".
أما صياغتهما والوصول إليهما من الماضي الثلاثي المعتل العين بالياء فقد سبق بيانها1. ب- فإن كان الماضي غير ثلاثي فطريقة صوغهما تتحقق بالإتيان بمضارعه: ثم قلب أوله ميمًا مضمومة، وفتح الحرف الذي قبل الآخر، فتنشأ صيغة صالحة لأن تكون اسم زمان واسم مكان2، ويكون توجيهها لأحدهما خاضعًا للقرائن اللفظية أو غير اللفظية، فالقرينة وحدها هي التي تتحكم في هذه الصيغة؛ فتجعلها لأحدهما دون الآخر. فمن الأمثلة: ممسى ومصبح "أمسى، يمسى، ممسى. أصبح، يصبح، مصبحًا"، نحو: الحمد لله ممسانا ومصبحنا، ونحو قول التاجر: متجري مصبحي وممساي. والمراد: "الحمد لله في وقت إمسائنا وإصباحنا. متجري مكان إصباحي وإمسائي. ونحو: الفلك دوار في حركة دائبة، فليس له منقطع يتوقف عنده إذا حان، ولا متوقف يستريح ساعته إذا حلت. والمراد؛ ليس له زمان انقطاع، ولا زمان توقف. ومن الأمثلة: كوخ تملؤه السكينة والطمأنينة والوئام خيرٌ مستقرًا وأعظم مقامًا من قصر فخم يسوده القلق والفزع، ودواعي الشقاق. والمراد: خير مكان للاستقرار، وأعظم مكان للإقامة. حكمها: اسم الزمان والمكان مشتقان يصح أن يتعلق بهما شبه الجملة3
ولكنهما لا يعملان شيئًا من عمل فعلهما؛ فلا يرفعان الفاعل -أو نائبه، ولا ينصبان المفعول به، ولا غيره ... ويصح -عند الحاجة- زيادة تاء التأنيث في آخر صيغة "مفعل" -بفتح العين، وكسرها- بشرط أن تكون الصيغة للمكان؛ مرادًا تأنيث معناه؛ سيجيء البيان الخاص بهذا1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول فريق من النحاة: إن اللغة أسماء للزمان أو للمكان على وزن "مفعل" -بكسر العين- سماعًا عن العرب. وكان القياس الفتح؛ ومنها: المشرق، المغرب، المطلع، المسجد، المرفق1، المنسك2، المفرق3، المجزر4، المسقط5، المنبت، المسكن، المحشر، الموضع، مجمع الناس، المخزن، المركز، المرسن6، المنفذ7، المعدن، المأوى، إذا كان خاصًّا بالإبل تأوي إليه. والملاحظ أن النحاة كثير من مراجعهم حين يسردون الكلمات السالفة يصفونها بأنها وردت عن العرب بالكسر، وأن قياسها الفتح، ويكتفون بهذا، دون أن يعرضوا ببيان شافٍ لأمرين هامين. أولهما: ما تنص عليه المراجع اللغوية من ورود السماع الصحيح بالكسر وبالفتح في أغلب تلك الكلمات "دون الاقتصار على أحد الضبطين"8 مثل: مسجد، موضع، منبت، مطلع، مسقط، مظنة، مشرق، مغرب، مسكن، مجمع الناس، مغرب، مرفق، منسك9، محشر ... فورود السماع بالفتح أيضًا أدخل تلك الكلمات في مجال الضابط العام، وجعله منطبقًا عليها. وإذًا لا معنى لإبرازها ووصفها بأنها: "وردت مكسورة، وكان قياسها الفتح". فقد ثبت أنها وردت بالفتح أيضًا؛ فاجتمع في الفتح السماع وانطباق الضابط
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العام عليه، "أي: اجتمع فيه السماع والقياس" كما أن ورود السماع بالكسر يجيز فيها استخدام الكسر أيضًا: مراعاة للمسموع، دون أن يوجب الاقتصار عليه. بل إن ورود السماع بالكسر وحده لا يوجب الاقتصار عليه وإهمال القياس1. فيكف وقد اجتمع لها السماع والقياس معًا؟ ثانيهما: أن كثيرًا من أفعال تلك الألفاظ يصح في مضارعه كسر العين؛ طبقًا للوارد عن العرب؛ كمضارع الأفعال الصحيحة: "رفق، فرق، جزر، حشر ... " فليست عين المضارع فيها مقصورة في اللغة على الفتح أو على الضم؛ بل يجوز فيها الكسر أيضًا" طبقًا للوارد. وإذا جاز فيها الكسر كانت صيغة الزمان والمكان بكسر العين قياسية مطردة؛ وتكون كنظائرها الكثيرة المكسورة التي تخضع للضابط العام، وتنطبق عليها القاعدة الخاصة بطريقة الصوغ المطرد، ولا يكون ثمة معنى لإبرازها من بين نظائرها، وتخصيصها بأنها: "وردت مسموعة بالكسر، وكان قياسها الفتح". ذلك أن الفتح والكسر سماعيان وقياسيان معًا فيها ... وخلاصة ما تقدم أن تلك الكلمات التي تمالأ فريق من النحاة على أنها مسموعة بالكسر، وأن قياسها الفتح ليست مخالفة للقياس الأصيل، ولا خارجة عن نطاق القاعدة العامة المتعلقة بالصياغة المطردة؛ إما لأنها مسموعة بالفتح أيضًا كورودها مسموعة بالكسر، وإما لأن عين مضارعها مسموعة بالكسر وغير الكسر، ومتى ورد فيها الكسر صح مجيء الصيغة مكسورة العين، وفاقًا للقاعدة العامة، والقياس المطرد ... 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- وردت صيغ -كثيرة لاسم المكان، قليلة لاسم الزمان- من مصدر الثلاثي على وفاق القاعدة، ولكنها مختومة بتاء التأنيث للدلالة على تأنيث المعنى المراد من الكلمة؛ "إذ يقصد منها: البقعة، بمعنى المكان". فمما ورد في الكلام العربي الفصيح: "المَزِلَّة" بكسر الزاي لموضع الزلل، المظَنة بفتح الظاء1" لمكان الظن، المَشْرَقة "بفتح الراء" لموضع شروق الشمس والقعود فيها، موقَعَة الطائر "بفتح القاف" للمكان الذي يقع فيه، المشرَبة للغرفة، المدبغة، المزرعة، المزلقة، المنامة ... وكثير مثل هذا يزيد على المائة، ولكنه يكاد يقتصر على المكان. فهل يجوز القياس على هذا الوارد من المكان مرادًا منه: "البقعة"، بزيادة تاء التأنيث على صيغة "مفعَِل" التي هي بفتح العين أو بكسرها، لتصير "مفعَِلة" بفتح العين أو كسرها2 مع بقاء الدلالة على ما كانت عليه؟ اختلف قدماء النحاة في الرأي؛ فقليلهم يجيز القياس، وأكثرهم يميل -بغير داعٍ قوي- إلى المنع؛ لتوهمه أن هذا الكثير -المسموع المختوم بالتاء في صيغة اسم المكان- قليل لا يكفي للقياس عليه. والحق أن الرأي الذي يبيح القياس عليه سديدٌ موفقٌ؛ إذ كيف يوصف الوارد من تلك الأمثلة المكانية بالقلة مع أنه يبلغ العشرات3؟ نعم؛ إنها قلة، ولكنها: "نسبية"، "أي: بالنسبة للصيغ الواردة من غير تاء التأنيث"، والقلة "النسبية" على هذا الوجه تبيح القياس العام، وتجيز المحاكاة من غير تقييد4، وإن كانت لا تبلغ في درجة القوة والفصاحة مبلغ الأولى5، فاختلاف الدرجة في القوة والفصاحة لا يمنع من صحة القياس والمحاكاة. ولا داعي للتضييق الذي لا يدفع عن اللغة أذى؛ ولا يجلب لها نفعًا. فالأنسب إباحة القياس في صيغة "مفعَِلة"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح العين أو كسرها؛ تبعًا للقواعد السابقة الخاصة بصياغتها، مع الاقتصار في القياس على اسم المكان؛ لأن أمثلته الواردة هي التي بلغت في الكثرة حدًّا يبيح القياس عليها، دون اسم الزمان، حتى لقد علل النحاة واللغويون التأنيث بأنه إرادة البقعة لا المكان1 وهى غير "مفعلَة" الآتية هنا في "ج". وأهم مما سبق وأقوى في إباحة القياس أن النحاة يقررون أن إلحاق تاء التأنيث بالمشتقات قياسي لتأنيث معناها، وأن هذا الإلحاق قياسي مطرد في جميع أنواعها، إلا بعض صيغ معينة، ليس منها صيغة اسم الزمان والمكان -كما سيجيء في باب التأنيث، ج4 م169 ص440. هذا، وقد أباح مؤتمر المجمع اللغوي القاهري "في دورته الثالثة والثلاثين التي بدأت في آخر يناير سنة 1967 زيادة التاء للتأنيث في "مفعلة" "صيغة اسم المكان" مطلقًا، "أي: سواء كثر في المكان الشيء أو لم يكثر، وعرض عليه من المسموع الصحيح الوارد لها نحو: ستة وعشرين ومائة "126" كلمة ختمت فيها صيغة المكان بتاء التأنيث2. ج- قد يصاغ من الاسم الجامد الثلاثي3 الحسي4 صيغة على وزن:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "مَفعَلة" بفتح الميم والعين دائمًا بقصد الدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء1 الحسي المجسم، "أي: الذي ليس معنويا2. فإذا وجد مكان يكثر فيه: "ورق" -مثلًا- صغنا "مفعَلة" من: "ورق" فقلنا: "مورَقَة"؛ للدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء الحسي المسمى: "بالورق". وإذا وجد مكان يكثر فيه: "عنب" صغنا من كلمة "عنب": "معنَبة"، للدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء المجسم المسمى: "بالعنب". وإذا وجد مكان يكثر فيه: "البلح"، صغنا من كلمة: "بلح"؛ "مبلحة" للدلالة على المكان الذي يكثر به البلح. وهكذا تصاغ "مفعلة" -من الاسم الثلاثي الجامد للدلالة على أمرين معًا، هما: المكان وما يكثر فيه من شيء حسي معين، "كما سبقت الإشارة لهذا3". فالمراد: هو وصف بقعة، أو قطعة من الأرض بكثرة ما فيها من شيء خاص مجسم. ومن الأمثلة أيضًا: مأسدة: لأرض يكثر فيها الأسد. مذأبة: لأرض يكثر فيها الذئب. مذهبة: لأرض يكثر فيها الذهب. مقمحة: لأرض يكثر فيها القمح. مرملة: لأرض يكثر فيها الرمل. إلى غير ذلك من الأسماء الثلاثية الجامدة الحسية. ويسمى الاشتقاق بالطريقة السالفة: الاشتقاق من أسماء الأعيان3 الثلاثية". أما غير الثلاثية فلا يصاغ منها "مفعلة" لهذا القصد. إلا إن كان الاسم مشتملًا على بعض الحروف الزائدة التي يمكن حذفها، وتجريده منها، وإبقاؤه على ثلاثة أحرف أصلية تشتق منها تلك الصيغة بغير لبس؛ مثل: "مبطخة" لأرض يكثر فيها: "البطيخ". و"مغزلة" لأرض يكثر فيها الغزال، و"محصنة" لأرض يكثر فيها الحصان. فالأمر في هذه الصيغة مقصور على الثلاثي؛ إما أصالة، وإما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحويلًا؛ بأن يتجرد المزيد من أحرف زيادته ويسير ثلاثيًا؛ اتِّباعا للمأثور الغالب عن العرب. أما المجرد من غير الثلاثي فيسلك معه مسالك أخرى في التعبير عن هذه الدلالة على حسب اختيار المتكلم وقدرته البلاغية؛ دون استخدام لتلك الصيغة؛ إذ لا يكاد يوجد خلاف في منع صياغة: "مفعلة" من المجرد الذي تزيد حروف الأصلية على ثلاثة1. بقي أن نشير إلى مسألتين هامتين: الأولى: أقياسيةٌ تلك الصيغة أم مقصورةٌ على السماع؟ لقد ارتضى المجمع اللغوي القاهري قياسيتها، ونصُّ قرارِه2: "جاءت أمثلة من تلك الصيغة عن العرب، ولنا أن نتكلم بما جاء عنهم. وهل لنا أن نقيس عليه؛ فنقول مثلًا: "مغزلة" للأرض التي يكثر فيها الغزال، وقد جرد لفظ: "الغزال" من زيادته، ومخسة للأرض التي يكثر فيها الخس، و"متبرة" للأرض التي يكثر فيها التبر -إذا كان العرب لم يقولوا هذا؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المسألة رأيان مبنيان على الاختلاف في التقدير: "أحدهما: أن هذا البناء -مع كثرته- من قبيل المسموع ومعنى هذا أن الكثرة لم تصل إلى حد أن يقاس عليها. "والآخر: أن الكثرة وصلت إلى حد أن يقاس عليها. وله من كلام بعض1 الأئمة الكبار ما يعضده. "وقد أخذ المجمع بالرأي الثاني؛ لأنه قوي، والحاجة داعية إلى القياس على ما قال العرب" ا. هـ2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن هذه الصيغة تختلف في مدلولها وفي المراد منها عن صيغتي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "مفعل" و"مفعلة" الخاصتين "باسم المكان" فهاتان الصيغتان مشتقتان من المصدر، وتدلان على المكان وعلى المعنى المجرد الذي يحدث به. أما تلك فتضاغ من الثلاثي المحسوس للدلالة على المكان وعلى شيء حسي معين يكثر به، لا على شيء معنوي، فالفرق كبير بين الدلالتين. والفرق أكبر وأوسع في الأصل الذي يشتقان منه، وفي طريقة الصياغة، ووزن الصيغة، ما يتبين هذا جليًّا في الشرح الخاص بكل. د- ملخص ما سبق من أوزان المصدر الميمي1 واسمي الزمان والمكان إذا كانت أفعالها الماضية ثلاثية، وماضي المصدر الميمي غير مضعف هو: 1- إذا كان الماضي الثلاثي معتل اللام، "مثل: دعا. سعى ... " فالصيغة للمشتقات الثلاث هي وزن: "مفعل" "بفتح، فسكون، ففتح" تقول: مدعى. مسعى ... 2- إذا كان الماضي الثلاثي صحيح الأحرف ومضارعه مضموم العين أو مفتوحها: "مثل: نظر ينظر. فتح يفتح ... " فالصيغة للثلاثة على وزن "مفعل" أيضًا كالسابقة. 3- إذا كان الماضي الثلاثي صحيح الأحرف، ومضارعه مكسور العين، "مثل: جلس يجلس. عرف يعرف ... " فالميمي على وزن: "مفعَل" أيضًا، واسما الزمان والمكان على وزن: "مفعِل" بكسر العين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- إذا كان الماضي الثلاثي معتل الفاء بالواو، صحيح اللام، ومضارعه مكسور العين تحذف فيه الواو؛ "مثل: وعد يعد ... " فالصيغة للثلاثة هي: "مفعل" بكسر العين. ويتبين مما سبق أن صيغة الثلاثة لا تختلف إلا في صورة واحدة هي التي يكون فيها الماضي الثلاثي صحيح الأحرف مكسور العين في المضارع، فيصاغ المصدر الميمي على وزن "مفعل" -بفتح العين- ويصاغ اسمًا للزمان والمكان على وزن "مفعل" بكسر العين. ويجوز في المصدر الميمي أيضًا أن يكون على وزن "مفعل" -بفتح العين أو كسرها- إن كان ماضيه مضعفًا1. كل ما سبق حين يكون الماضي ثلاثيًا فإن كان غير ثلاثي فيصاغ الثلاثة -وكذا اسم المفعول- على وزن المضارع مع إبدال أوله ميمًا مضمومة وفتح الحرف الذي قبل آخره، وتكون القرائن هي المميزة بين الأنواع الثلاثة والدالة على النوع المناسب للسياق دون غيره الثلاثة الأخرى.
المسألة 107: اسم الآلة
المسألة 107: اسم الآلة تعريفه: اسم يصاغ قياسًا من المصدر الأصلي1 للفعل الثلاثي المتصرف -لازمًا أو متعديًا- بقصد الدلالة على الأداة التي تستخدم في إيجاد معنى ذلك المصدر. وتحقيق مدلوله. وليس الوصول إلى تلك الدلالة المعنوية مقصورًا على صيغة اسم الآلة القياسي، فمن الممكن الوصول إلى تلك الدلالة بأساليب مختلفة، ليس في واحد منها الصيغة القياسية التي تخص "اسم الآلة"، ولكن هذا الوصول يتطلب ألفاظًا، وكلمات متعددة لا يتطلبها صوغ اسم الآلة القياسي؛ فإنه يقوم بهذه الدلالة المعنوية بكلمة واحدة، فمزيته أن يؤدي باللقطة المنفردة ما لا يؤديه غيره إلا بالكلمات المتعددة. صوغه: صياغته القياسية لا تكون إلا من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مطلقًا2 يصاغ من غيره. وأوزان اسم الآلة ثلاثة قياسية: هي: مِفعَل. مِفعَال. مِفعَلة. وطريقة صوغها أن نجيء بذلك المصدر مهما كان وزنه، وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن إحدى الصيغ الثلاث3. مثال ذلك: 1- نشر النجار الخشب نشرًا، فآلة النشر هي: مِنشَر. أو: مِنشار، أو: مِنشَرة.
2- برد الصانع الحديد بردًا، فآلة البرد هي: مبرد، أو: مبراد، أو: مبردة. 3- ثقبت سداد القارورة ثقبًا -فآلة الثقب هي: مثقب، أو: مثقاب، أو مثقبة. 4- سخن الماء سخانة وسخونة -فالآلة التي تتحقق بها السخونة، هي: مسخن، أو: مسخان، أو: مسخنة. 5- سلكت الطريق سلوكًا، أي: ذهبت فيه ونفذت منه. فالآلة التي يتحقق بها الذهاب والنفاذ، هي: مسلك، أو: مسلاك، أو: مسلكة. 6- سمحت للمحتاج ببعض الغلة سموحًا، وسماحًا، وسماحة، فالآلة التي يتحقق بها السماح وتستخدم في الإعطاء، والتناول، هي: مسمح أو: مسماح، أو: مسمحة ... و ... وهكذا. حكمه: اسم الآلة لا يعمل عمل فعله؛ فلا يرفع فاعلًا أو نائب فاعل، ولا ينصب مفعولًا به، ولا غيره؛ فهو واسم المكان واسم الزمان المشتقات الثلاث التي لا تعمل عمل فعلها1. ويلاحظ أن صيغة "مفعال" مشتركة بين "اسم الآلة" و"صيغة المبالغة"؛ فهي من الأوزان الصالحة لهذه، ولتلك -كما سبق2- والتفرقة بينهما في الدلالة تكون بإحدى القرائن اللفظية أو المعنوية؟ كالشأن في كل صيغة مشتركة، أو لفظ يصلح لمعنيين أو أكثر؛ فالقرينة وحدها هي التي تتحكم في التوجيه هنا أو هناك، ففي مثل: "تخيرت للخشب الجزل منشارًا قويًّا يمزقه" -تكون صيغة "مفعال" اسم آلة: بخلافها في مثل: "ما أعجب فلانًا في التحدث عن
نفسه، ونشر أخباره، وانتهاز الفرص للإعلان عن شئونه!! إنه جدير بأن يسمى: منشارًا"؛ فإنها صيغة مبالغة في النشر. ومثل: كلمة: "مذياع"؛ فقد يراد منها الآلة الصماء التي تستخدم في نقل الأخبار المذاعة. وقد يراد منها الشخص المتكلم في تلك الآلة1. فمثال الحالة الأولى تدل عليها القرينة: توقف المذياع لخلل في أسلاكه. ومثال الثانية التي تدل عليها القرينة أيضا: ما أفصح المذياع، وما أعذب صوته، لم يتلجلج، ولم يتردد، ولم يشوه كلامه بلحن أو خطأ، مع أنه كان يرتجل بغير إعداد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- وردت ألفاظ مسموعة شذت صيغتها عن القياس؛ منها: "المنخل"؛ للأداة التي ينخل بها الدقيق. "والمدق"؛ للأداة التي تدق بها الأشياء الصلبة "والمدهن"؛ للأداة التي تستخدم في الدهان. و"المكحلة"؛ للأداة التي تستخدم في الكحل، أو للوعاء الذي يوضع فيه. و"المسعط"؛ للأداة التي يسعط بها العليل، أو الصبي؛ إي: يوضع بها الدواء في أنفه، "وكل ما سبق بضم أوله وثالثه إلا "المدق" فبضم أوله وثانيه"، "وإراث" للأداة التي توقد النار ... ولما كانت تلك الأوزان -وأشباهها- خارجة عن الصيغ القياسية، جاز استعمالها كما وردت مسموعة عن العرب، وجاز -كما سيتبين بعد1- اشتقاق صيغة قياسية من مصادر أفعالها الثلاثية المتصرفة تؤدي معناها ومهمتها، بحيث تجيء الصيغة الجديدة على وزن "مفعل" أو: "مفعلة" أو "مفعال" وهي الأوزان الثلاثة القياسية لاسم الآلة. ب- في محاضر جلسات المجمع اللغوي القاهري، في دور انعقاده الأول "ص371"، بحث وافٍ على اسم الآلة، ونصوص متعددة من المراجع المطولة الأصيلة التي تصدت لبيان أحكامه. ومن ذلك البحث وما تبعه من بحوث فرعية، وما أثاره من جدل عنيف، ومناقشات مستفيضة مسجلة هناك -يتبين أن بين العلماء خلافًا شديدًا يكاد يتركز في ثلاث مسائل: أولها: أن يكون اشتقاق اسم الآلة من مصدر الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، أم من مصدر المتعدي فقط، كما يميل إليه أكثر السابقين؟ وهل يشتق من أسماء الأعيان؟ ثانيها: أيجوز اشتقاق من مصدر الأفعال غير الثلاثية، أم أمره مقصور على الثلاثية وحدها؟ ثالثها: أيجوز القياس مع وجود صيغة مسموعة تخالفه، أم يجب الاقتصار عليها؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخير إجابة عن تلك الأسئلة -وهي إجابة مستمدة في أكثرها من البحوث والمناقشات التي دارت بالمجمع، ثم من مراجع واعتبارات أخرى- هي: 1- جواز الاشتقاق من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف اللازم والمتعدي، دون مصدر الأفعال غير الثلاثية، ودون أسماء الأعيان. فيجب الاقتصار في هذين على المسموع وحده. 2- ويجوز القياس بصوغ اسم الآلة من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مع ورود صيغة مسموعة تخالفه. لكن الأحسن الاقتصار على هذه الصيغة المسموعة، وبخاصة إذا كانت شائعة. "ملاحظة": جاء في مجلة المجمع اللغوي، القرار الآتي نصه1: "يضاف إلى الصيغ الثلاث المشهورة في اسم الآلة، "وهي: مفعل، مفعلة، مفعال، وكذا: "فعالة" التي أقر مجلس المجمع قياسيتها من قبل" ... صيغ أخرى؛ هي: أ- فعال؛ مثل: إراث "لما تؤرث به النار، أي: توقد". ب- فاعلة: مثل: ساقية. ج- فاعول؛ مثل: ساطور. وبهذا تصبح الصيغ القياسية لاسم الآلة سبع" ا. هـ. وفي الصيغ الأربع الجديدة التي اشتمل عليها هذا القرار ما يقتضي التأمل والتلبث. فصيغة: "فعالة" المقترحة: "اعتمادًا على كثرتها في الاستعمال القديم والحديث؛ ومن الحديث: ثلاجة، خرامة، خراطة, كسارة: لآلة الثلج، والخرم، والخرط، والكسر؛ إنما تصاغ على أصل عربي فصيح وهو صيغة: "فعال" المؤنثة المشتقة للدلالة على المبالغة، أو على النسب لأمر من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور؛ طبقًا لما سيجيء في باب: "النسب1"، ثم تستعمل بعد ذلك مجازًا "لغرض بلاغي" في الدلالة على الآلية أو السببية. وهذا الاستعمال المجازي مباح فصيح في كل عصر، بشرط توافر ركني المجاز "وهما: العلاقة، والقرينة" ومن المعروف بلاغة أن المجاز إذا اشتهر صار حقيقة عرفية فصيحة؛ ينسى معها "العلاقة والقرينة"؛ طبقًا لما قرره البلاغيون، فلا حاجة -إذًا- لقرارٍ بزيادة تلك الصيغة على صيغ اسم الإلة. هذا إلى أنها لا تكون نصًّا في دلالتها على الآلية -أحيانًا- وبذا تختلف عن الصيغ المسموعة. أما الصيغ الثلاث الجديدة التي زيدت أيضا "أ. ب. ج" فأمر قياسيتها غير واضح؛ فهل المراد أن يصاغ على وزنها اسما، آلات من كل ما يصاغ منه اسم الآلة؟ إن كان هذا هو المراد -وهو ما يقتضيه حكم القياس- كان غريبًا؛ لأن الاستعمال العربي القديم لتلك الكلمات كان متجهًا في بعضها إما للمجاز على الوجه الذي شرحناه؛ كاستعمالهم كلمة: "الساقية"، وإما للأداة الخاصة في بعض كلمات أخرى معينة دون غيرها كما في كلمة "إراث" و"ساطور"، ونحوهما من عشرات الكلمات المتباينة التي استعملوا -بقلة- كل واحدة منها أداةً دون أن تخضع تلك الكلمات كلها لكثرة استعمالهم أو لصيغة واحدة تجمعها، أو وزن واحد تندرج تحته؛ فالحكم بالقياس على تلك الصيغ الثلاث واستعمالها من غير طريق المجاز مخالف للمراد من القياس اللغوي، ومؤدٍّ للاضطراب. هذا إلى أنه يمكن الاستغناء عن الصور الجديدة كلها باختيار صيغة من الصيغ القديمة تستعمل أداة موصلة للمعنى المراد من كل صيغة من هذه الصيغ المستحدثة.
المسألة 108: التعجب
المسألة 108: التعجب مدخل ... المسألة 108: التعجب معناه: إذا رأينا في أحد الكواكب أشباحًا تحاول الاتصال بنا، أو شاهدنا بئرًا تغيض1 فجأة، أو مطرًا ينهمر في يوم صحو2، أو سيارة جديدة تتوقف عن المسير بغير سبب معروف، كان هذا أمرًا باعثًا للدهش، وانفعال3 النفس به؛ واستعظامها إياه؛ لخفاء سره عليها، وعدم وجود نظير له، أو قلة نظائره، وقد يعبر عنه الناس بأنه أمر عجيب، أو غريب، أو مثير ... أو نحو هذا من العبارات التي يريدون منها ما يسميه اللغويون: "التعجب"، ويعرفونه بأنه: "شعور داخلي4 تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادرًا، أو لا مثيل له؛ مجهول الحقيقة5، أو خفي السبب"6. ولا يتحقق التعجب إلا باجتماع هذه الأشياء كلها. أسلوبه: له أساليب كثيرة7 تنحصر في نوعين:
أحدهما: مطلق؛ لا تحديد له ولا ضابط، وإنما يترك لمقدرة المتكلم، ومنزلته البلاغية، ويفهم بالقرينة. والآخر: "اصطلاحي"، أو "قياسي" مضبوط بضوابط وقواعد محددة، ولا تكاد تختلف في استعماله أقدار المتكلمين. ومن أمثلة الأول: "لله در1 فلان"، في قول القائل: لله درك!! أي جنة2 خائف ... ومتاع دنيا. أنت للحدثان3 ومنها: "يا لك، أو يا له، أو يا لي" ... كقول الشاعر: فيالك بحرًا لم أجد فيه مشربًا ... وإن كان غيري واجدًا فيه مسبحًا ومنها: "شَدَّ4" في نحو: شَدَّ ما يفخر اللئيم بأصوله إن كانت له أصول، ويتمدح بفعاله إن كان له فعل محمود. ومنها كلمة: "عَجَب"، مصدرًا، ومشتقاته، مثل: عَجِب، و"عجيب" في نحو: قولهم: عجبت لمن يشتري المماليك بماله، ولا يشتري الأحرار بكريم فعاله. وقول الشاعر: أقاطنٌ5 قومُ سَلْمَى أَم نَوَوْا ظَعْنَا6؟ ... إِنْ يَظْعَنوا فعجيبٌ عيْشُ مَنْ قَطَنا ومنها: الاستفهام المقصود منه التعجب؛ كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْْ} ، وكقول شوقي يخاطب تمثال أبي الهول7: إلامَ ركوبُكَ مَتنَ الرمالِ ... لِطَيِّ الأَصيلِ، وجَوْب السِّحَرْ?
ومنها: "سبحان الله" التي تصاحبها قرينة تدل على أن المقصود منها التعجب؛ كقول رجل سئل عن اسمه: "سبحان الله! تجهلني، والخيل والليل والبيداء تعرفني؟!! ... ". إلى غير ذلك من كل لفظ يدل على التعجب1 وتُفهم منه هذه الدلالة بقرينة، من غير أن يكون من النوع "الاصطلاحي" "القياسي". أما النوع "الاصطلاحي، أو القياسي: فصيغتان2: "ما أفعله" و"أفعِل به". وهذان وزنان يُستعملان عند إرادة التعجب من شيء تنفعل به النفس على الوجه الذي شرحناه؛ فعند التعجب من الجمال الباهر -مثلًا- أو الضخامة البالغة، أو: القصر المتناهي ... أو غيره ... نأتي بأحد أسلويين قياسيين. أولهما3: فعل ماضٍ، ثلاثي4، يشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ثم نجعل هذا الماضي على وزان، "أفعل". وقبله: "ما" الاسمية التي هي مبتدأ، وعلامة التعجب؛ ولذا تسمى: "ما التعجبية" وتقديمها على هذا الماضي واجب، وفاعله ضمير مستر وجوبًا، تقديره: "هو" يعود على: "ما"، وبعده اسم منصوب هو في ظاهره وفي إعرابه مفعول به5. ولكنه في المعنى فاعل6؛ إذ كان في الجملة -وفي الحقيقة- قبل التعجب فاعلًا؛ نحو؛ ما أجمل الوردة الناضرة!. ما أضخم هرم الجيزة!. ما أقصر
سكان المناطق القطبية! فكلمة: "ما" في هذه الأمثلة وأشباهها مبتدأ1، والجملة الفعلية بعدها خبرها، ثم المفعول به الذي هو فاعل في المعنى: فالأصل جملت الوردة، ضخم الهرم، قصر سكان المناطق القطبية. وعند إرادة التعجب من كبر قارة آسيا، وسعتها، وغزارة سكانها، وعلو جبالها ... و ... نقول: ما أكبرها!! وما أوسع رقعتها!! وما أغزر سكانها!! وما أعلى جبالها!! ... والإعراب كما سبق تمامًا، وكذلك المفعول به. و"ما" التعجبية في هذه التراكيب -ونظائرها- هي نوع من "النكرة التامة"2، وتتضمن -بذاتها3- معنيين معًا، أو أنها ترمز إليهما معًا؛ هما: "توجيه الذهن إلى أن ما بعدها عجيب. وأن الذي أوجده أمر عظيم"، ويصفها النحاة بأنها "نكرة تامة". والماضي بعدها جامد لا محالة4 مع أنه في أصله ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف باستعماله في التعجب رباعيًا على وزن "أفعل" كما يفقد -في الأرجح- الدلالة على الزمن إن لم توجد قرينة تدل على الزمن5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لسنا بحاجة إلى الأخذ برأي من يقول: إن "ما" التعجبية اسم موصول، مبتدأ، والجملة بعدها صلتها، والخبر محذوف. ولا برأي آخر يقول: إنها نكرة ناقصة "تحتاج إلى نعت بعدها" والجملة بعدها نعت لها، والخبر محذوف، ولا استفهامية ... ولا ... ولا ... فكل هذه الآراء تحمل في طياتها كثيرًا من التعسف، وتقوم على الحذف والتأويل من غير داعٍ، ومن غير أن تمتاز بمزية تصرفنا عن الإعراب الأول الذي يتضمن كل مزاياها، ويخلو من عيوبها. فعلينا التمسك به وحده، وأن نختصر في الإعراب، فنقول: "ما" تعجبية، قاصدين مع هذا الاختصار أنها نكرة تامة مبتدأ -من غير حاجة للتصريح بما اصطلحنا عليه ... ب- ورد عن العرب قولهم: "ما أمليح فلانًا وما أحيسنه، بتصغير الفعلين الماضيين: "أملح وأحسن" عند استخدامهما في التعجب، مع أن الأفعال لا تصغر ... فهل يصح تصغير غيرهما من الأفعال الماضية المستخدمة في التعجب، والتي على وزن "أفعل"؛ قياسًا على هذين الفعلين الماضيين؟ الرأي الشائع عدم الجواز، ولكن سيبويه وبعض البصريين وفريق من غيرهم يبيحه. وفي الأخذ بهذا الرأي -أحيانًا- تيسير وتوسعة لا ضرر منهما1 ...
ثانيهما1: فعل ثلاثي لازم مشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ونجعل هذا الفعل على وزن: "أفعل"، وبعده باء الجر، تجر اسمًا ظاهرًا، أو: ضميرًا متصلًا بها، وكلاهما هو الذي يختص بمعنى الفعل. ففي الأمثلة السابقة يقال: أَجْمِلْ بالوردة النَّاضرة! أضْخِم بهرم الجيزة! أَقْصِرْ بسكان المناطق القطبية!. أَكْبِرْ بقارة آسيا! وأَوْسِعْ برقعتها! وأغزِرْ بسكانها! وأَعْلِ بجبالها! أو: أَكبِرْ بقارة آسيا! وأَوسِعْ بها! وأَغزرْ بسكانها! وأكثْر بهم! أما إعراب: "أجملْ بالوردة الناضرة" ففيه وفي نظائره إعرابان: أ- أن نقول "أجْمِلْ"، فعل ماضٍ على صورة الأمر، "أي على شكله الظاهر فقط2، دون الحقيقة المعنوية" ... "بالوردة" الباء، حرف جر زائد3 "الوردة " فاعل مجرور بالباء لفظًا، ولكنه في محل رفع على الفاعلية. "الناضرة" نعت، إما مجرور بالكسرة تبعًا للفظ الفاعل المنعوت، وأما مرفوع بالضمة تبعًا لمحل المنعوت، ويكون المراد هو: جَمُلت الوردةُ، أي: صارت ذات جمال عجيب، وضخم الهرمُ، أي: صار ذا ضخامة عجيبة. قَصُرَ سكان المناطق القطبية. أيضًا ... وهكذا باقي صيغ "أفْعِل" التي جاءت في ظاهرها على صورة الأمر، وهي في الحقيقة فعل ماضٍ؛ يراد منه في ظاهره وفي حقيقته التعجب. ومِثْل النعت هنا غيره من التوابع؛ فكل منها يجوز فيه الجر والرفع. هذا إعراب الفاعل المجرور بالباء حين يكون اسمًا ظاهرًا معربًا، أما حين يكون اسمًا مبنيًا؛ كالضمير البارز، أو غيره من المبنيات "ومن الأمثلة
الآية الكريمة: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وبعض الأمثلة التي سلفت؛ "فإنه يكون مبنيًا ويذكر في إعرابه: "أنه مجرور بكسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها علامة البناء الأصلي في محل رفع"1؛ فهو كسابقه في أنه مجرور اللفظ، مرفوع المحل، وفي أنه يجوز في تابعه الأمران: الرفع والجرّ. ب- أو نقول: "أَجْمِلْ" فعل أمر حقيقي، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنت، يعود على مصدر الفعل المذكور "وهو: الجمال"، و"بالوردة" الباء حرف جر أصلي، وهي ومجرورها أصليان متعلقان2 بالفعل. والمراد الملحوظ: يا جمالُ أجمِلْ بالوردة؛ أي: لازِمْها؛ ولا تفارقْها. فالخطاب الملحوظ موجه لمصدر الفعل المذكور، بقصد طلب استمراره، ودوام بقائه معه3. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى، والفاعل مفرد مذكر للمخاطب دائمًا؛ لأنه ضمير مستتر للمصدر المخاطب في كل الأحوال. والإعرابان صحيحان4. والمعنى عليهما صحيح أيضًا؛ فلا خلاف بينهما
في تأدية الغرض. إلا أن الإعراب الثاني أيسر وأوضح، وهو إلى عقول ناشئة المتعلمين أقرب. ويزداد يسرًا ووضوحًا حين يكون الفاعل المجرور بالباء اسمًا مبنيًا كالضمير، وغيره من المبنيات التي تحتاج في إعرابها إلى تطويل. ويلاحظ أن صيغة: "أفْعِلْ" هذه جامدة -كأختها الأولى- مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف بسبب استعماله في التعجب -كما أوضَحْنا1-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- همزة الماضي: "أفعل" في التعجب هي لتعدية الصيغة التي يكون فعلها الثلاثي إما لازمًا في الأصل، وإما متعديًا، ولكنه يفقد التعدية عند أخذ الصيغة منه؛ فتحل محلها تعدية جديدة تغايرها. فمثال الأول: ما أظرف الأديب!! فإن الفعل: "ظرف" لازم أصالة؛ فصار متعديًا. ومثال الثاني: ما أنفع الحذر!! فإن الفعل: "نفع" متعدٍّ في أصله. وتزول عند أخذ الصيغة منه، فتنصب مفعولًا به جديدًا كان في الأصل فاعلًا؛ إذ الأصل: نفع الحذر. فكلمة: "الحذر" فاعل يصير مفعولًا به بعد التعجب1. أما همزة "أفْعِلْ"، فللصيرورة على اعتباره ماضيًا على صورة الأمر ... ويجب تصحيح العين في الصيغتين إن كانت في غير التعجب تستحق الإعلال بالنقل؛ مثل: ما أطول النخلة، وأطول بها2 ومن هذا قولهم: "ما أحوج الجبانَ إلى أن يرى ويسمع عجائب الشجعان" وكذلك يجب فكَ "أفْعِلْ" المضعف، نحو: أشْدِد بحمرة الورد. وقول الشاعر: أعْزِرْ عَليّ بأن تكون عليلًا ... أو أن يكون لك السَّقام نزيلًا ب- يشيع في هذا الباب ذكر: "المتعجب منه" "وهو المعمول المنصوب أو المجرور بالباء" والتعبير الأنسب: هو: "المعمول المتعجب من شيء يتصل به" الأن التعجب في مثل: ما أنفع العلم!!، إنما هو من نفع العلم" لا من العلم ذاته. ولا بأس بالتعبير الشائع على اختصاره المقبول؛ لأن المراد منه مفهوم. ج- هناك صيغ أخرى للتعجب3، وأشهرها: "فَعُلَ"4 -بضم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العين وهو فعل لازم؛ نحو: كبرت كلمة تخرج من فم الجاحد، وخبث لفظًا يجري على لسانه. ومنها: "أفْعَلَ" بغير "ما" التعجبية، وأصله فعل ثلاثي زيد في أوله، همزة التصيير؛ نحو: أحسنت قولًا، وأبرعت عملًا. أي: ما أحسن قولك، وما أبرع عملك ... وفعلها الثلاثي حَسُن وبرَعَ. والمشهور أن الصيغة الأولى قياسية، والثانية سماعية ذكرناها لندرك أمثلتها المسموعة.
شروط الفعل الذي يبنى منه الصيغتان القياسيتان بناءً مباشرًا: يشترط فيه ثمانية شروط: 1- أن يكون ماضيًا1. 2- ثلاثيًا؛ فلا يصاغان من فعل زادت حروفه على ثلاثة؛ مثل: دحرج. تعاون. استفهم ... إلا أن كان الرباعي قبل التعجب على وزن: "أفعل" فيجوز -في الرأي الأنسب2- صياغتهما منه بشرط أمن اللبس؛ كالأفعال "أعطَى "أعطى، أقفر، أظلم، أولى ... " فيقال: ما أعطى التقي، ما أقفر الصحراء، ما أظلم عقول الجهلاء، ما أولى الناصح بردع نفسه. ومن الشاذ قولهم: ما أخصرَ كلام الحكماء، فبَنوه من "اخْتُصِر" الخماسيّ المبنى للمجهول أيضًا3. 3- متصرفًا في الأصل تصرفًا كاملًا، قبل أن يدخل في الجملة التعجيبة. "أما بعد دخوله فيها فيصير جامدًا4". فلا يصاغان من: ليس، عسى، نعم، بئس ... ونحوها من الأفعال الجامدة تمامًا، ولا من نحو: "كاد" التي هي من أفعال المقاربة؛ لأن "كاد" هذه ناقصة التصرف ليس لها إلا المضارع في الأغلب. 4- أن يكون معناه قابلا للتفاضل والزيادة؛ ليتحقق معنى "التعجب"؛ فلا يصاغان مما لا تفاوت فيه، نحو: فَنِيَ، مات، غرق، عَمِيَ؛ إذ لا تفاوت في الفناء، ولا في الموت، ولا الغرق، ولا العمى، وحيث يمتنع التفاوت والزيادة في معنى الفعل يمتنع الداعي للعجب؛ إذ يكون المعنى مألوفا.
5- ألا يكون عند الصياغة مبنيًّا للمجهول بناء يطرأ ويزول، كالأفعال: عُرِف، عُلِم، فُهِم ... وغيرها مما يبنى للمجهول حينًا وللمعلوم حينًا آخر، دون أن يلازم البناء للمجهول في كل الأحوال. أما الأفعال المسموعة التي يقال إنها تلازم البناء للمجهول. "مثل: زُهيَ، هُزِلَ ... "1 فالأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة منها بشرط أمن اللبس2؛ فيقال: ما أزهى الطاووس! وما أهزل المريض! ... 6- أن يكون تامًّا، "أي: ليس ناسخًا"؛ فلا يصاغان -وفي الرأي الأقوى- من "كان، وكاد"، وأخواتهما ... 7- أن يكون مثبتًا، فلا يصاغان من فعل منفى؛ سواء أكان النفي ملازمًا له، أم غير ملازم؛ مثل: ما عاج الدواء، بمعنى: ما نفع، ومثل ما حضر الغائب، فالفعل الأول، وهو: "عاج" الذي مضارعه: "يَعِيج " ملازم للنفي في أغلب أحواله، لا يفارقه إلا نادرًا، والفعل: "حضر" في هذا التركيب وأشباهه مسبوق بالنفي، ويستعمل بغير النفي كثيرًا، وكذلك أفعال أخرى متعددة.
8- ألا تكون الصفة المشبهة1 منه على وزن: "افعل" الذي مؤنثه: "فعلاء"، نحو "عرج، فهو: أعرج، وهي: عرجاء". "خضر، فهو: أخضر، والحديقة خضراء". "حمر الجلد؛ فهو: أحمر، والوردة حمراء". "حور فهو: أحور، وهي: حوراء" ... وهكذا من كل صفة مشبهة تدل على لون، أو عيب، أو حِلية، أو شيء فطري2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: زاد بعض النحاة شرطا آخر خالف به الأكثرين؛ هو: ألا يُستغنَى عن الصياغة منه بصيغة أخرى مسموعة؛ فلا يصح: ما أقْيله!! في التعجب من قيلولته1؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أكثر قائلته. ولا يصح ما أسكره، ولا ما أقعده، ولا ما أجلسه؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أشدَّ مكره. ما أكثر قعوده. ما أحسن جلوسه. والحق أن هذا شرط غير مقبول2؛ إذ يقتضينا أن نرهق أنفسنا بالبحث المضني في جميع المظان لمعرفة ما استغنوا به عن الصيغة القياسية؛ وهذا تكليف لا يطاق، ولا يمكن تحقيقه، وفيه تعويق للتعبير، وتعطيل للقاعدة، وتحويل للقياس عن معناه السديد.
كيفية التعجب إذا كان الفعل غير مُسْتَوْفٍ للشروط الثمانية: 1- إن كان الفعل جامدًا؛ مثل: نعم، وبئس ... أو غير قابل للتفاوت؛ مثل: مات. فني ... و ... فلا يصاغ منه صيغة تعجب. 2- إن كان الفعل زائدًا على ثلاثة "مثل: انتصرَ وتَغَلَّب" أو: كان الوصف منه على "أفْعَل فَعْلاء" "مثل: حور وخضر" لم تجئ منه الصيغة مباشرة. وإنما تجيء من فعل آخر مستوفٍ للشروط؛ صالح لما نريده؛ "نحو: قوي، ضَعُفَ، حَسُن، قَبُح، عظُمَ، حَقَر ... " فنقول: "ما أقوى، ما أضعف، ما أحسن، ما أقبح، ما أعظم، ما أحقر، ما أشد، ما أكبر، ما أصغر" ... ونحو ذلك مما يناسب؛ أو نقول: "أقْوِ، أضعف، أحْسِنْ، أقْبِحْ، أعظِمْ، أحْقِرْ ... ". ثم نجيء بعد هذه الصيغة بمصدر الفعل الذي لم يستوفِ الشروط بسبب زيادته على ثلاثة أحرف، أو بسبب أن الوصف منه على: "أفعل فعلاء"، ونضعه بعد صياغة الفعل الجديد المناسب، المستوفي. وننصب هذا المصدر بعد "ما أفعل" ونجره بالباء بعد "أفعل": نحو: ما أقوى انتصار الحق! وما أضعف تغلب الباطل! أقو بانتصار الحق! وأضعف بتغلب الباطل! ... ونحو: ما أَجْمَلَ حَوَر العيون! أجمل بحور العيون! ما أنضر خضرة الزرع! أنضر بخضرة الزرع! والأفعال غير المستوفية هي: "انتصر، تغلب، حور، خضر". أما الأفعال التي تخيرناها للصياغة مكانها فهي: "قوي، ضعف، جمل، نضر ... ". 3- إن كان الفعل منفيًّا أخذنا الصيغة من الفعل المناسب الذي نختاره بالطريقة السالفة، ووضعنا بعدها مضارع الفعل المنفي مسبوقًا "بأن" المصدرية، والنفي: ففي نحو: ما فاز الرأي الضعيف!. نقول: ما أجمل ألا يفوز الرأي الضعيف1!. وفي نحو: ما حضر خطيب الحفل، نقول مثلًا: ما أقبح ألا
يحضر خطيب الحفل. والمصدر المؤول من "أن والفعل" في هذه الأمثلة وأشباهها في موضع نصب مفعول به. وإنما أتينا "بأن والفعل"؛ لنستطيع المحافظة على بقاء الفعل الأصلي منفيًا؛ إذ لو أخذنا منه صيغة التعجب مباشرة لزال نفيه، ولم يظهر الشأن في التعجب أهو منفي أم غير منفي? ويجوز أن نقول في الصور السابقة: أجْمِلْ بألا يفوز الرأي الضعيف! أقْبِح بألا يحضر خطيب الحفل! فيكون المصدر المؤول مجرورًا بالباء. فالمصدر المؤول من: "أن والفعل" المنفي وفاعله إما أن يكون في محل نصب بعد: "ما أفعل" وإما أن يكون في محل جر بالباء بعد: "أفعل". ويجوز في الفعل المنفي أن نجيء بمصدره الصريح -بدلًا من المصدر المؤول- مسبوقًا بكلمة: "عدم" الصريحة في معنى النفي "أو بما يشبهها" ومجرورًا بالإضافة إليها؛ ففي مثل: ما صرخ المتكلم وما هسَّ، نقول: ما أحسن عدم صراخ المتكلم، وما أجمل عدم همسه. أحسن بعدم صراخ المتكلم!، وأجمل بعدم همسه!. 4- إن كان الفعل مبنيًّا للمجهول بناء عارضًا يطرأ ويزول أخذنا الصيغة من الفعل الذي نختاره بالطريقة التي شرحناها، ووضعنا بعدها الفعل المبني للمجهول، مسبوقا بـ"ما المصدرية"1، ففي نحو: عُرف الحق، وهُدي إليه الضالّ: نقول: ما أحسَنَ ما عُرف الحق! وما أنفع ما هُدي إليه الضال. أو: أحسِن بما عرف الحق!، وأنفع بما هدي إليه الضال؛ فالمصدر المؤول من "ما" وصلتها مفعول به بعد الصيغة الأولى، ومجرور بالباء بعد الصيغة الثانية.
وإنما أتينا "بما" المصدرية محافظة على بقاء الفعل مبنيًّا للمجهول، ولولاها لزال بناؤه للمجهول فلا يتبين أسلوب التعجب أللمجهول هو أم للمعلوم؟ أما الفعل الملازم للبناء للمجهول سماعًا عند من يقول بهذه الملازمة1 فقد سبق2 أن الأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة من مصدره مباشرة. 5- وإن كان الفعل ناسخًا، "أي: غير تام" فإن كان له مصدر وجب أن نضع مصدره بعد صيغة التعجب التي نأخذها من الفعل الآخر الذي نختاره على الوجه المشروح فيما سلف، ففي مثل: كان العربي رحالًا بطبعه، نقول: ما أكثر كون العربي رحالًا بطبعه! -أو: أكثر بكون العربي رحالًا بطبعه! ... وإن لم يكن له مصدر أخذنا الصيغة من الفعل الآخر الذي نختاره ووضعنا بعدها الفعل الأصلي الذي ليس له مصدر، وقبله "ما" المصدرية فينشأ منها ومن الفعل والفاعل بعدها مصدر مؤول هو مفعول به منصوب بعد: "ما أفتل" ومجرور "الباء" بعد: "أفعل". ففي مثل: كاد الكذب يهلك صاحبه، نقول: ما أسرع ما كاد الكذب يهلك صاحبه ... وهكذا ... هذه هي الطرائق الموصلة للتعجب إذا كان الفعل غير مستوفٍ للشروط. أما إذا كان مستوفيًا للشروط كلها فإن الصيغتين القياسيتين3 تؤخذان منه مباشرة. ولا مانع من التعجب منه بالطريق غير المباشر أيضا؛ وذلك بالإتيان بفعل آخر مناسب. "نحو: حَسُن، قبُح، قوي، وغيرها من الأفعال الثلاثية التي تناسب المراد"، ثم نأخذ منه الصيغة التعجبية، ونجعل بعدها مصدر الفعل المستوفي للشروط، إما منصوبًا بعد "ما أفعل" وإما مجرورًا بالباء بعد "أفعل" ففي مثل: برع الذكي، وسبق أنداده، نقول: ما أعظم براعة الذكي!، وما أوضح سبقه أنداده! أو: أعظم ببراعة الذكي! وأوضح بسبقه أنداده ... فليس من اللازم -والفعل مستوفٍ للشروط- أن نأخذ
منه صيغة التعجب مباشرة، وإنما يجوز أن نأخذها منه أو من طريق فعل مختار آخر كما أوضحنا1 ...
المسألة 109
المسألة 109: الأحكام الخاصة بالتعجب أشهر أحكامه ما يأتي: 1- وجوب اعتبار فعليه جامدين بعد صياغتهما للتعجب1. "مع أنهما في أصلهما الثلاثي قبل التعجب مشتقان حتمًا" ولهذا لا يجوز أن يتقدم عليهما "المتعجب منه"2، فلا يصح: العلم ما أنفع!! والجهالة ما أضر!! بتقديم المعمولين: "العلم والجهالة". كما لا يصح: بالعلم أنفِع!! وبالجهالة أضرِرْ!! ولا يصح أن تلحقهما علامة تذكير، أو تأنيث، أو إفراد، أو تثنية، أو جمع؛ فلا بد من بقائهما على صيغتهما في كل الأحوال من غير زيادة ولا نقص، ولا تغيير في ضبط الحروف. ولكن إذا اتصل بآخرهما ضمير بارز يعود على المتعجب منه وجب أن يكون هذا الضمير مطابقًا لمرجعه، نحو: الزارع ما أنفعه!، والزارعة ما أنفعها! والجنديان ما أشجعهما! والوالدات ما أشفقهن! و ... و ... 2- وجوب إفراد فاعلهما المستتر3، وتذكيره، فلا يكون لغير المفرد المذكر، وإذا كان ضميرًا مستترًا فهو واجب الاستتار. 3- امتناع الفصل بين فعل التعجب ومعموله إلا بشبه الجملة، أو
بالنداء؛ أو "كان" الزائدة بالإيضاح الآتي بعد1. فلا يجوز: "ما أضيع -حقًا- المودة عند من لا وفاء له، وما أبعَد -يقينًا- المجاملة ممن لاحياء عنده". ويجوز: "ما أضيع -في بلادنا- المودة عند من لا وفاء له! وما أبعد -بيننا- المجاملة ممن لا حياء له! ". كما يجوز: السماحة تدفع إلى أداء الحقوق، والشح يصد عنها؛ فأكرم -يا أخي- بها! وأقبِحْ يا زميلي به! " ... ومن أمثلتهم في الفصل بالجار والمجرور قولهم: "ما أهون على النائم القرير سهر المسهَّد المكروب ... "2 وقول الشاعر: بني تغلب، أَعْزِزْ عَليَّ بأن أرى ... دياركمو أمست وليس بها أَهْلُ وبالظرف قول الشاعر: أقيمُ بدارِ الحزمِ ما دام حزمُها ... وَأَحْرِ -إِذا حالتْ- بأن أَتَحَوَّلا ويشترط في شبه الجملة الذي يجوز الفصل به أن يكون متعلقًا بفعل التعجب3 -كالأمثلة السالفة- فلو كان متعلقًا بمعمول فعل التعجب أو بغير فعل التعجب. لم يصح الفصل به -ففي مثل: "ما أحسنَّ الحليم عند دواعي الغضب!. وما أشجع الصابر على الكفاح! " لا يجوز: "ما أحسنَ عند دواعي الغضب الحليم، ولا: ما أشجع على الكفاح الصابر"؛ لأن الظرف متعلق بكلمة: "الحليم"، والجار والمجرور متعلقان بكلمة: "الصابر". وقد يجب الفصل بالجار ومجروره المتعلقين بفعل التعجب إذا كان معمول فعل التعجب مشتملًا على ضمير يعود على المجرور، نحو: ما أليقَ بالطبيب أن يترفق!، وما أحق بالمريض أن يصبر! ... فالمصدر المؤول من "أنْ والفعل" هو معمول لفعل التعجب، ومشتمل على ضمير يعود على المجرور ... 4 ومنه قول الشاعر:
خَليلَيَّ ما أَحْرَى بذي اللُّبُ أنْ يُرى ... صَبورًا، ولكنْ لا سبيلَ إلى الصبْرِ 4- عدم جواز العطف مطْلقًا. على فاعل "أفْعَلَ" في التعجب وكذلك لا يجوز اتباعه، فالتوابع كلها ممنوعة إذا كان هو المتبوع وحده. أما إن كان المتبوع هو الجملة التعجبية كلها "فعلها وفاعلها" فلا يمتنع؛ فيصح عطف جملة جديدة على الجملة التعجبية؛ كقول الشاعر: أولئك قومي بارك الله فيهمُو ... على كل حال ما أَعفَّ وأَكْرَما ... فقد عطفت الجملة الثانية "المكونة من الفعل الماضي: "أكرم" وفاعله" على الجملة التعجبية التي تسبقها "والتي تتكون من الماضي "أعفَّ" وفاعله". وكما يجوز الاتباع بالعطف بجملة يجوز الاتباع بالتوكيد اللفظي بجملة تؤكد الجملة التعجبية كلها توكيدًا لفظيًا. ويجوز الإبدال منها كذلك "بدل جملة من جملة". أما الاتباع بالنعت فلا يصح؛ لأن المتبوع "وهو: المنعوت" لا يكون جملة. 5- وجوب أن يكون المعمول "أي: المتعجَّب منه" معرفة، أو نكرة مختصة، فمثال المعرفة ما تقدم من الأمثلة الكثيرة، وقول الشاعر: ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه! ... وأَسهلَ القَوْلَ على من أَرَاد! ومثال النكرة المختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما مما يفيد الاختصاص: ما أسعد رجلًا عرف طريق الهدى فسار فيه! وما أشقى إنسانًا تبين الرشد من الغي، فانصرف عن الرشد، واتبع الضلال!
ولولا هذا الشرط لكان التعجب لغوًا؛ إذ لا فائدة من قولنا: ما أسعد رجلًا ... ما أشقى إنسانًا ... ويتساوى في هذا الحكم معمول "أفْعَلَ وأفْعِلْ". 6- جواز حذف المعمول المتعجب1 منه في إحدى حالتين؛ "سواء أكان منصوبًا بأفْعَلَ، أم مجرورا بالباء بعد أفْعِلْ". أولاهما: أن يكون ضميرًا يدل عليه دليل بعد الحذف؛ كقول الشاعر: جزى اللَّهُ عني -والجزاء بفضله- ... ربيعةَ، خيرًا. ما أَعَفَّ! وأَكْرَمَا! أي: ما أعَفَّها وأكرَمها. وقول الآخر: أرى أمَ عمْرو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرَا ... بكاءً على عَمُرٍو. وما كان أصبرا! أي: أصبرها. ثانيتهما: أن تكون صيغة التعجب هي: "أفْعِلْ" وقد حذف معمولها المجرور وحذف معه حرف الجر، وقبلها صيغة للتعجب على وزن: "أفْعِلْ" أيضًا، ولهذه الصيغة الأولى معمول مذكور، مماثل للمعمول المحذوف مع حرف الجر ... وقد عطفت الصيغة الثانية مع فاعلها على الأولى مع فاعلها: عطف جملة على جملة2؛ كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 3، أي: وأَبصِرْ بهم. ونحو: أحسِنْ بصاحب المروءة وأكرِمْ!؛ أي: وأكرِم بصاحب المروءة، وقول الشاعر: أَعْزِزْ بنَا!، وأَكْفِ! إِنْ دُعينا ... يَوْمًا إلى نَصْرِةَ مَنْ يَلينَا4
7- تجرد فعل التعجب -في الأغلب1- من الدلالة على زمن؛ لأن الجملة التعجبية كلها إنشائية محضةُ، الغرض منها إنشاء التعجب، فتركت الدلالة الزمنية، وانسلخت منها، واقتصرت على تحقيق الغرض الذي أُنشئت من أجله، وهو "الإنشاء غير الطلبي"، المقصود منه إعلان التعجب، كما أسلفنا2. 8- جواز الفصل بين "ما" التعجبية وفعل التعجب بـ"كان" الزائدة3 كقول الشاعر يحن إلى أهله ورفاقه: ما كان أَجملَ عهدَهم وفعالهَم! ... من لي بعهدٍ في الهناءِ تصَرّما؟ وقول الآخر: ما كان أَحوجَ ذا الجمالَ إِلى ... عَيْب يُوَقِّيهِ من الْعَينِ وقد تقع "كان" التامة المسبوقة بما المصدرية بعد صيغة التعجب؛ نحو: ما أحسن ما كان الإنصاف4.
9- جواز حذف الباء الداخلة على معمول "أَفْعِلْ" بشرط أن يكون ما تجره مصدرًا مؤولًا من "أن المصدرية". و"الفعل"، أو "أن" مع معموليها1، نحو: أحببْ أن تكون المقدَّم، وقول الشاعر: أَهْوِنْ عليَّ إِذا امتلأَتَ من الكَرَى ... أَنِّي أبيتُ بليلةِ الملسوع والأصل: بأن تكون ... وبأني ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- عرفنا1 أن صيغة: "أفْعَلَ" تحتاج إلى معمول بعدها منصوب، يعرب مفعولًا به، وأن صيغة: "أَفْعِلْ" تحتاج إلى معمول بعدها مجرور بالباء، وأنهما يحتاجان -أحيانًا- إلى شبه جملة بعدهما، وقد يفصل شبه الجملة بينهما وبين معمولهما ... و.... وقد تحتاج صيغة التعجب إلى معمولات أخرى غير التي سبقت؟ كالحال والتمييز، والاستثناء ... وقد تحتاج إلى معمول مجرور بحرف جر معين2؛ مجاراة لفعلها الأصلي قبل التعجب؛ ويصير الجار والمجرور متعلقين بها. "أي: بصيغة فِعْل التعجب"3. ولكن ما هو هذا الحرف المعين من حروف الجر؟ 4. إن كان فعل التعجب دالًّا على حب، أو كره، أو ما بمعناهما؛ -كالود، والبغض- فحرف الجر المناسب: هو: "إلى" بشرط أن يكون ما بعد "إلى" فاعلًا في المعنى لا في اللفظ" وما قبلها مفعولًا في المعنى لا في اللفظ؛ نحو: ما أحبَّ العلم إلى النابغين، وما أبغض النقص إلى القادرين!!. ففعل التعجب: "أحبّ" قد نصب مفعوله. واحتاج إلى جارٍّ ومجرور تبعًا لأصله، فجيء بهما. وحرف الجر هو: "إلى" لأن فعل التعجب دالٍّ على "الحب"، وما بعد "إلى" مجرور بها. لكنه فاعل معنوي، لا نحوي؛ لأنّ النابغين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقادرين هم الفاعلون لحب العلم، وبغض النقص. وما قبل إلى: "العلم النقص" هو المفعول المعنوي -لا النحويّ؛ لأنه الذي وقع عليه الحب -والبغض. ولهذا ضابط سبق بيانه1؛ هو: أن يحذف فعل التعجب ومعه "ما التعجبية" إن وجدت، وبوضع مكانهما فعل آخر من مادته ومعناه، يكون فاعله النحوي هو الاسم المجرور بـ"إلى"، ومفعوله هو الاسم الواقع بينها وبين فعل التعجب. فإن استقام المعنى على هذا صح مجيء "إلى"، وإلا وجب تغييرها. ففي المثال السابق نقول: أحَب، أو: يحب النابغون العلم، ويكره القادرون النقص. وقد استقام المعنى فدلت استقامته على صحة مجيء "إلى". فإن كان ما بعدها ليس فاعلًا في المعنى. وإنما هو مفعول معنوي وما قبلها هو الفاعل المعنوي وجب الإتيان "بلام الجر". بدلًا من: "إلى"؛ نحو: ما أحبّ الوالدة لمولودها!، فالوالدة هي الفاعل المعنوي -لا النحويّ- الذي فَعَل الحب أو قام به الحب. والمولود هو المفعول المعنوي -لا النحوي- الذي وقع عليه الحبّ؛ لصحة قولنا: أحبت، أو تحب الوالدة مولودها ... فمعنى: "إلى"، و"اللام"، في مثل هذا الموضع هو: "التبيين، أي: بيان الفاعل المعنوي والمفعول المعنوي، وتمييز كل منهما من الآخر. ب- إن كان أصل فعل التعجب فعلًا متعديًا بنفسه لواحد فإنه يصير لازمًا يتعدى بحرف جر خاصٌّ هو: "اللام" كذلك، مثل: ما أضرب الناس للجاسوس!! وإن كان أصل فعل التعجب فعلًا لازمًا يتعدى إلى معموله بحرف جر معين وجب أن يجاري أصله في التعدي بهذا الحرف إلى معموله؛ نحو: ما أغضب الناس على الخائن. وقول شوقي: ما أجمل الهجرة بالأحرارِ ... إنْ ضنّت الأوطان بالقرارِ لأنه يقال: غضب الله على الكافر ... جَمُلَ المرء بخُلقه ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- قد يصاغ فعل التعجب من فعل ينصب بنفسه مفعولين1 مثل "كَسَا"، و"ظن" في نحو: كَسَا الغنيُّ فقيرًا ثيابًا. ظن البخيلُ الجودَ تبذيرًا. ولفعل التعجب الذي يصاغ من المتعدي لمفعولين أربع حالات2. الأولى: أن يكتفي بفاعل المتعدي فينصبه مفعولًا به؛ نحو: ما أكسى الغَنِيَّ!!، ما أظَنَّ البخيلَ!! فكلمتا: "الغني والبخيل" كانتا في الأصل قبل التعجب فاعلًا؛ فصارتا بعده مفعولًا به لفعل التعجب الذي اكتفى بهذا المفعول به، واقتصر عليه. الثانية: أن يزيد على الفاعل السابق الذي صار مفعولًا به، أحد المفعولين الأصليين مجرورًا باللام؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير!!. ما أظَنَّ البخيلَ للجود!! فكلمتا: "البخيل"، و"الجود" كانتا قبل التعجب مفعولين للفعل المتعدي لاثنين، ثم صارتا بعد التعجب مجرورين باللام، ومتعلقين مع مجرورهما بفعل التعجب. الثالثة: أن يزيد على الحالة السابقة المفعول الأصلي الثاني؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير ثيابًا!. ما أظنَّ البخيلَ للجودِ تبذيرًا!. الرابعة: حذف لام الجر السابقة ونصب الثلاثة مباشرة بشرط أمن اللبس، نحو: ما أكسى الغني الفقيرَ الثيابَ!! وما أَظَنَّ البخيلَ الجودَ تبذيرًا. فإن خيف اللبس أدخلت لام الجر على المفعولين الأصليين؛ نحو: ما أظَن الرجلَ لأخيك، لأبيك، والأصل: ظَنَّ الرجل أخاك أباك. لكن "أفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، وفي الأمثلة السابقة استوفى حقه بنصبه المفعول به الذي كان في الأصل فاعلًا. فما الذي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب المفعول الثاني، إن وجد، وكذلك الثالث؟ إن البصريين يقدرون فعلًا -أو ما يشبهه- ينصب المفعول الثاني إن وجد، وكذلك الثالث؛ ويسترشدون في تقديره بفعل التعجب المذكور قبله؛ فيقولون في تأويلهم: "ما أكسَى الغنيَّ يكسو الفقير!!. أو: ما أكسى الغنيَّ يكسو الفقير ثيابًا!! ". "ما أظَنَّ الغنيَّ؛ يظن الجود ... -أو ما أظَنَّ الغنيّ يظن الجود تبذيرًا!! " والكوفيون لا يقدرون محذوفًا ولا يتأولون، ويقولون: حقًا أنّ "أَفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، لكنه في هذه الصور وأمثالها ينصب أكثر من مفعول به واحد. ولا أثر للخلاف في المعنى، ولكن في رأي الكوفيين يسْر وقبول؛ لبعده من التكلف، والحذف، والتقدير.
المسألة 110
المسألة 110: ألفاظ المدح والذم: "ومنها: "نِعْم"، و"بِئْس"1، وما جرىَ مجراهما" في اللغة ألفاظ وأساليب كثيرة؛ تدل على المدح، أو الذم. بعضها يؤدي هذه الدلالة صريحة؛ لأنه وُضع لها من أول الأمر نَصًّا، وبعضها لا يؤديها إلا بقرينة2. فمن الأول الذي يؤديها صريحة قولك: "أمدحُ، أُثْني، أَستحسِن ... أذم، أهجو، أستقْبحُ" ... وأشباهها، وما يشاركها في الاشتقاق، نحو: أمدح في الرجل تجلُّدَه، وحسنَ بلائه، وأذم فيه يأسه، وفتور عزيمته -أُثني عليك بما أحسنت، وأهجو من قبض يده عن الإحسان. ومنها: الجميل، العظيم، الفاضل، الماجد، البخيل، الحقود، الخائن ... وغيرها من ألفاظ المدح والذم الصريحين. ومن الثاني الذي يحتاج لقرينة: وَفْرة لا تكاد تعَدّ؛ في مقدمتها: أساليب النفي، والاستفهام، والتعجب3، والتفْضيل، ونحوهما؛ فإنها أساليب قد تضم أحيانًا إلى معناها الخاص دلالتها على المدح أو الذم، بقرينة؛ كقولك في إنسان يتحدث الناس بفضائله ومزاياه، أو: بنقائصه وعيوبه: "ما هذا بشرًا". تريد في حالة المدح: أنه مَلَك، مثلًا، وفي حالة الذم: أنه شيطان. ومثل قول شوقي: هل المُلْك إلا الجيشُ شأنًا ومظهرًا؟ ... ولا الجيشُ إلا رَبُّه حين يُنسَبُ؟
وقوله: إِلامَ1 الخُلْفُ بينَكُمُ؟ إِلامَا؟ ... وهَذِي الضّجةُ الكُبرَى عَلامَا2؟ وفيمَ يَكيدُ بعضكمو لبعض؟ ... وتُبْدُون العداوةَ والخِصاما؟ وقول المتنبي: ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شَرَ فِي!! وقوله في ذم قائد الجيش الرومي: فأَخْبِثْ به طالبًا قَهْرَهُمْ!! ... وأَخْيبْ به تاركًا ما طلبْ! وقول أعرابي سئل عن حًاكمين: أما هذا فاحرص الناس على الموت في سبيل الله، وأما ذلك فأحرص الناس على الحياة في سبيل الشيطان.. ومن النوع الأول الصريح: "نعم"، و"بئس" وما جرى مجراها من الألفاظ التي تدل نصبًا على المدح العام3 أو: الذم العام3، وتمتاز "نعم وبئس" من باقي نوعهما الصريح بأحوال وأحكام خاصة بهما، دون نظائرهما من النوع الصريح، وأشهر هذه الأحوال والأحكام ما يأتي: 1- دلالة "نعم" على المدح العام، و"بئس" على الذم العام ... 3
واعتبار كل لفظ منهما في هذه الحالة وحدها فعلًا ماضيًا، لازمًا1 جامدًا، لا بد له من فاعل. ومع أن كلا منهما يعرب فعلًا ماضيًا فإنه متجرد من دلالته الزمنية، ومنسلخ عنها بعد أن تكوّنت منه وفاعله جملة "إنشائية غير طلبية"؛ يقصد منها إنشاء المدح العام، أو الذم العام، من غير إرادة زمن ماضٍ أو غير ماضٍ ... فكلاهما انتقل إلى نوع خاص من "الإنشاء المحض غير الطلبي" لا دلالة فيه على زمن2 مطلقًا، نحو: نعم أجر المخلصين -بئس مصير المتجبرين. ولجمودهما في هذه الحالة وحدها لا يكون لهما مضارع، ولا أمر، ولا شيء من المشتقات.... وتلحقها تاء التأنيث -جوازًا -إذا كان فاعلهما اسمًا ظاهرًا مؤنثًا3، ويصح حذفها بكثرة، ولو كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًا؛ نحو: نِعْم.... أو: نِعمتْ فتاة العمل والنشاط، وبئس ... ، أو: بئست فتاة البطالة والخمول. أما في غير هذه الحالة بالمدح والذم فهما فعلان ماضيان، متصرفان، دالان على زمن مضى: نحو نعم العيش ينعم، فهو ناعم؛ أي: لانّ واتسع. وبَئِسَ المريض يَبْأَس؛ فهو: بائس.... 2- قَصْر فاعلهما على أنواع معينة، أشهرها ما يأتي: 1- المعرّف "بأل" الجنسية4، أو: "العهدية"5، نحو: نعم الوالد
الشفيق، وبئس الولد العاق. وقول الشاعر: حياةٌ على الضيْم بئس الحياةُ ... ونعم المماتُ إذا لم نَعِزْ1 ب- المضاف إلى المعرف "بأل" السابقة، نحو: نعم رجل الحرب خالدٌ، وبئس رجل الجبن والكذب مُسَيْلمةُ ... ج- المضاف إلى المضاف إلى المعرف بها؛ نحو: نعم قارئ كتب الأدب، وبئس مهمل أمر اللغة. د- الضمير المستتر وجوبًا بشرط أن يكون ملتزمًا الإفراد والتذكير2، وعائدًا على تمييز بعده3، يفسر ما في هذا الضمير من الغموض والإبهام؛ نحو: نعم قومًا العرب، وبئس قومًا أعداؤهم. ففي كل من: "نعم" و"بئس" ضمير مستتر وجوبًا4 تقديره: "هو" مرادًا منه الممدوح، أو المذموم، ويعود على التمييز "قومًا" أي: نعم القوم قومًا ... وبئس القوم قومًا ... ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما، "أي: لا بد من مطابقته لما يسمى: "المخصوص" بالمدح أو الذم، بحيث يتطابقان تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وغير إفراد"، نحو: نعم رجلين: القائد والجندي، نعم رجالا: الحليم، والصبور، والمتواضع. نعم، أو: نعمت، فتاةً المجاهدة. نعم، أو: نعمت، فتاتين: المجاهدتان. نعم، أو: نعمت فتيات المجاهدات.
ولا بد أن يكن التمييز صالحًا لقبول "ألْ" المعرفة1، فلا يصلح أن يكون من الكلمات المتوغلة -غالبًا -في الإبهام؛ ككلمة: غير، ومثل: وشبه2.... ويجوز -في الرأي الراجح -أن يجتمع في أسلوب المدح أو الذم الفاعل الظاهر والتمييز3؛ نحو: نعم الشجاع رجلًا يقول الحق غيرَ هَيَّاب، وقول الشاعر:
نعْمَ الفتاةُ فتاةً هندُ لو بَذلتْ ... رَدَّ التحية نطقًا أَو بإِيماءِ1 ... هـ- كلمة: "ما"2 أو: "من"3، نحو: "نعم ما يقول الحكيم المجرب، وبئس ما يقول الغر الأحمق"، ونحو: "نعم من تصحبه عزيزًا. وبئس من ترافقه منافقًا".... وقيلَ: إن "ما" تتميز، والفاعل ضمير مستتر تفسّره "ما" وكذلك: "مَنْ".
و "الذي" "اسم موصول"؛ نحو: نعم الذي يصون لسانه عما لا يَحْسن، وبئس الذي يغتاب الناس. ز- النكرة المضافة لنكرة، أو غير المضافة؛ كقول الشاعر: فنَعم صاحبُ قومٍ لا سلاح لهم ... وصاحبُ الكربِ عثمانُ بنُ عفَّانا ومثل: نعم قائد أنت ... والنوعان الأخيران "وهما: الذي، والنكرة"، أقل الأنواع استعمالًا، وسُمُوًّا بلاغيًّا، مع جوازهما. 3- عدم نصبهما المفعول به؛ لأن كلا منهما في هذا الاستعمال فعل ماض جامد لازم -كما تقدم1.... ولكن يصح زيادة "كاف الخطاب" الحرفية في آخرهما، نحو: نِعْمك الرجل عثمان، وبئْسك الرجل زياد. وهذه الكاف حرف محض لمجرد الخطاب؛ فلا يعرب شيئًا، ولكنه يتصرف على حسب نوع المخاطب2. وزيادته -مع جوازها -قليلة في الأساليب البليغة3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كانت: "أل" جنسية في مثل: "نعم الوالد عليّ" ونظائره طبقًا لما أوضحناه1، فقد يراد منها الدلالة على الجنس حقيقة؛ فكأنك تمدح كل والد. ويدخل في هذا التعميم عليّ، ثم تذكره بعد ذلك خاصة؛ فكأنك مدحته مرتين؛ إحداهما مع غيره، والأخرى وحده. وقد يكون المراد الجنس مجازًا؛ فكأنك جعلت الممدوح بمنزلة الجنس كله للمبالغة في المدح. أمّا إذا كانت "أل" للعهد1، فقد تكون لشيء معهود في الذهن لم يذكر خلال الكلام؛ فتكون للعهد الذهني. فإن ورد في الكلام فهي للعهد الذكري. كالذي في قولهم: خيرُ أيامِ الفتَى يومٌ نَفَعْ ... فاتْبَع الحقَّ، فنِعْم المُتَّبَعْ و"أل" الجنسية أقوى وأبلغ في تأدية الغرض، والعهدية أوضح وأظهر. ب- إذا وقعت كلمة: "ما"2 بعد: "نعم وبئس" جاز فيها إعرابات كثيرة؛ وأشهرها ما يأتي: 1- إعرابها حين يليها اسم منفرد "مثل: الزراعة نِعْم ما الحرْفُة" -إما نكرة تامة فاعلًا، وإما نكرة تامة: تمييزًا، وفاعل "نعم"، و"بئس" في هذه الصورة ضمير مستتر يعود على هذا التمييز، وتعرب الكلمة المنفردة التي بعدها "وهي: الاسم المنفرد" خبرًا لمبتدأ محذوف، أو مبتدأ والجملة قبلها خبر عنها -كما سنعرف في إعراب المخصوص-. 2- إعرابها حين يليها جملة فعلية، "مثل: نِعْم ما يقول العقلاء. وبئس ما يقول السفهاء ... "، إما نكرة ناقصة، تمييزًا، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها. والجملة بعدها صفة لها. وإما معرفة3 ناقصة، فاعلًا، والجملة بعدها صلتها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- إعرابها حين تنفرد فلا يليها شيء؛ "نحو: الرياضة نعما، والإسراف فيها بئسما" إمَّا أن تكون نكرة تامة فاعلًا، وإمَّا تمييزًا، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها. ففي كل الأحوال السابقة يجوز أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا يعود على "ما" لا فرق بين أن تكون نكرة تامة، وناقصة، ومعرفة تامة. كما يجوز أن تكون "ما" باعتباراتها المختلفة فاعلًا. فإذا اعتبرناها نكرة ناقصة فالجملة بعدها صفتها، وإذا اعتبرناها معرفة ناقصة فالجملة بعدها صلتها، وإذا وقع بعدها كلمة منفردة، أو لم يقع بعدها شيء، فهي تامة، تعرب فاعلًا، أو تعرب تمييزًا والفاعل ضمير. ولما كان كل نوع من أنواع "ما" مختلفًا في دلالته اللغوية عن النوع الآخر، كان تعدد هذه الأوجه الإعرابية جائزًا حين لا توجد قرينة توجه المعنى إلى أحدها دون الآخر؛ فإذا وجدت القرينة وجب الاقتصار على ما تقتضيه، فليس الأمر على إطلاقه -كما قد يتوهم بعض المتسرعين؛ ففي مثل: "لا أجد ما أتصدق به إلا اليسير؛ فيجيب السامع: نِعْم ما تجود به". تكون "ما" هنا نكرة موصوفة؛ فكأنه يقول: نِعم شيئًا أي شيء تجود به، وفي مثل؛ أعطيتك الكتاب الذي طلبته؛ فتقول: نعم ما أعطيتني؛ فكلمة "ما" موصولة، وهكذا ... وإلا كانت الألفاظ ودلالتها فوضى. والقرائن والأسرار اللغوية لا قيمة لها، ومثل هذا يقال في "ألْ" السابقة، من ناحية أنها للعهد أو للجنس ... وفي غيرها من كل ما يجوز فيه أمران، أو أكثر وتقوم بجانبه قرينه توجه إلى واحد دون غيره.
4- امتناع توكيد فاعلهما المفرد الظاهر توكيدًا معنويًا، فلا يصح نعم الرجل كلهم1 محمد، ولا بئس الرجل أنفسهم عليّ. كما لا يصح: نعم الرجل كله محمد، ولا بئس الرجل نفسه عليّ2.... فإن كان فاعلهما مثني أو جمعها جاز، نحو: نعم الصديقان كلاهما، محمد وعلي- نعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وحامد.... ومثلهما المثنى والجمع للمؤنث ... أما التوكيد اللفظي فلا يمتنع، وكذلك: "البدل، والعطف3". وأما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح والكشف، لا التخصيص4، كقول الشاعر: لعَمْري -وما عَمْرِي عليَّ بِهَيِّنٍ ... لبِئْس الفتَى المدعُوُّ بالليَّلِ حاتِمُ
وقال الآخر: نعمَ الفتَى المُرِّيّ1 أنْتَ، إذا همو ... حضَروا لدى الحَجَرَات2 نارَ الْمُوقِد فإن كان الفاعل ضميرًا مستترًا فلا يجوز أن يكون له تابع من نعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل. 5- حاجتهما -في الغالب- إلى اسم مرفوع بعدهما هو المقصود بالمدح أو الذم، ويسمى: "المخصوص بالمدح أو بالذم". وعلامته: أن يصلح وقوعه مبتدأ، وخبره الجملة الفعلية التي قبله مع استقامة المعنى، نحو: "نِعْم المغرد البلبلُ، بئس الناعب الغرابُ"؛ فالبلبل هو: المخصوص بالمدح، والغراب: هو المخصوص بالذم، كلاهما يصلح أن يكون مبتدأ، والجملة الفعلية قبله خبره؛ فنقول: البلبل نعم المغرد. الغرابُ بئس النَّاعب. ويشترط في هذا المخصوص أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف، أو إضافة، أو غيرهما من وسائل التخصيص3 ... وأن يكون أخص من الفاعل4، لا مساويًا له، ولا أعم منه5؛ وأن يكون مطابقًا له في المعنى، "فيكون مثله في مدلوله تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا".... وأن يكون متأخرًا عن الفاعل؛ فلا يتوسط بينه وبين فعله6، -ويجوز تقدمه على الفعل والفاعل معًا- كما يجب تأخره عن التمييز إذا كان الفاعل ضميرًا مستترًا له تمييز؛
نحو: نعم رجلًا المخترعُ. أما إذا كان الفاعل اسمًا ظاهرًا، فيجوز تقديم "المخصوص" على التمييز وتأخيره، فنقول: نِعم العالِمُ رجلًا إبراهيم، أو: نِعم العالِمُ إبراهيم رجلًا. وإذا كان المخصوص مؤنثًا جاز تذكير الفِعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرًا؛ نحو: نعم الجزاء الهدية، ونعم الشريك الزوجة، أو نعمتْ، فيهما. والتذكير في هذه الحالة أحسن ليطابق الفاعل1. حذف المخصوص: يجوز حذف "المخصوص"، إن تقدم على جملته لفظ يدل عليه بعد حذفه، ويغني عن ذكره متأخرًا، ويمنع اللبس والخفاء في المعنى؛ ويُسمَّى هذا اللفظ؛ بـ"المُشْعِر بالمخصوص"؛ سواء أكان صالحًا لأنْ يكون هو "المخصوص" أم غير صالح2؛ ويعرب على حسب الحالة؛ مثل: سمعت شعرًا عذبًا لم أتعرَّف صاحبه، ثم تبينتُ أنه البُحْتريّ؛ فنعم الشاعر. أي: فنعم الشاعر البُحْتريّ. وقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} ، أي: نعم العبد الصابر، ويصح: نعم العبد أيوب. وعلى التقدير الأول يكون "المشعر" -وهو كلمة: "صابرا"- من النوع الذي لا يصلح أن يكون "مخصوصًا"؛ لأنه نكرة غير مختصة، بخلافه على "التقدير الثاني". إعراب المخصوص: المشهور إعرابان؛ أحدهما: أن يكون مبتدأ مؤخرًا، والجملة الفعلية التي قبله خبر عنه، كما في المثالين السالفين3 ... وثانيهما: اعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا، تقديره: "هو"، أو: هي أو غيرهما مما يناسب المعنى، ويقتضيه السياق، فيكون في المثالين السابقين3
مثلًا: نِعم المغرد هو البلبل، وبئس الناعب هو الغراب. أي: الممدوح البلبل، والمذموم الغراب. فالمراد من الضمير هنا: "الممدوح" أو: "المذموم". وهناك إعراب ثالث؛ هو: أن يكون مبتدأ وخبره محذوف؛ تقديره: "الممدوح" أو "المذموم". تلك هي الأوجه الثلاثة المشهورة، ويلاحظ أن كُلاَّ منها قائم على الحذف والتقدير، أو التقديم والتأخير، مع الركاكة والضعف، مع أن هناك رأيًا قديمًا آخر أولى بالاعتبار؛ لخلوه من تلك العيوب وغيرها؛ هو: إعراب المخصوص "بدلًا"1 من الفاعل؛ فيكون: "البلبل" بدلا من "المغرد"، ويكون: "الغراب" بدلًا من: "الناعب" ... هكذا ... وحبذا الأخذ بهذا الرأي السهل الواضح في تقديرنا. يجوز في هذا المخصوص أن تعمل فيه النواسخ؛ نحو: نعم مداويًا كان الطبيب؛ فهو اسم "كان" والجملة قبلها خبرها2 ...
ومن النوع الأول الصريح1: الفعل: حب" يكون للمدح العام مع الإشعار بالحُبّ، ويكثر أن يكون فاعله كلمة: "ذا" التي هي اسم إشارة2 نحو: حبذا الموسيقيّ إسحاق، وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمرْ ... وحبذا المساء فيه والسحرْ فإن جاء بعده الفاعل "ذا" وقبله: "لا" النافية كان للذم العام، نحو: لا حبذا البخيل مادر3. وإنما كان معنى الفعل: "حب" هو: المدح مع الإشعار بالحب والقرب من القلب؛ لأنه فعل مشتق من مادة: "الحب"، وفاعله اسم إشارة للقريب. وهو ينفرد بهذه المزية دون "نعم". ومما يدل على الذم العام الصريح أيضًا الفعل: "ساء"، تقول: ساء البخيل مادر، كما تقول: بئس للبخيل مادر، وقول الشاعر: أألوم من بخلت يداه وأغتدي ... للبخل تربًا4؟ ساء ذاك صنيعا! فمعناهما واحد، هو: الذم العام5، وكذلك أحكامهما. ومما تقدك نعلم "حبذا" جملة فعلية -على الرأي الأرجح -الفعل: فيها: "حب"، وهو هنا ماضٍ جامد6، وفاعله هو كلمة: "ذا" اسم الإشارة، مبنية
على السكون في محل رفع. "الموسيقي" هو المخصوص بالمدح، ويعرب مبتدأ خبره الجملة التي قبله، أو خبر لمبتدأ محذوف، أو غير هذا مما فصلناه1 في إعراب "مخصوص: نعم وبئس إلا بدليل فلا يصح هنا. ومن أحكام هذا المخصوص أيضًا أنه لا يصح تقدمه على الفاعل وحده، دون الفعل، ولا على الفعل والفاعل معًا، فلا يصح: حب على ذا، ولا على حبذا؛ لأن تقدمه غير مسموع في الكثير الفصيح من كلام العرب؛ فصارت: "حبذا" معه ثابتة الموضع والصورة كالمثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقًا. هذا إلى أن تقدمه قد يوهم "في مثل الصورة الثانية التي يكون فيها المخصوص مفردًا مذكرا" أن الفاعل ضمير مستتر، وأن "ذا" مفعول لا فاعل، وفي هذا إفساد للمعنى، لكن يصح أن يتقدم على التمييز أو يتأخر عنه؛ نحو: حبذا رجلًا العصامي، أو: حبذا العصامي رجلًا، ويصح الفصل بالنداء بينه وبين "حبذا" كما يصح حذفه إن دلت عليه قرينة لفظية أو حالية2. كقول الشاعر: ألا حبذا لولا الحياة، وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقاربِ
والأصل مثلًا: ألا حبذا أخبار الحب، أو النساء ... لولا الحياء، ولا يصح أن تعمل فيه النواسخ، بخلاف مخصوص "نعم" كما سبق1. ومثل الإعراب السابق يقال في: لا حبذا البخيل مادر، مع إعراب "لا" حرف نفي، فليس ثمة خلاف بين الصيغتين في شيء إلا في وجود "لا" النافية قبل: "حبذا" مباشرة "أي بغير فاصل مطلقًا"2 ... وبسببها تصير الجملة لإنشاء الذم لا المدح. ولا يصح أن يحل حرف نفي آخر محل: "لا" في هذا الموضع ومن الأمثلة الجامعة للصورتين قول الشاعر: ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل وقول الآخر: ألا حبذا أهل الملا، غير أنه ... إذا ذكرت ميٌّ فلا حبذا هيا وإذا كان فاعل؛ "حب" -في حالتي النفي وعدمه- هو كلمة: "ذا" وجب أمران؛ فتح الحاء في "حب3" ... وأن يبقى الفاعل: "ذا" على صورة واحدة لا تتغير في الحالتين؛ هي صورة الإفراد والتذكير مهما كان أمر المخصوص من الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، أو التذكير، أو التأنيث ... نحو: حبذا الطبيبة فاطمة. حبذا الطبيبتان الفاطمتان. حبذا الطبيبات الفاطمات. حبذا الطبيب محمد. حبذا الطبيبان المحمدان. حبذا الطبيبون -أو الأطباء- المحمدون، فلا يصح إخراج "ذا" عن الإفراد
والتذكير؛ لأنها دخلت في أسلوب يشبه المثل، والأمثال لا تتغير مطلقًا، ولا تخالف الصورة الأولى التي وردت بها عن العرب1 ... فإن كان فاعل: "حب" اسمًا آخر غير كلمة: "ذا" فإنه لا يلتزم صورة واحدة، وإنما يساير المعنى، فيكون مفردًا أو غير مفرد، مذكرًا، أو غير مذكر، كل هذا على حسب ما يقتضيه المعنى. وعندئذ يجوز رفعه أو جره بباء زائدة في محل رفع، كما يجوز في "حاء" الفعل: "حب" أن تضبط بالفتحة أو الضمة، مثل: حب المضيء القمر، حب المضيئان القمران. حبت المضيئات الأقمار ... وهكذا2؛ "لأنه يجري على "حب" من ناحية ضبط فائها وعينها ما يجري على مثلهما من الفعل الذي يحول إلى "فعل" وسيجيء الكلام عليه3".
المسألة 111
المسألة 111: الأفعال 1 التي تجري مجرى "نعم" و "بئس": الأصل العام: أن يقتصر كل فعل تحتويه الجملة المفيدة على تأدية معنى واحد مناسب؛ يكتفى به، ولا ينضم إليه معنى آخر. وينطبق هذا الأصل العام على أكثر الأفعال الثلاثية، حيث يقتصر كل فعل منها على تأدية معناه الخاص الواحد من غير دلالة معه على مدح، أو: ذم أو: تعجب ... كالأفعال: فرح، قعد، فهم.... و.... ومئات غيرها فإن كان كل فعل منها يؤدي معناه المعين؛ "وهو: الفرح، القعود، الفهم ... " تأدية مجردة من الإشعار بمدح، أو ذم، أو تعجب؛ فلا صلة لها بشيء من هذه المعاني الثلاثة. لكن من الممكن أن يدخل شيء من التغيير على صيغة كل فعل من الأفعال السابقة –ونظائرها– ليصير على وزن معين، فيؤدي معناه الأصلي الخاص مع زيادة في الدلالة؛ تتضمن المدح بهذا المعني اللغوي الخاص، أو الذم به، كما تتضمن –في الوقت نفسه –الإشعار بالتعجب في الحالتين. فالزيادة الطارئة على المعنى اللغوي الأصلي للفعل بعد تغيير صيغته –تتضمن الأمرين معًا. وإن شئت فقل: إن الفعل الثلاثي في صيغته الجديدة، الناشئة من التغيير يؤدي ثلاثة أمور مجتمعة؛ هي: معناه اللغوي الخاص، مزيدًا عليه المدح بهذا المعنى الخاص أو الذم به على حسب دلالته الأصلية، وأيضًا إفادة التعجب في حالتي المدح والذم2. والمدح والذم هنا خاصان؛ لأنهما يقتصران على المعنى اللغوي للفعل، وهذا المعنى معين محدود، ولهذا يكون المدح به أو الذم خاصًا، مع إفادة التعجب
في كل حالة، فلا إهمال للمعنى الخاص الأساسي للفعل، ولا تعميم فيه ولا شمول، ولا خلو من التعجب، فالأسلوب هنا باشتماله على الأمور الثلاثة السالفة مختلف عنه مع "نعم وبئس"؛ لأن معناهما: المدح والذم العاملين الشاملين، الخاليين من إفادة التعجب1. وإنما يقوم الفعل الثلاثي2 بتأدية معناه الخاص مع تلك الزيادة في الدلالة إذا تحقق في صوغه أمران: أولهما: أن يكون مستوفيًا كل الشروط التي يجب اجتماعها في الفعل الذي يصلح أن تصاغ منه –مباشرة– صيغتا التعجب3، وفي مقدمتها: أن يكون ثلاثيًا. ثانيهما: أن يكون على وزن: "فعل" –بضم العين-؛ سواء أكان مصوغًا على هذا الوزن من أول الأمر نقلًا عن العرب؛ مثل: شرف، وكرم، وحسن ... و....، أم لم يكن؛ كفهم4، وجهل، وبرع ... ؛ فيصير: فهم، جهل4، برع ... "ومعلوم أن الفعل الثلاثي لا يخرج –في الأغلب5– عن ثلاثة أوزان؛ تنشأ من تحريك عينه بالفتح؛ "نحو: ذهب"، أو بالكسر؛ "نحو: علم" أو بالضم؛ "نحو: ظرف". أما أوله فمفتوح في أغلب الحالات6 والأوزان التي
يكون فيها مبنيًا للمعلوم. والثلاثي مضموم العين لا يكون إلا لازمًا؛ ولهذا يصير الفعل المتعدي لازمًا إذا تحول من صيغته الأصلية إلى صيغة: فعل". وصوغه على وزن: "فعل"، "بقصد تأديته لمعناه اللغوي المعين؛ مع المدح الخاص به، أو الذم الخاص، ومع الإشعار بالتعجب1 فيهما"، يقتضي الأحكام والتفصيلات الآتية: أ- اعتبار الفعل بعد تلك الصياغة لازمًا؛ مجردًا من الدلالة الزمنية، وجامدًا كامل الجمود "فلا مضارع له؛ ولا أمر، ولا غيرهما من بقية المشتقات". ب- صحة تحويل الفعل الثلاثي الصحيح2، غير المضعف3، تحويلًا مباشرًا إلى صيغة: "فَعُلُ" بضم العين؛ فيفيد بعد التحويل معناه اللغوي مقرونًا بالمدح أو الذم الخاضين بمعناه، مع التعجب في كل حالة؛ تبعًا لمعناه اللغوي الأصلي قبل التحويل؛ ففي مثل: "فَهِمَ المتعلم، عدل الحاكم، نقول: فَهُمَ المتعلم، عَدُلَ الحاكم؛ فيفيد التركيب الجديد معنى الفعل في اللغة، مزيدًا عليه مدح المتعلم بالفهم فقط، ومدح الحاكم بالفهم فقط، ومدح الحاكم بالعدْل فقط، مع التعجب في الحالتين". وفي مثل: "جَهِل4 المهملُ، حَسَد الأحمقُ.... نقول جَهُلَ المهملُ؛ حَسُدَ الأحمقُ؛ فيفيد الأسلوب معنى الفعل، مزيدًا عليه ذم المهمل بسبب جهله، وذم الأحمق بسبب حسده فقط. مع التعجب في الصورتين" ... ولا فرق في هذا التحويل وآثاره بين الثلاثي مفتوح العين، أو مكسورها، أو: مضمومها. ويجوز في الفعل بعد تحويله إمَّا إبقاؤه على صورته الجديدة، وإمَّا تسكين
عينه المضمومة، كما يجوز تسكين عينه بعد نقل حركتها "وهي الضمة"، إلى أوّله؛ فنقول في الصورتين الأخيرتين: "فهم المتعلم، عدل الحاكم، جهل المهمل، حسد الأحمق" ... أو: "فهم، عدل، جهل، حسد1....". وإذا تم تحويل الفعل على الوجه السالف صار بمنزلة: "نعم، وبئس" في الجمود، وفي أصل دلالتهما وهي مجرد المدح والذم –مع مراعاة الفوارق بينهما2-، ويجري عليه من الأحكام النحوية المختلفة ما يجري عليهما؛ فيحتاج إلى فاعل من نوع فاعلهما الذي سبق بيانه، وقد يحتاج إلى تمييز، وإلى "مخصوص" كما يحتاجان. ويسري على فاعله وتمييزه ومخصوصه. كل الأحكام التي تسري حين يكون الفعل: "نعم أو بئس". فإذا قلت في المدح: فهم المتعلم حامد، وفي الذم: خبث الماكر سعيد، فكأنك قلت: نعم الفاهم حامد، وبئس الماكر سعيد مع ملاحظة الفرق المعنوي الذي أوضحناه. وهكذا يُطبق على الفعل الصحيح الثلاثي غير المضعف3، بعد تحويله إلى: "فعل" جميع ما يطبق على: "نعم وبئس"، ويخضع النوعان لأحكام واحدة ما عدا بعض الفروق المعنوية السالفة وبعض فوارق في فاعله4 وستأتي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تبين مما تقدم1 أن الفعل الذي يتم تحويله إلى "فعل" على الوجه المشروح إنما يدل –فوق معناه اللغوي الأصيل– على مدح خاص أو ذم خاص، وأنه لا بد من إشرابه معنى "التعجب" في الحالتين. وبالتخصيص فيهما والتعجب يخالف "نعم وبئس"؛ لأن معناهما المدح العام والذم العام ولا يتضمنان تعجبًا. ب- وينفرد "فاعل" الفعل الذي تم تحويله بأمور لا تكون في فاعل: "نعم وبئس". منها: صحة وقوعه اسمًا ظاهرًا خاليًا من "أل" ومما يشترط في فاعل نعم،....2 نحو: قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ، ومثل عدل عمر. ومنها: كثرة جره بالباء الزائدة إن كان اسمًا ظاهرًا، فيجر لفظًا ويرفع محلًا، نحو: حمد بالجار معاشرة، وسعد بالرفيق مزاملة. أي: حمد الجار معاشرة، وسعد الرفيق مزاملة. ومنها: صحة رجوعة –إن كان ضميرًا– إلى شيء سابق عليه؛ فيطابقه حتمًا. أو إلى التمييز المتأخر عنه فلا يطابقة. وتقول: الأمين وثق رجلًا؛ ففي الفعل: "وثق" ضمير يجوز عودته على: "الأمين" المتقدم، أو: على التمييز: "رجلًا" المتأخر عنه، ولهذا الرجوع إلى أحدهما أثره في المطابقة بين الفاعل الضمير ومرجعه؛ إذ عند رجوعه للسابق تجب مطابقته فنقول: الأمينان وثقا رجلين –الأمناء وثقوا رجالًا –الأمينة وثقت فتاة –الأمينتان وثقتا فتاتين –الأمينات وثقن فتيات. أما عند عودته إلى التمييز المتأخر فلا تصح المطابقة، بل يلتزم الإفراد والتذكير؛ شأنه في هذا شأن فاعل "نعم وبئس" إذا كان ضميرًا مستترًا، فنقول في كل الصور السالفة: "وثق" بغير إدخال تغيير عليه يدل على تأنيث، أو تثنية، أو جمع. وفيما سبق يقول: "ابن عقيل والأشموني" وحاشيتاهما، عند شرحهما لكلمة: "مسجلًا" في آخر بيت ابن مالك الذي نصه: -كما سبق في ص382".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "واجعل كبئس ساء. واجعل "فعلًا" من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلًا". إن معناها هو: مطلقًا عن التقييد بحكم دون آخر.... ثم قال الخضري ما نصه1: "لكن "فعل" يخالف "نعم وبئس" في ستة أمور: اثنان في معناه: إشرابه التعجب، وكونه للمدح الخاص –أو للذم الخاص2 – "واثنان في فاعله الظاهر؛ جواز خلوه من "أل" نحو: وحسن أولئك رفيقًا، وكثره جره بالياء الزائدة، تشبيهًا بأسمع بهم؛ كقولهم: حبّ بالزور3 الذي لا يرى ... منه إلا صفحة أو لمام3 "واثنان في فاعله المضمر؛ جواز عوده ومطابقته لما قبله؛ ففي: "محمد كرم رجلًا" يحتمل عود الضمير إلى: "رجلًا" كما في نعم،.... وإلى "محمد" كما في فعل التعجب، لتضمنه معناه. وتقول: المحمدون كرم رجالًا - ... على الأول4 وكرموا رجالًا على الثاني5 فقول المصنف: "كنعم مسجلًا" ليس على سبيل الوجوب في كل الأحكام. والكلام في غير "ساء". أما "ساء" فيلازم أحكام "بئس ... " ا. هـ كلام الخضري. ج- بمناسبة ما تقدم يقول الصرفيون إن أبواب الفعل الثلاثي المستعملة أصلة -بحسب حركة العين في الماضي والمضارع- ستة، الخامس منها هو باب: "فعل يفعل" بضم العين فيهما معًا؛ كحسن يحسن، وشرف يشرف أو كرم يكرم ... و ... ويردفون كلامهم بتقرير أمرين6: أولهما: أن هذا الباب "الخامس" مقصور في أصله على الأوصاف الفطرية والسجايا الخلقية الدائمة أو التي تلازم صاحبها زمنًا طويلًا. ثانيهما: صحة تحويل كل فعل ثلاثي من الأبواب الأخرى إلى هذا الباب ليدل الفعل بعد هذا التحويل على أن معناه صار كالغريزة والسجية في صاحبه.
ج- فك الإدغام إن كان الفعل: "مضعفًا"، مثل: فر، لح ... ويرد إلى أصله قبل الإدغام، فيصير: فرر1، لجج2، ثم يحول إلى: "فعل": فيصير: فرر، لجج.... ثم يعود إلى الإدغام، فيصير كما كان3: "فر"، لج، تقول في الذم –مثلًا– فر الرجل جبانًا، لج القط مواء، أو: فر بالرجل جبانا، لج بالقط مواء. ويجوز حذف الفتحة في أول الفعل لتحل مكانها الضمة التي في عين الفعل عند تحويله إلى: "فعل"، وتسكن عين الفعل4؛ فتصير الجملة: فر الرجل جبانًا، لج القط مواء، أو: فر بالرجل جبانًا، لج بالقط مواء. ومن المضعف الذي تجري عليه هذه القواعد الفعل؛ "حب"5 عند تحويله إلى: "فعل" بقصد المدح، بشرط ألا يكون فاعله كلمة: "ذا" في مثل: "ذا" في مثل: "حبذا" لأن "حب" في هذه الصورة المركبة مع "ذا" يجب فتح الحاء فيها، وبقاء "ذا" على حالها من الإفراد والتذكير في كل الأساليب، مهما كان حال الممدوح من ناحية إفراده، وعدم إفراده. وتذكيره أو تأنيثه، كما يجب في هذه الصورة أيضًا وصل الفعل: "حب" بفاعله: "ذا" كتابة، وتركيبهما معًا تركيبًا خطيًا كما سبق6. أما إن كان الفاعل اسمًا ظاهرًا غير كلمة "ذا" فإن الفعل "حب" يخضع لما أشرنا إليه؛ من فتح الحاء أو ضمها، كما يجري على فاعله الأحكام الخاصة بالمحول، والتي أوضحناها. تقول حب الجندي رجلًا، أو: حب بالجندي رجلًا. ومنه قول الشاعر:
حب1 بالزور2 الذي لا يرى ... منه إلا صفحة3 أو لمام4 وهكذا5 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إن كان الفعل المراد تحويله معتل "الفاء" مثل: وثق، وفد ... فحكمه حكم الصحيح. وإن كان معتل العين بالألف. مثل: صام، هام، نام، بقي على حاله، وقدر فيه التحويل تقديرًا عقليًا محضًا عند وجود قرينة تدل على قصد المدح أو الذم؛ ليكون لهذا التقدير أثره الواقعي في الفاعل، وفي المخصوص ... ، وإن شئت فقل: إن حكمه هو حكم الصحيح أيضًا مع نية التحويل الذي ترشد إليه القرينة. ويدخل في هذا النوع الفعل: "ساء" فيصح أن يلاحظ فيه التحويل عند قيام قرينة؛ فيستعمل استعمال الأفعال التي تحولت، ويصح ألا يلاحظ فيه ذلك؛ لأنه موضوع في أصله للذم العام الصريح1 مثل: "بئس"؛ فتجري عليه أحكام "بئس" من نواحيها المختلفة. وإن كان الفعل معتل اللام –فقط– بالواو، أو بالألف التي أصلها الواو: مثل: سرو2، غزا ... ظهرت الواو في الكلام مفتوحة وقبلها الضمة، ولو لم تكن الواو موجودة من الأصل ويجوز تسكين ما قبل الواو مباشرة3؛ فنقول: سَرُوَ، غَزُوَ، أو: سَرْوَ، غَزْو. وإن كان الفعل معتل اللام بالياء؛ نحو: خشي، ورمي4، قلبت الياء واوًا قبلها ضمة، ويجوز تسكين ما قبلها3؛ فتصير: خَشُوَ، أو خَشْوَ، رمُوَ، أو رَمْيَ. وإن كان الفعل معتل العين واللام معًا، وحرف العلة فيهما هو "الواو"؛ مثل: قَويَ "من القوة، أصله: قوو"، فإن الواو الأولى تتحرك بالكسرة؛ فقلبت بعدها الواو الثانية ياء؛ فتصير؛ "قوي" فكأن الفعل بقي على حاله. وإن كان معتل العين واللام معًا بالواو فالياء، نحو: شوى: قلبت الياء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند التحويل واوًا، لوقوعها متطرفة بعد ضمة، ثم أدغمت الواو في الواو، فتصير: "شو". ويجوز عدم القلب واوًا فتبقي الياء مع تسكين ما قبلها فتقول: شوي. وكذلك نقول في قوي: قوى، ولا يجوز القلب والإدغام في هذه الحالة لأن السكون ليس أصليًا. وإن كان معتل العين واللام معًا بالياء؛ نحو: حيَّ، وعيَّ ... لم يصح تحويله1 ... هذا ملخص ما جاء في المطولات المتداولة خاصًا بتحويل الفعل المتعل مع تعدد الآراء، وشدة الخلاف فيه. ولا أعرف أن النحاة نقلوا لأكثر هذه الصور أمثلة مسموعة تؤيد كلامهم. فهل هي صور خيالية تدريبية؟ لا يحسن اليوم استعمال شيء منها؛ سواء أكانت خيالية محضة أم لها مسموع يؤيدها؛ لأنها ثقيلة، مجافية للأسلوب الأدبي الرفيع، والذوق البلاغي السائغ. وفي الميادين اللغوية الأخرى ما يغني عنها تمامًا –كما أشرنا من قبل2.
المسألة 112: أفعل التفضيل
المسألة 112: أفْعَلُ التفضيل 1 يتضح معناه من الأمثلة الآتية: إن كلمة: "أكبر" –في المثال الأول– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الشمس والأرض في معنى معين؛ هو: "الكبر"، وأن الشمس تزيد على الأرض في هذا المعنى. وكلمة: "أقدم" –في المثال الثاني– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الأهرام والقاهرة في معنى معين؛ هو: "القدم" وأن الأهرام تزيد عليها في هذا المعنى. وكلمة: "أوسع" –في المثال الثالث– تدل على اشتراك المحيطات واليابسة في معنى معين؛ هو: السعة، والمحيطات تزيد عليها فيه.... ومثل هذا يقال في الباقي ... وفي نظائره. فكل كلمة من هذه الكلمات المشتقة -ونظائرها- تسمى: "أفعل
التفضيل1" وتعريفه: "أنه اسم، مشتق، على وزن: "أفعل" يدل –في الأغلب2– على أن شيئين اشتركا في معنى، وزاد أحدهما على الآخر فيه". فالدعائم أو الأركان التي يقوم عليها التفضيل الاصطلاحي –في أغلب حالاته– ثلاثة: 1- صيغة: "أفعل"، وهي اسم، مشتق. 2- شيئان يشتركان في معنى خاص. 3- زيادة أحدهما على الآخر في هذا المعنى الخاص. والذي زاد يسمى: "المفضل"، والآخر يسمى: "المفضل عليه"، أو: "المفضول". ولا فرق في المعنى والزيادة فيه بين أن يكون أمرًا حميدًا، أو ذميمًا2. وبدل أفعل التفضيل -في أغلب صوره– على الاستمرار والدوام3، ما لم توجد قرينه تعارض هذا، فشأنه في الدوام والاستمرار شأن الصفة المشبهة على الوجه المشروح في بابها4. طريقة صياغته: يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر الفعل الذي يراد التفضيل في معناه، بشرط أن يكون هذا الفعل مستوفيًا كل شروط "التعجب" التي عرفناها5 في
بابه.... "بأن يكون فعلًا ثلاثيًا1، متصرفًا، تامًا، مبنيًا للمعلوم2.... و...... و.... و....." فالشروط التي يجب توافرها لصياغة "أفعل التفضيل" هي –نفسها– الشروط التي لا بد من توافرها لصوغ "فعلي التعجب"؛ مثل الأفعال: سمع، عدل، فهم، بعد، بقي، خبث.... و.... ومن الأخيرين جاء: "أبقى –وأخبث" في قول الشاعر: الخيرُ أبقى3، وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد فإن كان الفعل غير مستكمل الشروط، وكان السبب هو جموده أو عدم قبول معناه للمفاضلة "كالفعل: مات، فنى، عدم ... " لم يجز التفضيل منه مطلقًا؛ "بطريق مباشر، أو غير مباشر"؛ لأنه بجموده لا مصدر له4 ولأنه بعدم قبوله المفاضلة يفقد الأساس الذي يقوم عليه التفضيل في أغلب حالاته. أما إن كان السبب فقد شرط آخر غير الشرطين السابقين فإن4 صياغة "أفعل" تمتنع من مصدره مباشرة5، وتصاغ –كالتعجب– من مصدر
فعل آخر مناسب للمعنى، مستوفٍ للشروط، ويوضع بعد صيغة "أفعل" مصدر الفعل الأول –الذي لم يكن مستوفيًا للشروط- منصوبًا على التمييز. فمثلًا الفعل: تعاون، لا.... يصاغ من مصدره "أفعل" التفضيل مباشرة؛ لأنه فعل خماسي؛ فنصوغه بطريقة غير مباشرة" بأن نأخذه من مصدر فعل آخر مناسب "مثل: كَبِر، كَشُر، نفع...." ونجعل بعده مصدر الفعل
الأول "وهو التعاون" تمييزًا منصوبًا؛ فنقول: فلان أكبر تعاونًا من أخيه، أو: أكثر تعاونًا، أو: أنفع تعاونًا، أو: أقل. أو: أضعف، ... أو ما شاكل هذا مما يساير المعنى. والفعل: "خضر" لا يصاغ من مصدره مباشرة "أفعل" للتفضيل؛ لأنه يدل على لون ظاهر؛ فنصوغه –بالطريقة السالفة، "غير المباشرة"– من مصدر فعل آخر مناسب، ونجعل بعد "أفعل" مصدر الفعل الأول، وهو: "الخضرة" منصوبًا على التمييز. فنقول: ورق الليمون أشد خضرة من ورق القصب....1.
والفعل: عرج، لا يصاغ –مباشرة– من مصدره "أفعل"؛ لأنه فعل يدل على عيب ظاهر، وإنما نصوغ "أفعل" بالطريقة السالفة "غير المباشرة"؛ فنقول: هذا الفتى أوضح عرجًا من غيره. وبهذه المناسبة نذكر أن الأفعال الدالة على الألوان والعيوب لا يصاغ من مصدرها "أفعل التفضيل" مباشرة إذا كانت الألوان والعيوب حسية ظاهرة. أما إن كانت معنوية داخلية فيصح أن يصاغ منها مباشرة؛ مثل: فلان أبله من فلان، أو: أحمق من فلان، أو: أرعن منه، أو: أهوج منه، أو: أخرق منه، أو أعجم منه، أو: أبيض سريرة منه، أو: أسود ضميرًا منه و.... و....1،. يتبين من كل ما تقدم أننا نتوصل بالطريقة "غير المباشرة" إلى التفضيل إذا فقد الفعل المتصرف القابل للمفاضلة، بعض الشروط الأخرى –ولا مانع من استخدام هذه الطريقة أيضًا مع الفعل المستوفي– وهي نفسها التي أوصلتنا إلى التعجب مما لم يستوف فعله بعض الشروط. وقد سبق شرحها في بابه فنستعين بها هنا على الوجه السالف لتوصلنا إلى التفضيل كذلك.
ومما تجب ملاحظته: أن صيغة "أفعل التفضيل"، ومعناها، وأحكامها، تختلف اختلافًا كثيرًا عن صيغتي "التعجب" ومعناهما، وأحكامهما في أمور عرضنا لها هنا وهناك. ومنها: أن المصدر هنا ينصب على اعتباره، تمييزًا، وينصب هناك على اعتباره مفعولًا به1.... ومتى تمت صيغة؛ "أفعل" على الوجه السالف صارت اسمًا جامدًا؛ ويترتب على جموده أمران: أولهما: ألا توجد له صيغة أخرى تدل على التفضيل الاصطلاحيّ؛ فليس له بعد هذه الصياغة ماض، ولا مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول.... ولا شيء آخر من المشتقات أو غير المشتقات؛ لأن التفضيل الاصطلاحي مقصور على صيغة: "أفعل" وحدها وهي جامدة؛ كما أوضحنا، ولا يتقدم عليها شيء من معمولاتها –طبقًا لما يلي2-.
ثانيهما: ألا يتقدم عليه –في حالة الاختيار- شيء من معمولاته، إلا حالة واحدة1 سيجيء الكلام عليها في القسم الأول الآتي. أقسامه، وحكم كل قسم: هو ثلاثة أقسام: 1- مجرد من "أل" والإضافة. 2- مقترن "بأل". 3- مضاف. فأما القسم الأول المجرد من "أل" والإضافة فمثل: "أفضل"، و"أنفع" في قول بعضهم لظريف: لا أدري! أجدك أفضل من مزحك، أم مزحك أنفع من جدك. ومثل: "أحسن" في قول الشاعر: وإني رأيت الضر أحسن منظرًا ... من مرأى صغير به كبر.....2 وحكم هذا القسم أمران: 1- وجوب إفراده وتذكيره في جميع حالاته. 2- ووجوب دخول "من" جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول". أ- فأما الأمر الأول "وهو: وجوب إفراده وتذكيره". فيقتضي أن تكون صيغته واحدة في كل استعمالاته ولو كان مسندًا لمؤنث، أو لمثنى، أو لجمع، فلا بد أن تلازم هذه الحالة دائمًا؛ نحو: الجمل أصبر من غيره على العطش –الجملان أصبر من غيرهما -.... الجمال أصبر من غيرها ...
- الناقة أصبر من غيرها، الناقتان أصبر من غيرهما، النوق أصبر من غيرهن. ب- وأما الأمر الثاني وهو: دخول: "من"1 جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول" فأمر واجب أيضًا، بشرط أن يكون قصد التفضيل باقيًا. ولهذا كان وجودها دليلًا على إرادة التفضيل، وعدم انسلاخ "أفعل" عنه. وهي مختصة بهذا القسم وحده، وبدخولها على المفضول دون غيره، ولا وجود لها في القسمين الآخرين –كما سيجيء عند الكلام عليهما– ولا يجر المفضول غيرها من حروف الجر. ومن الأمثلة –غير ما سبق– قول المتنبي: وما ليل بأطول من نهار ... بظل بلحظ حسادي مشوبًا وما موت بأبغض من حياة ... أرى لهمو معي فيها نصيبًا ودخول حذفهما معًا، بشرط وجود دليل عليهما؛ كقوله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ، أي: والآخرة خير من الدنيا، وأبقى منها. وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} ، أي: أعز نفرًا منك. وقول الشاعر: ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم أي: ألذ من جني النحل. وإذا حذفا من اللفظ كانا ملحوظين في النية والتقدير؛ وصارا بمنزلة المذكورين2.
وأكثر مواضع حذفها حين يكون "أفعل" خبر مبتدأ، أو خبر ناسخ، أو مفعولًا ثانيًا لفعل ناسخ "مثل ظن وأخواتها ... " أو مفعولًا ثالثاً لفعل ينصب ثلاثة "كالفعل: وأرى.." نحو: قرع الحجة بالحجة أنفع ... وهو بالعالم أليق....- ربما كان ازدراء السفيه أنجع في إصلاحه ... -. فلو طالعت أحداث الليالي ... وجدت الفقر أقربها انتيابا1 وأن البر خير في حياة ... وأبقى بعد صاحبه ثوابًا أعلمت الجازع احتمال المشقة أجدر بأصحاب العزائم والهمم ... ويقل حذفهما إذا كان "أفعل" حالًا. نحو: توالت النغمات أنعش للقلب وأندى للفؤاد، وأذهب للأسى ... ومثل قول الشاعر: دنوب –وقد خلناك كالبدر –أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللًا يريد: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر، فكلمة "أجمل" حال من الفاعل: "التاء". وهذا النوع من الحذف –على قلته– قياسي تجوز محاكاته. وكذلك يقل حذفهما إن كان "أفعل" نعتًا لمنعوت محذوف مع عامله لقرينة، نحو: اتجه ... أوسع مساحة، وأكثر خصبًا، وأرحب للغريب صدرًا. والأصل: اتجه، واقصد بلدًا أوسع مساحة ... و ... والأحسن عدم جواز القياس على هذا النوع؛ لكثرة الحذف فيه، وتوقع اللبس في فهمه ... 2- ومن الأحكام: وجوب تقديمها أحيانًا على عاملهما وحده، وهو: "أفعل" دون تقديمها على الجملة كلها. وإنما يجب التقديم على عاملهما إذا كان المجرور اسم استفهام؛ كهذا السؤال: فلان ممن أفضل؟ والأصل: فلان أفضل ممن؟ أو كان المجرور مضافًا إلى اسم استفهام، نحو: فلان من ابن من أفضل؟
والأصل فلان أفضل من ابن من؟ ولا يجوز التقديم في غير حالتي الاستفهام السالفتين1 إلا للضرورة الشعرية كقول القائل: وإن عناء أن تناظر جاهلا ... فيحسب –جهلا– أنه منك أعلم وقول الآخر: إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة2 ... فأسماء –من تلك الظعينة أملح والأصل: "أعلم منك" وأيضًا "فأسماء أملح من تلك الظعينة". فقد تقدم الحرف "من" مع مجروره، مع أن الكلام خبري، وليس إنشائيًا استفهاميًا3 ... 3- ومنها: امتناع الفصل بينهما وبين "أفعل" إلا بمعمولة، أو: "لو" وما يتبعها، أو: النداء –فمثال الفصل بالمعمول قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند قول الآخر: لولا العقول لكان أدنى4 ضيغم ... أدنى5 إلى شرف من الإنسان6
ومثال الفصل بكلمة: "لو" وما يتبعها قول الشاعر: ولفوك أطيب –لو بذلت لنا- ... من ماء موهبة1 على خمر ومثال النداء: أنت على أداء المهام الجسام أقدر –يا صديقي– من صفوة الأخلاء. قول الشاعر: لم ألف أخبث –يا فرزدق– منكمو ... ليلًا، وأخبث بالنهار نهارًا فلا يجوز الفصل بينهما بأجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لأفعل" ولا بشيء غير ما سبق؛ ولهذا حكموا بالخطأ أو الشذوذ على مثل: ممن أنت أفضل؛ لأن الجار والمجرور: "ممن" متعلقان "بأفضل"2، و"أنت" مبتدأ خبره: "أفضل" وقد فصل المبتدأ بين "أفضل" والجار مع مجرورة، مع أن المبتدأ أجنبي من أفضل، "أي: ليس معمولًا له". "ملاحظة": قد يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر فعل يتعدى بحرف الجر "من"؛ كالفعل: قرب، بعد ... فعند التفضيل يجيء هذا الحرف مع مجروره، إما متقدمين على "من" الجارة للمفضول ومتوسطين بينها وبين "أفعل"؛ نحو: المجرب أقرب من الصواب من الناشئ، وإما متأخرين عنهما؛ نحو: المجرب أقرب من الناشئ من الصواب3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 أن: "أفعل التفضيل" يدل –في الأغلب– على اشتراك شيئين في معنى خاص، وزيادة أحدهما على الآخر فيه..، و.... فما ضابط الاشتراك؟! ليس للاشتراك ضابط معين يحدد أنواعه، وإنما يكفي أن يتم على وجه من الوجوه يكون به واضحًا ومفهومًا للمتخاطبين، ولو كان اشتراكًا ضديًا، أو تقديريًا، كقول إنسان في عدوين له: هذا أحب إلى من ذلك. وفي نوعين من الشر: هذا أحسن من هذا. يريد في المثال الأول: هذا أقل بغضًا عندي، ويريد في المثال الثاني: هذا أقل شرًا من الآخر؛ فليس في نفس المتكلم قدر مشترك من الحب والحسن لهذا، أو لذاك. وإنما القدر المشترك هو الكره والقبح اللذان يضادان الحب والحسن. فالاشتراك إنما هو في أمر مضاد في معناه لمعنى: "أفعل" المذكور في الجملة، مع تفاوت النصيب بينهما، ووجود الزيادة في أحدهما وحده؛ فأحدهما عدو خفيف العداوة أو القبح، والآخر: شديدهما، فالزيادة موجودة ولكنها في أحد الأمرين المشتركين في معنى: مضاد لمعنى أفعل. ومن غير الغالب ألا يكون بينهما اشتراك مطلقًا إلا على نوع جائز من التأول توضحه القرائن؛ كقولهم: الثلج أشد بياضًا من المسك، الصيف أحر من الشتاء، السكر أحلى من الملح، العسل أحلى من الخلّ. يريدون: أن بياض الثلج أشد في ذاته من سواد المسك في ذاته، والصيف حرارته أشد من الشتاء في برده، والسكر في حلاوته أقوى من الملح في ملوحته، والعسل حلاوته أشد من الخل في حموضته، وهكذا ... ؛ فليس بين كل اثنين مما سبق اشتراك في المعنى إلا في مطلق الزيادة المجردة، ودرجتها الذاتية المقصورة على صاحبها ... ؛ فالصلة بين كل اثنين مقصورة على هذه الزيادة المجردة، وبينهما بعد ذلك تباين تام يختلف عن التضاد السابق الذي يقوم بجانبه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نوع من الاشتراك في أمر يتصف به الاثنان، وإن كان هذا الأمر مخالفًا معنى "أفعل". ب- من الأساليب الصحيحة: فلان أعقل من أن يكذب –وأمثال هذا- فهل معناه تفضيل فلان في العقل على الكذب؟ وهذا معنى فاسد؛. خير ما يقال في هذا وأمثاله: أن "أفعل التفضيل" يفيد هنا أمرين معًا؛ هما إفادة البعد عما بعده، وأن سبب هذه الإفادة هو المعنى اللغوي الأساسي المفهوم من مادة "أفعل" المعروض في الجملة الأصلية، فالمراد: فلان أبعد الناس من الكذب؛ بسبب عقله. وفي مثل: فلان أجل من الرياء، وأعظم من الخيانة ... يكون المقصود: فلان أبعد الناس من الرياء؛ بسبب جلاله، وأبعد من الخيانة بسبب عظمته ... ومثل هذا يقال في بيت الشاعر: الحق أكبر من أن تستبد به ... يد، وإن طال في ظلم تماديها فالغرض إعلان البعد عن تلك الأشياء مع بيان سبب البعد. وأفعل التفضيل في تلك الأساليب ونظائرها يفيد ابتعاد الفاضل من المفضول، ولا تكون "من" تفضيلية جارة للمفضول، وإنما هي مع مجرورها متعلقان "بأفعل" الذي هو بمعنى: متباعد؛ لأنها حرف الجر الذي يتعدى به الفعل "بعد" وباقي المشتقات التي من مادته؛ ومنها هنا: "أفعل" لتضمنه معنى "أبعد: بمعنى: "بعد" فهي متعلقة به من غير أن يدل على تفضيل؛ كنظيرتها في قولنا: أنا بعيد من الظالمين، بمعنى: متباعد. وقيل إنه مستعمل في بعض مدلوله دون بعض؛ فهو يدل على زيادة البعد، دون أن يكون هناك مفضول حقيقي، ولا "من" الداخلة عليه ... ومضمون الرأيين واحد1.... ج- يجب تصحيح عين أفعل التفضيل إذا كانت قبل التفضيل مستحقة للإعلال، ونحو: الأديب أقوم لسانًا، وأبين قولًا من غيره، فيجب أن تسلم الواو والياء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ د- إذا كان أفعل التفضيل المجرد1 واجب الأفراد والتذكير فما بال العرب تقول: مر بنا سرب من الظباء، بعده أسراب أخر؛ فيأتون بكلمة: "أخر" مجموعة ومؤنثة؛ "إذ هي جمع، مفرده: "أخرى"، "وأخرى" مؤنث لكلمة "آخر" الذي أصله "أأخر" على وزن: "أفعل" المذكر الدال على التفضيل؛ فهو من القسم المجرد". فلم كانت "أخر" مجموعة ومؤنثة في المثال السالف –وأشباهه– مع أن القاعدة تقتضي الإفراد والتذكير، وأن يقال: أسراب "آخر" "التي أصلها: "أأخر" كما أسلفنا"2. أجاب النحاة: إن كلمة: "أخر" ليست مما نحن فيه؛ لأسباب ثلاثة مجتمعة: أولها: أنها في استعمالاتها الصحيحة المختلفة –ومنها المثال السالف وأشباهه– لا تدل على التفضيل؛ "أي: لا تدل على المشاركة والزيادة" وإنما تدل على المغايرة المحضة، والمخالفة المجردة من كل معنى زائد عليها. فالكلام الذي تكون فيه يقتضي معنى المغايرة وحدها، لا معنى المفاضلة، أو نحوها. وهذا شأنها في الاستعمالات الواردة، فمعنى سرب آخر وأسراب أخر هو: سرب مغاير، وأسراب مغايرات، بدون تفضيل فيهما. وثانيهما: أنها –في كلام العرب– لا يقع بعدها: "من" الجارة للمفضول، لا لفظًا ولا تقديرًا. وثالثها: أنها –في كلامهم الفصيح تطابق وهي نكرة3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلهذه الأمور الثلاثة لا تكون من القسم الأول الذي يدور فيه الكلام؛ بل إنها ليست للتفضيل مطلقًا2 –كما تقدم؛ وإنما هي كلمة معدولة، "أي: محولة" عن كلمة: "آخر" التي أصلها "أأخر" جاءت لتؤدي معنى ليس فيه تفضيل، ذلك أن العرب حين أرادوا استخدام كلمة: "آخر" في معناها الأصلي –وهو المغايرة المحضة الخالية من معنى التفضيل– عدولوا بها عن وزنها الأول؛ بأن أدخلوا عليها شيئًا من التغيير، وحولوها إلى هذا الوزن الجديد؛ وهو: "أخر" لتؤدي معنى خاليًا من التفضيل لا يمكن أن تؤديه إذا بقيت على الصيغة الأولى. ويقول السيوطي1، قولًا أشبه بهذا؛ نصه: "كان مقتضى جعل "أخر" من باب "أفعل التفضيل" أن يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير. وألا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، إلا معرفًا، كما كان أفعل التفضيل؛ فمنع هذا المقتضى، وكان بذلك معدولًا عما هو به أولى؛ فلذلك منع من الصرف"2.... فالذي دعا النحاة لهذا التحليل والتعليل هو ما رأوه من جمعها وتأنيثها مع انطباق أوصاف القسم الأول عليها -في الظاهر- فلجئوا إلى مسألة العدول والتحويل ليتغلبوا على هذه العقبة ويجعلوا قاعدة: "أفعل التفضيل المجرد" مطردة. قد يكون كلامهم سائغًا من الوجهة الجدلية المحضة، لكنه من الوجهة الحقيقية مردود، ذلك أن العرب لا تعرف شيئًا مما قالوه، ولم يدر بخلدها قليل أو كثير منه حين نطقوا بالتعبير السابق وأشباهه. فإبعادًا لهذا التكلف ومسايرة للأمر الواقع، يحسن الأخذ ببعض مما قاله النحاة -بحق- وهو: أنها ليست للتفضيل فلا تنطبق عليها أحكامه، أو أنها خالفت القاعدة؛ فهي من الشاذ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يحفظ، ولا يقاس عليه. ولا عبرة بما عرضوه من أسباب أخرى؛ فهني أسباب ضعيفة لا تثبت على التمحيص، ومن السهل دفعها، وقد دفعها بعض النحاة فعلًا بما يرهق سرده من غير نفع عملي، فخير لنا أن فقر الواقع، من غير تكلف ولا جدال زائف. هـ -ونزولًا على قاعدة الإفراد والتذكير السالفة عاب بعض النحاة على أبي نواس ذكر كلمتي: "صغرى" و "كبرى" مؤنثتين للتفضيل، مع أنهما مجردتان في قوله1: كأن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء در على أرض من الذهب والقياس: أصغر وأكبر. لأنهما صيغتان للتفضيل، مجردتان. والقاعدة تقضي بالتزام التذكير والإرادة في هذه الحالة.. ومما قيل في دفع هذا العيب: إن الشاعر لم يقصد التفضيل مطلقًا، ولا الحديث عن شيء أصغر من شيء آخر، أو أكبر منه؛ وإنما قصد صغرى أو كبرى من حيث هي: لا باعتبار موازنتها بغيرها؛ كمن يشاهد طفلة تحاول الركوب فيساعدها ويقول: ساعدتها لأنها: "صغرى"، أي صغيرة، وكمن يشاهد سيدة عجوزًا؛ فيعاونها عن النزول من السيارة ويقول: عاونتها لأنها كبرى؛ أي: كبيرة السن؛ فليس في كلامه هذا، ولا في المقام ما يدل على تفضيل أو موازنة بين اثنين يزويد أحدهما على الآخر في هذا المعنى. وإذا كان الأمر على ما وصفنا فليس التأنيث لحنًا، لأن "أفعل" إذا كان مجردًا غير مقصود منه التفضيل "فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ حملًا على أغلب أحواله، وقد يطابق، لعدم مجيء "من" لفظًا ومعنى. واعتمادًا على هذا السبب في المطابقة يخرج بيت أبي نواس السالف، ومثله قول العلماء العروضيين: "فاصلة صغرى وكبرى"، خلافًا لمن جعله لحنًا2".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا دفع حق، وهو خير من القول بأن في الكلام حذفًا وزيادة يؤديان إلى إخراج الكلمتين من هذا القسم، وإدخالهما في قسم آخر من أقسام "أفعل" التفضيل؛ كقسم المضاف1 إلى المعرفة؛ بحيث يؤدي إلى الحكم بصحتهما، وأن الأصل: "كأن" صغرى فقاقعها وكبرى من فقاقعها" ... فكلمة: "من" زائدة "مع أنها –في الغالب– لا تزاد إلا بعد نفي بشرط أن يكون مجرورها نكرة"، و"فقاقعها" الأولى محذوفة للدلالة الثانية عليها، ففي الكلام حذف من جهة، وزيادة من جهة أخرى ... وما أشد حاجاتنا إلى إهمال مثل هذا مما لا داعي له. وأعجب منه قولهم في الدفاع عن الشاعر: "إن أفعل التفضيل المجرد يصح تأويله بما لا تفضيل فيه؛ فيطابق حينئذ كما في المضاف إلى المعرفة"، وقد جاء هذا الكلام في التسهيل"2. ولا أدري: أيغيب عن أحد وجه ضرره وأثره السيئ في اللغة؟ إذ كيف تؤدي اللغة مهامها –وما أجلها– إذا كان من الجائز دون قيد ولا شرط. تأويل اللفظ الذي يشوبه خطأ لغوي تأويلًا يصلح عيبه من غير داعٍ معنوي لذلك؟
القسم الثاني: أن يكون أفعل التفضيل مقرونًا "بأل". وهذا يوجب أمرين: أحدهما: أن يكون مطابقًا لصاحبه في التذكير، والتأنيث، والإفراد، وفروعه؛ نحو: قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} –اليد العليا خير من اليد السفلى1. الشقيقان هما الأفضلان –الشقيقان هما الفضليان2 –الأشقاء هم الأفضلون، أو الأفاضل3 –الشقيقات هن الفضليات ... والآخر: عدم مجيء "من" الجارة "للمفضل عليه"؛ لأن "المفضل عليه" لا يذكر في هذا القسم4. أما الجارة لغيره فتجيء؛ كالتي في قول الشاعر: فهم الأقربون من كل خير ... وهم الأبعدون من كل ذم فالجار والمجرور –في الشطرين –لا شأن له بالتفضيل: لأن: "من" المذكورة هي التي تدخل على المجرور للتعدية5، إذ: "الأقرب" و "الأبعد" يحتاجان إلى معمول مجرور "بمن" كفعلها: "قرب وبعد" فليست: "من" بعدهما هي التي تدخل على المفضول، وتجره؛ إنما هي مجرورها نوع آخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: قال صاحب التصريح1: إن "أفعل التفضيل" المقترن بأل يطابق موصوفه لزوما.... ومع ذلك لا بد من ملاحظة السماع، وأردف هذا بالنص الآتي: "قال أبو سعيد على بن سعيد في: كفاية المستوفى، ما ملخصه: ولا يستغنى في الجمع2 والتأنيث عن السماع؛ فإن الأشراف والأظرف لم يقل فيهما: الأشارف والشرفى. والأظارف، والظرفي، كما قيل ذلك في الأفضل والأطول، وكذلك الأكرم والأمجد، قيل فيهما: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمى والمجدى" ا. هـ. هذا ما قاله وما نقله صاحب "التصريح" وقد يكون من السداد إهماله. وترك الأخذ به، لما فيه من تضييق وتعسير بغير حق؛ إذ يفرض على المتكلم أن يبحث جهد طاقته عن الصيغة المسموعة؛ فإن اهتدى إليها بعد العناء استعملها، وإن لم يجدها لم يستعمل القياس مع شدة حاجته إلى استخدامه للوصول إليها. على أن بذل الطاقة واحتمال العناء لا يوصلان أحيانًا إلى الصيغة المسموعة، لا لعدم وجودها، ولكن لتعذر الاهتداء إلى مكانها، برغم العناء المرهق المبذول في سبيلها. وهل أدل على هذا من أن صاحب الرأي السالف يقرر عدم ورود السماع بكلمات معينة منها: "الكرمى" مؤنث: "أكرم"، وأن غيره يقرر عدم ورود بكلمات أخرى منها: "الرذلى، والجملى"، "مؤنث: الأرذل والأجمل" على حين يسجل أبو علي القالي في الجزء الأول من كتابه: "الأمالي"3 ما نصه: "قال بعض بني عقيل وبني كلاب: هو الأكرم، والأفضل، والأحسن، والأرذل، والأنذل، والأسفل، والألأم. وهي: الكرمى والفضلى، والحسنى،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرذلى، واللؤمى، وهن الرذل، والنذل واللؤم ... " ا. هـ؟. فقد سجل أنها مسموعة هي ونظائر لها. ومن تلك النظائر الأخرى المسموعة: العظمى، الصغرى، الكبرى، الوثقى، الفضلى، القصوى، الأولى، الجلى، الدنيا، الوسطى، الأخرى، العليا، السفلى، الكوسى "كثيرة الكياسة" الطولى "أنثى الأطول" –الضيقى "شديدة الضيق" ... و ... ولكل صيغة مما سبق مقابل على وزن "أفعل" لمذكرها. ولو حصرنا ما نقله صاحب الأمالي، وما نقله غيره في مواطن مختلفة، وما رأيناه بأنفسنا في المراجع اللغوية ... لكان من هذه الكلمات المبعثرة مجموعة كثيرة العدد، تبيح القياس عليها؛ لكثرتها التي تتجاوز المائة. ولا حاجة بنا إلى تأويلها، أو التمحل لإبعادها عن "التفضيل" وعن نوعه الذي نحن فيه؛ فإن تأويل النحاة –كما بسطوه هنا– يقوم على الجدل المحض الذي لا يعضده الحق. وشيء آخر: أنه لو صح الأخذ برأي المانعين وحدهم ما كان للقياس حكمة ولا فائدة؛ لأن القياس مستمد من الكثير المسموع، وقد تحقق هذا الكثير هنا. فكيف نمنع القياس في بعض الصور التي ينطبق عليها؟ وكيف نحرم تطبيقه والانتفاع به، زاعين واهمين أن صيغة الكلمة ذاتها –بحروفها وتكوينها المادي– غير مسموعة؟ فلم الاستنباط، ووضع القواعد والضوابط العامة؟ وكيف يتحقق القياس؟..1. لهذا كان مجمع اللغة العربية سديد الرأي حين قرر قياسية جمع "الأفعل" الذي للتفضيل المقرون بأل على "الأفاعل"، كما قرر صياغة مؤنثه على "الفعلى" قياسًا كذلك2....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طالمًا رددنا –في هذا الكتاب– أن الحرص على سلامة اللغة أمر محمود، بل مفروض، ولكن بشرط ألا يكون بوسائل تعوق الانتفاع بها، وتزهد فيها، من غير فائدة ترجى، ولا ضرر يدفع. نعم قد يقع جرس هذه الصيغ الجديدة القياسية غريبًا أول الأمر على الأسماع؛ كتلك الصيغ التي نقلها صاحب الأمالي عن بني عقيل، وبني كلاب ولكن لا يصح أن تحول غرابة الجرس بين الكلمة والانتفاع الضروري بها، فما أكثر الكلمات اللغوية الغريبة في جرسها على الأسماع، وقد تكون غريبة عند قوم مقبولة عند آخرين. على أن تداول الكلمة الغريبة كفيل بصقلها وإزالة غرابتها، ولكن يطول الزمن على تداولها، فما أسرع دورانها وشهرتها، بسبب الحاجة إلى استخدامها، وترديد الألسنة لها ...
القسم الثالث: أن يكون مضافًا1، ويشترط في هذا القسم شرطان عامان لا بد منهما في "أفعل التفضيل" المضاف مطلقًا "أي: سواء أكانت إضافته للمعرفة أم للنكرة". أحدهما: ألا يقع بعد أفعل التفضيل "من" الجارة للمفضول، فلا بد أن يخلو الكلام منها ومن مجرورها؛ فلا يصح: محمود أفضل الطيارين من حامد، أما الجارة لغيره فتوجد: نحو: أبي أقرب الناس مني. ثانيهما: أن يكون المضاف بعضًا2 من المضاف إليه، بشرط إرادة التفضيل وبقاء معناه3 ووجوده؛ فلا يصح: الطيار أفضل امرأة. فتى تحقق الشرطان العامان، وكانت إضافته لنكرة، وجب حكمان: أولهما: إفراده وتذكيره –كالمجرد4-. والآخر: مطابقة المضاف إليه لصاحب5 أفعل التفضيل، "أي: للموصوف6 الذي يتجه إليه معنى: "أفعل" ويتصف به". وفي التذكير. والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، وفي جنسه أيضًا..
ومن أمثلته قول المتنبي: وأحسن وجه في الورى وجه محسن ... وأيمن كف فيهمو كف منعم وتقول: هذان الوجهان أحسن وجهين ... وهاتان الكفان أيمن كفين وجوه الشرفاء أحسن وجوه، وأكفهم أيمن أكف1. فالأمور التي يجب اجتماعها كاملة عند إضافته للنكرة2 –أربعة؛ هي: 1- امتناع "من" للمفضول. 2- كون المضاف بعض المضاف إليه عند إرادة التفضيل. 3- إفراد "أفعل" وتذكيره. 4- مطابقة المضاف إليه لصاحب "أفعل" في الجنس، وفي الإفراد والتذكير وفروعهما.
وإن كانت إضافته لمعرفة وجب تحقيق الشرطين العامين المشار إليهما آنفاً. وتجوز فيه بعد ذلك من ناحية التذكير والإفراد وفروعهما –المطابقة وعدمها، بشرط أن يكون الغرض من "أفعل التفضيل" باقيًا –وقد شرحنا هذا الغرض– ولكن ترك المطابقة في التثنية والجمع هو الأكثر، إذ الأفصح أن يكون مفردًا مذكرًا في جميع استعمالاته. فمثال المطابقة: عمر أعْدَلُ الأمراء، العمران1 أعدلا الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدَلُوا الأمراء، فاطمة فُضْلَى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَيَا الزميلات، الفاطمات فضليات الزميلات.. ومثال عدم المطابقة: عمر أعدل الأمراء، العمران أعدل الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدل الأمراء ... فاطمة فضْلّى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَى الزميلات، الفاطمات فضلَى الزميلات ... أما إن كان الغرض الأصلي هو عدم المفاضلة مطلقاً2 أو: كان الغرض هو بيان المفاضلة المجردة3 فتجيب المطابقة للموصوف في الصورتين4 في الإفراد والتذكير وفروعهما، مع جواز أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضًا من المضاف إليه، أو غير بعض. فمثال ما لا يراد منه المفاضلة مطلقًا قول أحد الرحالين يصف الأقزام في المناطق الشمالية: ".... رأيت أهلها صغار الأجسام، قصارًا، لا يكاد أحدهما يزيد على خمسة أشبار، وليس لهم حكومة، ولكن عندهم قاض واحد يرجعون إليه، ويحترمون رأيه. وقد قابلته مرة فقال لي المترجم: هذا أفضل القضاة عندنا، وأوسع الرجال خبرة قضائية في بلدنا، وأرجحهم عقلًا ... ". فالمراد: فاضل، واسع، راجح ...
ولا يراد التفضيل: إذ لا وجود لقاض آخر يكون هو المفضول ... وفي غير المفرد نقول: هذان أفضلا القضاة، هؤلاء أفضلو القضاة. أو: أفاضلهم ... هذه فُضْلَى القاضيات، هاتان فُضْلَيا القاضيات، هؤلاء فضلَيَات القاضيات.... بالمطابقة في كل ذلك. ومثلها عند إرادة المفاضلة المطلقة؛ نحو: الحق أحقّ الأقوال بالاتباع. والدين أوْلَى الأصولِ بالتمسك به. فليس المراد في هذا المثال وأشباهه المفاضلة بين الأقوال بعضها وبعض، أو بينها وبين الأفعال، ولا بين الحق والباطل، وأن كلاً منهما جدير بالاتباع، ولكن الحق أجدر، ولا بين أصول الدين والكفر وفروعهما، وأن كلاً منها يستحق التمسّك به ولكن الدين أولى ... ليس هذا هو المراد، وإلا فسد الغَرض، وإنما المراد أن الحق في ذاته، والدين في ذاته، من غير نظر لشيء آخر غيرهما هما الأحَقَّان والأوْلَيَان. ومثل هذا يقال: الوالد أحسن الناس منزلة، الوالدان أحْسَنا الناس منزلة، الوالدون أحاسن الناس منزلة، أو: أحسنو الناس منزلة، الوالدة حُسْنَى النساء منزلة، الوالدتان حُسنَيا النساء منزلة، الوالدات حُسنيات النساء منزلة1....
وفي الصورتين المذكورتين لا يلزم –كما سبق– أن يكون المضاف بعض المضاف إليه1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا يضافُ "أفعل" الدال على التفضيل إلا إذا كان بعضًا من المضاف إليه المفضول "كما سبق"1. وهذه "البعضية" تتحقق بإحدى صورتين. 1- أن يكون "أفعل" جزءاً2 والمضاف إليه كُلاّ، نحْو: الرأس أنفعُ الجسم، والمخ أعظم الرأس ... 2- أن يكون "أَفعَل" فردًا من بين أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه. ولا بد في هذه الصورة أن يكون المضاف إليه جنسًا يندرج تحته أفراد متعددة، منها المضاف؛ نحو: الهرم المدَرّج أقدم الأهرامِ3 -أبو الهول أجمل التماثيل. يكاد النيل يكون أكبر الأنهار العالمية– أضَرّ التَّرِكات ما كان مالاً لا علْم معه، ولا خُلُق. وأَحَب أوطان البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المطلب فكل من: "الأهرام، التماثيل، الأنهار، التَّرِكات، أوطان البلاد..". جنس يشمل أفرادًا كثيرة. وليس من اللازم لتحقيق "البعضية" أن يكون المضاف إليه معرفة؛ فقد يكون نكرة، نحو: الهرم المدرّج أقدم هرم، أبو الهول أجمل تمثال، القلب أعظم عضو. وإذا كان المضاف إليه مفردًا نكرة، كهذه الأمثلة كَان معناه معنى الجمع، ومنزلته منزلة الجنس متعدد الأفراد، فيتحقق الشرط الأساسي السالف الذي يقتضي أن يكون "أفعل" بعضًا من المضاف إليه، أي: أنه بمنزلة قولك: الهرم المدرَج أقدم الأهرام هرمًا هرمًا، أبو الهول أجمل التماثيل واحدًا واحدًا، القلب أعظم الأعضاء عضوًا عضوًا. فالمراد بالمضاف إليه المفرد النكرة إنما هو جنسها؛ ولهذا قطعوا بأن المراد من: فلان أفضل رجل هو أنه أفضل الناس إذا عُدّوا رجلًا رجلًا. أي: أفضل من كل رجل4 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول الصبان عند الكلام على إضافة "أفْعَل" للنكرة ما نصه: " زيدٌ أفضلُ رجل، أصله: زيد أفضل من كل رجل؛ فحذف: "من كل" اختصارًا، وأضيف: "أفعل" إلى: "رجل". وجاز كونه مفردًا مع كون "أفعل" بعض ما يضاف إليه –فالأصل أن يكون جمعًا –لفهم المعنى، وعدم التباس المراد. ووجب تنكيره؛ لأن القاعدة أن كل مفرد وقع موقع الجمع لا يكون إلا نكرة؛ فإن جئت بأل رجعت إلى الجمع، وأن جمعت أُدخلت "أل" ... اهـ. ثم انتقل إلى مسألة هامة؛ هي العطف على "أفعل" فقال ما نصه": "إن عطفت على المضاف إلى النكرة مضافًا آخر إلى ضميرها قلت: هذا أفضل رجل وأعقله، وهذه أكرم امرأة وأعقله. بتذكير الضمير وإفراده في المفرد وضده، والمذكر وضده؛ على التوهم؛ كأنك قلته من أول الكلام1. فإن أضفت "أفعل" إلى معرفة تأنيث، وجمعت، وأنثت؛ وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكًا بقوله: وميَّسة أحسن الثَّقَلين جِيدًا ... وسالفةً وأَحسنَه قَذَالًا2 أي: أحسن مَنْ ذُكر3.... وظاهره وجوب تذكير الضمير وإفراده في نحو: هذه أكرم امرأة وأعقله، وهذان أكرم رجلين وأعقله.... وهكذا ... " اهـ. ثم قال بعد هذا مباشرة: "والوجه عندي جواز المطابقة إن لم تكن واجبة، أو أولى" اهـ. قال ياسين في حاشيته على التصريح تعليقًا على رأي سيبويه: "وحاصله: أن إفراد الضمير مع عوده على غير مفرد إنما هو على تأويله باسم الموصول. وعليه يتخرج ما يقع في عبارات المصنفين" اهـ. ورأي الصبان أقرب إلى السَّداد؛ لموافقته القواعد العامة الخاصة بالمطابقة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبُعده عن اللبس، ولأن الآراء الأخرى لم تدْعَمها النصوص المتعددة التي تكفي لتأييدها فيما اطلعنا عليه من مراجع. ويتصل بتلك المسألة الهامة أمرا آخر هو حكم أفعل التفضيل المعطوف في الصورة السالفة، من ناحية ضبطة، والأوجه الإعرابية الجائزة فيه، وقد سبق بيان بعض الصور1. ومما يجب التنبه له أن هذه البعْضية لا تكون حتمية إلا إذا كان "أفعل" باقياً على دلالة التفضيل الخاص –كما قدمنا2– وعندئذ يكون المضاف إليه هو: "المفضول" ويتعين أن يكون "أفعَل". بعضاً منه. أما إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضاً منه؛ فقد يكون بعضاً أو لا يكون؛ ومثال ما ليس بعضاً: "يوسف أفضل إخوته". تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في الفضل3. قال شارح المفصل ما نصه4: " ... وقد علم أن "أفعل" إنما يضاف إلى ما هو بعضه، فليعلم أنه لا يجوز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته". وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من جملتهم، وإذا كان خارجا منهم صار غيرهم، وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول: "يوسف أحسن إخوته" كما لا يجوز أن تقول: "الياقوت أفضل الزجاج"؛ لأنه ليس من الزجاج. فحينئذ يلزم من المسألة أحد أمرين كل واحد منهما ممتنع؛ أحدهما: ما ذكرناه من إضافة "أفعل" إلى غيره، إذ إخوة زيد غير زيد. والثاني: إضافة الشيء إلى نفسه؛ وذلك أنا إذا قلنا إن زيداً من جملة الإخوة –نظراً إلى مقتضي إضافة "أفعل"– ثم أضفت الأخوة إلى ضمير زيد، وهو من جملتهم، كنت قد أضفته إلى نفسه؛ بإضافتك إياه؛ إلى ضميره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك فاسد1، فأما على النوع الثاني2 وهو أن يكون "أفعل" فيه للذات بمعنى: "فاعل" فإنه يجوز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته" ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول؛ إذ المراد أنه فاضل فيهم؛ لأنه لا يلزم في هذا النوع أن يكون "أفعل" بعض ما أضيف إليه. وعليه جاء قولهم لنُصَيْبٍ الشاعر: "أنت أشعر أهل جِلْدتكَ" لأن أهل جِلْدته غيره، وإذا كانوا غيره لم تَسُغْ إضافة "أفْعَلَ"، إليهم؛ لما ذكرته، ويجوز على الوجه الثاني؛ لأنه بمعنى الشاعر فيهم، أو: شاعرهم ... " ا. هـ.
وفيما يلي بيان الأقسام السالفة، وملخص أحكامها:
من هذا الملخص وما سبقه يتبين ما يأتي فيما يختص "بأفعل". 1- وجوب إفراده وتذكيره إن كان مجردًا، أو مضافًا لنكرة. 2- جواز مُطابقته وعدمها في الإفراد وفروعه والتذكير والتأنيث إن كان مضافا لمعرفة، والمفاضلة باقية. لكن التزام الإفراد والتذكير أفصح. وتجب البعضية في هذه الصورة. 3- وجوب مطابقته في باقي الأحْوال. أي: حين يقترن "بأل"، أو يضاف لمعرفة والمفاضلة الحقيقية الخاصة غير قائمة. وفي هذه الإضافة الخالية من المضافة يجوز أن يكون بعضًا من المضاف إليه، وغير بعض.
المسألة 113: عَمَل "أفعل" التفضيل "أفعَل" التفضيل أحد المشتقات التي يصح أن يتعلق بها شبه الجملة، والتي يصح أن تعمل؛ فيكون معمولها مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. فمثال تعلق شبه الجملة به ما قاله أحد الوصافين في الإمام عليّ: "سمعته قُبَيْل المعركة يخطب في جنوده، فكان أفصح في القول لسانًا، وأعلى في الكلام بيانًا، ورأيته يخوض الوغَى؛ فكان أجرأ عند الإقدام قلبًا، وأقوَى لدى شِدّاتها عزمًا" ... ؛ فالجار والمجرور: "في القول"، متعلقان بأفصح. والجار والمجرور: "في الكلام"، متعلقان بأعلى. والظرف: "عند" متعلق: "بأجرأ". والظرف: "لدى" متعلق: "بأقوى". أما عمله الرفعَ أو النصبَ أو الجرّ، ففيه البيان التالي: أولا: علمه الرفع 1- يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العظيم أنبل نفسًا، وأشرف قصدًا، وأكثر تعلقًا بجلائل الأمور، ففي كل من "أنبل" و "أشرف"، و "أكثر" ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "هو"، ويعود على: العظيم. 2- ويرفع الضمير البارز أحيانًا –وهذا قياسي- نحو: مررت بزميل أفضلَ منه أنت، بجر كلمة: "أفضل"1، على اعتبارها نعتًا لزميل، و "منة": جار ومجرور متعلق بأفضل. و "أنت": فاعل1 أفعل التفضيل. 3- وقد يرفع الاسم الظاهر –قياسا– إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعْلٌ بمعناه من غير فساد في المعنى أو في تركيب الأسلوب. فإن لم يصح كان رفعه الظاهر نادرًا لا يحسن القياس عليه.
وقد وضعوا للحالة الأولى ضابطًا مُطَّردا، وهو: أن يكون "أفْعل التفضيل" –في الأغلب– نعتًا والمنعوت اسم جنس، قبله نفي أو شبهه1. وأن يكون الاسم الظاهر المرفوع بأفعل التفضيل أجنبيًا2 منه، ومفضَّلًا على نفسه ومفضولًا أيضًا –باعتبارين مختلفين- نحو: ما رأيت رجلًا أكمل في وجه الإشراق منه3 أفعل تفضيل، نعت. والمنعوت قبلها اسم جنس منفيّ في جملته، وهو: "رجل"، و"الإشراقُ" فاعل لأفعل التفضيل، وهذا الفاعل مفَضَّل ومفضول معًا؛ فهو مفضَّل باعتباره في وجه العابد، ومفضول باعتباره في وجه غير وحه العابد. وهذا معنى قولهم: مفضل على نفسه ومفضول باعتبارين. وقد تحقق الضابط في المثال السالف؛ ومن ثَمَّ رفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر. ومن الأمثلة: ما شاهدت عيونًا أجملَ فيها الحَوَرُ منه في عيون الظباء ... فأفعل التفضيل هو: "أجمل"، ومنعوته: "عيونًا" اسم جنس منفي في جملته، وفاعله الظاهر هو: "الحَوَر"، ولهذا الفاعل اعتباران، فهو مفضَّل إن كان في عيون الظباء، ومفضول إن كان في عيون غيرها. فقد تحقق في هذه الصورة الضابط الخاص كما تحقق في سالفتها. وفي الصورتين يمكن أن يحل محل "أفعل" فعلٌ بمعناه من غير أن يترتب على هذا فساد، نحو: ما رأيت رجلًا يكمل في وجهه الإشراق.... وما شهدت عيونًا بجمل فيها الحَور.... فإن لم يصلح أن يحل هذا الفعل محله لم يرفع اسمًا ظاهرًا، إلا نادرًا لا يقاس عليه –كما سبق –وإنما يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا؛ نحو: المشي أنفع من السباحة، ففي "أنفع" ضمير مستتر وجوبًا يعود على المشي، ولا يجوز في الرأي الراجح أن يرفع اسمًا ظاهرًا؛ لأنه لا يصح أن يحل محله فعل بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال –في الرأي الراجح أيضًا –استمعت إلى فتى أعلمُ منه أبوه برفع كلمة "أبوه" على أنها فاعل لأفعل التفضيل4: "أعْلم" إلا على لغة ضعيفة مرجوحة.
ومن الأمثلة التي يرفع فيها الظاهر وينطبق عليها الضابط: "ما سمعت ببلاد أكثرَ فيها الثَّراءُ المدفون منه في البلاد العربية". ومنها مثالهم المرَدّد منذ عهود بعيدة حتى سَمَّوا مسألة الرفع باسمه، وهو: "ما رأيت رجلًا في عينه الكُحلُ منه في عين فلان".... ويرمزون لكل ما سبق بقولهم: "إن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إلا في مسألة: "الكُحل". يريدون المثال السالف المشتمل على كلمة: "الكُحل" وغيره مما يشابهه من الأمثلة التي ينطبق عليها الضابط العام كما ينطبق على مثال الكحل1....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من أمثلة النهي: لا تخالفْ شريفًا أحبَّ إليه الخير منه إليك. ومن الاستفهام الذي بمعنى النفي: هل امرأة أحق الحمدُ منه بالأمّ؟. ب- من كل الأمثلة السالفة يتبين أيضًا أن الاسم الظاهر الذي هو فاعل لأفعل التفضيل يقع بين ضميرين؛ أولهما: يعود للمنعوت. وثانيهما: يعود للفاعل الظاهر. ويجوز حذف أولهما فقط، أو ثانيهما فقط، أو: هما معًا. فيجوز حذف الأول العائد على الموصوف –إن دل دليل على حذفه1؛ مثل ما رأيت رجلًا أكملَ،..... الإشراقُ منه في وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجملَ.... الحَوَرُ منه في عيون الظباء. والتقدير: أكملَ في وجهه الإشراق، ... وعيونًا أجملَ فيها الحورُ.... والمحذوف هنا ملحوظ كأنه مذكور1. ومن الأمثلة الدقيقة الواردة عن القدماء: ما رأيت قومًا أشبهَ بعضٌ ببعض منه في قومك. التقدير: ما رأيت قومًا أبْيَنَ فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك. ويجوز حذف الضمير الثاني العائد على فاعل اسم التفضيل بشرط أن تدخل "مِنْ" الجارة على الواحدة مما يأتي: 1- إما على اسم ظاهر مماثل للفاعل في لفظه ومعناه، فنقول: ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من إشراق وجه العابد ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من حور عيون الظباء. والأصل؛ ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق منه في وجه العابد وما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور منه في عيون الظباء. 2- وإما على المحل -أي: المكان- الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال السابق؛ فإنه المحل الذي يقوم به الإشراق، ويحل فيه. وكالعيون؛ فإنها محل الحور ومكانه ... و ... تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من عيون الظباء ... و ... ففي هذه الصورة حذف مضاف واحد؛ إذ الأصل: من إشراق وجه العابد، ومن حور عيون الظباء. 3- وإما: على صاحب ذلك الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال "أي: على شيء كلي له أجزاء متعددة، منها المحل الذي يحل فيه الفاعل" كالوجه في المثال الأول، والظباء في المثال الثاني ... و.... تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من الظباء. وفي هذه الصورة حذف مضافان؛ إذ الأصل؛ من إشراق وجه العابد ومن حور عيون الظباء. ويجوز حذف الضميرين معًا إذا حذف من الجملة كل ما يجيء بعد الفاعل الظاهر؛ فلا يذكر بعده شيء منها. وهذا بشرط أن يتقدم المفضّل نفسْهُ على "أفْعل" التفضيل؛ فيستغني "أفْعَلُ" بفاعله عما يكون بعده؛ نحو: ما شيء كالغزال أحسن به الحَوَرُ1. أو يتقدم محل المفضل على "أفعل"؛ نحو: ما شيء كعين الغزال أحسن بها الحورُ. وربما خلت "من" في اللفظ على المفَضَّل "لا المفضول"، نحو: ما أحد أحسن بع الصبر من المتعلم. وحبذا التخفف من استعمال هذه الأساليب الأخيرة، بل تركها قدر الاستطاعة.
ثانيًا: عمله النصب: ينصب أفعل التفضيل المفعول لأجله، والظرف، والحال1 ... وبقية المنصوبات؛ فتكون معمولة له، إلا المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول معه. أما التمييز الذي هو فاعل في المعْنى فيصح أن يكون منصوبًا بأفعل التفضيل نحو: المتعلم أكثر إفادةً وأعظم نفعًا. فإن لم يكن فاعلًا في المعنى وكان "أفعل" التفضيل مضافًا صح أن ينصبه، نحو: المتنبي أوفر الشعراء حكمةً "وقد سبق ضابط كلّ2". ثالثًا: عمله الجر: يعمل الجر في المفضول إذا كان مضافًا إليه، نكرة كان أم معرفة نحو: الجندي أسرعُ رجل للدفاع عن وطنه –القائد أقدرُ الجنود على إدارة رحَى الحرب ... تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر: أ- إذا كان أفعل التفضيل3 من مصدر فعل متعد بنفسه، دال على الحبّ أو البغض أو ما بمعناهما. كانت تعديته باللام بشرط أن يكون مجرورها مفعولًا به في المعنى4، وما قبل: "أفعل" هو الفاعل المعنوي؛ نحو: الشرق أحب للدين من الغربي، وأبغض للخروج على أحكامه. إذا التقدير: يحب الشرقي الدين، ويبغض الخروج على أحكامه. وتجئ "إلى" بدل اللام كان المجرور هو الفاعل المعنوي وما قيل "أفعل"
هو المفعول المعنوي؛ نحو: المال أحب إلى الشحيح من مُتَع الحياة. والتقدير: يحب الشحيحُ المال أكثر من متع الحياة1 ... ب- وإن كان فعله متعديًا بنفسه، دالًا على: "علْم" كانت تعديته بالباء؛ نحو: صديقي أعلم بي، وأنا أعرف به وأدرى بأحواله. فإن كان دالًا على معنى آخر كانت تعديته باللام، نحو: الحُر أطلبُ للثأر وأدفَعُ للإهانة، إلا أن كان الفعل يتعدى بحرف جر معيَّن فإن "أفعل" يتعدى به كذلك، نحو: كان أبو بكر أزهد الناس في الدنيا، وأبعدهم من التعلق بها: وأشفقهم على الرعيّة، وأنحاهم عن الظلم، وأذلهم لنفسه في طاعة ربه. وقول الشاعر: أَجدَرُ الناس بحُبِّ صادق ... باذلُ المعروف من غير ثمنْ ومثل البيت الذي سبق لمناسبة أخرى2 وهو: لولا العقول لكان أَدنى3 ضيغمٍ ... أَدنى4 إلى شرف من الإنسان وإن كان فعله متعديًا لاثنين عُدّيَ لأحدهما باللام ونصب الآخر مفعولًا به؛ لعامل محذوف يفسره المذكور؛ "لأن "أفعل" التفضيل لا ينصب المفعول به كما سبق". نحو: فلان أكْسَى للفقراء الثيابَ. والتقدير: أكسَى للفقراء بكسوهم الثياب5.
المسألة 114: التوابع الأربعة الأصيلة
المسألة 114: التوابع الأربعة الأصيلة مدخل ... المسألة 114: التوابع الأربعة الأصلية 1 أ- النعت. "ويسمى أيضًا: الصفة، أو: الوصف".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بعض أحكام التوابع: إذا كان الواجب اتفاق التابع والمتبوع في نوع الإعراب فمن الواجب اختلافهما –حتمًا-. في سببه؛ فسببه في المتبوع قد يكون الفاعلية؛ أو: الابتدائية؛ أو: الخبرية؛ أو: المفعولية أو: الجر بالإضافة، أو: بالحرف، أو: بالجزم بالحرف ... أو غير ذلك من الأسباب المؤدية إلى الرفع، أو النصب، أو الجر، أو الجزم، أما في التابع فسببه واحد، هو: "التبعية" "لأنه النعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل"، ويتبين مما سبق أن التابع لا يجوز تقديمه على المتبوع مطلقًا. لكن قد يجوز تقدم معمول التابع في بعض الحالات التي ستجيء في أبوابها، بالرغم من أن البصريين يمنعون تقدم هذا المعمول، ون الكوفيين –كما سيجيء في ص436-. ومن أحكام التوابع: صحة القطع في ثلاثة منها، هي: "النعت"، "إلا كلمة: كُلّ انظر ص467 و513"، و"عطف البيان"، وكذا: "البدل" "على الوجه الموضح في "هـ" من ص667". والصحيح أن القطع يدخل كذلك "عطف النسق"؛ طبقًا للرأي الآتي في رقم 10 من ص661، وهذا، وفي ص486 وهامشها إيضاح القطع، وبيان المراد منه. ومن أحكامها أيضًا: أنها إذا اجتمعت، أو اجتمع عدد منها، وجب مراعاة الوجه الأفضل في تربيتها؛ وذلك بتقديم النعت، يليه عطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق؛ كما في البيت التالي: قدّم النعت، فالبيان، فأَكدْ ... ثم أَبجلْ، واختمْ بعطف الحروف ومن أحكامها أيضًا: ما نصوا عليه من أن التابع لا يفصل بين الموصول وصلته –طبقًا لما تقدم في ج1 م27 ص351 وأنه يصح الفصل بين التابع والمتبوع بفاصل غير أجنبي محض؛ كمعمول الوصف في قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ - عَلَيْنَا - يَسِيرٌ} ومعمول الموصوف في نحو: تعجبني معاونتك ضعيفًا الكبيرةُ. وعامله؛ نحو: المريضَ أكرمت الجريحَ. ومفسر عامله؛ كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ.....} والتقدير: إنْ هلك امرؤ هلك، ومعمول عامل الموصوف؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمُ الْغَيْبِ} ، والمبتدأ الذي يشتمل خبره على الموصوف؛ كقوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، والخبر؛ نحو: الصانع الناجحٌ المخلصُ. والقسم؛ نحو: الولد –والله البارُّ محبوب، وجواب القسم؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، والاعتراض كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} والاستثناء؛ نحو: ماَ عرفت أحدًا إلا الوالدين كاملَ الشفقة. والمضاف إليه؛ نحو: أبو بكرِ الصديقُ أول الخلفاء "ويلاحظ أن النعوت المضاف –ومنه "الكنية" –له حكم خاص لفظي ومعنوي، يجيء في ص444". ولا يجوز فصل المنعوت المبهم –كاسم الإشارة ونحوه– من نعته الذي لا يستغني عنه؛ فلا يقال: أكرمت هذا عليًا النابغَ. والأصل: أكرمت هذا النابغ عليًا، ومثله: الشِّمْرَي العبُور ... ؛ فلا يصح الفصل بين "العبور" ومنعوتها. واسم الموصول –وهو من الأسماء المبهمة –لا يصح الفصل بالنعت بينه وبين صلته، "كما سبق هنا وفي باب: "الموصول"، ج1 م27" فيصح: أبصرت الذي في الحديقة المسرور، ولا يصح: أبصرت الذي المسرور في الحديقة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لا يجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه إذا كان المعطوف متممًا للمعطوف عليه النعت، ولا يستغني المنعوت عنهما معًا، "أي: عن النعت ومعه ما يكله"؛ ففي مثل: إنّ امرأ يتعلم ولا يعمل بعمله خاسر ... لا يصح أن يقال: إن امرأ يتعلم خاسر ولا يعمل بعمله، لأن المعطوف والمعطوف عليه هما جزءان لنعت واحد في المعنى. وكذلك لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله بتابع مطلقًا؛ نعتًا أو غير نعت -"طبقًا لما سبق في رقم 5 من ص216" –وكذلك لا يجوز الفصل بين النعت ومنعوته إذا كان النعت له معنى، ويلازم التبعية في الأغلب، فلا يستقل بنفسه في الاستعمال بغير منعوته: مثل كلمة: "يَقَقٌ" في مثل: "هذا الورق أبيض يَقَقٌ" أي: خالص البياض، وكذا غيره مما يلازم التبعية ... , وليس من اللازم في التابع ولا في المتبوع أن يكون لفظًًا مفردًا فقد يكون مفردًا؛ وقد يكون جملة، أو شبه جملة، على حسب التقييد والتفصيل الموضح في أبواب التوابع الأربعة. ويصح الفصل بين النعت ومنعوته بكلمة: "كان" الزائدة بلفظ الماضي؛ مثل: سميت لزيارة صديق كان مريضٍ –كما سبق في باب كان، ج1-. ومن أمثلة الفصل بين التوكيد والمؤكَّد "بفتح الكاف المشددة" قوله تعالى: { ... وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ، فكلمة: "كل" مرفوعة؛ لأنها توكيد لنون النسوة "الفاعل" وليست توكيدًا للضمير المنصوب المتصل بالفعل: "آتيت" والصحيح عدم جواز الفصل بين التوكيد والمؤكد إذا كان لفظ التوكيد هو كلمة: "كُلّ" التي تليها كلمة: "أجمع" لتقويتها في التوكيد، وما يقع بعد "أجمع" من ألفاظ التوكيد الملحقة التي تساق لتقوية التأكيد –وستجيء في ص517-. كذلك يصح الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بكلمة: "كان" الزائدة بلفظ الماضي، مثل: الصديق الحق مخلص في الشدة كان والرخاء. ويصح الفصل بينهما بالنداء؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا؛ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - رَبَّنَا - وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا - وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} والأصل من غير الفصل بالنداء: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ... } – {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} فجاء النداء –وهو "ربنا" –وفصل بين المتعاطفين مرتين في آخر الآيات. ومن أمثلة الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... } بنصب كلمة: "أرجل"؛ عطفًا على: "وجوه". وهناك حالتان يجب فيهما –طبقًا للأرجح –الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، ستذكران في ص631 وما بعدها "من باب العطف" ومعهما حالتان أخريان يستحسن فيهما الفصل. وأن ماعدا الحالات السالفة يجوز فيه الفصل بشرط ألا يكون الفاصل طويلًا –وفي ص631 البيان-. ومن أمثلة الفصل بين البدل والمبدل منه قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ ... } . وقد أشرنا –في ص435 –إلى أن البصريين لا يجيزون أن يتقدم معمول التابع على المتبوع وخالفهم الكوفيون، فيجيزون أن يقال: حضر طعامك رجل يأكل؛ بنصب كلمة: "طعام" المعمولة =
تعريفه: تابع يُكمل متبوعَه1، أو سببيّ2 المتبوع، بمعنى جديد يناسب السياق، ويحقق الغرض. وأشعر الأغراض الأساسية التي يفيدها النعت ما يأتي3. 1- الإيضاح4 إن كان المتبوع معرفة، كقول شوقي في الرسول عليه السلام:
أَشرَق النورُ في العوالِمِ لَمّا ... بشَّرتْها بأَحمدَ الأَنباءُ اليتيم، الأُمِّيِّ، والبشر الموحَى ... إليه العلومُ والأَسماءُ أَشرفِ المرسلين، آيتُه النطقُ ... مبينًا، وقومُه الفصحاءُ ونحو: فتح مصرَ عَمْرُو بنُ العاص، الصائبُ رَيُه، المحْكمُ تدبيرُه.... فالكلمات التي تحتها خط "فيما سبق" نعوت توضح منعوتها المعرفة. 2- التخصيص1 إن كان المتبوع نكرة؛ كقول الشاعر: بُنيّ، إن البِرَّ شيءٌ هيِّنُ ... وجهٌ طليقٌ، وكلامٌ لَيِّنُ ونحو: كَم من كلمة خفيفة وزنُها، أودت بجماعة وفيرِ عددُها!!.
3- مجرد المدح1؛ كقولهم: من أراد من الملوك والولاة، أن يُسعِد أمته، ويُقوي دولته، فيسلكْ مسالك الخليفة العادلِ عمَر بنِ الخطاب. ونحو: رضي الله عن هذا الخليفةِ الشاملِ عدلُه، الرحيم قلبُه.. 4- مجرد الذم1؛ كقولهم: من أراد من الولاة أن يمَأ النفوس حَنَفًا، والقلوب بُغضًا فليَنْهج نهج والي الأمويين الحجّاج بنِ يوسفَ، الطاغِيَةِ. ونحو: كان الحجاج الواليَ القاسِيَ قلبُه، الطائشَ سيفُه، الجامحَ هواه.... 5- الترحُّم2 نحو: ما ذنب البائسِ الجرِيحِ قلبُه يقسو عليه الزّنيمُ3، والطائر الْمَهيض4 جَناحُهه يعذبه الشِرّير؟ ... 6- التوكيد؛ نحو: كان خالدُ بنُ الوليدِ بضرب خصمه الضَّربة5 الواحدة5 فتقضي عليه. ونحو: أُعْجبتُ بخالد الواحدةِ5 ضَربتُه، القريدةِ6........................ طعنتُه7 ...
7- وقد يتمم النعتُ الفائدةَ الأساسية بالاشتراك مع الخبر. مع أن الأصل في الخبر1 أن يتمم هذه الفائدة وحده. لكنه في بعض الأحيان لا يتممها إلا بمساعدة لفظ آخر كالنعت؛ كقوله تعالى يخاطب المعارضين: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} ، أي: ظالمون. وقوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 2. وقول الشاعر: ونحن أناسٌ لا توسّطَ عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر وقول الآخر: ونحن أناسٌ نحبّ الحديث ... ونَكرهُ ما يوجب المأثَما إذ لا تتحقق الفائدة بأن يقال: أنتم قوم –نحن أناس....؛ لأن هذا معلوم
بداهة من القرائن العامَّة المحيطة بالمتكلم1 ... تقسيم النعت، وحكم كل قسم: 1- ينقسم النعت باعتبار معناه إلى: نعت حقيقي، وإلى نعت سببيّ2. أ- فالحقيقي هو: ما يدل على معنى في نفس منعوتة الأصلي3، أو فيما هو بمنزلته وحكمه المعنوي. وعلامته: أن يشتمل على ضمير مستتر أصالة، أو تحويلًا يعود على ذلك المنعوت. ولبيان هذا نسوق الأمثلة التالية: يقول بعض الشعراء في وصف نوع من حكم الملوك إنه: نكَدٌ خالدٌ، وبؤْسٌ مقيمٌ ... وشقاء يَجِدُّ منه شقاءُ فكلمة: "خالد" نعت حقيقي، منعوتة الأصلي هو: "نكد". وهذا النعت يؤدي معناه في نفس منعوتة الأصلي مباشرة، ويشتمل على ضمير مستتر يعود إليه. وكلمة: "مقيمٌ" نعت حقيقي، ومنعوتة الأصلي هو: بُؤْس" وهذا النعت يؤدي معناه في نفس الأصلي مباشرة، ويشتمل على ضمير مستتر يعود إليه..
وتقول: استمعت إلى خطيب فصيح اللسان، عذبِ البيان، قويِّ الحجة. أو: استمعت إلى خطيب فصيحٍ لسانًا، عذبٍ بيانًا، قويِّ حجةً. فكلمة: "فصيح" نعت حقيقي، والمنعوت هو: خطيب، وليس منعوتًا أصليًّا؛ ولكنه بمنزلة الأصلي وفي حكمه؛ لأن الجملة كانت في أساسها الأول: استمعت إلى خطيب فصيح لسانُه1 ... فالفصيح هو اللسانُ لا الخطيب. لكن جرى على الجملة تَغيير اقتضى أن يتركً الضمير البارز مكانه، وينتقل إلى النعت، ويستتر فيه، ويصير مسندًا إليه2، فاعلًا، ويعرب الاسم الظاهر بعد النعت مضافًا إليه مجرورًا، ويصحّ أن يعرب تمييزًا منصوبًا، إن كان نكرة. أو منصوبًا على التشبيه بالمفعول به إن كان نكرة أو معرفة. وصارت كلمة: "فصيح" –وهي النعت –مشتملة على ضمير مستتر محوَّل3، إليها من مكان آخر، وبسبب انتقال هذا الضمير إلى مكانه الجديد صار النعت يدل على معنى يدل على معنى في المنعوت بعد أن كان يدل على معنى في شيء آخر له صلة بالمنعوت. فالمنعوت في الحالة الجديدة صار منعوتًا بعد تحويل وإسناد جديدين. حين تَمَّا اتجه المعنى إليه، مع أنه ليس المقصود في الحقيقة بالنعت. لكن الصلة بين هذا النعت والاسم الظاهر بعده قوية، ومن أجلها كان النعت بمنزلة الاسم الظاهر، وفي حكمه المعنوي. ومثل هذا يقال: في عذب البيان، وقوي الحجة..
حكم النعت الحقيقي: الأغلب مطابقته للمنعوت1 وجوباً في: التذكير والتأنيث، وفي التعريف والتنكير، وفي الإفراد وفروعه، وفي حركات الإعراب الثلاث. نحو: هذا خطيبٌ فصيحٌ –هذان خطيبان فصيحان –هؤلاء خطباء فصحاء –هذه الخطيبة فصيحة –هاتان خطيبتان فصيحتان.... هؤلاء خطيبات فصيحات ... وكذا الباقي. وبناء على هذا الأغلب لا بد أن يطابق النعت الحقيقي منعوته في أربعة2 أمور تجتمع فيه من العشرة السالفة3، وأن يكون رافعاً ضمير الموصوف، أصالة أو تحويلاً. بالطريقة التي شرحناها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يكون المنعوت كُنية. وقد أوضحنا –فيما تقدم1 –أن تركيبها إضافي ولكنها معدودة من قسم العَلَم الذي معناه إفراديّ؛ فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفردة على معنى يتصل بالعَلمية. فإذا وقع بعدها تابع –كالنعت في قولنا: جاء أبو عليّ الشجاعُ –فإن النعت وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتاً لأحدهما دون الثاني، وإلا فسد المعنى. ولكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده؛ فلفظه تابع في حركة إعرابه للمضاف، وأما معناه فواقع على المضاف والمضاف إليه1 معا. وهذا الحكم يسري على النعت بنوعيه؛ الحقيقي والسببي –وستجيء له إشارة في السببي، في رقم2 من هامش ص452. وكذلك يسري على العطف؛ "طبقا لما سيجيء في بابه. رقم9 من ص661". وعلى التوكيد "كما في ب ص507". وعلى البدل "كما في رقم3 من هامش ص666". ب- هناك منعوتان معارف تقتضي أن يكون نعتها معرفة أيضا، ولكن من نوع معين من المعارف لا يصلح لها غيره، مثل كلمة: أيّ، وأيَّة" عند ندائهما؛ فإنهما يتعرفان بالنداء، ولا يصوفان إلا باسم معرف "بأل" أو باسم موصول، أو باسم إشارة مجرد من كاف الخطاب؛ نحو: يا أيها الوفيّ ما أنبلك –يا أيتها التي أحسنت ... - يأيهذا الوفيْ ... ومثل اسم الإشارة، فإنه لا يوصف مطلقاً –منادى وغير منادى –إلا بمعرفة، مبدوءة "بأل"؛ نحو: يا هذا الناقد تَلَطفْ. - وسيجيء تفصيل الحكم في باب النداء ج4 ص36 و37 م131 2..-.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- يستثنى من المطابقة الحتمية أمور: منها: بعض ألفاظ مسموعة1 لا مطابقة فيها في الجمع؛ فالنعتْ جمع، والمنعوت مفرد؛ منها قولهم: هذا ثوبٌ أخلاقٌ –وبُرْمةٌ أعشارٌ –ونطفةٌ أمْشاجٌ2.... و.... ومنها: ألفاظ التي تلزم –في الأغلب –صيغة واحدة في التذكير والتأنيث،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كصيغة: "فَعُول" بمعنى: "فاعل"؛ مثل صَبور؛ بمعنى: صابر: فهذه الصيغة –في الأغلب –لا تلحقها علامة تأنيث، وإنما تلازم التذكير؛ إفراداً، وتثنية، وجمعاً –بالشروط والتفصيلات الآتية في باب "التأنيث1" –تقول: هذه فتاة صبور –هذان رجلان صبوران –هاتان فتاتان صبوران، هؤلاء رجال صُبُرٌ –وفتيات صُبُرٌ. ومن تلك الألفاظ: المصادرُ التي تقع نعتاً، ويغلب عليها الإفراد والتذكير؛ طبقاً للبيان الخاص بها، وسيجيء 2.... ومنْها: أن يكون المنعوت جمع مذكر غير عاقل3؛ فيجوز في نعته
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقيقي أن يكون مفرداً مؤنثاً، وجمع مؤنث سالماً، وجمع تكسير للمؤنث، كما يجوز أن يكون جمع تكسير للمذكر، إن لاحظنا في المنعوت مفرده المذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير العاقل، نحو: اقتنيت الكتب الغالية، أو: اقتنيت الكتب الغاليات، أو الغوالي. ومثل: اقتنيت الكتب الأحاسن، جمع الأحسن1 ... ومنها: أن يكون المنعوت "اسم جنس جميعاً" يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة الدالة على الوحدة؛ مثل: تفَّاح وتفاحة؛ فيجوز في صفته –كما سبق عند تفصيل الكلام عليه2 –إما الإفراد مع التذكير على اعتبار
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ؛ لأنه جنس، أو الإفراد مع التأنيث على تأويل معنى الجماعة؛ نحو قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} ، وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالماً؛ نحو قوله تعالى: {السَّحَابَ الثِّقَالَ} وقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} ... ومثل النعت فيما تقدم: الخبر، والإشارة إليه، والضمير العائد عليه ... هذا، ولا يصح أن يفرق بين مذكره ومؤنثه بالتاء المربوطة للتأنيث؛ فلا يقال –في الغالب –للمفردة المؤنثة: حمامة –بطة –شاة.... ولا يقال للمفر المذكر: حمام –بط –شاء ... منعاً للالتباس في كل ذلك، وإنما يلزم مفرده صورة واحدة في التأنيث والتذكير يجيء بعدها النعت الدال على النوع؛ فيقال: حمامة أنثى وحمامة ذَكَر ... و.... ومنها: أن يكون المنعوت معرفاً بأل "الجنسية"1؛ فيجوز نعته بالنكرة المختصة2؛ "لتقارب درجتهما" أو بما يقوم مقامها؛ وهو الجملة3.... ومن الأمثلة قولهم: ما ينبغي للرجل مثلك أن يفعل كذا؛ ... لأن كلمة: "مثل" لا تتعرف إلا بالطريقة الموضحة فيما سلف4. وكقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، فالجملة: نسلخ المكونة من المضارع وفاعله –تصلُح صفة5 والموصوف هو: "الليل" المعرف "بأل" الجنسية. ومثل جملة "سيبّ"5 في قول الشاعر: ولقد أَمُرُّ على اللَّئِيم يسبني ... فأعِفّ. ثم أقول لا يعنيني ومنها: النعت إذا كان اسم عدد، وكان منعوته في الأصل6 معدوداً محذوفا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مذكورًا؛ فالمحذوف نحو: اشتريت عدة كتب، قرأت منها هذا الأسبوع ثلاثًا أو ثلاثة؛ فيجوز في النعت أن تلحقه تاء تأنيث وأن يتجرد منها؛ أي: كتبًا ثلاثًا، أو ثلاثة1، ومثال المذكور: قرأت كتبًا ثلاثًا أو ثلاثة. ومنها: النعت إذا كان منعوته تمييزًا مفردًا لأحد الأعداد المركبة، أو: العقود، أو: المعطوفة؛ فيجوز في النعت الإفراد، مراعاة للفظ المنعوت "التمييز" كما يجوز فيه الجمع؛ مراعاة لمعنى المنعوت فإنه يتضمن اسم العدد؛ تقول: هنا خمسة عَشَرَ رجلًا عالمًا، أو علماء، وعشرون طالبًا ذكيًّا، أو أذكياء، وثلاثة وعشرون كاتبًا، أو كتبة2. ومنها: أفعل التفضيل إذا كان مجردًا من "أل" والإضافة، أو كان مضافًا لنكرة؛ فإنه في هاتين الصورتين يلتزم الإفراد والتذكير –بالإيضاح الذي سبق في بابه3: استمعت لخطيب أفصحَ من غيره –لِخطيبين أفصحَ من غيرهما– لِخطباء أفصحَ من غيرهن؛ كما تقول: استعمت لخطيب أفصح خطيبِ، لخطيبة أفصح خطيبة.... وكذلك باقي الصور من غير تغيير في كلمة "أفصح" التي هي النعت واجب الإفراد والتذكير مهما كان المنعوت، بشرط مراعاة الإيضاح المشار إليه4.... ومنها: أن يكون المنعوت منادى نكرة مقصودة؛ فيجوز في نعته أن يكون معرفة أو نكرة؛ بالتفصيل الذي سبق في مكانه5. د- قد يكون النعت مجرورًا لمجاورته لفظًا مجرورًا، لا لمتابعة المنعوت ويذكرون لها مثالًا كثر ترديده حتى ابْتُذِلَ، وهو: "هذا حجْرُ ضبِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَرِبٍ". يعربون كلمة: "خَرِب" صفة "لَجُحْر"، لا لضب؛ كي لا يفسد المعنى، ويجرّون النعت تبعًا للفظ: "ضبّ" الذي يجاوره. وقد أوَّلوه تأويلات أشهرها: أن الأصل: هذا حجرُ ضبٍّ خَرِب" ثم طرا حذف وغير حذف ... ، ويطيلون الكلام والجدل. والحق أن هذا النوع الغريب من الضبط بسبب "المجاورة" والنوع الآخر الذي سببه: "التوهم" جديران لالإهمال، وعدم القياس عليهما، بل عدم الالتفات إليهما مطلقًا –كما قال بعض المحققين ممن سجلَّنا رأيهم-. وقد أشرنا إلى هذا مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب1. هـ- تقدم أن المطابقة الواجبة بين "النعت الحقيقي" ومنعوته تشمل الإفراد وفروعه التي هي: "التثنية والجمع". والمراد هنا: التثنية والجمع الاصطلاحيَّان عند النحاة؛ بأن يكون المثنى مختومًا "بالألف والنون"؛ أو بالياء والنون، ويسمى "جمع المذكر غير المفرق" أيضًا أما المثنى المفرَّق" أيضًا أما المثنى المفرَّق، مثل: محمد –ومحمد– العاقل والعاقل، وجمع المذكر المفرق، مثل: محمد ومحمد ومحمد، العاقل والعاقل والعاقل، فلهما حكم آخر؛ يجيء الكلام عليه عند تعدد النعت2 ... ويدخل في حكم المفرد كل اسم دالّ على مفرد حقيقة، ولفظه على صورة المثنى، أو الجمع، مثل الأعلام، حمدان، محمدَيْن، خلْدون، سعادات، مكارم ... فيجب في النعت أن يطابقه في الإفراد. أي: أنه إذا سمي بالمثنى أو بالجمع فالمسمى مفرد في معناه، ويجب أن يكون نعته الحقيقي مفردًا مثله.
ب- والنعت السببيّ: هو الذي يدل على معنى في شيء بعده، له صلة وارتباط بالمنعوت؛ نحو: هذا بيت متسعٌ أرجاؤُه، نظيفةٌ غرفُه، بديعةٌ فُرُشُهُ. وعلامته: أن يذكَر بعده اسم ظاهر –غالبًا1 –مرفوع به، مشتمل على ضمير يعود على المنعوت مباشرة، ويَربِط بينه وبين هذا الاسم الظاهر الذي ينصَبّ عليه معنى النعت. كما في الأمثلة السالفة ... "متَّسع ... -نظيفة ... -بديعة ... ". وحكمهُ: أنه يطابق المنعوت في أمرين معًا: 1- حركة الإعراب، -ومت ينوب عنها -. ويطابق سبَبِيَّه في أمر واحد؛ هو: التذكير؛ والتأنيث. وحكم النعت في هذا التذكير والتأنيث حُكم الذي يصح أن يحل محله ويكون بمعناه؛ فإذا أمكن أن يوضع مكان النعت فعل بمعناه مسْند للسببي، وصحّ في هذا الفعل التأنيث والتذكير، أو وجب أحدهما- كان حكم النعت كذلك2. أما من جهة إفراد النعت السببيّ، وتثنيته، وجمعه: أ- فيجب إفراده إن كان السببي غير جمع، بأن كان مفردًا، أو مثنى؛ إذ لا تتصل بالنعت السببي علامة تثنية؛ فحكمه في هذا أيضًا كحكم الفعل الذي يصلح لأن يحل محله. ففي مثل: "يعجبني الحقل الناضر زرعُه"؛ ... يجب في كلمة "الناضر"
الرفع؛ تبعًا للمنعوت1 وهو: "الحقل"؛ كما يجب فيها التعريف تبعًا له أيضًا. ولو كان المثال: "يعجبني حقلٌ.."؛ لوجب أن يقال في النعت؛ ناضرٌ زرعُهُ؛ بارلفع، وبالتنكير؛ تبعًا للمنعوت. وفي مثل: "هذا رجل عاقلة أخته، وهذه فتاة محسنة أختها" يجب1 الإفراد والتأنيث فيهما؛ مراعاة للسببي2؛ بالرغم من أن كلمة: "عاقلة" هي نعت لرجل؛ المذكر. إذ لو حل مكان النعت فعل لوجب تأنيثه3؛ فنقول: هذا رجل عقَلَتْ أخته، هذه فتاة أحسنت أختها. ويجب التذكير والإفراد في مثل: هذا رجلٌ محسن أخوه، وهذه فتاة محسنٌ أخوها، وبالرّغم من أن كلمة: "محسن" الثانية. هي نعت، للفتاة، لأنه لو حل الفعل محل النعْت لوجب تذكيره، فنقول: هذا رجل أحسن أخوه، هذه فتاة أحسَن أخوَها. أمَّا في مثل: هذا حقل ناضر زروعه ... فيصح ناضر، أو ناضرة؛ لأنه لو حل مكان النعت فعْلٌ لقلنا: هذا حقل نَضَرتْ زروعُه، أو نضَر زروعُه؛ بوجود علامة التأنيث أو بعدمها. ونقول عند إفراد السببي وتثنيته: هذا زميل مجاهد أبوه، هذان زميلان مجاهدٌ أبواهما، هذه زميلة مجاهدٌ أبوها، هاتان زميلتان مجاهدٌ أبواهما.... فلا يتصل بالنعت علامة تثنية؛ إذ الفعل الصالح لأن يحل محله لا يصح أ، يتصل به –لي الأغلب– علامة تثنية. وهكذا يكون إحلال الفعل محل النعت السببي، وإسناده للسببي –مرشدًا إلى الطريقة التي تراعى في النعت من جهة تذكيره، وتأنيثه، وإفراده؛ تبعًا للسببي المذكر أو المؤنث، المفرد أو المثنى. ب- فإن كان السببي مجموعًا جمع تكسير جاز في النعت أمران؛ إما إفراده، وإمَّا مطابقته للسببي، نحو: هؤلاءِ زملاءُ كرامٌ آباؤهم، أو: هؤلاءِ
زملاءُ كريمٌ آباؤهم. فإن كان مجموعًا جمع مذكر سالمًا، أو: جمع مؤنث سالمًا فالأفصح إفراد النعت وعدم جمعه1، نحو: هؤلاء زملاءُ كريم والدوهم، هؤلاء زميلات كريمة والداتهن ... أما تعريف النعت أو تنكيره، وحركة إعرابه وما يتوب عنها –فيتْبع في هذا كله المنعوت من غير تردد ,-كما أسلفنا-. وملخص ما سبق: أ- انقسام النعت باعتبار معناه إلى قسمين: حقيقي وسببي. ب- النعت الحقيقي هو: كل ما يدل على معنى في نفس متبوعه الأصلي، أو فيما هو في حكمه. وإن شئت قفل: هو ما أسند إلى ضمير مستتر أصالة أو تحويلًا، يعود إلى المنعوت. وحكمه: أن يَتْبع المنعوت في أربعة أشياء: 1- حركات الإعراب، -وما ينوب عنها-. 2- الإفراد وفروعه. 3- التعريف والتنكير. 4- الذكير والتأنيث ... ج- النعت السببي: ما رفع اسمًا ظاهرًا –في الغالب– يقع عليه معنى النعت، وبه ضمير يعود على المنعوت مباشرة. وحكمه: أن يُتْبع المنعوت في أمرين محتومين؛ هما: حركات الإعراب –وما ينوب عنها، والتعريف والتنكير ... أما التذكير والتأنيث فيتْبع فيهما السببي؛ وجوبًا في بعض حالات، وجوازًا في غيرها2. وأما التثنية فلا يثنى. وأما الجمع فيجوز جمعه وإفراده في كل الحالات تبعًا للسببي، ومطابقةً له.
إلا أن الإفراد أفصح وأقوى1 حين يكون السببي جمع مؤنث سالمًا أو جمع مذكر سالمًا. د- فحكم النعت بنوعيه من جهة المطابقة وعدمها هو: المطابقة الحتمية في أمرين: أحدهما: حركات الإعراب –وما ينوب عنها-,والآخر: التعريف والتنكير. أما التذكير والتأنيث فحكمه فيهما حكم الفعل الذي يصلح أن يحل محله. وأما الإفراد وفروعه، فالحقيقي يطابق فيها جميعًا. والسببي يطابق –حتمًا– في الإفراد، ولا يصح أن يطابق في التثنية. ويجوز في جمع التكسير المطابقة وعدمها وأما في غيره فالأحسن الإفراد2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ينقسم النعت باعتبار معناه أيضًا إلى ما يأتي: 1- نعت تأسيسي، "أو: مؤسِّس" وهو الذي يدل على معنى جديد لا يفهم من الجملة بغير وجوده، نحو؛ راقني الخطيب الشاعر. فكلمة: "الشاعر" نعت أفاد معنى جديدًا لا يستفاد إلا من ذكرها. 2- نعت تأكيد "أو: مؤكِّد"؛ وهو الذي يدل على معنى يفهم من الجملة بدون وجوده، نحو: تخيرت من الأطباء النِّطاشيَّ البارعَ. فالبارع نعت مفهوم المعنى من كلمة: "النطاسِيّ" التي بمعناه، ومن الجملة قبله أيضًا؛ لأن التخير، لا يكون –في الأغلب– إلا للبارع. 3- نعت التوطئة، أو التمهيد؛ بأن يكون النعت جامدًا, وغير مقصود لذاته، والمقصود هو ما بعده، وإنما ذكر السابق ليكون توطئة وتمهيدًا لنعت مشتق بعده يتجه القصد له، نحو: استعنت بأخ أخٍ مخلصٍ. فكلمة: "أخ" الثانية نعت غير مقصود لذات، وإنما المقصود هو المشتق الذي يليه، ولذا يسمى النعت الجامد هذا بالنعت المُوَطِّئ1 كما سلف هنا. وسبقت له الإشارة
........................................................................................................................................ في ج1 باب: "لا" وستجيء في رقم6 من ص445.
2- تقسيم النعت باعتبار لفظه: أ- الأشياء القياسية التي تصلح أن تكون نعتاً مفرداً1 هي: الأسماء المشتقة1 العاملة، أو ما في معناها2. "والمقصود بالعاملة: اسم فاعل –صيغ المبالغة –الصفة المشبهة –اسم المفعول3 –أفعل التفضيل. أما غير العاملة –كاسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة –فلا تقع نعتاً". والمقصود بما في معناها: كل الأسماء الجامدة التي تشبه المشتق في دلالتها على معناه، والتي تسمى: الأسماء المشتقة تأويلاً. فإنَّها تقع نعتاً أيضا. وأشهرها: 1- أسماء الإشارة غير المكانية؛ مثل: "هذا" وفروعه، وهي معارف فلا تقع نعتاً إلا للمعرفة؛ نحو: استعمت إلى الناصح هذا. أي: إلى الناصح المشار إليه؛ فهي تؤدي المعنى الذي يؤديه المشتق4. أما أسماء الإشارة المكانية "مثل: هُنا -ثَمَّ".... فظروف مكان، لا تقع بنفسها نعتاً؛ لأن مهمتها تختلف عن مهمة النعت: ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت: مثل: أسرع العطاش إلى ماء هنا، أي: موجود هنا، أي: موجود هنا –أو نحو هذا التقدير –ومن التيسير المقبول أن يقال للاختصار: "الظرف النعت" ... كما سبق إيضاح هذا في مواضع مختلفة5 ... 2- ذو، المضافة6، بمعنى: صاحب كذا –فهي تؤدي ما يؤديه المشتق
من المعنى. "وتكون نعتاً للنكرة"1؛ نحو: أنِست بصحبة عالم ذي خلق كريم، ومثل "ذو" فروعها: "ذوَا ... -ذوُو ... -ذوِي ... -ذات –ذاتا –ذوات ... ". 3- الموصولات الاسمية المبدوءة بهمزة وصْل؛ مثل: الذي –التي – اللائي ... و ... ، بخلاف: "أيّ" الموصولة2. أما "مَنْ"، و "ما" ففي النعت بهما خلاف، والصحيح جوازه –كما سيجيء3 –ولما كانت الموصولات مَعْرفة وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الأمثلة: الضعيف الذي يحترس من عدوه، أقرب إلى السلامة من القويّ الذي ينخدع، أو يستهين. والتأويل: الضعيف المحترس من عدوه، أقرب إلى السلامة من القوي المنخدع ... فمعناها معنى المشتق ... 4- الاسم الجامد الدالّ على النسب قَصْداً4. وأشهر صُوَره أن يكون في آخرة ياء النسب، أو: أن يكون على صيغة: "فَعَّال"، أو غيرها من الصيغ5 الدالة على الانتساب قصداً كما تدل ياء النسب، فهو يؤدي المعنى الذي يؤديه لفظ: "المنسوب لكذا"، نحو: ألُمحُ في وجه الرجل العربيّ كثيراً من أمارات الصراحة، والشجاعة، والكفاح. أي: المنسوب إلى العرب. ومثل: اشتهر الرجل اليوناني بالنشاط والهجرة إلى حيث يتسع الرزق أمامه، وفي بلادنا
جماعة منهم تمارس الحِرَف والصناعات المختلفة. فتجد بينهم التاجر، والبقَّال، واللَّبان، والنجار، والحداد، ... و.... أي: المنسوب للتجارة، والبقل، واللبن، والنَّجْر "النِّجارة"، والحديد.... وإنما ينسب إليها لأنه يلازم العمل فيها والتفرغ لها1 ... وهذا النوع من الأسماء الجامدة يصلح نعتًا للنكرة وللمعرفة؛ ولا بد أن يطابقهما تنكيرًا، وتعريفًا. تقول: ألمحُ في وجه الرجلِ العربيِّ النبلَ ... أو: ألمح في وجه رجل عربي النبلَ-. 5- المصغر: لأنه يتضمن وصفًا في المعنى؛ فهو في هذا كالنسب، ومن ثَمّ يلحقان بالمشتق، نحو: هذا طفلٌ رَجَيْلٌ، في المدح، وهذا رَجلٌ طُفيْلٌ، في الذم. 6- الاسم الجامد المنعوت بالمشتق: نحو: اقتديت برجلٍ رجلٍ شريفٍ وهذا النوع من النعت هو المسمى "بالنعت هو المسمى "بالنعت الموطِّئ -,وقد سبق إيضاحه2– ومنه قولهم الوارد عنهم: ألا ماءَ ماءً باردًا ... 7- المصدر: بشرط أن يكون منكرًا3، صريحا4، غير ميميّ، وغير دال على الطَلب5، وان يكون ثلاثيًا، وأن يلتزم صيغته الأصلية من ناحية
الإفراد والتذكير وفروعهما؛ "والأغلب أن تكون صيغته ملازمة الإفراد والتذكير، فإن كانت كذلك في أصلها لم يجز تثنيتها، ولا جمعها، ولا تأنيثها، ولا إخراجها عن وزنها الأول1" ... تقول: رأيت في المحكمة قاضيًا عدْلًا، وشهودًا صدْقًا، ونظامًا رِضًا، وجموعًا زَوْرًا2 بين المتقاضين ... تريد: قاضيًا عادلًا، وشهودًا صادقين، ونظامًا مرضيًّا، وجموعًا زائرة بين المتقاضين.... فالمعنى على تأويل المصدر باسم مشتق كالسابق، ويصح أن يكون على تقدير مضاف محذوف هو النعت، ثم حُذف وحلّ المصدر محله، وأعرب نعْتًا مكانه. والأصل: قاضيًا صاحبَ عدل –شهودًا أصحابٌ صدق– نظامًا داعيَ رضا– جموعًا أصحاب زَوْر، "أي: أصحاب زيارة"، والداعي للنعت بالمصدر مباشرة وترك المشتق، أو المضاف المحذوف على الوجه السالف أن النعت بالمصدر أبلغ وأقوى؛ لما فيه من جعل المنعوت هو النعت. أي: هو نفس المعنى؛ مبالغة. وقد اختلف رأي النحاة في وقوع المصدر نعتًا؛ أقياسيّ هو أم مقصُور على السماع؟ وأكثرهم يميل إلى قصره على السماع، مع اعترافهم بكثرته في الكلام العربي الفصيح3، وأنه أبلغ في أداء الغرض من المشتق4. وهذا الاعتراف
بالكثرة1 يناقض أنه مقصور على السماع. فالأحسن الأخذ بالرأي الصائب الذي يجعله قاسيًا2 –بشروطه– ولا خوف من اللبس المعنوي أو خفاء المراد؛ لأن القرائن والسياق يزيلان هذا كله، ويبقى للنعت بالمصدر مزيته السالفة التي انفرد بها دون المشتق. 8- اسم المصدر إذا كان على وزن من أوزان مصدر الثلاثي؛ ككلمة "فِطْر" اسم مصدر للفعل: "أفطر"، وهي بمعنى: مُفْطرٍ، أو صاحب إفطار: تقول: هذا رجلٌ فِطْرٌ، ورجلان فِطْرٌ، ورجالٌ فِطْرٌ ... 9- العدد، نحو: قرأت كتبًا سبعةً، وكتبت صحفًا خمسة3. 10- بعض ألفاظ أخرى جامدة مؤولة بالمشتق, معناها بلوغ الغاية في
الكمال أو النقص، كلفظة: ,كُلّ"1 مثل: عرفت العالِمَ كُلَّ العالمِ. و.... 11- الجامد الذي يدل دلالة الصفة المشبهة مع قبوله التأويل بالمشتق2 ومن أمثلته: فلانٌ رجلٌ فَراشةُ الحلِم، فِرْعَونُ العذابِ، غِربالُ الإِهاب. فكلمة: فراشة، وفرْعون، وغربال.... تعرب نعتًا بالمشتق؛ لأنها بمعنى: أحمق، وقاسٍ، وحقير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سبق1 أن المصدر يقع نعتًا بشرط أن يكون منكرًا.... و.... و.... لكن ورد في الأساليب المسموعة وقوع المصدر نعتًا مع أنه مبدوء بأل المعرّفة، أو مضاف لمعرفة. ومن الأول كلمة: "الحق"2 في مثل قول الشاعر: إن أخاك الحقَّ من يسعى معكْ ... ومن يضرّ نفسه لينفعكْ ومن الثاني قولهم: مررت برجل حسبِك3 من رجل، أو شَرْعِك من رجل، "وهما مصدران بمعنى: كافيك ... " أو: همِّك من رجل، "بمعنى: مُهمك"، أو: نحْوِك من رجل "بمعنى: ماثلك ومَشابهك" فهذه المصادر كان حقها أن تتعرف بأل، وأن تكتسب التعريف من المضاف إليه، ولكنها لم تتعرف4؛ بسبب أنها بمعنى المشتق الذي لا يستفيد التعريف، وقد سبق التفصيل في أول باب الإضافة5-0 ومن الأمثلة لهذا المشتق الذي لا يكتسب التعريف قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ} ، فقد وصِف "عارض" بكلمة: "ممطر" المضافة إلى الضمير؛ فلم تكتسب منه التعريف، إذ لو اكتسبت منه التعريف لم يصح وقوعها نعتًا للنكرة: "عارض" وكقول الشاعر: يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يطلبكمْ ... لاقَى مباعدةً منكم وحرمانًا فقد دَخَلت "رب" على اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، ودخلوها عليه دليل على أنه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأن "رب" لا تدخل –في الأغلب–
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا على النكرات، ومثل قول امرئ القيس في وصف حصانه: وقد اغتدى والطيرُ وكُناتها ... بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الأَوابدِ، هَيْكل "ففَيْد" مضاف لمعرفة. ولم يكتسب منها التعريف؛ بدليل وصف النكرة "منجرد" به1.... ب- كذلك ورد في الأساليب المسموعة بعض أمثلة وقع النعت فيها من أنواع غير التي سلفت، كأنْ يكون مصدرًا لغير الثلاثي؛ نحو: الحازم لا يعالج الأمر عِلاجًا ارتجالًا، أو دالًا على المقدار، نحو: اشتريت من الفاكهة الخمس الأققَ، أو دالًا على جنس الشيء المصنوع، نحو: لبست الثوبَ الحريرَ، أو دالًا على بعض الأعيان التي يمكن تأويلها، نحو: حصدتَ الحقل القمح. أي: المزروع قمحًا، والأحسن الأخذ بالرأي السديد الذي يمنع القياس على هذه الأشياء؛ ضبطًا للأمور؛ ومنعًا للخلط بينها وبين غيرها مما ليس نعتًا. ج- 1- من الأسماء ما يصلح أن يكون: "نعتًا" في بعض الأساليب؛ لاستيفائه شروط النعت، و"منعوتًا" في أخرى؛ لاستيفائه شروط المنعوت كذلك، فحكمه مختلف على حسب الدواعي الإعرابية: كأسماء الإشارة؛ نحو: احتفيت بالمصلح هذا، أو: بهذا المصلح. غير أنّ اسم الإشارة ... -المنادى أو غير المنادى لا يصح وصفه باسم إشارة2. واسم الإشارة معرفة؛ فلا يكون نعتًا إلا للمعرفة؛ وإذا وقع منعوتًا وجب أن يكون نعته مقرونًا بأل، "والأحسن أن يكون هذا المقْرون مشتقًا؛ فإن كان جامدًا فالأفضل اعتباره بدلًا4 أو عطف بيان". ووجب أيضًا أن يطابق منعوته في الإفراد والتذكير وفروعهما مع عدم تفريق النعوت1، وألاّ يُفصَل منه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلقًا1، وألا يُقطع2 منه في إعرابه3. ومن هذه الأسماء الصالحة للأمرين أسماء الموصولات ... حتى "مَنْ" و"ما" في الرأي الصحيح4، نحو: وقف مَنْ خَطَب الفصيحُ، واستمع الحاضرون إلى الرائع ما قيل". 2- ومن الأسماء ما لا يصلح أن يكون نعتًا، ولا منعوتًا؛ كالضمير، والمصدر الدال على الطلب5؛ "نحو: سعيًا في الخير، بمعنى: اسْع في الخير"، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام6، كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، "كم" الخبرية، "ما" التعجبية، وكلمة: الآن الظرفية، وكثير من الظروف المبهمة، مثل: قبل، وبعد....، ويستثنى من الأسماء المتوغلة في الإبهام بعض ألفاظ تقع نعتًا؛ منها: غير، وسوى ... و"من" النكرتان التَّامتان. 3- ومنها: ما يصلح أن يكون منعوتًا، ولا يصلح أن يكون نعتًا، كالعَلَم، مثل: إبراهيم، عليّ، فاطمة ... وكالأجناس الباقية على دلالتها الأصلية، كرجل7، ونمر، وقيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- ومنها ما يصلح أن يكون نعتًا، ولا يصلح أن يكون منعوتًا؛ وهي ألفاظ مضافة، معناها الدلالة على بلوغ الغاية في معنى المضاف إليه. ومن أشهرها: "كُلّ"1؛ نحو: أنت الأمين كلُّ الأمين، وذاك هو الخائن كلُّ الخائن، بمعنى: المتناهي في الأمانة، أو الخيانة، ومثل قول الشاعر: ليس الفتى كلُّ الفتى ... إلا الفتى في أَدبهْ قول الآخر: إن ابتداء العُرْف2 مجد سابق ... والمجد كلُّ المجد في استمامهِ والفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه أن يكون المضاف إليه اسمًا ظاهرًا، نكرة أو معرفة، على حسب المنعوت، وأن يكون هذا الاسم الظاهر مماثلًا للمنعوت في لفظه ومعناه معًا –وهذا هو الأغلب– أو مماثلًا لشيء له صلة معنوية قوية به، فمثال الأول قول الشاعر: كم قد ذكرتك لو أُجْزَى بذكركمو ... يا أَشبه الناس كلِّ الناس بالقمر فكلمة: "كل" نعت للناس. ومثال الثاني قول الآخر: وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه ... محا الذنب كلَّ المحو من جاءَ تائبًا فكلمة "كلّ" الثانية نعت لذنب. وإذا وقعت كلمة: "كل" نعتًا صارت من الجامد المؤول بالمشتق، وصار معناها: "الكامل" في كذا، وهو معنى يختلف عن معناها الآتي في التوكيد3-.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: جِدّ، وحَقّ؛ نحو: سمعنا من الخطباء كلامًا بليغًا جدًَ بليغ، وأصغينا لهم إصغاءً حقَّ إصغاءٍ1. ومنها: "أيّ"2 بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، وكذلك المضاف إليه، نحو: الذي بنى الهرمَ الأكبر عظيمٌ أيُّ عظيم. وقد سبق3 بيان رأي آخر حاسم لا يشترط هذا، وأوضحنا هناك بإسهاب ما يشترط لوقوعها نعتًا، وما تؤديه حينئذ من المعنى الدقيق، ورأي النحاة في عدم حذف منعوته، أو في صحة حذفه. ومما يصلح نعتًا ولا يصح منعوتًا الاسم المعرَب "بأل العهدية"4 لأنه يشبه الضمير، ويقع موقعه؛ نحو: أكرمت عالمًا تَقيًّا فَنفَعني العَالِم. والتقدير: فنفعني ... ، والفاعل ضمير مستتر، فكلمة "العَالم" الثانية حلَّت محل الضمير الفاعل المستتر5 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ملاحظة": الأتباع –بفتح الهمزة-1: نرى في بعض الأساليب الواردة عن العرب كلمة زائدة، لا تنفرد بنفسها في جملة، دون أن تسبقها –مباشرة في هذه الجملة كلمة أخرى مسموعة2 تماثلها في وزنها، وفي أكثر حروفها الهجائية "أي: أنه ليس لهذه الكلمة المتأخرة الزائدة، المسموعة في الأسلوب الوارد استقلالٌ بنفسها في جملة ما، ولا استغناءٌ عن كلمة سابقة توافقها في وزنها وفي أكثر حروفها". وأيضًا ليس لهذه الكلمة الزائدة المسموعة2 معنى تَجلبه، ولا حُكم إعرابيّ خاصّ بها3 تُوصف معه بأنها مبتدأ، أو فاعل، أو نعت، أو مفعول، أو غير ذلك..، أو أنها معربة أو مبنية؛ فهي –لكل ما تقدم –خارجة عن نطاق الاستقلال بنفسها، وصوغها، خالية في معنى لغويّ تؤديه، وبعيدة من الاتّصاف بالإعراب أو البناء، أو التأثر بالعوامل. وإنما تزاد لمجرد التلميح، أو السخرية، أو المدح، أو محض التَّصويت والتنغيم. وتسمَّى هذه الكلمة الزائدة الواردة في الأسلوب السّماعيّ هي ونظائرها: "الأَتباع" –بفتح الهمزة –جمع: "تَبَع" –بمعنى التابع4– ويراد به: كل لفظ مسموع، لا يستقل بنفسه في جملة، وإنما يجيء بعد كلمة تسبقه مباشرة "بغير فاصل" فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، ويماثلها في أكثر حروفها، دون أنْ يكون له معنى خاص ينفرد به في هذه الجملة، ولا نصيبٌ في الإعراب أو البناء؛ مثل "بَسَن" في قولهم: "محمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسَنٌ بَسَنٌ". ومثل: "نَيْطان، ونِفْريت" في قولهم، اللصّ شيطانٌ نَيْطانٌ، أو: اللصّ عِفريتٌ نِفريتٌ ... وعند إعراب هذا اللفظ الزائد نقول: إنه تابع للكلمة التي قبله مباشرة، أي: من أتباعها في الوزن، وضبط الآخر، والمشاركة في معظم الحروف الهجائية، دون أن يكون لهذه التبعية العارضة بوصفها السالف علاقة بالتوابع الأصلية الأربعة المعروفة "وهي: النعت، التوكيد، العطف بنوعيه، البدل" كما سبقت الإشارة1؛ إذ لا يجري شيء من أوصاف هذه التوابع الأربعة الأصلية وأحكامها على التابع العارض المذكور فيما سبق؛ حيث يقتصر حكمه على أمر واحد, هو: أنه مثل الكلمة التي قبله مباشرة في وزنها، وأكثر حروفها، وضبط آخرها، دون بقية أحكامها النحوية، أو غير النحوية2....
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبَظِيتْ من "الإتباع" عند المصنف مع وجود الواو؛ لأن "بَظِيتْ" لا معنى لها وحدها، ولا تجيء في الكلام وحدها وإنما تجيء أبدًا تابعة لفعل: "حَظِيَتْ"؛ ولإتباعها كانت من "الإتباع" ومنه: "أقبل الحاجّ والداجّ" فهو من الإتباع عند شيخنا الحلبي –المصنف– مع وجود الواو: لأن "الداج" مع وجود الواو من الإتباع؛ إذ لا ثلة بين الحج والدّجّ، ولا يفرد عند التكلم فلا يقال: "أقبل الداجّ" وإنما يقال: "أقبل الحاجّ والداجّ" فهي تابعة أبدًا. "ومن أقوال المصنف تعليقًا على أمثلة "الإتباع والتوكيد" ونذكره للاستدلال، وعلى سبيل المثال، قولهم: "لا بارَكَ الله فيه ولا تارَكَ في باب الإتباع الذي أوله التاء، وعلق عليه بقوله: فهو وإن كان "تارك" مأخوذًا من التَّركَ، لا معنى له في هذا الموضع إلا الإتباع ... أي: لا صلة في المعنى بين باركَ وتاركَ، ولا يجيء "لا تاركَ الله فيه" ولو أمكن إفراد هذا التابع لكان من باب التوكيد ... " ا. هـ. من المقدمة. وكل ما سبق حسن، لكن كيف يكون للكلمة التابعة معنى المتبوعة –كما جاء في أول الكلام– وتسمى تابعة على الوجه المراد من التابع هنا لا التابع الأصيل الذي يدخل في التوابع الأربعة الأصلية التي سبقت في ص434؟ هذا غير مفهوم ولا مقبول بناء على الضوابط العامة.
ب1- النعت بالجملة: الجملة التي تصلح نعتاً1 لا بد أن تجمع الشروط الأربعة الآتية: 1- أن يكون منعوتها نكرة محضة، مثل كلمتي "فارس وشجاع" في قولهم: "أقبلَ فارس يبتسم، وانتصر شجاع لا يخاف، ويتحقق هذا بخلُوها من "أل الجنسية"، ومن كل شيء آخر يُخَصَّص ويُقَلَّل الشيوع؛ كالإضافة، والنعت، وسائر القيود التي تفيد التخصيص2. والنكرة غير المحضة: هي التي لم تتخلص مما سبق؛ بأن يكون المنعوت إمَّا: مشتملاً على "أل الجنسية" التي تجعل لفظه معرفة، ومعناه نكرة، كقول الشاعرُ: ولقد أَمُرّ على اللئيم يَسبني ... فَأَعِفُّ، ثُمّ أقول: لا يَعنيني فجملة: "يسُب"، يصح إعرابها نعتاً في محل جر، مراعاة للناحية المعنوية، والمنعوت هو كلمة: "اللئيم"، ويصح أن يكون حالاً في محل نصب، مراعاة؛ لوجود "أل الجنسية"3. وإما مقيداً بقيد يفيد التخصيص؛ نحو: استمعت لمحاضرةٍ نفسيةٍ ألقاها عالم كبير زار بلادنا. فالنكرة هنا: "محاضرة -عالم" غير محضة؛ لأنها مقيدة بالنعت بعدها "وهو: نفيسة -كبير" ولذلك يصح إعراب الجملة الفعلية: "ألقي ×" "زار ×" نعتاً بعد كل واحد منهما4 ... ومما يلاحظ أن المنعوت إذا كان غير محضة، فإن الجملة بعده –وكذا
شبهها1 لا تعيين نعتًا. وإنما يجوز أن تكون نعتًا، وأن تكون حالًا والمنعوت يصير صاحب الحال، "وقد سبق3 بيان هذا بإسهاب ... ". 2- أن يكون المنعوت مذكورًا؛ نحو: إن رجلًا يصاحب الأشرار لا بد أن يحترق بأذاهم، وقول الشاعر: إن في أضرعنا أَفئدةً ... تَعشق المجد، وتأبى أن تضاما ويجوز حذف المنعوت بشرط أن يكون مرفوعًا، وبعض اسم متقدم عليه مجرور بالحرف: "من"، أو: "في"، والنعت جملة أو شبهها؛ مثل: "نحن –الشرقيين – أصحابُ مجدٍ تَلِيدِ؛ منَّا3 سَبَقَ إلى كشف نظريات العلوم الكونية، ومنا استخدمها في الاختراع والابتكار، ومنا اهتدى قبل غيره إلى مَجاهل كوكبه، ومنا هَدَى البشرية إلى أقوم السبل لإسعادها؛ فليس فينا إلا كَشَف، أو: اخترع، أو: اهتدى ,أو: هدى ... " تريد: منَّا فريق سبق ,منا فريق استخدم ,منا فريق اهتدى منا فريق هدى، ليس فينا إلا فريق كشف ... "وسيجيء الكلام مفصلًا على مواضع حذفه، قريبًا"4. 3- أن تكون الجملة النعتية خبرية، كبعض ما سبق، وكالتي في قول الشاعر: ولا خيرَ في قوم تُذَلُّ كرامُهم ... ويعطُم فيهم نَذْلُهم، ويسود فلا تصلح الإنشائية "بنوعيها الطلبي وغير الطلبي"، ولا يصح: رأيتَ مسكينًا عاونْه، وشاهدت محتاجًا هل تساعدُه؟ أو: لا تهنْه....، ولا يصح هذا كتاب بِعتكَهُ؛ تريد: إنشاء البيع الآن "وقت النطق"، والموافقة عليه، لا أنك تخبر بأن البيع حصل قبل النطق5.
4- اشتمال الجملة الخبرية على ضمير يربطها بالمنعوت1، ويطابقه في الإفراد والتذكير وفروعهما2، ويجعل الكلام والمعنى متماسَكْين متصلين، ولذا يسمَّى:،الرابط،، والأغلب أن يكون مذكورًا -سواء أكان بارزًا، أو مسْتترًا 3 -فالمذكور البارز كالأمثلة السالفة؛ وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، ومثل: نصيحة يتبعها عاقل قد تجلب خبرًا غامرًا، وتدفع بلاء قائلًا. وقول الشاعر: كلُّ بيتٍ أَنت ساكنه ... غير محتاج إلى السُّرُج4 والمستتر كقول الشاعر: وكلّ امرئٍ يُولِ الجميل مُحَبَّب ... وكل مكان ينبت العز طيّب وقول الآخر: وإذا أراد الله نثر فضيلة ... طُوِيت5 أتاح لها لسان حسود وقد يكون محذوفًا6 إذا كانت معروفًا بقرينة من السياق، أو غيره، ولا لبس في حذفه، كقول القائل: وما أَدري أَغَيَّرهمْ تَناءٍ ... وطولُ الدّهر، أم مالٌ أَصابوا
التقدير: أصابوه. ومثل:،ما شيءٌ حميتَ بمستباح1،. أي: حتميته. وقول الآخر: قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليلُ ... سهرٌ دائم،،وليلٌ طويلٌ أي: أنا علي؛ سهره دائم، وليله طويل2 ...
وقد يغني عنه وجوده في جملة معطوفة1 بالفاء، أو: بالواو، أو: ثم على الجملة النعتية الخالية منه؛ نحو: مررت برجل تقصف الرعود، فيرتجف؛ أو: فيرتجب. أو: ثم يرتجف. التقدير: "هو" لا في كل ذلك. ج- النعت بشبه الجملة2: وشبه الجملة "الظهر، والجار مع مجروره"، يصلح أن يكون نعتًا بشرطين: أولهما: أن يكون تامًا، أي: مفيدًا. وإفادته3 تكون بالإضافة، أو بتقييده بعدد، أو غيره من القيود التي تجعله يحقق غرضًا معنويًا جديدًا؛ فلا يصح أقبل رجل عنك ولا أقبل رجل عوْضُ ... ثانيها: أن يكون المنعوت نكرة محضة4، مثل: أقبل رجل في سيارة، أقبل رجلٌ فوق الجبل. وقول الشاعر: وإذا امرؤ أهدَى5 إليك صَنِيعَةً ... من جاهه6 فكأنها من ماله فإن كانت النكرة غير محضة: "بسبب اختصامها بإضافة، أو غيرها مما يخصصها"؛ فشبه الجملة يصلح نعتًا وحالًا7. نحو: هذا رجل وقور في سيَّارة أو: هذا رجل وقور أمامك ... ، فهو كالجملة في هذا الحكم8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- يجوز -عند عدم المانع -اعتبار شبه الجملة بنوعية "الظرف، والجار مع مجروره " صفة بعد المعرفة المحضة؛ على تقدير متعلَّقه معرفة. وقد نص "الصبان" على هذا في ج1 أول باب: "النكرة والمعرفة" حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف -ويراد به هنا شبه الجملة بنوعيه. بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلَّقه معرفة" اهـ. أي: أن المتعلَّق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. هذا ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه -بنوعيه -هو الصفة إذا استغنينا عن ذكر المتعلَّق اختصارًا وتيسيرًا أو تسهيلًا، "طبقًا لما سبق1" بالإيضاح والشرط المسجلين هناك. وإذا كان شبه الجملة -بنوعيه- بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يُعرَب صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها؛ كصلاحه للحالية والوصفية بعد النكرة غير المحضة، -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة –بنوعيه- يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة2، وكذلك بعد النكرة، بشرط أن تكون غير محضة3"؛ أو يقال: "إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة، فإنه يصلح أن يكون حالًا أو صفة إلا في صورة واحدة، هي: أن تكون النكرة محضة فتعين أن يكون صفة، ليس غير". وجدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعدم وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر أو توجب غيرهما، حرصًا على سلامة المعنى، فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل الأخرى.
..................................................................................................................................ز
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الجملة الاسمية الواقعة نعتًا: نحو: رأيت كتابًا؛ الورقُ ناعمٌ مصقول، والطباعة جيدة نظيفة1، والغلاف متين جذاب، فكأنك قلت: رأيت كتابًا ورقه ناعم مصقول، وطباعته ... وغلافه.... وهذا رأي حسن، مستمد من "أمثلة كثيرة مسموعة تبيح القياس عليها بشرط أمن اللبس. "هـ" لا تُربَط الجملة الواقعة نعتًا إلا بالضمير أو بما يقوم مقامه في الربط، ويغني عنه، وهو "آل"، كما مرّ في: "د" ولا تصلح الواو التي تبق -أحيانًا- الجملة الواقعة نعتًا أن تكون للربط، فإنها ولو زائدة تلتصق بهذه الجملة؛ لتُقَّوى دلالتها على النعت، وتزيد التصاقها بالمنعوت دون أن تصلح وحدها للربط، ويسمونها لذلك: "واو اللصوق"، ومن أمثلتها، في القران الكريم قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} ، والأصل: "إلا لها كتاب معلوم" زيدت الواو للغرض السالف، ولا تفيد شيئًا أكتر منه2. وكذلك قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} . فقد زيدت الواو قبل الجملة الاسمية الواقعة نعتًا. ومن الأمثلة قول عُروة بن الوَرْد: فيا للناس كيف غلبت نفسي ... على شيء ويكرهه ضميري فالواو زائدة قبل الجملة المضارعية النَّعتية. وهي في كل صورها التي تتعين فيها للإلصاق لا تصلح وحدها أن تكون رابطًا -كما أسلفنا-. وقد اختلف النحاة: أزيادتها قياسية3 أم سمعية؟ والأرجح عندهم -برغم مجيئها في القرآن- أنها سماعية، وهذا عجيب منهم؛ لأن معناه بأن بعض التراكيب القرآنية لا يصح محاكاته، ولا صوغ أساليبنا على نهجه، مع اعترافهم جميعًا أن القرآن أسمى لغة بيانية، وأعلى كلام بليغ. نعم قد يكون الأنسب اليوم الوقوف بزيادة هذه الواو عند حدّ السماع؛ تجنبًا لإساءة فهمها، والخلط بينها وبين الأنواع الأخرى، ولا ضرر ولا تضييق في الأخذ بهذا الرأي3. ولكن الأنسب لا يحرّم غيره مما هو صحيح مباح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون الأنسب في عصر ليس بالأنسب في آخر؛ وكلاهما صحيح مباح. و الجملة لا تقع نعتًا إلا للنكرة. فما حكم الجملة نفسها من حيث التعريف والتنكير؟. أجابوا: "يجري على الألسنة كثيرًا أنها نكرة. ولكنها تؤول بالنكرة، قال الرضيّ؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. والجملة من حيث هي جملة ليست اسمًا، وإن كانت تؤول به، فنحو: جاء رجل قام أبوه، أو أبوه قائم ... في تأويل: جاء رجل قائم أبوه: ونحو: جاء رجل أبوه محمد، في تأويل: كائن ذات أبيه ذات محمد1. ويقول شارح المفصل2 ما ملخصه: "إن وقوع الجملة نعتًا للنكرة دليل على أن الجملة نفسها نكرة، إذ لا يصح أن توصف النكرة بالمعرفة3 ... "اهـ. سواء أكانت نكرة أم مؤولة بالنكرة وفي حكمها، فالخلاف شكلي لا آثر له. والمهم المتفق عليه أنها لا تكون نعتًا إلا للنكرة. ز- يقول الكوفيون: إذا وقع بعد الجملة الواقعة نعتًا لنكرة، جملة أخرى مضارعية، مترتبة على الجملة النعتية كترتب جواب الشرط على الجملة الشرطية إذا وقع هذا صح في المضارع الجزم جوابًا للنعت مع جملته: حملًا له على المضارع المجزوم في الجملة الواقعة جوابًا للشرط. ففي مثل: كل رجل يعملُ الخير يرتفع شأنه.... يجيزون جزم المضارع: "يرتفع"4. لكن رأيهم في هذا الجزم ضعيف؛ إذ لا تؤيده الشواهد القوية الكثيرة، التي تسوّغ القياس عليه. فالأحسن إهماله والاقتصار فيه على المسموع.....5.
المسألة 115
المسألة 115: تعدد النعت، وقطعه "أ" تَعَدُّدُ النعت في الحالات التي يكون فيها عامله واحدًا: 1- إذا تعدد النعت، والمنعوت فغير متعدد -لأنه واحد- وجب تفريق النُعوت1، مسبوقة بواو العطف2 أو غير مسبوقة، إلا الأول، فلا يُسبَق بها. نحو: لا شيء يقبُح في العين كرؤية عالم مختال، مغرُورٍ، أو: عالمٍ زَرِيِّ وضيعٍ، ويصح: كرؤية عالم مختال ومغُرور، أو: عالم زريّ ووضيع3 ... وتمتنع واو العطف إذا كان المعنى المراد لا يتحقق بنعت واحد، ولا يستفاد إلا من انضمام نعت إلى آخر فينشأ من مجموعهما المعني المقصود: نحو: الفصول أربعة: أطيبها الربيع البارد الحارّ، أي: المعتدل في درجة حرارته وبرودته، ولا يجوز البارد والحارّ؛ لأن المعنى المراد -وهو: الاعتدال- لا يؤخذ لا من اشتراك الاثنين في تأديته، وانضمام كل منهما إلى الآخر: فكلاهما جزء يتمم نظيره،
ويلازمه في تكوين المعنى الكامل المقصود منهما معًا. والكلمتان هنا بمنزلة كلمة واحدة ذات قطرين: لا يصح أن يَفْصِل بين شطريها حرف عطف أو غيره. ومثل: شرب المريض الدواء الحلو المرّ، أي: المتوسط في حلاوته ومرارته. ومثل: اشتريت صوفًا ناعمًا خشنًا، ومثل: هذا زجاج صُلب هّشّ ... 2- وإذا تعدد النعت والمنعوت متعددٌ بغير تفريق، وبغير أن يكون اسم إشارة فإن كانت النعُوت متحدة في لفظها ومعناها معًا وجب عدم تفريقها، وأن تكون مثناة أو جمعًا على حسب منعوتها. نحو: ما أعجب الهرمينِ القديمينِ!. ولا يصح: ما أعجب الهرمين القديم والقديم. ونحو: ما أجمل الزهرات اليانعات، ولا يصح: اليانعة، واليانعة، واليانعة. فإن كانت النعوت مختلفة في لفظها ومعناها معًا أو في أحدهما وجب التفريق بالواو العاطفة؛ فمثال الاختلاف في اللفظ والمعنى قول الشاعر: بكيْتُ، وما بُكَا رجلٍ حزينٍ ... على رُبْعينِ؛ مسلوبٍ1، وبالٍ وقول أحد المؤرخين ... ولما انتهت الموقعة بهزيمة الأعداء بحثنا عن قادة جيشهم، فعرفنا القادة: القتيلّ، والجريح، والأسيرَ، والمذهولَ من هول ما رأى وسمع ... ومثال الاختلاف في اللفظ دون المعنى: أبصرت سيارتين: ذاهبة ومنطلقةً قاومت طوائف؛ باغيةً، ومعتديةً، وظالمةً. ومثال المختلفة في المعنى دون اللفظ. تنصحت رجلين هاويًا وهاويًا2؛
فإحدى الكلمتين فعلها: "هَوِىَ" بمعنى: "أَحَبَّ" والأخرى فعلها: "هَوَى" بمعنى سقط على الأرض. ولا بد من قرينة تدل على هذا الاختلاف المعنوي. ومثل: عرفت رجالًا؛ كاسية، وكاسية، وكاسية، بمعنى: كاسية غيرها: وبمعنى: مكسوة، وبمعنى: غنية. واذا كان المنعوت المتعدد اسم إشارة لم يجز في نعته المتعدد التفريق لأن نعت أسماء الإشارة لا يكون مختلفًا عنها في المطابقة اللفظية؛ فلا يصح مررت بهذين الطويل والقصير على اعتبارهما نعتين1. 3- إذا تعدد النعت والمنعوت متعدد متفرق فإن كانت النعوت متحدة في ألفاظها ومعانيها وجب عدم تفريقها؛ مثل: سافر محمود، وعلي، وحامد المهندسون. وان كانت مختلفة وجب أحد أمرين. إمَّا تقديم المنعوتات المتفرقة كلها متوالية، يليها النعوت كلها متوالية متفرقة أيضًا ومرتبة؛ بحيث يكون النعت الأول للمنعوت الأخير؛ والنعت الثاني للمنعوت الذي قبل الأخير، وهكذا، حتى ينتهي الترتيب بأن يكون النعت الأخير للمنعوت الأول "فملخص هذه الطريقة: أن يكون كل نعت مقصورًا على أقرب منعوت إليه". وإما: وضع كل نعت عقب منعوته مباشرة. فعلى الطريقة الأولى نقول: ما أعظمَ الثمار التي نجنيها من الكتب، والصحف، والمجلات، والإذاعة، والمؤلفين ... البارعين، المختارةِ، الرفيعة، الصادقة، النافعة،.... فكلمة "البارعين" نعت للمؤلفين، وكلمة "المختارة": نعت للإذاعة و"الرفيعة": نعت للمجلات، و"الصادقة": نعت للصحف، و"النافعة": نعت للكتب.
وعلى الطريقة الثانية نقول: ما أعظم الثمار التي نجنيها من الكتب النافعة. والصحف الصادقة، والمجلات الرفيعة، والإذاعة المختارة، والمؤلفين البارعين. وللمتكلم أن يختار من الطريقتين ما يراه أنسب للمقام بشرط أمن اللبس، بحيث يتعين كل نعت لمنعوته، دون اشتباه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: مما يتصل بهذه الحالة: نعت معمولين عاملهما واحد..... والحكم -كما سطروه- هو: أنه إذا اتحد عمله ونسبته المعنوية إليهما في المعنى جاز الإتباع والقطع بشرطه1؛ كقام محمود وعليّ العاقلان، أو العاقلَين. وإن اختلف العمل والنسبة؛ -كأكرم محمود عليًَا العاقلين- وجب القطع. وكذا إن اختلفت النسبة المعنوية دون العمل؛ كأعطيت الولدَ أباه العاقلان2. وإن اختلف العمل دون النسبة؛ -نحو: مخاصمةُ الأخ أخاه النبيلان مؤلمة- وجب القطع على الرأى الأغلب. فملخص الرأي أنه يجب القطع في جميع الصور إلا واحدة يجوز فيها القطع وعدمه؛ هي: التي يتحد فيها عمل العامل، ونسبته المعنوية إليها. ومن أمثلة القطع الجائز ما ورد في كلام فصحاء العرب3، ومنه قول حاتم الطائي: إنْ كنت كارهة معيشتنا ... هاتا4 فحُلّي في بني بدرِ الضاربون لَدَى أعنتهم ... والطاعنون وخيلهم تجري وقول الخِرْنِق القيسية: لا يَبْعَدَنْ5 قومي الذين همُو ... سمّ العُداة، وآفة الجُزُرِ النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الأزُر
ب- تعدد النعت، والمنعوت، والعامل، وما يترتب على هذا من الاتباع1 والقطع:
1- إذا تعدد النعت بغير تفريق، وتعدد المنعوت، والعامل، وكانت المنعوتات المتعددة، متفرقة، متحدة في تعريفها وتنكيرها1 والعوامل المتعددة متحدة في معناها، وعملها، جاز في النعوت الإتباع والقطع: نحو حضر الصديق، وحضر الضيف الطبيبان. أو: الطبيبين. ونحو: نظرتُ القمرَ وأبصرت المِرّيخ المستديران. أو المستديران. ولا فرق في هذه العوامل بين المتحدة في ألفاظها والمختلفة -كما في المثالين- لأن المهم أن يتفقا معنى وعملًا. ويجب القطع إن اختلفت العوامل معنى، أو عملًا، أو هما معًا. فمثال الاختلاف المعنوي فقط: أقبل الضيفُ، وانصرف الزائرُ السائحينِ، ونحو: جَمَدت عينُ الحزين وجمدت عين القاسي المشاهدتين المأساة. "إذا كانت "جمدت" الأولى بمعنى: جفت دموعها بسبب البكاء الكثير. والثانية بمعنى: لم تبك؛ من القسوة". ومثال اختلافهما في العمل فقط: مررت بالضيف ولاقيت الزائر الغريبان.
ومثال اختلافهما في المعنى والعمل: قابلت الرسول وسلمت على الزميل الظريفان1. أحكام خاصة بالقطع في هذا الباب: لا يصح القطع مطلقًا، إلا بعد تحقق شرط أساسي: هو: أن يكون المنعوت متعينًا بدون النعت؛ سواء أكان النعت واحدًا أم أكثر. وعلى هذا الأساس تقوم الأحكام الآتية: 1- لا يجوز القطع2 إذا كان النعت وحيدا3. والمنعوت نكرة محضة: لشدة حاجتها إليه، لتتخصص به. نحو: كرمت جنودًا أبطالًا. 2- إذا تعدد النعت لواحد، وكان المنعوت نكرة محضة وجب إتباع النعت الأول لها: لتستفيد به تخميصًا هي في شدة الحاجة إليه، ولا يجوز قطعه. أما ما عداه فيجوز فيه الإتباع والقطع؛ نحو: أقبل رجلٌ شجاعٌ، أمين تَقيّ؛ فيجب رفع كلمة: "شجاع" إتباعًا للمنعوت: "رجل" لأنه نكرة محضة. ويجوز في كلمتي: "أمين" و"تَقَيّ" الرفع إتباعًا للمنعوت، أو: النصب على القطع باعتبار كل منصوب منهما مفعولًا به لفعل محذوف. والاتباع هنا واجب في النعت الأول وحده؛ ليقع به التخصيص -كما قلنا- ويجوز في الباقي الأمران، سواء أكان المنعوت قد تعين مسماه أم لم يتعين؛ لأن المقصود من نعت النكرة هو تخصيصها -لا تعيينها- وقد تحقق التخصيص بإتباع النعت الأول لها.
3- إذا تعدّدت النعوت لواحد معرَف فإن تعين مسماه بدونها كلها جاز إتباعها جميعًا، وقطعها جميعًا، واتباع بعضها وقطع بعض آخر1، بشرط تقديم النعت التابع على النعت المقطوع؛ نحو: عرفت الإمام أبا حنيفة، المجتهدَ؛ الذكيَّ، العبقريَّ.... فيصح في النعوت الثلاثة النصب على الاتباع، والرفع على القطع، ويجوز النصب على الاتباع في بعض منها، والرفع على القطع في غيره، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب تقديم النعت التابع على المقطوع. وإن لم يتعين مسماه إلا بالنعوت كلها مجتمعة وجب اتباعها، وامتنع القطع؛ نحو: غاب المصري حافظ، الضابط، الشاعرُ، النَّاثِرُ، بالرفع؛ تبعًا للمنعوت: "حافظ" إذا كان هناك ثلاثة2 غيره كل منهم اسمه: "حافظ"، وأحدهم ضابط فقط، والآخر شاعر فقط، والثالث شاعر فقط، فلا يتعين الأول تعيينًا يميزه من هؤلاء الثلاثة إلا بالنعوت المتعددة مجتمعة، وإتباعها له. وأن تعيَّن ببعضها دون بعض وجب إتْباع الذي يتعين به، وجاز في غيره الإتباع والقطع، مع وجوب تقديم التابع على المقطوع3....
4- إذا لم يتعدد النعت وكان المنعوت معَرفًا بأننه جاز في النعت الإتباع والقطع. نحو: أنت الشريك الوديع، برفع كلمة: "الوديع"، إتباعًا أو نصبها على القطع.-والمنعوت هنا متعين؛ بسبب الخطاب-. ولا يجوز القطع إن كان النعت للتوكيد2, أو: كان من الألفاظ التي أكثرت العرب من استعمالها نعتًا بعد كلمات معينة2، ... أو كان نعتًا لاسم إشارة؛ نحو: أهلكَ الله بعض الأمم بالرجفة الواحدة -جاء القوم الجَمَّاءَ الغفيرَ3- امتدحت هذا الوفيَّ. ومن الأمثلة لهذه الثلاثة أيضًا: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 -يسرني رؤية الشَعْرَى العَبُورِ5- ما أكبر تقديرنا لهذا النابغِ. 5- قلنا6 إن النعت المقطوع لا بد أن يخالف في حركته المنعوت السابق؛ فإن كان المنعوت مرفوعًا وأردنا قطع النعت لداع بلاغي قطعناه إلى النصب
مفعولًا به لفعل محذوف، تقديه: أمدح أو أذم، أو ... على حسب السياق، وان كان المنعوت منصوبًا وأردنا قطع النعت قطعناه إلى الرفع على اعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره -مثلًا-: هو. ولا يجوز القطع إلى الجر مطلقًا فيهما. وإذا. كان المنعوت مجرورًا واقتضى المقام القطع قطعناه إلى الرفع أو النصب على الإعرابيين السابقين. ولا بد في جميع حالات القطع آن يكون المنعوت متَعيِّنًا.-كما قلنا-. وإذا تعددت النعوت، وكان المنعوت المتعيِّن مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا جاز فينما عند قطعها أن يكون بعضها منقطعًا إلى الرفع، وبعض آخر إلى النصب، إذ ليس من اللازم أن تنقطع النعوت كلها إلى الرفع فقط، أو إلى النصب فقط: وإنما اللازم ألا تنقطع إلى الجر، وألا يتفق نوع حركتها مع نوع حركة المنعوت1 السابق، نحو: ما أسفت لشيء، قدر أسفي للزميل المتعلمِ، المتكاسلِ، الخاملِ، المستهين ... فيجوز في هذه النعوت قطعها إما إلى الرفع فقط، وإما إلى النصب فقط وإما توزيعها بين هذا وذاك. وإذا كان النعت المقطوع مرفوعًا لأنه خبر مبتدأ، أو منصوبًا لأنه مفعول به لفعل محذوف فإن هذا المحذوف واجب الحذف لا يصح ذكره بشرط أن يكون النعت في أصله لإفادة المدح، أو: الذم، أو: الترحم، فان كان في أصلا لغرض آخر جاز حذف العامل وذكره2. وقد سردنا أول الباب3 الأغراض المختلفة التي يؤديها النعت. 6- مما تجب ملاحظته أن جملة النعت المقطوع "وهي: الجملة المكونة من المبتدأ المحذوف وخبره الذي كان في أصله نعتًا، أو من الفعل المحذوف وفاعله" جملة مستقلة مستأنفة. وقد تسبقها "الواو" أحيانًا، وهذه "الواو" زائدة للاعتراض قبل النعت المقطوع، سواء أكان مقطوعًا إلى الرفع، أم إلى النصب.
ويرى بعض النحاة أن هذه الجملة المشتملة على النعت المقطوع ليست مستقلة ولا مستأنفة، وإنما هي "حال" إذا وقعت بعد معرفة محضة، و"نَعْت" إذا وقعت بعد نكرة محضة، وتصلح للأمرين إذا وقعت بعد نكرة مختصة، فشأنها كغيرها من الجمل التي تعرب "حالًا" بعد المعارف المحضة، و"نعتًا" بعد النكرات المحضة، وتصلح للأمرين بعد النكرة المختصة. والرأي الأول1 أقْوَم وأحْسنُ. 7- سبب القطع بلاغي محض -كما قلنا2- هو التشويق، وتوجيه الأذهان بدفع قويّ إلى النعت المقطوع؛ لأهمية فيه تستدعي مزيدًا من الانتباه إليه، وتقلق الفكر به، وانه حقيقي بالتنويه وإبراز مكانته. وجعلوا الأمارة على هذا كله إضمار العامل، وتكوين جملة جديدة، الغرض منها: إنشاء المدح أو الذم أو الترحم، ... أو ... فهي جملة إنشائية من نوع الجمل الإنشائية غير الطلبية3. وإذا كان سبب القطع بلاغيًا -ولا بدّ من قيام هذا السبب- فمن البلاغة أيضًا ألا نلجأ إلى استخدام القطع مع من يجهله! فيحكم بالخطأ على الضبط الحادث بسببه. حذف النعت أو المنعوت، أو هما معًا: أ- قد يحذف النعت أحيانًا حذفًا قياسيًا إذ كان معلومًا بقرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ، والأصل: "كل سفينة صالحة"؛ بقرينة قوله: "أن أعيبها؛ فهي تدل على أنها قبل هذا خالية من العيب، أي: صالحة للانتفاع بها، وبقرينة أخرى؛ هي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه.
ومثل قول الشاعر أخذَ نصيبه من غنائم الحرب فلم يرض به: وقد كنتُ في الحروبِ ذا تُدْرَإِ1 ... فلمْ أعْطَ شيئًا ولم أُمْنَعِ والتقدير: فلم أعطَ شيئًا نافعًا؛ بدليل قوله: ولم أمْنع، وبدليل الأمر التاريخيّ المعروف، وهو أنه أخذ –فِعْلًا- نصيبًا، وبكنه لم يقنع به. ومثل قول الشاعر يصف فتاة بالجمال: وربُّ أَسيلةِ2 الخدَّيْنِ بِكْرٍ ... مهَفْهفة3، لها فرعٌ، وجيدُ المراد: لها فرع فاحم4، وجيد طويل، والقرينة: أن مدح الفتاة بالجمال لا يكون بأمر عامّ يشاركها في مثله آلاف من نظيراتها، فليس من المدح وصفها بمجرد فرع لها، وجيد، فهذان أمران ملازمان كل فتاة، وإنما يكون المدح بأوصاف وبمزايا خاصة تتحقق في كل منهما؛ كشدة سواد الشعر، أو نعومته، أو طوله....، أو.... وكطول الجيد باعتدال، أو استدارته، وعدم غلظه كذلك5.... ب- حذف المنعوت6: يجب حذف المنعوت في كل موضع اشتهر فيه النعت اشتهارًا يغنى عن المنعوت غَناءً تامًّا؛ بحيث لا يتجه الذهن إليه؛ نحو: جاء الفارس. والأصل: جاء الرجل الفارس؛ أي: راكب الفرس. ومثل: جاء الصاحب، أي: الرجل الصاحب؟ فلا يدور فيهما وفي أشباههما أن يقال: جاء الرجل الفارس، ولا جاء الرجل الصاحب، والنعت في الحالة السابقة لا يسمَّى نعتًا، وإنما يحل محل المحذوف في إعرابه فاعلًا، أو غيرهما ... مما كان علية المحذوف قبل حذفه.
ويجوز حذفة أيضًا –كما أوضحنا1– إن كان مصدرًا مبَيِّنًا نابت عنه صفته؛ نحو: جلست أحسنَ الجلوس، وأصغيت أيّ2 إصغاء؛ بمعنى: جلست جلوسًا أحسن الجلوس، وأصغيت إصغاء أيّ إصغاء، والأكثر أن تضاف هذه الصفة لمصدر كالمصدر المنعوت بالمحذوف. ويجوز بكثرة حذف المنعوت -"سواء أكان النعت مفردًا،أم جملة،أم شبه جملة"– بشرط أن يصلح النعت لأن يحل محل المنعوت المحذوف؛ فيعرب إعرابه. فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلًا، أو مفعولًا، أو مجرورًا، أو مبتدأ وكان النعت جملة أو شبهها؛ لأن الجملة وشبهها لا تقع شيئًا مما سبق، فلو حذف المنعوت وهو أحد الأشياء السالفة لم يوجد في الكلام ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، ولهذا لا يصح حذفه إذا كان الأمر على ما وصفناه3. أمَّا إن كان المنعوت واحدًا مما سبق والنعت مفردًا، فيجوز حذف المنعوت، لوجود ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، وهو: المفرد. ويشترط لحذفه أيضا أن يكون معلومًا. ومن وسائل العلم به اختصاص معنى النعت به وقصره عليه، مثل: أعجِبتُ براكب صاهلًا، أي: براكب فرسًا صاهلًا؛ لأن الصهيل مختص –في اللغة- بالخيل. وبسبب هذا الاختصاص الصريح يكون الخذف واجبًا عند بعض النحاة لا جائزًا، ورأيهم سديد. ومن وسائل العلم به أيضًا أن يتقدم على النعت ما يدل على المنعوت المحذوف
الذي يحقق المعنى المراد؛ نحو: ألاَ ماءَ، ألا باردًا1؟ أو: وجود عامل نحوي يحتاج إلى المنعوت ليكون معموله الذي يَتمّ به المعنى الأنسب، حيث لا يستطيع العمل المباشر في النعت، ولا يجد النعت عاملًا آخر؛ كقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، والتقدير: فليضْحكوا ضحكًا قليلًا، وليبكوا بكاءً كثيرًا.... فالفعلان في جملتي: "يضحكوا - يبكوا" محتاجان لمعمولين يتممان هذا المعنى الأنسب، ولا يستطيع منهما أن يؤثر في النعت الذي بعده مباشرة إلا من طريق منعوت محذوف يستقيم به المعنى. ولا يجد كل من النعتين "قليلًا - وكثيرًا" عاملًا له إلا الفعل اللازم قبله، ولكن اتصاله به مباشرة غير سائغ لغويًا؛ فلم يكن بد من تقدير المنعوت المحذوف على الوجه السالف ... وأيضًا: يحذف جوازًا إن كان النعت جملة أو شبهها وكان المنعوت مرفوعًا وبعضًا من اسم متقدم عليه، وهذا الاسم المتقدم مجرور "بمن" أو "في" نحو: الأحرار الوطنيون لا ينكر فضلهم أحدٌ؛ فمنهم أنفق ماله في سبيل وطنه، ومنهم أفَنى عمره مناضلًا في الحِفَاظ على حريته، ومنهم قضى نَحْبه دفاعًا عنه. والأصل؛ فمنهم فريق أنفَق ... ومنهم فريق أفْنَى عمره ... ومنهم فريق قضى نحبه ... ومثل قولهم: لما مات عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز لم يكن في الناس إلا بَكى أو صرخَ، أو صُرعَ، أو إنسانٌ انعقد لسانه، أو إنسان زاغ بصره ... فالمنعوت في الأمثلة السابقة كلها مخذوف، وهو مرفوع، وبعض من كل مجرور بالحرف "مِنْ" أ: "في"؛ ذلك لأن الضمير: "هم" المجرور بِمِنْ
في الأمثلة الأولى "كُلّ" والمنعوت "فريق" بعض منه، والناس المجرور "بفي" في الأمثلة الأخيرة "كل" والمنعوت المحذوف "إنسان" بعض منه1 ... ج- حذف النعت والمنعوت معًا: قد يحذفان معًا –وهذا قليل2– إذا قامت القرينة الدالة عليهما؛ كقوله تعالى: في الأشْقَى الذي يدخل النار: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} ، أي: لا يحيا حياة نافعة3. وكقولك للمتعلم الذي لا يَنتفع بعلمه: هذا غير متعلم، أي: غير متعلم تعلمًا مثمرًا. الترتيب بين النعوت المتعددة: إن كانت النعوت المتعددة مفردة جاز تقديم بعضها على بعض من غير ترتيب محتوم، فالأمر فيها للمتكلم؛ يقدم ما يشاء ويؤخر، على حسب ما يرى من أهميته. وكذلك إن كان جُمَلًا، أو أشباه جُمَل؛ نحو: "راقني الورد النَّضرُ، العطِرُ، الهبيُّ" –أقبل رجل "وجهُهُ متهللٌ" "ثغرهُ باسمٌ"– أبصرت رجلًا في سيارةٍ، على أريكة. أما إذا اختلفت أنواعها تقديم المفرد على شبه الجملة، وشبه الجملة على الجملة؛ نحو: هذا عصفور حزين، على شجرة، يشكو ما أصابه ... وقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}
وقد تتقدّم الجملة أيضًا على غيرها كقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} 1 وهذا النوع من التقدم فصيح يجوز القياس عليه؛ لوروده في أبلغ الكلام –وهو القرآن– ولكن الأول أكثر. عطف النعوت المختلفة المعاني بعضها على بعض: يجوز عطف النعوت بعضها على بعض مع ملاحظة ما يأتي: 1- أن تكون النعوت المتعددة مختلفة المعاني وليست جُملًا2؛ فلا يصح العطف في مثل: هذا رجل غنيّ ثريّ؛ لأن الثريّ بمعنى الغنيّ، ولو عطف عليه لَعُطِفَ الشيء على آخَر بمعناه، والعطف يقتضي المغايرة المعنوية، غالبًا3. ولا فرق في منع العطف في النعوت المتفقة المعاني بين أن تكون كلها تابعة في إعرابها للمنعوت، وأن تكون مقطوعة، وأن يكون بعضها تابعًا وبعضها مقطوعًا. أما إذا كانت النعوت المتعددة جُملًا2 فالأفضل عطفها؛ ولاي يشترط اتفاقها في المعنى أو اختلافها؛ نحو: احترمُ رجلًا يترفع عن الصغائر، ويتوقى مواطن السوء، ويُجَنِّب نفسه الهوان. 2- ألاّ يكون حرف العطف هو: "أم"، أو: "حتى"، إذ لا تُعْطف النعوت بواحد منها4. 3- وإذا كانت النعوت مختلفة المعاني والمنعوت مُثنى أو جمعًا، وجب –في الأكثر– العطف بحرف الواو دون غيره –كما سبق2- نحو: تحدث الفائزان؛
العالم والمخترع احترمت المتعلمات، النائرة، والشاعرة، والخطيبة، والماهرة في عملها، والمتفننة في نظامها. فإن كان المنعوت واحدًا لم تجب "الواو" وصح أن يجيء الحرف المناسب أو لا يجيء. وحرف العطف الذي يستخدم هنا يؤدّي –مع العطف– معنى من المعاني التي اختص بتأديتها على الوجه المشروح في باب: "العطف" من أن الواو تفيد كذا، والفاء كذا، وثم ... و ... وعندما يتم عطف النعوت تصير "معطوفات"، يَجري عليها اسم "المعطوف" وأحكامه الآتية في بابه، وتتخلى عن اسم: "النعت" وأحكامه الخاصة به1. تقدم النعت على المنعوت: لا يجوز تقدم النعت على المنعوت مع بقاء إعاربه نعتًا كما كان قبل التقدم4. فإذا تقدم زال عن كل منهما اسمه؛ فإن كانا معرفتين، وكان النعت صالحًا لمباشرة العامل وجب عنْد تقدمه إعرابه على حسب حاجة الجملة، ويصير –في الغالب: "مُبدَلًا منه"، ويعرب المنعوت بدلًا. ففي مثل: "استعنت بمحمد الماهر في تذليل العقبات؛ فأعانني، وشاركه في هذا عليّ الصديق" نجد كلمتي: "الماهر" و"الصديق" نعتين، وهما متأخرتان، فإذا تقدمنا وقلنا: بالماهر محمد، والصديق عليّ صارتا بدّلين، وصار المنعوتان السابقان مُبدَلًا منهما. فإذا كانا نكرتين فالغالب –إن لم يوجد مانع آخر– نصب النعت على الحال عند تقدمه، ويزول عنه اسم النعت؛ كما يزول عن المنعوت اسمه، ويصير
اسمه الجديد: "صاحب الحال"؛ ففي مثل: "أينع زهرٌ رائعٌ. وفاح عطرٌ جميل ... " نقول: أينع رائعًا زهر، وفاح جميلًا عِطرٌ1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: متفرقات: أ- قد يقتضي المعنى أن يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية، أو: "إمَّا". وعندئذ يجب تكرار هذين الحرفين، مع اقترانهما بالواو العاطفة التي تعطف ما بعدهما على النعت الذي قبلهما؛ نحو: زاملت أخًا لا غادرًا، ولا خائنًا ... - تخيَّرْ مضيفًا؛ إما ساحليًّا، وإما جبليًّا1 ... ب- يجوز نعت النعت عند سيبويه، ويمنعه آخرون. الحق أن النعت قد يحتاج إلى نعت أحيانًا، مثل: هذا ورقٌ أبيضُ ناصعٌ. "أي: شديد البياض"، فالورق يشتمل مدلوله على جسم ولون مطلق، والنصاعة إنما هي تحديد للونه ... ونحو: هذا وجه مُشرقٌ أيّ إشراق!! ناضرة وجنتاهُ كاملة النَّضرة. بل إن من النعت ما لا يسمى نعتًا إلا إذا كان موصوفًا؛ وهذا هو: النعت "المُوَطِّىْ" –وقد سبق الكلام عليه2– ومن أمثلته الواردة: ألا ماءً ماءً باردًا. ج- إذا وقع النعت بعد المركب الإضافي "نحو: أقبل رسول الصديق العالم هذا نجم الدين المضيء ... "، فأين المنعوت؟ أو المضاف إليه، أم المضاف؟ سبقت الإجابة مفصلة في مكانها الأنسب. "وهو "ج" ص167 من باب: "الإضافة". د- سبق الكلام3 على احكام جليلة خاصة بالتوابع، ومنها: حكم الفصل بين التوابع ومتبوعاتها، كالفصل بين النعت والمنعوت.
المسألة 116
المسألة 116: ب- التوكيد 1: التوكيد قسمان: معنوي ولفظي2: القسم الأول؛ المعني3: إذا سمعنا من يقول: "وصل أحد العلماء إلى القمر"، خطر بالبال عدة احتمالات؛ منها: أنه وصل إلى قرب القمر، دون الوصول إلى جِرْمه وذاته الحقيقية، أو: أنه وصل إلى مَداره، أو إلى أسراره العلمية والفلكية ... ونتوهم أن المتكلم أراد أن يقول: -مثلًا– وصل أحد العلماء إلى قرب القمر، أو إلى مدار القمر. أو إلى مدار القمر. أو إلى أسرار القمر ... فحذف المضاف سهْوًا، أو خطًا، أو لأن حذفه هنا يؤدي إلى المبالغة أو المجاز4، وكلاهما أبلغ وأقوى في تأدية المعنى من الحقيقة. هذا بعض ما يخطر بالبال عند سماع تلك العبارة ... فلو أنه قال: وصل أحد العلماء إلى القمر نفسه، لزالت –في الأغلب5– تلك الاحتمالات وغيرها، ولم يبق مجال لتوهم المبالغة، أو المجاز بالحذف، أو السهّو
أو غيره؛ ولتَركَّزَ الفهم في معنى حقيقي واحد: هو الوصول إلى جِرْم القمر ذاته، بسبب كلمة: "نفس" التي منعت أن يكون هناك لفظ محذوف كالمضاف –مثلًا– تنشأ عن ملاحظته وتخيله احتمالات مختلفة. كذلك إذا سمعنا من يقول: حفِظتُ ديوان "المتَنبيّ" فقد يخطر على البال سريعًا أنه حَفِظ أكثرَةُ، أو أحسنه، أو حِكَمه ... وأنه لم يقصد الشمول الحقيقي حين قال: "حفِظت ديوان المتَنبيّ"؛ وإنما قصد: حفظت أكثر ديوان المتنَبيّ، أو أحسن ديوان المتنبيّ، أو أحكم ديوان المتنبيّ ... فحذف المضاف سهوًا، أو: خطأ، أولما في حذفه هنا من مبالغة، أو مجاز، وكل منهما في تأدية المعنى أبلَغُ وأقدرُ. فلو أنه قال: "حفظت ديوان المتنبيّ كلَّه" ما ترك –في الأغلب– حول الشمول الكامل مجالًا لشيء من تلك الاحتمالات، ولا لِتَخَيّلِ شيء محذوف؛ حفظ الديوان كاملًا غير منقوص. وقد نشأ هذا التركيز والاقتصار على الفهم على المعنى الواحد من كل: "كلّ". فكلمة: "نفس" في المثال وما شابهه، وكلمة: "كلّ" في الثاني وما شابهه، -تسمى: "توكيدًا معنويًّا"؛ فهو: "تابع1 يزيل عن متبوعه ما لا يراد من احتمالات معنوية تتجه إلى ذاته2
مباشرة، أو إلى إفادته العموم والشمول المناسبين لمدلولة"1 ... وإن شئت فقل: تابع يدلّ على أن معنى متبوعه حقيقي، لا دخْل للمبالغة فيه، ولا للمجاز، ولا للسَّهو، أو النسيان، ونحوهما ... فالغرض من التوكيدّ المعنويّ هو إبعاد ذلك الاحتمال وإزالته؛ إما عن ذات المتبوع، وإما عن إفادته التعميم الشامل المناسب1 لمدلوله، فإن لم يوجد الاحتمال لم يكن من البلاغة التوكيد. ألفاظ التوكيد المعنوي: ألفاظ الأصلية سبعة، وقد تلحق بها –أحيانًا– ألفاظ فرعية أخرى سنعرفها1. والسبعة الأصلية ثلاث أنواع: الأول: نوع يراد منه إزالة الاحتمال عن الذات في صميمها3، وإبعاد الشك المعنوي عنها. وأشهر ألفاظه الأصلية: نفْس4، وعْين4. ومن الأمثلة قول أحد الرَّحالين: " ... رأيت الساحرَ الهنديّ نفسَه –وهو المعروف بألاعيبه وحِيَله– يقبض على الجمرة عينِها بأصابعه العاريَة، ويظل كذلك دقائق كثيرة ... "، فكلمة: "نفس" أزالت –في الأغلب– الشك والمجاز عن ذات الساحر، فلم
تترك مجالًا لتوهم أن المقصود شيء سواها. وكذلك كلمة: "عين" فإنها أفادت النص على الذات، وأبعدت عنها -في الأغلب– كل احتمال يقوم على تلك المبالغة، أو المجاز، أو إرادة معنى لا يتصل بصميمها مباشرة. وهذا معنى لا يتصل بصميمها مباشرة. وهذا معنى قولهم: إن التوكيد بالنفس أو بالعين يَقْصِر المعنى الحقيقي على الذات وحدها، ويُرَكزه فيها، ويزيل –في الأغلب– كل احتمال عنها آخَر. وإذا وقعت كلمة: "عين، أو نفس" تابعة على هذا الوجه، سميت اصطلاح النحاة "توكيدًا". أو: "مؤكَّدة" –بكسر الكاف– والأول هو الأشهر، سمي متبوعها: مؤكَّدًا –بفتح الكاف– وهذا هو الشأن في جميع ألفاظ التوكيد. حكمهما: إذا كانتا للتوكيد وجب أن يسبقهما المؤكَّد، وأن تكونا مثله في الضبط الإعرابي، وأن تضاف كل واحدة منهما إلى ضمير مذكور –حتمًا– يطابق هذا المؤكًّد في التذكير والإفراد وفروعهما؛ ليربط بين التابع والمتبوع. تقول: صافحت الواليّ نفسه –صافحت الواليينِ أنفسَهما– صافحت الولاة أنفسهم –صافحت الوالية َ عينَها– صافحت الواليتين أعينَهما –صافحت الواليات أعينَهن. وهذا الضمير لا يجوز حذفه ولا تقديره1 ... فإن لم يتقدم المتبوع، أو لم يوجد الضمير المضاف إليه، المطابق لم يصح إعرابهما توكيدًا، بل يجب إعرابهما شيئًا آخر على حسب الجملة، "مبتدأ، أو خبر، أو بدلًا، أو عطف بيان، أو مفعولًا به، أو غيره2....." ومن أمثله المفعول به: من عاتبَ الجهال أَتعبَ نفسه ... ومن لام من لا يعرفُ اللومَ أفْسَدا
ومما يلاحظ أن المطابقة، حين يكونُ المؤكَّد بهما جمعًا تقتضي أن يُجمعا جمع تكسير للقلة على وزن: "أفْعُل"، فقط، ومنع أكثر النجاة الجموع الأخرى التي للقلة والكثرة، فلا يصح: جاء الولاة نفوسهم، ولا عيونهم ... وبناء على هذا الرأي لابد أن تكون صيغتهما على وزن "أَفْعُل" مع إضافتهما لضمير الجمع1. أما إذا كان المؤكَّد مثنى فالأفصح جمعهما على وزن القلة السابق وهو: "أفْعُل" فيقال أنفسُهما، أعيُنهما. لكن يصح إفرادهما وتثنيهما؛ فيقال: نفسُهما، عينُهما، أو: نفساهما، عيناهما2. ومهما كان وزن الصيغة في التثنية فلابد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكَّد3 ...
هذا، ويصح التوكيد بالنفس والعين معًا، ولكن بغير حرف عطف1، ويجري عليهما مجتمعَينِ من حكم الإضافة للضمير المطابق، وتقدم المتبوع، ومسايرته في الضبط الإعرابي، وباقي أحكام التابع ما يجري على إحدهما منفردة؛ نحو: قابلت الواليَ نفسَه، قبض الساحر على الجمرة نفسِها عينِها. ويجب –في الرأي الأقوى– عند اجتماعهما تقديم النفس على العين2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تنفرد كلمتا: "نفس" و"عين" دون بقية ألفاظ التوكيد المعنوي1، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول "ذهب الوالي نفسُه، أو بنفسه، لمحاربة الخوارج" -"أبصرت الواليَ نفسَه، أو بنفسه، وهو في الميدان" ... فكلمة؛ "نفس" توكيد وجرور بالباء الزائدة في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة المتبوع. ويصح في الأمثلة السالفة وضع كلمة: "عين" مكان: "نفس" فلا يتغير الحكم، وتعرف مع حرف الجر مثلها؛ توكيدًا مجرورًا في المحل تابع المؤكًّد "أي: للمتبوع"2. ب– إذا كان المتبوع " المؤكَّد " كنية لوحظ في معنى التوكيد وإعرابه ما سبقت الإشارة إليه "في: "أ" من ص444" سواء أكان بلفظ: "نفس، أو عين أو غيرهما، مما يصلح من ألفاظ التوكيد المعنوي".
الثاني: نوع يراد به إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي –وحدها– المقصودة حقيقة. وله لفظان: "كِلاَ" للمثنى المؤنث، نحو: أفاد الخبيران كلاهما، ونفعتْ الخبيرتان كلتاهما. فلو لم تُذْكَر "كلا" و"كلتا" لكان من المحتمل اعتبار التثنية غير حقيقية، وأن المقصود بالخبيرين أحدهما، وبالخبيرتين إحداهما ... فمجيء "كِلاَ" بعد المثنى المذكر، و"كلتا" بعد المثنى المؤنث يكاد يقطع في أصالة التثنية بفهم لا شك فيه ولا احتمال، ويدل –في الأغلب– على أن المراد هو الدلالة على التثنية الحقيقية التي تنصَبّ على اثنين معًا، أو اثنين معًا1. حكمهما: لابد عند استعمالها في التوكيد أن يسبقهما "المؤكَّد"، وأن يكون ضبطهما كضبطه، وان تُضاف كل واحدة منهما على ضمير مذكور يطابقه في التثنية ليربط بينهما –كما في الأمثلة السالفة- وهذا الضمير لا يصح حذفه ولا تقديره. فإذا تحققت الشروط، وصارتا للتوكيد وجب إعرابها إعراب المثنى2، فيرفعان بالألف، ويُنصبان ويجران بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها؛ نحو: أفادني الوالدان كلاهما، أحببت الوالدَينِ كليهما، دعوت الله للوالدَينِ كليهما. نفعتني الجَدَّتان كلتاهما، أطعت الجَدَّتينِ كلتيهما، استمعت إلى نصح الجَدتينِ كلتيهما. ولما كان الغرض من التوكيد بكلا وكلتا هو ما سلف، كان من المستقبح بلاغة3 أن يقال: تخاصم الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، حيث لا مجال
لاحتمال التخاصم من أحدهما دون الآخر؛ لأن التخاصم لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتمًا؛ فلا فائدة من صيغة التوكيد هنا، ومثله: تَقَاتل اللصان، وتحارَب العدوانِ، وأشباه هذا من كل يخْلو من الاحتمال، ويدل على "المفاعلة" الحقيقية، أي: المشاركة الحتميَّة بين شيئين ... الثالث: نوع يراد منه إفادة التعميم الحقيقي المناسب لمداولة المقصود، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل. وأشهر ألفاظه ثلاثة: "كُلِّ، جميع، عامَّة ". وأقواها في التوكيد، وأكثرها أصالة، هو: كُلَّ، ثم جميع، ثم عامة نحو: قرأت ديوان المتنبي كلَّه، واستوعَب قصائدَه كلَّها. فلو لم نأت بكلمة: "كُلِّ" لكان من المحتمل أن المراد من المقروء ومن المستوعَب، هو: الأكثر، أو الأقل، أو النصف، أو غير ذلك؛ إذ ليس في الكلام ما يدل على الإحاطة الكاملة، والشمول الوافي. فمجيء لفظ: "كلّ"1 منع –في الأغلب– الاحتمالات، وأفاد الإحاطة والشمول بغير مبالغة ولا مجاز2 ... ومثل هذا: غردت العصافير جميعُها لاستقبال الصبح. فلو لم تُذكَر كلمة: "جميع" لكان من المحتمل أن المراد هو تغريد أكثرها، أو بعض منها ... إذ ليس قي الكلام ما يقطع بالدلالة على الإحاطة والشمول، فلما جاءت كلمة: "جميع" أزالت –في الأغلب– الاحتمال، وأفادت العموم القاطع. ومثلها كلمة: "عامة" "والتاء في أخرها زائدة لازمة لا تفارقها في إفراد، ولا في تذكير. ولا في فروعهما. وهي للمبالغة، وليست للتأنيث"، تقول: حضر الجيش عامَّتُه، حضر الجيشان عامَّتُهما، حضر الجيوش عامَّتُهم، حضرت الفرقة عامَّتُها، حضرت الفرْقتان عامَّتُهما، حضرت الفرَق عامَّتهُن ... حكمها: لابد في استعمال كل لفظ من هذه الثلاثة في التوكيد أن يسبقه المؤكَّد، وأن
يكون المؤكِّد مماثلًا له في ضبطه، ومضافًا إلى ضمير مذكور حتمًا، يطابقه في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ليربط بينهما، وان يكون المؤكد، إما جَمْعًا له أفراد1، وإما مفردًا يتجزأ بنفسه، أو يعامله2. فمثال الجمع المؤكَّد: حضر الزملاء كلهم، أو: جميعُهم، أو عامتُهم، كرّمت الزميلات كلَّهن، أو جميعهنّ، أو عامتهنّ، ومنه قول الشاعر: الجود يُفقر، والإقدامًُ قَتَّالُ ... لولا المشقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ ومثال المفرد الذي يتجزأ بنفسه: قرأت الكتاب كلَّه، أو: جميعَه، أو: عامَّتَه. ومثال المفرد الذي يتجزأ بعامله اشتريت الحصان كله، أو: جميعه، أو: عامته. لما سبق كان من المستقبح أن يقال: جاء الأخ كله –مثلًا– لعدم لفائدة من التوكيد؛ إذ يستحيل نسبة المجيء إلى جزء منه دون آخر3.... ومال أكثر النجاة إلى منع هذا وأمثاله، ولم يكتفوا باستقباحه.
وكل واحد من الألفاظ الثلاثة لا يفيد اتحاد الوقت عند وقوع المعنى على أفراده1؛ ففي مثل: حضرت الوفود كلها يصح أن يكون حضورها في وقت واحد، أو في أوقات متباينة، ومثل: غاب الجنود كلهم ... ، يصح أن يكون الغياب في وقت واحد، أو في أوقات متعددة. وهكذا، فهي في معناها تفيد العموم المطلق من غير زيادة محتومة عليه، أما ما زاد عليه فلا يفهم إلا بقرينة أخرى. ويلحق بهذا النوع: ألفاظ العدد التي تفيد العموم2 تأويلًا، لا صراحة؛ وهي الأعداد المفردة "وتتركز في 3و 10 وما بينهما" فهذه الأعداد قد تضاف أحيانًا إلى ضمير المعدود، نحو: مررت بالإخوان ثلاثَتَهم، أو خمستَهم أو سبعتَهم أو....، بالنصب في كل ذلك على الحال3؛ بتأويل: مثلَّثًا إياهم، أو: مخَمَّسًا، أو مسبعًا ... ويصح إتْباع اسم العدد لما قبله فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًّا؛ بمعنى: جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد المعنوي، والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد "كما يقول كثير من النحاة",بل يسري على العدد المركب أيضًا؛ نحو: جاء القوم خمسةَ عشْرَهم3 بالبناء على فتح الجزأين في محل نصب. على الحال، أو في محل آخر يطابق فيه المتبوع4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ، تعرب كلمة: "جميعًا" حالًا، ولا يصح إعرابها توكيدًا لعدم وجود الضمير الرابط. وفي قارة من قرأ قوله تعالى: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، ولا يصح إعراب: "كُلاّ" توكيدًا، لعدم وجود الضمير، وإنما تعرب بَدَلًا من الضمير "نا" اسم: "إنّ" بدل كل من كل. وهذا هو الإعراب الأحسن؛ إذ لا ضعف فيه، ولا مانع يمنع من إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر1 بدل كل من كل.... "كما سيجيء في باب البدل2 منه: قمتُم ثلاثَتُكُمْ". وبدل الكل من الكل لا يحتاج لرابط من ضمير أو غيره. ب- إذا اجتمع أكثر من مؤكد معنويّ –بشرط وجود داع بلاغيّ3، يقتضي هذا الاجتماع– تقدمت4 النفس على العين، ويستحسن تأخير كلمة: "كل" عنهما، ويليها كلمة: "جميع" ثم كلمة: "عامة" وإذا تعددت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وحده5، ولا يصح –في الرأي الأنسب– اعتبار واحد منها توكيدًا للتوكيد. وهذا حكم عامّ في جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة بها. ج- قد تقع ألفاظ التوكيد المعنوي السبعة "وهي: نفس، عين، كِلاَ، كلتا، كلّ5، جميع، عامة" معمولة لبعض العوامل، ولا تعرب توكيدًا لعدم وجود المؤكَّد؛ فتعرب على حسب حاجة ذلك العامل، فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبرًا ... و ... وبالرغم من امتناع إعرابها توكيدًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تظل في حالتها الجديدة تؤدي معنى التوكيد كما كانت تؤديه من قبل، مع أنها في حالتها الجديدة لا تسمى في اصطلاح النحاة توكيدًا، ولا تعرب توكيدًا. وهذا كثير في: "جميع"، و"عامة"؛ نحو: الزائرون انصرف جميعهم، أو: عامتهم الزائرون رأيت جميعَهم، أو: عامَّتَهم الزائرون مررت بجميعهم، أو بعامَّتهم.. أما: "كُلّ" فيكثر وقوعها –عند فقْد المؤكَّدبعد عامل الابتداء، فتكون مبتدأ، ويقل وقوعها بعد غيره؛ فمثال الأول: الحاضرون كلُّهم نابه. ومثال الثاني قول الشاعر: يَميدُ1 إذا والت عليه دِلاؤُهم ... فيصدُرُ عنه كلُّها، وهْوَ ناهلُ وهذا من القليل الذي لا يجسن محاكاته، لوقوعها فاعلًا مع إضافتها للضمير2. ومن الأمثلة للثاني: الحاضرون تكلمَ كلُّهم الحاضرون سمعتُ ملَّهم، وأعجبتُ بكلهم ... وكلمة: "كُلّ" في لفظها مفردة مذكرة دائمًا3، وإذا وقعت مبتدأ، وأضيفت إلى نكرة وجب في الأغلب عند المطابقة مراعاة معنى النكرة في خبر: المبتدأ: "كَلّ"؛ كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، وقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وقول جرير: وكل قوم لهم رأْيٌ ومختبرٌ ... وليس في تغْلبِ رأيٌ ولا خبرٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن أضيفت لمعرفة لم يلزم اعتبار المعنى، وإنما يصح اعتباره أو اعتبار لفظ "كلّ" المفرد المذكر؛ كقوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} . وقوله عليه السلام: "كلكُم راع، وكلكُم مسؤول عن رعيته" ونحو: كلكُم هداةٌ للخير، وكلكم داعون إليه. وقول الشاعر: كلّ العداوات قد تُرجَى إزالتُها ... إلا عداوة مَن عاداك من حَسَدِ وقول الآخر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون غير شماتة الحساد وقد تقع لدلًا كالتي في الآية السابقة، في ص512 على قراءة من قرأها {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} . وقد سبق أن قلنا1 ما نصّه: "إنها تقع نعتًا بشرط إضافتها إلى اسم الظاهر، مماثل للمنعوت في لفظه، وفي معناه معًا –وهو الأغلب– أو مماثل لشيء له صلة معنوية قوية به، فمثال الأول قول الشاعر: كم قد ذكَرتكِ لو أَجزَى بذكرِ كُمُو ... يا أَشبهَ الناسِ كلِّ الناس بالقمرِ فكلمة: "كل" نعت للناس. ومثال الثاني قول الآخر: وإن كان ذنْبي كلَّ ذنب فإِنه ... محا الذنبَ كلَّ المحوِ من جاءَ تائبا فكلمة: "كلّ" –في الشطر الثاني– نعت للذنب، وهي مضافة إلى ما له صلة معنوية بالمعنوت. "وإذا وقعت كلمة: "كل" نعتًا صارت من الجامد المؤول بالمشتق، وصار معناها: "الكامل" في كذا2.. وهو معنى يختلف عن معناها في التوكيد" ا. هـ. ولا يجوز فيها القطع في حالتي استعمالها نعتًا أو توكيدًا كما سبقت الإشارة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذا1 ولا داعي للأخذ بالرأي الذي يبيح استعمالها توكيدًا في الصورة السالفة التي تضاف فيها لاسم ظاهر مماثل لما قبلها على الوجه الذي شرحناه2؛ لأن في الأخذ به خروجًا على الكثير الفصيح من كلام العرب الذي يضيفها عند التوكيد على ضمير مطابق للمؤكَّد "المتبوع" أما المضافة للظاهر فلها معنى آخر، وتأويل مغاير، كما رأينا. "ملاحظة": يقول الصبان في هذا الموضع من باب: "التوكيد" ما نصّه: "اعلم أنّ "كُلاَّ" وشبهها في إفادة شمول كل فرد، إن كانت داخلة في حَيِّز النفي بأن أُخِّرت عن أداته لفظًا؛ "نحو: "ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه ... "، وما جاء كل القوم، وما جاء القوم كلّهم، ولم آخُذْ كلّ الدراهم، ولم آخذ الدراهم كلَّها ... " أو رتبة؛ "نحو: كلَّ الدراهم لم آخذ، والدراهم كلها لم آخُذ ... " توجَّهَ النفي إلى الشمول خاصة، وأفاد سلب العموم. وإلا بأن قُدّمت على أداته لفظًا ورتبه توجَّه النفي إلى كل فرد، وأفاد عموم السَّلب؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: ".. مل ذلك لم يكن ... ". وكالنفي النهي. قال التفتازاني: "والحقّ أن الشق الأول أكثريّ لا كليّ؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} . وقوله: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وقوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} . ا. هـ. كلام الصبان. وأما "كلا" و"كلتا" فيكثر –عند فقد المؤكَّد– وقوعهما بعد عامل الابتداء، ويقل بعد غيره "فهما من هذه الناحية مثل: "كُل"؛ فمثال الأول: حاضران كلاهما3 نابه الحضرتَان كلتاهما نابهة ... ومثال الثاني ما قاله بعض الأعراب وقد خُير بين شيئين: "كليْهما وتَمْرًا". يريد: أعطني كليهما وتمرًا4. وفي هذه الصور وأشباهها يفيدان معنى التوكيد، لكن لا يصح إعرابهما توكيدًا. وأما "نفس" و"عين" فالصحيح عند فقد المؤكَّد وقوعهما معمولين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ –أحيانًا– لبعض العوامل1، وإفادتهما التوكيد المعنوي مع امتناع إعرابهما توكيدًا2، ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} 3، ونحو: جاءني عين الكتاب.... والعرب تقول: نزلت بنفس الجبل، ونفسُ الجبل مقابلي4. د- في جميع أنواع التوكيد المعنوي لا يصح اتحاد توكيد المتعاطفين إلا إذا اتحد عاملاهما معنى، فلا يقال غاب المسافر، وحضر الغائب كلاهما فإن اتحد معنى العاملين صح اتحاد توكيد المتعاطفين، ولو كان لفظ العاملين مختلفًا؛ نحو: ذهب المسافر، وانطلق الصانع كلاهما. هـ- يجوز الفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد بغير أجنبي محض من العامل؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سلف5 ومنه قوله تعالى: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ، وقد أختلفت النحاة في الفصل بالحرف: "إمَّا"، والأحسن الأخ بالرأي الذي يبيحه فيقول: سأسعَد بالقوم إمَّا كلَّهم، وإما بعضهم ... و سبقت الإشارة6 إلى أنه لا يجوز –في أصح الآراء– قطع التوكيد مطلقًا7 حتى كلمة: "كل" إذا صارت نعتًا وجب إتْباعها، وعدم قطعها.
ألفاظ التوكيد الملحقة1 بالثلاثة: هناك ألفاظ ملحقة بالثلاثة السالفة الدالة على الإحاطة والشمول، وهذه الملحقة هي: أجمع، جمعاء، أجمعون، جُمع. وإنما سميت ملحقة لأن الكثير الفصيح في استعمالها أن تقع مسبوقة بلفظة: "كلّ" التي للتوكيد أيضًا، ومطابقة لها، ومقوّية لمعناها2؛ وذلك بأن تقع: "أجمع" بعد: "كُلَ"، و"جمعاء" بعد: "كلها"، و"أجمعون" بعد: "كلهم"، و"جُمع" بعد: "كلهن"، مثل: حصدت الحقل كلَّه أجمعْ، سافرت الأسرةُ كلها جمعاءُ، أقبل الضيوف كلهم أجمعون، أقبلت الفتياتُ كلُّهن جُمَعُ3 ... ومن الجائز –مع قلته4 وفصاحته– أن تستقل كل واحدة من هذه الألفاظ الملحقة، فنقع توكيدًا غير مسبوقة بكلمة: "كل" التي أوضحناها. نحو: استوعبت النصحَ أجمعَ، استظهرت القصيدةَ جمعاءَ، صافحت الزائرين أجمعين5، أكرمت الزائرات جُمَعَ. ولا تدل كلمة: "أجمعين" وأخواتها على اتحاد الوقت عند وقوع
المعنى على الأفراد؛ فهي مثل: "كل" وأخواتها. في إفادة العموم المطلق دون زيادة عليه1. فإذا قلنا: قابلت الزائرين أجمعين فقد تكون المقابلة في وقت واحد أو في أوقات مختلفة. والفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه عدم تثنية: "أجمع" و"جمعاء"، فلا يقال: "أفادني الكتابان أجمعان، ولا أنشدت القصيدين جمعاوين؛ لأن أكثر العرب استغنوا "بكلا" و"كلتا" عن تثنية أجمع وجمعاء2.... وهناك ألفاظ أخرى للتوكيد، تجيء –مجتمعة أو غير مجتمعة– مرتبة وجوبًا بعد "أجمع" وفروعها، وهي بمعناها، وتُعد من الملحقات أيضًا مثلها، وتفيد فائدتها في تقوية معنى: "كلّ" وإن وُجد في الكلام لفظ: "كل"3 وإزالة الاحتمال عن شمولها؛ فيجيء بعد "أجمع" لفظ بمعناه وفائدته؛ هو: "أكْتع"، وإن شئنا الزيادة جئنا بعد "أكْتع"، بلفظ: "أبْصع"، ثم إن شئنا الزيادة جئنا لفظ: "أبْتع" أخيرًا. ونأتي بعد: "جمعاء"، بلفظ: "كتْعاء، ثم بصْعاء، ثم بتْعاء، ونأتي بعد: أجمعين، بلفظ: "أكتعين، ثم أبصعين، ثم أبتعين" –مجموعة جمع مذكر سالمًا– وبعد: "جُمعَ" بلفظ: "كُتَع، بُتَع، بُصَع.." مجموعة على وزن: "فُعَل"4 فالمثال الذي يجمع لفظ التوكيد الأصلي هو: "كُلّ" ويليه ملحقاته المختلفة –كاملة أو غير كاملة– مرتبة على الترتيب السالف وجوبًا، وهو: سافر الوفد كله، أجمعُ أكتعُ، أبصعُ أبتع، سافرت
الكتيبة كلها جمْعاء، كتْعاء، بضْعاء، بتْعاء، حضر المدعوون كلهم، أجمعون، أكتعون، أبضعون، وحضرت المدعوات كلهن جُمَعُ، كُتَعُ، بُضَعُ، بُتَعُ. ويقاس على هذا غيرها من الصور التي تستعمل في الإفراد والتذكير وفروعهما. ويجب ملاحظة ما يأتي: 1- أن جميع ألفاظ التوكيد الملحقة بالثلاثة الأصلية لا تضاف مطلقًا "لضمير ولا لغير ضمير1" بخلاف ألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية مثل: "كُلّ" وسواها؛ فلا بد من إضافتها لضمير مطابق للمؤكَّد، كما عرفنا. 2- أنّ جميع ألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية والملحقة معارف، فأما الأصلية فإنها معارف بسبب إضافتها إلى الضمير الرابط؛ فهي تكتسب منه التعريف. وأما الملحقة فإنها معارف بالعلمية؛ لأن كل لفظ منها هو "عَلم جنس، يدل على الإحاطة والشمول؛ ولهذا لا يجوز نصبه على الحال –في الرأي الصحيح2– ويجب منع الصرف في: "أجمع" و"جمعاء" و"جُمع"، وكل ما كان من تلك الملحقات على وزن: فُعَل3. 3- أن ألفاظ التوكيد الملحقة إذا اجتمعت وجب ترتيبها على الوجه السابق، وقبلها –في الغالب– لفظة:"كلّ"، ويجب إعراب لفظة: "كلّ" توكيدًا للمؤكد الذي قبلها وكذلك بَقية ما بعدها من الملحقات التي تجيء لتقويتها، وإزالة الاحتمال عن شمولها؛ فتُعرب كل واحدة منها توكيد معنويًّا للمؤكَّد "المتبوع" وليس التالي توكيدًا للتوكيد الذي سبقه –في الرأي الأنسب4–
ولا يصح عطف هذه الملحقات بعضها على بعض. أو على شيء قبلها ما دامت مستعملة في التوكيد؛ لأن جميع ألفاظ التوكيد المعنوي –الأصيلة والملحقة– لا يَصح أن يسبقها عاطف؛ -كما سلف1-. وكذلك لا يصح –في الرأي الأصح– الفصل بين كلمة: "كل" وما يليها من هذه الألفاظ الملحقة المستعملة في التوكيد –كما تقدم2-. 4- عرفنا3 أن جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة إذا تعددت كانت توكيدًا للمتبوع وحده ولا يصح أن يكون أحدها توكيدًا للتوكيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الأساليب الصحيحة –كما سبقت الإشارة1– جاء القوم بأجمَعُهم "بفتح الميم، أو ضمها". فكلمة: "أجمع" هذه من الألفاظ التوكيد القليلة، ولا بد أن تضاف إلى ضمير المؤكَّد، وأن تسبقها الباء الزائدة الجارة. وهي زائدة لازمة لا تفارقها. وتعرب كلمة: "أجمع" توكيدًا مجرور اللفظ بالباء الزائدة اللازمة، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة المؤكَّد "المتبوع". وهذا الإعراب أوضح وأيْسر من إعرابها بدلًا من المتبوع، مجرورة اللفظ بالباء في محل رفع، أو: نصب، أو: جر؛ لأن صاحب هذا الإعراب لا يجعل "أجمع" هنا من ألفاظ التوكيد، برغم أنها –عنده– تؤدي معناه وتضاف إلى ضمير مطابق للمؤكَّد. ب- تتلخص أهم الأحكام السابقة الخاصة بألفاظ التوكيد المعنوي فيما يأتي: 1- وجوب تقدم المؤكَّد "المتبوع". ومماثَلة التوكيد له في الضبط. 2- وجوب إضافة لفظ التوكيد إلى ضمير مطابق للمؤكَّد إذا كان لفظ التوكيد أساسيًا، لا ملحقًا. وهذا الضمير لا يصح خذفه ولا تقديره. 3- وجوب تطبيق أحكام التابع التي سبق بيانها، "في ص435". على ألفاظ التوكيد. 4- امتناع وجود عاطف يدخل على لفظ التوكيد إذا أريد بقاؤه للتوكيد. 5- عدم قطعه. 6- إذا تعددت ألفاظ التوكيد كانت لتوكيد المتبوع وحده وروعي في تقديم بعضها عن بعض ترتيب خاصّ. 7- جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة معارف.
توكيد النكرة: ألفاظ التوكيد المعنوي معارف1 بذاتها، أو بإضافتها إلى الضمير المطابق للمؤكَّد. "المتبوع". والنكرة تدل على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفًا وتنكيرًا. لكن يجوز –في الرأي الأصح– توكيد النكرة إذا أفادها التوكيد شيئًا من التحديد والتخصيص؛ يقربها من التعريف نوعًا. وإلا لا يجوز لأنه لا فائدة منه. وتحقق استفادتها من التوكيد إذا اجتمع فيها أمران: أولهما: دلالتها على زمن محدود بابتداء وانتهاء معينين معروفين, كيوم وأسبوع، وشهر ... ,أو على شيء معلوم المقدار؛ كدرهم، ودينار ... وثانيهما: أن يكون لفظ التوكيد من ألفاظ الإحاطة والشمول التي عرفناها؛ تقول عملت يومًا كلَّه، وسافرت أسبوعًا جميعَه، وتنقلت شهرًا عامَّتَهُ ... وتبرعت بدينار كلّه ... وكقول الشاعر2: لكنهُ شاقهُ أنْ قيل ذا رجَبُ ... يا ليت عِدَّةَ حَوْل كُلِّهِ رجَبُ وعلى أساس ما تقدم لا يصخ: عملت زمنًا كله، ولا أنتقت مالاّ كله؛ لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار. كما لا يصح؛ عملت يومًا نفسِه، أو عينه؛ لأن لفظ التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول3.. حذف المؤكَّد "المتبوع" توكيدًا معنويًا: منعت جمهرة النحاة حذف المؤكَّد "المتبوع" بحجة أن الحذف مناف
للغرض من توكيده توكيدًا معنويًا. وأجاز آخرون الحذف، بشرط أن يكون المؤكَّد "المتبوع" ضميرًا رابطًا في جملة الصلة، أو: الصفة، أو: الخبر؛ نحو: جاء الذي أكرمتُ نفسَه، أي: أكرمتُه نفسَه، جاء قوم أكرمتُ كلَّهم، أجمعين، أي: أكرمتهم كلهم أجمعين، الأسْرَةُ أكرمت1 كلَّها أجمعين، أي: أكرمتها كلها أجمعين، وحذفه –عند هؤلاء– في الصلة أكثر من الصفة، وفي الصفة أكثر من الخبر. والأحسن الاقتصار على الرأي الذي يمنع الحذف جهد الاستطاعة؛ لأن حجتهم أقرب إلى العقل والسّماع، ورأيهم أبعد من اللبس والشك، ولم يستند الموافقون على الحذف إلى الأدلة والأمثلة المأثورة التي تكفي لتأييدهم رأيهم. توكيد الضمير المرفوع المتصل والمنفصل توكيدًا معنويًا ... أ- إذا أريد توكيد الضمير المتصل، المرفوع، "المستتر أو البارز" توكيدًا معنويًا يزيل الاحتمال عن الذات، جيء بلفظ التوكيد الذي يحقق هذا الغرض؛ وهو: "نفس" أو "عين"، بشرط أن يَفْصِل بينه وبين المؤكَّد إما ضمير منفصل مرفوع يُعربُ توكيدًا2 لفظيًا مناسبًا للضمير السَّالف، "أي: للمؤكَّد"، وإما فاصل آخر ليس ضميرًا، نحو: أسرعْ أنت نفسُك للصارخ. ونحو: رغبتَ أنت نفسُك في الخبر رغبتما أنتما أنفسُكما لي الخير، رغبتم أنتم أنفسُكم في الخير، رغبتن أنتن أنفسُكن في الخير. ويجوز: "رغبتَ، حقًّا، نفُسك في الخبر"، "رغبتَ يوم الجمعة نفسُك أن تسافر"،"رغبتما، حقًا، أنفسكما في الخير" ... وهكذا. فالفصل واجب، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح3 ...
وعلى أساس ما سبق لا يصح: "تكلم المحمدون أنفسهم" على اعتبار الضمير: "هم" توكيدًا؛ لأن المؤكَّد "المحمدون" ليس ضميرًا متصلًا مرفوعًا، وإنما هو اسم ظاهر لا يؤكده الضمير توكيدًا معنويًّا1 والاسم الظاهر أقوى في الدلالة من الضمير؛ إذ لا يحتاج إلى مرجع يفسره، بخلاف الضمير. أما في نحو: "المحمدون أكرمتهم هي أنفسَهم" فالفصل جائز لا واجب؛ لأن المؤكَّد ضمير متصل، ولكنه ليس مرفوعًا؛ فيؤكَّد الضمير بالضمير، ويجوز: المحمدون أكرمتهم أنفسَهم بغير توكيد بالضمير. وأما في نحو: المحمدون قاموا كلَّهم، فالفصل جائز أيضًا لا واجب؛ لأن لفظ التوكيد وهو: "كل" ليس: "النفس" أو "العين"2 ... ب- وإذا أريد توكيد الضمير المرفوع المنفصل، أو بالنفس" أو: "بالعّيْن"، فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ كلاهما لا يحتاج إلى
فاصل؛ تقول: أنت نفسك سَافرت، أنتما أنفسكما سافرتما، أنتم أنفسكم سافرتم ... وهكذا ... القسم الثاني التوكيد اللفظي1: هو تكرار اللفظ السابق بنَصّه2، أو بلفظ آخر مرادف3 له. والمؤكَّد "المتبوع"، قد يكون اسمًا، نحو: الشمسُ الشمسُ أُمُّ الأرض. وقد يكون فعلًا؛ نحو: تتحرك تتحرك الأجرام السماوية، وقد يكون حرفًا؛ نحو: نَعَمْ نَعَمْ أيها الداعي إلى الهدى. وقد يكون جملة فعلية، أو: اسمية؛ نحو: "الخير محمودُ المَغَبَّة تواتيك عواقَبه". "الخير محمو، المَغَبَّة تواتيك عواقبه". وقد يكون اسم فعل؛ نحو:
هي الدتيا تقول بِمْلءْ فيها ... حَذَارِ حَذارِ منْ بطشي وغَدْري ومثال التوكد اللفظي بالمرادف: الذهبُ التبرُ مختبئ في صحارينا ... هذا، وفي جميع صوَر التوكيد اللفظي وحالاته لا يصح تكرار اللفظ السابق "وهو: المؤكَّد"، أكثر من ثلاث مرات؛ كقول الشاعر: أَلاَ حَبّذّا حَبّذا، حَبّذا ... صديق تحملْتُ منه الأَذى وقول الآخر: أَلا، يا اسْلَمِي، ثُمْ1 ثُمَّتَ1 اسْلَمِي ... ثلاثَ تَحيَّات، وإِنْ لَمْ تَكَلَّمي2 الغرض منه: الغرض من التوكيد اللفظي3؛ أمور؛ أهمها: تمكين السامع من تدارك لفظ لم يسمعْه، أو سمعه ولكن لم يتنبه. وقد يكون الغرض التهديد؛ كقوله تعالى في خطاب المعاندين بالباطل: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} . وقد يكون التهويل: كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ 4 مَا يَوْمُ الدِّينِ 5 ? ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ?} . وقد يكون التلذّذ بترديد لفظ مدلولُه محبوب مرغوب فيه، نحو: "الصحة، الصحة!! هي السعادة الحقَّة الحقَّة" الجنة الجنة!! ما أسعدَ من يفوز بها" "الأمّ، الأمّ!! أعذب لفظ ينطق به الفم6" ...
هذا، والأغراض السالفة هي أهم ما يميز التوكيد اللفظي بالمرادف من عطف البيان كما سيجيء في بابه1.... أحكامه: للتوكيد اللفظي أحكام تختلف باختلاف نوع الموكَّد "المتبوع" من ناحية أنه اسم، أو فعل، أو حرف، أو جملة، أو اسم فعل، وتتلخص هذه الأحكام فيما يأتي، "والأول منها عام ينطبق على جميع أنواع التوكيد اللفظي، ولا تختلف فيه نوع عن نوع". أ- اللفظ الذي يقع توكيدًا لفظيًا، ممنوع من التأثر والتأثير، "أي: لا تؤثر فيه العوامل؛ فلا يكون مبتدأ، ولا خبرًا، ولا فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا غيره ... ؛ فليس له موضع، ولا محل من الإعراب، مطلقًا وكذلك ليس له تأثير في غيره مطلقًا؛ فلا يحتاج لفاعل، أو مفعول، أو مجرور، أو غيره2 ... " وإنما يقال في إعرابه: "إنه توكيد لفظي لكذا"؛ فهو تابع له في ضبطه الإعرابيّ، من غير أن يكون كالمتبوع فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو غير ذلك ... ومن غير أن يكون له محلّ من الإعراب، أو معمول ... ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون لفظ التوكيد اسمًا، أو فعلًا، أو حرفًا، أو جملة، أو اسم فعل؛ ففي مثل: إن الشمس إن الشمس قاتلة للجراثيم، تُعرب: "إنّ" الثانية "توكيدًا لفظيًا"، وليس لها عمل ولا محلّ. كما تعرب "الشمس" الثانية "توكيدًا لفظيًا" وليس لها عمل ولا محلّ، وليست معمولة. و"قاتلة" خبر "إن" الأولى، التي لها العمل وحدها، وهي التي تحتاج إلى الاسم والخبر، دون الثانية.
ويصح أن يقال –كما سيجيء1: إن الشمس إنها قاتلة للجراثيم. فكلمة "إن" الثانية توكيد لفظي لا عمل لها، ولا محلّ، و"ها" ضمير عائد على الشمس، مبني على السّكون، لا محل له من الإعراب؛ فليس اسمًا ل "إنّ"، ولا غيرعا، ولا عاملًا، ولا معمولًا لشيء مطلقًا؛ وإنما هو مجرد رمز يحاكى2 اسم "إنّ" الأولى، ويعرب توكيدًا لفظيًا له3 ... وهكذا كل رمز آخر يشبهه. ومن الواجب مراعاة ما سبقت4 الإشارة إليه، وهو: أن المؤكَّد "المتبوع" لا يصح تكراره أكثر من ثلاث مرات. 1- فإن كان اسمًا ظاهرًا "ومثله: اسم الفعل". فتوكيده اللفظيّ يكون بمجرد التكرار، نحو: النجومُ النجومُ معلقة في الفضاء، والشمسُ واحدة منها، والأرض الأرضُ كالحصاة الصغيرة بين آلاف من الكواكب الأخرى. فكلمة: "النجوم" الثانية، وكذلك كلمة: "الأرض" الثانية توكيد لفظيّ، وكلتاهما تضبط كالأولى؛ لأنها تابعة لها في الضبط فقط، من غير أن يقال عن الثانية إنها مبتدأ، أو خبر؛ أو فاعل، أو غيره مما له موقع إعرابي ... ويستثنى من هذا الحكم الأسماء الموصولة، فإنها لا تؤكَّد توكيدًا لفظيًا إلا بإعادة لفظها وصلته معه، فلا يجوز تكرار الاسم الموصول وحده دون تكرار صلته. نحو: الذي سمَك السماء، الذي سمك السماء قادر على دَكّ عروش الظالمين ... هذا، والأغلب أن الاسم الظاهر لا يكون توكيده اللفظي ضميرًا –لما سبق بيانه5-.
2- وإن كان المؤكَّد "وهو المتبوع" ضميرًا متصلًا -مرفوعًا، أو غير مرفوع– فمن الممكن توكيده توكيدًا لفظيًّا بضمير يماثله في معناه لا في لفظه؛ فيكون توكيده بالضمير المنفصل المرفوع المناسب له في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ نحو: أرأيت أنت1 الخير وافى خاملًا –يُفْرِحك أنت وصول الحق إلى صاحبه، هل أنت في عمل الخير فتؤجرَ؟. ونحو: أرأيتما أنتما ... أرأيتم أنتم ... أرأيتن أنتن..2 ففي الأمثلة السالفة وقع الضمير المنفصل المرفوع "أنت وفروعه"، توكيدًا لفظيًّا لضمير قبله متصل، مرفوع، أو: منصوب، أو مجرور؛ وفي كل من الثلاث يعرب الضمير "أنت" وفروعه توكيدًا لفظيًا مبنيًا على الفتح أو غيره، ولا يقال فيه أنه مبني في محلّ رفع، أو: نصب، أو: جر، إذ ليس للتوكيد اللفظيّ محل إعرابيّ؛ لأن المحل الإعرابي لا يكون إلا للمبتدأ، أو الخبر، أو الفاعل، أو غيرها مما له موضع إعرابي لا يقوم على التوكيد اللفظيّ. ومن الضمير المرفوع المتصل ما هو بارز كالأمثلة السابقة، وما هو مستتر كالفاعل لك من الأفعال الآتية في قوله عليه السلام: "كُلْ واشربْ، والْبَسْ في غير مَخِيلة3 ولا كِبْر" ... فكل فعل من هذه الأفعال له فاعل ضمير مستتر مرفوع، تقديره: أنت. فإذا أريد توكيد هذا الفاعل المستتر توكيدًا لفظيًّا فتوكيده بالضمير المرفوع البارز "أنت"، وهو غير الفاعل المستتر. فنقول: كُلْ أنت، واشربْ أنت والبسْ أنت، "فأنت" الضمير الظاهر هو توكيد لفظي للمستتر، ومثله قول الشاعر: إذا ما بدتْ من صاحب لك زَلَّهٌ ... فكنْ أَنتَ محتالًا لزَلَّته عُذْرًا فالضمير: "أنت" البارز توكيد لاسم: "كان" المستتر، وتقديره: أنت، أيضًا، والضمير: "أنت" المؤكَّد، هو في أصلة أحد ضمائر الرفع البارزة فحقه أن يؤكَّد الضمير المرفوع فقط، لكنه –على الرغم من هذا– يكون أحيانًا
كثيرة توكيدًا لفظيًا لضمير غير مرفوع كما علمنا، فيخالف بهذا ما يناسب أصله الأول، ولكن هذه المخالفة مقبولة، وقياسية قوية. 3- وإن كان المؤكد "وهو: المتبوع" ضميرًا متَّصلًا مرفوعًا، أو غير مرفوع وأريد توكيده بضمير يماثله في اللفظ والمعنى معًا، وفي الاتصال، وفي النوع الإعرابيّ1 فلا بد أن يعاد مع التوكيد اللفظُ الذي يتصل –مباشرة– بالمؤكَّد "المتبوع"، أي: أنه لا بد من تماثل الضميرين "التابع والمتبوع" في اللفظ، وفي المعنى، وفي الاتصال، وفي أن يسبق كل ضمير منهما –مباشرة– لفظ يماثل الذي يسبق الآخر في نصَه ومعناه، ونحو: "انساب حولي صوت غنائي ساحر؛ فجعلت أسمعه أسمعه، وأصغي إليه إليه؛ فامتلأت النفس سرورًا". ولا يصح إعادة المؤكَّد "المتبوع" وحده لأن هذا يخرجه عن الاتصال. ففي الأمثلة المذكورة أريد توكيد الضمير المتصل المرفوع، وهو: "التاء" التي في آخر الفعل الأول: "جَعَلْ" فأكدنا هذا الضمير بمثله في كل ما أوضحناه، وهو "التاء" الثانية التي هي كالأولى في لفظها، وفي أنها ضمير، متصل، للرفع، مسبوق بفعل كالفعل الذي سبق المؤكَّد "المتبوع". وكذلك أريد توكيد الضمير المتصل المنصوب؛ وهو: "الهاء" في آخر الفعل الأول: "أسمع" فأكدناه "بالهاء" الثانية التي تماثله في لفظه، ومعناه، واتصاله، ووقوعه بعد فعل كالفعل الذي سبق المؤكَّد "المتبوع". وكذلك أريدَ توكيد الضمير المجرور، وهو: "الهاء" التي بعد "إلى" الأولى، فأكّدناه بالهاء الثانية التي تماثله في لفظه ومعناه، واتصاله، ووقوعه بعد حرف جو يماثل الحرف كالذي قبلي المؤكَّد "المتبوع" تمام المماثلة ... "هذا، وكل لفظ تكرر –بعد الأول– لا يكون له محل إعرابي كما سبق"2....
4- وإن كان المؤكَّد "المتبوع" ضميرًا منفصلًا مرفوعًا أو منصوبًا1 فتوكيده اللفظي يكون بتكرار بغير مشروط. "أي: أن توكيده بضمير يماثله لفظًا ومعنى" فمثال المرفوع: أنت أنت مفطور على حب الخير. ومثال المنصوب قول الشاعر: وإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ2، فإِنه ... إِلى الشَّر دعَّاء، وللشَّرِّ جالبُ ويتضح من هذا أن المنفصل المنصوب لا يصح توكيده بالمنفصل المرفوع، فلا يقال إياك أنت أكرمت، ولا ما أكرمت إلا إياك أنت، على اعتبار كلمة: "أنت" للتوكيد في الصورتين. ج- إن كان المؤكد فعلًا -ماضيًا أو مضارعًا3- فإن توكيده اللفظي يكون بتكراره وحده دون تكرار فاعله4 ولا يكون للفاعل المؤكِّد "التابع" فاعل؛ إنما الفاعل للأول "المتبوع" كقول أعرابي، وقد سئل: أتقول الحق؟ فأجاب: "وهل يقول غيري الحق؟ وأنا من معشر وُلد وُلد الحق معهم، ولم يفارقهم". فلفظة "يقول" الثانية، ومثلها: "وُلد" الثانية لا محل لها من الإعراب. د- وإن كان المؤكد حرفًا: 1- فإن كان حرف جواب5 يفيد الإثبات أو النفي فتوكيده اللفظي يكون بتكراره فقط؛ كقول أعرابي لأخيه الحزين: "فيم الأسف ما فات
وليس على الأرض باق؟ نَعَم نعم. ليس في طول الحزن إلا إطالة الشقاء، واستدامة العذاب" ... وقول الآخر، وقد سئل: لِمَ تُحاذر فلانًا وهو يصادقك؟ فأجاب: "لا. لا؛ فليس المنافق بالصديق. ورب صداقة ظاهرة، باطنُها عداوة كامنة، وهي أشد ضررًا، وأعمق خطرًا من العداوة السافرة". 2- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابيّ وقد اتصل به ضمير فتوكيد هذا الحرف لا يكون بتكراره وحده، وإنما يكون بتكراره ومعه الضمير المتصل به. ويجب الفصل بين المؤكد بفاصل نماَّ؛ لك1 لك منزلة الشقيق البارّ؛ وبك بعْد الله أستعين ... وكقول الشاعر: أَيَا مَنْ لَسْتُ أَقْلاهُ2 ... ولا في البُعْد أنساهُ لك اللَّهُ عَلَى ذاكا ... لك اللَّهُ لكَ اللَّهُ 3- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابيّ –أيضًا– وقد اتصل باسم ظاهر فتوكيده اللفظي يكون بتكراره ومعه الاسم الظاهر، أو ضمير هذا الاسم الظاهر، -وإعادة الضمير أفصح، وفي الحالتين يجب الفصل بين الحرفين؛ المؤكَّد والمؤكِّد. ويصح في الفصل الاكتفاء بذلك الاسم الظاهر، نحو: "إن العاقل الكريم، إن العاقل الكريم، أحرص على إماتة الحقد من تنمية أسبابه" أو: "إن العاقل، إن العاقل أحرى على إماته الحقد ... "، أو: "إن العاقل إنه أحرص على إماته الحقد ... " ومثل: "آفة النصح أن يكون جهارًا، فليت الناصح الحكيم ليت الناصح الحكيم لا يعلنه"، أو: "ليت الناصح لا يعلنه"، أو: "ليت الناصح ليته لا يعلنه" ومن أمثلة الفصل بالاسم الظاهر وحده قول الشاعر: فتلك ولاةُ السوءِ قَدْ طالَ ملكُهُم ... فحتَّام3 حتام العناء المطول الْمُطَولَّ؟
ولو كان الحرف المؤكَّد داخلًا على مضاف فالحكم السابق أيضًا فيتكرر المؤكَّد "المتبوع" ومعه الاسم المضاف والمضاف إليه أو ضمير المضاف إليه: والأحسن إعادة الضمير مع الفصل بينهما في الحالتين. نحو: الكريم يود الكريم، واللئيم يودّ الناس على رجاء الفائدة. على رجاء الفائدة، أو: على رجاء الفائدة على رجائها1. 4- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابي –أيضًا– وقد دخل على حرف آخر فالتوكيد اللفظي يكون بتكرار الأول مع ما دخل2 عليه. ومن أمثلة هذا دخول "يا" على "ليت" وفي قول الشاعر3: ويا ليتني ثم4 يا ليتني ... شهدتُّ وإن كنت لم أَشهدِ هذا، وتوكيد الحروف توكيدًا لفظيًا على غير الوجه السالف ضعيف، بل شاذ، لا يصح القياس عليه، كقول القائل إنّ إنّ الكريم يحلُمُ ما لم ... يَريَنْ من أَجَاره قَد أُضيمَا فقد تكرر الحرف: "إنّ" بغير فصل ولا إعادة شيء. ومثل قول الآخر: حتى تراها5 وكأَنَّ وكأَنْ6 ... أَعناقَها مشدداتٌ بقَرنْ7
فقد تكرر الحرف "كأَنَّ" من غير إعادة شيء معه، ولكن وجد فاصل بين الحرفين. وهو: "واو" العطف، فكان الضعف هنا أخف منه في البيت السابق1. ومثل قول الآخر يشكو حاله وحال أتباعه: فلا واللهِ لا يُلْفَى2 لما بي ... ولا لِلِما بهم أبدًا دواءُ فقد تكرر الحرف اللام "لِلِمَا" بغير فصل ولا إعادة شيء. والتوكيد هنا واضح الثقل؛ لأن الحرف فَرْدِيّ؛ فتكراره مباشرة يزيد ثقله ويوضحه3. وأخف منه في الثقل لاختلاف الحرفين مع منعهم إياه إلا في المسموع، قول الشاعر: فأَصبحْنَ لا يسأَلْنَهُ عن بِمَا بِهِ ... أصَعَّدَ في عُلْو الهوى أم تَصَوَّبا فقد أتى "بالباء" بعد، "عَن" وهما يستعملان في معنى واحد، إذ يقال سألت به، وسألت عنه4. والحق أن الأمثلة ثقيلة، فوق أن الدافع إلى أكثرها قد يكون الضرورة الشعرية. فاستبعادها أفضل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا أن توكيد الحروف الجوابية توكيدًا لفظيًا لا يتطلب أكثر من تكرار الحرف، وأشرنا1 إلى أن الحكم ينطبق على بعض حروف أخرى؛ فقد قالوا2: لا يشترط شيء عند توكيد الحرف توكيدًا لفظيًا إن كان الحرف للجواب كقول الشاعر: لا –لا –أبوحُ بحُبّ بَثْنَةَ إنها ... أّخذت عليَّ مواثقًا وعهودًا وكذلك إنْ كان مفصولًا من المؤكَّد بسكته3؛ كقول الشاعر: لاَ يُنْسِكَ الأسى تأَسِّيًا؛ فَمَا ... ما مِنْ حِمَامٍ أَحدٌ مُعْتَصِما4 أو: كان مفصولًا بجملة اعتراضية؛ نحو: إنّ –وأنت تعرف ما أقول– إن شر الإخوان من يحذف أخاه عند الشدائد. أو: كان مفصولًا بعاطف5 كقول الشاعر: ليتّ شعري!!! هل، ثُم هَلْ آتِيَنْهُمْ ... أَم يَحولَنَّ دُون ذَاكَ حِمَامُ؟
هـ- وإن كان المؤكَّدُ جملة اسمية أو فعلية جاز تكرارها بعطف صُورِيّ أو بغير عطف. والأكثر أن يكون بالعطف الصَّورِيّ، وأن يكون العاطف المهمل هو الحرف "ثمَّ"1 –غالبًا- ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} 2 ... وقولهم للتَّقيّ: "الثواب عظيم، الثواب عظيم". وللشقيّ: "الحساب عسير، الحساب عسير". ومما تجب ملاحظته أن العاطف هنا مهم لا يعطف مطلقًا، فهو صوريّ، أيْ: في صورة العاطف وشكله الظاهر، دون حقيقته3 ... ويجب ترك العطف بين الجملتين إذا أوقع في لبس، نحو: عاقب الحاكم اللصوص، عاقب الحاكم اللصوص، فلو قلنا؛ عاقب الحاكم اللصوص ثم عاقب الحاكمُ اللصوص لوقع في الوهم أن العقاب تكرر، وأنه مرتان؛ إحداهما بعد الأخرى. مع أن المراد: مرة واحدة. و نعيد هنا ما قلناه في مناسبة سابقة4، وهو أن توكيد المصدر لعامله نوع من التوكيد اللفظيّ، فيؤكد نفس عامله إن كان مصدرًا مثله، ويؤكد مصدر عامله الذي ليس بمصدر، ليتحد المؤكَّد والمؤكِّد معًا في نوع الصيغة؛ تطبيقًا لشرط التوكيد اللفظي –ومنه التوكيد بالمصدر الذي نحن فيه– فمعنى
قولك: عبرت النهر عبرا ... هو: عبرت النهر، أوجدت عبرا عبرا. وهذا رأي كثرة النحاة1. حذف المؤكد "المتبوع" في التوكيد اللفظي3. لا يكاد يوجد خلاف في منع حذف المؤكَّد توكيدًا لفظيًّا؛ لأن حذفه منافٍ –حقًا- لتكراره.
المسألة 117
المسألة 117: ج- العطف بنوعيه العطف نوعان: عطف بيان، وعطف نسق1، وفيما يلي بيانهما: 1- عطف البيان: نسوق بعض الأمثلة لإيضاح هـ: 1- قال أحد المؤرخين "طَرَقَ الحسينُ بنُ عليّ –رضي الله عنهما– باب سيد كريم في قومه؛ هو: "امرؤ القيس الكلبيّ" وخطب بنته: "الرَّبَاب" فرحب به أبوها، وملأت الفرحة جوانب نقسه؛ لعلمه أن هذه المصاهرة ستربطه ببيت الرسول: "محمد" عليه السلام، وتسجل له شرفًا خالدًا على الأيام.. وتمَّ الزواج، وأنجبت الرَّبَاب فكان من ذريتها: الأديبةُ المتفقهة "سُكَينةُ" إحدى شهيرات النساء في الصدر الأول والتي قيل فيها2: كانت "سكَيْنةُ" تملأُ الدُّنيا ... وتهزأ بالرواةِ رَوَتِ الحديث وفسّرتْ ... آيَ الكتابِ البينات ... " فلو أن المؤرخ قال: طرق "الحسين" باب سيد كريم لتَساءلنا: من هو "الحسين"؟ ولشعرنا أن هنا الاسم –برغم أنه معرفة بالعَلِمية– يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتبيين يزيل عن حقيقة صاحبه، وعن ذاته3 شائبة الإبهام،
إذ لا ندري أهو الحسين بن علي، أم غيره؛ لاشتراك هذا الاسم بين أفراد متعددة، كل منها يسمىك "الحسين". لكن حين قيل: "الحسين بن عليّ" زالت تلك الشائبة بسبب كلمة: "ابن" الجامدة1 التي وضحت المقصود، وعينت المراد، والتي معناها هنا معنى: "الحسين" لأن "الحسين" المقصود هو "ابن علي"، و"أين عليّ" المقصود هو: "الحسين" فالمراد من الكلمتين ذات واحدة، ولكن الثانية أوضحت الأولى –كما قلنا– مع أنها تخالفها لفظًا، لا معنى وذاتًا. وكذلك خطب: "بنته" فإن كلمة: "بنت" هنا معرفة؛ بإضافتها إلى الضمير، لكنها –بالرغم من تعريفها– مُغَشَّاة بشيء من الشيوع والإبهام يجعلنا لا ندري حين نسمعها: أيُّ بنات الرجل هي؟ أتكون ذات "الرَّبَاب" أم ذات غيرها؟.... فلما قال: "الرباب" تحدد الغرض، وتعينت ذات واحدة دون غيرها؛ بسبب كلمة: "الرباب" الجامدة التي أزالت الابهام، وأوضحت المراد، وبين معناها الذي هو معنى: "البنت" لأن حقيقة البنت المقصودة هنا في الكلام هي حقيقة "الرباب" وذات "الرباب" المقصودة هي ذات البنت التي يدور بشأنها الكلام. فهما مختلفتان لفظًا، مع اتفاقهما معنّى وذاتًا. ومثل هذا يقال في كلمة "الرسول" السالفة. فما حقيقة الرسول المراد؟ وما ذاته؟ إنّ كلمة: "الرسول" برغم تعريفها هنا "بأَلْ" تحتاج إلى تعيين أكمل وإيضاح وأشمل؛ لانطباقها على عدد من الأفراد. فلما جاء اسم: "محمد"2 تم به التعيين الذاتي، وزال ما قد يحوم حول مدلول "الرسول" من شيوع وإبهام؛ بفضل كلمة: "محمد" التي عينت ذاته؛ لأنها بمعناها تمامًا، والمراد منها ذات واحدة. ومثل هذا كلمة: "الأديبة". فهذه الكلمة –برغم تعريفها هنا "بأل"– لا تدل دلالة دقيقة على ذات واحدة معيَّنة دون غيرها، وإنما تصدق على أدبيات متعددات، فلما جاء بعدها كلمة بمعناها، هي: "سُكَيْنة" الجامدة تركز المراد: في ذات أديبة واحدة معينة، لا ينصرف الذهن إلى سواها، وهي الذات
المقصودة التي تدل عليها كل واحدة من الكلمتين. فنلحظ مما سبق أن كل كلمة من الكلمات التي عرضناها "وهي: "ابن"، الرباب، محمد، سُكَيْنة.." جامدة، قد أزالت عن المعرفة التي قبلها ما يشوبها من غموض، وشيوع، وأوْضحت المقصود منها إيضاحًا لا يكاد يترك أثرًا لإبهام أو اشتراك، وهي في الوقت نفسه بمعنى تلك المعرفة دون لفظها فمدلولها ذات واحدة، بالرغم من اختلاف لفظها. 2- كتب أحد الأدباء إلى خطيب: "عرفتك قبل اليوم عذبَ الكلام. حُلوَ الحديث، وسمعتك الليلة خطيبًا بارعًا عبقريًا ... ولقد أصغيتُ إلى قلتَ؛ فإذا كلمةٌ، "خطبةٌ" اسْتهوت الأفئدةَ، وأداءٌ، "تمثيل" خلَب الألبابَ، وجرْسٌ، "نغَمٌ" جسَّم المعانيَ، وكشف للعيون دلالات الألفاظ؛ حتى كدنا نراها بيننا تروح وتغدو ... ". فلو أن الكتب كتب: "أصغيت إلى ما قلت فإذا "كلمة" ... " لذهبت لنا الظنون، مذاهب عدة في الذات المرادة من هذه الكلمة المصوغة بصيغة النكرة. أهي ذات كلمة واحدة؟ أهي شعر أم نثر؟ أخطبة أم مقالة.... ولكن الكاتب ازال كثير من الظنون حين قال بعد ذلك: "خطبة" ومعناها هنا. والمراد من ذاتها هو معنى: "كلمة" وذاتها فتحدّد المراد من: "كلمة" بعض التحديد، وحُصِرَتْ النكرة في دائرة أضيق من الدائرة الأولى الواسعة الإبهام والشيوع. وصارت النكرة مختَصة بعد أن كانت مطلقة كاملة الإبهام والشيوع. وكذلك كلمة: "أداء"؛ فإنها نكرة مطلقة، قد يراد منها ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء في استيفاء المعاني ... أو ... ؛ فجاءت بعدها كلمة: "تمثيل" التي هي بمعناها هنا، فحددت بعض التحديد المراد من حقيقة الأداء وذاته، وقللت الاحتمالات في فهم المراد من تلك النكرة، أو: بعبارة أخرى: خصّصتْها، وقيدت شمولها بعض التقييد. ومثلها كلمة: "نَغَم" بعد النكرة: "جَرْس". فكل كلمة من الثلاث: "خطْبة، تمثيل، نَغَمْ، وأمثالها، هي كلمة
جامدة، وقد خَصُّصَت النكرة التي قبلها بعض التخصيص، وحددت شيوعها وإبهامها بعض التحديد. وهي في الوقت نفسه بمعناها، دون لفظها؛ فالمراد منها ذات واحدة. وكل واحدة من هذه الثلاث، ومن الأربعة التي سبقتها في المثال الأول –ونظائرها- تسمى: عطف بيان، ويقولون في تعريفه: إنه تابع1 جَامد –غالبًا– يخالف متبوعه2 في لفظه3، ويوافقه في معناه المراد منه الذات4، مع توضيح الذات إن كان المتبوع معرفة، وتخصيصها5 إن كان نكرة6 ...
أوجه التشابه والتخالف بين عطف البيان 1 والتوابع الأخرى: من التعريف السابق يتبين أن عطف البيان يشبه بعض أنواع النعت الحقيقي في إيضاح المتبوع أو تخصيصه، على الوجه المشروح في باب النعت "وقد يشبهه في القطْع" –كما أسلفنا– والفارق بينهما أن النعت الحقيقي لا بد من اشتماله على ضمير مستتر يعود على المنعوت، وأن الغالب على النعت الحقيقي: "الاشتقاق" وأنه لا يوضح ولا يخصص الذات الأصلية لمنعوته بلفظ يدل عليها مباشرة، وتكون هي المرادة منه، وإنما يوضح منعوته بصفة عرضية وأمر طارئ على الذات، كالفهم، والحسن، والطول، والقصر. أما عطف البيان فإنه يوضح أو يخصص الذات نفسها، لا بأمر عرضي طارئ عليها2: وإنما بلفظ يدل عليها مباشرة وهو عين معناها، فهو بمنزلة التفسير للأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه في العرف والاستعمال من غير أن يتضمن حالة من الحالات العرضية التي تطرأ على الذات وتوصف بها. ولهذا يغلب أن يكون عطف البيان جامدًا أي: غير مشتق فيكون العلم المجرد، والكنية. فلا ضمير فيه؛ لأن الغالب عليه الجمود –كما سبق– ومن الجائز ألا يتحقق فيهما هذا الفارق الأغلبي إذ يصح –بقلة– وقوع النعت جامدًا مؤولًا بالمشتق. ووقوع عطف البيان مشتقًا، ولكن الأولى مراعاة الأغلب الأفصح. كما يتبين أن عطف البيان قد يشابه التوكيد اللفظيّ بالمرادف في بعض الصور مثل: "تبْرٌ ذَهَبٌ" في أن كلًا منهما كمتبوعه في معناه، دون لفظه. إلاّ أن الغرض من عطف البيان هو: الإيضاح أو التخصيص3. أما الغرض من التوكيد اللفظي -بتكرار اللفظ أو مرادفه- فأمر آخر، وأوضحناه في بابه4، وعلى
ملاحظة هذا الغرض الذي تدل عليه القرائن يتعين أحدهما في موضع لا يصلح له الآخر. أما المشابهة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل1 "من ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما2 وجمودهما، دون لفظهما". فغالبة3، ولا يصح في أكثر حالاتهما أن يحب محل الآخر من غير أن يتأثر الكلام بهذا التغيير –كما سيجيء في باب البدل- نحو: ما أعجبَ ملكة النحل؛ "اليعسوبَ". تدير مملكتها بحزم ومهارة، وتراقب رعيتها بيقظة واهتمام، ولا تستقر في قصرها "خَلِيَّتِها"، إلا فترات قصيرة للراحة والهدوء. فكلمة: "اليَعسوب"، عطف بيان، أو بدل كل من كل، من النحلة، وكلمة: "خلي" عطف بيان، أو بدل كل من كل، من: قصْر4 ... حكم عطف البيان: عطف البيان تابع يطابق متبوعهُ5: في أربعة أمور محتومة6، ولا بدّ أن يكون اسمًا ظاهرًا7 في جميع أحواله: أولها: في ضبطه الإعرابيّ "من ناحية الرفع، والنصب, والجر". ويجوز فيه القطع8؛ كالنعت. وثانيهما: في تعريفه وتنكيره9.
وثالثها: في تذكيره وتأنيثه. ورابعهما: أنه لا بد أن يطابقه في أربعة أمور من عشرة1 ... كما في الأمثلة التي سلفت2 ... وقد يقع عطف البيان بعد أيْ "بفتح الهمزة
وسكون الياء"، التي هي حرف تفسير1، فلا يتغير من حكمه شيء؛ نحو: هذا الخاتم لجين، أي: فضة. وفي هذه الصورة يتعين عطف البيان أو بدل الكل؛ إذ لا يقع سواهما بعد: "أي" التفسيرية.
الارتباط بين عطف البيان وبدل الكل من الكل 1: أشرنا2 إلى أن المشابهة غالبة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل، في ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما3، وجمودهما، دون حروفهما، والأحسن القول بأن المشابه بينهما كاملة فيما سبق، لا غالبة، إذ التفرقة بينهما قائمة على غير أساس سليمن فمن الخير توحيدهمان لما في هذا من التيسير، ومجاراة الأصول اللغوية العامة. أما الرأي الذي يفرق بينهما في بعض حالات فرأى قام على التخيل، والحذف، والتقدير، من غير داع، ومن غير فائدة ترتجى. ومن السداد إهماله وإغفاله4. على أنا نشير هنا إلى بعض الصور التي يتحتم فيها العطف البياني بناء على ذلك الرأي؛ ويمتنع بدل الكل، مُرَددين بعد ذلك عدم الالتفات إلى الرأي السالف. منها5: 1- أن يكون التابع مفردًا، معرفة: منصوبًا، والمتبوع منادى، مبنيًا على الضم مثل: يا صَديقُ عليًّا6. فيجب عندهم إعراب: "عليًا" عطف بيان، ولا يصح إعرابه بدل كل؛ لأن البدل لا بد أن يلاحَظ معه في التقدير تكرار العامل الذي عمل في المتبوع، بحيث يصح أن يوجد هذا العامل قبل التابع وقبل المتبوع معًا، من غير أن يترتب على التكرار فساد لم يصح إعراب الكلمة "بدل
كل"ووجب الاقتصار على إعرابها "عطف بيان" فقط. وهذا معنى قولهم: "إن البدل على نية تكرار العامل". فتقدير الكلام في المثال السالف: يا صديق عليًا؛ بتكرار العامل، وهو "يا" ووجوده قبل المتبوع حقيقة، وقبل التابع تخيلًا. وهذا التكرار يؤدي إلى خطأ النصب في كلمة "عليًّا" المذكورة؛ لأنها في التخيل: منادى مفرد علم؛ فيجب بناؤها على الضم؛ طبقًا لأحكام المنادى، ولا يجوز نصبها. إلا على اعتبارها عطف بيان1؛ لأن عطف البيان لا يلاحظ فيه تكرار العامل، ولا أنه مقدّر قبل التابع، وإنما يكتفي بوجوده قبل المتبوع فقط. فإعراب الكلمة المذكورة: "عليًّا" بدلًا، يؤدي عندهم إلى فساد نحويّ يجب توقيه، بالعدول عن البدل إلى عطف البيان، أو غيره إن أمكن. 2- أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها مع إعرابه مضافًا إليه، والمضاف اسم مشتقٌ، إضافتُه غير محضة2؛ نحو: نحن المكرمُو النابغةِ هند؛ فيجب –عندهم– إعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، وملاحظة وجوده قبل التابع كوجوده قبل المتبوع، كما أسلفنا وعلى هذا يكون الأصل المتخيَّل للمثال هو: نحن المكرمو النابغة, المكرمو هند، فلو أعربنا كلمة: "هند" التي في المثال الأصلي بدلًا لأدى الإعراب إلى فساد؛ هو: أن يكون المضاف مشتقًا مقترنًا "بأل"، والمضاف إليه غير مقرون بها؛ لأن الإضافة غير محضة؛ يمتنع فيها مثل هذا، إلا بوجود بعض المسوغات3 التي تصححها. والجملة هنا خالية من كل مسوغ –في رأيهم-. ولا سبيل عندهم للفرار من الفساد إلا بإعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ إذ عطف البيان لا يشترط فيه صحه تكرار العامل4 ...
هذا رأي المانعين. وفيه ما فيه من إرهاق وتعسير بغير طائل؛ لأن المعنى واضح على البدلية؛ كوضوحه على عطف البيان، وليس أحدهما أبلغ من الآخر، ولا أكثر تداولًا واستعمالًا، ولا مخالفًا لأصل لغوي واقعيّ. ففيم الحذف، والتقدير، والنية، والملاحظة..؟ وبخاصة مع ما سجله النحاة في هذا الباب –وغيره– من أنه قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل؛ أي: قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع1. وذكروا لتأييد هذا أمثلة كثيرة فصيحة. فليس من ضرر مطلقًا ألا يصلح العامل في بعض المواضع لوقوعه قبل التابع، كهذا الموضع: إنما الضرر في عدم صحة وقوعه قبل المتبوع وحده. فلم العناء؟ وفيم التعسير؟
نعم قد يكون التفرقة بينهما سائغة في بعض صور، ولكن من ناحية أهرى دقيقة غير تلك التي تصدى لها المانعون؛ هي أن لعطف البيان غرضًا معنويًا هامًا؛ هو: إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها على الوجه الذي شرحناه1 أما بدل الكل فله غرض آخر يختلف عن هذا تمامًا؛ هو الدلالة على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة، وفرد معين واحد في حقيقته –كما سيجيء في بابه– ولا يضر أن يختلفا في المفهوم بعض الاختلاف اليسير ما دامت حقيقة الذات المقصودة واحدة؛ كالاختلاف الذي في نحو عرفت سعيدًا أخاك2، ولا شأن لبدل الكل بالإيضاح والتخصيص، فحيث اقتضى المقام إيضاح حقيقة الذات أو تخصيصها –والإيضاح والتخصيص هنا ذاتيان، "أي: يقعان وينصبان على الذات"– فاللفظ عطف بيان ليس غير، بشرط أن تجتمع فيه بقية الشروط الواجبة في عطف البيان، ومنها: مطابقته للمتبوع في الأمور الأربعة السالفة؛ ولهذا كانت كلمة: "سيد" الثانية عطف بيان في قول الشاعر: إذا سيد منَّا مَضى لسبِيلِه ... أقام عمودَ الدين آخَرُ سيدُ وحيث اقتضى المقام الدلالة على ذات المتبوع نفسها بلفظ آخر يساويه تمامًا في المدلول فاللفظ "بدل كل من كل"، وبخاصة إذا فقد اللفظ شرطًا من شروط عطف البيان. هذه هي ناحية التفرقة الحقة التي يجب الاقتصار عليها؛ نزولًا على أحكام اللغة، وتقديرًا لخصائصها، وكشفًا لأسرارها، بل إن هذه التفرقة نفسها قد يمكن رفضها3.
ملحوظة: مما يمتاز به عطف البيان من بدل الكل أن عطف البيان لا يكون ضميرًا1، ولا تابعًا لضمير، ولا مخالفًا لمتبوعه في تعريف وتنكير2 –على الرأي الصحيح– ولا يقع جملة، ولا تابعًا لجملة3، ولا فعلًا، ولا تابعًا لفعل، ولا يكون ملحوظًا في النية إحلاله محل الأول –كما شرحنا، ولا يُعّد متبوعه في حكم الطَّرح. ولا يُعَدّ في جملة أخرى مستقلة عن جملة متبوعه4. بخلاف بدل الكل في جميع هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: الذين يمنعون البدل في المسألتين السالفتين، وفي بعض مسائل أخرى، ويجتمعون أن تكون عطف بيان يضعون لهذه المسائل كلها ضابطًا عامًا ينطبق عليها جميعًا. وسنعرضه فيما يلي؛ ليتبين ما فيه من إرهاق وإعانات لا داعي لهما. يقولون: يصح في عطف البيان –إذا قصد به ما يقصد ببدل الكل– أن يعرب "بدل كل"، إلا في حالتين: أولاهما: ألاّ يمكن الاستغناء عن عطف البيان لمانع يَحُول دون صحة بدل الكل. وثاينهما: ألاّ يمكن إحلال عطف البيان –لو صار بدلًا– محل متبوعه لمانع يحول دون البدلية، ودون وضع البدل مكان المبدل منه ... 1- ومن أمثلة الحالة الأولى أن يكون الاسم "التابع"؛ واقعًا بعد جملة تعرب خبرًا، أو: صلة، أو: نعتًا، وليس فيها رابط يربطها بالمبتدأ، إنما الرابط ضمير –أو نحوه– في ذلك الاسم التابع؛ فمثاله بعد الجملة الواقعة خبرًا: هند حضر صالح ولدها. فلو أعَربْنُا كلمة: "ولد". بدلًا –والبدل عندهم على نية تكرار العامل– لكان التقدير: هند حضر صالح، حضر ولدها؛ فتخلو جملة الخبر من الرابط؛ لأن الضمير المتصل بالاسم صار في جملة أخرى مستقلة عن الجملة الخبرية؛ إذ الكلام جملتان: الأولى هي الخبر، ولا رابط فيه، والثانية مستقلة عن الأولى، استئنافية، والضمير الذي بها لا يربط الأولى بمبتدئها. ومثلًا الجملة الواقعة صلة: أجَاد الذي تكلم عَليُّ خاله. فلو أعربنا كلة: خال "بدلًا" لكان التقدير: أجاد الذي تكلم علي تكلم خاله؛ فتكون الجملة الثانية مستقلة عن الجملة الأولى، وتصير الصلة خالية من الرابط: فلا تصلح أن تكون صلة. ومثال الجملة الواقعة نعتًا: أجاد رجل تكلم عَلىُّ خاله؛ فإعراب كلمة "خال" بدلًا يقتضي تكرار العامل، وأن الأصل: أجاد رجل تكلم علي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكلم خاله؛ فتكون الجملة الأولى الواقعة نعتًا "وهي تكلم عليّ" خالية من الرابط الذي يربطها بالمنعوت؛ وهنا غير جائز. أما الضمير المتأخر فإنه في جملة مستقلة بنفسها لا يصلح رابطًا في الأولى ... لاستقلال كلمة جملة بكيانها. وفي الحق أن المعنى وسلامة الأسلوب لن يتغيرا بإعراب الاسم بدل كل أو عطف في صورة من الصور السابقة الممنوعة عندهم. 2- ومن أمثلة الحالة الثانية التي لا يصح فيها إحلال البدل محل المبدل منه ما تقدم من أن يكون التابع مفردًا معرفة منصوبًا والمتبوع منادى، مبني على الضم. أو: أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها ... بالصورة التي شرحناها -وهذان هما الأمران المعروضان أولًا في ص546 وما بعدها-. ومن أمثلة الأمر الثاني أيضًا: أن يكون المتبوع منادى والتابع اسم إشارة، أو مقرونًا "بأل": نحو: يا إبراهيم هذا، أو يا إبراهيم الحسين، إذ يترتب على إحلال البدل محل المبدل منه في المثال الأول صحة: "يا إبراهيم يا هذا"، مع أن الفصيح أن يكون لاسم الإشارة تابع مقرون "بأل". ويترتب على إحلاله في المثال الثاني صحة: "يا إبراهيم يا الحسين "، مع أن دخول "أل" على المنادى ممنوع. وكل هذا، وكل ما يأتي مما هو ممنوع عندهم، إنما يقوم على أساس توهمهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل. أي على أساس أن يصح وقوع البدل مكان المبدل منه. ومنها: أن يكون التابع مثنى أو جمعًا، مع التفريق فيهما بالعاطف، والمتبوع غير مفرق؛ كقول الشاعر: أَيا أَخويْنا عَبْدَ شمس ونَوْفلًا ... أُعيذُكما بالله أَن تُحدِثَا حرْبًا فيتعين كونهما عطف بيان؛ لأن التقدير على البدلية: يا عبد شمس ونوفلًا، بنصب كلمة "نوفلًا" مع أن المعطوف المفرد في النداء لا يجوز نصبه، وإنما يجري عليه حكم المنادى المستقل1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن يكون المنادى "أي" الموصوفة بما فيه "أل" بعدها، وتابعه خال من "أل"، نحو: يأيها القائد سعيد. فلو أعربت كلمة: "سعيد" بدلًا لكان التقدير: يأيها القائد سعيد، وهذا خطأ؛ لأن تابع "أي" في النداء لا بد أن يكون مقرونًا "بأل" أو اسم إشارة له تابع مقرون بها ... ومنها: أن يكون اسم الإشارة المنادى -أو غير المنادى- متبوعًا بما فيه "أل" والتابع خال منها، ولا يوجد ما يعني عنها؛ نحو: يا ذا الرجل غلام حامد، أو جاء هنا الرجل حامد. فلو أعرب: "غلام" أو "حامد" بدلًا لكان التقدير: يا ذا الغلام حامد وجاء هذا الرجل جاء هذا حامد، وتابع اسم الإشارة لا يكون مجردًا من "أل". ومنها: أن يكون المتبوع مضافًا إليه والمضاف هو: "كِلاَ" أو "كِلتا" والتابع مثنى مفرَق؛ نحو: أسرع كلا المتنافسين محمود وحامد أسرعت كلتا المتنافستين فاطمة وزينب فلو أعرب التابع: "وهو: محمود وفاطمة" بالا لكان تقدير الكلام: "أسرع كلا المتنافسين، أسرع كلا محمود وحامد" "أسرعت كلتا المتنافستين، أسرعت كلتا فاطمة وزينب"، فيترتب على نية تكرار العامل إضافة كلا وكلتا للمثنى المفرق؛ وهما لا يضافان إليه إلا شذوذًا. ومنها: أن يكون التابع مثنى مفرقًا، أو جمعًا مفرقًا كذلك، والمتبوع مثنى أو جمعًا غير مفرق في الصورتين. وهو مضاف إليه والمضاف هو: "أيّ". نحو: "بأي الزميلين جعفر وحسن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مررت"، فلو أعرب "جعفر" وما عطف عليه بدلًا من الزميلين لكان التقدير: بأي الزميلين، بأي جعفر وحسن مررت؛ وهنا ممنوع؛ لما فيه من إضافة: "أيّ" للمفرد المعرفة، وهي لا تضاف إليه إلا بالمشرط التي عرفناها عند الكلام عليها في باب "الإضافة"1، وهي غيره محقّقة هنا. ولا يتغير الحكم بإحلال الجمع لمحل المثنى في مواقعه السّالفة ... ومنها: أن يضاف "اسمُ التفضيل" إلى عامّ، وبعده تابعه ذو قسمين؛ أحدهما لا يكون المفضل بعضًا منه؛ نحو: الرسل أفضل الناس الرجال والنساء، فلو أعرب التابع بدل لكان التقدير: الرسل أفضل النساء؛ لأن اسم التفضيل إذا بقي على دلالته من التفضيل والزيادة على المضاف إليه وجب أن يكون بعضًا من هذا المضاف إليه –كما سبق في بابه– ولهذا أخطأ من قال: أنا أشعر الإنس والجن، إذا أراد التفضيل على الوجه السالف. إلى هنا انتهت صُوَر من أشهر الأمثلة للنوع الثاني، وهي –كنظيرتها من صور النوع الأول خيالية، مصنوعة، أساسها توهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل، وهذه دعوى لا تستند إلى أساس قوي. والعرب –أصحاب اللغة– لا تدري من أمرها شيئًا؛ ولن يترتب على إهمالها، وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب2؛ فالجهد فيها ضائع لا محالة.
المسألة 118
المسألة 118: 2- عطف النسق 1: هو: تابع2 يتوسط بينه وبين متبوعه حرف من حروف
عشرة1، كل منها يسمى: "حرف العطف"، ويؤدي معنى خاصًّا.
وفيما يلي هذه الحروف، ومعانيها، وأحكامها1: 1- الواو: معناها: إفادة "مطلق الاشتراك والجمع" في المعنى بين المتعاطفين2 إن كان مفردين3.
والمراد من "الاشتراك المُطلق والجمع المطلق" أنها لا تدل على أكثر من التشريك في المعنى العام: فلا تفيد الدلالة على ترتيب زمني بين المتعاطفين1 وقت وقوع المعنى، ولا على صاحبة، ولا على تعقيب1، أو مهلة، ولا على خسَّة0أو شرف2 ... وهي إنما تتجرد للاشتراك المطلق حيث لا توجد قرينة تدل على غيره، وحيث لا تقع بعدها "إما" الثانية. فإن وجدت قرينة وجب الأخذ بما تقتضيه، وان وقعت بعدها "إمّا" الثانية كانت الواو لمعنى آخر غير التشريك والجمع -وسيجيء التفصيل3-. ففي مثل: وصل القطار والسيارة تفيد الواو مجرد اشتراك المعطوف "وهو: السيارة" المعطوف عليه؛ "وهو: القطار" في المعنى المراد، وهو: "الوصول" من غير إن تزيد على هنا شيئًا آخر: فلا تدل على: "تريب" زمني بينهما يفيد أن أحدهما سابق في وقته، وأن الآخر لاحق به، ولا على: "مصاحبة" تفيد اشتراكهما في الزمن الذي وقع فيه اشتراكهما في المعنى4، ولا على "تعقيب" يدل على أن المعنى تحقق في المعطوف بعد تحققه في المعطوف عليه مباشرة، من غير انقضاء وقت طويل بينهما، ولا على: "مهلة" تدل على أن تحققه كان بعد سَعَة من الوقت، وفسْحة فيه2 ...
ففي المثال السابق قد يكون وصول القطار أوَّلًا وبعده السيارة، وقد يكون العكس، وقد يكون الزمن بين وصول السابق واللاحق طويلا أو قصيرًا، وقد يكون وصولهما اصطحابًا معًا "أي: في وقت واحد"، فلا سبق لاحدهما ولا زمن بين وصولهما. فكل هذه الاحتمالات صحيحة، لا يزيلها إلا وجود قرينة تدل على واحد منها دون غيره. كان يقال: وصل القطار والسيارة قبله، أو بعده، أو معه ... فمن أمثلة الترتيب والمهلة قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} ، فقد أفادت الواو الاشتراك، والترتيب الزمني، والمهلة؛ فعطفت المتأخر كثيرا في زمنه "وهو: إبراهيم" على المتقدم في زمنه، "وهو: نوح، وكانت إفادتها الترتيب والإمهال مستفادة من قرينة خارجية يجب احترامها، هي التاريخ الثابت الذي يقطع بأن زمن إبراهيم متأخر كثيرًا عن زمن نوح، ولولا هذه القرينة ما أفادت الواو الترتيب الزمني، وفسحة الوقت. وهذه الفسحة -أو المهلة- يُقدّرها العرف بين الناس، فهو -وحده- الذي يحكم على مدة زمنية بالطول، وعلى أخرى بالقِصَر، تبعًا لما يجري في العرف الشائع. ومن الأمثلة أيضًا قوله تعالى مخاطبًا النبي محمدًا عليه السلام: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فالواو قد أفادت الاشتراك والجمع في المعنى المراد: وهو: الإيحاء. وأفادت -أيضا- الترتيب الزمني والمهلة بعطف المتقدم في زمنه على المتأخر كثيرا في زمنه بقرينة خارجة عنهما، هي: "من قبلك" فهنا النص مريح في أن "المعطوف" سابق في زمنه على "المعطوف عليه" ولولا هذه القرية لاقتصرت الواو على افادة الجمع المطلق في المعنى والاشتراك المجرد فيه، دون إفادة تريب زمنيّ، وأما المهلة فقد دلّ عليها التاريخ. وكقوله تعالى في نوح عليه السلام حين ركب السفينة هو وأصحابه المؤمنون، فرارًا من الغرق بالطوفان: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} فالواو تفيد الجمع
والاشتراك في المعنى؛ وتفيد معه الاتحاد في الزمن بين المعطوف؛ "أصحاب ... " والمعطوف عليه: "الهاء" فقد نجا نوح وأصحابه في وقت واحد -معًا- بدليل النصوص القرآنية الأخرى1 وروايات التاريخ القاطع؛ فلا ترتيب ولا مهلة. ومن أمثلة الترتيب والعقيب؛ جرى الماء وأرْوَى الزروع. وأنا فُقِدت القرينة الدالة على الترتيب الزمني أو على المصاحبة فالأكثر اعتبارها للمصاحبة، ويلي هذا اعتبارها؛ فيكون المعطوف متأخرًا في زمنه عن المعطوف عليه. ومن النادر العكس، ويراعى في هاتين الحالتين عدم التعقيب إلا بقرينة. وإن وقعت "واو" العطف قبل: "إمّا"االثانية لم تفد معنى الجمع والتشريك، وإنما تفيد معنى آخر يقتضيه المقام الذي لا يسايره معنى الجمع؛ كالتخيير2؛ مثل: استَرِضْ إما مشيًا وإما ركوبًا....، وقد تكون للتخيير مباشرة بغير "إما"؛ نحو: سافر الآن بالقطار والطائرة. وقد يكون معناها التقسيم؛ نحو: الكلمة اسم، وفعل، وحرف. أحكامها: 1- من أحكام "واو" العطف، التي تشارك فيها بعض أخواتها3، أنها تعطف المفردات –كبعض الأمثلة السابقة– والجمل4،
أشباهها1. وأنها يجوز مع معطوفها بشرط أمن اللبس2، مثل قول الشاعر: إني مُقَسَّمُ ما ملكتُ، فجاعلٌ ... قسْمًا آخرِة ودنيَا تَنفعُ أي: واقسْمَ دنيا. يريد: وقسمًا لدنيا ... ومن هذا قولهم: راكبٌ الناقة طَلِيحان3. والأصل: راكب الناقة والناقة طليحان. "أي:
متعبان"1 ب- وتنفرد الواو بأحكام نحوية تكاد تستأُثر بها2: منها: أنها الحرف المختص بعطف اسم على أخر حين لا يكتفي العامل في أداء معناه بالمعطوف عليه؛ نحو: تقاتل النمِرُ والفيلُ؛ فان العامل: "تقاتلَ" لا يتحقق معناه المراد بالمعطوف وحده: فلو قلنا: "تقاتل النمر"، ما تمّ المعنى: لأن المقاتلة لا تكون من طرف واحد؛ وإنما تقتضي معه وجود طرف آخر -حتما- كي يتحقق معناها. وكذلك: تنازع الظالمُ والمظلوم، فان المنازعة لا تقع إلا من طرفين ... وكذلك تصالح الغالب والمغلوب.
ومثل: "سكنت بين النهر والحدائق1 ومثل: تضيع الكرامة بين الطمع والبخل"؛ لأن معنى "بيّن" لا يتحقق بفرد واحد تضاف إليه2، وهكذا غيرها من الكلمات التي تؤدي معنى نسبيًا3؛ مثل: تشارك، تعاون، اختصم، اصطفّ4 ... ومنها: اختصاصها بعطف عامل قد حُذف وبقي معموله. نحو: "قضينا في الحديقة يوما سعيدًا أكلنا فيه وأشهَى الطعامِ، وأطيب الفاكهةِ، وأعذبَ الماء" فكلمة: "أطيب" معطوفة على: "أشهى"، أي: أكلنا أشهَى
الطعام، وأكلنا أطيبَ الفاكهة. أما كلمة: "أعذب" فلا يصح -في الرأي الأغلب- عطفها على أشهَى، إذ لا يصح أن يقال: أكلنا أعذب الماء؛ لأن أعذب الماء لا يؤكل، وإنما يُشرب، ولهذا كانت كلمة: "أعذب" معمولة لعامل محذوف، تقديره: شَرِب، أي: وشربنا أعذب الماء، والجملة بعد الواو معطوفة على الجملة التي قبلها وهي: أكلْنا؛ فالعطف عطف جملة على جملة. ومثل: "اشتد البرد القاسي في ليلة شاتية، فأغلقتُ الأبوابَ والنوافذَ، وأوقدتُ نارًا للدفء، والملابسَ الصوفية"؛ فلا يصح عطف كلمة: "الملابس" على "الأبواب" ولا على "نار" لفساد المعنى على هذا العطف؛ إذ لا يقال: أغلقتُ الملابس الصوفية، ولا أوقدتُ الملابس، وإنما هي معمول لعامل محذوف تقديره: ولبِستُ الملابس الملابس الصوفيةَ، أو أكثرتُ الملابسَ الصوفية، أو نحو هذا مما يناسب الملابس، والجملة بعد الواو معطوفة على جملة: أغلقتُ. فالعطف عطف جملة على جملة، لا عطف مفرد على مفرد –كما سبقت الإشارة1-. ولا فرق في المعمول الباقي بين المرفوع؛ نحو قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، والمنصوب؛ نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا 2 الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، والمجرور نحو قولهم:"ما كل سوداءَ فَحْمةً، ولا بيضاء شحمةً، والأصل في المثال المرفوع": {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ إذ لا يصح عطف "زوج" على الضمير المستتر الفاعل؛ وإلا كان فاعلًا مثله حُكمًا؛ فيترتب على هذا أن يقال: اسكن زوجُك، بوقوع الاسم الظاهر فاعلًا الأمر؛ وهذا لا يصح3. كما أن الأصل في المنصوب: "تَبوّؤا الدار، وألِفُوا الإيمان"؛ لأن الإيمان لا يُسْكن والأصل في المجرور: "ما كلُّ سوداء فحمةً ولا كلُّ
بيضاءَ شحمةً" لئلا يترتب على العطف المباشر من غير تقدير المحذوف، عطف شيئين على معمولي عاملين مختلفين بحرف عطف واحد، وهذا ممنوع. والعاملان هما "ما1، وكلّ" والمعمولان هما: "بيضاء، وشحمةً"2. هذا ما يقوله كثير من النحاة. ولكن الصحيح أن الواو العاطفة لا تختص بهذا الحكم وحدها، وإنما تشاركها فيه "فاء" العطف –كما سيجيء عند الكلام عليها3 مثل: أحْسِن بدينار فصاعدًا ... أي فاذهب صاعدًا بالعدد4 ... ومنها جواز حذفها عند أمن اللبس5؛ نحو: زرت أقاربي في الصعيد، وقابلت منهم: العم، والعمة، الخال، الخالة، أبناءَهم ... أي: العم والعمة، والخال والخالة وأبناءهم. ومثل: قرأت اليومَ: الصحف اليومية، المجلات، الرسائل، المحاضرات ... أي: الصحفَ اليومية، والمجلات. والرسائل، والمحاضرات ... ومثل هذا يقال في سرد الأعداد، نحو: من الأعداد عشر، عشرون، ثلاثون، أربعون ... ومنها: عطف الشيء على مرادفه لتقوية معناه وتأكيده6 كقولهم: الصمت والسكوت عن غير السداد سداد. وقولهم يعود البغي والطغيان وبالًا على صاحبه، فالمعطوف وهو: "السكوت" بمعنى المعطوف عليه: "الصمت" وكذلك الطغيان والبغي ... ومن هذا قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ، فكلمة؛ "بثّ" معطوف عليه؛ وكلمة: "حُزن" معطوف مرادف له في المعنى.
ومثل النَّأي والبُعد1 في قول الحطيئة: أَلا حبذا هندٌ وأَرض بها هندُ ... وهندٌ أَتى من دونها النَّأْي والبعدُ2
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ومما انفردت به الواو غير ما سبق: 1- عطف العام على الخاص1؛ نحو: زرت القاهرة. والحواضر الكبرى. وقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . 2- وقوعها بعد كلام منفي. عاطفة مفردًا. وبعدها "لا" النافية؛ نحو: شجاع النفس لا يحب الجبن، ولا الكذب، ولا الرياء "أي: لا يجب كل واحدة من الصفات المذكورة". فتكرار "لا" يفيد أن النفي واقع على كل واحدة وحدها من غير توقف على غيرْها. ولو لم تتكرر2 "لا" لتوهمنا أنه مقصور على حالة اجتماعها مع غيرها2. فإن لم يوجد نفي قبلها. أو قصدت المعية لم يصح مجيء "لا"3. 3- وقوعها بعد نهي عاطفة لمفرد، وبعدها: "لا" النافية؛ التي تؤكد الغرض السالف؛ نحو: لا تصدق الحلاّف، ولا النمَّمام، ولا الحاسد. 4- جواز الفصل بينهما وبين معطوفها بظرف. أو جار مع مجروره5، نحو: أينعتْ حديقتان؛ حديقةٌ أمام البيت، وخلفَه حديقةٌ5، ومثل قوله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} . 5- عطف العِقد1 على النَّيِّف، نحو: واحد وعشرون ... سبعة وثلاثون ... خمسة وأربعون ... و.... 6- اقترانها بالحرف: "لكنْ"؛ كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ 2 وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . 7- وقوعها قبل الحرف "إما" المسبوق بمثله في كلام قبله؛ نحو: المنّ بالمعروف إما جهالةٌ، وإما سوءُ أدب. 8- العطف بها في أسلوب الإغراء والتحذير؛ نحو: الرفقَ والملاينةَ جهدَ طاقتك، وإياك والعنفَ ما وجدت سبيلًا للفرار منه. 9- عطف النعوت المتعددة المتفرَّقة التي منعوتها متعدد غير مفرَّق: نحو: تنقلت في بلاد زراعية وصناعية وتجارية ... والواقع بعد هذه "الواو" يسمى معطوفًا، ولا يصح تسميته –الآن- نعتًا. 10- عطف المفردات التي حقها التثنية أو الجمع، نحو قول الحجاج وقد مات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد ابنه، ومحمد أخوه: "محمد ومحمد في يوم واحد". وقول الشاعر الفرزدق: إن الرزية لا رزيةَ بعدها ... فِقْدانُ مثل محمد ومحمدِ وقول الآخر: أَقمنا بها يومًا، ويومًا، وثالثًا ... ويومًا له يوم التَّرحُّلِ خامسُ يريد: أيامًا ثمانية ... 11- عطف السببي على الأجنبي في: "الاشتغال"؛ نحو: محمدًا أكرمت عمرًا وأخاه1. ومثل: محمد مررت بأخيك وأخيه1. 12- عطف كلمة: "أيّ" على مثلها2، كقول الشاعر: فلئِنْ لقيتُك خالَيْن لَتَعْلَمَنْ ... أَيِّي وأَيُّكَ فارِسُ الأَحْزابِ 13- عطف الظرف: "بين" على نظيره، مثل: المال بيني وبين أهلي3. 14- عطف السابق في زمنه على اللاحق، نحو: قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 15- المتعاطفان بالواو لا يختلفان بالسلب والإيجاب إذا كانا مفردين فلا يصح: لا الشمس طالعة والقمر. 16- وجول الفصل بها مع إهمالها بين كلمتين مُعَينتين ينشأ منهما مسموع من التركيب المزجّى "من أمثلته: كَيْت وكيْت. ذَيْت وذيت ... " بالتفصيل والبيان الآتيين في الموضع الأنسب –ج4 باب: "كم" م168 ص540. 17- جواز عطفها عاملًا قد حذف وبقي معموله على الوجه المشروح في ص615. ب- يرى الكوفيون من خصائص الواو وقوعها زائدة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فالواو التي قبل: "فُتحت" زائدة عندهم1. ومثل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: تَلَّهُ للجبين2. والبصريون يؤولون الآيتين وشبههما بتأويلات منها: أن الواو عاطفة أصلية وجواب "إذا" و"لما" محذوف.... لكن التأويل عسير في قول الشاعر: ولقد رمقْتك في المجالِسِ كلها ... فإذا وأَنت تعينُ من يبغيني والمراد: فإذا أنت. وقول الآخر: فما بالُ من أَسعى لِأَجْبُرَ عظمهُ ... حِفَاظًا، وينْوي من سفاهته كسْرى أي: ينوي من سفاهته. وإنما كان التأويل هنا عسيرًا لأن ما بعد إذا "الفجائية" لايقترن بالواو. ولأن جملة "ينوي" على تأويلها بأنها حالية هي جملة مضارعية مثبتة، وصاحب الحال هو "مَنْ" والجملة المضارعية المثبتة لا تقع حالًا مقترنة بالواو إلا على تقديرها خبرًا لمبتدأ محذوف والجملة في المبتدأ المحذوف وخبره هي الحال ... فهي محتاجة للتأويل والحذف. ولا داعي لهذا أو لغيره من التأويلات. فمذهب الكوفيين أوضح وأقل تعسفًا، والأخذ به هنا أيسر3، لكن الأفضل التخفّف من الزائدة قدر الاستطاعة، والبعد عن استعمالها؛ فرارًا من اللبس، ومن التأويل بغير داع. ح- هل "الواو" الواقعة بعد "بل" نوع من الزائدة؟ مثل: الصالح أمين،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بل ومحسن ... الجواب في "ج" من ص628. د- تختص همزة الاستفهام دون باقي أخواتها بالدخول على أحد ثلاثة من حروف العطف ولا تدخل على غير هذه الثلاثة، هي: "الواو، الفاء، ثم" فمثالها قبل الواو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ َوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ، وقبل "الفاء"1 في قوله تعالى عن المشركين: {َفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} ، وقبل "ثُمّ"2 قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} ... ولا بد أن يكون المعطوف بعد الثلاثة جملة. وقد اشتهر النحاة في هذا رأيان3. أولهما: وهو رأي جمهورهم أن الهمزة تركت مكانها بعد حرف العطف، وتقدمت عليه؛ تنبيهًا على أصالتها في التصدير –كما يقولون– فالجملة بعد العاطف معطوفة على الجملة التي قبله وقبل الهمزة. ما لم يمنع من هذا العطف مانع" كأن تكون إحدى الجملتين إنشائية والأخرى خبرية؛ عند من يمنع العطف بين الجملتين المختلفتين خبرًا وإنشاء، مثل هذه الصورة. فتكون الجملة عنده بعد حرف العطف معطوفة على أخرى محذوفة مماثلة لها في الخبرية أو الإنشائية ... ". ثانيهما: وهو رأي الزمخشري أن الجملة بعد العاطف معطوفة على جملة محذوفة موقعها بين الهمزة والعاطف. والأصل مثلًا، أنَسُوا ولم يتفكَّروا؟ -أأغمضوا عيونهم ولم ينظروا؟ - أقعدوا ولم يسيروا ... ؟ -أكفرتم ثم إذا وقع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آمنتم به....؟ والرأي الأول أشهر. وبالرغم من ذلك فإن كلا الرأيين معيب؛ لقيامه على الحذف والتقدير، أو التقديم والتأخير، ولعدم انطباق كل منهما على بعض الصور الأخرى التي يدور حولها وحول ما سبق جدل طويل واعتراضات مختلفة1. فما السبب في هذا التكلف؛ والالتجاء إلى الحذف، والتقدير، والتقديم، والتأخير وعندنا ما هو أوضح وأيسر، وأبعد من التأويل؛، وذلك باعتبار الهمزة للاستفهام، وبعدها "الواو" و"الفاء"، و"ثم" حروف استئناف داخلة على جملة مستأنفة. وقد نص النحاة على أن كل واحد من هذه الثلاثة يصلح أن يكون حرف استئناف. ولا مانع أيضًا أن تدخل الهمزة –هنا– على حرف العطف مباشرة؛ مسايرة للنصوص الكثيرة الواردة في القرآن وغيره، ولن يترتب على أحد هذين الرأيين إخلال بمعنى، أو تعارض مع ضابط لغوي. "ملاحظة" في غير الهمزة من أدوات الاستفهام يجب تقيم حرف العطف وتأخير أداة الاستفهام عنه؛ لأن هذا هو قياس جميع الأجزاء في الجملة المعطوفة، نحو: قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ، وقوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} ...
2- الفاء: معناها الغالب هو الترتيب بنوعيه "المعنويّ والذّكْرِيّ" مع التعقيب فيهما وإفادة التشريك. والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرًا على زمن تحققه في المعطوف عليه؛ نحو: "نفعَنا بذرُ القمح للزراعة، فإنباتُه، فنضجُه، فحصادُه"،.... و.... فزمن البذر سابق على زمن الإنبات، والنضج، وما بعده. والمراد: بالترتيب الذّكْرِي: أن يكون وقوع المعطوف بها بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما في كلام سابق، وترتيبهما فيه، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما، كأن يقال لمؤرخ: حدثنا عن بعض الأنبياء؛ كآدم، ومحمد وعيسى، ونوح، وموسى –عليهم السَّلام– فيقول: اكتفى اليوم بالحديث عن محمد، فعيسى. فوقوع عيسى" بعد الفاء لم يقصد به هنا الترتيب الزمني التاريخي؛ لأن زمن عيسى أسبق في التاريخ الحقيقي من زمن محمد، وإنما قصد مراعاة الترتيب الذّكْري "أي: اللفظيّ" الذي ورد أولًا في كلام السائل، وتضمن ذكر "محمد" قبل "عيسى"1. والمراد بالتعقيب: عدم المهلة يتحقق بقِصَر المدة الزمنية التي تنقضي بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على المعطوف؛ نحو: وصلت الطيارة فخرج المسافرون. وأول من خرج النساءُ فالرجال ... فخروج المسافرين
–في المثال– يجيء سريعًا بعد وصول الطيارة، وخروجُ الرجال يكون بعد خروجُ الرجال يكون بعد خروج النساء مباشرة من غير انقضاء وقت طويل في الصورتين.... وقِصَر الوقت متروك تقديره للعُرف الشائع؛ إذ لا يمكن تحديد الوقت القصير أو الطويل تحديدًا عامًّا يشمل كل الحالات. فقد يكون الوقت قصيرًا في حالة معينة، ولكنه يُعَدّ طويلًا في أخرى. وبمناسبة إفادتها الترتيب نشير إلى قاعدة سبقت1؛ هي: أن "المعطوفات" المتعددة تقتضي أن يكون لها جميعًا "معطوف عليه" واحد، وهو: الأول الذي يسبقها كلها، وقبل كل معطوف حرف عطف خاص به. ولكن إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب؛ "مثل: "الفاء" و"ثم" وجب أن يكون المعطوف عليه هو السابق عليهما مباشرة، ولو لم يكن هو الأول: نحو: تكلم في النادي الرئيس والوكيل والمُحاضر، فالناثر ثم الشاعر. فالوكيل والمحاضر معطوفان على الرئيس، أمّا كلمة: "الناثر" فمعطوفة على: "المحاضر" وأمَّا كلمة: "الشاعر" فمعطوفة على "الناثر"2 ... وتفيد كثيرًا مع الترتيب والتعقيب، "التسيب"؛ أي الدلالة على السببيَّة3؛ "بأن يكون المعطوف متسببًا عن المعطوف عليه" ويغيب هذا في شيئين؛ عطف الجمل، نحو: رمى الصياد الطائر فقتله4، وفي المعطوف المشتق، نحو: أنتم –أيها الجنود– واثقون بأنفسكم، فهاجمون على عدوكم، ففاتكون به. فمنتصرون عليه ... ومن أحكام الفاء5:
أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل1 اختيارًا، فلا بد من اتصالهما في غير الضرورة الشعرية. وأنها تعطف المفردات2 والجمل كما في الأمثلة السالفة3، وأنه يجوز حذفها بقرينة كما أن "الواو" و"أو"4 كذلك نحو: قطعت سنوات التعلم؛ الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة ... ونحو: أنفقت المال درهمًا، درهمين، ثلاثة وأنها قد تحذف مع معطوفها؛ كالآية التي سلفت5. وتختص الفاء6: بأنها تعطف جملة لا تصلح صلة، ولا خبرًا، ولا نعتًا؛ ولا حالًا على جملة تصلح لذلك، والعكس، بأن تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء على جملة لا تصلح. "وسبب عدم الصلاحية في الصور السالفة كلها: خلو الجملة من الرابط، ووجوده في الجملة الصالحة"7 ... فمثال عطفها جملة لا تصلح صلة على جملة أخرى تصلح: "الذي عاونته ففرح الوالد مريض" ومثال العكس: "التي وقف القطار فساعدتها على النزول عجوز ضعيفة".
ومثال عطفها جملة لا تصلح خبرًا على أخرى تصلح: "الحديقة يرعاها البستاني فيكثُرُ الثَّمرُ". ومثال "العكس: الحديقة أهمل البستانيّ فقلَّ ثمرها". ومثال عطفها جملة لا تصلح نعتًا على أخرى تصلح: "هذا حاكم سَهِر على خدمة رعيته؛ فسعدت الرعية". ومثال العكس: "هذا حاكم شكا الناس فأزال أسباب الشكوى". ومثال عطفها جملة لا تصلح حالًا على أخرى تصلح: "أقبل المنتصر يتهلل وجهه فتشرح القلوب" ومثال العكس "أقبل المنتصر تنشرح القلوب فيتهلل وجهه". هذا، والفاء كالواو في أنها تعطف عاملًا قد حذف، وبقي معموله؛ نحو اشتريت الكتاب بدينار فصاعدًا1؛ والأصل –مثلًا: فذهبَ الثمنُ صاعدًا. "ملاحظة": من الفاء العاطفة للمفرد: "فاء السببية، التي ينصب بعدها المضارع بأنْ المستترة وجوبًا، فالمصدر المؤول بعدها مفرد معطوف بها على مفرد قبلها –كما سيجيء في مكانه2 ... وهناك نوع من الفاء يسمى: "فاء الفصيحة"، سيجيء الكلام عليه5. ونوع آخر تكون الفاء فيه –في بعض الآراء– حرف عطف صورةً لا حقيقية؛ فشكلها وظاهرها أنها عطف، مع أنها في الحقيقة والواقع مهملة وليست عاطفة، وقد سبق الكلام على هذا النوع4. بقي حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد الفاء العاطفة من ناحية المطابقة وعدمها وسيجيء البيان5 ... 3- ثم: ومعناها الترتيب مع عدم التعقيب، "أي: الترتيب مع التراخي"؛ وهو: انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على
المعطوف. وتقدير المدة الزمنية الطويلة متروك للعُرف الشائع –كما رددنا1؛ فهو وحده الذي يحكم عليها بالطول أو القِصر، ولا يمكن وضع ضابط آخر يحددها؛ لأن ما يعتبر طويلًا في حادثة معينة قد يكون قصيرًا في غيرها؛ فمَردّ الأمر للعُرف. ومن الأمثلة: زرعت القطن، ثم جنيته ... دخل الطالب الجامعة ثم تخرّج ناجحًا–كان الشاب طفلًا ثم صبيًا، ثم غلامًا؛ ثم شابًا فتيًّا. ومن أحكامها: أنها تعطفت المفردات والجمل، كما في الأمثلة السالفة2 ... وقد تدخل عليها تاء التأنيث3 لتفيذها التأنيث اللفظيّ؛ فتختص بعطف الجمل، نحو: مَنْ ظَفِر بحاجته ثُمَّتَ قَصَّر في رعايتها كان حزنه طويلًا، وغُصَّتُهُ شديدة. ومنها: -وهذا قليل جائز– أنها قد تكون بمعنى واو العطف، فتفيد مطلق الجمع والاشتراك من غير دلالة على ترتيب، بشرط وجود قرينة؛ نحو: لما انقضى الليل، واستنار الكون، ثم طلعت الشمس، واقترب ظهور الفجر سارع الناس إلى أعمالهم4..
ويدخل في هذا القليل الجائز أنْ يكون للترتيب الذّكري الإخباريّ، "وهو: الذي سبق إيضاحه1 في "الفاء" نحو: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعتَ أمسِ أعْجبُ. أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. ومنه قول الشاعر: إن مَنْ سادَ ثم سادَ أَبوه ... ثم قد سادَ قبل ذلك جدُّه ... ومنها: أنها تكون بمعنى "الفاء" أحيانًا فتفيد الترتيب مع التعقيب بقرينة؛ نحو شرب العاطش ثم ارتوى. ومنها: أن إفادتها الترتيب توجب –عند تعدد المعطوف عليه قبلها بتفريق– أن يكون معطوفًا تابعًا لما قبلها مباشرة من المعطوفات؛ طبقًا للبيان الذي تقدم2؛ ففي مثل: قرات الآية، والقصيدة، والخطبة. والرسالة ثم النشيد ... يتعين أن يكون النشيد معطوفًا بها على الرسالة، كما يتعين أن يكون كل واحد من المعطوفات الأخرى التي قبلها معطوفًا على الآية. ومنها: أنها قد تكون أحيانًا حرف عطف في الصورة الظاهرة دون الحقيقة الواقعة؛ فشكلها الظاهر هو شكل العاطفة، ولكنها لا تعطف مطلقًا وقد سبق3 الكلام على هذا النوع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أشار النحاة إلى وهم يقع فيه من يعرب: "ثم" حرف عطف في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} لأن "ثم" لا تصلح عاطفة هنا؛ إذ إعادةُ الخلق لم تقع، وإذا لم تقع فيكف يُقِرون برؤيتها؟ لهذا كانت "ثمّ" لاستئناف في الآية. ويؤيد كونها للاستئناف في الآية قوله تعالى بعد ذلك: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ؛ فمن المستحيل أن يسيروا فينظروا بدء الخلق ثم إنشاء النشاة الآخرة. والاستئناف أحد المعاني التي تؤديها ثلاثة من الأحرف؛ هي: "الواو، والفاء، وثمّ". وحين يكون الحرف للاستئناف لا يكون للعطف. قال الفيروزبادي صاحب "القاموس المحيط" في كتابه الآخر المسمى: "بصائر ذوي التمييز" عند الكلام على معاني "ثمّ"1 –ما نصه: "تكون للابتداء كقوله تعالى في سورة فاطر: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ا. هـ. وسيجيء في الجزء الرابع –عند الكلام على "واو المعية". باب إعراب الفعل2– ما يؤيد وقوع "ثم" للاستئناف، ويزيد الحكم بيانًا ووضوحًا. ب- "ثم" تصلح للوقوع بعد همزة الاستفهام مباشرة إذا كان المعطوف بها جملة، واقتضى الاستفهام على الوجه المشروع في "د" من ص570 فهي كالواو والفاء3 في هذا. ولا يقع بعد الاستفهام مباشرة من حروف العطف غير هذه الثلاثة. ج- ما حكْم الضمير بعد "ثم" إذا كان عائدًا على "المتعاطفين" أيطابقهما أم لا يطابق؟ الجواب في رقم 3 من ص657.
4- حتى: معناها الدلالة على المعطوف بلغ الغاية في الزيادة أوالنقص بالنسبة للمعطوف عليه1؛ سواء أكانت الغاية حسية أم معنوية، محمودة أم مذمومة، نحو: لم يبخل الغنيُّ الورعُ بالمال حتى الآلاف، ولم يُقَصَّرْ في العبادة حتى التهَجُّدِ2. ومثل: حبسَ البخيل أمواله حتى الدِّرهمَ، وارتضى لنفسه المعايب حتى الاستجداءَ. ولا تكون عاطفة إلا باجتماع شروط أربعة 3: أ- أن يكون المعطوف بها اسمًا "فلا يصح أن يكون فعلًا، ولا حرفًا4، ولا جملة5"، نحو: استخدمت وسائل الانتقال حتى الطيارةً، فلا يجوز
العطف في نحو: صفحت عن المسيء حتى خَجِل، وتركته لنفسه حتى نَدِم، ولا في قول المعَري: وهوّنتُ الخطوب عليّ، حتى ... طأنّي صرت أَمْنَحُها الودادا ب- أن يكون الاسم المعطوف بها اسمًا ظاهرًا لا ضميرًا، وصريحًا لا مؤولًا؛ فلا يجوز اعتبارها حرف عطف في مثل: انصرف المدعوون حتى أنا. وقد ارتضى بعض المحققين الاستغناء عن هذا الشرط، وأجاز المثال السالف، وأشباهه. وفي الأخذ برأيه توسعة وتيسير. كما لا يجوز اعتبارها عاطفة في مثل: "أحب المقالات الأدبية حتى أقرأ الصحف"؛ لما يترتب على هذا من وقوع معطوفها مصدرًا مؤولًا. وهذا لا يصح. ج- أن يكون المعطوف بعضًا حقيقيًا1 من المعطوف عليه، أو شبيهًا بالبعض2، أو بعضًا بالتأويل3. فمثال البعض الحقيقي: بالرياضة تقوى
الأعضاء حتى الرجل، ومثال الشبيه بالبعض: أعجبني العصفور حتى لونه1 ومثال البعض بالتأويل: تمتعت الأسرة بالعيد حتى طيورها. د- أن تكون الغاية الحسية أو المعنوية محققة لفائدة جديدة، فلا يصح: قرأت الكتب حتى كتابًا، ولا سافرت أيامًا حتى يومًا ... أحكامها: منها: أنها لمطلق الجمع كواو العطف عند عدم القرينة؛ فلا تفيد الترتيب الزمني بين العاطف والمعطوف في الحكم نحو: أديت الفرائض الخمس حتى المغرب، ووفيت أركان كل صلاة حتى الركوع2، وكقول الشاعر: رجالي -حتى الأقدمون- تمالئوا ... على كل أمر يورث المجد والحمدا ومنها: إعادة حرف الجر وجوبًا بعد "حتى" إذا عطف بها آخر شيء، والمعطوف عليه مجرور بمثل ذلك الحرف، ويلتبس المعنى بعدم إعادته؛ نحو: سافرت في الأسبوع الماضي حتى في آخره، إذا كان المراد السفر في أوقات متقطعة من الأسبوع، وبعضها في آخره. فلو لم تذكر كلمة: "في" مرة ثانية بعد: "حتى" لكان من المحتمل فهم المراد بأنه السفر المتصل من أول الأسبوع إلى آخر لحظة فيه. وهذا غير المقصود، فمن الواجب أن يعاد بعدها حرف الجرّ إذا كان "المعطوف عليه" مجرورًا بمثيله؛ لكيلا تلتبس بالجارة. فإن تعيَّن3 العطف بحيث يمتنع اللبس المعنوي كانت الإعادة جائزة لا واجبة، نحو: فرحت بالقادمين حتى أولادهم، وقول الشاعر:
جودُ يُمْنَاك فاضَ في الخلْقِ حتَّى ... بائسٍ دانَ بالإِساءةِ دينا ومنها: أن استعمالها عاطفة أقل من استعمالها جارة، فيراعيَ هذا في كل موضع يصلح فيه الأمران؛ نحو: قرأت الكتابَ حتى الخاتمة، فيجوز نصب "الخاتمة" باعتبارها معطوفة "بحتى" على: "الكتاب". ويجوز جرها باعتبار "حتى" حرف جر، والأحسن الجرّ؛ لأن العطف بالحرف: "حتَّى" أقل في كلام العرب1 من استعمالها جارة2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ومن أحكامها أنها لا تعطف نعتًا كما تقدم1. وأنها لا تقع في صدر جملة تعرب خبرًا2. ب- أشرنا3 إلى أن "حتى" العاطفة –كالواو– لمطلق الجمع عند عدم القرينة، لا الترتيب الزمني في الحكم، نحو: مات كل الأنبياء حتى نوح. واستدلوا على هذا بأمثلة مختلفة؛ منها قوله عليه السلام: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز، والكيْس" إذ لا يتأخر تعلق القضاء والقدر بهما عن غيرهما. لكنها –في مثل هذه الحالة– تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنًا؛ أي: تفيد تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه طبقًا للبيان والتفصيل السالفيْن4. وتكون كالواو أيضًا في عطفها الخاص على العام. وفي وجوب مطابقة الضمير العائد على المتعاطفين بعدها لهما5 ...
5- أمْ: نوعان1؛ متصلة، ومنقطعة، "أو: منفصلة". النوع الأول: "المتصلة"، وهي المسبوقة بكلام مشتمل على همزة التسوية2، أو على همزة استفهام يراد منها ومن "أمْ" التعيين "ويكون معناهما في هذه الحالة هو: "أيّ" الاستفهامية"3. فالمتصلة قسمان4، ولكل منهما علامة تميزه من الآخر: أ- علامة: "أمْ" المتصلة بهمزة التسوية أن تكون متوسطة بين جملتين خبريتين، قبلهما معًا همزة تسوية5، وكلتا الجملتين صالحة لأن يحل محلها هي والأداة التي تسبقها6 مصدر مؤول من هذه الجملة؛ فهما جملتان في تأويل مفردين ويبين هذه المفردين "واو" عاطفة تُغْنى عن "أم"؛ كقولهم: على
العقلاء أن يعملوا برأي الخبير الأمين، فإن العمل برأيه غُنْم؛ سواءٌ أيوافق الرأيُ هواهم أم يخالفه". والتقدير: موافقةُ الرأي هواهم ومخالفتُه سواء. ومثل: "سؤال الناس مَذَلة وهوان؛ سواء أكان المسؤول قريبًا أم كان غريبًا". أي: سواءٌ كونُ المسؤول قريبًا وكونه غريبًا. فقد حل محل الجملة الفعلية الأولى في المثالين ومعها همزة التسوية، مصدر مؤول من الهمزة والجملة معًا؛ هو مصدر الفعل1 المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه "فاعلًا كان، أو اسمًا لناسخ ... " وحل محل الجملة الفعلية الثانية في المثالين ومعها "أمْ" مصدر مؤول هو مصدر الفعل المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه كذلك، وجاءت "الواو" بدلًا من "أمْ" في المثالين؛ لتعاطف المصدر الثاني المؤول على نظيره المصدر الأول. ويعرب المصدر الأول على حسب حاجة الجملة ... فيعرب في المثالين السالفين خبرًا، مبتدؤه كلمة: "سواء" أو العكس. وقد يعرب في غيرهما مفعولًا به، أو ... أو.. على حسب الموقع ... ويعرب المصدر المؤول الثاني معطوفًا على الأول بالواو. والجملتان إما فعليتان كما رأينا –وهو الأكثر، ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، والتقدير: إنذارك2 وعدنُه سواءٌ. وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، والتقدير: جزعنا وصبرنا سواء3 وإما اسميتان كقول الشاعر:
وَلَسْتُ أُبالي بعد فقْديَ مالكًا ... أَمَوْتِيَ ناءٍ أَم هُوَ الآَنَ واقعُ
والتقدير: لست أبالي نَأىَ1 موتى وقوعه الآن. وإما مختلفتان بأن تكون الأولى "وهي المعطوف عليها" فعلية: والثانية "وهي المعطوفة" اسمية كقوله تعالى عن الأصنام: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} , والتقدير: سواء عليكم دعاؤُكُم إياهم وصمْتُكُم. أو العكس، نحو: لا يبالي الحرّ في إنجاز العمل أرئيسهُ حاضر أم يغيب. والتقدير: لا يبالي الحرُّ حضورَ رئيسه وغيابه2. والمصدر المؤول هنا مفعول به ... والجملة بمعنى: سواءٌ على الحرّ أرئيسه حاضر أم غائب. وليس من اللازم أن تكون همزة التسوية مسبوقة بكلمة "سواء" فقد يغنى عنها ما يدل دلالتها في التسوية؛ نحو: "ما أبالي" ... أو ما يشبهها من هذه الناحية3 إنما اللازم أن تكون مسبوقة بكلمة: "سواء" أو بما يؤدي
معناها؛ كما في بعض الأمثلة السابقة. هذا، ولا شأن لهمزة التسوية بالاستفهام فقد تركته نهائيًا وتمضحت للتسوية. حكم هذا القسم: مما سبق يتبين أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تَعطف إلا جملة على جملة وكلتا الجملتين خبرية بمنزلة الفرد؛ لأنها صالحة مع الأداة لأن يحل محلها مصدر مؤول. ولا شأن لها بعطف المفردات إلا نادرًا؛ لا يقاس عليه، ومن صور هذا النادر القليل الذي لا يقاس عليه أن تتوسط بين مفرد وجملة1؛ كقول القائل: سواءٌ عليك النَّفْر2 أم بتَّ ليلةً ... بأَهلِ القِباب من عُمَيْر3 بن عامر وعلامة: "أم" المسبوقة بهمزة التَّعيين أن تكون متوسطة بين شيئين، ينسب لواحد غير معين منهما أمر يعلمه المتكلم. ولكنه لا يعلم –على وجه التعيين– صاحبه منهما، وقبلهما معًا همزة استفهام، يراد منها ومن "أم" تعيين أحد هذين الشيئين4، وتحديد المختص منهما بالأمر الذي يعرفه المتكلم، ويَسأل
عن صاحبه الحقيقيّ؛ ليعرفه على وجه اليقين، لا التردد والشك؛ نحو: أعَمّك مسَافر أم أخوك؟ فقد وقعت "أمْ" بين شيئين، هما: "عم" و"أخ" وقبلهما همزة استفهام1 يريد المتكلم بها و"بأمْ" أن يعين له المخاطب أحد الشخصين تعيينًا قاطعًا يدل على المسافر منهما دون الآخر. فالمتكلم يعلم يقينًا أن أحدهما مسَافر؛ لكم مَِن منهما؟ هذا هو ما يجهله المتكلم، ويريد أن يعرفه بغير تشكك فيه؛ إذ لا يدري؛ أهو: العم أم الأخ؟، ومن أجله يطْلب من المخاطب أن يُعَيِّن له المسافر تعيينًا مضبوطًا، ويحدده تحديدًا يؤدي إلى كشف حقيقته وذات، فيمكن بعد هذا إسناد السَّفر إليه وحده، ونسبيته إليه، دون غيره. فالسفر المجرد ليس موضع السؤال؛ لأنه غير مجهول للمتكلم، إنما المجهول الذي يسأل عنه ويريد أن يعرفه هو تعيين أحدهما، وتخصيص فرد منهما بالأمر دون الآخر. ومن الأمثلة أيضًا: أعادلٌ واليكم أم جائز؟ فقد وقعت "أم" بين شيئين؛ هما: عادل وجائر، وقبلهما معًا همزة الاستفهام التي يريد المتكلم بها وبأمْ استبانة أحد الشيئين، وتحديدهُ، وتعيينه، ليقتصر المعنى عليه، وينسب إليه وحده. ذلك أن المتكلم يقطع بأن هناك واليًا، ولا يشك في وجوده، ولكن الذي يجهله ويريد أن يعرفه من المخاطب هو: تعيين هذا الوالي، وتحديد أمره؛ بحيث يكون واحدًا محددًا من هذين الاثنين لا يتجه الفهم إلى غيره مطلقًا. وتسمى هذه الهمزة: "بالمغْنية عن كلمة: "أيّ" لأنها مع "أم" يغنيان عن كلمة: "أي" في طلب التعيين، وليست الهمزة وحدها -فمعنى؛ أعمك مسافر أمْ أخوك؟ هو: أيّهما المسافر؟ ومعنى أعادل وإليكم أم جائز: أيّ الأمرين واقع ومحقق؟ حكم هذا القسم: يشترط في: "أمْ" هذه –كما سبق– أن تتوسط بين الشيئين اللذّين يراد
تعيين أحدهما؛ فيقع قبلها واحد منهما، ويقع بعدها الآخر1؛ كما في الأمثلة2. ولما كان التعيين والتحديد هما الغرض من الاتيان "بأمْ" هذه ومعها همزة الاستفهام التي قبلها وجب أن يجيء الجواب مشتملًا على ما يحقق الغرض؛ فيتضمن النص الصريح بذكر أحد الشيئين وحده. فيقال في المثال الأول: "العم ... " مع الاقتصار على هذا. أو: "الأخ ... " مع الاقتصار عليه. ويقال في المثال الثاني: "عادل" كذلك، أو "جائز". ولا يصح أن يقال في الإجابة عن السؤالين وأشباههما: نعَم، أوْ: لا؛ لأن الإجابة بأحد هذين الحرفين –أو بأخواتهما من أحرف الجواب– لا تفيد تعيينًا، ولا تحديدًا، وإنما تفيد الموافقة على الشيء المسؤول عنه أو المخالفة. وهذه الموافقة أو المخالفة لا تحقق الغرض المقصود من استعمال "أمْ" المتصلة المسبوقة بهمزة الاستفهام على الوجه الذي شرحناه3. ولهذا القسم من قسمى "أم" المتصلة صور مختلفة؛ منها: 1- أن تقع بين مفردين متعاطفين بها، وبينهما فاصل لا يسأل عنه المتكلم -وهذه الصورة هي الغالبة- كأن يقول قائل لآخر: شاهدت اليوم سباق السباحين؛ أمحمد هو الذي فاز أم محمود؟ فالمراد من السؤال تعيين واحد من الاثنين، وقد توسط بينهما أمر ليس موضوع الاستفهام، لأنه أمر معروف
للمتكلم، وهو الفوز، أما المجهول الذي يريد أن يعرفه فهو الفائز. وقد تقع بين مفردين تعطفاهما، مع تأخر شيء عنها لا يسأل عنه المتكلم؛ تقول في المثال السالف: أمحمد أم محمود هو الذي فاز؟ وكأن يقول قائل: كتاب "العقد الفريد" كتاب أدبي نفيس، فتقول: نعم سمعت اسمه يتردد كثيرًا. ولكن أغال أم رخيص كتاب "العقد الفريد"؟ فأنت تسأل عن غلوه ورخصه، وتطلب بسؤال تعيين أحدهما، وليست تسأل عن الكتاب ذاته، فإنك تعرفه ... ومن الأمثلة السسالفة يتبين أ، الذي يلي الهمزة مباشرة هو واحد مما يتجه إليه الاستفهام، يراد معرفته وتعيينه، أما الذي لا يتجه إليه الاستفهام فيتوسط أو يتأخر1. وهذا الحكم هو الأكبر والأول، ولكنه ليس بالواجب؛ فليس من المحتم أن يلي الهمزة أحد المرين اللذين يتجه إليهما الاستفهام لطلب التعيين. بل يصح -عن أمن اللبس- أن يقال: أكتاب "العقد الفريد" غالٍ أم رخيص؟ وهذا -بالرغم من صحته- قليل، ودرجته البلاغية ضئيلة ومراعاة الأكثر هي الأحسن. 2- ومنها: أن تقع بين جملتين ليستا في تأويل مصدر2، وتعطف ثانيتهما على الأولى، وهما، إما فعليتان، نحو: أزراعة مارست، أم زاولت التجارة؟ وإما اسميتان، نحو: أضيفك مقيم غدًا أم ضيفك مسافر؟ وإما مختلفان، نحو: أأنت كتبت رسالة لأخيك الغائب أم أبوك كاتبها؟ 3- ومنها: أن تقع بين مفرد وجملة؛ كقوله تعالى: {إِنْ 3 أَدْرِي
أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ 1 لَهُ رَبِّي أَمَدًا} . فملخص ما يقال في "أم المتصلة" أنها تنحصر في قسمين؛ قسم مسبوق بهمزة التسوية، ولا تعطف فيه إلا الجمل التي هي في حكم المفرد، "لأن كل جملة منها مؤولة بالمصدر المنسبك"، وقسم مسبوق بهمزة استفهام يُطالب بها وبأمْ التعيين، وتعطف فيه المفردات حينًا والجمل حينًا آخر، أو المفرد والفعل2. وإنما سميت "أم" في القسمين: "متصلة" لوقوعها بين شيئين مرتبطين ارتباطًا كلاميًا وثيقًا، لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يستقيم المعنى إلا بهما معًا. لأن التسوية في النوع الأول وطلب التعيين في النوع الثاني لا يتحققان إلا بين متعدد، وهذا التعدد لا يتحقق إلا بما قبلها وما بعدها مجتمعين. وتسمى كذلك في هذين القسمين: "أمْ المعادِلة" للهمزة؛ لأنها في القسم الأول تدخل على الجملة الثانية المعادلة للجملة الأولى في إفادة التسوية، وهذه الجملة الثانية هي التي تفيد المعادلة في التَّسوية3، وليست "أم". فغير أن "أم" تعتبر معادلة للهمزة ولا "أم" في إفادة التسوية المباشرة. ولأنها في النوع الثاني تعادل الهمزة في إفادة الاستفهام.
ويجب في النوعين أن يتأخر عنها المنفيّ؛ -كما أشرنا1- مثل: سواء عليَّ أغضب الظالم لأم لم يغضب. ولا يصح: سواء عليَّ أم يغضب الظالم أم غضِب1. وفي مثل: أمطرٌ نزل أم لم ينزل؟ لا يصح: ألم ينزل مطر أم نزل؟ الفرق بين قسمي "أمْ" التي بعد همزة التسوية عن "أمْ" التي يراد بها وبهمزة الاستفهام التعيين في أربعة أمور: أولها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا حتميًا2؛ لأن المعنى معها على الإخبار؛ وليس على الاستفهام؛ فقد تركت الاستفهام إلى الإخبار بالتسوية؛ بخلاف الأخرى. فإنها باقية على الاستفهام. فتحتاج للجواب. ثانيها: أن الكلام مع الواقعة بعد همزة التسوية قابل للتصديق والتكذيب3 إذ هو خبر –كما أسلفنا– بخلاف الأخرى؛ فإن الكلام معها إنشائي؛ لا دخل للتصديق والتكذيب فيه؛ لبقاء الاستفهام على حقيقته في الغالب. ثالثها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تقع بين جملتين –ومن النادر الذي لا يقاس عليه ألا تكون كذلك، كما سبق4– أما الأخرى فقد تكون بين
الجمل أو المفردات، أو بين مفرد وجملة. رباعهما: أن الجملتين اللتين تتوسطهما "أم" الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تكونا في تأويل مفردين؛ لأن كلاّ منهما في تأويل مصدر منسبك. بخلاف اللتين تتوسطهما "أم" الأخرى، فلا يصح تأويل واحدة منها بمفرد؛ لعدم وجود سبكْ ولا غيره مما يجعلها في حكم المفرد1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يصح في الأسلوب المشتمل على "أم" المتصلة الاستغناء عن الهمزة بنوعيها إن عُلم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس. فمثال حذف همزة التسوية: "سواء على الشريف راقَبه الناس أم لم ياقبوه؛ فلن يرتكب إثمًا، ولن يقع في محظور". والأصل: أراقبه الناس ... ، ومثال حذف الأخرى قول الشاعر: لعَمْرُك ما أَدري –وإِنْ كنت داريًا- ... بسبع رَمَيْنَ الجمرَ أَمْ بثَمانِ؟ يريد: أبسبع أم بثمان؟ وتظل حالات: "أم" وأحكامها بعد حذف الهمزة كما كانت قبل حذفها1. ب- من النادر الذي لا يقاس عليه أن تحذف "أم" المتصلة مع معطوفها كقول الشاعر: دعاني إليها القلب، إني لأَمره ... سميع؛ فما أَدري أَرُشْدٌ طِلابُها ... ؟ يريد: أم غيَ. وقول الآخر: أراك فلا أَدري أَهَمٌّ هممته؟ ... وذو الهمّ قِدْمًا خاشع متضائل ... يريد: أهمًٌ أم غيره2 ... ؟ قيل: إن الهمزة للتصديق فلا تحتاج لمعادل –وستجيء إشارة للحذف في ص637-. ويجوز حذف المعطوف عليه قبلها –كما سيجيء في موضعه المناسب ص639-. ح- سبقت الإشارة "في ص588 ورقم 3 من هامشها" على أن الهمزة الواقعة بعد: "لا أبالي" هي للتسوية بخلاف الواقعة بعد: "لا أدري، أو لا أعلم، أو ليت شعري" فإنها للتعيْين على الأرجح، وأن سيبويه يجيز العطف بأوْ وأمْ بعد هذه الألفاظ إذا سبقتها الهمزة3.
النوع الثاني – "أم" المنقطعة، "أو: المنفصلة". تعريفها: "هي التي تقع –في الغالب– بين جملتين مستقلتين في معناهما، كل منهما معنى خاص يخالف معنى الآخر، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر؛ فليس بين المعنيين ما يجعل أحدهما جزءًا من الثاني. وهذا هو السبب في تسمية: "أم" بالمنقطعة، أو: بالمنفصلة، وفي أن يكون معناها –غير النادر– الإضراب دائمًا1 فتكون في هذا بمعنى: "بَلْ"2. وقد تفيد معه معنى آخر أحيانًا3. علامتها: ألا تقع –مطلقًا4– بعد همزة التسوية، ولا بعد همزة الاستفهام التي يطلب بها، و"بأمْ" التعيين –وقد شرحناهما5– وإنما تقع بعد نوع مما يأتي: 1- الخبر المحض؛ مقوله تعالى في الكفار: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: بل يقولون أفتراه، فقد وقعت "أمْ" بين جملتين هما: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وكل منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى، ومن الممكن عند الاكتفاء بها أن تؤدي معنى كاملًا. و"أمْ" هنا بمعنى: "بل" الدالة على الإضراب المحض الذي لا يشاركه معنى آخر.
2- وقد تقع بعد أداة استفهام غير الهمزة، كقوله تعالى: {هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 1 والشأن في هذه الآية كسالفتها. في الدلالة على الإضراب المحض. 3- وقد تقع بعد همزة ليست للتسوية ولا لطلب التعيين، وإنما هي لنوع من الاستفهام غير الحقيقي، معناه: الإنكار والنفي؛ كقوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} فالاستفهام هنا غير حقيقي2 والمراد منه ما سبق. 4- وقد تقع بعد همزة استفهام غير حقيقي أيضًا، ولكن يراد منه التقدير، أي: الحكم على الشيء بأنه ثابت مقرر، وأمر واقع؛ كقوله تعالى في المنافقين: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} 3. فكلمة "أم" في جميع الأنواع السالفة منقطعة بمعنى: "بل". ومن الأمثلة للإضراب المحض4: "هذا صوت مغنية بارعة، أم هذا صوت مغَنّ مقتدر، فقد تبينت لحيته وشاربه". هنا وقعت "أمْ" بين جملتين تفيد الأولى منهما أن الصوت لمعنيَة، وتدل الثانية على أن المتكلم أضْرَبَ، -أي: عَدَل– عما قرره أوّلًا، وتركه إلى معنى آخر، هو أن الغناء لرجل، لا لمغنية. والذي يدل على إضرابه وعدوله عن المعنى الأول إلى الثاني، هو ذكر
اللحية والشارب، فهما قرينة على الإضراب. وأداة الإضراب هي: "أم". ومن الأمثلة: "استيقظت في الصباح الباكر فرأيت ورق الشجر مَبْتَلًا فقد سقط المطر ليلًا، أم تكاثَرَ الندى عليه؛ فإني أجد الطرق والمسالك جافة؛ لا أثر فيها للمطر". فهنا وقعت "أم" بين جملتين؛ الأولى منهما تفيد أن بلل الورق من سقوط المطر، وتدل الثانية منهما على أن سبب البلل شيء آخر؛ هو: النَّدى، فعدَل المتكلم على المعنى الأول، وانصرف عنه إلى الثاني؛ بدليل يؤيده؛ هو: جفاف الطرق والمسالك. والأداة المستعملة في الإضراب هي: "أم"1 ... حكمها: الرأي الراجح أن "أمْ" المنقطعة ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء يفيد الاضراب، فلا تدخل إلا على الجمل، أما الرأي المرجوح فإنها حرف عطف لا يعطف إلا الجمل، والأخذ بالرأي الأول أَنْسب وأَيْسَر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من نوع المنقطعة "أم" الواقعة بعد همزة الاستفهام الحقيقي، بشرط أن يكون ما بعدها نقيض ما قبلها: نحو: أفاكهة عندك أم لا؟ لأن المتكلم لو اقتصرت على الجملة الأولى لكان المعنى المستقل كافيًا مستغنيًا عن معنى الجملة الثانية –كالشأن في: "أم" المنقطعة، ولكان الجواب: نعَم، أو: لا، ونحوهما، على حسب المراد من غير حاجة إلى المعنى الثاني. وإنما ذُكر ما بعدها لبيان أن المتكلم عرض له ظنُّ الانتفاء فاستفهم عنه، ضاربًا عن الثبوت، ولولا ذلك لضاع قوله: "أم لا" بغير فائدة1 فإن لم يكن الثاني نقيض الأول؛ نحو: أفاكهة أكلت أم خبزًا، كانت "أم" محتملة للاتصال والانقطاع، فإن كان السؤال عن تعيين المأكول مع تيقن وقوع الأمل على أحدهما فمتصلة –طبقًا لما شرحناه2 عند الكلام عليهما-. وإن كان السائل قد عرض له الظن بأن المأكول هو الخبز بعد ظنه أن المأكول هو الفاكهة، فاستفهم عن الثاني مُضربًا عن الأول فهي منقطعة. فالاحتمال إنما يقع عند عدم القرينة الدالة على أحدهما، وهي القرينة التي تعين الاتصال وحده، أو الإضراب وحده، فإذا وجدت وجب الأخذ لها، وامتنع الاحتمال3. ب- قلنا4 إن: "أم" المنقطعة لا يفارقها معنى الإضراب، إلا نادرًا ... لكنها قد تفيد معه استفهامًا حقيقيًا، وفي هذه الصورة تفيد الإضراب والاستفهام الحقيقي معًا من غير وجود همزة استفهام معها. كأن ترى كوكبًا يضطرب ويهتز فتقول: هذا كوكب المِرِّيخ. ثم تعدل عن هذا الرأي لسبب يداخلك، فتقول: "هذا كوكب المرِّيخ. أم هو كوكب سُهيْل؛ فإن هذه أمارات سهيل التي تعرفها أنت؟ فقد قررت أولًا أن هذا هو المِرِّيخ، ثم عدلت عنه إلى كوكب آخر أردت أن تستوثق من اسمه؛ فكأنك قلت: بل أهو كوكب سهيل؟ ومثل هذا قول العربي حين رأى أشباحًا بعيدة حسبها إبلًا، ثم عدل عن رأيه إلى رأي آخر؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو: أنها شاءٌ1، وأراد أن يستوثق من رأيه الجديد، فقال: "إنها لإبل أم شاء"؟ يريد: أنها لإبل، بل أهي شاء؟ والهمزة داخلة على مبتدأ محذوف؛ لأن "أم" المنقطعة لا تدخل –في الغالب– إلا على جملة –كما أسلفنا2-. وقد تفيد مع الإضراب استفهامًا إنكاريًا3 بغير أن تسبقها أداة استفهام؛ كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، أي: بل أنه البنات ولكم البنون؟ لأنها لو كانت للإضراب المحض الذي لا يتضمن الاستفهام الإنكاري لكان المعنى محالًا، إذ يترتب عليه الإخبار بنسبة البنات إلى المولى جل شأنه. وقد تتجرد للإضراب المحض الذي لا يتضمن استفهامًا مطلقًا؛ لا حقيقيًا ولا إنكاريًا؛ كالأمثلة الأولى4 التي منها قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ، أي: بل هل تستوي الظلمات؛ ولا يصح أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات؛ لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام –كما أسلفنا5-. ومثل الآية في الإضراب المحض قول الشاعر: فليتَ سُليمَى في المَمَات ضجيعتي ... هنالك أم جنة6 أم جهنمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: بل جهنم، ولا يصح التقدير: بل أفي جهم، إذ لا معنى للاستفهام هنا؛ لأن الغرض من الكلام التمني. وقد تتجرد –نادرًا– للاستفهام الخالي من الإضراب كقول الشاعر: كَذبتْك عينُك، أَمْ رأيت بواسِط1 ... غَلَس الظَّلام من الرَّبَاب خيالا؟ إذ المراد: هل رأيت؟ وهذا أقل استعمالاتها. ومن المستحسن عدم القياس عليه؛ لغموض المراد معه. ج- يجوز أن تجاب "أمْ" المنقطعة. وجوابها يكون بحرف من أحرف الجواب، كثل: نعَم، أوْ: لا: أخواتهما ... في نحو قوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ} . وفي مثل: قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} يكون الجواب عند المخالفة: "لا" أو ما يدل دلالتها. وإذا تكررت "أم" المنقطعة متضمنة في كل مرة إستفهامًا، بحيث تتوالى بها الاستفهامات كان الجواب للأخير؛ مراعاة للإنصراف إليه؛ لأن المتكلم أضرب عما سبقه، وانصرف إليه تاركًا ما قبله. د- تقسيم "أم" إلى المتصلة والمنقطعة هو المشهور2. وزاد بعضهم نوعًا ثالثًا؛ هو الزائدة؛ كقول الشاعر: يا ليت شعري ولا مَنْجَى من الهرِم ... أم هل على العيش بعد الشَّيْب من نَدمِ وهذا نوع لا يقال عليه. هـ- حكم الضمير الواقع بعد "أم" العائد على المتعاطفين –من ناحية المطابق وعدمها– موضح في رقم 3 من ص656.
6- أو: حرف يكون في أغلب استعمالاته عاطفًا؛ فيعطف المفردات والجمل. فمن عطفيه المفردات قول أحد الأدباء: طلع علينا فلان طلوع الصبح المنير، أو الشمسِ المشرقة، وأقبلَ كالدنيا المواتية، أو السعادةِ المرتجاة. فقد عطف الجرفُ "أو" كلمةَ: الشمس، على كلمة: الصبح، كما عطف كلمة: السعادة، على كلمة: الدنيا، وكل هذه المعطوفات وما عُطِفَتْ عليه مفردات1، وأداة العطف هي: "أو". ومثال عطفه الجملَ قول الشاعر: أعوذُ باللهِ من أَمرِ يُزَيِّنُ لي ... شَتْمَ العشيرةِ، أو يُدني مِنَ الْعَار فالجملة المضارعية المكونة من الفعل: "يُدْنِي" وفاعله، معطوفة على نظيرتها السابقة: "المكونة من المضارع: يُزَيَّنُ وفاعل والعاطف هو: "أو"2 ... معناه: لهذا الحرْف معان واردة قياسية، يحددها السياق وحده، فيعين المعنى المناسب لكل موضع، ومن ثَمَّ اختلفت المعاني القياسية للحرف: "أو" باختلاف التراكيب والقرائن، وبما يكون قبله من جملة طلبية أمْرِيَّة3، أو غير أمْرية، أو جملة خبريَّة على الوَجه الَّذِي يجيء4: أ- فمن معانيه: "الإباحة"، و"التخيير". بشرط أن يكون الأسلوب قبلهما مشتملًا على صيغة دالة على الأمر3. فمثال الإباحة: تمتعُ بمشاهدة
آثار الفراعيين في "الصعيد الأعلى"1، أو: "الجيزة"2، وانعَمْ بشتاء "أسوان"3، أو: "حُلوان"2. ومعنى الإباحة: ترك المخاطب حرًّا في اختيار أحد المتعاطفين4 فقط، أو اختيارهما معًا، والجمع بينهما إذا أراد ... ففي المثال السالف يصح أن يختار زيارة آثار "الصعيد الأعلى" فقط، أو آثار "الجيزة" فقط، أو يجمع بين زيارتهما من غير أن يقتصر على واحدة. وكذلك أن يَنُعَمَ بشتاء "أسوان" الحرية في أن يختار أحد المتعاطفين، ويقتصر عليه، وفي أن يجمع بينهما. ومثال التخيير: من أتم دراسته الثانوية العلمية فليدخل كلية الطب أو الهندسة، لإتمام تعلمه بالجامعة. ومعنى التخيير: ترك المخاطب حرجًا يختار أحد المتعاطفين4 فقط، ويقتصر عليه، دون أن يجمع بينهما؛ لوجود سبب يمنع الجمع5، ففي المثال السالف يدخل الطالب ليتعلم في إحدى الكليتين المذكورتين دون الأخرى. وليس له أن يدخلهما معًا للتعلم؛ لوجود ما يمنع الجمع؛ وهو أمثلة التخيير أن يقول الوالد لابنه: هاتان أختان نبيلتان؛ فتزوج هذه أو تلك. فمعنى "أو" هنا: الترخيص له بزواج إحداهما فقط، ولا يجوز التزوج بالاثنتين، لوجود سبب يمنع الجمع بينهما؛ هو أن الدين يُحَرَّم بين الأختين في الحياة الزوجية القائمة6. وقد سبق أن الواو العاطفة تكون أحيانًا مثل "أو" في إفادة التخيير؛ كالذي في قول الشاعر:
وقالوا: نَأْتْ؛ فاختر لها الصبر والبكا ... فقلت: البكا أَشفَى –إِذًِا لغليلي والدليل على اختيار المجرد، وعدم الجمع ... هو إجابة السامع، وأن البكاء والصبر لا يجتمعان في وقت واحد، ولا يتلاقيان معًا. ومما تقدم يتبين أن الإباحة والتخيير لا يكونان إلا بعد صيغة دالة على الأمر1 دون غيره, كما يتبين وجه الشبه والتخالف بين الإباحة والتخيير؛ فهما يتشابهان في أن كلا منهما يجيز للمخاطب أن يختار احد المعاطفين. ويختلفان في أن التخيير يمنع الجمع بين المتعاطفيْنِ، أما الإباحة فلا تمنع. ب- ومن معانيه: الشك من المتكلم في الحُكم، بشرط أن يكون قبل "أو" جملة خبرية2؛ نحو: قضيت في السباحة ثلاثين دقيقة، أو أربعين. ج- ومن معانيه: الإبهام3 من المتكلم على المخاطب، بشرط أن يكون قبله جملة خبرية أيضا: كمن يسأل: متى تسافر لأشاركك؟ فإذا كنت لا ترغب في مصاحبته أجبتَ: قد أسافر يوم الخميس أو الجمعة، أو السبت ... ، وإذا سألك: أين كنت يوم الأحد –مثلا-؟ أجبتَ: كنت في البيت، أو المتجَر. أو الضَّيْعة، تقول هذا عند الرغبة في إخفاء المكان عنه فالشك والإبهام إنما يقعان لغرض مقصود، حيث تكون "أو" بعد جملة خبرية4. د- وهناك معان أخرى غير التي سبقت في: "أ، ب، ج" ولا يشترط
لتحقق هذه المعاني الأخرى أن تكون: "أو" مسبوقة بنوع معيَّن من الجمل، فقد يتحقق المعنى والجملة السابقة طلبية مطلقًا، أو خبرية. ومن هذه المعاني: التفصيل1 بعد الإجمال "أي: التقسيم، وبيان الأنواع"؛ نحو: الكلمة: اسم، أو فعل، أو حرف. والاسم: مشتق، أو جامد. والفعل: ماض، أو مضارع، أو أمر ... ؛ ومن هذا النوع قول القائل: اجتمع في النادي ثلاث طوائف ممن يمارسون أعمالًا حرة مختلفة يحبونها. فسألتهم
ما أفضل الأعمال الحرة للشباب؟ قالوا: أفضلها الزراعة، أو التجارة ,أو الصيدلة، فالجملة الفعلية: "قالوا" جملة خبرية، مكونة من الفعل:. "قال" الدال على القول، من غير تفصيل للكلام الذي قيل، ومن الضمير: "واو الجماعة" العائد على الطوائف المعدودة بالثلاث1، وهو ضمير مجْمل يدل على مرجعه دلالة خالية من التفضيل. وبسبب الإجمال في دلالة الفعل وفي الضمير جاء بعدهما التفصيل الذي يعدد طوائفهم، وأنهم زراعيون. وتجاريون، وصيادلة، كما يُبين كلام كل طائفة؛ أي: قال الزراعيون: أفضلها الزراعة، وقال التجاريون: أفضلها التجارة، وقال الصيادلة: أفضلها الصيدلة. ومن هذه المعاني أيضًا: الإضراب2، ومن أمثلته: أن يتهيأ المرء للخروج، وتبدو عليه أماراته، ثم يعدل عنه، قائلًا: "أنا أخرج، أو أقيم". فينطلق بالجملة الأولى، ولا يلبث أن يغير رأيه، وينصرف عما قرره، فيسارع إلى إردافها بقوله: أو: "أقيم" ويجلس جلسة المقيم، فيكون جلوسه قرينة على أن معنى "أو" هو: الإضراب. فكأنه قال: "أخرج، لا، بل أقيم". ومثله قول القائل: "أقيم في البيت، أو أخرج، فإن ورائي عملًا لا مَناص من إنجازه الآن في الخارج". فقد أخبر بالإقامة في البيت، ثم بدا له أن ينصرف عن هذا الرأي ويخرج، فكأنه قال: "لا. بل أخرج الآن" ومثل قول الشاعر يتغزل: بَدَتْ مثلَ قَرْن الشمسِ في وَرْنَق الضحا ... وصورِتها. أَو أَنتِ في العين أملح يريد: بل أنت أملح. ويحسن في الأسلوب المشتمل على: "أو" التي تفيد الإضراب أن يحتوي أمرين معًا؛ أولهما: أن يسبقها نفي أو نهي3. وثانيهما: تكرار العامل، نحو: "
ما زارني عمي، أو: ما زارني أخي". "ولا يخرجْ حامد، أو: لا يخرجْ إبراهيم". والمراد: بل ما زارني أخي بل لا يخرج إبراهيم. ونحو: "لا ترجئ عملك الناجز، أو: لا تهملْ عملك". ونحو: "ليس المنافق صاحبًا، أو: ليس مأمونًا على شيء" ... والمراد لا تهمل بل ليس مأمونًا ... وإذا كانت "أو" للإضراب فالأحسن إتباع الرأي الذي يعتبرها حرفًا لمجرد الإضراب لا للعطف، فما بعدها جملة مستقلة عما قبلها. شأنها في هذا شأن "أم" المتجردة للإضراب وحده؛ فليست عاطفة –في الرأي الراجح، كما أسلفنا2-. ويرى فريق آخر نهما مع الإضراب يعربان حرفي عطف، فما بعدهما معطوف علة ما قبلهما.... والخلاف شكلي، ولكنّ الأول وضح وأنسب. وقد يكون معنى الحرف: "أو" الدلالة على الاشتراك ومطلق الجمع3 بين المتعاطفيْنِ؛ فكأنه الواو العاطفة في هذا، ويصح ن يحل محله الواو4، كقول الشاعر: وقالوا لنا: ثنتانِ لا بدَّ منهما ... صدورُ رِمَاحٍ أُشْرِعت5، أو سلاسلُ6 ونحو: جلس الضيف بين صاحب الدار أو ابنه. أي: جلس بين صاحب الدار وابنه: لأن كلمة: "بيْن" إذا أضيفت لاسم ظاهر اقتضت –في الغالب–
أن يكون ما بعدها الأفراد، وهذا التعدد لا يتحقق "بأو" إلا إذا كانت بمعنى الواو الدالة على الجمع والمشاركة ... ومثل قول الشاعر: وقد زَعَمت ليلى بأَنَي فاجرٌ ... لنفسي تُقاها، أو عليها فجورُها وقول الآخر يمدح أحد الخلفاء: نال الخلافة أَو كانت له قَدرًَا ... كما أَتى ربَّه موسى على قَدَرِ فلا بد من محاسبة النفس على التقى والفجور معا، دون الاقتصار على أحدهما ولا تتحقق الخلافة إلا مع قضاء الله وقدره1. وملخص ما سبق2 من معاني "أو"، أن هذه المعاني المتعددة القياسية خاضعة في إرداكها للسياق والقرائن خضوعًا تامًا؛ كي يتميز ويتحدد كل نوع منها، وأن التخيير والإباحة3 لا يكونان إلا بعد جملة خبريَّة. أما المعاني الأخرى التي تخالف ما سبق "كالتفصيل، والإضراب، ومعنى الواو.." فتكون بعد الجملة الخَبرية، والطلبية، و.... والأفضل في الإضراب أن يسبقه نفي أو نهي. وأن يتكرر العامل معه4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "نمي، أي: نسب إليها، بمعنى أنها تؤديعه" وقد تضمن البيت ستة معان؛ هي: "التخيير، الإباحة، التقسيم، الإبهام، الشك، الإضراب". وسيجيء في البيت التالي معنى سابع؛ هو: أنها تكون بمعنى الواو. وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الوَاوَ إذا ... لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْس مَنْفَذًَا "يلف: يجد. ذو النطق المتكلم" يقول: "أو" تعاقب الواو "أي: يصح أن تحل محلها وتؤدي معناها وهو مطلق الجمع والاشتراك" بشرط ألا يجد المتكلم منفذًا للالتباس، أي: بشرط ألا يكون استعمالها موقعًا في اللبس؛ بسبب خفاء معناها المراد، وعدم إدراك السامع أنها بمعنى الواو.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الأصل في "أو" أن تكون لأحد الشيئين أو الأشياء1 لكنها إذا وقعت بعد نفي أو نهي كانت للنفي العام الذي يشمل كل فرد مما حَيِّز النفي قبلها وبعدها، وللنهي العام الذي ينصَبّ على كل فرد كذلك: فمثالها بعد النفي: "لا أحب منافقًا أو كاذبًا". ومثالها بعد النهي قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2. ب- يقول سيبويه: إذا ذكرت همزة التسوية بعد كلمة: "سواء" فلا بد من مجيء "أم" العاطفة، لا فرق في هذا الحُكم بين أن يكون بعد الهمزة اسمان أو فعلان؛ نحو: "سواء عَلَيّ أمقيم ضيفي أم هو مرتحل سواء علىّ أَبَقِيَ الضيف أم ارتحل"، فإن كان بعد: "سواء" فعلان بغير همزة التسوية عُطف الثاني منهما على الأول بالحرف: "أو". نحو: "سواء علينا رَضِيَ العدو أو سَخِط". ورأيه هذا مخالف لما نقلناه –في رقم 3 من هامش ص588 وما يتصل بها– عن بعض المحققين الذين يجيزون مجيء "أم" والصواب معهم. وفي تلك الصفحة أيضًا بيان الصفة والارتباط بين الحرفين: "أو" و"أمْ". وإن كان بعدهما اسمان بغير همزة التسوية عطف الثاني على الأول بالواو، ولو كان الاسمان مصدرين؛ نحو سواء على حمزةُ وعامرٌ، سواءٌ علينا اعتدالُ الجو وانحرافُه3.... ج- يصح حذف "أو" عند أمْن اللَّبس4؛ نحو: وسائل السفر متنوعة؛ يتخير منها كل امرىء ما يناسبه: فسافر ما يناسبه: فسافرْ بالطيارة، القطار، الباخرة، السيارة.... د- وقد تعطف الشيء على مرادفه5 كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ} فالإثم هو: الخطيئة ...
7- إمَّا: يرى بعض النحاة أن كلمة: "إمَّا" الثانية في مثل "امنح السائل إمَّا دِرْهمًا وإمَّا دِرْهمين" حرف عطف بمعنى: "أو" وأنها تشارك "أو" في خمسة من معانيها1. هي: التخيير والإباحة"، بشرط أن تكون "إمَّا" الثانية مسبوقة بكلام يشتمل على أمر. "ولاشكُّ والإبهامُ"، بشرط أن تكون مسبوقة بجملة خبرية. "والتفصيل"2 بعد الخبرِ أو الطلبِ". ولا تكون "إمَّا الثانية" عند هؤلاء للإضراب، ولا بمعنى "واو" العطف؛ فبهذين المعنيين تختصص: "أو" دونها. والمعاني الخمسة السابقة هي لكلمة: "إمَّا" الثانية، وتشاركها الأولى فيها وتسايرها؛ لأنهما حرفان3 متلازمان –في الأغلب– معنى واستعمالا4، غير أن الأولى لا تكون للعطف مطلقًا –كما سنعرف-. فمن أمثلة الشك: احتجت الشمس وراء الغمام إمَّا ساعتين، وإمَّا ثلاثًا. ومن الإبهام قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} 5. والتخيير كقوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} ؛ والإباحة، نحو: إمَّا أن تزرع فاكهةً وإمَّا قَصَبًا. والتفصيل، كقوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . وإذا كانت "إمَّا" الثانية عندهم حرف عطف "فالواو التي قبلها زائدة لازمة لها. والأولى لا عمل لها في عطف أو غيره. ويرى آخرون: أن "إما" الثانية والولى متشابهتان في الحرفية، وفي تأدية
معنى من تلك المعاني الخمسة، وأن كلًا منهما ليس حرف عطف؛ لأن الأولى لا يسبقها معطوف مطلقًا، ولأن الثانية تقع دائمًا بعد الواو العاطفة بغير فاصل بينهما. ومن المقرر أن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف مباشرة1، إذ لا يصح أن يتوالى حرفان للعطف من غير فاصل. والفريقان متفقان على أن الأولى ليست عاطفة2 وأنها حرف –لا خلاف في حرفيته– يفصِل بين عامل قبله ومعمول يليه3. ولكن الخلاف في الثانية. والرأي الأرجح الذي يجدرُ الأخذ به هو: أن الثانية كالأولى في المعنى والحرفية، وفي أنها ليست حرف عطف لأن العاطف هو الواو4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ليس من اللازم أن تتكرر "إمَّا"، ولكن الأغلب تكرارها، فقد تحذف الثانية؛ لوجود ما يغني عنها. ويغلب أن يكون أحد شيئين: "وإلاّ" "أوْ". فمثال الأول: إما أن يتكلم المرء ليُحْمَد وإلا فليسكت. ومنه قول الشاعر: فإِمَّا أَن تكون أَخِي بصدق ... فأَعْرفَ منكَ غَثِّي من سَمِيني وإلاّ فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدْوًّا أَتَّقيكَ وتَتَّقِينِي ومثال الثاني قول الشاعر: وقد شَفَّنِي ألا يزال يروعني ... خيالك إما طارقا أو1 معاديا وقد يستغني عن الأول اكتفاء بالثانية كقول الشاعر: تُلِمُّ بدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عهدُها ... وإِمَّا بأَموات أَلَمَّ خَيَالُهَا أي: إمَّا بدار ... والفراء يقيس هذا الاستغناء، فيجيز: فيضان النهر معتدل وإمَّا خطير. و"إمَّا" السالفة تختلف عن "إمَّا" المركبة من: "إن" الشرطية التي تجزم فعلين، ومن: "ما" الزائدة، في مثل: إمَّا يَعْدِلْ الوالي تجتمعْ حوله القلوب. أي: إنْ يعدل.... كما تختلف اختلافًا واسعًا عن "إمَّا" الشرطية التي سيجيء الكلام عليها2 في باب خاص بها. ب- من اللهجات النَّادرة أن يقَال "أَيْمَا" بدلًا من "أَمَّا"، كذلك حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا"، وكذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا" الثانية1، وقد اجتمع النَّادران في قول الشاعر: يا ليتما أمَّنا شالتْ2 نعامتها ... أَيْما إِلى جَنَّة، أَيْمَا إلى نار ومن المستحسن اليوم عدم محاكاة هذه اللغات القليلة. ج- الفرق بين "إِمَّا" و"أو" في المعاني الخمسة السالفة أن "إِمَّا" مكررة؛ فيدل الكلام معها من أول النطق بها على الغرض الذي جاءت من أجله؛ أهو شك، أم تخيير، أم غيرهما. بخلاف "أو" فإن الكلام معها يدل أوّلًا على الجزْم واليقين، ثم تجيء "أو" فتدل على المعنى الذي جاءت من أجله. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.
8- لكنْ: حرف عطف معناه الاستدراك1؛ نحو: ما صاحبت الخائنَ لكنْ الأمينَ؛ "فالأمين" معطوف على "الخائن". ولا يكون عاطفًا إلا باجتماع شروط ثلاثة: أولها: أن يكون المعطوف به مفردًا2، لا جملة، مثل: ما قطفت الزهرَ لكنْ الثمرَ. فإن لم يكن مفردًا وجب اعتبار "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، وليس عاطفًا، ووجب أن تكون الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، نحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، ونحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الثمر.. فكلمة: "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، ولا يفيد عطفًا، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها؛ لأن "لكنْ" الابتدائية لا تدخل إلا على جملة جديدة مستقلة من الناحية الإعرابية3. ثانيها: ألا يكون مسبوقًا بالواو مباشرة؛ نحو: ما صافحت المسيء لكن المحسنَ. فإن سبقته الواو مباشرة لم يكن حرف عطف واقتصر على أن يكون حرف استدراك وابتداء الكلام، ووجب أن تقع بعده جملة "فعلية أو اسمية" تُعْطَف بالواو على الجملة التي قبلها؛ فمثال الفعلية: ما صافحت المسيء ولكنْ صافحت المحسن، وقول الشاعر: إذا ما قضيت الدَّيْن بالدَّيْن لم يكن ... قضاءٌ؛ ولكنْ كان غُرْمًا على غُرم....
ومثال الاسمية: وليس أَخي من ودّني رأيَ عينه ... ولكنْ أخي من ودني وهو غائب "فالواو" حرف عطف. "لكن"، حرف استدراك وابتداء كلام. والجملة بعدها معطوفة بالواو على الجملة التي قبلها1. ثالثها: أن تكون مسبوقة2 بنفي، أو نهي، كما في الأمثلة السابقة. ونحو: لا تأكل الفاكهَةَ الفِجَّةَ لكن الناضجةَ. فإن لم تُسبق بذلك كانت حرف ابتداء واستراك لا عاطفة، ووجب أن يقع بعدها جملة مستقلة في إعرابها، نحو: تكثر الفواكة شتاء، لكنْ يكثر العنب صيفًا. ويؤخذ مما سبق أن الحرف "لكنْ" حرف استدراك دائمًا؛ سواء أكان عاطفًا أم غير عاطف. وأنه لا يعطف إلا بشروط ثلاثة مجتمعة، فإن فُقِدَ منها شرط أو أكثر لم يكن عاطفًا، ووجب دخوله على الجُمل، واعتباره حرف استدراك وابتداء معًا. والاستدراك يقتضي أ، يكون ما بعد أداته مخالفًا لما قبلها في حكمه المعنوي؛ كما في الأمثلة السالفة، كما في نحو: "لا أصاحب المنافق لكن الشهم = لا تجالس الأشرار لكن الأخيار". فمعنى الجملة التي قبل "لكن" منفي، أو منهيّ عنه، وهذا المعنى في الجملة التي بعدها مثبت وغير منهيّ عنه؛ فهما مختلفان فيه نفيًا وإيجابًا، ونهيًا وغير نهي. ولما كان الكلام قبل "لكن" العاطفة منفيًا دائمًا، أو منهيًا عنه، وجب أن يكون ما بعدها مثبتًا دائمًا، وغير منهيّ عنه3، فالمعنى بعدها مناقض للمغنى قبلها1 ...
9- لا: حرف عطف يفيد نفي الحكم عن المعطوف بعد ثبوته للمعطوف عليه؛ نحو: يفوز الشجاعُ لا الجبانٌ. فكلمة: "لا" حرف عطف ونفي. و"الجبان" معطوف على الشجاع، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو: فوز الشجاع، وقد نُفِي الفوز عن المعطوف "الجبان" بسبب أداة النفي: "لا". ومثل هذا يقال في "لا" التي في الشطر الثاني من قول الشاعر: القلب يدركُ ما لا عينَ تدركه ... والحْسنُ ما استحسنتْه النفسُ لا البصرُ فهي حرف عطف ونفي، و"البصر" معطوف على النفس، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو نسبه الاستحسان إلى النفس "أي: إسناده إليها" مع نفي هذا الاستحسان عن البصر. ولا يكون هذا الحرف عاطفًا إلا باجتماع خمسة شروط: أولها: أن يكون المعطوف مفردًا –لا جملة1– كالأمثلة السالفة، وكقول الشاعر: قلْ لِبانٍ بقولِ رُكنَ مملكةٍ ... على الكتائبِ يُبنَى المُلكُ، ولا الكُتُبِ "فالكتب" معطوفة على: "الكتائب" وهذا المعطوف ليس جملة. فإن لم
يكن المعطوف مفردًا لم يصح اعتبار "لا" عاطفة؛ وعندئذ يجب اعتبارها حرف نفي فقط، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها، ليست معطوفة؛ نحو: تصبان الممالك بالجيوش والأعمال، لا تصان بالخطب والآمال. ثانيها: أن يكون الكلام قبله موجبًا لا منفيًّا ويدخل في الموجبَ –هنا– الأمرُ والنداء؛ كقول بعضهم: "الملَقُ وَضاعة لا وداعة، وخِسِّةٌ لا كِيَاسة. فكُن أبيًّا لا ذليلًا، مَصُونًا لا مُتَبَذلًا. يا بن الغُرِّ البِهَاليلِ1 لا السَّفْلةِ2 الأوغادِ3: إن الكرامة في الإباء، والعزة في التَّصَونِ، ولا سعادةً بغير عِزة وكرامة ... ". ثالثها: ألا يكون أحد المتعطفين داخلًا في مدلول الآخر، ومعدودًا من أفراده التي يصدق عليها لفظه "اسمه"؛ فلا يصح: مدحت رجلًا لا قائدًا؛ لأن الرجل "وهو المعطوف عليه" ينطبق على أفرد كثيرة تشمل المعطوف "وهو القائد" وتشمل غيره. ولا يصح أكلت تفاحًا لا فاكهة؛ لأن الفاكهة "وهي المعطوف" تشمل المعطوف عليه "وهو: التفاح" ويصدق اسمها عليه ... وهكذا. لكن يصح: مدحت رجلًا لا فتاة وأكلت الفاكهة لا خُبزًا؛ إذ لا يصدق أحد المتعاطفين على الآخر4 ...
رابعها: ألا تقترن كلمة "لا" بعاطف لأن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف1 مباشرة فإن اقترنت به كان العطف به وحده وتمحضت هي للنفي الخالص2، نحو: أسابيع الشهر ثلاثة، لا بل أربعة، فالعاطف هوَ "بَلْ"3، وقد عطف أربعة على ثلاثة. أما "لا" فليست هنا عاطفة، وإنما هي مجرد حرف نفي لإبطال المعنى السابق وردّه. ومثل هذا: "سبقتْ السيارة لا بل القطار" فليست "لا" هنا بعاطفة وإنما هي حرف نفي يسلب الحكم السابق ويزيله ويرده، و"بل" هي العاطفة4 ... خامسها: ألا يكون ما يدخل عليه مفردًا صالحًا لأن يكون صفة لموصوف
مذكور، أو لأن يكون خبرًا1، أو حالًا. فإن صلح لشيء من هذا كانت للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ فمثال المفرد الصفة: هذا بيتٌ لا قديمٌ ولا جديدٌ. فكلمة "لا" النافية "وقديم" نعت لبيت. ومثال الخبر: الغلامُ لا صبيٌّ ولا شابٌ، والشابُّ لا غلامٌ ولا كهل....1. ومثال الحال. عرفت العاطف لا نافعًا ولا منتفعًا ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اختلف النحاة في وقوع "لا" العاطفة بعد الدعاء والتحضيض، نحو: "أطال الله عمرَك لا عُمْر الأعداء، وحرسَتْك عنايته لا عناية الناس".... ونحو: "ألاَ تُكرَم النَّابِةَ لا الخامل، وهَلا تُقَدّر الذكّي لا الغَبيّ" ... والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح هذا؛ تيسيرًا وموافقة للمأثور. ويزيد بعضهم فيبدي اطمئنانه لصحة وقوع "لا" العاطفة بعد الاستفهام أيضًا، نحو: أفرغْتَ من كتابة الرسالة لا الخطبة؟ ولا بأس بهذا الاطمئنان. ب- إذا كانت "لا" عاطفة فقد يجوز حذف المعطوف عليه، نحو: عودت نفسي أن أتكلم ... لا شرًّا، وأن أنفع ... لا قليلًا1 ... والأصْل: أن أتكلم خيرًا لا شرًا وأن أنفع كثيرًا لا قليلًا. ج- لا يجوز تكرار "لا" العاطفة؛ فلا يقال: حضر هاشم، لا محمود، لا أمين، لا حامد، بل يجب الاتيان بالواو العاطفة قبل المكرر، ليكون العطف بهذه الواو وحدها، وتقتصر "لا" على توكيد النفي، دون أن تكون عاطفة. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين، من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.
10- بل: حرف يختلف معناه وحكمه باختلاف ما يجيء بعده من جملة أو مفرد. أ- فإن دخل على جُملة فهو حرف ابتداء فقط، ومعناه إما: "الإضراب الإبطالي"، وإما: "الإضراب الانتقالي". فالابطالي1: هو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، في الكلام قبل "بل"، والقطع بأنه غير واقع، ومدعيه كاذب، والانصراف عنه واجب إلى حكم آخر يجيء بعدها. نحو: الأجرام السماوية ثابتة، بل الأجرام السماوية متحركة. فالحرف "بل" "بمعنى "لا" النافية" أفاد الإضراب الإبطالي الذي يقتضي نفي الثبات ونفي عدم الحركة عن الأجرام السماوية: لأن هذا الثبات أمر غير حاصل، ومن يدعيه كاذب، فكأن المتكلم قال: "الأجرام السماوية ثابتة. لا، فالأجرام السماوية متحركة وليست ثابتة"؛ فأبطل الحكم الأول ونفاه، وعرض بعده حكمًا جديدًا. ومن الأمثلة قوله تعالى في المشركين: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ، أي: بل هم2 عبادٌ مكرمون. فقد أبطل الحكم السابق، ونفاه، وأثبت حكما آخر بعده: فكأن الأصل: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا. لا؛ فان الذين اتخذهم هم عباد مكرمون". ومثل قوله أيضا ترديدا لما يقوله الكفار عن الرسول عليه السلام: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ3 بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} . والانتقاليّ هو: الذي يقتضي الانتقال من غرض قبل الحرف: "بلْ" إلى غرض جديد بعده، مع إبقاء الحكم السابق على حاله، وعدم إلغاء ماي قتضيه. كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى 4 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ 5 الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} . فالغرض الذي يدور حوله الكلام قبل: "بل" هو: الطاعة، "بالطهارة من الذنوب، وبعبادة الله، وبالصلاة ... "، والغرض الجديد بعدها هو حب
الدنيا، وتفضيل الآخرة عليها ... وكلا الغرضين مقصود باقٍ على حالة، كقوله تعالى: {كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} 1. وكقولهم: "ليس من المروءة أن يتخلى الشريف عن أصدقائه ساعة الشدّة: بل يقيهم بماله، ويدفع عنهم بنفسه". وحكم الحرف: "بل" الداخل على الجملة أنه حرف ابتداء محض يفيد الإضراب2 -كما أسلفنا- ولا يصح اعتباره حرف عطف ولا شيئا آخر غير الابتداء، فالجملة بعده مستقلة في إعرابها عما قبلها، ولا يصح إعرابها خبرًا ولا غير خبر عن شيء سابق عليه3 ...
ب- وان دخل على مفرد فحكمه أنه: حرف عطف: يختص بعطف المفردات وحدها. أما معناه هنا فيختلف باختلاف ما قبله من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي. 1- فإن تقدم على: "بل" كلام موجب أو صيغة أمر نحو1: "أعددت الرسالة بل القصيدة لبست المعطف بل الثياب" "عاون المحتاج بل الضعيف" ساعف الصديق بل الصارخ" كان معنى "بل" أمرين معا، أساسيين: أولهما: الإضراب عن الحكم السابق؛ بنفي المراد منه نفيًا تامًّا، وإبطال أثره كان لم يكن، وسلْبه عن صاحبه، وترك صاحبه مسكوتًا عنه مهملا؛ أي غير محكوم عليه بشيء مطلقًا بمقتضى هذا الكلام الذي أزال عنه الحكم السالف، وتركه بغير حكم جديد يقع عليه. وان شئت فقل: إنّ الكلام السابق على "بل" صار كأنه لم يذكر2. ثانيهما: نقل الحكم الذي قبل "بل" نقلا تاملًا إلى ما بعدها منغير تغيير بشيء في هذا الحكم الذي أزيل عما قبلها، واسْتقر لما بعدها، ففي الأمثلة السابقة يقع الإضراب على إعداد الرسائل، فينفي الإعداد لها، ولكنه يثبت للقصيدة بعدها. ويقع الإضراب على لبس المعطف، فلا يحصل؛ وإنما ينتقل اللبس إلى الثياب. وكذلك ينصت الإضراب على معاونة المحتاج؛ فلا يحصل؛ وإنما تنتقل المعاونة إلى الضعيف وتثبت له. وأيضا تلغى المساعفة للصديق ولكنها تثبت للصارخ. وهكذا. 2- وان تقدم على "بل" كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي، نحو: "
ما زرعت القمح بل القطن ما أسأت مظلوما بل ظالما" "لا يتصدر مجلسنا جاهل بل عالم لا تصاحب الأحمق بل العاقل" لم يكن معنى "بل " الإضراب، وإنما المعنى أمران معًا. أولهما: إقرار الحكم السابق، وتركه على حاله من غير تغيير فيه. ثانيهما: إثبات ضدّه لما بعد "بل". ففي المثال الأول: حكم منفيّ، قبل كلمة "بل" هو نفي زراعتي القمح، وأقررنا هذا الحكم المنفيّ، وتركناه على حاله، وفي الوقت نفسه أثبتنا بعدها حكما آخر، هو، زرع القطن ... ، وأيضا نفينا قبلها حكما؛ هو وقوع الإساءة على المظلوم، وأثبتنا بعدها وقوعها على الظالم. وكذلك نهينا قبلها عن تصدر الجاهل لمجلسنا، وأمرنا بعدها بهذا التصدر للعالم. ونهينا عن مصاحبة الأحمق، وامرنا بها للعاقل، وهكذا ... فالحكم الأول في كل الأمثلة السالفة –ونظائرها- باق على حاله، لم يقع عليه إضراب، أو تغيير، والحكم بعد "بل" مضاد لما قبلها، فالحكمان متضادان؛ ما ينفى أو ينقى عنه قبل "بل" يثبت أو يؤمر به بعدها"1" ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- لا يجوز العطف بالحرف "بل، بعد كلام فيه استفهام؛ فلا يصح أحفظت قصيدة بل خطبة؟ ب- تقع "لا" النافية قبل "بل "1 بنوعيها؛ العاطفة "وهي المستوفية للشروط2؛ وفي مقدمتها الدخول على المفرد" وغير العاطفة "وهي غير المستوفية للشروط؛ كالداخلة على الجملة " فإذا دخلت على العاطفة المسبوقة بكلام مثبت، أو بصيغة أمر كان معنى "لا" النافية: تقوية الإضراب المستفاد من "بل "، وتوكيده، وإن دخلت على العاطفة المسبوقة بنفي أو نهي كان معنى "لا" تقوية النفي والنهي المستفادين من "بل ". فمثالها بعد كلام مثبت قول الشاعر: وجهُك البدر لا، بل الشمس لو لم يقض للشمس كسفة وأفول ومثال وقوعها بعد النفي: ما عاقني البرد، لا بل المطر. ومثالها بعد النهي: لا تغفل الرياضة، لا بل طول القعود. وإن دخلت على غير العاطفة كان معناها تقوية الإضراب المستفاد من: "بل"وتوكيده؛ كقول الشاعر: وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا ... هجر، وبعد تراخ لا إلى أجل ج- ورد قليلا في المسموع الفصيح3 زيادة "الواو" بعد "بل" كالتي في قول علي رضي الله عنه: "إنما يحزن الحسدة ابدا؛ لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من السر فقط، بل ولما ينال الناس من الخير"ا. هـ4. والأحسن عدم القياس على هذا؛ لندرته البالغة. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 ص657.
ملخص حروف العطف، وبيان ما يقتضي التشريك، وما لا تقتصيه: من كل ما تقدم من الكلام على أدوات العطف يتبين: 1- أنها حروف. 2- وأنها في اغلب الحالات -تشرك المعطوف مع المعطوف عليه في الضبط الإعرابي1 "رفعا، ونصبا، وجرا، وجزما" وهذا هو الشريك اللفظي. أما من جهة التشريك المعوي فبعضها يشركه أيضا في معنى المعطوف عليه: وينحصر هذا في أربعة حروف: "الواو، الفاء، ثم، حتى"؛ فهذه الأربعة ترك المعطوف مع المعطوف عليه في المعنى، كما تركه في اللفظ إشراكا إعرابيا -في الغالب- كما أسلفا. وبعضها يشركه في اللفظ دون المعنى، فيثبت للمعطوف ما انتفى عن المعطوف عليه، وهو: "بل، لكن" أو العكس، فيثبت للمعطوف عليه ما انتفى عن المعطوف، وهو: "لا". وبعض ثالث هو "أو2، أم" يشركان في اللفظ كما يشركان في المعنى ولكن بشرك ألا يقتضيا إضرابًا3.
3- وان المتعاطفين إذا تكررا كان "المعطوف عليه" واحدا هو الأول. إلا إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب "مثل: الفاء، وبم"، فان "المعطوف عليه" واحد، هو ما قبل حرف العطف مباشرة1.
المسألة 119
المسالة 119: الفصل بين المتعاطفين: يجوز عطف الاسم الظاهر على مثله أو على الضمير، ويجوز عطف الضمير على مثله أو على اسم ظاهر. لكن بعض هذه الصور يكون فيه الفصل بين المتعاطفين واجبا، وبعض آخر يكون الفصل فيه مستحسنا راجحا، وفي غير ما سبق يكون جائزا1. فأما الفصل الواجب ففي حالتين، سبقت أحداهما2. وملخصه: أنه إذا عطف على المبتدأ الذي خبره نوع من الأنواع المقرونة بالفاء -وقد ذكرت هناك- أو على ما يتصل به من صلة، أو صفة، أو نحوهما ... وجب تأخير المعطوف عن الخبر، إذ لا يجوز الفصل بين هذا الخبر ومبتدئه بالمعطوف؛ ففي مثل: الذي عندك فمؤدب لا يصح أن يقال: الذي عندك والخادم فمؤدب، أو فمؤدبان، وهكذا ... والحالة الثانية التي يجب فيها الفصل -تبعا لأرجح الآراء- هي التي يكون فيها المعطوف عليه مصدرا له معمولات؛ فلا يجوز العطف عليه إلا بعد استيفائه كل معمولاته؛ نحو: ما أحسن تقدير الأمة العاملين المخلصين لها، وإكبارهم.
واما الحالتان اللتان يستحسن فيهما الفصل ويرجح1. فالأولى: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا، سواء أكان متستترًا أم بارزا؛ فيستحسن عند العطف عليه فصله بالتوكيد2 اللفظي أو المعنوي أو بغيرهما أحيانا. فالفصل بالتوكيد اللفظي يتحقق بضمير مرفوع منفصل مناسب3 نحو: "لقد كنت أنت ورفاقك طلائع الإصلاح، وكنتم أنت والسباقون إليه موضع الإعجاب والتقدير". فكلمة: "رفاق" معطوفة على: "التاء" وهي الضمير المتصل المرفوع البارز بعد توكيد لفظه بالضمير المرفوع المنفصل: "أنت". وكذلك كلمة: "السباقون" معطوفة على الضمير البارز "التاء والميم"، في "كنتم" بعد توكيده توكيدا لفظيا بالضمير المرفوع المنفصل: "أنتم". ومثال العطف على الضمير المتصل المرفوع المستتر مع الفصل: انتفع أنت وإخوانك4 بتجارب السابقين. والفصل بالتوكيد المعنوي يتحقق بوجود لفظ من ألفاظه بين المتعاطفين؛ ومن الأمثلة قول الشاعر: ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا، وكنا الظافرينا ويغنى عن التوكيد بنوعيه -كما أسلفنا- وجود فاصل آخر أي فاصل بين المتعاطفين؛ كالضمير "ها" في قوله تعالى في المؤمنين الصالحين: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} ... ومثل "لا" النافية
في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} ، وقد اجتمع الفصل بالتوكيد اللفظي وبحرف النفي "لا" في قوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} . ومن غير المستحسن في النثر -مع جوازه- العطف على الضمير المستتر المرفوع بغير فاصل على الوجه السالف، نحو "قاوم ونظراؤك أعوان السوء"، فقد عطفت كلمة: "نظراء "على الفاعل الضمير المستتر: "أنت" بغير فاصل؛ ومنه العبارة المأثورة1: "مررت برجل سواء والعدم" أي: متساو هو والعدم، فكلمة، "سواء" اسم بمعنى المشتق، وهي متحتملة للضمير المرفوع. والعدم "بالرفع" معطوفة على الضمير المستتر بغير فاصل بينهما2. أما الشعر فقد يجوز فيه عدم الفصل، اضطرارا؛ مراعاة لقيوده الكثيرة التي قد تقهر الشاعر على ترك الفصل ... ومن الأمثلة قول جرير يهجو الأخطل: ورجا الأخطيل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا فقد عطف كلمة "أب" على اسم "يكن" المرفوع المستتر بغير فاصل بينهما3.ومثله قول الآخر: مضى وبنوه، وانفردت بمدحهم ... وألف إذا ما جمعت واحد فرد فقد عطف كلمة: "بنوه" على الضمير المرفوع المستتر في: "مضى" بغير فاصل.
والثانية: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مجرورا بحرف أو بإضافة؛ فيستحسن عند أمن اللبس إعادة عامل الجر مع المعطوف، ليفصل بين المتعاطفين، فمثال المعطوف المجرور بحرف جر1 معاد: ما عليك وعلى أضرابك من سبيل أن أديتم الواجب. فكلمه: "أضراب" معطوفة على الضمير الكاف المجرور بالحرف: "على". وقد أعيد هذا الحرف مع المعطوف. والأصل ما عليك وأضرابك، ومثل هذا قوله تعالى عن نفسه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ 1 ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . فكلمة: "الأرض" معطوفة على الضمير: "ها" المجرور باللام، وقد أعيدت اللام مع المعطوف: والأصل: فقال لها والأرض. ومثله إعادة اللام في قول الشاعر: فما لي وللأيام –لا دلا دلاها– ... تشرق بي طورا، وطورا2 تغرب ومثال إعادة عامل الجر وهو اسم مضاف3 قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} . فكلمة: "آباء" معطوفة في الأصل على الضمير المضاف إليه، وهو: "الكاف الأولى"، فأعيد المضاف وهو: "إله" وذكر قبل المعطوف. واصل الكلام: نعبد إلهك وآبائك ... هذا هو الكثير. وترك الفصل جائز أيضا، ولكنه لا يبلغ في قوته وحسنه البلاغي درجة الكثير. ومن هذا قراءة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} . والتقدير: الذي تساءلون به وبالأرحام. أي: تستعطفون به وباسمه، وبالأرحام؛ بعطف كلمة: "الأرحام" على الضمير المجرور بالباء. وكقول الشاعر:
اليوم قد بت1 تهجونا وتشتمنا ... فاذهب، فما بك والأيام من عجب أي: وبالأيام. وقول بعض العرب: ما في الدار غيره وفرسه، يجر كلمة: "فرس" المعطوفة على الهاء من غير إعادة الجار وهو الاسم المضاف2.
المسألة 120
المسالة 120: صور من الحذف في أسلوب العطف: حذف بعض حروف العطف مع معطوفها: من حروف العطف ثلاثة يختص كل منها بجواز حذفه مع معطوفه بشرط أمن اللبس –كما سبق عند الكلام عليها1- وهذه الثلاثة هي: الواو، والفاء، وأم المتصلة. فمثال حذف الواو مع معطوفها لدليل: أنقذت الغريق ولم يكن بين الموت إلا لحظات. أي: لم يكن بين الموت وبينه.... وقول الشاعر: إني مقسم ما ملكت؛ فجاعل ... قسما لآخرة، ودنيا تنفع....... يريد: وقسم دنيا، أي: وقسما لدنيا ... ومثل قول الآخر: فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر2 إلا ليال قلائل أي: بين الخير وبيني. ومما يصلح لهذا أيضا قول بعض العرب: "راكب الناقة طليحان3"، والتقدير: راكب الناقة والناقة طليحان. ومثال حذف الفاء مع معطوفها لدليل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ 4 أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ 5 مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، الأصل: فضرب فانبجست6. وقوله تعالى:
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، أي: فضرب فانفجرت، وتسمى هذه الفاء المذكورة في الكلام، والتي تعطف ما بعدها على الفاء المحذوفة مع معطوفها "فاء الفصيحة"1. ومثال حذف "أم" المتصلة ومعها معطوفها بدليل -وحذفهما، قليل- قول الشاعر: وقال، صحابي: قد غبنت، وخلتني غبنت. فما أدري أشكلكم شكلي؟ ... والأصل: أشكلكم2 شكلي أم غيره؟ وكقول الآخر: دعاني إليها القلب، إني لأمره ... سميع؛ فما أدري: أرشد طلابها؟ والتقدير: أرشد طلابها أم غي3؟ حذف المعطوف: تنفرد الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله المرفوع أو المنصوب أو المجرور، فمثال المعمول المرفوع قوله تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فكلمة: "زوج" فاعل بفعل محذوف، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور معطوفة على الجملة الأمرية المكونة من فعل الأمر: "اسكن"
وفاعله. والتقدير: اسكن أنت، وليسكن زوجك1. والسبب في هذا أننا لو أعربنا كلمة: "زوج" معطوفة بالواو على الفاعل المستتر لفعل الأمر لكان العامل في المعطوف "زوج" هو العامل في المعطوف عليه، أي: في الفاعل الستر. فيكون الفعل: "اسكن" عاملا في فاعله، وفي كلمة: "زوج"، فهو الذي رفع كلمة "زوج" وهي بمنزلة الفاعل بسبب عطفها على الفاعل ويترتب على هذا أن يكون فاعل الأمر اسما ظاهرا مع أن نعل الأمر لا يرفع الظاهر. هذا تعليلهم. وهو تعليل مرفوض، يعارضه ما يرددونه كثيرا من أنه: "قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع"، أو: "قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل". فإذا امتنع أن يقع الاسم الظاهر فاعلا لفعل الأمر مباشرة فلن يمتنع أن يكون المعطوف على هذا الفاعل اسما ظاهرا؛ لأنه تابع أو ثان ينطبق عليه ما سبق من التوسع والتيسير؛ فلا داعي للتكلف والتقدير ... ومثال المعمول المنصوب قوله تعالى في أنصار الدين {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، ومعنى تبوءوا الدار أعدّوها للسكنى. وهذا المعنى مناسب للدار؛ لكنه غير مناسب للإيمان، إذ لا يقال على سبيل الحقيقة: هيئوا الإيمان للسكنى؛ ومن ثم أعربت كلمة: "الإيمان" مفعول لفعل محذوف تقديره: "ألفوا" وهذه الجملة الفعلية المحذوفة معطوفة بالواو على الجملة الفعلية التي قبلها. ومنه قول الشاعر: إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزججن الحواجب والعيونا أي: وكحلن العيون؛ لأن التزجيج "وهو ترقيق الحاجب بأخذ بعض الشعر منه كي يصير منحنيا كالقوس" لا يصلح للعيون. ومثال المعمول المجرور قولهم: ما كل سوداء فحمة، ولا بيضاء شحمة. فكلمة: "بيضاء مجرورة بمضاف محذوف معطوف على "كل" والأصل "ولا كل بيضاء شحمة". والداعي للتقدير هنا هو الفرار من العطف على معمولي عاملين مختلفين.
وإيضاح1 هذا أن كلمة: "سوداء" مضاف إليه فهي معمول، عامله هو المضاف؛ "لفظة: "كل" المذكورة" وأن "فحمة" خبر "ما" الحجازية فهي معمول، عامله: "ما"، فالعاملان مختلفان، وكذلك المعمولان. فلو عطفنا "بيضاء" على "سوداء"، و"شحمة" على "فحمة" لزم العطف بعاطف واحد "هو: الواو" على معمولين مختلفين لعاملين مختلفين -كما يقولون- وهذا لا يبيحه كثرة النحاة ... إذ يجب أن يكون العامل في المتعاطفين واحدًا، لا أكثر. وهذا الرأي أحق بالإتباع2 ... ملاحظة: من موضوعات الحذف الهامّة: "حذف الموصول" وقد سبق تفصيل الكلام عليه3. حذف المعطوف عليه، "أي: المتبوع": يصح عند أمن اللبس. حذف المعطوف عليه وحده إذا كانت أداة العطف هي: "الواو، أو: الفاء، أو: أم المتصلة، أو: "لا" العاطفة4....." فمثال حذفه مع بقاء الواو5 أن يقول قاتل: مرحبا بك. فتجيب: وبك وأهلا وسهلا؛ أي: ومرحبا بك وأهلا وسهلا. فالجار والمجرور: "بك" متعلقان بكلمة: مرحبا، المحذوفة. و"أهلا": الواو حرف عطف 0"أهلا"، معطوفة على: "مرحبا" المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف. و"سهلا" "الواو" حرف عطف. "سهلا" معطوفة على "مرحبا" المحذوفة فالمعطوف عليه هو المحذوف6.
ومثال الحذف مع بقاء الفاء قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا1 ... ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} والتقدير: أعلمتم أن دخول الجنة يسير أم حسبتم أن تدخلوا الجنة. ومثال الحذف قبل "لا" العاطفة: "عاهدت نفسي أن أعمل الخير ... لا قليلا، وان أقول الحق ... لا بعض الأوقات" والأصل: أن أعمل الخير كثيرا لا قليلا، وأن أقول الحق كل الأوقات لا بعض الأوقات. "ملحوظة" من أمثلة حذف المعطوف عليه هو بقاء حرف العطف: "الواو"، ما سجله ابن جني في كتابه المسمى: "تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع2". قال عند شرحه بيت أبي نواس: "وبلدة فيها زور ... صعراء تحظى في صعر" ما نصه الحرفي: "قوله: وبلدة" ... قيل في هذه الواو قولان، أحدهما: أنها للعطف، والآخرك أنها عوض من "رب"؛ فكأنهم إنما هربوا من أن يجعلوها عاطفة لأنها في أول القصيدة، وأول الكلام لا يعطف. ولا يمتنع العطف على ما تقدم من الحديث والقصص؛ فكأنه كان في حديث، ثم قال: وبلدة. فكأنه وكل الكلام إلى الدلالة في الحال. ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فالضمير "الهاء" يراد به القرآن، وإن لم يجر للقرآن ذكر.
وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب} يعني الشمس؛ فأضمرها وإن لم يحر لها ذكر. وهذا في كلام العرب واسع فاش" ا. هـ كلام ابن جني1 ... حذف حرف العطف وحده: أشرنا من قبل2 إلى أنه يجوز حذف العاطف وحده ولا يكون هذا إلا في الواو، والفاء، وأو. فمثال الواو قوله عليه السلام: "تصدق رجل، من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره"، وما نقل من قول بعض العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا، وقول الشاعر: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم ومثال الفاء: قرأت الكتاب بابًا بابًا، وادخلوا الغرقة واحدًا واحدًا. والتقدير بابًا فبابًا، وواحدًا فواحدًا. ومثال: "أو" قولهم: أعط الرجل درهمًا، درهمين، ثلاثة.. تقديم المعطوف على المعطوف عليه: ورد في المسموع تقديم "المعطوف" بالواو -دون غيرها- على المعطوف عليه، وهو تقديم شاذ -لا يجوز القياس عليه3- ومنه قول الشاعر: وأنت غريم لا أظن قضاءه ... "ولا العنزي القارظ -الدهر-" جائيًا أي: جاثيا هو، ولا العنزي. وقول الآخر4: أيا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام
المسألة 121
المسألة121: عطف الفعل على الفعل أو على ما يشبهه، والعكس، وعطف الجملة على الجملة 1: أ- عطف الفعل وحده على كذلك: عرفنا فيما سبق أن عطف الاسم وحده على الاسم يعد من عطف المفردات2 بعضها على بعض، كقول الشاعر: وكل زاد عرضة للنفاد ... غير التقى، والبر، والرشاد وكما يجوز عطف الاسم وحده على نظيره في الاسمية عطف مفردات يجوز عطف الفعل -وحده من غير مرفوعه3- على الفعل وحده عطف مفردات أيضا؛ نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأعمالهم. وهي سهام لن يستطيع أو يقدر احد على احتمالها4". فالفعل: "تصدى" معطوف وحده على الفعل: "تعرض" وكذا الفعل: "يقدر" معطوف وحده على الفعل "يستطيع5" وكل هذا من عطف المفردات؛ إذ لم يشترك الفاعل -هنا- مع فعله في العطف. فلو اشترك معه لكان العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية6 ... ويشترط لعطف الفعل على الفعل أمران:
أولهما: اتحادهما في الزمن1؛ بأن يكون زمنهما معا ماضيا، أو حالا، أو مستقبلا؛ سواء أكانا متحدين في النوع "أي: ماضيين، أو: مضارعين2" أم مختلفين: فلا يمنع من عطف أحدهما على الآخر تخالفهما في النوع3. وإذا اتحدا زمانا. فمثالا تحادها زمانا ونوعا، قوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} 4. وقول الشاعر في مدح عالم: سعى وجرى5 للعلم شوطا يروقه ... فأدرك حظا لم ينله أوائله ومثال اتحادهما زمانا مع اختلافهما نوعا: عطف الماضي على المضارع في قوله تعالى بشأن فرعون: {يَقْدُمُ 6 قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} ، فالفعل: "أورد" ماض، معطوف بالفاء على الفعل المضارع: "يقدم" وهما مختلفان نوعا، لكنهما متحدان زمانا؛ لأن مدلولهما لا يتحقق إلا في المستقبل "يوم القيامة"7 ... ومثال عطف المضارع على الماضي قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ
شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} فالفعل: "يجعل" مضارع مجزوم؛ لأنه معطوف على الفعل الماضي: "جعل" المبني في محل جزم1؛ لأنه جواب الشرط. وصح العطف لاتحاد زمانيهما الذي يتحقق فيه المعنى2، وهو الزمن المستقبل ... ثانيهما: اتحادهما إن كان مضارعين في العلامة الدالة على الإعراب -"من حركة أو سكون، أو غيرهما"- ويتبع هذا اتحاد معنيهما في النفي والإثبات؛ فإذا كان "المعطوف عليه" مضارعا مرفوعا، أو منصوبا، أو مجزوما، وجب أن يكون المضارع "المعطوف". كذلك وأن يكون معنى المعطوف كالمعطوف عليه في النفي والإثبات؛ فكما يتبعه في علامات الإعراب يتبعه فيهما معنى. فمثال المرفوعين: يفيض فيغدق نهرنا الخير على الوادي. ومثال المنصوبين: لن يفيض النهر فيغرق الساحل. ومثال المجزومين: لم يفض نهرنا فيغرق ساحله3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: نصب المضارعين معا، أو جزمهما معا بغير تكرار الناصب والجازم قبل الفعل المضارع المعطوف، دليل قاطع على أن العطف عطف فعل وحده بغير مرفوعه على فعل وحده كذلك، وليس عطف جملة على جملة؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الفعلية بغير تكرار أداة النصب أو الجزم يستلزم -حتما- أن يكون المضارع المعطوف غير منصوب ولا مجزوم؛ إذ نصبه أو جزمه يوجب أن يكون عطف فعل وحده على فعل كذلك. أما رفع المضارعين معا في مثل: يشتد البرد البرد فتهاجر طيور كثيرة إلى بلاد دافئة فلا دليل معه على أن العطف عطف مضارع مفرد على نظيره المفرد، أو عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية "أي: مضارع مع فاعله، على مضارع مع فاعله"، فمثل هذا الكلام صالح للأمرين عند عدم القرينة التي تعينه لأحدهما2 ... وكذلك العطف في قول الشاعر: قد ينعم الله بالبلوى –وإن عظمت– ... ويبتلى الله بعض القوم بالنعم فيصح أن يكون المعطوف هنا جملة مضارعية هي: "يبتلى الله"، والمعطوف عليه جملة مضارعية كذلك، هي: ينعم"؛ ويصح أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعان، ومثل هذا يقال في الماضي في أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعين، ومثل هذا يقال في الماضي في نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأفعالهم ... "1. حيث يجوز الأمران، لعدم وجود قرينة تعين نوع العطف: أهو عطف فعل ماض وحده على ماض وحده أم عطف جملة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماضوية على جملة مثلها؟ بخلاف العطف في قوله تعالى عن الكافرين: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} حيث يتعين أن يكون عطف جملة ماضوية على جملة ماضوية، لوجود فاعل غير مستقل هو الضمير المتصل لكل فعل ماض منهما1.... ومما سبق يتبين الفرق اللفظي بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الفعلية2، وهو فرق دقيق خفي على بعض العلماء المشتغلين بالنحو قديما، فقد نقل عن أحدهم قوله: إني لا أتصور لعطف الفعل على الفعل مثالا؛ لأن نحو: قام علي وقعد حامد3 يكون فيه المعطوف جملة لا فعلا، وكذا: قام وقعد علي؛ لأن في احد الفعلين ضميرا؛ فيكون فاعلا له، ويكون الاسم الظاهر فاعلا؛ ففي الكلام جملتان معطوفتان. فقيل له: ماذا ترى في مثل: يعجبني أن تقوم وتخرج؛ بنصب المضارعين، وفي مثل: لم تقم وتخرج؛ بجزمهما. وفي مثل: يعجبني أن يقوم محمود ويخرج حليم، وفي مثل: لم يقم محمود ويخرج حليم ... ؟ فالفعل في الأمثلة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السالفة منصوب أو مجزوم؛ فما الذي نصبه أو جزمه؟ فلولا أن العطف للفعل وحده لم يمكن نصبه أو جزمه ... ومما هو جدير بالملاحظة أن الفرق اللفظي في عطف الفعل على الفعل، يترتب عليه فرق معنوي كبير من ناحية النفي والإثبات. فالفعل إذا كان هو "المعطوف" وحده فانه يتبع الفعل "المعطوف عليه" فيهما؛ كما يتبعه في الإعراب؛ طبقا لما سبق1 وهذه التبعية في النفي قد تفد المعنى المراد -أحيانا- لو جعلنا الكلام عطف جمل؛ فعطفنا كل فعل مع فاعله على الآخر مع فاعله، أي: أن المعنى قد يختلف كثيرا باختلاف نوعي العطف، أهو عطف فعل وحد، على آخر، أم جملة فعلية على مثيلتها الجملة الفعلية؟ يتضح هذا من المثال التالي: لم يحضر قطار ويسافر يوسف. بعطف "يسافر" على "يحضر" عطف فعل مفرد على نظيره المفرد، فيكون "يسافر" مجزوما. والمعنى نفي حضور القطار، ونفي سفر يوسف أيضا، فالحضور لم يتحقق، وكذلك السفر، فالأمران لم يتحققا قطعا. أما إن كان الفعل: "يسافر" مرفوعا فيتعين أن يكون العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ تحقيقا لنوع من الربط والاتصال بينهما. ويتعين أن يكون المعنى عدم حضور القطار. أما يوسف فسفره يحتمل أمرين باعتبارين مختلفين، فعند اعتبار الجملة الثانية مثبتة لم يتسرب إليها النفي من الأولى يكون يوسف قد سافر. وعند اعتبارها منفية لتسرب النفي إليها من الأولى يكون مقيما لم يسافر. والقرينة هي التي تعين سريان النفي من الأولى إلى الثانية، أو عدم سريانه2. ومن أمثلة فساد المعنى الذي يترتب على عطف الفعل وحده على الفعل وحده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -لا عطف جملة فعلية على جملة فعلية- قولك: "الطالب النابغة لا يتأخر مكانه عن المقام الأول، أو يكون في المقام الثاني ... " إذا كان المراد أنه في المقام الأول أو الثاني. فلو عطفنا المضارع "يكون" على المضارع "يتأخر" لصار منفيا حتما مثل المعطوف عليه قطعا، لصار المعنى: لا يتأخر عن المقام الأول، أو لا يكون في المقام الثاني، وهذا غير المراد، أما عطف الجملة الثانية كاملة على الأولى كاملة لا فيستلزم نفي الثانية فيجوز أن تبقى مثبتة المعنى أن اقتضى الأمر الثبوت برغم أن الأولى منفية -كما في هذا المثال. ومما سبق يتبين ان عطف الفعل على الفعل يوجب سريان النفي من المتبوع إلى التابع، فهما يشتركان في النفي كما يتركان في الإثبات؛ وفي علامات الإعراب. بخلاف عطف الجملة على الجملة؛ فإن النفي فيه لا يري من المتبوع إلى التابع إلا بقرينة.
ب- عطف الفعل وحده1 على ما شبهه، والعكس: يجوز عطف الفعل الماضي بغير مرفوعه، وكذا المضارع بغير مرفوعه1 على اسم يشبههما في المعنى، كما يجوز العكس. والاسم الذي يشبههما هو اسم الفعل -في بعض حالاته2- والمشتقات العامة، "ومنها: اسم الفاعل، واسم المفعول ... " وكذلك يجوز عطفهما على المصدر الصريح أيضا، فمثال عطف الماضي على اسم الفعل الماضي: هيهات وابتعدت الغاية أمام العاجز. والعكس نحو: افترق وشتان ما بين الكمال والنقص. ومثال عطف الماضي على اسم الفاعل: هذا مصاحبنا بالأمس وأعاننا على تحقيق بغيتنا3. والعكس نحو: هذا أعاننا بالأمس ومصاحبنا في احتمال المشتقات. ومثال عطف المضارع على اسم الفاعل أنت مشاركنا في الخير، وتستجيب لندائنا، والعكس: أنت تستجيب لندائنا ومشاركنا في الخير؛
ومنه قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1. ومثال عطف الماضي على المصدر الصريح: إني سعيد بإنقاذ الغريق، وقدمت له الإسعاف المناسب.
ومثال عطف المضارع على المصدر الصريح. الكدح وأدرك غابتي خير من الراحة مع الإخفاق1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ما إعراب الفعل إذا عطف على اسم يشبهه؟ كالفعل: "أثار" المعطوف على "المغيرات" في: الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} ، وكالفعل: اقرض في قوله تعالى في الآية الأخرى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} فإنه معطوف على المصدقين. وكذلك ما إعراب الاسم الذي يشبه الفعل إذا كان معطونا على الفعل كالأمثلة التي عرفاها هناك1؟ لم أجد رأيا صريحا شافيا في هذا، ورأيت اعتراضات كثيرة، ودفاعا لم تنته إلى حكم حاسم. ومن هذه الاعتراضات: كيف يعطف الفعل "أثار على: "المغيرات" والمعطوف عليه مجرور مع أن المعطوف فعل، والفعل لا يدخله الجر؟ وقد سبق2 أن أول الآيات هو: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} . قال الفخر الرازي في تفسيره: أن الفعل هنا معطوف على فعل محذوف حل محله في معناه الاسم المشتق من مصدره، والأصل: فأغرن صبحا فأثرن نقعا ... وهذه الإجابة تخرج المسالة من وضعها الأصلي وتنقلها إلى وضع آخر لا علاقة لنا به، إذ تجعلها عطف فعل على فعل أو مشتق على مشتق. وهذا غير موضوع البحث ... ولو أخذنا به لكان حسنا، وناجحا في التغلب على اعتراض، وخاليا من العيب. ورأيت مثله في تفسير الزمخشري، وفي بعض الحواشي الأخرى. أما إذا لم نأخذ به. وتمسكنا بذلك النوع من العطف الذي لم أجد لحكمه نصا واضحا مريحا يتناول المتعاطفين تفصيلا ... فإن الغموض يظل باقيا والاعتراضات قائمة، مالم نجعل المعطوف غير تابع للمعطوف عليه في الإعراب، وتكون فائدة العطف هي الربط المجرد بين معنى الجملتين؛ كالذي سبق في عطف الماضي على المضارع وعكسه بالإيضاح الذي سلف3.
ج- عطف الجملة على الجملة. يجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها الاسمية؛ نحو: الرياضة نافعة، والمداومة المحمودة عليها لازمة. وقولهم: "الرأي الصادق أمانة، وكتمانه عد الحاجة إليه خيانة": وقول الشاعر: الصدق يألفة الكريم المرتجى ... والكذب يألفه الدني الأخيب1 كما يجوز عطف الفعلية على الفعلية2 -بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء- ولو اختلف زمان الفعلين فيهما3؛ فمثال اتحاد الزمن فيهما: وصلت الطائرة وفرح المسافرون بالوصول سالمين4 يفرح المنتصر ويفرح أهله وأعوانه5 ...
كل واشرب، والبس، في غير مخيلة1 ولا كبر2 ... ومثال اختلاف الزمن: وصل اليوم الغائب ويسافر غدًا يحاسب المرء على عمله يوم الحساب، ورأى المسيء عاقبة ما كان منه. أما الجملة الفعلية الاميرية3 -أو غيرها من الجمل الإنشائية الأخرى- فلا تعطف إلا على جملة فعلية متحدة معها في الزمن، نحو قوله تعالى للصائمين: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} . وبهذه المناسبة نذكر أن النحاة اختلفوا في جواز عطف الجملتين المختلفتين إنشاء وخبرا، وعطف الجملة الاسمية على الفعلية والعكس. فأما عطف المختلفتين إنشاء وخبرا فالأحسن إتباع الرأي الذي يمنعه4: فوضوح هذا الرأي. وبعده من التكلف، وخلوه من الحذف والتقدير:
فلا يصح عطف الثانية على الأولى في مثل: داوم على الطاعات، ودوام أهلك. ولا في مثل: هذا البحر وأنزل للعوم فيه. وأما عطف الاسمية على الفعلية والعكس فجائز1 -في أرجح الآراء- إن لم يختلفا خبرا وإنشاء؛ فيصح عطف الثانية على الأولى في مثل: أحب الزراعة، والصناعة تفيدني2. ومثل: الصناعة مفيدة لنا أحب الزراعة. ومن الأمثال المأثورة: "للباطل جولة، ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها و ... و ... أما عطف الجملة على المفرد، والعكس فسيجيء3 ...
المسألة 122
المسالة 122: بعض أحكام –في العطف– عامة نتفرقة 1: "منها: -شرط صحة العطف- تقدير العامل على العاطف -الضمير العائد على المتعاطفين- الفصل بين الفاء والواو ومعطوفهما -تقدم المعطوف- عطف الجملة على المفرد والعكس، وقد سبق2 بيان المراد من المفرد -العطف على التوهم- المغيرة بين المتعاطفين -معنى المعطوف وحكمه إذا كان المعطوف عليه كنية- جواز القطع في عطف النسق عطف الزمان على المكان، وعكسه". 1 يشترط لصحة العطف أن يكون المعطوف صالحا بنفسه، أو بما هو بمعناه لمباشرة العامل المذكور أي: للوقوع بعده مباشرة" من غير أن يمنع من ذلك مانع نحوي3 فمثال الأول: دخل سعيد وسليم؛ إذ يصح دخل سليم. والثاني قام سعيد وأنا، فالضمير "أنا" لا يصلح فاعلا للفعل: "قام4 ولكن "تاء" المتكلم التي هي ضمير بمعناه تصلح؛ فتقول: قمت. فإن لم يصلح المعطوف ولا شيء بمعناه لمباشرة العامل المذكور أضمر له عامل مقدر يناسبه، وصار مع عامله المقدر جملة معطوفة على الجملة السابقة، "أي: صار الكلام عطف جمل" وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع الذي يعرب فاعلا لمضارع مبدوء بالهمزة أو بالنون أو بتاء المخاطب، أو بتاء التأنيث، وكالمعطوف على الفاعل المستتر لفعل الأمر، ومن الأمثلة لكل ما سبق: أتعاون أنا والجار، نتعاون نحن والجيران، تتعاون أنت والجار، تتعاون فاطمة والجار، أمكن أنت وزوجك الجنة. فكل معطوف من هذه المعطوفات لا يصلح لمباشرة العامل "إذ لا يقال: أتعاون الجار، نتعاون الجيران، تتعاون
الجار، تتعاون الجار، اسكن زوجك ... " فلما كان المعطوف غير صالح لمباشرة العامل المذكور في الكلام وجب أن يقدر له عامل آخر يناسب؛ كان يقال: أتعاون أنا ويتعاون الجار ... اسكن أنت وليكن زوجك الجنة ... هذا كلام كثير من النحاة، وفيه تعقيد وتكلف لا داعي له، ولا يتفق مع قولهم: "قد يغتغفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل" ... "ورددوا هذه القاعدة هنا وفي أبوابه أخرى"1 فمن الخير الأخذ بها والعطف المباشر على الفاعل المستتر، وعدم الالتفات هنا إلى التقدير، والحذف والتضييق بغير فائدة أو دفع ضرر إلا مجاراة الخيال2. 2- لا يشترط من الوجهة المعنية3 صحة تقدير العامل بعد العاطف، فمن الصحيح أن تقول: تخاصم المأمون والأمين، مع أنه لا يصح من لوجهة3 المعنوية أن يقال تخاصم المأمون وتخاصم الأمين، إذ الفعل: "تخاصم" لا يقع إلا من متعدد؛ فلا يكتفي بأن يقع بعده واحد. ولا تعدد هنا بعد كل فعل من الفعلين. 3- كل ضمير يعود على المعطوف والمعطوف عليه معا يجب مطابقته: لهما؛ بشرط أن تكون أداة العطف هي: "الواو"، أو "حتى"؛ نحو العم والأخ حضرا الجسم حتى الأظافر اعتنيت بنظافتهما4 ... فان كان حرف العطف هو: "الفاء"، أو "ثم" وكان الضمير في الخبر عائدا على المعطوف والمعطوف عليه جاز حذف الخبر من أحدهما؛ نحو: محمود فحامد قام، ويجوز تقديم الخبر على الحذف من الثاني؛ نحو: محموا قام فحامد، ويجوز مطابقة الضمير بغير حذف، نحو: محمود فحامد قاما ... و"ثم" كالفاء فيما سبق.
فان لم يكن الضمير في الخبر وجبت المطابقة، نحو: جاءني الوالد والعم فقمت لهما" وأقبل علي وسليم وهما صديقان ... وأما: "لا"، و"بل"، و"أو"1، و"أم"، و"لكن"، و"إما" "عند من يعتبرها عاطفة"، فمطابقة الضمير معها وعدم المطابقة راجعة إلى قصد المتكلم "فان قصد احد المتعاطفين -وذلك واجب في الإخبار- وجب إفراد الضمير؛ نحو: الأخ لا الصديق جاءني، الأخ بل الصديق خرج، أمسعود أم منصور زارك؟ إسماعيل أو فاطمة حياني، إذ المعنى: حياني أحدهما. ويراعى تغليب المذكر. أما في غير الأخبار فتقول: زارني إما العم وإما الخال فأكرمته، أصديقا قابلت أم عدوا فتركته، ما جاءني أحمد لكن سليم فاستقبلته خير استقبال. وإن قصدتهما معا وجبت المطابقة؛ نحو: حسن لا حسين جاءني مع أني دعوتهما، وعاصم أو سليم دعاني حين ذهبت إليهما ... "وقد سبقت الإشارة لهذا". 4- لا يجوز الفصل بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية2، فلا يقال: فلان ورثة أبوه مالا ففي القوم جاها. وإنما يقال: فلان ورثة أبوه مالا فجاها في القوم. ويصح الفصل بين غيرها ومعطوفه بالظرف أو الجار والمجرور "ويدخل القسم في هذا"، نحو: تعبت ثم عندك جلست، نزل المطر ثم والله طلعت الشمس، ما أهنت أحدا لكن في البيت المسيء ... أما الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه فقد سبق3 بيانه. 5- لا يتقدم المعطوف على المعطوف عليه إلا شذوذا فيقتصر فيه على المسموع، وقيل يجوز في الضرورة الشعرية. والأولى إهمال هذا الرأي؛ ومنه قول القائل: أبا نخلة من ذات عرق ... عليك -ورحمة الله– السلام
يريد: عليك السلام ورحمة الله وقد سبقت الإشارة: لهذا1. 6- وقد تعطف الجملة على المفرد –أحيانا- أو العكس، إذا كانت الجملة في الحالتين بمنزلة لمفرد؛ لأنها مؤولة به، كان تكون: نعتا، أو حالا، أو: خبرا، أو: مفعولا لظن وما في حكمها ... فمن عطف المفرد على الجملة ما ورد من مثل: ألفيت الشجاع يهزم خصمه وفاتكا به. فكلمة: "فاتكا" منصوبة؛ لأنها معطوفة على الجملة الفعلية المركبة من المضارع "يهزم" وفاعله" وهذه الجملة بمنزلة المفرد المنصوب؛ لأنها المفعول الثاني للفعل: "ألفي". ومن هذا كلمة: "مصدقا" الثانية في قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} فالجملة الاسمية: "فيه هدى" في محل نصب، حال من الإنجيل، وكلمة: "مصدقا" التي بعدها معطوفة عليها، منصوبة؛ مراعاة لمحل المعطوف عليه....2ومثل هذا قول الشاعر: وجدنا الصالحين لهم جزاء ... وجنات وعينا سلسبيلا فالجملة الاسمية "لهم جزاء" في محل نصب؛ لأنها المفعول الثاني للفعل: "وجد" وقد روعي هذا المحل فجاء المعطوفان "جنات وعينا" منصوبين تبعا لذلك المحل2. ومن عطف الجملة على المفرد قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا 3 أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، أي: قائلين4. ومن عطف المفرد على شبه الجملة قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ، فقاعدا عطف على "لجبنه": لتأويل شبه الجملة بمفرد، وهو: مجنوب.
ومن عطف شبه الجملة على المفرد قولهم: لا يصح مخالفة القاعدة المطردة إلا شذوذا أو في ضرورة1. 7- هناك نوع من العطف، يرتضيه بعض النحاة، ويسميه: "العطف على التوهم". ومن أوضح أمثلته عندهم العطف "بفاء السببية" على معطوف مأخوذ من مضمون الجملة التي قبلها. ذلك أن "فاء السببية" تقتضي عطف المصدر المؤول بعدها على مصدر صريح قبلها "وهذا المصدر الصريح قد يكون مذكورا صراحة قبلها؛ نحو: ما الشجاعة تهورا فتهمل الحذر، وقد يكون غير مذكور فيتصيد؛ نحو: ما أنت مسيء إليك. أي: ما تكون منك إساءة يترتب عليها أن نسيء لك. فإن لم يوجد قبل فاء السببية مصدر صريح ولا ما يصلح أن يتصيد منه المصدر "كالجملة الاسمية التي يكون فيها الخبر جامدًا؛ نحو: ما أنت عمر فنهابك" فبعض النحاة يمنع نصب المضارع، وبعض آخر يجيز تصيد مصدر من مضمون الجملة السابقة التي فيها الخبر جامدا، ويكون الكلام عطف جملة على جملة، ومن لازم معناها؛ كان يقال في المثال السالف: ما يثبت كونك عمر، فهيبتنا إياك2 ... يقول النحاة: إن "المغايرة" هي الأصل الغالب في عطفه النسق بين المتعاطفين. يريدون: أن يكون المعطوف مغايرا المعطوف عليه في لفظه وفي معناه معا فلا يعطف الشيء على نفسه. هذا هو الأصل الغالب، لكن العرب قد
تعطف -لغرض بلاغتي- الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان: كقولهم ... "وألفي قولها كذبًا ومينا" فقد عطفوا المين على الكذب "ومعناهما واحد، واللفظان مختلفان" لغرض بلاغي هو تقوية معنى المعطوف عليه وتأكيده. وهذا النوع من العطف -على قلته قياسي1 ... وقد يعطفون الخاص على العام وعكسه لغرض بلاغي كذلك؛ فمن الأول قوله تعالى في صورة البقرة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فقد عطف "الصلاة الوسطى" ومن معانيها: صلاة العصر ... -على "الصلوات"، والمعطوف خاص؛ لأنه نوع بعض المعطوف عليه العام الذي يشمله مع غيره من الأنواع الأخرى. ومن الثاني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} فقد عطف الجملة الفعلية: "ظلموا" على الجملة الفعلية: "فعلوا" والمعطوف هنا عام، والمعطوف عليه خاص؛ لأنه داخل في مضمون المعطوف الذي يشمله وغيره2 ... 9- إذا كان المعطوف عليه كنية لوحظ فيه وفي المعطوف ما سبقت الإشارة إليه في "أ" منص444. 10- الصحيح جواز "القطع"3 في المعطوف عطف نسق؛ كما أشرنا من قبل4 وهو كثير في المعطوفات المتعددة التي كانت في أصلها نعوتا، ثم فصل بينها بحرف العطف؛ فصارت معطوفات بعد أن كانت نعوتا. وحجة القائلين بصحته وقوعه في أفصح الكلام. ومن الأمثلة كلمة: "الصابرين" من قوله تعالى في سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} فقد نصبت كلمة: "الصابرين" بسبب "القطع" ولو كانت معطوفة لرفعت كسائر المعطوفات المرفوعة التي قبلها، ومثل كلمة: "المقيمين" من قوله: في سورة النساء. {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} ، ومثل كلمة: "القائلون" فيما أنشده الكسائي لبعض فصحاء العرب: وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميرا أطاعت أمر غاويها الظاعنين، ولما يظعنوا أحدا ... والقائلون لمن دار نخليها؟ ومثل: ما أنشده الفراء لبعضهم كذلك: إلى الملك القرم1 وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المردحم وذا الرأي حين تغم الأمور ... بذات الصليل2، وذات اللجم3 فقد نضبت كلمتي: "ليث" و"ذا" على الاعتبار السابق4 ... 11- هل يصح عطف الزمان على المكان وعكسه؟ الأحسن الأخذ بالرأي الذي يجيزه عند أمن اللبس؛ نحو قابلتك أمام بيتك هذا ويوم الخميس أو: قابلتك يوم الخميس وأمام بيتك5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "هل يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؟ قال في المعني: أجاز الفارسي في قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أن يكون "يوم القيامة" معطوفا على محل هذه. ا. هـ. قال الدماميني: إن أريد بالدنيا الأزمنة السابقة ليوم القيامة فلا أشكال في عطفه عليها؛ لأن كلا منهما زمان. وإن أريد بها هذه الدار من حيث هي مكان، ففيه عطف زمان على مكان، وفي الكشاف ما يقتضي منعه؛ فإنه لما تكلم في تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} قال: فإن قلت: كيف عطف الزمان على المكان، وهو يوم حنين على المواطن؟ قلت معناه: وموطن يوم حنين، أو: في أيام كثيرة، ويجوز أن يراد بالمواطن: "الوقت"؛ كمقتل الحسين، ا. هـ. ووجهه بعض الأفاضل بأن الفعل مقتض لظرف اقتضاءه لظرف المكان؛ فلا يجوز جعل حدهما تابعًا للآخر: فلا يعطف عليه كما لا يعطف المفعول فيه على المفعول به، ولا المفعول على الفاعل، ولا المصدر على شيء من ذلك، وبأن ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقًا، بخلاف ظرف المكان؛ فإنه يشترط فيه الإبهام. فلما اختلفا من هذه الجهة لم يجز عطفه أحدهما على الآخر. لعدم سماع عطف أحدهما على الآخر. "لكن جوزه بعضهم؛ لاشتراكهما في الظرفية؛ تقول ضربت زيدا يوم الجمعة وفي المسجد، أو: في المسجد ويوم الجمعة؛.... وعليه جرى ابن المنير في الانتصاف مناقشا به صاحب الكشاف". انتهى كل ما قاله الصبان فيما سبق حرفيا، وأردفه بأنه نقله باختصار. وهذا الرأي الأخير هو الأنسب. إلا أن المثال الذي ساقه خال من بيان الطريقة في إعرابه. ثم هو لا يخلو من لبس، إذ لا دلالة معه على أن الضرب الذي وقع يوم الجمعة، أهو الذي وقع في المسجد أم هو ضرب آخر. فلا بد من قرينة. وقد سبق للمسألة السالفة إشارة موجزة في باب: "الظرف"، ج2 م78 في آخر الكلام على أحكام الظرف بنوعيه.
المسألة 123
المسألة 123: د- البدل 1: تعريف: يتضح تعريفه مما يأتي: لو سمعا من يقول: "عدل الخليفة" لفهما المراد، وكادت الفائدة المعنوية تتم، لولا ما يشوبها من بعض النقص الواضح؛ إذ تتطلع النفس إلى معرفة هذا الخليفة، واسمه، وتتعدد الخواطر بشأنه؛ أأبو بكر هو، أم عمر، أم عثمان، أم علي ... و ... ؟ فلو أن المتكلم قال: عدل الخليفة "عمر" –مثلا- ما شعرنا بذلك النقص المعنوي: لأن "عمر" هو المقصود الأساسي بالحكم الذي في هذه الجملة، "أي: هو الذي ينسب العدل إليه"، فليس لفظ "الخليفة" هو المقصود الأصيل بهذا الحكم، وبهذه النسبة. وكذلك لو قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن: "ابن الرشيد"، لكانت الجملة مفيدة. لكن السامع -بالرغم من هذه الإفادة- يشعر بنقص معنوي كبير تدور بسببه أسئلة متعددة: من ابن الرشيد هذا؟ ما اسمه؟ ما زمنه؟ ... أهو الأمين، أم المأمون، أم غيرهما ... ؟ فإذا قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن ابن الرشيد المأمون اكتملت الإفادة من هذه الناحية المعينة، وزال النقص بسبب ذكر::"المأمون"، الذي هو المقصود الأصيل من الحكم السابق، ومن نسبة اتساع المجال إليه. فكلمة: "عمر" تسمى: "بدلا"، وكذلك كلمة: "المأمون"، واشباههما من كل كلمة تكون هي المقصودة في الجملة بالحكم بعد كلمة سبقتها؛ لتمهد الذهن للمتأخرة عنها، وتوجه الخاطر إليها، وليس بين الكلمتين
رابط لفظي يتوسط بالربط بينهما. ولهذا يقولون في تعريف البدل: "إنه التابع1 المقصود وحده بالحكم المنصوب إلى تابعه، من غير أن تتوسط –في الأغلب2- واسطة لفظية بين التابع والمتبوع". ومن هذا التعريف يتضح الفرق بين البدل والتوابع الأخرى: فالنعت والتوكيد وعطف3 البيان، ليست مقصودة بالحكم، وإنما هي مكملة له بوجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها. وعطف النسق لا بد فيه من الواسطة، وهي أداة العطف. هذا إلى أن ما بعد هذه الأداة قد يكون مخالفا في الحكم لما قبلها فلا يكون مقصودا به، وقد يشاركه في الحكم ولكنه لا ينفرد به فلا يكون هو المقصود وحده4 ... والأغلب في "البدل" أن يكون جامدا، ومن القليل الجائز أن يكون مشتقا5. فإذا أمكن إعراب المشتق شيئا آخر يصلح له، كان أولى6.
الغرض من البدل: الغرض الأصيل هو -في الغالب- الحكم السابق وتقويته بتعيين المراد، وإيضاحه، ورفع الاحتمال عنه. لأن هذا الحكم ينسب أولا للمتبوع فيكون ذكر المتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجيء، وتوجيها للنفس لاستقباله بشوق ولهفة. فإذا استقبلته وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا؛ فكان الحكم قد ذكر مرتين؛ وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد1. ولأجل تحقيق هذا الغرض لا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح؛ فلا يصح في مثل: يا سعد سعد أنت زعيم موفق إعراب: كلمة "سعد" الثانية بدلًا2. أقسام البدل الأربعة المشهورة -وكل منها هو المقصود وحده بالحكم-: أولها: بدل كل من كل3، ويسمى "بدل المطابقة"، أو: "بدل المطابق من مطابقه".وضابطه: أن يكون الثاني مطابقًا. أي: مساويا
للأول في المعنى تمام المطابقة مع اختلاف لفظيهما في الأغلب1 فهما واقعان على ذات واحدة: وأمر واحد نحو: "أشرقت الغزالة، الشمس؛ فأنارت الدنيا"0، فالشمس بدل كل من كل، والمبدل منه: هو الغزالة، ومعنى الثاني –هنا- معنى الأول تماما. ومثله" الدنيار من تبر؛ ذهب، والدرهم من لجين فضة"، فكلمة: "ذهب" بدل مطابق من: "لجين". النوع من البدل لا يحتاج لرابط يربطه بالمتبوع2.. ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة: "صراط" الثانية يدل كل من كل من الأولى لأن صراط الذين انعم الله عليهم هو عينه الصراط المستقيم؛ فالكلمتان بمعنى واحد تماما. وقول الشاعر:
إن النجوم نجوم الأفق أصغرها ... في العين أذهبها في الجو إصعادا فكلمة: "نجوم" الثانية بدل كل من كل،. من الأولى؛ لأن المراد من نجوم الأفق هو عين المراد من كلمة: "نجوم" الأولى. ومثل هذا قول الآخر: إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب1 وقد تقدم الارتباط بين بدل الكل وعطف البيان2 ... ثانيها: بدل بعض من كل، "أو: بدل جزء من كل". وضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا3 من المبدل منه"سواء أكان هذا الجزء اكبر من باقي الأجزاء، أم أصغر منها، أم مساويا" وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه؛ فلا يفسد المعنى بحذفه ... 4 نحو: أكلت البطيخة ثلثها، والبرتقالة ثلثيها. ونحو: اعتنيت بوجه الطفل، عينيه. ونظفت فمه، أسنانه. والأعم الأكثر إن يشتمل هذا البدل على رابط يربطه بالمتبوع، وأهم الروابط هو "الضمير"5 فإن كان الرابط الضمير وجب أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما6 ... ومن الجائز -مع قلته- الاستغناء عن هذا الضمير في إحدى حالات ثلاث.
أ- وجود "أل" التي تغنى عنه في إفادة الربط، وتقوم مقامه عند أمن اللبس، نحو: إذا رأيت الوالد فقبله، اليد، أي: فقبله يده، أو اليد منه1 ... ب- أن يكون البدل بعضا والمبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام غير موجب، "حيث يصح في المستثنى: إما النصب على الاستثناء" وإما الإتباع على البدلية من المستثنى منه –كما تقدم في باب المستثنى2"؛ نحو: ما تعب السباحون إلا واحدا أو واحد؛ فوجود "لا" يغني عن الرابط؛ لدلالتها على أن المستثنى بعض من المستثنى منه3. ج- أن يجيء بعد البدل سرد بقية أجزاء المبدل منه، بحيث يكون سردها وافيا يشملها جميعا، ويستوفي كل أجزاء المتبوع؛ مثل: الكلمة أقسام ثلاثة؛ اسم، وفعل، وحرف، فلفظة: "اسم" بدل بعض من ثلاثة، أو من أقام. وهذا البال خال من الرابط؛ لأن البدل وما بعده قد جمع كل أجزاء المبدل منه، وذكرت في الكلام مستوفاة4. ومن الأمثلة قول الشاعر: أداوي جحود القلب بالبر والتقى ... ولا يستوي القلبان: قاس وراحم فكلمة: "قاس" بدل خال من الرابط؛ لأنه مع ما بعده يشتمل على كل ما للمبدل منه. وليس للمبدل منه هنا سوى هذين النوعين. ثالثها: بدل الاشتمال، ولتوضيحه نسوق المثال التالي: إذا قلت: أعجبتني الوردة، جاز للسامع أن ينسب الإعجاب إلى لونها أو رائحتها، أو تنسيق أوراقها أو ... لأن الإعجاب يحتمل هذه المعاني العرضية مفردة، ومجتمعة، ويشتمل عليها ضمنا. فإذا قلت: أعجبتني الوردة رائحتها ... ، تعين معنى واحد من تلك المعاني العرضية التي يتضمنها العامل: "
أعجب"، واتجه القصد إلى هذا المعنى دون باقي المعاني التي يشتمل عليها العامل إجمالا، والتي تنطبق على الوردة وتتصل بها، من غير أن يدخل واحد منها في ذات الوردة، وفي تكوينها المادي "الجسمي"، أي: من غير أن يكون واحد منها جزءا حقيقيا أساسيا لا توجد الوردة إلا به، فليست رائحة الوردة جزءا أصيلا في تكوينها المادي يتوقف عليه وجود الوردة، وليس لونها، أو تنسيق ورقها جزءا أساسيا كذلك، وإنما هي أمور عرضية طارئة على ذاتها المادية، قد تلازم الذات أولا تلازمها. وبقاء الذات أو فناؤها ليس متوقفا عليها؛ فمن الممكن أن توجد الوردة وأن تبقى من غير أن يكون لها رائحتها، أو لونها، أو تنسيق ورقها، أو غير هذا من المعاني والأوصاف الطارئة التي تندمج تحت لفظ العامل: "أعجب". فالرافعة في الأسلوب السابق هي التي تسمى: "بدل اشتمال" و"المبدل منه" هو: "الوردة"، والعامل هو: "أعجب". ويقولون في بدل الاشتمال: "إنه تابع يعين أمرا عرضيا. ووصفا طارئا من الأمور والأوصاف المتعددة التي تتصل بالمتبوع، ويشتمل عليها معنى عامله إجمالا بغير تفصيل1". ومن هذا التعريف يتبين أن بدل الاشتمال مقصود لتعيين أمر في متبوعه، وأن هذا الأمر غرضي طارئ، وليس جزءا أصيلا من المتبوع2. وأن أساس الاشتمال وموضعه الحق هو "العامل" بمعناه، لا التابع ولا المتبوع. ومن الأمثلة لهذا البدل: بهرني عمر عدله، راقني معاوية حلمه، سرتني عائشة علمها ودينها. فالكلمات: عدل: حلم علم ... بدل اشتمال كل واحدة منها تعين أمرا خاصا في المتبوع. وهو أمر عرضي لا يدخل في تكوين الذات تكوينا ماديا أصيلا. وهذا الأمر العرفي الطارئ يندرج
مع أمور عرضية أخرى تحت العامل، ويشتمل عليها معنى هذا العامل إجمالا. ولا بد في بدل الاشتمال من ضمير يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما، وهذا الضمير قد يكون مذكورا كما ني الأمثلة السالفة، وقد يكون مقدرا؛ كقوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ 1 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} ، والتقدير: "النار فيه". فحذف الجار والمجرور، والمجرور هو الضمير الرابط، ويصح أن يكون القدير: ناره ذات الوقود. ثم حذف الضمير، ونابت عنه "أل" في الربط2". وبدل الاشتمال -كبدل البعض- لا بد لصحته من صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه وعدم فساد المعنى بحذفه3. رابعها: البدل المباين للمبدل منه -ويسمى: "بدل المباينة"- وهو ثلاثة أنواع لا بد في كل منها أن يكون هو المقصود بالحكم4، وأن يقوم دليل "أي: قرية" يوضح المراد منه، ويمنع اللبس5. وهذا القسم بأنواعه الثلاثة لا يحتاج إلى ضمير -أو غيره- يربطه بالمتبوع. أ- بدل الغلط: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه غلظا لسانيا، ويجيء البال بعده لتصحيح الغلط. وذلك بأن يجري اللسان بالمتبوع من غير قصد،
ثم ينكشف هذا الغلط والخطأ للمتكلم سريعا؛ فيذكر البدل، ليتدارك به الخطأ اللساني ويصححه. فالغلط إنما هو في ذكر المبدل منه، لا في البدل، نحو: "أعظم الخلفاء العباسيين: "المأمون" بن "المنصور"، "الرشيد". فالحقيقة: أن "المأمون" هو ابن "الرشيد"، ولكن المتكلم جرى لسانه بالخطأ، فذكر انه ابن المنصور؛ فأسرع وأصلح الخطأ بذكر الصواب، قائلا: "الرشيد". فالرشيد؛ بدل من المتبوع، الذي ذكر خطأ لسانيا. وليس "الرشيد" هو: الغلط؛ وإنما هو تصحيح للغلط الكلامي السالف الذي ذكر بغير قصد ولا تنبه. فكلمة: "الرشيد" بدل من "المنصور" بدل غلط، أي: بدلا مقصودا من شيء غير مقصود ذكر غلطا -كما أوضحنا- ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يربطه بالمتبوع1 ولا ورود لهذا النوع في القران الكريم منسوبا إلى الله2 ... ب- بدل النسيان: هو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ويتبين للمتكلم فساد قصده: فيعدل عنه، ويذكر البدل الذي هو الصواب؛ نحو: "صليت أمس العصر، الظهر، في الحقل، فقد قصد المتكلم النص على صلاة العصر، ثم تبين له أنه نسي حقيقة الوقت الذي صلاه، وأنه ليس العصر؛ فبادر إلى ذكر الحقيقة التي تذكرها؛ وهي: "الظهر" فكلمة: "الظهر" بدل مقصود من كلمة: "العصر" بدل نسيان. والفرق بين هذا البدل وسابقه أن الغلط يكون من اللسان. إما النسيان فمن العقل. وهذا النوع كسابقه لا يحتاج إلى ضمير يعود على المتبوع، ولا إلى رابط آخر2.... ولا ورود لهذا النوع في القرآن الكريم منسوبا إلى الله 1 ... ج- بدل الإضراب3: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ولكن
يضرب عنه المتكمل "أي: ينصرف عنه ويتركه مسكوتا عنه" من غير أن يتعرض له بنفي أو إثبات -كأنه لم يذكره- ويتجه إلى البدل. نحو: سافر في قطار، سيارة. فقد نص المتكلم على القطار أولا، ثم اضرب عنه تاركا أمره، ونص على السيارة بعد ذلك، فهي بدل مقصود من القطار. ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يعود إلى المتبوع، ولا إلى غيره من الروابط.....1
والأحسن عدم الالتجاء إلى هذا النوع من البدل قدر الاستطاعة: لأن احتمال اللبس فيه كبير1.... "ملاحظة": سبق أن أنواع البدل المباين الثلاثة تحتاج إلى قرينة توضح وتمنع اللبس. وأحسن منها أن يتقدم على كل نوع -مباشرة- حرف العطف "بل" المفيد للإضراب. لأن وجود هذا الحرف يؤدي إلى إعراب ما بعده معطوفا لا بد لا. وبهذا يمتنع احتمال أنه نعت، ذلك الاحتمال الذي قد يتسرب إلى الوهم قبل مجيء الحرف: "بل" وبمجيئه تنتقل المسالة من البدل إلى العطف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- المشهور من أنواع البدل هو الأربعة التي شرحناها. وزاد بعض النحاة نوعا خامسا سماه: "بدل الكل من البعض"، واستدل له بأمثلة متعددة تؤيده، منها قوله تعالى في التائبين الصالحين: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} ، فجنات بدل كل من الجنة، والأولى جمع، والثانية مفرد، ولهذا كان البدل كلا والمبدل منه بعضا. ومنه قول الشاعر: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات فكلمة: طلحة "بدل كل" من "أعظم" التي هي جزء من "طلحة"، وكذلك قول الشاعر: كأني غداة1 البين2 يوم تحملوا3 ... لدى سمرات4 الحي ناقف حنظل5 فكلمة "يوم" بدل كل من "غداة": مع أنه يشملها، وهي جزء منه6 ... ب- حكم البدل: البدل أحد التوابع؛ فلا بد إذ يوافق متبوعه في حركات الإعراب، وفي بعض الأشياء المشتركة التي سبق النص عليها7. أما موافقته إياه في غير ذلك فيجري فيها التفصيل الآتي: 1- فمن جهة التنكير والتعريف لا يلزم أن يوافق متبوعه فيهما؛ فقد يكونان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ –معا- معرفتين؛ كقراءة قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} بجر كلمة "الله"؛ على اعتبارها بدلا من كلمة: "العزيز". وقد يكونان نكرتين؛ كقوله تعالى {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا 1 حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} . وقد تبدل المعرفة من النكرة كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} . وقد تبدل النكرة من المعرفة، كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ 2 ... } والمفهوم من كلامهم أن تكون هذه النكرة مختصة -لا محضة- لأن النكرة المختصة الخالية من فائدة التعرف -نحو: مررت بمحمد رجل عاقل- قد تفيد ما لا تقيده المعرفة المشتملة على فائدة التعرف3. ومما يؤيد هذا أن الغرض من البدل -كما عرفا فيما سبق- لا يتحقق بالنكرة المحضة. 2- ومن جهة الإفراد والتذكير وفروعهما، فإن بدل الكل من الكل يطابق متبوعه فيها جميعا ... ما لم يمنع مانع من التثنية أو الجمع، كأن يكون أحدهما مصدرا لا يثنى ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي4؛ مثل: قوله تعالى في الآية السالفة: "مفازا، حدائق ... "وكقصد التفصيل، في قول الشاعر: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت5 وأما غيره من أنواع البدل فلا يلزم موافقته فيها6. والغالب أن البدل يرتبه به ما بعده ويعتمد عليه؛ فيطابقه في حالتي التذكير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتأنيث وغيرهما: نحو: إن الغزال عينه جميلة، وإن الفتاة حفنها فاتر، بتأنيث خبر "إن" في المثال الأول، وتذكيره في الثاني، ولولا أن الملاحظ هو البدل لوجب التذكير في الأول والتأنيث في الثاني. ولا بد في مراعاة ذلك الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره1. ومن غير الغالب قول الشاعر: إن السيوف غدوها ورواحها ... تركت هوارن مثل قرن الأعضب2 فقد جاء الفعل: "ترك" مؤنثا مراعاة للمبدل منه، "وهو اسم "إن" لا للبدل. ج- قلنا3 إنه قد يتحد4 لفظ البدل والمبدل منه إذا كان في لفظ البدل زيادة بيان وأيضاح؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً 5 كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} بنصب كلمة: "كل" الثانية؛ فقد اتصل بها معنى زائد، ليس في المبدل منه؛ هو بيان سبب الجثو، وهو استدعاء كل أمة لتقرأ كتابها. ومن الأمثلة: شاهدنا الجنود، فرحة، الجنود التي انتصرت على أعدائها، ورأينا الأمة تخرج لاستقبالهم، الأمة التي أنجبتهم ... د- قد يحذف المبدل منه ويتغنى عنه بالبدل بشرط أن يكون المبدل منه في جملة وقعت صلة موصول: نحو: أحسن إلى الذي عرفت المحتاج، أي: الذي عرفته المحتاج. فكلمة: "المحتاج" يصح أن تكون بدلا من الضمير المحذوف6 ... هـ- يصح الإتباع والقطع في البدل إذا كان المبدل منه مذكورا مجملا، مضمونه أفراد وأقسام متعددة، تذكر بعده مفصلة -بأن يشتمل الكلام بعده على جميع أقسامه كاملة نحو: مررت برجال، طويل، وقصير،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وربعة1 ... بالرفع، أو النصب: أو الجر في هذا المثال. فإن كان الكلام غير مستوف أقسام المبدل منه تعين في البدل القطع2 نحو: مررت برجال طويلا وقصيرا، أو: طويل وقصير، بالرفع أو النصب في الكلمتين. إلا عند نية معطوف محذوف، فلا يتعين القطع وإنما يصح الأمران -كما يصح في الأول- وهما: البدل والقطع. ومن الأمثلة لهذا قوله عليه السلام: "اجتنبوا الموبقات، الشرك والسحر" بنصبهما. والتقدير: وأخواتهما ... بدليل ذكر هذا المعطوف في حديث آخر. فإن كان البدل خاليا من التفصيل جاز فيه الأمران أيضا: الإتباع والقطع. نحو: فرحت بعليّ أخوك أو أخاك على القطع فيهما. أو: أخيك على البدل ... وسيجيء -في ص684 وما بعدها- إيضاح آخر لبدل التفصيل، وأنه نوع من بدل الكل. أما تفصيل كلام على القطع وطريقته فقد سبق في باب النعت. ومن المستحسن التخفف من استعماله قدر الاستطاعة. و يشترط3 في بدل البعض وبدل الاشتمال أن يصح في كل منهما الاستغناء بالمبدل منه، وعدم فساد المعنى أو اختلال التركيب لو حذف البدل، أو اتصل به عامله اتصالا لفظيا ظاهرا ومباشرا، فلا يجوز: "قطعت اللص أنفه، ولا لقيت كل أصحابك أكثرهم، ولا أسرجت القوم دابتنهم"، لعدم صحة الاستغناء بالمبدل منه عن البدل. وكذلك لا يصح مررت بمحمد أبيه، إذ لا يصح أن يقال في هذا المثال -وأشباهه- عند إظهار عامل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدل -وهو مررت، أو الباء- وتسليطه على البدل مباشرة: مررت أبيه، بعدية الفعل اللازم، كما لا يقال مررت بأبيه، من غير مرجع للضمير. ز- الأغلب أن البدل على نية تكرار العامل1، وليس على تكراره حقيقة. بيان هذا: أن العامل في "البدل منه" هو العامل في "البدل" لكن هذا العامل المشترك بينهما واجب الإظهار والتلفظ به قبل المتبوع وحده. ولا يصح إعادته وتكراره ظاهرا صريحا قبل التابع. وإنما يكفي تخيل وجوده قبل البدل مباشرة. وملاحظة أنه موجود قبله في النية والتقدير؛ لا في الحقيقة والواقع. مع استقامة الأسلوب، وسلامة المعنى بغير حاجة إلى إعادته وتكراره صريحا ظاهرا في الكلام. والسبب في منع التكرار الحقيقي -لا الخيالي- أنه يؤدي إلى تأثير العامل المتكرر في "البدل" تأثيرا جديدا يزحزه عن "البدلية" ويدخله في عداد معموات أخرى لا تصلح "بدل"؛ ففي مثل: نظف الرجل فمه أسنانه، يكون المبدل منه هو "الفم"، والبدل هو: "أسنان" وعاملهما هو: "نظف" المذكور صريحا قبل المتبوع. وتخيلا وتقديرًا -دون تكراره- قبل التابع، وعلى أساس هذا التخيل المجرد، والتقدير المحض يصح أن نفترض أن أصل الكلام هو: نظف الرجل فمه، نظف الرجل أسنانه. وهذا الافتراض لم يفسد المعنى ولا التركيب، إنما أدى إلى توضيح المراد: فلو اعتبرنا العامل الثاني، الملاحظ تخيلًا وتقديرًا -وهو هنا: "نظف"- عاملًا معادًا حقيقة، وتكرارا للأول لأدى هذا إلى أيجاد تركيب جديد، خال من البدل، ولوجب إعراب كلمة: "أسنان" شيئا آخر غير البدل؛ فتكون هنا على الاعتبار الجديد "مفعولا به"، ولا تصلح بدلا، ويترتب على هذا التغيير الإعرابي تغيير معنوي معروف ينشأ من الفرق المعنوي بين البدل، والمفعول به، إذ لكل منهما مهمة تختلف عن مهمة الآخر. ويستثنى من الحكم السالف صورة يصح فيها الأمران؛ أما تكرار العامل تكرارا لفظيا، وإعادة التلفظ به مرة ثانية، وأما الاكتفاء بتخيل وجوده قبل البدل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاقتصار على ملاحظته في النية والتقدير1. وهذه الصورة الجائزة -لا الواجبة، كما أسلفنا2- هي التي يكون فيها العامل حرفا من حروف الجر؛ كاللام الجارة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ، وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} ومثل: "من" في قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ؛ فقد تكررت اللام وأعيدت صريحة في الآية الأولى " ... لكم، لمن ... "، وكذلك في الآية الثانية ".. لنا، لأولنا" كما تكررت "من" في الآية الثالثة "من المشركين من الذين ... " وهكذا ... لكن ما إعراب حرف الجر المكرر؟ وما إعراب الاسم المجرور بعده؟ قيل: إن حرف الجر المكرر أصلي، باق على عمله، وأنه هو الذي جر الاسم "بدلا" بعده. دون الحرف الأول المتقدم، ودون الحرف آخر مقدار، أو ملحوظ متخيل. بحجة أنه لا داعي للتقدير في هذه الصورة مع وجود عامل مذكور، منطوق به صراحة؛ فإن التخيل أو التقدير إنما يكون في غير هذه الصورة التي ظهر فيها بالعامل المتكرر، ووقع تحت الحس فلا يمكن إغفاله، ولا إنكار وجوده. ولا المطالبة بأن يكون العامل في المبدل منه هو العامل في البدل، إذ لا داعي للتمسك بهذا الحكم حين يكون العامل المتكرر جر, بعده البال مباشرة. بقي الاعتراض بشيء آخر، هو أن حرف الجر الأصلي لا يجر البدل؛ لأن عمله مقصور على شيء واحد؛ هو جر الاسم جرا مجردا، لا يصح معه اعتبار ذلك الاسم المجرور بدلا أو غير بدل. قد يندفع هذا الاعتراض بواحد من ثلاثة: أولها: وهو أقوّاها وأحسنها صحة اعتبار المجرور في هذه الصورة وحدها "بدلًا"؛ بالرغم مما هو مقرر أن التوكيد اللفظي لا يؤثر في غيره، ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتأثر به: فلا يصلح عاملا ولا معمولا1. ثانيها: اعتبار العامل المتكرر توكيدًا لفظيًا محضًا "أي: لا يؤثر ولا يتأثر؛ طبقًا لما سبق تقريره". وأن الاسم المجرور بعده مجرور بالعامل الأول الذي له التأثير في المبدل منه؛ فهو أي: العامل الأول -وحده- مؤثر في التابع والمتبوع معًا، عملًا بالرأي الذي يقول: إن البدل ليس على نية تكرار العامل، وإنما العامل في المبدل منه وفي البدل واحد، لا تكرار له، ولا تخيل لإعادته. ثالثها: اعتبار البال على نية تكرار العامل، وأن حرف الجر المتكرر هو توكيد لفظي محض، وليس تكرارًا للعامل المتقدم. وبالرغم من وجوده مكررا واعتباره توكيدًا لفظيًا خالصًا بكون الجر بعده بعامل آخر غير ظاهر ولكنه ملحوظ في النية والتقدير. ولا شك أن الآراء الثلاثة يشوبها الضعف؛ لمخالفة كل منهما للضوابط العامة، ولاعتمادها على النية، والتقدير، والتأويل، ولكن الأول أخفها ضعفًا: ولذا كان أنسبها قبولا.
المسألة 124
المسألة 124: إبدال الظاهر من الظاهر أو من المضمر، والعكس في كل حالة ... : أ- يجوز إبدال الظاهر من الظاهر؛ كالأمثلة السابقة بأحكامها المختلفة. ويصح إبدال الظاهر من ضمير الغائب بدل كل، أو بعض، أو: اشتمال، أم مباينة1. نحو: وقفت أمام الدار أترقب القادمين. فلما أقبلوا الضيوف صافحتهم في بشر وابتهاج. فكلمة "الضيوف" بدل كل من كل: "هو الفاعل2، واو الجماعة". ونحو: وقفت أترقب الأضياف الخمسة فأقبلوا أربعة منهم ... فكلمة "أربعة" بدل بعض، أي: من الفاعل2 "واو الجماعة". أو: فأقبلوا حقائبهم ... "فحقائب" بدل اشتمال من الواو ... أو: فأقبلوا حقائبهم. على اعتبار أن "حقائب" بدل غلط، أو نسيان، أو إضراب فالبدل بأنواعه المختلفة يقع صحيحًا من ضمير الغائب، ولا مانع يمنع منه. فإن لم يكن الضمير الغائب بأن كان لحاضر "أي: لمتكلم، أو لمخاطب" جاز مجيء البدل منه بشرط أن يكون الاسم الظاهر إما بدل كل من كل يفيد الإحاطة والشمول والبيان كقوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 3، فكلمة "أول" بدل "كل" من الضمير "نا" المجرور باللام، ولذلك أعيد جوازا مع البدل عامل الجر، وهو هنا: "اللام"، مجاراة للمبدل منه. ومثله: تسابقتم ثلاثتكم. فكلمة: "ثلاثة" بدل كل من كل، من التاء4 ...
وأما بدل بعض من كل؛ كقول المريض بأذنه مثلا: عالجني الطبيب أذني. فكلمة "أذن" بدل بعض من كل، "وهو: ياء المتكلم" ونحو أعجبتني أسنانك. فكلمة: "أسنان" بدل بعض من ضمير المخاطب "التاء". وأما بدل اشتمال كقول الشاعر: بلغنا السماء مجدنا وثناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فكلمة: "مجدنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلمين: "نا"؛ ونحو: أرضيتني كلامك، "فكلام" بدل اشتمال من ضمير المخاطب "التاء". ب- ولا يجوز إبدال ضمير من ضمير، ولا ضمير من ظاهر1، فالضمير: أنت في مثل "قمت" أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت يعرب توكيدًا لفظيًا، وكذلك يعرب الضمير "أياك" في مثل: رأيتك أياك. ولا يصح في مثل: رأيت محمدًا إياه، إعراب الضمير "إياه" بدلًا من الاسم الظاهر؛ لأن هذا التركيب فاسد في رأي النحاة: إذ لم يسمع له عن العرب نظير2 ...
المسألة 125
المسألة 125: البدل من المضمن الاستفهام، أو الشرط، وبيان: بدل التفصيل: قد يكون "المبدل منه" اسم استفهام، "ويسمى: "المضمن معنى همزة الاستفهام1" وقد يكون اسم شرط "ويسمى: المضمن معنى حرف الشرط. "إن" فإذا اقتضى الأمر بدلًا يفصل ذلك المضمون المعنوي المجمل ظهر في الحالة الولى مع البدل حرف الاستفهام: "الهمزة"، وفي الحالية الثانية حرف الشرط: "إن" ليوافق البدل المبدل منه في تأدية المعنى. وهذا بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام ولا حرف الشرط مع المبدل منه. والاستفهام الذي يتضمنه المتبوع قد يكون عن الكمية2، أو عن الذات، أو عن معنى من المعاني. فمثال الاستفهام عن الكمية: كم كتبك؟ أمائة أم مائتان؟ "فمائة" بدل من "كم" بدل تفصيل للمعنى العددي. ومثال الاستفهام عن الذات: من شاركت؟ أكاملًا أم منصورًا؟ "فكاملًا" بدل تفصيل من كلمة: "من".
ومثال الاستفهام عن المعنى: ما تقرأ؟ أجيدًا أم رديئًا؟ فجيدًا يدل تفصيل من: "ما". وإنما تضمن البدل همزة الاستفهام ليوافق متبوعه الذي هو اسم يتضمن معنى همزة الاستفهام من غير تصريح بأداة الاستفهام الحرفية -كما أسلفنا-؛ فلا تجيء الهمزة في مثل: هل أحد جاءك؛ محمد أو علي، بسبب التصريح بحرف الاستفهام. والشرط الذي يتضمنه المتبوع قد يكون للعاقل أو غيره، وللزمان أو المكان. فمثال الشرط للعاقل: من يجاملني -إن صديق وإن عدو- أجامله. فكلمة: "صديق" بدل تفصيل من كلمة "من" الشرطية. وإن الشرطية الظاهرة في الكلام ليس لها من الشرط إلا اسمه؛ فلا تجزم، ولا تعمل شيئا، وإنما تفيد مجرد التفصيل؛ ولذا تسمى: "إنْ التفصيلية". ومثال الشرط لغير العاقل: ما تقرأ، إن جيدا وإن رديئًا، تتأثر به نفسك. فكلمة: "جيدًا" بدل من كلمة: "ما" و"إنْ" المذكورة في الجملة لا أثر لها إلا في إفادة التفصيل، كما سبق. ومثال الشرط الدال على الزمان: متى تزرني، إن غدًا وإن بعد غد أسعد بلقائك. فكلمة "غدًا" بدل من "متى"، وكلمة: "إنْ" للتفصيل. ومثال الشرط الدال على المكان: حيثما تجلس، إنْ فوق الكرسي وإن فوق الأريكة، تجدْ راحة ... فكلمة: "فوق" بدل من: حيثما. وكلمة: "إن" للتفصيل. وإنما قرن البدل في كل ما سبق بالحرف: "إنْ" ليكون موافقا لاسم الشرط المتبوع الذي يتضمن معنى هذا الحرف من غير أن يذكر صريحا1 فلا يصح مجيء "إنْ" في مثل: إن تساعد أحدا محمدًا أو عليًا أساعده. هذا وبدل التفصيل2 نوع من بدل الكل من الكل لا يحتاج إلى رابط.
المسألة 126
المسألة 136: بدل الفعل من الفعل، والجملة من الجملة: أ- بدل الفعل من الفعل: 1- يبدل الفعل من الفعل بدل كل من كل بشرط اتحادهما في الزمان ولو لم يتحدا في النوع1، وأن يستفيد المتبوع من ذلك زيادة بيان؛ كقوله تعالى2: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} . فالفعل: "يضاعف" بدل كل من الفعل: "يلق" لأن مضاعفة العذاب هي البيان الذي يزيد معنى الفعل: "يلق" وضوحا، ويشكف المراد منه. وجزم الفعل: "يضاعف" دليل على أنه البدل وحده دون فاعله، وأن البدل بدل مفردات، لا جمل3. 2- ويبدل الفعل من الفعل للدلالة على الجزئية: إن تصل تسجد لله يرحمك. فالفعل: "تسجد" بدل من تصل، والسجود جزء من الصلاة لا تتحقق إلا به. 3- ويبدل الفعل من الفعل بدل اشتمال؛ مثل: إني لن أسيئ إلى الحيوان
الأليف، أزعجه. فالفعل "أزعج" بدل اشتمال من "أسيء". ومثله: إن عليّ الله أن تبايعا1 ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا فالفعل: "تؤخذ" بدل اشتمال من: "تبايع"؛ لأن الأخذ كرها هو صفة من صفات كثيرة تشملها المبايعة. 4- ويبدل الفعل من الفعل لإضراب، أو الغلط، أو النسيان، في مثل: إن تطعم المحتاج، تكسه ثوبا، يحرسك. والذي يدل في كل ما سبق -وأشباهه- على أن البدل بدل مفردات لا بدل جمل، هو مشاركة الفعل التابع لمتبوعه في نصبه أو جزمه2. ب- أما الجملة فبدل من الجملة بدل كل من كل -على الصحيح- بشرط أن تكون الثانية أو فى من الأولى في بأن المراد، وتأديته ... نحو: اقطع قمح الحقل، احصده. وتبدل بدل "جزء من كل" لإفادة البعضية؛ كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، فجملة: "أمدكم" الثانية اخص من الأولى؛ لأن: ما تعلمون: يشمل الأنعام، والبنين، والجنات، والعيون، وغيرها. وتبدل بدل اشتمال؛ كقول الشاعر: أقول له ارحل. لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في الثر والجهر مسلما فجملة: "لا تقيمن" بدل اشتمال من جملة "ارحل"؛ لما بينهما من المناسبة: إذ يلزم من الرحيل عدم الإقامة. وتبدل بدل غلط؛ مثل: اجلس، قف ... و ...
ولا يشترط في بدل الجملة بأنواه المختلفة ولا في بدل الفعل من الفعل إذ يشتمل على ضمير؛ إذ من المعذر أن يعود ضمير على جملة، كما يتعذر في بدل الفعل وحده من الفعل. هذا وقد أشرنا إلى أن الفعل التابع يتبع المبدل منه في إعرابه لفظًا وتقديرًا. أما الجملة فتتبع المتبوعة في محلها إن كان لها محل. فإن لم يكن للمتبوعة محل فتسمية الجملة الثانية بالتابعة هي تسمية مجازية، أساسها التوسع فقط ... وتد تدل الجملة من المفرد، والعكس، بدل كل من كل -وهذان النوعان نادران– كقول الشاعر: إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان فجملة: "كيف يلتقيان" بدل من: "حاجة"؛ لأنّ كيفية الالتقاء هي الحاجة التي يشكو منها. إنما صح البدل هنا لأن الجملة بمنزلة المفرد1 إذ التقدير: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر اجتماعهما؛ فلا بد من تأويل الجملة بالمفرد ليمكن إعرابها بدلًا. ومثال العكس: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا} ؛ لأنها في معنى المفرد، أي: جعله مستقيمًا.
الفهارس
الفهارس ... الفهرس: أ- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب وصف مجمل للكتاب 1 الإضافة 169 المضاف لياء المتكلم، وحكمه. 181 أبنية المصدر، أقسام المصدر. 186 المصدر الصناعي. 207 أعمال المصدر، واسم المصدر "تعريفهما، وأحكامها..و.." 210 اسم المصدر أيضًا 220 إعماله. 225 المصدر الدال على المرة، والدال على الهيئة. 231 المصدر الميمي. 238 اسم الفاعل 271 اسم المفعول 281 الصفة المشبهة. 318 اسم الزمان والمكان 333 اسم الآلة. 339 التعجب. 367 ألفاظ المدح والذم: "نعم وبئس.. و.." 384 الأفعال التي تجرى مجراهما. 394 أفعل التفضيل 434 التوابع الأربعة: أ- النعت. 501 ب- التوكيد. 538 ج- العطف بنوعيه: 1- عطف البيان. 555 2- "عطف النسق". 664 د- البدل.
ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي تشتمل عليها الأبواب العامة السابقة. مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض موضوعات: "الزيادة، والتفصيل، والهوامش": باب الإضافة رقم الصفحة الموضوع: 1 المسألة 93: الإضافة تقسيمها إلى محضة وغير محضة. الأسماء الأخرى لك لواحدة، وسبب التسمية. إيضاح معنى الإضافة. النسبة الأساسية والنسبة التقليدية، أو: الفرعية ... 3 الأغلب في المضاف أن يكون اسما معربا، وقد يكون اسمًا مبنيًا. 3 أنواع المحضة إشارة إلى "الشبيه بالمضاف". إضافة المصدر قد تكون محضة أو غير محضة ... 6 الأحكام الواجبة المترتبة على الإضافة: الإضافة: 7 الأول: جر المضاف إليه. الإضافة الظاهرة، والإضافة المقدرة. عوامل الجر في الاسم. 8 الرأي في الجر بالتوهم، والمجاورة. 8 الثاني: حذف نون المثنى وجمع المذكر السالم -وملحقاتهما- من المضاف. 9 ما يحذف مع النون عند الإضافة لياء المتكلم. 10 حالة يجوز فيها حذف النون وعدم حذفها. 12 الثالث: حذف التنوين. الرابع: حذف "أل" من المضاف، إلا في بعض صور معدودة.. 13 متى توجد "أل" في الإضافة غير المحضة؟ 14 رأي الكوفيين في إبقاء "أل" ... الرأي في بعض أمثلة مسموعة وغير مسموعة فيها "أل" ... 16 الخامس: اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلي متخيل، وأنواعه، والغرض منه، وجواز التصريح به 18 الإضافة التي على معنى: "من" 19 نوع إضافة الأعداد والمقادير. أوجه إعرابية أخرى إذا كانت الإضافة على معنى: "من".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 20 الإضافة التي على معنى: "في"، و"اللام". 21 إضافات لا يصح التصريح فيها بحرف الجر: "اللام". الإضافة قوية الملابسة، والإضافة لأدنى ملابسة. 23 السادس: تعرف المضاف أو تخصصه من المضاف إليه، بشرط أن تكون الإضافة محضة. منع إضافة المعرفة للمعرفة والنكرة. جواز إضافة العلم في بعض الحالات ... 24 ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير، وهي الألفاظ المتوغلة في الإبهام، -ومنها: "غير" - وهل تتعرف بالإضافة؟ هل تدخلها "أل"؟ 28 المضاف إليه إذا كان جملة كان في حكم المفرد ... 29 عودة إلى الإضافة غير المحضة. إشارة إلى أنواع من المحضة؛ "كالمصدر، وبعض المشتقات المهملة.." 30 أثر الإضافة غير المحضة. 33 معنى الإضافة المجازية، "أي: التي على نية الانفصال". 37 لمحة عابرة عن بعض المشتقات. "اسم الفاعل - اسم المفعول". 39 الاستمرار الدوامي، والاستمرار التجددي. 40 أنواع من الإضافة غير المحضة. "هي الملحقات بها". 40 إضافة المنعوت إلى نعته، إضافة النعت إلى منعوته، إضافة المسمى إلى الاسم، 42 الكلام، وعلى: الإضافة البيانية والتي للبيان، وعلى: "ذات مرة" و"ذات ليلة" ... وعلى كلمة: "رجب" من ناحية الصرف وعدمه. 44 إضافة الموضوف إلى اسم قائم مقام الصفة. إشارة إلى السبب في إضافة العلم، ... 45 إضافة المؤكد إلى المؤكد. 46 إضافة الملغي إلى المعتبر، والعكس - الإضافة في قولهم: "لا أبا لفلان". إضافة صدر المركب المزجي لعجزه. 47 الجدل الدائر حول الأنواع السابقة، والفصل فيه. 51 الرأي في مثل: استرحنا من عناء التعب ... ، ونعمنا برغد الرخاء ... 53 السابع: عدم الفصل بين المتضايفين. أ- مواضع الفصل في السعة. المراد بالسعة والضرورة. التيسير في الشعر دون النثر. 55 ب- مواضع الفصل في الضرورة مواضع أخرى للفصل في الضرورة. 60 الثامن: استفادة المضاف من المضاف إليه التصدير. التاسع: وجوب تقديم المضاف
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة وهي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 61 العاشر: استفادة المضاف من المضاف إليه المصدرية الحادي عشر: استفادة الظرفية 61 الأحكام الأربعة غير الحتمية، وهي: 63 الثاني عشر: استفادته التأنيث. المراد من جزء الشيء، ومثل جزئه. 65 القلة الذاتية والنسبية "انظر ص79" 66 الثالث عشر: استفادة التذكير. حكم "أحد، وإحدى" المضافتين من جواز التذكير والتأنيث. الرابع عشر: استفادته البناء. "ويدخل في هذا: المضاف من أسماء الزمان المبهم". 68 الخامس عشر: جواز حذف تاء التأنيث منه. 70 ملخص الأحكام السالفة كلها 71 المسألة 94: تقسيم الاسم من ناحية وقوعه مضافا، وعدم وقوعه. ما تجوز إضافته. ما تجب إضافته أربعة أقسام. تفصيل الكلام عليها: أولها: ما يضاف وجوبا للظاهر والضمير، مع جواز قطعه عن الإضافة لفظا فقط. 72 نون التنوين في كلمتي: "كل وبعض" إذا لم يضافا ... حكمهما من ناحية التعريف والتنكير، هل يصح اقترانها "بأل" المعرفة؟ حكم لفظه: "كل" ومطابقة ما بعدها لها. 73 ثانيها: ما يضاف وجوبا ولا يجوز قطعه لفظا، وهو أربعة أنواع ... 78 ثالثها: ما يضاف وجوبا إلى الجملة، وحكمه، "حيث إذ" وتفصيل الكلام عليهما. الجملة الواقعة "مضافا إليه" في حكم المفرد. وشروطها أ- حيث الاسم الواجب إضافته للجملة لا يكون إلا مبنيا. 79 عودة إلى بيان القلة الذاتية والنسبية. "انظر ص64". 80 ب- "إذ": إعرابها ومعانيها..، المراد من اسم الزمان. 84 الجملة الواقعة مضافا إليه في حكم المفرد. شروطها. تأويلها. 85 فائدة الإضافة للجملة. 87 حكم: "بين" المختومة "بالألف الزائدة، أو: "ما" الزائدة، وجوب صدارتها.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 88 ما يشبه: "إذا. 89 إضافة بعض أسماء الزمان المبهمة للجملة، وتفصيل هذا. 93 رابعها: ما يضاف وجوبا للفعلية وحدها –"إذا – لما" ... ، جميع أدوات الشرط الجازمة "أي: الشرط غير الامتناعي" تجعل زمن الفعل الماضي الذي في شرطها وجوابها مستقبلا. 94 ب- ألفاظ غير زمانية تشبه الزمانية في الحكم، "منها: آية. ذي تسلم ... ". 97 جدول لكل أقسام المضاف والمضاف إليه. 98 المسألة 95: أسماء أخرى واجبة الإضافة: "كلا – كلتا – أي – لدن ومع – غير، ونظائرها". كلا وكلتا ... 99 المثنى لفظا ومعنى، ومعنى فقط. 101 تفصيلات في إعراب: "كلا وكلتا" 104 أي، وأقسامها، واستعمال كل. المراد من الإضافة لفظا ومعنى، ومعنى فقط. تفصيل الكلام على: "أي" الاستفهامية. 105 أنواع التعدد 105 لفظ "أي"، ومعناها، وما يراعي عند المطابقة. 109 تفصيل الكلام على "أي" الشرطية 110 "أي" الموصولة. 111 "أي" التي تقع نعتا. 113 الرأي في مثل: "اشتر أي كتاب" و ... 117 "أي" التي تقع حالا. 118 جدول يشتمل على ملخص لكل أنواع "أي" وأحكامها. 119 لدن – عند. معنى: الغاية الزمانية، والمكانية، ومبدأ الغاية، وبعض أحكام خاصة بالغاية. الفرق بين كلمتي: "ابتداء" و"من" الجارة التي للابتداء. 120 مواضع الاختلاف بين كلمتي: "لدن" و"عند". 124 رفض الإعراب على "التوهم"، وعلى "المجاورة". 125 مع. معانيها. 129 الكلام على: "مع"، و"جميع". 131 غير: معناها، وحالاتها الإعرابية الأربع "انظر ص24 و ... " يقال: "ليس غير، ولا غير". 141 نظائر: "غير" وتقسيمها من ناحية ما يفيد الظرفية والتصرف، وما لا يفيدهما.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 141 ظروف "الغاية": "قبل – بعد، دون – الجهات الست. وما بمعناها ... ". معنى: "الغاية" هنا. 142 الظرف المتصرف وغير المتصرف، ومعنى: "من" الجارة الداخلة على الظرف المجرور بها. معنى الأسماء التامة وغير التامة. 143 قبل. 145 بعد. 146 فوق. 147 دون. 147 عل. 148 حكم "لدى" المضافة 149 حسب. 150 الدليل على أن: "حسب" ليس اسم فعل. 151 أول. 154 استعمالات لغوية مختلفة في: "أول" ومنها: أول أمسى ... 156 ملخص يبين تقسيم الأسماء من ناحية إضافتها، عدم إضافتها 157 المسألة 96: حذف المضاف. حذف المضاف إليه. نعت أحدهما. أ- حذف المضاف ومواضعه القياسية 162 حكم الضمائر العائدة على المضاف المحذوف، وكذلك غير المحذوف. 163 حذف أكثر من مضاف، وبيان ما يترتب علي الحذف. 165 ب- حذف المضاف إليه. عودة لبيان الأسماء التامة وغير التامة. 167 ج- حكم النعت بعد المركب الإضافي "ومنه: العلم الكنية". 169 المسألة 97: المضاف لياء المتكلم، وحكمه تعريف صحيح الآخر، ومعتل الآخر، والمعتل الشبيه بالصحيح، وحكم كل عند إضافته للياء. متى تضبط ياء المتكلم بالفتح أو بالسكون، وإعرابها؟ 170 كيفية إضافة الاسم المختوم بياء مشددة. 172 متى يجوز حذف ياء المتكلم أو قلبهما ألفا. متى تحذف ياء المتكلم في الإضافة. 173 عودة إلى الإضافة الظاهرة، والمقدرة. حكم الأسماء الخمسة عند إضافتها لياء المتكلم.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 174 إضافة الاسم المعتل الآخر بالواو إلى ياء المتكلم. 175 طريقة إضافة: "اينم". الوقوف على ياء المتكلم 177 مواضع تسكين آخر المضاف، وبناء الياء على الفتح. متى تضبط المتكلم بالفتح؟ عودة إلى: "لدى". نوع من نيابة حرف عن حركة 181 المسألة 98: أبنية المصادر – أقسام المصدر الثلاثة "أصلي – ميمي – صناعي" وتعريف كل قسم، وإيضاحه. إشارة إلى المواضع الذي يضم أحكام المصدر المؤول، سبب تقديم هذا الباب على باب عمل المصدر. معنى الجمود والاشتقاق ومكان المصدر منهما: تقسيم الجامد والمشتق ... 182 أصل المشتقات وأنواعها، وملحقاتها – إذا صار المشتق علما صار في حكم الجامد، وفقد أحكام المشتق. 183 أسماء المعاني وأسماء الذوات، والاشتقاق منها، وقواعده. الفرق بين "الاشتقاق والأخذ". 184 قواعد الاشتقاق من الجامد. 185 اشتقاق "فعل" من العضو للدلالة على إصابته. 186 المصدر الميمي. المصدر الصناعي. تاء التأنيث، وتسمى تاء النقل. 188 كيف وضعت الضوابط لأبنية المصدر. كيف وضعت الضوابط لأبنية المصدر. كلمة عن القياس والسماع عامة، ومن قياسيه المصدر، وجموع التكسير. 189 قيمة الفراء اللغوية، ورأية في القياس هنا؛ وكذا ابن جني. 189 عدم السماع لا يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس. 191 هل يخض اللفظ للقياس مع ورود سماع خاص فيه؟ 193 أوزان المصدر الأصلي. أوزان مصدر الثلاثي المتعدي واللازم. 198 مصادر، على وزن: "مفعول"، مصادر الماضي غير الثلاثي، مصادر الرباعي. 199 قلب الهمزة ياء جوازا في مثل: تبريء قلبها واوا في مثل: مقروء. نوع: "التفعال". بفتح التاء وكسرها. 201 نوع "فعلال" المضعف، وبيان ما يجوز فيه.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 202 مصادر الخماسي. مصادر السداسي. 203 ملحقات "التفعلل". 204 تلخيص لكل أبنية المصادر القياسية. 207 المسألة 99: إعمال آخر للمصدر – أمثلة. 208 إيضاح لاسم المصدر. 209 تعريف موجز لاسم المصدر. الفرق بينه وبين المصدر – لفظ ومعنى. 210 المصدر أصل المشتقات. 211 عمل المصدر. ما يخالف فيه المصدر فعله. 212 نوع من الفرق بين "أن، وما" المصدريتين. وبين: "أن" الناصبة للمضارع والمخففة. 213 أنواع من المصادر تعمل بغير تحقق الشروط. 215 شروط أخرى لإعماله. 218 أقسام المصدر العامل. 220 إعمال اسم المصدر. 223 أقسام اسم المصدر العامل مع إشارة عابرة المصدر الميمي. 225 المسألة 100: المصدر الدال على المرة والدال على الهيئة. فائدة المصدر الدال على إحداهما 226 لكل فعل ثلاثة أنواع من المصادر. 228 يجب فتح ما قبل تاء التأنيث. المسألة 101: 231 المصدر الميمي. معناه، مزيته، صوغه. 238 المسألة 102: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة. تعريف كل، وصوغه، وإعماله. اسم الفاعل: تعريفه. "أفعل التفضيل" يدل على الدوام. 240 صوغ اسم الفاعل. 242 دفع توهم أن بعض الأفعال الثلاثية المتصرفة لا يكون لها اسم فاعل. القرائن هي التي تدل على أن صيغة: "فاعل" قد يراد بها الصفة المشبهة. من تلك القرائن إضافة اسم الفاعل لفاعله ... خروج اسم الفاعل عن بابه ودخوله في باب الصفة المشبهة، وما يصحب هذا من إضافة اسم الفاعل لفاعله. 245 صوغه من مصدر الماضي غير الثلاثي، زيادة تاء التأنيث آخر اسم لافاعل. 246 كسر ما قبل الآخر قد يكون حقيقة أو حكما.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 246 إعماله: 247 أ- إن كان مجردا من "أل". عودة إلى الاستمرار الدوامي والاستمرار التجددي. 248 ملخص ما تقدم 251 يصح تعلق شبه الجملة بالمشتق الذي لا يعمل. 252 الاعتماد هذا وفي باب المبتدأ والخبر، الفرق بينهما. شروط أخرى في الوصف. اسم الفاعل لا يعود فاعله الضمير المستتر إلا على غائب. 254 ب- اسم الفاعل المقترن "بأل"- بعض أحكام اسم العامل الفاعل ومنها: إضافته إلى مفعوله. 255 عدم صحة إضافة المتعدي إلى فاعله. 256 الفرق بين المصدر واسم الفاعل العاملين 257 التزامه الإفراد والتنكير أحيانا. 257 صيغة المبالغة: 258 قد تكون صيغة: "فعال" للنسب. 258 أشهر أوزانها- 259 أوزان أخرى؛ منها: "فعيل". 263 حكم تقدير معمولات اسم الفاعل وصيغ المبالغة. 264 إعمال اسم الفاعل وهو محذوف. ما الحكم إذا كانت صيغة اسم الفاعل دالة على الثبوت؟ معنى الربط السبي 266 تحويل اسم الفاعل من المتعدي إلى الصفة المشبهة ... 267 معنى الفعل اللازم هنا وما يشبه اللازم 269 صيغة: "فعال" للنسب. 271 المسألة 103: اسم المفعول –تعريفه- صوغه 273 فتح ما قبل الآخر تقديرا. زيادة تاء التأنيث في آخره. صيغ سماعية تؤدي معناه، وتنوب عنه. 274 صيغة: "مفعول" قد يراد بها المصدر. 275 إعماله: إضافته إلى مرفوعه، إضافته إلى مفعوله. 277 متى يصير صفة مشبهة؟ 280 طريقة إضافته لمرفوعه. 281 المسألة 104: الصفة المشبهة – تعريفها ودلالتها، 284 أنواعها، وطريقة صوغ كل نوع. 285 تفصيل الكلام على النوع الأول. 286 تشديد الياء وعدم تشديدها في مثل كلمة: "شجي ... " 289 الصيغ السماعية، وحكمها. 289 باب عقده ابن مالك بعنوان: أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين، والصفات المشبهة بها. 291 الرد على من يمنع قياس الصفة المشبهة. 292 قد تدل الصفة المشبهة نصا على الحدوث.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الصفحة 293 عودة إلى تحول اسم الفاعل الصفة المشبهة. 294 إعمالها. 295 الصور الصحيحة، والصور الممنوعة. 298 طريقة أخرى لبيان الصور بنوعيها 300 المسألة 105: أوجه التشابه والتخالف المتعدي لواحد. أ- أوجه المشابهة: "أي: الأحكام المشتركة بينهما". مطابقة الصفة المشبهة وعدم مطابقتها.. 306 ب- أوجه لمخالفة: "أي الأحكام الخاصة بالصفة المشبهة". 309 متى تجب السببية؟ 312 أمور وأحكام أخرى تنفرد بها الصفة المشبهة. المسألة 106: 318 اسم الزمان واسم المكان – الغرض منهما – صيغتهما.. 323 ألفاظ مسموعة يجوز فيها الأمران. 324 هل يجوز تطبيق القياس على اللفظ المسموع؟ 325 ألفاظ مسموعة مؤنثة، وغير مؤنثة، حكمها. 326 صوغ "مفعلة" من الثلاثي الجامد الحسي "أي: من أسماء الأعيان، الثلاثية" المراد من الكثرة الأغلبية. 329 مخالفة صيغة الزمان والمكان –أحيانا- لبعض ضوابط الإعلال والإبدال. 331 ملخص لبعض المشتقات السالفة. المسألة 107 333 اسم الآلة: تعريفه. صوغه. 334 حكمه 336 ألفاظ شادة –بعض مسائل أخرى تتعلق بصوغه وقياسيته. 339 المسألة 108: التعجب: معناه والغرض منه. أسلوبه: "نوعاه". 341 صيغتاه القياسيتان، وإعرابهما. من المحتم أن يكون أصل مفعوله فاعلا في المعنى. 342 معنى النكرة التامة وغير التامة. متى تدل الجملة التعجبية على زمن؟ 347 الكلام على همزة الصيغتين. الكلام على عينهما. معنى المتعجب منه صيغ أخرى للتعجب.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 349 شروط الفعل الذي يبنى منه الصيغتان. إشارة إلى دلالة الجملة التعجبية على زمن. 350 هل يبنيان من المبني للمجهول؟ هل هناك أفعال ملازمة للبناء للمجهول؟ المسألة 109: 353 كيفية التعجب مما لم يستوف الشروط. 357 الأحكام الخاصة بالتعجب. الفعل الجامد لا يتقدم عليه معموله – في الأغلب، "انظر ص400". 361 عودة الكلام على الزمن في الجملة التعجبية. زيادة: "كان" والغرض منها. 363 تعدية صيغة التعجب بحرف جر معين. 364 صيغة التعجب من المتعدي لواحد، أو لأكثر من واحد. 367 المسألة 110: 367 ألفاظ المدح والذم: "نعم وبئس ... " الصريح وغير الصريح من أساليب المدح والذم. 368 أحكام: "نعم وبئس" معنى المدح العام، والذم العام. جمودهما، تجردهما من الزمن. 369 نوع فاعلهما. 370 متى يحتاج فاعلهما إلى التمييز، وحكم هذا التمييز 372 "ما" التي هي معرفة تامة أو ناقصة، والنكرة النقصة. أنوع "من". 374 الكلام على "أل" وإعراب: "ما". 375 ما المراد مما فيه قولان أو أكثر؟ 377 المخصوص. 378 حذف المخصوص. إعراب المخصوص. 380 حبذا، ومخصوصها. 384 المسألة 111: الأفعال التي تجري مجرى: "نعم" و"بئس".. 385 شروط تحويل الفعل. أحكامه. 388 ما ينفرد به فاعل هذا الفعل. 394 المسألة 112: أفعل التفضيل. تعريفه، دلالته على الدوام. 395 طريقة صياغته: 396 استعمال كلمتي: "خير، وشر" في التفصيل. 397 بعض صيغ شاذة، صوغه من اسم العين. 398 سداد المذهب الكوفي في صياغة الألوان. 400 الجامد لا يتقدم عليه شيء من معمولاته. –في الأغلب- "انظر ص400"
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 401 أقسامه وأحكامها. القسم الأول: المجرد من أل والإضافة. 402 الأحكام الخاصة بمن ومجرورها "كحذفها، وتقديمهما، ووصلها ... ". 406 معنى المشاركة. 407 بعض أساليب شائعة يخفي فيها معنى التفصيل، تصحيح عين "أفعل". الكلام على: "أخر". 412 القسم الثاني: المقترن بأل. 413 السماع والقياس في "أفعل" التفضيل المقترن بأل. جمعه على: أفاعل. صوغ. مؤنث على: فعلى. 416 القسم الثالث: المضاف. 421 العطف على "أفعل التفضيل" المضاف النكرة. 425 ملخص الأقسام الثلاثة السالفة 427 المسألة 113: عمل أفعل التفضيل. تعاق شبه الجملة به. أولا: عمله الرفع. 432 ثانيا: عمله النصب. ثالثا: عمله الجر. تعدية أفضل التفضيل بحرف الجر. 434 المسألة 114 التوابع الأربعة الأصيلة - النعت. 435 كلمة عن التوابع، "بيان التابع والمتبوع من ناحيتهما اللفظية. بعض أحكام التوابع، الاتفاق في نوع الإعراب، صحة القطع.. الفصل بين التابع والمتبوع، وبعض أحكام أخرى جليلة؛ كترتيب التوابع واتصالها، ... و ... ". 437 التابع والمتبوع من ناحيتهما المعنوية. 437 تعريف النعت. 438 الغرض منه. 440 النعت قد يتمم الفائدة الأساسية في الجملة. 441 تقسيم النعت باعتبار معناه إلى: حقيقي وسببي. الحقيقي. علامته. 443 حكمه. 444 حكم خاص -لفظي ومعنوي- بالمنعوت المضاف، كالكنية. أنواع من المطابقة. 445 ما يستثنى من المطابقة الحتمية. 446 نعوت مسموعة وغير مسموعة لا مطابقة فيها ... 447 مسائل يشترك فيها الحال والخبر والنعت في عدم المطابقة. صحة نعت جمع المؤنث السالم العاقل بالمفردة. 450 عودة إلى الجر بالمجاورة والتوهم.. "د". 451 المثنى المفرق والجمع المفرق. 452 النعت السببي، وحكمه. 454 ملخص ما سبق. 456 تقسيم النعت باعتبار معناه إلى مؤسس، ومؤكد، وموطيء.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 458 تقسيم النعت باعتبار لفظه.. ا- النعت المفرد والأشياء التي تصلح له، وملحقاتها، النعت ببعض الألفاظ الجامدة، ومنها: "العدد" و ... 460 تفصيل الكلام على النعت بالمصدر. 464 أنواع أخرى من النعت المسموع. الأفضل في الاشتقاق، وفي عطف البيان والبدل الجمود. 465 ما يصلح نعتا ومنعوتا وما لا يصلح. نعت اسم الإشارة وشروطه. ما يصلح نعتا في بعض الأساليب ومنعوتا في أخرى. 466 ما يصلح أن يكون منعوتا لا نعتا. ما لا يصلح أن يكون نعتا ولا منعوتا. ألفاظ مضافة للدلالة على الغاية "منها: كل – جد – حق – أي –" 469 ما يصلح أن يكون العتالا منعوتا، والعكس. 469 الاتباع "بفتح الهمزة، أو ... ". 472 ب- النعت بالجملة وشروطها، وحكمها. متى يصح تسمية الجملة جملة؟ 476 شبه الجملة، وشروطه، وحكمه. 478 تفصيل الكلام على حذف الرابط. ما يغني عنه. 479 واو اللصوق. حكمها، 480 حكم الجملة نفسها من حيث التعريف والتنكير. "و". جزم المضارع في جواب النعت ... 481 المسألة 115: تعدد النعت وقطعه أ- تعدده والعامل واحد. 482 الأفضل في النعت أن يكون مشتقا وفي عطف البيان أن يكون جامدا "انظر ص465 ورقم1 من هامش ص483 و ... ". 486 ب- تعدد النعت والمنعوت، والعامل، وما يترتب على هذا من الإتباع والقطع. معنى الإتباع والقطع ... و ... طريقة الإعراب معهما 487 سبب القطع. حالات يجب فيها حذف عامل المقطوع. جواز القطع بين المعطوفات التي كانت في أصلها نعوتا. "انظر ص661". متى يذكر عامل المقطوع؟ نعت الإشارة لا يفصل منه. 488 أحكام خاصة بالقطع. شروطه. 491 متى يجب حذف عامل المقطوع ومتى يجوز؟ 492 حذف النعت، أو المنعوت، أو هما معا. أ- حذف النعت؛ 493 ب- حذف المنعوت 494 عودة إلى: "أي" التي تقع نعتا. معنى الصلاح لمباشرة العمل. 496 ج- حذف النعت والمنعوت معا.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 496 الترتيب بين النعوت المتعددة. 497 عطف النعوت المختلفة بعضها على بعض. 498 تقدم النعت على المنعوت. 500 متفرقات: وقوع: "لا النافية" أو: "إما" قبل النعت. نعت النعت – حكم النعت بعد المركب الإضافي. حكم الفصل بين التاريخ والمتبوع. 501 المسألة 116: التوكيد، نوعاه، تعريف المعنوي. بيان الغرض منه. 503 ألفاظه السبعة، وتقسيمها. 1 ما يزيل الشك عن الذات: "نفس، وعين". 506 لا يصح وجود عاطف قبل التوكيد المعنوي. 507 مما تنفرد به: "نفس وعين". جواز دخول باء الجر الزائدة. حكم المتبوع إذا كان كنية 508 2- ما يزيل الاحتمال عن التثنية؛ "كلا وكلتا". 509 3- ما يفيد التعميم: "كل – جميع – عامة..". 511 ألفاظ العدد التي تفيد العموم تأويلا. ألفاظ تعرب حالا، أو بدلا، ولا تعرب توكيدا 512 قد تعرب ألفاظ التوكيد المعنوي إعرابا آخر مع إفادتها التوكيد. ترتيب ألفاظ التوكيد. وقوعها نعتا وبدلا. ربما لا تفيد كلمة: "كل" الشمول. 513 مطابقة الضمير. وكذلك الخيبر.. و.. 515 ألفاظ الشمول ومتى تشمل كل فرد. أوجه إعرابية أخرى لكلا وكلتا. 516 في جميع أنواع التوكيد المعنوي لا يصح اتحاد توكيد المتعاطفين إلا بعد اتحاد العاملين. يجوز الفصل بين المؤكد والمؤكد. لا يجوز في التوكيد المعنوي القطع. 517 ألفاظ التوكيد الملحقة بالثلاثة. الكل المجموعي والكل الجميعي. 519 ملاحظات. 521 الكلام على نحو: جاء القوم بأجمعهم ملخص أحكام التوكيد المعنوي. 522 توكيد النكرة. حذف المؤكد "المتبوع" توكيدا معنويا 523 توكيد الضمير المرفوع –بنوعيه- توكيدا معنويا. 525 ب- التوكيد اللفظي. تعريفه، قد يخالف المؤكد أحيانا، وقد يفصل منه. 526 الغرض منه. 527 أحكامه: أ- عدم التأثر والتأثير.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعت: الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 528 ب- حكم المؤكد إذا كان اسما. 531 ج- حكم المؤكد إذا كان فعلا. فعل الأمر لا يؤكد وحده بغير فاعله حكم المؤكد إذا كان حرفا. إشارة إلى أحرف الجواب، ودلالتها. 536 هـ- المؤكد جملة اسمية أو فعلية. حرف العطف الصوري: "ثم – الفاء". 537 حذف المؤكد في التوكيد اللفظي. 538 المسألة 117: ج- العطف بنوعيه 1- عطف البيان 539 المشتق إذا صار علما دخل في عداد الجوامد. 541 تعريفه. 542 أوجه التشابه والتخالف بينه وبين التوابع الأخرى. 542 الغالب عليه أن يكون جامدا، وعلى النعت أن يكون مشتقا. 543 حكمه 544 الفرق بينه وبين النعت. "أي" التفسيرية ووقوع عطف البيان بعدها. 546 الارتباط بينه وبين بدل الكل. صور يتعين فيها عطف البيان، ولا تصلح بدلا. 547 حقيقة الرأي القائل: إن البدل على نية تكرار العامل. 548 قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. صورة أخرى ومناقشتها. 551 ضابط عام لمنع البدل في بعض المسائل. 555 المسألة 118: 2- عطف النسق: "الشركة" تعريفه. تعد المعطوفات، ومتى تكون على المعطوف عليه الأولى، ومتى تكون على غيره؟ عدم تعدد العاطف لمعطوف واحد. 556 بعض حروف العطف قد تكون للعطف الصوري "غير الحقيقي". عودة الكلام على: "أي" التفسيرية. 557 المراد في باب العطف من المفرد، والجملة، وشبهها.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 577 1- الواو؛ معناها ... 558 معنى الترتيب، المصاحبة، التعقيب. معنى المفرد وغيره هنا. أحكامها: مطابقة الضمير بعد الواو. 562 حذفها. ما تنفرد به الواو. 563 تكرار الظرف: "بين". المراد من المعاني النسبية. 567 حكم الضمير ونحوه بعد الواو. 568 معنى العقد والنيف. وحكمها. 570 هل تقع "الواو" بعد "بل"؟ "وانظر "جـ" ص607"؟. وقوع همزة الاستفهام قبل ثلاثة من حروف العطف. حكمها. 573 2- الفاء: معناها. المراد من الترتيب المعنوي، والذكرى، والإخباري، والتعقيب. 574 أحكام "الفاء" العاطفة، 576 فاء "الفصيحة". ومنها: أن تكون للعطف الصوري، ولا الحقيقي، 576 3- ثم، معنهاها؛ 577 أحكامها. اتصال تاء التأنيث بها. 579 قد تكون حرفا عاطفا صوريا، لا حقيقيا. قد تكون للاستئناف. 579 وقوعها بعد همزة الاستفهام مباشرة. 580 4- حتى: معناها. "حتى" حرف ابتداء. معنى الغاية هنا، والكل، والجزء، الجزء، والبعض. وشبهها ... 582 أحكامها. "حتى" العاطفة "كالواو" لمطلق الجمع. متى تتعين للعطف؟ 585 5- "أم" بنوعيها: أ- المتصلة: 1- المسبوقة بهمزة التسوية. معنى التسوية. سواء. 586 سبك المصدر المؤول بدون حرف سابك. انسلاخ "أم" على التسوية. الصلة بين "أو" و"أم". 587 رأي سيبويه. التعيين بالهمزة وأم 587 الاستعمال الصحيح فيما سبق. 590 وقوع "أم" بعد "هل" الاستفهامية. 591 وجوب تأخيرأحد الأمرين إذا كان منفيا. متى تتعين الإجابة بالحرف: "نعم" وأخواته؟. 592 صور من "أم" عند طلب التعيين.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 593 سبب التسمية بالمتصلة. 594 الفرق بين قسمي أم المتصلة. 596 الاستغناء عن الهمزة بنوعيها. حذف "أم". 597 ب- "أم" المنقطعة "المنفصلة" معناها، علامتها. معنى: "الإضراب" بنوعيه" نوع من الفرق بين: "أم" و"بل". صور أخرى من: "أم" المنقطعة. 600 إعراب المنقطعة. 601 صورة تصلح للاتصال والانقطاع – تجردها للإضراب. إفادتها الإضراب ومعه معنى آخر. 602 تجردها للاستفهام المحض. جواب "أم" المكررة. "أم" الزائدة. حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد: "أم". 603 6- "أو": "عملها، ومعناها". 605 الفرق بين الإبهام والشك، حكم الضمير – ونحوه- بعد "أو"، 606 معنى التقسيم، والتفصيل، والتفريق. إحلال "الواو" محل: "أو". 609 وقوع: أو بعد "هل" سماعا. الفرق بين "أو" التي للإباحة، وواو العطف التي للجمع. 611 صور تتعين فيها "أو" للشمول الكامل. حذف "أو". عطفها الشيء على مرادفه. 612 7- إما: معانيها، 613 العاطف لا يدخل على العاطف 614 تكرار "إما" حذفها. الفرق بينها وبين "إما" الشرطية المركبة ... ، إشارة إلى أنواع أخرى. حذف الواو قبلها- "أييما". 615 الفرق بين: "إما" و"أو". حكم الضمير بعدها ... 616 8- لكن: معنها شروط عملها. معنى: الاستدراك 618 9- لا: معناها، شروط عملها. 620 النفي التأسيسي، والتأكيدي. 622 وقوع "لا" بعد الدعاء والتحضيض، والاستفهام. حذف المعطوف عليه – تكرار "لا" 623 1-0 بل: معناه وحكمه. الاضراب الإبطالي والانتقالي. 627 حكم "بل" بعد الاستفهام ... – وقوع "لا" النافية قبل "بل" وقوع الواو بعد "بل". وقوع هذه الواو ... حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد "بل". 628 ملخص حروف العطف، وبيان ما يقتضي التشريك، وما لا يقتضيه. المراد من التشريك المعنوي
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 630 المسألة 119: الفصل بين المتعاطفين حالتان يكون فيهما الفصل واجبا. حالتا يستحسن فيهما. 633 إعراب الجار مع مجروره بعد العاطف. 635 المسألة 120: صورة من الحذف في أسلوب العطف. حذف العاطف والمعطوف معا. 636 معنى: "فاء الفصيحة". حذف المعطوف. 638 حذف المعطوف عليه. 640 حذف حرف العطف وحده. تقديم المعطوف على المعطوف عليه. 641 المسألة 121: عطف الفعل على الفعل، أو على ما يشبهه، والعكس. عطف الجملة على الجملة. أ- عطف الفعل وحده على الفعل كذلك. 642 فعل الأمر لا ينفصل عن فاعله. 643 أداة الشرط الجازمة تخلص فعلها وجوابها للمستقبل –كما سبق في ص93- 644 الفرق بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية. 645 ب- عطف الفعل وحده على ما يشبهه، والعكس. 652 ج- عطف الجملة على الجملة 655 المسألة 122: بعض أحكام –في العطف- عامة، متفرقة. 1- صلاحية المعطوف لمباشرة العامل. 656 2- لا يشترط صحة تقدير العامل ... 3- مطابقة الضمير العائد على المتعاطفين. 657 4- الفصل بين العاطف ومعطوفه. 5- تقدم المعطوف. 658 6- عطف الجملة على المفرد والعكس. عطف المفرد على شبه الجملة، والعكس. 659 7- العطف على التوهم. 8- المغايرة بين المتعاطفين
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل بالهامش" رقم الصفحة الموضوع 660 9- حكم المعطوف إذا كان المعطوف عليه كنية. 10- حكم القطع في المعطوف. 661 11- هل يجوز عطف الزمان على المكان، وعكسه؟ 663 المسألة 123: البدل تعريفه. الغالب في البدل أن يكون جامدا. 665 الغرض منه. المراد من أن المبدل منه في حكم المطروح. أقسامه: أولها: بدل كل من كل.. 666 "الإشارة إلى الارتباط بينه وبين عطف البيان" 667 ثانيها: بدل بعض من كل. 668 قد تنوب "أل" عن الرابط 668 ثالثها: بدل الاشتمال. 670 رابعها: البدل المباين. 670 أ- بدل الغلط. ب- بدل النسيان. ح- بدل الإضراب. 674 بدل الكل من البعض، وأحكام أخرى البدل من حيث المطابقة وعدمها ... ، 676 اتحاد البدل والمبدل منه في اللفظ، وارتباط ما بعده ... حذف المبدل منه. الإتباع والقطع في البدل. 677 يشترط في بدل البعض وبدل الاشتمال صحة الاستغناء عن المبدل منه. 678 البدل على نية تكرار العامل – في الأغلب- 681 المسألة 124: إبدال الظاهر من الظاهر ومن الضمير، والعكس في كل حالة. 683 المسألة 125: البدل من المضمن الاستفهام أو الشرط بدل التفصيل. 684 "إن" الشرطية التي لمجرد التفصيل. 685 المسألة 126: بدل الفعل من الفعل والجملة من الجملة. أ- بدل الفعل من الفعل. 686 بدل الجملة 687 إبدال الجملة من المفرد، والعكس. 688 إبدال الفعل من اسم يشبهه، والعكس. الفصل بين التوابع ومتبوعاتها. "ومنها البدل والمبد منه".
المجلد الرابع
المجلد الرابع المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه مدخل ... المسألة 127: النداء 1 وكل ما يتصل بأحكامه هو: توجيه الدعوة إلى المخاطب، وتنبيه للإصغاء، وسماع ما يريده المتكلم2. وأشهر حروفه ثمانية: الهمزة المفتوحة، مقصورة أو ممدودة - يا - أيا - هيا - أي، مفتوحة الهمزة المقصورة أو الممدودة، مع سكون الياء في الحالتين - وا - ... 3. ولكل حرف منها موضع يستعمل فيها: أ- فالهمزة المفتوحة المقصورة لاستدعاء المخاطب القريب4 في المكان الحسي أو المعنوي؛ كالتي في قول الشاعر ينصح ابنه أسيدا: أأسيد إنْ مالا ملكـ ... ـت فسر به سيرا جميلا وكالتي في قول الآخر: أرب الكون: ما أعظم قدرتك، وأجل شأنك. ب- ستة أخرى؛ "هي: آ - يا4 - أيا - هيا - أي، بسكون الياء مع
فتح الهمزة مقصورة وممدودة" لاستدعاء المخاطب البعيد1 حسا أو معنى، والذي في حكم البعيد؛ كالنائم، والغافل. فمثال "يا"1 قول الشاعر في مدح الرسول: كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء ومثال "أيا" قول بعضهم: "أيا متوانيا وأنت سليل العرب الأبطال، لا تنس مجدهم على الأيام". ومن الممكن وضع حرف آخر من الأحرف الباقية موضع "أيا" في هذا المثال. أما تحديد القرب والبعد فمتروك للعرف الشائع: سواء أكانا حسيين أو معنويين. ج- "وا" ويستعمل لنداء المندوب2؛ كقول الشاعر في الرثاء: وامحسنا ملك النفوس ببره ... وجرى إلى الخيرات سباق الخطا وقول الآخر: واحر قلباه ممن قلبه شبم3 د- وقد تسعمل: "يا" للندبة4 بشرط وضوح هذا المعنى في السياق. وعدم وقوع لبس فيه؛ كالآية الكريمة التي تحكي قول العاصي يوم القيامة: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} . وقول الشاعر في رثاء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز: حملت أمرا عظيما، فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا فإنشاء الشعر بعد موت "عمر" العادل دليل على أن "يا" للندبة. فإن التبس الأمر بين أن تكون "يا" للندبة أو لا تكون، وجب ترك "يا"، والاقتصار على: "وا"؛ كأن تقول: في ندبة "عمر": وا عمر، ولا يصح مجيء "يا" إذا كان أحد الحاضرين يسمى: عمر5.
حذف حرف النداء: أ- يصح حذف حرف النداء "يا" -دون غيره- حذفا لفظيا فقط، مع ملاحظة تقديره. كقول الشاعر في رثاء زعيم وطني شاب1: زين الشباب وزين طلاب العلا ... هل أنت بالمهج الحزينة داري؟ وقول الآخر: إنما الأرض والسماء كتاب ... فاقرءوه معاشر الأذكياء التقدير: يا زين الشباب -يا معاشر الأذكياء. ب- وهناك مواضع لا يصح فيها حذف الحرف "يا"، أشهرها: 1- المنادي المندوب2؛ كالأمثلة السالفة. 2- نداء لفظ الجلالة غير المختوم بالميم المشددة، نحو: يا الله. 3- المنادى البعيد؛ كقول الشاعر: يا صادحا يشدو على فنن ... رحماك قد هيجت لي شجني 4- المنادى النكرة غير المقصودة3. نحو: يا محسنا لا تكدر إحسانك بالمن. 5- المنادي المستغاث4. كقول الشاعر: يا لقومي لعزة وفخاء ... وسباق إلى المعاني وسبق 6- المنادى المتعجب منه؛ نحو: يا لفضل الوالدين؛ للتعجب من كثرة فضلها.
7- المنادى ضمير المخاطب، عند من يجيز نداءه؛ كقول الشاعر: يا أنت يا خير الدعاة للهدى ... لبيك داعيا لنا وهاديا أما ضمير غير المخاطب فلا ينادي مطلقا1. ج- ويقل الحذف -مع جوازه- إن كان المنادى اسم إشارة غير متصل بكاف الخطاب2، أو كان اسم جنس لمعين3، فمثال الأول قول أعرابي لابنه: "هذا، استمع لقول الناصح ولو أغضبك قوله؛ فمن أحبك نهاك؛ ومن أبغضك أغواك". وقول آخر لأولاده: "هؤلاء، اعلموا أن أقوى الناس من قاوم هواه، وأشجعهم من حارب الباطل ... " أي: يا هذا - يا هؤلاء. . . ومثال الثاني قول بعض الأدباء وقد برح به السهر: "ليل، أمالك آخر يدنو؟ وهل للحزن آخر؟ صبح، أما لك مقدم يرجى؟ وهل في الفجر مطمع؟ " يا ليل، يا صبح، لليل وصبح معينين. ومن هذا قول العرب: أطرق كرا4؛ إن النعام في القرى. أي: يا كروان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يمتاز الحرف: "يا" بأنه أكثر أحرف النداء استعمالا: وأعمها؛ لدخوله على أقسام المنادى الخمسة1؛ وهذا يتعين تقديره -دون غيره- عند الحرف كما يتعين في نداء لفظ الجلالة "الله"2 وفي المستغاث، وفي نداء "أيها، وأيتها": إذ لم يشتهر عن العرب أنهم استعملوا في نداء هذه الأشياء حرفا آخر. ب- يجوز مناداة القريب بما للبعيد، والعكس، وذلك لعلة بلاغية، كتنزيل أحدهما منزلة الآخر، وكالتأكيد3. . . ج- الأصل في النداء أن يكون حقيقيا، أي: يكون فيه المنادى اسمها لعاقل؛ كي يكون في استدعائه وإسماعه فائدة. وقد ينادى اسم غير عاقل، لداع بلاغي؛ فيكون النداء مجازيا؛ كقوله تعالى4: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الشاعر: يا ليل طل يا نوم زل ... يا صبح قف لا تطلع وقد يقتضي السبب البلاغي حرف النداء على غير الاسم، كأن يدخل على حرف. أو جملة فعلية، أو اسمية. فمثال دخوله على الحرف قوله تعالى: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} . وقول الشاعر: فيا ربما1 بات الفتى وهو آمن ... وأصبح قعد سدت عليه المطالع ومثال دخوله على الجملة الفعلية: قل لمن حصل مالا واقتنى ... أقرض الله. فيا نعم المدين وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمر ... وحبذا المساء فيه والسحر وقول الآخر يخاطب ليلى: فيا حبذا2 الأحياء ما دمت حية ... ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر ومثال دخوله على الجملة الاسمية قول شاعرهم3: يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار وفي هذه الحالات يكون حرف النداء إما داخلا على منادى محذوف. مناسب للمعنى؛ فيقال في الآية: يا رب. أو يا أصحاب. . . أو نحوهما. وهذا عند من يجيز حذف المنادي، وإما اعتباره حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادي. والرأيان مقبولان؛ ولكن الثاني أولى؛ لصلاحه لكل الحالات. ولو لم تستوف الشرط الآتي الذي يتمسك به كثير من النحاة، وهو: عدم حذف المنادى قبل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل الذي دخل عليه حرف النداء إلا إذا كان الفعل للأمر، أو للدعاء، أو صيغة "حبذا". فمثاله قبل الأمر قراءة من قرأ قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وقبل الدعاء قول الشاعر1: ألا يا. . . اسلمي يا هند، هند بني بدحر ... إذا كان حي قاعدا آخر الدهر فإن لم يتحقق الشرط عند المتمسكين به فلا منادى محذوف، ولا نداء، ويكون الحرف المذكور هو للتنبيه. د- يعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب؛ برغم أنها قبل النداء خبرية، فهي تتحول معه إلى إنشاء طلبي جملته فعلية. فالأصل في مثل: يا صالح، هو: أنادي أو أدعو صالحا. . . حذف الفعل مع فاعله الضمير المستتر، وناب عنهما حرف النداء2، وبقي المفعول به، وصار منادى واجب الذكر -غالبا- وقيل: إن المحذوف هو الفعل وحده، وناب عنه حرف النداء، واستتر الفاعل في حرف النداء. وقيل غير هذا. . . ولا قيمة للخلاف في أصل الجملة الندائية؛ فالذي يعنينا هو أنها صارت فعلية تفيد الإنشاء الطلبي، وأنها تركت حالتها الأولى الخبرية3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هـ- ولما كان حرف النداء نائبا عن الأصلي المحذوف صح أن يكون لهذا الحرف بعض المعمولات الخاصة التي يؤثر فيها؛ نيابة عن ذلك العامل المحذوف. وأشهرها شبه الجملة1، كقول الشاعر: يا دار بين النقا والحزن، ما صنعت ... يد النوى بالألى كانوا أهاليك؟ وقول الآخر: يا للرجال لقوم عز جانبهم ... واستلهموا المجلد من أصل وأعراق فليس في المثالين -وأشباههما- ما يصلح لتعلق شبه الجملة إلا: "يا" وجعلوا من المعمولات المصدر2 في مثل قول القائل: "يا هند. دعوة صب دائم دنف"3 فالمصدر "دعوة" متعلق بالحرف: "يا"، النائب: عن "أدعو"، والتقدير: أدعو هندا دعوة صب.
المسألة 128: أقسام المنادي الخمسة وحكم كل
المسألة 128: أقسام المنادى الخمسة 1 وحكم كل القسم الأول: المفرد العلم، ويراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا، ولا شبيها، بالمضاف؛ فيشمل المفرد الحقيقي2؛ بنوعيه المذكر والمؤنث، ويشمل مثناة، وجمعه، "نحو: فضل، علم رجل - الفضلان - الفضلون - الفضول - عائدة، علم امرأة - العائدتان - العائدات - العوائد. . ."، ويشمل كذلك الأعلام المركبة قبل النداء؛ سواء أكان تركيبها مزجيا؛ كسيبويه "علم إمام النحاة المشهور" - أم إسناديا، كنصر الله، أو: شاء الله. علمين، أم عدديا كخمسة عشر3. . . فكل هذه الأعلام -وأشباهها- تسمى مفردة في هذا الباب، وتعريفها بالعلمية قبل النداء يلازمها بعده -على الأصح- فلا يزيله النداء ليفيدها تعريفا جديدا أو تعيينا. وإنما يقوي التعريف السابق، ويزيد العلمية وضوحا وبيانا. ويلاحظ حذف "أل" وجوبا من صدر المنادى؛ -علما وغيره- إن لم يكن المنادى من المواضع المستثناة التي يصح تصديرها "بأل"4. حكمه: أ- الأكثر بناؤه على الضمة -بغير تنوين- أو على ما ينوب عنها. ويكون في محل نصب دائما؛ لأن المنادى في أصله مفعول به5؛ نحو: يا فضل، كل شيء
يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجربة - يا فضلان1. . . يا فضلان. . .1 يا فضول - يا أفاضل2. . . - يا عائدة. . . - يا عائدتان. . . - يا عائدات. . . - يا عوائذ. . . فالمفراد العلم في هذه الأمثلة -وما شابهها- مبني على الضمة في المفرد الحقيقي، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، ومبني على الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم. وهو في أكثر أحواله مبني3 لفظا على الضمة وفروعها، منصوب محلا4. ولا فرق بين أن تكون الضمة ظاهرة؛ كالتي في بعض الأعلام السالفة، أو مقدرة كالتي في آخر الأعلام المختومة بحرف علة؛ كموسى في وقوله تعالى: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} . . . وكالتي في آخر الأعلام المركبة التي ذكرناها، ومنها: سيبويه. . .، منذ5 -كيف- قطام. . . وغيرها من كل لفظ سمي به، وصار علما، وكان مبنيا أصالة قبل أن يصير علما منادى فتبقى علامة البناء الأصلي السابق على حالها، وتقدر على الآخر علامة البناء الجديدة التي جلبها النداء، ويكون المنادى في كل ذلك، في محل نصب5. . . ويلحق بالمفرد العلم المبني أصالة قبل النداء في حكم البناء على الضمة المقدرة، كل ما ينادى من المعارف الأخرى المبنية أصالة قبل النداء؛ وليست
أعلاما؛ كأسماء الإشارة "نحو: هذا - هؤلاء. . ." وأسماء الموصولات غير المبدوءة بأل1 "نحو: من - ما. . ." وضمير المخاطب "نحو: أنت - إياك. . ." أما غير المخاطب فلا ينادى، كما عرفنا2.
ملاحظة: ما تقدم من حكم الضمة المقدرة في آخر الأعلام المبنية أصالة قبل النداء، وفي آخر ما ألحق بها ... هو الرأي الشائع عند أكثر النحاة -كما أشرنا-1 وفيه مع صحته وشيوعه نوع من التضييق والتعقيد؛ لأن بعض المحققين يتوسع فيقول: "إذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ، فالواجب الإعراب"2. يريد: فالواجب اعتبارها معربة بعد النقل، وقبل مناداتها، وتناسى البناء السابق، ويراعى عند ندائها هذا الاعتبار الجديد، الذي يجعلها في حكم الأسماء المعربة، الأصلية الأعراب مجيء النداء. وبناء على هذا الرأي الشامل للضمير والإشارة، وغيرهما صرح بعض النحاة بأنك "تقول في: كيف، وهؤلاء، وكم، ومنذ ... أعلاما" - "يا كيف يا هؤلاء - يا كم- يا منذ ... بضمة ظاهرة؛ فهي متجددة للنداء. ا. هـ".
وفي هذا الرأي توسعة، وتيسير محمودان؛ لأنه يجعل حكم المنادى1 المفرد العلم مطردا؛ يعم ويشمل صورا كثيرة بغير تفرقة ولا تشتيت. ومن ثم كان الأخذ به أفضل من الأخذ بالرأي الأول. وإنما يبنى المفرد العلم -وملحقاته- إذا لم يكن معربا مجرورا باللام في "الاستغاثة والتعجب" مع ذكر "يا" فيهما؛ كما في نحو: "يا لعلي للضعيف"؛ للاستغاثة بعلي في نصر الضعيف. و: "يا لعلي المحسن"؛ للتعجب من كثرة إحسانه. فالمنادى فيهما. معرف وجوبا، كما كان قبل النداء، مجرور باللام في محل نصب. لأنه خرج بسبب الجار من قسم "المفرد العلم" ودخل في قسم المضاف2 تأويلا. وكذلك يجب إعرابه "ولا يصح بناؤه" إذا كان هذا العلم المفرد منقولا من أحد الأعداء المتعاطفة، بالتفصيل الموضح في مكانه3. وهناك صورة يجوز فيها الإعراب والبناء، وستجيء4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- ما كيفية بناء المفرد العلم الذي كان في أصله اسما منقوصا، منونا، ثم نقل إلى العلمية؛ مثل: هاد، راض، مرتض، مستكف، وغيرها؟ ... الأصل في المنقوص أن يكون مختوما بالياء1 الظاهرة إلا في بضع حالات قليلة؛ أهمها: أن يكون منونا مرفوعا أو مجرورا؛ فيجب حذفها نطفا وكتابة؛ لأن الضمة والكسرة ثقيلتان على الياء، فتحذفان؛ طلبا للخفة. فإذا حذفتا تلاقت الياء ساكنة مع التنوين فيجب حذفها؛ تخلصا من التقاء الساكنين؛ فتصير الكلمة إلى الصور السالفة. "فأصل: "هاد" -مثلا- في: "أنت هاد للخير" هو: هادين: بكتابة التنوين نونا ساكنة تبعا لأصله2. ثم حذفت الضمة؛ منعا للثقل؛ فصارت الكلمة: "هادين" بياء ونون ساكنتين. ثم حذفت الياء2؛ للتخلص من الساكنين؛ فصارت الكلمة: "هادن"؛ بإثبات التنوين على شكله الأول نونا ساكنة. ثم جرى الاصطلاح على كتابة التنوين كسرة مكررة لكسرة الحرف الأخير الذي قبل الياء المحذوفة، فصار للحرف الأخير كسرتان؛ إحداهما حركة أصلية هجائية، والأخرى بدل التنوين. وانتهت الكلمة إلى صورتها الأخيرة: "هاد" ومثلها استمعت لهاد. وأصلها: هاديين حذفت كسرة الياء، وجرى ما سبق ... ". فإذا نوديت وجب حذف التنوين؛ لأن المنادى هنا علم مفرد؛ فيجب بناءه على الضم بغير تنوين. وهذا الضم مقدر على الياء. لكن أتبقى الياء محذوفة كما كانت، والضم مقدر عليها، برغم حذفها -لأنها ملحوظة كالمذكورة- أم تعود بعد النداء إلى مكانها؛ فتظهر نطقا وكتابة. ويكون الضم مقدرا عليها كذلك؟ رأيان؛ أحدهما: يوجب حذف التنوين واستمرار حذف الياء؛ لأن الكلمة المناداة كانت منونة ومحذوفة الياء قبل المناداة، فوجب حذف التنوين؛ لأنه معارض لبناء المنادى، كما يوجب ألا ترجع الياء؛ لعدم وجود ما يقتضي إثباتها وإرجاعها؛ فقد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طرأ عليها النداء وهي محذوفة، فتبقى على حالها من الحذف. والآخر: يوجب حذف التنوين للسبب السالف، ويوجب إرجاع الياء وإثباتها لأن سبب حذفها -وهو تلاقيها ساكنة مع التنوين- قد زال بزوال التنوين. وإذا زال السبب لا تبقى بعده آثاره التي توجد بوجوده. فالرأيان متفقان على حذف التنوين وسببه، مختلفان في إرجاع الياء وإثباتها، أو عدم إرجاعها. ويتفقان على إرجاعها إذا لم يكن في العلم المنقوص إلا حرف أصلي واحد، مثل "مر". اسم فاعل من "أرى"، فتقول في نداء المسمى به: يا مري. والحق أن هذه الأدلة جدلية محضة ليس فيها مقنع. والفيصل إنما هو السماع الوارد عن العرب، ولم ينقل إلينا منه ما يكفي للترجيح؛ فالرأيان متكافئان. وقد يكون الأنسب هو الرأي الداعي إلى إثبات الياء؛ لأنه أقرب إلى الوضوح، وأبعد من اللبس والاختلاط. وكل ما قيل في كلمة: "هاد" -مما أسلفناه- يقال في سائر الأعلام المنقوصة المنونة عند ندائها ... -كما سيجيء البيان1. 2- إذا كان المفرد العلم في أصله منقولا من اسم مقصور منون. "نحن: مرتضى - مصطفى- رضا ... وأشباهها" وجب عند ندائه حذف تنوينه؛ لأنه مبني على الضم. وهذا البناء يقتضي حذف التنوين حتما. لكن أتعود بعد ذلك ألف المقصور التي حذفت من آخره نطقا؛ بسبب تلاقيها ساكنة مع التنوين الساكن. أم لا تعود؟. "ذلك أن الأصل في كلمة مثل: مرتضى؛ هو مرتضى؛ أي: مرتضين رفعا -والنون الساكنة هي التنوين- تحركت الياء، وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا، وصارت الكلمة: مرتضان، تلاقى ساكنان: الألف وهذه النون، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وصارت الكلمة: مرتضن، لكنها تكتب "مرتضى" طبقا لقواعد رسم الحروف؛ وهي تقضي بأن يوضع على الحرف الذي قبل النون حركة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانية مماثلة لحركته الهجائية، تغني عن النون بعد حذفها، وتكون هذه الحركة الهجائية الثانية هي الرمز الدال على التنوين، بدلا من التنوين". ويجيب النحاة: أن الظاهر في هذه المسألة هو تطبيق حكم المسألة السابقة فيجرى على ألف المقصور ما جرى على ياء المنقوص من وجود رأيين متفقين على حذف التنوين، مختلفين في رجوع الألف نطقا أو عدم روجعها، بالحجة التي تساق لكل. وقد يكون الأنسب إرجاع الألف ... 3- في باب المثنى1 أن العلم المفرد إذا ثني أو جمع، زالت علميته، وصار نكرة ولا يحكم له بالتعريف إلا بوسائل جديدة تزاد؛ منها: إدخال "أل" المعرفة عليه، أو نداؤه ... أو ... فإذا نودي العلم بعد تثنية وجمعه حكم له بالتعريف الناشئ من النداء، لا من العلمية؛ لأن النداء هنا دخل على منادى خال من العلمية، فقد أزالها ما طرأ من التثنية أو الجمع، مثل: يا محمدان - يا محمدون ... وأشباههما؛ فيصير بعد ندائه في حكم النكرة المقصودة -عند كثير من النحاة- تجري عليه أحكامها التي منها: صحة نعتها -أحيانا- بالنكرة أو بالمعرفة؛ فيراعى إما أصله الأول الذي زالت علميته قبل النداء، وإما حالة تعريفه الطارئة بعد النداء2 ... بخلاف العلم الذي ليس مثنى، ولا جمعا، فإن علميته تبقى بعد النداء ويتعرف بها، أو لا تبقى؛ فيتعرف بالنداء الطارئ لا بتلك العلمية السابقة، على حسب الخلاف الذي سبق3. 4- إذا نودي: "اثنا عشر" و"اثنتا عشرة" علمين، جاز أن يقال: يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة، فاثنا واثنتا مبنيان على الألف؛ لأن المثنى وملحقاته في هذا الباب في حكم المفرد؛ فيبنى على ما يرفع به. وكلمة: "عشر وعشرة" بعدهما مبنية على الفتح، لا أهمية لها؛ لأنها بمنزلة نون المثنى. وهمزتهما للقطع4 ما داما علمين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يقال: يا اثني عشرة، ويا اثنتي عشرة ... بالنصب بالياء على اعتبار المثنى مع كلمة: "عشر" أو "عشرة" بمنزلة المضاف مع المضاف إليه في الصورة، والمنادى المضاف واجب النصب1.
ب- من المفرد العلم صورة يجوز فيها أمران1: البناء على الضم في محل نصب، أو البناء على الفتح في محل نصب. وهذه الصورة الجائزة بحكميها لا بد أن يكون فيها المنادى علما مفردا "أي: غير مثنى، ولا مجموع"، وأن يكون آخره مما يقبل الحركة "فلا يكون معتل الآخر: كعيسى، ولا مبنيا على السكون لزوما، مثل: "من" إذا صارت علم شخص ... " وأن يوصف مباشرة -أي: بغير فاصل- بكلمة: "ابن" أو: "ابنة"2، دون "بنت"، وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر، مفرد أو غير مفرد3 ... مثل: يا حسن بن علي، من أثنى عليك بما فعلت فقد كافأك. ويا فاطمة بنة محمد، أنت فخر النساء، ببناء كلمتي:
"حسن"، و"فاطمة"، على الضم أو على الفتح، في محل نصب في الحالتين. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. فإذا فقد شرط وجب الاقتصار على البناء على الضم، كأن يكون المنادى غير علم، مثل: يا غلام ابن سعيد، أو يكون علما مفصولا1 من المنادى، مثل: يا سليمان النبي ابن داود، أو تكون كلمة: "ابن" و"ابنة" ليست نعتا وإنما هي بدل، أو مفعول، أو خبر: أو منادى جديد، أو غير ذلك مما ليس نعتا2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أولا: إذا اجتمعت الشروط السابقة جاز الوجهان المذكوران، ووجه ثالث، هو أن يكون المنعوت معربا منصوبا، بغير تنوين. وللنجاة في تعليل الأوجه الثلاثة آراء قائمة على التكلف، والتأويل، والحذف أو الزيادة، بغير حاجة ماسة إلا رغبتهم في إلحاق كل وجه بحالة إعرابية ثابتة. وإدخاله تحت قاعدة أخرى مطردة، ولا يعرف العرب شيئا من هذه التعليلات. ولا شأن لهم بها، ولن يتأثر الأسلوب أو ضبط مفرداته بإغفالها، وإهمال الوجه الثالث القائم على الإعراب مع النصب المباشر بغير تنوين. وفيما يلي بعض تلك الآراء بإيجاز يحتاج إليه الخاصة: 1- في مثل: يا حسن بن علي -بضم المنادى- يكون بناؤه على الضم في محل نصب؛ مراعاة للقاعدة العامة؛ لأنه مفرد علم. وتعرب كلمة: "ابن" صفة، منصوبة، تبعا لمحل الموصوف. لا لفظه المبني1. وهذا إعراب حسن لا مأخذ عليه. 2- وفي مثل: يا حسن بن علي ... 2 -بفتح المنادى- يكون مبنيا على الفتح في محل نصب؛ "فهو مبني لفظا. منصوب محلا". ويقولون: إن حقه البناء على الضم؛ لأنه مفرد علم، ولكن آخره تحرك بحركة تماثل الحركة التي على آخر الصفة، على توهم وتخيل أن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة؛ إذ الفاصل بين آخر المنادى، وآخر صفته حرف واحد ساكن، فالفصل به كلا فصل؛ لأنه جاجز غير حصين -كما يقولون. وفي هذه الحالة يذكرون في إعراب المنادى: أنه مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره فتحة الاتباع3، في محل نصب، وكلمة: "ابن" صفة له، منصوبة باعتبار محله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها فارتضوا أن تكون الصفة "ابن" في حكم الزائدة التي لا وجود لها، وأن المنادى مضاف، وأن المضاف إليه هو الكلمة التي بعد كلمة "ابن" وبذا يكون المنادى في تقديرهم داخلا في قسم المضاف الذي يجب إعرابه ونصبه!! ويترتب على هذا أن تكون كلمة: "ابن" مقحمة بين المضاف والمضاف إليه. وأنها لا توصف بإعراب ولا بناء، وإنما هي موقوفة -كما يقولون- ولا محل لها من الإعراب فليست صفة، ولا غيرها. فما هذا؟ وما الدافع له؟ الخير في إهماله، وإنما ذكرناه لتعرض شيئا يستحق الإعراض عنه. ثم نواجه الواقع بحكم أصيل يناسبه، لا إقحام فيه، ولا وقف، ولا بناء، فتعتبر المنادى معربا بغير تنوين، وكلمة: "ابن" صفة له. منصوبة. "ملاحظة": كل ما تقدم خاصا بكلمة: "ابن" يسري على كلمة: "ابنة" الواقعة مثلها صفة لمنادى مؤنث. مستوف للشروط. ولا يسري على غيرهما، فإذا وصف المفرد العلم بغيرهما بقي مفردا علما1، له ولتوابعه أحكامهما الخاصة، ولا ينتقل بسبب الوصف إلى قسم الشبيه بالمضاف؛ إذ لو انتقل إليه لوجب نصبه في جميع الأحوال، كالشبيه بالمضاف، ويصير هذا النصب العام مخالفا للحكم الصحيح. ثانيا2: المنادى النكرة المقصودة الموصوف بكلمة: "ابن"، أو "ابنة" أو غيرهما، له حكم خاص يختلف عن الحكم السابق، فيتوقف على حال هذه النكرة، أكانت موصوفة قبل النداء بإحدى الكلمتين السالفتين، أو بغيرهما، أم جاء الوصف بعد النداء، وطرأ بعد تحققه؟ وسيجيء الحكم مفصلا عند الكلام على النكرة المقصودة3.
ح- وإذا كان المفرد العلم مبنيا قبل النداء بقي على بنائه القديم في اللفظ، ولكن يطرأ عليه بناء جديد، مقدر يجلبه النداء معه -طبقا للرأي الشائع من رأيين كما أسلفنا-1 فكلمة مثل: "سييويه" -وهي علم على إمام النحاة المشهور- مبنية قبل النداء على الكسر لزوما. فإذا نودي، وقيل: يا سيبويه، أحسن الله جزاءك..، كانت كلمة "سيبويه" منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره البناء الأصلي على الكسر، في محل نصب1.... ولهذا البناء الجديد المقدر أثره في التوابع، كالنعت وغيره -وستجيء الأحكام المفصلة الخاصة بتوابع المنادى-2 فإذا جاء للمنادى تابع صح في هذا التابع أن يكون في مظهره الشكلي مرفوعا3؛ مراعاة صورية -غير حقيقية- للضم المقدر في المنادى، وجاز أن يكون منصوبا؛ مراعاة لمحل هذا المنادى؛ لأنه مبني في محل نصب -كما عرفنا- ولا يجوز مراعاة علامة البناء الأصلي التي ليست طارئة مع النداء. تقول يا سيبويه النحويُّ، ببناء كلمة "النحوي" على الضم -رفعا صوريا غير3 حقيقي- أو بنصبها مباشرة: باعتبارها معربة. ومثل هذا يقال في كل علم مفرد لازم البناء في أصله في مناداته؛ سواء أكان بناؤه الأصلي اللازم على الكسر "ومنه: حَذَامِ، رَقَاشِ ... علمين على امرأتين عند من يبنيهما" أم على غير كسر؛ "مثل حيثُ - كيفَ - أربعةَ عشرَ، وأخواتها من الأعداد المركبة المبنية على فتح الجزأين، - نَعَمْ ... أعلام أشخاص" فيقال في كل علم من هذه الأعلام: إنه مبني على الضم المقدر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي "على الكسر، أو على الضم، أو على الفتح، أو على فتح الجزأين، أو على السكون" في محل نصب في كل ذلك. ومثل هذا يقال في العلم المعرب المنقول من جملة محكية، مثل: "صنعت خيرا" علم على شخص. فيقال: يا صنعت خيرا الشجاع فالمنادى -وهو:
"صنعت خيرا" مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب. ويجوز في النعت: "الشجاع" الرفع الصوري1 تبعا للفظ المنادى والنصب تبعا لمحله. د- المنادى المفرد العلم مبني -في الأكثر كما عرفنا- فلا ينون إلا في الضرورة الشعرية، فيباح تنوينه مع رفعه2، أو نصبه3، فمثال الأول قوله الشاعر يهدد خصمه حميدا: لا تهجني -يا حميدٌ- إن لي ... فتكة الليث، إذا الليث غضب ومثال الثاني قول المادح: حسبنا منك -يا عليًّا4- أياد ... يتغنى بها الزمان نشيدا وإذا كان المنادى المفرد العلم مبنيا على الضم، لكنه منون للضرورة لزم التصريح بهذا عند إعرابه2، وجاز في تابعه الرفع مراعاة للفظه -إن لم يوجد مانع آخر- والنصب مراعاة لمحله. أما إذا كان منصوبا منونا فيقال في إعرابه إنه منصوب منون للضرورة، ولا يجوز في تابعه إلا النصب؛ لأن النصب هو الأصل المحلي في المبني، وقد ظهر النصب في اللفظ، فلا داعي لإهماله، ومراعاة غيره ...
القسم الثاني: النكرة 1 المقصودة: ويراد بها: "النكرة التي يزول إيهامها وشيوعها بسبب ندائها، مع قصد فرد من أفرادها، والاتجاه إليه وحده بالخطاب"؛ فتصير معرفة دالة على واحد معين2 بعد أن كانت تدل على واحد غير معين، ولولا هذا النداء لبقيت على حالتها الأولى من غير تعريف. فكلمة مثل: "رجل" هي نكرة، مبهمة، لا تدل على فرد واحد بذاته، وإنما تصدق على محمود، وحامد، وصالح، و ... ، وكل رجل آخر. فإذا قلنا: يا رجل سأساعدك على احتمال المشقة، تغير شأنها، ودلت على فرد معروف الذات والصفات -دون غيره- هو الذي اتجه إليه النداء، وخصه المتكلم بالاستدعاء، وطلب الاستماع؛ فصارت معرفة معينة بسبب الخطاب، لا شيوع فيها ولا إبهام. والنكرة المقصودة هي -في الرأي الأنسب- القسم الوحيد الذي يستفيد التعريف من النداء، دون بقية أقسام المنادى. حكمها: الأكثر البناء3 على الضمة، أو ما ينوب عنها في محل نصب، فهي شبيهة بالمفرد العلم في هذا. ومن أمثلتها قول شوقي يخاطب بلبله الحبيس: يا طير -والأمثال تضـ ... ـرب للبيب الأمثال دنياك من عاداتها ... ألا تكون لأعزل
ولا يصح تنوينها إلا في الضرورة الشعرية، فتنون مرفوعة أو منصوبة، كقول الشاعر وهو ينظر للقمر: يا قمرًا لا تفش أسرار الورى ... وارحم فؤاد الساهر الولهان ويصح: يا قمرٌ. وفي الحالتين يكون إعرابها كالمفرد1 العلم المنون فيهما. هذا حكم النكرة بشرط أن تكون مقصودة، ومفردة "أي: غير مضافة، ولا شبيهة بالمضاف" فإن كانت غير مقصودة فهي من القسم الثالث الآتي، وإن كانت غير مفردة فهي من أحد القسمين التاليين: الرابع، والخامس. وإنما تبنى النكرة المقصودة المفردة على الوجه السالف بشرط ألا تكون موصوفة، وألا تكون من الأعداد المتعاطفة2، ولا معربة مجرورة باللام في حالة الاستغاثة أو التعجب؛ مع وجود حرف النداء: "يا"3؛ لأن للأولين حكما سيجيء2، وأن الجار يجعلها من قسم المنادى المضاف -تأويلا، دون غيره، وهو معرب واجب النصب؛ نحو: يا لقوي لضعيف يستنصره، ويا للمطر الهتون!! في نداء منكرين معينين. فالمنادى مجرور باللام في محل نصب. وقد بقي معربا كشأنه السابق على النداء، وسيجيء البيان في باب الاستغاثة4..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- تبنى النكرة المقصودة على الضم وجوبا إذا كانت غير موصوفة مطلقا1 "أي: لا قبل النداء، ولا بعده". فإن دلت قرينة واضحة -أي قرينة؛ لفظية، أو غير لفظية- على أنها كانت قبله موصوفة بنعت مفرد، أو غير مفرد؛ فالأغلب الحكم بوجوب نصبها مباشرة؛ إذ قد اتصل بها شيء تمم معناها، ولم تقتصر على لفظها وحده، فدخل عليها النداء وهي متصلة بما يتممها؛ وبسببه تخرج من قسم النكرة المقصودة إلى قسم الشبيه بالمضاف، وهو واجب النصب ... مثال هذا أن تخاطب: "شاهدتك من بعيد قادما علينا، ويبدو أنك رجل غريب. فيا رجلا غريبا ستكون بيننا عزيزا". فالنكرة الكلام السابق عليها. ومن الأمثلة للنعت بالجملة أن تسمع: "سيزورنا اليوم وفد نعزه ... " فتقول: يا وفدا فعزه نحن في شوق لرؤيتك. ويصح: يا وفدا من بلاد عزيزة ... أو يا وفدا أمامنا إذا كانت الصفة قبل النداء شبه جملة. ومن هذا أبيات الشاعر التي أنشأها حين قيل له: هذا شرع وراء دجلة تعبث به الرياح؛ فقال أبياته التي مطلعها: يا شراعا وراء دجلة يجري ... في دموعي، تجنبتك العوادي ومن الأمثلة المسموعة التي لها قرائن معنوية تدل على النكرة وصفت قبل النداء ما حكاه الفراء عن العرب في مشهور بالكرم: يا رجلا كريما أقبل. وقوله عليه السلام: يا عظيما2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرجى لكل عظيم، ويا حليما لا يعجل. وقول الشاعر: أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق فالرجاء في الله وحلمه ثابتان قبل النداء، وكذلك قيام الدار ووجودها قبل أن يناديها الشاعر. فالنكرات المقصودة في الأمثلة السالفة وأشبابهها منصوبة. وقيل اكتسبت هي وصفتها التعريف بسبب النداء؛ لأن النداء حين جاء كانت الصفة والموصوف متلازمين مصطحبين، فأفادهما التعريف معا، وإن شئت فقل: إنه أكسب المنادى التعريف، وسرى هذا التعريف فورا من المنادى الموصوف إلى صفته، فالصفة هنا تتمة للمنادى؛ فهي بمنزلة المعمول من العامل. ومن أجلها انتقلت النكرة المقصودة1 إلى قسم الشبيه بالمضاف. وقيل إنها لا تنتقل للشبيه بالمضاف، ولكن يحسن فيها النصب. أما إذا دلت القرينة الواضحة على أن وصف النكرة المقصودة كان بعد النداء فإن المنادى يجب -في الأغلب- بناؤه على الضم، ولا يصح نصبه، بالرغم من وجود صفة له. ذلك أن النداء حين دخل على النكرة المقصودة لم تكن موصوفة، فاستحقت البناء وجوبا. فإذا جاءت الصفة بعد ذلك فإنما تجيء بعد أن تم البناء على الضم وتحقق، فلا تكون مكملة للنكرة المقصودة التكميل الأصلي الذي يخرجها إلى قسم الشبيه بالمضاف، الواجب النصب. والمنادى في هذه الصورة إذ لا مانع في هذه الصورة من أن يوصف بالنكرة أو بما هو في حكمها -كالجملة- لأن تعريف الموصوف هنا طارئ غير أصيل2. والتعريف الطارئ على المنعوت لا يوجب في النعت المطابقة فيه. وإنما يجيزه، فمخالفة المطابقة في التعريف مغتفرة في هذه الصورة؛ "كما سيجيء"3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم توجد قرينة، تدل بوضوح على أن وصف النكرة المقصودة كان قبل النداء أو بعده جاز الأمران: النصب، والبناء على الضم. ويرى بعض النحاة أن النصب جائز مطلقا في النكرة الموصوفة؛ سواء أكان وصفها قبل النداء أم بعده، ولا يرى حاجة للتقييد، بغير داع؛ إذ يصعب -في الأغلب- تحقيق القيد؛ بمعرفة أن الوصف كان قبل النداء أو بعده، ورأيه أيسر وأخف مؤنة، لخلوه من العناء، وإن كان أقل دقة في أداء المعنى من الأول؛ فالرأيان محمودان. ولا يسري ما سبق على العلم الموصوف فإنه حين يوصف يظل على حاله في قسم المفرد العلم1، ولا يتركه إلى قسم الشبيه بالمضاف؛ لأن العلم ليس شديد الحاجة إلى الوصف شدة النكرة إليه. ب- إذا كانت النكرة المقصودة اسما منقوصا، منونا، محذوف الباء للتنوين؛ "مثل" داع، مرتض، مستهد" -أو اسما مقصورا منونا محذوفا الألف "مثل: فتى، علا، غنى"- وبنيت على الضم. كأن الشأن في وجوب حذف تنوينها، وإعادة حرف العلة المحذوف أو عدم إعادته، هو ما تقدم2 في المفرد العلم في تلك الصيغتين، فكل ما قيل فيه من الأسباب والنتائج يقال هنا. ح- هل يعد من النكرة المقصودة نداء المعارف المبنية أصالة قبل النداء وليست أعلاما "كالإشارة، وضمير المخاطب ... " فتبنى على الضم المقدر؟ ... راجع الشرح والتفصيل الذي بسطناه3. د- تصير النكرة المقصودة التي لم توصف قبل النداء، معرفة بسبب النداء -كما شرحنا- فتعريفها به طارئ؛ فتوصف بالمعرفة، تبعا لهذا التعريف الطارئ، ويصح وصفها بالنكرة مراعاة لحالتها السابقة من التنكير؛ فتقول لرجل معين: يا رجلا المهذب، أو مهذبا. والأول أحسن4. أما النكرة التي توصف قبل أن تنادى فإن صفتها واجبة المطابقة لها تعريفا وتنكيرا؛ فيجيء النداء وهي مطابقة قبل مجيئه فلا يغير المطابقة.
القسم الثالث: النكرة غير المقصودة1، وهي الباقية على إبهاهما وشيوعها كما كانت قبل النداء، ولا تدل معه على فرد معين مقصود بالمناداة؛ ولهذا لا تستفيد منها تعريف. حكمها: وجوب نصبها مباشرة، نحو: يا عاقلا تذكر الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وقول الشاعر: أيا راكبا إما2 عرضت3 فبلعن ... نداماي4 من نجران5 أتلاقيا القسم الرابع: المضاف. بشرط أن تكون إضافته لغير ضمير المخاطب6، سواء أكانت محضة؛ كقول الشاعر: فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه هجر ويا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر ومثل قول القائل: يا أخا البدر سناء7 وسنا8 ... حفظ الله زمانا أطلعك أم غير محضة كقول الآخر: يا ناشر العلم بهذي البلاد ... وفقت؛ نشر العلم مثل الجهاد حكمها: وجوب النصب بالفتحة، أو بما ينوب عها.
ويلحق بهذا القسم نداء: "اثني عشر، واثنتي عشرة" فينصب صدرها بالياء في أحد الرأيين اللذين سبق شرحهما1 -وهو الرأي المرجوع الذي يجعل الأعداد المركبة كلها من قسم المنادى المضاف. وقد تفصل لام الجرد الزائدة بين المنادى والمضاف إليه، بشرط أن تكون زيادتها لضرورة شعرية، كما القائل2، في غادة: لو تموت لراعتني، وقلت: ألا ... يا بؤس للموت، ليست الموت أبقاها وقول الآخر3: يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام القسم الخامس: الشبيه بالمضاف: ويراد به كل منادى جاء بعده معمول يتم معناه، سواء أكان هذا المعمول مرفوعا بالمنادى، أو منصوبا به، أم مجرورا بالحرف -لا بالإضافة-4 والجار والمجرور متعلقان بالمنادى، أو معطوفا على المنادى قبل النداء، أم نعتا له قبل النداء أيضا ... 5. حكمه: كسابقه -وجوب نصبه بالفتحة، أو بما ينوب عنها، فمثال المعمول المرفوع قولهم: يا واسعا سلطانه، فإنه الظلم بلا على صاحبه، ويا عظيما جاهه لا تغتر؛ فإن الغرور رائد الهلاك. ومثال المنصوب قولهم: يا غاصبا ما ليس لك كيف تسعد؟ ويا آكلا مال غيرك، كيف تنعم؟ وقول حافظ في عمر بن الخطاب: يا رافعا راية الشورى، وحارسها ... جزاك ربك خيرا عن محبيها
ومثال المجرور بالحرف وهما متعلقان بالمنادى قول شوقي: يا طالبا لمعالي الملك مجتهدا ... خذها من العلم، أو خذها من المال وكذلك المستغاث المجرور باللام الأصلية "كما سبق1، وكما يجيء". ومثال المنادى المعطوف عليه قبل النداء ما سمي بمجموع المتعاطفين2 من أسماء الأعداد المتعاطفة قبل مناداتها، نحو: يا سبعة وعشرين - يا تسعة وأربعين ... و ... في نداء المسمى بهما معا. وتظل الواو عاطفة، ومنه قول الشاعر في نداء قصر يرثه، يسمى: خمسا وعشرين: أخمسا وعشرين3 صرت خرابا ... فكيف؟ وأنت الحصين المنيع وقد سبقت أمثلة النعت قبل النداء4. "ملاحظة عامة" من كل ما سبق يتبين أن قسمين من أقسام المنادى الخمسة -هنا: المفرد العلم، والنكرة المقصودة- يبنيان في أكثر حالاتهما على الضمة أو فروعها، وأن الثلاثة الباقية -وهي النكرة غير المقصودة، والمضاف، وشبهه- منصوبة دائما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- في نداء الأعداد المتعاطفة1 المسمى بها قبل النداء -كالتي في الصفحة السالفة- يلاحظ أن المعطوف والمعطوف عليه يجب نصبهما معا عند النداء، بشرط أن يكونا -معا- علما على فرد واحد، سمي بهما قبل النداء؛ فنصب المعطوف عليه واجب؛ لأنه شبيه بالمضاف في الطول، ونصب المعطوف واجب؛ لأنه تابع للمعطوف عليه2 ... وفي هذه الصورة يمتنع إدخال حرف النداء على المعطوف؛ لأنه جزء من العلم يشبه الجزء الأخير من العلم: "عبد شمس" أو "عبد قيس"، أو غيرهما من الأعلام المضافة والمركبة؛ حيث لا يصح تكرار حرف النداء بين جزأي العلم عند مناداته. وكذلك لو ناديت جماعة واحدة، معينة، مقصودة، عدتها هذه، وأردت المجموع فيجب نصب الجزأين؛ لأن المنادى نكرة مقصودة، لكنها طالت، بسبب العطف عليها، فصارت من قسم الشبيه بالمضاف، منصوبة، وما بعد الواو معطوف منصوب مثلها. أما إذا كان المنادى أحد الأعداد المعطوفة، كخمسة وعشرين، ونظائرها، ولكن أردت بالأول وحده -وهو المعطوف عليه المنادى- جماعة معينة عددها خمسة، وأردت بالثاني -وهو المعطوف- جماعة معينة أخرى، عددها عشرون، وجب بناء الأول على الضم؛ لأنه نكرة مقصودة، ووجب نصب الثاني أو رفعه3؛ مراعاة لمحل المتبوع، أو لفظه، من غير مراعاة لبنائه، والأرجح في مثل هذه الصورة إدخال "أل" على الثاني؛ لأنه اسم جنس أريد به معين؛ فتدخل عليه "أل" لتفيده التعريف؛ إذ لم يدخل "عليه -مباشرة- حرف نداء يفيده ذلك،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الحرف الموجود فهو داخل على الأول، مقصور عليه، ولا مانع من الاستغناء عن "أل" هذه، ومجيء حرف نداء مكانها؛ ليفيد المعطوف تعريفا مباشرا، ويجب في هذه الصورة بناؤه على الواو؛ لأنه نكرة مقصودة، ولا تذكر معه "أل"؛ إذ لا تجتمع مع حرف النداء إلا على الوجه الذي سنشرحه في الصفحة التالية. ب- وأيضا تعتبر النكرة المقصودة الموصوفة قبل النداء داخلة في قسم الشبيه بالمضاف. وقد سبق شرحها وتفصيل الكلام عليها1 ...
المسألة 129: الجمع بين حرف النداء، و "أل"
المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل" من أحكام النداء حكم عام تخضع له أقسامه الخمسة، هو: أنه لا يجوز نداء المبدوء "بأل" فلا يصح الجمع بينه وبين حرف1 النداء، إلا في إحدى الحالات الآتية: الأولى: لفظ الجلالة: "الله"؛ نحو: "يا ألله2، سبحانك!! أنت القادرة على كل شيء، المنعم بفيض الخيرات"، والأكثر في الأساليب العالية عند نداء لفظ الجلالة أن يقال: "اللهم"، وهو من الألفاظ الملازمة للنداء3، نحو قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} . وكقول علي -رضي الله عنه- وقد مدحه قوم في وجهه: "اللهم إنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم. اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون". ويقال في إعرابه: "الله" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة المفتوحة عوض عن حرف النداء: "يا"، ومن الشاذ الجمع بينهما، كما في قول القائل. إني إذا ما حدث ألما ... أقول: يا اللهم يا اللهما
ومن الجائز أن تحذف "أل" من أوله، ويكثر هذا في الشعر، كقول القائل: لا هم إن العبد يمـ ... ـنع رحله؛ فامنع رحالك وقول الآخر1: لا هم هب لي بيانا أستعين به ... على قضاء حقوق نام قاضيها فتكون كلمة: "لاه" هي المنادي المبني على الضم2 ... ولا مانع أن يجيء بعد: "اللهم" صفة له؛ كقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ويمنع هذا بعض النحاة؛ بحجة أن الأسماء الملازمة للنداء "ومنها: اللهم" ليست في حاجة إلى الفائدة التي يحققها النعت لغيرها، ويعرب الصفة إعرابيا آخر -كأن تكون نداء مستأنفا في الآية السالفة- والأنسب الأخذ بالإباحة3 ...
الثانية: المنادى المشبه به؛ بشرط أن يذكر معه وجه الشبه؛ كقولك لمغن: يا البلبل ترنيما وتغريدا أطربنا - يا الشافعي فقها وصلاحا سر على نهجه - يا المأمون ذكاء وبراعة أحسن محاكاته، أي: يا مثل البلبل ... يا مثل الشافعي ... ، يا مثل المأمون ... فالمنادى في الحقيقة محذوف، قد حل محله المضاف إليه، فصار منادى بعد حذفه، ولا يصح1 يا "القرية" على إرادة: "يا أهل القرية" لأن الشرط هنا مفقود ... الثالثة: المنادى المستغاث2 به، المجرور باللام المذكورة، نحو: يا للولد للولد. فإن لم يكن مجرورا باللام المذكورة لم يصح الجمع بين "يا" و"أل" فلا يقال: يا الوالدا للولد. الرابعة: اسم الموصول المبدوء "بأل" بشرط أن كون مع صلته علما، نحو: يا ألذي3 كتب؛ في نداء مسمى بالموصول مع صلته. والأنسب هنا أن يقال فيه: "إنه مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الحكاية في محل نصب". لأنه في هذه الصورة داخل في عداد الأشياء الملحقة بالمفرد العلم. فإن لم توجد الصلة مع الموصول المبدوء بأل، وكانت التسمية بالموصول وحده لم يصح نداؤه؛ فلا بد لصحة ندائه أن تكون الصلة جزءا من العلم. الخامسة: نداء العلم المنقول من جملة اسمية مبدوءة "بأل"؛ نحو: الرجل زارع؛ تقول: يا ألرجل3 زارع، سر على بركة الله. السادسة: العلم المبدوءة "بأل" إذا كانت جزءا منه3، يؤدي حذفها
إلى لبس لا يمكن معه تعيين العلم المنادى؛ نحو: يا الصاحب - يا القاضي - يا الهادي، فيمن اسمه: الصاحب بن عباد، والقاضي الفاضل - والهادي الخليفة العباسي، وأمثالها، ولا التفات إلى الخلاف بين النحاة في هذا1. السابعة: الضرورات الشعرية كقول الشاعر: فيا الغلامان اللذان فرا ... إيا كما أن تعقبانا شرا
المسألة 130: أحكام تابع المنادي
المسألة 130: أحكام تابع المنادى 1 من المنادى ما يجب نصب لفظه، ومنه ما: يجب بناؤه على الضم، ومنه ما يصلح للأمرين. وليس للمنادى حكم آخر في حالة الاختيار، إلا في الاستغاثة -وما في حكمها- عند جر المنادى باللام، كما سنعرف في بابها2. أ- فإن كان المنادى منصوب اللفظ وجوبا وتابعه نعت، أو عطف بيان، أو توكيد وجب نصب التابع مطلقا3؛ مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو، يا عربيا مخلصا لا تغفل مآثر قومك، وقول الشاعر: أيا وطني العزيز رعاك ربي ... وجنبك المكاره والشرورا وقول الآخر: يا ساريا في دجى الأهواء معتسفا4 ... مآل أمرك للخسران والندم ومثل: أجيبوا داعي الله يا عربا أهل اللغة الواحدة، والروابط الوثيقة، أو: يا عربا كلكم أو كلهم5 ... و ...
وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل"1 فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ كالمتبوع؛ مثل: بوركت يا أبا عبيدة عامرا؛ فلقد كنت من أمهر قواد الفتح الأول، أو: بوركتما يا أبا عبيدة وخالدا ... ولا داعي للتمسك بالرأي الذي يجعلهما في حكم المنادى المستقل -وهو القسم الرابع الآتي2. فالنصب هو الحكم العام لجميع توابع المنادى المنصوب اللفظ وجوبا، مع اشتراط التجرد من "أل" في: "عطف النسق3، غير أن نصب التوابع يكون واجبا في بعضها، وجائزا مستحسنا في بعض آخر؛ طبقا للبيان السالف4..
وهناك حالة يجب فيها جر التابع -في رأي النحاة- هي التي يقع فيها المتبوع "المنادى" مجرورا باللام -وهذا لا يكون إلا في الاستغاثة، وما في حكمها- نحو: يا للوالد والوالدة فالأولاد1.
ويخيز فيه فريق من النحاة أمرين: الجر مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، وهذا الرأي أحسن -كما يجيء1 في بابها2. ب- وإن كان المنادى مبنيا وجوبا على الضم -لفظا أو تقديرا- فتوابعه إما واجبة النصب فقط، وإما واجبة الرفع الشكلي فقط، وإما جائزة الرفع الشكلي والنصب، وإما بمنزلة المنادى المستقل، وفيما يلي بيان هذه الحالات الأربع: 1- يجب -على الأشهر- نصب التابع؛ مراعاة لمحل هذا المنادى، "ولا يصح مراعاة لفظه" في صورة واحدة، هي: أن يكون التابع نعتا3، أو عطف بيان، أو توكيدا، بشرط أن يضاف التابع في الثلاثة إضافة محضة -وهذه تقتضي أن يكون المضاف مجردا من "أل"؛ كقولهم: يا زياد أمير العراق بالأمس، نشرت لواء الأمن، وطويت بساط الدعة- يا أهرام أهرام الجيزة، أنتن من عجائب الآثار، شمر الإخوان من يساير الزمان؛ يقبل معه ويدبر معه؛ فاحذروا هذا يا أصدقاء كلكم4. فإن لم يتحقق الشرط خرجت التوابع المذكورة من هذا القسم ودخلت في الحالة الثالثة الآتية5 "حيث يصح فيها الرفع الصوري؛ مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله"؛ كأن يقع التابع مفردا مقرونا بأل6؛ مثل:
يا زياد الأمير، أو خاليا من "أل" ومن الإضافة المحضة1؛ مثل: يا رجل محمد -بالتنوين- أو محمدا، أو يكون مضافا إضافة غير محضة1؛ نحو: يا مسافر راكب2 السيارة، أو الراكب السيارة، حاذر عواقب الإسراع. أو يكون عطف نسق، أو بدلا، ولهذين حكمها الخاص ... إلى غير هذا مما سيجيء بيانه مفصلا3 ...
"وتجب الإشارة إلى أن حركة التابع المرفوع على الوجه السالف ليست حركة إعراب ولا بناء؛ ولذلك ينون إذا خلا من أل والإضافة1 و ... فهي طارئة لتحقيق غرض معين، هو: المشاركة الصورية في المظهر اللفظي بين التابع والمتبوع؛ فلا تدل على شيء غير مجرد المماثلة الشكلية، ومن التساهل في التعبير أن يقال في ذلك التابع إنه مرفوع. أما الإعراب الدقيق فهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع الشكلية للفظ المنادى -كما سيجيء في القسم الثالث". ومن النحاة من يوجب النصب في صورة ثانية2؛ هي التي يكون فيها المنادى المبني على الضم مختوما بألف الاستغاثة؛ نحو: يا جنديا وضابطا، أدركا المستغيث. فلا يجوز عنده في التابع -مهما كان نوعه، ومنه كلمة: "ضابطا" في المثال- إلا النصب مراعاة لمحل المنادى المبني على الفتح الطارئ بسبب الألف. لكن التحقيق والترجيح يقطعان بجواز النصب، وبجواز الرفع المباح في توابع المنادى المبني على الضم3. 2- ويجب رفع التابع مراعاة شكلية للفظ ذلك المنادى في صورتين: إحداهما: أن يكون التابع نعتا، ومنعوته -المنادى- هو كلمة: "أي" في التذكير، "وأية" في التأنيث؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . "فأي وأية" مبنيتان على الضم في محل نصب؛ لأن كلا منهما منادى، نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمه لا تفارقهما1 وكلمتا: "الناس والنفس". "وأشباههما"، نعتان متحركان بحركة مماثلة وجوبا لحركة المنادى، مراعاة لمظهره الشكلي2 فقط، مع أنه مبني، وهما صفتان معربتان، منصوبتان محلا، لا لفظا3 "أي: أنهما منصوبتان تبعا لمحل المنادى" بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادى في صورته الشكلية4؛ فالضمة التي على آخرهما هي الحركة الطارئة للمشاركة، ولا توصف بإعراب، ولا بناء -كما تقدم5. وكما يجب الإتباع بالرفع الشكلي الصوري في صفة "أي وأية" يجب -في
الشائع- كذلك في صفة صفتهما، وفي كل تابع آخر للصفة ففي مثل: "بارك الله فيك يأيها الطبيب الرحيم"، يتعين الرفع وحده في كلمة: "الرحيم" التي هي صفة للصفة، لعدم ورود السماع بغيره، بالرغم من أن المنعوت.. الطبيب في محل نصب، فعدم ورود السماع بالنصب يقتضي امتناع نصب التابع، وعدم إباحته مطلقا، لا لفظا ولا محلا1..
ثانيتهما: أن يكون التابع نعتا، والمنعوت -المنادى- اسم إشارة للمذكر، أو للمؤنث؛ جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء "بأل"1؛ لأن المبدوء بها لا يجوز مناداته بغير واسطة -إلا في بعض مواضع سبقت-2 نحو: يا هذا السائح، لا تتعجل في حكمك، ويا هذه السائحة لا تتعجلي ... فالمنادى مبني على ضم مقدر في محل نصب؛ فيجب رفع النعت في المثالين وأشبهاههما، رفعا صوريا؛ لا يوصف بإعراب، ولا بناء -كما سبق- وإنما هو رفع جيء به مراعاة شكلية للضم المقدر في اسم الإشارة المنعوت -المنادى- ولا يصح النصب؛ لأن النعت هنا بمنزلة المنادى المفرد المقصود، لا يصح نصب لفظه نصبا مباشرا. ووجود النعت على هذه الصورة ضروري، ليدل على المشار إليه، ويكشفه. ويجب مطابقة اسم الإشارة للمشار إليه في الإفراد والتذكير وفروعهما. أما إن كان المراد نداء اسم الإشارة فيجوز في التابع الأمران3 -كما سيأتي في القسم الرابع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- يجب إفراد "أي، وأية" عند وقوعهما منادى؛ فلا يصح أن تلحقهما علامة تثنية، أو جمع؛ سواء أكانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ نحو: يا أيها الناصح اعمل بنصحك أولا -يا أيها المتنافسان ترفعا عن الحقد- يا أيها الطلاب أنتم ذخيرة البلاد. يا أيتها الناصحة اعلمي ... - يا أيتها المتنافستان - يا أيتها الطالبات اعملن ... أما من جهة التأنيث والتذكير فالأفضل الذي يحسن الاقتصار عليه عند النداء -وإن كان ليس بواجب- هو أن تماثل كل منهما صفتها، فمثال التذكير ما سبق، ومثال التأنيث أيضا: يا أيتها الفتاة أنت عنوان الأسرة - يا أيتها الفتاتان أنتما عنوان الأسرة - يا أيتها الفتيات أنتن عنوان الأسرة. ويجوز في "أي" المجردة من التاء، عدم المماثلة "ولكنه ليس الأحسن" فتظل بصورة واحدة للمذكر والمؤنث، ولا يصح هذا في "أية" المختومة بالتاء، فلا بد من تأنيث صفتها المؤنثة. ولا بد من وصف "أي وأية" عند ندائهما؛ إما باسم تابع في ضبطه لحركتهما اللفظية الظاهرة وحدها1 معرف بأل الجنسية في أصلها، وتصير بعد النداء للعهد الحضوري، وإما باسم موصول مبدوء بأل2، وإما باسم إشارة مجرد من
كاف الخطاب1، ويتحتم -في الرأي الأشهر والأولى- أن يكون اسم الموصول واسم الإشارة تابعين في ضبطهما لحركة المنادى الشكلية الظاهرة وحدها؛ فيكون كل منهما مبنيا في محل رفع فقط2؛ تبعا لصورة المنعوت -المنادى- نحو: يا أيها العلم الحفاق، تحية، ويا أيتها الراية العزيزة سلمت على الأيام، أو: يا أيها الذي يخفق فوق الرءوس، ويا أيتها التي ترفرفين سلمت ... ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وقول الشاعر: أيها ذا الشاكي وما بك داء ... كن جميلا تر الوجود جميلا فإن كانت "أل" ليست جنسية بأن كانت زائدة في أصلها ولكنها صارت بعد النداء للعهد كالمحمدين، أو: زائدة لازمة لأنها قارنت الوضع؛ مثل: السموءل والتسع، أو غير لازمة، مثل اليزيد، أو للمح الأصل كالحارث، أو للغلبة كالنجم ... -لم يصح النعت بما دخلت عليه؛ فلا يقال: يا أيها السيف، ولا يا أيها الحرب، لرجلين اسمهما: سيف وحرب، ولا يا أيها المحمدان ... أو المحمدون. وكذلك لا يقال: يا أيها ذاك العالم؛ لاشتمال الإشارة على كاف الخطاب1. وإذا وصفت "أي وأية" باسم الإشارة السالف فالأغلب وصفه أيضا باسم مقرون بأل، كالبيت المتقدم3 ... 2- إذا اقتضى الأمر وصف اسم الإشارة المنادى أو غير المنادى فالأغلب أن يكون الوصف معرفة مبدوءة بأل الجنسية بحسب أصلها "وتصير بعد النداء
للعهد الحضوري"، أو: باسم موصول مبدوء "بأل"1، نحو: يا هذا المتعلم، حصن نفسك بالخلق الكريم، والطبع النبيل؛ فإن في هذا التخصين كمال الغاية، وتمام المقصد - يا هؤلاء الذين آمنوا كونوا أنصار الله ... ، ولا يصح أن يكون النعت اسم إشارة2. ومن الجائز إعراب هذا الاسم المبدوء "بأل" عطف بيان؛ سواء أكان مشتقا كالمثال السالف، أم غير مشتق؛ نحو: يا هذا الرجل ... لكن الأحسن إعراب المشتق نعتا، وإعراب الجامد عطف بيان. ويقول النحاة: ليس من اللازم أن يوصف اسم الإشارة إلا إذا كان وصله لنداء ما بعده، ولم يكن هو المقصود بالنداء؛ لدليل يدل على ذلك. أما إن قصد نداء اسم الإشارة، وقدر الوقف عليه "بأن عرفه المخاطب بدون نعت، كوضع اليد عليه ... " فلا يلزم نعته. ولا رفع نعت نعته3. 3- يتردد في هذا الباب لفظ: "المنادى المبهم" يريدون به: "المنادى الذي لا يكفي في إزالة إبهامه النداء، ومجرد القصد والإقبال، وإنما يحتاج معه إلى شيء آخر يكمل تعريفه"، ويقصدون: "أي". و"أية" "واسم الإشارة" لشدة احتياج كل منها إلى الصفة بعده. أما في غير النداء فيريدون بالاسم المبهم: الإشارة، واسم الموصول4 ... وبعض الظروف وأسماء الزمان التي سبق الكلام عليها في بابها من الجزء الثاني.
3- ويجوز رفع التابع ونصبه في المفرد من نعت، أو عطف بيان، أو توكيد، وكذلك في النعت المضاف المقرون بأل1، وفي عطف النسق المقرون "بأل"؛ نحو: يا معاوية الحليم؛ بلغت بالحلم المدى. أو الواسع الحلم، بنصب كلمتي: الحليم، و"الواسع" مراعاة لمحل المنادى، وبضمهما مراعاة صورية شكلية للحركة اللفظية الظاهرة في المنادى من غير أن يتأثر النعت ببناء المنادى؛ فالمنادى مبني على الضم، أما النعت فمعرب شكلا، ولكن الحركة التي على آخره حركة عرضية، لا تدل على إعراب أو بناء؛ ولهذا يجب تنوين التابع إذا خلا مما يعارض التنوين كأل والإضافة، "كما سبق"2 فقد أريد منها أن تشابه حركة المنعوت في الصورة اللفظية المحضة. ويقال في إعراب النعت ما أشرنا به، وهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت للإتباع والمشاركة بين حركة النعت ومتبوعه المنادى3، ومن التسامح في التعبير أن يقال في هذا التابع مرفوع. ومثل: يا أحمد المتنبي قتلك غرورك. برفع "المتنبي" أو نصبه على التوجيه السالف. ومثل: أنتم ذخيرة الوطن يا طلاب أجمعون، أو أجمعين، برفع كلمة: أجمعون، أو نصبها، ومثل: يا محزون والمكروب، إن حمل الهموم جنون ... وفي هذه الصورة الأخيرة، لا يصح اعتبار التابع كالمنادى المستقل عند من يرى ذلك، ولا ملاحظة حرف نداء قبله؛ إذ لا يجتمع هنا حرف النداء و"أل"4 ...
4- ويعتبر التابع كالمنادى المستقل عند فريق من النحاة دون فريق1 إذا كان بدلا، أو كان عطف نسق خاليا من "أل"2؛ فيبنى كل منهما على الضم إن كان مفردا معرفة -بالعلمية أو بالقصد- وينصب إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف؛ فمثال البناء على الضم: يا جيش قادة3 وجندا أنت حمى البلاد، ببناء كلمة: "قادة" على الضم، كبنائها لو كانت منادى. وكذلك لو قلنا: يا قادة وجنود أنتم حمى البلاد؛ فتبنى كلمة: "جنود" على الضم ما دام الخطاب لمعين في الصورتين. ومثال النصب: يا جيشُ جيشَ الوطن تيقظ، أو: يا شباب وغير الشباب، لا تقصروا في إنهاض البلاد. بنصب كلمتي "جيش" و"غير"، لإضافتهما، فهما في حكم المسبوقتين بأداة النداء ... والأحسن عند مجاراة هذا الفريق الأخذ بالرأي القائل: إن عامل البناء على الضم وعامل النصب هو حرف النداء المذكور في أول الجملة4 ... وأفضل من كل ما سبق الاقتصار على النصب؛ مجاراة للفريق الآخر الذي لا يوافق على اعتبار البدل وعطف النسق المجرد من "أل" في حكم المنادى المستقل للأسباب التي أسلفناها5. ج- وإن كان المنادى6 مما يصح نصبه وبناؤه على الضم فأمره محصور
-غالبا- في نوعين، لكل منهما حكمه وحكم تابعه. أولهما: المنادى الموصوف بكلمة "ابن" أو "ابنة"، وقد سبق تفصيل الكلام عليه1.... ثانيهما: المنادى المفرد الذي تكرر لفظه بشرط إضافة اللفظ الثاني المكرر: سواء أكان المنادى المفرد علما، أم اسم جنس، أم اسما مشتقا2 فمثال المكرر العلم: يا صلاح صلاح الدين الأيوبي: ما أطيب سيرتك!! وقول الشاعر: أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى، وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف ومثال اسم الجنس المكرر: يا غلام القوم كن أمينا على أسرارهم، ومثال المشتق المكرر: يا راصد راصد النجوم. ماذا رأيت من عجائب الكون؟ ... وحكم المنادى في مثل هذا الأسلوب جواز النصب، والبناء على الضم. وحكم التابع وجوب النصب في الحالتين؛ طبقا للبيان التالي: 1- ففي حالة نصب الأول -أي: المنادى- يكون السبب راجعا إما: لاعتبار هذا المنادى مضافا للمضاف إليه المذكور في الكلام، والاسم الثاني المكرر مقحما3 بين المتضايفين "ويعرب توكيدا لفظيا للأول، أو مهملا زائدا" ... وإما: لاعتبار المنادى، مضافا إلى محذوف يماثل المذكور؛ وأصل الكلام: يا صلاح الدين صلاح الدين بإضافتين في الأسلوب الواحد، ويكون الاسم الثاني منصوبا على هذا لرأي -توكيدا لفظيا4 أو: بدلا، أو: عطف
بيان، أو: مفعولا به لفعل محذوف، أو: منادى بحرف "يا" المحذوف1. ومع جواز هذه الخمسة يحسن اختيار الأنسب منها للسياق، والأوضح في أداء الغرض. وجدير بالتنوين أننا إذا اعتبرنا الثاني مقحما بين المتضايقين، وأعربناه توكيدا لفظيا، "مسايرة للأحسن" وجب اعتبار فتحته إعراب2 كالمتبوع. أما إذا اعتبرناه زائدا3 فهو مهمل لا يعرب توكيدا. ولا بدل، ولا غيرهما، وفتحته هي فتحة مماثلة ومشابهة للأول؛ فلا توصف بأنها فتحة بناء أو إعراب، وإنما هي حركة صورية للمشاكلة المجردة ... 2- وفي حالة بناء الأول على الضم -لأنه مفرد معرفة- يكون مبنيا على الضم في محل نصب، فينصب الثاني إما على اعتباره توكيدا لفظيا، أو بدلا، أو عطف بيان، مراعى في الثلاثة محل المنادى. وإما على اعتباره منادي مضافا مستقلا، أو على اعتباره مفعولا به لفعل محذوف4 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا صلاح، صلاح، أو: يا سعد سعد ... ، جاز بناؤه على الضم؛ إما باعتباره "وهذا هو الأحسن" منادى حذف قبله حرف النداء "يا"، وإما باعتباره توكيدا لفظيا يساير -هنا- لفظ المنادى في البناء، ويجوز نصبه باعتباره توكيدا لفظيا تابعا لمحل المنادى. ولا يصح إعرابه بدلا؛ لأن البدل والمبدل منه لا يتحدان في اللفظ إلا بشرط أن يفيد البدل زيادة في البيان والإيضاح، وكذلك لا يصح أن يكون عطف بيان؛ لأن الشيء لا يبين نفسه1 ...
ملخص موجز يتضمن ما سبق من أحكام توابع المنادي: جميع توابع المنادى يصح نصبها1، إلا فيما يأتي: 1- أن يكون المتبوع -المنادى- هو لفظ "أي" أو "أية" أو اسم إشارة. فيجب في حركة نعتها مشابهتها لحركة المتبوع مشابهة صورية فقط "أو نقول بالعبارة التي فيها التسمح: يجب رفع النعت في المظهر الشكلي، بقصد مماثلة حركته لحركة المنادى -بالتفصيل الذي سبق2، نحو: يا أيتها الفتاة، من كثر كلامه كثر خطؤه. ومثل: يا هذا الغلام لا تنس شكر من أحسن إليك. 2- أن يكون المتبوع -المنادى- مبنيا على الضم والتابع بدلا، أو عطف نسق مجردا من "أل"؛ فحكمهما حكم المنادى المستقل؛ عند فريق من النحاة. أما غيرهم فيجيز النصب -وهو الأنسب؛ ليكون حكم النصب عاما شاملا- نحو: جزيت خيرا يا عائشة زوج الرسول، فلقد كنت مرجعا وثيقا في شئون الدين -يا خديجة وعائشة كنتما خير عون للنبي صلى الله عليه وسلم. 3- أن يكون المنادى مجرورا باللام في الاستغاثة وما يلحق بهما؛ فيجب جر التابع، وهذا هو المشهور -أو نصبه3، نحو: يا للغني الممتلئ للجائع، ويا للقادر القوي للعاجز.
المسألة 131: المنادي المضاف إلى ياء المتكلم
المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم 1 هذا المنادى قسمان: قسم صحيح الآخر. وما يشبهه2، وقسم معتل الآخر، وما يلحق به3. أ- فحكم صحيح الآخر وما يشبهه إذا كانت إضافتهما لياء المتكلم محضة4
ومباشرة1 ما يأتي: 1- وجوب النصب بفتحة مقدرة إن كان المنادى مفردا2، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما، ومن الأمثلة قول الشاعر يعاتب: يا أخي، أين عهد ذاك الإخاء؟ ... أين ما كان بيننا من صفاء؟ وقول الآخر: سألتني عن النهار جفوني ... رحم الله -يا جفوني- النهارا ونحو: يا زميلاتي لكن تقديري وإكباري، ونحو: يا سعيي قد بلغت بي المدى. ويا صفوي إن أطلت الغياب فلن تهدأ نفسي ... فكلمة: "أخ، جفون، زميلات"، "سعى، صفو" وأشباهها، منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة الياء. "لأن هذه الياء يناسبها كسر ما قبلها" والياء مضاف إليه، مبنية على السكون في محل جر3 ... 2- يصح في هذه الياء ست لغات، بعضها أقوى وأكثر استعمالا من بعض. هي4: حذف الياء مع بقاء الكسرة قبلها دليلا عليها؛ كالآية الكريمة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} 5 ونحو: استقبل العالم المخترع أعوانه وهو يقول: أهلا يا جنود، أهلا يا رجال، أنتم الفخر، ومجد البلاد.
والإعراب كالسالف، إلا أن الياء محذوفة هنا ... بقاؤها مع بنائها على السكون في محل جر، للإضافة؛ نحو: يا جنودي ... يا رجالي ... بقاؤها على الفتح بعد فتح ما قبلها، ثم قلبها ألفا1؛ نحو: يا فرحا بإنجاز ما فرض الله، ويا حسرتا على التقصير ... "والأصل2: يا فرحي، يا حسرتي ... ؛ فصار: يا فرحي ... ، يا حسرتي ... ، ثم صار: يا فرحا ... يا حسرتا ... " والمنادى هنا منصوب -والأيسر أن يكون منصوبا بالفتحة الظاهرة- وهو مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا مضاف إليه، مبنية على السكون في محل جر3 ... ويجوز في هذه الصورة أن تلحقه هاء السكت عند الوقف؛ فتقول: يا فرحاه.... يا حسرتاه ... قلب الياء ألفا على الوجه السالف، وحذف الألف، وترك الفتحة قبلها دليلا عليها؛ نحو: يا فرحَ ... ، يا حسرةَ ... وفي هذه الحالة يكون المنادى منصوبا مضافا، وياء المتكلم المنقلبة ألفا، المحذوفة، هي المضاف إليه4 ...
بقيت اللغة السادسة؛ "وهي أضعف نظائرها، ولا تكاد تخلو من لبس في تبين نوعها، ومن اضطراب في إعرابها1؛ ولهذا يجب اليوم إهمالها، تبعا لرأي من أهملها من النحاة القدامى، فلم يذكرها بين اللغات الجائزة. وتتلخص في حذف "الياء" -مع ملاحظتها في النية- وبناء المنادى على الضم "كالاسم المفرد المعرفة". ويقع هذا في الكلمات التي تشيع إضافتها، ليكون العلم بشيوع إضافتها قرينة ودليلا على حذف المضاف إليه، وأنه محذوف في اللفظ لكنه ملاحظ2 في النية ... كالكلمات: رب، وقوم، وأم، وأب ... وأشباهها مما يغلب استعماله مضافا؛ نحو: يا رب، وفقني إلى ما يرضيك - يا قوم، لا تتوانوا في العمل لما يرفع شأنكم - يا أم، أنت أكثر الناس عطفا علي، ويا أب، أنت أشدهم عناية بي ... ومما سبق يتبين أن ثلاثا من اللغات الست تقتضي حذف الياء، وثلاثا أخرى تقتضي إثباتها.
3- إن كان المنادى الصحيح الآخر هو كلمة "أب"، أو "أم" جاز فيه اللغات الست السابقة، ولغات أربع أخرى؛ وهي: حذف ياء المتكلم، والإتيان بتاء1 التأنيث الحرفية عوضا عنها، مع بناء هذه التاء الحرفية على الكسر، أو على الفتح -وكلاهما كثير قوي- أو على الضم، وهو قليل، ولكنه جائز؛ نحو: يا أبت أنت كافلنا، ويا أمت، أنت راعيتنا ... والمنادى في هذه الصور الثلاث منصوب بفتحة ظاهرة2 دائما. وهو مضاف. وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه. وجاءت تاء التأنيث عوضا عنها، مع بقائها حرفا للتأنيث كما كانت، وليست المضاف إليه ... والصورة الرابعة -وهي أقلها من السماع الوارد، ولا يصح القياس عليها: الجمع بين تاء التأنيث السالفة التي هي العوض. وألف بعدها أصلها ياء المتكلم؛ نحو: يا أبتا ... يا أمنا. وكقول الشاعر: يا أمتا أبصرني راكب ... في بلد مسحنفر3 لاحب4 وقول الآخر: يا أبتا علك أو عساكا ... .......................... وفي هذه الصورة جمع بين العوض -وهو التاء- والمعوض عنه، وهو: الياء المنقلبة ألفا. ولذا قال بعض النحاة: إن هذه الألف ليست في أصلها ياء المتكلم؛ وإنما هي حرف هجائي، وزائد لمد الصوت. وهذا الرأي أوضح وأيسر في إعراب تلك الصيغ المسموعة.
هناك صورة أضعف من هذه، وأندر استعمالا في السماع الوارد، حتى خصها كثير من النحاة بالضرورة الشعرية، نذكرها لندركها إذا صادفتنا في بعض الكلام القديم، هي الجمع بين هذه التاء وياء المتكلم بعدها، أو الجمع بين ياء المنقلبة ألفا والتاء بعدها. كقول الشاعر: أيا أبتي1، لا زلت فينا، فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشا وقول الآخر: كأنك فينا يا أبات2 غريب3 ... ................................ هذا، ولا تكون تاء التأنيث عوضا عن ياء المتكلم إلا في أسلوب النداء على الوجه السالف، دون غيره من الأساليب. ووجودها في آخر كلمتي: "أب، وأم" يحتم استعمال كل واحدة منهما منادى، ويمنع استعمالها في غيره4 ... ونشير إلى أمرين هامين: أولهما: أن الأحكام السابقة كلها مقصرة على المنادى صحيح الآخر، وشبهه إذا كانت إضافتهما محضة -كما أسلفنا-5 فإن كانت غير محضة فالمنادى واجب النصب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم منع من ظهورها الكسرة التي لمناسبة الياء. وهذه الياء ثابتة دائما ومبنية على السكون أو الفتح؛ كقولهم: "يا رائدي للهدى وقيت الردى، ويا مرشدي للخير صانك الله من الزلل". فالمنادى:
"رائد، ومرشد" منصوب وجوبا بفتحة مقدرة، والياء معهما مبنية على السكون أو على الفتح، ولا يصح حذفها. ولا بد معها أن يكون المنادى المضاف مفردا1. ثانيهما: أن تلك الأحكام مقصورة على النوع السالف من المنادى المضاف إضافة محضة، بشرط أن يكون مضافا للياء مباشرة؛ كما تقدم2. فإن كان هو أو غيره من سائر أنواع المنادى مضافا إلى مضاف إلى ياء المتكلم وجب إثبات الياء وبناؤها على السكون، أو على الفتح3 ... كقولهم: يا طالب إنصافي، لا أعلم لك منصفا إلا عملك، إذا أحسنته جملك، وإذا أتقنته كملك، وقول الشاعر: يا لهف نفسي إن كانت أموركمو ... شتى، وأحكم أمر الناس فاجتمعا فيجوز: "إنصافي، أو: انصافي - نفسي، أو نفسي؛ بإسكان الياء أو فتحها". ويستثنى من هذا الحكم أن يكون المنادى المضاف إلى مضاف لياء المتكلم هو لفظ: "ابن أم، أو: ابن عم، أو: ابنة أم، أو ابنة عم، أو بنت أم، أو بنت عم" فالأفصح4 في هذه الصور حذف ياء المتكلم مع ترك الكسرة قبلها دليلا عليها؛ "نحو: يابن أم كن على الخير معوانا لي، ويابن عم لا تقعد عن مناصرتي بالحق - يابنة أم ... يا بنت أم....
يا بنت عم ... " فالمنادى معرب منصوب، والمضاف إليه الأول مجرور بالكسرة الظاهرة قبل الياء المحذوفة. ويجوز في الألفاظ السالفة حذف الياء بعد قلبها ألفا، وقلب الكسرة قبلها فتحة؛ فنقول: "يابن أم ... يابن عم ... يابنة أم ... يابنة عم ... يا بنت أم ... يا بنت عم...." قلبت ياء المتكلم ألفا بعد قلب الكسرة التي قبلها فتحة، ثم حذفت ياء المتكلم المنقلبة ألفا، وبقيت الفتحة قبلها دليلا عليها. فيقال عند الإعراب: إن المضاف إليه الأول مجرور بالكسرة المقدرة التي منع من ظهورها الفتحة التي جاءت للتوصل بها إلى قلب ياء المتكلم ألفا، وحذفت هذه الألف للتخفيف. ويصح أن يقال في هذه الصورة: إن المنادى قد ركب مع ما أضيف إليه تركيبا مزجيا وصارا معا بمنزلة: "خمسة عشر" أو غيرها من الأعداد والألفاظ المركبة المبنية على فتح الجزأين. وعندئذ يقال في الإعراب: "يابن أم ... يابن عم - يابنة أم ... يابنة عم ... يا بنت أم ... يا بنت عم ... " "ياء" حرف نداء. وما بعدها منادى مضاف. منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلية التي هي فتح الجزأين، وياء المتكلم المحذوفة هي المضاف إليه. وتكون الفتحة التي على حرفي النون والتاء "في: ابن، وابنة، وبنت ... " حركة هجائية، لا توصف بإعراب ولا بناء1 ... ب- إن كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم معتل الآخر، أو ملحقا2 به
فحكمه هو ما كان يجري عليه قبل النداء، وقد سبق تفصيله1، ويتلخص في قاعدة واحدة2؛ هي: سكون آخر المضاف دائما، وبناء المضاف إليه على الفتح في الأفصح -وهذه القاعدة تنطبق على ما يأتي: 1- المقصور المضاف إلى ياء المتكلم؛ نحو: يا فتاي أنت عوني في السراء والضراء. 2- المنقوص المضاف إلى ياء المتكلم، وتدغم الياءان، وأولاهما ساكنة، والأخرى مبنية على الفتح؛ نحو: يا داعي للخير، لبيك من داع مطاع. 3- المثنى وشبهه؛ وتدغم ياؤه ساكنة في ياء المتكلم المبنية على الفتح3، كقول الشاعر في حديقة: خذا الزاد يا عيني من حسن زهرها ... فما لكما دون الأزاهر من متع 4- جمع المذكر وشبهه؛ وتدغم ياؤه ساكنة في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ كقول الشاعر: يا سابقي إلى الغفران. مكرمة ... إن الكرام إلى الغفران تستبق 5- المختوم بياء مشددة. وليس تشديدها للإدغام؛ ففي كلمة مثل: عبقري، يقال: أفرحتني يا عبقري. بحذف الياء الثانية من المشددة، وإدغام الأولى التي بقيت في ياء المتكلم المفتوحة. ويصح حذف ياء المتكلم مع بقاء الياء المشددة قبلها مكسورة4؛ نحو: يا عبقري. لك إكباري وتقديري ... ويصح قلب ياء المتكلم ألفا وحذفها. مع فتح الياء المشددة قبلها؛ نحو: يا عبقري ... أما المعتل الآخر بالواو فشأنه من فصلناه هناك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجري على الأسماء الخمسة: "أب، أخ، حم، هن، فم" عند ندائها مع إضافتها لياء المتكلم ما يجري عليها بغير مناداتها. ذلك أن الرأي الفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه هو إضافتها بحالتها الحاضرة، دون إرجاع لامها المحذوفة "أي: دون إرجاع حرفها الأخير؛ وهو: "الواو" المحذوفة" إذ الشائع أن أصل أبو، أخو، حمو، هنو، فوه. والميم زائدتان في: "فم" وفي "فوه" ... فإذا أضيفت تلك الأسماء -وهي مناداة، أو غير مناداة- أعربت على حسب حاجة الجملة؛ وكسر حرفها الأخير الحالي لمناسبة الياء1؛ فتقول: يا أبي يا أخي، يا حمي، يا هني، يا في، ويصح في هذه: يا فمي. وهناك رأي مستنبط من بضعة أمثلة مروية عن بعض القبائل، مؤداه: إرجاع الحرف المحذوف من آخر تلك الأسماء مع تسكينه قبل ياء المتكلم. وهذه الياء يجب بناؤها على الفتح، فتجتمع الواو والياء، وتسبق إحداهما بالسكون؛ فتقلب الواو ياء، وتدغم الياء في الياء2. ويكسر ما قبلها لمناسبتها؛ فتقول يا أبي، يا أخي ... وفي هذه الصورة تكون الكلمة معربة بحركة مقدرة منع من ظهورها السكون الواقع على الياء الأولى لأجل الإدغام3. أما "ذو" التي تعرب إعراب الأسماء الخمسة فلا تضاف لضمير المتكلم. ب- يجوز في كلمة: "ابنم" المبدوءة بهمزة الوصل، والمختومة بالميم الزائدة، ومعناها: ابن - إثبات الميم عند الإضافة وحذفها؛ نحو: يا بنمي، أو: يا بني؛ بإسكان الياء في الحالتين، وكسر ما قبلها.
المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادي
المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى من الألفاظ ما لا يستعمل إلا منادى؛ فلا يكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما لناسخ أو خبرا له، ولا شيئا آخر غير المنادى1. وأشهر هذه الأسماء ما يأتي: 1- "أبت، وأمت" بشرط وجود تاء التأنيث في آخرهما على الوجه الذي فصلناه2 -ووجودها يحتم أن يكون كل منهما منادى، ولا يصح استعمالهما في شيء آخر معها- نحو: يا أبت، إني لك مطيع، ويا أمت إني بك بار. أي: يا أبي ... أي أمي. 2- "اللهم"، المختومة بالميم المشددة3، نحو: اللهم لا سعادة إلا فيما يرضيك، ولا شقاء إلا فيما يغضبك. 3- "فل" "بضم الفاء واللام معا"؛ وهي عند النداء كناية عن مفرد معين من جنس الإنسان. و"فلة"، و"بضم الأول وفتح الثاني" وهي عند النداء كناية عن مفردة معينة من جنس الإنسان كذلك؛ نحو: يا فل، عمل المرء عنوان نفسه، ودليل عقله - يا فلة، القصد يمن، وخير الكلام أصدقه. فالمنادى "فل، وفلة" مبني على الضم دائما في محل نصب. ولا يعنينا أن يكون سبب التعيين هنا في الكناية ما يقوله بعض النحاة من أنها علم على إنسان، كسائر الأعلام الشخصية "مثل: محمد ... وفاطمة ... " أو: ما يقوله بعض آخر: إن سببه طارئ بالمناداة والقصد، وأنها نكرة مقصودة،
مثل: يا رجل؛ لمعين، أو: يا فتاة؛ لمعينه، وقد عرفت النكرة بالنداء والإقبال ... -لا يعنينا شيء من هذا كله؛ لأن نتيجة الرأيين واحدة؛ هي بناء الكلمة بصورتها الحالية على الضم دائما، في محل نصب، وعدم استعمالها في غير النداء إلا لضرورة شعرية، وكذلك عدم استعمالها منادى منصوبا مباشرة؛ لأنها لا تكون مضافة، ولا شبه مضافة، ولا نكرة غير مقصودة؛ إذ السماع الوارد في لفظها يقتضي قصرها على المنادى المبني على الضم1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يدور الجدل حول أصل هاتين الكلمتين، ولولا ما له من أثر يساعد عند الرجوع على مادتهما اللغوية في المعاجم، وعند التصغير، والمشتقان ... لأهملناه. وملخصه: أن فريقا من النحاة يرى أصل: "فل" و"فلة" هو "فلان" و"فلانة" وأنهما في النداء -كأصلهما- كنايتان عن علم شخص لرجل معين، كعلي ... وامرأة معينة؛ كزينب ... ، حذفت من آخرهما الألف والنون، للترخيم1 -برغم أن قواعده لا تسمح بهذا الحذف الكثير دفعة واحدة- وأن الألف والتاء زائدتان. وأما النون فأصلية؛ لأن مادة فعلهما الماضي هي: "فلن" وعند التصغير -إذا سمي بهما- يقال فيهما "فلين" و"فلينة"، وأنهما يختلفان في الاستعمال عن أصلهما الخالي من الحذف، فلا يستعملان إلا في النداء، أما أصلهما فيكون منادى وغير منادى. ويوافق آخرون على هذا الرأي، إلا أنهم يعتبرون حذف تلك الحروف للتخفيف، لا للترخيم، وإلا وجب أن يقال في المذكر "فلا" وفي المؤنث "فلان" طبقا لقواعد2. ويخالفهما كثير من البصريين؛ فيرى أنهما كلمتان مستقلتان، وليستا اختصار "فلان" و"فلانة" -كما يرى أنهما مختومتان بياء أصلية، حذفت تخفيفا؛ كحذفها من كلمة "يد"، فأصلهما: "فلي" و"فلية"3 وتصغيرهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "فلي وفلية" ومادة ماضيهما "فلي" وأن منهما عند النداء فكرة مقصودة بالمناداة والإقبال؛ فتدل الأولى على رجل مقصود، وتعدل الثانية على امرأة مقصودة، ولا يرجعان في أصلهما إلى كلمتي: "فلان وفلانة" اللتين هما كنايتان عن علمين شخصيين أحدهما لرجل، والآخرة لامرأة -كما سبق- وهذا الرأي أوضح، وأبعد من التعقيد. فالآراء متفقة على بناء "فل" و"فلة" على الضم1، مختلفة في أصلهما، في نوع المنادى؛ أهو مفرد علم، أم نكرة مقصودة؟ متفقة كذلك على أنهما لا يستعملان بصورتهما هذه إلا منادى. وأن كلمتي: "فلان" و"فلانة" تستعملان في النداء وغيره2، مع اعتبارهما، كنايتين عن علمي شخصيين لرجل معين، وامرأة معينة، ونونهما أصلية، ومادة فعلهما "فلن"2؛ تقول في استعمالهما في النداء: يا فلان، تضيع الغاية بين العجز والملل، ويا فلانة، من أعجب بنفسه ضاعت هيبته ... كما تقول في غيره: أسرع فلان إلى سماع محاضرة فلان ... وبادرت فلانة للإصغاء إلى فلانة أو فلان.
4- لؤمان، وملأم "وكلاهما وصف بمعنى: كثير اللؤم والدناءة"، ونومان "وصف بمعنى: كثير النوم"؛ نحو: يا لؤمان أو: يا ملأم، من أساء إلى غيره حاقت به إساءته - يا نومان، الاعتدال في كل الأمور حميد. ويجوز في الثلاثة زيادة تاء التأنيث عند نداء المؤنث. ولا يقاس على هذه الثلاث المسموعة غيرها مما يشاركها في الوزن إذا كان غير مسموع. فكل واحد من هذه منادى مبني على الضم في محل نصب. 5- ملأمان، ومخبثان "وصفان بمعنى: لئيم، وخبيث" ... وغيرهما؛ من كل وصف على وزن: "مفعلان"، وأصل مادته -في الغالب- يدل على أمر مذموم. وقد يدل على أمر محمود، مثل: مكرمان، ومطيبان؛ "وهما وصفان بمعنى: عزيز مكرم، وطيب" ومن الأمثلة: يا ملأمان، من قبحت سيرته تقاسمته البلايا -يا مطيبان، من طابت سريرته سالمته الليالي. ويجوز زيادة تاء التأنيث في: "مفعلان" عند نداء المؤنث. والأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة؛ لكثرة الوارد بها، أما إعرابها فكالنوع السابق1 ... 6- ما كان وصفا على وزن: "فُعَل" بمعنى: فاعل؛ لذم المذكر وسبه، نحو: غُدَر، بمعنى: غادر، وسُفَه؛ بمعنى: سافه، وشتم، بمعنى: شاتم ... ، وغيرها مما هو على وزنها مع دلالة مادته في أصلها على السب والذم. ومن الأمثلة: يا غدر، لا صداقة معك، ولا أمانة لك ... - يا سفه، مقتل الرجل بين فكيه ...
والأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة بشرط دلالة أصلها على السب، كما يبيح استعمالها في غير النداء. أما إعرابها عند النداء فكالنوع السابق. 7- ما كان وصفا على وزن: "فعال" "فمعنى فاعل، أو: فعيلة" لسب الأنثى وذمها، وهو مبني على الكسر أصالة. وينقاس -في الرأي الأنسب- في كل ما له: فعل، ثلاثي، تام، مجرد، متصرف تصرفا كاملا، ومعناه السب والشتم؛ نحو: غدار وسراق، بمعنى: غادرة، وسارقة، ونحو: خباث، ولكاع؛ بمعنى: خبيثة، ولكيعة؛ أي: لئيمة وخسيسة. تقول: يا غدار؛ لا راحة لحسود، ولا عهد لغدار - يا خباث، لا هدوء مع خبث، ولا اطمئنان مع سوء نية1 ... ومن الشروط السالفة يتضح أن وزن: "فعال" لا يصاغ من مصدر فعل غير مستوف لتلك الشروط؛ كالفعل: "دحرج" لأنه غير ثلاثي، والفعل؛ "كان" لأنه غير تام، والفعل "ليس"؛ لأنه جامد، والفعل يذر، أو: يدع لأن كلا منهما ناقص التصرف2 ... أما إعرابها: فمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره كسرة البناء الأصلي -في محل نصب. وبمناسبة الكلام على صيغة: "فعال" المبنية على الكسر أصالة، وأنها قياسية في الموضوع السالف بشروطها يستطرد النحاة فيقولون: إنها قياسية أيضا في موضع آخر، إذا تحققت تلك الشروط من غير اشتراط الدلالة على السب والشتم، وذلك الموضع هو: أنها تقع اسم فعل أمر مبني على الكسر دائما؛ مثل: تراك؛ بمعنى اترك ما آمرك بتركه - نزال، بمعنى: انزل إلى الحرب أو غيرها - شراب؛ بمعنى: اشرب، ومن هذا قولهم: شراب من ورد التجارب؛ فإنه خير الموارد. وقول الشاعر:
تراك -يا صاحبي - ما ليس بحمده ... سراة1 قومك من أهل المروءات وقول الآخر: نزال إلى حيث المكارم تبتغي ... ألفا يناغيها، أمينا يصونها وسيجيء2 تفصيل الكلام على هذه الصيغة في باب اسم الفعل ... 3. وملخص ما سبق في هذا الباب: أن في اللغة ألفاظا لا تستعمل إلا منادى؛ وهي أنواع ثلاثة:
أ- نوع مقصور على السماع الوارد، لا يتجاوز الحكم لفظه ونصه الوارد إلى لفظ آخر، وأشهر ألفاظه: أبت، أمت، "الملازمين لتاء التأنيث"، اللهم، فل، فلة، لؤمان، ملأعم، نومان. وكل هذا النوع منادى، مبني على الضم إلا "أبت وأمت"، فلهما حكمهما التفصيلي في الباب السابق1. ب- نوع قياسي، وهو ما كان على وزن: "فعال" لسب الأنثى وذمها. وله شروط ... مثل: يا خباث - يا غدار ... وهذا النوع منادى مبني على ضم مقدر من ظهوره كسرة البناء الأصلي في محل نصب. وهو غير النوع الذي على هذا الوزن، ويعرب اسم فعل أمر. ج- نوع من قياسيته خلاف، والأحسن الأخذ برأي القائلين بقياسيته؛ لكثرة الوارد منه. ومن ألفاظه ما كان على وزن: "مفعلان"2 للذم "غالبا"، أو للمدح، ومنه: ملأمان، مخبثان، مكرمان، مطيبان. ومن ألفاظه أيضا ما كان على وزن: "فعل" لذم المذكر وسبه، نحو: غدر، وسفه ... وكل هذا النوع منادى مبني على الضم في محل نصب. فالأنواع الثلاثة عند النداء تبنى على الضم الظاهر في محل نصب، إلا وزن: "فعال" فيبنى على ضم مقدر، وإلا أبت وأمت، ففي إعرابها التفصيل الذي سبق خاصا بهما.
نداء المجهول - اسمه: إذا أردنا نداء المجهول الاسم وجدنا في اللغة أساليب تختلف باختلاف ذاته ومكانته؛ فقد تقول له: يا رجل، يا شاب، يا فتى، يا غلام، يا هذا، أيها السيد، أيها الأخ، يا زميل ... كما نقول للأنثى: يا فتاة، يا شابة، يا سيدة أيتها الأخت، يا زميلة ... ، إلى غير هذا من الكلمات الصالحة للنداء، والتي يترك اختيارها لذوق المتكلم، وبراعته في حسن الاختيار الملائم للمقام، كما اختار العرب قديما، وكما يختار المتعلمون اليوم ... ومما اختاره العرب أحيانا كلمة: "هن" لنداء المذكر المجهول، و"هنة" "بسكون1 النون أو فتحها" للمؤنثة المجهول؛ تقول: يا هن، لا تستشعر الوحشة في بلدنا؛ فالغريب بيننا قريب - يا هنة ماذا تبتغين؟ ... ويقولون في التثنية: يا هنان ... ، ويا هنتان ... وفي جمعي السلامة: يا هنون2 يا هنات. وربما ختموا هذه الكلمات عند ندائها بالأحرف الزائدة التي قد تختم بها في الندية3؛ فيقولون في الإفراد: يا هاه، ويا هنتاه، وفي التثنية: يا هنانيه ويا هنتانيه، وفي الجمع: يا هنوناه، ويا هناتوه؛ بسكون الهاء الأخيرة في كل ذلك عند الوقف، وحذفها، وصلا. وقد تثبت وصلا في الشعر أو غيره؛ فتتحرك بالضم أو بالكسر. ولما كانت "هن" و"هنة" متعددة المعاني اللغوية، ومن معانيها ما هو محمود وما هو مذموم، كان الأنسب اليوم أن نختار سواها عند نداء المجهول الاسم، وأن نهجرها بصورها وفروعها المختلفة.
المادة 133: الاستغاثة
المادة 133: الاستغاثة ... المسألة 133: الاستغاثة إذا وقع إنسان في شدة لا يستطيع -وحده- التغلب عليها، أو توقع أن يصيبه مكروه لا يقدر على دفعه ... ، فقد ينادي غيره لينقذه مما وقع فيه فعلا، أو ليدفع عنه المكروه الذي يتوقعه، ويخاف مجيئه ... ومن الأمثلة: مناداة الغريق حين يُشرف على الموت؛ فيصرخ: "يا للناس للغريق". ومناداة الحارس زملاءه حين يرى جمعا من الأعداء مقبلا فيرفع صوته: "يا للحراس للأعداء". فهذه المناداة لطلب العون والمساعدة هي التي تسمى: "الاستغاثة"؛ ويقال في تعريفها إنها: "نداء موجه إلى من يخلص من شدة واقعة بالفعل، أو يعين على دفعها قبل وقوعها". أسلوبها وأركانه: أسلوب الاستغاثة -على الوجه السالف- أحد أساليب النداء. ولا يتحقق الغرض منه إلا بتحقيق أركانه الثلاثة الأساسية؛ وهي: حرف النداء "يا"، وبعده -في الأغلب: "المستغاث به"؛ وهو المنادى الذي يطلب منه العون والمساعدة ... ويسمى أيضا: "المستغاث"1، وهذا الاسم الأكثر شيوعا هنا، ثم: "المستغاث له" وهو الذي يطلب بسببه العون؛ إما لنصره وتأييده، وإما للغلب عليه، كالمثالين السالفين؛ فهو الدافع للاستغاثة؛ لمعاونته، أو لمقاومته. من هذه الأركان الثلاثة مجتمعة. يتألف الأسلوب الخاص بالاستغاثة الاصطلاحية2، مع مراعاة الأحكام الخاصة بكل ركن منها. وتتركز هذه الأحكام فيما يأتي:
أ- ما يختص بحرف النداء: يتعين هنا أن يكون حرف النداء هو: "يا" دون غيره من إخوته، وأن يكون مذكورا1 دائما؛ نحو: يا للأحرار للمستضعفين ... فإن تخلف أحد هذين الشرطين لم يكن الأسلوب أسلوب استغاثة. ب- ما يختص بالمستغاث "وهو: المنادى": 1- الغالب على المستغاث أن تسبقه لام الجر الأصلية. ومتى وجدت كانت مبنية على الفتح وجوبا؛ نحو: يا للطبيب للمريض، وقول الشاعر2: يا للرجال لحرة موءودة3 ... قتلت بغير جريرة وجناح3 ووجود هذه اللام ليس واجبا، إنما الواجب فتحها يحين تذكر ... 4 ويستثنى من بنائها على الفتح حالتان، يجب فيهما بناؤها على الكسر. الأولى: أن يكون المستغاث "ياء المتكلم"، نحو: يا لي للملهوف. والثانية: أن يكون المستغاث غير أصيل؛ وذلك بأن يكون غير مسبوق "بيا"، ولكنه "معطوف" على مستغاث آخر مسبوق بها؛ فيكتسب من السابق معنى الاستغاثة، والمراد منها. نحو: يا للوالد وللأخ للقريب المحتاج. فكلمة "الأخ" ليست مستغاثا أصيلا، لعدم وجود حرف النداء "يا" معها، ولكنها استفادت معنى
الاستغاثة من "المعطوف عليه" المستغاث الأصيل الذي قبله "يا" وهو الوالد. ففي هذه الصورة -والتي قبلها- يجب كسر اللام الداخلة على المستغاث. ويترتب على عدم ذكر "يا" مع المعطوف شيء آخر، هو صفحة ذكر لام الجر معه، وحذفها؛ نحو: يا للطبيب وللممرض للجريح، أو: والممرض للجريح. فإن ذكرت "يا" مع المعطوف كان مستغاث أصيلا كالمعطوف عليه، ووجب فتح اللام معهما في المواضع التي جب فيها بنائها على الفتح؛ كقول الشاعر: يا لقومي، ويا لأمثال قومي ... لأناس عتوهم في ازدياد1 2- جميع أنواع المنادى المستغاث، المجرور بهذه اللام الأصلية، المسبوق بالحرف: "يا"، معرب -إذا تحققت شروط ثلاثة-2 منصوب؛ فهو مجرور لفظا، منصوب محلا3. حتى المفرد العلم، والنكرة المقصودة، فإنهما يعتبران -حكما؛ بسبب هذه اللام- من قسم المنادى المضاف، الواجب النصب4، ويلحقان به، فكل؛ منهما مجرور اللفظ، منصوب المحل، "كغيره من بقية أنواع المنادى المستغاث، المسبوق بالحرف: "يا"، والمجرور باللام الأصلية". لهذا يقال في إعراب المستغاث في الأمثلة السابقة5 "وهي: للطبيب ... يا للرجال ... وأشباهها" اللام حرف جر أصلي، والطبيب ... أو الرجال ... منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الكسرة التي جلبها حرف الجر. والجر والمجرور متعلقان "بيا": لأنها نائبة عن الفعل "أدعو"
أو ما بمعناه"1. وإذا جاء لهذا المنادى تابع فإنه يجوز فيه الجر، مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، -وهذا هو الرأي الأنسب الذي يحسن الأخذ به-2 تقول: يا للطبيب الرحيم ... يا للرجال الشجعان، بجر كلمتي: الرحيم والشجعان، أو نصبهما. أما الشروط الثلاثة التي لا بد من اجتماعها ليكون المستغاث معربا منصوبا، فهي: "أن يكون معربا في أصله قبل النداء، وأن تكون لام الجر مذكورة، وقبلها: "يا" مذكورة أيضا. أما إن كان المستغاث مبنيا في أصله؛ نحو: يا لهذا للصالح ... فالواجب إبقاؤه على حالة بنائه الأصلي، ويكون في محل نصب. فكلمة: "هذا" في المثال السالف منادى، مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره سكون البناء الأصلي، في محل نصب3.
وأما إن كانت اللام محذوفة فيجوز أن تجيء الألف في آخر المستغاث؛ عوضا عنها، ولا يصح الجمع بين اللام والألف. ومع وجود هذه الألف يبقى المنادى دالا على الاستغاثة كما كان1 ولكنه لا يعتبر في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف "بالرغم من وجود الألف التي هي عوض عن اللام"، وإنما هو مبني على الضم المقدر2، في محل نصب؛ لأن اعتباره ملحقا بالمضاف واجب النصب متوقف على وجود اللام نفسها، لا على وجود عوض عنها بعد حذفها3. ومن الأمثلة: يا عالما للجاهل. وقول الشاعر: يا يزيدا لآمل نيل عز ... وعني بعد فاقة وهوان فعند إعراب المنادى في المثالين المذكورين: "عالما ... يزيدا ... " يقال: منادى، مبني على ضم مقدر على آخره "منع من ظهوره الفتحة التي
جاءت لمناسبة الألف"، في محل نصب1 ويجري على توابعه -في الرأي الأصح- ما يجري على توابع المنادى المبني على الضم2 من أحكام إعرابية مختلفة؛ ومنها: جواز الرفع والنصب في بعض الحالات؛ فالرفع مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله. ولا يصح مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف3. وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف فالأحسن مجيء هاء السكت الساكنة نحو: يا عالماه ... وتحذف عند الوصل. فإن حذفت لام الجر بغير تعويض كان حكم المستغاث حكم غيره من أنواع المنادى التي ليست للاستغاثة، كقول الشاعر: ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب فيصح في كلمة: "قوم" أن تكون منادى منصوبا؛ لإضافته إلى ياء المتكلم المحذوفة، وبقيت الكسرة المناسبة لها دليلا عليها. "ولا بد من قرينة قال على أن النداء للاستغاثة". ويصح أن تكون مبنية على الضم "باعتبارها فكرة مقصودة" في محل نصب. وإما إذا حذفت "يا" أو كان حرف النداء حرفا آخر غيرها، إن الجملة لا تكون من باب: الاستغاثة -كما تقدم4. 3- كل ما يصلح أن يكون منادى يصلح أن يكون مستغاثا؛ غير أنه يجوز -هنا- الجمع بين "يا" و"أل" التي في صدر المستغاث، بشرط أن
يكون مجرورا باللام المذكورة، لتفصل بينهما؛ كما في الأمثلة المتقدمة. فإن لم يتحقق الشرط لم يصح الجمع1. 4- قد يحذف المستغاث، ويقع المستغاث له بعد "يا" في موضعين". أحدهما: أسلوب مسموع يلتزم فيه الحذف - على الرأي الصحيح - وهي "يالي"، بشرط أن يكون مقتصرا على هذا الجملة المشتملة على "يا" وعلى "المستغاث له" وحده، الخالية ما يصلح أن يكون "مستغاثا به"؛ نحو: "عرفت الأحمق فاكتويت بحمقه؛ فيا لي، ويا للأخوان لي. ثانيهما: أسلوب قياسي -وهو قليل مع قياسيته وجوازه- ويشمل كل أسلوب يكن اللبس مأمونا فيه عند الحذف؛ كقول الشاعر: يا ... لأناس أبوا إلا مثابرة ... على التوغل في بغي وعدوان والأصل: -مثلا- يا الأنصاري لأناس أبوا ... "فالأناس" هم المستغاث لهم. ولا لبس في هذا؛ لأن ضبط اللام بالكسر -نطقا وكتابة- يمنعه، وإذا لم تضبط فالمعنى يمنعه أيضا؛ إذ لا يعقل أن يكون الأناس مستغاثا بهم. مع اتهامهم بالتوغل الدائب في البغي والعدوان؛ فمن شأنهم هذا التوغل لا يستغيث بهم أحد. ج- ما يختص بالمستغاث له: 1- يجب تأخيره عن المستغاث. 2- يوجب جره بلام أصلية مكسورة دائما -كالأمثلة السابقة- إلا في حالة واحدة؛ هي: أن يكون المستغاث له ضميرا لغير ياء المتكلم فتفتح لام الجر2؛ نحو: يا للناصح لنا، ويا للمخلص لكم ... بخلاف:
يا للرائد لي؛ لأن الضمير ياء المتكلم. وفي جميع الصور تتعلق اللام ومجرورها النداء "يا". 3- يجوز حذفه إن كان معلوما واللبس مأمونا؛ كقول الشاعر: فهل من خالد إما1 هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار ولأصل: يا للناس للشامتين، أو نحو ذلك. وقول الآخر: يا لقومي ... من للعلا والمساعي ... يا لقومي ... من للندى والسماح؟ 4- يجوز -عند قيام قرينة- الاستغناء عن هذه اللام، والإتيان بكلمة: "من" التعليلية2 عوضا عنها؛ بشرط أن يكون المستغاث له مستنصرا عليه، "أي: أن يكون القصد من الاستغاثة التغلب عليه، وإضعاف أمره ... " نحو: يا للأحرار من الخادعين المنافقين، وقول الشاعر: يا للرجال ذوي الألباب من نفر ... لا يبرح السفه المردي3 لهم دينا فإن لم يكن مستنصرا عليه بأن كان مستنصرا له لم يصح مجيء "من" وتعينت اللام". بقيت بعض أحكام عامة أهمها: 1- جواز وقوع المستغاث به والمستغاث له ضميرين؛ نحو: يا لك لي؛ يقولها من يستغيث المخاطب لنفسه. 2- جواز أن يكون المستغاث هو المستغاث له في المعنى؛ كقولك في النصح الرقيق لمن يهمل، واسمه علي -مثلا- يا لعلي، تريد: أدعوك لتنصف نفسك من نفسك.
3- إذا وقع بعد "يا" اسم مجرور باللام، لا ينادى إلا مجازا؛ -لأنه لا يعقل- وليس بعده ما يصلح أن يكون مستغاثا، جاز فتح اللام وكسرها؛ نحو: يا للعجب - يا للمروءة - يا للكارثة ... فالفتح على اعتبار الاسم مستغاثا به، مجازا "لتشبيهه بمن يستغاث به حقيقة، أي: يا عجب، أو: يا مروءة ... أو: يا كارثة ... احضر، أو: احضري، فهذا وقتك". والكسر على اعتبار الاسم مستغاثا له. والمستغاث محذوف. فكأنك دعوت غيره تنبهه على هذا الشيء، والأصل -مثلا: يا لقومي للعجب، أو: للمروءة أو للكارثة1 ... أما في مثل: "يا لك"2 -بكاف الخطاب: للعاقل وغيره- فاللام واجبة الفتح3 ولكن الكاف تصلح أن تكون مستغاثا به أو: مستغاثا له، على الاعتبارين السالفين.
المسألة 134: النداء المقصود به التعجب
المسألة 134: النداء المقصود به التعجب أسلوبه: راقب أحد الشعراء البدر في ليلة صافية، فبهره جماله، وتمام استدارته. ولطف حركته ... فأعلن إعجابه وإكباره بقصيدة مطلعها: يا للبدور، ويا للحسن؛ قد سلبا ... مني الفؤاد؛ فأمسى أمره عجبا وراقب آخر الشمس ساعة غروبها، وما ينتابها من صفرة، وتغير، واختفاء؛ فامتلأت نفسه بفيض من الخواطر، سجله في قصيدة منها: يا للغروب، وما به من عبرة ... للمستهام، وعبرة للرائي أو ليس نزعا للنهار، وصرعة ... للشمس بين جنازة الأضواء؟ وتكشف يوم من أيام الربيع الباسمة عن صباح عاصف، متجهم، قارس، فقال أحد الشعراء أرجوزة مطلعها: يا لصباح أغبر الأديم ... قد طعن الربيع في الصميم فهذه الأساليب: "يا للبدور، يا للحسن، يا للغروب، يا لصباح ... وأشباهها" قد توهم في مظهرها اللفظي وهيئتها الشكلية أنها أساليب استغاثة؛ -كالتي مرت في الباب السالف-1 لاشتمالها على حرف النداء: "يا"، وعلى منادى مجرور باللام المفتوحة. ولكنها حقيقة2، لا مجازا، ومما يصلح أن يكون مستغاثا حقيقيا، "لا مجازيا"، ولأن المتكلم بها على هذه الصورة لا يطلب التخلص من شدة واقعة، ولا دفع مكروه متوقع. وإنما هي أساليب نداء؛ أريد بها التعجب من ذات شيء، أو كثرته، أو شدته، أم أمر
غريب فيه، أو غرض آخر مما سنبينه؛ فهي نداء خرج عن معناه الأصلي إلى هذا الغرض الجديد، وجاءت صورته الشكلية على صورة الاستغاثة، دون أن يكون منها في المعنى والمراد. وقد ينادى العجب نفسه -مجازا- للمبالغة في التعجب؛ فيقال: يا عجب، يا للعجب، يا عجبا للعاق. أحكامه: 1- يجوز أن يشتمل المنادى المقصود به التعجب، على لام الجر، كما يجوز أن يخلو منها؛ وقد مرت الأمثلة للحالتين. والشائع عند حذف هذه اللام أن تجيء الألف في آخره عوضا1 عنها؛ فيقال عند القرينة2؛ يا بدورا ... يا حسنا ... يا عجبا ... ، ولا يجوز اجتماعهما. ويجوز عند الوقف على المختوم بالألف مجيء هاء السكت الساكنة: نحو: يا بدوراه - يا حسناه. 2- يجوز في المنادى المقصود منه التعجب فتح اللام الداخلة عليه وكسرها، على الاعتبارين اللذين سبق إيضاحهما في الحكم الثالث من الأحكام العامة التي وردت في آخر باب "الاستغاثة"3. 3- جميع الأحكام النحوية الأخرى التي تثبت للمنادى المستغاث -ومنها: الإعراب والبناء، ووجود الحرف: "يا" دون غيره- تثبت للمنادى المتعجب منه، برغم اختلافهما غرضا ودلالة.
الغرض منه: الباعث التعجب بأسلوب النداء أحد أمرين: 1- أن يرى المرء شيئا عظيما يتميز بذاته، أو بكثرته، أو شدته، أو غرابة فيه ... ؛ فينادي جنسه؛ إعلانا بإعجابه، وإذاعة به، كالأمثلة السالفة. 2- أن ينادي من له صلة وثيقة بذلك الشيء، وتخصص فيه، وتمكن منه، حمدا له وتقديرا، أو: طلبا لكشف السر فيه، ومواطن العجب؛ كأن يسمع عن طيارات غزو الفضاء، واختراق الغلاف الجوي، أو الدوران حول الأرض كلها في بضع ساعات، أو إرسال رواد وأجهزة علمية إلى سطح القمر ... -فيقول: يا للعلماء، أو: يا للعباقرة. وكقول شوقي: "في قيصر الرومان الذي فتنته كليوباترة، وقضت على ملكه، وعليه ... ": ضيعت قيصر البرية أنثى ... يا لربي مما تجر النساء ... هذا، والتعجب بكل أنواعه وصيغه -كما سبق في بابه-1 ليس مقصورا على الأمر الحميد أو المحبوب، وإنما يكون فيهما، وفي الذميم أو البغيض.
المسألة 135: الندبة
المسألة 135: الندبة يتضح معناها مما يأتي: 1- قيل لأعرابي: "مات عثمان بن عفان اليوم ... " فصرخ: "واعثمان، واعثمان. أثابك الله وأرضاك؛ فلقد كنت عامر القلب بالإيمان، شديد الحرص على دينك، بارا بالفقراء، مقنعا بالحياء ... ". 2- وقيل لعمر -رضي الله عنه: أصابنا جدب شديد ... فصاح: واعمراه، واعمراه. 3- وقيل لفتى يتأوه: ما بك؟ فأمسك رأسه، وقال: وارأسي. وقيل الآخر: مالك تضع يدك على كبدك؟ فردد قول الشاعر: فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء 4- وسئل غني افتقر: أين أعوانك وخدامك والمحيطون بك؟ فقال في أسف وحرارة: وافقراه. ففي الأمثلة السابقة أساليب نوع من النداء يسمى: "الندبة"؛ ومنه: واعثمان، واعمراه، وارأسي، واكبدا، وافقراه ... ويقولون في تعريفها: "إنها نداء موجه للمتفجع عليه، أو للمتوجع منه"1. يريدون بالمتفجع عليه: من أصابته المنية، فحملت الناس على إظهار الحزن، وقلة الصبر؛ سواء أكانت الفجيعة حقيقة كالتي في المثال الأول: "واعثمان"، أم حكمية كالتي في المثال الثاني: "واعمراه" فإن عمر حين قال ذلك كان حيا، ولكنه بمنزلة من أصابه الموت؛ لشدة الألم، والهول الذي حل به2.
ويريدون بالمتوجع منه: الموضع الذي يستقر فيه الألم، وينزل به، "كالمثال الثالث: وارأي، واكبدا"، أو: السبب الذي أدى للأم وأحدثه؛ "كالمثال الرابع: وافقراه"؛ فالمتوجع منه هو مكان الألم، أو سببه. والمنادى في هذه الأساليب -وأشباهها- يسمى: المندوب1، فهو: المتفجع عليه، أو المتوجع منه. والغرض من الندبة: الإعلام بعظمة المندوب، وإظهار أهميته، أو شدته، أو العجز عن احتمال ما به ... ومن المندوب وحرف النداء يتألف أسلوب "النداء الاصطلاحية"2 فهما ركناه. ولكل منهما أحكامه التي تتلخص فيما يأتي: أ- حرف النداء: 1- لا يستخدم في الندبة إلا أحد حرفين من أحرف النداء: أحدهما: أصيل، وهو: "وا"؛ لأنه مختص بالندبة، لا يدخل على غير المنادى المندوب؛ كالذي في الأمثلة السالفة. والآخر غير أصيل؛ وهو: "يا" لأنه غير مختص بالندبة، وإنما يدخل على المنادى المندوب وعلى سواه. واستعمال "يا" قليل هنا، وهو -على قلته- جائز، بشرط أمن اللبس بوجود القرينة الدالة على أن الأسلوب للندبة، لا لنوع آخر من أساليب النداء. ومن الأمثلة ما جاء في خطبة أحد الأدباء يرثي زعيما3 وطنيا فوق قبره:
"لقد أفنيت عمرك في الجهاد، واستنزفت مالك -وما كان أكثره- في طلب الحرية للبلاد، واسترجاع الحق المغصوب، والاستقلال المسلوب، حتى ذاب جسمك، وانطفأ مصباح حياتك؛ فآه!! آه!! يا محمداه ... ". فلا مجال للالتباس هنا؛ لأن المقام مقام رثاء، والمنادى الذي دخلت عليه "يا" ميت ... 2- ولا بد في أسلوب الندبة من أن يذكر أحد هذين الحرفين؛ فلا يصح حذفه1، ولا الاستغناء عنه بعوض أو بغير عوض ... ب- المنادى، وهو المندوب2 هنا: 1- كل اسم يصلح أن يكون مندوبا، إلا نوعين من الأسماء: أحدهما؛ النكرات العامة؛ "وهي الباقية على أصلها من الإبهام والشيوع، -وتشمل النكرة المقصودة- مثل: رجل، فتاة، عالم، طبيبة ... " وهذه النكرات العامة لا تصلح أن تكون مندوبا إذا كان متفجعا عليه، أما إن كان متوجعا منه فتصلح؛ نحو: وامصيبتاه ... ، في مصيبة غير معينة3 ... والآخر: بعض المعارف4. وينحصر في الضمير، وفي اسم الإشارة الخالي
من علامة خطاب في آخره. وفي الموصولات المبدوءة "بأل"، وفي "أي" الموصولة وفي "أي" التي تكون منادى. فلا يصلح شيء من هذه المعارف لأن يكون مندوبا؛ فلا يقال مثلا: وا أنت، ولا: وا أياك، ولا: وا هذا، وا الذي ابتكر دواء شافيا - وا أيهم مخترع - وا أيها الرجلاه. أما الموصولات المجردة من "أل" فيرى فريق من النحاة صلاحها للندبة، بشرط أن تكون صلتها شائعة الارتباط بالموصول، معروفة بذلك بين المخاطبين؛ نحو: وا من1 بني هرم مصر -وا من2 أنشأ مدينة القاهرة، لأن هذا الموصول بمنزلة قولك: وا "خوفو" -وا "معز"؛ بل أقوى، لما فيه من الإشادة بذكر شيء هام ينسب له. ويرى آخرون المنع: بحجة أن شيوع الصلة. وإدراك المراد منها. عسير في أغلب الأحيان. وربما شاعت عند قوم وخفيت على غيرهم. والأخذ بالرأي الأول أنسب عند الحاجة. ويرى آخرون المنع: بحجة أن شيوع الصلة. وإدراك المراد منها، عسير في أغلب الأحيان. وبما شاعت عند قوم وخفيت على غيرهم. والأخذ بالرأي الأول أنسب عند الحاجة. واسم الموصول: "من" في المثالين السالفين مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي في محل نصب. وهذا على اعتبار اسم الموصول -في الرأي الأصح- من قسم المنادى المفرد. فإن جعل من قسم الشبيه بالمضاف -كما يرى بعض النحاة- فهو منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي. وأثر كل رأي يظهر في توابعه، فهي إما توابع منادى مبني على الضم، لها أحكامها التي سبقت3 وإما توابع منادى منصوب؛ فتنصب على الوجه المشروع هناك. ومثل هذا يقال في بقية الموصولات المبنية قبل النداء. فليس بين المعارف كلها ما يصلح للندبة إلا العلم، وإلا المضاف لمعرفة يكتسب منها التعريف. وإلا الموصول -عند بعض النحاة- بشرط تجرد من
"أل"، وبشرط اشتهار الصلة بين المتخاطبين، وإلا بعض المقرون "بأل" مما يصلح للنداء1. 2- حكم المندوب من ناحيتي الإعراب والبناء حكم غيره من أنواع المنادى فيجب بناؤه على الضم إن كان علما مفردا، أو نكرة مقصودة، مع مراعاة التفصيل الخاص بكل ... 2 نحو: واعمر - واعثمان، وارأس - واكبد ... ، وأشباههما مما عرضناه في الأمثلة الأولى وما لم نعرضه. ويجب نصبه إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف2؛ فمثال المضاف قول الشاعر في قصيدة يرثى بها عالما دينيا كبيرا3: واخادم الدين والفصحى وأهلهما ... وحارس "الفقه" من زيغ وبهتان ومثال الشبيه به ما قيل في رثائه: واناشرا راية العرفان عالية. ويلحق بالشبيه النكرة المقصودة الموصوفة؛ كقولهم في رثاء الإمام علي: واإماما خاض أرجاء الوغى ... يصرع الشرك بسيف لا يفل أما النكرة غير المقصودة فلا تصلح مندوبة؛ إذا كانت للمتفجع عليه لا للمتوجع منه -كما سبق-4 فلا يقال: "وارجلاه" لغير معين. وإذا اضطر شاعر لتنوين المندوب المفرد جاز رفعه ونصبه كما جاز له هذا في المنادى المفرد الذي سبق الكلام عليه5 ...
3- الغالب في المندوب أن يختم -جوازا- بألف زائدة تتصل بآخره، إما حقيقية؛ نحو: واعمراه، وقول المتحسر: فواأسفا1 من مكرمات أرومها ... فينهضني عزمي، ويقعدني فقري وإما حكما؛ كالتي تزاد في آخر المضاف إليه لغير ياء المتكلم2 إن كان المندوب مضافا؛ نحو: واعبد الملكاه3. والغرض من زيادة الألف مد الصوت ليكون أقوى بنبراته على إعلان ما في النفس. وزيادتها ليست واجبة، وإنما هي غالبة -كما قلنا- لكنها إن زيدت وجب لها أمران. فأما أحدهما: فحذف التنوين إن وجد قبل مجيئها في آخر المندوب المبني، أو في آخر المضاف إليه نحو؛ فمثال حذفه من المبني ندبة العلم المحكي حكاية إسناده4؛ نحو: وازاد محمودا؛ فيمن اسمه: "زاد محمود" ومثال المضاف إليه:
واحارس بيتاه. في ندبة: "حارس بيت". وأما الآخر: فأن يتحرك ما قبلها بالفتحة -بشرط أمن اللبس- إن كان غير مفتوح؛ لأن الفتحة هي التي تناسبها؛ كالأمثلة السالفة. فإن أوقعت الفتحة في لبس وجب تركها، وإبقاء الحركة الموجودة على حالها مع زيادة حرف بعدها يناسبها: فتبقى الكسرة وتجيء بعده ياء، وتبقى الضمة وتجيء بعدها واو؛ ففي مثل: واكتابك -بكسر الكاف- تقول: واكتابكي، ولا يصح مجيء الألف؛ فلا يقال: واكتابكا؛ إذ لا يتبين مع الألف حال المضاف إليه؛ أهو خطاب لمذكر أم لمؤنث؟ وكذلك لا يتبين في "واكتابه" لو جئنا بالألف؛ فيجب الاستغناء عنها بالواو بعد الهاء. وفي مثل: واكتابهم، واكتابهموه، ولا يصح واكتابهماه، بزيادة الألف؛ إذ لا يتضح معه نوع الضمير؛ أهو لمثنى أم لجمع؟ ويجب أن يحذف للألف الزائدة ما قد يكون في آخر المندوب من ألف أخرى نحو: مصطفى، فيقال: وامصطفاه1 ... هذا والأحرف الثلاثة السابقة "الألف، الواو، الياء"، زائدة، لا تعرب شيئا، ولا يقال فيها إلا أنها زائدة للندبة، ولا تأثير لها فيما اتصلت بآخره إلا باحتياجها إلى حركة قبلها تناسبها؛ فالفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء2 ...
ويصح في حالة الوقف زيادة هاء السكت1 الساكنة بعد الثلاثة، أو عدم زيادتها، فيقال: وعمراه، واكبداه، واإماماه، واخادم وطناه، واكتابكيه، واكتابهوه ... كما يقال: وا عمرا، واكبدا، واإماما ... ، ولا تزاد الهاء جوازا، إلا بعد حرف من أحرف المد الثلاثة. والأفصح حذف الهاء في وصل الكلام إلا في الضرورة الشعرية فتبقى وتتحرك بالكسر أو بالضم. ومن القليل الذي يحسن إهماله أن تبقى في الاختيار، وأن تتحرك فيه بالكسر أو بالضم2!!.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما فإن نونهما لا تحذف عند مجيء ألف الندبة، فيقال: واإبراهيمانا - واإبراهيمونا، فيبنيان على الألف والواو؛ كالمنادى المجرد. ب- إذا ندب المفرد ولم تلحقه ألف الندبة، كان المنادى المحض مبنيا على الضم في محل نصب -كما سبق- واجعفر. أما في مثل: سيبويه، و"قام محمود" -علمين- فيقال: واسيبويه - واقام محمود "في ندبة من اسمه هذا"، فالمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي في سيبويه، وحركة الحكاية في الثاني المنون. وهو في الحالتين في محل نصب. فإذا جاءت ألف الندبة؛ فقلنا: واجعفرا، فهو منادى مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف في محل نصب. وإذا قلنا: واسيبويها، فهو منادى مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره علامة البناء الأصلي التي حذفت لأجل فتحة المناسبة، في محل نصب، أو: أنه مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحة المناسبة -مباشرة- في محل نصب، وهذا أوضح؛ لأن اعتبار الألف الظاهرة أولى من اعتبار المحذوف. وإذا قلنا: واقام محمودا1. بزيادة ألف الندبة. فالمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة الحكاية التي حذفت لأجل فتحة المناسبة -في محل نصب. أو مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحة المناسبة -مباشرة- في محل نصب. والأفضل أن يكون الضم مقدرا لفتحة المناسبة، مراعاة للناحية اللفظية المذكورة. أما المضاف وشبهه2، نحو: وا كتاب جعفراه - واقارئا كتاباه - فالجزء الأول منصوب دائما كالنداء المحض، والجزء الثاني يقدر إعرابه، وسبب التقدير مجيء الفتحة، لمناسبة الألف. ج- إذا كان للمندوب تابع فإن كان بدلا، أو عطف بيان، أو توكيدا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنويا - فالأحسن ألا تدخل ألف الندية على التابع، ويكتفي بدخولها على المتبوع. وإن كان عطف نسق دخلت على المعطوف. نحو: واعمر واعثماناه. ويجيز بعضهم دخولها على المعطوف والمعطوف عليه. وهذا حسن. وإن كان توكيدا لفظيا دخلت عليهما. نحو: واعمراه واعمراه ... أما إن كان نعتا لفظه كلمة: "ابن" المضافة لعلم فإن الألف تدخل على المضاف إليه؛ نحو: واحسين بن علياه. فإن كان النعت لفظا آخر فالأحسن إدخالها على المنعوت وحده.
المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم
المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم عرفنا1 أن المنادى صحيح الآخر المضاف إضافة محضة، قد تكون إضافته إلى ياء المتكلم، كقول الشاعر وقد عاد إلى وطنه من منفاه2: فيا وطني لقيتك بعد يأس ... كأني قد لقيت بك الشبابا وعرفنا ما يجوز فيه -اختيارا- من لغات أشهرها ست، منها ثلاث تثبت فيها الياء، وثلاث تحذف فيها. فالثلاث الأولى هي: إثباتها ساكنة؛ نحو: يا وطني -إثباتها متحركة بالفتحة، نحو: يا وطني قلبها ألفا بعد فتحة؛ نحو: يا وطنا. والتي تحذف فيها هي: حذفها مع بقاء الكسرة قبلها دليلا عليها؛ نحو: يا وطن قبلها ألفا مفتوحا ما قبلها، وحذف الألف مع بقاء الفتحة قبلها؛ نحو: يا وطن حذفها وبناء المنادى قبلها على الضم، نحو: يا وطن. 1- فإذا ندب المضاف إضافة محضة لياء المتكلم الساكنة الثابتة جاز حذفها ومجيء ألف الندبة مفتوحا ما قبلها. وجاز تحريك الياء بالفتحة مع زيادة ألف الندبة بعدها، ففي نحو: يا مالي، يقال: وامالا، أو: واماليا3.
ويصح عند الوقف زيادة هاء السكت الساكنة على الوجه الذي أوضحناه1. 2- وإذا ندب المضاف لياء المتكلم الثابتة المفتوحة لم يجز إلا زيادة ألف الندبة بعدها، ففي مثل: يا مالي، يقال: واماليا. ويصح زيادة هاء السكت الساكنة وقفا ... 3- وإذا المضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا، حذفت، وحل محلها ألف أخرى للندبة؛ فيقال في: يا مالا - وامالا. ويصح وقفا زيادة هاء السكت الساكنة ... 4 و5 و6- أما إذا ندب المضاف لياء المتكلم المحذوفة فيزاد ألف الندبة مع فتح ما قبلها إن لم يكن مفتوحا، ففي مثل: يا مالِ، يا مالَ، يا مالُ ... يقال فيها جميعا: وامالا. ويصح وقفا زيادة هاء السكت الساكنة. وقد يؤدي بعض الصور السالفة إلى اللبس، فيجب العدول عنه إلى ما لا لبس فيه، أو إقامة قرينة تزيله. وإذا أضيف المنادى المندوب إلى اسم ظاهر مضاف لياء المتكلم؛ نحو: وامال أهلي ... وجب إثبات الياء؛ لأن المندوب لم يضف إليها مباشرة؛ فلا تسري عليه أحكام المنادى المضاف لياء المتكلم. ومع إثباتها يجوز زيادة ألف الندبة بعدها وعدم زيادتها؛ تقول وامال أهلي - وامال أهليا2.
المسألة 137: الترخيم
المسألة 137: الترخيم الترخيم الاصطلاحي: "حذف آخر اللفظ بطريقة معينة؛ لداع بلاغي"1. وهو ثلاثة أقسام: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشعرية، وترخيمه للتصغير. والباب الحالي معقود للكلام على القسمين الأولين، أما الثالث فموضع الكلام عليه: "باب التصغير"2. القسم الأول: ترخيم المنادى. نصح أعرابي لابنه: "عامر"؛ فكان مما قال: "يا عامِ، صداقة اللئيم ندامة"3، ومداراته سلامة...." فحذف الراء من آخر المفرد العلم المنادى. وسمع آخر أعرابية تتغنى بمزاياها؛ فقال لها: "يا أعرابي، دعي ما أنت فيه؛ فمن حدث الناس عن نفسه بما يرضى. تحدثوا عنه بما يكره". فحذف التاء4 من آخر المنادى النكرة المقصودة ... فالحذف على الوجه السالف نوع مما يسمى: "ترخيم نداء"، وهو: "حذف آخر المنادى المفرد العلم، أو النكرة المقصودة. وقد يقتصر الحذف على هذا أو لا يقتصر" طبقا لما سيجيء5.
شروطه: لا يصح إجراء هذا النوع من الترخيم الذي يقتضي حذف الآخر وحده أو مع شيء غيره، إلا بعد أن تجتمع في المنادى شروط عامة لا بد من تحققها فيه -سواء أكان مجردا من تاء التأنيث أم مختوما بها- وشروط خاصة بالمجرد منها. فالعامة هي: 1- أن يكون المنادى معرفة، إما بالعلمية، وإما بالقصد والإقبال1؛ "لأن المنادى الذي يراد ترخيمه قسمان، مجرد من تاء التأنيث، ومقترن بها، فإن كان مجردا من تاء التأنيث وجب ان يكون علما؛ فيتعرف بالعلمية، وإن اقترن بالتاء وجب أن يكون علما، أو نكرة مقصودة؛ فيتعرف بالعلمية، أو بالنداء مع الإقبال، ولا يصح ترخيم النكرة المحضة، وهي النكرة غير المقصودة". 2- ألا يكون مستغاثا مجرورا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: يا لصالح لمحمود - يا لفاطمة لأخيها. فإن حذفت اللام الداخلة عليه جاز ترخيمه؛ نحو: يا صالا2 لمحمود، يا فاطما2 لأخيها. 3- ألا يكون مندوبا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: وامعتصم، أين أنت؟ واعبلة ما صنعت بك الأيام؟ 4- ألا يكون مضافا، ولا شبيها به3؛ كالمضاف في قولهم: يا أهل العلم، عالم ذو همة يحيى أمة - يا فتاتي أنت عنوان بلادي، وشبهه في مثل: "يا بخيلا بماله. أنت تشقى، وغيرك يسعد".
5- ألا يكون مركبا تركيب إسناد -على الأرجح-1 فلا يصح الترخيم في علم كالذي في قولهم: يا "فتح الله"، الجاه يفنى، والمجد يبقى -يا "زينب فاضلة"؛ لا تقابلي الإحسان بالجحود. 6- ألا يكون من الألفاظ المقصورة على النداء2، فلا يصح الترخيم في مثل: يا فل، ويا فلة ... 7- ألا يكون من الألفاظ المبنية أصالة قبل النداء؛ مثل: حَذَامِ - رَقَاش ... علمين لمؤنثتين. تلك هي الشروط العامة التي يجب تحققها في المنادى المراد ترخيمه بقسميه؛ "المختوم بتاء التأنيث، والمجرد منها". أما الشروط الخاصة التي لا بد من تحققها مع العامة في القسم المجرد من تاء التأنيث، دون المختوم بها ... فأهمها: 1- أن يكون تعريفه بالعلمية دون غيرها، نحو: "سالم" علم رجل؛ تقول: يا سال، أذل الحرص أعناق الرجال. فلا يصح في المجرد من تاء التأنيث أن يكون نكرة مقصودة "لأن تعريفها بالقصد والإقبال، لا بالعلمية؛ نحو: يا صاحب، لمعين" أما المختوم بها فيصح أن يكون علما وأن يكون نكرة مقصودة؛ كأن تقول في نداء فتاة اسمها عائشة: يا عائش: آفة النصح أن يكون جهارا. وفي نداء مسافرة معينة: يا مسافر، تيقظي في رحلتك، فإن السلامة في اليقظة. 2- أن يكون العلم المجرد أربعة أحرف أو أكثر؛ فلا يصح ترخيم العلم الثلاثي الخالي من تاء التأنيث مطلقا3؛ مثل "سعد" و"رجب" في قولهم: يا سعد، من أحسن إلى لئيم أساء إلى نفسه - يا رجب، النفس الصغيرة مولعة بالصغائر.
أما المختوم بتاء التأنيث فيصح ترخيمه، سواء أكان علما أم نكرة مقصودة، ثلاثيا أم أكثر. وتقول في نداء فتاة اسمها "هبة" نداء ترخيم: يا هب، إن الأماني والأحلام كالأزهار؛ ما تراكم منها قتل. وفي أخرى اسمها: "ماجدة" يا ماجد، إن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال1 ...
ما يحذف جوازا من آخر المنادى عند ترخيمه: يجوز أن يحذف من آخر المنادى بسبب ترخيمه حرف واحد -وهو الأغلب- أو حرفان، أو كلمة، أو كلمة وحرف. وفيما يلي البيان: أولا: يحذف منه الحرف الأخير وحده بغير شروط إلا التي سلفت. ثانيا: يحذف منه الحرفان الأخيران1 معا بعد تحقق الشروط التي سلفت، مزيدا عليها أن يكون المنادى علما مجردا من تاء التأنيث، وأن يكون الحرف الذي قبل الأخير حرف مد2، وأن يكون زائدا لا أصليا، وأن يكون رابعا فصاعدا. وبعبارة أخرى: يجوز أن يحذف من المنادى العلم المرخم المجرد من تاء التأنيث الحرفان الأخيران، بشرط أن يكون السابق منهما حرف مد. زائدا، رابعا فأكثر ... مثل: عمران، خلدون، إسماعيل ... تقول: يا عمر، من ساء قوله ساءت معامله الناس له - يا خلد، النصح أغلى ما يباع ويوهب - يا إسماع، من خاف الله حرسته عنايته. أما الحرف الأخير فقد يكون أصليا؛ كهمزة "أسماء" في المنادى المرخم من قول الشاعر: يا أسم، صبرا على ما كان من حدث ... إن الحوادث ملقي3 ومنتظر
فكلمة: "أسم"، أصلها: أسماء، وهمزتها الأخيرة بمنزلة الأصلية؛ لأنها منقلبة عن واو أصلية1. وقد يكون زائدا كالنون في "مروان" من قول الشاعر: يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء2، وربها لم ييئس ولا يصح في هذا القسم المستوفي للشروط الاقتصار على حذف الحرف الأخير وحده. وإنما يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله أيضا. إلا إن كان المنادى المرخم مختوما بتاء التأنيث؛ فتحذف وحده دون الحرف الذي قبلها. ففي مثل: "عقبناة"3 وسلحفاة، علمين، يقال: يا عفنبا، يا سلحفا بالألف فيهما. فالترخيم يحذف آخر المنادى أمر اختياري، لا واجب، لكن إذا اخترنا الحذف في هذا القسم المستوفي للشروط وجب أن يحذف مع الآخر الحرف الذي قبله؛ لأنهما متلازمان وجودا وحذفا في غير المختوم بتاء التأنيث حيث يقتصر الحذف عليها وحدها4. وبمراعاة الشروط السالفة يتبين أنه لا يصح في الأمثلة الآتية وأشبابهها، حذف الحرفين الأخيرين معا في نداء الترخيم: يا مرتجاة، علما، لا يقال: يا مرتج، لوجود تاء التأنيث4. يا جعفر. يا ثمود، يا سعيد، يا عماد ... أعلاما، لا يقال: يا جع، يا ثم، يا سع، يا عم ... لأن الحرف الذي قبل الأخير ليس حرف مد أو حرف مد. لكنه ليس رابعا فأكثر. يا رحيم، يا هبيح5 -علمين- لا يقال: يا رحي، يا هبي ...
لأن حرف العلة "الياء" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذف الياء؛ لأنها ليست للمد. يا قنور1 -علما- لا يقال: يا قنو؛ لأن حرف العلة "الواو" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذفه. لأنه ليس حرف مد. يا فرعون -علما- لا يقال: يا فرع؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الواو" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الواو. لأنها ليست للمد هنا. يا غرنيق2 -علما- لا يقال: يا غرن؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الياء" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الياء. لما سبق. يا مختار -علما- لا يقال: يا مخت؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الياء؛ فلا بد من بقاء الألف. يا منقاد -علما- لا يقال: يا منق؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الواو؛ فلا بد من بقاء الألف. ..........3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يصح ترخيم ما سمي به من المثنى وجميع التصحيح بحذف زيادتيهما من آخر العلم، بشرط أن يكون ترخيمها على لغة من ينتظر1، لكيلا يقع فيهما اللبس بالمفرد؛ فتقول في نحو: محمدان ومحمدين "علمين": يا محمدَ - يا محمدِ؛ بالفتح في الأول والكسر في الثاني. وكذا في المنسوب. ويمتنع الضم في كل ما سبق؛ لكيلا يلتبس بالمفرد: وأما محمدون -ونظائره من كل علم أصله جمع مذكر سالم مرفوع بالواو- فيمتنع ترخيمه مطلقا؛ للسبب السالف2. ب- عرفنا ما يحذف منه حرفان عند الترخيم. وهو يشمل المثنى وجميع التصحيح إذا كانت أعلاما؛ فترخم كلها بحذف الآخر ومعه ما قبله، بالشروط التي سلفت. لكن يمتنع بقاء الألف في مثل: "هندات" لأن التاء فيه ليست للتأنيث2. ج- الحركة المجانسة لحرف العلة فيصير حرف مد بسببها، قد تكون ظاهرة؛ كالأعلام التي في الأمثلة السالفة؛ وقد تكون مقدرة في بعض الأعلام الأخرى؛ كما في جمع المقصور جمع مذكر سالما؛ نحو: يا مصطفون، ويا مصطفين، علمين ... فنقول عند الترخيم: يا مصطفي، بحذف الواو والنون من الأول، والياء والنون من الثاني. لأن أصلهما؛ مصطفيون ومصطفيين، بضم الياء في الأول، وكسرها في الثاني. تحركة هذه الياء فيهما، وانفتح ما قبلها؛ فقبلت ألفا. وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فالحركة مجانسة؛ لأنها الضمة قبل الواو في اللفظ الأول، والكسرة قبل الياء في الثاني. فلا يضر أن تكون المجانسة تقديرا؛ لأن المجانسة التقديرية كالمجانسة اللفظية الظاهرة، ولهذا يجب حذف الواو والياء عند حذف الحرف الأخير من الكلمتين السالفتين وأشباههما؛ بشرط أن تكون كل كلمة علما.
ثالثا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة كانت في أصلها مستقلة، ثم ركبت مع أخرى تركيب مزج1، وصارتا بمنزلة الكلمة والواحدة؛ نحو: "حمدويه، خالويه"، "رامهرمز"، "تسعة عشر ... " إذا جعلت هذه المركبات أعلاما؛ فنقول في ندائها ترخيما، يا حمد، يا خال، يا رام، يا تسعة، ولا بد عند ترخيمها من وجود قرينة قوية تدل على أصلها؛ إذ ترخيمها لا يخلو من لبس، ولا سيما المركبات العددية المبنية على فتح الجزأين؛ نحو: تسعة عشر. وقد منع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي "وكذا الإسنادي كما تقدم"2 بحجة أنه لم يسمع، وأنه موضع إلباس. والأخذ برأيه أحسن. رابعا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة، ومعها حرف قبلها. ويقع هذا في لفظين من المركبات العددية؛ "هما: اثنا عشر، واثنتا عشرة"، إذا جعلا علمين3؛ فيقال: يا اثن ... يا اثنت ... بحذف كلمة: "عشر" أو "عشرة" والألف التي قبلهما -كما يقال هذا في ترخيمهما من غير تركيب- لأن كلمة: عشر، وعشرة، بمنزلة النون في الاسم
المفرد؛ "أي: الخالي من التركيب وهو: اثنان واثنتان"1. فصارت هي والألف بمنزلة الحرفين الزائدين في آخر الأصل المثنى؛ إذا كان علما. "ملاحظة": اشتد الخلاف بين النحاة الأقدمين في ترخيم الأعداد المركبة "أعلاما وغير أعلام" من ناحية جوازه وطريقته، أو عدم جوازه. والحق أن ترخيمها لا يخلو من لبس وخفاء يحملان اليوم على اجتنابه.
كيفية ضبط المنادى بعد ترخيمه: المنادى المرخم لا يكون إلا مفردا علما أو نكرة مقصودة -بتفصيلهما الذي عرضناه-1 فحكمه الأساسي هو البناء على الضم وفروعه. ولضبطه طريقتان بعد ترخيمه. الأول: أن يلاحظ المحذوف، ويعتبر كأنه باق. ويظل ما قبله على حركته أو سكونه قبل الحذف2، ويستمر رمز البناء على الضم -وفروعه- مقصورا على الحرف الأخير المحذوف، كما كان قبل حذفه، من غير نظر لما طرأ عليه؛ ففي مثل: يا عامر ... يا سيدة ... يكون المنادى قبل الترخيم "عامر - سيدة" مبنيا على الضم في محل نصب، ويصير بعد الترخيم: يا عامِ، يا سيدَ، منادى مبنيا على الضم الذي على الحرف المحذوف، في محل نصب أيضا. بالرغم من كسر الميم، وفتح الدال؛ لأن كلا منهما لا يعد -بحسب هذه الطريقة- حرفا أخيرا في كلمته، يختص بعلامة البناء. وكذلك في مثل: يا سالم - يا مسافرة، يا إفرند3؛ فالمنادى من غير ترخيم مبني على الضم في محل نصب. فإذا رخم قيل بهذه الطريقة: يا سالِ - يا مسافرَ، يا إفرنْ ... ، والمنادى مبني على الضم في محل نصب، كما كان من غير
حذف ... وهكذا يظل آخر اللفظ الحالي على ما كان عليه من حركة أو سكون قبل حذف الحرف الأخير. وتسمى هذه الطريقة: "لغة من ينوي المحذوف". وتشتهر باسم: "لغة من ينتظر". ويجب الاقتصار عليها في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس -كما سيجيء- مثل: يا علي، مرخم "علية"، علم أنثى؛ لوجوب فتح الحرف الذي قبل تاء التأنيث؛ فتكون هذه الفتحة -في الاسم المفرد الذي يجب بناء آخره على الضم- دليلا على أن هناك حرفا محذوفا ملحوظا هو التاء؛ إذ لو لم نلاحظة لقلنا: "يا علي" فيلتبس نداء المؤنث بالمذكر1. الثانية: مراعاة الأمر الواقع؛ وذلك باعتبار أن ما حذف من اللفظ قد انفصل عنه نهائيا، وانقطعت الصلة بينهما، وكأنها لم تكن، وصار آخره الحالي -بعد حذف ما حذف- هو الذي يقع عليه العلامة. ففي المثالين السالفين يقال في نداء الترخيم: "يا سال، يا مساف". فالمنادى مبني على الضم في محل نصب. وتسمى هذه الطريقة: "لغة من لا ينوي المحذوف"2 أو: "من لا ينتظر".
وتصلح الطريقتان في مثل: "عنتر" في قول الشاعر عنترة. ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم وقوله: يا عبل لا أخشى الحمام؛ وإنما ... أخشى على عينيك وقت بكاك فأصل الكلمتين قبل النداء: عنترة وعبلة، ثم ناداهما نداء ترخيم؛ فحذف آخرهما. فالواجب -على لغة من ينتظر- أن نترك آخرهما الحالي على ما كان عليه قبل الحذف فيظل مفتوحا كما كان؛ فنقول: عنتر - عبل ... ويقع البناء على الضم على الحرف المحذوف. أما على لغة من لا ينتظر فيجب بناء الباقي على الضم مباشرة، وهكذا في كل النظائر الأخرى المختومة بتاء التأنيث. ويلاحظ أن المرخم المختوم بتاء التأنيث لا تصلح له إلا طريقة: "من ينتظر" عند خوف اللبس، كما أسلفنا. فإذا أمن اللبس -بسبب اشتهار الكلمة في الاستعمال أو لسبب آخر- جاز اختيار هذه الطريقة أو تلك؛ كما في البيتين السابقين، وكما في نحو: يا فاطم -بضم الميم أو فتحها- وهي ترخيم: فاطمة، ومثلهما: همزة، "لمن يغتاب الناس" ومسلمة، علم رجل ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الأخذ بطريقة "من لا ينتظر" على الوجه المشروح يقتضي -كما عرفنا- إهمال الحرف المحذوف، واعتباره كأنه لم يوجد؛ فيجري على الآخر الحالي كل الأحوال النحوية والصرفية المختصة بآخر الكلمة. ففي مثل: "ثمود - علاوة - كروان ... وأشباهها من الأعلام التي تنادي ترخيما فيختم آخرها بعد الحذف بحرف علة؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو ... " في مثل هذه الكلمات يبقى الآخر الحالي على ما هو عليه عند من ينتظر؛ فيبنى على الضم على الدال، والتاء، والنون المحذوفات -في محل نصب ولا يقع تغيير على الأحرف الباقية بعد الحذف. أما على لغة من لا ينتظر فيقع على الآخر الحالي تغييرات لا مناص منها؛ أهمها: أنه سيتغير ضبطه؛ فيصير مبنيا على الضم المقدر أو الظاهر؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو. وأن توابعه ستخضع لحكم توابع المنادى المبني على ضم آخره المذكور في الكلام، وأنه سيتغير تغيرا صرفيا على حسب ما تقضي به الضوابط الصرفية من الإعلال، والصحة، والإبدال ... وغير هذا، كرجوع حرف محذوف؛ فيقال يا ثمي، بقلب ضمة الميم كسرة، لتنقلب الواو ياء، كي لا يكون آخر الاسم واوا لازمه ساكنة قبلها ضمة؛ لأن هذا نادر في العربية1، وكي لا وتنقلب الواو في آخر الكلمتين الأخيرتين همزة وألفا، لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة في: "يا علاوة". ولتحركها وانفتاح ما قبلها: في "يا كرو"، فيقال: يا علاء - يا كرا2.. ولا يقع شيء من هذا عند اتباع الطريقة الأخرى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- مع أن الطريقتين صحيحتان، والأمر في تقديم إحداهما على الأخرى متروك للمتكلم، ومراعاته المقام قد تكون "الأول وهي: "لغة من ينتظر" أنسب؛ لبعدها عن اللبس، غالبا؛ إذ حركة آخرها الحالي في أكثر الصور، لا تكون ضمة برغم استحقاق المنادى في موضعه هذا للبناء على الضم وجوبا فعدم وجود الضمة يوحي أن في اللفظ الحالي حذفا، ويرشد إلى أن الحرف الأخير الحالي ليس هو الأخير في الأصل، وإلا فأين علامة البناء؟ نعم يقع اللبس في هذه الطريقة حين يكون الحرف؛ الذي قبل المحذوف مباشرة مضموما هجائيا، نحو: قنفذ -علما- فعند ندائه نداء ترخيم على لغة من ينتظر يقول: يا "قنف" فالفاء مضمومة ضما يختلط الأمر فيه؛ أهو ضمة بناء، أم ضمة حرف هجائي ليس آخر الأحرف؟ وللمتكلم أن يتخير ما يزيل به هذا اللبس، أو يعدل عن هذه الطريقة إلى الأخرى، أو يعدل عنهما معا إذا أوقعت كل واحدة منهما في اللبس كالذي يحدث في مثل: يا فتاة. ج- يرد في الفصيح كثيرا نداء لفظ "صاح" كقول الشاعر: هلم "يا صاح" إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا1 همه فأصل الكلمة: "صاحب" نوديت نداء ترخيم بحذف الباء. وهذا الرأي يساير قواعد الترخيم عامة؛ فهو أنسب من الرأي الذي يقول إن أصلها "صاحبي" ورخمت شذوذا بحذف ياء المتكلم والباء. إذ لا داعي للأخذ بالشاذ حين يكون المطرد ممكنا. أما حذف الباء في غير حالة النداء فشاذ، إلا للضرورة الشعرية2 ...
المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية
المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية 1 هذا النوع مقصور على غير المنادي؛ ولا يصح إجراؤه إلا بعد أن تتحقق شروط ثلاثة مجتمعة: أولها: أن يكون في شعر. ثانيها: أن يكون المرخم غير منادى، ولكنه صالح للنداء؛ فلا يصح ترخيم لفظ: "الغلام"؛ لأنه لا يصلح للنداء؛ بسبب وجود "أل"2.. ثالثها: أن يكون المرخم إما زائدا على ثلاثة، وإما مختوما بتاء التأنيث. فمثال الأول: لنعم الفتى -تعشو إلى ضوء ناره- ... طريف بن مال ليلة الجوع والخصر3 أراد: ابن مالك؛ فرخمه ترخيم الضرورة. ومثال الثاني: وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني حقي، أمال بن حنظل أراد: يا مالك بن حنظلة4؛ فحذف التاء من "حنظلة" للضرورة في غير المنادي. وإذا وقع ترخيم الضرورة في لفظ جاز ضبط آخره بإحدى الطريقتين السالفتين: طريقة من لا ينتظر -كالبيتين السالفين5 أو من ينتظر- كقول الشاعر:
ألا أضحت حبالكمو رماما1 ... وأضحت منك شائعة2 أماما3 وبمقتضى الأولى يضبط آخر اللفظ المرخم على حسب ما تقتضيه الجملة من ضبطه، ويجري عليه ما تقتضيه الضوابط العامة، من إعلال، وصحة، وإبدال ... و ... وقد ينون أو لا ينون إن اقتضى الأمر شيئا مما سبق مع عدم اختلال الوزن؛ ككلمة "مال" المنونة في البيت الأول والمجرورة بالإضافة، وكلمة: "حنظل" المجرورة بالإضافة في البيت الثاني مع عدم التنوين. وبمقتضى الثانية يبقى المرخم على حاله بعد حذف آخره، ككلمة: "أمام" في البيت الأخير. هذا، ولا يشترط في المرخم للضرورة أن يكون معرفة "علما أو غير علم"؛ ولا شروطا أخرى غير التي سبقت. ومن ترخيم النكرة قول الشاعر -في بعض الروايات: ليس حي على المنون بخال أي: بخالد4 ...
المسألة 139: الاختصاص
المسألة 139: الاختصاص نسوق الأمثلة الآتية لإيضاحه: 1- قال أحد الشعراء: قل للحوادث أقدمي، أو أحجمي ... إنا بنو الإقدام والإحجام نحن النيام إذا الليالي سالمت ... فإذا وثبن فنحن غير نيام من يسمع: "نا" أو: "نحن" يتردد في خاطره السؤال عن المقصود من هذا الضمير. الدال على المتكلم، وعن مدلوله، وحقيقة المتكلم به، وجنسه؛ أيكون مداوله والمقصود منه: العرب، أم: أهل العلم، أم: الأبطال، أم: أبناء الشرق ... أم ... أم؟ ... أم غير هؤلاء ممن لا يحصون جنسا، ولا نوعا، ولا عددا. أيكون المراد -مثلا-: "إنا -العرب، بنو الإقدام ... " و "نحن -الأبطال- النيام" ... و ... فالضمائر المذكورة يشوبها عيب واضح؛ هو: عموم يخالطه إبهام تحتاج معهما إلى تخصيص وتوضع، فإذا جاء بعد كل ضمير منها اسم ظاهر، معرفة، يتفق مع الضمير في المدلول، ويختلف عنه بزيادة التحديد والوضوح -زال العيب. وتحقق الغرض. كالذي تحقق بزيادة كلمة: "العرب" وكلمة: "الأبطال". فيما سبق؛ إذ المراد منها هو المراد من الضمير قبلها؛ ولكن بغير عموم ولا غموض كالذي في تلك الضمائر، برغم أنها متجهة للمتكلم1. 2- يقول الشاعر: وأنا ابن الرياض، والظل، والما ... ء ودادي ما زال خير وداد فمن هذا المتكلم؟ وما مدلول هذا الضمير الدال على التكلم؟ أهو شاعر، أم ناثر، أم عالم، أم زاهد؟ ... ، ما جنسه؟ ... إن الضمير: "أنا"
لا يسلم من غموض يحتاج معه إلى اسم ظاهر من نوع خاص؛ يزيل هذا العيب؛ كأن يقال: "أنا -الشاعر- ابن الرياض"، أو: "أنا -الشرقي- ابن الرياض" ... فمجيء هذا الاسم الظاهر، المعرفة، المعين، الواضح، الذي معناه معنى الضمير قبله -قد أزال عنه عيب العموم والإبهام. 3- وكذلك الضمير "أنت" في قول الشاعر: أنت في القول كله ... أجمل الناس مذهبا فما الذي يظنه سامع الضمير: "أنت" الدال على الخطاب؟ أيكون المراد: "أنت -الشاعر- أجمل الناس مذهبا"، أم: "أنت - الأديب ... " أم محمدا - أم عليا؟ ... لا بد من اسم ظاهر كالأسماء التي وصفناها لإزالة العموم والإبهام عن الضمير. 4- نشهد في عصرنا كثيرا من المتعاقدين يبدءون عقود البيع، والشراء، والمداينة، وغيرها بجملة شاعت بينهم حتى ابتذلت؛ هي: "نحن - الموقعين - على هذا، نقر ونعترف بكذا وكذا ... " وكلمة: "الموقعين" هي الاسم الظاهر المعرفة الذي جاء لإزالة ما في الضمير قبله من عموم وإيهام، مع اتفاق الاسم الظاهر والضمير في المدلول، وتميز الظاهر بما فيه من تجديد وإيضاح. بالتأمل في الأمثلة السالفة -وأشباهها- نلحظ في كل أسلوب منها بعد إزالة ما في الضمير من عيب العموم والإبهام، أربعة أمور مجتمعة، تتصل بموضوعنا اتصالا أصيلا قويا. أولها: ضمير لغير الغائب؛ يشوبه عموم وإبهام. ثانيها: اسم ظاهر معرفة، مدلوله الضمير، ولكنه يحدد المراد من ذلك الضمير، ويخصصه، ويوضحه؛ فيزيل ما فيه من عموم وإبهام. رابعها: امتداد ذلك الحكم إلى الاسم الظاهر المعرفة "لأنه شريك الضمير في الدالة؛ فيقع عليه ما يقع على الضمير من حكم معنوي" واختصاصه به، واقتصاره عليه؛ فيكون هذا اختصاصا واقتصارا على بعض معين مما يشمله الضمير
"ذلك" أن الضمير بعمومه يشمل أفرادا كثيرة، منها أفراد الاسم الظاهر المعرفة الذي يعتبر أقل أفرادا منه"، وإن شئت فقل: إن هذا الاسم الظاهر أخص من الضمير الذي بمعناه. ففي مثل: "نحن -العرب- بنو الإقدام والإحجام"، نجد الضمير العام المبهم هو: "نحن" والاسم الظاهر المعرفة هو: "العرب"، والحكم المعنوي الذي وقع على المبتدأ هو: "البنوة" للإقدام والإحجام. وقد خصص هذا الحكم ببعض أفراد الضمير؛ وهم: "العرب"، أي: صار خاصا بهم، مقصورا عليهم. وهكذا يقال في سائر الأمثلة، ونظائرها ... فالاسم الظاهر المعرفة هو الذي يسميه النحاة في اصطلاحهم: "المختص"، أو: "المخصوص"؛ لاختصاص المعنى به، ولأنه يعرب "مفعولا به" لفعل واجب الحذف مع فاعله، تقديره الشائع عندهم، هو: "أخص"1 ويعبرون عن هذه المسألة تعبيرا اصطلاحيا بالغرض منها: وهو: "الاختصاص". ويشترطون في أسلوب الاختصاص أن تتحقق فيه الأمور الأربعة السالفة. ويقولون في تعريفه: "إنه إصدار حكم على ضمير لغير الغائب، بعده اسم ظاهر، معرفة، معناه معنى ذلك الضمير، مع تخصيص هذا الحكم بالمعرفة، وقصره عليها". الغرض منه: الغرض الأصلي من الاختصاص الاصطلاحي هو: التخصيص والقصر. على الوجه المشروح فيما سلف. وقد يكون الغرض الفخر؛ نحو: "إني -العربي- لا أستكين لطاغية". "إني -الرحالة- أتعلم من الرحلة ما لا أتعلمه من الكتاب" وقول الشاعر: لنا -معشر الأنصار- مجد مؤثل ... بإرضائنا خير البرية أحمدا أو: التواضع؛ كقول أحد الخلفاء: "أنا -الضعيف العاجز- أحطم البغي، وأهدم قلاع الظالمين. وأنا -البائس الفقير- لا أستريح وبجانبي متأوه، أو محتاج" ...
أو: تفصيل ما يتضمنه الضمير من جنس، أو نوع، أو عدد ... ، نحو: "نحن -الناس- نخطئ ونصيب؛ والعاقل من ينتزع من خطئه تجربة تعصمه من الزلل مرة أخرى"، "نحن -المثقفين- قدوة لسوانا، فإن ساءت القدوة فالبلاء فادح". "أنتم -الأربعة الأئمة- نجوم الهداية، ومصابيح العرفان". حكمه: الاسم1 الواقع عليه الاختصاص، "وهو: المختص، أو المخصوص": يجب نصبه دائما، على التفصيل الآتي: 1- إن كان الاسم هو لفظ "أي" في التذكير أو "أية" في التأنيث وجب بناؤهما على الضم في محل نصب2؛ على المفعولية، ووجب أن يتصل بآخرهما كلمة: "ها" التي للتنبيه، وأن يلتزما هذه الصيغة التي لا تتغير إفرادا، ولا تثنية، ولا جمعا، ولا بد أن يكون لكل منهما نعت لازم الرفع بغير بناء ولا إعراب، "لأن حركة الرفع هذه هي مجرد ظاهرية صورية3 ... لمجاراة "أي، وأية" ومماثلتهما فيها، تجيء تبعا للفظهما المبني"، وأن يكون هذا النعت مبدوءا بأل التي للعهد الحضوري؛ نحو: "أنا، الجندي، فهداء وطني". "نحن، أيها الجنديان، نقضي الليل ساهرين". "نحن، أيها الجنود، حماة الأوطان". "أنا، أيتها الصانعة، حريصة على الإتقان". "نحن، أيتها الصانعتان، حريصتان على الإتقان" ... "نحن، أيتها الصانعات، حريصات على الإتقان ... ". فالضمير في كل ما سبق، مبتدأ. وكلمة "أي، أو: أية" مفعول به لفعل واجب الحذف مع فاعله، تقديره -مثلا: "أخص" وهي مبنية على الضم في محل نصب. و"ها" حرف تنبيه مبني على السكون، والاسم المعرفة المقرون بأل، نعت مرفوع حتما، رفع إتباع للناحية الشكلية اللفظية وحدها. وليس له محل3 إعرابي
مطلقا، مع أنه تابع للفظ كلمتي: "أي وأية" المبنيتين على الضم لفظا، وإن كانتا منصوبتين محلا -كما سبق. ويصح تأخيرهما في نهاية الجملة؛ مثل: "نحن أنصار الحق أيها الطلاب" "نحن أنصار الفضيلة أيتها الفتيات ... "1. 2- إن كان الاسم المختص لفظا آخر غير: "أي وأية" وجب نصبه، سواء أكان مضافا أم غير مضاف، نحو: "أنا - الطبيب - لا أتوانى في إجابة الداعي ... ": "أنا - طالب العلم - لا تفتر رغبتي فيه"2. أوجه التشابه والتخالف بين الاختصاص والنداء: بين الاختصاص والنداء تشابه في أمور، وتخالف في أخرى. فيتشابهان في ثلاثة أمور2: أولها: إفادة كل منهما الاختصاص وهو في هذا الباب خاص بالمتكلم أو المخاطب. وفي باب النداء خاص بالمخاطب. ثانيها: أن كلا منهما للحاضر "أي المتكلم أو المخاطب"3 ولا يكون ضمير غائب. ثالثها: أن الاختصاص يؤدي -بسبب ما فيه من تحديد وإيضاح- إلى تقوية المعنى وتوكيده، وقد يتحقق هذا في النداء كذلك أحيانا؛ كقولك لمن هو مصغ إليك، مقبل على حديثك: إن الأمر -يا فلان-4 هو ما فصلته لك5 ...
ويختلفان في أمور: بعضها لفظي، والآخر معنوي، فاللفظية أشهرها: 1- أن الاسم المختص لا يذكر معه حرف نداء مطلقا، لا لفظا، ولا تقديرا، "لا "يا"، ولا غيرها". 2- أنه لا يكون في صدر الجملة وإنما يكون بين طياتها -كالأمثلة السالفة- أو في آخرها: نحو: اللهم ساعدنا على النصر -أيها الجنود، أو أيتها الكتيبة. 3- أنه لا بد أن يسبقه ضمير بمعناه في التكلم1 أو الخطاب -والغالب أن يكون ضمير تكلم. ولا يصح أن يكون ولا يصح أن يكون السابق ضمير غيبة، ولا اسما ظاهرا. ومن أمثلة ضمير الخطاب قولهم في الدعاء: "سبحانك الله العظيم"، و"وبك -الله- نرجو الفضل"، بنصب كلمة: "الله" فيهما. 4- أن الاسم المختص منصوب دائما في لفظه. علما كان أو غير علم إلا "أي وأية" فإنهما مبنيتان على الضم لفظا، منصوبتان محلا ... أما المنادى فإن العلم والنكرة المقصودة مبنيان فيه -في الأغلب- على الضم في محل نصب، وكذا: أي، وأية، يبنيان في النداء على الضم في محل نصب. 5- أنه يقل أن يكون علما -ومع قلته جائز- نحو: أنا -خالدا- حطمت أصنام الجاهلية. 6- أنه يكثر تصديره "بأل" بخلاف المنادى فلا يجوز اقترانه بأل إلا في بعض حالات سبق سردها2. 7- أنه لا يكون نكرة. ولا اسم إشارة. ولا ضميرا. ولا اسم موصول. 8- أن "أيا وأية" هنا لا توصفان باسم إشارة. بخلافهما في النداء، وأن صفتهما واجبة الرفع الصوري اتفاقا. بخلافهما في النداء3. 9- أن "أيا" مختصة هنا بالمذكر مفردا، ومثنى، وجمعا، ولا تستعمل للمؤنث
بخلافها في النداء، كما أن "أية" مختصة هنا وفي النداء، بالمؤنث مفردا ومثنى، وجمعا، ولا تكون للمذكر. 10- أنه لا يرخم اختيار، ولا يستغاث به، ولا يندب ... 11- أن العامل هنا محذوف وجوبا مع فاعله بغير تعويض، أما في النداء فحرف النداء عوض عنهما. وأن الفعل المحذوف هنا تقديره -غالبا- "أخص" أو: ما بمعناه. أما في النداء فالفعل تقديره: أدعو: أو: أنادي، أو: ما بمعناها والمعنوية أشهرها: 1- أن الكلام مع الاختصاص خبر، ومع النداء إنشاء. 2- أن الغرض الأصلي من الاختصاص هو قصر المعنى على الاسم المعرفة، وتخصيصه من بين أمثاله بما نسب إليه. وقد يكون الغرض هو: الفخر، أو التواضع أو: "زيادة البيان: -كما شرحنا- وأما الغرض من النداء الأصيل1 فطلب الإقبال، بالتفصيل الذي سردناه2 في بابه3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يفهم مما سبق أن الاسم المختص "المخصوص" أربعة أنواع. الأول منها مبني على الضم وجوبا، في محل نصب وهو: "أي" للمذكر و"أية" للمؤنث؛ مع التزام كل صيغة بصورتها في جميع استعمالاتها، ووقوع "ها" التي للتنبيه بعدهما، ومجيء نعت لهما مقرون بأل التي للعهد الحضوري. أما الثلاثة الباقية فواجبه النصب، وهي: المقرون بأل، نحو: "نحن -الشرفاء- فترفع عن الدنايا". والمضاف، نحو: "أنا -صانع المعروف- لا أرجو عليه جزاء". والعلم -وهو أقل الأربعة استعمالا- نحو: "أنا -عليا- لا أهاب في سبيل الحق شيئا". ب- الاسم المختص منصوب بفعل محذوف وجوبا مع فاعله، والجملة -في الغالب- تكون في محل نصب، حالا من الضمير الصالح قبلها لأن يكون صاحب حال1؛ كالتي في مثل: ارجوني2 أيها الفتى. وفي مثل: ربنا اغفر لنا أيتها الجماعة3. وقد تكون أحيانا معترضة: مثل: نحن -الحكام- خدام الوطن. أي: أخص الحكام. فهذه معترضة بين المبتدأ وخبره. ومثلهاك إنا -معاشر الأنبياء- لا نورث4.
المسألة 140: التحذير والإغراء
المسألة 140: التحذير والإغراء أ- التحذير: "تنبيه المخاطب على أمر مكروه؛ ليجتنبه"1. والأصل في أسلوب التحذير أن يشتمل على ثلاثة أمور مجتمعة: أولها: "المحذر"، وهو المتكلم الذي يوجه التنبيه لغيره. ثانيها: "المحذر"، وهو الذي يتجه إليه التنبيه. ثالثها: "المحذور"، أو "المحذر منه"، وهو: الأمر المكروه الذي يصدر بسببه التنبيه. ولكن هذا الأصل قد يعدل عنه أحيانا كثيرة، فيقتصر الأسلوب على بعض تلك الأمور الثلاثة -كما سنعرف. ولأسلوب التحذير -بمعناه اللغوي العام-2 صور مختلفة؛ منها: صورة الأمر؛ كالذي في قول الشاعر: احذر مصاحبة اللئيم، فإنها ... تعدي كما يعدي السليم الأجرب ومنها: صورة النهي؛ كقول الأعرابي في لغته، وقد فتنته: لا تلمني في هواها ... ليس يرضيني سواها ... ومنها: الصورة المبدوءة بالضمير "إياك"3 وفروعه الخاصة بالخطاب4
كالذي في قول أعرابية لابنها: "إياك والنميمة1. فإنها تزرع الضغينة2، وتفرق بين المحبين. وإياك والتعرض للعيوب؛ فتتخذ غرضا3؛ وخليق4 ألا يثبت الغرض على كثرة السهام ... " وقولهم: "إياكم وثورة الغضب فإنها تجلب المرض وسوء العاقبة". إلى غير هذا من العبارات والصور المتعددة التي تحقق "التحذير" بمعناه اللغوي العام. غير أن الكثير من الصور السالفة لا يخضع لأحكام هذا الباب. ولا تنطبق عليه ضوابطه النحوية وقواعده؛ لأن هذه الضوابط والقواعد والأحكام، لا تنطبق إلا على خمسة أنواع "اصطلاحية"؛ يسمونها: "صور التحذير الاصطلاحي"، هي -وحدها- المقصودة من هذا الباب بكل ما يحويه. ولا سيما اشتمال كل منها على اسم منصوب يعرب مفعولا به لفعل محذوف مع مرفوعه، وفيما يلي بيان هذه الأنواع الخمسة الاصطلاحية: النوع الأول: صورة تقتصر على ذكر "المحذر منه" "وهو: الأمر المكروه" اسما ظاهرا5، دون تكرار، ولا عطف مثيل له عليه -والمراد بالمثيل هنا؛ محذر منه. آخر؛ كتحذير الطفل من النار؛ بأن يقال له: النار، وكتحذيره من سيارة؛ بأن يقال له: السيارة. وحكم هذا النوع: جواز نصبه بفعل محذوف جوازا هو ومرفوعه. فكلمة: "النار" أو "السيارة" يجوز نصبها على اعتبارها مفعولا به لفعل لمحذوف جوازا تقديره مثلا: احذر النار - احذر السيارة. والفاعل ضمير محذوف معه أيضا؛ تقديره: أنت. ويجوز تقدير فعل آخر يناسب المعنى والسياق من غير تقيد بشيء في اختياره إلا موافقة المعنى. وصحة التركيب، مثل: اجتنب النار - اجتنب السيارة ... أو: حاذر، أو: جانب ... وفي كل هذه الأمثلة يصح حذف الفعل وفاعله معا. أو ذكرهما معا6،
فيقال: النار، أو اجتنب النار.. كما يصح ضبط "المحذر منه" ضبط آخر غير النصب، كالرفع؛ فيقال: النار، على اعتباره -مثلا- مبتدأ خبره محذوف. لكنه في حالة التصريح بفعله لا يدخل في عداد الأساليب الاصطلاحية الخمسة، وكذلك في حالة ضبطه بغير النصب، إذ الشرط الأساسي في التحذير الاصطلاحي. أن يكون الاسم منصوبا على أنه: "مفعول به"، وناصبه عامل محذوف هو مرفوعه1. معا. النوع الثاني: صورة تشتمل على ذكر "المحذر منه" اسما ظاهرا2؛ إما مكررا، وإما معطوفا عليه مثله مثله بالواو -دون غيرها؛ نحو: البرد البرد - البرد والمطر. وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم في الصورتين بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا2. ويراعى في تقديره موافقته للمعنى وصحة التركيب؛ نحو: "احذر البرد البرد - احذر البرد والمطر". أو: تجنب ... أو اتق ... فحكم هذا النوع: وجوب النصب، ووجوب حذف العامل ومرفوعه معا. ويتعين في صورة "التكرار" أن يكون الاسم الثاني توكيدا لفظيا، وفي حالة "العطف" أن يكون حرف العطف هو: "الواو" -دون غيرها- وما بعدها معطوف على الاسم قبلها عطف مفردات، لا عطف جمل. النوع الثالث: صورة تشتمل على ذكر اسم ظاهر3 مختوم بكاف خطاب للمحذر؛ بحيث يكون هذا الاسم هو الموضع أو الشيء الذي يخاف عليه، سواء أكان مكررا أم غير مكرر، معطوفا عليه بالواو مثيل له -أي: "محذر آخر" أم غير معطوف. ولا بد في صورة العطف أن يكون المعطوف "محذرا" أيضا "المعطوف عليه"؛ كأن يقال لمن يحاول لمس طلاء سائل: يدك -أو: يدك يدك- أو: كأن يقال لمن يحاول لمس طلاء سائل: يدك -أو: يدك يدك- أو: يدك وملابسك. والتقدير: أبعد يدك ... - أبعد يدك وملابسك ... ، أو: صن يدك ... ، صن يدك وملابسك ... ويصح اختيار عامل محوف آخر يناسب السياق والتركيب ...
وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم السابق الذي تكرر، وكذلك المعطوف عليه. والناصب لهما عامل محذوف مع مرفوعه وجوبا1 وما بعد الواو معطوف على ما قبلها عطف مفردات، أما الذي جاء تكرار فتؤكيد لفظي. فإن كان الاسم منفردا "أي: ليس مكررا ولا معطوفا عليه" فحكمه حكم النوع الأول الذي يجوز نصبه بعامل محذوف مع مرفوعه جوازا -لا وجوبا- فيصح إظهار عامله وحذفه، كما يصح ضبطه بغير النصب؛ فإذا ظهر عامله أو كان الضبط بغير النصب فلن يكون من أساليب "التحذير الاصطلاحي"؛ -كما أوضحنا في ذلك النوع. النوع الرابع: صورة تشتمل على اسم ظاهر مختوم بكاف خطاب للمحذر، ويكون هذا الاسم كما في النوع السالف هو الموضع أو الشيء الذي خاف عليه، ولكن قد عطف عليه الواو -دون غيرها- "المحذر منه"؛ نحو: يدك والسكين -رأسك وحرارة الشمس- مواعيدك والخلف. فالمعطوف هنا "محذر منه"، بخلافه في النوع السالف الذي يكون فيه المعطوف "محذرا" ... 2. وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم الظاهر والمعطوف، وأن يكون عامل النصب محذوفا مع مرفوعه وجوبا3. والأيسر والأسهل اختير عاملين مناسبين4 أحدهما: للمعطوف عليه. والآخر: للمعطوف. ولا يراعى في اختيارهما إلا مناسبتهما للسياق والتركيب؛ كأن يقال: صن يدك وأبعد السكين -احفظ رأسك؛ واحذر حرارة الشمس- تذكر مواعيدك، وتجنب الخلف ... وأمثال هذا مما هو مناسب. وعلى هذا التقدير يكون أسلوب التحذير جملتين تشتمل السابقة منهما على الموضع أو الشيء الذي يخاف عليه، ويتجه إليه التحذير،
وتشتمل المتأخرة على "محذر منه" وبين الجملتين واو العطف؛ تعطف الجملة الثانية على الأولى؛ فيكون العطف عطف جمل، لا مفردات1 ... النوع الخامس: صورة تشتمل على ذكر المحذر ضميرا منصوبا للمخاطب، هو: "إياك"2 وفروعه. وبعده "المحذر منه"، اسما مسبوقا بالواو -دون غيرها- أو غير مسبوق بها، أو مجرورا بالحرف: "من". فلا بد في هذا النوع من ذكر "المحذر" ضميرا معينا، ثم "المحذر منه". فمثال المسبوق بالواو قول الأعرابية لابنها: "إياك والجود بدينك، والبخل بمالك ... ". وقولهم: إياكم والدين؛ فإنه هم بالليل، ومذلة بالنهار. ومثال غير المسبوق بها قولهم: "إياكم تحكيم الأهواء السيئة؛ فإن عاجلها ذميم، وآجلها وخيم. ومن أمات هواه أحيا كرامته". وقول الشاعر: إياك إياك المراء3؛ فإنه ... إلى الشر دعاء، وللشر جالب ومثال المجرور بمن قولهم: "إياك من مؤاخاة الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك". وقولهم: "إياك من عزة الغضب الطائش؛ فإنها تفضي إلى ذلة الاعتذار المهين". وحكم هذا النوع: وجوب ذكر المحذر منه بد الضمير "إياك" وفروعه، ووجوب نصب هذا الضمير4؛ باعتباره مفعولا به لفعل واجب المحذف مع مرفوعه، وتقديره: "أحذر"، والأصل: "أحذرك". ثم أريد تقدير: "الكاف" لداع بلاغي؛ هو: "إفادة الحصر"؛ فمنع من تقديمها أنها ضمير متصل لا يستقل بنفسه، ولا يوجد إلا في ختام كلمة أخرى. فلم يكن بد -عند إرادة تقديمه- من الاستغناء عنه، والإتيان بضمير آخر منصوب، له معناه، ويمتاز بأنه يستقل
بنفسه، وهو الضمير: "إياك" فصار الكلام: "إياك أحذر" ثم حذف الفعل والفاعل معا؛ مجاراة للمأثور من الكلام الفصيح الذي يطرد فيه هذا الحذف الواجب. أما الاسم الظاهر المذكور بعد "إياك" وفروعها فإن سبقته واو العطف وجب نصبه بفعل محذوف مع مرفوعه وجوبا. والأحسن الأيسر -اختيار فعل خاص به يناسبه ويساير المقام، ويكون غير الفعل الناصب للضمير "إياك" فيجتمع في الأسلوب فعلان محذوفان مع مرفوعيهما. ففي المثالين السابقين1: "إياك والنمية"، "إياك والتعرض للعيوب ... " يكون التقدير؛ إياك أحذر، وأبغض النميمة، إياك أحذر، وأقبح التعرض للعيوب. بمعنى: أحذرك وأبغض ... وأقبح ... ويصح أن يكون التقدير: إياك احفظ2، واحذر النميمة، إياك احفظ2، واترك التعرض للعيوب ... وهكذا من غير تقيد بشيء إلا نصب الاسم بعد الواو، واختيار فعل -أي فعل- يناسب المقام، ويساير الأسلوب الصحيح. وعلى هذا تكون الواو حرف عطف، والجملة بعدها معطوفة على الجملة التي قبلها، وبالرغم من حذف الفعل ومرفوعه في كل جملة؛ يراعى المحذوف هنا في العطف كأنه مذكور؛ ففي الأسلوب جملتان، الثانية منهما معطوفة بالواو على الأولى. فإن لم تكن الواو مذكورة فالأسهل إعراب المنصوب بعدها مفعولا به للفعل: "أحذر" المحذوف؛ لأنه قد ينصب مفعولين بنفسه مباشرة. فأول المفعولين هو: "إياك" وفروعه، وثاني المفعولين هو الاسم الظاهر الواقع بعد الضمير "إياك"، وفروعه، أما إذا قلنا: "إياك من النميمة ... ". "إياك من التعرض للعيوب ... ". فإن الجار مع مجروره متعلقان بالفعل المحذوف وجوبا؛ وهو: "أحذر"؛ المحذوف؛ لأنه قد ينصب مفعولين بنفسه مباشرة. فأول المفعولين هو: "إياك وفروعه، وثاني المفعولين هو الاسم الظاهر الواقع بعد الضمير "إياك"، وفروعه، أما إذا قلنا: "إياك من النميمة ... ". "إياك من التعرض للعيوب ... ". فإن الجار مع مجروره متعلقان بالفعل المحذوف وجوبا. وهو: "أحذر"؛ لأنه قد يتعدى -أيضا-
لمفعولين؛ ينصب أحدهما بنفسه مباشرة، ويتعدى للآخر بحرف الجر: "من". وفي جميع الصور السالفة يجوز تكرار الضمير "إياك" وعدم تكراره؛ فلا يتغير شيء من الأحكام المتقدمة. وعند التكرار يعرب "إياك" الثاني توكيدا لفظيا للأول. ولا يصح أن يكون الضمير "إيا" المحذر مختوما بغير علامة الخطاب1 فلا يقال: إياي ومعاونة الظالم، ولا إياه ومعاونة الظالم؛ لأن المتكلم لا يحذر نفسه، ولا يحذر الغائب. وقد وردت أمثلة نادرة من هذا النوع الممنوع، لا يصح القياس عليها. لكن يصح أن يكون "المحذر منه" ضميرا غائبا معطوفا على "المحذر"؛ نحو: لا تصاحب الأحمق، وإياك وإياه. فالضمير "إياه" في حكم كلمة "النميمة" في مثال: "إياك والنميمة ... " ومن هذا قول الشاعر القديم: فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه وعلى هذا لا يكون التحذير بضميري الغائب والمتكلم شاذا إلا إذا كان محذرا لا محذرا منه2 ... يمكن تلخيص الأحكام السابقة كلها فيما يأتي: 1- إن كان أسلوب التحذير مصدرا بالضمير "إياك وفروعه -وجب في كل الأحوال نصب هذا الضمير بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا. سواء في هذا أن يكون الضمير مكررا أم غير مكرر، عطف عليه، أم لم يعطف عليه، جر بعده المحذر منه" أم نصب ... 2- إن كان أسلوب التحذير غير مصدر بالضمير "إياك" وفروعه وجب نصب الاسم الظاهر بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا؛ بشرط العطف أو التكرار3. فإن لم يوجد عطف ولا تكرار جاز النصب بعامل محذوف مع مرفوعه جوازا؛ فيصح إظهارها، كما يصح ضبط الاسم بغير النصب. وفي حالة إظهارهما، أو ضبط الاسم بغير النصب -حيث لا عطف ولا تكرار فيهما- لا يتعين الأسلوب للتحذير ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تضمنت المراجع المطولة جدلا يصدع الرأس في تقدير عامل النصب المحذوف في التحذير -ولا سيما ناصب الضمير "إياك وفروعه"- أهو الفعل: أحذر، أم باعد، أم اجتنب، أم احذر؟ ... أينصب مباشرة أم لا ينصب إلا على تأويل آخر ... و ... والأمر لا يحتاج لكل هذا. وخير ما يقال في شأن المحذوف هو ما سجله بعض المحققين، ونصه1: "الحق أني قال: لا يقتصر على تقدير: "باعد"، ولا على تقدير: "احذر" ... ؛ بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض؛ إذ المقدر ليس أمرا متعبدا به لا يعدل عنه"1. وهذا رأي نفيس، صادق، يجب اتخاذه دستورا عند تقدير المحذوف في التحذير، وفي الإغراء، وفي غيرهما من كل ما يحتاج إلى تقدير. ب- يقول بعض النحاة إن الضمير: "إياك" وفروعه منصوب بفعل محذوف مع فاعله، وأن فاعله الضمير عاد فاستتر في الضمير "إياك" وصار "إياك" مغنيا عن التلفظ بالفعل المحذوف، ففي مثل قولهم: "إياك والحسد، فإنه يؤثر فيك أسوأ الأثر، ولا يؤثر في عدوك ... " نجد في لفظ إياك ضميرين: أحدهما: هذا البارز المنفصل المنصوب، وهو: "إياك". والآخر: ضمير رفع، مستكن فيه، منتقل إليه من الفعل الناصب له، ويترتب على هذا أنك إذا أكدت: "إياك: توكيدا معنويا بالنفس، أو بالعين، قلت: إياك نفسك، أو إياك أنت نفسك، بفصل أو بغير فصل؛ طبقا لقواعد التوكيد المعنوي بالنفس والعين. أما إذا أكدت ضمير الرفع المستكن فيه فإنك تقول مراعاة لتلك القواعد: إياك أنت نفسك، بالفصل بالضمير المنصوب "إياك": فتقول إياك والصديق، والسفهاء. أو إياك أنت والصديق، والسفهاء؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بفصل أو بغير فصل، ومن الأول الذي لا فصل فيه قولهم1: "إياكم والكبر، والسخف، والعظمة2، فإنها عداوة مجتلبة3 من غير إحنة"4. وتقول عند العطف على الضمير المرفوع وحده: إياك أنت والصديق، بالفصل. وكل ما تقدم مبني على أن الضمير الفاعل ينتقل من الفعل المحذوف. ويستتر في "إياك" وإخوانه. وهو رأي لا يأخذ به فريق آخر يقرر أن الفعل وفاعله حذفا معا، ولم يرجع الفاعل المحذوف ليستكن في "إياك" وفروعه. فليس معنا إلا ضمير واحد هو الضمير المنصوب البارز "إياك وفروعه". والأخذ بهذا الرأي أولى؛ لبعده من التكلف والعقيد؛ ولأن الفريق الأول لم يؤيد رأيه -فيما رجعت إليه- بأمثلة من الكلام الفصيح يكون لها وحدها القول الفصل. ج- يقول الرضي: "إن "المحذر منه" المكرر يكون اسما ظاهرا؛ نحو: الأسد الأسد، وسيفك سيفك. ويكون مضمرا؛ كإياك إياك، وإياه إياه: وإياي إياي". والأحسن العدول عن المضمر لندرة الأمثلة الواردة نه قدرة لا تبيح القياس عليه، ولا سيما ضمير غير المخاطب. د- قد يرفع، المكرر والمعطوف في أسلوب التحذير -وفي أسلوب الإغراء، وسيأتي قريبا-5 وفي هه الحالة لا يكون الأسلوب تحذيرا اصطلاحيا. قال الفراء في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ... ، نصبت كلمة: "ناقة" على التحذير6. ولو رفعت على إضمار مبتدأ مثل كلمة: "هذه" لجاز. وكان التقدير: هذه ناقة الله؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير. هـ- يصح في كثير من أمثلة التحذير المشتملة على الواو أن تكون هذه الواو للمعية إذا استقام المعنى عليها؛ نحو: يدك والسيف -أصابعك والحبر ... فلا مانع هنا أن تكون الواو للمعية، والمراد: راقب يدك مع السيف -باعد أصابعك مع الحبر ... أو نحو هذا التقدير؛ فالاعتبار الأول دائما هو للمعنى وصحة التركيب. فإن اقتضى العطف وحده، أو المعية وحدها، أو جوازها ... ، نزلنا على حكمه؛ كما سبق1. و ألحق بالتحذير والإغراء ألفاظ سنعرضها في آخر الإغراء في: "ب" قسم الزيادة2. ز- الأغلب في أساليب التحذير أن تكون من نوع الإنشاء الطلبي؛ تبعا لعاملها الدال على هذا النوع. فإن لم يكن دالا على الإنشاء الطلبي فهي خبرية.
ب- الإغراء: هو: تنبيه الخاطب على أمر محبوب ليفعله1: نحو: "العمل العمل، فإنه مفتاح الغنى، والطريق إلى المجد". فالمتكلم به، هو: "المغري" المخاطب هو: "المغرى" ... والأمر المحبوب هو: "المغرى به". وعلى هذه الثلاثة مجتمعة يقوم أسلوب: "الإغراء". وحكم الاسم المحبوب "وهو" المغرى به" وجوب نصبه باعتباره مفعولا به لعامل مناسب للسياق، محذوف مع مرفوعه وجوبا. بشرط أن يكون هذا الاسم مكررا -كالمثال السابق- أو: معطوفا عليه مثيله، "أي: أمر محبوب آخر" كقولهم: الفرار والهرب من اللئيم الأحمق؛ فإنه كالحية لا يكون منها غير اللدغ. أي: الزم الفرار والهرب2 ... فإن لم يكن الاسم مكررا ولا معطوفا عليه مثله جاز نصبه مفعولا به لعامل مذكور أو محذوف، وجاز أيضا أن يضبط ضبطا آخر غير النصب -كالرفع- تقول: "الاعتدال، فإنه أمان من سوء العاقبة"، أي: الزم الاعتدال، فيصح حذف العامل ويصح ذكره، ويصح الرفع فيقال: "الاعتدال" ... على اعتباره -مثلا- مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: الاعتدال مطلوب، فإنه2 ... وفي حالة ظهور العامل. وكذا في حالة ضبط الاسم ضبطا غير النصب على المفعول به، لا يسمى الأسلوب3 إغراء اصطلاحيا4....
والأكثر في أساليب الإغراء أنها إنشائية طلبية؛ تبعا لنوع عاملها الدال على هذا النوع. فإن لم يكن دالا على الإنشاء الطلبي فهي خبرية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ليس من اللازم أن تكون الواو في الإغراء للعطف؛ فقد يقتضي المعنى أن تكون للمعية؛ نحو: المشي والاعتدال؛ فتقوى -الإجادة والمثابرة؛ كي تفوز بما تهوى. وقد يقتضي المعنى العطف وحده، أو يتسع للأمرين، فيراعى دائما ما يقتضيه المعنى. ب- ألحق بالتحذير والإغراء في وجوب إضمار الناصب -لا في معناهما- بعض الأمثال المأثورة المسموعة بالنصب، وبعض العبارات الأخرى المسموعة بالنصب أيضا، والتي يسمونها: "شبه الأمثال"؛ لأنها لا تبلغ مبلغ المثل في الشهرة. وكثرة الاستعمال والتعميم، وقد تشتمل على قيد تخاطب، أو حالة معينة. أ- فمن الأمثال: 1- كليهما1 وتمرا -وهو مثل يقال لمن خير بين شيئين، فطلبهما معا، وطلب الزيادة عليهما. التقدير: أعطني كليهما. وزدني تمرا. 2- الكلاب على البقر؛ مثل يضرب حين يريد المرء ترك الخير والشر يصطرعان، وأن يغنتم السلامة لنفسه. والتقدير: اترك الكلاب على البقر، يتصرف كل منهما مع الآخر كما يشاء، وانج بنفسك. 3- أحشفا2 وسوء كيلة، يضرب لمن يجمع بين إساءتين لغيره، ويظلم الناس من ناحتين. والتقدير: أتبيع حشفا، وتزيد سوء كيلة. ب- ومما يشبه المثل: 1- قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} أي: انتهوا واصنعوا خيرا لكم. 2- من أنت؟ عليا. التقدير: من أنت؟ تذكر عليا. يقال لمن يذكر عظيما جليل القدر بسوء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- كل شيء ولا هذا. والتقدير: اصنع كل شيء، ولا تصنع هذا. 4- هذا ولا زعماتك. التقدير: أرتضي هذا، ولا أتوهم زعماتك. 5- إن تأت فأهل الليل وأهل النهار. والتقدير: إن تأت فسوف تجد أهل الليل وأهل النهار في خدمتك بدل أهلك. 6- مرحبا، وأهلا، وسهلا، والتقدير: وجدت مرحبا، وأتيت أهلا، ونزلت سهلا. 7- عذيرك. أي: أظهر عذرك، أو أظهر عاذرك "عذير: بمعنى: عذر، أو عاذر". 8- ديار الأحباب. أي: اذكر ديار الأحباب ... وهكذا: ويصح -كما عرفنا- تقدير أفعال مناسبة غير التي عرضناها، ويصح اعتبار الواو للمعية في بعض مما سلف. والمهم استقامة المعنى.
المسألة 141: أسماء الأفعال
المسألة 141: أسماء الأفعال تعريفها: "نقدم أمثلة": في اللغة ألفاظ يدل على الواحد منها على "فعل" معين، أي: محدد بزمنه، ومعناه، وعمله -لكنه لا يقبل العلامة التي يقبلها هذا الفعل المعين، والتي تبين نوعه؛ كاللفظ: "هيهات"1 في قول الشاعر يخاطب عزيزا رحل عنه: بعدت ديار، واحتوتك ديار ... هيهات1 للنجم الرفيع قرار فإنه يدل على الفعل الماضي: "بعد" ويقوم مقامه في أداء معناه2، وفي عمله، وزمنه، من غير أن يقبل العلامة الخاصة بالفعل الماضي، "مثل: إحدى التاءين؛ تاء التأنيث الساكنة، أو تاء الفاعل ... "؛ إذ لم يرد عن العرب وجود علامة من العلامات الخاصة بالفعل الماضي في "هيهات". وكاللفط: "آه" في قول الشاعر: آها لها من ليال!! هل تعود كما ... كانت؟ وأي ليال عاد ماضيها؟ فإنه يدل على الفعل المضارع: "أتوجع" ويقوم مقامه في معناه، وعمله، وزمنه. ولكنه لا يقبل علامة من العلامات الخاصة بالمضارع؛ لأن العرب لم تدخلها على "آه" قط. وكاللفظ "حذار" في قول المادح: سل عن شجاعته، وزره مسالما ... وحذار، ثم حذار منه، محاربا فإنه يدل على فعل الأمر: "احذر" من غير أن يقبل علامة الأمر؛ لأن العرب لم تدخلها على "حذار" مطلقا ... والمراد من أن كل لفظ من هذه الألفاظ يدل على فعل معين محدد؛ هو:
أنك لو سألت المراجع اللغوية عن القصود من لفظ: "هيهات" لكان الجواب: "هيهات، معناه: بعد" -"آها، معناه: أتوجع"- "حذار، معناه: احذر"، وهكذا نظائرها. فكل لفظ مما سبق -ونظائره- يسمى: "اسم فعل". وهو1: اسم يدل
على فعل معين، ويتضمن معناه، وزمنه، وعمله، من غير أن يقبل علامته، أو يتأثر بالعوامل1. ما يمتاز به اسم الفعل2: بالرغم من أن شأنه هو ما وصفنا فقد اكتسب بالاستعمال العربي القديم مزيتين ليستا للفعل الذي بمعناه. الأولى: أن اسم الفعل أقوى من الفعل الذي بمعناه في أداء المعنى، وأقدر على إبرازه كاملا مع المبالغة فيه. فالفعل: "بعد" -مثلا- يفيد: مجرد "البعد"، ولكن اسم الفعل الذي بمعناه؛ وهو: "هيهات". يفيد البعد البعيد، أو: الشديد؛ لأن معناه الدقيق هو: بعد جدا؛ كما في قولهم: هيهات إدراك الغاية بغير العمل الناجع. والفعل: "افتراق" يفيد: "الافتراق" المجرد؛ ولكن اسم الفعل:
"شتان" وهو بمعناه -يفيد: الافتراق الشديد1؛ لأن معناه الحقيقي هو: "افتراق جدا" ... كقولهم: شتان الإحسان والإساءة، وشتان ما بين العناية والإهمال. وكقول الشاعر: الفكر قبل القول يؤمن زيفه ... شتان بين روية وبديه2 الثانية: أنه يؤدي المعنى على الوجه السالف، مع إيجاز اللفظ واختصاره، لالتزامه -في الأغلب- صورة واحدة لا تتغير بتغير المفرد، أو المثنى، أو الجمع أو التذكير، أو التأنيث؛ إلا ما كان منه متصلا بعلامة تدل على نوع معين دون غيره3؛ تقول: صه يا غلام، أو: يا غلامان، أو: يا غلمان، أو: يا فتاة، أو: يا فتاتان، أو: يا فتيات. ولو أتيت مكانه بالفعل الذي بمعناه لتغيرت حالة الفعل؛ فقلت: اسكت يا غلام، اسكتا يا غلامان، سكتوا يا غلمان، اسكتي يا فتاة، اسكتا يا فتاتان، اسكتن يا فتيات ... وبسبب هاتين المزيتين كان استعمال اسم الفعل هو الأنسب حين يقتضي المقام إيجاز اللفظ واختصاره، مع وفاء المعنى، والمبالغة فيه. أقسام أسماء الأفعال: أ- تنقسم بحسب نوع الأفعال التي تدل عليها4، إلى ثلاثة أقسام:
أولها: اسم فعل أمر، وهو أكثرها ورودا في الكلام المأثور، نحو: "آمين"، بمعنى: استجب، و"صه" -بالسكون- بمعنى؛ اسكت عن الموضوع المعين الذي تتكلم فيه، و"حي" "بفتح الياء المشددة، مثل: حي على الصلاة -حي على الفلاح" بمعنى: أقبل، أو: عجل ... وجميع هذه الألفاظ سماعية. ومن هذا القسم نوع قياسي مطرد -على الأصح- هو: ما كان من اسم فعل الأمر على وزن "فعال"1 مبنيا على الكسر بشرط أن يكون له فعل ثلاثي، تام، متصرف، نحو: حذار، "في البيت السالف"2 بمعنى: احذر، ونحو: نزال إلى ميدان الجهاد، وزحام في مجال الإصلاح؛ بمعنى انزل، وازحم. ولا يصح صوغ "فعال" إذا كان فعله غير ثلاثي، كدحرج، "وشذ: دراك، من أدرك" أو: كان فعله ناقصا؛ مثل: كان، وظل، وبات: الناسخات، أو كان غير متصرف، نحو: عسى، وليس. واسم فعل الأمر مبني دائما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا3. وقد يتعدى للمفعول به أو لا يتعدى على حسب فعله. ومن أسماء فعل الأمر السماعية: "هيا، بمعنى: أسرع" -"ومه؛ بمعنى: انكفف4 عما أنت فيه"- "وتيد، وتيدخ، وهما بمعنى: أمهل"
"وويهما، بمعنى: حرض، وأغر"1، "وحيهل2 بمعنى أقبل، أو عجل ... "، "وهلم3 بمعنى: أقبل، وتعال"4، "وقط، بمعنى: انته ... "5. ثانيها: اسم فعل مضارع -وهو سماعي، وقليل- نحو: "أوه، بمعنى: أتألم"، وأف بمعنى: أتضجر، قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: للوالدين، "ووي، بمعنى: أعجب، وهذا أحد معانيها؛ كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 6" وقد يكون اسم الفعل: "وي" مختوما
بكاف الخطاب الحرفية1، ومنه قول عنترة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم واسم الفعل المضارع مبني حتما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا، وهو مثل فعله في التعدي واللزوم. ثالثها: اسم فعل ماض -وهو ساعي وقليل؛ كالسابق، ومنه: "هيهات"، وكذا: "شتان" وقد تقدما. والصحيح الفصيح في "شتان" أن يكون الافتراق خاصا بالأمور المعنوية2؛ كالعلم، والفهم والصلاح؛ تقول: شتان3 علي ومعاوية في الشجاعة، وشتان المأمون والأمين في الذكاء، وشتان الإيثاء، والأثرة4؛ فلا يقال شتان المتخاصمان عن مجلس الحكم، ولا شتان المتعاقدان عن مكان التعاقد5 ...
واسم الفعل الماضي مبني في كل أحواله كغيره من سائر أسماء الأفعال، ولكنه يحتاج إلى فاعل إما ظاهر، وإما ضمير مستتر جوازا، يكون للغائب في الأعم الإغلب1 -كما سيجيء- وهو بهذين يخالف النوعين الآخرين فوق مخالفته لهما في المعنى والزمن. أما تعديته ولزومه فيجري فيهما كغيره على نظام فعله. ب- وتنقسم بحسب أصالتها في الدلالة على الفعل2 وعدم أصالتها، إلى قسمين: أولهما: المرتجل؛ وهو: ما وضع من أول أمره اسم فعل ولم يستعمل في غيره من قبل. مثل: شتان - وي - مه ... ثانيهما: المنقول؛ وهو الذي وضع في أول الأمر لمعنى ثم انتقل منه إلى اسم الفعل. والمنقول أقسام؛ فهو: 1- إما منقول من جار مع مجروره3، مثل: "عليك"، بمعنى: تمسك أو: بمعنى: الزم، أو: بمعنى: "أعتصم" -فعل مضارع- فمن الأول قولهم: عليك بالعلم؛ فإنه جاه من لا جاه له، وعليك بالخلق
الكريم؛ فإنه الغني الحق. أي: تمسك بالعلم - تمسك بالخلق1 ... وقولهم: من نزل به مكروه فعليه بالصبر؛ فهو أبعد للألم، وأجلب للأجر، أي: فليتمسك بالصبر ... ومن الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، أي: الزموا شأن أنفسكم. ومن الثالث: علي بالكفاح لبلوغ الأماني. أي: أعتصم. ومن المنقول من الجار والمجرور: "إليك"؛ بمعنى: ابتعد وتنح؛ مثل: "إليك عني -أيها المنافق؛ فذو الوجهين لا مكان له عندي، ولا منزلة له في نفسي" وهذا هو الغالب في معناها، وقد تكون بمعنى: "خذ"، نحو: إليك الوردة، أي: خذها2 ... ومنه: "إلي"، بمعنى: أقبل، نحو: إلي -أيها الوفي- فإني أخوك الصادق العهد. والأحسن في الأمثلة السالفة -وأشباهها- إعراب الجار ومجروره معا، اسم فعل مبني، لا محل له من الإعراب3. 2- وإما منقول من ظرف مكان4؛ مثل: "أمامك"؛ بمعنى تقدم.
و"وراءك"؛ بمعنى: تأخر، تقول: أمامك إن واتتك الفرصة، وساعفتك القوة. ووراءك إن كان في إدراك الفرصة غصة، وفي نيلها حسرة وندامة. ومثل: "مكانك"، بمعنى: اثبت1، تقول لمن يحاول الهرب من أمر يمارسه: مكانك تحمد وتدرك غايتك. ومثل: "عندك" بمعنى خذ. تقول: عندك كتابا، بمعنى: خذه2. والأيسر اعتبار الظرف كله "بما اتصل بآخره من علامة تكلم أو خطاب أو غيبة" هو اسم الفعل3. 3- وإما منقول من مصدر له فعل مستعمل من لفظه؛ مثل؛ "وريد" "بغير تنوين" بمعنى: تمهل، وبمعنى: أمهل؛ فالأول نحو: رويد -أيها العالم- لقوم يتعلمون؛ فإن التمهل داعية افهم، والفهم داعية الاستفادة. ومثل قول الشاعر: رويدك4، لا تعقب جميلك بالأذى ... فتضحى وشمل الفضل والحمد منصدع والثاني: نحو: رويد مدينا؛ فإن الإمهال مروءة ... فكلمة: "رويد" في الأمثلة السالفة اسم فعل أمر، مبني، غير منون. وأصل المصدر: "رويد" هو: "إرواد"، مصدر الفعل الرباعي: "أرود"، ثم صغر المصدر5: "إرواد" تصغير ترخيم؛ بحذف حروفه الزائدة؛ فصار: "رويد"6، ثم نقل بغير تنوين إلى اسم الفعل ...
وقد يكون اسم الفعل منقولا من مصدر ليس له فعل من لفظه، لكن له فعل من معناه، مثل كلمة: "بله" -بغير تنوين- بمعنى: اترك؛ تقول: بله مسيئا قد اعتذر، واغفر له إساءته، أي: اترك ... والأصل: بله المسيء ... ، بمعنى: ترك المسيء، من إضافة المصدر لمفعوله. ومن الجائز أن يكون الأصل: بلها مسيئا ... باستعمال كلمة: "بلها"1 مصدرا ناصبا معموله؛ قياسا على: تركا مسيئا، بمعنى تركا المسيء، ومن هذا المصدر الناصب لمفعوله انتقل لفظ "بله" ولكن بغير تنوينه -إلى اسم فعل بمعناه2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد تفصل "ما" الزائدة فبين اسم الفعل: "رويد" ومفعوله1، قال أعرابي لشاعر يمدحه: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك، رويد ما الشعر. فالمراد: أرود الشعر؛ كأنه قال: دع الشعر، لا حاجة بك إليه. ب- قد تكون "بله" اسم استفهام مبنية على الفتح، بمعنى: "كيف"، وتعرب خبرا مقدما عن مبتدأ مؤخر. نحو: بله المريض؟ بمعنى: كيف المريض؟ ومما يحتمل الاستفهام، والمصدر المضاف؛ واسم فعل الأمر -كلمة "بله" في قول الشاعر2: تذر الجماجم ضاحيا3 هاماتها ... بله الأكف؛ كأنها لم تخلق فيجوز في: "بله" أن تكون اسم فعل أمر مبني على الفتح، و"الأكف" بعده منصوب، مفعول به. ويجوز أن تكون: "بله" مصدرا منصوبا على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدرية نائبا عن فعل الأمر، مضافا، و"الأكف" مضاف إليه مجرور. كما يجوز أن تكون "بله" اسم استفهام مبني على الفتح، خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخر. وقد تقع "بله" اسما معربا بمعنى: "غير" كالذي في الحديث القدسي منسوبا للمولى جل شأنه: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعتن ولا خطر على قلب بشر؛ ذخرا من بله ما اطلعتم1 عليه". "أي: من غير ما اطلعتم عليه". فهي مجرورة بمن. ج- تكون "بله" بمعنى: "أين"، طبقات لما صرح به الصبان عند ضبطه كلمة "بله"، في الحديث القدسي السالف؛ حيث قال ما نصه: "فتح "بله" وكسرها. فوجه الكسر ما ذكر2، وأما وجه الفتح فقال الرضي: إذا كانت "بله" بمعنى: "كيف" جاز أن تدخله "من"؛ حكى أبو زيد: "إن فلانا لا يطيق حمل الفهر "الحجر الصغير يملأ الكف" فمن بله أن يأتي بالصخرة"؟ أي: كيف، ومن أين؟. وعليه تتخرج هذه الرواية؛ فتكون "بله" بمعنى: "كيف" التي للاستبعاد، و"ما" مصدرية في محل رفع بالابتداء، والخبر "من بله"، والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر. ا. هـ. ثم قال الصبان: والمعنى على هذا: من كيف؟ أي: "من أين اطلاعكم على هذا الذخر -أي: المدخر. ولا يخفى ما في جعلها على هذه الرواية بمعنى "كيف" من الركاكة: ولو جعلت فيها من أول الأمر بمعنى: "أين". لكان أحسن". ا. هـ.
أهم أحكامها: 1- أنها سماعية جامدة؛ فيجب الاقتصار على الوارد1 منها، دون تصرف فيها؛ بزيادة عددها، أو إدخال تغيير على لفظها، وضبط حروفها، فلفظها المسموع واجب البقاء على حاله؛ لا يجوز زيادة حروفه، أو نقصها، أو استبدال حرف بآخر، أو تغيير ضبطه أو ترتيبه ... إلا إن هناك نوعا واحد قياسيا؛ هو: صوغ "فعال" بالشروط التي سبق الكلام عليها2 في اسم فعل الأمر. وما عدا هذا النوع يجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد من العرب؛ فيلزم الصورة لا يختلف فيها باختلاف الإفراد، وفروعه، أو التذكير والتأنيث، أو الخطاب وغير الخطاب، إلا إذا أباح السماع الاختلاف3. أما الذي يختلف بحسب الحالات فهو فاعلها؛ فيكون مطابقا للمراد منه. فاسم الفعل: "صه" مثلا يلزم واحدة، ولكن فاعله الضمير المستتر قد يكون: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب الحالات. 2- أنها -في الرأي الشائع- أسماء مبنية4 ليس فيها معرب، حتى ما كان منها أسماء لأفعال مضارعة. ويجب التزام حركة البناء المسموعة -طبقا لما مر في الحكم الأول- فمنها المبنية على الفتح؛ كالشائع في: شتان، وهيهات، عند كثير من القبائل. وكالأحسن في المنقول من جار يكون مجروره "كاف الخطاب" للواحد؛ مثل: عليك، وإليك ... ومنها: المبنية على الكسر، مثل: كتاب - حماد - قراء، بمعنى اكتب - احمد - اقرأ ... ومنها المبنية على الضم كالغالب في: مثل: آه؛ بمعنى: أتوجع ...
ومنها المبنية على السكون؛ مثل: مه، بمعنى: انكفف1. وقد يجوز في بعضها ضبطان أو أكثر؛ تبعا للوارد، نحو: "وي"؛ بمعنى: أعجب، فيصح "وا"؛ كما يصح: "واها" بالتنوين. ومثل: "آه"؛ فإنها يصح فيها أيضا: آه، وآها، بالتنوين فيهما. وغاية القول: أنه يجب -في النوع السماعي- الاقتصار على نص اللفظ المسموع وصيغته، وعلى علامة بنائه الواردة معه؛ سواء أكانت واحدة أم أكثر، معها تنوين أو لا. فعند إعراب واحد منها يقال: اسم فعل لماض، أو لمضارع، أو لأمر -على حسب نوعه، مبني على الكسر، أو الفتح، أو غيرهما- لا محل له من الإعراب. 3- أن بعضها لا يدخله التنوين مطلقا، مثل: آمين، وشتان، وباب "فعال"2 القياسي، وبعضها لا يتجرد من تنوين التنكير؛ مثل: "واها" بمعنى "أتعجب"؛ وبعضها يدخله تنوين التنكير حينا؛ لغرض معين، وقد يخلو من هذا التنوين لغرض آخر؛ مثل: "صه" فإنه اسم فعل أمر بمعنى: اسكت. فحين يكون المراد طلب السكوت عن كلام خاص معين، نقول: صه، بسكون الهاء، ومنع التنوين. وحين يكون المراد طلب الصمت عن كل كلام، تتحرك الهاء بالكسر -وجوبا- مع التنوين. فنقول: "صه". فعدم التنوين في "صه" بمثابة قولنا: اترك الكلام في هذا الموضوع المعين الخاص المعروف لنا، وتكلم في غيره. ومجيء التنوين معناه: اترك الكلام مطلقا؛ في الموضوع الخاص المعين، وفي غيره3 ...
ومثل: "إيه" اسم فعل أمر، بمعنى: زدني، فإن كان مبنيا على الكسر بغير تنوين فمعناه: زدني من حديث خاص معروف لنا، أما مع التنوين، فالمراد: زدني من حديث أي حديث، بغير تقيد بنوع معين. من ثم كان اسم الفعل المنون نكرة، والخالي من التنوين معرفة، وما ينون حينا ولا ينون حينا آخر يجري عليه في كل حالة حكمها المناسب لها. واللغة وحدها -كما وردت عن العرب- هي الفيصل الذي له الحكم على اسم الفعل بالتنوين، أو بعدمه. 4- أنها تعمل -غالبا- عمل الفعل الذي تدل عليه؛ فترفع مثله الفاعل حتما، وتسايره في التعدي. واللزوم، وباقي المكملات ... فإن كان فعلها متعديا فهي مثله، وإن كان لازما يتعدى بحرف جر، فهي مثله أيضا. وفي الحالتين لا بد أن ترفع فاعلا. وإن احتاجت لمكملات أخرى استوفت حاجتها. فمن المتعدية كأفعالها: ما سبق1 من: "رويد، وبله: ومن: "دراك" بمعنى: أدرك، ومن: "حذار" بمعنى: احذر كالتي في قول الشاعر: حذار بني2 البغي، لا تقربنه ... حذار؛ فإن البغي وخم مراتعه ومن اللازمة: هيهات -أف- صه ... فإن كان اسم الفعل مشتركا بين أفعال مختلفة، بعضها لازم وبعضها متعد، فإنه يساير في التعدي واللزوم الفعل الذي يؤدي معناه، نحو: حيهل المائدة، بمعنى: ايت المائدة، وحيهل على فعل الخير، بمعنى: أقبل على فعل الخيرن ومنه قولهم: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، أي: فأسرعوا بذكر عمر بن الخطاب، ومثل: فإنها تكون متعدية كقوله تعالى: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}
بمعنى: قربوا وأحضروا. وتكون لازمة نحو نحو قوله تعالى: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} بمعنى اقترب وتعال. ومن غير الغالب أني خالف اسم الفعل فعله في التعدية واللزوم مثل: آمين؛ فإنه لم يسمع من العرب متعديا بنفسه. مع أن فعله الذي بمعناه، وهو: "استجب"، قد ورد متعديا ولازما؛ اللهم استجب دعائي، أو استجب لدعائب ... ومثل: "إيه" من حديثك، بمعنى زدني من حديثك؛ فاسم الفعل "إيه" لازم في هذا المثال، مع أن فعله متعد. أما فاعل أسماء الأفعال: أ- فقد يكون اسما ظاهرا أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكاد1 هذان يختصان باسم الفعل الماضي وحده، نحو: هيهات تحقيق الآمال بغير الأعمال، وقوله: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 2، ونحو: السفر هيهات، أي: هو ومثل: عمرو ومعاوية في الدهاء شتان، أي: هما ... ب- وقد يكون ضميرا للمخاطب مستترا وجوبا، وهذا هو الأعم الأغلب3
في اسم الفعل المضارع واسم فعل الأمر. ويشترط في هذا الضمير أن يكون مناسبا للمضارع أو للأمر الذي يقوم اسم الفعل مقامه، نحو: أف من عمل الحمقى؛ بمعنى: أتضجر؛ ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: "أنا" وهذا الضمير وحده هو الذي يصلح فاعلا للمضارع: أتضجر. ونحو: صه، بمعنى اسكت. ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، وهذا المضير وحده هو الذي يلائم فعل الأمر: "اسكت". ومثل قولهم: عليك بدينك؛ ففيه معادك، وعليك بمالك، ففيه معاشك، وعليك بالعلم؛ ففيه رفعه قدرك ... ، "فعليك" اسم فعل أمر؛ بمعنى: تمسك، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت. وهذا الضمير هو الفاعل المناسب لفعل الأمر: "تمسك". ومن الأمثلة السالفة يتبين أن فاعل اسم الفعل محتم1، وأنه يماثل فاعل فعله -وأنه في الأعم الأغلب- يكون في اسم الفعل الماضي اسما ظاهرا، أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكون في اسم الفعل المضارع والأمر ضميرا مستترا وجوبا للمتكلم -أو لغيره قليلا- وللمفرد أو غيره2 على حسب فعله، ولا يكاد يصح في هذا الباب كله أن يكون الفاعل ضميرا بارزا3.
والضابط الذي يجب الاعتماد عليه في هذا الشأن هو أن يوضع في مكان اسم الفعل، الفعل الذي بمعناه؛ فما يصح أن يكون فاعلا لهذا الفعل يصح أن يكون فاعلا لاسم الفعل الذي يدل عليه، ويقوم مقامه، وما لا يصلح للفعل لا يصلح لاسمه أيضا. واعتمادا على هذا الضابط يتعين أني كون فاعل اسم الفعل، دالا على المفرد المذكر، أو المؤنث، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما -على حسب ما يناسب السياق، ففي مثل: "صه" -كما سبق- قد يكون الفاعل: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب المخاطب. وقد يكون الفاعل متعددا إذا كان الفعل يحتاج إلى فاعل متعدد، نحو شتان السابق واللاحق في البراعة، كما تقول: افترق السابق واللاحق في البراعة، لأن الافتراق في البراعة أحد الأمور المعنوية1 التي لا تتحقق إلا من اشتراك اثنين معا. أو أكثر في تحقيقها، فيجيء له اسمان مرفوعان به، أحدهما فاعل بغير واسطة، وبعده الآخر مسبوقا بواو العطف -دون غيرها- واسعة بين الفاعل المعطوف، والفاعل المعطوف عليه2.
5- جميع أسماء الأفعال ليس لها محل إعرابي مطلقا -مع أنها أسماء مبنية، عاملة، كما تقدم- فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مفعولا به، ولا مضافا ولا مضافا إليه ... ولا شيئا آخر يقتضي أن تكون مبنية في محل رفع، أو في محل نصب، أو في محل جر، فهي مبنية لا محل لها من الإعراب. 6- أن مفعولاتها -في الأعم الأغلب- لا تتقدم عليها1؛ مثل: عليك بالحق، بمعنى: تمسك بالحق، وعليك نفسك، بمعنى: الزم شأنك ... ولا يصح -بناء على الأعم الأغلب- أن يقال: بالحق عليك، ونفسك عليك2 ... 7- أنها لا تلحقها نون التوكيد مطلقا3. ويتساوى في هذا المنع أن تكون أسماء الأفعال دالة على طلب، أو على خبر، فالأولى كأسماء فعل الأمر "صه، مه، آمين"، والثانية كأسماء الفعل الماضي أو المضارع "هيهات، شتان، أف، واها". 8- أن اسم الفعل مع فاعله بمنزلة الجملة الفعلية؛ فلهما كل الأحكام التي تختص بالجمل الفعلية، كوقوعها خبرا، أو صفة، أو صلة، أو حالا ...
و.... وكاعتبارها جملة إنشائية إن دلت على طلب، "كاسم فعل الأمر، وما كان على وزن: "فعال" ... "وخبرية إن لم تدل على إنشاء "كاسم الفعل الماضي، أو المضارع ... " وغير هذا من كل ما تصلح له الجملة الفعلية الضوابط والشروط الخاصة بكل حالة1 ... 9- أن بعضا منها تلحقه الكاف سماعا، بشرط اعتبارها حرف خطاب محض. ومما ورد به السماع: "وي" بمعنى: أعجب. "حيهل" بمعنى: أقبل2 و"النجاء" بمعنى: أسرع، و"رويد" التي بمعنى: تمهل3، فقد العرب: ويك، وحيهلك، والنجاءك، ورويدك. والكاف في الأمثلة السالفة حرف خطاب متصرف4، لا يصلح أن يكون ضميرا مفعولا به لاسم الفعل، لأن أسماء الأفعال السالفة لا تنصب مفعولا به؛ لقيامها معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون هذه الكاف ضميرا في محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، ولا تعمل الجر مطلقا؛ فلا يكون واحد منها مضافا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: نختم الباب بسرد بعض آخر من أسماء الأفعال المختلفة الأنواع، يكثر ترداده في الكلام العربي القديم، ونكتفي بضبط واحد مما له أكثر من ضبط.
المسألة 142: أسماء الأصوات يراد منها نوعان: أولهما: ألفاظ توجه إلى الحيوان الأعجم، وما في حكمه -كالأطفال- إما لزجره وتخويفه، لينصرف عن شيء، وإما لحثه على أداء أمر معين بمجرد سماعه أحد هذه الألفاظ، دون حاجة إلى مزيد. فالمراد من توجيه اللفظ هو طلب الامتناع، أو طلب الأداء. وكلا الأمرين -الانصراف عن الشيء، وأداء الأمر المعين- لا يتحقق إلا بعد تمرين، وانقضاء مدة تتكرر فيها المخاطبة باللفظ، ويتدرب فيها الحيوان وما في حكمه على إنفاذ المطلوب منه عند سماعه؛ فيدرك -بعد التكرار الذي يصاحبه التدريب- المراد من توجيه اللفظ إليه، ومن مخاطبته به، وأن هذه المراد هو الرجز، أو الحث، "بمعناها السالفين" ويكتفي في إدراك الغرض بسماع اللفظ دون زيادة عليه. فمن أمثلة الزجر ما كان يوجهه العرب لبعض الحيوانات -وأشباهها- بسبب بغيض يراد العدول عنه، كزجرهم الإبل على البطء والتأخر، فيوجهون لها أحد الألفاظ الآتية: "هيد، هاد، ده، جه، عاه، عيه ... " وقولهم لزجر الناقة: "عاج، هيج، حل ... " وكقولهم لزجر الغنم: "إس، هس، هس، هج" وللكلب: "هجا، هج ... " وللضأن: "سع، وح، عز، عيز ... " وللخيل: "هلا، هال". وللطفل: "كخ. كخ ... " وللسبع: "جاه"، وللبعل: "عدس ... " إلى غير هذا من ألفاظ الرجز عندهم، وهي كثيرة في عددها، وضبط حروف كل منها. ومن أمثلة ما يوجه للحيوانات وأشباهها، لا بقصد زجرها؛ وإنما بقصد تكليفها أمرا كي تؤديه وتقوم بإنفاذه قول العرب للإبل؛ "جوت"، أو" "جئ"،
إذا أرادوا منها الذهاب للماء لتشرب، و"نخ"، إذا طلبوا منها الإناخة. و"هدع"، إذا أرادوا منها الهدوء والسكون من النفار. و"سأ، وتشؤ"، إذا أرادوا من الحمار الذهاب للماء، ليشرب. "ودج. وقوس" لدعوة الدجاج إلى الطعام والشراب ... و"حاحا" للضأن، و"عاعا" للمعز؛ ليحضر الطعام ... ثانيهما: ألفاظ صادرة من الحيوان الأعجم1، أو مما يشبهه كالجماد ونحوه، فيرددها الإنسان ويعيدها كما سمعها: تقليدا، ومحاكاة لأصحابها، من غير أن يقصد من وراء هذه دلالة أخرى. فقد كان العربي يسمع صوت الغراب، فيقلده قائلا: "غاق"، أو: صوت الضرب؛ فيقول محاكيا: "طاق"، أو صوت وقوع الحجارة، فيحاكيه: "طق"، أو صوت ضربة السيف فيردده: "قب"، أو صوت طي القماش، فيقول: "قاش ماش"2 ... إلى غير هذا من الأصوات التي كان يسمعها فيحاكيها3 دون أن يريد من المحاكاة معنى آخر. أشهر أحكامها: 1- أنها أسماء4 مبنية، لا محل لها من الإعراب، ما دامت أسماء تدل على
مجرد الصوت، ولم تخرج من هذه الدلالة إلى تأدية معنى آخر. وما كان مسموعا عن العرب يجب إبقاؤه على صيغته، وحالته الواردة عنهم من غير إدخال تغيير عليه في عدد حروفه، أو في نوعها، أو ترتيبها، أو ضبطها، أو علامة بنائها.. كالأمثلة السالفة. أما المستحدث بعدهم فيلازم ما شاع فيه؛ لأن إنشاء الأصوات واستحداثها -جائز في كل عصر1، ويجري على الجديد المستحدث ما يجري من الأحكام على المسموع الوارد عن العرب؛ فيعتبر اسما واجب البناء بالعلامة التي يشيع بها النطق في عصره، وتسري عليه بقية الأحكام الأخرى الخاصة بأسماء الأصوات. لكن هناك حالتان؛ إحداهما: يجب2 فيها إعراب أسماء الأصوات بنوعيها المسموعة عن العرب، والموضوعة المستحدثة بعدهم. والأخرى: يجوز فيها الإعراب والبناء. أ- فيجب2 إعرابها إذا خرجت عن معانيها الأصلية التي هي الصوت المحض، وصارت اسما متمكنا يراد به: إما صاحب الصوت؛ الذي يصدر عنه الصوت والصياح مباشرة، وينسبان له أصالة دون غيره. وإما شيء آخر ليس هو الصاحب الأصيل للصوت، وإنما يوجه له الصوت والصياح توجيها يقصد منه الزجر، أو التهديد أو غيرهما ... فمثال الأول: أزعجنا غاق الأسود، وفزعنا من غاق الأسود ... ، فكلمة: "غاق"، بالتنوين، لا يراد منها هنا أصلها، وهو: صوت الغراب، وإنما يراد
أنها اسم يدل على صاحب هذا الصوت نفسه؛ أي: على الذي ينسب له الصوت ويشتهر به، وهو: "الغراب" ذاته، لا صوته الصادر منه. فالغراب هو المسمى، و"غاق" في الجملتين اسم معرب متمكن، فاعل في الجملة الأولى، ومجرور "بمن" في الجملة الثانية. ومثل: ما أقسى قبا. فكلمة: "قبا" -بالتنوين- اسم معرب متمكن منصوب في هذه الجملة؛ لأن المراد بها هنا: "السيف" نفسه، مع أنها في الأصل اسم صوت للسيف، مبنية على السكون، ولا تنون. لكنها اسما لصوته، مبنية غير منونه. فالمراد في الأمثلة السابقة ونظائرها هو: أزعجنا الغراب -فزعنا من الغراب- ما أقسى السيف. ومثال الثاني: أردت هالا السريع؛ فصادفت عدسا الضخم. وأصل كلمة: "هال" اسم صوت صادر من الإنسان، يوجه إلى الفرس لزجره. وأصل كلمة: "عدس" اسم صوت صادر من الإنسان يوجه إلى البغل لزجره، فكلتا الكلمتين تركت هنا أصلها، والبناء، وصارت اسما معربا مرادا منه الحيوان الأعجم -وشبهه- مما لا يصدر عنه ذلك الصوت، إنما يوجه إليه من غيره1. ب- ويجوز إعرابها وبناؤها إذا قصد لفظها نصا؛ مثل: فلان لا يرعوي إلا بالزجر؛ كالبغل لا يرعوي إلا إذا سمع: "عدس" أو: "عدسا" بالبناء على السكون، أو بالإعراب، والمراد: إلا إذا سمع هذه الكلمة نفسها. 3- أنها -في أصلها- أسماء منفردة، مهملة. والمراد من انفرادها: أنها لا تحمل ضميرا، وهذا نوع من أنواع الاختلاف بينهما وبين أسماء الأفعال. والمراد من إهمالها أنها لا تتأثر بالعوامل المختلفة ولا تؤثر في غيرها، فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فعلا، ولا فاعلا، ولا مفعولا ... ولا شيئا آخر يكون عاملا أو معمولا -إلا في الحالتين السالفتين: "أ، ب، بصورهما الثلاث". ومن ثم
تختلف أيضا عن أسماء الأفعال؛ فهذه لا بد أن تعمل. وخلاصة ما تقدم: أن أسماء الأصوات إذا بقيت على وضعها الأصلي اسم صوت محض، بالطريقة التي شرحناها. أما إذا قصد لفظها، أو استعملت استعمال الأسماء المتمكنة -بأن انتقلت من معناها الأصلي إلى الدلالة على صاحبها الأصيل الذي يصيح ويصوت بها، أو على من يتجه إليه النطق بها- فإنها في هذه الصور الثلاث تكون معربة إما وجوبا؛ كما في: "أ" بفرعيها، وإما جوازا كما في: "ب" فالشرط في إهمالها، وفي بنائها لزوما أن تبقى على حالتها الأولى اسم صوت مجرد، لا محل لها من الإعراب؛ فلا تكون في محل رفع، ولا نصب ولا جر، وإنما يقال فيها: اسم صوت مبني على الضم، أو الفتح، أو الكسر، أو السكون، على حسب حالة آخره.
المسألة 143: نونا التوكيد
المسألة 143: نونا التوكيد يراد بهما: نونان، إحداهما مشددة مبنية على الفتح، والثانية مخففة مبنية على السكون؛ كالنونين في قولهم: لا تقعدن عن إغاثة الملهوف، وبادرن بمعاونته. وهما من أحرف المعاني1، وتتصل كل واحد منهما بآخر المضارع والأمر فتخلصهما للزمن المستقبل2؛ ولا تتصل بهما إن كانا لغيره3، وكذلك لا تتصل بالفعل الماضي، ولا بأسماء الأفعال مطلقا؛ "سواء أكانت طلبية أم خبرية"4 ولا بغيرها من الأسماء والحروف؛ نحو: "لا تحملن حقدا على من ينافسك في الخير، وابذلن جهدك الحميد في سبقه، وإدراك الغاية قبله". فالنون في آخر الفعلين حرف للتوكيد، ويصح تشديدها مع الفتح، أو تخفيفها مع التسكين. وقد اجتمعا في قوله تعالى في قصة يوسف: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} . أثرهما المعنوي: لو سمعت من يقول: "لا تنفع النصيحة الأحمق. ولا يفيده التأديب" ... فقد تتردد في تصديق الكلام، وبداخلك الشك في صحته. ولك العذر في هذا، لأن المتكلم لم يحسن التقدير؛ إذ كان عليه أن يدرك بخبرته وذكائه أن مثل هذا الكلام قد يقابل بالتردد والشك؛ فيعمل على أن يدفعهما، ويمنع تسربهما إلى ذهن السامع، بإحدى الوسائل الكلامية التي عرض لها البلاغون -ومنها: نون التوكيد ... فلو أنه قال: لا تنفعن ... ولا يفيدنه ... لكان مجيء نون التوكيد، بمثابة القسم على صحة الكلام وصدقه، أو بمنزلة تكراره وإعادته بقصد
تأكيد مضمونه، وصحة ما حواه، فلا يكون هناك مجال للشك والتردد عند من هو مستعد للاقتناع. ومثل هذا أن يقال لك: "أكثر من الحساد بفضلك"، "ولا تكثر من الأعداء بجهلك". أو: "تجنب شر القتلة؛ شاهد الزور"، "وهل يبرئ القاتل، وهل يقتل البريء سواه؟ " ... فقد تزعم أن المتكلم يعرض عليك كل مسألة من هذه المسائل عرضا مجردا، "أي: خاليا من رغبته القوية وتشدده في مطالبتك بالتنفيذ أو بالترك، خاليا من الحرص على تأديتك ما تحدث بشأنه أو عدم تأديتك، وتصديقك به أو عدم التصديق". وقد يكون لك الحق في هذا الزعم؛ فليس في الكلام ما يبعده، فلو رغب المتكلم أن يبعد الزعم، ويشعر السامعين بتمسكه بمضمون كلامه، وتشدده في التنفيذ والتأدية، وحرصه على تصديق ما قال لزاد في الكلام ما يدل على هذه الرغبة؛ كأن يزيد "نون التوكيد"، على آخر الفعل المضارع أو الأمر؛ فإن زيادتها تفيد معنى الجملة قوة. وتكسبه تأكيدا؛ إذ تبعد عنه الاحتمال السابق، وتجعله مقصورا على الحقيقة الواضحة من الألفاظ؛ دون ما وراءها من احتمالات. فلو قيل في الأمثلة السالفة: "أكثرن ... ، لا تكثرن ... ، تجبن ... ، يبرئن، ... يقتلن ... " لكان مجيء نون التوكيد برغم اختصارها البالغ بمنزلة القسم، وبمنزلة قول المتكلم: إني أؤكد كلامي، وأتشدد في أن تنفذ مضمونه في المستقبل، وأحرص على أن تصدقه. أو: بمنزلة تكرار ذلك الكلام، وإعادته لتحقيق الغرض السالف، ومن أجله سميت: بـ"نون التوكيد". والمشددة أقوى في تأدية التوكيد من المخففة. وفوق هذا فكلتاهما تخلص المضارع للزمن المستقبل، سواء أكان اتصالها به مباشرا أم غير مباشر1. ومن ثم دخولها على المضارع إذا كان للحال، أو للمضي أحيانا -كما سبق- منعا للتعارض بينهما. أما الأمر فزمنه مستقبل في الأغلب؛ فتقوي فيه الاستقبال. فإن كان لغيره خلصته للمستقبل المحض.
فالأثر المعنوي لهذه النون هو: توكيد المعنى على الوجه السالف، وتخليص زمن المضارع للاستقبال، وتقوية الاستقبال في فعل الأمر أو إرجاعه إليه. وقد تفيد النون -مع التوكيد- الدلالة على الإحاطة والشمول إذا كان الكلام لغير الواحد، ففي مثل: يا قومنا احذرن مكايد الأعداء ... يكون المراد: يا قومنا كلكم، أو جميعكم، فردا فردا ... وخلاصة كل ما تقدم: أنهما حرفان من أحرف المعاني، يلحقان بآخر المضارع وآخر الأمر، لتلخيص هذين الفعلين للزمن المستقبل، ولا يلحقان بهما ولا بغيرها من الأفعال التي لا يراد منها المستقبل الخالص، ولا أسماء الأفعال مطلقا، ولا سائر الأسماء، والحروف. وأن فائدتهما المعنوية هي: تأكيد المعنى وتقويته بأقصر لفظ، وتخليص المضارع للزمن المستقبل، وتقوية الاستقبال في الأمر، أو إرجاعه إليه، وأنهما قد يفيدان -مع التوكيد- الشمول والعموم في بعض الصور. آرثاهما اللفظية، والأحكام المترتبة على وجودها: لنوني التوكيد آثار لفظية مشتركة بينهما، تحدث من اتصال إحداهما بآخر المضارع، المتجرد للمستقبل، أو بآخر الأمر كذلك. وتمتاز الخفيفة بأحكام خاصة تنفرد بها دون الثقيلة. وأهم الآثار المشتركة بينهما هو: 1- بناء المضارع على الفتح، بشرط أن تتصل به نون التوكيد اتصالا مباشرا؛ بأن يكون خاليا من ضمير رفع بارز1 يفصل بينهما؛ ذلك أن المضارع معرب دائما، إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو نون
النسوة؛ فيبنى على الكسون. كقول شوقي في وصف الدنيا: لا تحفلن ببؤسها ونعيمها ... نعمى الحياة وبؤسها تضليل وكقوله في الأمهات المصريات المجاهدات: ينفثن في الفتيان من ... روح الشجاعة والثبات يهوين تقبيل المهنـ ... ـد، أو معانقة الفتاة1 ويدخل فيما سبق: المضارع المسبوق بلام الأمر أو بغيرها من الجوازم التي يصح الجمع بينهما وبين نون التوكيد؛ فإنه يبنى على الفتح في محل جزم2؛ كقولك للمهمل: لتحترمن عملك. ولتكرمن نفسك بإنجازه على خير الوجوه. ومثل: إما3 تنصرن ضعيفا فإن الله ناصرك ... ، فالأفعال: "تحترم، وتكرم، وتنصر ... " مبنية على الفتح؛ لاتصالها المباشر بنون التوكيد، في محل جزم بلام الأمر. فإن لم يكن الاتصال بين المضارع ونون التوكيد مباشرا نشأت أحكام سنعرضها بعد4 ... 2- بناء فعل الأمر على الفتح، بشرط اتصاله بنون التوكيد اتصالا مباشرا، فلا يكون متصلا بضمير رفع بارز5 يفصل بينهما؛ نحو: اشكرن من أحسن إليك، وكافئنه بالإحسان إحسانا، واعلمن أن كلمة حمد وثناء قد تكون خير جزاء6.
فإن كان فعل الأمر متصلا بضمير رفع بارز يفصل بينهما فإنه يجري عليه ما يجري على المضارع المسند لذلك الضمير من غير اختلاف في الأحكام ولا في التغيرات؛ فالمضارع والأمر سيان فيما يجري عليما عند الإسناد لضمائر الرفع البارزة، ح سواء أكان آخرهما صحيحا أم معتلا، مؤكدين أم غير مؤكدين، مع ملاحظة الاختلاف بينهما في ناحتين هامتين: أولاهما: أن الأمر مبني دائما في كل الأساليب؛ سواء أكان مؤكدا أم غير مؤكد. وثانيهما: أنه لا تلحقه نون الرفع مطلقا. وسيجيء تفصيل الكلام عليه مع المضارع آخر الباب1. 3- أن توكيد فعل الأمر بها جائز في كل أحواله2، بغير قيد ولا شرط، وكذلك المضارع المبدوء بلام الأمر. أما المضارع المرجد من هذه اللام فلتوكيده أحوال أربعة3، هي: وجوب التوكيد، وامتناعه، واستحسانه، وقلته. وإليك البيان: الأولى والثانية: يجب توكيده، حين يكون مثبتا، مستقبلا، جواب قسم، مبدوءا باللام4 التي تدخل على جواب القسم، ولا يفصل بينه وبين هذه اللام فاصل؛ نحو: والله لأعملن الخير جهدي -بالله لأجتنبن قول السوء قدر استطاعتي- تالله لنحاربن الشر ما وسعتنا المحاربة5 ... فالأفعال المضارعة: "أعمل، أجتنب، نحارب ... " واجبة التوكيد بالنون، لاستيفهائها الشروط
كلها، فهي مثبتة، مستقبلة الزمن1، وقبلها قسم وقعت في جوابه، مصدرة بلام الجواب، بغير فاصل بينهما. فإذا فقد بعض الشروط نشأت صورة جديدة قد يمتنع فيها توكيده، وقد يصح إذا انطبقت عليها أوصاف المنع أو أوصاف الجواز التالية: فمن الصور التي يمتنع فيها توكيد المضارع بالنون أن يفقد شرط الثبوت في الحالة السالفة فيكون منفيا، إما لفظا: نحو: إن دعيت للشهادة فوالله لا أكتم الحق، وإما تقديرا، نحو: قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: لا تفتأ، لأن حذف "لا" النافية كثير في جواب القسم عند أمن اللبس2. ومن الصور التي يمتنع فيها توكيدا أيضا أن يفقد شرط الاستقبال في تلك الحالة أيضا؛ فيكون زمنه للحال بقرينة تدل على هذا، كقول الشاعر: لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع
وقول الآخر: يمينا لأبغض كل امرئ ... يزخرف قولا، ولا يفعل لأن المعنى هنا على الحالية، ولأن لام جواب القسم الداخلة على المضارع تخلص زمنه للحال -عند فريق من النحاة-1 ونون التوكيد تخلصه للمستقبل؛ فيتعارضان. ومن الصور الممنوعة أيضا أن يكون في تلك الحالة السالفة مفصولا من لازم الجواب، إما بمعموله، وإما بغيره؛ كقد، أو سوف، أو السين ... ؛ نحو: والله لغرضكم تدركون بالسعي الدائب، والعمل الحميد. ومثل: والله لقد تنالون رضا الناس بحسن معاملتهم. ونحو قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} والأصل: والله لسوف ... الثالثة: أن يكون توكيده هو الكثير المستحسن؛ لكنه -مع كثرته واستحسانه- لا يبلغ درجة الواجب. وأمارته: أن يكون المضارع فعل شرط للأداة: "إن" الشرطية المدغم فيها "ما" الزائدة للتوكيد "أي: إما"، أو: يكون مسبوقا بأداة طلب تفيد الأمر، أو النهي، أو الدعاء؛ أو العرض2، أو التحضيض، أو التمني، أو الاستفهام ... فمثال المضارع المسبوق "بإما": إما تحذرن من العدو تأمن أذاه، وإما تهملن الحذر تتعرض للخطر. والأصل: إن تحذر ... وإن تهمل ... زيدت "ما" على "إن" الجازمة، وأدغمت فيها، ولا يحسن في النثر ترك هذا
التوكيد بعد: "إما"، لكنه يصح في الشعر للضرورة، كقول القائل: يا صاح، إما تجدني غير ذي جدة1 فما التخلي عن الإخوان من شيمي ومثال المسبوق بأداة تفيد الأمر: لتحذرن مديح نفسك، ولتدعن الثناء عليها، وإلا كنت هدفا للسخرية والمهانة. ومثال المسبوق بالنهي قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} ، وقول الشاعر: لا تحسبن العلم ينفع وحده ... ما لم يتوج ربه بخلاف2 وقول الآخر: ولا تطمعن من حاسد في مودة ... وإن كنت تبديها له وتنيل ومثال المسبوق بالدعاء قول القائل: لا يبعدن3 قومي الذين همو ... سم العداة وآفة الجزر......... وبالعرض قولهم: ألا تنسين إساءة من أعتبك4. وبالتخصيص قول الشاعر: هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم وبالتمني قول الشاعر: فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني امرؤ بك هائم وبالاستفهام قول الشاعر: أتهجرن خليلا صان عهدكمو ... وأخلص الود في سر وإعلان؟ الرابعة: أن يكون توكيده قليلا5، وهو -قلته- جائز فصيح، لكنه
لا يرقى في قوته مرقى النوعين السالفين. وعلامته: أن يكون بعد "لا" النافية كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1، أو بعد: "ما" الزائدة التي لم تدغم في "إن" الشرطية؛ كقولهم في المثل: بعين ما رأينك2، وقول الشاعر في المال: قليلا به3، ما يحمدنك وارث ... إذا نال مما كنت تجمع مغنما ويدخل في هذا "ما" الزائدة بعد "رب"؛ نحو: ربما يقبلن الخير وراء المكروه4، أو بعد: "لم"5 كقول الشاعر: من جحد الفضل ولم يذكرن ... بالحمد مسديه فقد أجرما أو بعد أداة شرط غير "إن" المدغمة في: "ما" الزائدة، كقول الشاعر: من تثققن6 منهم فليس بآيب ... أبدا، وقتل بني قتيبة شافي 4- عدم تقديم معمول فعلها على هذا الفعل7 إلا إن كان المعمول شبه
التقديم -في الرأي الأرجح؛ ففي مثل: اسمعن النصح ... لا يصح أن يقال: النصح اسمعن. بخلاف لا تثقن بمنافق، واحذرنه عند تقلب الأيام، فيصح أن يقال: بمنافق لا تثقن، وعند تقلب الأيام احذرنه1. 5- وقوع تغيرات أخرى تلحق المضارع صحيح الآخر ومعلته، وكذا الأمر، عند إسنادهما لضمائر الرفع البارزة؛ فقد يحذف حرف العلة عند الإسناد أو يقلب. وقد يحذف الضمير إذا كان واو جماعة، أو ياء مخاطبة، وقد يتحرك بحركة مناسبة له من غير أن يحذف. وقد تحذف نون الرفع، أو تدعم بغير حذف ... إلى غير هذا من التغيرات المختلفة المترتبة على التوكيد، والتي سنذكرها آخرها الباب2 تفصيلا -كما قلنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يرى بعض النحاة -ورأيه سديد- أن توكيد المضارع المنفي بالحرف: "لم" قليل، قلة ذاتية تدخله في حكم النادر الذي لا يصح القياس عليه، وليست قلة نسبية؛ "أي: ليست قلة بالنسبة لغيره، حيث يشترك القليل والكثير معا في الكثرة التي تبيح القياس عليهما، ويمتاز الكثير بزيادة الدرجة فيها". وحجته: أن "لم" حرف يقلب زمن المضارع للمضي، ونون التوكيد حرف يخلص زمنه للمستقبل، فيتعارضان. وهذا رأي يحسن الاقتصار عليه. ب- جرى بعض النحاة على تقسيم حالات المضارع -من ناحية توكيده بالنون- خمسة أقسام، غير الحالة التي يمتنع فيها توكيده. الأولى: وجوب توكيده ... وهي الحالة التي أوضحناها. والثانية: أن يكون توكيده قريبا من الواجب، وذلك حين يكون مسبوقا "بإن" الشرطية المدغم فيها: "ما" الزائدة. والثالثة: أن يكون توكيده كثيرا؛ وذلك إذا وقع بعد أداة طلب: "أمر، نهي، دعاء، عرض، حض، تمن، استفهام". والرابعة: أن يكون توكيده قليلا، وذلك بعد: "لا" النافية، أو "ما" الزائدة غير المسبوقة بإن الشرطية. والخامسة: أن يكون توكيده أقل، وذلك بعد: "لم" الجازمة، أو أداة شرط أخرى. وذكروا لهذا التقسيم تعليلات مصنوعة لا يعرفها العرب، ولم تخطر ببالهم، والتعليل الحق في التقسيم يجب أن يقتصر على كثرة الاستعمال وقلته بين العرب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فما الحاجة إلى هذا التقسيم الخماسي والسداسي ... ، مع أن القسم الثاني والثالث لا يختلفان في الأثر؟ فحكمها واحد؛ هو: شدة الحاجة معهما إلى التوكيد، وإن كانت هذه الحاجة لا تبلغ مرتبة الوجوب؛ إذ لا أهمية لزيادة أحدهما على الآخر في درجة الكثرة والنوع؛ لأنهما -معا- مشتركان عند العرب في الكثرة التي تفيد شدة الحاجة للتوكيد، وتجعل استعماله قياسيا قويا، وما يزيد على هذا القدر المشترك يصير زيادة في الدرجة البلاغية؛ لا في صحة الاستعمال وقوته، وهذه الزيادة متروكة لتقدير المتكلمين في العصور المختلفة -بعد عصور الاحتجاج- ولرغبتهم في محاكاة هذا أو ذاك على حسب مقتضيات الأحوال. فهي متنقلة بينهما؛ فإن لم تتجه الرغبة إلى محاكاة الزائد -لغرض بلاغي، وشاع الاستعمال الأدبي على إهمالها، اكتسبها الآخر وصار هو الشائع، وانتقل إليه درجة الزيادة، ولا عيب في هذا؛ فكلاهما كثير، لكنه قد يحتفظ لنفسه دون الآخر بمرتبة الزيادة في الاستعمال زمنا مؤقتا، ينتقل بعده إلى نظيره. ومثل هذا يقال في القليل والأقل. فما الحاجة إلى تفريقهما، وعدم إدماجهما في قسم واحد ما دامت قلتهما ليست مانعة من القياس عليهما؛ لأنها قلة نسبية عددية "أي: على حسب نسبة أحدهما للآخر". ليست قلة ذاتية تمنع القياس.
الأحكام التي تختص بها نون التوكيد الخفيفة دون الثقيلة: تنفرد المخففة بأمور أربعة: الأول: عدم وقوعها -في الرأي الأرجح- بعد ألف اثنين، أو غيرها من أنواع1 الألف؛ نحو: "أيها الشابان، عاملان زملاءكما بكريم المعاملة، واجتنبان كثرة العتاب؛ فإنه يفضي إلى القطعية". فتتعين المشددة هنا مع بنائها على الكسر، ولا يصح مجيء الخفيفة؛ لأن المنع هو الأعم الأغلب في الكلام المأثور. ويجيز بعض النحاة مجيء الخفيفة ساكنة، أو متحركة بالكسر؛ متابعة لبعض العرب، والأنسب الاقتصار على الأغلب؛ منعا للتشعيب، وابتعادا عما فيه من إلباس وخفاء2 ... الثاني: عدم وقوعها -في الرأي الأحسن- بعد نون النسوة مباشرة. فإذا كان الفعل المضارع أو الأمر مسندا لنون النسوة وأريد توكيده بالنون، وجب -في هذا الرأي الأعلى- أن تكون نون التوكيد مشددة، مبنية على الكسر، ووجب أن يفصل بينهما وبين نون النسوة ألف زائدة، لا مهمة لها إلا الفصل بينهما؛ نحو: "أيتها السيدات: لا تقصرنان في واجبكن القومي، وفي مقدمته حسن تربية الأولاد، والإشراف على شئون البيت، واعلمنان ما في تقصيركن من ضرر شامل، وإساءة عامة". فلا يصح مجيء الخفيفة هنا -في الرأي الأحسن الذي يحتم الاقتصار على المشددة المكسورة، بعد الألف الفاصلة؛ كهذا المثال، وبعد ألف الاثنين؛ كالمثال السابق في القسم الأول، وبعد غيرهما من كل أنواع الألف3:
وفي الاكتفاء بهذا الرأي، ابتعاد عن اللبس والخفاء1. الثالث: وجوب حذفها -في الرأي الشائع- لفظا لا خطا إذا وليها، مباشرة، ساكن، ولم يوقف عليها. وسبب حذفها الفرار من أن يتلاقى ساكنان في غير الموضع الذي يصح فيه تلاقيهما2؛ نحو: لا تتعودن الحلف، ولا تصدقن الحلاف، فتحذف النون الخفيفة عند النطق، وتبقى الفتحة التي قبلها دليلا عليها؛ فلا يلتبس الأمر على السامع؛ إذ لا مسوغ لوجود الفتحة في هذا الباب إلا وجود نون التوكيد، مذكورة أو محذوفة. ومنه قول الشاعر:
ولا تهين1 الفقير؛ علك أن ... تركع يوما، والدهر قد رفعه فالمضارع مجزوم بلا الناهية، فلا مسوغ لوجود الفتحة على النون، وبقاء الياء قبلها إلا ملاحظة نون التوكيد الخفيفة المحذوفة. ولا داعي في هذه الصورة لحذفها كتابة -في غير الضرورة- كما يرى بعض النحاة، وحجته الاكتفاء بوجود الفتحة الدالة عليها لأن هذا الحذف الخطي قد يوقع في لبس أو احتمال، يحسن الفرار منهما. وأفضل من كل ما سبق تحريكها بالكسر إذا وليها ساكن. وهذا رأي فريق آخر من النجاة، وحجته: أن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين هو الكسر2، وأن الكسر هنا أخف وأبعد من اللبس؛ فوق أنه مسموع في بعض
أمثلة قليلة؛ لكنها على قلتها مسايرة للأصل العام السالف. وهذا الراي -على قلة أنصاره- أفضل كما قلنا، لبعده عن شائبة اللبس والغموض، وخلوه من التفريق بين حالتي النطق والكتابة. فإن وجد من يعارض في أنه الأفضل فلا أقل أن يكون في منزلة الرأي الشائع الذي يوجب الحذف. أما عند الوقف عليها فلها حكم خاص يذكر في الأمر الرابع التالي: الرابع: وجوب قلبها ألفا عند الوقف عليها، بشرط أن تكون النون الخفيفة بعد فتحة؛ ففي مثل: احذرن قول السوء، وتعودن حبس اللسان عن منكر القول نقول عند الوقف على الفعلين المؤكدين: احذرا - تعودا ... والقرائن كفيلة بأن تدل على نوع هذه الألف. وأن أصلها نون التوكيد الخفيفة ... فإن لم تكن النون الخفيفة بعد فتحة، بأن كانت بعد ضمة، أو كثرة وجب أمران: حذف النون، نطقا لا كتابة، وإرجاع ما حذف من آخر الفعل بسبب وجودها عند وصل الكلام وعدم الوقف. ففي مثل: "أيها الفتيان، لا تهابن مقابلة الشدائد، ولا تخافن ملاقاة الصعاب في سبيل إدراك الغايات النبيلة. وفي مثل: يا فتاتي: لا تحجمن عن احتمال العناء في شريف المقاصد، وسني1 الأغراض" ... نقول عند الوقوف على الأفعال المؤكدة مع أمن اللبس: لا تهابوا - لا تخافوا ... - لا تحجمي ... ، بحذف نون التوكيد الخفيفة. وإرجاع واو الجماعة وياء المخاطبة اللتين حذفتا نطقا فقط عند وجود النون الخفيفة للتخلص من التقاء الساكنين. أما عند حذفها فلا التقاء لساكنين فلا يحذف الضمير، ويعود إن كان محذوفا نطقا بسبب وجودها.
ومن الأمرين الثالث والرابع يتبين أنها تحذف وجوبا في حالتين: الأولى: حذفها في النطق دون الكتابة إن وقع بعدها ساكن، ولم يوقف عليها، وهذا الرأي هو الشائع، كان غير الأنسب اليوم. والأخرى: حذفها في النطق دون الكتابة إن وقف عليها بعد ضم أو كسر. مع إرجاع ما حذف لأجل وجودها عند عدم الوقف. وكل ما سبق جار على أشهر الآراء المستنبطة من أكثر اللغات شيوعا، وقد أهملنا الآراء الضعيفة المتعددة التي لا خير في نقلها، وليس من ورائها اليوم إلا البلبلة والاضطراب1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ارتضى بعض النحاة تسمية الأمور الأربعة السالفة: "خصائص تمتاز بها نون التوكيد الخفيفة"، أو: "أمور تنفرد بها". ولا مانع من هذا على اعتبار تلك الخصائص أو الأمور أحكاما بعضها عدمي "أي: سلبي" كالأول والثاني، وبعضها حذف -طبقا للشائع- كالثالث، أو: قلب؛ كالرابع في بعض حالاته. ولا مانع في الوقت نفسه من اعتبار تلك الأمور الأربعة خصائص تمتاز بها التوكيد الشديدة دون الخفيفة، ولكن على أساس آخر: هو أنها أمور إيجابية؛ لا عدم فيها ولا تغيير. فالأول: وقوعها بعد ألف الاثنين، والثاني: وقوعها بعد الألف الفاصلة، والثالث: بقاؤها إذا وليها ساكن. والرابع: بقاؤها على حالها من غير حذف أو قلب عند الوقف ...
المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد
المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد ... المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر للرفع البارزة بغير توكيدهما، ومع التوكيد الكلام على المضارع 1: عرفنا2 أن المضارع معرف في كل أحواله، إلا إذا اتصل بآخره نون النسوة؛ فيبنى على السكون3، كالأمثلة السالفة، أو اتصل بآخره نون التوكيد اتصالا مباشرا؛ فيبنى على الفتح، سواء أكان صحيح الآخر؛ نحو: أتأمران بالمعروف، وأنت لا تأتمرن به؟ أم معتل الآخر مطلقا؛ "أي: بالألف، أو الواو، أو الياء" كقول ناصح لأخيه: لا تنهين عن الأذى، وأنت تمارسه، ولا ترجون من لئيم خيرا وإن تودد إليك، ولا تفترين حديثا، ولو توهمت أن الناس به مصدقون. ومن هذا قول القائل: فلا تبكين في إثر شيء ندامة ... إذا نزعته من يديك النوازع فالأفعال المضارعة: "تأمر، تأتمر، تنهى، ترجو، تفتري، تبكي ... " مبنية على الفتح لاتصالها، مباشرة، بنون التوكيد. ومما تجب ملاحظته أن حرف العلة: "الألف" لا بد أن ينقلب ياء مفتوحة للبناء قبل: "نون التوكيد" كما في الفعل: "تنهى" في المثال السالف وأشباهه، أما "واو" العلة و"ياؤها" فيبقيان على صورتهما مع تحريكهما بفتحة البناء؛ لأجل نون التوكيد. ولا يصح حذف حرف علة من تلك الثلاثة لأجل الجازم إن كان المضارع مسبوقا بجازم -كما في الأمثلة المتقدمة؛ لأن مراعاة نون التوكيد أهم وأولى في تلك الصور؛ فالمضارع فيها مبني على الفتح لفظا، ولكنه في محل جزم. فإن لم يكن اتصال هذه النون بآخر المضارع اتصالا مباشرا لم يصح بناؤه
على الفتح، وذلك حين يفصل بينهما ضمير رفع بارز؛ "ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة، أو نون نسوة" فإن أريد توكيده مع وجود فاصل من هذه الضمائر البارزة جاز، ولكن من غير بناء على الفتح. ويترتب على هذا التوكيد عند وجود الضمير الفاصل وقوع تغييرات حتمية تختلف باختلاف آخر المضارع؛ أهو صحيح الآخر أم معتله؟ وفيما يلي بيان هذه التغييرات الحتمية1: أ- إسناد المضارع الصحيح الآخر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيد، وبتوكيد: 1- إذا كان المضارع صحيح الآخر؛ مثلك "تفهم"، وأردنا إسناده لألف الاثنين من غير توكيد -قلنا: أنتما تفهمان. والإعراب: "تفهمان"، مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف فاعل. فهو معرب حتما. أما عند التوكيد، وقبل إحداث التغيير فنقول: "أأنتما تفهمانن؟ بنون التوكيد الثقيلة المفتوحة، ولا يصح -في الأرجح- مجيء الخفيفة بعد المضارع المشتمل على ألف الاثنين2. والمضارع هنا معرب أيضا: لوجود الضمير: "ألف الاثنين" فاصلا بينه وبين نون التوكيد المشددة. غير أنه اجتمع في آخر اللفظ ثلاثة3 أحرف
زوائد، متماثلة، متوالية. وهذا لا يقع -غالبا- في لغتنا إلا سماعا. فوجب حذف "نون الرفع" لوجود قرينة تدل عليها؛ "هي: "أن: المضارع من الأفعال الخمسة، ولم يسبقه ناصب أو جازم؛ فوجب أن يكون مرفوعا بثبوت النون. فإن لم تكن مذكورة، فلا بد أن تكون محذوفة لعلة والمحذوف لعلة كالثابت". ولا يصح هنا حذف نون التوكيد الثقيلة، أو تخفيفها؛ لأن الحذف أو التخفيف ينافي الغرض البلاغي من الإتيان بها، ومن تشديدها1. فصار الكلام بعد الحذف: تفهمان، ثم كسرت نون التوكيد المشددة، مراعاة للمأثور عن العرب في هذا الموضع؛ حيث يلزمونها التشديد والبناء على الكسر. وعند الإعراب يقال في "تفهما"، فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي النونات "وألف" ضمير فاعل، و"نون التوكيد" المشددة حرف مبني على الكسر، لا محل له من الإعراب. وإن شئت قلت: "تفهما": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وحذف لتوالي النونات، والألف ضمير: فاعل، والنون المذكورة حرف للتوكيد ... فالصورة النهائية بعد إجراء التغيرات السالفة هي: "أتفهمان"، بتشديد نون التوكيد وجوبا بعد ألف الاثنين، وحذف نون الرفع. ولا مانع هنا من التقاء "ألف الاثنين" ساكنة مع النون الأولى الساكنة من نون التوكيد المشددة؛ لأن التقاء الساكنين هنا جائز كما أوضحنا من قبل2. 2- ونقول عند إسناده لواو الجماعة من غير توكيد: أأنتم تفهمون؟ "فالمضارع مرفوع بثبوت النون؛ واوا وضمير فاعل". ونقول عند توكيده بالنون المشددة وقبل التغيرات: أأنتم تفهمونن؟ بثلاث نونات، تحذف نون الرفع -لتوالي ثلاثة أحرف في الآخر، وهي زوائد، ومن نوع واحد- فيصير الكلام:
"تفهمون" فيلتقي ساكنان هما: واو الجماعة، والنون الأولى الساكنة من النون المشددة المفتوحة الآخر، فتحذف واو الجامعة -في الأغلب-1 لوجود الضمة قبلها تدل عليها عند حذفها، ولعدم الاستغناء عن تشديد نون التوكيد؛ لأنها جاءت مشددة، لغرض بلاغي يقتضيه المعنى؛ فيصير الكلام: أأنتم تفهمن؟ وعند الأعراب نقول بعد الحذف: "تفهم" الحالية أصلها "تفهمون" فهي مضارع مرفوع بالنون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال ... ، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين، ضمير، فاعل، ونون التوكيد المشددة حرف، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. ولا تتغير الفتحة على آخره. "ملاحظة": ليس من اللازم لحذف واو الجماعة في هذه الصورة وأمثالها مما يسند فيها المضارع الصحيح الآخر لواو الجماعة، أن تكون نون التوكيد مشددة، فمن الجائز أن تكون مخففة. ومع تخفيفها تحذف لأجلها نون الرفع وجوبا كما تحذف مع المشددة، ويترتب على هذا الحذف أن يتلاقى الساكنان السالفان؛ وهما: واو الجماعة ونون التوكيد المخففة؛ فتحذف واو الجماعة هنا، كما حذفت هناك. أما سبب حلاف نون الرفع إذا كانت نون التوكيد مخففة فهو إتباع العرب في المأثور عنهم، ومحاكاتهم في حذفها؛ بالرغم من عدم اجتماع ثلاث نونات في هذه الصورة، يقول النحاة: إن نون الرفع تحذف من الفعل المسند لواو الجماعة، وياء المخاطبة، إذا أكد بالنون المشددة أو المخففة، فتحذف مع المشددة؛ منعا لتوالي ثلاثة أحرف زائدة، متماثلة في آخر اللفظ، وتحذف مع المخففة أيضا؛ طلبا للتخفيف، ومجاراة للحذف مع المشددة2. 3- ونقول عند إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد: أأنت تفهمين يا زميلتي؟ فالمضارع "تفهمين" مرفوع بثبوت النون، وياء المخاطبة ضمير فاعل. ونقول عند التوكيد من غير تغيرات: أتفهمينن؟. ثم تحذف النون الأولى "علامة الرفع" لتوالي الأمثال، و ... ؛ فيصير الكلام: أتفهمين؟ فيلتقي ساكنان، هما: ياء
المخاطبة والنون الأولى من النون المشددة؛ فتحذف -في الأغلب- ياء المخاطبة للسبب السالف، وتبقى الكسرة قبلها لتدل عليها؛ فيصير الكلام: أتفهمن؟ ويقال في إعرابه: "تفهمين"، مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والفاعل هو: "ياء" المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين. ونون التوكيد حرف مبني، لا محل له من الإعراب، وتظل الفتحة باقية عليه مع تشديدة. ولو أتينا بنون التوكيد الخفيفة مكان الثقيلة لوقعت التغيرات السالفة كلها تماما، طبقا لما تضمنته "الملاحظة" السالفة، من أن نون الرفع تحذف وجوبا هنا للخفة، وللحمل على الثقيلة؛ لا لتوالي الأمثال. 4- ونقول عند إسناده لنون النسوة بغير توكيده: أأنتن -يا زميلاتي- تفهمن؟. فالفعل "تفهم" مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهي ضمير فاعل مبني على الفتح في محل رفع. ونقول: مع التوكيد: أأنتن تفهمنان؟ بمجيء نون التوكيد المشددة المبنية على الكسر -والمخففة؛ لا تجيء هنا- ثم زيادة "ألف" فاصلة1 بين نون النسوة ونون التوكيد. والإعراب بعد التوكيد لا يتغير، ولكن نزيد على ما سلف أن النون الأخيرة المشددة حرف للتوكيد مبني على الكسر، لا محل له، والألف التي بين النونين حرف زائد لا محل له. يستخلص مما سلف أن إسناد المضارع الصحيح الآخر إلى ضمائر الرفع البارزة، بغير توكيد، يستلزم ما يأتي: 1- إن كان الضمير ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة، لزمته في حالة الرفع النون التي هي علامة الرفع، فيكون معربا مرفوعا بثبوت النون. والضمير
فاعلا. وهذه النون خفيفة في كل حالاتها، ولكنها مبنية على الكسر لا محل لها بعد ألف الاثنين فقط، أما بعد واو الجماعة، وياء المخاطبة فمبنية على الفتح، لا محل لها. 2- وإن كان الضمير نون النسوة وجب بناء المضارع على السكون، ونون النسوة هي الفاعل1، وهي مبنية على الفتح في محل رفع. ويستخلص كذلك أن إسناده لتلك الضمائر مع توكيده يستلزم ما يأتي: 1- عدم بناء المضارع مطلقا مع وجود الضمائر الفاصلة بينه وبين نون التوكيد؛ فيجب إعرابه مع تلك الضمائر إلا مع نون النسوة فيبنى على السكون؛ لأنها تتصل به اتصالا مباشرة في كل حالاتها. 2- وجوب حذف نون الرفع -إن كانت موجودة من قبل- إذا كان ضمير الرفع ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة. ويتساوى في وجوب حذفها مع الواو والياء أن تكون نون التوكيد بعدهما مشددة ومخففة. أما بعد الألف فنون التوكيد باقية، ومشددة حتما، ومبنية على الكسر. 3- وجوب حذف واو الجماعة وياء المخاطبة، مع بقاء الضمة قبل واو الجماعة لتدل عليها. والكسرة قبل ياء المخاطبة؛ لتدل عليها -والحذف في الحالتين هو الأرجح. 4- زيادة ألف بين نون النسوة ونون التوكيد؛ لتفصل بينهما.
5- وجوب تشديد نون التوكيد وبنائها على الكسر1 بعد ألف الاثنين، وبعد الألف الزائدة للفصل بين نون النسوة ونون التوكيد. أما بعد واو الجماعة وياء المخاطبة فقد تكون مشددة مفتوحة الآخر، أو خفيفة ساكنة. ب- إسناد المضارع المعتل الآخر، لضمائر الرفع البارزة2، من غير توكيد، وبتوكيد: المضارع المعتل الآخر إما أن يكون معتل الآخر بالألف، أو بالواو، أو بالياء؛ نحو: أنت ترضى الإنصاف، وترجو أن يشيع، وتجري وراء تحقيقه. أولا: 1- إن كان معتلا بالألف "مثل: ترضى" وجب قلبها ياء مفتوحة عند إسناده لألف الاثنين، تقول بغير التوكيد بالنون: أأنتما ترضيان؟ ... والإعراب: "ترضيان" فعل مضارع معرب، مرفوع بثبوت النون، وألف الاثنين ضمير فاعل. وتقول عند التوكيد قبل التغيير: أترضيانن؟ والمضارع معرب لوجود الضمير فاصلا بينه وبين نون التوكيد المشددة، ويجب هنا ما وجب هناك من حذف نون الرفع لتوالي الأمثال بوصفه السابق3، مع بقاء ألف الاثنين، -برغم التقائها ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة. كما يجب بناء نون التوكيد على الكسر مع تشديدها في هذه الحالة أيضا4؛ فيصير الكلام: "أترضيان؟ " فالفعل المضارع "ترضيا" معرب مرفوع بالنون المحذوفة، وألف الاثنين ضمير، فاعل. والنون المذكورة المشددة حرف للتوكيد، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.
2- فإن كان معتلا بالألف وأريد إسناده لواو الجماعة من غير توكيد ولا تغيير، قيل فيه: "ترضيون" بقلب ألفه ياء مضمومة -لأن الضمة هي المناسبة للواو- وزيادة واو الجماعة ساكنة؛ فتتحرك الياء، ويفتح ما قبلها؛ فتنقلب ألفا. ويصير الكلام: "ترضاون" فيلتقي ساكنان؛ ألف العلة وواو الجماعة؛ فتحذف الألف؛ لأنها حرف هجائي، وقبله الفتحة تدل بعد الحذف، وتبقى واو الجماعة؛ لأنها فاعل؛ -فهي شطر جملة- وليس قبل علامة تدل عليها بعد حذفها، ويصير الكلام "ترضون". والإعراب: ترضون، مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير فاعل. وعند التوكيد يقال بغير التغيير "أترضونن"، تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال بوصفه السابق1؛ فيصير الكلام: "ترضون" فليتقي ساكنان؛ واو الجماعة والنون الأولى من النون المشددة، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما2؛ فتتحرك واو الجماعة بحركة تناسبها؛ وهي الضمة، ويصير الكلام: ترضون. والإعراب: مضارع مرفوع بالنون المحذفة لتوالي الأمثال ... ، وواو الجماعة ضمير فاعل. ونون التوكيد المشددة حرف مبني على الفتح هنا، وقد فصلت واو الجماعة بينه وبين المضارع، ولهذا بقي معربا، بسبب الفصل. هذا إن كانت نون التوكيد مشددة: فإن كانت مخففة حذفت نون الرفع مع عدم تعدد الأمثال: للتخفيف، والحمل على المشددة، كما سبق البيان3 فيتلاقى فتتحرك واو الجماعة، بالضم للتخلص منه. 3- وإن كان معتلا بالألف أيضا، وأريد إسناده لياء المخاطبة من غير توكيد، قيل بغير التغيير: "أترضاين4"؟ التقى ساكنان، ألف العلة وياء المخاطبة، حذفت الألف؛ لأنها حرف هجائي5 وقبله الفتحة التي تدل عليه
بعد حذفه، وبقيت الياء؛ لأنها شطر جملة "فاعل" ولا دليل يدل عليها بعد حذفها؛ فصار الكلام: "ترضين" وهو فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والياء ضمير فاعل. وعند للتوكيد قبل التغيير يقال: "ترضينن"؛ فتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، فيصير الكلام: "ترضين" فيلتقي ساكنان؛ ياء المخاطبة والنون الأولى من النون المشددة، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما1؛ فتحرك ياء المخاطبة بالكسرة لأنها هي المناسبة لها ويصير الكلام: "ترضين". وإعرابه: مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، والياء فاعل، ونون التوكيد حرف مبني لا محل له. وقد فصل بينه وبين المضارع ياء المخاطبة، وبسبب هذا الفصل بقي المضارع معربا. هذا إن كانت نون التوكيد مشددة فإن كانت مخففة حذفت نون الرفع أيضا بالرغم من عدم تعدد الأمثال ... -لما سبق2؛ فيتلاقى الساكنان؛ فتتحرك ياء المخاطبة بالكسرة للتخلص منه. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد وجب قلب الألف ياء، فنقول أأنتن ترضين؟ فالمضارع: "ترضي" مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهي فاعل، مبنية على الفتح في محل رفع. أما عند التوكيد فنقول: ترضينان: بزيادة ألف فاصلة بين النووين. والإعراب كما سبق3 في صحيح الآخر. ولا تجيء المخففة بعد هذه الألف الفاصلة. ثانيا: إن كان معتل الآخر بالواو "مثل: "ترجو" وأريد إسناده: 1- لألف الاثنين وجب تحريك الواو بالفتحة لمناسبة الألف؛ فنقول بغير توكيد: أنتم ترجوان -مثلا- والمضارع مرفوع بثبوت النون، والألف ضمير فاعل. ونقول مع التوكيد: "أأنتما ترجوانن؟ "، وتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، وتكسر نون التوكيد المشددة: مراعاة للنسق العربي الذي يقتضي كسرها
دائما بعد ألف الاثنين، وتشديدها، فنقول: ترجوان. ولا تجيء المخففة بعد الألف مطلقا -كما كررنا1. 2- وإن أريد إسناده لواو الجماعة بغير توكيد قيل: "أنتم ترجوون"2 -مثلا- فتلتقي واوان ساكنتان، فتحذف واو العلة. وتبقى واو الجماعة، للسبب الذي عرفناه؛ فيصير الكلام: "ترجون" مرفوع بثبوت النون. وواو الجماعة ضمير فاعل. فإذا أريد التوكيد، قيل بغير التغيير: "أترجونن" وتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال -بوصفه السابق؛ فيصير: "ترجون"؛ فيلتقي ساكنان، واو الجماعة، والنون الأولى من المشددة، فتحذف واوا الجماعة -برغم أنها شطر جملة- لوجود الضمة قبلها تدل عليها، ولعدم استغناء المعنى عن تشديد النون، فيصير الكلام: "ترجن" مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، والفاعل: واو الجماعة المحذوفة، والنون المشددة المذكورة للتوكيد، وهي مفصوة من المضارع بالواو المحذوفة. ويصح أن تجيء نون التوكيد الخفيفة بدلا من المشددة؛ فيتلاقى الساكنان3؛ فتذف الواو للتخلص منه، وتبقى الضمة قبلها لتدل عليها. 3- وإن أريد إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد قيل: "أنت ترجوين" فيلتقي ساكنان؛ واو العلة وياء المخاطبة؛ فتحذف حرف العرلة، ويصير الكلام، "ترجين"، ثم تقلب الضمة التي قبل الياء كسرة؛ لأن الكسرة هي المناسبة للياء، فيصير: "ترجين".
وعند التوكيد قبل التغيير نقول: "أأنت ترجينن؟ " تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، فيصير: "ترجين". فيلتقي ساكنان ياء المخاطبة والنون الأولى، فتحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين، "برغم أن الياء شطر جملة "فاعل" لوجود الكسرة الدالة عليها، وعدم الاستغناء عن تشديد النون" فيصير ترجن مع تشديد النون وفتحها. والإعراب: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وياء المخاطبة المحذوفة فاعل، والنون المذكورة حرف للتوكيد. فإن كانت نون التوكيد مخففة -لا مشددة- حذفت لها نون الرفع أيضا1؛ فيتلاقى الساكنان؛ فتحذف الياء، وتبقى الكسرة قبلها. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد قيل: أأنتن ترجون الله؟ بزيادة نون النسوة. فالمضارع: "ترجو" مبني على السكون، بسببها. وهي الفاعل. وعند التوكيد تقول: أأنتن ترجونان بزيادة ألف فاصلة بين النونين. وعند الإعراب نقول: "ترجو" مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. ونون النسوة فاعل، والألف بعدها زائدة، ونون التوكيد حرف مشدد، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب. ولا يصح مجيء المخففة بعد هذه الألف. ثالثا: إن كان المضارع معتل الآخر بالياء، وأريد إسناده: 1- إلى ألف الاثنين بغير توكيد، وجب تحريك الياء بالفتحة -لوجب فتح ما قبل الألف- فنقول: أنتما تجريان. فالمضارع مرفوع بثبوت النون؛ وألف التثنية ضمير فاعل. ونقول عند التوكيد قبل التغيير: "أتجريانن؟ " تحذف نون الرفع؛ لتوالي النونات -بوصفه السابق- وتتحرك نون التوكيد المشددة بالكسرة؛ -لما ذكرناه من وجوب تشديدها، وبنائها على الكسر بعد ألف الاثنين-2 فيصير الكلام: "تجريان" ويقال في الإعراب، "تجريا" مضارع مرفوع بالنون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال ... والألف ضمير فاعل، والنون المشددة حرف للتوكيد مبني على الكسر؛ لا محل له.
2- وإن أريد إسناده إلى واو الجماعة بغير التوكيد قلنا قبل التغيير: أنتم "تجريون" التقى ساكنان: ياء العلة، وواو الجماعة، حذف ياء العلة -لما عرفناه- فصار الكلام: تجرون، قلبت الكسرة قبل الواو ضمة؛ لتناسب الواو؛ فصار الكلام: "تجرون". وعند التوكيد قبل التغيير نقول: "أتجرونن؟ " تحذف النون لتوالي النونات فيصير: "تجرون" فيلتقي ساكنان، واو الجماعة والنون الأولى من النون المشددة، فتحذف واو الجماعة؛ لوجود الضمة قبلها دليلا عليها؛ ولعدم الاستغناء -بلاغيا- عن تشديد النون؛ فيصير الكلام: "تجرن". مضارع معرب، مرفوع بالنون المحذوفة، وواو الجماعة المحذوفة فاعل، والنون المشددة المذكورة حرف للتوكيد واجب البناء على الفتح. وقد انفصل عن المضارع بواو الجماعة المحذوفة التي هي في حكم المذكورة كما سبق؛ وبسب هذا الفصل بقي المضارع معربا. ويصح أن تجيء نون التوكيد الخفيفة بدلا من الثقيلة. فتحذف نون الرفع أيضا، فيلتقي الساكنان، فتحذف واو الجماعة. 3- وإن أريد إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد قيل: أأنت تجريين؟ فيلتقي ساكنان؛ ياء العلة، وياء المخاطبة؛ فيحذف حرة العلة؛ لأنه حرف هجائي وقبله الكسرة تدل عند عليه حذفه؛ فيصير الكلام: "تجرين"، مضارع مرفوع بثبوت النون وياء المخاطبة فاعل. وعند التوكيد نقول: "أتجرينن" تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال ... فيصير الكلام: "تجرين" فيلتقي ساكنان ياء المخاطبة والنون الأولى من المشددة؛ فتحذف ياء المخاطبة -برغم أنها شطر جملة- لوجود الكسرة قبلها تدل عليها، ولعدم الاستغناء -بلاغيا عن تشديد النون فيصير: "تجرن". مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وفاعله ياء المخاطبة المحذوفة أيضا. والنون المشدد حرف للتوكيد ... وقد فصلت من المضارع بياء المخاطبة المحذوفة والتي تعد كالمذكورة؛ فبقي معربا. ولو كانت نون التوكيد مخففة لحذفت لها نون الرفع أيضا. فيتلاقى الساكنان، فتحذف ياء المخاطبة. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد، قبل: أأنتن تجرين؟
فالمضارع: "تجري" مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة "الفاعل". وعند التوكيد: "تجرينان" فالمضارع "تجري" مبني على السكون، ونون النسوة بعده ضمير فاعل، والألف زائدة للفصل، ونون التوكيد المشددة حرف، ويجب تشديده وتحريكه بالكسر1، ولا تجيء المخخفة هنا. أ- يستخلص مما سلف أن المضارع المعتل الآخر تلحقه التغيرات الآتية عند إسناده لضمائر الرفع البارزة بغير توكيد، وأن كل ضمير منها يعرب فاعلا: 1- إن كن معتلا بالألف قلبت ياء مفتوحة، عند إسناده لألف الاثنين، وساكنة من نون النسوة. وحذفت هذه الألف للتي للعلة عند إسناده لواو الجماعة وياء المخاطبة، مع بقاء الفتحة التي قبلها في الحالتين، لتدل عليها بعد الحذف. زيادة نون الرفع بعد ألف الاثنين، وواو الجماعة، وياء المخاطبة؛ لتكون علامة لرفع المضارع المعرب. أما نون النسوة فالمضارع معها مبني على السكون دائما؛ فلا توجد معها نون للرفع. 2- وإن كان معتلا بالواو أو بالياء بقيا عند الإسناد لألف الاثنين، وتحركا بالفتحة لمناسبة الألف، وتجيء بعد الألف نون الرفع التي هي علامة لرفع المضارع؛ وبقيا كذلك عند الإسناد لنون النسوة، ولكنهما لا يتحركان؛ لأن المضارع يبنى على السكون عدن إسناده لنون النسوة. ويجب حذفهما مع واو الجماعة وياء المخاطبة مع ضم ما قبل واو الجماعة وكسر ما قبل ياء المخاطبة، وزيادة نون الرفع بعدهما في حالة رفع المضارع. ب- ويستخلص كذلك أن إسناده إلى تلك الضمائر مع توكيده يستلزم ما يأتي: 1- حذف ألف العلة عند الإسناد لواو الجماعة وياء المخاطبة مع تحريك الواو بالضم، والياء بالكسر. وقلب ألف العلة ياء عند الإسناد لأف الاثنين، أو نون النسوة، مع مجيء
نون التوكيد مشددة فيهما ومكسورة ومع إيجاد ألف فاصلة بين نون النسوة، ونون التوكيد المشددة. 2- ترك حرفي العلة "الواو والياء"، مع فتحهما، عند الإسناد لألف الاثنين، ويجب أن تكون نون التوكيد مكسورة مشددة بعد هذا الضمير. والمضارع معرب في هذه الصورة. ويتركان على حالهما من السكون عند الإسناد لنون النسوة "لأن المضارع معها مبني على السكون" وبعدها ألف فاصلة، فنون التوكيد الثقيلة المكسورة. أما عند الإسناد إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة فيجب حذف حرفي العلة كما يجب حذف الضميرين "الواو والياء مع ترك الضمة قبل الواو والكسرة قبل الياء". 3- حذف نون الرفع في جميع الحالات. وهي لا توجد مع وجود نون النسوة. 4- ذكر نون التوكيد مشددة مفتوحة أو مخففة ساكنة في جميع الحالات، إلا مع ألف الاثنين ونون النسوة فيجب تشديدها وكسرها في الحالتين، كما يجب زيادة ألف فاصلة بين نون النسوة ونون التوكيد1 ...
5- المضارع في جميع الحالات السالفة معرب؛ لوجود الضمير فاصلا بينه وبين نون التوكيد. إلا عند الإسناد لنون النسوة فيكون مبنيا على السكون، لأن نون النسوة تتصل به مباشرة في جميع حالات إسناده إليه. الكلام على الأمر 1: حكم الأم صحيح الآخر ومعتله، كمضارعه عند الإسناد لضمائر الرفع البارزة، بتوكيد، وبغير توكيد؛ بلا فرق بينهما إلا من ناحية أن الأمر مبني دائما ولا تتصل بآخره نون رفع مطلقا، -كما أشرنا سالفا2. ما حكم نون التوكيد بنوعيها عند الوقف عليها؟ الجواب في رقم 4 من الملاحظات التي في آخر الجدول الآتي.
المسألة 145: ما لا ينصرف
المسألة 145: ما لا ينصرف مدخل ... المسألة 145: ما لا ينصرف معنى الصرف 1: الاسم المعرب قسمان: 1- قسم يدخله نوع أصيل2 من التنوين، لا يدخل غير هذا القسم، ولا يفارقه في حالات إعرابه المختلفة. -"إلا عند وجود طارئ معارض؛ كإضافة الاسم، أو اقترانه "بأل"3 أو قوعه منادى معرفا. أو اسما مفردا لـ "لا" النافية للجنس ... "- ويدل وجوده على أن الاسم المعرب الذي يحويه أشد تمكنا في الاسمية من سواه؛ ولهذا يسمى: "تنوين الأمكنية"4، أي: التنوين
الدال على أن هذا الاسم المعرب أمكن1 وأقوى درجة في الاسمية من غيره. ويسمى أيضا: "تنوين الصرف"2 وبهذا الاسم يشتهر عند أكثر النحاة3. ووجوده في الاسم المعرب يفيده خفة في النطق، فوق الدلالة على الأمكنية. وإذا ذكرت كلمة "التنوين" خالية من التقييد الذي يبين نوعه كان المقصود: "تنوين الأمكنية"، أي: "الصرف". ومن أمثلة الأسماء المشتملة عليه، أو التي تستحقه لولا الطارئ المعارض ما جاء في قول شوقي: إنما الشرق منزل لم يفرق ... أهله إن تفرقت أصقاعه وطن واحد على4 الشمس، والفصـ ... حي، وفي الدمع والجراح اجتماعه وإنما كان وجود هذا التنوين دليلا على "الأمكنية" لأن انضمامه إلى "الإعراب" في اسم واحد جعل هذا الاسم مشتملا على علامتين بدلا من واحدة، يبعدانه كل البعد عن الحروف وعن الأفعال؛ هما: "التنوين"، و"الإعراب"؛
إذ التنوين لا يدخل الحروف ولا الأفعال. وكذلك الإعراب، لا يدخل الحروف ولا أكثر الأفعال. فبهذا التنوين المقصور على الأسماء المعربة1 صار الاسم القوي المتمكن بالإعراب أقوى وأمكن باجتماع الإعراب والتنوين معا. كما صار أخف نطقا. وليس من هذا القسم تنوين جمع المؤنث السالم الباقي في دلالته على جميعه، نحو: هؤلاء متعلمات فاضلات؛ لأن هذا تنوين للمقابلة، ولأنه قد يوجد في الاسم غير المنصرف؛ كالعلم المؤنث المنقول من جمع مؤنث سالم؛ مثل: سعادات - عطيات - زينات ... فإن هذا العلم المنقول من جمع المؤنث السالم -يجوز صرفه، مراعاة لأصله الذي نقل منه، فيكون تنوينه -كتنوين أصله- للمقابلة للأمكنية. ويجوز عدم صرفه، مراعاة للحالة التي هو عليها الآن؛ وهي أنه: علم على مؤنث؛ فيكون غير أمكن أيضا2. وليس من تنوين "الأمكنية" كذلك تنوين "العوض" ولا تنوين "التنكير"؛ لأنهما يدخلان الأسماء المنصرفة وغير المنصرفة3 ... وسيتكرر في هذا الباب وغيره كلمة: "الصرف" مرادا منها تنوين "الأمكنية" جريا على الشائع4. 2- قسم لا يدخله هذا النوع الأصيل من التنوين، ويمتنع وجوده فيه؛ فيكون امتناعه دليلا على أن الاسم المعرب متمكن في الاسمية، ولكنه غير أمكن، إذ لا يبلغ في درجة التمكن، وقوته، مبلغ القسم السالف؛ كالأسماء: عمر، عثمان، مريم، عبلة ... وغيرها من الأسماء الممنوعة من الصرف؛ أي: الممنوعة من
أن يدخل عليها تنوين: "الصرف" الدال على "الأمكنية"، والمؤدي إلى خفة النطق، "لأن هذا التنوين يرمز إلى الأمرين المذكورين ويدل عليهما، كما أسلفنا". وإنما كان هذا القسم "متمكنا غير أمكن"، لاشتماله على علامة واحدة، هي الإعراب، وبسببها كان محصورا في الأسماء المعربة وحدها. أما تنوين "الأمكنية" فلا يدخل هذا القسم. وبسبب حرمانه هذا التنوين، وامتناع دخوله، اقترب من الفعل والحرف؛ إذ صار شبيها بهما في حرمانهما التنوين، وامتناع دخوله عليهما. وإذا امتنع دخول تنوين "الأمكنية" على الاسم الذي لا ينصرف امتنع، -تبعا لذلك- جره بالكسرة؛ فيجر بالفتحة نيابة عنها1، بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقترنا "بأل"2 -مهما كان نوعها- فإن أضيفن أو اقترن "بأل"3 وجب جره بالكسرة. -وهذا هو حكم الممنوع من "الصرف"، وسيجيء الكلام عليه4. لكن كيف يمكن التمييز بين القسمين، والحكم على الاسم المعرب بأنه من القسم الأول "الأمكن" أو من القسم الثاني "المتمكن"؟ لقد اقتصر النحاة على وضع علامات مضبوطة تميز الاسم المعرب المتكن، وهو "الممنوع من الصرف"، وتدل عليه بغير خفاء ولا غموض، واكتفوا بها؛ لعلمهم أنها متى وجدت في اسم معرب كانت دليلا على أنه "لا ينصرف"، ومتى خلا منها كان فقدها دليلا على أنه من القسم الأول: وهو: "المعرب الأمكن"، أي: "المعرب المنصرف". فعلامة الاسم المعرب الذي لا ينصرف "وجودية"، وعلامة المعرب المنصرف"، "عدمية؛ أي: سلبية". غير أن
العلامة الدالة على منع الاسم من الصرف قد تكون واحدة، وقد تكون اثنتين معا، لهذا كانت الأسماء الممنوعة من الصرف نوعان: نوع يمنع صرفه في كل استعمالاته حين توجد فيه هذه العلامة الواحدة، ونوع يمنع صرفه بشرط أن توجد فيه علامتان معا1 من بين علامات تسع. ومجموع النوعين أحد عشر شيئا:
أ- فالذي يُمنع صرفه لوجود علامة واحدة هو ما يكون مشتملا على: "ألف التأنيث المقصورة، أو الممدودة"، وكذلك ما يكون على وزن: "صيغة منتهى الجموع". 1- فالمقصورة ألف تجيء في نهاية الاسم المعرب، لتدل على تأنيه، ومثلها الممدودة، إلا أن الممدودة لا بد أن يسبقها -مباشرة- ألف زائدة للمد؛ فتنقلب ألف التأنيث همزة1 ... ومن أمثلة المقصورة: "ذكرى" مصدر، نكرة للفعل: ذكر: بمعنى تذكر" و"رضوى" علم على جبل بالحجاز، بالمدينة"، و"جرحى؛ جمع: جريح" و"حبلى، وصف للمرأة الحامل ... ". وعند إعراب هذه الكلمات نقول في حالة الرفع: إنها مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، وفي حالة النصب منصوبة بفتحة مقدرة على الألف، ونقول في حالة الجر: إنها مجرورة بفتحة مقدرة على الألف، نياية عن الكسرة، والتنوين ممتنع في كل الحالات -كما عرفنا. وإنما تجر هذه الأسماء وأشباهها، بالفتحة نيابة عن الكسرة بشرط خلو الاسم من "أل"2 ومن الإضافة. وإلا وجب جره بالكسرة.
ومن أمثلة الممدودة: "صحراء، وهي اسم نكرة"، و"زكريا، على إنسان"، و"أصدقاء، جمع صديق"، و"حمراء، وصف للشيء الأحمر المؤنث" ... ، وعند إعراب هذه الكلمات نقول: إنها مرفوعة بالضمة الظاهرة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بالفتحة الظاهرة نيابة عن الكسرة، بشرط خلو الاسم من "أل" ومن الإضافة؛ وإلا وجب جره بالكسرة -كما تقدم. ومن هذه الأمثلة -وأشباهها- يتبين أن ألف التأنيث بنوعيها قد تكون في اسم نكرة؛ كذكرى وصحراء. وقد تكون في معرفة؛ كرضوى وزكرياء، وتكون في الاسم مفرد كالأمثلة السالفة، وفي جمع؛ كجرحى وأصدقاء، وقد تكون في اسم خالص الاسمية؛ كرضوى وزكرياء؛ علمين، أو في وصف1؛ كحبلى وحمراء ... وهي بنوعيها تمنع الاسم في كل الحالات استعماله2 من تنوين الأمكنية، وتوجب جره بالفتحة، بدلا من الكسرة بشرط أن يكون مجردا من "أل" ومن الإضافة3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول النحاة: إن ألف التأنيث الممدودة، كحمراء، وخضراء -وغيرهما- كانت في أصلها مقصورة "أي: حمرى، خضرى ... " فلما أريد المد زيدت قبلها ألف أخرى. والجمع في النطق بين ألفين ساكنتين محال، وحذف إحداهما ينافي الغرض من ذكرها؛ إذ لو حذفت الأولى لضاع الغرض من المد، ولو حذفت الثانية لضاع الغرض من التأنيث، وقلب الأولى حرفا قريبا منها -وهو الهمزة- يفيد الغرض من المد؛ فلم يبق إلا قلب الثانية همزة تدل على التأنيث؛ كما كانت هذه الألف تدل عليه قبل انقلابها. ب- يمنع الاسم من الصرف بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقرونا "بأل" مهما كان نوعها -كما عرفنا-1 ومثل "أل" ما يحل محلها عند بعض القبائل العربية، ومنه: "أم" التي هي بمنزلة "أل".
2- وصيغة منتهى الجموع1 هي: كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان2، أو ثلاثة أحرف، بشرط أن يكون أوسط هذه الثلاثة حرفا ساكنا3، نحو: "معابد، أقارب، طبائع، جواهر، تجارب، دواب ... "، وكذلك "مناديل، عصافير، أحاديث، كراسي، تهاويل، ... ". ومن هذه الأمثلة -وأشباهها- يتضح أن صيغة منتهى الجموع قد تكون على وزن: "مفاعل"، و"مفاعيل"؛ كمعابد ومناديل. وقد تكون على أوزان أخرى ينطبق عليها وصف تلك الصيغة؛ كباقي الأمثلة السالفة. "ملاحظة": يجري على ألسنة فريق من النحاة أن صيغة منتهى الجموع هي؛ جمع التكسير المماثل لصيغة: "مفاعل"، و"مفاعيل". لكنهم يريدون بالمماثلة: أن الكلمة خماسية أو سداسية، والحرف الأول مفتوح في الحالتين -سواء أكان ميما أم غير ميم- وأن الثالث ألف زادة، يليها كسر الحرف الأول من حرفين بعدها، أو من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ... فليس المراد بالمماثلة أن تكون جارية على أسس الميزان الصرفي الأصيل الذي يراعى في صوغه عدد الحروف الأصلية والزائدة، وترتيبها، وحركاتها، وسكناتها، مع النطق بالحروف الزائدة كما وردت بنصها في الموزون، وإنما المراد عندهم هو: المماثلة في عد الحروف
الأصلية والزائدة، وترتيبها، وحركاتها، وسكانتها، دون اعتبار لمقابلة الحرف الأصلي بمثله، ودون تمسك بالنطق بالحروف الزائدة نصا؛ فيقولون في "جواهر" إنها على وزن "مفاعل" -مثلا- وفي: "ألاعيب" إنها على وزن: "مفاعيل" -مثلا- مع أن الوزن الصرفي الأصيل يوجب أن تكون الأولى على وزان: "فواعل"، والثانية على وزان: "أفاعيل"، فالأمر عند هذا الفريق مجرد اصطلاح يراعى في العمل به ما وضع له. والأحسن: الاقتصار على التعريف الأول؛ لعدم معارضته الميزان الصرفي الأصيل1. حكم صيغة منتهى الجموع: وهو حكم غيرها من الأسماء الممنوعة من الصرف؛ فيجب تجريدها من تنوين "الأمكنية"2، كما يجب جرها بالفتحة نيابة عن الكسرة، بشرط ألا تكون مقترنة "بأل" وألا تكون مضافة. فترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالفتحة أيضا، نيابة عن الكسرة، إلا إذا كانت مضافة أو مقترنة بأل؛ فتجر بالكسرة مباشرة3. ومن أحكامها: أنها إذا تجردت من "أل" و"الإضافة"، وكانت اسما منقوصا4 "مثل: دواع، جمع: داعية، وثوان، جمع: ثانية. وأصلهما:
دواعي، وثواني". كان الأغلب1 -هنا- أن تحذف ياؤها، ويجيء التنوين عوضا عنها2. وتبقى الكسرة قبلها في حالتي الرفع والجر. أما في حالة النصب فتبقى الياء، وتظهر الفتحة عليها بغير تنوين؛ نحو: "للرحلات دواع تحتمها. وما عرفت لإغفالها من دواع. فعلى أهل النشاط، والرغبة في المعرفة والتجربة أن يجيبوا دواعي الارتجال؛ والتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها ... " فتكون مرفوعة بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بفتحة على الياء المحذوفة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بفتحة مقدرة على الياء المحذوفة، نيابة عن الكسرة والتنوين المذكور في حالتي الرفع والجر عوض عن حرف الياء3. فإن كنت سما منقوصا مقترنا بأل، أو مضافا واجب أن تبقى ياؤها في كل الحالات، غير أنها تكون ساكنة في حالتي الرفع والجر وتقدير عليها الضمة والكسرة، وتكون متحركة بالفتحة الظاهرة في حالة النصب، نحو: من الثواني تكون الساعات والأيام؛ فليس العمر إلا الثواني التي نستهين بها. وليست الثواني إلا قطعا من الحياة نفقها، ونحن عنها غافلون. ومثل: دواعي الخير والشر كثيرة، تكاد تخلط إلا على العاقل الأريب؛ فإنه يميز دواعي الخير، ويستجيب لها سريعا، ويدرك عاقبة الشر، ويفر من دوايعه4 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على الياء المحذوفة؛ لأنه ممنوع من الصرف. ويختلفان كذلك في أن حذف الياء في صيغة منتهى الجموع هو للخفة، أو للتخلص من التقاء الساكنين -على خلاف في ذلك- أما في المفرد فللتخلص من التقاء الساكنين، بيان هذا ما يقولون في كلمة منقوصة للمفرد، مثل: "داع"، وأن أصلها: "داعي" "داعين" استثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة؛ فصارت الكلمة: "داعين"، التقى ساكنان لا يصح هنا التقاؤهما: الياء والتنوين المرموز له بالنون الساكنة؛ حذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، فصارت: داع "داعن". أما في كلمة هي منتهى الجموع؛ مثل: "دواع" فأصلها: دواعي "دواعين" فعل اعتبار أن حذف الياء سابق على منع الصرف، استثقلت الضمة على الياء فحذفت؛ فصارت: دواعين؛ التقى ساكنان الياء والتنوين المرموز له بالنون الساكنة؛ فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصارت الكلمة: دواع "دواعن". ثم حذف التنوين؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف، وحل محله تنوين آخر؛ ليكون عوضا عن الياء المحذوفة، وليمنع رجوعها عند النطق، فصارت: "دواع". أما على اعتبار أن الحذف متأخر عن منع الصرف فالأصل: "دواعي" "دواعين" حذف التنوين لمنع الصرف؛ فصارت الكلمة: "دواعي" استثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم حذفت الياء طلبا للخفة، وجاء تنوين آخر للعوض عنها، ولمنع رجوعها. "هكذا يقولون، وقد أوضحنا ما فيه بإسهاب في ج1 ص24 م3 كما أوضحنا هناك ما يحسن الأخذ به"، وكل ما سبق هو في المنقوص الخالي من "أل والإضافة". فإن كان المنقوص بنوعيه -المفرد والجمع المتناهي- مضافا أو مقرونا بأل، فالحكم واحد؛ هو منع تنوينه، وعدم حذف يائه. ويرفع بضمة مقدرة على الياء، وينصب بفتحة ظاهرة عليها، ويجر بكسرة مقدرة عليها. "ملاحظة": يقول الصبان في آخر هذا الباب ما نصه: "لو سميت بالفعل: "يغزو" و"يدعو" ورجعت بالواو للياء؛ أجريته مجرى "جوار" وتقول في النصب: رأيت يرمي ويغزي. قال بعضهم: وجه الرجوع بالواو للياء ما ثبت أن الأسماء المتمكنة ليس فيها ما آخره واو قبلها ضمة؛ فتقلب الواو ياء، ويكسر ما قبلها. وإذا سميت بكلمة: "يرم" من "لم يرم" رددت إليه ما حذف منه، ومنعته من الصرف: "تقول: هذا يرم، ومررت بيرم، والتنوين للعوض، ورأيت يرمى. وإذا سميت بكلمة: "يغز" من قولنا: "لم يغز" قلت: هذا يغز، ومررت بيغز، ورأيت يغزي. إلا أن هذا يراد إليه الواو، وتقلب ياء؛ لما تقدم، ثم يستعمل استعمال "جوار"....". ا. هـ. وقد نقلنا كلام الصبان هذا في الجزء الأول م16 ص146 وقلنا: إن فيه فوق التخيل البعيد ما يستدعي التوقف بل الإهمال؛ إذ يؤدي الأخذ به اليوم إلى تغيير صورة العلم تغييرا يوقع في اللبس والإبهام، واضطراب المعاملات -ولهذه المسالة صلة بما سيجيء في ص247 وهو: "العلمية ووزن الفعل".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا1 إن حكم المنقوص من صيغ منتهى الجموع إذا كان مجردا من "أل" والإضافة هو في الأغلب الذي يحسن الاقتصار عليه -حذف يائه رفعا وجرا، مع بقاء الكسرة قبلها، ومجيء التنوين عوضا عنها ... وإنما كان هو الأغلب لأن بعض العرب2 يقلب الكسرة قبل الياء فتحة؛ قتنقلب الياء ألفا بشرط أن يكون وزن المنقوص كوزن إحدى الصيغ الأصيلة لمنتهى الجموع، والكثير أن يكون مفرده اسما محضا على وزن: "فعلاء" الدالة على مؤنث ليس له -في الغالب- مذكر: كصحراء وصحار؛ وعذراء وعذار؛ فيقول فيهما: صحارى، وعذارى ... ، رفعا، ونصبا، وجرا، بغير تنوين؛ نحو: "في بلادنا صحارى واسعة، إن صحارى واسعة تحيط ببلادنا، تحوي كنوزا نفيسة من المعادن المختلفة، وقد اتجهت العزائم إلى تعمير صحارى لا حدود لها على جانبي وادنيا الخصيب" ... ، فكلمة "صحارى" اسم مقصور، ممنوع من الصرف. وفي بعض اللهجات العربية تثبت ياء المنقوص في كل أحواله، وتكون ساكنة رفعا وجرا، وتظهر عليها الفتحة نصبا. ب- صيغة منتهى الجموع لا تكون في اللغة العربية إلا جمع تكسير بالوصف السالف3، أو منقولة عنه. ولا تكون لمفرد بالأصالة. أما كلمة "سراويل" مرادا بها: الإزار المفرد، فهي أعجمية الأصل4 ... وهي اسم مؤنث في جميع استعمالاتها؛ تقول: هذه سراويل قصيرة لبسها السباح. ج- وصيغة منتهى الجموع -في كل الاستعمالات- تمنع الاسم من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنوين "الأمكنية" وتنوين "التنكير"1 سواء أكان الاسم علما أم غير علم، فلو سمي إنسان باسم على وزن صيغة من صيغها فإنه يمنع من الصرف، لشبه منتهى الجموع؛ لأن مدلولها في هذه الصورة مفرد لا جمع تكسير. وذلك المنع بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقرونا بأل -كما تقدم. د- عرفنا2 أن مثل: كراسي، قماري، بخاتي ... ممنوعة من الصرف بالتفصيل السالف. فإذا نسب إليها حذفت هذه الياء المشددة "التي هي في الجمع وفي مفرده" وحل محلها ياء أخرى مشددة، من نوع آخر؛ هي ياء النسب، ولا يمنع الاسم من الصرف مع ياء النسب3 ... هـ- تسمى صيغة منتهى الجموع: بالجمع المتناهي أيضا، لانتهاء الجمع إليها؛ فلا يجوز أن يجمع بعدها مرة أخرى. بخلاف كثير غيرها من جموع التكسير فإنه يجمع، نحو: أنعام، وأكلب، يجمعان على: أناعم، وأكالب4.
حكم ملحقاتها: ليس الحكم السابق خاصا بصيغة منتهى الجموع الأصلية -وهي نوع من جمع التكسير، كما عرفنا- ولا مقصورا عليها وحدها، وإنما يشملها ما ألحق بها1. والملحق بها هو: "كل اسم جاء وزنه مماثلا لوزن صيغة من الصيغ الخاصة بها مع دلالته على مفرد. سواء أكان هذا الاسم عربيا أصيلا، أم غير أصيل، علما أم غير علم، مرتجلا2 أم منقولا". فمثال العلم العربي المرتجل الأصيل: "هوازن"؛ اسم قبيلة عربية، ومثال العلم المعرب: "شراحيل" وقد استعمله العرب علما، سمي به عدة رجال ... ومن الأعجمي المعرب الذي ليس علما "سراويل" -بصورة الجمع- اسم، نكرة، مؤنث، للإزار المفرد3 ... ومثال الأعلام المرتجلة في العصور الحديثة: "كشاجم4 علم رجل، و"بهادر" علم مهندس هندي، و"صنافير"، علم قرية مصرية، وكذا
"أعانيب". فكل اسم من هذه الأسماء -ونظائرها- يعتبر ملحقا بصيغة منتهى الجموع يجري عليه حكمها، بشرط أن يكون دالا على مفرد، وجاريا على وزن من أوزانها1 -كما سبق- لا فرق في هذا بين العلم، "وهو الأكثر"، وغير العلم. ويقال في إعرابه: إنه ممنوع من الصرف؛ لأنه مفرد على وزن صيغة منتهى الجموع، أو: لأنه مفرد ملحق بها2 ... أما هي فممنوعة أصالة، كما أسلفنا؛ لدلالتها على الجمع حقيقة. وإنما كانت تلك الألفاظ -ومنها سراويل- ملحقات لأنها تدل على مفرد، مع أن صيغتها صيغة منتهى الجموع، وهذه لا يتكون في العربية إلا لجمع أو منقول من جمع. فما جاء على وزنها لمفرد فإنه من الصرف للمشابهة "أي: المماثلة" بين الوزنين. بالرغم من دلالته على مفرد.
ب- الذي يمنع صرفه لوجود علتين معا: لا بد أن تكون إحدى العلتين المجتمعتين معنوية، والأخرى لفظية. وتنحصر العلة المعنوية في "الوصفية" وفي "العلمية"1 وينضم لكل واحدة منهما علة أخرى لفظية لا بد أن تكون من بين العلل السبع الآنية -دون غيرها-2 وهي: "زيادة الألف والنون، وزن الفعل، العدل، التكريب، التأنيث، العجمة، ألف الإلحاق". فينضم للوصفية إما زيادة الألف والنون، وإما وزن الفعل، وإما العدل. وينضم إلى العلمية إما واحدة من هذه الثلاث، وإما التركيب، أو التأنيث، أو العجمة، أو ألف الإلحاق. فالعلل "كما يسميها النحاة" تسع معينة، ليس فيها علة معنوية إلا الوصفية والعلمية. أما السبعة الباقية فلفظية3، لا تصلح واحدة منها لمنع الصرف، إلا إذا انضمت إليها إحدى العلتين المعنويتين. فالاسم يمنع من الصرف: للوصفية مع زيادة الألف والنون، أو الوصفية مع وزن الفعل -أو الوصفية مع العدل. وكذلك يمنع من الصرف للعلمية مع الزيادة. أو العلمية مع وزن الفعل. أو العلمية مع العدل، أو العلمية مع التركيب، أو العلمية مع التأنيث، أو العلمية مع العجمة، أو العلمية مع ألف الإلحاق. وفيما يلي البيان:
المسألة 146
المسأ لة 146: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للوصفية 1 وما ينضم إليها وجوبا من إحدى العلل الثلاث: 1- يمنع الاسم من الصرف للوصفية مع زيادة الألف والنون إذا كان على وزن "فعلان" -بفتح الفاء وسكون العين- بشرطين: أن تكون وصفيته أصيلة "أي: غير طارئة"، وأن يكون تأنيثه بغير التاء؛ إما لأنه لا مؤنث له؛ لاختصاصه بالذكور، وإما لأن علامة تأنيثه الشائعة بين العرب ليست تاء التأنيث، كأن يكون، بألف التأنيث ... ، فمثال ما ليس له مؤنث: "لحيان"2، لكبير اللحية. ومثال الآخر عطشان، غضبان، سكران، ريان ... ؛ فإن أشهر مؤنثاتها3: عطشى، غضبى، سكرى، ربا ... 3 ومن الأمثلة قولهم: "كان أبو بكر لحيان2، تزيده لحيته وقارا، وهيبة.
كثير الصمت، وافر الحلم. وما رآه الناس غضبان إلا حين يحمد الغضب". وقوله عليه السلام: "ليس بمؤمن من بات شبعان ريان، وجاره جائع طاو". فإن كان الغالب المسموع على مؤنثه وجود تاء التأنيث في آخره لم يمنع من الصرف؛ نحو: "سيفان، للرحل الطويل الممشوق القامة" "ومصان، للرجل اللئيم"؛ فإن مؤنثهما الشائع: سيفانة ومصانة. وكذلك إن كانت وصفيته غير أصيلة؛ فإنه لا يمنع من الصرف؛ ككلمة: "صفوان" في قولهم: "بئس رجل صفوان قلبه". وأصل الصفوان: الحجر. وإذا زالت الوصفية وحدها وسمى بهذا الاسم؛ بأن صار علما مزيدا بالألف والنون؛ كتسمية رجل بغضبان، أو بعطشان فإنه يظل على حاله ممنوعا من الصرف؛ لأن الوصفية التي زالت حل محلها العلمية الجديدة؛ وبانضمام العلمية الجديدة إلى الزيادة يجتمع في الاسم العلتان المؤديتان إلى منعه من الصرف1. 2- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع وزن الفعل2 بالشرطين السالفين
"وهما: ألا يكون مؤنثه الشائع بالتاء، وألا تكون وصفيته طارئة غير أصيلة". ويتحقق الشرطان في الوصف الذي على وزن "أفعل"، ومؤنثه "فعلاء، أو فعلى"؛ نحو: أحمر وحمراء - أبيض وبيضاء - أجمل وجملاء1، ونحو: أفضل وفضلى، وأحسن وحسنى. وأدنى ودنيا ... فهذه الألفاظ - وأشباهها ممنوعة من الصرف. لتحقق الشرطين. فإن كان الوصف مؤنثه بالتاء لم يمنع من الصرف، نحو: "أرمل" في قولنا: عطفت على رجل أرمل "بالكسرة مع التنوين"، أي: فقير؛ لأن مؤنثه أرملة. وكذلك ينصرف الوصف إذا كان وصفيته طارئة "أي: ليست أصيلة"، نحو "أرنب" في قولنا: مررت برجل أرنب "بالكسرة مع التنوين، أي: جبان". فالوصف منصرف -بالرغم من أن مؤنثه لا يكون بالتاء في الأغلب- لأن وصفيته طارئة، سبقتها الاسمية الأصيلة، للحيوان المعروف. ومما فقد الشرطين معا كلمة: "أربع" في مثل: قضيت في النزهة ساعات أربعا؛ لأن مؤنثها يكون بالتاء؛ فتقول: سافرت أياما أربعا؛ ولأن وصفيتها طارئة عارضة؛ إذ الأصل السابق فيها أن تستعمل اسما للعدد المخصوص في نحو: والخلفاء الراشدون أربعة". ولكن العرب استعملتها بعد ذلك وصفا2؛ فوصفيتها ليست أصيلة سابقة. وبسبب فقد الشرطين وجب صرف الكلمة في جميع استعمالاتها. ومن أمثلة الوصفية الطارئة التي لا يعتد بها في منع الاسم من الصرف كلمات أخرى؛ مثل: "أجدل"، للصقر "وأخيل"، لطائر فيه نقط تخالف
في لونها سائر البدن" "وأفعى"، للحية. فكل هذه، وما شابهها، أسماء بحسب وضعها الأصلي لتلك الأشياء؛ ولهذا تصرف. وقد يصح في هذه الكلمات -ولا يدخل فيها كلمة: أربع- منعها من الصرف على اعتبار أن معنى الصفة يلاحظ فيها، ويمكن تخيله مع الاسمية، وقد وردت ممنوعة من الصرف في بعض الكلام الفصيح، فالأجدل: يلحظ فيه القوة؛ لأنه مشتق من الجدل "بسكون الدال" بهذا المعنى. والأخيل: يلحظ فيه التلون؛ لأنه من الخيلان، بهذا المعنى. والأفعى: يلحظ فيها الإيذاء الذي اشتهرت به، واقترن باسمها1، وعلى أساس التخيل والملاحظة المعنوية مع السماع يجوز منع الصرف. ولكن الأنسب الاقتصار على صرف هذه الأسماء: لغلبة الاسمية عليها. وهناك ألفاظ وضعت أول نشأتها أوصافا أصلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الاسمية المجردة2 وبقيت فيها، فاستحقت منع الصرف بحسب أصلها الأول الذي وضعت عليه؛ لا بحسب حالتها الجديدة التي انتقلت إليها؛ مثل: "أدهم" للقيد3؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء الذي فيه دهمه، "أي: سواد"، ثم انتقل منه؛ فصار اسما مجردا للقيد؛ ومثل: "أرقم"؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء المرقوم، "أي: المنقط" ثم انتقل منه فصار اسما للثعبان الذي ينتشر على جلده النقط البيض والسود. ومثل: "أسود" فأصله وصف لكل شيء أسود، ثم انتقل منه؛ فصار اسما للثعبان المنقط بنقط بيض وسود، ومثل: "أبطح" وأصله وصف للشيء المرتمي على وجهه: ثم صار اسما للمكان الواسع الذي يجري فيه الماء بين الحصى الدقيق، ومثل: "أبرق"، وأصله وصف لكل شيء لامع براق، ثم صار اسما للأرض الخشنة التي تختلط فيها الحجارة والرمل والطين. وقد يجوز صرف هذه الأسماء على اعتبار أن وصفيتها الأصيلة السابقة قد زالت بسبب الاسمية الطارئة. ولكن الاقتصار على الرأي الأول أنسب. ويفهم مما سبق -في غير كلمة: أربع-4 أن الوصفية الأصيلة الباقية
لا يصح إغفالها في منع الصرف. أما الوصفية الأصيلة التي زالت وحل محلها الاسمية الطارئة المجردة؛ فيصح أن يلاحظ كل منهما عند منع الصرف أو لا يلاحظ؛ بمعنى أنه يجوز -عند وجود إحداهما مع العلة الثانية- صرف الاسم ومنعه من الصرف، بشرط تحقق الشرط الثاني. "وهو ألا يكون تأنيث الوصف بالتاء ... "، وأن الأفضل الاقتصار على حالة واحدة؛ فالصرف أفضل إن كانت الاسمية هي الأصيلة، والوصفية هي الطارئة. والمنع أولى؛ إن كانت الوصفية هي الأصيلة والاسمية هي الطارئة. وفي مراعاة هذه الأفضلية مسايرة للسبب العام في منع الصفة من الصرف، وتيسير في الاستعمال1 ... وإذا سمي بهذا الوصف زالت عنه الوصفية، وحل محلها العلمية؛ فيجتمع فيه العلمية ووزن الفعل؛ وهما علتان يؤدي اجتماعهما إلى منع صرفه؛ كتسمية رجل: أرقم -أو: أسود2:
3- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع العدل1 في إحدى حالتين: الأول: أن يكون اسم أحد الأعداد العشرة2 الأول، وصيغته على وزن:
"فعال" أو: "مفعل"، نحو: أحاد وموحد، ثناء ومثنى، ثلاث ومثلث، رباع ومربع، خماس ومخمس، سداس ومسدس، سباع ومسبع، ثمان ومثمن، تساع ومتسع، عشار ومعشر. ويقول النحاة: إن كل لفظ من هذه الألفاظ معدول عن لفظ العدد الأصلي المكرر مرتين للتوكيد؛ فكلمة: "أحاد" في مثل: "صافحت الأضياف أحاد، معدولة عن الكلمة العددية الأصيلة المكررة: "واحدا واحدا" والأصل: صافحت الأضياف واحدا واحدا؛ فعدل العرب عن الكلمتين، واستغنوا عنهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما؛ هي: أحاد، ومثلها موحد"1 وكلتا الكلمتين ممنوعة من الصرف مع أن أصلهما المعدول عنه منصرف، ولا ينظر لهذا الأصل هنا؛ ولهذا كنت كل واحد منهما محتومة المنع من الصرف2. وكلمة: "ثناء"، في مثل: سار الجند ثناء ... ، معدولة عن أصلها العددي المكرر للتوكيد، وهو: "اثنين اثنين" والأصل: سار الجند اثنين اثنين، فعدل العرب عن الكلمتين، وأتوا بدلهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما، هي: ثناء، ومثلها: "مثنى" وهاتان ممنوعتان من الصرف مع أن أصلهما مصروف. ومثل هذا يقال في بقية الأعداد العشرة الأولى المعدولة. والأغلب في هذه الأعداد العشرة المعدولة أن تكون حالا، كالأمثلة السالفة، أو تكون نعتا؛ نحو: شاهدت حول الماء طيورا مثنى؛ وطيورا ثلاث ... أو تكون خبرا؛ نحو: أصابع اليدين والرجلين خماس ... ومن القليل أن تكون مضافا، ومن
الممنوع أن تكون مقرونة بأل1 ... ويجوز أن يتكرر اللفظ المعدول فيكون التالي توكيدا2 لفظيا للأول، فنقول: سار الجند مثنى مثنى -أو: ثلاث ثلاث ... وهكذا. ومن العرب من يجيز صرف تلك الألفاظ، فيقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، أو ثلاثا ثلاثا ... وهكذا، وعند صرفها يعدها أسماء مجردة من الوصفية، والرأي الأول أكثر وأشهر. الثانية: كلمة: "أخر"؛ في مثل: "سجل التاريخ لعائشة أم المؤمنين، ولنساء أخر أثرهن في السياسة، والثقافة، ونشر العلم"، فهي جمع، مفردة: "أخرى" و "أخرى" مؤنث للفظ مذكر؛ هو: "آخر" ... "بفتح الخاء"، على وزن: "أفعل"، ومعناه: أكثر مغايرة ومخالفة فلفظ: "آخر" هنا: "أفعل للتفضيل"، مجرد من "أل" والإضافة للمعرفة3؛ فحقه أن يكون مفردا مذكرا في جميع استعمالاته ولو كان المراد مه مثنى، أو جمعا، أو مؤنثا، وهذا ما تقتضيه الأحكام العامة لأفعل التفضيل المجرد منهما؛ "نحو: المتعلم والمتعلمة أقدر على نفع الوطن من غيرهما -الإخوان والأصدقاء أنفع في الشدة، وأبعد عن التقصير- ليس بين النساء أفضل، ولا أحسن من الساهرات على تربية أولادهن ... " وبناء على هذا الحكم العام يكون القياس في المثال السابق وأشباهه أنن قول: لعائشة أم المؤمنين ولنساء آخر -بمد الهمزة وفتح الخاء- أثرهن ... ، لكن العرب عدلو عنه. وقالوا: نساء "أخر" بصيغة الجمع، ومنعوه من الصرف؛ فكان العدل بانضمامه للوصفية سببا في منعه من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه
من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه من الصرف دليلا على وجود العدل فيه مع الوصفية1. وإذا زالت الوصفية وحدها وحل محلها العلمية بقي الاسم على منع الصرف؛ لاشتماله في حالته الجديدة على علتين مانعتين معا لصرفه؛ وهما: العلمية والعدل، كتسمية إنسان: "مثنى" أو "ثلاث" أو نحوهما مما كان في أصله وصفا معدولا، ثم صار علما باقيا على حاله من العدول ... ويتبين مما سبق في الصور الثلاث الخاصة بالوصفية ومعها العلامة الأخرى، أن الوصفية إذا اختفت وحدها بسبب أن الاسم صار "علما مزيدا"، أو: "علما على وزن الفعل". أو: علما معدولا" -بقي هذا الاسم ممنوعا من الصرف كما كان، ولكن للعلمية ومعها العلامة الأخرى2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لم يحكم النحاة على "أخرى" الممنوعة من الصرف بأنها معدولة؛ لاشتمالها على ألف التأنيث المقصورة، وهذه أقوى في منع الصرف من العدل. وأما آخران وآخرون فمعربان بالحروف فلا دخل لهما في منع الصرف. ب- قد تكون: "أخرى" بمعنى "آخره" -بكسر الخاء- وهي التي تقابل كلمة: "أولى" كالتي في مثل: "قالت أخراهم لأولاهم ... وقالت أولاهم لأخراهم ... " وفي هذه الصورة تجمع كلمة: "أخرى" على "أخر" المصروفة؛ لأنها غير معدولة؛ لأن مذكرها هو: "آخر" -بكسر الخاء- الذي يقابل "أول" بدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} . أي: الآخرة. يؤيد هذا قول تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ، والقصة واحدة، فليست "أخرى" التي هي بمعنى: "آخرة" من باب أفعل التفضيل. والفرق أن أنثى المفتوح الخاء1 لا تدل على انتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، فلذلك يعطف عليه مثلها من جنس واحد، كقولك: أقبل رجل، وآخر، وآخر ... أقبلت سيدة. وأخرى، وأخرى، أما أنثى المكسور الخاء2 فتدل على الانتهاء، ولا يعطف عليها مثلها من جنس واحد. كما أن مذكرها كذلك ...
المسألة 147
المسألة 147: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للعلمية 1 مع إحدى العلل السبع: 1- يمنع الاسم من الصرف إذا كان علما، مركبا تركيب مزج. والمراد بالتركيب المزجي2: كل كلمتي امتزجتا "أي: اختلطتا" بأن اتصلت ثانيتهما بنهاية الأولى حتى صارتا كالكلمة الواحدة؛ من جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية -في الرأي الأشهر- أما آخر الكلمة الأولى فقد يكون ساكنا؛
نحو: برسعيد1، نيويرك2، جردنستي3، وقد يكون متحركا4 بالفتحة "وهذا هو الأكثر"؛ نحو: طبرستان5، "خالويه6، سيبويه7، في لغة من يعربهما ولا يبنيهما"8، حضرموت9 بعلبك10. أحكامه: أشهر أحكام العلم المركب تركيب مزج -غير العددي. وأشباهه11- هو: أ- أن يترك آخر جزئه الأول على حاله قبل التركيب، من السكون أول الحركة، ونوعها؛ فلا يتغير ضبط آخر ذلك الجزء الأول مطلقا بعد التركيب، ولو كان واوا ساكنة أو ياء ساكنة12، ولا يجري عليه إعراب ولا بناء، ولا ينظر إليه إلا على اعتباره بمنزلة جزء من كلمة، وليس كلمة مستقلة -ولهذا يتصل بالثاني كتابة إن أمكن وصل حروفهما الهجائية.
ب- يجري الإعراب على آخر الجزء الثاني وحده، فيعرب إعراب الممنوع من الصرف؛ فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة نيابة على الكسرة، مع امتناع التنوين في الحالات الثلاث؛ كالشأن في كل اسم ممنوع من الصرف، مجرد من أل والإضافة. ومن الأمثلة: "غادرنا "نيويرك" في طائرة سياحية، قاصدين إلى "بعلبك"؛ فوصلناها بعد عشرة ساعة. ولما نزلنا في مطارها قال المذيع: من كانت "برسعيد" غايته فليستعد؛ فهذه الطائرة متجهة إليها". ج- من العرب من يجعل الجزء الأول مضافا تجري عليه جميع حركات الإعراب على حسب حاجة الجملة -ولا يمنع من الصرف ما دام مضافا- ويكون الثاني هو المضاف إليه المجرور دائما1. فإن كان الأول "المضاف" مختوما بحرف عليه قدر على هذا الحرف جميع حركات الإعراب -حتى الفتحية- رفعا ونصبا وجرا ومن غير منع صرف. ولا فرق في هذا بين الألف، والواو، والياء، ثم يجيء بعده القسم الثاني "المضاف إليه" فيكون ممنوعا من الصرف إن استحق المنع؛ وإلا فينصرف2. وعلى هذا لرأي يفصل الجزءأن في الكتابة: "هذه بعل بك -زرت بعل بك- تمتعت ببعل بك". ومثال ما يكون فيه الأول "المضاف" صحيح الآخر معربا ويكون المضاف إليه ممنوعا من الصرف: "من أشهر المدن الفارسية القديمة رام هرمز -عرفت أن رام هرمز
مدينة أثرية- في رام هرمز صناعات يدوية دقيقة". فكلمة: "رام" في الأمثلة السالفة معربة على حسب الجملة؛ وهي مضاف، وكلمة: "هرمز" مضاف إليه، مجرورة بالفتحة بدل الكسرة في كل الاستعمالات؛ لأنها علم أعجمي1، يمنع من الصرف هذا ... ومثال المضاف الذي آخره حرف علة تقدر عليه جميع الحركات، وبعده الجزء الثاني "المضاف إليه" غير ممنوع من الصرف: "صافي ورود" اسم قرية مصرية. تقول: "صافي ورود في الصحراء الغربية -أرغب أن أشاهد صافي ورود "بسكون الياء"-2 لم أذهب إلى صافي ورود". فكلمة: "صافي" مرفوعة بضمة مقدرة على الياء، ومنصوبة بفتحة مقدرة عليها، ومجرورة بكسرة مقدرة أيضا. وهي مضافة، وكلمة: "ورود" مضاف إليه مجرورة منونة؛ لأنها غير ممنوعة من الصرف؛ لعدم وجود ما يقتضي المنع. ومثلها: "معدي كرب" اسم رجل "وهو مركب من جزأين ... "3. ومثال معتل الجزء الأول الذي يليه الجزء الثاني "المضاف إليه" ممنوعا من انصراف: "رضا عائشة"، اسم امرأة فارسية -حادي شمر. اسم مدينة وكذا: نيويرك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجي -نحو: خالويه- وفقدهما، أو أحدهما، وجب تنوينه إن لم يوجد داع آخر للمنع، فمثال فقدهما معا: زارنا خال "وهو: أخو الأم" -استقبلت خالا- فرحت بخال. ومثال فقد التركيب: هذا خال "علم رجل" -إن خالا مقبل- سعيت إلى خال.... - ومثال فقد العلمية: من أشهر خالويه في اللغة وفروعها بين أصحاب هذا الاسم؟ بتنوين كلمة: "خالويه" تنوين تنكير1 بسبب فقدها العلمية. ب- إذا كان المركب إضافيا وجب أن يكون الإعراب على جزئه الأول المضاف، ولا يصح منه من الصرف ما دام مضافا. أما جزؤه الثاني فمضاف إليه، ينون أو لا ينون على حسب ما ينطبق عليه من أحكام الصرف وعدمه. وإذا كان المركب إسناديا وجب أن يحكى على ما هو عليه من غير تغييره. والصحيح أنه معرب لا مبني. أما المركب العددي مثل: "ثلاثة عشر" وأخواته المركبة -فمبني على فتح الجزأين عند البصريين. إلا "اثني عشر"، فمعربات إعراب المثنى -كما سبق في باب المثنى- والكوفيون يجوزن في العدد المركب إضافة صدره إلى عجزه. "وسيأتي البيان في باب المعدد2. فإن سمي بالعدد المركب جاز إبقاؤه على بناء طريفة، وجاز إعرابه ما لا ينصرف للعلمية والتركيب، وجاز إضافة صدره إلى عجزه.
أما المركب من الأحوال نحو: "أنت جاري بيت بيبت"، ومن الظروف نحو: أعمل صباح مساء ... ؛ فيجوز فيه عند التسمية به، وصيروه علما أحد أمرين1: إما إضافة الصدر إلى العجز مع إعراب الصدر على حسب الجملة؛ نحو: بيت بيت نظيف -صباح مساء محبوب ... وإما بقاء التركيب مبنيا على فتح الجزأين دائما؛ ويكون في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة فيقال: بيت بيت نظيف، صباح مساء محبوب ...
2- ويمنع الاسم من الصرف إذا كان علما مختوما بألف ونون زائدتين: سواء أكان العلم للإنسان أم لغيره؛ نحو: بدران، حيان، مروان، قحطان، غطفان ... أسماء أشخاص، ونحو: شعبان، رمضان، من أسماء الشهور العربية، ونحو: "عمان" اسم بلد في الأردن، و"رغدان" اسم قصر بها. وحكم هذا النوع المنع من الصرف بشرطية "وهما: العلمية الزيادة" تقول: عمان حاضرة البلاد الأردنية، وفي أحد أطرافها قصر فخم، يسمى: "رغدان" بينه وبين عمان بضعة أميال ... فإن كان الحرفان: "الألف والنون" أصليين، معا، أو النون1 وحدها، لم يمنع الاسم من الصرف؛ فمثال الأصليين: بان2 - خان3. ومثال أصالة النون: أمان، لسان، ضمان. وإن كانا معا صالحين للأصالة، وللزيادة، أو كان أحدهما هو الصالح وحده جاز في الاسم الصرف وعدمه4؛ نحو: حسان، علم على رجل5، فيجوز أن يكون مشتقا من الحس، بمعنى: الشعور، فيمنع من الصرف للعلمية وزيادة الحرفين. ويجوز أن يكون مشتقا من الحسن فلا يمنع؛ لأن الزائد حرف واحد. وكذلك: "غسان"؛ قد يكون من الغس؛ بمعنى: دخول البلاد؛ فيمنع من الصرف؛ للعلمية وزيادة الحرفين. وقد يكون: من الغسن؛ بمعنى: المضغ؛ فلا يمنع؛ لأن الزائد حرف واحد. وودان، قد يكون من الود؛ بمعنى: الحب؛ فيمنع، أو: من الودن، بمعنى: نقع الشيء في الماء ونحوه؛ فلا يمنع6 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول الصرفيون: إن علامة زيادة الألف والنون هي سقوطهما في بعض التصريفات؛ -كما في "حمدان" و"فرحان"، عامين؛ حيث يمكن ردهما إلى: حمد، وفرح ... -بشرط أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصليين بغير تضعيف الثاني؛ نحو: عثمان -مروان- رشدان ... فإن كان قبلهما أكثر من حرفان أصليان ثانيهما مضعف جاز أمران: إما اعتبار الحرف الذي حصل به التضعيف أصيلا؛ فيؤدي هذا إلى الحكم بزيادة الألف والنون؛ لوقوعهما بعد ثلاثة أحرف أصلية؛ وإما عدم اعتباره أصيلا فيؤدي إلى الحكم بأصالة النون. ومن الأمثلة: حسان -عفان- حيان ... فتمنع من الصرف على اعتبارها من الحس؛ بمعنى: الإحساس -مثلا- ومن العفة -ومن الحياة. ويكون وزنها "فعلان". وتنصرف على اعتبارها من الحسن، والعفن، والحين "بمعنى الهلاك"، وتكون على وزن "فعال" لأن نونها أصلية ... ومن الأمثلة: شيطان: فهو إما من شطن بمعنى: ابتعد، وإما من شاط بمعنى: احترق ... وإذا كان العلم ذو الزيادتين مسموعا عن العرب الفصحاء بصورة واحدة هي المنع أو عدما فالأولى اتباع المسموع، كما في "حسان" شاعر الرسول، فالمسموع عنهم منعه في الحالات المختلفة، ولهذا يحتم أكثر النحاة منعه ... ولكن هذا التحتيم تحكم وتشدد بغير حق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- لو أبدلت النون الزائدة لاما -كما يجري في بعض اللهجات القديمة- منع الاسم من الصرف أيضا إذا كان مستوفيا شروط المنع. كقولهم: أصيلال، في "أصيلان"، التي هي تصغير شاذ لكلمة: "أصيل"1 فإذا سمي إنسان: "أصيلال" منع الصرف؛ للعلمية وزيادة الألف واللام، إعطاء للحرف المبدل، حكم الحرف المبدل منه. ولو أبدل الحرف الأخير نونا -في بعض اللهجات القليلة، لمن يمنع من الصرف، كقول بعض العرب: حنان، وهي: الحناء، فأبدلوا الهمزة الشائعة نونا؛ فلو سمى رجل حنانا" لم يمنع من الصرف. ويفهم مما تقدم أن الحكم بمنع الصرف للزيادة يعتمد على الحرف الزائد في المبدل منه نصا، قبل أن يصير الزائد حرفا آخر بسبب البدل؛ أي: أن العبرة هي بالأصل الشائع، لا بالبدل. ج- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع الزيادة وفقد العلتين أو: إحداهما -وجب تنوينه، إن لم يوجد داع آخر للمنع؛ فمثال ما فقد العلمية وحدها كلمة: "بدران" في مثل: "ادع بدرنا" واحدا من بين أصحاب هذا الاسم"، والتنوين هنا للتنكير الذي أشرنا إليه2، ومثال ما فقد الزيادة: "بدر" علم رجل، تقول: فرحت بلقاء بدر. ومثال ما فقدهما معا: "بدر" بمعنى: قمر، أحد البدور السماوية ...
3- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع التأنيث1. ومنعه إما واجب، وإما جائز. أ- فالواجب يتحقق في صور2؛ منها: أن يكون العلم مختوما بالتاء الزائدة؛ المتحركة، الدالة على التأنيث. لا فرق بين العلم المذكر؛ "نحو: عنترة، معاوية، طلحة، حمزة ... " والعلم لمؤنث؛ "نحو: فاطمة، عبلة، مية، بثينة ... " ولا بين الثلاثي؛ "كأمة، هبة، عظة ... أعلام نساء"، وغير الثلاثي؛ كبعض الأعلام السالفة، ولا بين ساكن الوسط، ومتحركة ... ، فجميع الأعلام المختومة بالتاء الزائدة، المتحركة، الدالة على التأنيث ممنوع من الصرف حتما3 ...
ومنها: أن يكون غير مختوم بتاء التأنيث ولكنه علم لمؤنث، وأحرفه تزيد على ثلاثة؛ نحو؛ زينب، سعاد، مصباح، اعتماد، ... أعلام نساء. ومنها: أن يكون غير مختوم بها، ولكنه علم لمؤنث، ثلاثي، محرك الوسط؛ نحو: قمر، تحف، أمل ... أعلام نساء. ومنها: أن يكون غير مختوم بها. وغير محرك الوسط. ولكنه علم لمؤنث ثلاثين أعجمي؛ نحو: "دام، علم فتاة" - و"جور1. علم بلد" - و"موك1، علم قصر" - و"سبب، علم فاكهة". ومنها أن يكون ثلاثيا مخالفا لكل ما سبق من الحالات، ولكنه علم منقول من أصله المذكور الذي اشتهر به إلى مؤنث: نحو: سعدن صخر، قيس ... أعلام النساء2....
ب- والجائز يتحقق حين يكون العلم الذي للمؤنث ثلاثيا، ساكن الوسط، غير أعجمي، وغير منقول من مذكر؛ نحو: هنا مي، دعد، جمل، من أعلام النساء، فيجوز فيها تبعا للفصيح المأثور الصرف وعدمه. أو يكون العلم المؤنث ثنائي الحروف؛ مثل: "يد"، علم فتاة، فيجوز الأمران ... وملخص ما سبق: أن العلم المؤنث يجب منعه من الصرف في جميع حالاته إلا حالتين يصح فيهما المنع وعدمه: الأولى: أن يكون العلم المؤنث حرفين. الثانية: أن يكون ثلاثيا، ساكن الوسط. غير أعجمي، وغير منقول من المذكر للمؤنث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ما سبق هو الأصل العام الذي يراعى تطبيقه في الاستعمال، مع ملاحظة أن يجانبه أصلا آخر يصح تطبيقه أيضا -إن لم يوجد مانع1، وهو خاص بأسماء الأرضين، والقبائل، والأحياء2، وأسماء الكلمات: ومنها حروف الهجاء، وحروف المعاني، "مثل: إن، لم ... " والأفعال ... فيصح في كل ما سبق الصرف على إرادة تأويلها بشيء مذكر المعنى؛ كتأويل الأرض بالمكان، والقبيلة بالجد الأول لهاء والحي بالخط، أو بالمكان ... وحرف المعننى والفعل، بإرادة "اللفظ" وهكذا ... كما يصح منع الصرف على إرادة تأويلها بشيء مؤنث المعنى؛ كتأويل الأرض بالبقعة، وكذا القبيلة. "ولفظها مؤنث أيضا"، والحي بالبقعة أو بالجهة، وأسماء حروف الهجاء وحروف المعاني والأفعال. بالكلمة ... ؛ فأمثال تلك الأعلام الخاصة بشيء مما سبق يجوز فيها الصرف وعدمه بمراعاة أحد الاعتبارين السالفين. إلا إن وجد سبب آخر للمنع غير التأنيث المعنوي؛ فعند ذلك يراعى السبب الآخر -على الأرجح- كتغلب، علم قبيلة؛ فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. وكذا: "تعز" علم بلد يميني ... ومثل "بغدان" علم على "بغداد"؛ فيمنع من الصرف للعلمية والزيادة ... وهكذا ... ب- إذا سمي المذكر باسم مؤنث خال من التاء فإن كان ثلاثيا صرف مطلقا، وإلا وجب منعه من الصرف بشروط أربعة: أولهما: أن يكون رباعيا فأكثر؛ حقيقة؛ كزينب. أو تقديرا، كجيل، مخفف: جيئل3. ثانيها: ألا يكون التذكير هو الأصل الأول فيه قبل استعماله علما مؤنثا؛
فلا يعرف استعماله إلا مذكرا قبل العلمية المؤنثة؛ مثل: "دلال" علم امرأة؛ فإنه علم منقول من التذكير وحده؛ إذ أصله مصدر، ولم يستعمل مؤنثا قبل التسمية المؤنثة. فإن سمي به بعد ذلك مذكر وجب صرفه. ثالثها: ألا يكون من الأسماء التي تستعمل مذكرة ومؤنثة قبل استعماله علما للمذكر؛ نحو؛ ذراع؛ فإنها مذكرة ومؤنثة. فإن سمي بها مذكر وجب صرفها1 ... رابعها: ألا يكون تأنيثه مبنيا على تأويل خاص يجعله غير لازم؛ كتأنيث أكثر جموع التكسير؛ مثل كلمة "رجال". فإن تأنيثه "رجال" -وأشباهها- مبني على تأويله بالجماعة2 وهذا التأويل غير لازم؛ إذ يصح تأويله بالجمع. والجمع مذكر. فإذا سمى مذكر بكلمة: "رجال" وجب صرفه. ج- إذا سمي مذكر أو مؤنث بعلم منقول عن جمع المؤنث السالم "نحو: فاطمات، زينبات، عطيات، ثمرات، مهجات ... " جاز في هذا العلم المنقول عدة لغات؛ أشهرها: بقاؤه مصروفا؛ "مراعاة لحالة الجمع السابقة التي نقل منها، وكان فيها التنوين قبل أن يصير علما"، ويصح منعه من الصرف، بشرط أن يكون هذا الجمع المؤنث علما -بعد نقله- على مؤنث؛ فتراعى حالة تأنيثه القائمة، أو أن يكون مفرده دالا على مؤنث، فيراعى حالة التأنيث في مفرده. فلا بد من العلمية ... ومعها ما يدل على أن هذا الجمع للتأنيث3 ... د- إذا امتنع صرف الاسم لللعمية مع التأنيث وزال أحدهما، أو زالا معا وجب تنوينه؛ إن لم يوجد داع آخر للمنع. فمثال زوال العلمية: لم أتحدث إلى زينب من الزينبات، ولا إلى فاطمة من الفاطمات اللآتي لا أعرفهن. وهذا التنوين الحادث بعد زوال العلمية تنوين تنكير -كما تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ما فقد التأنيث: محمد - علي.... ومثال ما فقدهما: رجل، غلام. هـ- التأنيث الذي يلاحظ عند منع الصرف قد يكون لفظيا فقط "بوجود علامة تأنيث ظاهرة في علم يراد به مذكر"؛ نحو: "معاوية، حمزة" وقد يكون معنويا فقط؛ بأن يدل لفظ على مؤنث مع خلوه من علامة تأنيث ظاهرة"، كزينب. وقد يكون لفظيا ومعنويا معا؛ كعائشة ... و كما يمتنع صرف الاسم للعلمية مع التأنيث -بالشروط والتفصيلات السابقة- يمتنع كذلك الجزء من العلم مع التأنيث؛ كما في كلمتي: "قحافة، وهريرة"، وهما جزءان مؤنثان، من علمين قديمين، مضافين، أحدهما: "أبو قحافة" والآخر: "أبو هريرة"، فيجري على هذا المضاف إليه، -وهو الجزء المؤنث من العلم- ما يجري على العلم الكامل المؤنث، من أحكام الصرف وعدمه1.
4- يمنع الاسم من الصرف للعلمية مع العجمة بشرطين: أولهما: أن يكون علما في أصله الأعجمي1 ثم ينتقل بعد ذلك إلى اللغة العربية علما2 فيها. ثانيهما: أن يكون رباعيا فأكثر. فمثال المستوفي للشرطين: يوسف، إبراهيم، إسماعيل ... أ- فإن لم يتحقق الشرط الأول بأن كان الاسم غير علم في أصله الأعجمي "أي: الأجنبي مطلقا"1. فإن نقله العرب إلى لغتهم، واستعملوه أول استعماله عندهم علما، فإنه يمنع من الصرف. وإن لم يستعملوه أول استعماله عندهم علما وإنما نقلوه إلى لغتهم نكرة أول الأمر. ثم جعلوه علما بعد ذلك -لم يمنع من الصرف. فمثال ما ليس علما في اللغة الأعجمية. ولكن نقله العرب إلى لغتهم علما أول الأمر الكلمة الفارسية: "بندار" "وهي اسم جنس لتاجر المعادن، وللتاجر الذي يخزن البضائع إلى زمن الغلاء". وكذلك الكلمة الرومية: "قالون" -"وهي اسم جنس للشيء الجيد". والكلمتان في اللغة الأجنبية اسما جنس؛ وليستا علمين. وقد نقلهما العرب إلى لغتهم علمين في أول استعمالهما العربي؛ ولهذا امتنع صرفهما -في الرأي الشائع. ومثال ما ليس علما في اللغة الأعجمية ونقلة العرب إلى لغتهم نكرة أول الأمر -لا علما- "ديباج" و"لجام" و"فيروز" فكل منها في اللغة الأجنبية اسم جنس يدل على المعنى المعروف. وقد نقله العرب إلى لغتهم اسم
جنس كذلك في أول الأمر، فلا يجوز منعه من الصرف، ويظل حكم الصرف باقيا بعد أن يصير علما. بناء على الشرط السابق لا بد لمنع الاسم الأجنبي من الصرف للعلمية والعجمة أن يكون: إما علما في اللغة الأجنبية، ثم ينتقل منها علما في العربية. ليستعمل أول أمره علما فيها، دون أن يسبق له في لغة العرب استعمال آخر قبل هذه العلمية، وإما أن يكون غير علم في اللغة الأجنبية، ولكنه ينتقل إلى العربية، فيستعمل فيها أول استعمالاته علما. ويرى فريق من النحاة أنه لا داعي لاشتراط علميته في لسان الأعاجم قبل نقله علما إلى لغتنا. وهذا الرأي أحق بالاتباع والتفضيل اليوم؛ لأنه علمي، فيه نفع وتيسير بغير إساءة للغتنا؛ فمن العسير الآن -بل من المستحيل واللغات الأجنبية تتجاوز المئات- أن نهتدي إلى أصل كل لفظ أجنبي نريد التسمية به. ونعرف: أهو علم في اللغة الأجنبية قبل انتقاله علما إلى لغتنا فنمنعه من الصرف، أم غير علم فلا تمنعه؟ هذا والأعلام الأجنبية التي انتقلت إلى العربية قد يكون الناقل لها هم العرب الفصحاء الأوائل؛ أخذوها عن الأجانب. ونقلوها إلى اللسان العربي بغير تغيير في الحروف وضبطها، أو بتغيير يسير1. وهذا حق لهم. ومن الواجب التقيد في كل علم أجنبي استعمله العرب بالطريقة التي استعملوها في نطقه، وضبط حروفه. وقد يكون الناقل لها من جاء بعد العرب الفصحاء من المحدثين. وهذا النقل جائز، وحق مستديم لهؤلاء. ولا يزالون حتى اليوم على نقلها واستعمالها أعلاما، وسيستمرون على هذا. ومن الأمثلة: "إبراهيم وإسماعيل"، وهما من الأعلام في لغة الأعاجم وقد نقلهما العرب علمين أيضا. من الأمثلة الأخرى التي نقولها واتخذوها أعلاما أول الأمر مع أنها لم تكن في اللغة الأجنبية أعلاما كلمة: "فرفج" ... ومعناها الفارسي" عريض الجناح. وكلمة: "طسوج". ومعناها: الناحية. وكلمة: "فنزج"، ومعناها: رقص. وكلمة: "ساذج"، ومعناها: غض طري ...
فهذه الكلمات ونظائرها ليست أعلاما في اللغة الفارسية ولكن العرب الأوائل نقلوها إلى لغتهم، واتخذوها أعلاما أول الأمر، ثم غير أعلام بعد ذلك. ومن الأعلام المنقولة حديثا إلى لغتنا: مرقص - جوزيف - فكتور ... فكل ما سبق ممنوع من الصرف وجوبا1 للعلمية والعجمية. ب- وإن لم يتحقق الشرط الثاني بأن كان العلم الأعجمي ثلاثيا فإنه لا يمنع من الصرف "سواء أكان ساكن الوسط، أم متحرك الوسط ... ؛ مثل: "نوح2 ومثل: شتر، "علم على حصن". وكذلك إن كان رباعيا لاشتماله على ياء التصغير؛ فإنه في حكم الثلاثي؛ لا يمنع من الصرف. ويرى بعض النحاة أن الثلاثي ساكن الوسط يجوز صرفه ومنعه من الصرف، وأن المتحرك الوسط واجب المنع من الصرف. والأحسن الأخذ بالرأي الأول3 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أسماء الملائكة ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، إلا: مالكا، ومنكرا ونكيرا، فهذه الثلاثة مصروفة ... وأما "رضوان" فممنوع من الصرف للعلمية والزيادة. وأسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف إلا محمدا، وصالحا، وشعيبا، وهودا، ولوطا، ونوحا1، وشيئا وشيئا. وسبب المنع: العلمية والعجمة، وأما "موسى" اسم النبي فممنوع من الصرف؛ لورده في السماع الأغلب كذلك. وأما لفظ "موسى" الذي ليس اسما للنبي، وإنما هو اسم للأداة التي للحلق فيصح صرفه ومنعه من الصرف، فيصرف إن كان من أوسيت رأسه إذا حلقته، فالرأس موسى: كمعطي. ويكون ممنوعا إن كان فعله: ماس يميس؛ فهو "فعلى" منها، قلبت الياء واوا لوقوعها بعد ضمة "كما قلبت في: موقن، من أيقن" ومنع الصرف لألف التأنيث المقصورة. وأما "إبليس" فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة؛ على اعتباره أعجمي الأصلي، وأما على اعتباره عربي الأصلي مشتق من الإبلاس؛ وهو الإبعاد، فممنوع من الصرف أيضا، ولكن للعلمية وشبه العجمة؛ لأن العرب لم تسم به أصلا؛ فكأنه من غير لغتها، بالرغم من أن صيغته لها نظائر أصيلة في العربية؛ مثل: إكليل، إقليم ... ب- وضع النحاة علامات غالبية2؛ يعرف بها الاسم الأعجمي. منها: أن يكون وزنه خارجا عن الأوزان العربية؛ مثل: إبراهيم، وإبريسم. ومنها: أن يكون رباعيا أو خماسيا مع خلوه من حروف الذلاقة، وهي ستة، جمعها بعضهم في "مر بنفل".
ومنها: أن يجتمع في الاسم من أنواع الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية الصميمة؛ كاجتماع الجيم والقاف بفاصل، أو بغير فاصل بينهما؛ مثل: "جرموق"1، ومثل: "قج"2. و"جيقة"3 واجتماع الصاد والجيم في مثل: صولجان، والكاف والجيم في نحو: سكرجة، والراء بعد النون في أول الكلمة؛ نحو؛ نرجس، والزاي بعد الدال في آخر الكلمة؛ مثل: "مهتذر". ومنها: أن ينص الأئمة الثقات على أن الكلمة أعجمية الأصل. ج- إذا فقد الاسم الممنوع من الصرف علميته أو عجمته، أو هما معا وجب تنوينه -كما عرفنا- إن لم يكن هناك داع آخر للمنع. فمثال فاقد العلمية: تكلم إبراهيم واحد في الحفل، وناب عن غيره ممن يشاركونه في الاسم. ومثال فاقد العجمة: مصطفى، مأمون، أمين ... ومثال فاقدهما: إنسان، صبي ...
5- يمنع الاسم من الصرف للعلمية ع وزن الفعل -سواء أكان الفعل ماضيا أم مضارعا، أم أمرا- إذا تحققت صورة من ثلاث: الأولى: أن يكون العلم على وزن خاص: إما بالفعل الماضي وحده -دون مرفوعه1؛ كالماضي الذي على وزن: "فعل" بالتشديد نحو: صرح - علم - كلم ... ؛ وكالماضي المبني للمجهول في مثل: حوكم، عوفي، كرم ... ، وكالماضي المبدوء بهمزة وصل، أو بناء زائدة للمطاوعة أو غير المطاوعة، نحو: انتفع، استفهم، تسابق، تقابل، تعلم، تبين ... ، فإذا صارت هذه أو فعال وحدها، "دون مرفوعها1" أعلاما منقولة وجب منعها من الصرف للعلمية مع وزن الفعل. ووجب أن تصير همزة الوصل التي في أولها همزة قطع، تظهر في النطق وفي الكتابة، "كما هو الشأن في كل همزة وصل في أول اللفظ، ثم قد صار علما منقولا؛ سواء أكان منقولا من فعل أم غير فعل. فإنها تصير للقطع"2. فإذا نقلت الأفعال هي ومرفوعها فلا تمنع من الصرف؛ لأن العلم صار: "جملة محكية". وإما على وزن خاص بالمضارع، أو بالأمر دون فعلهما إذا كان الوزن من غير الثلاثي3؛ نحو: يدحرج، ينطلق، يستخرج. ونحو: دحرج، انطلق،
استخرج. إلا الأمر من الفعل الدال على المفاعلة؛ فإنه ليس خاصا بالفعل، ولا غالبا فيه، نحو: قاوم، قاتل، عارض ... فنظائره من الأسماء كثيرة على هذا الوزن، نحو: راكب، فاضل، صاحب ... ولا يخرج الصيغة عن اختصاصها بالفعل أني كون العرب قد استعملوها قليلا في غيره؛ كاستعمالهم صيغة الماضي الذي على وزن: "فعل" علما، نحو: "خضم" علم رجل تميمي، و"شمر" علم فرس. أو استعملوها نادرا بصيغة المبني للمجهول، نحو: "دثل" علم قبيلة، أو بصيغة المضارع؛ نحو: "ينجلب"، الخرزة، و"تبشر" لطائر ... و"تعز" لمدينة في اليمن. و"يشكر" لقبيلة هجاها الشاعر بقوله: و"يشكر" لا تستطيع الوفاء ... وتعجر "يشكر" أن تغدوا وكذلك لا يخرجها عن اختصاصها بالفعل أن يكون لها نظير في لغة الأعاجم "أي: الأجانب، غير العرب" مثل "رند": علم فتاة و"طسج" علم نبات، و"بقم" علم صبغ، و"يجقب" علم رجل رسام.. الثانية: أن يكون العلم على وزن مشترك بين الاسم والفعل، ولكنه أكثر في الفعل: كصيغة "افعل"، "نحو: إثمد1، اجلس" وكصيغة: "افعل" "نحو: "أبلم"2، اكتب". وكصيغة: "افعل" "نحو: إصبع، اسمع" فإذا سمي بعلم منقول من هذه الصيغ وجب منعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ لأنه وزنه هو الأغلب استعمالا، والأكثر بين هذه الأوزان. الثالثة: أن يكون العلم على وزن مشترك بين الاسم والفعل. شائع فيهما معا، ولكنه أنسب وأليق بالفعل؛ لاشتماله على زيادة تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم، نحو: أفكل3، وأكلب، وتنفل4، فإنها على وزن: أفهم، وأكتب، وتنصر ... لكن الهمزة والتاء في الأسماء الثلاثة لا تدل على معنى، في حين أن الهمزة في "أفهم وأكتب" تدل
على المتكلم، والتاء في "تنصر" تدل المخاطب أو على المؤنثة الغائبة. فالفعل المبدوء بالزيادة التي لها معنى أقوى من الاسم المبدوؤ بها، من غير أن تدل على معنى فيه. فإذا جاء العلم على الوزن المشترك بينهما كان أقرب إلى الفعل، فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل1 ... ويفهم مما تقدم أن العلم إذا كان على وزن مشترك بين الأسماء والأفعال على السواء من غير ترجيح لناحية الفعل -لا يجوز منعه من الصرف، كشجر؛ فإنه يوازن: ضرب؛ وكجعفر؛ فإنه يوازن: دحرج. ويرى بعض، بعض النحاة أن مثل هذا العلم يمنع من الصرف ما دام منقولا من فعل: نحو: صابر؛ منقولا من فعل أمر، و"ظفر" منقولا من الماضي، وقد يكون إهمال هذا الرأي أحسن2 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لا يمنع العلم من الصرف إذا كان على وزن الفعل إلا بشرط أن يكون هذا العلم ملازما -في الأغلب- صيغة ثابتة في كل أحواله لا تتغير، وأن تكون صيغة الفعل أصلية لم يدخلها تغيير؛ وألا يخالف العلم الطريقة السائدة في الفعل. فكلمة: "امرئ" -مثلا- يجوز في "رائها" أن تكون مضمومة، أو مفتوحة، أو مكسورة؛ تبعا للهمزة ومسايرة لها، فإذا كانت الهمزة مضمومة جاز أن تتبعها الراء، وإذا كانت مفتوحة أو مكسورة جاز أن تتبعها الراء في الحالتين ذلك؛ تقول: جاء امرؤ نابه -كرمت امرأ نابها- أثنيت على امرئ نابه، فإذا كانت الراء مضمومة فالكلمة مكسورة فهي على وزن الفعل: "اجلس" فهذه الموازنة في الصور الثلاث لا يعتد بها في منع الصرف. فإذا صارت كلمة: "امرئ" علما، لم تمنع من الصرف؛ لأنها لا تثبت على حال واحدة في استعمالاتها المختلفة، ولا تلازم وزنا واحدا تقتصر معه على وزن فعل واحد. وكذلك الاسم: "قفل" فإنه على وزن الفعل الماضي المبني للمجهول: "رد". والاسم "ديك" على وزن الفعل الماضي المبني للمجهول: "قيل" و"بيع" وبالرغم من هذا فإن الاسمين: "قفل وديك" -وما يشبههما- لا يمنعان من الصرف إذا صارا علمين؛ لأن وزن الفعل هنا ليس أصليا خاليا من تغيير سابق؛ إذ الفعل: "رد" أصله ردد -بضم فكسر، وأدغمت الدلان؛ فصار؛ "رد" فهذه الصيغة جاءت متأخرة عن صيغة أصلية سابقة لا توزانها كلمة: قفل. وصيغة الفعل "قيل" المبنية للمجهول: ليست أصيلة، في هذا الوزن؛ وإنما أصلها: "قول" نقلت حركة الواو للقاف بعد حذف الضمة1، ثم قلبت الواو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ياء، لوقوعها بعد الكسرة المنقولة للقاف، فصارت الكلمة: "قيل" بصيغة طارئة؛ بسبب نقل حركة الواو، وقب هذه الواو ياء. وكذلك صيغة الفعل: "بيع" ليست أصيلة؛ لأن أصلها: "بيع، نقلت حركة الياء إلى ما قبلها1 بعد حذف الضمة؛ فصارت: "بيع"، بصيغة جديدة، نشأت من نقل الحركة وحذف الأخرى. فصيغة الفعلين -وأشباههما- عند بنائهما للمجهول ليست هي الصيغة الأصلية، وإنما هي صيغة مستحدثة؛ لا يعتد بها في منع العلم من الصرف، فلو صارت كلمة: "قفل" أو: "ديك" علما لم يجز منعها من الصرف للعلمية مع وزن الفعل، لأن شرط وزن الفعل لم يتحقق ... أما مخالفة العلم للطريقة السائدة في الفعل فتظهر في كلمة مثل: ألبب2 فإنها على وزن المضارع: أنصر، أو: أكتب. فإذا صارت علما فإنها لا تمنع من الصرف للعلمية مع وزن الفعل، لأن المضارع المماثل لها يغلب على عينه ولامه الإدغام إذا كانا من نوع واحد، مثل: "أعد وأصد"؛ فأصلهما: أعدد، وأصدد، ثم وقع الإدغام. فإذا صار "ألبب". وما شابهه علما لم يصح منعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ بسبب مخالفته الفعل في الإدغام. وهذا رأي فريق من النحاة. ويرى سيبويه منعه من الصرف؛ لأن الفك "عدم الإدغام" قد يدخل الفعل لزوما كما في التعجب مثل؛ أشدد بفلان، وجوازا في مثل: "اردد. ولم يردد، وفي بعض ألفاظ مسموعة ... والأفضل الاقتصار على رأي سيبويه لأنه أنسب وأيسر. ب- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع وزن الفعل وزالا معا أو أحدهما وجب تنوينه إن لم يوجد مانع آخر؛ فمثال ما فقد العلمية؛ لقد أثنيت على أحمد3 واحد من حملة هذا الاسم فاز بالسبق "بتنوين كلمة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد". ومثال ما فقد وزن الفعل: علي..، ومثال ما فقدهما معا: شجاع، نبات. وقد تزول العلمية ويبقى الاسم ممنوعا من الصرف. وهذا حين يكون العلم في أصله وصفا قبل العلمية، كأحمر، وأشرف؛ علمين؛ فإنهما يمنعان من الصرف للعلمية ووزن الفعل، بعد أن اختفت الوصفية وحلت محلها العلمية. فإن زالت العلمية لم ينصرفا أيضا؛ لأن الوصفية ستعود؛ فيمنعان للوصفية مع وزن الفعل. ج- من المفيد الرجوع إلى "الملاحظة" المدونة بهامش ص211 لاستنابة الصلة بينها وبين موضوع العلمية ووزن الفعل.
6- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع ألف الإلحاق المقصورة. بيان هذا: أن العرب كانوا يلحقون بآخر بعض الأسماء ألفا زائدة، لازمة، مقصورة أو ممدودة، فيصير الاسم على وزن اسم آخر1، ويخضع لبعض الأحكام اللغوية التي يخضع لها ذلك الاسم الآخر -ومنها: الصرف، وعدمه- وتسمى هذا الألف: "ألف الإلحاق" ومن أمثلتها: "علقى"، علم لنبت، و"أرطى"2، علم لشجر، وهما ملحقان بجعفر. وصح منعهما2 من الصرف للعلمية وألف الإلحاق المقصورة؛ لأن ألف الإلحاق المقصورة في الكلمتين زائدة لازمة، وزيادتها اللازمة في آخرهما جعلتهما على وزن "فعلى" المختومة بألف التأنيث المقصورة اللازمة التي يمتنع صرف الاسم بسبب وجودها -فلما أشبهت ألف الإلحاق المقصورة في زدياتها ولزومها ألف التأنيث المقصورة، وجعلت وزن الاسم جاريا على الوزن الخاص بهذه- امتنع صرفه معها كما يمتع مع ألف التأنيث3؛
إلا أن ألف التأنيث أصيلة في المنع؛ فيكفي وجودها وحدها للمنع، دون أن ينضم إليها بسبب آخر. أما ألف الإلحاق فلا بد أن ينضم لها العلمية تقول: هذا علقى يتكلم عرفت علقى يحسن الخطابة، استمعت إلى علقى، فهو ممنوع من الصرف للعلمية وألف الآلحاق المقصورة. ومن أمثلة المقصورة: رجل عزهى "أي: لا يلهو": وزنها "فعلى" ولا تكون الكلمة المختومة بألف الإلحاق المقصورة على وزن "فعلى"، بضم الفاء. أما ألف الإلحاق الممدودة -مثل: علباء- فلا تمنع من الصرف1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا فقد هذا الاسم الممنوع من الصرف علميته أو ألف الإلحاق أو هما معا، دخله التنوين، إلا إذا منع مانع آخر؛ فمثال فاقد العلمية: رأيت أرطى كثيرا، ثمره كالعناب يغذي الإبل "بتنوين "أرطى" للتنكير". أما استعماله بغير ألف الإلحاق فليس معروفا. ب- لا تكون ألف الإلحاق المقصورة1 إلا في وزن خاص بألف التأنيث المقصورة وكهما حرف زائد، لازم، غي رمبدل من شيء آخر. ويجوز في الاسم المختوم بألف الإلحاق أن تلحقه تاء التأنيث مع التنوين، بشرط أن يكون غير علم؛ مثل: هذه أرطاة، أو علقاة ... ولكن هذه التاء لا تلحق الاسم المختوم بألف التأنيث2؛ ولهذا لم تجعل الألف في "أرطى" وعلقى -وأشباههما- للتأنيث3 ... أما كلمة: "تترى" وبعض أسماء أخرى فقد سمعت منونة وغير منونة على اعتبار الألف للتأنيث فتمنع من الصرف، أو للإلحاق فلا تمنع.
7- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع العدل1. ويتحقق هذا في عدة صور، أهمها خمس: الأولى: ما كان من ألفاظ التوكيد المعنوي جمعا على وزن: "فعل"2؛ وهو: "جمع، كتع3، بصع4، بتع5"؛ مثل: احتفيت بالنابغات كلهن جمع، كتع، بصع، بتع، فكل جمع من هذه الأربعة التي على وزن: "فعل" توكيد لكلمة: "النابغات"، مجرور بالفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية مع وزن: "فعل"، المجموع، سماعا6.
وهو الوزن الذي يقول النحاة في سبب منعه من الصرف إنه: "العلمية مع العدل". الثانية: ما كان على وزن "فعل" أيضا، ولكنه علم لمفرد، مذكر، ممنوع من الصرف، سماعا1 فإن لم يعرف السماع في: "فعل" فالأحسن صرفه. وأشه المسموع من الأعلام: "عمر، مضر، زفر، زحل، جمح، قزح، عصم، دلف، هذل، ثعل، زفر، زحل، جمح، قزح، عصم، دلف، هذل، ثعل، جشم، قشم". وأما أدد "جد قبيلة عربية" فلم يسمع فيه إلا الصرف2. وأما: "طوى" -اسم واد بالشام- فيجوز منعه من الصرف للعلمية والتأنيث؛ بإرادة أنه علم على بقعة معينة، ويجوز صرفه على إرادة أنه على مكان. وقد ورد السماع بصرفه وعدم صرفه. ويجب الصرف إن كان "فعل" جمعا، في غير ألفاظ التوكيد المعنوي السالفة؛ كغرف، وقرب. أو اسم جنس كصرد3، ونغر4، أو صفة كحطم5 ولبد6، أو مصدرا؛ كهدى: وتقى ... فوزن "فعل" هذا قد يجب منعه من الصرف إذا كان مفردا، مذكرا، مسموعا بالمنع. وقد يجب صرفه إذا كان جمعا، أو اسم جنس، أو وصفا، أو مصدرا بشرط ألا يكون ذلك الجمع من ألفاظ التوكيد المعنوي -كما
سلف- وقد يجوز فيه الأمران والأحسن الصرف إذا كان السماع مجهولا. فله ثلاث حالات ... الثالثة: لفظ "سحر" "وهو: الثلث الأخير من الليل" بشرط استعماله ظرف زمان، وأن يراد به سحر يوم معين، مع تجريده من "أل" والإضافة، نحو: غردت البلابل يوم الخميس سحر. فكلمة: "سحر" ظرف منصوب على الظرفية، ممنوع من التنوين للعلمية والعدل1، سماعا في هذه الكلمة المنصوبة. وهذا هو التعليل الصحيح ... أما أكثر النحاة فيقول: إنه ظرف ممنوع من الصرف للعلمية والعدل ويقتصرون على هذا2: فإن ل يكن لفظ "سحر" ظرف زمان -بأن كان اسما محضا، معناه الوقت المعين دون دلالة على ظرفية شيء وقع فيه- وجب تعريفه "بأل"، أو "بالإضافة" إذا أريد منه أن يدل على التعيين، ولا تصح العلمية، تقول: السحر أنسب الأوقات للتفكير الهادئ، وصفاء الذهن. وعجيب أن يغفل الناس عن سرحهم وأن يقضوا سحرهم نائمين ... وإن كان ظرفا لكنه غير معين "بأن كان ظرفا مبهما، لا يدل على سحر يوم معين، خاص" وجب صرفه، نحو: يحرص الزراع على الحصاد في
سحر -سأبدأ رحلتي القادمة بسحر. فالمراد في المثالثين: سحر غير معين من الأسحار المتعدد ... وإن كان ظرفا معينا لكنه غير مجرد من "أل" و"الإضافة" وجب صرفه كذلك؛ نحو: سأسافر يوم الخميس من السحر إلى العصر، وأعود يوم السبت في سحره1. "ملاحظة": بمناسبة الكلام على: "سحر"، ومنعه من الصرف وعدم منعه -يعرض النحاة للكلام على: "رجب وصفر". وهما من أسماء الشهور العربية. فإن أريد بهما معين فهما غير منصرفين، وإلا فهما منصرفان. ووجه ذلك -عندهم- أن المعين معدول عن "الرجب"، و"الصفر" كما قالوا في "سحر" إنه معدول عن "السحر" إذا أريد به سحر بعينه؛ ففيهما العلمية والعدل. ويمكن أن يكون المانع فيهما هو العلمية والتأنيث، باعتبار أن المراد: المدة2. الرابعة: ما كان علما لمؤنث، على وزن: "فعال" مثل: رقاش، حذام، قطام،.... أعلام نساء؛ فللعرب فيه طريقتان: إحداهما: أن بعضهم -كقبيلة تميم- يمنعه من الصرف بشرط ألا يكون مختوما بالراء. ويقول النحاة: إن سبب المنع هو العلمية والعدل، لأن الأصل: راقشة، حاذمة، قاطمة ... فعدل عن هذا التعليل ما في غيره مما سبق. وقيل إن سبب المنع. هو: العلمية والتأنيث المعنوي؛ كالشأن في
زينب، وسعاد ... وهذا التعليل أصح؛ نحو: رقاش شاعرة جاهلة -ضرب المثل بحذام في سداد الرأي. فإن كانت صيغة: "فعال" مختومة بالراء مثل: "وبار" علم قبيلة عربية، و"ظفار" علم بلد يمني، و"سفار" علم بئر معينة فأكثر التميميين يبنيه على الكسر في كلا الحالات، نحو: "وبار" قبيلة عربية على حدود اليمن -أفنى الزمان "وبار" القديمة- لم يبق من "وبار" القديمة إلا الأطلال. فكلمة: "وبار" في الأمثلة السالفة مبنية على الكسر في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة، ومثلها: "ظفار، وسفار"، ونظائرهما. والأخرى: أن الحجازيين يبنون ذلك كله على الكسر، سواء أكان "فعال" علما مؤنثا مختوما بالراء أم غير مختوم1.. فتبين أن المنع من الصرف للعلمية والعدل في وزن "فعال" المؤنث مقصور
على بعض تميم بشرط ألا يكون العلم مختوما بالراء1 ... الخامسة: أمس. وأشهر لغات العرب فيه لغتان؛ إحداهما: منعه من الصرف، رفعا، ونصبا، وجرا. وهذه لغة بعض التميميين، بشرط: "أن يكون علما مرادا به اليوم الذي قبل يومك مباشرة2 ... ، وأن يكون خاليا من "أل" والإضافة، وأن يكون غير مصغير، وغير مجموع جمع تكسير، وغير ظرف"؛ فيقولون انقضى أمس على خير حال -وقضيت أمس في إنجاز عملي- وقد استحرت مذ أمس. فكلمة أمس مرفوعة بالضمة بغير تنوين، ومنصوبة ومجروره بالفتحة من غير تنوين فهيما. ويقول النحاة في تعليل منعه من الصرف: إنه العلمية والعدل؛ لأنه علم على الوقت العين من غير أن يكون فيه علامة تدل على التعيين؛ فهو لهذا معدول عن الأمس المعرف بأل، فصار معرفة بغيرها3. أما أكثر التميميين فيمنعه من التنوين في حالة الرفع وحدها، ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر؛ فلا يدخل في باب الممنوع من الصرف؛ فيقول في الأمثلة السالفة: انقضى أمس ... - قضيت أمس ... - وقد استرحت مذ أمس ... والأخرى؛ بناؤه على الكسر في جميع استعمالاته إذا4 استوفى الشروط السالفة. وهذه لغة الحجازيين لا يدخلونه في باب الممنوع من الصرف؛ فيقولون
مضى أمس بأحداثه؛ فتهيأ للغد -عرفت أمس بوقائعه، فماذا يكون اليوم- لم أهتم بأمس ... ، فكلمة: "أمس" مبنية على الكسر في محل رفع أو نصب أو جر على حسب حالة الجملة. فإن أريد بكلمة: "أمس" يوما مبهما "أي: يوما ماضيا غير معين، بأن أريد به أمس من الأموس من غير تخصيص" كان معربا منصرفا عند التميميين والحجازيين. وكذلك إن كان مضافا، نحو: انقضى أمس من الأموس الطيبة -قضينا أمسا من الأموس في رحلة- لم نأسف على أمس من الأموس ... -أمسنا كان جميلا- إن أمسينا كان جميلا -سررت بأمسنا. وكذلك إن كان معرفا "بأل"، نحو: الأمس كان جميلا ... إن الأمس كان جميلا ... سررت بانقضاء الأمس. أو: كان مصغرا؛ نحو أمس كان جميلا ... إن أميسا كان جميلا ... سررت بأميس. أو: كان مجموعا جمع تكسير؛ نحو: أموس كانت جميلة ... إن أموسا كانت جميلة، سررت بأموس. أما إن كان لفظ: "أمس" ظرفا مجردا من "أل والإضافة" وليس اسما، فهو مبني على الكسر عند الفريقين أيضا، نحو: سرتني زيارتك أمس، وسأزورك قريبا خرجت أمس مبكرا لرحلة نهرية1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا زالت علمية "أمس" دخل التنوين، نحو: سأزورك في أمس من الأموس. وإذا زال العدل بأن اسعملت مقرونة "بأل" فهي معربة، يمتنع تنوينها بسبب "أل" -كما هو معروف- لا بسبب منع الصرف. وكذلك عند الإضافة. وكل كلمة أخرى ممنوعة من الصرف للعلمية مع العدل يجب صرفها إذا لم توجد العلتان أو إحداهما، ما لم يمنع من الصرف مانع آخر. ب- إذا سميت رجلا "بأمس" وجب صرفه على لغة الحجازيين كما تصرف "غاق" إذا سميت بها. "وقد سبق: أن كل مفرد مبني إذا صار علما -فإنه يجب فيه الإعراب مع الصرف؛ طبقا لأنسب الرأيين الذين عرضناهما من قبل"1. وإن سميت "بأمس" على لغة تميم صرفته أيضا في الأحوال كلها؛.
أحكام عامة في الممنوع من الصرف: "وتشمل ما يأتي" منع اتصال تنوين الأمكنية به -أنواع الممنوع من الصرف- حكم المنقوص عند منعه من الصرف -وجوب تنوين الممنوع من الصرف، وجوازه- جواز منع الصرف للضرورة". كثير من هذه الأحكام العامة منثور في مواضع متفرقة من الباب الخاص فالممنوع من الصرف، أو غيره من الأبواب الأخرى. ونعرضه هنا في جمع وتركيز. 1- الممنوع من الصرف لا يدخله تنوين "الأمكنية"1 مطلقا. وحكمة: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا نيابة عن الكسرة. ولكن يشترط لجره بالفتحة ألا يكون مضافا، ولا مقرونا "بأل" -أو بما ينوب عنها، مثل: "أم" في بعض اللهجات العربية. فإن فقد الشرط وجب جره بالكسرة، مثل: لا تكن بأعجل الخصمين استجابة للشر، فما أضر أن توصف بالأعجل. و ... و ... وإذا كان الممنوع من الصرف علما منقولا من جمع مؤنث سالم2 "مثل: عطيات، عليات، زينات ... "، جاز إعرابه ما لا ينصرف، وجاز إعرابه كالمنصرف؛ فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع تنوينه في الحالات الثلاث. 2- الممنوع من الصرف أحد عشرا نوعا. منها ما يكون ممنوعا لعلة3 واحدة، ومنها ما يكون ممنوعا لاثنتين. فالممنوع لواحدة هو: "صيغة منتهى الجموع" -وملحقاتها. والمختوم "بألف التأنيث". وكلاهما لا ينصرف مطلقا مهما اختلفت استعمالاته؛ لأن علامته لا تفارقه مطلقا4. لكن لا يجر بالفتحة إلا بشرط خلوه من "أل" و"الإضافة".
والممنوع لعلامتين -أي: لعلتين-1 قد تكون إحداهما "الوصفية" مع شيء آخر، وقد تكون "العلمية" مع شيء آخر أيضا. فالممنوع للوصفية مع شريكتها ثلاثية أنواع لا تنصرف مطلقا، مهما اختلفت استعمالاتها2؛ لأن هذه الوصفية مع شريكتها ملازمة للاسم، لا تفارقه إلا إذا حلت محلها العلمية، وعندئذ يمتنع صرفه للعلمية وما يكون معها. فهذا النوع الممنوع للوصفية مع شريكتها؛ كسابقة لا ينصرف مطلقا. لكن لا يجر بالفتحة إلا بشرط خلوه من "أل"، و"الإضافة". والممنوع من الصرف للعلمية مع شيء آخر سبعة أنواع، ويظل ممنوعا ما دام مشتملا على العلتين، فإن زالت إحداهما أو كلتاهما دخله التنوين وجوبا -إن لم يوجد داع آخر للمنع- وقد أوضحنا تفصيل هذا في مواضعه ... وستأتي له إشارة أخرى قريبة3 ... ويستثنى من هذا الحكم ما كان صفة قبل العلمية؛ كأحمر، وأفضل علمين4 ... ، فإنهما يمنعان من الصرف للعلمية الطارئة مع وزن الفعل، مع
أنهما في الأصل وصفين، وقد اختلفت الوصفية الأصلية أمام العلمية الجديدة. فإذا زالت العلمية لم يجز تنوين الاسمين؛ لأن زوالها سيؤدي إلى رجوع الوصفية التي زالت بسببها؛ فيظل الاسمان ممنوعين من الصرف بعد زوالها، ويصير سبب المنع هو: الوصفية مع وزن الفعل. 3- إذا كان الممنوع من الصرف اسما منقوصا1، "علما أو غير علم؛ كبعض أنواع الوصف، وصيغة منتهى الجموع" -فإن ياءه تحذف رفعا، وجرا، وينون2. وتبقى في حالة النصب مفتوحة بغير تنوين. مثل: دواع، جمع: داعية -أوعيل3، تصغير: أعلى- وراع، علم فتاة، -وكذلك: تفد "علم فتاة: منقول من المضارع تفدي" ... تقول: "ظهرت للخير دواع عرفت دواعي للخير -استجبت لدواع كريمة" كلمة: "دواع"، الأولى منونة، وهي فاعل مرفوع بضمة على الياء المحذوفة. والأصل "دواعي، دواعين" دخلها أنواع من التغيير سبق4 شرحها؛ لأن هذه الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع ... وكلمة: "دواعي"، مفعول منصوب بالفتة الظاهرة بغير تنوين. وكلمة: "دواعي" الأخيرة -منونة مجرورة باللام، وعلامة جرها الفتحة على الياء المحذوفة، بدل الكسرة، لأن الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع، وأصلها: "دواعي، دواعين" دخلتها التغييرات التي سبق4 إيضاحها. وتقول: "أعيل خير من الأسفل -إن أعيلي خير من الأسفل- لا تقنع بأعيل، واطلب المزيد". فكلمة" أعيل" الأولى منونة، مبتدأ
مرفوع بالضمة على الياء المحذوفة، والأصل: أعيلي "أعيلين" دخلتها التغيرات التي عرفناها، لأن هذه الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل؛ فهي على وزن المضارع: أسيطر، وأبيطر1 ... وكلمة: "أعيلي" اسم "إن" منصوب بالفتحة الظاهرة على الياء بغير تنوين. وكلمة: "أعيل" الأخيرة، منونة مجرورة بالياء وعلامة جرها الفتحة بدل الكسرة على الياء المحذوفة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل. وقد دخلها التغيير المعروف. وتقول: "سمعت قصيدة لشاعرة اسمها: "راع" "وقد صافحت "راعي" بعد سماعها" "وسوف أستمع إلى دراع" ... "، فكلمة: "راع" الأولى منونة، خبر مرفوع بضمة على الياء المحذوفة، وأصلها: راعي "راعين" طرأ عليها التغير السالف. وكلمة: "راع" الأخيرة منونة، مجرورة بإلى، وعلامة جرها الفتحة بدل الكسرة على الياء المحذوفة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث. وقد طرأ عليها التغيير الذي قدمنا. وتقول: "تفد" طبيبة مشهورة -إن "تفدى" طبيبعة مشهورة- يثنى المرضى على "تفد". فكلمة: "تفد الأولى منونة، مبتدأ مرفوع بضمة على الياء المحذوفة، وكلمة: "تفدى" "بغير تنوين" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة. وكلمة: "زتفد" الأخيرة منونة، مجرورة بعلى، وعلامة جرها الفتحة على الياء المحذوفة بدل الكسرة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل ... وهكذا. ويرى جماعة من النحاة أن المنقوص الممنوع من الصرف على الوجه السالف،
تثبت ياؤه بغير تنوين في جميع حالاته "رفعا، ونصبا، وجرا"، فيرفع بضمة مقدرة على الياء بغير تنوين، وينصب بالفتحة الظاهرة بغير تنوين. ويجر بالفتحة الظاهرة بغير تنوين بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، فيقولون في الأمثلة السالفة ظهرت دواعي للخير - اتبعت دواعي للخير - اهتديت بدواعي للخير. ويقولون: أعيلي خير.... إن أعيلي خبر - ... لا تقنع بأعيلي ... ويقولون: الشاعرة اسمها: راعي ... ، صافحت راعي ... ، إلى راعي ... ، وكذلك: "تفدي" طبيبة مشهورة ... ، إن تفدي طبيبة ... ، يثني المرضى على تفدي ... ولكن هذا الرأي ضعيف عندهم؛ لندرة شواهده الفصيحة، وضعف الاستدلال بها، فيحسن إهماله1 ... وهناك رأي آخر في المنقوص الذي على وزن الصيغة الأصيلة لمنتهى الجموع؛ وملخصه2: أن بعض العرب يقلب الكسرة قبل ياء المنقوص فتحة؛ قتنقلب الياء ألفا بشرط أن يكون وزان المنقوص كوزان إحدى الصيغ الأصيلة لمنتهى الجموع، وأن يكون مفرده اسما محضا على وزن: "فعلاء" الدالة على مؤنث، وليس له -في الغالب- مذكر؛ كصحراء وصحار، فيقول فيها. "صحارى" بغير تنوين في الحالات الثلاث3 ...
4- الممنوع من الصرف قد يجب تنوينه، وقد يجوز: فيجب تنوينه في حالتين: أ- أن يكون أحد السببين المانعين له هو: "العلمية"، ثم زالت بسبب تنكيره، وبقي بعد زوالها العلة الاثنية وحدها "وهي: التأنيث، أو: الزيادةن أو: العدل، أو: وزن الفعل، أو: العجمة، أو: التركيب، أو: ألف الإلحاق المقصورة"؛ لأن هذه العلة الثانية الباقية لا تكفي وحدها لمنع الصرف بعد زوال العلمية، فيجب تنكير الاسم إن لم يوجد مانع آخر -ولهذا تدخل عليه "رب" وهي لا تدخل إلا على النكرات في الأعم الأغلب، فتقول: "رب فاطمة، أو عثمان، أو عمر، أو يزيد، أو إبراهيم، أو معديكرب، أو: ارطى، قابلت"؛ بالجر الكسرة مع التنوين في هذه الأنواع السبعة؛ لذهاب أحد موجبي المنع، وهو: العلمي. ويستثنى من هذا الحكم ما أشرنا إليه من قبل1؛ وهو الاسم الذي كان في أصله وصفا ممنوعا من الصرف للوصفية وعلة أخرى، ثم زالت عنه الوصفية وحدها، وحلت محلها العلمية؛ فصار ممنوعا من الصرف للعلمية الطارئة ومعها العلة الأخرى، نحو: "أحمر؛ فإن زوال علميته لا يبيح تنوينه، ولكنه يقتضي رجوعه إلى الوصفية الأصلية التي سبق أن تركت مكانها للعلمية الطارئة. فإذا زال الطارئ عاد الاسم إلى أصله ممنوعا من الصرف كما كان. أما في غير هذه الحالة فينون في حالاته الإعرابية الثلاثة، ولا يجز بالفتحة. ب- أن يكون الاسم مصغرا، وقد أدى تصغيره إلى إزالة أحد السببين المانعين من صرفه؛ كتصغير "عمر" على: "عمير"، وكتصغير: "أحمد" تصغير ترخيم على: "حميد" فإن هذا التصغير جعل الاسم على صورة لا يصح منعها من الصرف؛ فكلمة: "عمير" ليست كعمر الممنوعة من الصرف، سماعا "أو لما يسميه النحاة: العلمية والعدل" فلا سماع في عمير، ولا عدل فيها. وكلمة: "حميد" ليست على وزن الفعل؛ فهي فاقدة لسبب الثاني الذي لا بد
منه مع العلمية. بخلاف "أحمد" ففيه السببان"1. وهذه الحالة الثانية: "ب" راجعة للأولى. وفي الحالتين يجر الاسم بالكسرة، وجوبا؛ إذ يجري عليه حكم المنصرف كاملا؛ إن لم يمنع مانع آخر. ويجوز تنوينه ومنعه من التنوين في حالتين: الأولى: مراعاة التناسب في آخر الكلمات المتجاورة، أو المختومة بسجعة، أو بفاصلة2 في آخر الجمل؛ لتتشابه في التنوين، من غير أن يكون له داع إلا هذا؛ لأن للتناسب إيقاعا عذبا على الأذن، وأثرا في تقوية المعنى، وتمكينه في نفس السامع والقارئ. ومن الأمثلة كلمة: "سلاسلا" بالتنوين في قراءة من قرأ قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا} فقد ونوت الكلمة لمراعاة لا التي تليها وتجاوزها. وكذلك كلمة: "قوريرا" في قراءة من قرأها بالتنوين في قوله تعالى يصف أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} ، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} ، {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} فقد نونت كلمة "قواريرا" الأولى لمراعاة التنوين في آخر الجملة التي قبلها، ومراعاة لآخر الجملة التي بعدها ... ونونت كلمة: "قواريرا" الثانية لمراعاة الأولى، ... ولمراعاة نهاية الآية السابقة، فإنها منونة أيضا. ومن الأمثلة قراءة من قرأ: "يغوث"، و"يعوق" منونتين في قوله تعالى
عن المشركين، ومخاطبة بعضهم بعضا بالتمسك بأصنامهم: وقالوا: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 1، فقد نونت الكلمتان مراعاة لما حولهما من كلمات أخرى منونة. الثانية: الضرورة الشعرية2، وما في حكمها2؛ فيضطر الشاعر بسببها إلى تنوين الاسم؛ ككلمة "محاسن" في قول الشاعر:
إن الذي ملأ اللغات محاسنا ... جعل الجمال وسره في الضاد1 ويتبع هذا جره -حتما- بالكسرة بدل الفتحة في حالة الجر؛ ككلمة "عنيزة" في قول امرئ القيس: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت له الويلات إنك مرجلي2 فقد دخل الجر والتنوين في كلمة: "عنيزة" لضرورة الشعر. ومثل كلمة: "فاطمة" في قول الشاعر يمدح "عليا زين العابدين" بأنه من نسلها وهي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا وقد يضطر الشاعر إلى جر الاسم بالكسرة دون تنوينه، مثل كلمة: "عصائب" في قول المادح: إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب فقد جر الكلمة بالكسرة وحدها مراعاة للكسرة في آخر أبيات القصيدة. وإنما كان التنوين جائزا -لا واجبا- في الحالتين السالفتين؛ لأن المتكلم يستطيع في الحالة الأولى أن ينون أو لا ينون، فله الخيار، كما يستطيع في الحالة الثانية أن يترك الكلمة التي تدفعه إلى التنوين قهرا واضطرارا3 ليختار كلمة أخرى تلائم القافية الوزن الشعري من غير حاجة لمنع الصرف. وفي كلتا الحالتين السالفتين تعرب الكلمة على حسب موقعها من الجملة، ويزاد على إعرابها حين تكوين منونة: أن تنوينها للضرورة، وتجر بالكسرة -لا بالفتحة- على الأفصح.
5- يجوز في الضرورة الشعرية1 أن يمنع الاسم المنصرف من التنوين الذي استحقه قبل هذه الضرورة؛ سواء أكان الاسم علما أم غير علم. فمثال العلم كلمة: "شبيب" في قول الشاعر: طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت ... بشبيب غائله2 النفوس، غدور فقد منع التنوين من كلمة: "شبيب"، للضرورة الشعرية، إلا لا يوجد مع العلمية السبب الذي يجب أن ينضم إلهيا عند منع الصرف. ومثال غير العلم كلمة: "موالي" في قول الشاعر: فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا والأصل الغالب أن يقول: مولى موال، فترك هذا الأصل، وأثبت الياء، وجرا الاسم بالفتحة الظاهرة عليها ... لكن إذا منع الاسم من التنوين بسبب الضرورة الشعرية فما حكمه في حالة الجر؟ أيجر بالكسرة كالأسماء المنصرفة المتمكنة ولكن بغير تنوين، أم يجر بالفتحة بغير تنوين كالممنوع من الصرف؟ الأمران جائزان. والأحسن جره بالكسرة كأصله والاقتصار في الضرورة على منع تنوينه3. ويعرب الاسم الممنوع من التنوين للضرورة على حسب موقعه من الجملة ويزداد في كل حالة إنه ممنوع من التنوين للضرورة وإذا كان مجرورا بالفتحة زيد
أيضا: أنه مجرور بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للضرورة1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: للتصغير والتكبير أثر في الصرف ومنعه. ولهذا أربع حالات1. الأولى: أسماء تمنع من الصرف وهي مصغرة أو مكبرة، لوجود سبب المنع في حالتيها -بشرط ألا تكون مضافة ولا مقرونة بأل، كما عرفنا- ومن أمثلتها: معديكرب، طلحة، زينب، حمراء، غضبان، إسحاق، أحمر، يزيد ... ونحوهما مما تحقق فيه شرط المنع، ولا يفقد سبب المنع في تصغير ولا تكبير. الثانية: أسماء تمنع من الصرف وهي مكبرة، وتصرف وهي مصغرة، نحو: عمر، ضمر، سرحان2، أرطى3، جنادل ... أعلاما. فإن تصغيرها على عمير، شمير4، سريحين، أربط، وجنيدل4، يزيل سببا لازما لمنعها من الصرف؛ هو العدل في عمير، ووزن الفعل في شمير4، وعدم وجود الألف الزائدة في سريحين، وعدم وجود ألف الإلحاق في أربط، وعدم وجود صيغة منتهى الجموع في جنيدل. الثالثة: أسماء تمنع من الصرف مصغرة، وتنصرف مكبرة، ومنها: تحلئ5،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتوسط1، تهبط2. ترتب3؛ فتصغيرها: تحيلي4، تويسط، تهيبط، ترتيب. وكل هذه الأسماء المصغرة جارية على وزن المضارع: "تبيطر" فتمنع للعلمية وزن الفعل، ولم تكن قبل التصغير مستحقة للمنع فكفله لها. وهذا بشرط ألا تجيء ياء عوضا عن حرف حذف في بعضها؛ فإن جيء بالياء وجب التنوين، نحو: تويسيط وتهيبيط ... ؛ لفقد وزن الفعل ... الرابعة: أسماء يجوز صرفها ومنعها من الصرف وهي مكبرة، فإذا صغرت نحتم المنع، نحو: دعد، جمل، وهما علمان لفتاتيت. فيجوز فيهما المنع وعدمه قبل التصغير5. أما بعد "دعيد، جميل ... " فيجب منعهما.
المسألة 148: إعراب الفعل المضارع
المسألة 148: إعراب الفعل المضارع المدخل ... المسألة 148: إعراب الفعل المضارع 1- نواصبه: الأفعال ثلاثة: "ماض، وأمر"، وهما مبنيان دائما. و"مضارع"، وهو معرب، إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا "نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو "نون النسوة" فيبنى على السكون. وفي غير هاتين الحالتين يكون معربا1. وهذا الإعراب يقتضي أن تتغير علامة آخره رفعا، ونصبا، وجزما، على حسب أحواله؛ فتكون العلامة ضمة، أو ما ينوب عنها، في حالة رفعه، وتكون فتحة، أو ما ينوب عنها، في حالة نصبه بناصب قبله، وتكون سكونا أو ما ينوب عنه في حالة جزمه بجازم قبله. وعلى هذا لا يرفع المضارع إلا في حالة واحدة؛ هي التي يتجرد2 فيها من الناصب والجازم؛ فلا يسبقه شيء منها؛ سواء
أكان رفعه ظاهرا أم مقدرا؛ كالفعلين: "يسيء ويتلى" في قول الشاعر: وأقتل داء رؤية العين ظالما ... يسيء، ويتلى في المحافل حمده فإن سبقه ناصب وجب نصبه، أو جازم وجب جزمه1. وهذا الباب معقود للكلام على الأدوات التي تنصبه، وكلها حروف، وهي: "أن، لن، إذن، كي"، "لام الجحود، أود، حتى، فاء السببية، واو المعية". فهذه تسعة. وزاد بعض النحاة حرفين؛ هما: "لام التعليل"، و"ثم"؛ الملحقة2 بواو المعية، وبهما يكمل عدد النواصب أحد عشر حرفا. وكل حرف منها يخلص زمن المضارع للمستقبل المحض3. والأربعة الأولى تنصب المضارع بنفسها مباشرة لا بحرف آخر ظاهر أو مقدر. أما بقية الأحرف فلا تنصبه بنفسها، وإنما الذي ينصبه هو: "أن" المضمرة وجوبا بين كل حرف من تلك الأحرف والمضارع. والمذهب الكوفي يبيح توسط "كي" مضمرة أو مظهرة بين لام التعليل والمضارع، ويجعل هذا المضارع منصوبا ب"كي"، ولا "بأن" المضمرة، وسيجيء4 بيان هذا كله في موضعه المناسب من الباب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا بنى المضارع المجرد من الناصب والجازم على الفتح "لاتصاله المباشر بنون التوكيد"، أو على السكون؛ "لاتصاله بنون النسوة" فهل يكون له محل من الإعراب؛ فيقال عنه: مبني في محل رفع؛ لأن الرفع هو الأصل الثابت له قبل أن تطرأ عليه فتحة البناء وسكونه؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل إنه مبني على الفتح أو على السكون في محل رفع؛ لأنه الأصل الذي تجب مراعاته عند مجيء مضارع آخر بعد الأول، تابع له "كأن يكون الثاني معطوفا على الأول، أو توكيدا لفظيا له، أو بدلا منه"؛ فيجب رفع الثاني المرجد عن الناصب والجازم؛ تبعا لمحل الأول من غير أن يتأثر ببناء الأول؛ إذ التابع لا يكتسب البناء من المتبوع. أما إذا كان المضارع المبني غير مجرد -لوقوعه بعد ناصب أو جازم- فإنه يبني على الفتح، أو على السكون، على حسب نوع النون المتصلة بآخره، ويكون في محل نصب إن سقه ناصب، وفي محل جزم1 إن سبقه جازم. ويراعى هذا المحل في المضارع الذي يجيء بعده، تابعا له؛ "معطوفا، أو توكيدا لفظيا، أو بدلا ... " لأن مراعاة المحل واجبة في هذه الصورة. ويتعين يفها أن تكون العلامة الإعرابية في التابع مماثلة للعلامة الإعرابية المحلية في المتبوع. فمثال المضارع المبني على الفتح في محل نصب: " ... إذن لا أصاحبن الخائن، ولا أرافقه". فالفعل: "أصاحب" مبني على الفتح في محل نصب بالحرف: "إذن" والفعل "أرافق" معطوف عليه، معرب منصوب؛ تبعا لمحل المعطوف عليه ... ومثال المضارع المبني على الفتح في محل جزم: "لا تخافن إلا ذنبك، ولا ترجون إلا ربك"، وقول الشاعر: لا تحسبن المجد والـ ... ـعلياء في كذب المظاهر فالأفعال: تخاف، ترجو، تحسب، مبنية على الفتح في محل جزم بـ"لا الناهية"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال المضارع المبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، أو في محل نصب وإما في محل جزم على حسب الأداة التي قبله -قول بعض المؤرخين في وصف الأعرابيات: اشترك كثيرات منهن في الحروب، كما تشترك فرق المتطوعات اليوم. ومع اشتراكهن لم يهملن التصون والتحفظ. وأني لهن أن يتركنه، والدين والنشأة العربية الأصيلة خير عاصم للحرائر؟ فالمضارع "يهمل" -مبني على السكون في محل جزم بالحروف "لم". والمضارع "يترك" مبني على السكون في محل نصب بالحرف: "أن". ويجب مراعاة هذا المحل في التوابع -كما سلف؛ فيجب نصب المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل نصب، كما يجب جزم المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل جزم ... ، وهكذا بقية التوابع. فلإعراب المضارع إعرابا محليا أثر في توابعه وفي المعنى. ج- لا يعتبر المضارع ساكنا إذا كان سكون آخره عارضا بسبب الوقف عليه، أو بسبب التخفيف من توالي ثلاث حركات في آخره مباشرة، أو في آخره مع ما يتصل به ويعتبر جزءا منه، كالضمير. وهذا التخفيف لغة بعض القبائل، وأوضح صوره تسكين الحرف الثاني من الأحرف الثلاثة المتوالية المتحركة. فيقولون: -يستمع- بسكون الميم في المضارع: "يستمع" مكسور الميم، ويقولون: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ؛ بسكون الراء في آخر المضارع "يأمر"؛ لوقوع الضمير المتحرك بعده، وهذا هو ما يعنينا الآن. فعند الإعراب نقول: إن المضارع مرفوع أو منصوب على حسب حالته الأصلية، ونزيد: أنه سكن للوقف، أو للتخفيف1 ... ومثل هذا السكون لا يراعي في التوابع.
الأحرف الأربعة الناصبة بنفسها: الأول: "أن" المصدرية1 المحضة الناصبة للمضارع. وعلامتها اجتماع أمرين معا: "أن تقع في كلام يدل على الشك2، أو على الرجاء والطمع"3، "وأن يقع بعدها فعل" فهي لا تقع في كلام يدل على اليقين والتحقق، ولا في كلام يدل على الرجحان2 ... ، ولا تدخل على غير فعل. فمثال وقوعها بعد الشك: "أي الأمرين أجدر بالعاقل؛ أن يداري السفيه أو أن يقاطعه؟ فلقد عجز الرأي الحكيم عن ترجيح أحدهما". ومثال الرجال والطمع قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ، وقول الشاعر: المرء يأمل أن يعيـ ... ـش، وطول عيش قد يضره فأما التي تقع في كلام يدل على اليقين فهي "الخففة من الثقيلة"4 نحو: أعتقد أن سينتصر الحق، ولو تأخر انتصاره ... ، أي: أنه سينتصر ... وأما التي تقع في كلام يدل على الرجحان "أي: الظن الغالب" فتصلح للنوعين؛ نحو: "من غره شبابه، أو ماله، أو جاهه، وظن أن يسالمه الدهر فقد عرض نفسه للمهالك".
وإن لم يقع بعدها فعل فليست بالمصدرية التي تنصب المضارع. كقول الشاعر: أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة؟ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا أي: أنه لا أخاليا. أهم أحكامها: 1- أنها تدخل على الماضي والمضارع باتفاق1. وإذا دخلت على الماضي لا تنصبه لفظا، ولا تقديرا، ولا محلا -لأن الماضي لا ينصب مطلقا- ولا تغير زمنه. وإنما تتركه على حاله؛ نحو: فرحت بأن عاد الحق إلى أهله. وإذا دخلت على المضارع نصبته وجوبا؛ لفظا، أو تقديرا، أو محلا، وخلصت زمنه للاستقبال -كالشأن في كل نواصبه- كقولهم: "خير لك أن تقبل ما لا بد منه مختارا، بدل أن ترضى به قهرا واضطرارا؛ فلا تجمعن على نفسك ضعف المضطر؛ وذلة المغلوب على الأمر". 2- أنها لا بد أن تسبك مع الجملة الفعلية -المضارعية وغير المضارعية- التي تدخل عليها سبكا خاص يؤدي إلى إيجاد مصدر مؤول، يغني عن "أن وما دخلت عليه"؛ ويعرب على حسب حاجة الجملة: "فقد يكون فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرا، أو سادا مسد المفعولين، أو غير ذلك مما يقتضيه السياق2 ... ومن الأمثلة قولهم: "من البر أن تصل صديق أبيك. ومن أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده" ... ، وقولهم: "أدرك السباق غايته، بعد أن أحسن الوسيلة إليها".
3- أنها تتصل بالفعل الذي تدخل عليه اتصالا مباشرا1، فلا يجوز الفصل بينهما بغير "لا" النافية، أو الزائدة؛ فالأولى نحو: وإن افتقادي واحدا بعد واحد ... دليل على ألا2 يدوم خليل ونحو: ما أعجب. ألا2 يرتدع الظالم بمصير من سبقوه. والثانية نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي: لأن يعلم أهل الكتاب3 ... لأن المعنى هنا على زيادتها وإلا فسد. وكذلك لا يجوز الفصل بأجنبي بني أجزاء الجملة الفعلية التي دخلت عليها "أن" المذكورة3. فإذا دخلت على جملة فعلية تشتمل -مثلا- على مضارع وفاعله، أو عليهما وما يكملهما من مفعولات وغيرها، وجب أن تتصل أجزاء هذه الجملة بعضها ببعض من غير أن يفصل بينها أجنبي وهو التي يجيء من جملة أخرى؛ ففي مثل: "سررت أن أراك نصير الفضيلة؛ لا تبغي بها بدلا ولو احتملت في سبيلها المتاعب، ولاقيت المشقات" لا يصح في كلمة أو أكثر من الكلمات التي جاءت بعد: "لو" أن تتنقل من مكانها لتفصل بين كلمتيني مما دخلت عليه "أن" السالفة4.
4- أن معمول فعلها لا يتقدم عليها -في الرأي السديد- سواء أكان المعمول مفعول أم غير مفعول، كقول شوقي: "عليك أن تلبس الناس على أخلاقها، وليس علك ترقيع أخلاقها"1. فلا يصح: عليك، الناس، أن تلبس على أخلاقها، كما لا يصح: عليك، على أخلاقها، أن تلبس الناس2 ... 5- أن بعض القبائل العربية يهملها؛ فلا ينصب بها المضارع، برغم استيفائها شروط نصبه؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} برفع المضارع: "يتم" على اعتبار "أن" مصدرية مهملة. والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها، والاقتصار على الإعمال؛ حرصا على الإبانة، وبعدا على الإلباس. 6- أنها تمتاز -ومثلها: كي عند الكوفيين- بنصبها المضارع ظاهرة، أو مضمرة3، بخلاف بقية الأدوات الأخرى التي تنصبه بنفسها؛ فإنها لا تنصبه إلا ظاهرة. وبهذه المناسبة يذكر النحاة مواضع لإظهارها وجوبا، ومواضع لإضمارها وجوبا، ومواضع لجواز الأمرين. وفيما يلي البيان3. أ- فيجب إظهارها في موضع واحد، وهو أن تقع بين "لام الجر" و"لا" سواء أكانت "لا" نافية أم زائدة، فمثال الأولى قول العربي: إني أنتصر للعرب، لئلا4 يطمع فينا أعداؤنا، وقول الشاعر: وإني لأترك قبح الكلام ... لئلا أجاب بما أكره
ومثال الثانية قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 1، أي: ليعلم أهل الكتاب.. -كما سبق2. ب- ويجب إضمارها بعد واحد من ستة أحرف: "لام الجحود، أو حتى، فاء السببية، واو المعية"، وكذا بعد: "ثم" الملحقة بواو المعية، عند من يرى إلحاقها. ولإضماء أن بعد هذه الأحرف تفصيلات وشروط تجيء عند الكلام على كل منها. ج- ويجوز إظهارها وإضمارها في موضعين: أولهما: أن يسبقا لام الجر، ويقع بعدها المضارع مباشرة من غير أن تفصله: "لا" النافية، أو الزائدة؛ نحو: اقرأ التاريخ لتنفع بعبره ومواعظه، أو: لأن تنتع3، وقول الشاعر: إن أخاك الحق من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا صرف زمان صدعك ... بدد شمل نفسه ليجمعك فيصح، في غير الشعر: لأن ينفعك، لأن يجمعك ... ولام الجر هذه قد تكون أصلية لإفادة التعليل4 وهي التي بمعنى: "لأجل: كذا...." فما بعدها، في الأغلب، علة لما قبلها في الكلام المثبت"5، كالأمثلة السابقة. وقد تكون أصلية لبيان العاقبة "وتسمى: "لام الصيروة" أو: "لام المآل"، وهي التي يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها، ونهاية
جزائية له". كقوله تعالى عن موسى عليه السلام: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فإن فرعون وآله لم يعتنوا بموسى وبتربيته في القصر الفرعوني ليكون لهم بعد ذلك سبب عداوة وحزن ... ، وإنما اعتنوا بتربيته لينفعهم، أو يكون لهم بمنزلة الولد. فلم تتحقق هذه الأمينة، وتحقق بدلهما أمر آخر؛ هو العداوة والحزن، فالعداوة والحزن هما اللذان انتهى إليهما أمر التربية، وهما العاقبة "النتيجة" والمآل الذي صار إليه أمر العناية. وقد تكون زائدة لتقوية المعنى، وهي الواقعة بين فعل متعد، ومفعوله، كقول الشاعر في الحديث عن ليلاه: أريد لأنسى ذكرها؛ فكأنما ... تمثل1 لي ليلى بكل سبيل فالمضارع: "أريد" متعد، ومفعوله المناسب هو المصدر المنسبك من "أن" المقدرة جوازا بعد اللام، ومن الجملة المضارعة بعدها، وهذه اللام زائدة بينهما. والتقدير: أريد نسياني ذكرها2، والأصل أريد لأن أنسى.
ويجيز الكوفيون إضمار: "كي" في كل موضع يجوز فيه إضمار: "أن" وإظهارها؛ كالحالة السالفة بأمثلتها المختلفة؛ فالموضع الصالح لإظهار "أن" ولإضمارها صالح جوازا للأمرين عندهم في "كي". ويسمون لام الجر التي قبلها: بـ"لام" التعليل" أو: بـ"لام كي" وهذا الخلاف لا أهمية له، بالرغم من كثرة استعمال "أن" الناصبة في أفصح الأساليب ظاهرة ومضمرة.. ثانيهما: أن تع بعد حرف عطف من حروف أربعة ويليه المضارع مباشرة هي: "الواو، الفاء، ثم، أو ... بشرط ألا يدل هذا الحرف على معنى من المعاني التي توجب إضمار "أن"؛ "كالسببية معك "الفاء"، والمعينة مع: "الواو" و"ثم"، وكالتعليل، والغاية، والاستثناء مع: "أو"1 ... " وبشرط أن يكون المعطوف عليه اسما مذكورا2، جامدا محضا "أي: اسما خالصا من معنى الفعل" سواء أكان هذا الاسم المذكور الجامد مصدرا صريحا3 أم غير مصدر. أما المعطوف فهو المصدر المؤول من "أن" والجملة المضاريعة بعدها. فمثال "الواو" إذا كان المعطول عليه مصدرا صريحا، تعت وأحصل رزقى خير من رائحة وأمد يدي للسؤال. وقول القائل: ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف4 ومثالها إذا كان جامدا غير مصدر: لولا النخل في الصحراء ويغذي البدوي لم يجد قوته، ولولا الآبار وتسقيه لم يجد شرابه ومثال الفاء والمعطوف عليه مصدر صريح: إن اقتنائي الكتب فأستفيد منها، كاقتنائي الحديثة اليانعة فأنتفع بثمارها ورياحينها ...
ومثال وهو وهو جامد غير مصدر: إن البحر فأفكر في عجائبه، كالقمر فأطلق خواطري وراء أسراره. ومثال "ثم" والمعطوف عليه مصدر صريح: إن التسرع في الأمر ثم يصلح، كالإهمال فيه ثم يتدارك؛ كلاهما معيب؛ يضاعف الجهد والعناء، ويضعف الأثر. ومثالها وهو اسم جامد غير مصدر: إن الرزوع ثم أعتمد على نفسي في رعايتها لهي من خير الوسائل للغنى، وإن المال ثم يساء التصرف فيه لهو أشد دواعي الشقاء. ومثال "أو" والمعطوف عليه مصدر صريح: لا يرضى النابه بالتقصير أو يتداركه؛ وإنما رضا بالكمال، أو يقترب منه. ومثالها وهو جامد غير مصدر قولك للمسافر: لن يحول البعد دون اتصالنا. فعدنا البريد والبرق أو يبادر أحدنا بزيادة أخيه ... وهكذا. فكل مضارع بعد حرف من الحروف الأربعة السالفة منصوب بأن مضمرة جوازا، ويصح إظهارها، وكل مصدر مسئول من أن -المضمرة جوازا، أو الظاهرة- وما دخلت عليه معطوف على اسم خالص قبلهان قد يكون مصدرا صريحا، أو اسما جامدا غير مصدر. ولا بد -مراعاة للأغلب- أن يكون المعطوف عليه مذكروا في الكلام؛ فلا يصح أن يكون محذوفا ولا أن يكون -في الأغلب-1 متصيدا متوهما. فإن كان المعطوف عليه اسما غير صريح -بأن كان فيه معنى الفعل، المشتقات العاملة- لم يصح النصب، نحو: الصارخة فيتالم العاقل هي النادبة. فالفعل: "يتألم" واجب الرفع؛ لأنه معطوف على كلمة: "الصارخة" وهي اسم غير صريح إذ هي من المشتقات العاملة؛ ففيها معنى الفعل، ورائحته، وواقعة وقعه، من جهة أنها صلة "أل" الموصولة. والأصل في الصلة أن تكون جملة، فكلمة صارخة بمنزلة: "تصرخ" فكأن التقدير: "التي تصرخ"، فلما جاءت "أل"
الموصولة اقتضت العدول عن الفعل إلى اسم الفاعل: لأنها لا تدخل إلا على بعض المشتقات التي تصلح أن تكون صلة لها. وإذا لم يصح العطف في المواضع السالفة لم يصح نصب المضارع تبعا لذلك، فيجب رفعه على اعتبار الواو، والفاء، وثم، حروف استئناف، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عما قبلها. وعلى اعتبار "أو" في هذا الموضع -خاصة- للاستئناف كذلك1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من المفيد سرد بقية أنواع: "أن" بإيجاز مناسب؛ لشدة الحاجة إلى فهمها، ولأنها تزيد "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وضوحا لا يكاد يتحقق إلا بعد عرض هذه الأنواع المختلفة، عرضا تتبين به وجوه المشابهة والمخالفة. والأنواع خمسة: 1- المصدرية المحضة الناصبة للمضارع وجوبا، وقد سبق الكلام عليها1 ... 2- المخففة2 من الثقيلة -وهي من أخوات "إن"- وتعرف بعلامة من أربع: أ- أن تدخل مباشرة على فعل جامد3، أو على حرف غير "لا"؛ كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، وقول الشاعر: أجدك، ما تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قورنك ينشر ب- أو: تقع في كلام يدل على اليقين، والتحقق، والاعتقاد الثابت. مثل: "أيقن". ومثل: "علم ورأي" إذا أفادا اليقين والتأكد، والاعتقاد الثابت. ويدخل في هذا كل الأفعال وغيرها مما يفيد اليقين؛ مثل: "اعترف"، بمعنى: علم وأقر، وكذا: "خاف وحذر" -عند سيبويه وأصحابه- وما بمعناها إذا كان الشيء المخوف أو المحذور متيقنا. ومن الأمثلة قول الشاعر: وإذا رأيت من الهلال نموه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا ... ومثل: أعلم أن سيكون الجزاء على قدر العمل. وقول الشاعر ينصح:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار ومثل: يفر الشريف من الإساءة والتقصير؛ مخافة أن يحاسبه الضمير. وقد اجتمع اليقين ودخولها على حرف غير الحرف "لا" في قول الشاعر: تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا ... أمين، وخوان يخال أمينا ج- أو: تكون داخلة على جملة امسية مسبوقة بجزء من جملة -لا بجملة كاملة- فيكون المصدر المؤول من "أن" المخففة وما دخلت عليه متمما للسابقة؛ كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، فالمصدر المنسبك من "أن" وما دخلت عليه خبر المبتدأ: "آخر". وكقول الشاعر: كفى حزنا أن لا2 حياة هنيئة ... ولا عمل يرضى به الله، صالح ... فالمصدر المسؤول فاعل للفعل: كفى. د- أو: تكون داخلة على فعل مقصود به الدعاء؛ نحو: صانك الله ورعاك، وأن هيأ لك حياة سعيدة. وأهم أحكامها: أنها من أخوات "إن"؛ فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة قد تحتاج إلى فاصل في أغلب الأحوال. ومن أحكامها: أنها تسبك مع معموليها فينشأ من السبك مصدر متصرف، "أي: يعرب على حسب حاجة الجملة؛ من مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو ساد مسد المفعولين ... أو ... ". إلى غير هذا من الأحكام والتفصيلات الهامة التي عرضناها بأمثلتها في مكانها الأنسب3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- الصالحة لأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع ولأن تكون مخففة لا تنصبه؛ وهي الواقعة في كلام يدل على الرجحان؛ كأن يسبقها أحد الأفعال الآتية: "ظن، خال، علم، التي بمعنى: ظن، حسب، حجا ... " فيرفع أو ينصب المضارع بعد كل فعل من هذه الأفعال -وما شابهها- على أحد الاعتبارين السالفين. أما "أن" الواقعة في كلام يدل على الشك، أو على الطمع والرجاء والأمل فليست إلا "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وجوبا -كما أسلفنا-1 فإن أجرى الظن مجرى اليقين تأويلا، جاز الأمران، وبالنصب والرفع قرئ قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} ويتركون ... 4- الزائدة: وهي التي يتساوى وجودها وعدمها، من ناحية العمل؛ إذ لا عمل لها على الأصح، وإنما أثرها معنوي محض؛ هو تقوية المعنى وتأكيده؛ "كالشأن في الحروف الزائدة المهملة، طبقا للبيان الخاص بهذا في صدر الجزء الأول، عند الكلام على الحرف" وتقع -في الغالب- "بعد لما" الحينية2 كالتي في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . والتي في نحو: أجيب الصارخ لما أن يكون3 مظلوما. برفع: يكون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بين الكاف ومجرورها، كقول الشاعر يصف امرأة: ويوما توافينا1 بوجه مقسم2 ... كأن ظبية تعطو3 إلى وارق4 السلم5 أو بين "لو" وفعل مذكور للقسم؛ كقول الشاعر: فأقسم أن لو التفينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشر؛ مظلم أو بين "لو" وفعل للقسم محذوف؛ كقول الشاعر: أما والله أن لو كنت حرا ... وما بالحر أنت ولا العتيق6 ومن الزائدة أيضا -في رأي بعض النحاة- الواقعة بعد جملة مشتملة على القول وحروفه نصا؛ مثل: قلت للمتردد: أن أقدم....، عند من يصوب هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التركيب، -كما سيجئ هنا في الكلام على المفسرة1 وقد وردت زيادتها بعد "إذا" في قليل من المسموع الذي لا يقاس عليه. 5- الجازمة. وهي لغة لإحدى القبائل العربية2؛ نحو: أواصل العمل إلى أن يكتمل، أو: أن ينته وقته. والأفضل إهمال هذه اللغة اليوم؛ منعا للخلط والإلباس. 6- الضمير: تكون "أن" ضميرا للمتكلم عند بعض العرب -معنى: "أنا"؛ فيقول: أن جاهدت في الله حق الجهاد؛ بمعنى: أنا جاهدت.. أما مجيئها للمخاطب مذيلة ببعض حروف تدل عل فروعه المختلفة فهو الشائع بين القبائل3؛ نحو: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن 7- المفسرة: وهي حرف مهمل4 والغرض منه: إفادة التبين والتفسير، مثل: "أي المفسرة" فكلاهما حرف تفسير؛ ولهذا يصح إحلال "أي" محل "أن". ولا تكون "أن" مفسره إلا بثلاثة شروط مجتمعة: أولها: أن تسبقها جملة مستقلة كاملة، فيها معنى القول دون حروفه. ثانيها: أن يتأخر عنها جملة أخرى مستقلة، تتضمن معنى الأول، وتوضح المراد منها. ثالثها: ألا تقترن "أن" بحرف جر ظاهر أو مقدر. "ومن الشرط الثاني يتبين أن الذي يقع به التفسير هو الجملة المتأخرة: أما الحروف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "أن" فمجرد أداة، أو آله، أو رمز، ففي الكلام مجاز مرسل، علاقته الآلية". فإذا استوفت الشروط الثلاثة كانت مفسرة لمفعول الفعل الذي قبلها؛ إن كان متعديا، سواء أكان المفعول ظاهرا أم مقدرا. فالظاهر كالذي في قوله تعالى، يخاطب موسى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} فـ"ما يوحى" هو عين "اقذفيه في اليم" معنى ... ، والمقدر كالذي في قوله تعالى1 في قصة نوح: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} على تقدير: أوحينا إليه شيئا؛ هو: اصنع. ويصح أن تكون "أن" هنا زائدة، والمعنى2: أوحينا إليه لفظ: "اصنع". وإن لم يكن الفعل متعديا فالجملة التفسيرية لا محل لها -كما سيجيء. فإن لم يسبقها جملة كاملة كانت -في الغالب- مخففة من الثقيلة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن ما قبلها مبتدأ لا خبر له إلا "أن" وما دخلت عليه. وهذا ينافي التفسيرية؛ لأنها لمحض التفسير -لا للتكميل- فتقتضي أن يكون قبلها جملة تامة؛ كما سلف3. وإن كان قبلها جملة تامة ولكنها مشتملة على حروف القول وجب اعتبار "أن" زائدة لا مفسرة؛ نحو: قلت له: أن افعل4 -كما سبق5 عند الكلام على "أن" الزائدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن اقترنت بحرف جر ظاهر أو مقدر فهي "مصدرية"، لاختصاص حرف الجر بالدخول على الاسم، ولو كان الاسم مصدرا مؤول؛ كالمثال السابق، وهو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} إن جعلنا التقدير: فأوحينا إليه بصنع الفك ... على معنى: وأشرنا إليه "أي: عليه" بصنع الفلك. ولم نجعله على تقدير حذف المفعول والاستغناء بتقديره عن تقدير حرف جر محذوف. بقي شيء هام؛ هو: إعراب الجملة الواقعة بعد "أن" المفسرة. قال صاحب المغني: "الجملة المفسرة لا محل لها مطلقا". ولكن الصبان في حاشيته ناقض هذا عند الكلام على "أن" المفسرة. وقال: إن الجملة المفصسرة التي لا محل لها من الإعراب هي الجملة التي ليست في معنى المفرد، كالتي في مثل: "محمد أكرمته" إذ الأصل: أكرمت محمدا أكرمته -أما التي تفسر المفعول بعد "أن"- فالظاهر أنها في محل نصب، تبعا لما فسرته؛ لأنها في معنى هذا اللفظ، فيحل المفرد محلها. ثم أيد الصبان رأيه هذا بكلام نقله عن بعض المحققين. وإذا كان لها محل من الإعراب كالمفرد الذي تفسيره فما موقعها؟ أتكون مفعولا مثله، أم بدلا، أم عطف بيان؟ تكون بدلا أو عطف بيان؛ لأن البدل والبيان هما اللذان يسايران التفسير ويناسبانه؛ "كما سبق في بابهما ج3 ص99 م117 ... وص486 م123.. وشيء آخر هام أيضا: إذا جاء بعد "أن" الصالحة للتفسير مضارع مسبوق بكلة: "لا" نحو: أشرت إليه أن يفعل، جاز رفعه على اعتبار "لا" نافية. وجزمه على اعتبارها ناهية، و"أن" في الحالتين مفسره1، وجاز نصبه على اعتبار "لا" نافية، و"أن"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدرية1. فإن حذفت "لا" امتنع الجزم، وصح الرفع أو النصب. لكن صرح الصبان بأنه يصح على الجزم بلا الناهية اعتبار "أن" مصدرية؛ اعتمادا على الرأي الأصح الذي يبيح دخولها على الأمر والنهي؛.... وقد جاء في حاشية الخضري ما نصه2: "وصل "أن" بالماضي اتفاق، وبالأمر3 عند سيبويه، بدليل الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن قم أو لا تقعد. إذ لا يدخل إلى على الاسم، فتؤول بمصدر طلبي، أي: كتبت إليه بالأمر بالقيام؛ كما قدر الزمخشري في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} ، أي: بالأمر بالإنذار، فلا يفوت معنى الطلب. ورده الدماميني بأن كل موضع وقع فيه الأمر هو محتمل لكون "أن" فيه تفسيرية؛ بمعنى: "أي"؛ كهذه الآية، ونحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} 4 ونحو {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} . ونحو: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} ، أي: انطلقت ألسنتهم5 فكل ذلك -إن لم يقدر فيه الجار- هي فيه إما تفسيرية؛ "لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه؛ ووقوع جملة بعدها، وخولها من الجار لفظا"، ولا حاجة إلى تقديره كما يقول سيبويه -وإما زائدة؛ كالمثال: "أي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتبت إليه بأن قم"، أي: بهذا اللفظ. زيدت "أن" كراهة دخول الجار على الفعل ظاهرا، وإن كان في الواقع اسما، لقصد لفظه". ا. هـ. وإذا دخلت "أن" على الماضي والأمر باعتبارها مصدرية فإنها لا تغير زمنهما، ولا يكون لهما محل تنصبه -كما جاء في المغني عن الكلام عليها- خلافا لرأي ضعيف آخر. ب- انتهينا من الكلام على "أن" من وجهتها النحوية واللغوية وبقيت ناحية تتتصل بإظهارها أو عدم إظهارها في النطق وفي الكتابة إذا وقعت بعدها "لا". أما مع غير "لا" فتظهر في الحالتين. 1- فيجب حذف النون فيهما إن كانت "أن" مصدرية ناصبة للمضارع المسبوق "بلا" النافية، أو: "لا" الزائدة، نحو: شاع ألا يخفق الإنسان في الوصول للكواكب، {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} والحذف هنا معناه عدم ظهورها في الكتابة وفي النطق؛ فهي مدغمة في "لا" وإدغامها يمنع ظهورها خطا ونطقا ... 2- ويجب إظهارها في الكتابة، وإبرازها خطا لا نطقا إن كانت غير ناصبة للمضارع، سواء أكان بعدها اسم، أم فعل؛ نحو: تيقنت أن لا أسافر -أشهد أن لا إله إلا الله، فتظهر فيهما خطا، وتدغم في "لا" عند النطق.
الثاني: لن: وهو حرف1، يفيد النفي بغير دوام ولا تأييد إلا بقرينة خارجة عنه. فإذا دخل على المضارع نفي معناه في الزمن المستقبل المحض -غالبا-2 نفيا مؤتا يقصر أو يطول من غير أن يدوم ويستمر، فمن يقول: لن أسافر، أو: لن أشرب، أو: لن أقرأ غدا، أو نحو هذا ... ، فإنما يريد نفي السفر -أو غيره- في قابل الأزمنة مدة معينة، يعود بعدها إلى السفر ونحوه، إن شاء، ولا يريد النفي الدائم المستمر3 في المستقبل، إلا إن وجدت قرينة مع الحرف "لن" تدل على الدوام والاستمرار. أشهر أحكامه: 1- أنه مختص بالمضارع، ينصبه بنفسه، ويخلص زمنه للمستقبل المحض غالبا2؛ ولهذا كان نفيه لمعنى المضارع مقصورا على المستقبل غالبا -كما تقدم- نحو قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . 2- جواز تقديم معمول مضارعه عليه "أي: على "لن"؛ كقول الشاعر: مه -عاذلي-4 فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحا فكلمة: "هائما" خبر للمضارع المنصوب ب"لن"، وقد تقدمت على الناصب.
3- عدم الفصل بينه وبين مضارعه، إلا للضرورة الشعرية؛ كالتي في قول القائل: لن -ما رأيت أبا يزيد مقاتلا- ... أدع القتال وأشهد1 الهيجاء والأصل: لن أدع القتال ... ما رأيت أبا يزيد ... وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار والمجرور؛ لأن شبه الجملة يتوسع فيه ... 4- أنه قد يتضمن مع النفي الدعاء أحيانا؛ كقول الشاعر: لن تزالوا كذلكم؛ ثم لازلـ ... ـت لكم خالدا خلود الجبال ومنه قوله تعالى على لسان موسى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} لأن أدب المتكلم مع ربه، وجهله بالغيب؛ يقتضيان أن يكون الكلام متضمنا الدعاء، لا النفي القاطع لأمر يكون في المستقبل، لا يدري المتكلم عنه شيئا؛ فكيف يقطع فيه برأي حاسم، وأنه سيظل خالدا لأعدائه خلود الجبال؟ 5- أنه -بمعناه السابق- حرف جزم عند بعض العرب القدامى2؛ فيقول قائلهم: لن أنطق لغوا، ولن أشهد زورا ... ، بجزم الفعلين. وليست من المناصب اليوم محاكاة هذة اللغة؛ حرصا على الإبانة، وإبعاد للخلط واللبس. الثالث: كي وهو حرف متعدد الأنواع؛ يعنينا منها: النوع المصدري المحض، المختص بالدخول على المضارع، وبنصبه وجوبا بنفسه مباشرة، لا "بأن" المضمرة وجوبا كما يرى بعض النحاة.
وعلامة مصدريته الخالصة وقوعه بعد لام الجر مع عدم وقوع "أن" المصدرية بعده "في الرأي الأرجح" لا، ظاهرة ولا مضمرة؛ إلا في حالة الضرورة، أو التوكيد اللفظي؛ نحو: منحنا الله الحواص لكي نستخدمها في تحصيل العلم، وإنجاز مطالب العيش. وزودنا بالأمل الكبير؛ لكيلا يستبد بنا الياس فيحرقنا بناره. ويشتهر هذا النوع باسم: "كي المصدرية". وهو مثل: "أن" المصدرية معنى، وعملا، وسبكا1؛ ولهذا لا يصح وقوع "أن المصدرية" بعده، إلا في حالة الضرورة أو التوكيد اللفظي -كما تقدم، وبالرغم من هذا فوجود "أن المصدرية"، بعده في هاتين الحالتين غير مستحسن. وتشتهر لام الجر التي قبل "كي" باسم: "لا التعليل" لأن ما بعدها علة لما قبلها من كلام مثبت2. وأهم أحكام "كي" المصدرية: 1- وجوب نصبها المضارع بنفسها، وتخليص زمنه للمستقبل -غالبا فهي كسائر كالتي في المثال السالف-3 أو "ما" الزائدة وحدها، أو هما معا بشرط تقديم "ما". ومثال الفصل "بما" الزائدة: امنح نفسك قسطها من الراحة
لكيما تنشط وتقوى. وقول الشاعر: ولقد لحنت1 لكم لكيما تفهموا ... ووحيت2 وحيا ليس بالمرتاب ومثال الفصل بهما معا: لا تتعرض للشبهات لكيما لا يصيبك التجريح بحق وغير حق، وقول الشاعر: أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟ والفصل "بلا" النافية وحده لا يمنع النصب -باتفاق- أما الفصل بـ"ما" الزائدة وحدها، أو بهما معا فالراجح أنه لا يمنع أيضا. 3- وجوب سبكها مع الجملة المضارعية3 التي بعدها مصدرا مؤولا يعرب مجرورا باللام؛ فهو مصدر غير متصرف، بخلاف المصدر المسبك من "أن المصدرية" -وما دخلت عليه فهو مصدر متصرف حتما4.. ونشير هنا إلى أسلوب فصيح شائع يقع فيه المضارع المسبوق بلام التعليل منصوبا؛ كقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فما الذي نصب المضارع: "يغفر"؟ قيل منصوب "بأن" مضمرة جوازا بعد اللام، وقيل منصوب بـ"كي" مضمرة جوازا بعدها عند الكوفيين. وقد يكون الرأي الأول هو الأنسب؛ لأن الأكثر هو إضمار "أن"، ويشيع عملها ظاهرة، ومضمرة، وجوبا5، أو جوازا..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قلنا1: إن "كي" حرف متعدد الأنواع ... ، أشهرها النوع المصدري السالف الذي أوضحنا1، ومما يزيده بيانا وجلاء ويتمم الفائدة عرض بقية الأنواع في إيجاز مناسب: الأنواع كلها أربعة: أ- "كي" المصدرية المحضة المختصة بالمضارع ونصبه وجوبا. وقد سبقت1. ب- "كي التعليلية المحضة" وهي حرف جر يفيد التعليل "أي: يفيد أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بعده علة لما قبله من كلام مثبت1، غالبا؛ فهي بمنزلة "لام التعليل" السابقة2 معنى وعملا". ولها أربع صورة: الأولى: أن تدخل على "ما" الاستفهامية، -للسؤال عن العلة- فتجرها؛ نحو: كيم تكثر الغابات في المناطق الاستوائية؟ بمعنى: لم تكثر الغابات..؟ ولا يصح أن تكون هنا مصدرية؛ لوجود فاصل قوي بينهما وبين المضارع، ولفساد التركيب والمعنى على المصدرية. الثانية: أن تدخل على: "ما" المصدرية فتجر المصدر المؤول: كقول الشاعر: إذا أنت لم تنفع فضر؛ فإنما ... يرجى الفتى كيما يضر وينفع أي: يرجى الفتى "كي" الضر والنفع؛ بمعنى: للضر والنفع3. فلا يصح -في الراجح- اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، ولأن الحرف المصدري لا يدخل على حرف مصدري -في الفصيح لا لتوكيد لفظي في بعض الحالات، أو لضرورة شعرية، وكلاهما غير مستحسن هنا ... الثالثة: الداخلة على: "لام الجر" كقول الشاعر يفتخر بكرمه: فأوقدت ناري كي ليبصر ضوءها ... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله ولا يصح اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، أما هذا المضارع المنصوب بعدها فناصبه: "أن" المضمرة جوازا بعد لام التعليل. الرابعة: الداخلة على "أن" المضمرة وجوبا -عند البصريين؛ نحو: أخلص في عملي كي أرفع شأن وطني وهذا على اعتبار الناصب للمضارع عندهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو: "أن" المصدرية المضمرة وجوبا، وليس "كي"؛ لأن الحرف المصدري، لا يدخل على نظيره ولو كان مقدرا -في فصيح الكلام إلا على الوجه السالف. وظهور "أن" هذه أحيانا بعد "كي" ضرورة على هذا الرأي البصري، كقول الشاعر: فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا1 والكوفيون يجيزون وقوع "أن" الظاهرة -بعد "كي" في الاختيار ويجعلون الناصب عند اجتماعهما هو: "كي"؛ لسبقها. مثل: اسمع الموسيقى كي أن تهدأ أعصابك، واستمع بالغناء كي أن تنتعش ... ، ورأيهم هو السديد الذي يحسن الأخذ به، ويؤيد ظهور "أن" المصدرية أن إضمارها بعد "لام التعليل" جائز لا واجب عند الفريقين. فالحرف "كي" في الصور الأربعة السالفة بمنزلة لام الجر معنى وعملا. فإن وقعت بعده لام الجر كانت مؤكدة له، وكان النصب عند البصريين بأن مضمرة وجوبا كما سبق، وإضمار "أن" هنا وجوبا عندهم هو موضع سادس يزاد على المواضع الخمسة الآتية "في ص317" التي يجب فيها الإضمار، والتي يزاد عليها: "ثم" عند الكوفيين. ح- "كي" الصالحة للمصدرية و "للتعليلية" ولها صورتان: الأولى: "كي" المجردة من "لام الجر" قبلها، ومن "أن" المصدرية بعدها2 نحو: صن لسانك كي تسلم من ألسنة الناس، وادخر بعض مالك كي ينفعك عند تقلب الأيام".. وقول شاعر قصير: إذا كنت في القوم الطوال علوتهم ... بعارفة، كي لا3 يقال قصير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قدرنا اللام قبلها "فكي" مصدريةن وإن قدرنا "أن" بعدها "فكي" تعليلية بمعنى لام الجر. والمضارع في الحالتين منصوب1. الثانية "كي" المتوسطة بينهما؛ نحو: يغفر للصديق هفوته، لكي أن تدوم مودته، فيصح أن تكون اللام للتعليل وهي جارة، و"كي" تعليلة مؤكدة لها توكيدا لفظيا، و"أن" مصدرية ناصبة للمضارع. والمصدر المنسبك مجرور باللام. كما يصح أن تكون "اللام" للتعليل وهي جارة أيضا، و"كي" مصدرية مؤكدة توكيدا لفظيا "بأن" المصدرية. والمضارع منصوب بـ"كي"، والمصدر المسؤول من "كي" وصلتها مجرور باللام. ويفضل النحاة الإعراب الأول لالتصاق "أن" بالمضارع مباشرة، ولأنها أقوى في نصبه، وأكثر استعمالا من "كي". ومن المغتفر هنا دخول حرف الجر أو الحرف المصدري على نظيره؛ لأنه للتوكيد اللفظي. وفي الصورتين السالفتين يجوز فصلها من المضارع "بلا" النافية فلا تمنع عملها النصب، أو: ب"ما" فتكفها عن العمل. وقيل: لا تكفها، أو بهما معا مع تقديم "ما"2؛ نحو: اتق الأذى لا تؤذى، واحذر العدوى كيما تسلم. ومثال الفصل بالحرفين معا البيت الذي سبق2 وهو: أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟ د- كي الاستفهامية؛ فتكون اسما مختصرا من كلمة: "كيف" الاستفهامية، وتؤدي معناها، وتعرب اسم استفهام مثلها. نحو: كي أنت؟ بمعنى: كيف أنت؟ ومنه قول الشاعر: كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكمو، ولظى الهيجاء تضطرم؟ أي: كيف تجنحون وتميلون ... ؟ ولا يمكن أن تكون هذه مصدرية، لعدم وجود العلامة الخاصة بها، ولفساد المعنى على تأويل المصدر المنسبك، ولأن هذه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لها الصدارة الحتمية "مثل: كيف" مع أن المصدر المؤول قد يكون صدرا وقد يكون عجزا.. وإلى هنا انتهى الكلام على أنواع "كي" الأربعة". 2- ما الذي نصب المضارع: "يحسبوا" في البيت القديم1 وهو: وطرفك إما جئتنا فاحبسنه ... كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر "أي: إن زرتنا فاحبس بصرك عنا -أي: أبعده عنا- ووجهه لغيرنا؛ ليحسب الناس أنك تنظر إلى من تهواها هناك، فلا تتجه الشبهة إلينا. ويحيق بنا المكروه. أو: امنع نظرك عنا؛ لحسبان الناس -إن نظرت إلينا- أن هواك عندنا ... ". فقيل أصل الكلام: "كيما" حذفت ياء "كي" تخفيفا، واتصلت بها "ما" الزائدة، ونصبت المضارع، لأنها مصدرية قبلها لام الجر مقدرة. وقيل: إن: "كما" تنصب أحيانا بنفسها وأن معناها: "كيما"2 وقيل: "الكاف" للتعليل و"ما" مصدرية ناصبة، كما تنصب "أن". وكل هذه آراء ضعيفة تكاد لا تختلف في الغرض منها. وأخفها الأول.
الرابع: إذن". الكلام على هذه الأداة يتركز في أربعة أمور: مادتها1 -معناها، أحكامها، كتابتها. أ- فأما مادتها فكلمة واحدة "بسيطة"، ثلاثية الحروف الهجائية، وليست مركبة من كلمتين، هما: "إذ" و"أن"، ولا من غيرها مما يتوهمه القائلون بتركيبها، وبأنها تحولت من أصلها المركب إلى أصلها الحالي2 ... ب- وأما معناها: فالدلالة على أمرين؛ هما: "الجواب" -وهذا يلازمها دائما في كل استعمالاتها- "والجزاء"، وهذا يلازمها في الأغلب. والمراد من دلالتها على الجواب: وقوعها في كلام يكون مترتبا على كلام قبله، ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان الكلام السابق مشتملا على استفهام مذكور، أم غير مشتمل عليه، ولكنه بمنزلة الملحوظ. فليس من اللازم أن يكون السابق مشتملا على استفهام صريح يحتاج إلى جواب، وإنما اللازم أن يترتب ويتوقف عليه كلام يجيء بعده في الجملة المشتملة على "إذن". ومن الأمثلة قول الصديق لصديقه: "سأغضي عن هفوتك". فيقول الآخر: "إذن أعتذر عنها. مخلصا شاكرا". فهذه الجملة الثانية ليست ردا على سؤال سابق مذكور، وإنما هي بمثابة جواب عن سؤال خيالي، ناشئ من الجملة الأولى؛ تقديره: -مثلا- ما رأيك؟ أو ماذا تفعل؟ أو نحو لك ... أي: أن هذه الجملة المشتملة على: "إذن" جملة مترتبة على كلام سابق خال هنا من الاستفهام الصريح -دون الملحوظ- وخال من طلب الجواب، ولكنها بمنزلة الجواب عن سؤال ذهني تولد من الأولى. وكلمة: "إذن" في الجملة الثانية بمثابة الرمز الذي يحمل إلى الذين سريعا الدلالة على أن الثانية تشتمل على الإجابة. ومثال اشتمال الكلام السابق على استفهام مذكور قول القائل: ماذا تفعل
لو صادفت بائسا؟ فتجيب: إذن أبذل طاقتي في تخفيفي بؤسه. فهذه الجملة جواب عن الاستفهام المذكور في سابقتها. ووجود كلمة: "إذن" رمز يوحي أن الإجابة مذكورة في هذه الجملة. ولا فرق في وقوعها دالة على الجواب بين أن تكون أول جملتها، ووسطها، وآخرها، غير أنها لا تنصب المضارع إلا كانت في صدر جملتها؛ -كما سيجيء- تقول: في المثال الأول: "إذن أعتذر لك مخلصا"، أو: "أعتذر -إذًا- لك مخلصا" أو: "أعتذر لك مخلصا -إذًا". والمراد من أنها للجزاء -غالبا- دلالتها على أن الجملة التي تحتويها تكون في الغالب مسببة عما قبلها، وتعد أثرا من آثاره؛ توجد بوجوده، وترتبط به عادة، كالمثالين السالفين، وفيهما تبدر السببية واضحة بين الاعتذار والإغضاء عن الهفوة، وكذلك بين التخفيف عن البائس ومصادفته، فكأن المجيب يقول: إن كان الأمر كما ذكرت فإني أعتذر ... أو: إني أبذل طاقتي، أي: فالجزاء ... 1 فإن لم يوجد بين الجملتين جزاء لم يصح -في الغالب- مجيء "إذن"؛ كأن يقول الصديق: سأغضي عن الهفوة؛ فتجيب: إذا ينزل المطر، وكأن يقول قائل: سأقرأ الصحف: فيجاب: إذا تغرب الشمس؛ إلا ذ علاقة ولا ارتباط بين المعنى في الجملتين؛ فالكلام لغو. وإنما كانت دلالتها على "الجزاء" غالبية؛ لأنها -أحيانا قليلة- لا تدل عليه إذا استغنى المقام عنه، فتتمحض للجواب وحده، كأن يقول الشرك لشريكه: أنا حبك. فيجيب: إذا أظنك صادقا؛ لأن الصدق لا يصلح هنا جزاء مناسبا للمحبة2، وأيضا فهذا الظن حالي الزمن، والجزاء لا يكون إلا مستقبلا. وبسبب الحالية في هذا المثال لم تنصب المضارع. ح- وأما عملها فنصب المضارع بنفسها مباشرة، وتخليص زمنه للاستقبال؛
-كسائر الأدوات الناصية له- وإنما تنصبه وجوبا إذا اجتمعت شروط أربعة1: أولها: دلالتها على جواب حقيقي بعدها، أو ما هو بمنزلة الجواب -كما شرحنا. ثانيها: أن يكون زمن المضارع بعدها مستقبلا محضا؛ فلا يوجد في الجملة ما يدل على أن زمنه للحال؛ لئلا يقع التعارض بين الحال، وبين ما يدل عليه الناصب من تخليص زمن المضارع بعده للمستقبل. فإن وجد ما يدل على حالية المضارع لم تكن: "إذا" ناصية، ويجب رفع المضارع، واعتبارها ملغاة العمل، كالمثال الذي سلف، وهو: أن يقول الشريك لشريكه: أنا أحبك. فيجب: إذا أظنك صادقا؛ لأن هذا الظن ليس أمرا سيتحقق في المستقبل، وإنما هو قائم حاصل وقت الإجابة؛ فزمنه حالي. ثالثها: اتصالها بالمضارع مباشرة بغير فاصل بينهمان ويجوز الفصل بالقسم إن وجد أو "لا". النافية، أو بهما معا. فإن كان الفاصل غير ما سبق لم تنصب، ووجب رفع المضارع؛ مثل: ... إذا -لا أخاف في الله لومة لائم. ومثال الفصل بهما: إذن والله لا أغضب الوالدين. وقد ورد في النصوص أمثلة قليلة وقع فيها الأعمال مع الفصل -بالنداء، أو الدعاء، أو الظرف. ولكنها لقلتها مقصورة على السماع؛ لا يباح القياس عليها. رابعها: أن تقع في صدر2 جملتها؛ فلا يرتبط ما بعدها بما قبلها في الإعراب -بالرغم من ارتباطهما في المعنى- فإن تأخرت عن صدر جملتها إلى آخرها أهتلت، وكذلك إن وقعت حشوا بين كلماتها. فمثال التي فقدت صداراتها ووقعت في آخر الجملة: ... أنصفك إذا. ومثال التي وقعت في ثنايا جملتها: إن تسرف في الملاينة إذا تتهم بالضعف ...
ويكثر وقوعها حشوا في ثلاثة مواضع: أ- بين المبتدأ وخبره المفرد أو غير المفرد؛ نحو: الصادق -إذا- محبوب؛ والخبر هنا مفرد. ونحو: أنا -إذا- أنصر المظلوم. والخبر هنا جملة مضارعية1. و ... و ... ب- بين جملتي الشرط والجواب؛ سواء أكانت أداة الشرط جازمة، أم غير جازمة، نحو: إن يكثر كلامك -إذا- يسأم سامعوك. نحو: إذا أنصف الناس بعضهم بعضا -إذا- يسعدون. ح- القسم وجوابه؛ سواء أكان القسم مذكورا؛ نحو: والله -إذا- أترك عملا لا أحسنه، وقولا لا خير فيه. أو مقدرا؛ نحو: لئن يصن المرء نفسه عن مواقف الهوان -إذا- لا يفقد إكبار الناس، واحترامهم إياه2.
د- وأما طريقة كتابتها فالأكثرون من القدامة يكتبونها ثلاثية مختومة بالنون هكذا: "إذن" سواء أكانت عاملة أم مهملة. أما خاصة المحدثين فيكتبون العاملة ثلاثية مختومة بالنون، والمهملة مختومة بالألف، لا بالنون؛ للتفرقة بين النوعين1. وهذا حسن جدير بالاقتصار عليه، والاتفاق على الأخذ به. إلى هذان وبعد الزيادة التي في الصفحة التالية -ينتهي الكلام على القسم الأول؛ وهو الأدوات الأربعة التي تنصب المضارع بنفسها ظاهرة. وتمتاز "أن" بأنها تنصبه ظاهرة ومضمرة وكذا "كي" عدن الكوفيين. وننتقل بعد تلك الزيادة إلى القسم الثاني وهو الأدوات التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هل تفقد: "إذن" صدارتها بسبب تقدم الواو أو الفاء عليها؟ إذا تقدم أحد الحرفين المذكورين جاز إعمال "إذن"؛ فتنصب المضارع بعدهان وجاز إهمالها؛ فلا تنصبه، فمن اعتبر الحرفين للاستئناف كانت عنده: "إذن" في صدر جملة جديدة مستقلة بإعرابها؛ "لنها مستأنفة". فتنصب المضارع. ومن اعتبرهما لعطف المضارع وحده بدون فاعله على مضارع وحده كانت حشوا؛ فلا تنصب المضارع. وقد قرئ بهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} 1، أو: "وإذن لا يلبثوا خلافك ... " واعتبارها للاستئناف، أو: لعطف مضارع وحده على مضارع وحده، حكم خاضع للسياق، ولما يقتضيه المعنى؛ فلا بد من ملاحظة هذا، ومن ملاحظة أمر هام آخر؛ هو، أن عطف الفعل المضارع وحده "أي: بدون فاعله" على الفعل المضارع وحده يختلف عن عطف الجملة المضارعية كاملة على نظيرتها المضارعية2 وغير المضارعية من ناحية الإعمال والإهمال. فعطف المضارع وحده على المضارع يوجب الإهمال؛ لأن المعطوف هنا لا يستقل بنفسه؛ فلا بد أن يتبع المعطوف عليه في إعرابه، فهو تابع له؛ فلا تكون "إذن" واقعة في صدر جملة مستقلة في إعرابها؛ نحو: لم يحضر الغائب، وإذا يسترح أهله. أي: لم يحضر الغائب ولم يسترح أهله؛ فجزم المضارع "يسترح" دليل على أنه معطوف وحده على: "يحضر" عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة؛ إذ لو كان المعطوف جملة لم يصح جزم "يسترح"؛ لعدم وجود ما يقتضي جزمه. أما عطف الجملة المضارعية على جملة قبلها "مضارعية أو غير مضارعية، الماضوية والاسمية" فيتوقف الحكم فيه على حالة السابقة؛ ألها محل من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب، أم ليس لها محل؟ فإن كان لها محل من الإعراب وجب إهمال: "إذن"؛ لوقوعها في صدر جملة تابعة في إعرابها لجملة أخرى سبقتها، وبهذه التبعية لا تكون في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب؛ نحو: "إن للطيور المهاجرة رائدا يتقدمها؛ وإذا يرشدها إلى غايتها، ويهديها السبيل". فجملة: "يتقدمها" مضارعية في محل نصب صفة لكلمة: "رائدا"، وجملة: "يرشدها" مضارعية معطوفة عليها؛ فهي في محل نصب كالمعطوف عليه؛ ويجب إهمال "إذن" فلا تنصب المضارع بعدها؛ لعدم وقوعها في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب. وإن لم يكن للجملة الأولى محل من الإعراب -كالجملة الشرطية؛ مثلا- جاز الأعمال والإهمال؛ هو: "إن يشتهر نابغ وإذا تزداد أعباؤه، يفرح خاصته". فجملة: "يشتهر نابغ" جملة شرطية لا محل لها من الإعراب، وقد عطفت عليها بتمامها جملة: "تزداد أعباؤه"، وليس لها محل من الإعراب أيضا؛ لأنها كالمعطوف عليه؛ فيصح نصب المضارع: "تزداد" باعتبار "إذن" في صدر جملة لا محل لها من الإعراب؛ فهي بمنزلة الجملة بعد حرف العطف معطوفة على ما قبلها فهي مرتبطة به ارتباطا إعرابيا ومعنويا يجعلها في حكم غير المستقلة، ويجعل "إذن" في غير الصدارة الكاملة. ولما تقدم يصح الاعتباران في مثل: عجائب الاختراع تزداد كل يوم، وإذا تسعد بها الناس أو تشقى. فإن عطفنا الجملة المضارعية: "تسعد، وفاعله" على المضارعية: "تزداد، وفاعله" وهي جملة في محل رفع خبر المبتدأ وجب إهمال "إذن" ورفع "تسعد". وإن عطفناها، على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ: "عجائب وخبره، وهي جملة لا محل لها من الإعراب جاز الإعمال والإهمال، فينصب المضارع أو يرفع1 ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- قد تكون: "إذا" متضمنة معنى الشرط في الماضي؛ فيجوز إجراؤها مجرى "لو"1 في قرن جوابها باللام2، كقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ، أي: لو ركنت شيئا قليلا لأذقناك.. وقد تتضمن معنى الشرط في المستقبل؛ فيجوز قرن جوابها بالفاء؛ كقول الشاعر: ما إن3 أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطا إلي يدي إذا فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالحسد أي: إن أتيت -في المستقبل- بشيء أنت تكرهه فلا رفعت ... -فعاقبني ربي- ... وما بعد الفاء في المثالين، جملة دعائية، فزمنها مستقبل. وقد تدخل على جواب: "لو" وجواب "إن" الشرطتين؛ لتوكيده وتقويته، نحو: لو زاملتني إذا ورضيتك. وقول الشاعر: فلو خلد الكرام -إذا- خلدنا ... ولو بقي الكرام -إذا- بقينا4 - ونحو: إن تنصف أخاك -إذا- تسلم لك مودته ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول الفراء في الآية الكريمة: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، إن مجيء اللام بعد: "إذا" يقتضي وجود: "لو" قبها مقدرة كالآية المذكورة، أو ظاهرة كقوله تعالى في آية أخرى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ} 1. ح- هل يجوز إهمال "إذن" مع استيفائها كل شروط الإعمال؟ إن المستحسن غاية الاستحسان عند استيفائها الشروط هو: "الإعمال، ولا سيما اليوم؛ حيث الرغبة شديدة في اتباع الأشهر؛ توحيدا للبيان، ومنعا لفوضى التعبير؛ إلا إذا اقتضت فائدة محققة في اتباع غيره. وقد أجاب مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن السؤال السالف بعد درساة شاملةن وتحقيق واف بما نصه2: "ورد النصب بـ"إذن" في كلام العرب؛ ورودها في القرآن مفصولة بالحرف "لا" ليس يمنع عملها. وكون ورودها في القرآن "قراءة" لا يمنع الاحتجاج به؛ فالقراءات المشهورة كلها مناط احتجاج. ولكن من المعزو إلى بعض قبائل العرب إلغاء عمل "إذن" مع استيفاء شروط الإعمال. وقد نسب إلى البصريين قبول الإلغاء إلا أن ذلك موصوف بالقلة. واستنادا إلى هذا يجاز الإلغاء مع استيفاء الشروط، وإن كان الإعمال هو الأكثر في استعمال العرب". ا. هـ2 ... إلى هنا انتهى الكلام على القسم الأول الناصب بنفسه، ويليه القسم الثاني الناصب بأن مضمرة ...
المسألة 149
المسألة 149: الأدوات الخمس 1 التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا 2: الأداة الأولى: لام الجحود "أي: النفي" وتمهد لها بالأمثلة التالية: ما كان الحر ليقبل الضيم. ... ما كان الطبيب ليتواني عن المريض. ... ما كان العاقل ليسارع في الإتهام. ... ما المعنى الدقيق الذي قصده. لم يكن المتقن ليرضى بالنقص. ... الناطق بإحدى هذه الجمل؟ لم يكن الأدب ليقرأ تافه الكلام. ... لم يكن ربيب السوء لينسى نشأته. ... إن من نطق بالأولى نفى عن الحر نفيا قاطعا أنه قبل في حالة في حالاته
الضيم، أو سكت عليه، مهما كانت الدواعي. فكأنه قال: ما كان الحر مريدا1 قبول الضيمن راضيا به، أو مهيأ لقبوله في وقت ما. فالنفي منصب على ما قبل اللام وما بعدها معا "أي: واقع على الكلام كله" فهو نفي عام لهذا، ولأنه -أيضا- شامل جميع حالات الحر، دون التقييد بحالة معينة، أو الاقتصار عليها. ومن نطق بالثانية نفي عن الطبيب نفيا باتا في جميع أحواله أنه تباطأ في إنقاذ مريضه، وأنه رضي ذلك، أو أراده في صورة من الصور؛ فكأنما قال: ما كان الطبيب مريدا2 التواني مطلقا، ولا راضيا به، مهما كانت حالته وصورته. فالنفي عام ينصب على ما قبل اللام وما بعدها، ويشمل كلا حالات الطبيب؛ فهو عام بسبب هذين الأمرين. والغرض الضمني الذي يرمي إليه الأسلوب من وراء ظاهره هو أن الحر لم يخلق ولم يوجد مطلقا لما نفي عنه، وكذلك الطبيب. ومثل هذا يقال في الصور الأخرى المعروضة. وما يشاكلها؛ فكل منها يرمي إلى نفي شيء نفيا قاطعا ينصب على ما قبل اللام وما بعدها معا، ويشمل جميع الحالات المعنوية التي يتضمنها الكلام -كما يرمي إلى أن الذي نفي عنه ذلك الشيء لم يرض به مطلقا، ولم يهيأ لقبوله، وإنما خلق وهيئ لدفعه ورفضه. فهذا أسلوب يبلغ الغاية في قوة الجحد، إذا اريد به الاتجاه المعنوي السالف. وبملاحظة كل جملة -مما سلف- نجدها تشتمل على أربعة أمور مجتمعة: 1- الفعل الناسخ: "كان" أو "يكون" -دون غيرهما من سائر الأفعال الناسخة أو التامة. وكلاهما يسمى: "فعل كون"، لاشتقاقه من المصدر "كون" الذي يدل على الوجود العام "المطلق".
2- وجود حرف نفي1 قبل فعل "الكون" الناسخ؛ وهذا النافي المسموع هو: "ما"2 أو: "لم" وتختص "ما" بالدخول على: "كان"، الماضية الناسخة، وتختص "لم" بالدخول على المضارع المجزوم: "ين" الناسخ، ولا يصلح للدخول عليه غيرها3. والنفي منصب في الحالتين على معنى كل الكلام الذي يليه، فهو شامل ما قبل اللام وما بعدها. 3- أن فعل "الكون" إما ماض لفظا ومعنى: كالأمثلة الثلاثة الأولى، وإما ماض معنى فقط؛ كالثلاثة الأخيرة التي وقع فيها فعل "الكون" مضارعا مسبوقا بالحرف الجازم "لم"، وهذا الحرف إذا دخل على المضارع قلب زمنه ماضيا -في الغالب- مع ترك صورته اللفظية المجزومة على حالها، فيصير مضارعا في لفظه، ماضيا في زمنه ومعناه. 4- أن فعل الكون الناسخ يليه -مباشرة- اسمه ظاهرا، لا ضميرا، ثم مضارع منصوب، مبدوء بلام مكسورة. أما خبره فعام محذوف، يجب أن يتعلق به الجار مع مجروره. والجار هو "اللام" التي اشتهرت باسم: "لام الجحود"4 والتي تتصل بالمضارع -كما قلنا- والمضارع بعدها منصوب "بأن" مضمرة وجوبا، والمصدر المكون من "أن" وما دخلت عليه من المضارع وفاعله -في محل جر "بلام الجحود". والجار والمجرور متعلقان بالمحذوف العام المنصوب، لأنه خبر الناسخ. والتقدير ما كان الحر مهيأ أو مريدا لقبول الضيم ... أو ما شابه هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعند إعراب المثال الأول نقول: "ما" نافية -"كان": فعل ماض ناقص- "الحر" اسمها مرفوع -"ليقبل": اللام لام الجحود، حرف أصلي- "يقبل": مضارع منصوب "بأن" مضمرة وجوبا، وفاعله مستتر جوازا تقديره: هو "الضيم" مفعول به. والمصدر المؤول من المضارع وفاعله مجرور باللام، والتقدير: له قبول ... والجار مع مجروره متعلقان بمحذوف منصوب خبر "كان" والتقدير: ما كان الحر مهيأ أو مريدا لقبول الضيم ... ولا يختلف إعراب "إن" النافية عن إعراب: "ما"، في شيء مطلقا -عند من يبيح دخول "إن"- فكلاهما يصح أن يحل محل الآخر بغير تفاوت بينهما. ومثل هذا يقال في بقية الأمثلة. مع ملاحظة أن: "لم" حرف نفي جازم، ولا بد بعده من المضارع: "يكن" المجزوم به. من كل ما سبق يتبين معنى: "لام الجحود". وعملها. وأن المضارع ينصب بعدها "بأن" مضمرة وجوبا، بشرط اجتماع الشروط الأربعة السالفة "وهي: أن يسبقها فعل كون عام ناسخ دون غيره من الأفعال -منفي-1 ماض لفظا ومعنى أو معنى فقط -بعده اسمه ظاهرا، يليه المضارع المنصوب المبدوء باللام مباشرة"؛ فإنه فقد شرط من الأربعة لم تكن اللام لام الجحود، ولم يكن الأسلوب داخلا فما نحن فيه ... وجدير بالتنويه أن فاعل المضارع الذي تدخل عليه لام الجحود لا يكون اسما ظاهرا -في الأعم الأغلب- بل يكون ضميرا مستترا جوازا. يعود على اسم الناسخ السابق، ومنع أكثر النحاة أن يكون اسما ظاهرا2 ...
زيادة وتفصيل: أ- اختلف النحاة في الحكم على نوع "لام الجحود". فمن قائل: إنها حرف زائد، وزيادته غير محضة؛ إذ لا يمكن الاستغناء1 عنه؛ لأنها تفيد "الاختصاص"، وتقوية النفي الذي ينصب على ما قبلها، وما بعدها2 أيضا. ومع زيادتها فهي الناصبة للمضارع بنفسها، والفعل وفاعله خبر الكون. ومن قائل: هي زائدة زيادة غير محضة أيضا، ولكن المضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعدها، والمصدر المؤول خبر. وقيل ... وقيل ... وهذه الآراء ضعيفة؛ لأن أكثرها يعارض ويناقض القواعد النحوية العامة. وأقرب الآراء إلى القبول هو الراي البصري، الذي يجعل لام الجحود حرف جر أصلي يفيد تقوية معنى النفي قبلها وبعدها، والمضارع منصوب بعدها "بأن" المضمرة وجوبا. والمصدر المؤول مجرور باللام، والجار والمجور متعلقان بمحذوف عام. وهذا الإعراب هو الشائع بين أكثر النحاة، وهو أقل عيوبا من سواه، ويؤيده بعض الأمثلة الفصيحة التي وردت مشتملة على خبر "الكون" مذكورا كقول القائل: سموت ولم تكن أهلا لتسمو ... ولكن المضيع قد يصيب فذكر الخبر "أهلا" يمنع أن تكون اللام في هذه الأساليب زائدة محضة أو غير محضة، كما يمنع أن يكون المضارع وفاعله هما الخبر فيها، أو المصدر المؤول هو الخبر ... ب- إذا لم يكن الفعل المنفي قبل اللام "فعل كون" لم يصح اعتبارها "لام جحود". ووجب اعتبارها نوعا آخر يناسب السياقن ويساير معنى الأسلوب،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن تكون زائدة، أو للتعليل1. أو للعاقبة ... أو ... والأغلب أن تصلح للتعليل في كثير من الأساليب المنفية، فتدل على أنا ما بعدها علة لما قبلها -وقد تسمى في هذه الحالة "لام كي" كما سبق2، نحو: لم يكذب الشاهد ليساعد المتهم؛ فعدم مساعدة المتهم هو العلة في عدم كذب الشاهد، أي: لم يكذب الشاهد كذبا يكون سببه وعلة حدوثه "أي: الغرض منه" هو مساعدة المتهمن فمساعدة المتهم هنا لم تتحقق؛ فهي منفية. وأساس نفيها وعدم تحققها ما قرروه3: من أن النفي الذي قبل لام التعليل ينصب على ما بعدها، دون أن يشمل معه ما قبلها إلا بقرينة، كما في المثال السالف "وتفسير هذا ما قرروه أيضا من أن الجار والمجرور بعد "لام التعليل" المسبوقة بفعل منفي إنما يتعلقان بذلك الفعل المنفي، ويصيران قيدا فيه؛ فلا يكون نفيه مطلقا خاليا من التقييد، ولكنه مقيد بهما، فالنفي ينصب عليه في حالة واحدة فقط، هي حالة تقيده بهما، دون بقية أحواله المطلقة التي لا تخضع للقيد. وفي هذه الحالة الواحدة يسري النفي إلى القيد فيشمله أيضا "أي: يسري على الجار مع مجروره"، ففي المثال السالف يكون الكذب المنفي نوعا معينا محدودا؛ هو الكذب المقيد بأنه المساعدة المتهمن أما الكذب لغير هذه المساعدة فمسكوت عنه؛ لا يمكن الحكم عليه بشيء؛ فقد يكون منفيا أو غير منفي بقرينة أخرى خارجة عن الجملة. والقيد نفسه "وهو: المساعدة" منفي حتما4.. مثال آخر: ما صلى العابد لينافق. أي: ما صلى العابد صلاة يكون سببها. وعلة أدائها هو: النفاق. فالجار والمجرور المكونان من لام التعليل وما دخلت عليه قد انصب عليهما النفي حتما. وأما ما قبلهما -وهو الصلاة غير المقيدة- فمسكوت عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن شئت فقل: هما متعلقان بالفعل المنفي: "صلى" فهما قيد له، وصار بهما مقيدا، فالصلاة المنفية هي الصلاة المقيدة، بأنها للنفاق، وليست مطلق صلاة. أما الصلاة المطلقة التي لست للنفاق فمسكوت عنها، لا يفهم أمرها ولا الحكم عليها من هذا التركيب؛ فقد تكون موجودة أو لا تكون ... وتوجيهها لأحد الأمرين يحتاج إلى قرينة أخرى خارجة تعينها لهذا أو لذاك، والقيد في الحالين منفي حتما ... 1. وإذ كان الفعل المنفي قبل اللام فعل "كون" غير ناقص لم يصح اعتبارها لام جحود، ووجب توجيهها لشيء آخر، ويكثر أن يكون هو: "العليل" أيضا على الوجه السالف؛ نحو: ما كان الحاكم ليظلم؛ بمعنى: ما وجد الحاكم ليظلم. فالشأن في "كان" هنا كالشأن في كل فعل غير ناسخ يحل محلها من ناحية أن الجار والمجرور منفيان حتما، ويتعلقان به، فيصير مقيدا بهما؛ ويصير معناه بسبب النفي الواقع عليه غير مطلق، وإنما هو مقيد بحالة معينة دون غيرها أما غيرها فمسكوت عنه يحتاج لقرينة خارجة عن الجملة، تبين أمره نفيا وعدم نفي، والقيد "الجار والمجرور المتعلقان به" منفي حتما فكأن الناطق بهذا المثال يقول: ما كان الحاكم "أي: ما وجد وظهر الحاكم" الذي يكون سبب وجوده، وعلة ظهوره: الظلمز فسبب الوجود وعلته هو: الظلم، والظلم منفي، فالمسبب عنه منفي لا محالة أو الجار والمجرور متعلقان بالفعل، فهما قيد له.... و..... وفي هذا المثال لا يصح اعتبار اللام "للجحود"؛ لأن هذا يؤدي إلى مخالفا الواقع الذي يدل على أن كثيرا من الحكام ظالمون. ومن الأمثلة السالفة وأشباهها يتبين أن النفي قبل لام التعليل ينصب على الفعل الذي قبلها في حالة واحدة؛ هي التي يكون فيها مقيدا بهذه اللام الجارة ومجرورها، وليس مطلقا من التقييد، وأن هذا النفي ينصب على ما بعدها دائما "أي: على القيد". فإذا كان الفعل غير مسبوق بنفي لم تكن اللام للجحود. وإذا كان الفعل ناسخا غير "كون" لم تصلح اللام للجحود -كما تقدم-2
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في أصح الآراء؛ فلا يقال: ما أصبح محمد ليهمل عمله، ولم يصبح محمود ليهين غيره ... وما ظننت الأمة الناهضة لتسيء إلى علمائها، ولم أظن الشعوب القوية لتركن إلى الراحة ... قال أبو حيان: "كل هذه التراكيب فاسدة؛ إذ لم يسمع لها نظير في كلام العرب، فوجب منعها وردها" اهـ. ح- يتردد هنا -وفي الأبواب الأخرى- لفظ: "لام التعليل"، و "لام الجحود" فما الفارق الدقيق بينهما؛ بحيث تتميز إحداهما من الأخرى بغير غموض ولا خفاء؟ الفارق بينهما ما أسلفناه من أن لكل واحدة منهما معنى يخالف معنى الأخرى؛ فلام الجحود تفيد النفي العام، ولام التعليل تفيد التعليل "أي: أن ما بعدها علة وسبب فيما قبلها" على الوجه الذي شرحناه في كل منهما". وشيء آخر؛ هو أن النفي مع لام الجحود مسلطا على ما قبلها وما بعدها معا في كل حالاتهما؛ فهو منصب على الكلام كله؛ لأن ما قبلها كون عام منفي، وخبره المحذوف أمر عام منفي، فيتسر إليهما النفي منه حتما؛ لدخولها فيما يشتمل عليه ... ، ويؤثر فيه بالنفي؛ كالأمثلة التي في أول البحث؛ حيث يعم النفي ما قبل لام الجحود وما بعدها، ويكون شاملا غير مقيد يخرج بعض الحالات. أما لام التعليل. فالنفي قبلها داخل على فعل خاص، ليس كونا عاما، وغنما هو فعل مقيد بالجار والمجرور "وهما: لام التعليل، وما دخلت عليه"؛ فالنفي منصب على هذا لفعل المقيد؛ أي: منصب عليه في حالة تقيده -وهي حالة واحدة، دون غيرها من الحالات الأخرى الكثيرة التي لا تدخل في التقييد؛ والتي هي مسكوت عنها، كما قدمنا- فلا يحكم على تلك الحالات الأخرى بالنفي أو بعدمه إلا بقرينة خارجة عن الجملة. والقيد "وهو لام التعليل ومجرورها" -منفيان حتما، لتعلقهما بالفعل الخاص المنفي. فالمعنى بعد لام التعليل منفي. أما قبلها فلا يتعين النفي إلا في الصورة الواحدة التي شرحناها وهي التي يكون فيها الفعل مقيدا بالجار مع مجروره؛ فمعنى الفعل فيها ليس عاما1 مطلقا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبناء على ما سبق اشترطوا لصحة "لام الجحود" ألا ينتقض النفي بعدها بشيء؛ مثل "إلا1 الاستثنائية" -أو إحدى أخواتها- فلا يقال: ما كان الحر إلا ليقبل الضيم؛ لأن "إلا" هذه تنقض النفي السابق عليها؛ وتجعل ما بعدها مثبتا. وهذا مخالف لما تتطلبه لام الجحود من نفي ما قبلها وما بعدها معا بالحرف النافي المذكور في صدر جملتها. ولم يشترطوا هذا في لام التعليل فأجازوا: ما حضر المتعلم إلا ليستفيد، فصدر الجملة ينفي الحضور عن المتعلم، وعجزها الواقع بعد "إلا" ينفي ذلك النفي وينقضه، ويثبت الحضور ... ، وأنه لاستفادة المتعلم؛ فكأن الجملة: حضر المتعلم ليستفيد. د- هل يصح حذف "لام الجحود"؟ وهل يصح حذف فعل "الكون" قبلها؟ يجيز الحذف بعض النحاة، معتمدا على ظاهر أمثلة واردة عن العرب، وقد تصدى لبحثها بعض المحققين، وانتهى منها إلى أن المحذوف فيها لا يتعين أن يكون أحدهما، بل يستقيم المعنى على تقديره، أو تقدير غيره؛ فلا داعي لإباحة حذف واحد منهما.
الأداة الثانية: "أو" العاطفة1 التي بمعنى: "حتى"، أو "إلا" الاستثنائية: ينصب المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد "أو" العاطفة في موضعين: أحدهما: أن تكون "أو" العاطفة صالحة للحذف، ووضع "حتى" في مكانها من غير أن يتغير المعنى؛ سواء أكانت: "حتى" دالة على الغاية، أم دالة على التعليل. أ- فالدالة على الغاية: "ويسمونها: "الغائية" أو: التي بمعنى: "إلى"" هي التي ينقضي المعنى قبلها شيئا فشيئا، لا دفعة واحدة، ويتم انقضاؤه بمجرد وقوع ما بعدهان وتحقق معناه؛ فإذا وقع ما بعدها انقطع ما قبلها نهائيا. وذلك بأن يكون لما قبلها نوع امتداد زمني، واستمرار معنوي متلاحق، لا ينقطع ولا يتوقف نهائيا إلا بتحقق ما بعدها وحصوله، فإذا تحقق ما بعدها وحصل انقطع المعنى قبلها بمجرد هذا التحقق والحصول؛ نحو: أقرأ الكتاب، أو أتعب، "أي: حتى أتعب، أو: إلى أن أتعب"، فقراءة الكتاب تتطلب وقتا، يتابع بعضها بعضا فيه، ولا تتم دفعة واحدة بغير استمرار زمني محدد، فإذا حصل التعب -وهو المعنى الذي بعد "أو"- انتهت القراءة وانقضت بمجرد حصول هذا التعب. ونحو: أتناول الطعام أو أشبع. "بمعنى: حتى أشبع، أي: إلى أن أشبع" فتناول الطعام لا يتم دفعة واحدة؛ وإنما يستغرق وقتا يتوالى فيه بعضه وراء بعض، ويستمر هذا حتى يحصل الشبع يتحقق -وهو المعنى الذي بعد: "أو"- فإذا حصل وتحقق انقطع تناول الطعام. ومثل: "أنام الليل أو يطلع الفجر، وأصلي الصبح وأتعبد أو تشرق الشمس2 ...
فالحرف "أو" فيما سبق حرف عطف بمعنى "حتى" الجارة1. ولكنه لا يعرب حرف جر2 ... ب- والدالة على "التعليل" "ويسمونها: "أو التعليلية" أي: "التي بمعنى: "كي التعليلية"، أو "لام التعليل" يكون ما بعدها علة لما قبلها؛ نحو: لأرضين الله أو يغفر لي، بمعنى: حتى يغفر، أو: كي يغفر لي، فما بعد "أو" -وهو: المغفرة- علة فيما قبلها، وهو إرضائي الله. ولا تصح أن تكون "أو" هنا بمعنى: "حتى" الغائية"؛ لفساد المعنى؛ إذ يكون: سأرضي الله إلى أن يغفر لي، فإذا تحقق الغفران انقطع إرضائي له، وأغضبته ... ومن الأمثلة: أحاذر العدوة أو أسلم، وأحرص على التوقي أو أنجو من المرض. فأو بمعنى: "حتى التعليلية" ولا تصلح الغائية، لفساد المعنى معها ... و"أو" تعرب هنا حرف عطف. ولا يصح إعرابها حرف جر أو شيئا غير العطف، بالرغم من أنها بمعنى "حتى" التعليلية الجارة2.. والآخر: أن تكون "أو" بمعنى: "إلا" الاستثنائية؛ وهذا حين لا يصلح في موضعها "حتى" بنوعيها السالفين؛ "وهما: الغائبة، والتعليلية". فلا بد من الالتجاء أول الأمر إلى: "حتى" ووضعها في مكان: "أو"، فإن لم يستقم المعنى معها قصدنا "إلا" الاستثنائية. نحو: تهوي الطائرة أو تسلم من الخلل، وتسقط أو تبرأ من الفساد ... أي: إلا أن تسلم -إلا أن تبرأ ... ونحو: يقتل النمر بالرصاص أو تخطئه الرصاصة ... ويحرص الصياد
على جلده، أو يعجز عن سلخه. فلفظ "أو" في الأمثلة السالفة بمعنى: "إلا" ولا يصلح غيرها. ومع أنه بمعناها -يعرب حرف عطف، ولا يصح اعتباره حرف استثناء ... فإن لم تصلح "أو" العاطفة لأن تكون بمعنى: "حتى" أو: "إلا" لفساد المعنى بوضع أحد هذين في موضعها، كانت لمجرد العطف1؛ فلا ينصب المضارع بعدها، إلا أن اقتضى المعنى بعدها نصب المضارع لسبب آخر غير السالف2 ... ، فإن اقتضى المعنى نصب المضارع لسبب غير ما تقدم: وجب نصه "بأن" أيضا، ولكن يجوز إظهارها وإضمارها، كقول أحد الولاة لشاعر هجاء؛ "لولا شعرك الجيد أو يحرم أولادك عائلهم لقطعت لسانك. فلا عفو بعد اليوم، أو أقبل شفاعة". ويصح إظهار "أن" فنقول: أو أن يحرم أولادك ... وأن أن أقبل شفاعة. وفي كلتا الحالتين يعرب المصدر المسبك من "أن" "الظاهرة أو المضمرة جوازا" مع ما دخلت عليه معطوفا. أما المعطوف عليه فلا بد أن يكون اسما صريحا قبل "أو"3، وهو هنا: "شعر، وعفو". والتقدير: لولا شعرك، أو حرمان أولادك ... فلا عفو أو قبول شفاعة ... ومن هذا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} بمعنى: أو أن يرسل رسولا. فالمضارع "يرسل" منصوب" "بأن" مضمرة جوازا، وفاعله مستتر جوازا، تقديره: هو، والمصدر المؤول معطوف على الاسم الصريح: "وحيا" والتقدير: إلا وحيا أو إرسالته رسولا.. ملاحظة: لما كانت "أو" التي ينصب بعدها المضارع بأن المضمرة وجوبا أو جوازا، حرف عطف -وجب أن يكون المصدر المؤول بعدها معطوفا على
شيء قبلها يناسبه1؛ "كمصدر صريح، أو مؤول، وكاسم جامد ليس بمصدر ... " فإن وجد في الكلام السابق معطوف عليه مذكور، عطفنا عليه المصدر المؤول الذي بعد "أو" كما في الأمثلة الأولى، وكما في الأمثلة الأخيرة "وهي: لولا شعرك الجيد أو يحرم ... -فلا عفو أو أقبل شفاعة ... - إلا وحيا أو يرسل رسولا.." وإن لم ذكر في الكلام السابق معطوف عليه تصيدنا من ذلك الكلام اسما جامدا، مصدرا كان أم غير مصدر، وجعلنا المعطوف عليه. والأنسب أن يكون مصدرا -لا اسما جامدا محضا؛ ليكون المعطوف والمعطوف علهي متناسبين، في المصدرية. ويقول النحاة: إن تصيد هذا المصدر -المعطوف عليه- من الكلام الذي قبل "أو" لا يحتاج في تلمسه إلى ضابط معين، ولا إلى طريق خاصة. وكل ما يشترط فيه أن يكون ملائما المعنى، مسايرا السياق الصحيح2 ... وفيما يلي بعض الأمثلة السالفة الخالية من ذكر المعطوف عليه صراحة، ثم اشتمالها عليه بعد تصيده:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجري على المضارع المنصوب بأن المضمرة بعد: "أو" جميع الأحكام الخاصة بالمضارع المنصوب بأن المصدرية1 من السبك، والفصل، وعدمه ... ب- صرحنا فيما سبق أن: "أو" التي بمعنى: "حتى" أو" إلا" هي حرف عطف، ولا يصح إعرابها حرف جر، أو حرف استثناء تبعا للحرف الذي يصلح في موضعها؛ فهي بمعناه فقط، وليست مماثلة له في إعرابه؛ فلكل منهما إعرابه الخاص به. وهو يخالف إعراب الآخر. ولهذا السبب وجب إعراب المصدر المؤول بعد "أو" معطوفا على شيء قبلها، ولا يصح إعرابه مجرورا، أو مستثنى، برغم أن "أو" بمعنى: "حتى" الجارة أو "إلا" الاستثنائية. ح- قد تصلح "أو" السالفة لأن تكون بمعنى: "حتى" أو "إلا" عند عدم قرينة تعينها لأحدهما؛ ولكن يختلف المعنى في كل صورة؛ نحو: لألزمنك أو تسدد لي ديني. فيصح أن تكون "أو" هنا بمعنى "حتى"، أو "إلا" والمعنيان مختلفان. د- من الملاحظ أن "أو" السالفة تقع بين معنيين مختلفين؛ أحدهما قبلها، والآخر بعدها، والأول محقق الوقوع أو مرجحة حتى يقع ما بعدها، وحصول الثاني ووقوعه مشكوك فيه غالبا؛ فقد يقع أو لا يقع. فإذا أريد الدلالة على أن ما قبلها وما بعدها متساويان في الشك وجب توجيهها للعطف المجرد، ووجب رفع المضارع بعدها؛ ليكون الرفع شارة وعلامة على هذه المساواة في الشك. بخلاف ما لو أريد الدلالة على أن الأول محقق الوقوع أو مرجحه، وأن الثاني وحده هو المشكوك في حصوله؛ فيجب نصب المضارع حتما بأن مضمرة وجوبا بعد "أو"؛ ففي مثل: أسافر يوم الجمعة أو أستريح ... -يصح رفع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع: "أستريح" على إرادة أن السفر والاستراحة متساويان من ناحية وقوعهما أو عدم وقوعهما؛ فكلاهما مشكوك في حصوله، غير مقطوع بواحد منهما. ويصح نصب المضارع "أستريح" على إرادة أن الأول -وهو: السفر- محقق الوقوع والحصول، أو كالمحقق، وأن الراحة مشكوك فيها؛ فقد تحصل أو لا تحصل، وأن المعنى أسافر حتى أستريح، أو لا أن أستريح. فالسفر ليس موضع شك؛ وإنما الشك في الاستراحة؛ إذ لا يدري المتكلم أتتحقق أو لا تتحقين؟ ومثل المساواة في الشك المساواة في غيرها من المعاني الأخرى التي تدل عليها "أو" المتجردة للعطف المحض1. لهذا كان استعمال: "أو" في معناها الصحيح محتاجا إلى يقظة ودقة فهم ...
الأداة الثالثة 1: "حتى" الجارة للمصدر المنسبك من "أن" والجملة المضارعية:
والكلام عليها -هنا- يتجه إلى ناحية معناها، وعملها، وحكم المضارع بعدها.
أ- فأما معناها فالدلالة على "الغاية"، أو: على "التعليل"، أو: على "الاستثناء". فتدل على الغاية إذا كان المعنى بعدها نهاية حقيقة لمعنى قبلها ينقضي تدريجا لا دفعة واحدة، ولا سريعا، ويترتب على تحقق المعنى الذي بعدها أن ينقطع المعنى السابق فورا، وأن يتوقف بمجرد تحقق اللاحق وحصوله؛ نحو: "يمتد الليل حتى يطلع الفجر" -"يزداد الحر نهار الصيف حتى تغيب الشمس، ويزداد البرد ليل الشتاء حتى تشرق"- "يسرع القطار حتى يدخل المحطة، والطائرة حتى تدخل حظيرتها" ... فامتداد الليل يستمر تدريجا إلى أن يظهر الفجر، وعند ظهوره ينقطع الامتداد ويختفي. وازدياد الحر يدوم إلى أن تختفي الشمس، ومتى اختفت انقطع الازدياد وتوقف ... وهكذا بقية الأمثلة ونظائرها مما تقع فيه: "حتى" دالة على الغاية "أي: على نهاية المعنى الذي قبلها، وانقطاعه، بسبب ظهور معنى جديد بعدها، وابتداء حصوله وتحققه"، ولذا يسمونها: "حتى الغائية" أو: "حتى التي بمعنى: إلى": لدلالة كل واحدة منهما على انتهاء ما قبلها بمجرد حصول ما بعدها. ولا بد أن يكون المعنى السابق من الأمور التي تنقضي شيئا فشيئا -كما نرى- فلا ينقضي مرة واحدة، ولا ينقطع بغير تمهل. والضابط الذي تتميز به "حتى الغائية" من غيرها هو صحة حذفها، وإحلال "إلى"1 محلها من غير أن يفسد المعنى، أو التركيب.
وتدل على "التعليل" إذا كان ما قبلها سببا وعلة فيما بعدها1؛ نحو: "نقرأ الصحف حتى نعرف الشئون الداخلية والخارجية، ونستمع إلى الإذاعة حتى نعلم ما يدور في البلاد المختلفة"؛ فقراءة الصحف هي السبب في معرفة الشؤون الداخلية والخارجية، والاستماع إلى الإذاعة هو السبب في العلم بما يدور في البلاد المختلفة. فما قبل: "حتى" هو العلة والسبب فيما بعدها2؛ ولهذا، تسمى: "التعليلية". ومن الأمثلة أيضا؛ "تحرص الأمم على نشر التعليم حتى تنهض وتقوى، وتتنافس في ميادين الصناعة حتى تفوز بأكبر قسط من مزاياها، وتتسابق إلى كشف الكواكب حتى تستأثر بما فيها" ... وتدل على "الاستثناء" -كإلا- إذا لم تصلح للدلالة على الغاية أو على التعليل؛ فلا بد من القطع بعدم صلاحتها "للغاية، أو للتعليل" قبل جعلها للاستثناء الخالص. نحو: "لا يصلح الوالي للحكم حتى يلتزم العدل، ويحرص عليه" ... والتقدير: لا يصلح الوالي للحكم إلا أن يلزم العدل". "فحتى" هنا بمعنى: "إلا" -وعند التقدير نقول معناها: "إلا أن"، فتظهر "أن" بعد "إلا" في حالة التقدير فقط، لمجرد الإيضاح، ولا يصح إظهار بعد "حتى"- ولا تصلح أن تكون "غائية" ولا "تعليلية"؛ إذ لو كانت "غائية" لوجب أن ينقضي المعنى قبلها تدريجيا -كما سبق- والنفي من المعاني التي تنقضي دفعة واحدة؛ لأنه حكم بالسلب على أمر، والحكم بالسلب ينصب سريعا، دفعة واحدة؛ لا تدريجا -في الصحيح3 ...
ولو كانت "تعليلية" لوجب أن يكون ما قبلها سببا وعلة فيما بعدها. وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه؛ إذ ليس عدم صلاح الوالي للحكم هو السبب في أنه يلتزم العدل. ومن أمثلة "حتى" التي بمعنى: "إلا" قول علي رضي الله عنه: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"1. وكذلك قول شوقي: وما السلاح لقوم كل عدتهم ... حتى يكونوا من الأخلاق في أهب2 ...........................................3 ... .....................................
ب- وأما عملها: فالجر باعتبارها حرف جر أصلين بشرط أن يكون المضارع بعدها منصوبا بأن المصدرية، المضمرة وجوبا. وهذا النوع الجار من أنواع "حتى" "وهو الذي يعنينا هنا" لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" المصدرية مع صلتها الجملة المضاريعة. ففي مثل: "الصبر يحمي النفس الحزينة، حتى تفيء إلى السكينة، يكون الإعراب: "حتى" حرف جر "تفيء" فعل مضارع، منصوب "بأن" المضمرة وجوبا بعد "حتى". والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: "هي". والمصدر المسؤول من "أن" وما دخلت علهي من الجملة المضارعية مجرور "بحتى". والتقدير: حتى إفاءتها ... وهذا الجار ومجروره متعلقان بالمضارع: "يحمي" ... وهي تعمل الجر دائما ولو كان معناها: "الاستثناء"؛ فشأنها في الاستثناء والجر معا كشأن "خلا، وعدا، وحاشا"، وهذه الثلاثة حروف جر، ومعناها: الاستثناء. ح- وأما حكم المضارع بعدها: فتارة يجب رفعه؛ فتكون ابتدائية1، وتارة يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا، فتكون جارة للمصدر المؤول بالطريقة التي أوضحناها، وتارة يجوز فيه الأمران؛ فتكون ابتدائية عند رفعه، وجارة عند نصبه بالحرف المصدري "أن". وفي كل أحوال المضارع لا يجوز أن يفصل بينه وبين "حتى" فاصل مذكور أو مقدر إلا "أن" المضمر وجوبا2 في حالة نصبه. 1- فيجب رفعه في كل حالة تستوفي ثلاثة شروط مجتمعة3:
الشرط الأول: أن يكون زمن المضارع للحال حقيقة أو تأويلا، والحال الحقيقية -كما سلف-1 هي التي يقع فيها الكلام؛ فزمنها زمن النطق بالكلام المشتمل على "حتى". أي: أن الزمن الذي يحصل فيه الكلام هو نفسه الزمن الذي يجري فيه -أول مرة-2 معنى المضارع التالي لها. فلا بد أن تجمع الحال الحقيقية بين الأمرين؛ وهما: الكلام المشتمل على "حتى"، وحصول معنى المضارع الذي يتلوها؛ بحيث يتكلم الناطق بها وبجملتها في وقت تحقق معنى المضارع وحصوله أول مرة؛ نحو: "ينساب هذا الماء بين الزروع حتى تشرب" فالشرب -وهو معنى المضارع التالي: "حتى"- يتحقق ويحصل فعلا أول مرة في الوقت الذي يتكلم فيه المتكلم بالجملة؛ فزمن النطق والشرب واحد؛ هو: الزمن الحالي، وهو الذي يجمع بينهما. ومثل: "يسمع الطبيب دقات القلب الآن حتى يعرف أمره. ويجس نبض المريض حتى يسترشد به في معرفة الداء". بشرط أن يقال هذا في وقت استماع الطبيب للدق، وجس النبض. ومثل: "أشاهد العواصف تشتد الساعة حتى تقتلع الأشجار، وتزداد شدة وعنفا حتى تهدم البيوت، وتغرق السفن، وتسقط الطائرات" ... بشرط أن يكون الزمن الذي يتحقق فيه معنى الأفعال المضارعة التالية "حتى" في كل ما سبق هو زمن النطق بالكلام، فكأن الناطق بالمضارع الحالي الزمن يقول: الأمر الآن كذا وكذا، أي: شأنه في الحال القائمة كذا وكذا ... فالمضارع في الأمثلة السالفة -وأشباهها- مرفوع وجوبا3. و"حتى" حرف ابتداء، يدل على أن الجملة بعده جديدة مستقلة عما قبلها في الإعراب دون المعنى؛ إذ لا بد من اتصالها فيه -كما عرفنا. ولا مانع أن يستمر معنى المضارع الحالي الزمن؛ فيمتد وقته بعد انتهاء
النطق بالجملة المشتملة على: "حتى" وإنما الممنوع أن ينقضي معناه قبل النطق بكلمة "حتى"؛ فيكون ماضي المعنى. أو أن يتأخر بدء تحققه إلى ما بعد النطق بها والفراغ منها؛ فيكون تحققه في زمن مستقبل حقيقي بالنسبة لها؛ إذ يتحقق بعد الانتهاء من التكلم بجملتها. أما الحال المؤولة "أو: المحكية" فلها صورتان، لا بد في كل منهما من قرينة تدل على حكايتها. الصورة الأولى: الزمن الماضي المؤول بالحال، وهو الذي يكون فيه معنى المضارع قد تحقق وانتهى فعلا قبل النطق بالجملة، وكان المناسب أن يذكر الفعل بصيغة الماضي، ولكنه يعاد ذكره بصيغة المضارع بقصد حكاية الحال1 لماضية التي ترشد إليها القرينة -بالطريقة التي شرحناها2.. وفي هذه الصورة التي يكون فيها زمن المضارع حالا1 ماضية ولكنها مؤولة -يجب رفعه، وتكون "حتى" ابتدائية؛ كما وجب رفعه في الزمن الحالي حقيقة وكانت فيه "حتى" ابتدائية أيضا. ومن أمثلة الحال الماضية المؤولة أن يقول أحدنا اليوم "هذا زهير الشاعر الجاهلية، يراجع قصيدته حتى تجود بعد حول في مراجعتها؛ فيذيعها، ولذا تسمى قصائده: "الحوليات" ... ". فمعنى المضارع -وهو الجودة بعد الحول- أمر فات حقا قبل النطق بكلمة: "حتى" وبجملتها. كفوات المراجعة. وزمن الأمرين في حقيقته ماض، ولكن التحدث عنهما بصورة المضارع -قصد به حكاية ما مضى، وإرجاع ما فات، على تخيل أنه يقع الآن -في وقت الكلام- أو على تخيل أن المتكلم قد ترك زمانه الذي يعيش فيه، ورجع إلى الزمن السالف الذي يتحقق فيه المعنى أمامه ساعة النطق، وكأنه من أهل ذلك العصر القديم. ووجود الرفع هنا يعتبر الدليل على الحكاية3، وعلى ما يترتب عليها من أثر معنوي.
ويسمى هذا الاتجاه: "حكاية الحال الماضية"، أي: إعادة حالة سبقت وحادثة وقعت، وترديد قصتها وقت الكلام، وكأنها تحصل أول مرة ساعة النطق بها، مع أنها -في حقيقة الأمر- قد حصلت من قبل، وانتهى أمرها قبل ترديدها. وهذه الصورة الغالبة في الحكاية. والغرض من "حكاية الحال الماضية" هو الإشعار بأهمية القصة، وبصحة ما تضمنته من معنى قبل "حتى" وبعدها؛ لادعاء أنها تقع الآن -في وقت الكلام- وأن ما بعد "حتى" مسبب عما قبلها، وغاية له، فيثور الشوق إلى سماعها ويمتزج السامع بجوها. ومن الأمثلة أيضا: "انظر إلى الفراعين يبنون قبورهم في حياتهم منحوته في الصخر الأصم حتى تستريح نفوسهم لصلابتها وقوتها، وربما أخفوها حتى يأمنون الأيدي الغابثة بها ... " فزمن بناء القبور قد انتهى وانقضى، وكذلك الاستراحة، والإخفاء، والأمن ... فكان المناسب ذكر هذه المعاني بصيغة الماضي لا المضارع، ولكن جيء بالمضارع على سبيل "حكاية الحال الماضية"؛ ليكون من وراء ذلك توجيه الأنظار إلى القصة الهامة العجيبة، وأنها صحيحة؛ كأنها تقع الآن أمامنا ساعة التكلم بما يلابسها من غرائب؛ وكأن التكلم يطلب إلى السامع التنبه إلى ما يحيط بها، وأن يستعيد صورتها كاملة ويعيش -ساعة سماعها- في جو يشابه الجو الحقيقي الذي ولدت فيه أول أمرها، دون الاكتفاء بالسماع المجرد. أو يريد منه أن ينتقل بخياله إلى العصر الحقيقي الذي وجدت فيه، ليشاهد وقت الكلام نشأتها، وتحققها هناك. فالتعبير عن القصة الماضية بصيغة المضارع و"الحال المحكية" يجعل القصة الماضية بمنزلة ما يحصل أمامنا الآن، أو يجعلنا بمنزلة من تقدم بهم الزمان فشاهدوها في وقتها الحقيقي السالف. والأمران على سبيل التخيل المحض، ولهذا يعتبر زمن المضارع حاليا تأويلا1، لا حقيقة، ويجب
رفعه مراعاة لهذه الحالية التأويلية. ولا بد في حكاية الحالة هذه من قرينة تدل على الحكاية. والصورة الثانية: -وهي صورة أقل استعمالا من الأولى- ويراد بها حكاية الحالة المستقبلة التي لم تقع بعد، والتعبير عنها بما يدل على أنها تقع الساعة، وتحصل الآن "أي: وقت الكلام" مع أنها لم تقع ولم تتحقق قبل الكلام، ولا في أثنائه. والغرض منها: إفادة القطع بمجيئها، وأنها آتية لا محالة، فهي بمنزلة ما وقع وتحقق، أو يقع ويتحقق في أثناء الكلام. ولا بد في هذه الحكاية من قرينة تدل عليها. ومن أمثلتها قول أحدهم: "ويل للمشرك يوم القيامة، إني أراه الآن يتلفت حتى يجد الشفيع ولا شفيع يومئذ، وأمعه يصرخ حتى يسمع النصير، ولا نصير".
الشرط الثاني: من شروط رفع المضارع بعد "حتى"1 ... : أن يكون ما بعدها مسببا عما قبلها؛ كالأمثلة السالفة -ليقع الربط بين ما قبلها وما بعدها-2 فإن لم يكن مسببا عما قبلها لم يصح رفع المضارع، ووجب اعتبارها جارة ينصب بعدها "بأن" مضمرة؛ وجوبا -نحو: "يقضي هؤلاء الزراع نهارهم في العمل حتى تغرب الشمس". فغروب الشمس ليس مسببا عن قضاء النها رفي العمل، فيجب نصب المضارع: "تغرب"، ولا يجوز رفعه ... ؛ ونحو: "يحرص هذا البخيل على ماله حتى يموت"، فالموت ليس مسبا عن البخل؛ ولهذا يجب نصب المضارع ... الشرط الثالث: أن يكون ما بعد "حتى" فضله "أي: تم الكلام قبله من الناحية الإعرابية كالأمثلة المتقدمة" لا جزءا أساسيا في جملة لا تستغني عنه في إتمام ركنيها الأصليين؛ "فلا يكون خبرا لمبتدأ3، أو خبرا لناسخ4 ... ،..." فإن لم يكن فضلة لم يصح الرفع، ووجب النصب بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى"، نحو: "عملي حتى تغرب الشمس -كان عملي حتى تغرب الشمس- إن عملي حتى تغرب" ... فالمصدر المنسبك من "أن" المضمرة وما دخلت عليه مجرور بـ"حتى" والجار والمجرور خبر المبتدأ، أو خبر الناسخ ... "ملاحظة": علامة كونه حالا أو مؤولا به صحة الاستغناء عن "حتى" مع وضع "الفاء" الداخلة على كلمة: "الآن" مكانها؛ فلا يتأثر المعنى، ولا الأسلوب5 ... ويجب حينئذ أن يكون ما بعدها فضلة. ومسببا عما قبلها.
2- ويجب نصب المضارع في كل حالة من الحالات الثلاث السالفة التي لا تصلح للرفع؛ وهي: أ- أن يكون زمنه -وقت التكلم- ليس حالا، حقيقة ولا تأويلا، بأن كون زمنه ماضيا1 خالصا، أو مستقبلا خالصا، فمثال الماضي المحض؛ "في سنة عشرين من الهجرة تم فتح مصر على يد العرب حتى ينقدوها من ظلم الرومان" ... فالفتح والإنقاذ وقعا في زمن خالص المضي، وبقيا هنا على حالهما من غير تأويل زمنهما بالحال. ومثل: "بنى العباسيون مقياسا للنيل بجزيرة الروضة2 حتى يعرفوا زيادته ونقصه". ومثال المستقبل الحقيقي: "في الشهر القادم يزور بلادنا وفود من العلماء الأجانب حتى يطلعوا على مظاهر الحضارة والتقدم عندنا، وسننتهز فرصة وجودهم للانتفاع بعلمهم وتجربتهم حتى تقوم مشروعاتنا العمرانية الجديدة على أسس علمية وفنية صحيحة"؛ فالمراد: لكي يطلعوا في المستقبل "الشهر القادم" على مظاهر الحاضرة، ولكي تقوم مشروعاتنا في المستقبل على أسس علمية بعد زيارتهم، وكذلك بعد انتهاز الفرصة للانتفاع بهم. والزمن المستقبل هنا هو الزمن الاتي حقا، ولا يكون مجيئهم إلا بعد انتهاء الكلام، وقول الشاعر: يا ليت من يمنع المعروف يمنعه ... حتى يذوق رجال غب ما صنعوا أي: لأجل أن يذوق أولئك الرجال في المستقبل غب ما صنعوه. والمستقبل
هو الزمن الذي يأتي بعد أن يذوقوا المنع1 ... ب- أن يكون ما بعد "حتى" غير مسبب عما قبلها؛ فينصب المضارع وجوبا في هذه الصورة؛ نحو: "أصوم يومي هذا حتى يجيء المغرب"، فمجيء المغرب ليس مسببا عن الصيام. ونحو: "يتسابق السباحون حتى ينتهي الوقت"، فانتهاء الوقت ليس مسببا عن التسابق ... ح- أن يكون ما بعد "حتى" غير فضلة. فينصب المضارع وجوبا إذا كان ما بعدها جزءا أساسيا في الإعراب من جملة قبلها ... ؛ نحو: سهري حتى أنجز عملي. أو: كان سهري حتى أنجز عملي ... أو: إن سهري حتى أنجز عملي ... فكلمة: "حتى" في الحالات الثلاث حرف جر أصلي، والمضارع بعدها واجب النصب "بأن" مضمرة وجوبا. و"أن" وما دخلت عليه من المضارع وفاعله في تأويله مصدر مجرور "بحتى"، والجار والمجرور متعلقان بعامل مناصب في الكلام. أما معناها في هذه الحالات فخاضع لما يناسب كل حالة؛ فقد يكون الدلالة على الغاية، أو الدلالة على التعليل. أو على الاستثناء، طبقا لما شرحناه2، ولا مانع أن تجيء "حتى" صالحة للدلالة على أكثر من معنى واحد، عند فقد القرينة التي تعين معنى دون غيره. 3- ويجوز رفع المضارع ونصبه إذا كان معناه مستقبلا بالنسبة للمعنى الذي قبل: "حتى" بأن يكون المعنى بعدها قد تحقق قبل الزمن الحالي كما تحقق المعنى قبلها؛ فكلاهما قد وقع وتحقق فعلا قبل النطق بالكلام الذي قبلها والذي بعدها ... غير أن تحقق معنى المضارع تأخر عن تحقق المعنى السابق عليها؛
فهو مستقبل بالنسبة للسابق، أي: أن المعنيين قد وقعا وحصلا قبل النطق بالكلام، ولكن أحدهما وهو الذي قبل "حتى" -أسبق في زمن تحققه وحصوله من المتأخر عنها؛ ولهذا يعتبر المتأخر في زمنه "وهو ما يلي "حتى" مستقبلا بالنسبة لما قبلها1؛ لتحقق معناه بعد ذلك المتقدم عليها. وكل هذا بغير: "حكاية الحال الماضية" ويغير تخيل أنها قائمة الآن2 بطريق الحكاية. ومن الأمثلة ما قاله أحد المؤرخين: "بنى المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة حتى تكون مقرا لحكمه، ومأوى يتسع لأعوانه وجنده. ولما تم بناؤها عرت عليه أسماء كثيرة حتى يختار منها اسما؛ فاختار لها: "القاهرة" ... " فالمعنى قبل "حتى" -وهو بناء القاهرة- قد تحقق وفات. وكذلك اتخاذها مقرا للحكم ومأوى. إلا أن البناء تحقق أولا، ثم تحقق بعد المقر. فالمقر معنى متأخر في زمن حصوله على زمن البناء، ولهذا يعتبر مستقبلا بالنسبة لزمن البناء ... وكذلك تمام بنائها أمر فات وانتهى، ومثله اختيار اسم لها. فالمعنيان قد فاتا وانقضى زمنهما. غير أن اختيار الاسم متأخر عن تمام البناء، فهو مستقبل بالنسبة لتمام البناء، بالرغم من أن كلا منهما قد انتهى وانقضى. ولكن أحدهما "وهو ما يلي "حتى" متأخر في زمنه عما سبقها ... ؛ وبسبب هذا التأخر كان مستقبلا بالنسبة للسابق، من غير حكاية حال ماضية، ولا تخيل إرجاعها. ومن الأمثلة أيضا قول مؤرخ آخر: "استطاع المسلمون الأوائل فتح فارس. والشام، ومصر، في شهور قلائل؛ لأن سلطان العقيدة غلب كل سلطان آخر، فوجب الرجل منهم نفسه للقتال حتى ينتهر أو يموت شهيدا، لا يعرف التردد، ولا الفرار، ولا الخيانة. وخاض المعركة حتى يبلغ أمنيته في النصر أو الاستشهاد ... ؛ فالمعنى قبل "حتى" -وهو: الهبة للقتال- قد مضى وانتهى. وكذلك المعنى بعدها؛ وهو: النصر، أو الموت. إلا أن الهبة أسبق في مضي زمنها؛ ولذا يعد الثاني -وهو المتأخر في زمن انقضائه- مستقبلا بالنسبة للأسبق.
ومثل هذا يقال في خوض المعركة، وفي بلوغ الأمنية، فكلاهما ماضي المعنى قد فات وقته حقا، إلا أن خوض المعركة أسبق في المضي من بلوغ الأمنية، فكان بلوغ الأمنية -بسبب تأخر زمنه- مستقبلا بالنسبة لخوض المعركة. وجواز الفرع والنصب في هذه الحالة وأشباهها قائم على أساس التأويل؛ فالرفع على تخيل زمن المضارع حالا مؤولة افتراضا، من غير حكاية؛ لأن المضارع الذي للحال المحكية يجب رفعه -كما تقدم-1 والنصب إما على اعتباره مستقبلا بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى"، لا بالنسبة لزمن التكلم. وإما على اعتبار العزم والنية على تحقيق معنى المضارع قبل وقوع معناه. وفي صورة رفعه تكون "حتى" ابتدائية، وفي صورة نصبه تكون جارة والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا -كما أسلفنا. ومن الخير عدم استعمال هذه الصورة القليلة التي يصح فيها الأمران1، وإهمالها قدر الاستطاعة. فملخص الحالات الثلاث الخاصة بالمضارع الواقع بعد "حتى"، هي: أ- وجوب رفعه واعتبار "حتى" ابتدائية -إذا كان زمنه للحال حقيقة أو تأويلا2، وكان مسببا عما قبله، وفضله. فوجوب الرفع لا يتحقق إلا باجتماع هذه الشروط الثلاثة. ب- وجوب نصبه بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى" مع اعتبار "حتى" حرف جر، إذا كان زمن المضارع ماضيا حقا، أو مستقبلا استقبالا حقيقيا
بغير تأويل فيهما، أو كان زمنه للحال، ولكنه فقط شرط "السببية"، أو شرط "الفضلة"1 ... ح- جواز رفعه ونصبه إن كان زمنه مستقبلا بالنسبة لزمن المعنى الذي قبل "حتى" لا بالنسبة لزمن الكلام. وكلا الزمنين -قبلها وبعدها- قد مضى وانتهى حقيقة. وتكون "حتى" ابتدائية عند رفعه، وجارة عند نصبه؛ مراعاة للاعتبار الخاص بكل نوع ... والأحسن عدم محاكاة هذا النوع قدر الاستطاعة. بقيت أمور جديرة بالتنويه: أولها: علامة المضارع بعد "حتى" إذا كان معناه ماضيا حقا، ولكن زمنه إما للحال تأويلا، وإما للمستقبل بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى" -هي صحة الاستغناء عنه؛ بوضع فعله الماضي موضعه فيظل المعنى مستقيما، والتركيب صحيحا -كما أسلفنا2. ثانيها: أوضحنا3 أن الرفع -بالشروط التي تقتضيه بعد "حتى"- يفيد الإخبار بوقوع معنى الكلام وحصوله قبل "حتى" وبعدها، كما يفيد أن الثاني مسبب عن الأول. أما النصب في الحالات التي ينصب فيها المضارع بعدها فيفيد الإخبار بوقوع شيء واحد وحصوله هو معنى الكلام الذي قبل "حتى"
وأن معنى الكلام الذي بعدها مترقب الحصول في المستقبل، ينتظهر تحققه من غير أن يفيد هذا الكلام القطع بأنه سيقع ويتحقق؛ واو كان وقوعه معلوما، من قرينة أخرى ... ثالثها: أن وجوب رفع المضارع الحالي الزمن حقيقة أو تأويلا هو -كما أشرنا-1 لمنع التعارض بين دلالته على الحالية وما تد عليه "أن" الناصبة له؛ إذ لو نصبته لجعلت زمنه للمستقبل المحض، كشأن كل النواصب، مع أن المراد أن يكون زمنه للحال الحقيقية أو المؤولة، ومن ثم يقع التعارض بين الحال والاستقبال؛ أي: بين الحالية المطلوبة هنا، والاستقبال الخالص الذي يحتمه وجود "أن الناصبة" للمضارع، وهذا التعارض لا يوجود مع الرفع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الأحكام السابقة يسهل ضبط المضارع في الأمثلة الآتية التي عرضها بعض النحاة لبيان ضبطه. ومنها: ومنها: "سرت حتى تطلع الشمس"، فيجب النصب؛ لعدم تسبب الطلوع عن السير. وكذلك: "ما سرت حتى أدخل البلد"؛ لعدم وقوع شيء يصلح أن يكون سببا في الدخول؛ إذ أن الدخول لا يتسبب -عادة- عن عدم السير، ومثله: "قلما سرت حتى أدخلها"، إذا كان معنى "قلما" هو النفي ... وكذلك في: "أسرت حتى تدخلها؟ " لأن السبب لم يتحقق؛ بسبب الاستفهام عنه؛ فلو رفع الفعل لزم تحقق وقوع المسبب1. مع الشك في وقوع السبب، وهذا لا يصح ... ففي الأمثلة السالفة ونظائرها يجب النصب، ولا يصح الرفع. بخلاف: أيهم سار حتى يدخلها الآن؟ ومتى سرت حتى تدخلها الآن؟ فيجوز الرفع، لأن السير محقق. وإنما الشك في معرفة من فعل الفعل، أو في زمن الفعل. ب- يرى الكوفيون أن "حتى" حرف ناصب بنفسه، ويجوز وقوع "أن" المصدرية بعده فتكون مؤكدة توكيدا لفظيا لحتى. أما البصريون فيوجبون أن يكون الناصب هو: "أن" المضمرة وجوبا بعد "حتى" الجارة، ولا يجيزون ظهور "أن" بعدها. ويجيزون ظهور "أن" بعد التابع2، مستدلين بقول القائل يمدح بني شبيان: ومن تكرمهم في المحل3 أنهمو ... لا يعرف الجار فيهم أنه جار حتى يكون عزيزا من نفوسهمو ... أو أن يبين جميعا وهو مختار وموضع الشاهد ظهور "أن" قبل المضارع: "يبين" وبعد "حتى"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الملحوظة المعطوفة على أخرى قبلها. والتقدير عند البصريين: حتى يكون عزيزا من نفوسهم أو حتى أن يبين ... ح- يتساءل بعض النحاة عن معنى "حتى" في قول العرب: "ما سلم فلان حتى ودع"، وفي قول الشاعر: ركب الأهوال في زورته ... ثم ما سلم حتى ودعا فقيل إنها ابتدائية تفيد الاستثناء هنا "فهي بمعنى: "إلا" التي تليها "أن" والاستثناء مفرغ في الظرف. والتقدير؛ ما سلم في وقت إلا وقت ودع الناس فيه. وقيل إنها ابتدائية؛ بمعنى: لكن -ساكنة النون كالمألوف الكثير فيها- ومن شأن الابتدائية ألا تقطع الصلة المعنوية بين ما بعدها وما قبلها1، برغم أن ما بعدها لا بد أن يكون جملة مستقلة في إعرابها -فيكون المعنى ما سلم في وقت لكن ردع فيه. والمعنيان متقاربان. د- إذا دخلت "حتى" الابتدائية على جملة لم يصح وقوع هذه الجملة خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ ... أو2 ...
الأداة الرابعة: فاء السببية الجوابية1: معناها: يتضح من الأمثلة التالية: 1- لا يغضب العاقل فيفقد صواب الرأي، ولا يتبلد فيفقد كريم الشعور. 2- لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود أو بالحقد، ولست أبالغ في الثناء، فأتهم بالغفلة أو الرياء. 3- لا تصاحب غادرا فينالك غدره، ولا تأتمن خائنا فتصيبك خيانته. 4- أتعرف لنفسك حقها فتصونها عن الهوان؟ وهل تدرك أن الكبر كالضعة؛ كلاهما بلا فتحذره؟. فإن الناطق بمثل: "لا يغضب العاقل؛ فيفقد صواب الرأي" ... يريد أمرين معا، هما: نفي الغضب عن العاقل، وبيان ما يترتب على نفيه من عدم فقد الرأي الصائب؛ فكأنه يقول: العاقل لا يغضب؛ فيترتب على عدم غضبه أنه لا يفقد صواب الرأي، أي: لا يغضب، فلا يفقد سديد الرأي. فما بعد "الفاء" مسبب عما قبلها، وكلاهما منفي، هنا2. والناطق بمثل: "لا يتبلد فيفقد كريم الشعور. يريد أمرين معا؛ هما:
عدم التبلد، وما يترتب عليه من عدم فقد الشعور الكريم؛ فكأنه يقول: لا يتبلد، وعدم تبلده يؤدي إلى عدم فقده الشعور الكريم، أي: لا يتبلد فلا يفقد كريم الشعور ... فما بعد الفاء مسبب عما قبلها. وكلاهما منفي هنا أيضا. والناطق بمثل: لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود ... يريد الأمرين، عدم إنكار الفضل، وما يؤدي إليه من عدم الاتهام بالجحود. ومثل هذا يقال في الشطر الثاني من المثال. والناطق بمثل: لا تصاحب غادرا فينالك غدره ... يريد أمرين معا؛ النهي عن مصاحبة الغادر، وبيان ما يترتب على مصاحبته من الإصابة بغدره. ومثل هذا يقال في بقية المثال. والناطق بمثل: أتعرف لنفسك حقها؛ فتصونها عن الهوان؛ يريد أمرين؛ سؤال المخاطب عن معرفته حق نفسه، وبيان ما تؤدي إليه هذه المعرفة. كما يسأله عن إدراكه حقيقة الكبر والضعة، وبيان ما يترتب على هذا الإدراك ... فنلحظ في كل الأمثلة السالفة -وأشباهها- أن "الفاء" تتوسط أمرين السابق منهما، هو "العلة" أو "السبب" في المتأخر الذي يليها، ولهذا سميت: "فاء السببية"، أي: "الفاء" التي معناها الدلالة على أن ما بعدها مسبب عما قبلها، ولا بد -هنا- أن يليها مضارع منصوب. كما نلحظ شيئا آخر؛ هو: دلالتها على "الجواب"1. والمراد من دلالتها على الجواب: أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان ما قبلها مشتملا على استفهام: كالمثال الرابع، أم غير مشتمل عليه، كبقية الأمثلة. ولهذا توصف بأنها: "الجوابية"1 أي: التي تدل على أن ما بعدها
بمنزلة الجواب لما قبلها؛ فمعناها هو: "الدلالة على السببية والجوابية" معا. ولما كان معناها الدلالة على "السببية والجوابية" معا سميت: "فاء السببية الجوابية". لكن شاع الاكتفاء بتسميتها: "فاء السببية"؛ اختصارا، مع إرادة أنها تدل على: "الجواب" أيضا، فهي عند الاختصار اللفظي أو عدمه يراد منها الدلالة على الأمرين مجتمعين. وبهذا جرى العرف بين النحاة وغيرهم فإذا ذكرت "فاء السببية" مطلقة من التقييد كان المراد منها: "فاء السببية الجوابية" التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا بالشرط الذي سنعرفه ... وقد صار هذا الاسم المختصر خاصا بها مقصورا عليها1 ... ومع دلالتها على "السببية الجوابية" تدل معهما كذلك على "الترتيب والتعقيب"؛ لأنها "فاء عطف" أيضا؛ فالترتيب يوجب أن يتأخر ما بعدها عما قبلها في زمن تحققه؛ إذ المسبب متأخر في الوجود عن السبب حتما. والتعقيب يوجب أن يكون زمن التأخر قصيرا، لا مهلة فيه؛ كما هو الشأن في الفاء العاطفة. من كل ما تقدم يتبين أنها تفيد "السببية الجوابية"، مع الدلالة على "الترتيب والتعقيب". عملها: فاء السببية حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب، مع دلالته على "السببية. الجوابية" -طبقا لما شرحنا- ويختص بالدخول على المضارع المنصوب "بأن" المضمرة وجوبا. وهو يعطف المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، على مصدر قبله2، وعملها مقصور على هذا العطف. ولا يجوز
الفصل بين فاء السببية والمضارع بغير "لا" النافية، إن اقتضى المعنى وجودها. ولا تكون هذه "الفاء" للسببية الجوابية إلا بشرط أن يسبقها -في الأغلب-1 أحد شيئين؛ "إما النفي المحض، أو ما ألحق به"، "وإما الطلب المحض، أو ما ألحق به"1. فإن لم يسبقها شيء مما تقدم لم يصح -في الأغلب-2 اعتبارها سببية جوابية. وفيما يلي التفصيل الخاص بهذا الشرط: النفي المحض، وما ألحق به: أ- المراد من النفي: سلب الحكم عن شيء بأداة معينة3. وهذه الأداة النافية قد تكون حرفا؛ "مثل: لا، ما، لم، لن ... " وقد تكون فعلا، "مثل: ليس، زال" ... وقد تكون اسما؛ "مثل: غير ... " نحو: لا يهمل الصانع فيقبل على صناعته الناس - ليس الأحمق مأمونا فتصاحبه - الأديب الظريف غير حاضر فيؤنسنا. ويلحق بالنفي: التشبيه المراد به النفي بقرينة دالة عليه، كقول الجندي لزميله المتكبر: "كأنك القائد فنطيعك" ... وكذا التقليل المراد به النفي -أحيانا- بقرينة؛ ومن ألفاظه: "قلما" و"قد"؛ نحو: "قلما يشبع الظلم والخلاف في أمه فتنهض. بهذا خبرنا التاريخ، وقطع به" - "أيها المتحدث
عن الشجاعة في الحروب، وما حملت سيفا، ولا اقتحمت معركة؛ قد كنت في معركة فتصفها" ... فالمعنى في الأمثلة السالفة منفي؛ أي: ما أنت بالقائد فنطيعك -لا يشيع الظلم والخلاف في أمة فتنهض- ما كنت في معركة فتصفها1.. ب- والمراد بالمحض؛ الخالص من معنى الإثبات؛ فلا يوجد في الكلام ما ينقض معناه، مثل: "إلا الاستثنائية" التي تنقض النفي1، ومثل نفي آخر بعده يزيل أثره، ويجعل الكلام مثبتا؛ لأن نفي النفي إثبات، كما هو معروف. ومن أمثلة النفي المحض: لا يسقط المطر في الصحراء فينبت الكلأ ... ، وكذا الأمثلة التي تقدمت في أول البحث. فإن نقض النفي بإلا الاستثنائية، وكانت قبل فاء السببية، لم يصح نصب المضارع ووجب رفعه، على اعتبار هذه الفاء للاستئناف، أو للعطف المجرد2، وليست للسببية؛ نحو: لا يشاهد الخبير أعمالا إلا المشروعات العظيمة؛ فيعلن رأيه فيها -لم أشتر مطبوعات إلا الكتب النافعة؛ فأستوعبها- ما اكتسبت مالا إلا المال الحلال فأنفقه. أما إن نقض النفي "بإلا" الاستثنائية، وكانت بعد الفاء والمضارع ... فيجوز في المضارع الرفع والنصب3؛ نحو: لا يشاهد الخبير أعمالا فيعلن رأيه فيها إلا المشروعات العظيمة -لم أشتر مطبوعات فأستوعبها إلا الكتب النافعة- ما اكتسبت مالا فأنفقه إلا المال الحلال. وقول الشاعر: وما قام منا قائم في ندينا ... فينطق إلا بالتي هي أعرف4 فيجوز في كل هذه الأفعال المضارعة -ونظائرها- الرفع والنصب5 ...
مثال نقض النفي بنفي آخر يتلوه فيزيل أثره: ما تزال تحسن المعاملة فتكتسب حب الناس؛ فقد وقع بعد "ما" النافية نفي آخر هو "تزال" فانقلب المعنى مثبتا بسببه، وفي هذه الصورة يجب رفع المضارع، ولا يصح نصبه. وهل من النفي المحض النفي الواقع بعد: "الاستفهام التقريري"1؛ كقول الوالد يعاتب ابنه العاق: ألم أتعهد شؤونك صغيرا؛ فتتذكر فضلى؟ ألم أجاهد في سبيل إسعادك فتحمد جهادي؟ الصحيح جواز الأمرين، النصب على اعتبار النفي محضا، والرفع على اعتباره منقوضا وغير قائم؛ بسبب همزة التقرير، وبهما جاء القرآن. قال تعالى عن الكافرين: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ ... بِهَا} بنصب المضارع: "تكون". وقال في آية أخرى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، برفع المضارع: "تصبح"2.. وإذا كانت فاء السببية حرف عطف دائما، -كما تقدم-3 والمعطوف بها هو المصدر المؤول بعدها -فأين المعطوف عليه؟ يقول النحاة: لا بد أن يكون المعطوف عليه مصدرا أيضا، ليتشابه المعطوف
والمعطوف عليه في المعنى المجرد1. وفي هذه الحالة يتحتم أن يكون العطف عطف مفردات لا عطف جمل. فإن وجد مصدر في الكلام قبلها فهو المعطوف عليه، وإن لم يوجد وجب تصيده من ذلك الكلام السابق، وليس لهذا التصيد ضابط أو قاعدة، وإنما المراد الوصول بطريقة -أي طريقة- إلى مصدر لا يفسد به المعنى مع العطف. فمثال المصدر الصريح المذكور قبل الفاء، الصالح لأن يكون معطوفا عليه: "ما هذا إسرافا؛ فتخاف الفقر" - "ما الشجاعة تهورا فتهمل الحذر". والتقدير: ما هذا إسرافا فخوفك الفقر، وما الشجاعة تهورا فإهمالك الحذر، أي: ما هذا إسرافا يترتب عليه خوفك الفقر. وما هذه شجاعة يترتب عليها إهمالك الحذر ... ومثال المصدر المتصيد: لا يتواني المجد فتفوته الفرصة، لا تزهد في المعروف فتخسر أنفس الذخائر ... ، التقدير: لا يكون من المجد توان ففوات الفرصة إياه، لا يكن منك زهد في المعروف فخسارتك أنفس الذخائر. أي: لا يكون من المجد توان يترتب عليه فوات الفرصة إياه، لا يكن منك زهد في المعروف يترتب عليه خسارتك أنفس الذخائر. فإن لم يوجد قبلها مصدر صريح، ولا ما يصلح أن يتصيد منه المصدر، كالجملة الاسمية التي يكون فيها الخبر جامدا، نحو: ما أنت عمر فنهابك، فنصب المضارع ممنوع عند بعض النحاة؛ لفقد المعطوف عليه. وتكون الفاء للاستئناف، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عما قبلها، أو الفاء المجرد العطف الخالي من "السببية" والجملة بعدها معطوفة على الجملة قبلها، ويكون الكلام عطف جملة على جملة، ويجيز آخرون في تلك الجملة وأشباهها تصيد مصدر من مضمون الجملة الجامدة، ومن لازم معناها، كأن يقال في المثال السالف: ما يثبت كونك عمر هيبتنا إياك ... أي: ما يثبت كونك عمر ثبوتا يترتب عليه أن نهابك ... والأخذ بهذا الرأي أنسب، لتكون القاعدة مطردة. والنحاة يسمون العطف على المصدر المتصيد: العطف على المعنى والتوهم2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يعرض النحاة هنا لمسألة هامة دقيقة، ويعطونها من العناية والتوفيه ما يناسبها؛ وهي مسألة النفي1 الذي قبل الفاء المسبوقة بجملة؛ أينصب على ما قبل الفاء وما بعدها معا، أم ينصب على أحدهما فقط؛ وما نوع الفاء وضبط المضارع في الصور المختلفة؟ ويجيبون: إن الأمر يتوقف على المعنى، وما يقتضيه السياق؛ فقد يستدعيان تسليط النفي على ما قبلها وما بعدها معا، وقد يستدعيان تسلطه على أحدهما دون الآخر ... ، ثم هما قد يقتضيان اعتبار الفاء للاستئناف الخالص، أو للعطف المحض وحده. أو للعطف مع إفادة "السببية الجوابية"2 ... والقرينة وحدها هي التي توجه إلى المراد؛ فلا بد منها، وإلا وجب العدول عن هذا الأسلوب إلى غيره مما لا يثير مشكلات في الضبط أو المعنى. وفيما يلي البيان: .... إذا قلت: "ما تحضر فتحدثنا" ... جاز رفع الفعل: "تحدث" على أحد اعتبارات ثلاثة؛ وجاز نصبه على أحد اعتبارين. ولكل واحد من الخمسة أثره الإعرابي والمعنوي الذي يخالف الآخر، واختيار واحد منها دون غيره متوقف على مناسبته المعنى والسياق، ولا يصح اختيار واحد ون التقيد بهذه المناسبة، وإلا كانت اللغة عبثا وفوضى. فأوجه الرفع الثلاثة هي: 1- الرفع؛ على اعتبار الجملة الأولى منفية المعنى، و"الفاء" للاستئناف الخالص، فما بعدها جملة مستقلة في إعرابها عن الأولى، فلا تتأثر بنفي الأولى. فكأنك تقول: أنت ما تحضر في المستقبل، ولهذا أنت تحدثنا الآن. إنما قلنا في "المستقبل" مع أن المضارع يصلح للحال والاستقبال إن لم يوجد مانع لوجود ما يمنع الاستقبال هنا؛ وهو التخاطب مع شخص معين؛ فلا يصح أن تنفي عنه الحضور في الزمن الحالي مع أنك تخاطبه فيه خلال حضوره. وقلنا: "الآن"؛ لأن الزيادة في المستقبل منفية؛ فلا يقع في المستقبل حديث؛ إذ هو منفي تبعا لها؛ فلم يبق إلا أن يكون وقت الحديث هو الآن، أي: وقت الكلام. ومثله قولك للمسافر: لن أراك عدة أشهر؛ فأودعك داعيا لك، حزينا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغيابك. تريد: لن أراك في المستقبل1 ... فأنا أودعك الآن. فالنفي في المثالين السالفين مقصور على الجملة الأولى وحدها، والفاء فيهما للاستئناف المجرد. 2- الرفع على اعتبار "الفاء" متجردة للعطف المحض، تعطف المضارع بعدها على المضارع المنفي قبلها، وفي هذه الصورة يتحتم أن يكون المعطوف كالمعطوف عليه في الإعراب "رفعا، ونصبا، وجزما" وأن يكون مثله في النفي الذي يقع عليه، ففي المثال السابق يكون التقدير: ما تحضر فما تحدثنا، أي: ما يحصل منك حضور في المستقبل، فما يحصل منك تحديث فيه، فالفعلان مرفوعان، ومنفيان، وزمنهما مستقبل محض؛ للسبب الذي في الوجه السالف. ولو قلنا: لن تحضر فتحدثنا ... لكان المضارعان منصوبين ومنفيين، ومستقبلين كذلك1. ولو قلنا: ألم تحضر فتحدثنا ... لكانا مجزومين ومنفيين أيضا2؛ فالثاني تابع للأول في إعرابه، وفي نفيه؛ كما نرى3. والعطف هنا عطف الفعل مضارع وحده -دون فاعله- فالعطف عطف مفردات. لا عطف جمل4 ... 3- الرفع على اعتبار الجملة الأولى كلها منفية و "الفاء" متجردة للعطف المحض -كما سبق- ولكنها تعطف الجملة المضارعية كلها على الجملة المضارعية السابقة -ولا تعطف المضارع وحده على نظيره السابق- وفي هذه الصورة يستقل المضارع بعد الفاء بإعرابه وضبطه، ولا يتبع فيه الأول، وتكون الجملة الثانية معطوفة على الأولى، منفية مثلها أو غير منفية على حسب ما يقتضيه المعنى، وتدل عليه القرائن فيصح أن يكون المعنى في المثال السالف: ما تحضر في المستقبل فما تحدثنا في المستقبل؛ لأن الحضور لن يحصل. فلن يحصل الحديث. ويصح أن يكون المراد: ما تحضر في المستقبل؛ فأنت تحدثنا الآن؛ ليكون تحديثك الحالي تعويضا عن فقده في المستقبل. وفي هذه الصورة يتمحض العطف للربط المجرد بين الجملتين حتما. ولكنه لا يقتضي تسرب النفي من الأولى إلى الثانية اقتضاء واجبا، فقد يتسرب منها إلى الثانية، أو لا يتسرب، على حسب القرائن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الوجهان الخاصان بالنصب فهما: 1- النصب على اعتبار "الفاء" سببية جوابية؛ فالمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا، وما بعدها مسبب عما قبلها وجواب للنفي -كما شرحناه1 آنفا- وهي في الوقت نفسه عاطفة؛ فالمصدر المؤول بعدها منفي؛ لأنه معطوف على مصدر قبلها منفي أيضا فالعطف عطف مفردات. والنفي مسلط على ما قبلها وما بعدها، فمعنى المثال السابق لا يكون منك حضور في المستقبل؛ فلا يكون منك تحديث2 فيه؛ أي: لا يكون منكم في المستقبل حضور يترتب عليه ويقع فيه تحديث ... فالثاني منفي بنفي الأول؛ لأن زوال السبب مؤذن بزوال المسبب أي: أن المعنيين منفيان. وقد يخطر بالبال السؤال التالي: أليس المعنى في هذه الصورة كالمعنى في الصورتين الثانية والثالثة من المضارع المرفوع: حين يعطف وحده على الفعل السابق، أو تعطف جملته على الجملة السابقة؟ الجواب: لا: فإن المضارع حين يكون منصوبا بأن المضمرة وجوبا بعد الفاء، تكون هذه الفاء "للسببية الجوابية" فتدل -حتما- على أن المعنى بعدها مسبب عما قبلها، وجواب للنفي، مع دلالتها فوق ذلك -على العطف وإفادتها الترتيب والتعقيب. أما في جملة عطف الفعل المضارع على المضارع أو عطف جملته على الجملة التي قبل الفاء- فإن الفاء تكون للعطف المجرد الذي تدل معه على مجرد الترتيب والتعقيب، فلا سببية، ولا جوابية، هذا إلى أن عطف الجملة الفعلية بالفاء التي للعطف المجرد على جملة أخرى منفية لا يوجب أن تكون المعطوفة منفية كالمعطوف عليها، فقد تتبعها في النفي أو لا تتبعها على حسب القرائن -كما أسلفنا. 2- النصب على اعتبار أن ما بعد الفاء "قيد" فيما قبلها، وأن النفي منصب على "القيد" حتما، أما "المقيد" وحده مجردا -أي: بغير نظر إلى قيده- ففي الرأي الراجح قد يقع عليه النفي أو لا يقع؛ تبعا للسياق والقرينة، فليس من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللازم أن يشمله النفي الذي يقع على "القيد" لا محالة1، فإذا قلت: ما جاء محمد راكبا. "فالركوب" "قيد" في المجيء. وهذا القيد "الركوب" منفي قطعا. أما حكم المقيد وحده2، وهو "المجيء" المطلق فقد يكون منفيا "أي: لم يقع"، وقد يكون غير منفي. فعدم الركوب مقطوع به؛ سواء أوقع المجيء أم لم يقع. والحكم بوقوع المجيء أو عدم وقوعه محتاج إلى قرينة أخرى تعينه ... وعلى هذا الأساس يصح أن يتجه الفهم في المثال الأسبق، "وهو: ما تحضر فتحدثنا". إلى أن التحديث "قيد" للحضور. والقيد منفي -لا محالة- في حالتي الحضور وعدمه3. أما الحضور نفسه بغير تحديث فقد يكون منفيا أو غير منفي. فهو مسكوت عنه، يحتاج إلى ما يعين أحد الأمرين؛ شأنه شأن التقييد بالحال؛ فكأنك تقول: ما تحضر متحدثا. فالتحديث هو القيد المنفي دائما. والحضور هو المقيد المسكوت عنه، إذا نظرنا إليه وحده بغير قيده، أو: كأنك تقول: ما يكون منك حضور يعقبه ويترتب عليه تحديث. فالتحديث هو المقطوع بنفيه. أما الحضور المطلق وعدمه فأمرهما للقرينة؛ تعين أحدهما دون الآخر. وعلى هذا فالفاء للسببية والمصدر المؤول بعدها معطوف على مصدر قبلها والنفي منصب على القيد وحده، كما شرحنا. ومن هذا قول الشاعر: ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فكأنه قال: من لا يقدم رجله مثبتا يزلق. ب- ويقول النحاة: إن المعنى قبل "فاء السببية" قد يكون مثبتا؛ بأن يتخطاه النفي إلى أن بعدها. بالرغم من وجود النفي قبلها -كما يفهم من بعض الحالات السابقة-4 فإن تسلط النفي على ما قبلها فالفاء تفيد معنى التسبب الذي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصب بعده المضارع بأن مضمرة وجوبا. وإن لم يتسلط على ما قبلهان وبقي معناه مثبتا، ومدلوله حاصلا موجبا، فالفاء لا تفيد التسبب1 وإنما ينصب المضارع بعدها تشبيها لها بفاء السببية. ح- عرفنا أن الرفع جائز في ثلاث حالات، وأن النصب جائز في حالتين، وهذا الجواز في الحالات الخمس مشروط بألا يكون المضارع قبل فاء السببية مجزوما؛ مثل: ألم تحضر فأكرمك؟ فإن وجد جازم واقتضى المعنى عطف المضارع الذي بعد الفاء على المضارع الذي قبلها وجب أن يكون المعطوف مجزوما ومنفيا كالمعطوف عليه؛ لأن هذا هو ما يقتضيه عطف المضارع على المضارع عطف مفردات2، ولا يصح إلا الجزم مع نفي المعنى عن المعطوف، ما دام السياق يقتضي هذا العطف الذي يؤدي إلى النفي وإلى الجزم معا3. وربما لا يوجد قبل الفاء فعل، مثل: غير موجود أخوك فأكرمه.. وفي هذه الصورة يمتنع عطف الفعل على الفعل لعدم وجود فعل معطوف عليه ... د- تطبيقا على ما سبق من تسلط النفي على ما قبل الفاء وما بعدها معا؛ أو على أحدهما وحده يتعين تسليطه عليهما معا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} . ولا يصح تسليطه على القيد وحده دون المقيد "وهو الجملة الأولى" لاستحالة أن يقضي الله عليهم بالموت فلا يموتوا؛ فلا بد أن تكون الأولى منفية كذلك، والفاء للسببية. ويصح: "لا يقضى عليهم فيموتون" فتكون الفاء للعطف المجرد، والمضارع بعدها مرفوع "إذ ليست للسببية" فالفعل الثاني معطوف على الأول، تابع له في إعرابه وفي نفيه -كما قدمنا أول البحث- فالتقدير: لا يقضي عليهم؛ فلا يموتون والمعنى في الحالتين واحد. مع ملاحظة ما أشرنا إليه من الفرق بين فاء السببية والفاء المتجردة للعطف المحض. ولا مانع أن يكون العطف في هذا المثال عطف جمل. ومثل الآية قولهم: "ما يليق بالله الظلم فيظلمنا" فيصح اعتبار "الفاء" للسببية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصب النفي علىما قبلها، وما بعدها معا؛ والمضارع منصوب. أو: للعطف الخالص1 بدون سببية؛ فيرفع المضارع، والنفي عام أيضا ينصب على ما قبلها وما بعدها معا. بخلاف نحو: "ما يحكم الله بحكم فيجوز" حيث يتعين أن يكون النفي منصبا على الثاني وحده، باعتباره قيدا للأول، أي: ما يكون منه حكم يترتب عليه جور2. ولا يصح نفي الأول لما يترتب عليه من أن يكون معناه: ما يحكم الله بحكم.. وهذا فاسد؛ لأن الله يحكم في كل وقت ... ومن الأمثلة لنفي الفعلين معا: لا يحب الريفي الأسفار؛ فيشاهد عجائب البلاد الأجنبية، ما ينظم فلان الشعر البليغ، فينتفع به الأديب -لم ينتبه السائق فينجو من الخطر- لا يسرف العربي في الطعام؛ فيشكو البطنة3، ولا يهمله؛ فيشكو المخمصة4. والضابط الذي يدل في الأمثلة السالفة -وأشباهها- على أن النفي منصب على الفعلين معا هو إعادة حرف النفي بعد فاء السببية، وتكراره بينها وبين المضارع فلا يفسد المعنى المراد. ومن الأمثلة لنفي الثاني وحده: "أي: لنفي القيد". ما يسرق اللص فيسلم، لا يطول السهر فيستريح الجسم، لا يسيء التاجر المعاملة فينجح ... هذا لا يهمل التعلم فينتفع، ولا يترك العلماء فيستفيد. والضابط الذي يدل في هذه الأمثلة -وأشباهها- على أن النفي منصب على الثاني وحده "أي: على القيد" هو نقل حرف النفي من مكانه في صدر الجملة الأولى، ووضعه بعد الفاء مباشرة وقبل المضارع الذي يليها، فلا يفسد المعنى الأصلي بهذا الفعل. هـ- يجري مع أداة النهي ما جرى مع أداة النفي ما ناحية عطف الفعل على الفعل، وعطف الجملة على الجملةن وتسلط النهي على ما قبل الفاء وما بعدها معا أو على أحدهما فقط ... و ... مع ملاحظة أن "لا" الناهية تجزم المضارع حتما، أما حروف النفي فلا تجزمه5 ...
ب- الطلب بنوعية؛ المحض وغير المحض1 ... الطلب المقصود هنا ثمانية أنواع؛ لكل منها معناه وحكمه، ويكفي وجود نوع واحد منها قبل "الفاء"؛ فتكون سببية، ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا إن لم يوجد مانع آخر. وهذه الثمانية هي: 1- الأمر. 2- النهي. 3- الدعاء. 4- الاستفهام. 5- العرض. 6- التحضيض. 7- التمني. 8- الترجي.... ولا خلاف في أن السبعة الأولى هي من أنواع الطلب المقصود؛ وإنما الخلاف في الثامن: "الترجي" والصحيح أنه منها. وهذه الأنواع الثمانية قسمان: قسم يدل على الطلب المحض، بأن يدل بلفظه نصا وصراحة على الطلب مباشرة، من غير أن تجيء دلالته على الطلب تابعه لمعنى آخر يتضمنه، ومن غير أن يكون محمولا في أدائه على غيره. وينحصر هذا في الأنواع الثلاثة الأوائل: "الأمر، النهي، الدعاء"2. وقسم يدل على الطلب دلالة غير محضة، بأن يجيء معنى الطلب تابعا لمعنى آخر يتضمنه3. ويدخل في هذا القسم بقية الأنواع الطلبية، فإنها محمولة على الثلاثة المحضة. وفيما يلي معنى كل واحد من الثمانية4، وحكمه:
1- الأمر، ومعناه: طلب فعل شيء. ولا يسمى أمرا إلا إن كان صادرا ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقل منه. فإن كان من أدنى لأعلى سمي: "دعاء". وإن كان من مساو إلى نظيره سمي: "التماسا". وله صيغتان: صيغة فعل الأمر الصريح، وهذه هي الأصيلة، وصيغة: "لام الطلب" الجازمة المختصة بالدخول على المضارع، وهذه ملحقة بتلك، وتسمى: "لام الأمر" إن كان الأمر بها ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى، و"لام الدعاء" إن كان من أدنى لأعلى، و"لام الالتماس" إن كان من مساو لنظيره. فتسميتها "لام الطلب" أدق من تسميتها: "لام الأمر" لأن الطلب -والمقصود به هنا: طلب فعل شيء- يشمل الصور الثلاث. فمثال الأمر الصريح: اغفر هفوة الصديق فيحمدك، وانصحه في السر فيتقبل نصحك، وجامل الناس فيما لا يضر فتستريح، ويدوم لكم ودهم. ومثل: "خذ، وهات" في قول الشاعر: من لي يسوق في الحيا ... ة يقال فيها: خذ وهات فأبيع عمرا في الهمو ... م بساعة في الطيبات ومثال لام الطلب: لتكن طاعة الله أولى الأمور لديك فتسعد، وليكن حرصك على أداء الواجب عقيدة فتنهض وينهض وطنك، ولتبتعد عن مواطن الشبهات فيرتفع قدرك. فإن كان الأمر بصيغة اسم الفعل، فالأحسن التيسير بقبول الرأي الذي يجعل الفاء بعده للسببية؛ نحو: صه فيهدأ النائم، وتراك الشر؛ فتأمن عواقبه، ونزعا إلى ميدان الإصلاح فتحب. "والمعنى: اسكت، واترك، وانزل ... " وكذلك إن كان الأمر بصيغة المصدر الواقع بدلا من التلفظ بفعله؛ نحو: سكوتا فنسمع الخطباء، أو بصيغة الخبر1 ... ولكن الأبلغ والأشهر في الحالتين -عند
كثرة النحاة- ألا تكون الفاء للسببية. 2- النهي، ومعناه: طلب الكف عن شيء. وأداته واحدة؛ هي: "لا الطلبية" وتسمى: "لا الناهية" إن كان النهي صادرا من أعلى لأدنى؛ فإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية". وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا، التي للالتماس" فتسميتها: "لا الطلبية" أولى؛ لأن طلب الكف بها يشمل حالاتها الثلاث. وإنما ينصب المضارع بعد فاء السببية في جواب النهي بشرط ألا ينتقض النهي بإلا الاستثنائية على الوجه الذي سبق إيضاحه في النفي ونقضه1؛ ومن الأمثلة: لا تقل الخطأ فيشتهر جهلك، ولا تخف العلم فتتهم في مروءتك. ومثل قوله تعالى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} 2 وقولهم: لا تكثر مقاطعة الإخوان فيهون عليهم سخطك. ولا تبالغ في وعد أو وعيد فتعجز، ويستخف الناس بك3 ... فإن كان النهي بصيغة الاسم فالأنسب الأخذ بالرأي الذي يجعل الفاء بعده
للسببية؛ نحو سيرًا لا قعودا فتكسل، وعملا لا بطالة، فتفقد رزقك. 3- الدعاء. ومعناه: طلب فعل شيء، أو الكف عنه، بشرط أن يكون في الحالتين من أدنى لأعلى. وإلا فهو أمر أو نهي إن كان من أعلى لأدنى، والتماس إن كان بين متساويين -كما سبق. وصيغته: فعل الأمر الأصيل المراد منه الدعاء، وكذا المضارع المسبوق بلام الطلب "لام الأمر"، أو بلا الطلبية "الناهية" مع إرادة الدعاء بهما ... ومن الأمثلة قول الشاعر: رب، وفقني فلا أعدل عن ... سنن الساعين في خير سنن وقول الآخر: فيا رب عجل ما أؤمل منهمو ... فيدفأ مقرور1 ويشبع مرمل2 ومثل: رب: لتكن طاعتي لك على قدر فضلك؛ فأفوز فوزا عظيما، ولتكن أعمالي مقصورة على ما يرضيك، فأنال أسمى الغايات، ولا تتركني لنفسي فأضل ضلالا عظيما ... فإن كان الدعاء بصيغة أخرى لم ينصب المضارع -إلا في الراي الذي قصد به التيسير؛ كصيغة الاسم في قولهم: سقيا لك فتسلم، ورعيا لمن معك فتتجنبهم المخاوف ... وكصيغة الخبر المراد منه الدعاء3؛ نحو: يرزقني الله الغني فأنفق المال في سبل الخير. وبعض الكوفيين يجيز النصب في هذا الصور. ورأيه مقبول، وفيه التوسعة التي أشرنا إليها، وإن كان الأبلغ متابعة الأكثر. 4- الاستفهام "سواء أكان حقيقيا؛ وهو طلب معرفة شيء مجهول حلقا للمتكلم، أم إنكاريا، أم توبيخيا"4 ويشترط هنا ألا يكون عن معنى قد
وقع قبل الكلام. ومن أمثلته قوله -تعالى بلسان أصحاب النار: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} ، وقول الشاعر: هل تعرفون لباناتي؟ فأرجو أن ... تُقضى، فيرتد بعض الروح للجسد 5- العرض1؛ وهو الطلب برفق ولين. ويظهران -غالبا- في صوت المتكلم، وفي اختيار كلماته رقيقة دالة على الرفق. ومن أدواته: "ألا"؛ كقول الشاعر: يابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك؛ فما راء كمن سمعا ومن أدواته -أحيانا- "لو"2؛ نحو: لو أوفق للكمال المستطاع فأبلغ غاية المنى ... 6- التخضيض، وهو الطلب بشدة وعنف. ويظهران -غالبا- في صوت المتكلم، وفي اختيار كلماته جزلة قوية. ومن أدواته: "هلا"؛ نحو. هلا حطمت قيود الاستبداد فتعز، وهلا قوضت حصون الاستعباد فتسود. ومن أدواته أيضا: "لولا"؛ نحو: لولا تدفع الظلم فيخاف الظالم ... وقول الشاعر: لولا تعوجين يا سلمى على دنف ... فتخمدي نار وجد كاد يفنيه3 ومن أدواته -أحيانا- "لو"2؛ نحو: لو تحترم القانون فتأمن العقوبة. 7- التمني، وهو الرغبة في تحقق أمر محبوب؛ سواء أكان تحققه ممكنا،
أم غير ممكن. ولا يصح أن يكون في أمر محتوم الوقوع1. وأشهر أدواته: "ليت" وهي الأصل؛ كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} . ونحو: يا ليت من يمنع المعروف يحرم المعروف، فيذوق مرارة الحرمان. وقول الشاعر: يا ليت أم خليد واعدت فوفت ... ودام لي ولها عمر فنصطحبا ومن أدواته -أحيانا- "لو" كقراءة من قرأ قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بنصب المضارع2 ... وكذا "ألا"3 نحو: ألا صديق مخلصا فينصحنا. 8- الترجي، وهو: انتظار حصول شيء مرغوب فيه، ميسور التحقق، ولا يكون إلا في الأمر الممكن، ومثله التوقع4. والكوفيون هم الذي يعتبرون الفاء بعده للسببية، والشواهد -ومنها القرآن- تؤيدهم5. نحو: لعلك تحسن اختيار الكلام، فتفوز بإعجاب السامعين، ولعل إعجابهم يبرأ من التزيد والتحيف؛ فتدرك مبلغ توفيقك، وحقيقة أمرك ... تلك هي أنواع الطلب بنوعيه؛ المحض وغير المحض. وقد عرفنا6 أن المحض منها ثلاثة، وأنها سميت محضة لدلالة صيغتها اللفظية -نصا وأصالة- على الطلب الصريح مباشرة؛ لا عن طريق تبعي أو ضمني، غير مباشر: كدلالة التمني
على الطلب، فإن الطلب معه يجيء من طريق تبعي؛ أي: من طريق غير مباشر، إذ يلزم من تمنى الشيء طلب مجيئه ... ، وكذلك العرض والحض وغيرهما من بقية أنواع غير المحض؛ فإنها تدل على الطلب من ذلك الطريق الضمني، غير المباشر، بخلاف الثلاثة المحضة: "الأمر، والنهي، والدعاء" فإنها صيغها صريحة فيه؛ كما أسلفنا1 ... "ملاحظة": إذا لم توجد "فاء السببية" قبل المضارع الذي يستحق النصب بها، إما لأنها لم توجد أصلا، وإما لسقوها وزوالها بعد وجودها ... ، فإن حكم هذا المضارع يتغير؛ فيجزم على حسب البيان الخاص الذي سيجيء كاملا في بحث مستقل2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تقدم1 أن "الفاء" لا تكون سببية ينصب بعدها المضارع "بأن" المضمرة وجوبا إلا بشرط أن يسبقها إما النفي المحض أو شبهه، وإما الطلب المحض أو غير المحض أي: التقديري ... لكن هذا الشرط هو الأغلب في أكثر الحالات، فهناك حالات ست يصح اعتبار الفاء في كل منها سببية مع فقد هذا الشرط، فعند اعتبارها سببية ينصب المضارع حتما، بأن مضمرة وجوبا، وعند عدم اعتبارها لا ينصب. والأربعة الأولى تكون في حالتي الاختيار والضرورة الشعرية، والأخيرتان خاصتان بالضرورة الشعرية. 1- الفاء الواقعة بعد نفي مسبوق باستفهام تقريري، نحو: ألم تشهد بدائع الأزاهير في مطلع الربيع فتنعم بها؟ فيجوز رفع المضارع: "تنعم" ونصبه على أحد الاعتبارين "وقد سبق2 الكلام الجلي على هذا في موضعه المناسب". 2- الفاء الواقعة بعد نفي قد نقض "بإلا الاستثنائية" وكان النقض بعد الفاء والمضارع؛ نحو: ما تزورونا فتحدثنا إلا تسرنا بطرائفك الأدبية3. 3- الفاء الداخلة على المضارع المتوسط بين فعل الشرط وجواب الشرط، أو بعدهما. نحو: من يهن فيقبل يسهل الهوان عليه؛ ومن يسهل الهوان عليه يفقد كرامته؛ فيحرم سعادة الحياة. فالفعلان: "يقبل، ويحرم"، يجوز نصبهما على اعتبار الفاء للسببية، ويجوز عدم النصب على اعتبارها ليست سببية4 ... ويقول النحاة: إن السبب في جواز النصب هنا -حيث لا نفي ولا طلب- أن فاء السببية تعطف المصدر بعدها على مصدر قبلها5، وفعل الشرط قبلها غير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محتوم الوقوع؛ فأشبه الاستفهام والأمر وغيرهما من أنواع الطلب التي ليست محققة الوقوع. وأن علة جواز نصبه بعد فعلى الشرط والجواب معا هو أن الجزاء غير محقق الوقوع، ولا محتم الحصول، فالواقع بعده كالواقع بعد الاستفهام ونحوه ... هذا كلامهم، وكأنهم يرجعون هاتين الصورتين إلى "الطلب" تقديرا. ولا محل للتقدير؛ فالعلة الصحيحة هي محاكاة كلام العرب في استعمالهم، ليس غير ... 4- الفاء الداخلة على المضارع المسبوق بأداة الحصر: "إنما"؛ نحو: إنما أنت العالم فتفيد؛ فيجوز نصب المضارع: "تفيد" على اعتبار الفاء سببية، وعدم نصبه على اعتبارها غير سببية1. وإلى هنا انتهت الحالات الأربع التي تقع في النثر والشعر، أي: في حالتي الاختيار والضرورة. ويليها الحالتان المقصورتان على الضرورة الشعرية؛ وهما: 5- الفاء الداخلية على المضارع المسبوق بأداة الحصر: "إلا"، نحو: ما تتكلم إلا فتحسن الكلام2. 6- الخبر المثبت الخالي من النفي ومن الطلب ومن الحصر "بإلا" كقول الشاعر: سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا فالمضارع: "أستريح" منصوب على اعتبار الفاء -للضرورة- سببية، كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول كثير من النحاة1. ب- قلنا2 إن أكثر النحاة يشترط في فاء السببية بعد الاستفهام ألا يكون الاستفهام عن أمر قد حصل في الزمن الماضي حقيقة؛ فيخرج نحو: لم أسأت إلى الصديق فيقاطعك؟ فلا ينصب المضارع: لأن الإساءة وقعت فعلا. وحجته أنه إذا سبك المصدر المؤول بعد الفاء كان هذا المصدر المؤول مستقبلا، يجب عطفه على مصدر قبل الفاء، ويجب أن يكون مستقبلا أيضا؛ ليتحد "المعطوف والمعطوف عليه" في الزمن -عملا بالرأي الراجح- فلو كان ما قبل الفاء ماضي الزمن لجاء المصدر "المعطوف عليه" ماضي الزمن أيضا؛ فيختلف في زمنه عن زمن المعطوف المستقبل. أما الذين لم يشترطوا عدم المضي فحجتهم ما ورد من مثل: أين ذهب الرسول فتتبعه، بنصب: "نتبع" من أن المعنى في ذلك قد وقع في زمن مضى. ثم قال: إن لم يمكن الوصول إلى مصدر مستقبل من الكلام الذي قبل "الفاء" مباشرة فمن الممكن تصيده والوصول إليه من مضمون ذلك ولازمه؛ كأن نقول: ليكن منك إعلام بذهاب الرسول، فاتباع منا. مع أن الرأي الأول دقيق محكم، وله الأفضلية، والاعتبار الأقوى -فالأنسب الأخذ بالرأي الثاني ليكون الحكم مطردا، فيقل التشعيب والتفريع، ولأن التقدير فيه روعي مثله في أحوال أخرى مع فاء السببية. كما يتبين مما سبق3 ...
الأداة الخامسة: واو المعية1 فائدتها: الدلالة على أن المعنى الذي قبلها والمعنى الذي بعدها مصطحبان معا عند حصول مدلولهما وتحققه؛ لا يسبق أحدهما الآخر ولا ينفرد، أي: أنهما متلازمان عند التحقق؛ ويحصلان معا في زمن واحد يجمعهما؛ ففي مثل: أتبتسم وتصافح الزائر؟ بنصب المضارع: "تصافح" يكون الاستفهام منصبا على تحقق الابتسهام والمصافحة معا في وقت واحد للزائر، ولا يتجه إلى تحقيق أحدهما دون الآخر، ولا يتجه كذلك إلى تحققهما في زمنين مختلفين. فكأن من ينطق بهذه العبارة، وينصب فيها المضارع بعد الواو -يقول: أنا أسأل عن تحقق الأمرين معا في وقت واحد. ولا أسأل عن غير هذار. ومثل: لا يتكلم الخطيب ويقعد. بنصب المضارع: "يقعد" فإن النفي مسلط على اجتماع القعود والتكلم معا في وقت واحد؛ فكأن المتكلم يقول: إنها لا يحصلان معا في وقت واحد. أما نفي حصول أحدهما فقط أو نفي حصولهما في زمنين مختلفين فلا يفهم من هذه الجملة. ومثله: لا يترك العاقل عمله ويلعب. ولا يقعد عن السيئ وينتظر الرزق؛ بنصب: "يلعب"، و"ينتظر" فيكون المراد نفي الجمع في وقت واحد بين الترك واللعب. وكذا نفي اجتماع القعود عن السعي وانتظار الرزق في زمن واحد. ونحو: لا تأكل والكلام في وقت واحد. ولما كانت هذه الواو دالة على اجتماع المعنيين واصطحابهما معا وقت تحققهما -سميت لذلك: "واو المعية" أي: "الواو" التي بمعنى: "مع"2؛ فهي تدل على الجمع والمصاحبة بين أمرين في وقت واحد.
عملها: واو المعية -هنا- حرف عطف في المشهور، مع إفادته المصاحبة1 والاجتماع والمضارع بعده منصوب بأن المضمرة وجوبا، ومنه كما عرفنا: متجرد للاستقبال الخالص، والمصدر المؤول بعده معطوف بالواو على مصدر مذكور في الكلام السابق. فإن لم يوجد في الكلام السابق مصدر وجب تصيده بالطريقة التي سلفت في العطف بفاء السببية2. ويشترط لنصب المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد "واو المعية" أن تكون واو المعية مسبوقة إما بنفي محض، أو بما يلحق به. وقد شرحناهما3 وإما بنوع من أنواع الطلب الثمانية التي سبق بيانها وشرحها في "فاء السببية"4. غير أن بعض النحاة يمنع وقوع "واو المعية" بعد أربعة أنواع من الطلب؛ هي: "الدعاء، والعرض، والتخصيص، والترجي". وحجته: أن السماع الكثير لم يرد بواحد منها، والسماع الكثير هو الأساس للقياس؛ فلا يصح الإقدام على نصب المضارع بعدها ما دام هذا الأساس مفقودا. ولا يصح عنده النصب حملا لواو المعية على "فاء السببية"؛ لأن الحمل -برغم التشابه بينهما في كثير من الأمور- لا داعي له. ورأيه وجيه.
ويخالف فريق آخر، بحجة التشابه القوي بين الحرفين في نواح متعددة فلا عيب في حمل واو المعية على فاء السببية. وفي هذا الرأي تيسير، ولكن فيه إهدار لأهم الأسس التي تراعى؛ وهو السماع الكثير الوارد، ولهذا يحسن عدم الأخذ به قدر الاستطاعة: احتراما للأساس الأهم السابق. أ- فمن أمثلة واو المعية المعية بعد النفي قول أعرابي يجري إلى ساحة القتال: لا ألزم داري وأشهد الأبطال يمضون للجهاد سراعا، ولا أموت على فراشي كالبعير المهزول، وأبصر الرجالات في حومة الوغي شهداء. ب- ومن أمثلتها بعد أنواع الطلب ما يأتي1: 1- بعد الأمر: أيها الصديق: اغفر هفوتي وأغفر هفوتك؛ لتدوم صداقتنا، وساعدني وأساعدك لتتغلب على المشقات، ولتحذر وأحذر دسائس الأعداء؛ لنعيش في سلام. ولا خلاف في نصب المضارع "بأن" المضمرة وجوبا بعد واو المعية إذا كانت الواو مسبوقة بإحدى صيغتي الأمر المحض2. أما الدلالة على الأمر بغيرها "كالدلالة عليه باسم الفعل، أو بصيغة اسم، أو بجملة خبرية" ... فالحكم هنا كالحكم في فاء السببية3. 2- بعد النهي: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك -إذا فعلت- عظيم 3- بعد الاستفهام: ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكمو المودة والإخاء ومثل: أتبيت ريان الجفود من الكرى ... وأبيت منك بليلة الملسوع
4- بعد التمني: قوله تعالى حكاية لقول الكفار يوم القيامة: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} . وقول الشاعر: ألا ليت الجواب يكون خيرا ... ويطفئ ما أحاط من الجوى بي 5- بعد الدعاء "على الرأي القائل به ... " رباه، ما أسعدني بطاعتك؛ فوجهني إليها، ويعيني فضلك على ملازمتها. وما أشد حاجتي إلى برك؛ فأسبغ على ثوب العافية، وتحرسه برحمتك، وأغدق علي النعم، وتوفقني إلى صيانتها، رباه، لتدخلني في عداد المقربين، وترفع مقامي بينهم، ولا تدع للتواني سبيلا إلي وتتركني بعيدا عن المدى الذي يرضيك. 6- بعد العروض "على الرأي القائل به ... ": ألا تزور المريض وتقدم له هدية. ألا تساله عن حاله وتدعو له بالشفاء. 7- بعد التحضيض "على الرأي القائل به ... ": هلا تتعرض لأشعة الشمس وقت الضحا أو قبل الغروب وتحذر حرارتها، وطول التعرض لها. وهلا تعرف رأي الأطباء في فائدة التعرض وضرره، وتعمل برأيهم ... 8- الترجي "على الرأي القائل به ... " لعل العالم يدرك أنه قدوة، ويترك ما لا يليق به، ولعله يعرف أن فساده أشد ضررا وأعظم خطرا من كل فساد آخر، ويجنب الناس أثره.... يتبين مما سبق أن بين فاء السببية وواو المعية تشابها واختلافا؛ فيتشابهان في أمرين: أولهما: نصب المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبا؛ بشرط أن يسبقهما -غالبا- نفي أو طلب، وما يلحق بهما، بالتفصيل الذي عرفناه. ثانيهما: اعتبار كل منهما حرف عطف أيضا فوق دلالته الخاصة "وهي: دلالة الفاء على "السببية الجوابية" فوق دلالتها على الترتيب والتعقيب. ودلالة الواو على "المعية". والمصدر المنسبك بعدهما من أن المضمرة وجواب وما دخلت
عليه من الجملة المضارعية -معطوف على مصدر مذكور أو متصيد قبلهما. وهذا على الرأي الشائع الذي يخالف فيه بعض المحققين1 ويقول: إن هذه الواو التي تفيد المعية ليست عاطفة، وهو بهذا يوافق الكوفيين "ويسمونها: واو الصرف" وحجته: أن العرب إذا أرادوا بالواو معنى المعية والمصاحبة أتوا بالمضارع بعدها منصوبا ليصرفوه عن المألوف؛ فيكون صرفه هذا قليلا على أنها للمعية والمصاحبة، ومرشدا من أول الأمر إلى أنها لإفادة اجتماع أمرين في زمن واحد، وليست للعطف2. ويختلفان في خمسة أمور: أولها: أن نصب المضارع بعد فاء السببية متفق عليه بعد أنواع الطلب السبعة، لورود السماع بأمثلة كثيرة لكل نوع تبيح القياس عليها. وأما الثامن "وهو الترجي" فيقع فيه وحده الخلاف، والصحيح أنه كبقية الأنواع في وجوب نصب المضارع الواقع في جوابه بعد فاء السببية، وأن ناصبه هو "أن" المضمرة وجوبا. في حين يخالف بعض المحققين يف أن يكون وقوع "الدعاء، والعرض، والتحضيض، والترجي"، قبل واو المعية موجبا للنصب، فهو يمنع اعتبارها للمعية كما يمنع نصب المضارع إذا سبقه واحدا من الأربعة المذكورة؛ بحجة عدم ورود السماع بأمثلة متعددة لكل منها تكفي للقياس عليها. ثانيها: الأصح في فاء السببية أنها حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب مع
دلالتها -في الغالب- على السببية الجوابية في الوقت نفسه. على حين يشتد الخلاف في جعل الواو -هننا- للأمرين مجتمعين؛ وهما: العطف والمعية؛ إذا الرأي القوي أنها تفيد المعية دائما بغير أن تكون عاطفة. ثالثها: وهذا مهم أن فاء السببية لا بد أن تقع -غالبا- في جواب نفي أو طلب أو ملحقاتهما ... ؛ فما بعدها مسبب عما قبلها وجواب له. أما واو المعية فتقتضي مصاحبة ما قبلها وما بعدها مصاحبة حقيقية عند وقوعهما؛ أي: تستلزم تلاقيهما واجتماعهما في زمن واحد عند تحقق معناهما وحصوله، وهذه المصاحبة تمنع أن يكون ما بعد الواو مسببا عما قبلها، وجوابا له؛ لأن المسبب والجواب لا بد أن يتأخرا -حتما- في وجودهما عن السبب، وعما يحتاج إلى إجابة. وهذا التأخر يناقض المصاحبة ويعارضها. ولهذا يقول النحاة: إن صحة الفهم ودقة التعبير يقضيان بتخطئة من يقول عند الإعراب1: "واو المعية الواقعة في جواب النفي، أو الأمر، أو النهي، أو غيرهما من بقية الأنواع السالفة ... " وبتصويب من يقول: "واو المعية" الواقعة بعد النفي أو الطلب من غير ذكر لكلمة جواب؛ لأن وقوع الجملة المشتملة على هذه الواو جوابا عما قبلها يقتضي -كما تقدم- أن يكون تحقق معناها متأخرا عن تحقق معنى التي قبلها، وهذا يعارض ما تفيده واو المعية من تحقق معنى السابق عليها واللاحق في زمن واحد. رابعها: أن واو المعية -هنا- لا بد أن يسبقها نفي محض، أو طلب، أو ملحقاتهما، ولا بد كذلك أن تدل على المصاحبة الزمنية الحقيقية عند تحقق معنى ما قبلها وما بعدها. وهذه المصحابة تقتضي أن ينصب النفي والنهي وغيرهما من بقية الأنواع، على ما قبل الواو وما بعدها معا، أي: أن النفي والنهي نظائرهما يشملان ما قبل الواو وما بعدها، لا محالة، ولا يقتصران على أحدهما دون الآخر "بشرط أن تكون الواو للمعية، والمضارع بعدها منصوبا" فمن يقول لا آكل وأتكلم، فالنفي مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين. أما شأنهما عند عدم مصاحبتهما فمسكوت عنه، والحكم عليه متروك، لا دخل للنفي -وغيره- به؛ فقد يقع الأكل
وحده أو لا يقع. وقد يحصل التكلم وحده أو لا يحصل، وقد يقع الأكل والتكلم ولكن في وقتين مختلفين، أو لا يقعان مطلقا ... فلا يمكن القطع بأحد هذه الأشياء إلا بقرينة خارجة عن الجملة. ومن يقول: لا أكتب وألوث أصابعي "بنصب: "ألوث" فإنما ينفي اجتماع الأمرين معا في وقت واحد، وهما الكتابة، وتلويث الأصابع. فالنفي شامل ما قبل واو المعية وما بعدها مجتمعين، يسلط عليهما في زمن اصطحابهما وتلاقيهما، ولا ينصب على أحدهما دون الآخر. أما المعنى عند عدم اصطحابهما فمسكوت عنه، متروك حكمه، لا صلة للنفي به، فقد تكون الكتابة وحدها منفية أو غير منفية، وقد يكون تلوث الأصابع وحده حاصلا أو غير حاصل.. وقد يكون الاثنان غير حاصلين، وقد يحصلان في زمنين مختلفين ... فكل هذه أمور يعرض لها الاحتمال، ولا سبيل للقطع بأحدهما إلا بقرينة أخرى. وكذلك من يقول: لا تمش وتكتب ... -أو لا تخطب وتجلس ... - أو: لا تظلم الضعيف وتخاف القوي ... بنصب المضارع بعد الواو المسبوقة بالنهي في هذه الأمثلة وأشباهها فإن النهي فيها مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين في وقت واحد، ولا ينصب على أحدهما دون الآخر، فكلاهما وحده مسكوت عنه، مهمل أمره؛ لا دليل للقطع بأنه منهي عنه وحده أو غير منهي عنه، ولا منهي عنه مع الآخر في زمنين مختلفعين.. فالقطع بأحد هذا الأمور متوقف على قرينة خارجة عن الجملة؛ توجه لأحدهما دون الآخر. أما النهي والنهي قبل فاء السببية فقد بسلطان على ما قبلها وما بعدها معا، أو على ثانيها فقط -كما سلف1. هذا، وما قيل عن النفي والنهي يقال في محلقات الني وفي سائر أنواع الطلب بنوعيه؛ حيث يسري -في وقت واحد- على ما قبل الواو وما بعدها معنى النفي أو الطلب، ويشملهما هذا المعنى مصطحبين مجتمعين في زمن واحد2 ...
خامسها: أن فاء السببية قد تسقط جوازا بعد الطلب -لا النفي- سواء أكانت موجودة من الأصل ثم سقطت، أم لم تكن موجودة؛ فيصح في المضارع بعد غيابها الجزم في جواب الطلب، ففي مثل: شارك في ميادين الإصلاح، فينهض بلدك ... يصح أن يقال: شارك في ميادين الإصلاح ينهض بلدك ... بجزم المضارع: "ينهض". ولا يصح هذا في واو المعية؛ -كما سيجيء قريبا1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لبعض النحاة كلام مفيد في "واو المعية"، يتضمن ما قلناه. وملخص كلامه: أن المضارع ينصب بعد "واو المعية" في سائر المواضع التي ينصب فيها بعد "فاء السببية"؛ وهي المواضع التي تكون مسبوقة فيها بالنفي وملحقاته، والطلب المحض وما حمل عليه. وإنما يصح النصب إذا أردت المصحابة الحقيقية والاجتماع بين المعنى الذي قبل الواو، والمعنى الذي بعدها وقت حصولهما وتحققهما، والدلالة على أنهما يحصلان متحققان معا في وقت واحد، ولم ترد مجرد الاشتراك المطلق بين المعنيين اشتراكا لا مصاحبة فيه ولا اجتماع عند وقوعهما. وإذا نصبت المضارع بعد الواو فهي للعطف أيضا؛ فتعطف المصدر المنسبك بعدها على مصدر قبلها، لأنها مع إفادتها المعية والمصحابة تفيد العطف أيضا، وليست مقصورة على مجرد التشريك بين المعنيين كالذي تقتضيه واو العطف المحضة. أي: أن واو المعية هنا تقتضي التشريك والمصحابة الحتمية معا، وهما من خصائصها دون الواو المجردة للعطف وحده. ثم يتكلم: نعم، إن الواو العاطفة قد تحتمل المصاحبة أحيانا كما في قولك: جاء محمد وعلي، ويتكلم محمود، ويصرح؛ وينظر ... ، ولكن هذا مجرد احتمالا لا يقين معه. وليست المصاحبة أمرا مقطوعا فيه، ولا منصوصا عليه؛ إذ معنى العطف بالواو الدلالة على مجرد الاشتراك، دون زيادة على ذلك؛ من ترتيب، أو تعقيب، أو إمهال. أو مصاحبة، أو غيرها، وهذه هي مهمتها الأصيلة، وما عداها يكون أمرا محتملا؛ يحتاج في القطع به إلى قرينة أخرى حالية، أو مقالية. فإن لم توجد القرينة بقي الاشتراك المجرد على حاله مقطوعا به، وما عداه فموضع الاحتمال، بخلاف الواو الدالة على المعية والمضارع بعدها منصوب؛ فإنها شاملة للأمرين مجتمعين؛ فهي للعطف، وللمعية معا، ولا مجال للاحتمال في أحدهما؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ المعية مقطوع بها1 هنا كالعطف. ومتى ثبت أن المضارع لا ينصب إلا بعد الواو التي للمعية -بالشروط التي عرفناها- ثبت كذلك أنه لا يصح نصبه بعد "واو" غيرها؛ كالواو التي للاستئناف والجملة المضارعية بعدها مستأنفة. وكالواو التي للحال، والجملة المضارعية بعدها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من هذا المبتدأ وخبره في محل نصب حال، وكغيرها من أنواع الواو التي ليست للمعية ... وعلى أساس الاعتبارات السالفة يجوز في الأمثلة التالية -وأشباهها- ضبط المضارع بعد الواو ضبوطا مختلفة؛ كل ضبط منها يؤدي معنى غير الذي يؤديه الآخر؛ فالضبط خاضع للاعتبار المعنوي، وإن شئت فالضبط خاضع للمعنى، ومتى تم الضبط صار هو المرشد للمعنى: لا تقرأ وتأكل، لا تمش وتكتب، لا تغضب وتترك الحاضرين، لا تنتقل في الحديقة وتأكل ثمارها.. فيجوز في المضارع بعد الواو ما يأتي: 1- نصبه على اعتبار الواو للمعية؛ فيتعين أن يكون النهي مسلطا على الأمرين مصطحبين معا، فالكلام نص في النهي عن الجمع بين هذين الأمرين؛ فهو بمعنى: لا تجمع في وقت واحد بين هذين الأمرين. 2- جزمه على اعتبار الواو لمجرد العطف وحده من غير معية، فالمضارع بعدها بدون فاعله معطوف على المضارع السابق المجزوم، عطف فعل على نظيره الفعل. ويكون النهي منصبا على الأمرين أيضا، ولكن على سبيل التشريك الذي لا دلالة معه على مصاحبة، أو عدم مصاحبة. فالنهي مسلط على هذا وذاك سواء أكانا مصطحبين أم غير مصطحبين: فالاصطحاب وعدمه أمران محتملان، لا سبيل للقطع بأحدهما إلا بقرينة أخرى. 3- رفعه على اعتبار الواو للاستئاف، فالمضارع بعدها مرفوع، والجملة المضارعية مستقلة في إعرابها عما قبلها. ولذا يتعين أن يكون النهي منصبا على ما قبله الواو دون ما بعدها، فما بعدها مباح لا يسري إليه النهي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- رفعه على اعتبار الواو للحال، والجملة المضارعية بعدها في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف -في الرأي الراجح-1 والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال والنهي في هذه الصورة منصب على ما قبل الواو بشرط تقييده بما بعدها، أي: أنه ينصب على ما قبل الواو في صورة واحدة، هي التي يكون فيها مقيدا بالحال، ويتحقق فيها حصول القيد؛ ففي مثل: لا تقرأ وتأكل ... ، يكون المراد: لا تقرأ وأنت تأكل.. أي: لا تقرأ في الحالة التي تأكل فيها. أما في غير هذه الحالة فالأمر مسكوت عنه، لا دليل على النهي عنه أو إباحته، فلا بد من قرينة أخرى تعين أحدهما، وتزيل الاحتمال. ب- ألحق الكوفيون "ثم" العاطفة بواو المعية في المعنى بشرط استقامة المعنى على المعية، وأن يسبقها النفي أو الطلب كما يسبقان واو المعية، فكلا الحرفين عندهم يؤدي العطف والمعية معا بالشرطين السالفين؛ مستدلين بأمثلة مسموعة، منها قوله عليه السلام: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم2 ثم يغتسل منه"؛ بنصب: "يغتسل" على اعتبار "ثم" للعطف وللمعية "معا"، والمضارع بعدها منصوب "بأن" المضمرة وجوبا. وقد عورض رأيهم بأنه يلزم عليه أن يصير معنى الحديث -في حالة النصب- النهي عن الجمع بين البول في الماء والاغتسال منه، أي: النهي عن اجتماع الأمرين معا، ومصاحبتهما. ويترتب على هذا أن البول في الماء الدائم من غير اغتسال منه مباح؛ كما هو مفهوم الكلام السابق، مع أن هذا المفهوم مخالف للمراد من الحديث؛ إذ المراد منه -كما تدل قرائن متعددة- النهي المطلق عن البول في الماء الدائم، سواء أصحبة اغتسال أم لم يصحبه. وشيء آخر؛ كيف تدل "ثم" على المعية والعطف معا ومعناها في العطف هو الترتيب والتمهل وهما ينافيان المعية؟ فهل المراد مطلق الاشتراك ولو بغير معية؟ قال بعض المحققين يناقش الكلام السابق كله بما معناه: "إن الإشكال نشأ من قول بعض النحاة: "الفعل: يغتسل" في الحديث السابق يجوز نصبه بإعطاء: "ثم" حكم واو الجمع ... "3 فوقع في الوهم أن المراد إعطاؤها حكمها في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعية، مع أن أولئك النحاة لم يقصدوها. أما المفهوم والأخذ بما يقتضيه فإنما يكون حين لا يمنع منه مانع، ولا يصد عنه دليل؛ كالشأن في هذا الحديث الشريف فإن الأخذ بمفهومه غير جائز؛ لوجود ما يعارضه ويمنع الأخذ به؛ وهو ثبوت النهي عن البول في الماء الراكد مطلقا؛ سواء أكان معه استحمام فيه أم لم يكن. وبناء على ما تقدم -من المذهب الكوفي وأنصاره- يكون نصب المضارع؛ "يغتسل" قائما على أساس إلحاق "ثم" بواو المعية في النصب مطلقا؛ أي: سواء اقتضى المعنى النهي عن المصاحبة والاجتماع أم لم يقتض. ويصح جزمه على إرادة العطف المجرد الذي يفيد مطلق التشريك دون إفادة المصاحبة والمعية. ويصح رفعه عند ابن مالك وآخرين على اعتبار "ثم" حرف استئناف1 يرفع بعدها المضارع، كما يرفع بعد الواو والفاء الاستئنافيين1. ولا يجيز ابن مالك ومن معه العطف، لما يترتب عليه من عطف الخبر على الإنشاء، وهذا ممنوع على الأرجح" ... وإلى هنا انتهى المراد من كلامه ملخصا2. والأنسب ترك المذهب الكوفي هنا، وعدم القياس عليه؛ لقلة شواهده، ولما فيه من تكلف وتعقيد، والاقتصار في استعماله على المسموع الذي وردت فيه "ثم" بمعنى واو التشريك، المفيدة للمعية أو غير المفيدة لها.
المسألة 150
المسألة 150: حكم المضارع إذا لم توجد قبله "فاء السببية": عرفنا1 أن "فاء السببية" تخالف "واو المعية" في أمور؛ منها: أن فاء السببية قد تسقط من الكلام جوازا؛ فلا يصح نصب المضارع بعدها، وإنما يصح جزمه إن استقام المعنى المراد على الجزم. ومعنى سقوطها: غيابها واختفاؤها عن موضعها، وخلو مكانها منها؛ سواء أوجدت أولا الحضارة باللباب الحميد فتسعد، وتجنب الزائف البراق فتسلم" يصلح أن يقال: "خذ من الحضارة باللباب الحميد تسعد، وتجنب الزائف البراق تسلم". بجزم المضارعين: "تسعد، وتسلم"، بعد سقوط فاء السببية، وقد كانا منصوبين عند وجودها. ويشترط لجزم المضارع بعد سقوطها -على الوجه السالف- ثلاثة شروط مجتمعة: أولها: أن تكون مسبوقة بنوع من أنواع الطلب المحض أو ملحقاته -لا بنوع من النفي وملحقاته- وقد عرفنا أنواع الطلب الثمانية2 "وهي: الأمر، النهي، الدعاء، التمني3 الترجي، العرض، التحضيض الاستفهام". ثانيها: أن تكون الجملة المضارعية بعدها جوابا4 وجزاء للطلب الذي قبلها "أي: مسببة عنه: كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط". ثالثها: أن يستقيم المعنى بحذف "لا" الناهية ووقع "إن" الشرطية وبعدها
"لا" النافية محل "لا" الناهية1 التي حذفت، وحل محلها الحرفان قبل المضارع المنصاب. وهذا الحذف والإحلال لازمان حين تكون أداة الطلب "لا" الناهية". فإن كانت الأداة الطلبية نوعا آخر كفعل الأمر، أو الدعاء، أو غيرهما من الأدوات الاسمية والفعلية والحرفية وجب أن يستقيم المعنى بالاستغناء عن أداة الطلب وإحلال "إن" الشرطية هذه محلها، فتدخل وحدها على المضارع الذي دخلت عليه الأداة السابقة، إن وجد مضارع مذكور. وإن لم يوجد أتينا بعدها، أو بدلا منها2 -على حسب نوع الأداة- بمضارع مناسب نتصيده في مكانه، ويوافق المراد. وليس الغرض من مجيء "إن" "بالصورة السالفة قبل "لا" الناهية أو قبل غيرها من باقي أنواع الطلب" بقاءها واستمرارها، وإحداث أسلوب جديد يبقى ويستمر مع إهمال الأول، وإنما المراد استخدامها بصورة مؤقتة أو تخيلية؛ لترشدنا إلى صحة الجزم أو عدم صحته، تبعا لسلامة المعنى أو فساده؛ فليست إلا مجرد أداة للاختيار المؤدي لغرض خاص. من غير أن يكون لها أثر نحوي أو معنوي آخر. فإذا ما تحقق الغرض زالت. وبقي الأسلوب الأول "الذي كان قبل مجيئها" على حالته اللفظية والمعنوية، ولا اعتبار لغيره. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة جاز الجزم، فمثال الجزم بعد الأمر قولهم: "أفضل على من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره. واحتج إلى من شئت تكن أسيره". وقولهم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". والتأويل: إن تفضل على من شئت تكن أميره، وإن تستغن تكن ... ، وإن تحتج تكن ... ، إن ترحموا من في الأرض يرحمكم3 ...
ومثال الجزم بعد النهي: لا تكن عبد هواك، تأمن سوء العواقب، ولا تهمل مشورة الناصح الخبير، تدرك حميد الغايات. والتأويل: إلا تكن عبد هواك تأمن سوء العواقب، وإلا تهمل مشورة الناصح تدرك.... وبعد الدعاء: رباه. وفقني، أهتد لما يرضيك، ولا تدعني بغير تأييدك أجد خير ناصر ومعين. والتأويل: إن توفقني أهتد ... وإلا تدعني ... وبعد الاستفهام: أتجاهل الناس بالحق تكسب رضاهم؟ وهلا تينهم في غير ضعف تأمن أذاهم؟ والتأويل: إن تجامل ... تكسب ... إن تلاين تأمن ... وبعد التمني: ليت إخوان الصفاء كثير يقو بهم جانبي، وليت صفاءهم دائم أعش به سعيدا. والتأويل: إن تتحقق أمنيتي بكثرة إخوان الصفاء يقو بهم جانبي ... و ... وبعد الترجي: لعلك تساعد المحتاج تؤجر، ولعلك تحاذر المن عليه يضاعف أجرك. والتأويل: إن تساعد المحتاج تؤجر ... و ... وبعد الحض: هلا تستبق إلى الخير تذكر به، وهلا تدعو إليه تشتهر بالفضل. والتأويل: إن تستبق إلى الخير تذكر به ... و ... وبعد العرض: ألا تعرف الفضل لأهله تكن منهم، ألا تنكر جحود المغرورين تخرج من زمرتهم، والتأويل: إن تعرف الفضل لأهله تكن منهم و ... و.... فإن فقط شرط، أو أكثر، لم يصح الجزم، ووجب رفع المضارع وإعرابه على حسب ما يقتضيه السياق ويستلزمه المعنى. أ- فعند فقد الشرط الأول -بسبب وجود نفي، لا طلب، أو ملحقاته-
لا يصح جزم المضارع وإنما يجب رفعه؛ ففي مثل: ما يحسن العيي الكلام يملك به أفئدة السامعين ... ، لا يصح جزم المضارع: "يملك" في جواب النفي عند غياب فاء السببية1 إلى عند الكوفيين الذين يجيزون جزمه على اعتباره جوابا للنفي. أما غيرهم فلا يبيحه، ويوجب رفع المضارع: "يملك" على اعتباره في هذا المثال بدل مضارع من المضارع الذي قبلهن أو على اعتباره شيئا آخر في أمثلة تخالف السالف، وتقتضي معانيها إعرابها على غير البدلية.. كرفعه على اعتبار الجملة المضارعية مستأنفة2، أو صفة، أو حالا ... ، أو غير هذا مما تصلح له في موضعها ويقتضيه المعنى ... ب- وعند فقد الشرط الثاني -"بسبب أن المضارع بعد الفاء المختفة ليس مرادا منه أن يكون جوابا للطلب ولا جزاء، وأن المعنى على غيرهما"- لا يصح جزمه، وإنما يجب رفعه؛ مراعاة لاعتبار معنوي3 أو أكثر مما يقتضي رفعه. ومن
تلك الاعتبارات المعنوية. 1- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية استئنافية؛ نحو أتقيم عندنا اليوم؟ يسافر غدا زملاؤك. ونحو: قم للصلاة؛ يغفر الله لنا ولك. 2- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صفة لنكرة لمحضة1؛ نحو: استمع إلى خطيب يملك ناصية القول. 3- رفعه على اعتبار الجملة المضاريعة حالا من معرفة محضة، نحو: تمتع بعذاب من يحسدونك؛ ينظرون نعم الله عليك، محترقين بنار الحسد. 4- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صالحة للحال والوصف؛ لوقوعها موقعا يؤهلها لكل منهما، وعدم وجود قرينة تعينها لأحدهما - كوقوعها بعد نكرة موصوفة أو غيرها مما ليس محضا من المعارف والنكرات -نحو: كرم عالما نابغا يعتزم الرحيل. 5- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صالحة "للحال"، والوصف، والاستئناف" مع عدم وجود قرينة تعينها لواحد دون الآخر؛ كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، فيصح في الجملة المضارعية: "تطهرهم" الأمور الثلاثة2 ... وهكذا3 ...
ح- وعند فقد الشرط الثالث1 لا يصح الجزم؛ ففي مثل: لا تقترب من النار تحترق، لا يصح جزم المضارع: "تحترق"؛ لعدم استقامة المعنى عند إحلال "إن" الشرطية وبعدها "لا" النافية محل "لا" الناهية؛ إذ يفسد المعنى حين نقول: "إلا2 تقترب من النار تحترق. بخلاف: لا تقترب من النار تسلم، فيصح جزم المضارع؛ لصحة قولنا: إلا2 تقترب من النار تسلم ... ومن الأمثلة: لا تهمل الرياضة تضعف؛ فلا يصح جزم المضارع -تضعف- للسبب السالف؛ بخلاف: لا تهمل الرياضة تأمن الضعف. ومن أمثلة الطلب بغير "لا" الناهية: أحسن معاملتي أحسن معاملتك، فيصح جزم المضارع: "أحسن"؛ لصحة قولنا: إن تحسن معاملتي أحسن معاملتك؛ بوضع "إن" الشرطية وبعدها مضارع مناسب موضع فعل الأمر "أحسن". بخلاف: أحسن إلي لا أحسن إليك؛ فيجب رفعه؛ إذ لا يصح قولنا: إن تحسن إلي لا أحسن إليك؛ لفساد المعنى3 ... ومن الأمثلة الطلب بغير "لا" الناهية أيضا: أين بيتك أزرك؟ يجزم المضارع؛
لصحة مجيء "إن" الشرطية وبعدها مضارع متصيد. والتقدير: إن تعرفني بيتك أزرك. بخلاف: أين بيتك أقف في السوق؛ إذ لا يصح: إن تعرفني بيتك أقف في السوق، لعدم استقامة المعنى؛ بسبب عدم ارتباط أجزائه، وفقد المناسبة بينهما ... وهكذا بقية أنواع الطلب الأخرى ومنها: الأمر والترجي بالتفصيل الآتي1 فيجري على بقية الأنواع -في الأغلب-2 ما جرى على نظائرها. وبعض الكوفيين -وفي مقدمتهم زعيمهم الكسائي- لا يشترط إحلال "إن" مع "لا" النافية محل "لا" الناهية، ولا إحلال "إن" قبل بقية أدوات الطلب، ولا ما يترتب على هذا الإحلال، من استقامة المعنى أو عدم استقامته. قائلا: إن إدراك المراد من الجملة الأصلية، والتفريق بين الغرض المقصود منها وغير المقصود مرجعه القرائن وحدها، فعليها دون غيرها المعول. ففي مثل قولك للمشترك: "أسلم تدخل النار" يجيز جزم المضارع "تدخل" على معنى: إن لم تسلم تدخل النار؛ فهو يقدر وجود النفي، بشرط وجود قرينة توجه الذهن إليه. في حين يستبعد النفي ويهمله إن كان الطلب نهيا، ويجعل الجملة المضارعية جوابا وجزاء للنهي مباشرة، معتمدا في فهم المراد وتعيينه على القرائن؛ مثل: لا تقترب من النار تحترق ... يجزم المضارع: "تحترق" واعتبار الجملة المضارعية هي الجواب والجزاء بغير تأويل ولا تقدير3. وقد مال بعض النحاة القدامي إلى هذا
الرأي، وإلى الأخذ به في أنواع الطلب المختلفة "نهيا وغير نهي" ولعل الدافع لهذا الميل هو التيسير، وأن الناس يستعملونه فلا يخفى المراد منه مع قيام القرينة الحامسة، ولكن الرأي الأول هو الأحسن، والأجدر بالاقتصار عليه؛ لأنه أكثر ورودا في فصيح الكلا وأوضح معنى، وأبعد من اللبس والخفاء1 ...
جواب الأمر والترجي: كل ما تقدم يسري على المضارع الخالي من الفاء، الواقع في جواب نوع من الطلب؛ كالأمرن أو الترجي، أو غيرهما ... ونخص هذين بشيء من البيان. أ- من أنواع الطلب المحض: الأمر -كما عرفنا-1 والمضارع في جوابه إذا كان مقرونا بفاء السببية، يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا. وكثرة النحاة تشترط لنصبه هذا أن يكون بالصيغة الصريحة الدالة على فعل الأمر مباشرة؛ نحو: "ارحم من هو أضعف منك؛ فيرحمك من هو أقوى منك"، أو بالصيغة التي تشبهها؛ وهي لام الأمر الجازمة للمضارع؛ نحو: "لترحم من هو أضعف منكم فيرحمك من هو أقوى ... ". فإن لم تكن الدلالة على الأمر بإحدى هاتين الصيغتين فالفاء بعدها ليست للسببية؛ كالدلالة باسم فعل الأمر في مثل: صه عن اللغو؛ فيرتفع قدرك، ومثلك مكانك فتحمدين أو تستريحين. أو بالمصدر الواقع بدلا من التلفظ بفعله في مثل: سعيا في الخير، فتجتمع القلوب حولك. أو بصيغة الدعاء بالاسم في مثل: سقيا لوطن الأحرار فيسعدون به. أو بصيغة الجملة الخبرية بقصد الدعاء -أو غيره-2 نحو: يعينني الله فأحتمل أعباء الجهاد. فالفاء في كل هذه المواضع ليست للسببية يف رأي الكثرة. وقد سبق3 أن الأفضل التيسير بقبول الرأي الذي يجعلها سببية. واتفق رأي الكثرة والقلة على صحة جزم المضارع الواقع بعد هذه الفاء إذا سقطت، وخلا الكلام منها؛ فيصير المضارع بعد غيابها واقعا في جواب الأمر فيجزم؛ سواء أكانت الدلالة على الأمر بالصيغتين الأصليتين أم بغيرهما من باقي الصيغ التي عرضناها؛ بشرط استقامة المعنى عند إحلال "إن" الشرطية،
والمضارع المناسب محل الأمر1؛ فتقول: ارحم من هو أضعف منك يرحمك من هو أقوى2، لترحم من أهو أضعف منكم يرحمك من هو أقوى. كما تقول: صه عن اللغو يرتفع قدرك، ومكانك تحمدي أو تستريحي، سعيا في الخير تجتمع حولك القلوب، سقيا لوطن الأحرار يسعدوا به، يعينني الله أحتمل أعباء الجهاد ... ، ومثل الجملة الخبرية المقصود منها الأمر، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} 3، بجزم المضارعين "يغفر" و "يدخل" في جواب الأمر: إذ الأصل: آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيل الله ... يغفر لكم ... ويدخلكم ... ، ومثل الآية الكريمة3 كثير من فصيح الأساليب التي يحاكيها الناس حتى يومنا هذا -وقد أشرنا لبعضها في مناسبة سابقة-3 كقول الزارع ينصح زميله: "تزع حقلك وتعتني به تحصد كثيرا". "وتهمل أمر زرعه، وتنصرف عنه تحزم يوم الحصاد". التقدير: ازرع حقلك واعتن به تحصد كثيرا. وأهمل أمره، وانصرف عنه تحزم. ومن الأمثلة المأثورة: اتقي الله امرؤ فعل خيرا يشب عليه ... التقدير: ليتق الله امرؤ، وليفعل خيرا ... يشب عليه4..
ب- ومن أنواع الطلب -في الرأي الراجح- الترجي. وقد سبق تعريفه والكلام عليه1؛ فإذا وقع في جوابه المضارع مقرونا بفاء السببية وجب نصبه بأن مضمرة وجوبا؛ ومن الأمثلة: "لعلك مزود بالجد والصبر فتبلغ اسمى الغايات، ولعلك تحفظ حق النعمة فيديمها الله عليك". فإذا سقطت هذه الفاء وخلا مكانها، صار المضارع بعدها -في ذلك الرأي الراجح- جواب للترجي مجزوما إن تحققت شروط الجزم التي عرفناها؛ ففي الأمثلة السالفة نقول: لعلك مزود بالجد والصبر، تبلغ أسمى الغايات، ولعلك تحفظ حق النعمة يدمها الله عليك. ومثل قول الشاعر: لعل التفاتا منك نحوي ميسر ... يمل بك من بعد القساوة لليسر ......................................2 ... ........................................
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا دخلت "إن" الشرطية -أو غيرها من أدوات الشرط- على "لا" الناهية فقدت دلالتها على النهي وصارت للنفي؛ لأن أداة الشرط لا تدخل على النهي1. وعلى هذا كيف نعرب: "لا" الناهية التي فقدت الدلالة على النهي بسبب وقوعها بعد "إن" الشرطية أو غيرها من أدوات الشرط؟ أنقول إنها حرف نهي باعتبار أصلها السابق، أم نقول إنها حرف نفي باعتبار الواقع الذي انتهت إليه؟ رأيان قد يكون خيرهما مراعاة الواقع. ب- إذا جزم المضارع في جواب الطلب بعد أن اختفت فاء السببية -فما العامل الذي جزمه؟ للنحاة في هذا ميدان جدل فسيح، ولسنا في حاجة لغرض مساجلاتهم2، وحسبنا الإشارة العابرة إليها، والاكتفاء بأن نقول في المضارع المجزوم: إنه مجزوم لوقوعه في جواب: "الطلب". 1- فمن قائل إن أداة الطلب تضمنت معنى أداة الشرط فجزمت، كما أن أسماء الشرط تضمنت معنى الشرط فجزمت. وقد دفع هذا باعتراضات كثيرة. يصدمها ردود كثيرة أيضا. 2- ومن قائل إن أداة الطلب وجملته نابت في العمل عن أداة الشرط وجملته بعد حذفهما فجزمت؛ كما أن النصب بالمصدر في نحو: ضربا اللص؛ هو لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه منعاه. ونصيب هذا من الجدل نصيب سابقه ... وكلاهما يرمي إلى أن العامل مذكور. 3- ومن قائل إن عامل الجزم ليس مذكور في الكلام تضمنا أو إنابة كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول أصحاب الرأيين السالفين، وإنما هو شرط مقدر دل عليه الطلب المكذور فمن يقول: أكرمني أحسن إليك -يريد: أكرمني؛ فإن تكرمني أحسن إليك. وهذا أشهر الآراء مع ما يتعاوره من معارضات مختلفة. 4- ومن قائل إن العامل ليس مذكورا -كما هو الرأي الثالث- ولكنه مقدر ينحصر في "لام الأمر" المقدرة -دون غيرها- فأصل: ألا تنزل عندنا تصب خيرا ... هو: ألا تنزل عندنا. لنصب خيرا ... وهذا أضعف الآراء عندهم، والاعتراضات عليه كثيرة وقوية.
المسألة 151
المسألة 151: حذف 1 "أن" والنصب بها في غير المواضع السابقة: عرفنا المواضع التي ينصب فيها المضارع بأن المضمرة وجوبا أو جوازا. وقد سمع من العرب نصبه "بأن" محذوفة1 في غير تلك المواضع أحيانا، فمن الوارد عنهم: خذ اللص قبل يأخذك -تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقول الشاعر: ألا أيهاذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذان -هل أنت مخلدي .... والأصل: خذ اللص قبل أن يأخذك -أن تسمع بالمعيدي ... - أن أحضر الوغى ... وقد دار الجدل حول هذه الأمثلة؛ أيصح القياس عليها بحذف "أن" العاملة أم لا يصح؟ وكيف نضبط المضارع في الأمثلة المسموعة بالنصب بعد حذف "أن"؟ أنتركه منصوبا -كما كان عند وجودها- مراعاة للسماع، وللأصل الأول قبل الحذف، أم يصح رفعه مراعاة للأمر الواقع؟ وصفوة ما يختار، وما يجب الاقتصار عليه -حرصا على سلامة اللغة، وبعدا عن اللبس والاضطراب في فهمها- هو: الحكم بالشذوذ على ما ثبت سماعه وصحت روايته من تلك الأمثلة المنصوبة2. وعدم محاكاتها، أو القياس عليها. أما ضبط الأفعال المضارعة المسموعة بالنصب فيصح رفعها، أو تركها منصوبة كما وردت. ومن الكوفيين من يجيز حذف "أن" قياسا مع بقاء عملها النصب في المضارع بعدها، وعلى هذا جاء قول المتنبي -وهو كوفي- في وصف غادة: بيضاء يمنعها تكلم دلها ... تيها، ويمنعها الحياء تميسا
يريد: أن تتكلم -أن أتميس "أي: تتبختر". وإهمال هذا الرأي أولى -لما سبق. هذا، وقد تحذف "أن" سماعا، ويرفع المضارع سماعا كذلك؛ فيراعى الضبط الوارد؛ كالفعل "يريكم" في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} عند من يرى الأصل: "أن يريكم ... " ثم حذفت "أن" ورفع المضارع بعد حذفها مع حاجة المعنى إليها1..
المسألة 152
المسألة 152: السبب في إضمار "أن" وجوبا، وجوازا: تقدمت1 المواضع التي تضمر فيها "أن" الناصبة بنفسها للمضارع بالرغم من إضمارها. ولا ترضى جمهرة النحاة أن يكون الناصب في تلك المواضع عاملا آخر. وتتلخص الحجة فيما يأتي: نصب المضارع لا بد أن يكون أثرا لعامل ناصب، إن لم يظهر في الكلام فلا مناص من تقديره مختفيا2 يعمل النصب وهو مضمر2 ... ؛ إذ لا يستقيم المعنى بغير إضماره جوازا حينان ووجوبا حينا آخر. أ- يتضح هذا من مواضع الإضمار الجائز التي منها "المضارع المسبوق بلام التعليل"3 "في مثل: تداوي المريض ليبرأ -تعلم الناشئ ليسعد- أجاد الصانع ليشتهر" ... فسبب الإضمار هنا أن "التعليل" أمر معنوي محض؛ فهو -كسائر الأمور المعنوية المحضة- متجرد من الدلالة على الزمان، أو المكان، أو الذات، أو غيرهما ... ، مقتصر على الناحية العقلية الخالصة؛ "ومن الأمثلة أيضا: التداوي، البرء، التعلم، السعادة، الاشتهار، القيام، القعود، الحصد، الأكل، الشرب، السفر ... " على حين يتضمن المضارع الذي بعد "لام التعليل" الدلالة على الزمان4 حتما؛ فهو مخالف لذلك القانون اللغوي الثابت الخاص بالتعليل؛ ومناقض له، مع أنهما لفظان متصلان متلاصقان في كلام واحد مرتبط المعنى. فلا بد من منع هذا التناقض بوسيلة سائغة تخضع هذا المضارع للقانون العام المطرد. وقد وجدها النحاة فيما يسمونه: "المصدر المؤول". وزاد اطمئنانهم إليه حين رأوا العرب يعطفون عليه المصدر الصريح -وهو يدل على المعنى المجرد- عطفا يدل على اشتراكهما في الدلالة المعنوية المحضة. ولم يبق بعد هذا إلا
اهتداؤهم إلى الحرف المصدري السابك. فهل يكون لام التعليل في الأمثلة السالفة؟ قالوا: لا؛ لأنها حرف جر، والمضارع بعدها منصوب، ولا يقبل الجر. فما الذي نصبه وليس في الكلام عامل نصب؟ هل تكون لام جر ونصب معا. فتنصب المضارع بنفسها، وتجر الصدر المنسبك بنفسها كذلك؟ قالوا: لا؛ إذ ليس في الحروف كلها ما يعمل عملين مختلفين في كلمة واحدة، ووقت واحد. هل تكون قد تجردت للسبك مع النصب، كما تجردت لهما "أن المصدرية"؟ لا يقال هذا؛ لأنها لو تجردت لهما معا لوجب حذفها بعد إتمام السبك، وقيام المصدر المؤول -عملا بما تقتضيه قواعد السبك- لكن حذفها يؤدي إلى خلو الكلام من العلامة الهامة الدالة على التعليل، والمرشدة إلى ضبط المصدر المنسبك، وإعرابه، وضبط ما قد يكون له من توابع -كالعطف والبدل..... وأيضا يمنع من اعتبارها حرف نصب ما تردد في الكلام الفصيح من ورود التوابع للمصدر المؤول مجروره لا منصوبة. وهذا يقطع بأن المتبوع "وهو" المصدر المؤول" مجرور ليس غير. ولا عامل يصلح لعمل الجر في الجملة إلا هذه اللام. ولو بقيت -بالرغم مما في بقائها من مخالفة ضوابط السبك، كما أسلفنا- لأدى بقاؤها إلى اللبس والاضطراب أيضا؛ إذ لا نستطيع الحكم عليها بأنها هي التي كانت قبل السبك أو أنها أخرى جاءت بعده. والفرق المعنوي والإعرابي كبير بين النوعين. فلم يبق إلا أن الناصب السابك حرف غير مضمر. هو: "أن" دون غيره. وأساس اختيار هذا الحرف: استقراء الكلام العبي في أفصح أساليبه؛ فقد دل على أن العرب يعمدون في اِلأسلوب الواحد إلى إظهار الحرف "أن" بعد "لام التعليل" أو إلى إضماره، مع نصب المضارع في الحالتين1، دون أن يختلف المعنى في التركيب مطلقا بسبب إظهار "أن" أو عدم الإظهار. وما قبل في "لام التعليل" يقال في غيرها من الحروف الأخرى التي تضمر بعدها "أن المصدرية" إضمارا جائزا. ب- وأما إضمارها وجوبا بعد أحرف أخرى معينة؛ "كالفاء، والواو،
وحتى ... و ... و ... " فلأن كلا منها يؤدي معنى خاصا محتوما؛ كالسببية، والمعية، والتعليل، والغائبة ... و ... ، وكل هذه معان عقلية مجردة، لا حالالته فيها لزمان، أو مكان، أو ذات، أو غيرها ... -على الوجه الذي شرحناه- فلا توافق بينها وبين المضارع؛ لاقتضائه الزمان حتما. فلا مفر من البحث عن وسيلة تمنع التعارض هنا، وتجعل الجملة المضارعية بعد هذه الأحرف المعينة، في عداد ما يدل على الأمر المعنوي المحض، وهذه الوسيلة هي المصدر المسؤول. والحرف السابك هو "أن" دون غيره من الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف التي لها معان معينة خاصة يؤدي إلى فساد المعنى العاملي الوجه الذي تقدم في "لام التعليل"، وإلى خلو التركيب من الأثر النحوي الهام على الوجه الذي يقوم به كل حرف منها؛ كالعطف، والجر، و ... و ... ، وليس من الممكن -طبقا للأساليب الصحيحة الواردة أن يقوم بهذا الأثر النحوي وينصب معه المضارع أيضا؛ فليس بين الحروف ما يقوم بأثرين إعرابيين معا في موضع واحد وزمن واحد -كما تقدم- وهذا الأثر ضروري في ربط شطري الكلام "قبل الحرف وبعده" ومنع تفكك أجزائه، وفي الوصول إلى ضبط الأفعال المضارعة ضبطا صحيحا. ولذا تمسك النحاة بأن تعمل هذه الأحرف العطف أو غيره مما يخص كلا منها. ومن أوضح الأمثلة: "فاء السببية" وهي عاطفة لا محالة -في الرأي الأرجح- وللعطف أثر في حالات كثيرة؛ حيث ينصب النفي على ما قبلها وما بعدها معا، أو على ما بعدها وحده. وحيث يختلف ضبط المضارع من رفع واجب في مواضع، إلى نصب واجب في أخرى، وإلى جواز الأمرين أو وجوب الجزم في غيرها.. ويترتب على كل ضبط معنى يخالف الآخر -كما سبق عند الكلام عليها1. وما يقال في "فاء السببية" يقال في غيرها من باقي الأدوات التي تضمر بعدها "أن" وجوبا. هذا ملخص ما تحتج به الجمهرة المستمسكة بإضمار "أن" وهو يشهد لها بالحذق، والبراعة، وسداد الرأي. فمن التسرع أو جنف الهوى اتهامها -في هذا الحكم- بالتشدد، أو الجمود، أو الاستمساك بما لا داعي له، أوما لا خير فيه.
المسألة 153: إعراب المضارع
المسألة 153: إعراب المضارع مدخل ... المسألة 153: إعراب المضارع "ب" جوازمه1: عوامل جزمه ثلاثة أنواع: نوع يقتصر على جزم مضارع واحد في النثر وفي النظم، بلا خوف، وهو أربعة أحرف: "اللام الطلبية، لا الطلبية، لم، لما"2. ونوع لا بد أن يجزم مضارعين معا، أو ما يحل محل كل منهما، أو محل أحدهما؛ وهو عشر أدوات، "منها: إن، إذ ما، من، ما، متى ... و ... " بعضها أسماء، وبعضها أحرف. وسيجيء بيانها وتفصيل الكلام عليها3. ولا يكاد يوجد خلاف في أن هذا النوع جازم.
ونوع ثالث يختلف النحاة في اعتباره جازما، وقليل منهم يعده جازما، ويقصر جزمه على الشعر دون النثر. وأدواته ثلاثة: إذا -كيفما- لو.. والجوازم بأنواعها الثلاثة لا تدخل إلى على الفعل ظاهرا، أو مقدرا1. وفيما يلي البيان: النوع الأول 2: الأربعة التي يجزم كل منها مضارعا واحدا معانيها، وأحكامها أولها: لام الطلب. وهي التي يطلب بها عمل شيء وفعله -تركه، ولا الكف عنه- فإن كان الطلب صادرا ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقل منه سميت: "لام الأمر"، وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لام الدعاء". وإن كان من مساو سميت: "لام الالتماس". وبسبب دلالتها على المعاني الثلاثة كانت تسميتها "بلام الطلب" أنسب، كما عرفنا3. ومن أمثلتها: "لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتكن صلة القرابة لديك مصونة". ومن أمثلتها: "لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتن صلة القرابة لديك مصونة". ومثل قول الحكماء: "ليكن حبك وبغضك أمما4 ولتجعل للصلح والرجوع بقية في بقية في قللك، تصلح بما ما فات". وأشهر أحكامها: 1- أنها تجزم المضارع5 بشرط ألا يفصل بينهما فاصل. 2- أن الجزم بها مختلف في درجة القوة والكثرة. فيكثر دخولها على المضارع المبدوء بعلامة الغياب؛ وهي الياء للمذكر، والتاء للمؤنث، ويقل -مع صحته-
دخولها على المضارع المبدوء بحرف الخطاب1؛ أو المبدوء بحرف التكلم، وهو: الهمزة أو النون، لأن المتكلم لا يأمر نفسه إلا مجازا، وهذا -مع قلته- قياسي فصيح، كسابقه. ومن الأمثلة قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ، وقوله عليه السلام: "قوموا فلأصل لكم" 2. ومثل: لأترك من أساء ولأصاحب من أحسن. 3- أنها قد تحذف ويبقى عملها. وحذفها إما كثير مطرد؛ وذلك إذا وقعت بعد فعل الأمر: "قل" وكان الكلام بعدها لا يصلح جوابا للأمر. بسبب فساد معنوي. أو غيره، كالآية الكريمة: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} 3 أي: ليقيموا.. وإما قليل، ولكنه جائز في الاختيار وفي الضرورة، وهو حذفها بعد مشتقات القول الأخرى التي ليست فعل الأمر: "قل"؛ نحو: قلت لبواب لديه دارها ... تأذن؛ فإني حموها4 وجارها يريد: لتأذن5 لي بالدخول ... 6. وإما قليل مقصور على حالة الضرورة الشعرية؛ وهذا حين لا يسبقها شيء من مادة القول؛ نحو:
محمد، تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا1 وقول الآخر2: فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب والأصل فيهما: لتفد، ليكن ... ، فحذفت اللام للضرورة الشعرية. 4- أن تحريكها بالكسر هو الأكثر؛ إذا لم يسبقها "الواو، أو الفاء، أو ثم". وفتحها لغة إن فتح تاليها. فإن سبقها أحد الأحرف الثلاثة المذكورة جاز تسكينها وتحريكها على الوجه السالف، لكن التسكين أكثر. نحو قولهم: من ولي من أمور الناس شيئا فليراقب ربه فيما وليه، وليذكر أنه محاسب على ما يكون مه، ثم لينتظر عاقبة ما قدمت يداه..3. ثانيها: "لا" الطلبية وهي التي يطلب بها الكف عن شيء وعن فعله4. فإن كان الطلب موجها ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى سميت "لا الناهية"4 وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية" وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا التي للالتماس"5 ... ومن أمثلة الناهية قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} . وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} -أي: ولا تتفرقوا. ومن أمثلة الدعائية قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وقول الشاعر:
لا يبعد الله جيرانا تركتهمو ... مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم ........................................ ... .......................................1 ومن أمثلة الالتماس قول الزميل لزميله: لا تتهافت على اللئيم فتتهم في مروءتك. ولا على الجاهل فتتهم في فطنتك. ولا تأمن العدو فيسوقك للمهالك، ولا تثق بالحسود فيجرك للعطب. وأشهر أحكامها: 1- أنها تجزم المضارع2 بشرطين، أولهما: ألا يفصل بينهما فاصل، إلا عند الضرورة الشعرية؛ كالتي في مثل: وقالوا: أخانا -لا تخشع لظالم ... عزيز، ولا -ذا حق قومك- تظلم3 والأصل: ولا تظلم ذا حق قومك4. وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار مع مجروره؛ لأن التوسع بشبه الجملة كثير في ألسنة العرب. ورأيه حسن؛ مثل قولك للطائش: "لا -اليوم- تعبث والقوم يجدون، ولا -عن النافع- تنصرف والعقلاء يقبلون". أي: لا تعبث اليوم ... ولا تنصرف عن النافع. ثانيها: ألا تسبقها "إن الشرطية" أو غيرها من أدوات الشرط. فإن سبقت بإحداهما صارت نافية لا تجزم5.. 2- صحة حذف مضارعها لدليل يدل عليه؛ نحو: انصح زميلك ما وجدته
مستريحا للنصح، منشرحا له. وإلا فلا ... أي: فلا تنصحه. ويجب حذف المضارع بعدها في حالة واحدة؛ هي: أن ينوب عن مصدر محذوف، مؤكد، دال على نهي، كقولك لمن يتكلم والخطيب يخطب: سكوتا لا كلاما، أي: اسكت سكوتا، لا تتلكم كلاما1. 3- كثرة جزمها المضارع المبني للمعلوم إذا كان مبدوءا بالتاء أو الياء، نحو قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} . وقول الشاعر: لا تسأل الناس عن مالي وكثرته ... وسائل الناس عن حزمي وعن خلقي وقولهم: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق؛ فإن الرزق لا يسعى للقاعد عن طلبه2. فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم "الهمزة، أو: النون" فمن النادر الذي لا يقاس عليه أن تجزمه -في الرأي المختار- لأن المتكلم لا ينهى نفس إلا مجازا. ومن القليل المسموع قول الشاعر: لا أعرفن ربربا3 حورا مدامعها ... مردفات4 على أعقاب5 أكوار6
وقول الآخر: إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ... لها أبدا ما دام فيها الجراضم1 أي: لا يكن ربرب أعرفه -لا تكن منا عودة بعد خروجنا2 ... فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم مع بنائه للمجهول جزمته بكثرة؛ نحو: لا أخرج من وطني إلا تحت ظلال السيوف أو لا تخرج من وطنا ... وإنما كثر هذا لأن النهي متجه إلى غير المتكلم؛ فأصل الكلام. لا يخرجني أحد، أو لا يخرجنا أحد.. فالنهي منصرف للفاعل وهو غير المتكلم. ثم حذف الفاعل وناب عنه ضمير المتكلم؛ فصار الكلام: لا أخرج، ولا نخرج3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لم يشترط الكوفيون للجزم بـ"لا" أن تكون طلبية؛ فهم يصححون الجزم بعد "لا" النافية أيضا؛ بشرط أن يصح وقوع "كي" التعليلية قبلها مع استقامة المعنى؛ كالذي حكى من قول بعض العرب: "ربطت الفرس لا ينفلت" بجزم المضارع وبرفعه، فالجزم على توهم وتقدير جملة شرطية؛ أي: لأني إن لم أربطه ينفلت. وهنا يمكن وضع: "كي" قبل: "لا" من غير أن يفسد المعنى، بأن يقال: ربطت الفرس كي لا ينفلت. ومن الخير اليوم عدم الأخذ بهذه اللغة، وعدم القياس على القليل الوارد بها؛ منعا لفوضى التعبير، وما يترتب عليه -بغير داع- من اضطراب الفهم واختلافه. أما الرفع فعلى الاستئناف. ب- من الأساليب الصحيحة التي لها نظائر واردة في بليغ الكلام: "أحب الأصدقاء ولا تر ما المخلصون أو: ولو تر ما المخلصون ... " بمعنى: "ولا سيما ... " في كل ما تقدم. وقد سبق تفصيل الكلام على هذا الأسلوب؛ معنى وإعرابا1 ... ح- يقرر اللغويون أن "لا، النافية"، قد تفيد النهي -دون أن تجزم- إفادة أقوى من إفادة "لا، الناهية" يدل على هذا ما سجله الشراح في قوله عليه السلام2: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلام ... " -برفع المضارع: "يشير"، وإثبات الياء قبل الراء، فقد قال النووي في شرحه ما نصه: "قوله: لا يشير..، نهي بلفظ الخبرن وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي". ا. هـ3. ومن الأمثلة أيضا قوله عليه السلام4 حين نزلت الآية التي تحرم الخمر تحريما قاطعا: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبيع" برفع المضارعين. ودليل الرفع عدم حذف الياء قبل آخر الفعل: "يبيع"5.
ثالثها ورابعها: "لم، ولما" الجازمتان1: ويشتركان في أمور، منها: أن كلا منهما حرف نفي. مختص بجزم مضارع واحد، وبنفي معناه، وبقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي2، وقد تدخل همزة الاستفهام -ولا سيما التقريري-3 على هذا الحرف، فلا تغير عمله. ومن الأمثلة قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 4، وقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} . ومثل: حضر الرحالة ولما تحضر رفاقه، وأقبل الناس على تهنئته، ولما يسمعوا منه وصف رحلته، ومثل: أيها الفتى، ألما تترك عبث الغلمان وقد كبرت؟ ألما تقبل على عملك والوطن ينتظر منك الجد والإخلاص؟ لما سبق يقول النحاة في كل واحد منهما عند إعرابه إنه: "حرف نفي، وجزم، وقلب". ثم هم يقررون أن المضارع بعدهما مضارع في لفظه وفي إعرابه، لكنه ماض في زمن معناه، سواء أكان مضيه متصلا بالحال أم غير متصل.
وتنفرد كل أداة منهما بأمور؛ فما تنفرد به "لم": 1- صحة دخول بعض أدوات الشرط عليها "مثل: إن، إذا، من، لو ... " كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقول الشاعر: إذا لم يكن فيكن ولا جنى ... فأبعدكن الله من شجرات وقول الآخر: من لم يؤدبه الجميـ ... ـل ففي عقوبته صلاحه....1 وقول المتنبي يرثي جدته: ولو لم تكوني بنت أكرم والد ... لكان أباك الضخم كونك لي أما وإذا دخلت أداة الشرط على "لم"2 صار المضارع بعدها متجردا للزمن المستقبل المحض، وبطل تأثير "لم" في قلب زمنه للماضي. ومعنى هذا: أن "لم" تقلب زمن المضارع من الحال والاستقبال إلى الماضي بشرط ألا تسبقها إحدى الأدوات الشرطية التي تخلص زمنه للمستقبل المحض، فإن سبقته إحدى هذه الأدوات مثل: إن -من. و. ولم ينقلب زمنه للماضي، وصار التأثير في زمنه مقصورا على أداة الشرط وحدها؛ فتخلصه للمستقبل المحض. كالشأن في الأدوات الشرطية التي تجعله للمستقبل الخالص. لكن ما الذي يجزمه إذا اجتمعت قبله أداة الشرط و"لم" معا، وكانت أداة الشرط جازمة كالتي في بعض الأمثلة السابقة، وفي قولهم: من لم يقدمه الحزم يؤخره العجز؟ 3
اختلف النحاة في تعيين الأداة العاملة؛ فقائل: إنها "لم"؛ لاتصالها به مباشرة، وأداة الشرط مهملة1 داخلة على جملة، وقائل: إنها أداة الشرط، لسبقها ولقوتها، فكما تؤثر في زمنه فتجعله للمستقبل الخالص تؤثر في لفظه فتجزمه كما جزمت جوابه؛ وخلصت زمنه للمستقبل. وفي هذه الحالة تقتصر "لم" على نفي معناه دون جزمه، ودون قلب زمنه للماضي. والأخذ بهذا الرأي أحسن؛ بالرغم من أن الخلاف لا قيمة له؛ لأن المضارع مجزوم على الحالين، والمعنى لا يتأثر. 2- صحة الفصل بينها وبين مجزومها في الضرورة الشعرية فقط؛ كقول الشاعر: فأضحت مغانيها قفارا رسومها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل أي: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. 3- جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى وانقطع قبل الكلام بوقت قصير أو طويل2، وأن يكون مستمرا متصلا بالحال؛ "أي: بوقت الكلام" ولكن يستحيل أن يكون للمستقبل، أو متصلا به ... 3؛ فمثال انقطاعه قبل الكلام وعدم امتداده للحال: لم ينزل المطر3 منذ شهرنا. ومثال استمراره واتصاله بالحال وعدم انقطاعه قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ،
وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 1، وقول الشاعر: غاية البؤس والنعيم زوال ... لم يدم في النعيم والبؤس حي وقول الآخر في مغنية: غنت فلم تستبق جارحة ... إلا تمنت أنها أذن1 4- صحة وقوع الاسم بعدها معمولا لفعل محذوف بعدها، يفسره شيء مذكور. كقول الشاعر: ظننت -فقيرا- ذا غنى، ثم نلته ... فلم -ذا رجاء- ألقه غير واهب والتقدير: فلم ألق ذا رجاء -ألقه- غير واهب إياه ما يريد، وما يحتاج إليه2. والأحسن الرأي يقصر هذه الحالة على الضرورة الشعرية، ويمنع القياس عليها في النثر. 5- امتناع حذف مضارعها -في غير الصورة السالفة- إلا في الضرورة3 كقول القائل: احفظ وديعتك التي استودعتها ... يوم الأعازب4، إن وصلت وإن لم أي: وإن لم تصل ...
6- أن بعض العرب قد ينصب بها، وبعضا آخر قد يهملها فلا تنصب ولا تجزم، وإنما تتجرد للنفي المحض؛ فمثال النصب بها قراءة من قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1. ومثال لإهمال قول الشاعر: لولا فوارس من ذهل وأسرتهم ... يوم2 الصليفاء لم يوفون بالجار ومن المستحسن الآن الانصراف عن هذين الرأيين، وعدم محاكاة واحد منهما؛ منعا للفوضى البيانية، الضاره. ومما تنفرد به "لما: 1- صحة حذف المضارع المجزوم بها، والوقوف عليها بعد حذفه، في النثر وفي الشعر؛ كقول أحد القواد الرحالين: "لما دخلت دمشق عزمت على زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، فما كدت أقترب منه حتى امتلأت نفسي هيبة، وسرت في جسدي رهبة لم أستطع منها خلاصا إلا على صوت رائدي يقول: "تقدم للدخول" ... فتقدمت ولما ... ، وبقيت في غمرة من جلال الموت، وعبرة التاريخ؛ أردد قول الشاعر: فجئت قبورهم بدءا3 ولما ... ... فناديت القبور فلم يجبنه4
أي: تقدمت ولما أستفق "مثلا" فجئت قبورهم بداء ولما أكن سيدا قبل ذلك ... أما المضارع المجزوم "بلم" فلا يصح حذفه إلا في الضرورة -كما سبق. 2- وجوب امتداد الزمن المنفي بها إلى الزمن الحالي امتدادا يشملهما معا، وذلك بأن كون المعنى منفيا في الزمن الماضي وفي الزمن الحالي أيضا من غير اقتصار على أحدهما، نحو: بهرني ورد الحديقة، وأغراني بقطفه، ولما أقطفه، أي: ولما أقطفه؛ لا في الزمن الماضي "قبل الكلام"، ولا في الحال "وقت الكلام" ومثل قول الشاعر يستغيث بمن يحميه من أعدائه: فإن أك مأكولا فكن أنت آكلي ... وإلا فأدركني، ولما أمزق يريد: أني لم أمزق في الماضي ولا في الزمن الحالي. أما "لم" فليست ملازمة لهذا إلا في بعض الحالات1 ومن ثم يصح: لم يحضر الغائب ثم حضر الآن، ولا يصح: لما يحضر الغائب ثم حضر الآن، لأن الأولى معناها لم يحضر في الزمن الماضي قبل التكلم، ثم حضر الآن في وقت التكلم، فلا تعارض بين الزمنين. أما الثانية فمعناها: لم يحضر في الماضي ولا في الحال ثم حضر الآن؛ أي: في الحال، وهذا تناقض واضح، إذ من المحال أن يثبت الحضور وينفي في زمن واحد؛ هو الحال2 ... 3- أن المتكلم بالمعنى المنفي بها يتوقع زوال النفي -غالبا- عن ذلك المعنى وحصوله مثبتا: أي: ينتظر تحقق المعنى وقوعه -في الغالب- على الوجه الحالي من النفي، فالذي يقول، لما تشرق الشمس، ... يريد: أنها لم تشرق قبل الكلام ولا في أثنائه، لكن من المنتظر أن تشرق. ومن يقول: لما تمطر السماء، يقصد:
أنها لم تمطر قبل التكلم، ولا في خلاله، ومن المتوقع أن تمطر1. أما المتكلم بالمعنى المنفي بالحرف "لم" فلا يتوقع رفع النفي عنه، ولا ينتظر حصوله مثبتا2 ... 4- أنها متنوعة المعاني والأغراض تنوعا يؤدي إلى اختلاف الأساليب على حسب تلك المعاني والأغراض. بخلاف: "لم"؛ فإنها في جميع أحوالها واستعمالاتها لا تكون إلا نافية جازمة -كما سبق3. إلى هنا انتهت أوجه التشابه والتخالف بين: "لم" "لما" وهي أوجه دقيقة تتطلب يقظة، وسلامة إدراك عند استعمال هذين الحرفين، وعند تفهم الأساليب التي تحويهما4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "لما" الجازمة تختلف اختلافا واسعا عن: "لما" الظرفية التي هي ظرف -في المشهور-1 بمعنى: حين، أو: إذ، وتفيد وجود شيء لوجود آخر؛ فالثاني منهما مترتب على الأول، ومسبب عنه، ولهذا تدخل على جملتين ثاننيتهما هي المترتبة على الأولى. والغالب أن تكونا ماضيتين. نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وقد تكونان غير ماضيتين بالتفصيل المفيد الذي عرفناه في الظروف1.. وكذلك تختلف: "لما" الجازمة عن: "لما" التي بمعنى "إلا" كالتي في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2، أي: إلا عليها حافظ "في أحد المعاني ... " وهذه لا تدخل -في الغالب- إلا على الجملة الاسمية؛ كالآية السالفة ... ، أو على الماضي لفظا لا معنى، نحو: أنشدك الله لما فعلت كذا؛ أي: إلا فعلت. والمعنى: ما أسألك إلا فعل كذا، أي: إلا أن تفعل كذا. فالماضي هنا صوري فقط؛ لأن لفظه ماضي ومعناه معنى المضارع المستقبل ...
المسألة 154
المسألة 154: النوع الثاني الذي جزم مضارعين معا، أو ما يحل محل كل منهما، أو محل أحدهما: أدواته إحدى عشرة1، تسمى "الأدوات الشرطية الجازمة"، وهي: "إن2، إذ ما"، "من، ما، مهما، متى، أيان، أين، أنى، حيثما، أي" ... وكلها أسماء؛ ما عدا "إن، وإذ ما" فهما حرفان3. وتتفق الأدوات الشرطية السالفة كلها، في أمور، وتختلف في أخرى. أشهر الأمور التي تتفق فيها4. 1- أن كل أداة منها لا تدخل على اسم؛ وإنما تحتاج: إما إلى فعلين مضارعين تجزم لفظهما5 مباشرة إن كانا معربين، ومحلهما إن كان مبنيين.
وأولهما: يسمى: "فعل الشرط"1. وثانيهما يسمى: "جواب الشرط وجزاءه"1 وإما إلى فعلين ماضيين2، يحلان محلا المضارعين، وتجزمهما الأداة محلا3. وإما إلى فعلين مختلفين، تجزم لفظ المضارع4 منهما، وتجزم محل الماضي. وإما إلى جملة اسمية، تحل محل المضارع الثاني، وتجزمها الأداة محلا3. ولا يمكن أن يحل محل الأول شيء؛ لأن الأول لا بد أن يكون فعلا مضارعا، أو ماضيا. ومهما كانت صيغة فعل الشرط أو جوابه فإن زمنهما لا بد أن يتخلص للمستقبل المحض بسبب وجود أداة الشرط الجازمة5، بالرغم من أن صورتها أو صورة
أحدهما قد تكون -أحيانا- غير فعل مضارع؛ إذ من المقرر أن أداة الشرط الجازمة تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبلا خالصا1 ومن المقرر كذلك أن تحقق الجواب وقوعه متوقف على تحقق الشرط ووقوعه، ومعلق عليه2؛ فإذا حصل الشرط حصل ما تعلق عليه، وهو: الجواب. لا فرق في هذا بين أن تكون الأداة مقتصرة في معناها على التعليق -مثل: "إن"- أم متضمنه معه معنى آخر: كالزمانية، أو المكانية، أو غيرهما مما يتضمنه بعض الأدوات الأخرى "وسنعرفه3 بعد، كما نعرف المراد من التعليق وما يقوم مقامه، وتفصيل الكلام فيه". فمثال جزمها المضارعين لفظا قول الشاعر لأديب ليس من أقاربه: إن يفترق نسب يؤلف بيننا ... يدب أقمناه مقام الوالد وقول الآخر: ردوا السيوف إلى الأغماد واتئدوا ... من يشعل الحرب يصبح من ضحاياها ومثال جزمها الماضيين جزما محليا4 قول الشاعر في حساده: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا5
وقول شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن تولت مضوا في إثرها قدما ومثال جزمها فعلين مختلفين قول الآخر في حساده1: إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا ... شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا ومثال جزمها الجملة الاسمية التي تحل محل الثاني جزما محليا -قول الشاعر: إن كنت عن خير الأنام سائلا ... فخيرهم أكثرهم فضائلا ويسمى فعل الشرط مع مرفوعه2: "الجملة الشرطية". ولا بد أن تتقدم على "الجملة الفعلية" أو "الاسمية" الواقعة جوابا للشرط، والتي تسمى: جملة جواب الشرط، أو: "الجملة الجوابية للشرط"3.
ومما سبق يتبين أن الشرط لا بد أن يكون فعلا1 فقط، ولا يصح أن يكون جملة. أما الجواب فقد يكون فعلا فقط، وقد يكون جملة، وفي الحالتين يجب تأخيره عن الشرط. ولكل من الجملة الشرطية والجوابية أحكام سنعرفها2. 2- أدوات الشرط الجازمة لا تدخل على الأسماء3، وإنما تحتاج إلى مضارعين، أو إلى ما يحل محلهما، أو محل أحدهما، كما عرفنا4. فإذا وقع بعدها اسم والغالب أن تكون الأداة هي "إن، أو إذا" وجب تقدير فعل مناسب يفصل بينهما؛ بحيث تكون الأداة داخلة على الفعل المقدر. لا على الاسم الظاهر5. ومن الأمثلة: إن امرؤ أثنى عليك بما فعلت فقد كافأك -إن جائع غاجز وجد فمن حوله آثمون إن لم يطمعوه- وقول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وقول الآخر: إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ... هوانا بها كانت على الناس أهونا والتقدير: إن أثنى امرؤ أثنى عليك ... ، إن وجد جائع عاجز وجد ... ، إذا أكرمت أكرمت ... ، وإن أكرمت أكرمت ... ، وإذا لم تعرف لم تعرف ... ، والأصل في هذا التقدير وأشباهه أن الفعل قد حذف وحده بعد أداة الشرط، وبقي فاعله. فإن كان الفاعل اسما ظاهرا قدر قبله فعل مناسب له؛ وإن كان ضميرا مرفوعا متصلا كالتاء "ويدخل في حكم المتصل، الضمير المرفوع المستتر، كالضمير "هي" المستتر، إذا كان فاعلا لمضالاع للغائبة"، وجب الإتيان بضمير مرفوع بارز منفصل؛ ليحل محل المتصل الذي لا يمكن أن
ينفصل من فعله، وليقوم مقامه في إعرابه وفي معناه، وهو: "أنت"1 ... 3- لأداة الشرط الصدارة في جملتيها؛ فلا يصح أن يسبقها شيء من جملة الشرط، ولا من جملة الجواب، ولا من متعلقاتهما2، إلا في صورة واحدة، ستجيء3. وكذلك لا يجوز أن تكون أداة الشرط معمولة لعامل قبلها، إلا إذا كانت الأداة الشرطية اسما، والعامل السابق عليها حرف جر، أو مضافا؛ نحو: إلى "من تذهب اذهب"، "وعند من تجلس أجلس". ويصح أن يسبقها حرف عطف، أو استدراك، أو نحوهما مما يقتضيه المعنى؛ بشرط ألا يخرجها عن الصدارة في جملتيها. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولا أتمنى الشر، والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب4 ولا يصح -في الرأي الأغلب- أن تقع أداة الشرط الجازمة أو غير الجازمة بعد: "هل" الاستفهامية، لكن يصح وقوعها بعد همزة الاستفهام5 دون باقي أدواته. 4- لا يصح حذف أداة الشرط في الرأي الأرجح الذي يجب الاقتصار عليه. 5- لا تدخل "إن الشرطية" -ولا غيرها من الأدوات الشرطية- على "لا، الناهية" فإذا دخلت عليها أداة منها تغير معنى "لا الناهية" وحكمها؛ فتصير حرف نفي، بعد أن كانت حرف نهي، وتصير مهملة6 بعد أن كنت جازمة.
المسألة 155
المسألة 155: الأمور التي تختلف فيها الأدوات الشرطية الجازمة: الأمور التي تختلف فيها متعددة النواحي1؛ منها: الاختلاف في ناحية الاسمية والحرفية، "وليس فيها أفعال"، وفي ناحية اتصالها ب"ما" الزائدة وعدم اتصالها، وفي ناحية معناها، وفي ناحية إعرابها. أ- ففي ناحية الاسمية والحرفية: منها الأسماء باتفاق؛ وهي: "من، متى، أي، أين، أيان، أنى، حيثما". ومنها اسم على الأرجح، وهو: مهما" بدليل عودة الضمير عليه مذكرا، والضمير لا يعود إلا على اسم؛ مثل قوله تعالى قوم موسى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} . ومنها الحرف باتفاق. وهو: "إن"، ومنها الحرف على الأرجح؛ وهو: "إذ ما"2. ب- وفي ناحية اتصالها بما الزائدة منها: ما لا يجزم إلا بعد اتصالها بما الزائدة، وهو: "حيث، وإذ"، فلا بد أن يقال فيهما عند الجزم بهما: "حيثما"، "إذ ما". ومنها ما يمتنع اتصاله بها عند استخدامه أداة شرط جازمة، وهو؛ من، ما، مهما، أنى. ومنها ما يجوز فيه الأمران، وهو: إن، أي، متى، أين، ويزاد عليها، أيان، في الرأي الأصح. ج- وفي ناحية اختلاف المعنى، مع اتفاقها جميعا في تعليق وقوع الجواب
على وقوع الشرط عند عدم المانع1: 1- منها: ما وضع في أصله للدلالة على شيء يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط -صار أداة شرطية، للعاقل، جازمة. والغالب أيضا أنه لا يدل بذاته على زمن، وهو: "من"2، كقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} . وقول الشاعر يمدح قوما: من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري 2- ومنها ما وضع في أصله للدلالة على شيء لا يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط صار أداة شرطية لغير العاقل، جازمة. والغالب أنه لا يدل بذاته على زمن. وهو "ما"2، و"مهما". كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
يَعْلَمْهُ اللَّهُ} ، وقوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} ، وقول الشاعر:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة1 ... وإن خالها2 تخفى على الناس تعلم3 ومنها ما وضع في أصله للزمان المجرد4؛ فإذا تضمن معه معنى الشرط جزم؛ وهو: "متى و"أيان"5؛ فكلاهما ظرف زمان جازم. ومن الأمثلة قول الشاعر في الورد: متى تزره تلق من عرفه6 ... ما شئت من طيب ومن عطر وقال الآخر يصف عظيما: متى ما7 يقل لا يخلف القول فعله ... سريع الخيرات غير قطوب8 وقول الآخر يفتخر: أيان نؤمنك تأمن غيرنا، وإذا ... لم تدرك الأمن منا لم تزل خائفا ولا أهمية للرأي الذي يجيز إهمال: "متى" الشرطية فيجعلها شرطية غير جازمة؛ لأنه رأي تعززه الشواهد المتعددة، والحجة القوية. 4- ومنها ما وضع في أصله للمكان -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط صار أداة شرطية للمكان، جازمة، وهو: "أين، حيثما، أنى"9 كقوله تعالى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} 1، وقولهم: أين2 ينزل العدل يتبعه الأمن والرخاء. وقولهم: حيثما تجد صديقا وفيا تجد كنزا نفيسا. وقول الشاعر: خليلي، أنى تقصداني تقصدا ... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول 5- ومنها المضاف الذي يصلح للأمور الأربعة السالفة؛ فيكون للعاقل أو لغيره، وللزمان، أو للمكان؛ تبعا للمضاف إليه في ذلك كله، فأداة الشرط مضافة، وتدل على أحد المعاني السالفة على حسب دلالة المضاف إليه، وهي: "أي". فمثالها للعاقل: أي إنسان تستقم خطته تأتلف حوله القلوب. ومثالها لغير العاقل: أي عمل صالح تمارسه أمارس نظيره. وللزمان: أي يوم تسافر أسافر معك. وللمكان: أي بقعة جميلة تقصد أقصد. وفي كل تلك الحالات يصح زيادة "ما" في آخرها. 6- ومنها: ما يختص إما بالأمر المتيقن منه أو المظنون3. ولكن الأول هو الأغلب، وهو "إذا" الشرطية. وإما بالمشكوك فيه4 أو بالمستحيل، وهو باقي الأدوات الشرطية. ومن المستحيل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ، وأما نحو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ،
فلتنزيله منزلة الشكوك فيه؛ لإبهام زمن الموت1 ... والقرائن وحدها هي التي تعين اليقين، أو الظن، أو الشك، أو الاستحالة ... مع الدلالة على الشرطية في كل حالة. 7- ومنها ما وضع -في الأكثر- لتعليق الجواب على الشرط تعليقا مجردا يراد منه الدلالة على وقوع الجواب وتحققه، بوقوع الشرط وتحققه، من غير دلالة على زمان، أو مكان، أو عاقل، أو غير عاقل؛ وهو: "إن"2 و "إذ ما"2 مع دلالتهما على الشرك أو الاستحالة كدلالة الأدوات الشرطية الأخرى عليهما، غير "إذا" -كما سبقت الإشارة في الأمر السادس- فمثال "إن" قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} وقولهم: المرء إن يجبن يعيش مرذولا، ومثال "إذ ما" قول الشاعر: وإنك إذ مات تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هل يقترن جواب "إن الشرطية" باللام؟ الإجابة عن هذا في رقم 3 من هامش ص457 وفي رقم 9 من ص463. ب- "إن" أنواع كثيرة، منها: 1- "إن، الزائدة". وتسمى: "الوصلية"؛ أي: الزائدة لوصل الكلام بعضه ببعض، وتقوية معناه؛ فلا تعمل شيئا، ويمكن الاستغناء عنها1 ما لم يمنع وزن الشعر. ويكثر هذا الوصل حين تتوسط بين "ما" النافية وما دخلت عليه من جملة فعلية أو اسمية، كقول الشاعر يصف وجه غادة: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا وقول الآخر يذم قوما: بني غدانة، ما إن أنتمو ذهب ... ولا صريف2، ولكن أنتم الخزف وقد تزاد بعد "ما المصدرية" كقول الشاعر: ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد وبعد "ما الموصولة" كقول الشاعر: يرجي المرء ما إن لا يراد ... وتعرض دون أدناه الخطوب وبعد "ألا" التي للاستفتاح؛ كقول الآخر: ألا إن سرى3 ليلى فبت كئيبا ... أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا4
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكثر وقوع "ما" الزائدة بعد "إن" الشرطية فتدغم فيها النون نطقا وكتابة؛ كقوله تعالى في الوالدين: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ، وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} 1 وتسمى في هذه الصورة: "إن، المؤكدة بماء". 2- ومنها: "إن، المخففة من الثقيلة"، و"إن" النافية الناسخة، وقد سبقنا في النواسخ ج1، ومعهما "إن" النافية التي لا تعمل. 3- ومنها: "إن، الشرطية التي لا تجزم". وهذه أضعف الأنواع، وأقلها دورانا في فصيح الكلام. ومن الواجب إغفال أكثر حالاتها2؛ وعدم استعمالها إلا في بعض الصور. 4- ومنها: ما اختلف النحاة في نوعه اختلافا مرهقا -نذكره؛ لأنه لا يخلو من فائدة- وهو "إن" في مثل: الحريص -وإن كثر ماله- بخيل. فقيل: وصلية3، والواو للحال، أي: الحريص بخيل، والحال أنه كثر ماله4. وقيل شرطية، حذف جوابها. لوجود ما يدل عليه، والواو للعطف على جملة مقدرة، أي: إن لم يكثر ماله وإن كثر فهو بخيل. لكن ليس المراد بالشرط في الجملة حقيقة التعليق؛ لأنه لا تعليق حقيقيا على الشيء ونقيضه معا؛ لما في ذلك من المنافاة العقلية؛ إذ كيف يحدث الجواب الذي هو بمثابة المسبب عن الشرط حين يوجد الشرط وحين يعدم؟ وبعبارة أوضح: كيف ينتج الشرط -وهو بمثابة السبب- نتيجة واحدة لا تختلف باختلاف وجوده وعدمه؟ من أجل ذلك قيل إن معنى "إن" في الجملة السالفة الذكر "التعميم" "لا" "التعليق". ويقولون: إن المحذوف أحيانا قد يكون الواو هي والمعطوف -لا
المسألة 156
المسألة 156: النوع الثالث الذي يقع الخلاف في اعتباره جازما: وأظهر أدواته ثلاث؛ هي: "إذا1، كيف، لو ... " ولم يقتصر الخلاف على أنها تجزم، أو لا تجزم؛ وإنما امتد إلى ميدان جزمها؛ أهو النثر والشعر أم الشعر فقط؟ وإلى شروط جزمها ... وصفوة كلامهم ما يلي: إذا: ظرف زمان مستقبل2 وهي شرطية في أكثر استعمالاتها، ولكن
الجزم بها مقصور على الشعر وحده، ومن الأمثلة المأثورة به1 قول الشاعر: استغن -ما أغناك ربك- بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل ... "أو: فتجمل؛ أي: اظهر أمام الناس بالأجمل والأحسن الذي يناسب الرجال المتجلدين". وقول الآخر: ترفع لي خندف2، والله يرفع لي ... نارا إذا خمدت نيرانهم تقد3 ومن الأمثلة النثرية التي لا يقاس عليها؛ لندرتها: قوله عليه السلام: "إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين". وقيل إن هذا الحديث قد يكون بلغة من يحذف النون من آخر الأفعال الخمسة مطلقا، "أي: بغير نصب ولا جزم ولا غيرهما، وهي لغة نادرة لا يصح الأخذ بها اليوم"4.
و"إذا" الشرطية كغيرها من أدوات الشرط؛ تحتاج إلى جملة شرطية، وأخرى جوابية، ولا بد أن ينطبق عليهما كل الشروط والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب -ولا سيما دلالتهما الزمنية؛ سواء أكانت "إذا" جازمة أم غير جازمة. وهي أيضا مثل: "إن" الشرطية؛ في كثرة دخولها على الأسماء في الظاهر -كما سبق1. أما في الحقيقة فهما داخلان على فعل مقدر وجوبا؛ لأن أداة الشرط لا تدخل إلا على فعل ظاهر أو مقدر؛ كما عرفنا. ومن دخولها على الأسماء قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ، وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} والتقدير: إذا انشقت السماء انشقت ... وإذا مدت الأرض مدت. ويكثر وقوع: "ما" الزائدة بعد: "إذا"، كقول الشاعر: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين ... وإن هي ناجتني فكلي مسامع وقول الآخر: ولست -إذا ما صاحب خان عهده ... وعندي له سر- مذيعا له سر وأما: "كيف" فأصل معناها السؤال عن الحالة والهيئة "أي: عن الكيفية"، نحو: كيف أنت؟ كيف غرسك؟ ولها استعمالات أخرى سبق بيانها مفصلة2؛ منها: أن تترك الاستفهام، وتكون أداة شرط لبيان الكيفية، وتحتاج لجملة شرطية وأخرى جوابية، ولكنها لا تجزم -على الأرجح- ولا بد أن ينطبق على جملتيها كل الشروط والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب3، ويزاد على هذا وجوب موافقة فعل الجواب لفعل الشرط في مادة اشتقاقه وفي المعنى، فلا بد من هذه الموافقة4
لفظا ومعنى؛ نحو: كيف تمشيء أمشي، وكيف يتكلم الحاذق أتكلم. وقد يتصل بآخرها: "ما" الزائدة فلا يتغير من أحكامها شيء؛ كقول الشاعر: من الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا وأما "لو" الشرطية فخير الآراء أنها لا تجزم مطلقا1؛ لا في النثر ولا في الشعر. وسيجيء لها باب خاص يحوي أحكامها المختلفة2.
المسألة 157:
المسألة 157: الأحكام الخاصة بجملة الشرط 1، وجملة الجواب إذا كانت الأداة شرطية جازمة، أو: كانت الأداة الشرطية هي: "إذا، أو: كيف"2: أولا: أحكام الجملة الشرطية، "ومنها حذفها، وحذف فعلها وحده": 1- لا بد أن تكون فعلية، ويلاحظ ما سبق3، وهو أن فعلها وحده هو الشرط؛ إذ لا يصح أن يكون الشرط جملة. 2- وجوب الترتيب بين أجزائها، فلا يتقدم فعلها، ولا شيء من معمولاتها على أداة الشرطز ولا يتقدم -في الغالب- شيء من هذه المعمولات على فعل الشرط4. 3- امتناع وقوع فعلها ماضي المعنى حقيقة، فلا يصح إن هطل المطر أمس يشرب النبات، وأما قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} فالقرائن تدل على أن المراد: إن يثبت أني قلته فقد علمته. يدل على هذا سياق الكلام. ونصه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 1. 4- امتناع أن يكون فعلها طلبيا أو جامدا، فلا يصح: إن أصفح عن المسيء يجتنب الإساءة، ولا: إن ليس الهواء هادئا نرغب فيه. 5- امتناع أن يكون مبدوءا بحرف تنفيس2، أو بقسم -عند كثرة النحاة- أو بشيء له الصدارة؛ كأدوات الاستفهام في الأغلب3، والشرط ... ، أو بحرف من حروف النفي؛ مثل: "ما، لن، إن" لكن يجوز اقترانه ب"لم"، أو "لا" إن كان مضارعا واقتضى المعنى نفيه بأحدهما. 6- وجوب جزمه لفظا إن كان مضارعا، ومحلا4 إن كان ماضيا. وجازمه في الحالتين أداة الشرط -على الصحيح- بشرط أن تكون هذه الأداة الشرطية جازمة. أما الجملة الشرطية كاملة فلا محل لها من الإعراب إلا في حالتين: الأولى: أن تكون أداة الشرط هي "إذا" باعتبارها جازمة، أو غير جازمة -فتكون ظرفا مضافا- في الرأي المشهور، والجملة الشرطية بعدها في محل جر، هي المضاف إليه، ومن الأمثلة قولهم: إذا انصرف الولاة عن العدل انصرفت الرعية عن الطاعة، وتقوضت دعائم الملك، وأسباب والرفاهة. الثانية: أن تكون أداة الشرط هي المبتدأ، والجملة الشرطية هي الخبر - عند من يجعلها خبران وهو الأرجح5 كقول الشاعر:
فمن يلق خيرًا ... يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما 7- عدم حذفه بعد أداة شرطية مع بقاء فاعله1 ظاهرا وبعده الفعل المفسر للمحذوف، إلا إن كانت أداة الشرط هي "إن، أو إذا"؛ فيكثر حذفه بعد كل منهما، حتى قيل إن حذفه في تلك الصورة بوصفها السالف واجب. ولكن بقاءه -برغم قلته- جائز2. ومن القليل حذفه بعد أداة غيرهما3 إلا لضرورة الشعر. والأحسن أن يكون المفسر فعلا ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف لم". فمن أمثلة الحذف بعد "إن" قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 4، وقولهم: إن أحد
قال ما يستحق فاغبطه، وإن أحد نال ما لا يستحق فترقب أن تسلبه الأيام ما نال. وقول أحد الخلفاء لقائد جيشه المنتصر: اتقوا الله في الأسرى؛ عاملوهم برفق، وانزلوا معهم على حكم الدين". وإن فتية منهم أصلهم الهوى فاهدوهم سواء الصراطن وإن شيوخ استبد بهم ما ألفوه فترفقوا بهم إلى حين، وإن نساء لم يسلمن من الفزع، فأدخلوا السكينة على قلوبهن. ومن أمثلة الحذف بعد "إذا" الشرطية قوله تعالى في وصف يوم القيامة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} ، وقول الشاعر: إذا الملك الجبار صعر خده ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه وقول الآخر: إذا أنت عاتبت الوضيع فإنما ... تخط على صفح من الماء أحرفا ومن أمثلة الحذف بعد أداة شرطية غير "إن وإذا" والمفسر غير ماض، قول الشاعر يصف غادة هيفاء: صعدة1 نابتة في حائر2 ... أينما الريح تميلها تمل 8- امتناع تصدير الجملة الشرطية بالحرف: "قد": فلا يصح: إن -قد- يعدل الراعي تسعد رعيته. لأن مجيء "قد" بعد فعل الشرط يقتضي3 تحقيق وقوع فعل الشرط. وتقريبه من الحال. مع أن فعل الشرط يقتضي احتمال أمرين؛ وقوع معناه وعدم وقوعه: كما يقتضي أن زمنه مستقبل محض4. 9- امتناع وقوع الجملة الشرطية حالا -طبقا للبيان الذي سلف5. 10- امتناع تصديرها6 بأداة شرطية، "جازمة، أو غير جازمة" قبلها
أداة استفهام مثل: "هل" الاستفهامية. لكن لا مانع أن تقع أداة الشرط بعد همزة الاستفهام1 دون غيرها. 11- جواز حذف الجملة الشرطية "فعلها ومرفوعه معا"2 بشرط وجود قرينة تدل عليها، وألا يذكر صريحا في الكلام بعدها ما يفسرها. وقد يبقى بعد حذفها شيء قليل منها؛ مثل "لا" النافية ... وقد تبقى الأداة أو تحذف مع الجملة الشرطية المحذوفة. ومن الأمثلة قول الشاعر: متى.. تؤخذوا قسرا3 بظنة4 عامر ... ولا ينج إلا في الصفاد5 أسير يريد: متى توجدوا تؤخذوا6 ... ومن أمثلة حذفها مع بقاء "لا" النافية الداخلة عليها، قول الشاعر: فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور وقول الآخر: فطلقها فلست لها بكفء ... وإلا يعل مفرقك الحسام والأصل فيهما: وإلا تولني -وإلا تطلقها؛ فحذفت الجملة الشرطية وحدها مع بقاء الأداة، و"لا" النافية. ومثله قوله عليه اسللام في اللقطة7 ... فإن جاء صاحبها وإلا استمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمتع بها..،
وقولهم: المرء مجزى بعمله، إن خيرا فخير..، أيك إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. فقد حذف فعل الشرط واسمه، وبقي خبره. وجعلوا مما يصلح لأمثلة حذف الأداة وجملة الشرط قوله تعالى يخاطب المؤمنين، ويذكر انتصارهم على الكفار: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} ، والأصل: إن افتخرتم بقتلهم أفلم تقتلوهم ... وقد دخلت الفاء على "لم" هنا - ومثله قوله تعالى في المشركين: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} 1، التقدير: إن أرادوا الولي الحق فالله هو الولي وحده. وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ، والتقدير: إن لم يتيسر أن تعبدوني في أرض، فإياي في غيرها فاعبدون. هذه هي أهم الأحكام الخاصة بالجملة الشرطية. وستجيء2 أحكام عامة تختص بها وبالجملة الجوابية. ثانيا: أحكام الجملة الجوابية3 للشرط الجازم؛ ومنها الحذف: 1- أن تكون فعلية. ويصح أن تكون اسمية مقترنة "بالفاء" الزائدة للربط، أو "بإذا" الفجائية التي تحل محلها في بعض الحالات للربط4. ومن أمثلة الفعلية قول الشاعر: لا يذهب الخير سدى ... ومن يعن يوما يعن ومن أمثلة الاسمية قولهم: حيثما تصنع خيرا فالجزاء خير. وقول الشاعر: فإن تتقوا شرا فمثلكمو اتقى ... وإن تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل وقولهم: إن يسر المرء على سنن الهدى إذا التوفيق حليفه. 2- لا بد من إفادتها معنى جديدا لا يفهم من جملة الشرط -كالأمثلة
السالفة- فلا يصح: إن تسأل عن الغائب تسأل؛ لأن هذه الجملة الجوابية لفظها ومعناها مثل الشرطية فيهما؛ فلا جديد في معنى الجواب، فإن تضمنت معنى جديدا جاز وقوعها جوابا؛ كقوله عليه السلام: " ... لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ... "، أي: فهجرته مقبولة، أو مباركة ... فالجملة الجوابية أفادت مرادا جديدا بالرغم مما بينها وبين الجملة الشرطية من اشتراك لفظي ... 3- وجب تأخيرها؛ فلا يجوز تقديمها ولا تقديم شيء من أجزائها ومعمولاتها على أداة الشرط، ولا على الجملة الشرطية. إلا في حالتين: الأولى: أن يكون الجواب جملة مضارعية1، مضارعها مرفوع: فيجوز تقديم معمول الجواب على الأداة؛ بشرط مراعاة البيان والتفصيل الخاص2 بهذا ... نحو: خيرا إن تستمع تستفيد. الثانية: أن يكون المعمول هو: "إذا" الشرطية عند من يعربها ظرفا لجوابها. وكذا غيرها من الأسماء الشرطية الأخرى التي لا تكون معمولة لفعل الشرط حين يكون فعلا ناسخا. وقد سبق3 أيضا بيان هذه الحالة بصورتها. وسوغ التقديم في الصورة الأولى أن المضارع المرفوع ليس هو الجواب في الحقيقة؛ لأن الجواب محذوف4، وتسمية المذكور جوابا تساهل لوحظ فيه الأصل5. أما في الصورة الثانية فلأنها أداة شرطية واجبة الصدارة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" -مع ملاحظة ما يأتي في الحكم الرابع- فإن سيبويه: "هذا هو الوارد من كلام العرب". وإذًا لا يصح عنده الأخذ بالرأي الكوفي الذي يقيس المضارع على الماضي، فيجيز: "أنت كريم إن تصفح"؛ لأن في هذا قياسا لشيء على آخر يخالفه في علة القياس وسببه ... لكن الكوفيين -إلا الفراء- يستشهدون بأمثلة فصيحة تؤيد رأيهم وتقويه -كما سيجيء في ص455- والرأي الأول أقوى وأفصح مع صحة الثاني. وما سبق مقصور على السعة أما في الضرورة الشريعة فيصبح حذف الجواب مصنفا وفعل الشرط مضارع ومنه: يُثني عليك وأنت أهل ثنائه ... ولديك -إن هو يستردك- مزيد -وسيعاد ذكر البيت واسم صاحبه لمناسبة أخرى في ص455. فإن كان فعل الشرط المسبوق بدليل الجواب غير ماض وأداة الشرط: "ما"، أو: "من"، أو "أي" وجب في السعة "أي: في غير الضرورة الشعرية" جعلها موصولة وإعطاؤها حكم الموصول، فتقول: أعط من يعطي محمدا؛ وأحب ما يحبه ... ، وأكرم أيهم يحبك..؛ برفع المضارع، والمجيء بالعائد، واعتبار الجملة صلة لا محل لها من الإعراب، وصحة عمل العوامل التي قبل الموصول فيه. أما في الضرورة فيجوز بقاء الشرطية والجزم. وكذلك يجب جعل تلك الأدوات موصولة إذا وقعت مع جملتها مضافا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: أتذكر إذ من يرضينا نرضيه؛ لأن أسماء الزمان لا تضاف إلى جملة مصدرة "بإن الشرطية" -"كما سبق في ج2 رقم 6 م79 هامش ص237 وفي ج32 م94 ص67"- فكذا المصدرة بما تضمن معنى "إن الشرطية" كمن؛ خلافا للزيادي حيث جوز في هاء الصورة الجزم اختيارا. أما عند غيره فقد خرجت تلك الأدوات عن الشرطية. وصارت موصولة ينطبق عليها ما ينطبق على الموصول من أحكام، ولا دخل لها بالشرط. وكذلك يجب ما ذكر لهن مطلقا "أي: في السعة وفي الضرورة، سواء أكان بعدهن ماض أو مضارع" فيما يأتي: أ- إذا تقدمتهن "هل" مباشرة؛ لأن "هل" لا تدخل على "إن الشرطية" فكذا ما تضمن معنى "إن" بخلاف الهمزة، فيجوز الجزم على الأصح؛ نحو: أمن يرضك ترضه؟ لدخولها على "إن" الشرطية. ب- إذا وقعن بعد ناسخ من باب: "كان" أو: "إن"؛ لأن اسم الشرط لا يعمل فيه عامل قبله إلا حرف الجر أو المضاف؛ فإنهما قد يجران بعض أسماء الشرط "كما سبق في ص426 و438" وغير هذين العاملين لا يعمل فيه. ومن الأمثلة: كان من يرضينا نرضيه، إن من يرضينا ترضيه. وأما قول الأعشى: إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء =
4- امتناع حذفها إلا بشرطين: أولهما: إن يدل دليل عليها بعد حذفها، ولا يصلح جوابا1؛ ويتحقق هذا الشرط بأن يسبقها، أو يكتنفها "أي: يحيط بها"، أو يتأخر عنها، ما لا يصلح جوابا، ولكنه يدل على الجواب المحذوف2؛ مثل: "أنت الشجاع إن قلت الحق في وجه الظالم"، أو: "أنت -إن تلطفت في القول- محبوب". فالجملة الجوابية في المثالين محذوفة؛ لوجود ما يدل عليها؛ وهو الجملة التي قبلها، أو التي تحيط بها، وكلتاهما لا تصلح جوابا. والأصل: أنت الشجاع، إن قلت الحق في وجه الظالم
فأنت الشجاع، أنت محبوب، إن تلطفت في القول فأنت محبوب1. ومثال الدال عليها وهو متأخر لا يصح جوابا، قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، أي: فلا تحزن؛ فقد كذبت رسل من قبلك، -كما سيجيء-2 فالدال على الجملة الجوابية قد يكون قبلها، أو بعدها، أو محيطا بها. وهو في كل حالاته لا يصلح جوابا. ومن أمثلة حذفها لدلالة جملة سابقة الشطر الأول من قول الشاعر: عش وحيدا إن كنت لا تقبل العذ ... ر، وإن كنت لا تغفر زله ومما يدل عليها: "جواب القسم" إذا كان القسم متقدما على أداة الشرطن نحو: والله إن رعيت اليتيم ليرعينك الله. فالقسم محتاج لجواب، وكذلك أداة الشرط؛ فحذف جواب المتأخر3 منهما؛ وهو الشرط، لدلالة جواب المتقدم -وهو القسم- على المحذوف. ولهذا تعتبر اللام في المثال داخلة على وجواب القسم؛ كدخولها عليه في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، وفي قوله تعالى بلسان الكفار يهددون الرسل {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} فاللام الداخلة على أداة الشرط: "إن" هي علامة القسم، واللام المتأخرة داخلة على جوابه. أما جواب الشرط في الآيتين فمحذوف: لتأخر أداة الشرط. ويدل عليه في كل منهما جواب القسم المذكور. ثانيهما: أن يكون فعل الشرط -في غير الضرورة الشرعية، وعند غير الكوفيين-4 ماضيا لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط؛ كالمضارع المسبوق بالحرف: "لم". فمثال الماضي لفظا ومعنى: أنت عزيز إن ترفعت عن الدنايا، أو أنت -إن ترفعت عن الدنايا- عزيز ... وقول الشاعر: ونحن أولو المآثر من قديم ... وإن جحدت مآثرنا اللئام ... 5
ومثال الماضي معنى لا لفظا قول الشاعر: لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب أو إساءة مجرم؟ فإن لم يكن فعل الشرط ماضيا بأن كان مضارعا لفظا ومعنى لم يصح -في الأرجح- حذف الجملة الجوابية1 إلا إن سد مسدها جملة أخرى بعدها2 تدل عليها، ولا يستقيم المعنى بجعلها هي الجواب؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ، والأصل: وإن تجهر بالقول فإنه غني عن جهرك، فحذف الجواب الأصلي، وسد مسدة جملة: "فإنه يعلم السر"، وهي جملة بعده شغلت مكانه، ولا يستقيم المعنى على اعتبارها الجواب الحقيقي؛ لأن الجهر بالقول لا يترتب عليه أن الله يعلم السر؛ إذ الله يعلم السر دائما؛ سواء أوجد جهر بالقول أم لم يوجد3. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ
فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، والأصل: وإن يكذبوك فلا تحزن، فقد كذبت رسل من قبلك1، ولا يصح أن تكون الجملة المذكورة هي الجواب؛ لأنها ليست مترتبة على ما قبلها. وكذلك قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} فالجواب المحذوف تقديره: فليبادر للعمل الصالح. والكوفيون لا يشترطون لحذف الجواب أن يكون فعل الشرط ماضيا، بل يجيزون أن يكون مضارعا، ولذا يقولون فيما سد مسده، إنه الجواب الحقيقي، وليس بالدليل، ولا بالساد مسد الجواب، مستدلين بأمثلة كثيرة تؤيدهم، كالآيتين السالفتين، وكقول الشاعر2: لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع فقد حذف جواب الشرط "إن" مع أن فعله مضارع؛ وهو: "تلك"، أما جملة "ليعلم X" فهي جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن"، ولا يصح -في الراجح- أن تكون هذه الجملة جوابا للشرط، لأنه متاخر هنا عن القسم، ولأن جوابه لا يكون مبدوءا باللام. وكذلك قول الشاعر: يثني عليك، وأنت أهل ثنائه ... ولديك إن هو يستزدك مزيد والأصل: إن يستزدك3 -هو- يستزدك فلديك مزيد. والأخذ برأي الكوفيين -وإن كان ليس بالأعلى هنا- أنسب وأيسر؛ بسبب الشواهد القوية الكثيرة التي تؤيدهم، وبسبب ما يراه أكثر المحققين، وهو: "أن جواب الشرط قد يكون غير مترتب على فعل الشرط" -كما أوضحناه من قبل4. ومتى اجتمع الشرطان الخاصان بالحذف صار الحذف غالبا، وقيل إنه واجب، والأول أنسب.
هذا حكم الجملة الجوابية من ناحية حذفها حذفا غالبا، أو واجبا. أما حذفها جوازا فأشهر صوره اثنتان: الأولى: أن تقع جملة الشرط جوابا لسؤال؛ نحو: أترشد الغريب؟ فتجيب إن رأيته، والتقدير: إن رأيته أرشده. الثانية: إن تشعر الجملة الشرطية نفسها -دون سواها- بالجواب المحذوف؛ كقوله تعالى يخاطب الرسول في شأن المعارضين: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ، والتقدير: فإن استطعت ... فاعل. 5- امتناع تكرار مدلولها إذا كان مدلول الجملة الشرطية يقتضي التكرار. إلا إن اقتضى العرف التكرار، أو قامت قرينة تدل عليه. ففي مثل: إن أسافر أركب طائرة لا يكون المراد أن ركوبي الطائرة يتكرر بتكرار السفر، وإنما المراد أن سفري سيقتض ركوبي الطائرة مرة واحدة. فإذا تكرار السفر فقد يكون في الطائرة أو في غيرها ... ، بخلاف قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، فإن الجواب وهو: الأمر بغسل الوجوه والأيدي وغيرها مما يحتمه الوضوء يقتضي التكرار كل مرة، لدليل شرعي آخر؛ يوجب الوضوء قبل كل صلاة على من ليس متوضئا. 6- جزم فعلها لفظا إن كان مضارعا، ومحلا إن كان ماضيا1؛ بشرط ألا تقترن به في الصورتين "الفاء" أو "إذا" الفجائية -وهما لمجرد الربط طبقا، لما سيأتي-2 كقول الشاعر يصف الحساد: إن يعلموا الخير يخفوه، وإن علموا ... شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا3 فالمضارع: "يخفوا" مجزوم بحذف النون وواو الجماعة فاعل والماضي: "أذاع" مبني على الضم لمناسبة الواو في محل جزم. ومثله الماضي: "كذب" ولا محل
للجملة الفعلية الماضوية فيما سبق؛ لأن الجازم قد عمل في محل الفعل الماضي؛ فلا يؤثر بعد هذا في محل الجملة1 المشتملة على هذا الفعل. فإن كان الجواب مقترنا "بالفاء الرابطة، أو "إذا" الفجائية التي تحل محلها -أحيانا- فإن الجازم يؤثر في مجموع الجملة، لا في الفعل وحده، ولا في غيره من أجزائهاز فتأثيره مسلط عليها كلها مجتمعة متماسكة الأجزاء -ومن بين أجزائها: الفاء، وإذا الفجائية- فتصير الجملة كلها في محل جزم بأداة الشرط2. ويظهر أثر هذا الإعراب المحلي في توابعها -كما سلف وكما سيجيء هنا. ولا يصح جزم الفعل. 7- جواز اقترانه -لداع بلاغي- بكلمة: "إذا" الجوابية؛ لتفيده توكيدا وتقوية، بشرط أن تكون أداة الجزم، هي: "إن"؛ نحو: إن تنصر أهل البغي إذا يصبك بغيهم3.
8- وجوب اقتران الجواب -في غير الضرورة-1 "بالفاء"، أو "إذا" الفجائية التي تخلفها في بعض المواضع الآيتة2، إذا كان الجواب نوعا من الأنواع التي لا تصلح فعل شرط. وهذه "الفاء" زائدة للربط المحض الدال على
التعليل؛ وليست للعطف ولا لغيره1، ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة ومجرد الربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط، كي لا تكون إحداهما مستقبلة بمعناها عن الأخرى بعد زوال الجزم الذي كان يربط بينهما. وتعرب "الفاء" و"إذا" الفجائية مع الجملة التي بعدهما في محل جزم جوابا للشرط، ولا يصح في الجملة الفعلية بعدهما أن يكون الفعل وحده هو الجواب، ولا أن يجزم -كما تقدم- وأشهر هذه الأنواع التي لا تصلح فعل شرط ما يأتي2: الأول: الجملة الطلبية. وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء -ولو بصيغة الخبر- والاستفهام، وغيره من بقية أنواع الطلب التي سبقت3. فمثال الأمر قولهم: إذا غضبت فاسكت لتأمن زلل اللسانز وقول الشاعر: إن ملكت النفوس فابغ رضاها ... فلها ثورة، وفيها مضاء ومثال النهي: من يستشرك فلا تكتم4 عنه صادق المشورة، ومن يستنصحك فلا تحجب4 عنه خالص النصح5.. ومثال الدعاء: رب: إن أدعك لما يرضيك فاستجب، وإن أتجه لما يغضبك فلترشدني للسداد. رب، إن هفوت فلا تحرمني المغفرة، وإن ضللت فلا تتركني ضالا ... ونحو: إن يمت المجاهد فيرحمه الله، ... 6.
ومثال الاستفهام قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} 1، ومثل: من تسنح له الفرصة فهل يتركها تفر؟ ومن تلوح له الآمال أفيقعد عن السعي وراءها؟ ومن الواجب أن تتقدم الفاء على أداة الاستفهام إن كانت الأداة غير الهمزة: "مثل: هل، أين، متى ... " فإن كانت الأداة هي الهمزة وجب تقديمها على الفاء، وقد سبقت الأمثلة. ومثال التمني: العافية أغلى ما في الحياة، إن وهبها الله لإنسان فليته يرعى حقها. ومثل: الربيع شباب الزمان وجماله، إن يقبل فليت الناس يغتنمون إقباله، ويسارعون إلى التمتع بمباهجة ومفاتنه ... وهكذا بقية أنواع الطلب.. الثاني: الجملة الفعلية التي فعلها جامد؛ نحو: من يطلق لسانه بذم الناس فليس له واق من ألسنتهم. وقول الشاعر: إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس عن شيء سواه بخزان الثالث: الجملة الفعلية المصدرة بالحرف: "قد"2؛ نحو: من يحكم أمره فقد ضمن إصابة الهدف. ومن أساء الوسيلة فقد ضل السبيل إلى الغاية. وقول الشاعر: فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب الرابع: الجملة الفعلية المصدرة بأحد حرفي التنفيس "وهما: السين، وسوف" نحو: من يحسن فسيجزى على الإحسان إحسانا. ومن يسيء فسيلقى على الإسارة شرا وخسرانا. ونحو: إن يعدل الحاكم فسوف تستقيم له الأمور، وإن يظلم فسوف تنهار دعائم حكمه، وتدوم بعدها حسراته وآلامه. الخامس: الجملة المصدرة بأحد أحرف النفي الثلاثة، وهي:
"ما، لن، إن"1؛ نحو: من يقصر فيما ينتظر حسن الجزاء2، ونحو قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، ونحو: من يستسلم للغضب فإن يلومن إلا نفسه على ما يصيبه. أي: فلا يلومن إلا نفسه1 ... فإن كانت أداة الشرط هي: "إذا" والنافي هو: "إن" جاز مجيء الفاء وعدم مجيئها. ومن الثاني قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} . أي: ما يتخذونك3 ... السادس: الجملة المبدوءة بكلمة لها الصدارة؛ "مثل: رب، كأن4، أداوت الشرط، أداة القسم عند كثير من النحاة" ... نحو: إن كان عادكمو عيد فرب فتى ... بالشوق قد عاده من ذكركم حزن ونحو قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} ، وقولهم: من يأكل مال اليتيم فكأنه يأكل نارا. ومثل قوله تعالى يخاطب الرسول في أمر المعارضين: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} ، ومثل: متى تعتمد أمة على أسباب القوة فوالله يخافها أعداؤها.
السابع: الجملة الاسمية كقول الشاعر: إن يحسدوك على فضل خصصت به ... فكل منفرد بالفضل محسود وقول الآخر: ومن كان منحل العزائم تابعا ... هواه فإن الرشد منه بعيد ...............................1 ... ................................ وقد تغني "إذا" الفجائية2 عن الفاء في الدخول على الجملة الاسمية بشرطين؛ أحدهما: متفق عليه، وهو أن تكون الجملة اسمية غير دالة على طلب، ولا مسبوقة بنفين ولا بناسخ؛ ومن الأمثلة: "إن يحسدوك إذا كل منفرد بالفضل محسود ... " بخلاف: إن يطع الولد أبويه فويح له3، وإن يعصهما فويل له3. أو: إن يعصهما فما له حظ من التوفيق، أو: إن يعصهما فإن خسرانه مبين. فالفاء واجبة في هذه الأمثلة وأشباهها. ولا يصح: "إذا". والآخر: غير متفق عليه، وهو أن تكون أداة الشرط "عن" دون غيرها من أخواتها الشرطية. فكثرة النحاة تشترطها. نحو: إن تخلص إذا الإخلاص
ينفعك. وقلة النحاة لا تشترطها بعينها، وإنما تعجل مثلها "إذا" الشرطية؛ مستدلين بقوله تعالى في المطر: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 1 ... والأحسن الأخذ برأي القلة؛ إذ تؤيدها الشواهد، ولا سيما بعض الآيات القرآنية، ولا داعي للتأويل. هذا وقد اجتمع في البيت الآتي أكثر الأمور السابقة التي لا يصح فيها الجواب أن يكون شرطا، ويجب في كل منها اقتران الجواب بالفاء، أو بما قد يخلفها -والبيت هو: اسمية، طلبية، وبجامد ... وبما، وقد، وبلن، وبالتنفيس ...................................2 ... .................................... 9- ورد في المسموع القليل اقتران جواب "إن الشرطية" باللام، على اعتبار "إن الشرطية" بمنزلة "لو"3.... ومنه قول الشاعر4: فإن يجزع عليه بنو أبيه ... لقد خدعوا. وفاتهمو قليل ... وقول أبي بكر رضي الله عنه في خطبة له5: "يا معشر الأنصار إن شئتم أن
تقولوا إنا آويناكم في ظلالنا، وشاطرناكم في أموالنا، ونصرناكم بأنفسنا لقلتم"1. وتفصيل الكلام على هذين المثالين وحكم نظائرهما من كلام المحديثين موضح فيما سبق. وقد يقترن جواب "إن" و "لو" الشرطيتين بكلمة: "إذا، الجوابية" طبقا للبيان الذي سلف2. إلى هنا انتهت الأحكام الخاصة بالجملة الجوابية، وستجيء3 أحكام عامة تتصل بها وبالجملة الشرطية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أيجوز الجمع بين "الفاء وإذا" السالفتين؟ صرح أكثر النحاة بأنه لا يجوز، وتألوا قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فقالوا إن "إذا" لمجرد التأكيد هنا، وليست للربط، والممنوع أن تكون للربط عوضا عن الفاء، إذ لا يصح الجمع بين العوض والمعوض عنه. وهذا تأويل بادي الضعف عندي؛ لأن المهم الذي يراد معرفته هو الجمع بين هذين الحرفين أحيانا؛ أصحيح هو -على قلته- سائغ الاستعمالن أم غير صحيح وغير سائغ؟ والقرآن قد جمع بينهما؛ فلم يبق مجال لمنع الجمع، وإن كان قليلا نسبيا. أما التعليل بالتأكيد أو بالربط فأمر لا أهمية له بعد الحكم بصحة الاستعمال؛ محاكاة للقرآن الكريم؛ إذ لا شك أن محاكاته جائزة بالصورة والمعنى الواردين به؛ وإن كان أحد الاستعمالين أكثر فيه من الآخر، بل هي اختيار موفق لأسمى الأساليب التي تحاكي. على أنه قد جاء في تفسير النسفي النص الصريح على أن "الفاء" قد اجتمعت هنا مع "إذا لتأكيد الربط. ب- هل يصح -أحيانا- الاستغناء عن هذه الفاء الرابطة، وعما يخلفها بعد حذفها؛ هو: "إذا، الفجائية"؟ أجابوا: لا يصح الاستغناء إلا في الضرورة الشعرية؛ كقول القائل: من يفعل الحسنات الله يشكرها1 ... والشر بالشر عند الناس مثلا وقول الآخر: ومن لم يزل ينقاد للغي والصبا ... سيلفى على طول السلامة نادما
.........................................................................................................1
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الخلاف شكلي محض. إذ مؤداه في الرأيين التأويل بالحذف، وإن اختلفا في نوع المحذوف. والتمحل ظاهر في تأويل الآية الأولى، وفي الحكم على الحديث بالندرة، لوجود شواهد أخرى فصيحة نثرية -لا تخضع للضرورة- وغير نثرية. فالأفضل أن يقال: إن الأعم الأغلب هو عدم حذف "الفاء" و "إذا" التي قد تنوب عنها، وأنه يصح -مع القلة النسبية، لا الذاتية- الاستغناء عنهما منفردين ومجتمعين، إن كانت أداة الشرط هي: "إن"1 ... ويقول أبو حيان وفريق من النحاة إن "إذا" الشرطية قد تنفرد بخلو جوابها منهما إذا كان الجواب منفيا بإن، أو: ما، أو: لا. وجعل منه قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} -كما سبقت الإشارة لهذا2. ج- هل يصح أن يقترن الجواب بالفاء في غير تلك المواضع التي لا يصلح فيها أن يكون فعل شرط؟ أجابوا: 1- إن كان فعل الجواب مضارعا يصلح فعلا للشرط جاز: إما تجرده من "الفاء" مع وجوب جزمه، وإما اقترانه "بالفاء"3؛ بشرط أن يكون مثبتا أو منفيا ب"لا"، قيل: أو "لم" أيضا، "ففي "لم" خلاف"، ومتى اقترنت "الفاء" به وجب رفعه على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجملة الاسمية جواب الشرط. ولا يصح أن يكون المضارع المرفوع وحده هو الجواب: إذ لو كان الواب لوجب جزمه، والحكم بزيادة الفاء زيادة مطلقة، يراعى فيها تقدير سقوطها. لكن العرب التزمت رفعه معها؛ فدل هذا على أصالة الفاء، وأنها داخلة على مبتدأ مقدر، وليست زائدة للربط. ومن أمثلته قوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} ، أي: فهو لا يخاف..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم يوجد في الكلام ما يعود عليه المبتدأ الضمير كان الضمير للشأن أو للقصة، كقراءة من قرأ قوله تعالى في حكمة شهادة المرأتين: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} بكسر همزة: "إن" ورفع المضارع: "تذكر". والتقدير: فهي -أي: القصة- تذكر، ونحو: إن قام المسافر فيتبعه صديقه. أي: فهو -الحال والشأن- يتبعه صديقه "وفي هذه القراءة نوع تكلف لا داعي له". ومن أمثلة عدم اقترانه "بالفاء" مع نفيه بالحرف "لا" ووجوب جزمه باعتبار هذا المضارع وحده جوابا للشرط مباشرة - قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فالمضارع: "تحصوا" هو جواب الشرط مجزوم بحذف النون. 2- إن كان فعل الجواب ماضيا متصرفا، مجردا من "قد" و"ما" ... وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء -طبقا لما تقدم- فله ثلاثة أضرب: فإن كان ماضيا لفظا ومعنى فالواجب اقترانه بالفاء على تقدير: "قد" قبله إن لم تكن ظاهرة؛ لتقربه من الحال القريب من الاستقبال؛ كقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} 1 أي فقد صدقت. وإن كان ماضيا في لفظه مستقبلا في معناه، غير مقصود به وعد أو وعيد -امتنع اقترانه بالفاء: نحو إن قام المسافر قام زميله. وإن قصد بالماضي الذي معناه المستقبل، وعد أو وعيد، جاز اقترانه بالفاء على تقدير: "قد"؛ إجراء له مجرى الماضي لفظا ومعنى للمبالغة في تحقق وقوعه، وأنه بمنزلة ما وقع. ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ} وجاز عدم اقترانه مراعاة للواقع وأنه مستقبل في حقيقته وليس ماضيا. ويندرج تحت الوعد والوعيد ما كان غير صريح في أحدهما ولكنه ملحوظ في الكلام، مراد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه؛ فيدخل الدعاء بنوعيه "الخير والشر" فمن الدعاء بالخير قول الشاعر: وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت، وديمة مدرار ومن الدعاء بالشر ... قول جميل يخاطب غرب البين، داعيا عليه: فإن كان حقا ما تقول فأصبحت ... همومك شتى، والجناح كسير ودرت بأعداء حبيبك فيهمو ... كما قد تراني بالحبيب أدور ويدخل التخويف وبيان العواقب؛ كالذي في قول النابغة الجعدي: الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما أي: فظلم نفسه. د- قد ينزل بعض الظروف منزلة الشرط فيكون مضافا لجملة بعده مباشرة، ومنصوبا لعامل في الكلام المتأخر عنها، المترتب عليها؛ كأنه جواب لها، معلق عليها؛ كتعليق الجملة الجوابية على الشرطية، ومن الأمثلة لذلك قوله تعالى في موقف الكفار من القرآن الكريم: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، وقد سبق1 تفصيل هذه المسألة، وبيان صورها المختلفة. هـ- بمناسبة الكلام على جواب الشرط وجزمه نذكر ما يجيزه الكوفيون من جواز جزم المضارع الواقع -مباشرة- في جملة بعد جملة الصلة2، أو في جملة بعد الجملة الواقعة صفة لنكرة3، بشرط أن تكون الجملة المشتملة على المضارع المراد جزمه بمنزلة الجواب والجزاء لجملة الصلة، أو الصفة. ففي مثل: الذي يكرمني أكرمه -وكل رجل يقول الحق أحترمه- يجيزون جزم المضارعين: "أكرم"؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"أحترم" لأن جملة كل منهما -على اعتبار الجملتين بمنزلة جوابين للصلة والصفة- شبيهة بجملة الجواب للأداة الشرطية؛ كلتاهما مترتبة على الجملة التي قبلها. فلا مانع عندهم من جزم المضارع هنا كجزمه هناك. وهذا قياس مرفوض؛ فالحجة القوية هي: "السماع عن العرب". وما عرضه الكوفيون من أمثلة قليلة. غير صالح لتأييد دعواهم، فيحسن الاقتصار على المسموع القليل، دون القياس عليه، وإنما سجلنا رأيهم هنا لنعرف به ذلك الوارد المسموع دون الموافقة على محاكاته.
أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا: 1- ما يختص بهما من ناحية نوعهما، وكيفية إعراب فعلهما: جملة الشرط لا بد أن تكون فعلية، وفعلها وحده هو فعل الشرط -كما عرفنا؛ سواء أكانت ماضوية أم مضارعية. فلها من هذه الناحية صورتان، أما جملة الجواب فقد تكون فعلية -ماضوية1 أو مضارعية- وقد تكون اسمية بشرط اقترانها بالفاء، أو ما يخلفها، طبقات لما سبق2. والصور السالفة كلها صحيحة، قياسية. ولكنها -مع صحتها- مختلفة الدرجة في قوة الفصاحة والسمو البلاغيح فبعضها أقوى وأسمى من الآخر؛ تبعا لنصيبه من كثرة الاستعمال الوارد في الأساليب العالية المأثورة. وقد يختلف هذا الوارد في ضبط المضارع وإعرابه. هذا، ويلاحظ: أن الماضي في الجملتين قد يكون ماضيا لفظا ومعنى؛ بحسب أصله قبل مجيء أداة الشرط الجازمة، فإذا جاءت جعلته ماضيا لفظا، لا معنى، لأنها تجعل زمنه مستقبلا1؛ فيظل ماضيا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير فصار بسببها مستقبلا. كما يلاحظ أن المضارع في الجملتين قد يكون مضارعا لفظا ومعنى بحسب أصله، فإذا دخلت عليه: "لم" الجازمة تركته مضارعا لفظا لا معنى؛ لأنها تجعل زمنه ماضيا؛ فيظل مضارعا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير وصار زمنا ماضيا. وإذا سبقتهما معا أداة شرط جازمة خلصت زمنه للمستقبل المحض، بالرغم من وجود: "لم" ذلك أن أداة الشرط الجازمة لا بد أن تخلص زمن الفعل في الجملة الشرطية، وفي الجملة الجوابية للمستقبل3 الحض؛ سواء أكان هذا الفعل مضارعا أصيلا، أم كان ماضيا أصيلا "أي: ماضيا لفظا ومعنى" أم ماضيا معنى فقط دون لفظ كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" فإن صورته صورة المضارع، ولكن
زمنه ماض، بسبب "لم" فهذه الأفعال تتجرد للزمن المستقبل وحده؛ بسبب أداة الشرط الجازمة وفيما يلي ترتيب درجاتها. الأولى: أن يكون الفعلان مضارعين أصيلين مجزومين، لفظا1 بأداة الشرط لأن أحدهما فعل الشرط، والثاني هو فعل الجواب المباشر2؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} 3 وقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} . الثانية: أن يكون الفعلان ماضيين لفظا؛ فيبنيان لفظا ويجزما محلا - أي: أن كلا منهما مبني في لفظه؛ "كالشأن في الأفعال الماضية كلها" ولكنه في محل جزم؛ لأنه فعل الشرط، أو فعل الجواب، والأصل في فعلي الشرط والجواب أن يكونا مضارعين مجزومين لفظا؛ فكذلك يجزم ما يحل محلهما. ولما كان الماضي لا يجزم لفظا وجب جزمه محلا4. ومن الأمثلة: من أسرف في الأمل، قصر في العمل، وقول الشاعر: ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل وقول الآخر: إن اللئام إذا أذللتهم صلحوا ... على الهوان، وإن أكرمتهم فسدوا
ويدخل1 في هذه الدرجة: الماضي معنى دون لفظ -وهو المضارع المسبوق بالحرف "لم"؛ نحو: إن لم تتأهب للأعداء لم تتغلب عليهم -من لم يهيئ للغاية وسائلها عوقب بالخيبة في إدراكها- من قصر في الوسيلة لم يفز بتحقيق الأمل وقد سبق2 الكلام على إعراب المضارع المسبوق "بلم". الثالثة: أن يكون فعل الشرط ماضيا -ولو معنى- وفعل الجواب مضارعا أصيلا كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} . فالماضي مبني في محل جزم، والمضارع المجرد مجزوم مباشرة. ومثل؛ من لم يغتنم الفرصة يعاقب بالحرمان، ويجوز رفع المضارع، وهذا حسنن ولكن الجزم أحسن3 ... الرابعة: أن يكون فعل الشرط مضارعا أصيلا مجزوما، وفعل الجواب ماضيا -ولو معنى- وهذه الصورة أضعف الصور؛ حتى خصها بعض النحاة بالضرورة الشعرية، ولكن الصحيح أنها ليست مقصورة على الشعر، وإنما تجوز في النثر مع قلتها. ومن أمثلتها نثرا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له". وقول عائشة عن أبيها وهي تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن أبا بكر رجل أسيف4؛ متى يقم مقامك5 رق". ومن أمثلتها شعرا قول القائل يمدح ناصره: من يكدني6 بسيئ كنت منه ... كالشجا بين حلقه والوريد وقول الآخر في أعدائه: إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا ... مني، وما يسمعوا من صالح دفنوا ... 7
2- ما يختص بهما من ناحية رفع المضارع في الجواب وجزمه: الأصل أن يكون المضارع في الجواب مجزوما. لكن يصح جزمه ورفعه إن كان فعل الشرط ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كالمضارع المجزوم بلم، فكلا الضبطين حسن، ولكن الجزم أحسن -كما أشرنا-1 وقد سبقت أمثلة الجزم. ومن أمثلة الرفع قول الشاعر يمدح: وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول: لا غائب مالي، ولا حرم2 وقول المتغزل: إن رأتني تميل عني كأن لم ... يك بيني وبينها أشياء وقولهم: من لم يتعود الصبر تودي3 به العوادي. فإن كان فعلا الشرط والجزاء مضارعين لفظا ومعنى وجب جزمهما إلا على رأي ضعيف يجيز رفع المضارع الوقاع جوابا في النثر وفي الظلم؛ مستدلا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} برفع المضارع "يدرك"، ويقول الشاعر: يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع وقول الآخر يخاطب جمله: فقلت: تحمل فوق طوقك إنها ... مطبعة، من يأتها لا يضيرها4 والأفضل إهمال هذا الرأي قدر الاستطاعة، منعا للخلط واللبس، ولأن ذلك الاستدلال واه؛ فرواية القراءة المذكورة موضع شك، وبقية الأمثلة قليلة، فوق أنها مقصورة على الشعر؛ ولذا قال بعض النحاة: إنه لا يصح الرفع مطلقا إلا في الضرورة الشعرية.
لكن كيف نعرب المضارع المرفوع في جملة الجواب كالحالتين السالفتين؟ أ- الخبر: أن نواجه الحقيقة والأمر الواقع؛ فنقول عند وقوعه مرفوعا في الشعر وليس له معمول متقدم على الأداة: إنه جواب الشرط، مرفوع للضرورة أو على لغة ضعيفة. وعند وقوعه في النثر: إنه مرفوع، محاكاة لتلك اللغة الضعيفة، ولا داعي للتأويل المرهق، والتقدير، وافتراض الحذف، أو التقديم، أو التأخير ... ، رغبة في الوصول إلى وسيلة تخرجه من نطاق جواب الشرط المرفوع بضعف، إلى نطاق شيء آخر يبيح بغير ضعف؛ وبغير أن يكون جواب شرط. وفي هذا ما فيه من التكلف الذي لا يطابق الواقع. فوق ما يوجه إليه من اعتراضات أخرى1.
ب- فإن كان له معمول متقدم على الأداة فأكثر النحاة يميل إلى رفع المضارع، وفي هذه بالصورة يكون المضارع دليل الجواب وليس جواب حقيقيا؛ نحو طعامنا إن تزرنا تأكل، فطعام -بالنصب- مفعول مقدم للمضارع: "تأكل" الذي يعتبر دليل الجواب المحذوف، ولا يصح أن يكون جوابا حقيقيا، لأن الجواب الحقيقي لا يتقدم هو ولا شيء من معمولاته على الجملة الشرطة، ولا على الأداة كما سلف1. أما لو جعلنا كلمة "طعام" مرفوعة على اعتبارها مبتدأ فالأحسن الأخذ بالرأي الأقوى الذي استخلصناه من عدة آراء، وشرحناه ... 2..
3- ما يختص بهما من ناحية عطف مضارع على أحدهما: أ- إذا وقع بعد جملة الجواب -ولو كانت اسمية؛ لأنها في محل جزم- مضارع مقرون بالواو أو الفاء، جاز فيه ثلاثة أوجه إعرابية؛ يختار منها المتكلم والمعرب ما يناسب السياق، ويساير معنى التركيب1. أولها: اعتبار "الواو" و"الفاء" حرفي استئناف؛ فالجملة بعدهما استئنافية مستقلة في إعرابها عما قبلها، والمضارع فيها مرفوع - إن كان مجردا من ناصب وجازم، ومن نوني التوكيد - ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ، برفع المضارع، "يغفر" بعد فاء الاستئناف، وقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، برفع المضارع: "يذر" بعد واو الاستئناف، وقول الشاعر يمدح: فإن يهلك أبو قابوس2 يهلك ... ربيع الناس والبلد الحرام ونأخذ بعده بذناب3 عيش ... أجب4 الظهر، ليس له سنام برفع المضارع: "نأخذ" بعد واو الاستئناف. ثانيها: اعتبار الفاء للسببية والواو للمعية -وهما عاطفان أيضا مع السببية والمعية- والمضارع بعدهما منصوب "بأن" مضمرة وجوبا "بالتفصيل الذي سبق إيضاحه عند الكلام على فاء السببية، واو المعية"5. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد نصب الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخذ.
ثالثها: اعتبارها حرفي عطف مجردين له -فلا يفيدان سببية ولا معية- والمضارع بعدهما مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرطح فإن كان جواب الشرط مضارعا مجزوما مباشرة، فالمضارع المعطوف مجزوم مثله، وإن كان فعل الجواب ماضيا فهو مجزوم محلا، والمضارع المعطوف مجزوم لفظا، مراعاة لمحل المعطوف عليه. وكذلك إن كان الجواب جملة اسمية أو فعلية: فإنها تكون في محل جزم، والمضارع المعطوف عليها مجزوم لفظا تبعا لمحلها. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد جزم الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخ، وكقول الشاعر: ومن يتتبع -جاهدا- كل عثرة ... يجدها؛ ولا يسلم له -الدهر- صاحب والكوفيون يجعلون "ثم" كالواو في الأوجه الثلاثة السالفة1؛ فكلاهما إما للاستئناف، وإما للعطف الخالص، وإما للعطف مع المعية ... ب- وإذا وقع المضارع المسبوق بأحد الأحرف السالفة بعد الجملة الشرطية مباشرة، متوسطا بينها وبين الجملة الجوابية، فأكثر النحاة يجيز فيها وجهين؛ يختار منهما المتكلم والمعرب ما يناسب السياق. أحدهما: اعتبار هذه الأحرف للعطف المجرد، والمضارع بعدها مجزوم؛ لأنه معطوف بها على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، ومثل؛ من يتكلم فيسرف
يكن عرضه للزلل.... أو: ويسرف، أو: ثم يسرف. ومثل: من تكلم فيكثر -أو: يكثر، أو: ثم يكثر كان عرضه للزلل.. بجزم الأفعال المضارعة: "يصبر، يسرف، يكثر ... " لأنها معطوفة، والمعطوف عليه مجزوم لفظا أو محلا؛ فهي تابعة له في الجزم فتجزم لفظا. والآخر؛ النصب على اعتبار الفاء للسببية مع العطف، والواو للمعية مع العطف. وثم -عند الكوفيين- للعطف مع المعية، والمضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الثلاثة. ومن الأمثلة نصب الأفعال المضارعة السابقة كلها. وكذا نصب المضارعك "يخضع" في قول الشاعر: ومن يقترب منا ويخضع نؤوه ... فلا يخش ظلما ما أقام ولا هضما أما الاستئناف فمنعه أكثر النحاة؛ بحجة أنه لا يصح الاستئناف قبل أن تستوفي أداة الشرط جملتيها "الشرطية والجوابية معا"؛ كي يتم المعنى المرتبط بأداة الشرط. ووضع الجملة الاستئنافية بين جملتي الشرط والجواب إنما هو إقحام لجملة أجنبية بين جملتين متلازمتين في المعنى. ويرى المحققون: أن رفع المضارع المتوسط بين جملتي الشرط والجواب جائز بعد حرف مما سبق. وحجتهم أنه لا مانع من اعتبار تلك الجملة الأجنبية جملة استئنافية معترضة، وليست للاستئناف المحض. ورأيهم صحيح1، ولا ضرر في الأخذ به إن اقتضاه المعنى. وعلى هذا يجوز في المضارع المسبوق بأحد أحرف العطف السابقة والذي تتوسط جملته بين جملتي الشرط والجواب -الأوجه الثلاثة؛ وهي الرفع على اعتبار الجملة استئنافية اعتراضية، والجزم بالعطف على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا، والنصب على اعتبار "الواو"، و"ثم" للعطف مع المعية، و"الفاء"
للعطف مع السببية، وأن المضارع منصوب بأن مضمرة. وجوبا بعد الثلاثة، وبهذا يكون حكمه واحدا بعد الأحرف السالفة، لا يختلف باختلاف وقوعه بعد الجملة الجوابية، أو توسطه بينهما وبين الجملة الشرطية1 ... "ملحوظة": إذا توسط المضارع بين جلمتي الشرط والجواب، ولم يسبقه أحد أحرف العطف السالفة أعرب "بدلا"، إن كان مجزوما، وأعربت جملته "حالا" -في الغالب- إن كان مرفوعا. فمثال الأول: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا، ونارا تأججا والثاني: متى تأته تعشو2 إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد 4- ما يخص بهما من ناحية حذفهما معا: يصح حذف الجملتين معا -في النثر والنظم- بشرط أن تقوم قرينة تدل عليهما. والأغلب عند حذفهما أن تكون أداة الشرط هي: "إن"، مثل قول الشاعر وهو يودع أحبابه: نودعكم، ونودعكم قلوبا ... لعل الله يجمنا. وإلا.. يريد: وإلا يجمعنا هلكنا، أو شقينا.. أو نحو ذلك مما يساير المعنى الناشيء من الجملتين المحذوفتين. ومثل قول الآخر في فتيات ينصحن أخرى اسمها: سلمى -برفض الزواج من رجل فقير معدم:
قالت بنات العم: يا سلمى وإنن1 ... كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن1 التقدير: يا سلمى: أتتزوجينه وإن كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن، أي: وإن كان فقيرا معدما أتزوجه.. ومن أمثلة حذفها بعد أداة غير "إن" قوله عليه السلام: "من فعل فقد أحسنن ومن لا فلا". التقدير: ومن لا يفعل فلا حسن منه. وكذا قول العرب: من يسلم عليك فسلم عليه، ومن لا فلان أي: ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه، وقول الشاعر: فإن المنية من يخشها ... فسوف تصادفه أينما ... أي: أينما يذهب تصادفه2 ... أما حذف فعل الشرط وحده، أو الجملة الشرطية كلها دون الجوابية فقد سبق3. وكذلك سبق4 الكلام على حذف الجملة الجوابية وحدها.
المسألة 158:
المسألة 158: اجتماع الشرط والقسم، وحذف جواب أحدهما: تمهيد -جواب الشرط، وجواب القسم: كل واحد من الشرط والقسم يستدعي جوابا خاصا به، يتميز بعلامة أو أكثر ينفرد بها دون الآخر. فجواب الشرط الجازم لا بد أن يكون مجزوما، إما لفظا؛ لأنه "فعل" مضارع، وإما محلا لأنه فعل ماض، أو لأنه من النوع الذي يجب اقترانه "بالفاء" أو "بإذا" الفجائية، وقد سبق بيان هذا كله، وتفصيله1. أما جواب القسم فيختلف باختلاف نوعي2 القسم؛ وهما: "الاستعطافي" و "غير الاستعطافي". فإن كان القسم استعطافيا "وهو جملة طلبية يراد بها توكيد معنى جملة طلبية أخرى مشتملة على ما يثير الشعور والعاطفة، وتعتبر جواب القسم" فلا بد أن يكون جوابه جملة طلبية؛ كقول الشاعر: بعيشك يا سلمى ارحمي ذا صبابة ... وقول الآخر: بربك هل نصرت الحق يوما ... وذقت حلاوة النصر المبين؟ فالقسم هو: "بعيشك، وبربك". وكلاهما مع متعلقه -المحذوف هنا- جملة طلبية، نراها في المثال الأول تؤكد بعدها الجملة الطلبية التي تشتمل على ما يحرك الوجدان، وهي: "ارحمي". ونراها في المثال الثاني تؤكد الجملة الطلبية التي تليها، والتي تشتمل كذلك على ما يحرك الوجدان؛ وهي: "هل نصرت".
لا يكون جواب هذا النوع من القسم الاستعطافي إلا جملة إنشائية. وإن كان القسم غير استعطافي "وهو ما جيء به لتوكيد معنى جملة خبرية، وتقوية المراد منها1" فلا بد له من جواب يكون جملة خبرية تختلف صورتها على النحو الذي سبق تفصيله في مكان أنسب2. وملخصه: 1- إن كان الجملة الجوابية مضارعية مثبتة أكدت3 اللام4 والنون معا؛ نحو: والله لأبذلن جهدي في مساعدة المحتاج. ومن القليل الجائز الاقتصار على أحدهما، بالرغم مما يؤدي إليه هذا الاقتصار من نقص في درجة السمو البلاغي، وقوة الأسلوب. وتسمى هذه اللام المفتوحة: "لام جواب القسم" أو: "اللام الداخلة على جواب القسم". وهي غير لام الابتداء، والفرق بينهما كبير، سبق إيضاحه5. 2- إن كانت الجملة الجوابية ماضوية مثبتة وماضيها متصرف، فالغالب تصديرها "باللام" الجوابية، و"قد" معا؛ نحو: والله لقد فاز أهل المروءة والكرامة. ويجوز -بقلة- الاقتصار على أحدهما، أو التجرد منهما. مع ما في هذا الاقتصار من إهمال الكثير الفصيح. فإن كان فعلها جامدا، غير "ليس" فالأكثر تصديرها باللام فقط، نحو: والله لعسى التوفيق يصحب المخلص أو: والله لنعم المخلص. فإن كان الماضي الجامد "ليس" لم يقترن بشيء؛ نحو والله ليس طول العمر بالسنوات، ولكن بجلائل الأعمال. 3- إن كانت الجملة فعلية منفية بالحرف: "ما"، أو: "لا"، أو: "إن" وجب تجريدها من اللام، سواء أكانت ماضوية أم مضارعية؛ نحو: والله
ما يحتمل العزيز الضيم، والله لا يحجب ثوب الرياء ما تحته، بالله إن تحيا الأمة وأفرادها حياة العزة والقوة إلا بكرائم الأخلاق. ومثل: والله ما احتمل عزيز ضيما والله لا حجب1 ثوب الرياء ما تحته، ولا دفع1 عن صاحبه السوء، والله إن أوجد الكون العجيب إلا الله، وإن أمسك السموات والأرض وما فيهما إلا المولى جل شأنه. ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه أن يكون جواب القسم جملة منفية مصدرة باللام2، أو: أن تكون أداة النفي فيها "لم" ومثلها: "لن" أيضا عند فريق من النحاة3. ومما تجب ملاحظته أن أداة النفي في جواب القسم قد تكون محذوفة، ولكنها ملحوظة يدل عليها دليل؛ كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، أي: لا تفتأ4 ... 4- إن كانت الجملة الجوابية اسمية مثبتة فالأغلب تأكيدها "باللام" و"إن" معا، ويصح الاكتفاء بأحدهما، ولكن الأول أبلغ، نحو: "تالله إن الخداع لممقوت، وإن صاحبه لشقي" -"تالله إن الخداع ممقوت، وإن صاحبه شقي- تالله للخداع ممقوت. ولصاحبه شقي". ومن أمثلة الاقتصار على أحدهما قول الشاعر: لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل5 في بعض الأحايين أحوج6
ومن النادر تجردها منهما إن لم يطل1 الكلام بعد القسم؛ كقول أبي بكر في نزاع بينه وبين عمر رضي الله عنهما، "والله أنا كنت أظلم منه". فإن استطال الكلام بعد القسم حسن التجرد؛ كقول ابن مسعود: "والله الذي لا إله غيره، هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة". وقول الشاعر: ورب السموات العلا وبروجها ... وأرض وما فيها المقدر كائن ولا يصح اقتران الجملة الجوابية بالحرف: "إن" إذا كانت مصدرة بحرف ناسخ من أخوات "إن"؛ كقول بعضهم في مدح رجل: والله لكأن القلوب والألسن ريضت له؛ فما تعقد إل على وده، ولا تنطق إلا بحمده. فإن كانت الجملة الاسمية منفية فحكمها حكم الجملة الفعلية المنفية "بما"، أو "لا"، أو "إن" من وجوب تجريدها من اللام والاقتصار في نفسها على أحد هذه الحروف الثلاثة دون غيرها -كما سبق. من كل ما سبق يتبين أن الجواب المنفي -في جميع أحواله- لا يتطلب زيادة شيء إلا أداة النفي قبله، مع اشتراط أن تكون إحدى الأدوات الثلاث السالفة؛ سواء أكان الجواب جملة فعلية أم اسمية. والآن نعود إلى الكلام على اجتماع الشرط والقسم والاستغناء بجواب أحدهما عن الآخر. أ- إذا اجتمع شرط غير امتناعي2، وقسم فالأصل أن يكون لكل منهما جواب، غير أن جواب أحدهما قد يحذف اكتفاء بجواب الآخر الذي يغني عنه، ويدل عليه. ولهذا الحذف صور منها: 1- أن يجتمع الشرط غير الامتناعي والقسم مع تأخر الشرط، وعدم وجود شيء قبلهما يحتاج إلى خبر3، وفي هذه الصورة يحذف -في الأرجح- جواب المتأخر منهما -وهو الشرط- نحو: والله من يراقب ربه في عمله لا يخاف
شيئا. فالمضارع "يخاف" مرفوع؛ لأنه في جملة جوابية للقسم المتقدم، وليس جوابا للشرط المتأخر، المحذوف الجواب. إذ لو كان هو الجواب لتحتم جزمه1، فقيل: يخف. ومثله قول الشاعر: لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالكا فالجملة الفعلية: "سرني" جواب للقسم الذي تدل عليه "اللام" الأولى لتصدير هذه الجملة "باللام وقد" معا، وليست جوابا للشرط المتأخر عن "لام" القسم؛ لأن الشرط لا يكون جوابه مقترنا "باللام وقد". فجوابه هنا محذوف. كحذفه في البيت السالف، وهو: لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج فالجملة الاسمية المصدرة بالحرف الناسخ "إن" هي جواب للقسم، إلا للشرط؛ إذ لو كانت جوابا للشرط لاقترنت بالفاء. أما عندهم تقدم الشرط فالأرجح أن يكون الجواب له وجواب القسم محذوف؛ فنقول: من يراقب ربه والله يخشه الناس. وقول أحدهم: إن يكن والله لي نصف وجه ونصف لسان - على ما بهما من قبح منظر، وسوء مخبر -يكن هذا احب من أن أكون ذا وجهين. ومن وصفناه بأنه الأرجح في الحالتين يراه كثير من النحاة واجبا لا يصح مخالفته2 ...
ويستثنى مما سبق أن يتأخر القسم وقبله الفاء الداخلة عليه مباشرة، فإن الجواب يكون له برغم تأخره عن الشرط؛ فنقول في المثال السالف: من يراقب ربه في عمله فوالله يخشاه الناس. فالمضارع "يخشاه" مرفوع، وهو مع فاعله جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم وجملة القسم في محل جزم جواب الشرط. 2- إن اجتمع الشرط غير الامتناعي، وسبقهما ما يحتاج إلى خبر، فالأرجح أن يكون الجواب للشرط مطلقا، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا؛ نحو: القوانين والله من يحترمها تحرسه. أو: القوانين من يحترمها والله تحرسه؛ بجزم المضارع: "تحرس" في الصورتين، لأنه جواب للشرط، وجواب القسم محذوف فيهما. أما غير الأرجح في كل ما تقدم "من 1، 2 ما عدا القسم المقرون بالفاء" فيعتبر الجواب للشرط غير الامتناعي في كل الحالات، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا، وسواء أكان قبلهما ما يحتاج إلى خبر أم لم يكن. ومن الأمثلة: لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل1 وقول الآخر: لئن كان ما حدثته اليوم صادقا ... أصم2 في نهار القيظ للشمس باديا فالمضارعان: "تلف" و"أصم" مجزومان مباشرة في جواب "إن" الشرطية، برغم تأخرها وتقدم لام القسم عليها3 ... ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر: أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي
لأن وجود الفاء في الجواب دليل على أنه للشرط؛ إذ جواب القسم لا تدخله الفاء. ومثله قولهم1: لئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد. ومما سبق نستخلص أن اجتماع الشرط غير الامتناعي والقسم يقتضي الاكتفاء بجواب واحد يكون -على الأرجح- للسابق منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور. وأنه يستثنى من هذه القاعدة حالتان: إحداهما: يكون الجواب فيهما للقسم مع تأخره، وهي التي يكون فيها القسم مبدوءا بالفاء. والأخرى: يكون الجواب فيها للشرط مع تأخره عن القسم؛ وهي التي يكونان فيها مسبوقين بما يحتاج إلى خبر ... ب- فإن كان الشرط امتناعيا "وهو: لو، لولا، لوما" وتقدم، فيتعين أن يكون الجواب له، وأن يحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه. نحو: لولا رحمة المولى بعباده، والله لأهلكم بذنوبهم2. وإن كان القسم هو المتقدم على الشرط الامتناعي، فالصحيح أن الجواب المذكور هو للشرط أيضا، وأن الشرط وجوابه جواب للقسم، لم يغن شيء عن شيء، والجوابان مذكوران، لم يحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه؛ نحو: والله لولا الله ما اهتدينا؛ فجملة: "ما اهتدينا" هي جواب "لولا". وهذه مع جوابها جواب القسم. ويتضح مما تقدم عند اجتماع الشرط الامتناعي والقسم أن الجواب للشرط الامتناعي؛ سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا عنه.
المسألة 159
المسألة 159: توالي شرطين، أو أكثر، وتوالي شرط واستفهام: أ- يصح أن تتوالى أداتان -أو أكثر- من أدوات الشرط بغير اتصال مباشر1؛ فتكون لكل أداة جملتها الفعلية الشرطية التي تليها مباشرة، وتفصل بينها وبين الأداة الشرطية التي بعدها. وتحتاج كل أداة بعد هذا إلى جملة جوابية تخضع للأحكام الآتية: 1- إن كان التوالي بغير عطف2 فالجواب للأداة الأولى وحدها، ما لم تقم قرينة تعين غيرها. أما باقي الأدوات التالية فجوابه محذوف للدلالة جواب الأولى عليه. ومن الأمثلة؛ "من يعتدل في شبابه، من يحرص على سلامة جوارحه وحواسه يسلم من متاعب الكهولة، وويلات الشيخوخة". التقدير: من يعتدل في شبابه يسلم ... ، من يحرص على سلامة حواسه يسلم ... ومثل قول: الشاعر: إن تستغيثوا بنا، إن تذعروا تجدوا ... منا معاقل عز زانها كرم التقدير: إن تستغيثوا بنا تجدوا ... إن تذعروا تجدوا ... 2- إن كان التوالي بعطف بالواو فالجواب لهما؛ لأن الواو للجمع، مثل: من يحجم عن نداء الخير، ومن ينأ عن داعي المروءة -يعش بغيضا منبوذا. 3- إن كان التوالي بعطف ب"أو"، فالجواب لإحداهما؛ "لأن أو -في الغالب- لأحد الشيئين أو الأشياء" وجواب الأخرى محذوف يدل عليه المذكور. ومن الأمثلة: إن تغب عن عيني أو إن تحضر، فلست عن خاطري بغائب -من يكبره الناس لعلمه، أو من يرفعوه لسمو خلقه- يعش بينهم سعيدا..
4- إن كان التوالي بعطف بـ"الفاء" فالجواب للثانية؛ "لأن الفاء تفيد الترتيب". والثانية وجوابها جواب للأولى، نحو: إن تمارس عملا فإن تخلص فيه يحالفك الفوز والتوفيق. وليس من اللازم أن تكون الفاء مذكورة، فقد تكون ملحوظة يقتضيها السياق وتدل قرينة على تقديرها. وفي هذه الحالة التي تحذف فيها مع تقديرها وملاحظتها، لا تكون عاطفة ولا تعرب شيئا1، وإنما يقتصر أثرها على الفائدة المعنوية الملحوظة. ب- إذا توالى الاستفهام2 والشرط فقيل الجواب للاستفهام، لتقدمه؛ نحو: أإن تدع لأداء الشهادة على وجهها تستجيب؟ برفع المضارع: "تستجيب". وقيل: "لا"، وأن الجواب للشرط غالبا؛ بدليل قوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ؛ إذ لو كانت الجملة الاسمية: "هم الخالدون"، جوابا للاستفهام ما دخلتها الفاء؛ لأن الفاء لا تدخل في جواب الاستفهام، وإنما تدخل في جواب الشرط إذا كان جملة اسمية أو غيرها مما لم يستوف شروط الجواب -كما عرفنا3. والصحيح أن تعيين الجواب لأحدهما خاضع للقرينة التي تتحكم فيه؛ فتجعله لهذا أو لذاك، دون أن يختص به واحد منهما في كل الأساليب.
المسألة 160
المسألة 160: "لو" الشرطية: هي نوعان: شرطية امتناعية، وشرطية غير امتناعية، وكلا النوعين حرف، واستعماله قياسي. أ- "لو" الشرطية الامتناعية؛ معناها، وأحكامها النحوية: فأما معناها فأمران مجتمعان؛ هما: "إفادة الشرطية، وأن هذه الشرطية لم تتحقق في الزمن الماضي؛ فقد امتنع وقوعها فيه". فإفادتهما الشرطية تقتضي تعليق شيء على آخر؛ وهذا التعليق يستلزم -حتما- أن يقع بعدها جملتان، بينهما نوع ترابط واتصال معنوي؛ يغلب أن يكون هو: "السببية" في الجملة الأولى، و "المسببية" في الجملة الثانية؛ نحو: لو تعلم الجاهل لنهضت بلاده، لكنه لم يتعلم -لو عف السارق لنجا من العقوبة التي تزلت له به- لو أتقن الصانع عمله بالأمس ما بارت صناعته. فالجملة الأولى من المثال الأول هي: "تعلم الجاهل"، والثانية هي: "نهضت بلاده" وبين الجملتين ذلك الارتباط المعنوي؛ لأن نهضة الجواب"1. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى. وإفادتها امتناع المعنى الشرطي في الزمن الماضي تقتضي أن شرطها لم يقع فيما مضى، "أي: لم يتحقق معناه في الزمن السابق على الكلام" فهي تفيد القطع بأن معناه لم يحصل2، كما تفيد أن تعليق الجواب علهي كان في الزمن الماضي
أيضا1، على خلاف المعهود في التعليق بالأدوات الشرطية الجازمة، حيث يتعين الاستقبال في شروطها وجوابها معا -على الأغلب2. ويترتب على امتناع الشرط هنا وعدم وقوعه امتناع جوابه تبعا له، إذا كان فعل الشرط هو السبب الوحيد في إيجاد جوابه وتحقيقه، وليس هناك سبب آخر للإيجاد والتحقيق؛ لأن امتناع السبب الوحيد الموجد للشيء يؤدي حتما إلى امتناع المسبب الوحيد؛ فامتنع له الجواب -وهو المسبب عنه- إذ ظهور النار متوقف على طلوع الشمس دون شيء آخر؛ فلا يمكن أن يظهر إلا بطلوعها ما دام طلوعها هو السبب الفرد في إيجاده. فإن كان للجواب سبب آخر فلا يتحتم الامتناع بامتناع هذا الشرط، لجواز أن يؤدي السبب الآخر إلى إيجاد الجواب، وتحقيق معناه3؛ نحو: لو طلعت
الشمس أمس لكان النور موجودا. فطلوع الشمس هنا ممتنع، أما الجواب فيصح أن يكون غير ممتنع -برغم امتناع الشرط- إذا وجد سبب آخر غير الشمس يحدثه؛ كمصباح مضيء، أو برق، أو نار ... ؛ فالشرط في هذا المثال ليس السبب الفريد في إحداث الجواب؛ فامتناعه لا يستلزم ولا يوجب امتناع جوابه؛ فقد يمتنع الجواب حينا؛ ولا يمتنع حينا آخر؛ على حسب ما تقضي به القرائن والمناسبات. ومن الأمثلة لامتناع الجواب امتناعا حتميا تبعا لامتناع الشرط: لو توقفت الأرض عن الدوران لهلك الأحياء جميعا من شدة البرد أو الحر لو سكنت الأرض ما تعاقب عليها الليل والنهار -لو امتنع الغذاء لمات الحي- لو اختلت الجاذبية الكونية لا نفرط عقد الكواكب والنجوم لو توقف القلب عن النبض نهائيا لمات الحيوان ... ومن أمثلة امتناع الشرط دون أن يستلزم امتناع الجواب استلزاما محتما: لو تعلم الفقير لاغتنى -لو استقل المسافر الطائرة لبلغ غايته- لو قرأ الريفي الصحف لعلم أهم الأخبار العالمية -لو واظب الغلام على السباحة لقوي جسمه- لو استشار المريض طبيبه لشفي ... ؛ فالجواب في هذه الأمثلة ليس حتمي الامتناع؛ إذ الشرط ليس السبب الوحيد في إيجاده، فهناك ما يصلح أن يكون سببا للإيجاد سواه. ومما تقدم يتبين خطأ التعبير الشائع على ألسنة المعربين وهو: "أنها حرف امتناع لامتناع"؛ يريدون: أنها حرف يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط. وإنما كان هذا خطأ لما قدمناه من أن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجواب؛ فقد يستلزمه، أو لا يستلزمه -طبقات للبيان السالف- إلا أن كان غرضهم أن ذلك الامتناع هو الكثير الغالب. والصواب ما ردده سيبويه من أنها: "حرف يدل على ما كان سيقع لوقوع غيره"، أي: لما كان سيقع في الماضي؛ لوقوع غيره في الماضي أيضا. وهذه العبارة صحيحة دقيقة، لا تحتاج إلى تأويل أو تقدير، أو زيادة.
وأما أحكامها النحوية1: فإنها أداة شرطية قياسية الاستعمال؛ لا تجزم على الراي الأرجح2، ولا بد لها -كما سبق- من جملتين بعدها3؛ أولاهما: "الشرطية"، تليها: "الجوابية والجزائية". والأغلب أن تكون الجملتان فعليتين، ماضويتين لفظا ومعنى معا، أو معنى فقط "بأن يكون الفعل مضارعا مسبوقا بالحرف: "لم"4. والفعل الماضي فيهما باق على مضيه؛ فلا يتغير زمنه بوجود "لو" الامتناعية، ومن الأمثلة: لو تراحم الناس لعاشوا إخوانا، لم يعرفهم البؤس، ولا الشقاء، ولا العداء، وقول الشاعر: إن أرضا تسري5 إليها لو اسطا ... عت6 لسارت إليك قبل مسيرك وقولهم: لو لم يثق المرء بعدل الخالق لعاش معذبا بالياسن ولو لم يطمئن إلى حكمته لاحترق بنار الشك. فإن جاء بعدها مضارع لفظا ومعنى قلبت زمنه للمضي مع بقاء لفظه على حاله، ومن الأمثلة: لو يجيء الضيف أمس لأكرمته. وقول الشاعر: رهبان مدين، والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة ركعا وسجودا والمراد: لو جاء الضيف7 ... لو سمعوا7. ولجوابها أحكام أخرى -غير المضي- يشترك في أكثرها جواب "لو" غير الامتناعية، وسنعرفها8. ب- "لو" الشرطية غير الامتناعية9. معناها: وأحكامها10 النحوية:
هي قليلة الاستعمال، ولكن استعمالها قياسي. ومن أمثلتها: لو يشتد الحر في العطلة الصيفية المقبلة أصطاف في جهات معتدلة ... فأما معناها فالدلالة على الشرطية الحقيقية؛ "وهي التي تقتضي تعليق أمر على آخر -وجودا وعدما- في المستقبل"، ولا بد لها من جملتين؛ ترتبط الثانية منهما بالأولى ارتباط المسبب بالسبب -غالبا-1 بحيث لا يتحقق في المستقبل؛ معنى الثانية، ولا يحصل إلا بعد تحقق معنى الأولى وحصوله في المستقبل؛ فكلاهما لا يتحقق معناه إلا في المستقبل. غير أن معنى الثانية مترتب على معنى الأولى الذي لا يمتنع هنا. وبهذين تختلف "لو" غير الامتناعية عن "لو" الامتناعية التي تقتضي أن يكون ارتباط جملتيها في زمن ماض فقط، وأن شرطها ممتنع، فيمتنع له الجواب -بالتفصيل السالف؛ ومن ثم قال النحاة: إن "لو" الشرطية غير الامتناعية شبيهة "بإن الشرطية"؛ فهما يفيدان -غالبا-1 تعليق الجواب على الشرط، ويوجبان أن يكون زمن الفعل في جملتي الشرط والجواب مستقبلان مهما كان نوع الفعل وصيغته، كما يوجبان -أيضا- أن يكون مستقبلا. وأما حكمها النحوي فمقصور على أنها أداة شرطية حقيقية. ولكنها لا تجزم على الرأي الأرجح. ولا بد لها من الجملتين بعدها2؛ أولاهما جملة الشرط، والأخرى جملة الجواب. والأغلب أن يكون فعل الشرط وفعل الجواب مضارعين لفظا ومعنى ويتحتم أن يكون زمنهما للمستقبل الخالص. وإذا كان أحدهما ماضي اللفظ وجب أن يكون زمنه مستقبلا، فيكون ماضي الصورة دون الزمن. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رمسينا3 من الأرض سبسب4 لظل صدى صوتي وإن كنت رمة ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب وقول الآخر: لا يلفك الراجوك إلا مظهرا ... خلق الكرام ولو تكون عديما5
ومثال الماضي الذي يصير زمنه مستقبلا خالصا مع بقاء صورته اللفظية على حالها -قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} ، أي: لو يتركون؛ إذ لو كان الفعل باقيا على زمنه الماضي لفسد المعنى؛ لاستحالة الخوف بعد موتهم. ومثله قول الشاعر: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل1 وصفائح2 لسلمت تسليم البشاشة، أو زقا3 ... إليها صدى من جانب القبر صائح فالماضي هنا -وهو محذوف بعد: "لو" على الرأي المشهور الذي سيأتي4. وتقديره مثلا: لو ثبت أن ... مؤول بالمضارع. أي: لو يثبت أن ... ؛ لاستحالة المعنى على المضي الحقيقي؛ إذ يترتب عليه أنه قال هذا الكلام بعد موته. ومثل هذا قولهم: مسكين ابن آدم؛ لو خاف النار كما يخاف الفقر لنجا منهما جميعا، ولو رغب في الجنة كما يرغب في الدنيا لفاز بهما جميعا. أحكام مشتركة بين النوعين: 1- كلاهما قياسي، له الصدارة، مختص بالدخول على الفعل حتما، وكلاهما لا يعمل فيه الجزم -على الرأي الأرجح- لكن النوع الأول مختص بالدخول على الماضي غالبا؛ والثاني مختص بالدخول على المضارع غالبا؛ فلا بد أن يقع الفعل بعدهما مباشرة. فإن لم يقع الفعل ظاهرا بعدهما وكان الظاهر اسما، فالفعل مقدر بينهما، يفسره مفسر مذكور بعد الاسم الظاهر5. نحو: لو ذات سوار6 لطمت الرجل الحر لهان الأمر. وقول الشاعر:
أخلاي1، لو غير الحمام أصابكم ... عتبت، ولكن ما على الدهر معتب والتقدير: لو لطمت ذات سوار لطمت ... ، لو أصابكم غير الحمام أصابكم ... ، وقد يكون المفسر جملة، والفعل المحذوف هو "كان الشأنية"، كقول الشاعر: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان2؛ بالماء اعتصاري3 والتقدير: لو كان "الحال والشأن"، حلقي شرق بغير الماء، كنت كالغصان ... 2- كلاهما لا بد له من جواب مذكور أو محذوف. أ- فإن وقع جواب أحدهما فعلا ماضيا لفظا ومعنى، أو لفظا فقط -جاز اقترانه "باللام" وعدم اقترانه؛ سواء أكن الماضي مثبتا أم منفيا ب"ما" إلا أن اقتران المثبت باللام أكثر من تجرده منها، والمنفي بعكسه. فمن أمثلة اقتران الماضي المثبت وتجرده قوله تعالى في الصم البكم الذي لا يعقلون: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} ، وقوله تعالى في الزرع: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} وقوله تعالى بعد ذلك مباشرة في الآية نفسها عن الماء الذي نشربه: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} 4. ومن أمثلة تجرد المنفي بـ"ما" واقترانه قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} وقول الشاعر5: ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الليالي ولا تدخل هذه اللام على حرف نفي غير "ما". ولبعض النحاة رأي حسن في مجيء هذه اللام في جواب "لو الشرطية" حينا،
وعدم مجيئها حينا آخر؛ يقول: هذه اللام تسمى: "لام التسويف"، أي: التأجيل والتأخير والتمهل؛ لأنها تدل على أن تحقق الجواب سيتأخر عن تحقق الشرط زمنا طويلا نوعا، وعدم مجيئها يدل على أن تحقق الجواب سيتأخر عن تحقق الشرط زمنا يسيرا، قصير المهلة بالنسبة للمدة السالفة. فتحقق الجواب في الحالتين متاخر عن تحقق الشرط -كالشأن في الجواب دائما- إلا أن مجيء اللام معه دليل على أنه سيتأخر كثيرا، وأن مهلته ستطول، بالنسبة له حين يكون خاليا ... 1. ب- وقد يكون الجواب جملة اسمية مقرونة باللام؛ ومنه -في رأي بعض النحاة- قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} ، والأصل: لو ثبت أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير. فاللام داخلة على المبتدأ: "مثوبة" وخبره كلمة: "خير" والجملة الاسمية هي الجواب. ج- وقد يكون الجواب مسبوقا بكلمة "إذا"2 التي تفيده وتقويه وتوكيدا؛ نحو: لو قصدتني إذا -لعاونتك. وقول الشاعر: لو أن للفصل فيما بيننا حكما ... إذًا لبين حقا أينا ظلما ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون فعل الجواب هو "أفعل"، للتعجب مقرونا باللام، أو أن يكون الجواب مسبوقا بالفاء، أو رب، أو قد ... 3.
3- كلاهما صالح للدخول على: "أن -مفتوحة الهمزة- ومعموليها" -وهذا أحد مواضع الاختلاف بين "لو" و "إن" الشرطيتين- ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} ، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} ، وقول المعري: ولو أني حبيت1 الخلد2 فردا ... لما أحببت بالخلد انفرادا وقول الآخر يصب ألفاظ أديب: فلو أن ألفاظه جسمت ... لكانت عقودا لجيد الغواني3 وإذا دخلت "لو" على "أن ومعموليها" فهل تفقد اختصاصها الذي عرفناه؛ وهو دخولها على الأفعال في الأعم الأغلب؟ يرى فريق من النحاة أنها فقدت اختصاصها، وأن المصدر المنسبك بعدها من أن مع معموليها مبتدأ، خبره محذوف؛ تقديره: ثابت، ... أو نحو هذا مما يناسب بالسياق. ففي مثل: لو أن التاجر أمين لراجت تجارته -يكون التقدير: لو أمانة التاجر ثابتة لراجت تجارته ... وفي مثل: لو أن الحارس غافل لاجترأ اللص يكون التقدير: لو غفلة الحارس ثابتة لاجترأ اللص. ويرى فريق آخر أنها لم تفقد اختصاصها، وأنها في الحقيقة لم تدخل على "أن ومعموليها" مباشرةن وإنما دخلت على فعل مقدر هو: ثبت -ونحوه- المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" فاعل للفعل المقدر. فتقدير الفعل في الأمثلة السابقة هو: ولو ثبت أنهم آمنوا.. ولو ثبت أنهم صبروا ... ولو ثبت أني حبيت ... فلو ثبت أن ألفاظه جسمت، ... ولو ثبت أن التاجر.... ولو ثبت أن الحارص ... وهكذا. وتقدير الفعل مع فاعله المصدر المنسبك من أن معموليها هو: ولو ثبت إيمانهم ولو ثبت صبرهم.. ولو ثبت حبوي، لو ثبت تجسيم ... ولو ثبتت أمانة التاجر ... ولو ثبتت غفلة الحارس....
والرأيان صحيحان، ولكن ثانيهما أولى بالترجيح، إذ يحقق حكما أصيلا غالبا، من أحكام "لو" بنوعيها؛ هو: اختصاصها بالدخول على الفعل، ولكيلا يدخل الحرف المصدري على مثل1 بغير فاصل. 4- يجب الترتيب بين "لو"2 وجملتيها. فلا يصح تقديم شيء منهما، ولا من معمولاتهما على "لو" ولا يصح تقديم شيء من الجملة الجوابية أو معمولاتها على الشرطية. حذف فعل شرطها وحده، وحذف الجملة الشرطية كاملة: يصح هنا حذف فعل الشرط وحده إذا دل عليه دليل، كوجود مفسر له بعد فاعله المذكور في الكلام. نحو: لو مطر نزل لاعتدل الجو. والأصل: لو نزل مطر نزل ... ومن أمثلة حذفه بغير المفسر أن يكون فاعله مصدرا مؤولا من "أن ومعموليها"؛ كالأمثلة التي مرت "في"3. أما حذف الجملة الشرطية كلها بغير الأداة: "لو" فنادر لا يصح القياس عليه؛ كأن يقال: أيعتدل الجو لو نزل المطر؟ فيجاب: "نعم لو ... لاعتدل الجو". وقد تحذف قياسا ومعها: "لو" بشرط وجود القرينة، نحو قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، التقدير: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق ... وقد يحذف قياسا فعل الشرط: "كان" ومعه امسه أو خبره؛ نحو: اقرأ كل يوم ولو صفحة أو صفحة. على تقدير: ولو كان المقروء صفحةن أو كانت مقروءة صفحة. -كما تقدم في باب كان4.
حذف فعل الجواب، وحذف جملة الجواب كاملة: لا يصح هنا حذف فعل الجواب وحده. لكن يكثير حذف الجملة الجوابية كاملة لدليل، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} ، {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} ، وتقدير المحذوف: ما نفعهم ... أو: لكان هذا القرآن.. ومثل: تتمزق الأمة باختلاف زعمائها؛ فلو اتفقوا..، التقدير: لو اتفقوا لبقيت سليمة، أو قوية1 ... ، وكقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} فجواب "لو" جملة محذوفة تقديرها: لرأيت أمرا عظيما هائلا. حذف جملتي الشرط والجواب معا: ورد في المسموع أمثلة قليلة لحذفها معا، ولا يصح القياس عليها؛ لقلتها؛ ولأنها في الشعر، ومنها: إن يكن طبعك الدلال فلو ... ... في سالف الدهر والسنين الخوالي ... التقدير: فلو كان في سالف الدهر والسنين الخوالي لكان مقبولان أو نحو هذا2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا: "لو الشرطية"، بنوعيها. وهناك أنواع أخرى من "لو" عرضت لها المطولات النحوية؛ "كالمغني، وشرح المفصل ... " واللغوية؛ "كلسان العرب، وتاج العروس ... " وسنشير إلى كثير من هذه الأنواع إشارة عابرة، وكلها حروف. 1- "لو" المصدرية "وقد سبق الكلام عليها في الجزء الأول باب الموصول، م29 ص413". 2- "لو" الزائدة، أو: "الوصلية" ولا تحتاج لجواب -في المشهور- فهي ك"إن الوصلية" التي سبق الكلام عليها هنا1؛ بحيث يمكن وضع "لو" مكان "إن" فلا يفسد المعنى، ولا الأسلوب. وتعرب كإعرابها، نحو: الدني ولو كثر ماله، بخيل. وهذا أقل الأنواع استعمالا في فصيح الكلام. وقد يمكن تخريجه على نوع آخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- "لو" التي تفيد التقليل المجرد، وهي حرف لا عمل لهن ولا يحتاج لجواب نحو: أكثر من ضروب البر الإحسان، ولو بالكلمة الطيبة1. 4- "لو" التي تفيد التحضيض، كأن ترى بخيلا في مستشفى؛ فتقول: لو تتبرع لهذا المستشفى فتنال خير الجزء. بنصب المضارع بعد فاء السببية الجوابية2. وهذا النوع لا يحتاج لجواب في الرأي الأحسن. 5- "لو" التي للغرض؛ مثل: لو تسهم في الير فتثاب، بنصب المضارع بعد فاء السببية الجوابية. والأحسن الأخذ بالرأي القائل: إنها لا تحتاج إلى جواب. 6- "لو" التي للتمني؛ ولو تكون للتمني إلا حيث يكون الأمر مستحيلا أو في حكم المستحيل، نحو قوله تعالى عن يوم القيامة: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} ومثل: لو يستجيب لي حكام الدول فأحول بينهم وبين إشعال الحروب. بنصب المضارع "أحول" بعد فاء السببية الجوابية3. وقد سبق الكلام على "لو" التي تفيد التحضيض، أو: العرض، أو: التمني -عند الكلام على فاء السببية الجوابية1.
المسألة 161
المسألة 161: أما الشرطية 1: صيغتها -معناها- أحكامها النحوية: أ- صيغتها في الرأي الأرجح: "بسيطة"2 رباعية الأحرف الهجائية. ومن العرب من يقلب ميمها الأولى ياء3، فيقول في مثل: "أما الرياء فخلق اللئام، وصفة الضعفاء" ... "أيما الرياء ... " ومن هذا قول الشاعر يصف نفسه بالترف البالغ، والنعمة السابغة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت4 ... فيضحى4. وأيما بالعشي فيخصر5 وقول الآخر: مبتلة6، هيفاء. أيما وشاحها ... فيجري، وأيما الحجل7 منها فلا يجري8 ب- ومعناها: الدلالة على أمرين متلازمين معها؛ هما: الشرطية9، والتوكيد10؛ فلا يخلو استعمال لها من اجتماع هذه الشرطية والتوكيد. وقد تقتصر عليهما -كما في مثل: "أما علي فمسافر"، وكما في المثال الأول-11 أو لا تقتصر، أو لا تقتصر، وهو الغالب
الكثير، فتدل معهما على التفصيل1؛ نحو: الناس طبقات ... فأما الشريف فمن شرفت أعماله، وكملت خصاله، وإن كان فقيرا. وأما الدنيء فمن قبح صنعه، وساء طبعه، وإن كان غنيا. وأما العزيز فمن ترفع عن الدنايا، وأبي المهانة، وإن كان قليل الأهل والأتباع. وأما الذليل فمن رضي الهوان، وإن كان كثير الأهل والأعوان". فكلمة "أما" في هذا الكلام وأشباهه دالة على الشرطية؛ لقيامها مقام اسم الشرط: "مهما" وجملته الشرطية؛ -كما يأتي- "إذا المراد: مهما يكن من2 شيء فالشريف من شرفت أفعاله ... وهكذا". وهي دالة على التفصيل فيه أيضا؛ بذكر الأقسام، والأفراد المتعددة المختلفة لشيء مجمل3. وهي دالة فيه على التوكيد أيضا. ولإيضاح التوكيد نذكر أن من يقول: "محمد عالم" يقصد إثبات العلم لمحمد، ونسبته إليه، بغير تأكيد ولا تقوية. فإذا أراد أن يمنح المعنى فضل تأكيد، ومزيدا من التقوية أني بكلمة: "أما"، قائلا: "أما محمد فعالم". وسبب التأكيد والتقوية في هذا أنه يريد: "مهما يكن من شيء فمحمد عالم" فقد علق وجود علمه على وجود شيء، أي شيء آخر، بمعنى أن وجود العلم مترتب ومتوقف على وجود شيء يقع في الكون. ولما كان من المحقق المؤكد وقوع شيء في الكون حتما، كان من المحقق المؤكد -ادعاء- كذلك وقوع ما يترتب عليه؛ وهو: "العلم"؛ لأن تحقق السبب وحصوله لا بد أن يتبعه تحقق المسبب عنه، وحصوله على سبيل التحتيم4 ... وقد تدل على التفصيل تقديرا: أي: بغير ذكرها وذكر شيء معها، وإنما يدل عليهما السياق والقرائن؛ نحو: "الناس معادن؛ فأما أنفسها وأغلاها فالأخيار". التقدير: وأما أخسها وأرخصها فالأشرار. ونحو:
"الأصدقاء ضروب. فأما أحسنهم فالوفي الأمين". التقدير: وأما أقبحهم فالغادر الخائن.. ج- وأحكامها النحوية تنحصر فيما يأتي: 1- أنها أداة شرط؛ بسبب قيامها مقام اسم الشرط: "مهما" الواجب حذف جملته الشرطية هنا؛ فكأنها قائمة مقام: "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" بحيث يصح حذف "أما" ووضع "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" موضعها؛ فلا يفسد المعنى ولا التركيب مطلقا. وليس المراد من قيامها مقام اسم الشرط: "مهما" المحذوف شرطه وجوبا، أنها تعرب اسم شرط، أو فعل شرط، أو هما معا، ولا أن تؤدي معناهما تأدية حقيقية، يمكن بمقتضاها وضع "أما" في كل موضع تشغله "مهما" مع فعل شرطها ... ، ليس المراد هذا؛ لأن "أما" حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم وفعل معا، ولأن كثير من الأساليب يفسد تركيبه ومعناه إن حلت فيه "أما" في كل موضع تشغله "مهما" مع فعل شرطها ... ، وليس المراد هذا؛ لأن "أما" حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم وفعل معا، ولأن كثيرا من الأساليب يفسد تركيبه ومعناه إن حلت فيه "أما" محل "مهما" الشرطية وإنما المراد هو: صحة حذف "أما" الشرطية دائما ووضع: "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" موضعها. لأن في هذا رجوعا إلى الأصل، واستغناء عن النائب عنه، الذي ليست شرطيته أصيلة، وإنما هي مكتسبة بسبب نيابته. وإعراب الجملة المشتملة على "أما" في مثل: "أما المخترع فعالم" هو: "أما" نائبة عن: "مهما يكن شيء، أو من شيء". "المخترع" مبتدأ مرفوع. "فعالم" ... "عالم" خبر المبتدأ، وهذه الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب: "أما" النائبة عن "مهما" و "الفاء" زائدة داخلة على هذه الجملة الاسمية التي هي جواب اسم الشرط المحذوف الذي نابت عنه "أما" وكان الأصل أن تدخل على المبتدأ ولكنها تتأخر عنه إلى الخبر إذا لم يفصل بينها وبين الشرط فاصل -كما في هذه الصورة1. وإعراب: "مهما يكن من شيء، أو شيء فالمخترع عالم"، هو: "مهما"، اسم شرط مبتدأ، "يكن" مضارع تام2، مجزوم؛ لأنه فعل الشرط.
"من شيء" "من" حرف جر زائد، و"شيء" فاعل مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. هذا إن وجد الحر: "من"؛ فإن لم يوجد فالفاعل مرفوع مباشرة، على اعتبار: "يكن" فعلا مضارعا تاما1 في الحالتين -وهذا هو الأسهل. أما على اعتباره ناسخا فكلمة: "شيء" اسمه، وخبره محذوف تقديره: "موجودا"، والجملة الشرطية خبر "مهما"2. "فالمخترع" "الفاء" داخلة على جواب الشرط، و "المخترع" مبتدأ، و "عالم" خبره، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط: "مهما". وهناك إعرابات أخرى نكتفي بالتلميح إليها دون الإطالة بذكرها؛ لسهولتها وجريانها على مقتضى القواعد العامة. وليس من اللازم أن تكون: "أما" الشرطية في كل استعمالاتها قائمة مقام: "مهما يكن شيء أو من شيء" بهذا التبعير الحرفي؛ فمن الجائز -في أساليب أخرى- أن تقوم مقام تعبير شرطي آخر مناسب للسياق وللمعنى والمراد؛ كقولهم في الرد على من يشك في علم شخص أو شجاعته: "أما العلم فعالم"، و"أما الشجاعة فشجاع" ... بنصب كلمتي: "العلم، والشجاعة"، على تقدير: مهما ذكرت العلم ففلان عالم ... -مهما ذكرت الشجاعة ففلان شجاع. بل إن هذا التقدير أحسن على اعتبار هذه الأسماء المنصوبة مفعولا به للفعل: "ذكرت"، ونحوه3. 2- وجوب اقتران جوابها بالفاء الزائدة للربط المجرد4؛ فليست للعطف ولا لغيره. ومع أنها زائدة للربط لا يجوز حذفها إلا إذا دخلت على معقول محذوف؛ فيغلب حذفها معه، حتى قيل إنه واجبن كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والأصل: فيقال لهم: أكفرتم ... ، وفي غير هذه
الحالة سمع حذفها نادرا في النثر، وفي الضرورة الشعرية، وهذان لا يقاس عليهما اختيار. ويجب تأخير الفاء إلى الخبر إن كان الجواب جملة اسمية مبتدؤها غير مفصول من "أما" بفاصل -كما أسلفنا-1 ومن أمثلته أيضا قول الشاعر: ولم أر كالمعروف؛ أما مذاقه ... فحلو، وأما وجهه، فجميل ... 2 3- وجوب الفصل بينها وبين جوابها، بشرط أن يكون الفاصل أحد الأمور الآتية: أ- المبتدأ3؛ كبعض الأمثلة السابقة، وقول الشاعر: أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربي ب- الخبر؛ نحو: أما مكريم فالعربي. وأما في البادية فالشجاعة. ح- الجملة الشرطية وحدها دون جوابها؛ نحو قوله تعالى في الميت: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} ويجب أن يكون جواب الجملة الشرطية محذوفا استغناء بجواب "أما". د- الاسم المنصوب لفظا أو محلا بجوابها ولا مانع هنا من أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها4، فالأول كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} 5. والثاني كقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ،
لأن الجار مع مجروره في حكم المفعول به، فكأنه منصوب محلا. والفصل في الصورتين واجب؛ إذ لا يصح دخول "أما" على الطلب مباشرة. وقد اجتمع النوعان من الفصل في قول الشاعر: نزور أمرأ؛ أما الإله فيتقي ... وأما بفعل الصالحين فيأتمي1 هـ- الاسم المعمول لمحذوف يفسره ما بعد "الفاء"، نحو: أما المخترع فأعظمه2. و شبه الجملة المعمول لـ"أما" إذا لم يوجد عامل غيرها؛ لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، ويصح اعتباره معمولا لفعل الشرط المحذوف. فمثال الفصل بالظرف3: أما اليوم فالصناعة ثروة. ومثال الفصل بالجار والمجرور: أما في القتال فالسلاح العلم. ز- الجملة الدعائية بشرط أن يسبقها شبه جملة، نحو: أما الآن -حفظك الله- فأنا مسافر. أو: أما في بلدنا -صانها المولى- فالأحوال طيبة ... 3- جواز حذفها لدليل؛ ويكثر هذا قبل الأمر والنهي؛ كقوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ، والدليل على حذفها فيما سبق هو "الفاء" التي لا مسوغ لها إلا دخولها في الجواب. كما أن التنويع في
السياق يدل على حذفها1 ... 4- جواز حذف جوابها -لقرينة تدل عليه- ومعه: الفاء على الوجه الذي تقدم في الحكم الثاني2. وفيه المثال؛ وهو قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والأصل: فيقال لهم: أكفرتم. وكقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي: فيقال لهم ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- تختلف "أما" الشرطية السالفة في صيغتها، ومعناها، وأحكامها عن "أما" مفتوحة الهمزة، المركبة من "أن" المصدرية، و"ما" التي جاءت عوضا عن "كان" المحذوفة، وقد سبق بيانها تفصيلا1. كما أنها تختلف عن "أما" التي أصلها: "أم" و"ما" المدغمتين -عند من يكتبها متصلتين، وليس هذا بالمستحسن -نحو: أسقيت الحقل أماذا؟ والفرق أوسع بينها وبين "إما" مكسورة الهمزة التي لا شرطية معها. قال الفخر الرازي في تفسيره2 وقد عرض لهما: إذا كنت آمرا، أو ناهيا، أو مخبرا -فالهمزة مفتوحة، نحو: أما الله فاعبده، وأما الخمر فلا تشربها، وأما الضيف فقد خرج. وإن كنت مشترطا3 أو شاكا أو مخيرا -فالهمزة مكسورة- فمثال الاشتراط: إما4 تعطين المحتاج فإنه يشكرك. وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} ، ومثال الشك، لا أدري من قام، إما من محمد وإما علي، ومثال التخيير: لي في المدينة دار فإما أن أسكنها وإما أن أبيعها. 2- وهناك "إما العاطفة" التي سبق تفصيل الكلام عليها في الجزء الثالث5 مع الإشارة هناك لبعض الأنواع الأخرى التي ليست عاطفة. 3- تكثر "أما الشرطية" التي يليها الظرف: "بعد" في مواضع أشرنا إليها "في رقم 3 من هامش ص509" كما أشرنا هناك إلى جواز الاستغناء عن "أما الشرطية" أحيانا، في ذلك الأسلوب، ووضع الواو مكانها فيقال: " ... و"بعد" فإن لكل مقام مقالا ... " وتفصيل الكلام على هذا الظرف، وحكم الفاء التي تليه مدون في مكانه المناسب، وهو باب: "الظرف" ج2 م79 ص265.
المسألة 162: أدوات التحضيض والتوبيخ والعرض والامتناع
المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع وهي: لولا، لو ما، هلا، ألا، ألا ... 1: صيغها، معانيها، أحكامها النحوية: أ- أما صيغها فالشائع أن كل أداة مركبة في الأصل من كلمتين: "لو، ولا". ولا يعنينا هنا البحث في أصلها وتاريخها القديم، وإنما يعنينا أمرها الآن، وما انتهت إليه كل أداة منها، بعد أن توحد جزاءها، وصارا كلة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا، وتختص بأحكام جديدة لم تكن لها قبل التوحد، ولو زال عنها هذا التوحد لتغيرت معانيها وأحكامها تغيرا أصيلا واسعا. ب- معانيها: هذه الحروف الخمسة تشترك جميعا في أنها تدل على التحضيض2 تارة، وعلى التوبيخ تارة أخرى. ولذا يسميها اللغويون: "حروف التحضيض، والتوبيخ". وتمتاز "ألا" - من الخمسة - بأنها تكون أحيانا أداة للعرض3. كما تمتاز "لولا، ولو ما" بأنهما ينفردان بالدلالة على امتناع شيء بسبب وجود شيء آخر،
ويسميان لهذا: أداتي شرط امتناعي1. فالمعاني التي تؤديها هذه الحروف ثلاثة أنواع: 1- التحضيض والتوبيخ، تؤديهما الحروف الخمسة. 2- العرض. وتكاد وتنفرد به: "ألا"، وهو الأكثر في استعمالها. 3- الامتناع. وتكاد تنفرد به "لولا، ولو ما"2. ج- أحكامها النحوية: -وكلها حروف. 1- إذا كانت الأداة للتحضيض أو للعرض وجب أن يليها المضارع إما ظاهرا، وإما مقدرا يفسره ما بعده؛ بشرط استقبال زمنه في حالتي ظهوره وتقديره"؛ لأن أداة الحض والعرض تخلص زمن المضارع للمستقبل؛ إذ معناها لا يتحقق إلا فيه". فمثال المضارع الظاهر المباشر لها "أي: غير المفصول منها مطلقا": لولا تؤدي الشهادة على وجهها -لو ما تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك- هلا تحمي الضعيف ألا تصاحب النبيل الوديع، أو ألا ... ومثال المضارع الظاهر المفصول منها بمعموله المتقدم عليه: لولا الشهادة تؤدي على وجهها لو ما المنكر تغير بيدك. هلا الضعيف تحمي ... وكذا الباقي.. ومثال المضارع المقدر: دولها على اسم ظاهر يكون معمولا لمضارع مقدر يفصل بين هذا الاسم الظاهر والأداة؛ نحو: لولا الشهادة تؤديها على وجهها، لوما المنكر تغيره، هلا الضعيف تحميه، ألا، أو: ألا النبيل الوديع تصاحبه. والتقدير:
لولا تؤدي الشهادة تؤديها ... لوما تغير المنكر تغيره، هلا تحمي الضعيف تحميه، ألا تصاحب النبيل ... ويدخل في المضارع المقدر كلمة: "تكون" الشانية؛ "أي: الدلالة على الحال والشأن؛ كماضيها: "كان" الشانية" -إذا كانت أداة التحضيض داخلة على جملة اسمية؛ كقول الشاعر: ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي، فهلا نفس ليلى شفيعها التقدير: فهلا تكون ... "نفس ليلى شفيعها" فالجملة الاسمية خبر: "تكون المقدرة". أما اسمها فضمير الشان، أي: هلا تكون الحالة والهيئة والشان1: نفس ليلى شفيعها. وقد قلنا إن الأدوات السالفة لا يليها إلا المضارع ظاهرا أو مقدرا، فإن دخلت على ماض خلصت زمنه للمستقبل، بشرط أن تكون للمعنى الذي ذكرناه2؛ كقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} أي: فلولا ينفر3 ... وأداة التحضيض والعرض قد تحتاج إلى جواب، أو لا تحتاج، على حسب ما يقتضيه المقام؛ فمجيئه جائز. فإنا جاء بعدها جواب وجب أن يكون مضارعا إما مقرونا بفاء السببية، وإما خاليا منها. وفي الحالتين تجري عليه الأحكام الخاصة بكل حالة. وقد عرفناها عند الكلام على فاء السببية المذكورة في الجملة أو التي لم تذكر4. 2- إن كانت الأداة للتوبيخ وجب أن يليها الماضي لفظا ومعنى معا، ظاهرا، أو مقدرا يدل عليه دليل؛ فمثال الظاهر غير المفصول من الأداة: "هلا دافع الجبان عن وطنه فانتصر، أو استشهد"5، "ألا قاومت بالأمس بغي الطاغي"
ومثال الظاهر المفصول: "هلا الطائر رحمت" "ألا الضيف صافحت" "والأصل: هلا رحمت الطائر، هلا صافحت الضيف". ومثال المقدر قول الشاعر: أتيت بعبد الله في القيد موثقا ... فهلا سعيدا الخيانة والغدر والأصل: فهلا أحضرت سعيدا ... وكذا الباقي. 3- إن كانت الأداة دالة على امتناع1 شيء بسبب وجود شيء آخر -ويتعين أن يكون كل منهما في الزمن الماضي -فلا بد من أمرين في هذه الحالة التي يمتنع فيها شيء لوجود آخر "وتشتهر بأنها: حالة امتناع لوجود". أولهما: دخولهما على مبتدأ، محذوف الخبر وجوبا2. وثانيهما: مصدر بفعل ماض لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف: "لم"، وقد سبقت الأمثلة للحالتين3. ويجوز في هذا الماضي يكون مقترنا باللام4 أو مجردا؛ سواء أكان مثبتا أم منفيا "بما" دون سواها. غير أن الأكثر هو اقتران المثبت، وخلو المنفي. فمثال المثبت المقترن بها "غير ما تقدم"3 قوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ، وقول الشاعر: لولا الإصاخة للوشاة لكان لي ... من بعد سخطك في الرضاء رجاء
ومثال المثبت المجرد منها: لولا المشقة ساد الناس كلهمو ... الجود يفقر، والإقدام قتال وقول الآخر يرد على من عابه بالقصر: لولا الحياة، ولولا الدين عبتكما ... ببعض ما فيكما؛ إذا عبتما قصري ومثال المنفي "بما" المجرد من اللام قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ، وقول الشاعر: لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا ومثال المنفي المقرون بها قول الشاعر: لولا رجاء لقاء الظاعنين لما ... أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا ويصح حذف الجواب إذا دل عليه دليل؛ كقوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} . التقدير: ولولا فضل الله ورحمته لهلكتم1 ...
المسألة 163: العدد
المسألة 163: العدد مدخل ... المسألة 163: العدد 1: يشمل الكلام عليه ما يأتي:
أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها -تمييزه-1 تذكيره وتأنيثه، صوغه على وزن: "فاعل"، وإعرابه بعد هذه الصياغة -تعريفه وتنكيره- قراءة الأعداد المعطوفة على العقود المختلفة -التأريخ بالأيام والليالي ... أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها: أقسامه أربعة: مفرد2 ومركب، وعقد، ومعطوف. 1- فالعدد المفرد، يشمل "الواحد والشعر" وما بينهما. ويلحق به: لفظتا: "مائة3، وألف"، ولو اتصلت بهما علامة تثنية أو جمع؛ "كمائتين وألفين، ومئات، وألوف ... ؛ لأن معنى إفراد هذا القسم أنه ليس من الأقسام الثلاثة الأخرى؛ وليس المراد أنه غير مثنى، وغير جمع" ... كما يلحق به بعض كلمات أخرى4.
أما إعرابه وإعراب ملحقاته السابقة فبالحركات الظاهرة على آخره، إلا ما كان داخلا في حكم المثنى أو الجمع؛ فيعرب إعرابهما؛ كاثنين، ومئتين، وألفين، ومئات، وكذا: مئون، في بعض الحالات. ومن الأمثلة: العصامي رجل الدنيا وواحدها -إن اثنين لا يشبعان؛ طال علم، وطال مال- يقوم المجد الحق على ثلاث دعائم؛ العلم، والعمل، والخلق النبيل ما أعجب تاريخ الخلفاء الراشدين الأربعة!!.. وكقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} -أقام العرب في الأندلس مئات السنين، قاربت تسعة قرون- وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} .
أما ضبط "الشين" من "عشرة" التي من هذا القسم المفرد1 ففيه لغات أشهرها: أن العشرة إذا كانت دالة على معدود مذكر2 فـ"الشين" مفتوحة، وإن كانت دالة على معدود مؤنث فهي ساكنة، وقليل من العرب يكسرها في هذه الصورة. 2- والعدد المركب، هو: ما تركب تركيبا مزجيا3 من عددين لا فاصل بينهما، يؤديان معا -بعد تركيبها وامتزاجهما- معنى واحدا جديدا لم يكن لواحدة منهما قبل هذا التركيب. والأولى تسمى: صدر المركب، والثانية تسمى: عجزه4 وينحصر هذا القسم في الأعداد: أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما "أي: 11، 12 5، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19" وما بعدها يلحق بهما6 ... وحكمه: بناء آخر الكلمتين معا على الفتح7 في الأفصح، مهما كانت
حاجة الجملة إلى مرفوع، أو منصوب، أو مجرور؛ ولذا يقال في إعرابها: إنهما مبنيتان معا على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. ويستثنى من هذا الحكم حالتان: الأولى: أن يكون العدد المركب هو "اثنا عشر، واثنتا عشرة"؛ فإن صدرهما وحده يعرب إعراب المثنى، وعجزهما هو اسم بدل نون المثنى؛ مبني على الفتح لا محل له. ومن الأمثلة: المتسابقون أحد عشر سباحا إني رأيت عشر كوكبا أثنيت على أحد عشر محسنا. "فأحد عشر" في المثال الأول مبني على فتح الجزأين معا في محل نصب مفعول به، وفي الثالث مبني على فتح الجزأين في محل جر بعلى، وهكذا. ولو وضعنا عددا مركبا آخر مكان: "أحد عشر" لم يتغير الإعراب. ما عدا "اثني عشر"، و"اثنتي عشرة"، فلهما حكم خاص بهما في الإعراب -كما قلنا- إذ تعرب: "اثنا واثنتا" إعراب المثنى، وتعرب كلمة: "عشر وعشرة" اسم مبني على الفتح، بدل نون المثنى لا محل له: ففي مثل. السنة اثنا عشر شهرا، واليوم اثنتا عشرة ساعة نقول: "اثنا واثنتا" خبر مرفوع بالألف فيهما. وكلمة: "عشر وعشرة" بدل النون التي تكون في المثنى الأصلي، مبنيتان على الفتح لا محل هما. وفي مثل قضيت اثني عشر شهرا واثنتي عشرة ساعة في رحلة علمية نقول: "اثني واثنتي"، مفعول به، منصوب بالياء. "عشر، وعشرة" مبنيتان على الفتح لا محل لهما؛ لأنهما بدل النون التي تكون في المثنى الأصلي ... وفي مثل: انتفعت باثني عشر كتابا، واستمعت إلى اثنتي عشرة محاضرة.. فعرب: "اثني واثنتي" مجرورة، وعلامة جرها الياء، و"عشر وعشرة" بدل النون. مبنيتان على الفتح، ولا محل لهما.
وتضبط "الشين" في كلمة: "عشرة" المركبة كضبطها في المفردة1: فتفتح -في أشهر اللغات- إن كان المعدود مذكرا، وتسكن إن كان مؤنثا. فضبط "الشين" لا يختلف في إفراده ولا تركيب، إن اقتصرنا على الأشهر بين لغات متعددة. الثانية: أن يكون العدد المركب غير اثني واثنتي -مضافا- فيصح بناؤه على فتح الجزأين مع إضافته، كما يصح إعراب عجزه على حسب حاجة الجملة مع ترك صدره مفتوحا في كل الحالات؛ فكأن الجزأين في هذه الصورة كلمة واحدة، يجري الإعراب على آخرها في كل الأحوال، دون أن تتغير الفتحة التي في شطرها الأول -وسيجيء هذا موضحا بعد2. 3- العدد العقد3: ينحصر اصطلاحا في الألفاظ: عشرين، ثلاثين،
أربعين، خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، تسعين. وحكم هذه العقود أنها تعرب إعراب جمع المذكر السالم في جميع أحوالها؛ لأنها ملحقة به؛ إذ هي اسم جمع مذكر، وليس جمع مذكر حقيقيا. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ، وقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} ... وهكذا.. فحيثما توجد كلمة من ألفاظ العقود فإنه يتحتم إعرابها إعراب جمع المذكر، مهما اختلف موقعها الإعرابي. 4- العدد المعطوف: وينحصر بين عقدين من العقود الاصطلاحية السالفة؛ كالأعداد المحصورة بني عشرين وثلاثين، أو: بين ثلاثين وأربعين، أو: بين أربعين وخمسين، وهكذا ... وكل عدد محصور بين عقدين على الوجه السالف لا بد أن يشتمل على معطوف، ومعطوف عليه، وأداة عطف "هي: الواو"، ومنه: واحد وعشرون، اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون ... أربعة وثلاثون ... ، خمسة وأربعون ... ستة وخمسون ... سبعة وستون ... ثمانية وسبعون ... ومن هذه الأمثلة يتبين أن المعطوف لا بد أن يكون من نوع العقود، وأن المعطوف عليه ويسمى النيف1 لا بد أن يكون من نوع المفرد "أي: المضاف"2، أو ما ألحق به من كلمة بضع وبضعة وأن أداة العطف هي الواو3، دون غيرها. وحكم هذا القسم أن المعطوف عليه، "وهو المفرد، المسمى: بالنيف" لا بد أن يتقدم دائما، وأن يعرب على حسب حاجة الجملة مع خضوعه لحكم إعراب نوعه المفرد الذي سبق في القسم الأول "فيعرب فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرا، أو غير هذا على حسب السياق، ويكون إعرابه بحركات ظاهرة على آخره إلا ما كان منه دالا على تثنية؛ فيعرب إعراب المثنى" وأن المعطوف -ويكون بالواو خاصة-
يتبعه في الإعراب، ولكن بالحروف التي يعرب بها جمع المذكر السالم. ففي مثل: الحاضرون واحد وعشرون ... تعرب كلمة "واحد" خبرا مرفوعا، والواو حرف عطف "عشرون" معطوف على: "واحد" مرفوعة بالواو. ونقول: كان الحاضرون واحدا وعشرين ... وأنست بواحد وعشرين ... وهكذا سائر الأعداد المعطوفة. إلا إن كان المعطوف عليه هو، "اثنان واثنتان"؛ فيعربان كالمثنى؛ نحو: الحاضرون اثنان وعشرون رجلا، كان الحاضرون اثنين وعشرين رجلا، أنست باثنين وعشرين رجلا، ومثل: كانت الحاضرات اثنتين وعشرين؛ فاثنان واثنتان، إما مرفوعة بالألف، وإما منصوبة أو مجرورة بالياء.. في جميع حالات الأعداد المعطوفة.
المسألة 164: تمييز العدد
المسألة 164: تمييز العدد 1 العدد لفظ مبهم، أي: لا يوضح بنفسه المراد منه، ولا يعين نوع مدلوله ومعدوده؛ فمن يسمع كلمة: ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة ... أو غيرها من ألفاظ العدد لا يمكن أن يدرك النوع المقصود من هذا العدد، ولا أن يميزه من بين الأنواع الكثيرة المحتملة؛ أهو ثلاثة كتب، أم أفلام، أم أيامن أم دراهم، أم دنانير، أم غيرها من مئات الأشياء الأخرى ... ، فلو قلنا: ثلاثة كتب، أو أربعة أيام، أو خمسة شهور ... أو ... ، لزال الإبهام وانكشف الغموض عن مدلول العدد، وصار المراد واضحا؛ بفضل الكلمة التي جاءت؛ فبينت نوعه، وميزته من غيره، أي: أنها عينت المعدود بعد أن كان مبهما مجهولا؛ ولذا يسميها النحاة: "تمييز العدد" -سواء أكانت منصوبة أم مجرورة، على التفصيل الذي سنعرفه- وهذا معنى قولهم: العدد مبهم يزيل إبهامه التمييز، "أي: المعدود". ولهذا التمييز أحكام؛ تختلف باختلاف أقسام العدد: أ- فالأعداد المفردة2 التي عرفناها ثلاثة أنواع: نوع لا يستعمل -في الأغلب- مع تمييز له وهو واحد، واثنان؛ فلا يقال: جاء واحد ضيف، ولا أقبل اثنا ضيفين؛ ولا نحو هذا؛ لأن ذكر التمييز "ضيف ... ضيفين ... " مباشرة يغني عن ذكر العدد قبله، إذ يبين النوع مع الدلالة على الوحدة، أو على الزوجية المحددة باثنين؛ فلا حاجة إلى العدد
قبله، ولا فائدة منه. وقد يضاف هذا النوع لغرض آخر سنعرفه1. ونوع يحتاج إلى تمييز مفرد مجرور بالإضافة؛ وهو لفظ: مئة، وألف، ومثناهما، وجمعهما. "فالمراد هو: جنس المائة والألف"2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} -يبلغ ارتفاع هرم الجيزة الأكبر نحو مائتي ذراع-3 وكقولهم عند رؤية أشباح بعيدة: هذه مئو رجل، أو مئات رجل وقوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} حراس المدينة ألفا حارس، وجيشها تسعة آلاف جندي. ولا يصح الفصل بين هذا النوع وتمييزه في حالة الاختيار. ونوع يحتاج إلى تمييز مجرور بالإضافة، متصل به -أيضا- ويكون في الأغلب جمع تكسير للقلة4، وهذا النوع هو: "ثلاثة، وعشرة، وما بينهما، وكذا كلمة: بضع وبضعة الملحقتين به" -طبقات لما تقدم5 عنهما- نحو: الصيف ثلاثة أشهر، فضيت خمسة أيام في الريف، وقوله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} 6، 7 ... و ... فالأصل في تمييز هذا النوع من العدد المفرد أن يستوفي أربعة أمور مجتمعة؛ هي: أن يكون جمعا، للتكسير، مفيدا للقلة، مجرورا بالإضافة المباشرة "أي: الخالية من الفصل"، وكل واحد من هذه الأربعة يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل: 1- فأما كون التمييز جمعا فهو الأعم الأغلب، ليتطابق المعدود والعدد في
الدلالة على التعدد الكثير، ويجب -في الأغلب- إضافة العدد إلى مفرد إن كان التمييز هو لفظ: "مائة"1، نحو: ثلاثمائة رجل -أربعمائة كتاب- خمسمئة قلم ... ، أو كان العدد مضافا إلى مستحقه ملكا أو انتسابا على حالة من الحالات؛ فتكون الإضافة لبيان أن العدد مملوك للمضاف إليه، أو منسوب إليه بوجه من وجوه التملك أو النسبة التي تستفاد من الإضافة2؛ نحو: هذه خمسة محمود، وتلك سبعة علي.. فقد تعرف المضاف هنا بالمضاف إليه، وتميز به؛ فلا يحتاج إلى تمييز، ولهذا لا يعتبر المضاف هنا إليه المذكور تمييزا؛ لأن العدد استغنى عن التمييز، واحتاج لمضاف إليه يحقق غرضا آخر. وقد يغني عن الجمع ما يدل على الجمعية، ولو لم يسم جمعا في اصطلاح النحاة؛ وإنما يسمونه: "اسم جمع"؛ كقوم، ورهط3، وغيرهما من أسماء الجموع؛ وكنحل وبقر، وغيرهما مما يسمونه: "اسم الجنس الجمعي". والغالب في هذين النوعين أن يكونا مجرورين بالحرف "من" مع ظهوره في الكلام، نحو: ثلاثة من القوم فازوا، وأربعة من الرهط تقدموا، وخمس من النحل جمعت العسل، وستة من البقرة جلبت الغنى لصاحبها، أما جرهما بالإضافة فالأحسن -مع صحة القياس- الاقتصار فيه على المسموع، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} . وقوله عليه السلام: "ليس فيما دون خمس ذود4 صدقة" 5. 2- وأما كونه للتكسير فهو الأكثر ورودا في الكلام الفصيح، ويجوز أن يكون جمعا للتصحيح6 مناسبا، إذا لم يكن للكلمة جمع مستعمل للتكسير؛ نحو: خمس صلوات، وسبع سنين، أو كان لها جمع تكسير مستعمل ولكن يعدل عنه إلى التصحيح لمجاورته ما أهمل تكسيره في الكلام؛ نحو: سبع سنبلات؛
فإنه مجاور في الآية الكريمة سبع بقرات، في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} 1، فقال لمراعاة التنسيق: "سبع سنبلات"، بدل "سنابل"؛ لمناسبة: "بقرات" التي ترك جمع تكسيرها في الآية. أو يكون لها جمع تكسير ولكنه قليل الاستعمال، نحو: ثلاث سعادات2، فهو أحسن، من ثلاث سعائد2. ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يقع جمع التصحيح المشتق تمييزا للعدد في مثل: هنا ثلاثة صالحين، وأربعة زاهدين؛ بالإضافة. والأحسن عدم الإضافة، وإعراب هذا الجمع نعتا، ويجوز نصبه على الحال إن كان نكرة؛ بشرط إدخال التغيير اللازم على الجملة؛ لصحة كل إعراب؛ وبذا يسلم من الضعف. ومع أن مدلول جمع التكسير الذي للقلة هو مدلول جمعي التصحيح عند سيبويه3 نجد كثرة النحاة لا ترتضي التمييز بجمعي التصحيح. 3- وأما أنه للقلة فمراعاة للمأثور الأفصح الذي يدل على أن الكلمة التي لها جمعان جمع كثرة وجمع قلة يكون تمييز العدد بجمع قلتها هو الأعم الأغلب، فإن لم يوجد لها إلا جمع كثرة صح التمييز به بغير ضعف. 4- وأما جره بالإضافة فهو الأعم الأكثر أيضا، ويحدث تخفيفا في العدد بحذف التنوين منه؛ لإضافته. ولا يصح الفصل بينه وبين العدد إلا بما يصح الفص لبه بين المتضايفين4. وإنما يجب جر التمييز بشرط تأخره وإعرابه تمييزا. فلو تقدم التمييز على العدد لوجب إعراب التمييز على حسب حاجة الجملة، وإعراب العدد نعتا مؤولا له5،
ففي مثل: عندي ثلاثة كتب؛ -بجر "كتب"، بالإضافة- نقول: عندي كتب ثلاثة يرفعها. ولو تأخر وأريد لداع معنوي إعرابه عطف بيان إن كان جامدا -كالأغلب في عطف البيان- أو نعتا مؤولا بالمشتق أيضا، لوجب أن يكون تابعا في إعرابه للعدد؛ نحو: عند ثلاثة أثواب، فأثواب: عطف بيان، أو نعت مؤول بمعنى: مسماة بأثواب. هذا، ويصح في الأعداد المفردة "3 و10 وما بينهما"؛ أن تضاف إلى ضمير المعدود، ولا تحتاج لغيره، نحو: مررت بالأصدقاء ثلاثتهم ... أو: خمستهم ... أو: سبعتهم ... بنصب العدد على الحال المؤولة؛ أي: مثلنا إياهم، أو: مخمسا، أو: مسبعا ... وهكذا. ويجوز إتباع العدد لما قبله؛ فلا يعرب حالا، وإنما يعرب توكيدا معنويا؛ بمعنى: جميعهم، مع ضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد1. والصحيح أن هذا ليس مقصورا على الأعداد المفردة؛ بل يسري على المركبة أيضا -كما سيجيء- نحو: جاء القوم خمسة عشر هم، بالبناء على فتح الجزأين في محل رفع هنا أو في محل غير الرفع في تركيب آخر، على حسب المؤكد. وجدير بالملاحظة أن العامل في التمييز المجرور بالإضافة هو العدد المبهم "أي: المضاف" الذي جاء التمييز لإيضاحه وإزالة إبهامه، ولا بد من تقديم هذا العامل على تمييز المجرور. ب- وباقي أقسام العدد "وهو: المركب، والعقود الاصطلاحية، والمعطوف، وكذا ما ألحق بالمركب والمعطوف عليه من كلمتي: بضع وبضعة"2 يحتاج إلى تمييز3 مفرد، منصوب غير مفصول من العدد بفاصل، نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ، {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 3، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى
إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} ، قال أحد الشعراء: هاجني منظر شائق؛ فلم أغادر مكاني حتى فاض خاطري بخمسة وأربعين بيتا في وصفه، لم أقض فيها أكثر من ضحوة. وأزعجني نعي صديق لي، فانهمر لساني برثائه، وأنشأت قصيدة بلغت اثنين وخمسين بيتا لم أقطع فيها أكثر من بضع ساعات، ثم أكملتها بعد ذلك تسعة وسبعين بيتا ... ولا بد في جميع حالات التمييز المنصوب أن يتأخر عن عامله الفعل أو ما يشبهه. وقد أشرنا -قريبا- إلى أنه يجوز في العدد المركب ما جاز في العدد المفرد من الإضافة لضمير المعدود ... بالتفصيل السالف. "ملاحظ" إذا نعت تمييز العدد المركب، أو تمييز العقد، أو تمييز المعطوف، جاز في هذا النعت أن يكون مفردا؛ مراعاة للفظ المنعوت "وهو التمييز" وجاز أن يكون جمعا؛ مراعاة لمعناه الذي يراد به اسم العدد، نحو: هنا أربعة عشر خبيرا عالما، أو علماء -وعشرون طالبا ذكيا، أو أذكياء- وخمس وعشرون كاتبا ماهرا، أو مهرة ... ، وهكذا1. ومراعاة اللفظ أكثر. ومثل النعت غيره من بقية
التوابع1. فملخص الكلام على العدد من ناحية تمييزه هو -في الأغلب: "واحد واثنان: لا يحتاجان لتمييز"، "ثلاثة وعشرة وما بينهما، وكذا بضع وبضعة، تحتاج لجمع تكسير، للقلة، مجرور بالإضافة، وقد تضاف لضمير المعدود"، "جنس المائة والألف: يحتاج إلى مفرد مجرور"، "ما عدا ذلك؛ يجتاج لمفرد منصوب.."2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يضاف العدد "المفرد" إلى غير تمييزه المبين لنوع المعدود، ولحقيقته الذاتية؛ فيضاف إلى مستحق المعدود "ومن المفرد: واحد، ومؤنثه: واحدة وحادية، وإحدى ... ومنه: اثنان، ومؤنثه: ثنتان واثنتان، ومنه ثلاثة وعشرة وما بينهما. ويلحق به جنس المائة والألف ... " لعدم الحاجة إلى ذكر التميز استغناء عنه، وطلبا لمضاف إليه يحقق غرضا لا يحققه التمييز، هو الدلالة على أن العدد مملوك أو منتسب للمضاف إليه، أو مرتبط به بنوع من أنواع الصلة والارتباط التي تحدثها الإضافة الجديدة، والتي لا تبين نوعا، ولا ذاتا1، وإنما تبين استحقاق المضاف إليه للمضاف بوجه من وجوه الاستحقاق2 ومن الأمثلة: واحد قومه من لا يعول في الدنيا على أحد -واحدة قومها من رفعت شأن بلدها في مجال التربية والأمومة. وكأن يقال في كتابين لمحمد: هذان اثنان محمد. وفي فتاتين من القاهرة: هاتان اثنتا القاهرة، أو ثنتا القاهرة. وفي دراهم لمحمود وعلي: هذه سبعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمود، وتسعة علي،.......... وخذ سبعتك، وحافظ على تسعتنا. أما بقية أقسام العدد فيستغنى عن التمييز نوعان منها؛ كما سيجيء في "هـ". ب- قلنا1: إن المراد بالمائة والألف هو جنسهما الشامل لمفردهما، ولمثناهما، ولجمعهما.. هذه الدلالة على الجمعية قد تكون بصيغة الجمع المباشر المتحقق في لفظهما؛ نحو: هذه مئو رجلا تقود أربعة آلاف جندي. وقد تكون "الجمعية" غير مباشرة؛ بأن تكون صيغة المائة: "مضافا إليه" يكتسب معنى الجمعية من "المضاف" بشرط أن يكون هذا المضاف ثلاثة، أو تسعة، أو عددا بينهما؛ نحو: قضى الرحالة ثلاثنمائة يوم في الصحراء، قطع فيها تسعمائة ميل. وقد تكون أيضا بوقوع والألف تمييزا منصوبا مضافا، والعدد هو: "أحد عشر" أو غيره من الأعداد المركبة، نحو: في المكتبة أحد عشر مائة كتاب، واثنتا عشرة ألف مخطوطة. ومن الجائز في هذين النوعين الأخيرين اعتبار المائة والألف مفردين؛ اعتمادا على أن لفظهما الصريح مفرد، مجرد من علامة تثنية أو جمع، وأن اعتبارهما غر مفردين راجع للعدد المركب المذكور قبلهما، وهو لفظ مستقل عنهما، ولكنه احتاج إليهما ليكونا تمييزين له؛ فاعتبار المائة والألف راجع لمراعاتهما مع اسم العدد. ولن يترتب على الاعتبارين خلاف يمس تمييزهما مباشرة. وإنما الخلاف في توابع تمييزهما، كالنعت مثلا؛ أيكون مفردا تبعا للفظ تمييزهما المنعوت، أم جمعا تبعا لمعناه؟ الأمران جائزان في كل التوابع. ولكن الأحسن والأكثر هو مراعاة اللفظ؛ بأن يكون تابع تمييزهما مطابقا له في إفراده. ويسري الحكم السالف أيضا على تمييز العقود والأعداد المعطوفة كما سبق2. ج- يصلح الألف تمييزا لكل أقسام العدد الأربعة: "المفرد، غير الواحد والاثنين، والمركب، والعقد، والمعطوف". أما المائة فلا تصلح تمييزا إلا للثلاث والتسعة وما بينهما، وإلا للأعداد المركبة، مثل: "ثلاثمائة ... خمسمائة ... "، "إحدى عشرة مائة ... خمس عشرة مائة..". ولا تكون تمييزا للعقود، ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للأعداد المعطوفة. وغذا وقع لفظ "مائة" تمييزا للثلاثة أو التسعة أو ما بينهما فالأغلب الذي يقتصر عليه هو إفراده. د- من الشاذ تمييز المائة -وجنسها- بمفرد منصوب؛ كقول الشاعر: إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء ومن القليل تمييزها بجمع مجرور؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} على اعتبار "مائة" مضاف و"سنين" مضاف إليه. أما من ينون: "مائة" فإنه يجعل كلمة: "سنين" بدلا أو عطف بيان من "ثلاث" المضافة إلى مائة. لا تمييزا، لئلا يكون التمييز هنا شاذا من وجهين؛ هما: وقوعه جمعا، ونصبه. هـ- ما صح في الأعداد المفردة من استغنائها من التمييز أحيانا، كما تقدم البيان في: "أ"1 يصح في قسمين آخرين؛ هما: المركب "ما عدا اثني عشر، واثنتي عشرة"، والعقود، فيصح حذف التمييز حين لا يتعلق الغرض بذكره. ومن حالات الاستغناء عنه أن يضاف العدد إلى شيء يستحقه؛ بأن يكون العدد مملوكا للمضاف إليه، أو منتسبا له بصلة من الصلات المستفادة من الإضافة الدالة على الاستحقاق، لا على بيان نوع المعدود. كأن يكون لمحمود خمسة عشر درهما فنقول: هذه خمسة عشر محمود، وكأن يكون لغرف البيت عشرون مفتاحا؛ فنقول: هذه عشرو البيت ... 2. وإذ أضيف العدد المركب، "غير اثني عشر، واثنتي عشرة"، ففي إعرابه لغات3 ... أشهرها وأحقها بالاقتصار عليه لغتان4: الأول: أن يبقى على ما كان عليه من فتح الجزأين في جميع مواقعه الإعرابية،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا مانع من اجتماع البناء والإضافة هنا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، حافظت على خمسة عشر محمد؛ بالبناء، على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. الثانية: ترك الجزء الأول مفتوحا في كل الحالات كما كان، وإجراء الحركات الإعرابية على الجزء الثاني؛ باعتبار الجزأين بمنزلة كلمة واحدة ذات شطرين، يجري الإعراب على الثاني منهما مع ترك الأول على حاله، دون أن تتغير الفتحة التي في آخره، فيكون الثاني معربا؛ مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، على حسب موقعه من الجملة؛ ولا يكون مبنيا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، "و"خمسة عشر" هنا: اسم "إن"، منصوبة مباشرة، وليست مبنية على فتح الجزأين" -حافظت على خمسة عشر محمد. فخمسة عشر في الأمثلة الثلاثة غير مبنية؛ فهي بشطريها في الأول مبتدأ مرفوع مباشرة، وفي الثاني اسم "إن" منصوب مباشرة- وفي الثالث مجرور مباشرة. وما عدا هذين الرأيين ضعيف يحسن إهماله؛ ومنه: إضافة صدر المركب إلى عجزه المضاف إلى مستحق المعدود، نحو: هذه خمسة عشر محمد، وشاهدت خمسة عشر محمد، واحتفيت بخمسة عشر محمد ... ومنه إضافة صدر المركب إلى عجزه من غير إضافة العجز إلى شيء؛ نحو: هذه سبعة عشر1 ... و لا يجوز الفصل بين العدد وتمييزه في غير الضرورة الشعرية، كقول الشاعر القديم: على أنني بعد ما قد مشى ... ثلاثون -للهجر- حولا كميلا ... 2 يريد: ثلاثون حولا كميلا للهجر.
المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه
المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه.. 1 عرفنا الأقسام الاصطلاحية للعدد؛ وأنها أربعة: "مفرد، مركب، عقد، معطوف". وفيما يلي الكلام على كل منها من ناحية التذكير والتأنيث. الأول: تذكير الأعداد المفردة وتأنيثها، ويتلخص في: 1- أن "الواحد والاثنين" يذكران ويؤنثان مباشرة بغير حاجة إلى معدود بعدهما، أي: أن صيغتها العددية تذكر أو تؤنث؛ طبقا لمدلولها، وللمقصود منها. دون أن يكون مع الصيغة معدود "تمييز"؛ إذ لا يصح ذكر تمييز لها -كما عرفنا-2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، وقوله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} . 2- وأن "مائة" و"ألفا" وجنسهما ثابتة الصيغة على حالتها اللفظية، تأنيثا في "مائة"، وتذكيرا في "ألف" مع أنهما يحتاجان إلى تمييز مفرد مجرور غالبا. وهذا التمييز قد يكون مذكرا أو مؤنثا على حسب الدواعي المعنوية؛ نحو: جاء مائة رجل، جاءت مئة فتاة، حضر ألف جندي، حضر ألفا طالبة. أي: أن صيغة لفظهما لا تخرج عما وضعت له في الأصل؛ فكلمة: "مئة" ملازمة للتأنيث اللفظي في كل استعمالاتها هي ومضاعفاتها، وكلمة "ألف" ملازمة للتذكير اللفظي دائما هي ومضاعفاتها، فمادتهما الهجائية ثابتة لا يدخل عليها تغيير من هذه الناحية، إلا عند إلحاق المئة بجمع3 المذكر السالم.
3- وأن ثلاثة، وعشرة وما بينهما -وكذلك كلمة: بضع وبضعة-1 تلحقها تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مذكرا، وتتجرد من تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مؤنثا. فالعدد في هذا القسم مخالف للمعدود تذكيرا وتأنيثا. ويشترط لتحقق هذه المخالفة شرطان؛ أن يكون المعدود مذكورا في الكلام، وأن يكون متأخرا عن لفظ العدد، نحو: ثلاث عيون، أربعة قلوب، خمس أصابع، ستة رءوس، سبع رقاب، ثمانية2 جلود، تسع أقدام، عشرة ظهور.. فإن لم يتحقق الشرطان معا؛ بأن كان المعدود متقدما، أو كان غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في المعنى يتجه الغرض إليه، جاز في لفظ العدد التذكير
والتأنيث1؛ نحو: كتبت صحفا ثلاثا، أو ثلاثة، صافحت أربعة ... أو أربعا2 ... والحكم على المعدود الدال على الجمع3 بأنه دال على التأنيث أو التذكير لا يكون بالنظر إلى لفظه الدال على الجمعية وما يصاحبها من التذكير أو التأنيث وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده؛ لمعرفة حالة المفرد من ناحية التذكير والتأنيث، ومراعاة هذه الحالة وحدها، عند تأنيث العدد وتذكيره، دون التفات إلى لفظ المعدود من هذه الناحية4 ... وإذا ميز العدد المفرد بتمييزين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، روعي في تأنيث لفظ العدد وتذكيره السياق5 منهما؛ نحو: أقبل سبعة رجال وفتيات، وأقبل سبع فتيات ورجال6 ...
والعرب في بعض استعمالاتهم يقدمون التأنيث على التذكير، فيغلبون المؤنث على المذكر في بعض حالات قليلة، يتصل منها بموضوع العدد قولهم -مثلا: رجعت من السفر لثلاث بين يوم وليلة "أي: لثلاث محصورة بين كونها أياما، وكونها ليالي". وضابط هذا النوع من الاستعمالات: أن يوجد عدد تمييزه مذكر ومؤنث، وكلاهما لا يعقل، وهما مفصولان من العدد بكلمة: "بين"؛ فهم يغلبون في المثال السابق -وأشباهه- الثأنيث على التذكير. ومن تلك الحالات؛ أن يكون المعدود المذكور متأخرا في الجملة، ومؤنثا تغليبا1؛ بأن يكون معه مذكر ليس له الأهمية والتغليب2؛ نحو: قابلت تسعا بين رجل وامرأة ... وهكذا، وقد سبق بيان لهذه المسألة عند الكلام على تعريف "التغليب" وتقسيمه، وحكمه3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا1: إن الحكم على المعدود بالتذكير أو التأنيث لا يكون بمراعاة لفظه إذا كان جمعا، وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده2، وملاحظة هذا المفرد وحده أهو؛ مذكر أم مؤنث حقيقي أم مجازي3 في الحالتين؛ فعلى المفرد وحده يكون الاعتماد في هذه الناحية، ولا عبرة بالمعدود المجموع2. تقول: سمعنا غناء ثلاث غوان، بحذف التاء من العدد "ثلاث"؛ لأن المعدود جمع، مفرده: "غانية" "وغانية" مؤنثة حقيقية. ومثلها: سهرنا سبع ليال؛ بحذف التاء من العدد: "سبع"؛ لأن المعدود جمع مفرده: ليلة، وهي مؤنثة مجازية. وتقول ثلاثة أدوية، بإثبات التاء في اسم العدد؛ لأن المعدود جمع، مفرده: دواء؛ وهذا مذكر. ولا عبرة بتأنيث جمعه المذكور. وتقول: خمسة غلمة؛ بإثبات التاء في اسم العدد، لأن المعدود -وإن كان جمعا للتكسير مؤنثا بالتاء- مفرده مذكر، وهو: غلام. ومثلها: خمسة فتية؛ بإثبات التاء في اسم العدد، بالرغم من أن معدوده جمع تكسير مؤنث بالتاء لأن مفرده مذكر؛ وهو فتى، والعبرة بالمفرد وحده -غالبا، كما سلف- ومثل هذا يقال: في أربعة سرادقات، وخمسة حيوانات، وستة حمامات ... بإثبات التاء في اسم العدد، مع أن المعدود جمع مؤنث سالم، ولكن مفرد هذا الجمع المعدود مذكر "هو: سرادق، حيوان، حمام ... " والمعول عليه عند الحكم بتأنيث العدد وتذكيره حين يكون المعدود جمعا إنما هو مفرد هذا الجمع وملاحظته دون ملاحظة صيغة الجمع وصورته اللفظية. ب- هذا المفرد الذي يجب الرجوع إليه عند الأكثرين لمعرفة حاله من التذكير أو التأنيث الحقيقيين أو المجازيين3؛ للتوصل منه إلى تأنيث اسم العدد،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تذكيره -هذا المفرد مختلف الصور؛ فقد يكون مؤنثا لفظا ومعنى معا؛ "وهو الذي يلد ويتناسل -ولو من طريق البيض، مع اشتمال لفظه على علامة تأنيث": مثل فاطمة، مية، عائشة، ليلى، سلمى، زرقاء "علم، ومنه: زرقاء اليمامة" حمرا "علم أيضا".. وغيرها من أعلام النساء المختومة بعلامة تأنيث ... وقد يكون مؤنثا معنى لا لفظا "وهو ما يلد ويتناسل، مع خلو لفظه من علامة تأنيث"، مثل: زينب، سعاد، هند ... وغيرها من أعلام النساء الخالية من علامة تأنيث. وقد يكون مؤنثا مجازيا. مثل: أرض و"بطن، بمعنى: قبيلة" وغيرهما من الأسماء الدالة على مؤنث غير حقيقي1. لا يعرف إلا من طريق السماع الوارد عن العرب؛ فلا ضابط لمعرفته إلا ذلك السماع. وقد يكون مؤنثا لفظا لا معنى، مثل: طلحة، عنترة، معاوية، حمزة، وغيرها من أعلام الذكور المشتملة على علامة تأنيث. فلفظها مؤنث، ومعناها مذكر ... وقد يكون مذكرا لفظا ومعنى؛ "كرجل، وعلي". وقد يكون صالحا للدلالة على المؤنث أو المذكر، مثل: شخص، نفس، حال ... فإذا كان المفرد مؤنثا تأنيثا حقيقيا1 "وهو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض" وجب مراعاة هذا التأنيث بتذكير اسم العدد، سواء أكان التأنيث الحقيقي لفظا ومعنى معا، أم معنى أم معنى فقط. "مثل: فاطمة، زينب". وإن كان المفرد مذكرا لفظا ومعنى وجب مراعاة هذا التذكير بتأنيث اسم العدد. وفي غير هاتين الحالتين يصح اعتبار المفرد مذكرا أو مؤنثا؛ كأن يكون مذكرا لفظا ومعناه مؤنث تأنيثا مجازيا، مثل "حرف" المراد به: كلمة. و"بطن": المراد به: "قبيلة"، و"كتاب" المراد به: ورقاته ... وكأن يكون مؤنثا لفظا ومعناه مذكر؛ مثل: طلحة، حمزة، معاوية، وكأن يكون لفظا يصلح للدلالة على المؤنث حينا والمذكر حينا آخر كالأمثلة السالفة "شخص،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نفس، حال" وغيرها مما يصلح للأمرين1 ... بالرغم من أن هذه الصور يجوز فيها اعتبار المفرد مؤنثا أو مذكرا فالأحسن في المفرد إن كان علما مراعاة لفظه، وكذلك إن وجد في السياق ما يقوي جانب اللفظ. فنقول: ثلاث طلحات أو ثلاثة طلحات، والأول أحسن: مراعاة للفظ المفرد "طلحة" لأنه علم2. ونقول: ممن اشتهروا في صدر الإسلام بأعمال جليلة باقية على الزمان، سجلها التاريخ لهم: أربعة شخوص، عرفوا بالخلفاء الراشدين، ويصح أربع شخوص؛ ولكن التأنيث هنا أحس؛ لأن نسق الكلام جار على التذكير؛ ففيه: "اشتهروا، لهم، عرفوا، الراشدين"؛ وهذا الاتجاه يقوي في المفرد "وهو: شخص" ناحية التذكير، ويغلبها على ناحية التأنيث، فيستحسن تبعا لهذا تأنيث العدد. ح- ليس من اللازم أن يكون التمييز الخاص بالأعداد: "ثلاثة، وعشرة" وما بينهما، جمعا حقيقيا في كل الحالات، وإنما اللازم -كما سبق-3 أن يكون دالا على معنى الجمعية، فيشمل الجمع الحقيقي، كما يشمل اسم الجمع؛ كقوم، ورهط، وناس، وأناس، ونساء، وعشرون، وثلاثون، وباقي العقود ... وكذلك يشمل، اسم الجنس الجمعي4؛ كنحل، ونخل، وبط، وبقر، وكلم ... وقد عرفنا5 أن المعدود الجمع لا يراعى لفظه من ناحية التذكير والتأنيث، وإنما الذي يراعى هو مفرده فقط، فما الذي يراعى إن كان المعدود اسم جمع. أو اسم جنس جمعي؟
يراعى لفظهما مباشرة، "أي: صيغتهما" وما هما عليه من تأنيث، أو تذكيرن أو صلاح للأمرين، ولا يراعى مفردهما إن وجد. ويعرف أمرهما من هذه الناحية بوسائل متعددة؛ لا بد أن تنتهي إلى استعمال العرب الفصحاء؛ منها: نوع الضمير العائد على كل منهما: أهو مذكر أم مؤنث؟ ومنها اسم الإشارة المستعمل مع كل؛ أو مما يستعمل مع المذكر أم مع المؤنث؟ ومنها النعت، وكذلك تأنيث الفعل ... فكل وسيلة من هذه -وأشباهها- صالحة للدلالة على تأنيث اسم الجمع واسم الجنس الجمعي أو تذكيرهما، أو صلاحيتهما للأمرين على حسب الوارد في الكلام الصحيح المأثور. فإذا أردن أن نتبين أمر اسم جمع: "مثل رهط ... " أهو مذكر أم مؤنث؛ نرجع إلى الكلام الفصيح؛ فنجد العرب يقولون -مثلا- الرهط أقبل، وهذا الرهط المقبل سيكون له شأن ... ولا يقولون على الحقيقة الخالية من التأويل والمجاز: الرهط أقبلت، ولا هذه الرهط المقبلة ... ويقولون: كان رهطنا الرواد أسرع الجنود إلى الفداء والتضحية. ولا يقولون: كانت. رهطنا الرائدات ... أي: أنهم يذكرون: "رهطا"، من أسماء الجموع. فيتبع هذا تأنيث العدد، فنقول: ثلاثة من الرهط1. وهم يؤنثون من أسماء الجمع: "رجلة" "بمعنى بضعة رجال لا تزيد على عشرة" فيقولون: أقبلت رجلة تكشف المجاهل ... ويتبع هذا تذكير العدد، فيقال: ثلاث من رجلة ... 2. وهم -في أغلب الفصيح- يذكرون من أسماء الأجناس الجمعية: "البنان" "والكلم"، فيقولون: بنان مخضب. ويقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، كما يقول: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ويترتب على هذا تأنيث اسم العدد؛ نحو: خمس من البنان المخضب، وسبع من الكلم الطيب ...
وهم -في الأغلب أيضا- يؤنثون ويذكرون من تلك الأجناس الجمعية: البط والنخل؛ فيقولون: البط سابح في الماء، والبط سابحة في الماء. ويقول الله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} 1، 2 كما يقول في وصف الريح التي أهلكت عادا {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 3. ويترتب على هذا صحة التذكير والتأنيث في اسم العدد؛ نحو: سبع أو سبعة من البط، وتسع، أو تسعة من النخل ... فشأن هذا شأن المعدود الذي يدل على المذكر وعلى المؤنث حيث يصح معه في اسم العدد مراعاة هذا أو ذاك ... 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط لتطبيق الحكم السالف الخاص باسم الجنس الجمعي، واسم الجمع في صورهما المختلفة ألا يتوسط بين المعدود واسم العدد نعت يدل على التأنيث فقط، أو على التذكير فقط، فإن توسط هذا النعت وجب مراعاة المعنى الذي يقتضيه، ويدل عليه، فيذكر اسم العدد أو يؤنث تبعا له؛ نحو: في الماء خمس إناث1 من البط، وعلى مقربة منها خمسة ذكور1 من البط أيضا. ولو تأخر هذا النعت عن المعدود، أو توسط وكان لفظه مع توسطه مما يصلح نعتا للمذكر والمؤنث؛ -ككلمة: حسان؛ مثلا- لم يكن له أثر في تأنيث العدد، وتذكيره؛ فوجود النعت بصورتيه من هذه الناحية كلا وجود. فنقول: في الماء خمسة من البط إناث أو خمس من البط إناث. وخمس من البط ذكور، أو خمسة من البط ذكور. كما نقول خمسة حسان من البط، أو خمس حسان من البط؛ لأن لفظ: "حسان" المتوسط يصلح نعتا للمذكر وللمؤنث؛ فيقال: رجال حسان، ونساء حسان. د- يشترط لتطبيق الحكم العام المتعلق بتأنيث الأعداد المفردة السالفة "3، 10 وما بينهما" وتذكيرها أن يكون المعدود المفرد مذكورا ومتأخرا عن اسم العدد، -كما عرفنا-2 ولهاتين الحالتين صور؛ منها: أن يكون المعدود محذوفا مع ملاحظته في المعنى وتعلق الغرض به؛ فيصح في اسم العدد التذكير والتأنيث؛ نحو: "ثلاث من كن فيه فهو منافق أثيم؛ الخيانة، وخلف الوعد، والكذب"، فيصح في اسم العدد هنا: التذكير والتأنيث؛ فيقال: ثلاث، أو ثلاثة؛ إما على اعتبار أن المعدود المحذوف متقدم في الأصل على العدد،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل: صفات ثلاث. أو صفات ثلاثة، ويعرب المعدود المحذوف على حسب حاجة الجملة، ويعرب اسم العدد بعده نعتا1 في الغالب حين يكون المحذوف مذكورا، فإذا حذف حل النعت محله في إعرابه؛ فصار مبتدأ، أو خبرا، أو غير ذلك مما كان يؤديه المعدود المحذوف ... وإما على اعتبار المعدود المحذوف متأخرا في الأصل على العدد، والأصل هو: ثلاث صفات؛ وهذا الاعتبار يقضي بتطبيق الحكم الخاص بتذكير العدد أو تأنيثه حين يكون المعدود مذكورا ومتأخرا عنه. فإن كان المعدود المحذوف غير ملاحظ في التقدير مطلقا، ولا يتعلق الغرض به بتاتا، وإنما المقصود هو ذكر اسم العدد المجرد فالأصح في هذه الصورة تأنيث العدد بالتاء على اعتباره علم جنس مؤنثا؛ ويمنع من الصرف ولا تدخل عليه "أل" المعرفة في الأرجح؛ نحو: ثلاثة نصف ستة، وأربعة نصف ثمانية ... فالعدد في المثالين -وأشباههما- علم جنس، مؤنث، ممنوع من الصرف، لا تلحقه -في الأرجح- "أل" المعرفة، كما قلنا، لأنها لا تدخل على المعارف. وقد تدخل عليه "أل" التي للمح الأصل؛ وهو: الوصفية العارضة، كما دخلت في كلمة: إلهة؛ علم للشمس، وكلمة: شعوب، علم للمنية، فقالوا فيهما الإلهة، والشعوب. هـ- إن2 كان المعدود صفة نائبة عن الموصوف "المحذوف" اعتبر حال الموصوف "المحذوف" لا حال الصفة، قال الله تعالى: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، مع أن المثل مذكر؛ إذ المراد بالأمثال: "الحسنات". أي: عشر حسنات أمثالها.
الثاني: تأنيث الأعداد المركبة وتذكيرها سبق أن الأعداد المركبة1 تنحصر في: "أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما، وما يلحق بهما من كلمة: بضع وبضعة" وأنها سميت مركبة لتركبها من جزأين امتزجا واتصلا حتى صارا بمنزلة كلمة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا لا يؤديه واحد منهما منفردا. والجزء الأول منهما يسمى: "صدر المركب" أو: النيف "وهو يشمل 1 و9 وما بينهما، وما ألحق بهما" والجزء الثاني يسمى: "عجز المركب أو: العقد"، ويقتصر على كلمة: "عشرة". ولا بد للمركبات من تمييز يكون مفردا منصوبا، وتعرب مبنية على فتح الجزأين في كل أحوالها2 -في محل رفع، أو نصب، أو جر- على حسب الجملة. ما عدا "اثنين واثنتين"؛ فيعرفان إعراب المثنى، وما عدا عجز المركب المضاف وحده2.. أما حكم الأعداء المركبة -وملحقاتها- من ناحية التأنيث والتذكير فيتخلص: في أن عجزها "وهو: عشرة" يطابق المعدود دائما، أي: يسايره في تذكيره وتأنيثه بغير تخالف. وأن صدرها: إن كان لفظه كلمة: "أحد، أو اثني، أو اثنتي ... " يجب مخالفته للمعدود وإن كان "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وملحقاتها- وجب مخالفته للمعدود؛ كمخالفته له وهو مفرد: "أي مضاف" فالأعداد "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وكذا الملحقات- يجب مخالفتها للمعدود في التذكير والتأنيث؛ سواء أكانت تلك الأعداد مفردة أم مركبة3 ... ؛ ومن الأمثلة: دخلت حديقة بها
أحد عشر رجلا، زرعت إحدى عشرة شجرة، الشهور اثنا عشر شهرا، سنوات الدراسة نحو: اثنتي عشرة سنة، اشترك في المسرحية ثمانية عشر رجلا وأربع عشرة فتاة ... وهكذا1.. وإن كان للعدد المركب تمييزان: أحدهما مذكر عاقل، والآخر مؤنث -عاقل أو غير عاقل- كان الاعتبار للمذكر العاقل مطلقا2؛ فيجب تأنيث صدر العدد المركب؛ مراعاة للتمييز المذكر ولو كان متأخرا، بشرط أن يكون من نوع العقلاء؛ نحو: هاجر أربعة عشر رجلا وفتاة، أو: هاجر أربعة عشرة فتاة ورجلا. فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما3، نحو: في الحديثة خمس عشرة عصفورة وبلبلا، أو خمسة عشر بلبلا وعصفورة. وهذا بشرط ألا يفصل بين العدد والتمييز فاصل -هو: كلمة: "بين". فإن فصل بينها روعي المؤنث، نحو: الحديثة خمس عشرة ما بين بلبل وعصفورة. الثالث: تذكير العقود4: "20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90". هذه العقود ملحقة في إعرابها بجمع المذكر السالم؛ فلا يصح أن يتصل بلفظها علامة تأنيث؛ منعا للتعارض؛ إذ يلازمها دائما علامتا جمع المذكر السالم؛
سواء أكان معدودها مذكرا أم مؤنثا، ومن الأمثلة: أقبل وفد السياح؛ فيه ثلاثون رجلا وعشرون امراة، وسيقضي الوقد أربعين يوما أو خمسين في الصيعد؛ حيث ينعم بدفء الشتاء، ويتمتع بروائع الآثار ... ومع أن لفظها اسم جمع ملحق في إعرابه بجمع المذكر السالم -فمدلولها "وهو: المعدود، أي: التمييز" لا بد أن يكون مفردا، مذكرا أو مؤنثا على حسب الحالة. الرابع: تأنيث الأعداد المعطوفة وتذكيرها: الأعداد المعطوفة تستلزم ثلاثة أمور مجتمعة: 1- أن تكون صيغها مقصورة على ألفاظ العقود. 2- أن يكون صيغة المعطوف عليه -وهو النيف- مقصورة على لفظ من الألفاظ الأعداد المفردة الأصيلة وملحقاتها ويتعين أن يكون هذا اللفظ هو: واحد أو تسعة أو عدد محصور بينهما، أو ملحق بهما. 3- أن تكون أداة العطف هي: "الواو" دون غيرها إذا كان المراد مطلق الجمع1. وقد سلفت الأمثلة المختلفة لهذا القسم2. فأما من ناحية تذكيره وتأنيثه، فالمعطوف -أي: العقد- مذكر دائما؛ لأن صيغته تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وفيها علامتاه؛ فلا يصح مجيء علامة تأنيث معهما؛ منعا للتعارض والتناقض -كما سلف. وأما المعطوف عليه "أي: النيف" فإن كانت صيغته هي لفظ: "واحد" أو "اثنين"، وجب مطابقتها للمعدود في تذكيره وتأنيثه. وإن كانت صيغته هي لفظ: "ثلاثة أو تسعة" أو عدد بينهما، أو ملحق بهما -وجب مخالفتها للمعدود؛ فتؤنث حين يكون المعدود مذكرا، وتذكر حين يكون مؤنثا. فحكم المعطوف عليه هنا "من ناحية تذكيره وتأنيثه" كحكمه في الأعداد المفردة والمركبة ... ، ومن الأمثلة: في المتجر واحد وثلاثون رجلا وإحدى وعشرون فتاة، وفي المصنع اثنان
وخمسون عاملا وثنتان وثلاثون عاملة. وفيه من الغلمان أربعة وثمانون غلاما وسبع وثلاثون فتاة1 ... ، ومنها قوله عليه السلام: "من فرج عن مؤمن مهموم، أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وثلاثين مغفرة". وإن كان للعدد المعطوف تمييزان أحدهما مذكر عاقل والآخر مؤنث، وجب مراعاة المذكر العاقل مطلقا2؛ نحو: عندنا خمسة وعشرون طبيبا وطبيبة، أو: عندنا خمسة وعشرون طبيبة وطبيبا. ومثل: نقلت السيارة خمسة وعشرين حقيبة ورجلا ... و ... ، فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما بشرط ألا يفصل فاصل بين العدد والتمييز، نحو: قرأت ثلاثة وعشرين كتابا ومجلة، أو: ثلاثا وعشرين مجلة وكتابا. فإن فصل بينهما فاصل -هو كلمة: بين-3 روعي المؤنث؛ نحو: قرأت ثلاثا وعشرين بين كتاب ومجلة؛ ومما سبق يتبين أن العدد المعطوف والمركب متماثلان في هذا الحكم4. الخامس: تأنيث الأعداد المفردة، ذات التمييزين: إذا كان العدد مضافا إلى تميزين روعي السابق منهما مطلقا؛ أي: سواء أكان المضاف إليه عاقلا أم غير عاقل: مذكرا أم غير مذكر؛ نحو: حضر أربعة رجال وفتيات، وانصرف خمس طالبات وطلبة. ومثل: في الحجرة سبعة مقاعد ورجال3.. و ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- مؤنث "واحد" و"أحد" الذي بمعناه: وكذا "الحادي"، هو: "واحدة، وإحدى، وحادية". فثلاث للمذكر، وثلاث للمؤنث. وتختلف مواضع استعمال الكلمات الستة. "فالواحد": يدخل في قسم الأعداد المفردة كما يدخل في قسم الأعداد المعطوفة باعتباره هو المعطوف عليه. ولا يدخل في غيرهما -غالبا. و"الأحد" يركب مع العشرة، فيصير: أحد عشر، ويقتصر على هذا الاستعمال العددي، فلا يستعمل استعمال الأعداد المفردة، ولا يكون -في الفصيح- معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ فلا يقال: جاء أحد1، ولا سافر أحد وعشرون. و"واحدة" تستعمل عددا مفردا، وتكون أيضا معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ ومن الأمثلة: هذه واحدة، وهذه واحدة وعشرون. ولا تركب مع العشرة إلا نادرا لا يقاس عليه. والحادي، والحادية -يكونان مركبين مع العشرة، أو معطوفا عليهما في الأعداد المعطوفة؛ نحو: انقضت الليلة الحادية عشرة- أو الحادية والعشرون، وكذا اليوم الحادي عشر، والحادي والعشرون. ولا يكونان في غير هذين القسمين. و"إحدى" تكون -في الأكثر- مركبة مع العشرة2، أو معطوفا عليها في الأعداد المعطوفة، نحو: في البيت إحدى عشرة غرفة، أو إحدى وعشرون غرفة، "ومن النادر أن تكون مفردة بنفسها". ويقول اللغويون: إن أصل الحادي والحادية: هو: الواحد والواحدة. نقلت "الواو" إلى آخر الكلمة، وتأخرت الألف بعد الحاء، فصارت: "حادو"،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"حادوة"، ثم قلبت الواو ياء على حسب مقتضيات القواعد الصرفية؛ فصارت: "حادي، وحادية"، "على وزن "عالف وعالفة". وكلاهما منقوص، والأول، تحذف ياؤه عند التنوين، دون الثاني. أما العدد: "اثنان" فمؤنثه: اثنتان، وأو ثنتان، والألفاظ الثلاثة قد تكون مفردة أو مركبة مع عشرة، أو معطوفا عليها. وقد سبق1 أن لفظ "واحد" و"اثنين" وفروعهما لا يحتاجان إلى تمييز، ولكنهما قد يضافان لغرض آخر من أغراض الإضافة -وهو الاستحقاق-2 فلا يسمى المضاف إليه تمييزا لهما، لأنه لم يجئ بقصد إزالة الإبهام والغموض عن نوع معدودهما، فليس شأنه معهما كشأنه مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام عن العدد قصدا، فمن الخطأ: واحد رجل، وواحدة فتاة، واثنا رجلين، وثنتا فتاتين؛ إذ يجب أن نستغني عن العدد فنقول: حضر رجلا، أو رجلان -حضرت فتاة، أو فتاتان. فإن أريد بالمضاف إليه معنى آخر من المعاني التي تجلبها الإضافة -كالاستحقاق- ولا شأن لها بالتمييز، جاز؛ نحو: رجل الدنيا وواحدها من يعتمد على نفسه -واحدة البيت نشيطة- لكل إنسان رجلان، واثنتا المقعد عاجزتان ... فإن الغرض من الإضافة في هذه الأمثلة وأشباهها هو الملكية، أو التخصيص، أو شيء آخر مناسب، غير إزالة الإبهام. ب- تلخيص ما سبق من تأنيث العدد -بأقسامه المختلفة- وتذكيره، هو: 1- أن "الواحد" و"الاثنين" يذكران ويؤنثان تبعا لمدلولهما، لا فرق في هذا بين وجودهما في الأعداد المفردة، والمركبة، والمعطوفة. وأن المائة والألف لا تتغير صيغتهما اللفظية مطلقا؛ فالأولى مؤنثة3 دائما، والأخرى مذكرة دائما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2- وأن "ثلاثة" و"تسعة" وما بينهما -وما ألحق بهما- تخالف المعدود دائما، سواء أكانت من قسم المفرد، أم قسم المركب، أم قسم المعطوف. 3- وأن "عشرة" المفردة تخالف، معدودها دائما؛ فهي كثلاثة وتسعة وما بينهما. أما "عشرة" المركبة فتوافق معدودها تذكيرا وتأنيثا. ج- بمناسبة الكلام على تذكير العدد وتأنيثه يعرض النحاة للمذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية، ويقررون: أن جميع أسمائها مذكرة، إلا جمادى1. أما ذكر كلمة: "شهر" أو عدم ذكرها قبل تلك الأسماء فقد سبق تفصيله في باب: "الظرف" "ج2 م78" عند الكلام على: أحكام الظرف. ومنه يعلم أن الصحيح جواز تقديم كلمة: "شهر" على كل أسماء الشهور؛ فيقال: شهر رمضان ... شهر شوال ... شهر صفر ... وهكذا باقي الشهور، مع إعرابها إعراب المتضايفين غالبا.
المسألة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل"
المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل" يصح أن يصاغ من مصدر كل فعل ثلاثي، متصرف؛ صيغة على وزن: "فاعل"؛ لتدل على ذات، ومعنى معين، وتسمى هذه الصيغة: "اسم فاعل من الثلاثي"1. وكذلك يجوز اشتقاق هذه الصيغة من العدد "اثنين"2، أو: "عشرة"، أو أحد الأعداد التي بينهما -برغم أن كل عدد من هذه الأعداد ليس بمصدر-3 لتحقيق غرض لا يمكن تحقيقه إلا بهذه الصيغة، ولا يستفاد من العدد الجامد الذي سيكون منه الاشتقاق، فيقال: ثان، ثالث، رابع، خامس، سادس، سابع، ثامن، تاسع، عاشر. وقد تجيء بعد صيغة: "فاعل" المشتقة من أحد الأعداد -كلمة: "عشرة" أو غيرها من الأعداد، فتستفيد منها الصيغة معنى جديدا لا يستفاد إلا بوجودها؛ فيقال مثلا: ثالث عشر، رابع عشر، خامس عشر ... وهكذا إلى نهاية الأعداد المركبة؛ كما يقال: ثالث ثلاثة، رابع خمسة، سادس سبعة ... وقد يجيء بعد الصيغة المشتقة كلمة معطوفة بالواو، تدل على عقد من العقود
العددية غير "عشرة" كأن يليها العقد: عشرون، أو ثلاثون، أو أربعون ... أو أخوات هذه العقود، فيقال: الخامس والعشرون، السادس والثلاثون، السابع والأربعون، الثامنة والستون، التاسعة والسبعون ... وهكذا. وفيما يلي البيان: أ- اشتقاق صيغة فاعل من غير أن يليها العقد: "عشرة"، ولا غيره من العقود: 1- قد يكون الغرض من صوغ "فاعل" من أحد الأعداد السالفة بدون أن تذكر بعده كلمة: "عشرة" أو عقد آخر: هو استعماله منفردا عن الإضافة؛ ليفيد الاتصاف بمعنى العدد الذي كان أصلا للاشتقاق. فحين نقول: هذا ثان، أو ثالث، أو رابع، أو خامس ... يكون المراد: أنه واحد موصوف بهذه الصفة وهي: كونه ثاانيا. أو ثالثا، أو رابعا، أو خامسا ... دون زيادة على هذا المعنى الدال على مرتبة صاحبه بين الأفراد الأخرى، أي على ترتيبه الحسابي بالنسبة لغيره؛ فيكون الغرض: المرتبة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة ... "كالباب الثاني، الفصل الثالث، القسم الرابع ... " ويقال في المؤنثة: هذه ثانية، أو ثالثة، أو رابعة، أو خامسة.. على المعنى السالف، المحصور في الدلالة على الترتيب. وحكم صيغة: "فاعل" في الأمثلة السالفة وأشباهها هو الإعراب بالحركات1 على حسب ما يقتضيه الكلام، مع مطابقة الصيغة في التذكير والتأنيث لمدلولها2.. 2- وقد يكون الغرض من صوغ: "فاعل" استعماله مضافا إلى العدد الأصلي الذي اشتق منه، للدلالة على أن: "فاعلا" هذا هو بعض من العدد الأصلي المحدد،
من غير دلالة على مرتبة، "أي: على ترتيب" مثل: فلان خامس خمسة نهضوا ببلدهم. تريد: أنه بعض جماعة منحصرة في خمسة محددة، أي: أنه واحد من خمسة لا زيادة عليها، من غير أن تتعرض لبيان ترتيبه فيها. ومن الأمثلة قوله تعالى عن رسوله الكريم وهجرته: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} 1، وقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ، فالفرق بين دلالة الصيغة هنا ودلالتها فيما سبق أنها هنا تدل على الاتصاف بمعنى الجزئية من عددها، أي: الدلالة على أنها فرد منه، وبعض من كله المحدد المحصور، ولا تدل مع هذا على مرتبة. "ترتيب" أما الأولى فتدل على الأمرين؛ الاتصاف بمعناه، وعلى التريب. وحكم الصيغة هنا: إعرابها بالحركات2 على حسب حاجة الكلام، مع مطابقتها لمدلولها في التذكير والتأنيث، ووجوب إضافتها إلى العدد الأصلي الذي اشتقت منه؛ فتكون هي المضاف، والعدد الأصلي هو المضاف إليه. "أي من إضافة الجزء إلى كله؛ مثل يد علي، وعين محمود". وتمتاز صيغة "ثان وثانية" -دون غيرهما لدى فريق من النحاة-3 بشيء آخر عند استخدامها في الغرض السالف، هو: إعراب العدد الأصلي بعدهما مفعولا به منصوبا، فوق صحة إعرابه مضافا إليه؛ فيصح أن يقال: كان فلان ثاني اثنين قادا جيشها للنصر، بإضافة الصيغة إلى أصلها العددي، وأن يقال: هل كان فلان ثانيا اثنين ... ؟ على اعتبار كلمة: "اثنين" مفعولا به. ويرى فريق آخر من النحاة أن هذا الحكم ليس مقصورا على صيغة "ثان وثانية"، بل تشاركهما فيه بقية الأعداد، وهذا الرأي حسن لتكون صياغة "فاعل" "المراد منها اسم الفاعل" وإعماله قياسية مطردة.
وإذا نصبت المفعول به وجب أن تكون معتمدة على نفي أو غيره مما يعتمد عليه اسم الفاعل عند إعماله، ومستوفية بقية شروط أعماله التي عرفناها في بابه1. 3- وقد يكون الغرض من صوغ "فاعل" استعماله مع العدد الأقل مباشرة2 من عدده الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة؛ ليفيد معنى التصيير والتحويل3، نحو: عثمان ثالث اثنين من الخلفاء الراشدين. وعلي رابع ثلاثة منهم. أي: عثمان هو الذي جعل الاثنين بنفسه ثلاثة، فصير الاثنين بانضمامه إليهم ثلاثة. وعلي هو الذي جعل الثلاثة بنفسه أربعة؛ فصير الثلاثة بانضمامه إليهم أربعة. ومما يوضح هذا قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} 4، 5، 6، أي: هو الذي يصير الثلاثة
-بانضمامه إليهم- أربعة، ولا يصيرهم خمسة أو غيرها، ويصير الخمسة بانضمامه إليهم ستة، لا سبعة ولا غيرها، فهو يجعل العدد الأقل مساويا للعدد الذي فوقه بدرجة واحدة؛ إذ يصير الثلاثة أربعة، والأربعة خمسة، والخمسة ستة ... كما ذكرنا1 ... وهكذا2. وحكم صيغة: "فاعل" هنا: هو إعرابها بالحركات3 على حسب موقعها من الكلام، مع مطابقتها في تذكيرها وتأنيثها لمدلولها، وجواز إضافتها إلى العدد الذي بعدها -وهو العدد الأقل مباشرة من عددها الأصلي الذي اشتقت منه، كما في الأمثلة السالفة. ويجوز شيء آخر، هو: عدم إضافة الصيغة إلى العدد الأقل الذي بعدها. وإنما تنصبه على اعتباره مفعولا به؛ "بشرط أن تتحقق شروط إعمال اسم الفاعل. ومنها: أن تكون الصيغة معتمدة على شيء مما يعتمد عليه حين إعماله؛ كالنفي، والاستفهام، وغيرهما": فنقول: أعثمان ثالث اثنين، وعلي رابع ثلاثة؟ بنصب: اثنين، وثلاثة، على أنها مفعولين لصيغة "فاعل" قبلهما. بقيت الإشارة إلى ما ارتضوه في مثل: ثاني واحد؛ فقد قالوا: لا مانع -في الرأي الأحسن- من قبول هذا التركيب. ويجب التنبيه إلى أن كل معنى من الثلاث السالفة يخالف الآخر؛ فلا يصح إغفال هذا عند اختيار واحد منها. ليراعي في اختياره مناسبته للسياق. ب- اشتقاق صيغة: "فاعل" وتليها كلمة "عشرة"، ظاهرة أو ملحوظة: 1- إذا قلنا هذا اليوم الحادي عشر من الشهر، وهذه الليلة الرابعة عشرة
منه، واقتصرنا في كل حالة على عدد مركب واحد لا يليه مباشرة عدد آخر فقد يكون المراد من اشتقاق صيغة "فاعل" من العدد الذي بمعناها وزيادة كلمة: "عشرة بعدها هو إفادة الاتصاف بمعنى العدد مقيدا بملازمة العشرة؛ للدلالة على المرتبة "الترتيب" فليس المراد إفادة الاتصاف المطلق بمعنى الصيغة، وإنما المراد أنه واحد أو رابع ... أو ... موصوف بهذه الصفة، "وهي: كونه واحدا ... ورابعا ... " مع تقييد هذا الوصف بأنه مرتبط بالعشرة، ومنسوب إليها، ارتباط زيادة عليها وانضمام إليها، فهو واحد مزيد على العشرة، أو رابع مزيد عليها، أو غيره مما يوضح ترتيبه ... ومثل هذا يقال في: ثاني عشرن وثالث عشر، وخامس عشر، وتاسع عشر، وما بينها ... وحكم هذا النوع المقتصر على عدد مركب واحد هو: وجوب فتح الجزأين معا "وهما: فاعل، وعشرة" في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة، مع مطابقة جزأين معا. لمدلولها تذكيرا وتأنيثا، ومن الأمثلة: هذا هو الكتاب السابع عشر. وهذه هي المذكرة السابعة عشرة، إن الكتاب السابع عشر نفيس، وإن المذكرة السابعة عشرة نفيسة، سأحرص على الكتاب السابع عشر، وعلى المذكرة السابعة عشرة. فكل من السابع عشر، والسابعة عشرة، مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة، وكل منهما مذكر أو مؤنث طبقا لمدلوله. 2- وقد يكون المراد من صوغ "فاعل" وبعده كلمة: "عشرة" هو الدلالة على أنه فرد من العدد الأصلي الذي صيغ منه، وأن "فاعلا" هذا بعض جماعة منحصرة في العدد الأصلي، وواحد من تلك الجماعة المحددة العدد. ولتحقيق هذا الغرض يصاغ فعل وبعده كلمة، "عشرة" بصورة متعددة، منها: هذا خامس عشر خمسة عشر؛ فنجيء بصيغة "فاعل" وبعدها كلمة "عشر" مبنيتين معا على الفتح، وتجيء بعدهما بالعدد الأصلي "وهو خمسة" الذي اشتقت منه الصيغة، وبعده كلمة: "عشرة" أيضا، والجزءان الأخيران مبنيان على الفتح. كالأولين. فعندنا مركبان عدديان، كل منهما مبني على فتح الجزأين. فأما المركب الأول منهما فمبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر؛
على حسب حاجة الجملة. ثم هو -مع بنائه على فتح الجزأين- مضاف، والمركب الثاني كله "ما عدا: اثني عشر، واثنتي عشرة"1 هو: المضاف إليه، مبني على فتح الجزأين في محل جر، ويجري على صيغة "فاعل" من التذكير والتأنيث ما تطابق به مدلولها، وهذه المطابقة لا توجد إلا في صدر المركب الأول، وتطابقها في الحالتين كلمة: "عشر" التي هي عجز المركب الأول. أما صدر المركب الثاني فيجري عليه في التذكير والتأنيث ما يجري على الأعداد المفدرة، وأما عجزه "وهو: عشر" فيطابق المعدود في التذكير والتأنيث. ومثل هذا يقال في حادي عشر أحد عشر وثاني عشر اثني2 عشر، وثالث عشر ثلاثة عشر ... إلى تاسع عشر تسعة عشر. ومن أمثلة الصور المتعددة التي أشرنا إليها: "هذا خامس ... خمسة عشر" بذكر صيغة "فاعل" وحدها دون ذكر كلمة: "عشرة" بعدها؛ استغناء عنها بذكر في المركب الثاني الذي صدره العدد الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة، وعجزه هو كلمة "عشرة" فهذه الصورة مشتملة على صيغة فاعل وحدها وعلى مركب كامل بعدها، فعندنا صدر التركيب الأول دون عجزه، ويليه الثاني كاملا. وهذه الصورة أكثر من غيرها استعمالا، وتقوم على ثلاث كلمات ... فأما صدر التركيب الأول فيها فيعرب على حسب حاجة الكلام؛ ولا يصح بناؤه؛ إذ لا مقتضى للبناء بعد زوال التركيب. والصيغة هنا -وهي: فاعل- مطابقة في التذكير والتأنيث لمدلولها وهي أيضا مضاف، والتركيب الثاني -كاملا- مضاف إليه. مبني على فتح الجزأين في محل جر ... 3.
ومن أمثلة الصور المتعددة أيضا: هذا خامس ... ،... عشر. بذكر صيغة "فاعل" وحدها، دون كلمة: "عشرة" التي تصاحبها عند التركيب، ودون ذكر العدد الأصلي الذي يكون منه الاشتقاق؛ فالمركب الأول حذف عجزه، والمركب الثاني حذف صدره؛ فزال من كل مركب جزء، وبقي جزء. وصيغة "فاعل" هنا مطابقة لمدلولها تأنيثا وتذكيرا. والأحسن إعرابها على حسب حاجة الجملة؛ فتكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، وهي -في الوقت نفسه- مضاف والجزء الباقي من المركب الثاني "أي: العقد "عشر"، مضاف إليه مجرور. ومن النحاة من يجيز في هذه الصورة إعراب "فاعل" على حسب العوامل -كما سبق؛ لزوال تركيبه- مع اعتباره مضافا. واعتبار كلمة: "عشرة" هي المضاف إليه مع بنائها على الفتح في محل جر، بتقدير ملاحظة صدرها المحذوف، واعتباره كالموجود1 وهذا شاذ لا يقاس عليه. 3- وقد يكون المراد من صوغ: "فاعل" وبعده "عشرة" استعماله مع العدد الأقل -مباشرة- من العدد الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة؛ ليفيد معنى التصيير والتحويل فنقول: هذا رابع عشر ثلاثة عشر، وهذه خامسة عشرة أربع عشرة ... فهنا أربعة ألفاظ يتألف منها مركبان عدديان، والمركب الأول منهما مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر؛
على حسب حاجة الجملة، وهي في حالاته الثلاث مضاف، والمركب الثاني مبني على الفتح دائما في محل جر، مضاف إليه. وبالرغم من أن صيغة: "فاعل" في هذا الأسلوب هي اسم فاعل؛ بمعنى جاعل كذا؛ أي: أنها تفيد التحويل والتصيير، وكان حقها أن تنصب الاسم بعدها جوازا على أنه مفعول به لها، أو تجره على أنه مضاف إليه -على الرغم من هذا لا يصح أن تنصب مفعولا به هنا، لأن اسم الفاعل الذي ينصب المفعول به لا بد أن يكون منونا أو مبدوءا بأل. والأمران ممتنعان هنا؛ إذ العدد المركب لا ينون، وهو هنا مضاف فلا تدخله "أل" مع إضافته. والنحاة يقررون أن هذه الصورة لم يسمع لها نظير في كلام العرب، وأكثرهم يمنع استعمالها لهذا؛ إلا أن سيبويه وبعض النحاة يجيزونها، ويرون في إجازتها توسعه وتيسيرا. ويتبين مما سبق أن الغرض العام من صوغ "فاعل"، في الأعداد المركبة هو الغرض العام من صوغه من الأعداد المفردة، وأن كل معنى من الثلاثة يخالف الآخر؛ فلا يصح استعمال واحد مكان غيره؛ وإلا كان خلطا معيبا. ح- اشتقاق صيغة "فاعل" وبعدها العقد: "عشرون" أو عقد آخر من العقود التي بعد العشرين: يصح اشتقاق صيغة "فاعل" من أحد الأعداد المفردة المحصورة في واحدة وتسعة وما بينهما، ويذكر بعد الصيغة والعقد" معطوفا عليها بالواو خاصة1؛ نحو: الواحد والعشرون، والحادي والعشرون، والواحدة والعشرون، والحادية والعشرون ... والثاني والثلاثون، والثانية والثلاثون ... والرابع والخمسون، والرابعة والخمسون ... وهكذا2 ... وحكم هذا النوع وجوب تقديم الصيغة، وهي المعطوف عليها "أي:
النيف"، وتأخير المعطوف". وهو: "العقد". وأن يكون العاطف هو الواو دون غيرها1. والمعطوف عليه يطابق مدلوله في تذكيره وتأنيثه؛ ويعرب بالحركات2 على حسب حاجة الجملة، والمعطوف يتبعه في إعرابه، فيكون مثله مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا. ولكنه معرب بالحروف كجمع المذكر السالم، ولا يعرب بالحركات كالمعطوف ... 3. وإذا كان من الخطأ استعمال عاطف غير الواو1، فمن الخطأ أيضا حذفها؛ فلا يصح مثل: حادي عشرين، أو ثاني عشرين، أو ثالث أربعين ... أما الغرض المعنوي من هذه الصيغة فهو الغرض من صياغتها من الأعداد المفردة التي تليها كلمة: "عشرة"، ولا يصح الخلط بين غرض وآخر عند الاستعمال.
المسألة 167: التأريخ بالليالي والأيام
المسألة 167: التأريخ 1 بالليالي والأيام التأريخ: تقييد الحوادث والأمور الجارية، بزمن معين مشهور، بحيث ترتبط به، وتنتسب إليه؛ سواء أكانت قد وقعت وتحققت فيه أم موقعت وتحققت في زمن آخر. وهو ضروري لضبط شئون الفرد، وتنظيم حياته الخاصة والعامة، وضروري كذلك لضبط شئون الجماعات "دولا وأمما" وما يكون بينها من معاملات، ومنذ وجد الإنسان وهو يستعين بالتأريخ وحوادثه؛ ليرشده، ويذكره. ويعينه على كشف أكثر الحقائق والوقائع التي يبغي الاهتداء إلى زمنها، ونتائجها، ولكل فرد طرييقته التي يختارها لنفسه خاصة، ويراها أنسب له، وأكثر ملاءمة، غير أن الجماعات قد اتفقت كلمتها على أن تختار كل منها مبدأ زمنيا تؤرخ به شئونها العامة، ويرجع إليه أفرادها في شؤونهم المشتركة بينهم. ولكل فرد بعد ذلك أن يرجع إليه أو إلى غيره في شؤونه الخاصة به. والعرب من هؤلاء؛ فقد اختاروا بعد الإسلام حادث الهجرة مبدأ زمنيا لتسجيل الحوادث وتاريخها، وسموا هذا المبدأ: "التاريخ الهجري"2 وساروا فيه على أسلوب مأثور عنهم؛ فإذا وقع حادث ما سجلوه بطريقتهم قولا أو كتابة، وأرخوه بالليالي لسبقها في
حسابهم؛ إذ الشهور المعتمدة عندهم قمرية، وأول الشهر القمري ليلة، وآخره نهار، فإذا أراد أحدهم أن يؤرخ للحاديث الذي وقع في أول الشهر الهجري -ككتابة رسالة، مثلا- قال: كتبت لأول ليلة منه، "أي؛ في أول ليلة" أو لغرته، أو مستهلة. فإذا انتهت الليلة الأولى قال: كتبت لليلة خلت، ثم لليلتين خلتا، ثم لثلاث خلون ... إلى أن تنتهي عشر ليال ثم يقول: لإحدى عشرة خلت، أو لاثنتى عشرة ... إلى أن تجيء ليلة النصف فيقول: كتبت للنصف منه، أو لمنتصفه، أو لانتصافه، ويصح أن يقول: لخمس عشرة خلت، أو بقيت، "أي: عند خمس عشرة" والأول أكثر شيوعا في كلام الفصحاء، ثم لأربع عشرة بقيت، إلى أول العشرين فيقول: لعشر بقين، أو لثمان بقين ... وهكذا إلى أن تبقى ليلة واحدة فيقول: لليلة بقيت، أو لسراره، أو سرره. فإن مضت وبقي نهار اليوم الأخير فإنه يقول: كتبت لآخر يوم منه، أو لسلخه أو انسلاخه، وقد يستعمل السلخ والانسلاخ لليلة الأخيرة أيضا. وإذا قال: لآخر ليلة منه أو آخر يوم منه كان هذا دليلا على أن الشهر القمري كاملا؛ أي: ثلاثين يوما، وليس من الشهور التي تنقص. هذا ويصح وضع تاء التأنيث مكان نون النسوة والعكس في كل موضع يراد فيه التحدث على عدد مدلوله جمع لا يعقل؛ بأن يكون المعدود ثلاثة أو أكثر مما لا يعقل. ولكن اتباع الوضع الذي سردناه أفضل1.
وبهذه المناسبة نشير إلى ما سبق1 بيانه من بعض الاستعمالات التي تتصل بما نحن فيه، والتي يؤثر فيها العرب جانب التأنيث على التذكير، ويغلبون فيها المؤنث على المذكر؛ فلها نوع اتصالها بما هنا1 ... تعريف العدد وتنكيره: سبق الكلام عليه وافيا في "ج1 ص438 م32 وله موجز فيه ج3 م93 ص12 و14 -باب الإضافة". قراءة الأعداد المعطوفة على العقود المختلفة: المراد من العقود هنا "20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90"، وكذلك "100 و1000 ومضاعفاتهما"، فكيف نقرأ الأعداد الحسابية التالية قراءة عربية صحيحة؟ وهي 23، 34، 45، 56 و ... و ... وغيرها من باقي الأعداد المعطوفة المحصورة بين مائة، ومائة أخرى تليها؟
لقراءتها إحدى طريقتين؛ أولاهما: قراءة الأرقام من اليمين إلى اليسار، والأخرى العكس؛ فيقال: "ثلاث وعشرون، أربعة وثلاثون، كما يقال عشرون وثلاث، وثلاثون وأربعة" ... وكذلك يقال: أربعة ومئة، عشرون ومئة، كما يقال مئة وأربعة، مئة وعشرون" وكذلك: "ستة وألف، عشرون وألف. أو ألف وستة، وألف وعشرون" ... وهكذا بقية الأعداد في كل ما سبق ونظائره الأخرى. مع مراعاة الأحكام التي عرفناها في تذكير العدد وتأنيثه، وتعريفه وتنكيره؛ وفي نوع تمييزه، وضبط هذا التمييز، وإفراده وجمعه، وذكره وحذفه، وكل ما تقدم من الضوابط والأحكام العامة والخاصة التي لا بد من تطبيقها على العدد والمعدود. ملاحظة: يجوز تطبيق الطريقتين السالفتين على الأعداد المركبة "وهي 11 و19 وما بينهما" بشرط ظهور "واو العطف" متوسطة بين العددين، واستعمال كلمة "واحد" بدلا من "أحد". ولا بد هنا من مراعاة الأحكام العامة والخاصة بالعدد والمعدود التي أشرنا لها فيما سبق.
المسألة 168: كنايات العدد
المسألة 168: كنايات العدد 1 "كم، كأي، كذا ... " وكنايات أخرى، "منها: كيت، وذيت ... ". الأولى: "كم". وهي نوعان: "كم الاستفهامية"2، و"كم الخبرية"3. أ- كم الاستفهامية: أداة استفهام يسأل بها عن معدود، مجهول الجنس والكمية معا. ذلك أن من يسمع كلمة: "كم" وحدها لا يدرك من هذه الكلمة حقيقة مدلولها "أي: جنسه؛ أهو كتاب، أم دينار، أم رجل، أم امرأة، أم معدل أم قلم ... ؟ " ولا يدرك أيضا كميته "أي: لا يعرف عدد أفراد تلك الحقيقة، ومقدارها الحسابي" أكتاب واحد، أم كتابان، أم أكثر؟ أدينار، أم ديناران أم دنانير؟ أرجل، أم رجلان، أم رجال؟ أهي امرأة أم امرأتان، أم أكثر؟ أمعدن أم اثنان، أم أكثر؟ أقلم أم قلمان، أم أكثر؟ ... فكلمة "كتم" وحدها مبهمة المدلول "المعدود" عند السامع في هاتين الناحيتين؛ ناحية جنسه، وكميته. لكنه إذا سمع: "كم كتابا قرأت؟، أو: كم دينارا أنفقت؟، أو: "كم رجلا صافحت؟ أثلاثة أم أربعة؟ "، "كم قلما اشتريت؟ أقلمين أم ثلاثة"؟ ... ،
إذا سمع هذا فإن الإبهام يزول عنها في الناحيتين السالفتين، وتنكشف له حقيقة المعدود "المسؤول عنه" ومقداره الحسابي؛ بسبب الاسم الذي جاء بعد: "كم" -ويسميه النحاة: تمييزا- وبسبب ما وليه من بدل مقرون بالهمزة. وهذا معنى قلوهم: "كم الاستفهامية" أداة مبهمة عند سامعها، لا بد لها من تمييز بعدها يزيل الإبهام عن إحدى ناحيتي المعدود، وهي "ناحية الجنس"، وقد يليه ما يزل الإبهام عن الناحية الأخرى؛ وهي ناحية "المقدار العددي". فالتمييز محتوم، أما ما يليه فليس بمحتوم. أشهر أحكامها: 1- أنها اسم استفهام له الصدارة في جملته دائما، إلا إن كان مجزورا بحرف جر أو بإضافة؛ نحو: بكم دينار تبرعت؟ ومرضى كم مستشفى ساعدت؟ والاستفهام بها قد يكون عن شيء مضى. أو لم يمض ... 2- أنها مبنية على السكون دائما في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الإعراب1، نحو: كم نوتيا في هذه الباخرة؟ -وكم بحارا
فنيا رأيت بها؟ وإلى كم ربان تحتاج إدارتها؟ 3- لفظها مفرد مذكر دائما. ولكن مدلولها الذي يصدق عليه معناها قد يكون غير ذلك. ومن هنا يجوز عودة الضمير عليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا للمعنى المراد منها؛ نقول في السؤال عن المفرد المذكر، كما أخا جاءك؟ وعن مثناة: كم جاءك، أو: كم جاءك؟ وعن جمعه: كم جاءك؟ أو: كم جاءوك؟. ونقول في السؤال عن المفردة: كم طالبة نجح؟ أو: كم طالبة نجحت؟، وعن مثناها: كم نجح؟ أو: كم نجحنا؟، وعن جمعها: كم نجح؟ أو: كم نجحن؟ ... ، بمراعاة لفظ: "كم" أو معناها في كل ما سبق1. 4- لا بد لها من تمييز2 بعدها. والغالب أن يكون مفردا3 منصوبا بها؛ فهي العاملة فيه؛ نحو: كم طالبا يتعلمون في جامعاتنا؟ وكم بلدا عندنا يضم جامعة أو أكثر؟ ويصح أن يكون تمييزها مفردا مجرورا بمن -ظاهرة، أو مقدرة- بشرط أن تكون "كم" في الحالتين مجرورة بحرف جر ظاهر4؛ نحو: بكم طبيب نعالج المرضى في الريف؟ وإلى كم مهندس يحتاج؟ وعلى كم خبير زراعي يعتمد في زراعاته؟ ويصح: كم من طبيب ... كم من مهندس ... كم من خبير ... فإن وجدت "من" الجارة ظاهرة، فهي ومجرورها "التمييز" متعلقان "بكم" وإن لم توجد "من" ظاهرة فهي مقدرة تجر التمييز، أو ليست مقدرة، و"كم"
هي التي تجره؟ على اعتبارها؛ مضافة "مع بنائها"1 والتمييز بعدها "مضاف إليه" مجرور. ويجوز أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بالهمزة، والمبدل منه هو كلمة: "كم" فيزول ما بقي من غموضها، وتنكشف الناحية الأخرى من إبهامها -كما أشرنا- نحو: كم بحارا في الباخرة؟ أعشرة أم عشرون؟ 5- وإذا كانت "كم" الاستفهامية مضافة لتمييزها فهي العاملة فيه؛ فلا يصح الفصل بينهما بجملة؛ لأن المتضايفين لا يفصل بينهما -في الأغلب- جملة. لكن يصح الفصل بأحد شبيهي الجملة؛ لأنها محل التوسع والتيسير. أما إن كان التمييز مجرورا بـ"من" الظاهرة فيجوز الفصل بالجملة أو بغيرها؛ وكذا إن كان التمييز منصوبا. لكن يجب جر هذا التمييز بمن2 بدلا من نصبه إن كان الفاصل بينهما فعلا متعديا لم يستوف مفعوله؛ لكيلا يقع في الوهم أن هذا التمييز المنصوب ليس بتمييز، وأنه مفعول به للفعل المتعدي، فلإزالة الوهم واللبس يجب جره بمن، ففي مثل: "كم عصفورا على الشجرة؟ وكم صيادا يحوم حولها؟ ... نقول عند الفصل بالفعل المتعدي الذي لم يستوف مفعوله: كم ترى من عصفور على الشجرة؟ وكم تشاهد من صياد يحوم حولها؟ ومن هذا قول الشاعر: وكم -سقت في آثاركم- من نصيحة ... وقد يستفيد الظنة3 المتنصح4 6- تمييز "كم" الاستفهامية في كل أحواله يصح حذفه إن دل عليه دليل، ولم يترتب على حذفه لبس5؛ مثل قول المستفهم: ما عدد طلاب الجامعة؟ كم في كلية الطب؟ وكم في كلية العلوم؟ يريد: كم طالبا في كلية الطب؟ وكم طالبا
في كلية العلوم ... 1. ب- كم الخبرية: هي أداة للإخبار عن معدود كثير، ولكنه مجهول الجنس والكمية2. ومن أمثلتها قولهم: "كم صالح بفساد آخر قد فسد"3. وما جاء في عتاب صديق لصديقه: "إني أحفظ ودك، وأرعى عهدك، وأرسم طريقي على الوفاء لك، والصفح عن بوادرك. فكم مرة هفوت فأغضيت، وكم إساءة نالتني فغفرت، وكم إخوان أبعدتهم عنك فقربتهم منك، وأرجعتهم إليك.. فهل تنسى هذا أو تتناساه؟ ". فكلمة: "كم" وحدها قبل وضعها في شيء من الكلام السابق، مبهمة "أي: لا تدل على حقيقة المعدود وجنسه، ولا على مقداره وكميته"؛ إذ لا يدري السامع المراد: أهو: كم يوم، أم كم رجل، أم كم إساءة ... وكذلك لا يدري: أهو كثير أم قليل ... ، فلما ذكر الاسم المجرور بعدها أزال عنها الإبهام، وكشف الغموض عن المعدود، فبين حقيقته وجنسه، وأوضح كميته بما يدل على أنها كثيرة. فكأنه يقول: مرات كثيرة -إساءات كثيرة- إخوان كثيرون، ومثله قول الشاعر: وكم ذنب مولده دلال ... وكم بعد مولده اقتراب
فلا بد لإزالة الإبهام عنها من تمييز بعدها يوضح الأمرين؛ جنس المراد منها، ومقداره. ولا يصح أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بهمزة الاستفهام، والمبدل منه هو: "كم"؛ إذ لا دخل للاستفهام هنا مطلقا1. وبسبب أن الإخبار بها يرمي إلى كثرة المعدود وجب أن يكون هذا الإخبار عن شيء مضى؛ لأن الذي مضى قد بان جنسه وكميته؛ فيمكن الحكم عليه بالكثرة، والإخبار بهذا الحكم، أما الذي لم يمض فمجهول الجنس والمقدار -غالبا؛ ومن ثم كان الدافع إلى استعمال "كم الخبرية" هو: الافتخار والمدح بكثرة شيء محبوب معلوم، أو: الذم بكثرة شيء معيب كذلك. أحكامها: 1- وجوب صدارتها في جملتها، إلا حين تكون مجرورة بحرف جر، أو بإضافة، نحو: لله أنت!! فإلى كم عمل نافع سارعت؛ فحمد الناس إسراعك. وعند كم عقبة في طريقة وقفت لتذليلها؛ فأكبر العارفون شأنك. 2- صحة عودة الضمير إليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا لمعناها؛ مراعاة للمراد من مدلولها ... 2 والأفصح مراعاة تمييزها، نحو: كم رفاق نفع، أو نفعوا ... ومن مراعاة التمييز قول الشاعر: كم أناس في نعيم عمروا ... في ذرا ملك تعالى فبسق3 سكت الدهر زمانا عنهمو ... ثم أبكاهم دما حين نطق 3- وجوب بنائها على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة4.
4- وجوب الإتيان بتمييز لها يكون مفردا مجرورا، أو جمعا مجرورا1، بشرط أن يكون في الحالتين غير مفصول منها بشيء، والأفصح إفراده، ولكن الجمع صحيح غير شاذ. ومن الأمثلة قول الشاعر: فكم نزهة فيك للحاضرين! ... وكم راحة فيك للأنفس! وقول الناثر: الأريب لا يخدع بالمظهر الزائف؛ فكم رجال حسنت مناظرهم وساءت مخابرهم! وكم رجال اقتحمتهم العيون وفي أثوابهم أبطال عظام! ... فإن فصل التمييز منها، وكان مفصولا بجملة وجب نصبه ولا يجوز جره إلا في ضرورة الشعر، أو حين تكون الجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله؛ -كم سيجيء هنا؛ نحو: ما أنفس نصائح الحكماء، وأغلى أقوالهم؛ فكم أرشدنا منهم -نصحا! وكم صاننا منهم- قولا!. وقول الآخر في مدح قوم: كم نالني منهمو فضلا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتار2 أجتمل3 "وفاعل الفعل في الأمثلة السابقة ضمير يعود على "كم" ومفعوله الضمير ويجوز جعل التمييز فاعلا بعد رفعه"4.
وكذلك يجب ولا يجوز جره إلا في ضررة الشعر إن كان مفصولا بظرف، ومعه جار ومجروره؛ نحو: كم دون الوصول إلى الشهرة كفاحا! وكم لها بعد إدراكها تعبا! فإن كان الفصل بالظرف فقط، أو بالجار مع مجروره فقط الأمان، والنصب هو الأرجح. نحو: كم دون الشهرة كفاحا! وكم لها تعبا!.. ولا يصح الفصل بغير ما سبق -على الصحيح. وإذا فصل بين "كم" الخبرية وتمييزها بجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز بالحرف: "من"1؛ لمنع اللبس؛ إذ قد يقع في الوهم أن التمييز المنصوب ليس تمييزا، وإنما هو "مفعول به" للفعل المتعدي. فلإبعاد هذا الوهم يجب جر التمييز بمن، لا بالإضافة؛ إذ لا يصح -في الأغلب- الفصل بالجملة بين المتضايفين. كقوله تعالى عن قوم أهلكهم: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} 2، و"كم" في الآيتين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. ومن الجائز حذف تمييزها إذا دل عليه دليل. ولم يوقع حذفه في لبس؛ مثل: استعرضت كتبك الضاربة في علوم وفنون مختلفة؛ فما أكثرها وأعجبها!! فكم في الأدب!! وكم في التاريخ3..، ولكن حذفه وهو "مضاف إليه" قليل غير قياسي4؛
لما يترتب عليه من حذف "المضاف إليه" مع وجود المضاف وحده. من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك الموازنة التي عقدها بعد النحاة بين نوعي: "كم" لبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما. وملخصها: أنهما يتشابهان في خمسة أمور: أ- أنهما كنايتان مبهمتان عن معدود، مجهول الجنس، والمقدار. "أي: مجهول الحقيقة، والكمية". ب- مبنيتان. ج- بناؤهما على السكون في محل رفع؛ أو نصب، أو جر، على حسب موقعهما من جملتهما؛ فهما متماثلتان في إعرابهما المحلي، مع ملاحظة أن لفظهما مفرد مذكر دائما، وأن مدلولهما قد يكون غير ذلك؛ فيراعي لفظهما، أو مدلولهما، في الضمير العائد عليهما، وفي غيره من كل ما يحتاج للمطابقة؛ ولكن مراعاة التمييز أوضح. د- ملازمتان للصدارة في جملتهما، إلا إن سبقها حرف جر، أو: مضاف. هـ- حاجة كل منهما إلى تمييز قد يصح حذفه عند أمن اللبس، ويفترقان في خمسة أمور كذلك: 1- أن الخبرية تتضمن الإخبار بكثرة شيء معدود؛ فتختص بالزمن الماضي وحده. ولهذا لا يصح على الإخبار أن نقول: كم رحلة سأقوم بها أيام العطلة المقبلة! لأن التكثير والتقليل -كما سبق- لا يكونان إلا فيما عرف مقداره. وهذه المعرفة لا تحقق إلا في شيء قد مضى وانتهى. ويصح على الاستفهام أن نقول ما سبق، وغيره. 2- أن المتكلم بالخبرية لا يتطلب جوابا من السامع؛ لأنه مخبرن غير مستخبر؛ بخلاف الاستفهامية. 3- أن المتكلم بالخبرية، يتعرض للتصديق والتكذيب؛ لأنه مخبر، والخبر
عرضه لأن يصدقه السامع أو يكذبه1. 4- أن الأغلب في تمييز استفهامية أن يكون مفردا منصوبا بها، أو مجرورا بالإضافة، أو بمن إن جرت "كم" بحرف جر ظاهر. أما تمييز الخبرية فيكون مفردا مجرورا؛ أو جمعا مجرورا2. ولا يكون منصوبا إلا في بعض حالات الفصل. 5- أن البدل من "كم" الخبرية لا يصح اقترانه بهمزة الاستفهام3؛ لأن هذا البدل خبري كالمبدل منه "وهو: كم الخبرية" والخبر لا يصح أن يتضمن معنى الاستفهام. يقال: كم رجال حضروا الحفل!! ثمانين بل تسعين ... أما الاستفهامية فيجب اقتران البدل منها بهمزة الاستفهام؛ لأن الاستفهامية تتضمن معنى الاستفهام. فيقال: كم رجال حضروا؟ أثمانين أم تسعين؟ إذا كان العدد مجهولا يريد أن يعرفه السائل. الثانية: كأين4. وأشهر لغاتها: "كأين" -"بهمزة مفتوحة. وتشديد الياء مكسورة، فنون ساكنة"- ثم: "كائن" بسكون النون. ثم: "كأين"؛ "بهمزة ساكنة بعد الكاف، تليها ياء مكسورة، فنون ساكنة"5. وهي بمنزلة "كم" الخبرية، ولكن تشاركها في أمور، وتخالفها في أخرى، فتشاركها في الأمور الخمسة الآتية:
1- الإبهام. 2- الدلالة على تكثير المعدود. 3- الملازمة للصدارة. 4- البناء على السكون محل رفع، أو نصب، على حسب موقعها، ولا تكون "كأين" في محل جر، ومن الممكن وضعها في كل مكان توضع فيه: "كم الخبرية" إلا الجر. 5- الحاجة إلى تمييز مجرور، ولكنه يُجر هنا "بمن" ظاهرة لا بالإضافة. والجار مع مجروره متعلقان بكأين. وقد ينصب التمييز. ومن الأمثلة للمجرور، قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} . وقول الشاعر: وكائن رأينا من فروع طويلة ... تموت إذا لم تحيهن أصول! ومن التمييز المنصوب قول الشاعر: اطرد اليأس بالرجا؛ فكأين ... آلما1 حم2 يسره بعد عسر! وقول الآخر: وكائن لنا فضلا عليكم ومنة ... قديما! ولا تدرون ما من منعم ويجوز الفصل بينها وبين تمييزها مطلقا -كما في بعض الأمثلة السالفة- فإن كان الفاصل فعلا متعديا لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز "بمن"؛ منعا من توهم أنه مفعول به في حالة نصبه، ومن الأمثلة قول الشاعر3: وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
وقول الآخر: وكائن ترى من حال دنيا تغيرت ... وحال صفا بعد اكدرار غديرها وتخالفها في أربعة: 1- "كم الخبرية" كلمة "بسيطة" على الأرجح. أما "كأين" فمركبة -على الأرجح أيضا- من كافة التشبيه، و "أي" المنونة. ولا أثر للتركيب ولا لمعنى جزأيه في حالتها القائمة الآن، بعد أن صارت كلمة واحدة تؤدي معنى جديدا. 2- "كأين" لا تكون مجرورة بحرف، ولا بإضافة، ولا بغيرهما، بخلاف "كم الخبرية" فإنها تجر بالحرف وبالإضافة. 3- إذا وقعت "كأين" مبتدأ فخبرها لا يكون إلا جملة -في الغالب الكثير-1 كبعض الأمثلة السالفة، أما "كم الخبرية" فلا يلزم أن يكون جملة. 4- ليس لها نوع آخر يستعمل في الاستفهام، أو في غير الإخبار ... 5- تمييزها المجرور هو في الغالب مجرور بمن الظاهرة. بخلاف "كم
الخبرية" فإنه يجر بالإضافة، أو بمن المضمرة، أو الظاهرة. الثالثة: "كذا"، وصيغتها ثابتة في كل الحالات، ولا يطرأ على حروفها تغيير ما دامت من كنايات العدد. وهي -في أصلها- مركبة من "كاف" التشبيه، و"ذا" الإشارية، وصارت بعد التركيب كلمة واحدة ثابتة، تؤدي معنى جديدا مستقلا، لا صلة له بالتشبيه ولا الإشارة إذا كان الغرض منها الإخبار عن شيء معدود1 قليل أو كثير، ففي هذه الصورة تعد كلمة من كنايات العدد المبهمة2. وتشبه "كم الخبرية" فيما يأتي: 1- في الإخبار. 2- وفي الإبهام. 3- وفي البناء على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر ... "فمحلها على حسب حاجة الجملة دائما". 4- وفي الحاجة إلى تمييز. وتخالفها في: 1- أنها لا تلازم الدلالة على الكثرة، فقد يكون "كذا" كناية عن معدود كثيرا أو قليل -كما تقدم- نحو: أنفقت كذا دنانير في رحلاتي، وركبت خلالها كذا وكذا سيارة وطيارة، وباخرة، وقطارا. 2- وفي تمييزها واجب النصب بها على الأرجح3. سواء أكان مفردا
أم جمعا1. 3- وأنها لا تكون في الصدر. 4- وأنها تتكرر -غالبا- مع عطف بالواو؛ كقول الشاعر: عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا ... كذا وكذا؛ لطفا به نسي الجهد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الغالب في "كذا" التكرار مع العطف بالواو، ومن القليل1 تجردها منهما معا؛ فإن لم توجد الواو العاطفة وجب إعراب المتأخرة توكيدا لفظيا للأولى2. ب- تأتي: "كذا" المكررة المعطوفة بالواو. وغير المكررة -كناية عن غير العدد؛ فيكنى بها عن اللفظ الواقع في التحديث عن شيء حصل، أو عن قول. سواء أكان ذلك اللفظ معرفة أم نكرة؛ كالحدث النبوي: يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا3 ... ويجوز أن تبقى على أصلها من التركيب من كاف التشبيه وذ الإشارية حين يقتضي المعنى بقاءها على أصلها، نحو: عرفت الأخ نافعا، والصديق كذا. ورأيت الغنى واقيا من ذل السؤال والعمل كذا. وفي هذه الصورة قد تدخل عليها "هاء التنبيه" فيقال: والصديق هكذا ... والعمل هكذا.. أو: وهكذا الصديق -وهكذا العمل. ج- في "المصباح المنير" -مادة "كذا"- ما نصه: "كذا: كناية عن مقدار الشيء وعدته4؛ فينصب ما بعده على التمييز؛ يقال اشترى الأمير كذا وكذا عبدا. ويكون كناية عن الأشياء؛ يقال: فعلت كذا، وقلت كذا. فإن قلت فعلت كذا وكذا فلتعدد الفعل. والأصل "ذا"، ثم أدخل عليها كاف التشبيه بعد زوال معنى الإشارة والتشبيه، وجعل كناية عما يراد به، وهو معرفة فلا تدخله الألف واللام". ا. هـ. وإذا هو كناية تصلح للمقادير وللأعمال على حسب المراد.
الرابعة: كنايات أخرى. منها: "كيت ... وذيت" هاتان ليستا من كنايات العدد، وإنما يذكرها النحاة بعد تلك الكنايات للمناسبة بين النوعين في مجرد الكناية عن شيء. وكيت وكيت -بفتح التاءين معا، وهو الأكثر، أو كسرهما معا، أو ضمهما كذلك- يكنى بهما عن القصة والخبر، أي: الحديث عن شيء حصل أو قول وقع1؛ مثل: "صنع العامل كيت وكيت، وقال كيت وكيت"1. ولا بد من تكرارهما مع فصلهما بالواو2، واعتبارهما معا "وبينهما هذه الواو المهملة" مركبا مزجيا بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، والجزءان معا مبنيان إما على الفتح، وإما على الكسر، وإما على الضم، في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. وهذا المركب المزجي -عاملا- نائب في الحقيقة عن جملة، وهذا صح أن يعمل فيه القول في نحو: "أنت قلت كيت وكيت"؛ فيكون المركب المزجي -بتمامه- هنا في محل نصب، مفعولا به للفعل "قال" ... 3. وكل ما تقدم في: "كيت وكيت" يقال كاملا في: "ذيت وذيت". من غير تفريق في شيء إلا في الحرف الأول الهجائي؛ فهو "كاف" في أحد المركبين، و "ذال" في المركب الآخر، ولا خلاف في شيء بعد هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول اللغوين: إن أصل: "كيت وكيت" و"ذيت وذيت" هو: "كية وكية" و"ذية وذية" بتشديد الياء في كل لفظة، وبعدها تاء التأنيث المربوطة. ثم حصل تخفيف بحدف التاء المربوطة، وبقلب الياء الثانية "من كل ياء مشددة" تاء واسعة "أي: غير مربوطة"، فهذه التاء ليست للتأنيث وإنما هي منقلبة عن حرف أصلي. ولا مانع عندهم من استعمال -الأصل وهو: كية وذية- بدون تخفيفة. ويتعين عند استعماله تركيب كل جزأين تركيبا مزجيا مع بنائهما على الفتح دائما في كل المواقع الإعرابية. ب- ويقول الصبان: "إذا قيل: كان من الأمر "كيت وكيت" -ومثلها: "ذيت وذيت"- "فكأن للشأن، خبرها: كيت وكيت1، لأن هذا المركب المزجي نائب هنا عن الجملة، ولا يكون اسما لكان؛ إذ لا يكون اسمها جملة. قاله الفارسي، واستحسنه ابن هشام. لكن يلزم عليه تفسير ضمير الشأن2، بغير جملة مصرح بجزأيها؛ والظاهر أن: "من الأمر" تبيين يتعلق بفعل مقدر؛ هو: "أعنى". وهذا كلامه مع تيسير قليل في بعض كلماته. وفيه حذف وتقدير لا داعي لهما. ولو جعلنا "كيت وكيت" -في هذا الأسلوب وحده- اسما لكان الناسخة غير الثانية، وخبرها شبه الجملة مع اعتبار المركب المزجي الحالي ليس جملة هنا في ظاهره الحقيقي، لاستغنينا عن الحذف والتقدير، ولسايرنا الأيسر الواضح بغير ضرر، ولا خروج على الأصول العامة.
المسألة 169: التأنيث 1 الاسم المعرب 2 نوعان: 1- مذكر "مثل: حاتم، قيس، جعفر، نهر، قمر، كتاب ... " ولا يحتاج إلى علامة لفظية تزاد على صيغته لتدل على تذكيرها صاحبها؛ لأن الذي الذي يدل على تذكيرهما هو الشهرة، وشيوع الاستعمال، ولا سيما الاستعمال الوارد في أكثر الأساليب المأثورة عن العرب. 2- مؤنث؛ "مثل: سنية، عزيز، ليلى، لمياء، أرض، أذن ... " ويحتاج إلى علامة لفظية ظاهرة؛ أو: مقدر "أي: ملحوظة" تزاد على صيغته؛ لتدل على تأنيها، وتأنيث صاحبها، فالعلامة الظاهرة في الأسماء المعربة هي: "تاء التأنيث" المتحركة3، أو: "ألف التأنيث" بنوعيها؛ المقصورة والممدودة؛ مثل: عزيز، ليلى، لمياء، ... أما العلامة المقدرة: أ- فقد تكون خاصة بالأسماء المعربة الثلاثية، وهي تاء التأنيث الملحوظة -"طبقا للسماع الوارد عن العرب" في مثل: أرض، أذن، عين، قدم،
كشف. والذي يدل على أنه هذه الكلمات الثلاثية -وأشباهها-1 مؤنثة سماعا بتاء مقدرة "أي: ملحوظة" ظهور هذه التاء في أغلب كلام العرب عند التصغير؛ إذ يقال: أريضة، أذينة، عيينة، قديمة، كتيفة2. ب- وقد تكون عامة في الأسماء بنوعيها "الثلاثي وغير الثلاثي"؛ كعود الضمير عليها في المسموع مؤنثا. كأرض. وعرب، في مثل: الأرض زرعتها، والعقرب قتلتها. ومثل: نعتها، أو الإشارة إليها بالمؤنث؛ سماعا في الحالتين، مثل: الأرض المتحركة واحدة من أرضين كثيرة، هذه الأرض واحدة من ... : العقرب السامة قتالة، هذه العقرب ... ، ولا تكون ألف التأنيث مقدرة3. معنى: "مؤنث": هذه الكلمة إحدى "المصطلحات" التي يتردد ذكرها كثيرا في الاستعمال
اللغوي: ويختلف معناها باختلاف ما تدل عليه من أنواع تقضي الفائدة بالإشارة إليها هنا؛ لأن هذا الباب هو الأنسب لذكرها1: وأشهرها: 1- المؤنث الحقيقي: وهو الذي يلد، ويتناسل، ولو كان تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ ولا بد من لفظ المؤنث الحقيقي من علامة تأنيث ظاهرة، أو مقدرة، مثل: ولادة، سعدى، هند، عصفورة، عقاب2. وله أحكام مختلفة؛ يتصل منها بموضوعنا: وجوب تأنيث فعله، ونعته، وخبره، وإشارته، وضميره ... بالشروط والتفصيلات الخاصة بكل واحد من هذه الأمور في بابه؛ نحو: كانت ولادة أديبة أندلسية ذائعة الصيت. وقد نقل التاريخ الأدبي إلينا كثيرا من أخبار هذه الأديبة، ومجالسها، وفنونها ... 2- المؤنث المجازي: وهو الذي لا يلد ولا يتناسل؛ سواء أكان لفظه مختوما بعلامة تأنيث ظاهرة؛ كورقة، وسفينة ... ، أم مقدرة؛ مثل: دار، وشمس. ولا سبيل لمعرفة المؤنث المجازي إلا من طريق السماع الوارد عن العرب، ولا يمكن الحكم على كلمة مؤنثة بأنها تدل على التأنيث مجازا إلا من طرييق اللغوي الذي يوضح أمر ذلك السماع ويبينه. وهذا النوع المجازي يخضع في استعماله لكثير من أحكام المؤنث الحقيقي؛ خضوعا واجبا في مواضع، وجائزا في أخرى؛ كوجوب تأنيث الضمير العائد عليه في مثل: الدار اتسعت. وجوازه في مثل اتسعة الدار، أو اتسع الدار ... 3- المؤنث اللفظي فقط: وهو الذي تشتمل صيغته على علامة تأنيث ظاهرة، مع أن مدلوله "أي: معناه" مذكر؛ نحو: حمزة، أسامة، زكرياء. أعلام رجال. وله أحكام مختلفة مدونة في الأبواب المناسبة لها؛ فقد يراعى معناه في حالات فلا يؤنث له الفعل، ولا يعود عليه الضمير مؤنثا ... ، فلا يقال: اشتهرت حمزة بالشجاعة والإقدام، ولا حمزة اشتهرت بالإقدام ... ولا يجمع "في
الأرجح" جمع مذكر سالما ... وقد يراعى لفظه -وهو الأغلب في كثير من حالاته الأخرى- فيمنع من الصرف، ويذكر له اسم العدد1؛ فيقال ثلاث حمزات ... 4- المؤنث المعنوي فقط: وهو ما كان مدلوه مؤنثا حقيقيا أو مجازيا ولفظه خاليا من علامة تأنيث ظاهرة؛ فيشمل المؤنث الحقيقي الخالي من علامة تأنيث، مثل: زينب، سعاد، عقاب ... كما يشمل المؤنث المجازي الخالي منها؛ مثل: عين، رجل، بئر ... ويجري عليه كثير من أحكام المؤنث الحقيقي والمجازي، كتأنيث الفعل له، وتأنيث ضميره، ونعته، والإشارة إليه ... وكمنعه من الصرف أو عدم منعه على حسب حالته. 5- المؤنث اللفظي المعنوي: وهو ما كانت صيغته مشتملة على علامة تأنيث ظاهرة، ومدلوله مؤنثا؛ مثل: فاطمة، علية، ريا، سعدى، حسناء، هيفاء، نحلة، أسدة، شجرة، دنيا ... ويخضع لكل أحكام المؤنث اللفظي والمعنوي. والأنواع الخمسة السابقة قد يجتمع منها نوعان أو أكثر، ويسميان باسم يشمل النوعين، كأن يقال: لفظي مجازي؛ مثل: دنيا ... 6- المؤنث التأويلي: وهو ما كانت صيغته مذكرة في أصلها اللغوي، ولكن يراد -لسبب بلاغي- تأويلها بكلمة مؤنثة معناها؛ فقد كان العرب يقولون: "أتتني كتاب أسر بها ... ، يريدون: رسالة2" "خذ الكتاب واقرأ ما فيها. يريدون: الأوراق". وكذلك: "الحرف في مثل قولهم: هذه الحرف: نعت؛ يريدون به: الكلمة" ... وأمثال هذا كثير في كلامهم ...
وحكم هذا النوع: أنه يصح مراعاة صيغته اللفظية، من ناحة عدم تأنيث فعلها المسندة إليه، وكذلك مراعاة تذكيرها اللفظي عند نعتها، والإشارة إليها ... و ... كما يصح مراعاة معناها الذي تؤول به بشرط قيام قرينة جلية تمنع اللبس؛ نحو: "امتلأت الكتاب السطور؛ تريد: الورقة التي في يدك، مثلا" "هذه الكتاب نافعة، تريد: هذه الورقة" ... ولكن من الخير الاقتصار على مراعاة صيغة اللفظ؛ قدر الاستطاعة منعا للالتباس، فإن هذا المنع غرض من أهم الأغراض اللغوية، يجب الحرص عليه هنا، وفي كل موضع آخر1 ... 7- المؤنث الحكمي: وهو ما كانت صيغته مذكرة ولكنها أضيفة إلى مؤنث فاكتسبت التأنيث؛ بسبب الإضافة؛ كقوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} . فكلمة "كل" مذكرة في أصلها، ولكنها في الآية اكتسبت التأنيث من المضاف إليه المؤنث؛ وهو "نفس"2. تلك أشهر أنواع المؤنث. ويعنينا منها، النوعان الأساسيان؛ وهما الأول والثاني "أي: المؤنث الحقيقي، والمجازي" أما سواهما فمتفرع منهما، راجع إليهما في أكثر أحكامه ... والنوعان الأساسيان "أي: الحقيقي والمجازي" لا بد من اشتمالهما على علامة تأنيث ظاهرة أو مقدرة "أي: ملحوظة"، كما في بعض الأمثلة الأولى.
وقد تبين مما تقدم أن علامات التأنيث الظاهرة الدالة على تأنيث الأسماء المعربة1 ثلاث زوائد، وكل واحدة منها فارقة بين المؤنث والمذكر، ولا يصح أن يوجد منها في الاسم إلا علامة واحدة2 ظاهرة لتأنيثه. والثلاث هي: تاء التأنيث المتحركة المربوطة3، وألف التأنيث المقصورة، وألف التأنيث الممدودة، وفيما يلي تفصيل الكلام على كل علامة: "العلامة الأولى": فأما تاء التأنيث3 المتحركة المربوطة فمختصة بالدخول -قياسا- على أكثر الأسماء المشتقة4؛ لتكون فارقة بين مذكرها ومؤنثها؛ نحو: عابد وعابدة، عراف وعرافة، فرح وفرحة، مأمون ومأمونة ولا تدخل على أسماء الأجناس الجامدة إلا سماعا؛ وقد سمعت في بعض ألفاظه قليلة لا يقاس عليها؛ مثل: أسد وأسدة، رجل ورجلة، فتى وفتاة، غلاء وغلامة، امرأ وامرأة، إنسان وإنسانة، في لغة ... ونظائرها مما تنص عليه الراجع اللغوية، ويجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد5. وإنما كانت تاء التأنيث مختصة بالدخول على أكثر الأسماء المشتقة دون
جميعها؛ لأن بعض المشتقات لا تدخله مطلقا -في رأي أكثر النحاة1، وبعضها تدخله قليلا، فلها مع المشتق ثلاث حالات، واشهر الأوزان التي لا تدخلها1 أربعة: 1- فعول1 بمعنى: "فاعل2 "وهو الدال على الذي فعل الفعل"، نحو: صبور، نفور، حقود ... بمعنى: صابر، نافر، حاقد، مثل: رجل أو امرأة صبور، ونفور، وحقود ... أما المسموع2 من قولهم: امرأة ملولة، وفروقة؛ بمعنى: خوافة -وكذا بضع كلمات أخرى-3 فالتاء فيه للمبالغة مع التأنيث وليست لمحض التأنيث وحده4 وأما "عدوة" مؤنث: "عدو" فمقصورة هي وأشباهها القليلة على
السماع1. فإن كان "فعول" بمعنى: "مفعول" "وهو الدال على الذي وقع عليه الفعل"
جاز تأنيثه بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وعدم تأنيثه بها؛ نحو: قطار ركوب أو ركوبة، وسيارة ركوب أو ركوبة؛ بمعنى مركوب ومركوبة فيهما، ونحو: فاكهة أكول أو أكولة، وبقرة حلوب أو حلوبة، بمعنى مأكولة ومحلوبة1 ... 2- مفعال، نحو: مفتاح؛ لكثير الفتح ولكثيره، معلام؛ لكثيرة العلم وكثيره، مفراح؛ لكثيرة الفرح وكثيره ... فهذه الصيغة -بغير تاء- صالحة للمذكر والمؤنث. ومن الشاذ2: ميقان وميقانة. لمن يكثر اليقين والتصديق بما يسمعه -فهو بمعنى: فاعل. 3- مفعيل3، نحو: منطيق للرجل البلغ، والمرأة البليغة. ومعطير؛ لكثير العطر وكثيرته. ومن الشاذ مسكينة، بتاء التأنيث. 4- مفعل3، كمغشم، للمذكر والمؤنث، بمعنى: جريء، وشجاع: لا ينثني عن إدراك ما يريده. يقال رجل أو امرأة مغشم. ومما سبق يتبين أن التاء الفارقة لا تدخل -في رأي الكثرة- على الصيغ الأربع السالفة إلا شذوذا3 يراعى فيه المسموع وحده. أما أشهر المشتقات التي تدخلها قليلا فنوعان؛ ودخولها فيهما -مع قلته- مقيس. ولكنه الأحسن عدم إدخالها: أحدهما: المشتقات الدالة على معنى خاص بالأنثى، يناسب طبيعتها3
ويلائم فطرة النساء وحدها، وليس أمرا مؤقتا طارئا عليها، وإنما هو من خصائصها وغرائزها الثابتة الملازمة لتكوينها دائما، وتنفرد به دون المذكر؛ كالحمل، والولادة، والإرضاع، والحيض ... وغيره مما هو من خصائص الأنثى؛ نحو: امرأة حامل أو حاملة "ومعناهما: حبلى" ومرضع ومرضعة.. فدخول التاء وعدمه سيان، والأمران قياسيان، كما أسلفنا، ولكن الحذف أحسن1. والآخر: ما كان على وزن "فعيل" بمعنى: مفعول؛ بشرط أن يعرف من الكلام أو غيره نوع المنصف بمعناه؛ "أي: بشرط ألا يستعمل استعمالا الأسماء غير
المشتقة"1. ومن أمثلته: قتيل وجريح في مثل: انجلت المصادمة عن فتاة قتيل وفتاة جريح؛ بحذف التاء جوازا2 لعدم الحاجة إليها؛ إذ اللبس مأمون في هذه الصورة، فإن شاع استعماله استعمال الأسماء المجردة -بأن لم يعرف نوع الموصوف-3 وجب ذكرها لمنع اللبس، نحو: حزنت لقتيلة المصادمة. ومثل: رأيت في المجزر ذبيحة، أو نطيحة، أو أكيلة الذئب، بمعنى؛ مذبوحة، ومنطوحة، ومأكولة. فإن كان "فعيل" بمعنى: "فاعل" فالأكثر مجيئها؛ كقول شوقي: قطتي جد أليفه ... وهي للبيت حليفه هي ما لم تتحرك ... دمية البيت الظريفه ومن حذفها قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} وقول العرب حلة خصيف "أي: ذات لونين، بياض وسوادا"، وملحفة جديد. وريح خريق "شديدة البرد، كثيرة الهبوب"، وقول شاعرهم: فديتك!! أعدائي كثير وشقتي4 ... بعيد وأشياعي لديك قليل ومما تقدم يتبين أن للتاء الفارقة مع المشتق ثلاثة أحوال؛ فتارة تكون ممنوعة
الدخول عليه، وتارية تكون قليلة الدخول، وهي مع قلتها مقيسة1، وفي غير النوعين السالفين منيرة وقياسية. أما ما غير المشتق -وهو الأجناس الجامدة- فمقصورة على السماع الوارد في بعض الألفاظ، ولا يصح القياس عليها2..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- صرح بعض أئمة النحاة الأقدمين "كصاحب المفصل وشارحه ابن يعيش، في ص102 ج5" بأن الأربعة الأولى السالفة1 يشترط لحذف التاء منها ما يشترط في "فعيل"2، ونصوا على أنك تقول: صبورة، ومعطارة، إذا لم يعرف الموصوف؛ فيقول ابن يعيش: "إن هذا الأسماء إذا جرت على موصوفها3 لم يأتوا فيها بالهاء، وإذا لم يذكروا الموصوف أثبتوا الهاء خوف اللبس؛ نحو: رأيت صبورة، ومعطارة، وقتيلة بني فلان ... ". وهذا تصريح واضح لا يدع مجالا للتردد في الأخذ به. وتجب ملاحظة الحكم الخاص بصيغة: "فعول" بمعنى: "فاعل"، وقد سبق في رقم 1 من ص591 وما بعدها، وفي هوامشها. ب- وفي الكلام على: "فعيل" يقول سيبويه في كتابه "ج2 ص213" ما نصه: "وأما "فعيل" إذا كان في معنى مفعول فهو في المؤنث والمذكر سواء، وهو بمنزلة: "فعول" ولا تجمعه بالواو والنون كما لا تجمع صيغة: "فعول4 ... و ... "وتقول: شاة ذبيح، كما تقول: ناقة كسير، وتقول: هذه ذبيحة فلان وذبيحتك. ذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حية؟ فإنما هي بمنزلة ضحية. وتقول: شاة رمي، إذا أردت أن تخبر أنها قد رميت. وقالوا: بئس الرمية الأرنب، إنما تريد: بئس الشيء مما يرمي، فهذه بمنزلة: الذبيحة. وقالوا: نعجة نطيح، ويقال -أيضا: نطيحة. شبهوها بسمين وسمينة ... و.... وقالوا: رجل حميد، وامرأة حميدة. يشبه بسعيد وسعيدة، ورشيد ورشيدة حيث كان نحوهما في المعنى، واتفق في البناء5 ... ". ا. هـ. قال شارحه أبو سعيد السيرافي تعليقا على المثال: "هذه ذبيحة فلان وذبيحتك"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما نصه: "لم أر أحدا علل في كتاب إلحاق التاء. والعلة فيه عندي أن ما قد حصل فيه الفعل يذهب به مذهب الأسماء، وما لم يحصل فيه ذهب به مذهب الفعل، لأنه كالفعل المستقبل؛ ألا ترى أنك تقول: امرأة حائض. فإذا قلت حائضة غدا لم يحسن فيه غير الهاء "التاء المربوطة". وتقول: فلان ميت إذا حصل فيه الموت. ولا تقل: مائت. وإذا أردت المستقبل قلت: مائت غدا، فتجعل فاعلا جاريا على فعله". وجاء في "تاج العروس شرح القاموس" -مادة: قتل- ما نصبه: "قال الرضي: ومما يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا تلحقه "التاء" فعيل، بمعنى: مفعول: إلا أن يحذف موصوفه: نحو: هذه قتيلة فلان وجريحته. ولشبهه لفظا بفعيل بمعنى "فاعل" قد يحمل عليه فتلحقه التاء مع ذكر الموصوف أيضا؛ نحو: امرأة قتيلة؛ كما يحمل "فعيل"، بمعنى: "فاعل" عليه فتحذف التاء، نحو: ملحفة جديدة". ا. هـ. من كل ما سبق يتبين تأويلهم لما ورد من "فعيل" بمعنى "مفعول" مختوما بالتاء وفي بعض هذه التأويلات تكلف واضح. ومن اليسير كشف ما فيها من الخطأ الذي يمنع قبولها. هذا إلى أن كتب اللغة ومعاجمها تحوي أمثلة أخرى معتددة مختومة بالتاء، ولا تحتمل تأويلا سائغا. فالخبر في الاقتصار على ما نقلناه1 عن بعض المحققين من أن الأكثر هو حذف التاء عند أمن اللبس؛ بسبب وجود الموصوف، وعدم استعمالها استعمال الأسماء غير المشتقة، وهذا رأي سديد يحسن الأخذ به، بالرغم من أن أكثر النحاة لم يذكروه مع جواز استعمال الرأي الآخر. ج- لأسماء الجموع حكم خاص ورد في بعض المراجع اللغوية2، ونصه: "القوم: يذكر ويؤنث؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت للآدميين -تذكر وتؤنث: مثل: رهط1، ونفر1، وقوم ... قال الله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ، فذكر. وقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} فأنث. قال الجوهري: فإن صغرت لم تدخل فيها الهاء "التاء"، وقلت: قويم، ورهيط، ونفير ... ، وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء2 فيما يكون لغير الآدميين؛ مثل: الإبل، والغنم ... لأن التأنيث لازم لهذا النوع3 ... ثم قال: حكى ثعلب أن العرب تقول: يا أيها القوم كفوا عنا. وكف عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع". ا. هـ.
"العلامة الثانية"1: وأما ألف التأنيث المقصورة فقد زيدت سماعا في آخر الأسماء المعربة، سواء أكانت جامدة أم مشقة؛ تبعا للمسموع عن العرب، ولا تدخل في غير الوارد عنهم؛ فما أدخلوها على آخره صار وحده مؤنثا بها. وللأسماء التي تدخلها أوزان مختلفة؛ بعضها نادر مبعثر في المراجع اللغوية؛ يصعب معرفته والاهتداء إلى أنه مؤنث إلا بمعونة تلك المراجع، وإرشادها. وبعضها شائع في الكلام الفصيح، مشهور الصيغة بالتأنيث؛ فمتى عرفت صيغته دلت -في الأعم الأغلب- على أنها لمؤنث، دون حاجة إلى مرشد أو معين. وصيغ هذا النوع تكاد تنحصر في الأوزان الآتية التي يدل كل وزن منها على أن الكلمة مؤنثة؛ وهي أوزان سماعية لا يجوز زيادة وزن على الوارد المسموع منها عن العرب -كما تقدم: 1- فعلى "بضم ففتح، ففتح" كشعبى، وأدمى ... اسمين لموضعين، وأربى، اسم للداهية. 2- فعلى "بضم فسكون ففتح مع مد". مثل: بهمي: اسم نبت، وطولى، أنثى للوصف: أطول، وحللى، وصف للحامل، ورجعى، مصدر للفعل: رجع "ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ". 3- فعلى "بفتحات"، مثل: بردى، اسم نهر بالشام2 وحيدي وصف في مثل: ناقة حيدى، أي: تحيد عن ظلها وتحاول الفرار منه3 ومرطى، وبشكى، وجمزى ... والثلاثة مصادر، ومعناها واحد؛ هو
المشية السريعة. وأفعالها: مرط، وبشك، وجمز، ثلاثية مفتونة بها. 4- فعلى -بفتح فسكون- "جمعا؛ كقتلى، وجرحى، وصرعى"، أو: مصدرا؛ كدعوى، مصدر: دعا"، أو: "وصفا1؛ كسكرى، وسيفى، وشبعى، وكسلى ... مؤنث سكران، وسيفان، -بمعنى: طويل- وشبعان، وكسلان". فإن كان "فعلى" اسما "كأرطى2 وعلقى3" فقيل ألفه للتأنيث فيمنع للصرف، وقيل للإلحاق فلا يمنع. 5- فعالى "بضم أوله، وفتح ثانيه بغير تشديد"، مثل: حبارى وسمانى اسمين لطائرين، وسكارى جمع سكران، وعلادى، وصفا، بمعننى: شديد، يقال: جمل علادى: أي: قوي شديد. 6- فعلى "بضم أوله، وفتح ثانية مع تشديده". مثل: سمهي، اسم للباطل والكذب، واسم الهواء المرتفع. 7- فعلى "بكسر أوله، وفتح ثانيه، وسكون ثالثه المدغم في مثله"، مثل: "سبطرى؛ اسم لمشية فيها تبختر"، "ودفقى، اسم لمشية فيها تدفق وإسراع". 8- فعلى "بكسر. فسكون، ففتح" جمعا، كحجلى الذي مفرده: حجل "بفتحتين" اسم طائر، أو مصدرا كذكرى؛ "مصدر الفعل في ذكر، يذكر، ذكرا، وذكرى". 9- فعلى "بكسر أوله، فكسر ثانيه مع تشديده"، مثل: "حثيثي اسم مصدر للفعل: حث على الشيء إذا حض عليه"، "وخلفي، اسم بمعنى: الخلافة". 10- فعلى "بضمتين، فتشديد ثالثه مع فتحه"، مثل: "كفرى،
اسم لوعاء يوضع فيه طلع النخل، واسم للطلع نفسه". و"بذرى وحذرى، اسمين بمعنى: التبذير والحذر". 11- فعيلى "بضم أوله، وفتح ثانيه المشدد"، مثل: خليطي، اسم للاختلاط، يقال: اختلف القوم ووقعوا في خليطي. أي: اختلط عليهم أمرهم، ومثل: ومثل: قبيطي، اسم لنوع من الحلوى، ولغيزى، اسم اللغز. 12- فعالى "بضم أوله وتشديد ثانيه"، مثل شقارى، وخبازى اسم نبتين، وخضارى اسم طائر ... 1. "ملحوظة": من الأوزان النادرة: فعيلى: مثل خيسرى، للخسارة فعلوى: مثل: هرنوى، اسم نبت، فعولى: اسم نوع من المثنى، فيعولى؛ مثل: فيضوضى، اسم للمفاوضة، أي: الاشتراك فيا لشيء، فوعولى: مثل: فوضوضى: اسم بمعنى المفاوضة، فعلايا، مثل: برحايا، كلمة تقال عند التعجب من شيء. .... و.... و......
"العلامة الثالثة"1: وأما ألف التأنيث الممدودة2، فكأختها المقصورة في أنها سماعية محضة، لا تدخل في غير الوارد عن العرب، وقد زادها العرب في آخر بعض الأسماء المعربة الجامدة، أو المشتقة للدلالة على التأنيث. وأوزان الأسماء السماعية التي تحتويها مختلفة؛ بعضها نادر مفرق في المظان اللغوية، وهي التي ترشد إليه؛ وبعضها شائع مشهور يعرف بمجرد سماع صيغته. ومنه الأوزان الآتية: 1- فعلاء -بفتح فسكون، "كصحراء، اسم للبقعة القفرة". و"رغباء، مصدر للفعل: رغب" و"حمراء مؤنث: أحمر، ... " و"طرفاء، اسم جنس جمعي3، مفردة: مفرده: طرفاءة، في الأكثر، وهي نوع من شجر الأثل". 2، 3، 4 أفعلا، بفتح الهمزة، مع كسر العين، أو مع فتحها، أو ضمها، كأربعاء، اسم لليوم المعروف. ومن معانيه إذا كان مفتوح الهمزة مضموم الباء: عمود الخيمة". 5- فعلاء "بفتح، فسكون، ففتح"، مثل: عقرباء اسم لمكان، واسم لأنثى العقرب. 6- فعالاء "بكسر، ففتح"، مثل: قصاصاء، اسم للقصاص. 7- فعللاء "بضم فسكون، فضم"، مثل: قرفصاء، اسم لنوع من القعود. 8- فاعولاء، مثل: عاشوراء، اسم لليوم العاشر من المحرم. 9- فاعلاء، بكسر العين، بعدها لام مفتوحة غير مشددة"، نحو: قاصعاء، وغائباء، ونافقاء، وكلها اسم لجحور اليربوع4 ...
10- فعلياء "بكسر، فسكون، فكسر، فياء مفتوحة مخففة ... "، نحو: كبرياء، اسم للتكبر. 11- مفعولاء "بفتح، فسكون، فضم"، نحو: مشيوخاء، اسم لجماعة الشيوخة، واسم للأمر الختلط. 12- فعالاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو: براساء؛ اسم للناس، وبراكاء: اسم لمعظم الشيء وشدته، ومنه قول الشاعر: ولا ينجي من الغمرات إلا ... براكاء القتال، أو الفرار يقال؛ وقعوا في براكاء الأمر، أو القتال أي: في شدته وأكثره. 13- فعيلاء "بفتح، فكسر"، نحو: فريثاء. وكريثاء، اسمين لنوعين من التمر. 14- فعولاء "بفتح فضم"، نحو: جلولاء1. 15- فعولاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو: "جنباء، اسم لموضع"، "وقرماء، اسم لموضع أيضا". 16- فعلاء "بكسر أوله، وفتح ثانيه، نحو: سيراء، اسم لثوب مخطط مخلوط بالحرير، واسم لبنت، وللذهب. 17- فعلاء "بضم، ففتح، فلام مفتوحة"؛ نحو: خيلاء، اسم للكبر والاختيال2 ...
المسألة 170: المقصور والممدود
المسألة 170: المقصور، والممدود 1 أ- المقصور هو: الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة2؛ مثل: الهدى، الهوى، المولى، في قول أحد الزهاد: "كلما جنحت نفسي إلى القوى تذكرت غضب المولى؛ فيرجعني التذكر إلى الهدى". ومثل كلمة: "الغنى" في قولهم: خير الغنى غنى النفس. فليس من المقصور الأفعال المختومة بالألف، مثل: دعا، ارتضى، يخشى ... ، ولا الحروف المختومة بالألف؛ مثل: لا، إلى، على ... ، ولا الأسماء المبنية المختومة بألف؛ مثل: إذا، أو: ما الموصولة، ونحوهما ... ، ولا الأسماء المعربة المختومة بحرف علة غير الألف؛ مثل: "الداعي، الهادي"، "أدكو3، طوكيو"4 ... ولا المثنى في حالة رفعه، ولا الأسماء الستة في حالة نصبها؛ لأن الألف في هاتين الحالتين غير ثابتة؛ إذ ألف المثنى لا توجد في حالة نصبه أو جره، وألف الأسماء الستة لا توجد في حالة رفعها أو جرها. وحكم المقصور الإعراب بالحركات المقدرة على آخره في جميع حالاته5؛ وإذا
جاء بعد ألفه تاء التأنيث -نحو: فتاة، مباراة- زال عنه اسمه وحكمه؛ وصار الإعراب على هذه التاء1. وقد سبق إيضاح هذا كله، وبيان كثير من تفصيلاته2. كيفية صوغ المقصور: المقصور نوعان: قياسي يخضع للقواعد النحوية، ويصوعه -في العصور المختلفة- الخبير بهذه القواعد. وسماعي تختص به مراجع اللغة. ويعرفه المطلع على مفرداتها الواردة عن العرب. والقياسي يصاغ على صور متعددة؛ منها: 1- أن يصاغ المقصور مصدرا على وزن: "فعل" "بفتح أوله وثانيه"، بشرط أن يكون فعله الماضي ثلاثيا، لازما، معتل الآخر بالياء، على وزن: "فعل" "بفتح فكسر" وبشرط أن يكون لهذا المصدر المعتل الآخر وفعله المعتل الآخر بالياء نظائر على وزنهما من الفعل الصحيح الآخر، مصدره صحيح الآخر أيضا، بحيث يتفق الفعلان والمصدران في وزنهما؛ نحو: ثري3 الرجل ثري، هوي4 هوى، شقي شقا، جوي5 جوى6 ...
ونظائرها من الصحيح الآخر: فرح فرحا، أشر أشرا، بط بطا، ورم ورما ... لأن "فعل" اللازم قياس مصدره -في الغالب- "فعل"، كما عرفنا1. فالمصادر: "ثرى، هوى، شقا، جوى" هي وأشباهها، نوع من المقصور القياسي. 2- ومنها: أن يصاع المقصور المفرد جمعا للتكسير على وزن: فعل "بكسر ففتح" بشرط أن يكون المفرد على وزن: "فعله" المختومة بتاء التأنيث التي قبلها حرف علة؛ وبشرط أن يكون لهذا المفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على وزنهما؛ نحو: حلية وحلى، بنية2 وبنى، رشوة ورشا، فرية3 وفرى، مرية4 ومرى، فمجموع التكسير السابقة5 هي وأشباهها، نوع من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح: قربة وقرب، فكرة وفكر، نعمة ونعم، حكمة وحكم ... ؛ لأن "فعلة" السالفة يكثر جمعها على: "فعل" ... 3- ومنها: أن يصاغ المقصور المفرد جمعا للتكسير على وزن: "فعل" "بضم ففتح" بشرط أن يكون المفرد على وزن: "فعلة" المختومة بتاء التأنيث التي قبلها حرف علة. وبشرط أن يكون للمفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على وزنهما، نحو: دمية ودمى، رقية ورقى، قدوة وقدى، قوة وقوى، كوة وكوى ... فجموع التكسير السالفة5 هي -وأمثالها- نوع من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح: غرفة وغرف، ركبة وركب، طرفة وطرف، قربة وقرب؛ لأن "فعلة" يكثر جمعها للتكسير على: فعل.
4- ومنها: أن يضاغ المقصور صياغة اسم مفعول، وفعله الماضي معتل الآخر، يزيد على ثلاثة أحرف، بشرط أن يكون الاسم المفعول وفعله نظائر من صحيح الآخر، على وزنهما؛ "نحو: معطى، وفعله: أعطى، معفى، وفعله: أعفى" ... ونحو: "مرتقى، وفعله: ارتقى، مستوى، وفعله: استوى".. ونحو: "مستقصى، وفعله: استقصى، مستدعى، وفعله: استدعى" ... فأسماء المعفول السابقة1 من غير الثلاثي هي -وأمثالها- ضرب من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح الآخر: "أكرمت فلانا فهو مكرم، وأخبرته فهو مخبر"، "احترمت العالم العامل؛ فهو محترم، واجتلبت الرزق بالعمل؛ فهو مجتلب"، "استغفرت الله؛ فهو مستغفر، واستخلصت الأمر؛ فهو مستلخص" ... لأن اسم المفعول القياسي للفعلين السلفين يجيء على هذا الوزن2. أما المقصور السماعي فينطبق عليه تعريف المقصور؛ ولكنه لا يخضع للضوابط السالفة التي من أهمها وجود نظير له من الصحيح. والأمر فيه راجع إلى الوارد المسموع دون غيره. ومن أمثلته؛ فتى، ثرى، سنا3، حجا4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك أشياء أخرى -غير ما سلف- في القصور القياسي، منها: ما كان جمعا لفعلى. أنثى الأفعل؛ كالدنا والدنا، والقصوى والقصا، ونظيرهما من الصحيح: الكبرى والكبر، والأخرى والأخرى ... وكذلك ما كان من أسماء الأجناس دالا على الجمعية بالتجرد من التاء وهو على وزن، "فعل"، وعلى الوحدة بوجود التاء؛ كحصاة وحصى، وقطاة وقطا، ونظيرهما من الصحيح؛ شجرة وشجر، ومدرة ومدر. وكذلك: "المفعل" مدلولا به على مصدر ميمي أو على اسم زمان أو اسم مكان؛ نحو ملهى، ومسعى؛ فإن نظيرهما من الصحيح مذهب، ومسرح. وكذلك: "المفعل" مدلولا به على آلة؛ نحو: مرمى ومهدى "لوعاء الهدية" ونظيرهما من الصحيح: مخصف ومغزل. إلى غير هذا مما أشارت إليه المطولات ...
ب- الممدود: هو الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف زائدة ... نحو: قراء، بداء، سماء، بناء، عوراء، خضراء فإذا كانت الهمزة بعد ألف أصلية فليس بممدود -اصطلاحا- نحو: ماء، وكذلك إن وقعت الهمزة بعد ألف زائدة وفي آخر الاسم تاء التأنيث -نحو: هناءة- فإنه لا يسمى في هذه الصورة ممدودا، ولا تجري عليه أحكام الممدود؛ لأن الممدود لا بد أن يكون مختوما بالهمزة، وتجري عليها حركات ضبطه1. وهو قسمان؛ قياسي، وهذا من اختصاص النحوي، وسماعي، وهو من اختصاص اللغوي، فالقياسي يصاغ على أشكال متنوعة، منها: 1- أن يصاغ مصدرا لفعل ماض معتل الآخر بالألف على وزن: "أفعل" بشرط أن يكون لهما نظير في الصحيح الآخر على وزنهما في الفعل ومصدره ... -كما شرحنا-2 نحو: أعطى إعطاء، أربى إرباء، أفنى إفناء، أغنى إغناء ... " فالمصادر السالفة إعطاء، إلرجاء، إفناء، إغناء ... " وأشباهها نوع من الممدود القياسي. ونظائرها من الصحيح: إقدم وإقدام، أعلن وإعلان، أخبر وإخبار، أبرم وإبرام؛ لأن مصدر الماضي الرباعي السالف يكون على هذا الوزن قياسا. 2- أن يصاغ مصدرا لفعل ماض خماسي أو سداسي بشرط أن يكون معتل الآخر في الحالتين، وأن يكون مبدوءا بهمزة وصل فيهما، وله ولمصدره نظائر من الفعل الصحيح الآخر ومصدره، على وزنهما، نحو: "اعتلى واعتلاء، ارتقى وارتقاء، انتهى وانتهاء ... " ونحو: "استعلى واستعلاء، استقصى واستقصاء، استجدى واستجداء ... " هي مصادر من نوع: "الممدود". ونظائرهما من الصحيح "اكتسب واكتساب، اتخذ واتخاذ، انهمر وانهمار ... " وكذا: "استغفر واستغفار، استعلم واستعلام، استظهر واستظهار ... "، وهذا الوزن هو القياسي لمصدر الفعلين الماضيين السالفين.. 3- أن يصاغ مصدرا على وزن: "فعال" بشرط أن يكون ماضيه ثلاثيا معتل الآخر على وزن: فعل "بفتح أوله وثانيه"، والدال على صوت، أو داء،
وبشرط أن يكون له نظير من الفعل الصحيح الآخر ومصدره، على وزنهما، نحو: عوى وعواء، رغا، ورغاء1، ثغا وثغا2 ونحوه: مشى بطنه مشاء. ونظيرهما من الصحيح الآخر: صرخ وصراخ، دار ودوار؛ لأن "فعالا" مصدر قياسي للثلاثي الدال على صوت أو داء -كما سبق. 4- أن يكون مفردا لجمع تكسير على وزن: "أفعلة" المختومة بالتاء المسبوقة بحرف العلة "الياء" بشرط أن يكون هذا المفرد مختوما بالهمزة المسبوقة بحرف علة، وأن يكون لهما نظائر من الصحيح الآخر، نحو: كساء وأكسية، رداء وأدرية، بناء وأبنية، دعاء وأدعية، دواء وأدوية ... فالأسماء المفردة السابقة "كساء، رداء، بناء، دعاء، دواء ... " وأمثالها نوع من "الممدود القياسي". ونظائرها من الصحيح الآخر: سلاح وأسلحة، حجاب وأحجبة، شفاء وأشفية، "بمعنى دواء وأدوية"؛ لأن "أفعلة" تكون جمع تكسير للمفرد الرباعي الذي قبل آخره مدة3.. 5- أن يصاغ مصدرا على وزن: "تفعال"، أو صيغة مبالغة على وزن "فعال أو مفعال". نحو: التعداء، والعداء، والمعطاء. ونظائرها من الصحيح تذكار، زراع، مشراب. أما الممدود السماعي فينطبق عليه اسم الممدود، ولا تنطبق عليه الضوابط السالفة التي من أهمها وجود نظير له من الصحيح؛ كالفتاء، بمعنى حداثة السن، والشراء؛ بمعنى: الغنى، والسناء، بمعنى: الشرف4 ...
قصر الممدودة، ومد المقصور: يكاد يقع الاتفاق على صحة قصر الممدود في الضرورة1 وحدها. ومنه قول المادح يصف من مدحهم بأنهم المثال الأعلى الذي يعرفه الناس للفضائل، وأنهم أهل الوفاء: فهم مثل الناس الذي يعرفونه ... وأهل الوفا من حادث وقديم وقول الآخر في الخمر: فقلت: لو باكرت مشمولة2 ... صفرا، كلون الفرس الأشقر أي: صفراء3.. أما مد المقصور فالخلاف فيه متشعب4 ... ، والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيحه في الضرورة الشعرية ونحوها؛ لأن الشعر وملحقاته محل التيسير. بشرط ألا يؤدي المد إلى خفاء المعنى أو لبسه؛ فيصح: غناء في غنى -نهاء في نهى- بلاء في بلى ... ولا يصح هذا في نوع النثر الذي لا يلحق بالشعر في الضرورة، دون النوع الآخر الذي يلحق به.
المسألة 171: كيفية تثنية المقصور، والممدود، وجمعهما تصحيحا 1 أ- تثنية المقصور: المقصور مختوم بالألف دائما؛ فلا يمكن أن تزاد في آخره علامتا التثنية مع بقاء الألف على حالها؛ لذا يجب قلبها حرفا آخر يقبل العلامتين؛
فعند التثنية تقلب ياء في ثلاث حالات، وتقلب واوا في حالتين:
1- فإن كانت الألف ثالثة وأصلها ياء1 وجب قلبها عند التثنية ياء، فيقال في تثنية: ندى، وهدى، وغنى ... نديان، وهديان، وغنيان. 2- كذلك إن كانت ثالثة مجهولة الأصل -لأنها جامدة- وأميلت2، نحو متى، وإذا "علمين"؛ فيقال في تثنيتهما: متيان وإذيان. 3- وكذلك يجب قلبها ياء إن كانت رابعة فأكثر3 -بغير نظر إلى أصلها- فيقال في تثنية: نعمى، ومرتضى، ومتعلى ... نعميان، ومرتضيان، ومستعليان. وإذا قلبت الزائدة على الثلاثة ياء عند التثنية، وأدى قلبها إلى اجتماع ثلاث ياءات في آخر كلمة واحدة -وجب حذف التي بعدها مباشرة؛ نحو: ثريا4 وثريان؛ لكيلا يجتمع في الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف3 -للعلة- من نوع واحد.
4- وتقلب واوا إن كانت ثالثة وأصلها الواو؛ نحو: علا، وشذا؛ "وهو: المسك، أو: رائحته"، وعصا ... فيقال في التثنية: علوان، وشذوان وعصوان. 5- وأيضا إن كانت ثالثة مجهولة الأصل -لأنها جامدة- ولم تطرأ عليها الإمالة، نحو؛ إلى، ألا "علمين"، فيقال في تثنيتهما: إلوان، وألوان ... وغير ما سبق شاذ، لا يقاس عليه1. وطريق معرفته المراجع اللغوية2 ...
وإذا ختم المقصور بتاء التأنيث -نحو: فتاة- زال عنه اسمه وحكمه؛ طبقا للبيان المفصل الذي سبق1 ... ب- تثنية الممدود: الممدود الاصطلاحي مختوم -دائما- بهمزة قبلها ألف زائدة2. فإذا أريد تثنيته فقد تبقى الهمزة حتما، وقد تقلب واوا حتما، وقد يجوز فيها الأمران؛ فلها ثلاث حالات. فيتحتم بقاؤها إن كانت حرفا أصليا من أصول كلمتها؛ نحو: فراء، وبداء، وخباء ... ، فيقال في تثنيتها: قراءان، وبداءان وخباءان، بإثبات الهمزة وجوبا: لأنها من بنية الكلمة الأصلية؛ إذ الأصل: قرأ، وبدأ، وخبأ. ويجب قلبها واوا إن كانت زائدة للتأنيث؛ نحو: بيضاء، وصفراء، وخضروا؛ وحمراء؛ فيقال: في تثنيتها؛ بيضاوان، وصفراوان، وخضراوان، وحمراوان. ويجوز بقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من حرف أصلي3 "نحو: صفاء ودعاء، وبناء، وفداء؛ لأن الأصل: صفاو، دعاو، بناي، فداي" أو كان مبدلة من حرف زائد للإلحاق4 "نحو: علباء5 وقوباء6"،
فيقال في التثنية: صفاءان؛ أو صفاوان، دعاءان أو دعاوان، بناءان، أو بناوان، فهداءان أو فداوان؛ كما يقال: علباءان أو علباوان، قوباءان أو قوباوان ... وهكذا ... والأحسن إبقاء المبدلة من حرف أصلي، وقلب المبدلة من حرف زائد للإلحاق، وما جاء مخالفا لما سبق فهو شاذ، لا يقاس عليه؛ كقولهم: قراوان في تثنية: قراء: "بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة، ومن معانيه: القارئ، مع أن همزته أصلية"، وكحمرايان، تثنية: حمراء، وعاشوران، تثنية: عاشوراء، بقلب همزة التأنيث ياء في حمراء، وحذفها في عاشوراء، ومثل: كسايان، تثنية كساء، الذي همزته مبدلة من حرف أصلي هو الواو ... وهكذا1. ج- جمع المقصور جمع مذكر سالما2. إذا جمع المقصور جمع مذكر سالما وجب حذف آخره "وهو: ألف العلة" في كل الحالات، مع ترك الفتحة قلبها دليلا عليها؛ تقول في: رضا، وعلا، ومرتضى ... وأمثالها من أعلام الرجال: الرضون رفعا. والرضين نصبا وجرا، وكذا: العلون والعلين، والمرتضون والمرتضين ... ومثل هذا يقال في
المشتقات وسائر الأسماء المقصورة التي يصح جمعها جمع مذكر سالما، نحو: المبتغى، والأسمى، والمعلى ... في قولهم: صادقت الشجاع المبتغى، وهؤلاء هم الشجعان المبتغون -وأكبرت العالم الأسمى، والعلماء الأسمين- وقدرت العظيم المعلى قدره بين نظرائه من المعلين ... ومن هذا قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقوله تعالى في إبراهيم وأولاده عليهم السلام: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} 1. د- جمعه جمع مؤنث سالما: يراعى في جمعه جمع مؤنث سالما ما روعي فيه عند تثنيته2؛ فتقلب ألفه ياء في ثلاثة مواضع، وتقلب واوا في موضعين. فالثلاثة الأولى: حين تكون رابعة فأكثر؛ أو ثالثة أصلها الياء، أو ثالثة مجهولة الأصلي -لأن الاسم جامد- وأملت؛ "نحو: سعدى وسعديات، وهدى وهديات، متى ومتيات، والثلاثة أعلام إناث". والموضعان الأخيران: حين تكون الألف ثالثة أصلها الواو، أو ثالثة مجهولة الأصل؛ لأن الاسم جامد ولم تلحقها إمالة؛ "نحو: رضا ورضوات، وإلى وإلوات، إذا كانت: "رضا وإلى" علمين لمؤنثتين ... ". وإذا أدى جمع المقصور إلى اجتماع ثلاث ياءات -كما في جمع: ثريا على "ثرييات". وجب الاقتصار على اثنتين فقط، فيقال: ثريات، بحذف
الياء التي بعد ياء التصغير، لما سبق إيضاحه عند الكلام على تثنية المقصور1. هـ- جمع الممدود جمع مذكر سالما: يسري على همزته في هذه الحالة ما سرى عليها عند تثنيته؛ فتبقى على حالها إن كانت أصلية؛ نحو: قراؤوان، وبداؤوان، وخباؤون ... في جمع: قراء، وبداء، وخباء. وتقلب واوا إن كانت في أول استعمالها زائدة في المفرد للتأنيث، ثم صار هذا المفرد علما لمذكر2. ومن الأمثلة لهذا النوع من الأعلام "حمراء، وجمعه: حمراوون". "وخضراء. وجمعه: خضراوون"، "وبيضاء وجمعه: بيضاوون". ويجوز إبقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من حرف أصلي، أو للإلحاق، ومن الأمثلة: "رضاء، علم مذكر، وجمعه؛ رضاؤون أو رضاؤون" "وعلباء، علم مذكر أيضا، وجمعه علباؤون أو علباوون" ... و جمعه جمع مؤنث سالما: يجري على الهمزة ما جرى في التثنية، نحو: "قراءات"، "حمراوات"، "رضاءات وعلباءات، أو: رضاوات، وعلباوات". بعض الأحكام العامة فيما يجمع جمع مؤنث سالما: 1- أوضحنا من قبل3 الحكم الخاص بإرجاع "اللام" إلى الاسم الثلاثي المحذوف اللام إذا أريد جمعه بالألف والتاء المزيدتين، سواء أكانت لام اسم منقوص أم لام غيره. كبعض الأسماء الستة. وغيرها. 2- إذا كان المفرد المراد جمعه جمع مؤنث سالما مختوما بتاء التأنيث وجب حذفها قبل جمعه؛ سواء أكان المفرد بغيرها صحيح الآخر أو غير صحيح، ففي مثل: "كاتبة" يقال: كاتبات؛ بحذف التاء التي كانت في المفرد؛ لئلا
تجتمع علامتان للتأنيث، وفي مثل: ظبية وصفوة، ومهدية، ومجلوة.... من أعلام النساء "وكلها من معتل الآخر، الشبيه بالصحيح الآخر"1، يقال: ظبيات، صفوات، مهديات، مجلوات. وإن كان قبل التاء ألف وجب حذف التاء وقلب الألف هنا كقلبها في التشبيه2 فالثالثة ترد إلى الواو أو الياء؛ طبقات للتفصيل المذكور هناك؛ نحو: فتاة وفتيات، وقناة وقنوات ... و ... والرابعة فأكثر تقلب ياء كمعطاة ومعطيات، ومصطفاة ومصطفيات. مع ملاحظة أن المفرد المختوم بتاء التأنيث وقبلها ألف، لا يسمى مقصورا، ولا يخضع لأحكامه؛ إذ لا بد أن تكون ألف المقصور آخرا، ويجري عليها الإعراب، لا على التاء -كما قلنا3. وإن كان قبلها همزة مسبوقة بألف زائدة وجب حذف التاء أيضا، وإخضاع الهمزة لحكم همزة الممدودة عند تثنية؛ فتبقى إن كانت أصلية، نحو: قراءة وبداءة وخباءة، فيقال: قراءات، وبداءات، وخباءات ... ويجوز إبقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من أصل؛ نحو: نباءة "للبقعة المرتفعة". ونباوات، كما يقال في التثنية، ولا تقع الهمزة هنا للتأنيث قبل تائه؛ لأنها لا تجتمع مع تاء التأنيث، وكذلك لا تقع الهمزة للإلحاق قبل تاء التأنيث لأن همزة الإلحاق لا بد أن تكون في آخر الكلمة4.
3- تتحرك عين جمع المؤنث السالم بحركة فائه، فيتماثلان في حركتهما، إذا استوفى مفرده شروطا سنة1. أولها: أن يكون هذا المفرد اسما؛ نحو: هند، مجد، صلح ... أسماء لمؤنث؛ فخرج المفرد لوصف "أي: المشتق" نحو: ضخمة وحلوة ... ثانيها: أن يكون ثلاثيا، فخرج ما زاد على الثلاثة، نحو: درهم، وسلهب2، وبرقع ... أسماء لمؤنث. ثالثها: ورابعها: أن يكون غير معتل العين، ولا مضعفها؛ فخرج ما كان مثل: "هالة، ودولة، وديمة"، "وجنة، ومنة، وقبة". خامسها: أن يكون ساكن العين، فخرج ما كان متحركها، نحو: لبنة، وسمرة3 ... سادسها: أن يكون لمؤنث، فخرج ما هو لمذكر؛ نحو: سعد، وقفل، وحلف ... فإن هذه الأسماء لا تجمع جمع مؤنث سالما، فلا إتباع فيها. فإذا استوفى المفرد، المختوم بالتاء أو غير المختوم بها، الشروط الستة تحركت في جمع المؤنث السالم عينه الساكنة بحركة تماثل حركة الفاء؛ فيقال في هند: هندات، وفي مجد: مجدات، وفي صلح: صلحات، وفي حكمة: حكمات، وفي نحلة: نحلات، وفي غرفة: غرفات. ففي كل ذلك حذف سكون العين، وتبعت العين في حركتها حركة الفاء. غير أن هذا الإتباع قد يكون واجبا، وقد يكون جائزا. فيجب إذا كان المفرد المستوفي للشروط مفتوح الفاء؛ فيتعين إتباع حركة عينه في جمع المؤنث السالم لحركة فائه؛ نحو: رحمة، وفتحة ... فيقال فيهما: رحمات، وفتحات. ونحو: نهر وحمد "لمؤنثتين" فيقال: نهرات وحمدات. بفتح
الثاني وجوبا في كل ذلك؛ تبعا لفتحة الأولى1. أما في غير الحالة السابقة المفتوحة الفاء فيجوز في العين الساكنة: إما إبقاؤها ساكنة، وإما تخفيفها بحذف السكون وتحريكها بالفتحة، وإما حذف سكونها، وإتباعها في حركتها لحركة الفاء، "فتكون مضمومة مثلها، أو مكسورة". ففي نحو الأسماء الآتية إذا كانت أعلاما لمؤنث، وهي: صنع، ودمية ... يقال صنعات، أو صنعات، أو: صنعات، بضم الثاني، أو تسكينه، أو فتحه. وهذه الثلاثة تقال في نظائرها من الأسماء الأخرى. كذلك في نحو: فتنة، وسحر، من أعلام النساء، يقال في جمعها: فتنات، أو فتنات، أو فتنات ... بإسكان التاء الأولى أو كسرها، أو فتحها. وهكذا يقال في الأعلام الأخرى المماثلة لها؛ حيث يصح فيها ضبط العين بأحد الضبوط الثلاثة الجائزة. ويستثنى من هذا الحكم حالتان: لا يجوز فيهما الإتباع. الأولى: الاسم المسكور الفاء إذا كانت لامه واوا، نحو: ذروة وقنوة2 وجنوة3؛ فلا يجوز فيها: ذروات، ولا قنوات، ولا جنوات، بكسر ثانيه إتباعا لأوله؛ لأن الكسرة ثقيلة قبل الواو يتحاشاها العرب في أغلب كلامهم، ولهذا لا يصح الإتباع، ويصح السكون أو الفتح ... الثانية: الاسم المضموم الفاء إذا كانت لامه ياء؛ دمية، قنية، غنية؛ فلا يجوز فيها دميات، ولا قنيات، ولا غنيات ... بضم ثانيه تبعا لأوله؛ لأن الضمة ثقيلة قبل الياء يتحاشاها العرب في أغلب كلامهم. ولهذا يصح الإتباع، ويصح السكون أو الفتح. وما خالف الأحكام السابقة فنادر، أو شاذ -وكلاهما لا يقاس عليه- أو
ضرورة شعرية، أو لغة قوم من العرب عددهم قليل1 ... ومن الأمثلة جمع كهلة على كهلات -بفتح الهاء، مع أنها وصف. وظبيات بسكون الباء، والواجب فتحها. وزفرات بالسكون لضرورة الشعر في قول الشاعر: وحملت زفرات الضحا فأطقتها ... ومالى بزفرات العشي يدان وقبيلة "هذيل" لا تشترط الصحة في عين الاسم، فتجيز أن تكون معتلة؛ فتقول: بيضة وبيضات، وجوزة وجوزات؛ فتح الثاني إتباعا للأول1....
المسألة 172: جمع التكسير
المسألة 172: جمع التكسير مدخل ... المسألة 172: جمع التكسير معناه: في الأبيات الآتية التي يصف بها الشاعر1 أسباب العظمة، وخلود السيرة -أمثلة مختلفة مما يسميه النحاة: "جمع التكسير"، قال: وليس الخلد مرتبة تلقى2 ... وتؤخذ من شفاه الجاهلينا ولكن منتهى همم كبار ... إذا ذهبت مصادرها3 بقينا وسر العبقرية حين يسري ... فينتظم الصنائع والفنونا وآثار الرجال إذا تناهت ... إلى التاريخ خير الحاكمينا وأخذك من فم الدنيا ثناء ... وتركك في مسامعها طنينا4 فالكلمات: "شفاه، همم، كبار، مصادر، صنائع، فنون، آثاره، رجال، مسامع" ... ، هي مما يسمونه: "جمع التكسير". يريدون: أن كل واحدة منها تتضمن أمرين معا، هما: أ- معنى ينصب على أفراد لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد. ب- وجود مفرد لكل واحد، يشاركها في معناها، وفي حروفها الأصلية مع اختلاف يطرأ على صيغة هذا المفرد عند جمعه عليها. فكلمة: "شفاء" -مثلا- تدل على شفاه ثلاث على أقل -وقد تزيد- ولها مفرد هو: "شفة"، يشاركها في معناها، وفي حروفها الأصلية، مع اختلاف طرأ عليه عند الجمع؛ إذ صارت "الشين" مكسورة بعد أن كانت مفتوحة، وزيدت "ألف" قبل الآخر لم يكن لها وجود قبل الجمع؛ فالاختلاف هنا بزيادة بعض الحروف، وبتغيير بعض الحركات. وكلمة: "همم" -مثلا- تدل على ثلاثة فأكثر من هذا النوع، ومفردها
"همة" يشاركها يفي معناها، وفي حروفها الأصلية. وقد تغيرت صيغته عند جمعه للتكسير بعض تغير؛ فحذفت التاء من آخره، وانفك الإدغام الذي كان في ثانيه. فالتغير الذي طرأ على المفرد عند جمعه كان في الحركات وفي الفك. وكلمة: "كبار" تدل على عدد من هذا النوع لا يقل عن ثلاثة، ومفردها: "كبير" يشاركها في المعنى. وفي الحروف الأصلية؛ وقد طرأ على صيغته بعض تغير عند الجمع؛ فحذف من آخرهء الياء، وكسر أوله المفتوح، وفتح ثانيه المكسور، وزيدت "ألف" قبل آخره. فتناول التغيير ضبط بعض الحروف وحذف بعض منها، والزيادة عليها ... وهكذا بقية الجموع السالفة ونظائرها ... مما سبق يتضح تعريفهم جمع التكسير بأنه: "ما يدل على ثلاثة أو أكثر، وله مفرد1 يشاركه في معناه، وفي أصوله، مع تغير حتمي يطرأ على صيغته عند الجمع". وهذا التغير الطارئ على المفرد عند جمعه جمع تكسير قد يكون مقصورا على ضبط بضع الحروف فقط؛ نحو: أسد، والجمع: أسد، وقد يكون مقصورا على زيادة بعض الحروف فقط؛ نحو: أسد، والجمع آساد؛ وقد يشتمل على الزيادة وتغيير الضبط معا؛ نحو: رجل ورجال، وقد يشتمل على تغيير الضبط مع نقص بعض الأحرف؛ نحو: كتاب وكتب. وقد يشتمل على تغيير الضبط مع نقض الأحرف وزيادتها؛ نحو: كبير وكبيرة، وجمعهما للتكسير هو: كبار ... ، وهكذا؛ فلا بد من تغيير محتوم يصيب المفرد عند جمعه تكسيرا2.
قسماه، والفرق بينه وبين جمعي التصحيح1: استقصى اللغويون جموع التكسير في الكلام العربي -جهد طاقتهم- فتبينوا ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن العرب يستعملون2 -في الأغلب- صيغا معينة إذا أرادوا من التكسير عددا محددا لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. ويستعملون صيغا أخرى إذا أرادوا عددا لا يقل عن ثلاثة، ولكنه يزيد على عشرة؛ "بأن يكون أحد عشر، أو اثني عشر، أو أكثر ... فالنوعان متشابهان. في المبدأ، مختلفان في النهاية3. وأشهر الصيغ الأولى أربعة، تسمى: "صيغ جموع القلة"4. وتسمى الصيغ الأخرى: "صيغ جمع الكثرة"4 ...
وهما غير: "جمع الجمع" وهذا لا يدل على أقل من عشرة -كما سيجيء1 ... فالأربعة الخاصة بجموع القلة، وهي: 1- أفعلة؛ نحو: أغذية وأدوية، وأبنية -جمع: غذاء، ودواء، وبناء ... 2- أفعل: نحو: السن، وأرجل، وأعين؛ ... جمع: لسان، ورجل، وعين ... 3- فعلة؛ نحو: صبية، وفتية، وولدة؛ جمع: صبي، وفتى، وولد. 4- أفعال؛ نحو: أبطال، وأسياف، وأنهار؛ جمع: بطل، وسيف، ونهر ... ومعنى اختصاص هذه الصيغ بالقلة أن المدلول الحقيقي "لا المجازي" لكل واحدة منها هو عدد مبهم -أي: لا تحديد ولا تعيين لمدلوله-2 ولكنه لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة، بشرط ألا توجد قرينة تدل على أن المراد الكثرة، لا القلة، فعن عدم القرينة تتعين القلة حتما؛ اعتمادا على أن الصيغة موضوعة في أصلها للقلة، ومختصة بها؛ فلا يجوز إبعادها إلى الكثرة بغير قرينة؛ وإلا كان هذا إبعادا لها عن أصلها، وإخراجها منه إلى غيره مما لا يصلح له في حقيقة ولا مجاز3 ... وكما تتعين القلة عند عدم القرينة تتعيين أيضا في حالة ثانية؛ هي أن تكون تلك الصيغة الدالة على المعدود هي من الصيغ الموضوعة للكثرة، والعدد هو ثلاثة، أو عشرة، أو عدد آخر بينهما، وإنما تتعين للقلة هنا منعا للتعارض بين مدلول العدد ومدلول المعدود، لأن كل واحد من هذه الأعداد المفردة صريح في دلالته على القلة، فلا يصح أن يخالفه معدوده في مضمون هذه الدلالة، ولا أن يعارضه، فلو كانت صيغة المعدود موضوعة في أصلها للكثرة لكانت مع العدد المفرد للقلة. ومن كل ما تقدم يتضح أن معنى القلة يتعين ويتحتم وحده في صورتين: "الأولى" ... أن تكون صيغة المعدود هي من صيغ القلة المتجردة لدلالتها
ألأصلية، ولا توجد قرينة تبعدها عن هذه الدلالة، وتخرجها منها إلى الدلالة على الكثرة. و"الأخرى" أن تكون الصيغة الدالة على المعدود هي إحدى الصيغ الدالة على الكثرة، لكن العدد الخاص بها دال على القلة، كالعدد ثلاثة، أو عشرة، أو أحد الأعداد التي بينهما. وعدد الصيغ الثانية المختصة بجموع الكثرة قد يزيد على ثلاثين، ولكن المشهور القياسي منها يقارب ثلاثا وعشرين صيغة. وسنعرف الكثير منها؛ مثل: فعل، وفواعل، ومفاعل، وفعالي، وفعل ... و ... نحو: حمر، وجواهر، ومعابد، وصحارى، وكتب ... ولاختيار نوع الصيغة الدالة على التكسير أثر آخر في تركيب الأسلوب أحيانا فوق أثره المعنوي السالف؛ ذلك أن صيغة جمع القلة يناسبها نون النسوة، وأن صيغة جمع الكثرة يناسبها تاء التأنيث؛ فقولنا: رأيت أذرعا امتددن ... أفضل من امتدت، ولوالد أياد غمرت أبناءه ... أحسن من غمرن1 ... وما تقدم هو الأفضل والأحسن، ولكنه ليس واجبا. الأمر الثاني2: أن العرب قد يضعون جمعا معينا على وزن صيغة خاصة بأحد النوعين، ولكنهم يستعملون هذا الجمع في القلة حينا، وفي الكثرة حينا آخر استعمالا حقيقيا، لا مجازيا -والقرائن وحدها في السياق هي التي تعينه لأحد النوعين- بالرغم من أن الصيغة خاصة بأحدهما فقط، وأن وزنها يشيع استعماله عندهم في نوع منهما دون النوع الآخر، أي: أنهم يكتفون بوزنه الغالب الشائع في أحد النوعين ويستعملونه فيه، وفي الآخر أيضا من غير أن يجمعوا المفرد جمع تكسير على وزن من الأوزان التي تشيع في هذا النوع الآخر. ومن الأمثلة استعمالهم في القلة، والكثرة معا: أرجل، وأعناق، وأفئدة "وهي جمع: رجل، وعنق، وفؤاد" مع أن صيغة: أفعل، وأفعال، وأفعلة هي من الصيغ الغالبة في القلة، فاكتفوا بها في النوعين عند تكسير هذه
الكلمات، ولم يجمعوا كلمة: رجل، ولا عنق، ولا فؤاد، على صيغة من الصيغ الخاصة بجمع الكثرة. ومن الأمثلة أيضا: رجال وقلوب "جمع: رجل، وقلب" في القلة والكثرة، مع أن صيغة: "فعال" و"فعول" من الصيغ الغالبة في الكثرة. فاكتفوا بها في الدلالة على النوعين عند تكسير الكملتين، ولم يجمعوا رجلا، وقلبا، على صيغة للقلة. الأمر الثالث: أن العرب قد يستعملون صيغة شائعة في أحد نوعي التكسير مكان صيغة وضعوها للنوع الآخر، وشاعت فيه. فكلتا الصيغتين موجودة فعلا، وتشيع في أحدهما1، وحده، ولكنهم يستعملونها في معنى الآخر؛ بقرينة في الكلام خارجة عن الصيغة وعن وزنها تدل على هذا النقل والتبادل. وبغير القرينة لا يصح الحكم على الصيغة بأنها مستعملة في غير نوعها2.
والفرق بين هذه الحالة والتي سبقتها: أن المفرد هنا له نوعان شائعان من التكسير أحدهما: يكون بصغة مستقلة تختص بجمع التكسير الدال على القلة، والآخر يكون بصغة مستقلة تختص بجمع التكسير الدال على الكثرة، فتستعمل إحداهما في معنى الأخرى بقرينة. أما الحالة السابقة فالمفرد له جمع تكسير على وزن خاص بأحدهما فقط، فصيغة جمعه مقصورة على نوع منهما وحده؛ فلم يضع العرب لهذا المفرد نوعين للتكسير، تكون صيغة أحدهما مستقلة الدلالة على القلة، وصيغة الآخر مستقلة الدلالة على الكثرة، وإنما وضعوا للمفرد جمعا من نوع واحد، بصيغة تختص بهذا النوع، ولكنها مشتركة الدلالة فتدل على الكثرة حينا وعلى القلة حينا آخر على حسب القرائن، وبرغم أنها من الصيغ الخاصة بأحدهما دون الآخر -كما قلنا- يستعملونها في النوعين. ومما تجب ملاحظته: 1- أن هذه الدلالة العددية التي يدل عليها جمع التكسير هي إحدى نواعي الفرق بينه وبين جمعي التصحيح؛ ذلك بأن جمع التكسير قد يكون مدلوله عددا محدودا لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. وقد يكون مدلولها عددا لا يقل عن ثلاثة، ولكنه يزيد على العشرة -طبقا للبيان الذي عرضناه-1 ولكل دلالة صيغ معينة. أما جمعا التصحيح، فمدلولهما الغالب عند "سيبويه" عدد محدود لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة. فهما يدلان عنده على القلة التي يدل عليها أحد نوعي جمع التكسير، ولا يدلان على الكثرة إلا بقرينة أخرى خارجة
عن صيغتها؛ فليس لهما صيغ تدل على القلة أو على الكثرة كلاصيغ التي لجمع التكسير في هذين النوعين. هذا رأي سيبويه. لكن الرأي الأرجح أن جمعي التصحيح لا يختصان بالقلة وإنما يصلحان1 للقلة والكثرة. عند خلو الكلام من قرينة تعين الجمع لأحدهما دون الآخر. 2- وأن هناك فرقا هاما آخر؛ هو: أن جمع التكسير لا بد أن تتغير، فيه صيغة مفرده؛ بخلاف جمعي التصحيح؛ فإن مفردهما لا يتغير -في الأغلب- عند جمعه على أحدهما، بل يظل حافظا صورته الأصلية2. 3- وأن جمع التكسير وجمع المؤنث السالم يعربان بالحركة، أما جمع المذكر السالم فيعرب بالحرف3. قياسية جمع التكسير: صيغ جمع التكسير -بنوعيه- متعددة، وأوزانه كثيرة تجاوز الثلاثين؛
منها: "الصيغ المطردة"، ويتصدى علم: "النحو الصرف لبيانها، وعرض أحكامها، ومنها: "غير المطردة"، والسبيل إلى معرفتها مقصور على المراجع اللغوي الأخرى التي تسرد أمثلة من الوارد "السماعي" الذي ليس مطردا. المراد بالصيغة "المطردة" ما تتطلب مفردا مشتملا على أوصاف معينة، إذا تحققت فيه جاز جمعه تكسيرا على تلك الصيغة بدون تردد، ولا رجوع إلى كتب اللغة، أو غيرها لمعرفة وروده عن العرب، أو عدم وروده؛ فمثل هذا الجمع يكون صحيحا فصيحا ولو كان غير مسموع1. ولا يصح رفضه، ولا الحكم عليه بالضعف اللغوي، أو بشيء يعيبه من ناحية صياغته، أو وزنه، أو فصاحته، فصيغة "فعل" -مثلا تكون جمعا مطردا لكل مفرد مذكر على وزن: "أفعل" أو مؤنث على وزن: "فعلاء" بشرط أن يكون المفرد في الحالين مشتقا، دالا على لون، أو عيب ... نحو: هذا أحمر، وهؤلاء حمر، وهذه حمراء، وهن حمر. وذاك أخرس، وخم خرس وتلك خرساء، وهن خرس ... وهكذا كل صيغة أخرى من جموع القلة أو الكثرة، فإن المفرد يطرد جمعه عليها إذا كان مستويا للشروط التي يجب تحققها فيه؛ ليصلح أن يجمع على وزنها. فمعنى تحققت تلك الشروط ساغ جمعه عليها من غير استشارة المراجع اللغوية، وساغ استعمال هذا الجمع بغير توقف لمعرفة رأيها فيه، أهو موافق لما تحتويه أم مخالف؟ فإن هذا التوقف لا مسوغ له بعد أن تحققت في المفرد كل الشروط والصفات التي جعلته صالحا لأن يجمع جمع تكسير على تلك الصيغة والوزن. وما أكثر تعدد الجموع في المراجع اللغوية، وكثير منها مخالف في صيغته لصيغة الجمع المطرد، فلا يؤدي هذا -مع كثرة الصيغ المخالفة- إلى تخطئة المطرد، ولا إلى الحكم عليه بالنسب، أو العيب، وإنما يؤدي إلى أن لهذا المفرد جمعين للتكسير -أو أكثر أحيانا- وأن أحد الجمعين كثير شائع، فهو لهذا
قياسي مطرد، والآخر قليل في ذاته1 أو نادر؛ فهو سماعي، ولا يجوز القياس عليه؛ لقلته الذاتية وندرته1، ولا اتخاذ وزنه مقياسا يجمع عليه مفرد آخر غير الذي ورد مسموعا فيه عن العرب؛ وهذا هو المسمى: ب"جمع التكسير السماعي" أو: جمع التكسير غير المطرد". ومن ثم يتبين خطأ من يتوهم أن كل جموع التكسير سماعي، وأن الرجوع في كل جمع منها إلى المظان اللغوية محتوم على من يعرف الأوصاف المشروطة في مفرد كل صيغة، ومن لا يعرف. نعم الرجوع إلى تلك المظان محتوم على من لا يعرف تلك الأوصاف والضوابط. أما من يعرفها فله أن يصل من طريق معرفته إلى ما يريد من جموع التكسير المطردة في تلك المفردات، ولا تمنعه معرفته أن يرجع -إذا شاء- إلى المظان اللغوية، ليستخدم ما تنص عليه من جموع أخرى مسموعة للمفردات التي معه؛ أي: أنه حر في استعمال جمع التكسير القياسي أو السماعي، من غير أن يفرض عليه الاقتصار على السماعي وحده2، وإلا كانت الضوابط المطردة، والقواعد العامة المستنبطة من الكلام العربي الشائع عبثا لا جدى منه3، فوق ما في
البحث عن "المسموع" من عناء وإرهاق يبلغان حد التعجيز؛ بسبب كثرة المراجع
وتنوعها، وتباين طرائفها ... و ... وفيما يلي الأوزان المطردة -أي: القياسية- لجمع التكسير بقسيمة: "جمع القلة، وجمع الكثرة"، والأوصاف الواجب تحققها في المفرد المراد جمعه على إحدى الصيغ، مع الإشارة إلى أن كل صيغة من هذه الصيغ المطردة قد تزاحمها صيغ كثيرة مسموعة، مرجعها اللغة وحدها. أ- أشهر الصيغ المستعملة في جموع القلة أربعة: 1- أفعلة: وهو مقيس في كل مفرد يكون اسما، "لا وصفا"، مذكرا، رباعيا، قبل آخره حرف مده؛ نحو: طعام وأطعمة، بناء وأبنية1، عمود وأعمدة، رغيف وأرغفة ... وهو مقيس أيضا في كل اسم على وزن: فعال، أو فعال "بفتح الفاء أو كسرها" إذا كان عين كل منهما ولامه من جنس واحد، أو كانت لامهما حرف علة، فالأول، نحو: بتات2 وأبتة، وزمام وأزمة3، والثاني نحو: "قباء4 وأقبية، وكساء وأكسية" "فناء وأفنية، ورداء وأردية" ... 5. 2- أفعل: وينقاس في كل مفرد، اسم "لا صفة" على وزن: فعل "بفتح فسكون" صحيح العين؛ سواء أكان صحيح اللام أم معتلها؛ ليست فاؤه واوا، كوقت وليس مضعفا كعم وجده. فمثال صحيح اللام: بجر وأبحر نهر وأنهر ... ومثال معتلها: ظبي وأظب جرو وأجر6.
وينقاس أيضا في كل اسم رباعي مؤنث تأنيثا معنويا؛ "أي: بغير علامة تأنيث ظاهرة"، قبل آخره مدة، "ألف، أو واو، أو ياء"؛ مثل: عناق "لأنى الجدي" وأعتق، وعقاب "لإحدى الطيور الجارحة" وأعقب، وذراع وأذرع، ويمين وأيمن، وثمود وعمود "على اعتبارها من أسماء المؤنث" وجمعهما: أثمد وأعمد. 3- أفعال، وينقاس فيما لا ينقاس فيه "أفعل" السابق؛ فيطرد في كل اسم معتل العين بالواو أو بالياء أو بالألف؛ نحو: ثوب وأثواب سيف وأسياف باب وأبواب ... وفي كل اسم واوي الفاء؛ أو مضعف؛ نحو وقت وأوقات، وعم وأعمام. وفي كل اسم ثلاثي مفتوح الأول، مع فتح ثانيه، أو مع كسره، أو ضمه، نحو: جمل وأجمال، ونمر وأنمار، وعضد وأعضاد. وفي كل اسم ثلاثي مكسور الأول مع فتح ثانيه، أو مع كسره، أو تسكينه؛ نحو: عنب وأعناب، وإبل وآبال، وحمل وأحمال. وفي كل اسم ثلاثي على وزن: "فعل، أو فعل" "بضم الأول والثاني، أو بسكون الثاني"، نحو: عنق وأعناق، وقفل وأقفال. فإن كان المفرد على وزن: "فعل" "بضم ففتح" فالكثير1 أن يكون جمعه على: "فعلان" "بكسر فسكون"؛ نحو: صرد2 وصردان، ونغر3 ونغران، وجرذ4 وجرذان. وينقاس في كل اسم على وزن "فعل" معتل اللام أو مضاعفا5. أما الاسم الثلاثي الذي على وزن: "فعل" "بفتح فسكون" صحيح العين -غير ما سبق- فمنع كثير من النحاة جمعة قياسا على: "أفعال"6. وهذا منع
لا يستند إلى أساس سليم، والصواب جواز جمعه قياسيا على: "أفعال" فيقال: بحث وأبحاث، وسهم وأسهام ... و ... 1 ولا مانع أن يجمع
-كغيره- على صيغة أخرى إذا انطبق عليه وصف المفرد الذي يطرد جمعه عليها. 4- فعلة "بكسر، فسكون، ففتح" ... ولا يعرف لهذه الصيغة مفردات لها أوصاف معينة، وإنما يعرف عنها أنه مسموعة في جمع مفردات معدودة بعضها على وزن: فعل: "بفتحتين"؛ نحو: ولد وولدة، وفتى وفتية ... أو على وزن: فعل "بفتح فسكون"، نحو: شيخ وشيخة ثور وثيرة، أو على وزن فعل "بكسر ففتح"، نحو: ثنى1 وثنية. أو على وزن: فعال "بفتح أوله وثانيه" نحو: غزال وغزلة. أو على: وزن فعال "بضم ففتح"، نحو: غلام وغلمة، أو على وزن: فعيل "بفتح فكسر"؛ نحو: صبي وصبية ... وبعض صيغ أخرى لا ضابط لها
إلا السماع المحض؛ لأن صيغة: "فعلة" لا تطرد في جمع مفردات معينة -كما سبق- وإنما أمر مفرداتها موقوف على السماع1 ...
المسألة 173
المسألة 173: ب- أشهر الصيغ المستعملة في جموع الكثرة. أشهرها ثلاثة وعشرون جمعا قياسيا. وقيل أن نسردها، ونذكر شروط اطرادها نذكر أن لكل مفرد من مفرداتها جموعا مسموعة متعددة تخالف هذه الجموع القياسية المطردة -وقد أوضحنا الحكم في هذا-1 وفيما يلي القياسية: 1- فعل "بضم فسكون" وهو جمع قياسي لشيئين، هما: "أفعل" وصف لمذكر2، و"فعلاء" وصف لمؤنث؛ نحو: "أحمر وحمراء، وجمعهما: حمر". "وأخضر وخضراء، وجمعهما: خضر"، "وأصفر وصفراء، وجمعهما: صفر" ... ويجب ترك فائه مضمومة إن كانت عينه صحيحة وأو معتلة بالواو، نحو: خضر، وزرق، وسود، وحو؛ "في جمع: أخضر وخضراء، وأزرق وزرقاء، وأسود وسوداء، وأحوى وحواء"3، ففي هذه الأمثلة -وأشباهها- تسلم ضمة الفاء في الجمع، وتبقى على حالها. أما إن كانت عينه ياء فيجب قلب ضمة الفاء كسرة؛ لتسلم الياء من القلب، "نحو: أبيض وبيضاء، وجمعهما: بيض؛ بكسر الباء"4، ومثل: "أعين5
وعيناء وجمعهما: عين، بكسر العين"، ووزن الجمع "فعل"، بضم الفاء كأصله، برغم ما طرأ على فائه من قلب ضمتها كسرة. ويجوز في ضرورة الشعر ضم العين من هذا الجمع بشرط أن تكون صحيحة وغير مضعفه، وأن تكون لامه صحيحة كذلك؛ مثل: "النجل"1 في قول الشاعر: طوى الجديدان2 ما قد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النجل ولا يجوز ضم العين إن كانت معتلة، نحو: بيض وسود، أو كانت مضعفة، نحو: غر، جمع أغر أو غراء. أو كانت اللام معتلة؛ نحو: عشي وعمي، جمع: أعشى وعشواء، وأعمى وعمياء3 ... 2- فعل "بضم أوله وثانيه"، وينقاس في شيئين: أولهما: وصف على: "فعول" "بفتح فضم" بمعنى فاعل، نحو: صبور وغفور؛ فجمعهما القياسي: صبر وغفر، فإن كان بمعنى مفعول -نحو: حلوب، وركوب- لم يجمع هذا الجمع. ثانيهما: اسم رباعي صحيح اللام، قبل لامه مدة؛ سواء أكانت، ألفا، أم واوا؛ أم ياء، غير أن المدة إن كانت ألفا يجب أن يكون الاسم غير مضاعف ومن الأمثلة؛ عماد وعمد، وأتان وأتن، وعمود وعمد، وقلوص4 وقلص، وبريد وبرد ... فلا فرق في هذا الاسم بين المذكر والمؤنث. فإذا كانت المدة ألفا والاسم الرباعي مضعفا فقياس تكسيره: "أفعله"، نحو: زمام وأزمة، وهلال وأهلة، وسنان، وأسنة ... -كما سبق عند الكلام على: "أفعلة"5. أما إن كانت المدة ياء أو واوا فالاسم المضعف يجمع على:
"فعل" أيضا؛ نحو: سرير وسرر، وذلول وذلل1. ويجب -في غير الضرورة الشعرية- تسكين عين هذا الجمع إن كانت واوا؛ نحو: سوار وسور، وسواك وسوك، وصوان2 وصون -أما في الضرورة الشعرية، فيجوز بقاؤها مضمومة. وإن كانت عينه ياء جاز ضمها أو تسكينها. لكن يجب عند تسكينها كسر فائه، لتسلم الياء؛ نحو: سيال3 وسيل، أو: سيل ... ويجوز تسكين عينه إن كانت حرفا صحيحا؛ نحو: كتاب وكتب، أو: كتب، وأتان وأتن أو أتن ... ويمتنع تسكين عين المضعف4؛ نحو: سرير سرر5.... فللعين في هذا الجمع أربع حالات: وجوب ضمها -وجوب تسكينها، إلا في المضعف، فيمتنع- جواز الأمرين من غير تغيير حركة الفاء جواز الأمرين مع وجوب كسر الفاء إن سكنت العين وكانت ياء. 3- فعل "بضم ففتح" ويطرد في أربعة أشياء. أ- اسم على وزن: "فعلة" "بضم فسكون" سواء أكان صحيح اللام،
أم معتلها، أم مضاعفها؛ نحو: غرفة وغرف، ومدية ومدى، وحجة وحجج. ب- وصف على وزن: "فعلى" التي هي مؤنث الوصف المذكر: "أفعل"، نحو: الكبرى، والوسطى، والصغرى؛ فجمعها القياسي: الكبر والوسط، والصغر، والمفرد المذكر هو: أكبر، أوسط، وأصغر، ولا يصح جمع "حبلى" على "حبل" لأنها وصف لمؤنث لا مذكر له. ح- اسم على وزن: "فعلة "بضم أوله وثانيه"، نحو: جمعة وجمع. د- كل جمع تكسير على وزن "فعل"1 "ضمتين" وعينه ولامه من جنس واحد، فإنه يجوز عند بعض القبائل العربية تخفيفه بجعله على وزن: "فعل" "بضم أوله؛ وفتح ثانيه"، نحو: جديد وذلول؛ فقياس جمعهما للتكسير: جدد وذلل، ويصح التخفيف، فيقال: جدد وذلل. 4- فعل "بكسر ففتح" ويطرد في اسم تام2 على وزن: "فعلة" "بكسر فسكون"، نحو: كسرة وكسر، بدعة وبدع، فرية وفرى. وقد يجمع فعلة على فعل؛ وهو قياسي، ولكنه قليل نحو حلية وحلى، ولحية ولحى "بضم أولها في التكسير أو بالكسر". فإن كان المفرد صفة لم يجمع قياسا هذا الجمع؛ نحو: صغرة وكبرة "بمعنى: صغير وكبير" وكذلك إن كان غير تام، نحو: رقة3، وأصلها ورق "بكسر الواو" حذفت فاؤها، ونقلت حركتها إلى الحرف الساكن بعدها، وعوض عنها تاء التأنيث في آخره؛ فلا يقال: "ورق" بجمع المفرد بعد بعد إرجاع الحرف المحذوف، وإبقاء التي هي عوض عنه، فهذا لا يصح؛ لأن فيه جمعا بين العوض والمعوض عنه4 ...
5- فعلة "بضم ففتح" وهو مقيس في كل وصف لمذكر عاقل، على وزن: فاعل، معتل اللام بالياء أو بالواو؛ نحو: رام ورماة، ساع وسعاة، غاز وغزاة، داع ودعاة. وأصل: رماة وسعاة وغزاة ودعاة رمية، وسعية وغزوة، ودعوة. وكلها على وزن: "فعلة" تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فانقلب حرف العلة ألفا؛ فصار جمع التكسير على الصورة السالفة، ووزنها "فعلة" بالرغم مما دخلها من التغيير. فلا يجمع على هذا الوزن ما كان اسما، نحو: واد، وعاد "اسم قبيلة"، ولا ما كان وصفا لمؤنث؛ نحو: سارية وعادية، ولا ما كان وصفا لمذكر غير عاقل؛ نحو: ضار في مثل: أسد ضار، أو وصفا وزنه على غير فاعل؛ كجميل، أو صحيح اللام؛ كعالم ... 6- فعلة "بفتح أوله وثانيه"، وهو مقيس في كل وصف على وزن: "فاعل"، لمذكر، عاقل، صحيح اللام، نحو: كامل وكملة، وكاتب وكتبة، وبار وبررة. فلا يجمع هذا الجمع ما كان غير وصف؛ نحو: واد وعاد، اسمين ... ولا ما كان وصفا على غير فاعل، ن نحو: حذر، ولا ما كان وصفا لمؤنث؛ نحو: طالق، وحامل "بمعنى حبلى" ولا ما كان وصفا لغير العاقل؛ نحو: صاهل، ولاحق، وسابق؛ من أوصاف الحصان، ولا ما كان وصفا معتل اللام، نحو: ساع، وداع1 ... فأوصاف المفرد هنا هي أوصافه في الصيغة السابقة إلا أن اللام هنا صحيحة وهناك معتلة.
7- فعلى "بفتح فسكون"، وهو مقيس في كل وصف دال على آفة طارئة؛ من موت، أو ألم، أو عيب ونقص، "أي نقص"، ويشمل سبعة أنواع: أ- المفرد الذي على وزن: "فعيل" بمعنى: مفعول، نحو: صريع، وقتيل، وجريح، والجمع؛ صرعى، وقتلى، وجرحى. وهذه أوصاف دالة على موت، أو توجع. ب- المفرد الذي على وزن: فعيل؛ بمعنى فاعل؛ نحو: مريض ومرضى1. ج- المفرد الذي على وزن: فعل؛ كزمن وزمنى، والوصفان السالفان دالان على الألم. د- المفرد الذي على وزن فاعل، نحو: هالك وهلكى. هـ- المفرد الذي على وزن: فعيل "بفتح، فسكون، فكسر"، نحو: ميت وموتى. و المفرد الذي على وزن: أفعل؛ كأحمق وحمقى. ز- المفرد الذي على وزن فعلان؛ كسكران وسكرى. وهذان الوصفان الأخيران دالان على نقص وعيب2 ... 8- فعلة "بكسر ففتح" وهو مقيس في كل اسم صحيح اللام، على وزن: فعل "بضم فسكون"، نحو: قرط وقرطة. ودرج ودرجة، وكوز وكوزة، ودب ودببة. ومن القليل المقصور على السماع أن يكون جمعا لفعل "بفتح
فسكون" أو: لفعل "بكسر فسكون"، نحو: غرد1 وغردة قرد وقردة2 ... 9- فعل: "بضم أوله، وتشديد ثانيه المفتوح"، وهو مقيس في كل: وصف، صحيح اللام، على وزن: فاعل، أو فاعلة، سواء أكانت عينهما صحيحة أم معتلة؛ نحو: قاعد وقاعدة، ونائم ونائمة، وراكع وراكعة، وساجد وساجدة، ... والجمع: قعد، ونوم، وركع، وسجد3 ... ، ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون: "فعل" جمعا لوصف معتل اللام لمذكر على وزن: فاعل، نحو: غزى، وسرى، وعفى، ف جمع: غاز، وسار، وعاف. 10- فعال "بضم أوله وتشديد ثانيه"، وهو مقيس في كل وصف صحيح اللام لمذكر، على وزن: فاعل، نحو: صائم وصوام، قارئ وقراء، ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون جمعا لوصف صحيح اللام على وزن: "فاعلة"، كقول الشاعر: أبصارهن إلى الشبان مائلة ... وقد أراهن عني غير صداد جمع صادة4.................. ... .................................
11- فعال "بكسر ففتح من غير تشديد"، وهو مقيس في مفردات كثيرة الأوزان، وأشهرها ثلاثة عشر وزنا: الأول والثاني: "فعل"، و"فعلة" "بفتح الأول وسكون الثاني فيهما" اسمين أو وصفين، ليست فاؤهما ولا عينهما ياء. نحو: كعب وكعاب، وقصعة وقصاع، وصعب وصعاب، وخدله1 وخدال. فإن كان معتل الفاء أو العين بالياء فجمعه على "فعال" نادر، لا يقاس عليه؛ نحو: يعر2 ويعار، وضيف وضياف، وضيعة وضياع3 ... الثالث، والرابع: فعل وفعلة "بفتح أولهما وثانيهما"، بشرط أن يكونا اسمين، لامهما صحيحة، وغير مضعفة، نحو: جبل وجبال، وجمل وجمال، ورقبة ورقاب، وثمرة وثمار ... فخرج نحو: بطل وبطلة؛ لأنه وصف، ونحو: فتى وعصا؛ لاعتلال لامهما، نحو: طلل، لأن مضعف اللام ... الخامس، والسادس: فعل "بكسر فسكون" وفعل "بضم فسكون" بشرط أن يكونا اسمين، وأن يكون "فعل" غير واوي العين: كحوت، ولا يائي اللام كمدي4، ومن الأمثلة: ذئب وذئاب، بئر وبئار، رمح ورماح، دهن ودهان5 ...
السابع، والثامن: فعيل بمعنى فاعل1، ومؤنثه؛ بشرط أن يكونا وصفين، ولامهما صحيحة، نحو: ظريف وظريفة وجمعهما: ظراف. وكريم وكريمة وجمعهما: كرام، وشريف وشريفة وجمعهما: شراف. فخرج نحو: حديد وجريدة؛ لأنهما اسمان، ونحو: غنى وولي؛ لاعتلال لامهما، وكذلك غنية وولية. وكذلك جريح ورجيحة؛ لأنهما وصفان بمعنى مفعول، لا فاعل2 ... وإذا كان "فعيل" هذا ومؤنثه معتلي العين بالواو، صحيحي اللام فإن العرب تكاد تلتزم في جمعهما صيغة: "فعال"؛ نحو: "طول وطويلة، وجمعهما: طوال"، "وقويم3 وقويمة، وجمعهما: قوام"، "وصواب وصويبة4، وجمعهما: صواب ... ". التاسع، والعاشر والحادي عشر: وصف على وزن: فعلان، أو على مؤنثة: فعلى، وفعلانة "بضم وسكون في الثلاثة"، نحو: غضبان وغضبي، وجمعهما: غضاب، ومثل: ندامان وندمانة، وجمعهما: ندام. الثاني عشر، والثالث عشر: وصف على وزن: فعلان، أو على مؤنثة: فعلانة "بضم فسكون فيهما"؛ نحو: خصمان5 وخمصانة، وجمعهما: خماص ... 6. هذا، وجمع: "فعال" من جموع التكسير التي لها مفردات كثيرة غير
قياسية، منها: رجل ورجال، وحدأة وحداء، وخروف وخراف1 وقلوص2 وقلاص ... 12- فعول "بضم أوله وثانيه" ويطرد في ألفاظ: منها: الاسم الذي على: "فعل" "بفتح فكسر"، نحو: كبد وكبود، نمر، ونمور ... ومنها الاسم الثلاثي الساكن العين بشرط أن يكون مفتوح الفاء، ليس معتل العين بالواو، نحو: كعب وكعوب، رأس وروس، عين وعيون، فخرج منه، نحو: حوض، فلا يجمع على: فعول ... ومنها الاسم الثلاثي الساكن العين، مكسور الفاء؛ نحو: علم وعلوم، حلم وحلوم، ضرس وضروس3. ومنها: الاسم الثلاثي ساكن العين، مضموم الفاء بشرط ألا يكون معتل العين بالواو: كحوت، ولا معتل اللام؛ كمدى وهو نوع من المكاييل، كما سبق4، ولا مضعف اللام؛ كمد -لنوع من المكاييل أيضا- ومن الأمثلة الصحيحة: جند وجنود، برد وبرود.
أما: معتل العين بالواو فالغالب جمعه على: فعلان؛ مثل: حوت وحيتان وأما المعتل اللام فالغالب جمعه على: "أفعال"، نحو: مدي وأمداء -بقلب يائه همزة؛ طبقا لقواعد الإعلال -وكذلك مضعف اللام، نحو: مد وأمداد. ومنها: اسم ثلاثي على وزن: "فعل" "بفتح أوله وثانيه" الخالي من حروف العلة. وهذا النوع مختلف في اطراده؛ فقيل: يجمع قياسا على: "فعول" وهذا حسن، وقيل سماعا فقط، نحو: أسد وأسود، وشجن وشجون. والذين يقولون بقياسيته يشترطون ألا يكون وصفا ولا مضاعفا. فلا يجمعون كلمة: نصف1 ولا لبب2 على: نصوف، ولبوب. 13- فعلان "بكسر فسكون" وهو مقيس في ألفاظ، منها: اسم على وزن: "فعال" "بضم ففتح": نحو؛ غلام وغلمان، وغراب وغربان. ومنها: اسم على: "فعل" "بضم ففتح"؛ نحو: جرذ وجرذان، صرد3 وصردان. ومنها: اسم على: "فعل" "بضم فسكون" معتل العين بالواو؛ نحو: حوت وحيتان، كوز وكيزان، عود وعهيدان ... ومنها: اسم على "فعل" "بفتح ففتح"؛ والأغلب أن تكون عينه في الأصل معتلة؛ نحو: تاج وتيجان، ونار ونيرات، وقاع وقيعان، وخال وخيلان4، والأصل: توج، ونور، وخيل5 ... "تحرك حرف العلة في المفرد، وانفتح ما قبله، فانقلب ألفا".
14- فعلان "بضم فسكون" ويطرد في اسم على وزن: فعل "بفتح فسكون"، نحو: ظهر وظهران، وبطن وبطنان، وفي اسم صحيح العين على وزن: فعل "بفتح ففتح"، نحو: حمل وحملان، بلد وبلدان. وفي اسم على: فعيل؛ نحو: رغيف ورغفان، وكثيب وكثبان1 ... 15- فعلاء "بضم ففتح" ويطرد في أشياء منها: "فعيل" بمعنى: فاعل، وصفا لمذكر عاقل2؛ أو بمعنى: مفعل "بضم فسكون: فكسر" أو بمعنى: مفاعل "بضم ففتح، ثم كسر العين" بشرط أن تكون صيغة "فعيل" في الثلاثة غير مضعفة، ولا معتلة اللام. ومن الأمثلة: "كريم وكرماء، وبخيل وبخلاء، وظريف وظرفاء" وكذا: "سميع؛ بمعنى: مسمع، وجمعه: سمعاء، وأليم بمعنى: مؤلم، وجمعه ألماء. وخصيب بمعنى: مخصب وجمعه: خصباء"، وكذا: "خليط بمعنى: مخالط وجليس؛ بمعنى: مجالس، وقريع بمعنى: مقارع ... وجموعها: خلطاء، جلساء، قرعاء". ومنها: فاعل"، وصفا دالا على غريزة، وسجية، وأمر فطري غير مكتسب -غالبا- نحو: عاقل وعقلاء، نابه ونبهاء، شاعر وشعراء3. أودلا
على ما يشبه الغريزة والسجية في الدوام وطول البقاء؛ نحو: صالح وصلحاء. 16- أفعلاء "بفتح، فسكون، فكسر، ففتح ... " وهو مقيس في كل وصف على وزن: "فعيل" "بفتح فكسر" بمعنى: فاعل1. بشرط أن يكون مضعفا أو معتل اللام، نحو: "عزيز وأعزاء، وشديد وأشداء2، وقوى وأقواء، وولى وأولياء ... ومن القليل الذي لا يقاس عليه: صديق وأصدقاء؛ لأنه ليس مضعفا، ولا معتل اللام. وكذلك ظنين "أي: متهم"، وأظناء؛ لأنه بمعنى مفعول، لا فاعل. 17- فواعل: وهو مقيس في أشياء أشهرها سبعة؛ هي: أ- فاعلة: سواء أكان اسما أم صفة، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} . فالناصية: اسم، وكاذبة وخاطئة: وصفان3. والجمع: نواص، كواذب، وخواطئ. ب- اسم على: "فوعل" أو: "فوعلة "بفتح، فسكون، ففتح، فيهما"، نحو: جوهر، وكوثر، وصومعة، وزبعة، وجمعها: جواهر، وكواثر، وصوامع، وزوابع. ج- فاعل "بفتح العين" اسما؛ كخاتم، وقالب، وطابع "بفتح العين في الثلاثة. طبقات لإحدى اللغتين"4 وجمعها: خواتم، وقوالب، وطوابع. د- فاعلاء "بكسر العين وفتح اللام"، واسما، نحو: قاطعاء، وراهطاء ونافقاء، والأسماء الثلاثة لجحر اليربوع5.
هـ- فاعل "بكسر العين" اسما، نحو: جائز1 وكاهل2، وجمعهما: جوائز وكواهل. و فاعل "بكسر العين" وصفا خاصا بالمؤنث العاقل، ولا تدخله تاء التأنيث -غالبا-3 نحو؛ طالق وطوالق. ز- فاعل "بكسر العين" وصفا لمذكر غير عاقل4؛ نحو: صاهل وشاهق "للمكان المرتفع" والجمع: صواهل وشواهق. ومن كلامهم السالف يتبين أن صيغة: "فاعل" "بكسر العين" إذا كانت وصفا لمذكر عامل فإنها لا تجمع على "فواعل" وقد حكم أكثر النحاة بالشذوذ على ما خالف هذا من مثل: شاهد وشواهد، وفارس وفوارس، وناكس ونواكس في قول الفرزدق: وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب، نواكس الأبصار وتأول غير الأمثلة السالفة ونظائرهما -مع كثرتها- تأويلا غير مقبول، "كأين يقول: إن مفرد هذا الجمع ليس: "فاعلا"، وإنما هو: "فاعلة" والأثل: طوائف فوارس، وطوائف نواكس ... فالجمع عنده صفة لموصوف محذوف، مفرده: فاعلة؛ فيكون جمعها قياسا: على: "فواعل". وتأويلات أخرى يحاولون بها إخضاعا للقياس. وفي كل هذه التأويل تكلف وتصنع معيبان". والحق أن صيغة "فاعل" تجمع قياسا على "فواعل" سواء أكانت صيغة
"فاعل" صفة للمذكر العاقل أم غير العاقل؛ لكن مراعاة الشرط1 أفضل لأنه الأكثر، أما من لا يراعيه فلا يحكم عليه بالتخطئة، وإنما يحكم عليه بترك الأفضل إلى ما هو مباح، وإن كان دونه في القوة2 ... 18- فعائل وهو مقيس في كل رباعي -اسم أو صفة- مؤنث تأنيثا لفظيا أو معنويا، ثالثة مدة، ألفا كانت، أو واوا، أو ياء. فيشمل عشرة أوزان؛ خمسة مختومة بالتاء3، وخمس مجردة منها. فالتي بالتاء منها: "فعالة" "مضمومة الفاء، أو مفتوحها، أو مكسورة"؛ نحو: ذؤابة وذوائب، وسحابة وسحائب، ورسالة ورسائل. ومنها: فعولة "بفتح الفاء"، نحو: حمولة وحمائل.
ومنها: فعيلة1 "بفتح فكسر"؛ نحو: صحيفة وصحائف. ويشترط ألا تكون صفة بمعنى "مفعولة"؛ كجريحة، بمعنى: مجروحة؛ فلا يقال: جرائح. والمجردة من التاء "ويشترط فيها أن تكون لمؤنث معنوي" هي: فعال: بكسر أوله وفتح ثانيه"، نحو: شمال2 وشمائل وفعال "بضم أوله، وفتح ثانيه"، نحو: عقاب3 وعقائب، وفعول "بفتح فضم"، نحو: عجوز4 وعجائز. وفعيل "بفتح فكسر"، نحو: لطيف "اسم امرأة" ولطائف. وفعال "بفتح ففتح"، نحو: شمال5 وشمائل. ومن المؤنث: النوع المختوم بألف التأنيث المقصورة؛ مثل: حبارى3 وحبائر. والممدودة، نحو: جلولاء6 وجلائل7.... 19- فعال ... "بفتح أوله ثانيه، وكسر ما قبل آخره"، ويطرد في أوزان؛ أشهرها سبعة. أولها: فعلاة "بفتح فسكون"، نحو: موماة8 وموام. ثانيها: فعلاة "بكسر فسكون"؛ نحو: سعلاة9 وسعال. ثالثها: فعلية "بكسر فسكون فكسر ففتح ... "، نحو: هبرية10 وهبار.
رابعها: فعلوة "بفتح، فسكون، فضم، ففتح"، نحو: عرقوة1 وعراق. خامسها: ما كان ذا زيادتين بينهما حرف أصلي، ويحذف أول الزيادتين عند بعض العرب، نحو: حبنطى2 وحباط، وقلنسوة وقلاس، بحذف النون فيهما. بخلاف من يحذف ثاني الزائدتين فإنه يجمعهما على: حبانط وقلانس بحذف الألف الأخيرى "الياء"3 والواو. سادسها: فعلاء: "بفتح فسكون ففتح" اسما؛ كصحراء وصحار، أو وصفا لأنثى، لا مذكر له؛ نحو: عذراء4، وعذار5 ... سابعها: ما يحتوي على ألف مقصورة للتأنيث، أو: للإلحاق، كحبلى وحبال، وذفرى6 وذفار. وما كان "كفعلاء" السابقة أو مختوما بألف التأنيث المقصورة أو بالألف الإلحاق يجوز جمعه على: "فعال" كما يتبين من الصيغة التالية. 20- فعلى: "بفتح أوله وثانيه ورابعه"، وهو مقيس فيما سبقت الإشارة في الوزنين السادس والسابع، أي: في "فعلاء"، إما اسما؛ كصحراء؛ وإما وصفا لمؤنث لا مذكر له؛ كعذراء5 وإما مختوما بألف التأنيث المقصورة كحبلى. أو بألف الإلحاق كذفرى6؛ فيقال في الجمع: صحارى، وعذارى، وحبالى، وذفارى، كما يصح: صحار، وعذار، وحبال وذفار على أساس ما تقدم "في: 19 سادسها"، فهذه المفردات، ونظائرها، مشتركى عند جمعها بين صيغتي فعالي ... وفعالى ... بكسر اللام أو فتحها. وتنفرد صيغة: "فعالي" ... "بكسر اللام" فالخمسة التي ذكرت قبل
صيغة: فعلاء؛ كما تنفرد "فعال" "بفتح اللام" بوصف على وزن: "فعلان" أو"فعلى" "بفتح فسكون فيهما"، نحو: كسلان، وسكران وغضبان، وجمعها: كسالى، وسكارى، وغضابى؛ بفتح ما قبل الآخر ولا يصح كسره. والأحسن في صيغة هذا الوصف ضم أوله عند جمعه، فيقال: كسألى، وغضابى، وسكارى. "وملاحظة": عرفنا أن وزن "فعلاء" اسما أو صفة يجمع1 على: الفعالي والفعالى "بكسر اللام أو فتحها". فنقول في الصحراء والعذراء: الصحاري والصحارى، والعذاري، والعذارى ... ويجوز شيء ثالث؛ هو: جمعهما على: الفعالي "بكسر اللام وتشديد الياء"2. ذلك أن وزنهما الصرفي هو: "فعلاء". فالألف التي قبل الهمزة تقلب عند الجمع ياء، بسبب كسر ما قبلها، وتقلب الهمزة أيضا ياء، وتدغم في الياء السابقة؛ فتصير الكلمة بعد الجمع، صحاري وعذاري ... ومن الممكن التخفيف بحذف إحدى الياءين، فإن حذفت الثانية التي تحركت بالفتحة بعد إدغامها صار الجمع: صحاري وعذاري، بإسكان الياء مع كسر ما قبلها؛ ثم حذفها للسبب الذي من أجله تحذف في المنقوص3. وإن حذفت الأولى الساكنة فتح الحرف الذي قبلها لتنقلب الياء الثانية ألفا، وتبقى من غير حذف، فقال: صحارى وعذارى3 ... 21- فعالى: "بفتح، ففتح مع مد، فكسر، فياء مشددة" ويطرد في: أ- كل ثلاثي ساكن العين، في آخره ياء مشددة تلي الأحرف الثلاثة سواء أكانت هذه الياء في أصلها لغير النسب؛ نحو: قمري4 وكركي5
وكرسي، وبردي1 أم كانت في أصلها مزيدة لغرض النسب، ثم أهمل هذا الغرض؛ وصار متروكا غير ملحوظ، مثل: مهري، فأصله: الجمل المنسوب إلى قبيلة: "مهرة" اليمنية التي اشترهت قديما بإبلها النجيبة القوية، ثم كثر استعماله حتى نسي النسب، وأهمل، وصار، "المهري" اسما للنجيب من الإبل مطلقا بغير نظر إلى أصله ولا تفكير فيه. ومثله: بختي، فأصله الجمل المنسوب إلى "بخت" وهو إبل خراسانية اشتهرت بوقتها وحسنها. ثم شاع استعمال "البختي" في كل "جمل" قوي جميل من غير نظر لنشأته، ولا تكفير في نسبته. فمثل الأشياء السابقة تجمع قياسا على: "فعالي"، فيقال فيها: قماري، كراكي، كراسي، برادي، مهاري، بخاتي، ... وهكذا. ويفهم مما سبق أن المختوم بياء النسب المتجدد2، "كمصري، وتركي، وبصري ... " لا يجمع هذا الجمع. ومن ثم قالوا في أناسي: إنه جمع: إنسان، لا: إنسي؛ لأن الياء في: "إنستي" للنسب الباقي على حاله3، وكذلك لا يجمع على هذا الوزن مثل: عربي، وعجمي" ... لتحرك عينهما ... ب- ووزن فعالي مقيس أيضا -على الصحيح- في وزن: "فعلاء" على الوجه الذي سبق شرحه وإبانته في الصغيتين السالفتين "19، 20"..4.
22- فعالل "بفتح أوله، وثانيه، وكسر رابعه"، ويطرد في أنواع، أهما أربعة، مفرد كل نوع منها أربعة أحرف أصلية أو خمسة كذلك. الأول: الرباعي المجرد -أي: الذي كل حروفه أصلي- سواء أكان مفتوح الأول والثالث أم مضمومها، أم مكسورهما، أم غير ذلك؛ نحو: جعفر، وجعافر، برثن وبراثن1، زبرج2 وزبارج، سبطر3 وسباطر، جخدب4 وجخادب. الثاني: الخماسي المجرد؛ نحو: سفرجل وجحمرش5، وجمعهما: سفارج وجحامر؛ بحذف الحرف الخامس من أصولهما. ولهذا الحذف ضابط تجب مراعاته، وهو: أ- أن الحرف الخامس الشبيه6 بالزائد واجب الحذف مطلقا؛ نحو: جحمرش5 وجحامر؛ سواء أكان الرابع شبيها6 بالزائد أم غير شبيه؛ نحو: قذعمل7 وقذاعم، وسفرجل وسفارج.
ب- وكذلك إن لم يكن أحدهما شبيها بالزائد. ج- فإن كان الرابع وحده "أي: دون الخامس" هو الشبيه بالزائد جاز حذفه أو حذف الخامس، لكن حذف الخامس هو الأفصح والأعلى1؛ كالدال في فرزدق، والنون في خدرنق أو خورنق؛ فيقال في الجمع: فرازق وفرازد، وخدارق وخدارن، وخوارق وخوارن، وهكذا2 ... الثالث: الرباعي المزيد، وهو ما كانت حروفه الأصلية أربعة، ثم زيد عليها بعض حروف الزيادة، نحو: مدحرج، ومتدحرج، فيحذف عند الجمع ما كان زائدا في مفرده؛ ولا يحذف غيره؛ فيقال: دحارج، بحذف الميم في الكلمة الأولى، والميم والتاء في الثانية، ولا يبقى في الجمع إلا الحروف الأصلية، كل هذا بشرط ألا يكون الحرف الزائد رابعا ولينا3، قبل الحرف الأخير الأصيل.
فإن كان الرابع الزائد اللين: "ياء" بقي، ولم يحذف عند الجمع، ويجمع ما هو فيه على: "فعاليل" في الأغلب؛ نحو: قنديل وقناديل، وغرنييق وغرانيق ... وإن كان ألفا أو واوا قلب عند الجمع ياء ثابتة، ويجمع ما هو فيه على: "فعاليل" كذلك في الأغلب؛ نحو: عصفور وعصافير، وسرداح1 وسراديح وفردوس وفراديس2 ... فإن كان حرف العلة متحركات وجب حذفه عند الجمع؛ نحو: كنهور3، وهبيخ4؛ فيقال في جمعهما: كناهر وهبايخ؛ لأن حرف العلة حينئذ ليس حرف لي، ومثلهما: مصور ومصاور؛ فيحذف حرف العلة المدغم فيه لتحركه؛ فليس حرف لين. فإن كان حرف العلة غير رابع حذف، نحو: فدوكس5 وخيسفوج6 وجمعهما: فداكس وخسافج. الرابع: الخماسي المزيد، -أي: ما كانت حروفه الأصلية خمسة، ثم زيد عليها بعض أحرف الزيادة- نحو: فرطبوس7،
وخندريس1، وقبعثرى2؛ فيحذف عند جمعها شيئان، هما: الخامس الأصلي، وما كان زائدا في المفرد؛ فيقال: قراطب، وخنادر، وقباعث، بحذف الواو والسين من الكلمة الأولى، والياء والسين من الثانية. "والسين فيهما هي الحرف الخامس الأصلي الذي يجب حذفه مع الزائد، كما سبق" وبحذف الراء والألف الأخيرة "المكتوبة ياء" من الكلمة الثالثة. هذا، وجمع التكسير حين يكون على وزن: "فعالل" السالف، أو: "ما يشبهه"3 يصح في جميع صوره وحالاته -ولو لم يحذف من حروف مفرده شيء بسبب الجمع- زيادة ياء قبل آخره إن لم تكن موجودة، وحذفها إن كانت موجودة4؛ فيقال في الأمثلة السالفة ونظائرها: جعافر، وجعافير، وبراثن وبراثين كما يقال: جحامر وجحامير، وفرازق وفرازيق، وخدارق وخداريق، وكناهر وكناهير5. ويستثنى من هذا الحكم أمران. الأول: ما كان مختوما بياء مشددة مثل كرسي وكراسي. فلا تزاد عليه الياء؛ لئلا يجتمع في آخر الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف من نوع واحد، وهذا مردود6. ولا تصح أن تحذف منه الياء المشددة. والثاني: ما كان حذف الياء من آخره مؤديا إلى اجتماع مثين متجاورين
بغير إدغام، نحو: جلابيب -جمع جلباب- فلا يقال: "جلابب" بحذف الياءن لأن الإدغام هنا واجب، ولو أدغمنا لم يعرف الأصلي ولا المعنى -كما يجيء1. "ملاحظة": في كل حالات جمع التكسير -ما كان منه على وزن: "فعالل" أو على وزن شبهه الآتي: أو على وزن غيرهما- إذا حذف منه بسبب الجمع بعض أحرف أصلية أو زائدة وكان خاليا من "ياء"، يجوز زيادة ياء قبل آخره؛ لتكون بمنزلة العوض2 عما حذف؛ فيصح في الأمثلة السالفة ونظائرها مما فيه حذف بسبب التكسير؛ دحارج ودحاريج، وخنادر، وخنادير، وكناهر وكناهير، وقباعث وقباعيث3. وإذا كان "فعالل وشبهه" منقوصا فله حكم خاص يجيء4. 23- شبه فعالل "بفتح أوله وثانيه، وكسر رابعه"، والمراد به: ما يماثل: "فعالل" في عدد الحروف، وفي ضبطها بالسكون، أو بالحركة، ولو كانت الحركة مختلفة في نوعها بين الاثنين مؤدية إلى الاختلاف في الوزن الصرفي؛ فيشمل صيغا كثيرة. منها: مفاعل: كمنابر، وفياعل، كصيارف، وفواعل كجواهر، وفعاعل كسلالم، وفعالي ككراسي5 ... فليست هذه الأمثلة وصيغها على وزن:
"فعالل" وإنما تشبهه في عدد حروفها، وهيئتها أي ضبط حروفها ضبطا متماثلا في مجرد الحركة والسكون دون التقيد بنوع الحركة، ولا بالوزن بالصرفي الدقيق1. وهذا الجمع مقيس في كل لفظ ثلاثي الأصول، زيدت عليه أحرف الزيادة. بشرط أن يكون هذا الثلاثي المزيد ليس داخلا تحت حكم جمع من الجموع السالفة، وبهذا الشرط لا يجمع جمعا قياسيا على: "شبه فعالل" ما كان مثل: أحمر، وغضبان، وقائم، وساع، وصغرى، وسكرى ... و ... ؛ لأن لهذه الألفاظ ونظائرها جموعا أخرى قياسية -وقد عرفناها2. وحكم هذا الثلاثي المزيد عند جمعه على: "شبه فعالل" ما يأتي: أ- إن كانت زيادته حرفا واحدا فالواجب إبقاؤه عند الجمع مطلقا، "أي: سواء أكان الزائد حرف علة، أم غير علة، وسواء أكان في الأول في غيره، وللإلحاق أم لغير الإلحاق"، نحو: "أكرم وأكارم، معبد ومعابد"، "جوهر وجواهر، صيرف وصيارف"، "وعلقى3
وعلاق" ... 1. ب- إن كانت زيادته حرفين فالواجب حذف أحدهما؛ وهو الضعيف، وترك القوي2؛ نحو: منطلق ومطالق، ومغترف، ومغارف؛ ولا يقال: نطالق ولا غتارف؛ لأن الميم تمتاز بمزايا لفظية ومعنوية3 لا توجد في النون والتاء. ومثل: مصطفى ومحتفظ، فيقال في جمعهما: مصاف ومحافظ؛ بحذف "تاء4 الافتعال"، دون الميم5 التي لها المزايا ...
ومثل: ألندد، ويلندد؟ "ومعناهما: ألد، أي: شديد
الخضومة" وجمعهما: ألادد، ويلادد، ثم تدغم الدلان في كل واحدة؛ فتصير ألاد، ويلاد؛ بحذف النون، وبقاء الهمزة والياء؛ لتقدمهما وتحركهما؛ ولأنهما يدلان على المعنى التكلم والغيبة إذا كان في أول المضارع -أما النون المتوسطة بين الحرفين الثالث والرابع من الكلمة فلا تدل على معنى. ج- إن كانت زيادته ثلاثة أحرف، حذف اثنان، وبقي الثالث الأقوى؛ نحو: مستدع1 ومداع، ومقعنسس2 ومقاعس3؛ فلا يقال في الأول: سداع ولا تداع؛ لأن حذف "الميم، والتاء" من مستدع يؤدي إلى: سداع، وهي صيغة لا نظير في العربية، ولأن حذف الميم والسين يضيع الدلالة على اسم الفاعل4 ... وكذلك لا يقال في الثاني -عند سيبويه- قعاسس. وحجته: أن الكلمة مشتملة على ثلاثة أحرف من أحرف الزيادة؛ هي: الميم، والنون، والسين الأخيرى المزيدة للإلحاق؛ فالميم عنده أولى بالبقاء؛ لتصدرها؛ ولأنها تدل على معنى يختص بالاسم وهو الدلالة على اسم الفاعل. وخالفه بعض النحاة فجمعه على: قعاسس؛ بحذف الميم والنون مع بقاء السين الأخيرة الزائدة للإلحاق. وحجته: أن السين زيدت في الفعل -وفروعه- لإلحاق لفظه بكلمة: "احرنجم، وبقاء الملحق أولى من غيره ...
وهذه تعليلات جدلية، مصطنعة. والتعليل الحق الذي يعتمد عليه في هذا الموضوع وأشباهه، هو السماع ليس غير. وقد ورد السماع بما يؤيد الرأيين. ومن الأمثلة: استخراج، وجمعه: تخاريج، بإبقاء التاء دون السين؛ لأن إبقاء التاء سيؤدي إلى وزن للجمع على: "تفاعيل" وهو وزن له نظراء في العربية؛ "منهاك تماثيلن وتهاويل، وتباشير، وتفاريق، وتسابيح ... و ... " أما بقاء السين فيؤدي إلى سخاريج على وزن: سفاعيل وهو وزن لا نظير له. وإذا كان أحد الأحرف الزائدة يغني بحذفه عن حذف زائد آخر وجب حذف ما يغني عن غيره؛ كحيزبون1 وعيطموس2؛ يقال في جمعهما: حزابين وعطاميس؛ بحذف ياء المفرد، وإبقاء الواو، وقلبها ياء في الجمع؛ لوقوعها بعد كسرة. ولو حذفت الواو وبقيت الياء لقيل في جمعهما: حيازين وعياطمس، بتحريك الياء والميم أو بتسكينهما. وهو في الحالتين وزن لا نظير له3، وإذا أريد جعله على وزن عربي وجب حذف الياء أيضا؛ فيقال: حزابن، وعطامس؛ وبذا نصل إلى صيغة عربية بعد حذف الواو والياء معا. في حين استطعنا في الصورة الأولى أن نصل إلى صيغة عربية بعد حذف الياء وحدها. فحذف حرف واحد أولى من حذف حرفين مادم الأثر من الحذف واحدا4 ... ح- إن كان أحد الأحرف الزائدة المستحقة للحذف مكافئ في قوته لحرف زائد آخر -أي: مساو له في الأفضيلة- جاز حذف أحدهما من غير ترجيح: كالنون والألف المقصورة "المكتوبة ياء" فينحو: سرندي5 وعلندي6؛
فيقال في جمعهما: سراند، وعلاند، أو: سراد وعلاد. فالحرفان قد زيدا معا في المفرد لإلحاقه بالخماسي: سفرجلن وكل حرفين هذا شأنهما لا يكون لأحدهما مزية على الآخر1.. "ملحوظة": قلنا2 إنه يصح في جمع التكسير المشابه لصيغة: "فعالل" ما صح في "فعالل" من زيادة الياء قبل آخره إن لم تكن موجودة، وحذفها إن كانت موجودة "طبقا لما سبق"2. ومما ينطبق عليه هذا أن تحذف إحدى الياءين جوازا، للتخفيف، في مثل: أماني، أغاني، أثافي ... ومفرداتها: أمنية، أغنية، أثفية ... بتشديد الياء في هذه المفردات3 ...
المسألة 174: أحكام عامة
المسألة 174: أحكام عامة ... المسألة 174: حكام عامة 1- زيادة الياء في جمع التكسير وحذفها، وكذلك زيادة تاء التأنيث: أ- إذا حذف من المفرد عند جمعه جمع تكسير بعض حروفه الأصلية أو الزائدة -تطبيقات للضوابط السالفة في الجمع- جاز زيادة ياء1 قبل آخر الجمع، تكون بمنزلة العوض2 عن المحذوف. ومن الأمثلة: فرزدق، وسفرجل، ومنطلق ... فيقال في جمعها بعد الحذف بغير تعويض: فرازق، وسفارج ومطالق.. ويقال في جمعها بعد الحذف مع تعويض ياء عن المحذوف. فرازيق، وسفاريج، ومطاليق ... ب- تقدم3 أن كل جمع تكسير على وزان: "فعالل" وشبهه -"وقد يعبرون عنه أحيانا بالجمع المماثل في صيغته لصيغتي: "مفاعل أو مفاعيل4" يجوز فيه زيادة الياء إن لم تكن موجودة، كما يصح حذفها إن كانت موجودة. لا فرق في هذا بين الجمع الذي حذف منه بعض حروف مفرده، أم لم يحذف، فيقال في جمع: جعفر، ومفتاح، وعصفور، وقنديل ... جعافر وجعافير، ومصابح ومصابيح، وعصافر وعصافير، وقنادل وقناديل.
هذا رأي الكوفيين، والسماع الكثير يؤيدهم1، والأخذ برأيهم أولى، بالرغم من مخالفة البصريين الذين يخصون الحكم السابق بالضرورة، ويؤولون الأمثلة المسموعة، ويتكلفون في التأويل، ما لا يحسن قبوله، وبعض أئمة النحاة2 يؤيد الكوفيين، ولكن يستثنى صيغة "فواعل" فلا يقول: "فواعيل" -ولا داعي لهذا الاستثناء- وكذلك يؤيدهم بعض أئمة اللغة3. ويجب -كما تقدم- عند زيادة الياء ألا يكون الجمع مختوما بياء مشددة كالتي في "كرسي"؛ ويجب عند حذفها مراعاة أن حذفها لا يؤدي إلى وجود حرفين متماثلين متجاورين؛ كما في جمع: "جلباب" على "جلابيب"، فلو حذفت الياء لأدى حذفها إلى أن تكون صيغة الكلمة المجموعة هي: "جلابب" بغير إدغام الباءين، مع أن الإدغام هنا واجب، ولو أدغمنا لم يعرف الأصل، ولم يتضح المعنى. ج- وكما يجوز الإتيان بياء زائدة تعويضا عن المحذوف. يجوز أيضا أن تجيء تاء التأنيث -وحدها- عوضا عن المحذوف4. إن كان أصله ألفا خامسة في المفرد، أو ياء في صيغة منتهى الجموع؛ مثل: "حبنطى، وجمعه: حبانط، وحبانيط، وحبانطة"، "وعفرني5 وجمعه: عفارن، وعفارين، وعفارنة"، "وقنديل، وقنادل، وقناديل، وقنادلة"، "ومطعان ومطاعن، ومطاعين، ومطاعنة" والتعويض بهذه التاء يكاد ينحصر في هذين، أما الإتيان بالياء فغير مقصور على نوع من الأنواع التي أصابها الحذف، وقد تدخل على ما لم يحذف منه شيء -كما سلف- فميدان زيادتها أوسع في جموع التكسير من تاء التأنيث.
لكن هناك نوع آخر تكون فيه هذه التاء أكثر وجودا من الياء؛ وهو: كل اسم مفرد مختوم بياء النسب، وحذفت منه هذه الياء عند جمعه على إحدى صيغ منتهى الجموع؛ فتدل التاء على أن الجمع للمنسوب لا للمنسوب إليه، نحو: أشعثي وأشاعته، وأزرقي وأزارقة، ومهلبي ومهالبة، وصقلبي وصقالبة، فلكل من الياء والتاء ما يمتاز به على الآخر. 2- حكم المسائل لفعالل وشبهه، إذا كان معتل الآخر: ما كان من جموع التكسير مماثلا لوزن: "فعالل" أو شبهه "بمعنى: المماثلة التي شرحناها هناك"1، وكان معتل الآخر؛ مثل: مصاف، ومداع، في مجمع، مصطفى، ومستدع فإنه يجري عليه ما يجري على المنقوص من صيغ منتهى الجموع التي بعد ألف تكسيرها حرفان، كدواع، ونوام، وجوار2 ... إلا إن زيدت الياء قبل الحرف الأخير؛ عوضا عن المحذوف -كما في الحكم الأول السالف- فيجوز أن يقال بعد زيادتها: مصافي، ومداعي، بياء مشددة، نشأت من إدغام ياء التعويض الزائدة في الياء التي هي في الأصل لام الكلمة. ثم تحذف إحداهما تخفيفا. فإن حذفت الثانية المتحركة صارت الكلمة مصافي، ومداعي، بياء ساكنة، ثم تحذف الياء ويجيء التنوين عوضا عنها؛ فتصير الكلمة؛ مصاف ومداع، ونوام، وجوار. وإن حذفت الأولى الساكنة قلبت الثانية المتحركة ألفا بعد فتح ما قبلها فتصير: مصافي ومداعي3 ... و ... 3- تثنية جمع التكسير، وجمعه: هل يجمع جمع التكسير بنوعيه الدال على القلةن والدال على الكثرة؟
يميل أكثر النحاة على إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة، والأفضل الأخذ بالرأي القائل1: إن الحاجة قد تدعو -أحيانا- إلى جمع2 الجمع بنوعيه، كما تدعو إلى تثنيته، فكما يقال في جماعتين من الجمال: جمالان -كذلك يقال في جماعات: جمالات. فإذا قصد تكسير مكسر نظر إلى ما يشاكله من الآحاد "أي: المفردات" فيكسر بمثل تكسيره، والمراد بما يشاكله: ما يكون مثله في عدد الحروف، ومقابلة المتحرك منها بالمتحرك في الآخر، والساكن بالساكن. من غير اعتبار لنوع الحركة؛ فقد تختلف فهيما؛ فيكون أحدهما متحركا بالفتحة، والآخر بالضمة أو بالكسرة. فالمهم ليس نوع الحركة فيهما، وإنما المهم أن يكون كل من الحرف ونظيره في الترتيب متحركا. وأن الساكن يقابله في الترتيب ساكن مثله -كما سبق- عند الكلام على: "فعالل" وشبهه3؛ فيقال في أعين أعاين -وفي أصلحة أسالح- وفي أقوال أقاويل: تشبيها بأسود وأساود، وأجردة4 وأجارد -وإعصار وأعاصير. وقالوا في مصران5 وغربان: مصارين وغرابين، تشبيها لها
بسلاطين وسراحين1. ولا يجمع جمع تكسير ما كان من الجموع على رنة: مفاعل، أو مفاعيل: أو فعلة "بفتحات"، أو فعلة. "بضم ففتح"، والمراد بالزنة هنا: المماثلة والمشاكلة على الوجه السالف. والسبب في عدم جمعهما للتكسير عدم وجود نظير لها في الآحاد "أي: المفردات" لتحمل عليه عند جمعها. ولكن قد تجمع جمع تصحيح للمذكر أو للمؤنث على حسب المعنى؛ كقولهم: نواكس2 ونواكسون، وأيامن3 وأيامنون، وصواحب وصواحبات، وحدائد وحدائدات4.. هذا، وجمع الجمع لا يطلق -اصطلاحا- على أقل من عشرة5، كما أن جمع المفرد لا يطلق اصطلاحا على أقل من ثلاثة، إلا مجازا. 4- تثنية أنواع المراكب، وجمعها جمع تكسير: سبق في الجزء الأول6 -عند الكلام على المثنى وجمعي التصحيح- تعريف أنواع المركب، وطريقة تثنيتها وجمعها جمع مذكر سالما، أو مؤنث سالما. وفي تذكرها، وتذكر تلك الطرائق ما يعين على تفهم أفضل الطريق لجمعها تكسيرا. وفيما يلي التلخيص: أ- المركب الإضافي إن كان صدره كلمة غير: "ذي، وابن، وأخ". وأريد تثنية أو جمعه تصحيحا أو تكسيرا وجب الاقتصار على تثنية صدره
المضاف وجمعه، دون عجزه المضاف إليه؛ فإن عجزه لا يثنى ولا يجمع، ولا يتغير مطلقا. ففي مثل: ناصر الدين "علم رجل"، وناصرة الدين "علم فتاة" يقال في التثنية رفعا: فاز ناصرا الدين، و: ناصرتا الدين. ويقال في جمعهما تصحيحا: فاز ناصرو الدين، وناصرات الدين. وفي جمعهما تكسيرا: فاز نصر الدين فيهما ... ويقال في حالة النصب: أكبرت ناصري الدين، أو: ناصرتي الدين، أو ناصري الدين، أو: ناصرات الدين، أو: نصر الدين ومثل هذا يقال في حالة الجر. فالمضاف هو الذي يثنى ويجمع الجموع الثلاثة ويتغير آخره بحسب العوامل، أم المضاف إليه فيلزم حالة واحدة؛ هي الجر بالإضافة دائما، ولا يجمع إن كان مفردا إلا في حالة واحدة؛ هي التي تتعد فيها أفراده، كما تعدد أفراد المضاف، ففي هذه الحالة التي تتعدد فيها أفرادهما يجمعان، مثل: حارس القائد؛ علم على مصري، وحارس القائد، علم على سوري، وحارس القائد، علم على عراقي ... فالواجب أن يجمع كل من المضاف والمضاف إليه جمع مذكر، أو جمع تكسير: فيقال: حارسو القائدين، أو حراس القواد1 ... وإن كان صدر المركب الإضافي هو: "ذو، أو: ابن، أو: أخ" من أجناس ما لا يعقل "ومنه: ذو القعدة، وذو الحجة وابن عرس2، وابن لبون3 وابن آوى4 وأخو الصحراء "الحيوان خاص بها"، وأخو الجحر "للثعبان" -فإن صدره هو الذي يثنى كتثنية المفردات الصحيحة، ولكنه لا يجمع جمع تكسير5 ولا جمع مذكر، بل يقتصر على جمعه جمع مؤنث سالم، فيقال: ذوات القعدة، ذوات الحجة، بنات عرس6، بنات لبن، بنات
آوى، أخوات الصحراء، أخوات الجحر1 ... ولا فرق في هذا بين اسم الجنس الذي ليس بعلم كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى؛ بشرط أن يكون كل منهما لغير العاقل -كما سلف- والأول يصح أن تدخل فيه: "أل" على المضاف إليه. بخلاف الثاني ... ب- المركب الإسنادي؛ "وهو ما أصله جملة اسمية أو فعلية؛ مثل: الخير نازل -نصر الله. وكلاهما اسم رجل، ومثل: الجمال باهر، وزاد الجمال، وكلاهما اسم امرأة ... "، وهذا المركب لا يجمع جمع تكسير2، وإنما يصح جمعه -بطريقة غير مباشرة- جمع مذكر سالما أو جمع مؤنث سالما. والمقصود بالطريقة غير المباشرة أن يزاد قبله كلمة معينة إذا جمعت أغنت عن جمعه؛ فهي الوسيلة لجمعه؛ لأنه لا يجمع بطريقة مباشرة، ولا بوسيلة أخرى. هذه الكلمة هي: "ذو" للمذكر و"ذات" للمؤنث. وجمع "ذو" هو: "ذوو" رفعا و"ذوي" نصبا وجرا، كما أن جمع: "ذات"، هو: "ذوات" في كل الأحوال؛ فيقال في الأمثلة السالفة عند جمعها: أقبل ذوو الخير نازل، أقبل ذوو نصر الله، أقبلت ذوات الجمال باهر، أقبلت ذوات زاد الجمال، قابلت ذوي الخير نازل، قابلت ذوي نصر الله، قابلت ذوات الجمال باهر، قابلت ذوات زاد الجمال ... وهكذا. وكلمة: "ذوو" تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وتعرب "ذوات" إعراب جمع المؤنث السالم. وكلتا الكلمتين لا بد أن تكون مضافة هنا، والركب الإسنادي هو المضاف إليه، ويجر بكسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية؛ لأن حركات الجملة الإسنادية المحكية ثابتة في جميع استعمالاتها، وضبط حروفها لا يتغير مطلقا بعد النقل، فيبقى لكل كلمة وكل حرف ضبطه السابق على الحكاية، وتصير الجملة في حالتها الجديدة محكية، بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، لا يدخلهما تغيير في ضبط الحروف، وبالرغم من إعراب هذين الجزأين معا هنا:
"مضافا إليه" مجرورا، فهو مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية -كما سبق. ولا يثنى المركب الإسنادي بطريقة مباشرة، وإنما يثنى بالطريقة السالفة فتجيء كلمة: "ذو" للمذكر، وذات، أو "ذوات" للمؤنث، وتثنية الأولى هي: "ذوو، وذوى ... " وتثنية الأخرى هي: "ذاتا وذاتي ... ، أو ذواتا وذواتي" ثم يجيء المركب الإسنادي المراد تثنيته مسبوقا بالكلمة المناسبة له مما سبق بعد ثنيتها، دون أن يلحقه تغيير مطلقا فيبقى على حاله في التثنية "مضافا إليه" لا يتغير كما كان شأنه عند الجمع. فقال: أقبل "ذوا" الخير نازل ... وأقبلت "ذات، أو: ذواتا" الخبر نازل ... وهكذا ... كما سبق في الجمع تماما، ولكن مع تثنية الكلمة المساعدة، وهي: "ذو"، أو: ذات وذوات" ... ج- المركب المزجي: لا يجمع جمع تكسير مطلقا. ولا يثنى، ولا يجمع جمع تصحيح بالطريقة المباشرة، وإنما يراعي في تثنيته وجمعه تصحيحا الطريقة غير المباشرة التي روعيت في المركب الإسنادي1. وهناك رأي آخر يبيح جمع المركب المزجي جمع تصحيح بطريقة مباشرة كما تجمع الأسماء غير المركبة. وفي هذا الرأي -على قلته- تيسير وتخفيف؛ بإخضاع هذا النوع للقاعدة العامة. د- المركب التقييدي "وهو المكون من صفة مع موصوفها؛ مثل: المخترع الذكي، أو من غيرهما مما لا يدخل في المركبات السالفة"، لا يجمع جمع تكسير، وإنما يتوصل -في الأحسن- إلى جمعه جمع تصحيح بالطريقة غير المباشرة التي شرحناها. 5- الفرق بين جمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي. أ- لا بد في جمع التكسير الأصلي أن يدل على أكثر من اثنين، وأن
يكون على وزن صيغة من الصيغ الخاصة به -وقد عرفناها- وأن يكون له مفرد حقيقي لا خيالي1، وأن تتغير صيغة هذا المفرد عند جمعه للتكسير تغيرا حتميا على الوجه الذي شرحناه2. وأن يشترك مع جمعه في الحروف الأصلية -إلا إذ اقتضى الجمع حذف شيء منها- دون الاشتراك في هيئتها، "أي: ضبطها"، وإذا عطف على هذا المفرد نظيران له -أو أكثر- بحيث تتشابه وتتماثل المفردات تماما في اللفظ وهيئته، وفي المعنى أيضا كان معنى المعطوفات كلها هو معنى ذلك الجمع ... ومن الأمثلة لجمع التكسير: رجال. فهذه الصيغة تدل على أكثر من اثنين، وتختص بالتكسير ولها مفرد حقيقي هو: رجل. وقد تغير بناء المفرد عند جمعه. والحروف الأصلية ثلاثة مشتركة بين المفرد وجمعه، مع اختلافها في الضبط، وإذا عطف على هذا المفرد مثلان له أو أكثر؛ "فقيل رجل ورجل ورجل ... و...."، كان معنى المعطوفات المجتمعة هو معنى التكسير: رجال. وهناك جمع تكسير ليس بالأصيل، ولكنه يلحق بجموع التكسير الأصيلة اعتبارا. ويجري عليه أحكامها، وهذا النوع هو ما كان على صيغة من الصيغ الخاصة بالتكسير، أو الغالبة فيه، ولكن ليس له مفرد. فمن أمثلة الموضوع على صيغة خاصة بالتكسير، أو الغالبة فيه، ولكن ليس له مفرد. فمن أمثلة الموضوع صيغ خاصة بالتكسير وليس له مفرد: شماطيط3 وعباديد4 وعبابيد ... ومن أمثلة الموضوع على صيغة غالبة في التكسير وليس له مفرد: "أعراب"5 فإن صيغة "أفعال شائعة في الجموع، نادرة في الفردات غاية الندارة، إذ لا تعرف إلا في بضع كلمات معدودة، منها قدر أعشار6، وثوب أخلاق7 ... فتلك الصيغ
الموضوعة على وزن يخص جمع التكسير أو يغلب فيه، تدخل في جمع التكسير، بالرغم من عدم وجود مفرد حقيقي لها. وفي هذه الحالة يفترض النحاة لها وجود مفرد، مقدر، "خيالي"، أي: غير حقيقي، لتكون بهذا المفرد الملحوظ داخلة -اعتبارا- في جموع التكسير الأصيلة. والحق أنه لا داعي لشيء من هذا الافتراض والتخيل ما دام الواقع يخالفه، وما دامت أحكام التكسير المختلفة ستجري على تلك الصيغ. ب- اسم الجمع ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه. فيدخل في اسم الجمع ما له مفرد من معناه فقط، مثل: إبل، وقوم، وجماعة؛ فلهذه الكلمات وأشباهها مفرد من معناها فقط؛ فمفرد إبل هو: جمل أو ناقة، ومفرد قوم وجماعة هو: رجل أو امرأة ... وليس لها مفرد من لفظها ومعناها معا برغم دلالتها على أكثر من اثنين1 ... ويدخل في اسم الجمع أيضا ما يدل بصغته على الواحد والأكثر من غير أن تتغير تلك الصيغة، نحو: "فلك"، للسفينة الواحدة والأكثر. وكذلك يدخل في اسم الجمع ماله مفرد من لفظه، ولكن إذا عطف على هذا المفرد مماثلان أو أكثر كان معنى المعطوفات مخالفا لمعنى اللفظ الدال على الكثرة، نحو: قريش، فإن مفرده قرشي. فإذا قيل قرشي، وقرشي، وقرشي ... كان معنى هذه المعطوفات، هو: جماعة منسوبة إلى قبيلة "قريش"، وهو معنى يختلف اختلافا واسعا عن معنى "قبيلة قريش"، فليس مدلول قبيلة قريش مساويا مدلول: جماعة منسوبة إلى قريش. ويدخل في اسم الجمع أيضا ما نصيغه من لفظها ومعناها ولكنها ليست على أوزان جموع التكسير المعروفة فيما سبق؛ كراكب وركب، وصاحب
وصحب. فقد قيل: إن صيغة "فعل" ليست من صيغ التكسير عند فريق من النحاة. أما عند غيره فيعدها من صيغ التكسير. بالرغم من هذا فإن مثل راكب وركب، وصاحب وصحب ... أسماء جموع وليست جموع تكسير، لسبب آخر؛ هو: أن كل صيغة تدل على معنى الجمع مع جواز أن تتساوى هي والواحد في الخبر، وفي النعت إذا احتاجت إلى خبر أو نعت ليست جمعا، وإنما هي: اسم جمع: كركب وصحب، حيث تقول: الركب مسافر، وهذا ركب مسافر. كما تقول: الراكب مسافر، وهذا راكب مسافر. ومثل: الصحب قادم، وهذا صحب قادم؛ كما تقول: الصاحب قادم وهذا صاحب قادم ... ج- اسم الجنس الجمعي هو: ما له مفرد يشاركه في لفظه ومعناه معا، ولكن يمتاز المفرد بزيادة تاء التأنيث في آخره أو ياء النسب، "أو: هو ما يفرق بينه وبين واحدة بتاء التأنيث أو ياء النسب"، نحو: تمر، ومفرده: تمرة، وشجر، ومفرده: شجرة، وثمر، ومفرده: ثمرة، وعرب ومفرده عربي، وترك ومفرده تركي، وحبش، ومفرده حبشي ... ومن القليل أن تكون هذه التاء في اسم الجنس الجمعي لا في مفرده، نحو: كمأة1 المفرد: كمء. ويدل اسم الجنس الجمعي على ما يدل عليه جمع التكسير من الدلالة العددية2. ومن النحاة من يجعل اسم الجنس الجمعي جمع تكسير، لا قسما مستقلا بنفسه. وقد سبق بيان هذا3 مع توضيح المراد من الجنس وأنواعه المتعددة. 6- جمع التكسير -كالتصغير، وغيره- يرد الأشياء إلى أصولها، ولهذا يقال في جمع دينار: دنانير، لأن المفرد: دنار؛ قلبت النون الأولى ياء في المفرد، للتخفيف. وعند جمعه جمع تكسير ظهرت النون ورجعت إلى مكانها. 7- صيغة منتهى الجموع هي: كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان
أو ثلاثة بشرط أن يكون أوسط الثلاثة ساكنا؛ نحو: مصانع، مغانم، معابد، قناديل، مصابيح، مناشير.... وقد سبق تفصيل الكلام عليها في باب الاسم الذي لا ينصرف1. 8- لا يصح2 جمع الاسم المصغر جمع تكسير للكثرة؛ لأنها تناقض ما يدل عليه التصيغر من القلة، وأيضا لعدم وجود صيغة للكثرة تناسبه. ولو جمع بغير تصغير لكان جمع التكسير خاليا من علامة تدل على أن مفرده مصغر، فيؤدي هذا إلى اللبس. ومن ثم وجب في كل جمع تكسير للكثرة أن يكون خاليا من ياء التصغير؛ إذ لا يصح تصغيره وهو جمع كثرة؛ ولا يصح في مفرده المشتمل عليها أن يجمع جمع كثرة. أما جمع القلة فيجوز تصغيره لعدم المانع، فيقال في أصحاب وأجمال: أصيحاب، وأجيمال، وهكذا ...
المسألة 175: التصغير
المسألة 175: التصغير 1 تعريفه: تغيير يطرأ على بنية الاسم وهيئته؛ فيجعله على وزن "فعيل". أو: فعيعل"، أو "فعيعيل" بالطريقة الخاصة المؤدية إلى هذا التغيير؛ فيقال في بدر: بدير، وفي درهم: دريهم، وفي قنديل: قنيديل ... وهكذا ... وتسمى الأوزان الثلاثة: "صيغ التصغير". لأنها مختصة به، وليست جارية على نظام الميزان الصرفي العام2. الغرض منه: تحقيق أحد الأمور الآتية بأوجز الرموز اللفظية: 1- التحقير؛ نحو: جبيل، عويلم، بطيحل. في تصغير: جبل، وعالم، وبطل. 2- تقليل جسم الشيء وذاته3؛ نحو: وليد، طفيل، كليب. 3 تقليل الكمية والعدد؛ كدريهمات، ووريقات في مثل: اشتريت كتابا بدريهمات، يضم وريقات نافعة. 4- تقريب الزمان: كقبيل وبعيد، مثل: يستيقظ الزارع قبيل الفجر، وينام بعيد العشاء. أي: قبل وقت الفجر، وبعد وقت العشاء بزمن
قريب منهما1. 5- تقريب المكان1: مثل؛ فويق، وتحيت، في قول القائل: بيني وبين النهر فويق الميل، وتحيت الفرسخ2. وقد يكون المكان معنويا، يراد منه المنزلة والدرجة، نحو: فضل الوالدين فويق فضل الأولاد، وتحيت فضل الأجداد. 6- التحبب وإظهار الود؛ نحو: يا صديقي، يا بنيتي. 7- الترحم، "أي: إظهار الرحمة والشفقة"، نحو: هذا البائس مسيكين ... 8- التعظيم: كقول أعرابي: رأيت مليكا نهاية الملوك، وسييفا من سيوف الله تتحطم دونه السيوف3 ... 9- الاختصار اللفظي مع إفادة الوصف، كالذي في مثل: "نهير" بمعنى: نهر صغير4 ... ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل. ومن الممكن أيضا أداء كل غرض منها بأسلوب -أو أكثر- يخلو من التصغير، ولكنه سيخلو كذلك مما يمتاز به التصغير من الاختصار، والقوة، والتركيز4.
شروط الأسماء التي يدخلها التصغير: التصغير خاص بالأسماء وحدها؛ فلا تصغر الأفعال1. ولا الحروف. ويشترط في الاسم الذي يراد تصغيره: 1- أن يكون معربا، فلا تصغر -قياسا- الأسماء المبنية؛ كالضمائر، وكأسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، و"كم" الخبرية ... وغيرها من المبنيات -إلا ما ورد مسموعا منها مصغرا؛ فيقتصر على الوارد منه. وأشهر هذا المسموع ما يأتي: أ- المركب المزجي -علما أو عددا- عند من يبنيه في كل الحالات الإعرابية المختلفة؛ فيقال في تصعير نفطويه: نفيطويه، وفي أحد عشر: أحيد عشر2، أما عند من يعرب المركب المزجي إعراب الممنوع من الصرف فتصغيره قياسي؛ لأنه تصغير لاسم معرب "أي: متمكن"2. ب- ذا، وتا، وأولى، أو: أولاء "مقصورة وممدودة3 والثلاثة أسماء إشارة. والضبط المسموع الشائع فيها عند التصغير هو: ذيا، وتيا: "بفتح أولهما، وقلب ثانيهما -وهو الألف- ياء تدغم في ياء التصغير، وزيادة ألف جديدة بعد الياء المشددة". وأوليا "باقصر، مع تشديد الياء ومدها، دون الهمزة" أو: أو ليا "بالهمزة الممدودة بعد ياء التصغير، دون الأولى"، مع ضم أول الاسمين بغير مد، أو: أولياء. وكل هذه الصيغ لم تجر في تصغيرها على مقتضى الضوابط المرعية، وإنما نطق بها العرب هكذا. ومن المسموع تصغير: ذان وتان، وهما معربان -في الصحيح؛ فتصغيرها قياسي. إلا أن العرب غيرت فيهما تغييرات لا يقتضيه التصغير، كفتح أولهما، وتشديد الياء؛ فقالوا: ذيان، تبان ... ومن هنا كان الشذوذ.
ج- الذي، والتي، والذين "والثلاثة من أسماء الموصول"، ومن المسموع فيها عند التصغير: اللذيا، واللتيا، بفتح أولهما، أو ضمة واللذين "بضم اللام المشددة، وإدغام ياء التصغير في ياء الكلمة، وكسرها بعد التشديد"، واللتيات. أما اللذان واللتان فمعربان -في الصحيح؛ فتصغيرهما قياسي. إلا أن العرب فتحت أولهما عند التصغير؛ فقالوا: اللذيان واللتيان. ومن هنا كان الشذوذ. وفي أكثر الصيغ المصغرة السالفة لغات أخرى، وضبوط متعددة، اكتفينا ببعضها. د- المنادى المبني، نحو: يا حسين، في تصغير المنادى: حسن1 ... "ملاحظة": لا يعرف عن العرب تصغير شيء من الأفعال إلا صيغة، "أفعل" في التعجب، في مثل: ما أحسن الرجوع إلى الحق ... ؛ فيقال في التصغير: ما أحيسن الرجوع إلى الحق. وفي قياس هذا النوع من التصغير خلاف كبير. والرأي الشائع أنه غير قياسي، شأنه في ذلك شأن جميع الأفعال الأخرى. ولكن سيبويه وبعض من البصريين وغيرهم يرون قياسيته، وهذا رأي فيه تيسير2.
2- ألا يكون مصغر1 اللفظ؛ مثل: كميت، ودريد، وسويد "أعلام شعراء". وكعيت "اسم البلبل". 3- أن يكون يكون معناه قابلا التصغير؛ فلا تصغر الأسماء التي يلازمها التعظيم كأسماء الله، والأنبياء، والملائكة. ونحوها ... ، ولا لفظ: كل2 أو بعض3 ولا أسماء الشهور4؛ كصفر، ورمضان، ولا أيام الأسبوع، كالسبت، والخميس، ولا الألفاظ المحكية5، ولا كلمة: غير، وسوى6، ولا البارحة7، ولا غد8، ولا الأسماء المختصة بالنفي؛ مثل: عريب9، وديار. ولا المشتقات التي تعمل
عمل فعلها بالشروط والتفصيلات التي سبقت عند الكلام عليها1، ومن تلك الشروط عدم تصغيرها2، إلا كلمة: رويدا3، ولا يصغر جمع تكسير للكثرة. ولا المركب الإسنادي؛ لأن صيغ التصغير الثلاث لا تنطبق -في الأغلب- على هذين، إلا بعد حذف بعض حروفهما، وهذا الحذف يؤدي إلى اللبس، وخفاء أصلهما4؛ هذا إلى أن الغرض من جمع الكثرة يعارض التقليل الذي يدل عليه التصغير، غالبا. فإذا أريد تصغير جمع للكثرة صغر مفرده، ثم جمع جمع مذكر سالما، أو مؤنث سالما على حسب المعنى. أما جملة القلة فيصح تصغيرها فيقال في أجمال: "أجيمال"، وفي أنهر: أنيهر، وفي فتية: فتية، وفي أعمدة: أعيمدة. وكذلك يصح تصغير اسم الجمع؛ نحو: ركب وركيب، ورهط ورهيط.. نوعاه: التصغير نوعان: أصلي، وتصغير ترخيم5. ولكل منهما طريقة خاصة به. النوع الأول: التصغير الأصلي طريقته. الاسم المراد تصغيره أصالة قد يكون ثلاثيا، أو ثنائيا منقولا عن أصل ثنائي، أو رباعيا، أو أكثر من ذلك. أ- فإن كان ثلاثيا6، مثل: سعد، وحسن.. وجب اتباع ما يأتي:
1- ضم أوله، وفتح ثانيه -إن لم يكونا كذلك من قبل- وزيادة ياء ساكنة بعد الثاني مباشرة: تسمى: "ياء التصغير" وبعدها الحرف الثالث من أصول الاسم المصغر، مضبوطا على حسب الموقع الأعرابي. نحو: سعيد وحسين نبيلان، وإن سعيدا وحسينا نبيلان ... وبهذا التغيير الطارئ يصير الاسم على وزن: "فعيل" وينطبق عليه قولهم: "إن الثلاثي يصغر على "فعيل"، أو: إن صيغة "فعيل" هي المختصة بالاسم الثلاثي المصغر". فإن كان الاسم الثلاثي الأصول مضعفا؛ "نحو؛ قط، عم، در ... " وجب فك الإدغام، ثم تطبيق الحكم السالف. فليس من المصغر الثلاثي كلمة: "زميل1 ولا لغيزي2؛ لأن الحرف الثاني منهما ساكن مدغم في نظيره، باق على إدغامه، ولأن الياء الساكنة رابعة3 ... وإن كان الثلاثي الأصول قد يزيد على حروفه الثلاثة: "تاء التأنيث" مثل: شجرة، ثمرة ... ؛ فإنه يعتبر في حكم الثلاثي مع وجودها، فيخضع عند تصغيره لما يخضع له الثلاثي الخالي منها. 2- إن كان الثلاثي قد حذف منه بعض أصوله وبقي على حرفين4 وجب عند التصغير رد المحذوف؛ فيقال في: كل5، وبع6، ويد7 وأشباهها إذا صارت أعلاما: أكيل، وبييع، ويدي ... ويسري هذا الحكم على الثلاثي الذي حذف منه بعض أصوله؛ وعوض عنه تاه التأنث؛ فلا يمنع وجود هذه التاء من إرجاع المحذوف، فكأنها غير موجودة؛
نحو: عدة وسنة علمين، وأصلهما: وعد، وسنو، أو سنة، فعند التصغير: يرجع للأول فاؤه المحذوفة، وللثاني لامه المحذوفة، فيقال: وعيد، وسنية أو سنيهة. وهذه التاء الموجودة بعد التصغير هي للتأنيث، وليست -كالسابقة- للتعويض لأن تاء العوض لا تبقى بعد رجوع المعوض. ومما حذف لامه الأصلية وعوض عنها تاء التأنيث: "بنت وأخت"؛ فيرد المحذوف منهما عند التصغير؛ فيقالك بنية1؛ أخيه، والأصل: بنيوة وأخيوة، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء2 ... فإن كان الاسم على ثلاثة أحرف بعد حذف بعض أصوله لم يرجع المحذوف؛ نحو: عاد وهويد، وداع ودويع. 3- وإن كان اسم ثنائي الأصل؛ "أنه منقول مما وضع في أصله3 على حرفين"، وأريد تصغيره فإن كان ثانيهما صحيحا -مثل: هل، وبل، ولم. أعلاما- وجب: إما تضعيف ثانيه عند التصغير بشرط أن يكون أحد المضعفين قبل ياء التصغير، والآخر بعدها؛ فتتوسط بينهما، وإما تضعيف بشرط أن يكون أحد المضعفين قبل ياء التصغير، والآخر بعدها؛ فتتوسط بينهما، وإما تضعيف ياء التصغير نفنسها، بزيادة ياء عليها؛ فيقال: "هليل، أو هلي" "بليل. أو: بلي" "لميم، أو لمي" ... ففي هذه الأمثلة زيدت ياء التصغير، وتلاها بعد زيادتها حرف التضعيف الذي يشبهها أو الذي يشبه ما قبلها مباشرة،
ويتحرك الحرف الذي يلي ياء التصغير بالحركة الإعرابية المناسبة للجملة؛ لأن الاسم في هذه الحالة يصير معربا. وإن كان ثانيهما معتلا وجب تضعيفه، وزيادة ياء التصغير بين حرفي التضعيف؛ فمثل: لو، كي، ما، أعلاما، يقال فيها بعد التضعيف، وقبل التصغير: لو، كي، ماء1 ... ويقال في تصغيرها: لوي2، كيي3، موي4، بتوسط ياء التصغير بين الحرفين المتماثلين. واسم في هذه الصورة معرب أيضا، تجري حركات الإعراب على حرفه التالي ياء التصغير. هذا، ويعتبر الاسم ثنائيا -يجري عليه ما يجري على الثنائي ما إرجاع المحذوف ومن غيره- إذا كانت حروفه ثلاثة أولها همزة وصل؛ نحو: ابن، واسم ... فتحذف همزة الوصل في تصغيره، ويرجع المحذوف؛ فيقال: بني، وسمي. 4- إن كان الثلاثي المصغر اسما دالا على المؤنث وحده -أي: ليس دالا على المذكر، ولا مشترك الدلالة بين المؤنث والمذكر- وجب عند أمن اللبس زيادة تاء في آخره؛ لتدل على تأنيثه، سواء أكان باقيا على ثلاثيته، نحو: دار، وأذن، وعين، وسن، ... أم كان بعض أصوله محذوفا؛ نحو: يد، وأصلها: "يدي"؛ حذفت لامها تخفيفا؛ فيقال في تصغير تلك الأسماء
وأشباهها: دويرة، أذينة1، عيينة، سنينة، يدية. وسواء أكانت ثلاثيتها أصيلة "كهذه الأمثلة" أم طارئة2؛ مثل: "سمية" وستأتي: فإن أوقعت زيادة التاء في ليس وجب تركها؛ كما في تصغير: شجر وبقر؛ -عند من يقول بتأنيث اسم الجنس الجمعي- فلا يقال في تصغيرهما: شجيرة، ولا بقيرة؛ لأنه يلتبس بتصغير: "شجرة وبقرة" المكبرتين. وكذلك لا يقال: خميسة ولا سبيعة، في تصغير: خمس وسبع، الدالتين على معدود مؤنث. ومثلهما باقي الأعداد المؤنثة لدلالتها على معدود مذكر، لأن زيادة التاء عند تصغيرها تؤدي إلى اللبس، إذ يقع في الظن أنها لمعدود مذكر، مع أنها لمعدود مؤنث. وكذلك يجب تركها إن كانت الاسم وقت تصغيره والنطق به دالا على مذكر ولو كان في أصله لمؤنث؛ إذ الاعتبار إنما هو للدلالة الحالية عند النطق به، وليس لدلالته السابقة؛ فلو سمينا مذكا بأحد الأسماء المؤنثة السابقة: "دار، أدن، عين، سن، ... " أو بغيرها، كسعد، حسن، وهند، ومي، أعلام مذكر، لم يصح مجيء تاء التأنيث عند تصغيره3. وكذلك لا يصح مجيئها إذا كان المصغر غير ثلاثي4، نحو: زينب،
وسعاد؛ فلا يقال فيهما: زينبة، ولا سعيدة ... فشرط زيادة تاء التأنيث: أن يكون المصغر ثلاثيا، مؤنثا وقت تصغيره، لا يلتبس بغيره عنده زيادتها. ولا فرق في الثلاثي بين الباقي على ثلاثيته وغير الباقي الذي نقص منه شيء، ولا بين ما ثلاثيته أصيلة وما ثلاثيته طارئة. ومن أمثلة الطارئة: سمية1: علم مؤنث، وهي تصغير: "سماء"2 المؤنثة الممدودة. جرت عليها ضوابط التصغير؛ فضم أولها، وفتح ثانيها، وزيد بعده ياء التصغير، وانقلبت الألف الزائدة ياء، فاجتمع ياءان، الأولى منهما ساكنة؛ وهي ياء التصغير، وانقلبت الألف الزائدة ياء، فاجتمع ياءان، الأولى منهما ساكنة؛ وهي ياء التصغير، والثانية متحركة بالكسرة؛ وهي التي أصلها المدة فأدغمتا، ثم رجعت الهمزة إلى أصلها "الواو" -لام الكلمة- وانقلبت الواو ياء، طبقا لقواعد الإعلال؛ فصارت الكلمة: سميي. فاجتمع في آخر الكلمة ثلاث ياءات؛ هي ياء التصغير، تليها الياء التي أصلها ألف المد، وبعدهما الياء التي أصلها الواو لام الكلمة ... فوقع في الآخر بعد ياء التصغير ياءان، وهذا لا يقع في فصيح الكلام، ويتحتم حذف أولاهما تطبيقا للضوابط العامة في هذا الباب -كما سيجيء-3 فصارت: سمي. بياء مشددة تعتبر الحرف الثالث، ثم زيدت عليها تاء التأنيث؛ لتكون كأصلها دالة على المؤنث، فصارت: سمية. ويجب فتح الحرف الذي قبل هذه التاء مباشرة وهو الحرف الواقع بعد ياء التصغير في: "فعيل"4؛ لأن تاء التأنيث تستوجب فتح الحرف الذي قبلها في جميع حالات اللفظ الثلاثي وغير الثلاثي المختوم بها، سواء أكانت خاتمة اسم مصغر، أم غير مصغر -كالأمثلة السالفة- وسواء أكانت خاتمة فعل، أم حرف؛ نحو؛ قامت، كتبت، ربت، ثمت. "وهذا موضع يجب فيه فتح الحرف بعد ياء التصغير في صيغة "فعيل" وهي الصيغة المقصورة على
تصغير الاسم الثلاثي وحده. أما الحرف الذي يلي التصغير في غير هذه الصيغة، بأن يقع بعد ياء التصغير في صيغتي: "فعيعل وفعيعيل"، فيكون مكسورا، وله حالات يبقى فيها على حركته التي كانت له قبل التصغير. وسيجيء بيان هذا في موضعه المناسب"1. وقد ورد في الكلام المسموع بعض ألفاظ خالفت في التذكير أو التأنيث. ما سبق تقريره؛ فهي شاذة لا يقاس عليها2 ... كشذوذ ألفاظ أخرى ثلاثية ورد تصغيرها على غير صيغة: "فعيل"3. 5- إن كان ثاني الاسم الصغر حرف لين4 -نحو: باب وقيمة- وجب إخضاع هذا الثاني للضابط العام الذي يسري على كل حرف لين ثان؛ سواء أكان الاسم المصغر ثلاثيا أم غير أم غير ثلاثي. وسيجيء5 هذا الضابط. وإلى هنا انتهى الكلام على تصغير الثلاثي. ب- إن كان الاسم الذي يراد تصغيره رباعيا6؛ مثل: "جعفر وبندق"
وجب ضم أوله وفتح ثانيه -إن لم يكونا كذلك من قبل- وزيادة ياء ساكنة بعد ثانيه "وهي التي تسمى: ياء التصغير" وكسر ما بعد هذه الياء1، إن لم يكن مكسورا من قبل2؛ فيصير الاسم بعد إجراء هذه التغييرات على وزن: "فعيعل"؛ نحو: جعيفر. وبنيدق. وهذه التغييرات التي طرأت على الرباعي عند تصغيره هي التغييرات التي طرأت على الثلاثي عنده تصغيره كذلك. مع زيادة كسر ما بعد ياء التصغير في الرباعي -كالمثالين السالفين- إلا في بعض حالات ستجيء3. والكسر بعد ياء التصغير في الاسم الرباعي يوجب تغييرا آخر لا بد منه؛ يتلخص في أنه لو وقع بعدها حرف مد4 فالواجب قلبه ياء تدغم في ياء التصغير؛ "تطبيقا لما تقضي به الضوابط العامة في مصل هذه الحالة التي تقع فيها "ياء" بعد ياء التصغير"5 فيقال في: "كتاب، وسحاب، ومقام، كتسيب، وسحيب،
ومقيم" ... وفي: "صبور، وعجوز، وبعوض، صبير، وعجيز، وبعيض" ... وفي: "جميل، وسمير، وسعيد، جميل، وسمير، وسعيد". وهذا معنى قول النحاة: "الاسم الرباعي يصغر على: "فعيعل". وإن كان حرفها لثالث قبل التصغير حرف مد وجب قلبه ياء تدفم في ياء التصغير ... ". ج- إن كان الاسم الذي يراد تصغيره خماسيا فأكثر: 1- فإن لم يكن رابعه حرف لين وجب -في أغلب الحالات-1 حذف بعض أحرفه الضعيفة2؛ ليصير رباعيا يمكن تصغيره على صيغة: "فعيعل" الخاصة بالرباعي، بالطريقة التي شرحناها عند الكلام عليها. فيقال في سفرجل: سفيرج، وفي فرزدق: فريزد، أو: فريزق، وفي حيزبون: حزيبن. وفي مستنصر: منيصر، وفي محرنجم: حريجم. 2- فإن كان رابعه حرف لين وجب -في أغلب الحالات كالسابق- حذف بعض أحرفه الضعيفة. وقلب حرف اللين ياء إن لم يكن ياء من الأصل، فينتهي تصغير الاسم إلى "فعيعيل" بوجود ياء قبل آخر الصيغة -وهذه الياء هي التي كانت قبل تصغير الاسم حرف لين رابعا- تقول في تصغير سرحان: سريحين، وفي عصفور، عصيفير، وفي قنديل: قنيديل. وهذا معنى قول النحاة: "يجري تصغير الخماسي فما فوقه -بشرط ألا يكون الحرف الرابع لينا- على الطريقة التي جرى بها تصغير الرباعي. كلاهما على وزن "فعيعل" فإن كان الحرف الرابع "في الخامسي وفيما زاد على الخماسي" حرف ليسن وجب قلبه
ياء؛ ليكون تصغير الاسم على "فعيعيل" وجوبا؛ بظهور ياء قبل الآخر". وإذا حذف من الخماسي فما فوقه بعض أحرفه للتصغير جاز زيادته ياء قبل آخره لتكون عوضا عن المحذوف، بشرط ألا يكون قبل آخر ياء؛ "فيقال في سفارج: سفيرج وسفيريج"، "وفي فرزدق فريزد وفريزيد أو فريزق وفريزيق"، "وفي حيزبون: حزيبن أو حزيبين"، "وفي مستنصر: منيصر أو منيصير" ... وهكذا. ولا يصح الجمع بين هذه الياء وما حذف؛ لئلا يجتمع العوض والمعوض1 عنه. ولا بد من كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير في الصيغتين: "فعيعل، وفعيعيل" إلا في مواضع سيجيء النص عليها2. والذي يحذف أو يبقى من الأحرف هنا هو ما يحذف أو يبقى عند جمع الاسم تكسيرا؛ بحيث يبقى الحرف الأقوى الذي له المزية على غيره. فإن ساوى غيره في الأفضلية جاز حذ أحدهما بغسر تفضيل -كما عرفنا3. فتصغير الاسم الخماسي فما فوقه يقتضي -في الغالب- من الحذف والإبقاء ما يقتضيه تكسيره على: "فعالل، وفعاليل" وما ضاهما في الهيئة؛ كمفاعل ومفاعيل، وفواعل وأفاعيل ... وما جاء مخالفا لهذا فهو شاذ هنا؛ كشذوذ ما خالف الضوابط الخاصة بتصغير الثلاثي؛ كتصغيرهم رجل على: رويجل، ومغرب على: مغيربان، وليلة على: لييلية، وإنان على: أنيسيان.. مع أن القياس فيما سبق هو: رجيل، مغيرب، لييلة، أنيسيان.. مع أن القياس فيما سبق هو: رجيل، مغيرب، لييلة، أنيسين إن كان جمعه للتكسير هو: أناسين4 ...
أسماء لا يحذف عند التصغير خامسها ولا ما فوقه: يستثنى من القاعدة السالفة بعض أسماء تزيد أحرف كل منها على الأربعة، ولا يحذف حرفها الخامس ولا ما بعده عدن التصغير -بالرغم من أنهما في بعض الصور قد يحذفان عند التكسير- فيصغر الاسم كأنه رباعي مع ترك الحروف التي تجيء بعد الرابع على حالها، واعتبارها كأنها منفصلة عنه ليست من حروفه. ومن هذه الأسماء: 1- الاسم المختوم بألف تأنيث ممدودة1 بعد أربعة فصاعدا؛ نحو: "قرفصاء"؛ فيقال في تصغيرها: قريفصاء، بتصغير الكلمة كأنها رباعية: ثم يلحق بها الهمزة والألف التي قبلها، وإن شت قلت: بتصغير الكلمة من غير اعتبار لوجود الهمزة والألف التي قبلها مع وجودهما عند التصغير وبقائهما معه. أما ألف التأنيث المقصورة فإن كانت رابعة -كصغرى وكبرى- فإنها تبقى وجوبا، يقال في تصغيرهما: صغيرى وكبيرى. وإن كانت سادسة
أو سابعة حذفت وجوبا؛ مثل: لغيزى1 ولغيغيز2، وبردرايا3 وبريدر4 ... وكذلك إن كانت خامسة وليس في الأحرف السابقة عليها حرف مد زائد، كقرقرى5 وقريقر. فإن كان في الأحرف التي تسبقها حرف مد زائد جاز حذفها، أو حذف حرف الماد الزائد دونها؛ نحو: حبارى6 وحبيرى، أو حبير، ونحو: قريثى7 وقريثى "بحذف ياء المد التي بعد الراء" أو قريث؛ بحذف ألف التأنيث المقصورة، وإدغام "ياء المد" في "ياء" التصغير ... فالألف التأنيث المقصورة ثلاث حالات: الحذف وجوبا، والبقاء وجوبا، وجواز الأمرين. 2- الاسم المختوم بتاء تأنيث مسبوقة بأربعة أحرف أو أكثر؛ نحو: جوهرة، وحنظلة، فيقال في تصغيرهما: جويهرة، وحنيظلة؛ بإبقاء التاء على حالها وإجراء التصغير على الكلمة كأنها رباعية خالية منها. 3- المختوم بياء النسب، نحو: عبقري، جوهري، فيقال في تصغيرهما: عبيقري وجويهري. 4- المختوم بألف ونون زائدتين بعد أربعة أحرف أو أكثر وليس مثنى، وكذا المختوم بعلامتي تثنية؛ كزعفران، ومؤمنان ومؤمنين؛ وتصغيرها: زعيفران مؤيمنان مؤيمنين. 5- المختوم بعلامتي جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم، نحو: أحمدرون، وأحمدين، وزينبات. والتصغير: أحيمدون وأحيمدين وزيينبات.
6- عجز المركبين: "الإضافي، والمزجي"؛ نحو: ظهير الدين1، وأندرستان2 وتصغيرهما: ظهير الدين، وأنيدرستان3. فالأشياء السابقة كلها تثبت في التصغير؛ لتقديرها منفصلة عما قبلها ولا يصح حذفها، إذ لو حذفت ألف التأنيث الممدودة، أو تاؤه، أو غيرهما مما جاء بعدهما لأوقع الحذف في لبس لا ندري معه أكان الاسم المصغر مشتملا على المحذوف أم غير مشتمل عليه، فيتساوى تصغير الاسم المشتمل على تلك الأشياء والاسم الخالي منها. وهذا اللبس غير موجود يما يصح جمعه من تلك الأسماء جمع تكسير -إلا المركب الإضافي فإن تكسيره وتصغيره سواء- ولذلك تحذف تلك الأحرف السابقة في التكسير؛ فيقال في تكسير فرفصاء: قرافص -وفي جوهرة: جواهر، وفي عبقري: عباقر وفي زعفران زعافر.. أما المركب المزجي فلا يكسر -في الرأي الشائع- كما مر في باب: جمع التكسير4.
مواضع تبقى فيها حركة الحرف الواقع بعد ياء التصغير في: "فعيعل" و"فعيعيل" كما كانت قبل التصغير: عرفنا1 أن تصغير الاسم على صيغة: "فعيعل، أو فعيعيل" يقتضي كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير مباشرة؛ "نحو: دريهم وجويهر". و"سفيرج، أو سفيريج، وفريزد وفريزيد، وفريزق، أو فريزيق" في تصغير: "درهم وجوهر" و"سفرجل وفرزدق" وأشباهها من كل اسم تزيد أحرفه على الثلاثة قبل تصغيره. ويستثنى من هذا الحكم مواضع يجب فيها ترك حركة الحرف التالي ياء التصغير على ما كانت عليه قبل التصغير. ومن هذه المواضع2: 1- الحرف الذي يليه ألف التأنيث المقصورة، نحو: صغرى وصغيرى، كبرى وكبيرى. بخلاف الحرف الذي يليه ألف الإلحاق المقصورة فيكسر؛ نحو: أرطى وأريط3. 2- الحرف الذي يليه -مباشرة-4 ألف التأنيث الممدودة "وهي الهمزة التي أصلها ألف التأنيث وقبلها ألف المد الزائدة"؛ نحو: حمراء، خضراء، صفراء ... ويقال في تصغيرها: حميراء، خضيراء، صفيراء ... بخلاف
الحرف الذي يليه ألف الإلحاق الممدود، نحو: علباء وعليب1؛ فيجب كسر الحرف الذي قبل ألف الإلحاق بنوعيها. 3- الحرف الذي يليه ألف: "أفعال". "بأن يكون الاسم قبل التصغير على وزن: "أفعال"؛ مثل: أفراس، وأبطال ... ؛ فإذا صغير وقعت ألف: "أفعال" بعد ياء التصغير، فيجب فتح الحرف الذي قبل ألف: "أفعال"، وهو الحرف الواقع بعد ياء التصغير"؛ نحو: أفيراس وأبيطال. 4- الحرف الذي يليه ألف: "فعلان" -ثلاثي2 الفاء، ساكن العين- اسما كان أم وصفا. بشرط ألا يكون جمع "فعلان" هو: فعالين"3 عند التكسير؛ ففي تصغير: فرحان، وعثمان، وعمران، نقول: فريحان وعثيمان، وعميران، بفتح الحرف الذي بعد ياء التصغير، لتحقق الشرط، وهو أن المفرد: فعلان "مطلق الفاء" لا يجمع تكسيرا على فعالين؛ فلا يقال: فراحين، عثامين، عمارين ... فإن كان "فعلان" مما يجمع على: "فعالين" وجب كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير، نحو: سلطان وسلاطين، وسرحان وسراحين؛ ورريحان ورياحين. فيقال في تصغيرهما؛ سليطين، وسريحين ورييحين4 ...
5- الحرف الواقع بعد ياء التصغير في صدر المركب المزجي، نحو: تصغير: جعيفرستان، اسم بلد فارسي. ففي المواضع السابقة يجب ترك حركة الحرف الواقع بعد ياء التصغير كما كانت قبل تصغير الاسم على صيغة فعيعل، أو فعيعيل1 ... 6- الحرف المشدد بعد ياء التصغير، بالإيضاح الذي سبق تفصيله2 ...
بعض أحكام عامة في تصغير الأسماء الثلاثية، وما فوقها: 1- إذا كان ثاني الاسم حرف لين1 -ألفا، أو واوا، أو ياء- منقلبا عن لين وجب إرجاعه إلى أصله الذي انقلب عنه؛ كما في الأسماء التالية:
هذا هو الأصل العام الذي يجب مراعاته، وما ورد مخالفا له فشاذ لا يقاس عليه؛ كالذي سمع من تصغيرهم كلمة: "عيد" على: عييد؛ والقياس: "عويد" لأن الفعل: عاد يعود. فالأصل واو. فإن كان ثاني الاسم غير لين ولكنه منقلب عن لين بقي الثاني على حاله ولم يرجع لأصله -في الرأي الأرجح- نحو: متعد1 وأصلها: موتعد، قلبت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء، وانتهت الكلمة إلى: متعد، فيقال في تصغيرها: متيعد، لا مويعد. وإن كان ثاني الاسم حرف لين ولكنه منقلب عن حرف صحيح فإن كان منقلبا عن همزة قبلها همزة لم يرجع لأصله، وانقلب واوا، نحو آدم؛ فإن ثانيه حرف لين منقلبا عن همزة، والأصل: أأدم "بهمزة مفتوحة، فهمزة ساكنة" قلبت الهمزة الثانية ألفا؛ لوقوعها ساكنة بعد من فتحة، فيقال في تصغيرها: أويدم، بقلب الثانية "واوا" لا بإرجاعها إلى أصلها الهمزة، وهذا موضع من المواضع التي يقلب فيها الثاني واوا، وسيجيء. أما إن كان الثاني مبدلا من حرف صحيح غير همزة، أو مبدلا من همزة لم تسبقها همزة؛ فالواجب إراجعه إلى أصله، نحو: دينار وقيراط، وأصلهما: دنار وقراط -بتشديد النون والراء، بدليل جمعهما على: دنانير وقراريط- فيقال في تصغيرهما: دنينير، وقريريط؛ بإرجاع ثانيهما -وهو: الياء- إلى أصله النون والراء. ونحو: ذيب وريم؛ وأصلهما: ذئب ورئم2 فيقال في تصغيرهما ذؤيب ورؤيم3..
هذا، والكوفيون يجيزون في الألف المنقلبة عن ياء، في مثل: ناب، وفي الياء الأصلية التي في مثل: شيخ، قلبهما عند التصغير واوا؛ فيقولون: نويب، شويخ. ورأيهم ضعيف؛ إذ لا تؤيده الشواهد المتعددة1. ومن الشاذ ما سمع من تصغير: "بيضة" على: "بويضة" بالواو. 2- إذا كان ثاني الاسم حرفا زائا "ليس منقلبا عن أصل"، نحو: فاهم، عالم ... ، أو كان مجهول الأصل؛ ومنه: صاب2، وعاج وراف3، وجب قلبه واوا؛ فيقال في التصغير: فويهم، عويلم، صويب، عويج، رويف.. "وقد سبق الكلام على حالات أخرى يجب فيها قلب الألف الثانية واوا". فالحالات أربع: الألف التي أصلها الواو، الألف المنقلبة عن همزة تلي همزة الألف الزائدة، الألف المجهولة الأصل، الألف الثانية الزائدة "أي: غير المنقلبة عن أصل". أما الياء فتبقى ياء في موضع واحد، هو أن يكون أصلها الياء4؛ نحو: شيخ وشُييخ -كما تقدم. 3- إن كان آخر الاسم حرفا منقلبا عن أصل وجب عند التصغير إرجاعه لأصله؛ سواء أكان الآخر حرف لين؛ مثل: ملهى، أم غير لين، مثل: ماء وسقاء. فألف: "ملهى" أصلها الواو، لأنه من اللهو. وهمزة: "ماء"
أصلها الهاء، بدليل تكسيره على: مياه وأمواه. وهمزة: "سقاء"، أصلها: الياء لأنه من السقى. فيقال في تصغير ملهى: "مليهي" بإرجاع الألف إلى الواو وقلب الواو ياء؛ لتطرفها بعد كسرة؛ فتصير: مليهي ... ، وعند التنوين: مليه. ويقال في تصغير ماء: مويه، وفي تصغير: سقاء: سقي، بتشديد الياء ... 4- إذا حذف من الاسم الخماسي فما فوقه -بسبب التصغير- بعض أحرفه، جاز زيادة ياء قبل آخره؛ تعويضا عن المحذوف، بشرط ألا يوجد قبل آخره ياء. ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه؛ فيقال في سفرجل: سفيرج، بغير تعويض، أو: سفيريج بالتعويض، ويقال في مستنثر: منيصر، و: منيصير "وقد سبقت الإشارة لهذا"1. 5- إذا ولى ياء التصغير ياءان2 وجب حذف أولاهما؛ فيقال في: "سماء" عند تصغيرها: سمية "طبقا لما أوضحناه من قبل"3، وفي سقاء: سقي. وفي عشية: عشية، كما يقال في: "ثريا" عند جمعها جمع مؤنث سالما: "ثريات"4 وفي "عشية" المصغرة: عشيات. والأصل قبل حذف الياء: ثرييات، وعشييات.
6- إذا وقع بعد ياء التصغير حرف مشدد فقد يصح عند بعض النحاة قلبها ألفا للتخفيف، كما في: دويبة، وشويبة، تصغير: دابة وشابة، فيقال دوابة وشوابة، والأحسن قصره على السماع، أما الطريقة القياسية والنطق بالكلمة المشددة بعد تصغيرها فقد سبقت1 ... 7- الاسم المصغر لا يصح جمعه جمع تكسير للكثرة؛ لأنها -كما سبق-2 تعارض القلة المفهومة من التصغير، وأيضا، لعدم وجود صيغة للكثرة تلائمه عند اشتماله على ياء التصغير، ولو حذف هذه الياء لأمكن جمعه مع اللبس، لعدم وجود العلامة التي تدل على تصغيره، وتفرق بينه وبين غير المصغر؛ ولهذا لا يصح تكسيره كما لا يصح تصغير الاسم المجموع جمع تكسير للكثرة. أما المجموع جمة قلة فيصح -كما تقدم3. 8- الاسم المصغر ملحق بالمشتق؛ لأنه يتضمن وصفا في المعنى؛ ولهذا يصح وقوعه نعتا، وغيره، مما يغلب عليه الاشتقاق. 9- التصغير يؤدي إلى منع الاسم من الصرف أحيانا، أو إلى عدم منعه طبقا للبيان المفصل الذي سبق في باب الممنوع من الصرف4 ... 10- التصغير -كالتكسير- يرد الأشياء إلى أصولها؛ كالأمثلة التي مرت في مواضع متفرقة من هذا الباب. 11- الأصح أن العلم إذا صغر لا تزول علميته5.
المسألة 176: النوع الثاني 1: تصغير الترخيم 2، وطريقته هو: "تصغير الاسم3 الصالح للتصغير الأصلي، بعد تجريده مما فيه من أحرف الزيادة". فلا بد من: صلاحه ... ، واشتماله قبل تصغير الترخيم على بعض الزوائد. ولا بد من حذفها قبل إجرائه. وله صيغتان، إحداهما "فعيل"؛ لتصغير الاسم ثلاثي الأصول، والأخرى "فعيعل" لتصغير الاسم رباعي الأصول. أ- فإن كانت أصوله الباقية بعد حذف الزوائد ثلاثة صغر على صيغة: "فعيل"، وتزاد عليها تاء التأنيث إن كان مسماه ومدلوله الحالي مؤنثا؛ فيقال في حامد: حميد، وفي معطف: عطيف، وفي شادن "لأنثى": شدينة. كما يقال في فضلى، وحمراء، وحبلى: فضيلة، وحميرة، وحبيلة، بزيادة تاء التأنيثة فيهن. وإنما تزاد هذه التاء في المؤنث للتفرقة بين مصغره ومصغر المذكر. إلا إذا كان المصغر وصفا في الأصل من الأوصاف المختصة بالإناث فلا يصح مجيء التاء، فيقال في تصغير حائض وطالق: حييض وطليق؛ بحذف ألفهما، وبغير زيادة تاء التأنيث على صيغتهما، التي هي في أصلها وصف لمذكر4 ... وكما يقال في تصغير "حامد": حميد، يقال كذلك في تصغير: أحمد، ومحمود وحماد، ومحمدون ... فجميعها يصغر على: حميد، ويكون التمييز بينها ومعرفة ما كانت عليه قبل التصغير بالقرائن الأخرى التي تميز كل واحد وتمنع اللبس.
ب- وإن كانت أصول الاسم الباقية بعد حذف زوائده أربعة صغر على صيغة: "فعيعل"، فيقال في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر1 ... ح- لا مجال في تصغير الترخيم لصوغ الاسم المجرد على صيغة: "فعيعيل" لأنها صيغة مشتملة على بعض أحرف زائدة؛ فلا يصغر الاسم على وزنها إلا إذا كان محتويا على أحرف زائدة، وهذا مناقض لتصغير الترخيم. د- الغرض من تصغير الترخيم هو الغرض من التصغير الأصلي. وقد يكون الدافع إليه: التودد، أو التدليل، أو الضرورات الشعرية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا أريد تصغير: "إبراهيم وإسماعيل" تصغير ترخيم فالقياس عند سيبويه أن يقال يريهم، وسميعل1 ... بحذف زوائدهما فقط؛ وهي الهمزة، والألف والياء2. وعند غيره: أبيره، وأسيمع، لأن الهمزة عندهم أصيلة؛ لوقوعها قبل أربعة أحرف أصلية3، وهي لا تزداد في أول الكلمة المشتملة على أربعة أصول، فيحذفون الألف والياء الزائدتين، والخامس الأصلي وهو الميم، واللام؛ لأن بقاءه يخل بالصيغة. ويجري هذا، الخلاف أيضا في التصغير لغير الترخيم وفي جمع التكسير؛ فقياسهما عند سيبويه يريهيهم، وسميعيل، وبراهيم، وسماعيل، بحذف الزوائد المخلة بالصيغة، وهي الهمزة والألف دون الياء؛ لأنها حرف لين قبل الآخر وعند غيره: أبيريه، وأسيميع، وأباريه، وأساميع؛ بحذف خامس الأصول: لإخلاله بالصيغة، ويحذف الياء قبله، لزيادتها وقلب الألف ياء، لصيروتها لينا قبل الآخر.
المسألة 177: النسب
المسألة 177: النسب مدخل ... المسألة 177: النسب يتضح معناه مما يأتي: الاسم يدل على معنى مفرد، لا يزيد عليه شيئا؛ كمحمد، وفاطمة، ومصر، ومكة، وبغداد، ودمشق، وحديد، وكتاب ... ونظائرها من سائر الأسماء، ولا يدل واحد منها إلا على: مسماه. أي: على الشيء الذي سمي به -كما عرفنا1. لكن لو زدنا في آخر الاسم ياء مشددة قبلها كسرة، "فقلنا: محمدي، أو: فاطمي، أو: مصري، أو: مكي، أو: بغدادي، أو: دمشقي ... " لنشأ من هذه الزيادة اللفظية الصغيرة زيادة معنوية كبيرة؛ إذ يصير اللفظ بصورته الجديدة مركبا من الاسم الذي يدل على مسماه، ومن الياء المشددة التي تدل على أن شيئا منسوبا لذلك الاسم؛ أي: مرتبطا به بنوع ارتباط يصل بينهما؛ "كقرابة، أو صداقة، أو نشأة؛ أو صناعة ... أو غير هذا من أنواع الروابط والصلات"؛ فمن يسمع لفظ: "محمدي"، لا بد أن يفهم سريعا أمرين معا؛ هما "محمد" الدال على مسمى، وشيء آخر منسوب إلى محمد، أي: متثل به بطريقة من طرق الاتصال، "كالقرابة أو الصداقة، أو التعلم، أو غيره -كما قلنا" وكذلك من يسمع لفظ: فاطمي، أو: مصري، أو: مكي، أو: ما هو على شاكلتها، لا بد أن يفهم الأمرين معا في سرعة ووضوح. ولهذا تسمى تلك الياء: "ياء النسب". لأنها الرمز الدال في اختصار بالغ على أن شيئا منسوبا لآخر. فبدلا من أن نقول: شيء منسوب لمحمد ... نقول: "محمدي". وبدلا من أن نقول: شيء منسوب لفاطمة ... "نقول: "فاطمي". وهكذا ... ويسمى الاسم الذي تتصصل بآخره: "المنسوب إليه"، كما يسمى الشيء الذي تدل عليه وعلى أنه مرتبط ومتصل بما قبلها: "المنسوب".
فكل لفظ مشتمل على هذه الياء -مما سبق، ومن نظائره- هو معها في الوقت نفسه منسوب ومنسوب إليه بانضمامها له؛ فهما معا شيئا محتفظان بالدلالة السابقة، برغم الاختصار اللفظي المبين. وبسبب الأثر المعنوي السالف يعتبر الاسم المشتمل على ياء النسب مؤولا بالمشتق1 -أي: في حكمه- لتضمنه معنى المشتق؛ إذ معناه: "المنسوب إلى كذا"، بشرط أن تكون الياء المشددة زائدة لإفادة النسب وقت الكلام، "ويسمى النسب المتجدد"2، وليست من بنية الاسم؛ ككرسي، ولا للنسب بحسب أصلها السابق لا بحسب حاضرها الدال على إهمال النسب، وعلى أنها لا تؤدي معنى مستقلا، وإنما هي بمنزلة حرف من بنية الكلمة، كمن اسمه: بدوي، أو: مكي ... ومثل: مهري وبختي ... 2 فالياء في هذه الكلمات ليست للنسب المتجدد. وله أحكام3 لفظية نعرض لها فيما يلي: أحكامه اللفظية: أ- لا بد في النسب من زيادة ياء مشددة على آخر الاسم "المنسوب إليه"، "ولا تزاد إلا في آخر اسم". ويجري عليها الإعراب بعلاماته المختلفة تبعا لحال الجملة. ولا بد أيضا أن يكون قبلها كسرة. ومن الأمثلة قول أحد الرحالين: "لا يشعر العربي بالغربة فوق أرض عربية؛ فالحجازي في الشام، كالشامي في
الحجاز، وهما في مصر، كالمصري عندهما، والمغربي يلقى المشرقي في موطنه أيام الحج، ويجوس دياره، فلا يحسن وحشة ولا اغترابا. وحيثما ينتقل العربي في مواطن العروبة يجد أهلا بأهل1، وجيرانا بجيران2 ... ". ب- لا بد من إجراء تغييرات لفظية في آخر الاسم الذي تتصل به ياء النسب، وتغييرات أخرى في الحرف الذي قبل الآخر3 ... وأشهر التغييرات اللفظية التي تطرأ على الآخر الذي تتصل به هذه الياء مباشرة4 ما يأتي: 1- حذف هذا الحرف الأخير إن كان ياء مشددة مسبوقة بثلاثة أحرف أو أكثر، سواء أكانت هذه الياء في الأصل للنسب؛ "نحو: يمني، أفغاني، شافعي ... ، أعلام رجال" أم كانت لغير النسب؛ نحو: كرسي، كركي5
مرمي1 ... ، فلا بد من حذف هذه الياء المشددة؛ لتحل محلها ياء النسب الزائدة: فيصير اللفظ في صورته الجديدة بعد الحذف والزيادة كما كان في صورته الأولى بغير أن يتغير مبناه الظاهر2 بالرغم من غير معناه، فيقال في النسب إلى الكلمات السالفة: يمنى3، أفغاني، شافعي، كرسين كركي، مرمى، ...
من غير تغيير في هيئتها الظاهرة -بالرغم من تغير معناه كما قلنا- وهذا هو الحكم الذي يجب الاقتصار عليه. ومن العرب من يقول في النسب إلى مثل مرمي: "مرموي"؛ فيحذف من المشدد ياءها الأول الساكنة الزائدة، ويقلب الثانية واوا قبلها فتحة -للتخفيف- "بشرط أن تكون إحدى الياءين -في المشددة- زائدة، والأخرى، منقلبة عن أصل"1؛ ويزيد بعدها ياء النسب. وبهذا الشرط تكون نوعا آخر مختلفا عما قبلها وعن سائر الأنواع الأخرى. وهذه اللغة ضعيفة2 ... هذا إن كانت الياء المشددة التي في آخر الاسم مسبوقة بثلاثة أحرف أو أكثر -كما تقدم- فإن كانت مسبوقة بحرفين؛ مثل: عدي، وقصي، حذف الأولى منهما "وهي الساكنة"، وقلب الثانية المتحركة واوا المتحركة واوا مسكورة، قبلها فتحة، وزيادة ياء النسب بعدها، نحو: عدوي، وقصوي ... وإن كانت تلك الياء المشددة مسبوقة بحرف واحدة؛ مثل "طي، ري، غي، حي، بي3، عي4". وجب قلب الياء الثانية واوا مكسورة قبل ياء النسب، وإرجاع الأولى إلى أصلها الواو إن كان واوا، وتركها ياء إن كان الياء، مع فتح ثاني الاسم في الحالتين، فيقال: "طووي، رووي، غووي" "حيوي، بيوي، عيوي"5..
2- حذفه إن كان تاء التأنيث؛ نحو: مكي، كوفي، حبشي؛ في النسبة إلى مكة، وكوفة وحبشة1 ... 3- حذفه إن كان ألفا خامسة فصاعدا، سواء أكانت ألف تأنيث؛ مثل: حبارى2 وحبارى، أم ألف إلحاق؛ حبركى3 وحبركي، أم منقلبة عن أصل؛ نحو: مصطفى، ومصطفى4. وكذلك يحذف إن كان ألفا رابعة، بشرط أن يكون ثاني الاسم متحركا، ولا يكاد ينطبق هذا إلا على الرباعي الذي رابعه ألف تأنيث؛ نحو: جمزى وجمزي5. فإن كانت الألف رابعة والحرف الثاني ساكنا، جاز حذفها وقلبها واوا؛ سواء أكانت زائدة للتأنيث، أم للإلحاق، أم منقلبة عن أصل؛ مثل: حبلي، وأرطي6 وملهي ... فيقال في النصب: "حبلي، أو:
حبلوي" "وأرطي، أو: أرطوي"، "وملهي، أو: ملهوي"، والأحسن في ألف التأنيث الحذف، وفي غيرها القلب. وإذا قلبت الألف الرابعة -بأنواعها الثلاثة السابقة- واوا جاز شيء ثالث أيضا هو: زيادة ألف قبل الواو، فنقول: حبلاوي، أرطاوي، ملهاوي1. أما إن كانت الألف ثالثة فلا يجوز فيها إلا القلب واوا؛ نحو: فتى وفتوي، ربا وربوي، علا وعلوي2 ... 4- إن كان الآخر همزة الممدود وجب3 بقاؤها عند النسب إن كانت أصلية؛ فنحو: قراء وقرائي، وبداء وبدائي.
ووجب قلبها واوا إن كانت للتأنيث؛ نحو: حمراء وحمراوي، وخضراء وخضراوي. ويجوز بقاؤها وقلبها واوا إن كانت منقلبة عن أصل "سواء أكان الأصل واوا، أم ياء، أم غيرهما"1 أو كانت للإلحاق؛ فيقال في كساء: كسائي أو كساوي -وفي بناء: بنائي أو بناوي- وفي علباء: علبائي أو علباوي ... أي: أن همزة الممدودة يجري عليها في النسب ما يجري عليها في التثنية2 ... 5- حذفه إن كان ياء منقوص خامسة أو سادسة، نحو: "مهتد، ومقتد" و"مستعل ومستغن" فيقال في النسب إليها: "مهتدي، مقتدي، مستعلي، مستغني". فإن كانت الياء رابعة فالأحس حذفها. ويصح -بقلة- قلبها واوا مسبوقة بفتحة3؛ نحو: "راع وراعي، وراعوي"، "وهاد وهادي، وهادوي". وإن كانت ثالثة وجب قلبها واوا مسبوقة بفتحة3؛ نحو: "شج4 وشجوي، "رض5 ورضوي"، "عظ6 وعظوي"، "عم وعموي". ولا بد من فتح ما قبل الواو -تخفيفا- في جميع الحالات التي تنقلب فيهاء ياء المنقوص واوا؛ نحو: راع وراعوي، وشج وشجوي7 ...
فإن كان الآخر مختوما بواو رابعة فصاعدا، وقبلها ضمة، حذفت الواو فيقال في النسب إلى: ثندوة1 وقلنسوة: ثنندي وقلنسي. فإن كانت الواو ثالثة وقبلها ضمة حذفت الواو عند سيبويه فيقال في "عدوي": عدوي، بفتح الدال التي هي عين الكلمة، وحذف الواو الأولى. وإنما فتحت الدال قبلها لتصير الكلمة على وزان: "فعلي" لأن "سيبويه" لا يفرق بين "فعولة" و"فعيلة" عند النسب، بشرط وجود التاء في آخرهما، فيجعلهما على وزان "فعلي"2، فإن لم توجد التاء فلا حذف عنده؛ فيقال: "عدوي". أما غير سيبويه فيجعل "فعولة وفعول" -أي: بالتاء وبغير التاء- خاضعين عند النسب لحكم واحد، هو عدم حذف شيء منهما؛ فيقول في "عدو وعدوة" عدوى، بتشديد الواو، وضم ما قبلها3..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا حكم النسب إلى المقصور، والممدود، والمنقوص. فما حكم النسب إلى المعتل الآخر، الشبيه بالصحيح؟ وما حكم النسب إلى كلمات أخرى تشتمل على الياء، أو الواو، وليست مما سبق؟ 1- معتل الآخر الشبيه بالصحيح1 هو: ما آخره واو أو ياء، إما مشددتان، وإما مخففتان قبلهما ساكن؛ نحو: مرمي2، ومجلو، وظبى، ودلو ... والذي يعنينا هنا: الاسم الثلاثي الذي ثالثه ياء أو واو، وقبلهما سكون، وليس بعدهما تاء التأنيث، نحو: ظبي وغزو؛ فلا يحذف منهما شيء عند النسب، ويقال فيهما: ظبيبي وغزوي، فإن جاءت بعدهما تاء التأنيث فالأرجح عدم الحذف أيضا؛ فيقال في ظبية، وغزوة: ظبيي وغزوي. وتزاد تاء التأنيث بعد ذلك؛ بشرط أن يكون المنسوب مؤنثا -طبقا للقاعدة العامة، حين يكون المنسوب مؤنثا- فيقال: ظبيية وغزوية. ومن المسموع: قروي؛ نسبة إلى: "قرية" حيث قلبت الياء واوا قبلها فتحة، ولا يقاس على هذا في الرأي الأرجح. 2- فإن كان الثالث ياء قبلها ألف؛ نحو: غاية وراية3 ... فأقوى الآراء: قلب الياء همزة بعد حذف التاء، فيقال: غائي ورائي؛ ويجوز -بقلة- غابي ورابي، بغير قلب؛ كما يجوز -بقلة- غاوي وراوي، ولكن الاقتصار على الأقوى أفضل؛ لقلة الوارد من غيره، ثم تزاد تاء التأنيث إن كان المنسوب مؤنثا4 ... 3- وأما نحو: سقاية، وحولايا "لموضع" فيجوز أمران، أحدهما: قلب الياء همزة بعد حذف تاء التأنيث وألف التأنيث المقصورة؛ فيقال فيهما: سقائي، حولائي. والآخر: قلب الياء همزة على الوجه السالف ثم قلب الهمزة واوا لوقوعها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متطرفة بعد ألف زائدة -طبقا لقواعد الإبدال- فيقال سقاوي وحولاوي. 4- وأما نحو: شقاوة1 فتبقى الواو على حالها بلا حذف ولا قلب. ب- كيف ننسب إلى الاسم المعتل الآخر بالواو؛ مثل: "أرسطو، نهرو، سفو، كلمنصو؛ رنو، شو ... " "كنغو، طوكيو ... "؟ وكل هذه أسماء شائعة في عصرنا2. لم أصاف فيما لدي من المراجع نصا يصلح جوابا عما سبق. ولعل السبب -كما أسلفنا- في تركهم النص هو أن الأسماء العربية الأصلية خالية من الاسم المعتل الآخر بالواو. حتى لقد قبل إن العرب لم يعرفوا من هذا النوع إلا بضع كلمات محددة نقلوها عن غيرهم. منها: سمندو وقمندو ... لهذا ترك النحاة -فيما أعلم- الكلام على طريقة إعرابه، وتثنيته، وجمعه، والنسب إليه ... غير أن الحاجة اليوم تدعو إلى تدارك الأمر: لشيوع هذا النوع بيننا، وعدم الاستغناء عن استعماله. وقد سبق أن تكلمنا عما يحسن اتباعه فيه من ناحية إعرابه، وتثنيته وجمعه ... في الأبوباب الخاصة بها. أما في النسب فقد استرشدت بالحكم الخامس الذي سبق3، واستلهمت نظائر له، وراعيت اعتبارات أخرى. وانتهيت إلى رأي قد يكون أنسب؛ هو أنه يحسن حذف الواو إن كان خامسة فأكثر، وتبقى إن كانت ثالثة، ويجوز حذفها أو إبقاؤها إن كانت رابعة. وتبقى مع وجوب تضعيفها إن كانت ثانية. فيقال في النسب إلى أرسطو، وكلمنصو: "أرسطي، وكلمنصي. ويقال في النسب إلى كنغو: "كنغوي، أو: كنغي" ... ومثله: نهو ... ويقال: سفوي ورنوي في النسب إلى "سفو" ورنو "علمين" ويقال: شوي، في النسب إلى "شو". ويجب كسر ما قبل ياء النسب في كل الأحوال، كما يجب التخفيف في النسب إلى الثلاثي بعدم توالي كسرتين قبلها؛ فتفتح الأولى منهما.
6- حذف الآخر إن كان علامة تثنية1 في آخر ما سمى به من مثنى وملحقاته؛ وصار علما معربا بالحروف؛ مثل: الإبراهيمان والإبراهيمين ... والنسب إليهما: الإبراهيمي.. وكذا: الرشيدان والرشيدين، والنسب إليهما: الرشدي. أي: أن النسب يكون للأصل المفرد2 بعد حذف علامة التثنية من العلم. وهنا يلتبس النسب إلى المثنى العلم بالنسب إلى مفرده؛ فيكون التعيين والتمييز بالقرائن التي تحدد أحدهما3. أما النسب إلى المثنى الحقيقي "الذي ليس علما مسمى به" فينسب إلى مفرده. ولا يخلو من لبس كذلك3، فتزيله القرائن ... 7- حذف الآخر إن كان علامة جمع مذكر سالم4، سمي به أو بما ألحق به، وصار علما معربا بالحروف5 نحو: خلدون. وحمدون، وصالحين وسعدين ... "وهي أعلام قديمة" فيقال في النسب إليها: خلدي. وحمدي وصالحي، وسعدي، ... أي: بالنسب إلى مفردها؛ واللبس في النسب بين العلم الجمع ومفرده تزيله القرينة التي تعين أحدهما دون الآخر5.
أما النسب إلى جمع المذكر السالم الباقي على جمعيته1، وليس علما مسمى به، فيكون بالنسب إلى مفرده أيضا، فإن أوقع في لبس وجب الفرار منه باتباع الرأي الذي يبيح النسب إلى لفظه المجموع؛ بالرغم من رأي المعارضين في هذا؛ لأن الفرار من اللبس -إن أمكن- والحرص على توقيه، غرض أصيل في لغة العرب، وأصل من أقوى أصولها التي تقوم عليها. 8- حذف الآخر إن كان علامة لجمع مؤنث سالم2 بشرط مراعاة التفصيل الآتي: أ- إن كان هذا الجمع باقيا على جمعيته "أي: لم ينقل إلى العلمية مع بقائه على صيغة الجمع" وليس وصفا3 ونحوه: مما يجيء في: "ج". وجب النسب إلى مفرده في جميع الحالات، نحو: وعردة، تمرة، زينب، عائشة، سرادق، والجمع: وردات، تمرات، زيبنات، عائشات، سرادقات، والنسب هو: وردي، تمري، زيني، عائشة، سرادقي ... بالنسب إلى المفرد في كل ما سبق وأشباهه. ب- إن كان هذا الجمع مسمى به. "بأن صار علما" وجب حذف العلامة الدالة على الجمع "وهي: الألف والتاء" وينسب إليه على لفظه الباقي بعد الحذف. ولا ينسب إلى مفرده؛ فيقال في النسب إلى الجموع السالفة إذا كان كل جمع علما. وردي وتمرى، "بفتح ثانيهما"4، زينبي، عائشي، سرادقي ... فليس بين الصورتين فرق إلا في مثل: وردة وتمرة،
مما تحرك ثانيه الساكن لأجل الجمع. ج- إن كان وصفا، أو اسما جامدا، والثاني فيهما ساكن، وألف الجمع رابعة نحو: ضخمات، وصعبات، وهندات ... "والمفرد، صخمة، صعبة، هند" جاز عند النسب حذف العلامة "بحر فيها: الألف والتاء"، وجاز الاقتصار على حذف التاء وحدها، مع قلب الألف واوا، فيقال في النسب: ضخمي، أو ضخموي، صعبي، أو: صعبوي، هندي، أو هندوي1 ويصح زيادة ألف فاصلة قبل هذه الواو؛ فيقال ضخماوي ... و ... و ... "ملاحظة": الكلام على النسب إلى جمع التكسير وما في حكمه يجيء في: ب من ص741. 9- إرجاعه إن كان لاما محذوفة بشرط مراعاة التفصيلات التي ستأتي2 عند الكلام على النسب إلى ما ذحف بعض أصوله. 10- تضعيفه إن كان ثانيا معتلا، في اسم ثنائي الحروف -قبل النسب- مثل: لو، كي، لا ... ؛ فعند التسمية بهذه الألفاظ والنسب إليها، يقال: لوي، كيوي، لائي. فأما: "لو" فقد ضعفنا واوها الأصلية، وأدغمنا الواوين، يجعلهما ياء واحدة مشددة؛ فصار الاسم قبل النسب "كي"، وهو اسم مختوم بياء مشددة مسبوقة بحرف واحد؛ فعند النسب ترجع الياء الأولى إلى أصلها الياء مع فتحها، وتنقلب الثانية "واوا"، وتجيء بعدها ياء النسب؛ فيقال: كيوي.
وأما: "لا" فتضعيف ثانيها يكون بزيادة ألف أخرى بعد الأصلية. لكن لا يمكن إدغامهما، ولا إبقاء كل منهما بغير إدغام، فتنقلب الثانية همزة؛ عملا بقواعد القلب. وقيل: إن الهمزة تزاد من أول الأمر مباشرة؛ فيقال: "لائي"1: فإن كان ثانيه صحيحا والكلمة ثنائية وضعا "أي: لم يحذف منها شيء" جاز فيه التضعيف وعدمه. ففي النسب إلى: "كم" يقال: كمي أو كمي، بتشديد الميم أو تخفيفها2.
أشهر التغييرات التي تطرأ على الحرف الذي قبل الأخير، بسبب ياء النسب. 1- وجوب التخفيف بقلب الكسرة فتحة في عين الاسم الثلاثي المكسور العين؛ سواء أكانت فاؤه مضمومة، أم مفتوحة، أم مكسورة. فمن المضمومة: "دئل، وقدر، وبهر ... ، والثلاثة أعلام والنسب إليها: دؤلي، قدري، بهري". ومن المفتوحة: "نمر، وخشن، وملك، والنسبة إليها: نمري، خشني، ملكي" ومن المكسورة: "إبل، وبلز1، والنسبة إليهما: إبلي، بلزي". أما سبب التخفيف بقلب الكسرة فتحة على الوجه المتقدم فلأن العرب تستثقل في النوع السالف استيلاء الكسرة على أكثر حروف الكلمة المختومة بياء النسبة؛ إذ تقع فيه الياء بعد كسرتين متواليتين أو ثلاثة، فنفر العرب من هذا الثقل إلى التخفيف بقلب الكسرة الأولى فتحة2. 2- وجوب التخفيف أيضا إذا كان قبل آخر المنسوب إليه ياء مكسورة مدغم فيها ياء ساكنة قبلها. والتخفيف هنا يكون بحذف الثانية المكسورة -سواء كانت هي الثالثة بين أحرف الكلمة أم كانت أكثر- ففي النسب إلى3: "طيب ولين" و"هين وجيد" و"غزيل، تصغير غزال، وأسيد، تصغير: أسود" يقال: "طيبي، وليني" "هيني، جيدي" "غزيلي، أسيدي".
فلا تحذف الياء الثاني في مثل: هبيخ1 لعدم كسرها، ولا في مثل: مهيم2؛ تصغير مهيام، لوجود ياء زائدة فاصلة بين الياء والمكسورة، وآخر المنسوب إليه. 3- حذف ياء، "فعيلة" -بفتح فكسر- وحذف تاء التأنيث معها، وفتح ما قبل الياء التي حذفت "أي: فتح عين الكلمة". كل هذا بشرطين: أن تكون عين الكلمة غير مضعفة، وأن تكون صحيحه إذا كانت اللام صحيحة؛ فتصير الكلمة بعد التغيير السالف على وزن: "فعلي"؛ فيقال في النسب إلى حنيفة، وفهيمة، وسميرة ... : حنفي، وفهمي، وسمري، ومن المسموع الشاذ: سليقي، وسليمي، في النسب إلى: سليقة3، وسليمة4. هذا رأي أكثر النحاة. وقد تصدى لهذه الأمثلة الشاذة أحد الباحثين5
المعاصرين وأثبت أنها ليست شاذة، لوجود عشرات مسموعة، من نظائرها الفصيحة، وعرض تلك العشرات، وانتهى من بحثه إلى أمرين: أولهما: أن النسب إلى "فعيلة" هو: فعيلي" قياسا مطردا: ثانيهما: أنه يجوز النسب إليها على: "فعلي" -بحذف الياء- كما يرى بعض القدماء بالشرطين السالفين: وبزيادة شرط ثالث عليهما؛ هو: اشتهار الاسم المنسوب إليه شهرة فياضة تمنع الخفاء واللبس عن مدلوله إذا حذفت ياء "فعيلة" للنسب. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة ص3 ح حذف الياء جوازا، لا وجوبا. وما عرضه هذا الباحث من الأدلة غير مرجوح. ورأيه حسن. والأخذ به أولى1. فإن كانت العين مضعفة: مثل؛ رقيقة ولبيبة، أو كانت معتلة مع صحة اللام؛ مثل: طويلة، وعويصة -لم يحدث حذف ولا تغيير عند النسب إلا حذف تاء التأنيث؛ فيقال: رفيقي- ولبيبى، وطويلي. وعويصى. وإن كانت العين معتلة مع اعتلال اللام وجب إجراء التغيير الأول بالحذف والتغيير؛ فيقال: في طوية: طووي2 ... 4- حذف ياء: "فعيل" -بفتح فكسر- بشرط أن يكون معتل اللام. وفي هذه الصورة تنقلب عند النسب لامه المعتلة واوا مع فتح ما قبلها وجوبا؛ كغني وغنوي، وعلي وعلوي، وصفي وصفوي، وعدي وعدوي. فإن كان صحيح اللام لم يحدث تغيير؛ نحو: جميل وجميلي. وعقيل وعقييلي3.
5- حذف ياء: "فعيلة" -بضم، ففتح، فسكون- وحذف تاء التأنيث معها، بشرط أن تكون العين غير مضعفة، وأن تكون صحيحة إذا كانت اللام صححة. فتصير الكلمة بعد التغيير السالف على وزن: "فعلي"، فعند النسب إلى: قريظة، وجهينة، وحذيفة، يقال: قرظي، وجهني، وحذفي ... فإن كانت العين مضعفة لم تحذف الياء؛ كما في قليلة وقليلي، وجديدة وجديدي. وكذلك إن كانت معتلة مع صحة اللام، كما في لويزة ولويزي، ونويرة ونويري. فإن كانت معتلة مع اعتلال اللام وجب الحذف، نحو: حيية وحيوي ... 1. 6- حذف ياء "فعيل" -بضم، ففتح، فسكون- بشرط أن يكون معتل اللام. وفي هذه الصورة تنقلب عند النسب لامه المعتلة واوا قبلها فتحة؛ نحو: قصي وقصوي، وفتى، وفتوى. فإن كان: "فعيل" صحيح اللام لم تحذف الياء -في الأرجح- نحو: سعيد وسعيدي، وردين ورديني2 ...
7- حذف واو: "فعولة" -بفتح فضم- ومعها التاء1؛ بشرط أن تكون عين اللفظ صحيحة، وغير مضعفة. وفي هذه الصورة يفتح الحرف الذي كان مضموما قبل حذف الواو. ومن الأمثلة: شنوءة2، وسبوحة3، فيقال في النسب إليهما: شنثي، وسبحي ... 4 فلا تحذف الواو في مثل: قوولة وصوولة5، لاعتلال العين، ولا في مثل: "ملولة" لتضعيفها. "أما فعول" بغير تاء فينسب إليه على لفظه؛ نحو؛ ملول وملولي، وعدو وعدوي ...
المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله
المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله أ- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو عين الكلمة وجب رده في حالتين: الأولى: أن يكون عينا لاسم ثلاثي مضعف1. مثل: "رب". وأصله: "رب" الحرفية الجارة، حذفت الياء الأولى، تخفيفا2، فإذا صار بعد التخفيف علما وأريد النسب إليه، وجب إرجاع الياء الساكنة المحذوفة وإدغامها في نطيرتها، كما كانت قبل الحذف؛ فيقال: ربي، ومثلها: "قط" على اعتبار أن أصلها: قط3 -بتشديد الطاء؛ حذفت الطاء الأولى الساكنة، تخفيفا؛ فإذا نسب إلى المخففة وجب إزعاج العين المحذوفة. وإدغامها في نطيرتها: فيقال: قطي ... الثانية: أن يكون عينا لاسم معتل اللام، نحو: يرى "علما منقولا من المضارع، وأصله: يرأى. نقلت فتحة الهمزة. إلى الراء الساكنة قبلها، وحذفت الهمزة؛ فصار اللفظ: يرى". فإذا سمي به، وأريد النسب إليه؛ قيل: "يرثي"، بإرجاع العين المحذوفة مع فتح الراء؛ مراعاة لضبطها الطارئ الذي كانت عليه بعد حذف الهمزة4.
ب- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو: "فاء" الكلمة وجب إرجاعه بشرط اعتلال اللام؛ نحو: شية1 والنسب إليها: وشوي، بكسر الواو الأولى وفتح الشين2 -تليها الواو الثانية المكسورة عند النسب. فإن كانت اللام صحيحة لم يجز رد المحذوف؛ فيقال في عدة3: عدي
وفي جدة1: جدي. ج- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو "لام" الكلمة، وجب إرجاعه في حالتين: الأولى: أن تكون العين معتلة؛ مثل: "شاة" وأصلها: "شوهة"2 -بسكون الواو- حذفت لام الكلمة "الهاء" للتخفيف، فصارت الكلمة: شوة -بسكون الواو- ثم تحركت الواو بالفتحة3، فصارت: شوة، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فانقلبت ألفا، وصارت الكلمة، شاة، والنسب إليها في الرأي الأرجح هو: شاهي4.
الثانية: أن تكون اللام المحذوفة قد رجعت -في الكلام المأثور- في التثنية، أو جمع المؤنث السالم1؛ مثل: "أب، وأخ"، وتثنيتهما: "أبوان وأخوان"، فالنسب إليهما: أبوي وأخو، بإرجاع الواو المحذوفة منهما. ومثل: "سنة"، وأصلها: سنة أو سنو. حذفت لام الكلمة؛ "وهي: الهاء: أو الواو" وجاءت تاء التأنيث عوضا عنها، وهذه التاء تحذف في جمع المؤنث السالم وترجع اللام المحذوفة، فيقال: سنهات أو سنوات، كما يقال في النسب: سنهي، أو سنوي، بإرجاع اللام المحذوفة كما رجعت في جمع المؤنث. والنسب إلى: "أخت وبنت"؛ هو: "أخوي، وبنوي"، لأن جمعهما المؤنث السالم: أخوات وبنات، والنسب إليهما كالنسب إلى أخ وابن، وهذا يوقع في لبس قوي دعا بعض النحاة إلى رفض النسب بالصورة السالفة، وتحتيم النسب على لفظهما؛ فيقول: أختي وبنتي؛ ورأيه حسن، جدير بالمحاكاة، مع صحة الرأي الأول وقوته2.
ما يجوز فيه عند النسب رد لامه المحذوفة وعدم ردها: بان مما سبق وجوب رد اللام المحذوفة إلى الاسم عند النسب بشرط أن تكون عينه معتلة، أو أن تكون لامه مما يرجع في تثنية أو جمع مؤنث سالم. فإن لم يتحقق الشرط جاز الرد وعدمه، ففي مثل: يد1 ودم2، وسفة3
يقال عند النسب: يعدي أو يدوي، دمي أو دموي شفي، أو شفهي ويصح: شفوي ... وقد حذفت اللام في يد، ودم بغير تعويض. زيدت تاء التأنيث عوضا عن الهاء المحذوفة. وإذا حذفت اللام وعوض عنها همزة الوصل جاز عند النسب الرد أو عدمه دون الجمع بين اللام المحذوفة وهمزة الوصل؛ منعا للجمع بين العوض والمعوض عنه، ففي مثل: "ابن واسم" يقال: "ابن واسم" يقال: "ابني أو بنوي، واسمي، أو سموي"1 ولا يصح أن يقال: ابنوي واسموي ...
المسألة 179: أحكام عامة في النسب
المسألة 179: أحكام عامة في النسب "وتشمل: حكم النسب إلى المركب بأنواعه المختلفة -وإلى جمع التكسير، وما ألحق به- صيغة: فعال" للنسب، النسب المسموع، وبعض ألفاظ منه، زيادة تاء التأنيث في المنسوب". أ- النسب إلى المركب1: 1- إن كان المركب إضافيا علما -بالوضع أو بالغلبة- فالأصل أن ينسب إلى صدره؛ فيقال في خادم الدين، وفوز الحلق، وعابد الإله ... "والثلاثة أعلام": خادمي، فوزي، عابدي ... ويستثنى من هذا الأصل ثلاث حالات يجب النسب فيها للعجز. الأولى: أن يكون "المركب الإضافي" العلم كنية، نحو: أبو بكر، وأم كلثوم ... فيقال في النسب: بكري، وكلثومي. الثانية: أني كون هذا "المركب الإضافي" معرفا صدره بعجزه2؛ نحو: ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر ... فيقال في النسب إليها: عباسين ومسعودي، وعمري. الثالثة: أن يكون النسب إلى صدر هذا المركب مؤديا إلى اللبس، بعدم معرفة "المنسوب إليه" حقيقة؛ مثل: عبد مناف، وعبد شمس، وناصر مجد "والثلاثة أعلام" فيقال في النسب إليها: منافي، وشمسي، ومجدي؛ إذ لو نسب إلى الصدر فقيل: عبدي، وناصري، لم يعرف "المنسوب إليه".
فإن كان المركب الإضافي ليس عما "لا بالوضع، ولا بالغلبة"، نحو: كتاب زينب، وجب النسب للمضاف وحده، أو للمضاف إليه وحده على حسب المراد. 2- المركب الإسنادي وملحقاته1. وينسب إلى صدره ففي النسب إلى: نصر الله، وجاد الحق، وحامد مقبل "والثلاثة أعلام" يقال: نصري، وجادي، وحامدي ... 2. 3- المركب المزجي، ومنه الأعداد المركبة؛ كأحد عشر ... والشائع أنه ينسب إلى صدره أيضا مع الاستغناء عن عجزه؛ سواء أكان صدره معتل الآخر أم صحيحا، نحو: "مجد يشهر، وقاليقلا" "وحضرموت وبندرشاه" وكلها أسماء بلاد؛ فيقال فيها: مجدي وقالي -بحذف حرف علتهما ووضع ياء النسب مكانه-3 وحضري وبندري، هذا هو الرأي الشائع. ومن النحاة من يجيز النسب إلى العجز وحده مع الاستغناء عن الصدر بحذفه، ومنهم من يجيز النسب إلى الصدر وإلى العجز معا بزيادة ياء النسب في آخر كل منهما، مزيلا تركيبهما، فيقول: مجدي شهري بإدخال ياء النسب على كل منهما. ومنهم من ينسب إلى المركب باقيا تركيبه بإدخال ياء النسب على العجز وحده مع ترك الصدر قبله على حاله، فيقول: مجد يشهري -وقاليقلوي- "والياء التي في صدر المركب حرف علة وليست للنسب" -وحضرموتي- وبندر شاهي ...
وهكذا. وحجته أن النسب بهذه الصورة يوضح المنسوب إليه، ولا يوقع في لبس. وهذا رأي حسن، ولعله أنسب الآراء اليوم. وهناك صور مسموعة من النسب إلى أنواع المركب، تخالف ما تقدم، وقد حكموا عليها بالشذوذ، ومنع القياس عليها؛ كصوغهم: وزن "فعلل" "بفتح فسكون ففتح ... " من المضاف والمضاف إليه1 معا، والنسب إلى تلك الصيغة، كقولهم في: تيم اللات، وعبد الدار، وامرئ القيس الكندي، وعبد الله، وعبد شمس ... ، تيلمي، عبدري، مرقسي، عبقسي، عبشمي2. ب- النسب إلى جمع التكسير3، وما في حكمه. 1- إذا أريد النسب إلى جمع التكسير، الباقي على دلالة الجمعية فالشائع4 هو النسب إلى مفرده؛ فيقال في النسب إلى: بساتين، وكتبة، ومدارس، وحقول ... : بستاني، وكاتبي، ومدرسي، وحقلي. فإن لم يبق جمعا لتكسير على دلالة الجمعية: بأن صار علما على مفرد، أو على جماعة واحدة معينة مع بقائه على صيغته في الحالتين وجب النسب إليه
على لفظه وصيغته؛ فيقال في النسب إلى الجزائر -وهي الإقليم العربي المعروف في بلاد المغرب- وعلماء، وقراء، وأخبار، وأهرام، وتلول ... "وكلها أعلام مشهورة في وقتنا" جزائري، علمائي، وأخباري، وأهرامي، وجبالي، وتلولي، كما يقال في النسب إلى جماعة اسمها: أنصار الدفاع، وأخرى اسمها: الأبطال ودولة اسمها: المماليك ... أنصاري، وأبطالي. ومماليكي، ولا يصح النسب إلى المفرد؛ منعا للإبهام واللبس؛ إذ لو قلنا: "الجزائري أو الجزري، وعالمي، وقارئي، وخبري، وهرمي، وجبلي، وتلي، وناصري، وبطلي، ومملوكي ... " لالتبس الأمر بين النسب إلى المفرد والنسب إلى الجمع. فإن كان اللفظ معدودا من جموع التكسير؛ لمجرد أنه على وزن صيغة من صيغ التكسير. وليس له مفرد فإنه ينسب إليه على صيغته؛ نحو: عباديد، وشماطيط "وكلاهما بمعنى: جماعات متفرقة" والنسب إليهما: عباديدي، وشماطيطي. هذا هو المذهب البصري الشائع. أما الكوفيون فيجيزون النسب إلى جمع التكسير الباقي على جمعيته مطلقا1. وحجتهم: أن السماع الكثير يؤيد دعواهم وقد نقلوا من أمثلته عشرات وأن النسب إلى المفرد يوقع في اللبس كثيرا؛ ورأيهم حسن مفيد. وقد ارتضاه المجمع اللغوي القاهري2. فعندنا مذهبان صحيحان؛
لا يفضل أحدهما الآخر في سياق معين إلا بالوضوح والبعد عن اللبس؛ فإذا أمن اللبس فالأفضل محاكاة المذهب الشائع؛ لأنه أكثر في الوارد الفصيح. 2- وإذا أريد النسب إلى ما في حكم جمع التكسير من الكلمات الدالة على جماعة من غير أن ينطبق عليها تعريفه؛ ولا أن تسمى باسمه، أو تلحق به -وجب النسب إلى لفظها؛ فيدخل في هذا اسم الجمع1؛ كقوم، ورهط، والنسب إليهما: قومي ورهطي، ويدخل أيضا اسم الجنس الجمعي2؛ الذي يفرق بينه وبين واحدة بالياء المشددة أو بالتاء، كترك، وروم، وشجر وورق ... ، والنسب إليها: تركي، ورومي، وشجري، وورقي ... وهذا نسب يوقع في لبس؛ لاشتراكه بين المفرد والجمع، فيكون التفريق والتعيين بالقرائن التي توضح نوع المنسوب إليه، وتحدده3 ... ج- كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: "فعال" للدلالة على النسب4 -بدلا من يائه- وكثر هذا في الحرف؛ فقالوا: حداد؛
لمن حرفته: "الحدادة"، ونجار؛ لمن حرفته: "التجارة"، وكذا لبان، ويقال، وعطار؛ ونحاس، وجمال، ونحوها من كل منسوب إلى صناعة معينة1 ... والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف، لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس. ومن الجائز أن يزاد على آخره التاء للدلالة على المفردة المؤنثة، أو الجماعة، فيقال: الحدادة، والنجارة، واللبانة. والبقالة، والعطارة، والنحاسة، والجمالة، وكل هذا على إرادة المفردة المؤنثة، أو إرادة الجماعة، المقصود منها الجماعة الحدادة ... أو غيرها ... لأن الجماعة مؤنثة ... ومن المسموع القليل في النسب صيغة. فاعيل، وفعل "بفتح فكسر" مرادا بهما: صاحب كذا ... فيقال تامر. وكاس، وصائغ، وحائك، بمعنى: صاحب تمر، وصاحب كساء، وصاحب صياغة، وصاحب حياكة ... 2 ويقال: "طاعم، أو: طعم"، "ولابن، أو: لبن"، بمعنى: صاحب طعام، وصاحب لبن. ويقال: نهر، "أي: صاحب نهار". ومنه قول الشاعر:
لست بليلي ولكني نهر ... لا أدلج الليل ولكن أبتكر والأنسب الاقتصار على المسموع من هاتين الصيغتين. دون القياس عليهما؛ لقلة الوارد منهما، ولخفاء المعنى معهما1.. د- في النسب المسموع كثير من الأمثلة المخالفة للضوابط والأحكام السالفة. ويترتب على هذا أمران واجبان. أولهما: الحكم بشذوذها؛ وعدم القياس عليها. ومنها: دهري في النسب إلى: دهر -ومروزي، في النسب إلى مدينة "مرو" الفارسية- وجلولي في النسب إلى. "جلولاء "اسم مدينة" ورازي، في النسب إلى مدينة: الري2، وصنعاني في النسب إلى مدينة: صنعاء اليمينة وأميتي في النسب إلى أمية، وفوقاني وتحتاني في النسب إلى فوق وتحت، ورقباني وشعراني؛ لعظيم الرقبة، وكثير الشعر ... لكنهم قالوا إن الكلام الفصيح المأثور يتردد فيه كثيرا زيادة ألف ونون قبل ياء النسب في بعض الكلمات؛ للدلالة على النسب ومعه شيء آخر؛ هو زيادة معنى الكلمة قوة، والمبالغة فيه؛ ومن تلك الكلمات لحياني، لطويل اللحية، وجماني لطويل الجمة، ورقباني لطويل الرقبة، وشعراني لطويل الشعر3 ...
ومن النسب المسموع1 الخاضع للحكم السالف نوع آخر؛ يتميز بأن خففو فيه ياء النسب المشددة؛ فحذفو إحدى الياءين المدغمتين، وأتوا بدلها بألف للتعويض عنها قبل لام الكلمة؛ فقالوا في يمني: يماني2، وفي شامي، شآمني؛ بياء واحدة فيهما ساكنة. وبصير الاسم بهذا منقوصا؛ تقول قام اليماني، ورأيت اليماني، ومررت باليماني، وتحذف الياء عند تنوينه3.. وهكذا. ولأن هذه الألف عوض عن الياء لا يجتمعان إلا شذوذا في ضرورة الشعر4. ثانيهما: إذا سمي باسم شذت العرب في النسب إليه كبعض أمثلة الأمر الأول، فخرج باستعمالهم عن نطاق الضوابط العامة التي تراعى في النسب القياسي وجب إخضاعه لهذه الضوابط القياسية وحدها متى صار علما يراد النسب إليه، ولا اعتبار للنسب المسموع فيه قبل العلمية ... 5. هـ- إن كان المنسوب مؤنثا وجب الإتيان التأنيث بعد ياء النسب، للدلالة على تأنيثه إن لم يوجد مانع آخر؛ فيقال: قرأت بحوثا علمية وأدبية عميقة لفتيات عربيات، فيهن العراقية، والمصرية، واللبنانية، والسورية ... 6.
المسألة: التصريف
المسألة: التصريف مدخل ... المسألة 180: التصريف: تعريفه: يراد به هنا: "التغيير الذي يتناول صيغة الكلمة وبنيتها؛ لإظهار ما في حروفها من أصالة، أو زيادة، أو حذف، أو صحة، أو إعلال، أو إبدال1، أو غير ذلك من التغيير الذي لا يتصل باختلاف المعاني". فليس من التصريف؛ عند جمهرة النحاة، تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة؛ لتؤدي معاني مختلفة، "كالتصغير، والتكسير، والتثنية، والجمع، والاشتقاق ... " ولا تغيير أواخرها لأغراض إعرابيه، فإن هذا التغيير وذلك التحويل يدلاخن في اختصاص "النحو" وبحوثه عند تلك الجمهرة. يختص التصريف بالأسماء العربية المتمكنة، والأفعال المتصرفة؛ فلا شأن له بالأسماء الأعجمية، ولا بالأسماء العربية المبنية؛ كالضماء، ولا بالأفعال الجامدة، كعسى وليس. ولا بالحروف بأنواعها المختلفة. وليس بين الأسماء المتمكنة ولا الأفعال المتصرفة ما يتركب من أقل من ثلاثة أحرف، إلا إن كان بعض أحرفه قد حذف. مثل: يد، وقل، وم الله2.. والأصل: يدي، وقول، وايمن الله ... وهذا هو المراد من قولهم: لا يوجد التصريف في كلمة تقل أحرفها عن ثلاثة في أصلها، قبل حذف شيء منها3 ...
المجرد والمزيد من الأسماء والأفعال: ينقرد الاسم إلى مجرد ومزيد؛ فالمجرد: "ما كانت أصلية، ليس فيها شيء من أحرف الزيادة التي يجمعها قولك: "سألتمونيها" ولكل منها علامة يعرف بها -وستجيء. والمزيد: "ما اشتمل على بعض أحرف الزيادة". ويعرف الحرف الزائد، بالاستغناء عنه، في بعض التصريفات، مع تأدية الكلمة بعد سقوطه معنى مفيدا. أما الأصل فلا يمكن الاستغناء عنه؛ إذ لا تؤدي الكلمة معنى مقصودا بعد -في الأغلب1. والاسم المجرد قد يكون ثلاثيا، نحو: حجر، وقد يكون رباعيا؛ نحو: جعفر، أو حماسيا؛ نحو: سفرجل، ولا يزيد الاسم المجرد على خمسة أحرف. والاسم المزيد2 قد تكون زيادته حرفا واحدا على أصوله الثلاثة؛ كالألف في: كتاب، وقد تكون حرفين؛ كالألف والميم في: مكاتب. وقد تكون ثلاثة: كالميم والسين والتاء في: مستكتب، وقد تكون أربعة؛ كالهمزة، والسين، والتاء، والألف، في: استكتاب. ولا يتجاوز الاسم المزيد سبعة أحرف3 ... والزيادة التي تدخل الأسماء الجامدة مقصورة -في الغالب- على السماع الوارد عن العرب. أما الفعل فمجرده إما ثلاثي؛ نحو: خرج، وإما رباعي، نحو: دحرج وليس للرباعي وزن آخر، ولا يتجاوز المجرد هذا. ومزيد الفعل2 قد تكون زيادته حرفا على ثلاثي الأصول؛ نحو: خارج، أو حرفين نحو: تخارج، أو ثلاثة؛ نحو: يتخارج، وقد تكون زيادته حرفا على رباعي الأصول؛ نحو: يدحرج، أو حرفين، نحو: يتدحرج، ولا يتجاوز
الفعل بالزيادة ستة1 أحرف. والزيادة التي تدخل الأفعال المختلفة، وأنواع المشتقات لأداء معنى معين، قياسية بالطريقة التي تشير اللغة بها. أبنية الاسم الثلاثي المجرد "أي: صيغة"، والفعل الثلاثي المجرد. أ- الاسم الثلاثي المجرد يكون مفتوح الأول، أو: مضمومه، أو مكسوره، ولا يكون ساكنا، أما ثانيه فقد يكون مفتوحا، أو مضموما، أو مكسورا، أو ساكنا. فالصور العقلية التي تحدث منه هذا: اثنتا عشرة صورة؛ لأن فتح الأول قد يكون مع فتح الثاني أو ضمه، أو كسره، أو سكونه، فهذه صور أربع، وضم الأول يكون من الحالات الأربع في الثاني، فتنشأ صور أربع أخرى. وكسر الأول قد يكون مع الحالات الأربع في الثاني، فتنشأ صور أربع أيضا، فمجموع هذه الصور اثنتا عشرة، كما قلنا: أما آخر الثلاثي فلا صلة له بما قبله، لأنه متصل بالإعراب وعلاماته. وجميع هذه الصور العقلية واقعية؛ أي: لها ألفاظ عربية كثيرة تؤيديها، إلا صورتان، إحداهما ممنوعة في الرأي الأرجح وهي الصورة التي يكون فيها أول الاسم مكسورا وثانيه مضموما. والأخرى قليلة، وهي عكس السالفة "أي: يكون الاسم فيها مضموم الأول مكسور الثاني، مثل: دئل؛ اسم قبيلة" وما عدا هاتين صحيح فصيح، نحو: فرس، عضد، كبد، صخر". ونحو: "صرد، عنق، دئل، قفل" ونحو "عنب، حبك2، إبل، علم ... "3.
ب- أما الفعل الماضي الثلاث المجرد فأبنيته أربعة، لأن أوله مفتوح دائما إلا حين بنائه للمجهول، أما ثانيه فقد يكون مفتوحا، أو مكسورا، أو مضموما، فالثلاثة المبنية للفاعل هي: "فعل كنظر"، "وفعل كعلم"، "وفعل كحسن وشرف. وأما الصيغة التي يبنى فيها للمجهول فهي: فعل، كعرف"1. أوزان الاسم الرباعي المجرد "ولا بد أن يكون ثانيه ساكنا". له ستة أوزان: أ- فعلل -بفتح، فسكون، ففتح؛ نحو: جعفر. ب- فعلل -بكسر، فسكون، فكسر؛ نحو: قرمز. ج- فعلل -بكسر، فسكون، ففتح؛ نحو: درهم. هـ- فعل -بكسر، ففتح، فتشديد اللام؛ نحو: هزبر. و فعلل -بضم، فسكون، ففتح اللام الأولى؛ نحو: جخدب2.
أوزان الاسم الخماسي المجرد أربعة: أ- فعلل -بفتح، ففتح، فلام مشددة، فأجرى غير مشددة، نحو: سفرجل. ب- فعللل -بفتح أوله، وسكون ثانيه، وفتح ثالثه، وكسر رابعه ثم لام بعده، نحو: جحمرش1. ج- فعلل -بضم أوله، وفتح ثانيه، فلام ساكنة مدغمة في نظيرتها المكسورة، فأخرى بعدا لمدغمتين، نحو: قدعمل2. د- فعلل -بكسر أوله، وسكون ثانيه، وفتح اللام الأولى، فتشديد الأخيرى -نحو؛ قرطعب3. هذا والحرف الأصلي هو الذي يلزم في جميع تصريفات الكلمة، ولا تؤدي المعنى المقصود بدونه، والزائد هو الذي يمكن الاستغناء عنه -كما سبق4. كيفية الوزن: لا تقل أصول الاسم الخالي من الحذف عن ثلاثة أحرف، نحو: قمر، يرمز لكل منها برمز يسمى به، فيسمى الأول منها: "فاء الكلمة"، والثاني: "عين الكلمة"، والثالث: لام الكلمة"؛ فيقال في قمر: إنها على وزن:
فعل؛ فإن بقي بعد هذه الثلاثة حرف أصلي عبر عنه رمزا باللام أيضا، وتكرر اللام على حسب الأصول التي بعد الثلاثة الأولى. وإن كان في الكلمة حرف زائد عبر عنه بنصه ولفظه، مع مراعاة ترتيبه. وبناء على هذا يكون وزن: قفل، هو: فعل. ووزن جعفر، هو: فعلل، ووزن فستق1، هو: فعلل، أما وزن جوهر، فهو: فوعل. ووزن خارج، هو: فاعل، ووزن مستخرج، هو: مستفعل. وإن كان الحرف الزائد على أصول الكلمة حرفا مكررا لحرف أصلي وجب النطق بالحرف الأصلي المكرر دون النطق بالحرف الزائد نفسه. فتقول في وزن كرم. فعل. وفي واغدودن: افعوعل، بالتعبير الرمزي عن الحرف المكرر بمثل التعبير عن الأول، ولا يصح أن يقال فيهما: فعرل، ولا افعودل2 ... وإذا كان المكرر في رباعي فاؤه ولامه الأولى معا من جنس واحد، وعينه ولامه الثانية معا من جنس آخر، ولم يكن أحد الأحرف المكرر صالحا للسقوط فهذا النوع محكوم على حروفه كلها بالأصالة، وليس فيها زائد. ومن الأمثلة له: سمسم، وضمضم3 فإن صلح أحد الحروف المكررة للسقوط "نحو: لملم، وكفكف؛ أمران ماضيهما: لملم وكفكف، حيث يصح أن يقال: لم، وكف ... بإسقاط اللام الثانية والكاف الثانية"، ففي الحكم عليه خلاف لا يعنينا4 ...
أحرف الزيادة، وعلامة الحرف الزائد، وبيان المعنى الذي يؤديه: أ- أحرف الزيادة عرة يجمعها لفظ: "سألتمونيها" -كما عرفنا- ولكل منها علامة تساعد على معرفة أنه زائد. فالألف إذا صاحبت ثلاثة أحرف أصلية وجب الحكم بزيادها؛ نحو: ظافر -راغب. فإن صحبت أصلين فليست زائدة1 ... ويحكم بزيادة الياء والواو إذا صحبت كل منهما ثلاثة أحرف أصلية، نحو: صيرف، وجوهر، ويعمل2، وعجوز. ويستثنى من هذا. الثنائي المكرر؛ مثل: يؤيؤ3 ووعوعة4 فإنهما فيه أصليتان5 ... ويحكم بزيادة الهمزة والميم إن تصدرتا، وبعد كل منهما ثلاثة أحرف أصلية، مثل: أبرع، ومعدن. فإن جاء بعدما أقل من الثلاثة أو كثر فالهمزة والميم أصليتان؛ نحو إبل، وإصطبل6. ويحكم على الهمزة -أيضا- بالزيادة إذا وقعت آخر الكلمة وقبلها ألف مسبوقة بثلاثة أصول، أو أكثر ... نحو: حمراء، خضراء، عاشوراء. فإن تقدم على الألف حرف أصلي أو حرفان فالهمزة ليست زائدة7؛ نحو: ماء، هواء ... وتكون النون زائدة إذا وقعت آخر الكلمة وقبلها ألف مسبوقة بثلاثة أصول أو
أكثر؛ فحكمها في هذا حكم الهمزة، نحو: عثمان، زعفران، طيلسان. إلا إذا كان قبل الألف حرف مشدد أو حرف لين، كحسان وعقيان، فالنون فيهما تحتمل الأصالة والزيادة. ويحكم على النون -أيضا- بالزيادة إذا توسطت أربعة أحرف، قبلها اثنان وبعدها اثنان؛ نحو غضنفر، وعقنقل1.. ويحكم بزيادة التاء إذا كانت للتأنيث، أو للمضارعة، أو للاستفعال وفروعه، أو للمطاوعة، نحو: فاضلة، تقوم، تستغفر ... ونحو: علمته فتعلم، ودحرجته فتدحرج..2. وتزاد "السين" باطراد مع التاء في صيغة "الاستفعال" وفروعه. أما في غيره فسماعية3. وتكون الهاء زائدة في الوقف في حالات؛ منها: الوقف على "ما" الاستفهامية المجرورة؛ نحو: لمه؟ والوقف على فعل الأمر المحذوف الآخر، في نحو: ره؛ بمعنى انظر "وماضيه هو: رأى"، والوقف على المضارع المحذوف الآخر للجزم؛ فينحو: لم تره. وعلى كل مبنى على حركة لازمة ليست طارئة؛ فاللازمة نحو: كيفه، وهوه. والطارئة كالتي في المبني الذي يضاف وقد انقطع عن الإضافة؛ مثل: قبل، وبعد، وكالتي في اسم "لا"، والمنادى المبني؛ لأن حركة البناء في هذه الأشياء عارضة. لسبب قد يزول. ويحكم بزيادة اللام في أسماء الإشارة؛ نحو: ذلك، وتلك، وهنالك ... 4.
هذا، ويقول النحاة: إذا خلا حرف من أحرف الزيادة من العلامة الدالة على زيادته وجب الحكم أصالة إلا إن قام دليل آخر يصلح حجة على الزيادة؛ ومن ذلك سقوط همزة: "شمأل" في بعض الأساليب الصحيحة التي منها: شملت الريح شمولا؛ بمعنى: هبت شمالا، ومن ذلك سقوط نون "حنظل" في قولهم: حظك الإبل إذا أضرها أكل الحنظل، ومنها، سقوط تاء الملكوت1 في كلمة: الملك ... 2. ب- لكل حرف من حروف الزيادة معنى يؤديه، وفائدة يجلبها معه3؛ فزيادة الهمزة في أول الفعل الثلاثي قد تفيد نقل معنى الفعل إلى مفعوله، ويصير بها الفاعل مفعولا؛ مثل خفي القمر، وأخفى السحاب القمر. وتضعيف عين الفعل الثلاثي -غير الهمزة- قد تفيد التكرار والتمهل، نحو: علمت الراغب، وبصرته بالحقائق. وتحويل الفعل إلى صيغة: "فاعل" قد تفيد الدلالة على المشاركة. وزيادة السين والتاء على الفعل الثلاثي قد تفيد الطلب، أو الصيروة، أو النسبة إلى شيء آخر.. إلى غير هذا مما سبق بيانه الهام مفصلا في موضعه المناسب ... 3.
المسألة 181: الإعلان والإبدال
المسألة 181: الإعلان والإبدال ... المسألة 181: الإعلال والإبدال 1 من المصطلحات اللغوية الشائعة أربعة ألفاظ؛ لكل منها مدلوله الخاص، وضوابطه وأحكامه. وهذه الأربعة هي: الإعلال، القلب، الإبدال، العوض. وفيما يلي البيان: 1- الإعلال، والمراد به: تغيير يطرأ على أحد أحرف العلة الثلاثة "و، أ، ي"
وما يلحق بها -وهو: الهمزة- بحيث يؤدي هذا التغير إل حذف الحرف، أو تسكينه، أو قلبه حرف آخر من الأربعة، مع جريانه في كل ما سبق على قواعد ثابتة، يجب مراعاتها. ومن الأمثلة: صوغ اسم المفعول من الفعل: "قال" وهو: "مقول". والأصل: مقوول "بضم الواو الأولى". فقلت الضمة إلى الساكن قبلها. وهذا يسمى: "إعلالا بالنقل" وترتب عليه تسكين حرف العلة الأول. واجتماع حرفين ساكنين متواليين لا يصح اجتماعهما؛ فحذف الأول منهما: وهذا يسمى: "إعلالا بالحذف"؛ وصارت الكلمة إلى: مقول، بعد هذين النوعين من الأعلال، وتحقق شروطهما. وكالفعل: "قال"، وأصله: "قول" بفتح الواو، قلبت ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصار الفعل: قال، وهذا: "إعلال بالقلب". وفيما يلي بيانه: 2- القلب ومعناه: تحويل أحد الحروف الأربعة السالفة إلى آخر منها؛ بحيث يختفي أحدها ليحل محله غيره من بينها؛ طبقا لضوابط محددة يجب الخضوع لها، كقلب الواو ألفا في المثال السالف، وقلب الواو المتوسطة ياء بعد كسرة في مثل: صيام، والأصل: صوام. وكقلب الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة. بناء، والأصل: بناي ... و ... وهذا النوع من التحويل أو القلب شائع مطرد؛ لأنه يخضع -في الأغلب- لقواعد عامة يجري على مقتضاها، فإذا عرفت أمكن الوصول إلى قلب الحرف الذي تنطبق عليه، وسهل الاهتداء إلى أصله إن كان منقلبا عن غيره. وهذا الباب معقود لعرضها، وبيان أحكام القلب الشائع المطرد، أما غير المطرد فمقصور على السماع. 3- الإبدال. ومعناه: حذف حرف، ووضع آخر في مكانه، بحيث يختفي الأول، ويحل في موضعه غيره، سواء أكان الحرفان من أحرف العلة -كالأمثلة السالفة- أم كانا صحيحين، أم مختلفين. فهو أعم من "القلب"؛ لأنه يشمل "القلب" وغيره؛ ولهذا يستغنون بذكره عن القلب، ومن أمثلة الصحيحين قول
بعض العرب في: "وكنة1، وربع وتلعثم".. وقنة. وربح، وتلعذم. بقلب الكاف قافا. والعين جاء؛ والثاء ذالا. وأغلب هذا النوع من إبدال الحروف الصحيحة مقصور على السماع؛ لقلته. والأمر في معرفته موكول إلى المراجع اللغوية وحدها؛ إذ ليس له ضابط عام، ولا قاعدة مطردة. وقليل منه قياسي؛ كإبدال الدال والطاء من تاء الافتعال؛ وسيجيء2. ومثال المختلفين قولهم: كساء، وخطايا3. والأصل: كساو، وخطاءا قلبت الواو همزة في المثال الأول. وقلبت الهمزة ياء في المثال الثاني؛ طبقا لقواعد عامة مضبوطة -في الأغلب- تختص بهذا النوع، ومن الممكن أن يعتمد عليها من يريد إجراءه، وكذلك من يريد الاهتداء إلى نوع الحرف الذي اختفى، وحل غيره محله، وهذا النوع من الإبدال قياسي مطرد، وموضع ضوابطه وقواعده هذا الباب أيضا. وهناك أنواع أخرى من الإبدال توصف بأنها نادرة، أو لهجات قليلة لبعض العرب، أو مهجروة ... أو غيرها هذا مما لا يعنينا هنا، فالذي يعنينا هو: "الإبدال الشائع"، أي: المطرد، الواجب إجراؤه بين حروفه معينة، وهو القياسي الذي يخضع للضوابط والقواعد العامة، ويسمونه اصطلاحا: "الإبدال الصرفي الشائع"، أو: "الإبدال الضروري، أو: اللازم"، أي: الذي لا بد من إجرائه متى تحققت ضوابطه وشروطه. ويكتفون بتسميته: "الإبدال" لأنه؛ المقصود وحده عند الإطلاق؛ بسبب قياسيته، واطراده؛ ووجوب إجرائه، فمتى ذكر اسمه من غير تقييد كان هو المراد، وكان في ذكره غني عن ذكر: "القلب". 4- العوض، أو: التعويض، ومعناه: حذف حرف، والاستغناء عنه بحرف آخر من غير تقيد في أحدهما بحرف معين، ولا اشتراط أن يحل العوض في المكان الذي خلا بحذف الأصيل؛ فقد يكون في موضعه؛ كزيادة الياء قبل الآخر في تصغير: "فرزدق" عوضا عن الدال، حيث يقال: فريزيق -جوازا- ومثل: "عدة"، وأصلها: وعد؛ حذفت الواو من الأول وجاءت
تاء التأنيث في آخر الكلمة؛ عوضا عنها. ومثل: "اسم"، وأصلها: سمو1: حذفت الواو من آخر الكلمة، وجاءت همزة الوصل عوضا منها في أولها ... وهكذا. والمعول عليه في معرفة العوض والمعوض عنه هو المراجع اللغوية المشتملة على الألفاظ التي وقع فيها التعويض السماعي الوارد عن العرب؛ إذ ليحس للتعويض قواعد مضبوطة تدل عليه. لكن مما يشكف عن التعويض في حروف الكلمة ويرشد إليه، الرجوع إلى جموع التكسير، أو المصادر، أو التصغير، أو نحو هذا ... مما يرد الأشياء إلى أصولها -وقد سبق النص على كل منها في بابه الخاص- كالاهتداء إلى أن همزة: "ماء" منقلبة عن "الهاء" من الرجوع إلى جمع تكسيرها؛ وهو: مياه، وأمواه؛ حيث ظهرت فيه "الهاء" فكان ظهورها دليلا على أنها أصل للهمزة في: "ماء" ... وكثير من هذا الجموع والمصادر والمصغرات مرجعه كتب اللغة. ونصوص ألفاظها؛ فمن العسير الاسترشاد في أمر التعويض بغير النصوص اللغوية. الملخص: من كل ما سبق يتبين: 1- أن العوض؛ لا يتقيد بحرف علة أو صحيح، ولا بمكان معين من الكلمة. والإبدال القياسي يتقيد بموضع المحذوف، والإعلال القياسي يتقيد بأحرف العلة. والقلب نوع من الإعلال. 2- وأن للإبدال الصرفي الشائع "أي: القياسي" وللإعلال ضوابط وقواعد عامة، يمكن -في الأغلب- الاعتماد عليها في إجرائهما إجراء مطردا واجبا، وفي معرفة نوع الحرف الذي تغير بسببهما. أما التعويض وبعض أنواع الإبدال غير الشائع "أي: غير القياسي" فالاعتماد في فهمهما مقصور على المراجع اللغوية؛ إذ ليس لهما ضوابط ولا قواعد عامة. 3- وأن المراد من لفظ الإبدال عنده ذكره بغير تقييد هو ما يسمى: "الإبدال الصرفي الشائع، أو الضروري، أو اللازم". وسيجيء بيانه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- من المصطلحات التي تتردد في هذا الباب وفي غيره، وهنا المكان الأنسب لإيضاحها والإحالة عليه: "أحرف العلة، والمد، واللين"، "المعتل والمعل"، "المعتل الجاري مجرى الصحيح". فأما أحرف العلة فثلاثة؛ هي: الألف، والواو، والياء. فإن سكن أحدهما وقبله حركة تناسبه فهو حرف: "علة، ومد، ولين" نحو: قام، يقوم، أقيم. وإن سكن ولم يكن قبله حركة تناسبه فهو: في المشهور، "حرف علة ولين"؛ نحو: قول - بين ... وإن تحرك فهو حرف: "علة" فقط؛ نحو: حور، وهيف. والألف لا تكون إلا حرف علة، ومد، ولين، دائما. 2- اللفظ المعتل عند النحاة، هو: الذي لامه1 حرف علة، وأما عند الصرفيين فيغلب إطلاقه على ما فيه حرف علة أو أكثر بغير تقييد بالآخر أو غيره. أما المعل عند الصرفيين فهو المشتمل على حرف علة بشرط أن يكون هذا الحرف قد أصابه تغيير؛ نحو: صام، وهام؛ فإن أصلهما؛ صوم وهيم، ثم انقلبت الواو والياء ألفا. 3- وأما المعتل الجاري مجرى الصحيح فهو ما آخره ياء أو واو متحركتان، قبلهما ساكن، سواء أكانتا مشددتين "نحو: مرمي، كرسي، مغزو، ومجلو ... " أم مخففتين؛ "نحو: ظبي، حلو ... " فيدخل في المشدد ما كان مختوما بياء مشددة للإدغام، نحو مرمي، أو للنسب هو: عربي، أو لغيرهما نحوك كركي "اسم طائر" ... 2.
المسألة 183: أحرف الإبدال وضوابطه
المسألة 182: أحرف الإبدال. وضوابطه ينحصر "الإبدال الصرفي اللازم"1 في تسعة أحرف؛ يبدل بعضها من بعض؛ هي: "الهاء، الدال، الهمزة، التاء، الميم، الواو، الطاء، الياء، الألف". وقد جمعها بعض النحاة في قوله: "هدأت موطيا"2. ولكل حرف منها شروط لإبدال من نظيره الداخل معه في هذه المجموعة، على التفصيل التالي: إبدال الهاء: تبدل الهاء من تاء التأنيث المربوطة عند الوقف عليها؛ كالتاء في قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} فيقال في حالة الوقف: بينة، ورحمة، بالهاء بدلا من التاء المربوطة. إبدال الهمزة من الواو، والياء، والألف. تبدل من الأوليين وجوبا في خمسة مواضع: 1- وقوع أحدهما في آخر الكلمة وقبله ألف زائدة؛ نحو: سماء، ودعاء، وبناء، وضياء، والأصل: سماو، ودعاو، وبناي، وظباي ... "بدليل سموت، دعوت، بنيت، ظبي". قلبت الواو والياء همزة لوقوعهما متطرفتين3 بعد ألف زائدة. ولا يخرج الحرف من حكم التطرف أن يقع بعده في آخر اللفظ المذكر تاء عارضة لتفيد التأنيث، بشرط أن تكون غير ملازمة له3. فيقال في: بناي وبناية،
بتشديد نونهما: بناء، بالتشديد أيضا، وقلب الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة، من غير اعتبار لهذه التاء الطارئة التي عرضت للتأنيث والتي يمكن الاستغناء عنها أحيانا -كما في الحالة الخاصة بالمذكر- بخلاف التاء الدالة على التأنيث مع ملازمتها الكلمة، وعدم استغناء الكلمة عنها، نحو: هداية، رماية، إداوة، حلاوة. فإن الحرفين "الياء والواو" في هذه الكلمات -وأشباهها- لا ينقلبان همزة؛ إذ تاء التأنيث هنا ليست عارضة، ولا مؤقتة، وإنما هي حرف من أحرف الكلمة، دخل في صياغتها وتكوينها من أول أمرها "ليس طارئقا عليها بعد التركيب" ثم هو يلازمها في كل الحالات؛ فينيت الكلمة على مؤنث ولم تبن على مذكر1. ويعتبر الحرفان في هذه الحالة غير متطرفين؛ كشأنهما في مثل: "قاول وبايع ... " حيث توسطا فبقيا من غير قلب. وكذلك لا يصح إبدالهما همزة إن لم يقعا بعد ألف، نحو: غزو، وظبي، أو كانت الألف التي قبلهما أصلية، نحو: واو، وآي، جمع آية2.. 2- وقوع أحدهما عينا لاسم فاعل، وقد أعل3 في عين فعله، نحو صائم، هائم، وفعلهما: صام وهام. وأصلهما: صوم، وهيم؛ فعين الفعل حرف عليه "واو أو ياء" تحرك وانفتح ما قبله، فانقلب ألفا -كما سيجيء- فاسم الفاعل هو: صاوم، وهايم. ثم قلبت الواو والياء همزة. فإن كانت العين غير معلة في الفعل لم يصح الإبدال؛ نحو: عين
الرجل1 فهو: عاين، وعور2 فهو عاور3 ... 3- وقوع أحدهما في جمع التكسير بعد ألف: "مفاعل" وما شابهه في عدد الحروف وحركاتها؛ كفعائل وفواعل4 ... بشرط أن يكون كل من الحرفين مدة ثالثة زائدة في مفرده، ومثلها الألف في هذا، نحو: عجائز، وصحائف، وقلائد ... ومفردها: عجوز: وصحيفة، وقلادة، فلا إبدال في مثل: قساور ومعايش، لأنهما أصليان في المفرد، وهو: قسور5، ومعيشة6. ومن الشاذ المسموع منائر، ومصائب؛ لأن مفردهما؛ منارة ومصيبة، فالحرفان فيهما أصليان7 ... 4- وقوع أحدهما ثاني حرف علة بينهما ألف: "مفاعل" أو مشابهه، دون مفاعيل وما يشبهه سواء أكان الحرفان ياءين؛ نحو: نيائف، جمع نيف8 أم كانا واوين، نحو: أوائل: جمع أول، أم كانا مختلفين، نحو:
سيائد، جمع سيد1 والأصل: نيايف، وأواول، وسياود. قلب حرف العلة المتأخر "وهو الواقع بعد الألف الزائد" همزة كما سبق2 ... فلو توسطت بينهما ألف "مفاعيل" وما هو على هيئته لم ينقلب الثاني منهما همزة؛ نحو: طواويس. 5- اجتماع واوين في أول الكلمة، والثانية منهما إما متحركة، وإما ساكنة، أصيلة في الواوية3؛ فتنقلب الأولى منهما همزة. ويتحقق الاجتماع في صورتين: إحداهما: أن تكون الواو الثانية متحركة فيجب قلب الأولى همزة، كما إذا أريد جمع: واثقة، أو: واصلة، أو: وافقة ... جمع تكسير على صيغة. "فواعل" فيقال فيها، وواثق، وواصل، وواقف؛ لأن أفعالها الماضية واوية الفاء؛ ثم تنقلب الواو الأولى -وجوبا- همزة؛ فيصير الجمع: أواثق، أواصل، أواقف ... ثانيهما: في نحو: أولى: -وهي مؤنث كلمة: أول، المقابل لكلمة: آخر- وأصلها: وولى، بواوين، السابقة منهما مضمومة، تليها الساكنة الأصيلة في الواوية، وقلبت الأولى همزة -وجوبا- فصارت: أولى. فلا يجب القلب بل يجوز في مثل: واسي، والي، وافي ... إذا بنيت هذه الأفعال للمجهول؛ فيقال فيها: ووسي، وولي، ووفي، لأن الواو الثانية ليست أصيلة، إذ هي منقلبة عن الألف الزائدة التي في ثاني الماضي، وقد انقلبت واوا؛ لوقوعها بعد ضمة ... ويصح أن يقال فيها: أوسي، أولي، أوفي ... لأن قلب الواو الأولى وإبقاءها جائز -كما أسلفنا4.
وكذلك لا يجب القلب، وإنما يجوز، في مثل: الـ"وولى" -بواو مضمومة تليها أخرى ساكنة- وأصلها للتفضيل، وفعلها هو: "وأل" بمعنى: لجأ، تقول: وأل الطائر إلى عشه، بمعنى: لجأ إليه. واسم التفضيل منه للمذكر هو: أوأل، وللمؤنث هو: وؤلى "على زنة: فعلى". ويصح التخفيف بقلب الهمزة الثانية واوا ساكنة، فتصير الكلمة: "وولى" فيجتمع في أولها واوان، أولاهما متحركة، والثانية ساكنة، غير أصيلة في الواوية: لأن واويتها طارئة بسبب التخفيف العارض؛ لهذا لا يكون قلب الأولى واجبا؛ وإنما هو: جائز؛ فيقال أولى، أو: "وولي". ولا يصح القلب مطلقا إذا اجتمع الواوان في آخر الكلمة كما في نحو: هووي ونووي في النسبة إلى، هوى ونوى، طبقا لقواعد النسب التي مرت في بابه1 ...
"ملحوظة": تبدل الهمزة -أيضا- وجوبا من الألف في نحو: حمراء وخضراء فالأصل- على الرأي الشائع- هو حمرى، وخضرى، بألف التأنيث المقصورة فيهما؛ زيدت قبلها ألف المد، فأبدلت الثانية همزة. وتبدل جوازا من الواو المضمومة ضما لازما لا يفارقها، نحو: وجوه، أدور "جمع: دار" فيصح فيهما أجوه، وأدؤر. كما تبدل من الواو لزوما عند بعض القبائل في مثل: وشاح ووسادة، فيقال فيهما: إشاح وإسادة، وقيل إن هذا القلب جائز. وتبدل جوازا أيضا في مثل: رائي، وغائي، نسبة إلى راية وغاية، والأصل: رايي وغايي. بثلاث ياءات؛ خففت الأولى بإبدالها همزة1. إبدال الواو والياء من الهمزة "وهذه الحالة عكس التي قبلها": يتحقق هذا الإبدال في ناحيتين: الناحية الأولى الجمع الذي على وزن: "مفاعل" وما شابهه2، بشرط أن تكون الهمزة عارضة3 بعد ألف تكسيره، وأن تكون لام مفرده:4 إما همزة
أصلية، وإما حرف علة أصليا؛ واوا أو ياء ... فإذا تحقق المطلوب1 وجب قلب كسرة الهمزة فتحة، وقلب الهمزة بعد ذلك ياء في ثلاث صور، وواوا في صورة واحدة، وقلب الحرف الأخير بعدهما ألفا. فتقلب ياء: أ- إذا كانت لام ذلك المفرد همزة أصلية؛ نحو: خطيئة وخطايا، بريئة2 وبرايا، دنيئة3، ودنايا ... فوزن: خطايا، هو: "فعائل". والأصل: خطايي، ثم انقلبت الياء التي بعد الأخيرة الجمع همزة "طبقا لما سبق في حالات قلب الياء" فصارت: خطائي، ثم قلبت الهمة الأخيرة ياء مفتوحة: وبعدهما ألف، فصارت: خطايا ... هذا هو الأصل، وما مر فيه باختصار4.
ومثله يقال في: برايا، ودنايا، ونظائرهما، فالأصل: برايئ؛ ودنائي، قلبت الياء بعد ألف الجمع همزة مكسورة، ثم انقلبت هذه الهمزة المكسورة -بعد تغيرات- ياء مفتوحة وبعدها ألف؛ فصارتا: برايا ودنايا. ب- إذا كانت الأم ذلك المفرد ياء للعلة، أصلية "أي: ليست منقلبة عن شيء"؛ نحو: هدية وهدايا، وقضية وقضايا ... فوزن هدايا، وقضايا -وأمثالهما- هو: فعائل. وأصلهما: هدايي، جرى عليهما القلب الذي في الحالة الأولى "ما عدا قلب همزة الآخر ياء؛ لأن "لامهما ليست همزة" وانتهى بهما الأمر إلى: فعائل1. ح- إذا كانت لام المفرد للعلة ولكنها منقلبة عن واو؛ نحو: عشية ومطية، وأصلهما2 عشيوة ومطيوة؛ وجمعهما: عشايا ومطايا وهذا الجمع
على وزن: فعائل، بعد خمسة أنواع من القلب كالتي مرت في الحالة الأولى: "ا" ... 1. أما الصورة التي تقلب فيها كسرة الهمزة فتحة، ثم تقلب الهمزة واوا بعدها ألف فحين تكون لام المفرد واوا ظاهرة سلمت في هذا المفرد؛ نحو: هراوة2 وإداوة3 وجمعها: هراوي، وأداوي، على وزن: "فعائل" بعد أن مرت كلتاهما بخمسة أنواع من القلب وصلت بعدها إلى صيغة التكسير النهائية، وهذه الخمسة هي: أ- قلب الألف التي في المفرد همزة في الجمع بعد ألف التكسير؛ فيقال: هرائو، وأدائو ... 4 "لأن مفردهما: هراوة، وإداوة". ب- قلب الواو ياء، لوقوعها متطرفة بعد كسرة، فتصير الكلمتان: هرائي، وأدائي. ج- قلب كسرة الهمزة فتحة -طبقا لما سلف- فتصيران: هراءي وأداءي. د- قلب الياء ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فتصيران: هراءا، وأداءا. هـ- قلب الهمزة واوا -ليشابه الجمع مفرده، فتصيران: هراوي
وأداوى مع كتابة الألف الأخيرة ياء؛ طبقا لما تقضي به قواعد رسم الحروف1. من الصورة السالفة2 يتبين أن الهمزة تبقى في مثل: المراءي "وهي جمع: مراءة"3. فلا تنقلب في التكسير ياء؛ لأنها همزة أصلية في المفرد، وفي الجمع، وليست طارئة4؛ وكذلك تبقى بغير قلب في مثل: صحائف، وعجائز، ورسائل، لأن لام المفرد -وهو: صحيفة، وعجوز، ورسالة- ليست همزة، ولا أحد حرفي العلة "الواو الياء". فلم تتحقق في الكلمات الثلاث -وأشباهها- شروط قلب الهمزة واوا أو ياء5 ... الناحية الثانية6 -جتماع همزتين في كلمة واحدة- فخرج، نحو: أأنت؟ لأن الاجتماع في كلمتين؛ "إذ همزة الاستفهام كلمة" وهذا بالتفصيل التالي، مع ملاحظة أن الثانية هي التي تقلب دائما دون الأولى؛ سواء أكانت الأولى متحركة والثانية ساكنة، أم العكس، أما كانتا متحركتين، ويمتنع أن تكونا ساكنتين.
أ- فإن كانت الأولى هي المتحركة -بفتحة، أو ضمة، أو كسرة- والثانية هي الساكنة وجب قلب الثانية حرف علة مجانسا لحركة ما قبله، "أي: ألفا بعد الفتح، واواوا بعد الضم، وياء بعد الكسر"، نحو: آمن الرجل ... أومن -إيمانا. والأصل أأمن، أؤمن، إئمانا ... قلبت الثانية حرف علة من جنس حركة ما قبلها، ومثله: "آخذ، أوخذ، إيخاذا"، و"آزر، أوزر، إيزرار" و"آلم، أولم، إيلاما" و"آلف، أولف، إيلافا"1. ب- وإن كانت الأولى هي الساكنة والثانية هي المتحركة -وهذا النوع لا يقعان فيه في موضع الفاء، لتعذر النطق بالساكن ابتداء- فإن كانتا في موضع العين وجب إدغام الأولى في الثانية؛ نحو: سأل2، ورأس3، ولأل4. وإن كانت في موضع اللام قلبت الثانية ياء، كبناء صيغة على وزن: "قمطر" من الفعل: قرأ؛ فيقال: "قرأي". والأصل: قرأأ -بتسكين الهمزة الأولى، وتحريك الثانية- قلبت الثانية ياء لوقوعها طرفا بعد الهمزة الساكنة5.
ج- وإن كانتا متحركتين فلهما صور تخيلية؛ قصد بها في الأعم الأغلب مجرد التدريب، ولا يكاد يعرف لها نظائر مأثورة، في فصيح الكلام، ولا تجنح إليها الأساليب الرفيعة، ومن أشهر تلك الصور الوهمية: 1- أن تكون الهمزتان المتحركتان، في موضع اللام؛ فتقلب الثانية ياء مطلقا؛ "أي: سواء انفتح ما قبلها، أم انضم، أم انكسر". كبناء صيغة على وزن: جعفر، أو: قرمز1، أو: برثن، من الفعل: قرأ، فيقال: قرأأ" وقرئي، وقرؤؤ؛ بهمزتين متواليتين، تقلب الثانية منهما ياء لا واوا؛ لأن الواو لا تقع طرفا في الكلمة الزائدة على ثلاثة أحرف؛ فنقول: في قرأأ -مما قبلها مفتوح- قرأي. وقد تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فتقلب أنفا، وتصير: قرأى، وهي اسم مقصور. ويقال في: قرئى مما قبلها مكسور: قرئي؛ بقلب الثانية ياء ثم تحذف الياء فيقال: قرء، بحذف الياء التي في آخرها كما تحذف من المنقوص؛ وذلك بحذف حركة الياء أولا، لاستثقال الحركة عليها، ثم حذف الياء، لالتقائها ساكنة مع التنوين؛ كما يحذف في مثل: داع، وهاد، ووال، ونظائرها من المنقوص. وبهذا تصير كلمة: قرء" من المنقوص الذي حذفت لامه. ونقول في: قرؤؤ -مما قبلهما مضموم: قرء أيضا؛ ذلك أن الهمزة الثانية تقلب ياء، لا واوا -لما تقدم- فتصير الكلمة إلى: قرؤي، ثم تقلب الضمة التي قبلها كسرة؛ لتسلم الياء، فتصير إلى: قرئي، ثم تحذف حركة الياء لاستثقالها عليها، ثم تحذف الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين، وتنتهي إلى: قرء، وتصير منقوصة، مثل: داع، وهاد، ووال. 2- أن تكون الهمزتان المتحركتان في غير موضع اللام، وحركة الثانية كسرة. فتقلب الثانية ياء مطلقا "أي: بعد همزة مفتوحة أو مكسورة، أو مضمومة؛ فهي في حكمها كالصورة السالفة" كبناء صيغة من الفعل: "أم" تكون على وزن: أصبح" بفتح الهمزة، أو بكسرها، أو بضمها، مع كسر الباء
في الحالات الثلاث، فيقال بعد الهمزة المفتوحة: أأمم، ثم تنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة؛ ليمكن إدغام الميمين، وهذا أمر واجب، ثم تقلب بعده الهمزة الثانية بعد نقل الكسرة إليها، ياء؛ لأن الهمزة المكسورة بعد المفتوحة تقلب ياء كما تقدم -فتصير الكلمة: أيم. ويقال: بعد الهمزة المكسورة: ائمم، بهمزتين؛ أولاهما مكسورة، وثانيتهما: ساكنة، فتنقل كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، ليتيسر الوصول إلى الإدغام الواجب في الميمين، وتقلب الهمزة الثانية بعد نقل الكسرة إليها، ياء، وتصير الكلمة: ايم. 3- أن تكون الهمزتان المتحركتان في غير موضع اللام، والثانية مضمومة؛ فتقلب واوا بعد همزة؛ إما مفتوحة، وإما مكسورة، وإما مضمومة. فمثال المضمومة بعد مفتوحة: أوب1، والأصل: أأبب -بفتح، فسكون، فضم ... - نقلت حركت الباء الأولى إلى الهمزة الساكنة؛ ليتيسر الوصول للإدغام الواجب، فصارت الكلمة بعد الإدغام: أأب، وقلبت الهمزة الثانية واوا بعد انتقال الضمة إليها؛ لأن الواو هي المناسبة للضمة؛ فصارت الكلمة: أوب. ومثال المضمومة بعد مكسورة بناء صيغة من الفعل "أم"2 على وزان: إصبع -كسر الهمزة وضم الباء- فيقال: ائمم؛ بكسر، فسكون، فضم، نقلت حركة الميم إلى الهمزة -قبلها، ليتسر الوصول إلى الإدغام الواجب، فضرب الكلمة بعده إؤم- بكسر، فضم، فميم مشددة. قلبت الهمزة الثانية حرفا من جنس حركتها؛ وهو الواو، فصارت: إوم. ومثال المضمومة بعد ضمة: بناء صيغة على وزن: أبلم3، من الفعل: أم؛
فيقال: أؤمم -بضم، فسكون، فضم- تنقل ضمة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة قبلها؛ ليتيسر الإدغام؛ فتصير الكلمة بعده: اؤم، -بضمتين متواليتين- وتقلب الهمزة الثانية المضمومة حرفا من جنس حركتها، وهو الواو -فتصير الكلمة: اوم. 4- أن تكون الهمزتان المتحركتان، في غير موضع اللام، والثانية مفتوحة مطلقا؛ "أي: بعد همزة مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة" فتقلب واوا. فمثال المفتوحة بعد مفتوحة: أوادم1، والأصل بهمزتين مفتوحتين بعدهما ألف، قلبت الهمزة الثانية واوا؛ طبقا لقواعد الإبدال، التي تقضي بقلب الهمزة الثانية المفتوحة غير المتطرفة واوا. دائما: سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم غير مفتوح. ومثال المفتوحة بعد مضمومة: أويدم؛ "تصغير: آدم"، والأصل: أؤيدم. قلبت الهمزة الثانية واوا عملا بالقاعدة السالفة.
ومثال المفتوحة بعد مكسورة بناء صيغة من الفعل: "أم"، على وزن: إصبع -بكسر الهمزة، وفتح الباء- فيقال: اأمم، بكسر، فسكون، ففتح. تنقل حركة الميم الأولى "وهي الفتحة" للهمزة الساكنة قبلها؛ ليتيسر الإدغام الواجب، ثم يقع الإدغام؛ فتصير الكلمة: إأم، بكسر، ففتح، فميم مشددة. وتقلب الهمزة الثانية ياء لوقوعها متحركة بعد كسرة في حشو الكلام؛ فتصير الكلمة: ايم، بهمزة مكسورة، وياء مفتوحة، وميم مشددة. "ملاحظة": إذا كانت الهمزتان متحركتين والأولى منهما للمتكلم في صدر فعل مضارع جاز في الثانية منهما قلبها وبقاؤها من غير قلب، نحو: أؤم، وأئن "مضارعي: "أم" بمعنى: قصد.. و"أن"، بمعنى: تألم"، ويجوز أوم، وأين ... إبدال الياء من الألف: تقلب الألف ياء في موضعين؛ أولهما: وقوعها بعد كسرة؛ كما في تكسير سلطان، ومصباح، ومنشار -ونحوها- علي: سلاطين، ومصابيح، ومناشير ... وكما في تصغيرها على: سليطين، ومصيبيح، ومنيشير ... ثانيهما: وقوعها بعد ياء التصغير في مثل: كتيب، وسحيب، وغليم؛ في تصغير: كتاب، وسحاب، وغلام. والسبب: أن ما بعد ياء التصغير لا بد أن يكون متحركا، والألف لا تقبل الحركة، وياء التصغير لا تكون متحركة. فقلبت الألف بعدها ياء للتخلص من الساكنين. ولم تقلب حرفا آخر؛ لأن هذا هو الوارد عن العرب1.
إبدال الياء من الواو: تقلب الواو ياء في نحو أحد عشر موضعا: 1- أن تقع متطرفة بعد كسرة؛ كما في نحو: رضي، وقوهي، والراضي، والسامي. والأصل: رضو، وقوو1 والراضو، والسامو؛ لأن هذه الكلمات -ونظائرها- واوية اللام، بدليل ظهور الواو الأصلية في بعض تصاريف الكلمة؛ مثل: الرضوان، القوة، السمو ... ؛ ولا يتغير الحكم السالف بوقوع تاء التأنيث بعد الواو؛ لأن تاء التأنيث بمنزلة كلمة مستقلة، نحو: رضيت، قويت، الراضية، السامية. فتعتبر الواو التي تليها هذه التاء في حكم المتطرفة التي يجب قلبها ياء بعد الكسرة. وكذلك لا يتغير الحكم السالف بوقوع ألف ونون زائدتين بعد الواو المتطرفة التي قبلها كسرة، ون هذين الحرفين -هنا- في حكم الكلمة المنفصلة عما قبلها. ومن الأمثلة: الإتيان بصيغة على وزن: "فعلان" -بفتح فكسر- من الغزو، والشجو؛ فيقال: غزوان وشجوان، بالواو التي قبلها كسرة، ثم تقلب هذه الواو ياء؛ فتصير الصيغة: غزيان، وشجيان "فالواو" واقعة في الطرف تقديرا وقبلها كسرة، فعوملت معاملتها إذا وقعت في الآخر حقيقة2 ... 2- أن تقع عينا لمصدر، أعلت3، في فعله، وقبلها في هذا المصدر
كسرة، وبعدها ألف. "فالشروط أربعة". ومن الأمثلة: صام صياما، قام قياما، راد ريادا، حاك حياكا وحياكة، والأصل: صوام، وقوام، ورواد، وحواك؛ قلبت الواو ياء لتحقق الشروط الأربعة السالفة. فلا قلب في مثل: سوار لانتفاء المصدرية، ولا في مثل: حاور حوارا؛ لأنالواو غير معلة في الفعل "أي: غير منقلبة عن حرف آخر" ولا في مثل: "حال حولا، لعدم وقوع ألف بعدها، على حسب الرأي الغالب1 ... 3- أن تقع عينا لجمع تكسير، صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهي معلة في مفرده. ومن أمثلتهم: جمع دار على ديار، وحيلة على حيل، وديمة على ديم، وقيمة على قيم، وقامة على قيم، أيضا، والأصل: دوار، حول، دوم، قوم، ومن الشاذ، حاجة وحوج. فإن كانت اللام معتلة وجب تصحيح الواو؛ فيقال في جمع: ريان2 وجو: رواء، وجواء، بترك اواوا بغير قلب. 4- أن تقع عينا لجمع تكسير صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهي في مفرده شبيهة بالمعلة: في أن تكون ساكنة فيه، وبعدها في الجمع ألف، نحو: سوط وسياط، وحوض وحياض، وروض ورياض ... والأصل: سواط، حواض، رواض ... فإن لم توجد الألف وجب تصحيح الواو، نحو: كوز وكوزة، وعود3 وعودة، كما تصحح إن كانت متحركة في المفرد؛
نحو: طويل وطوال ... 1. 5- أن تقع طرفا في ماض وهي رابعة أو أكثر بعد فتحة، بشرط أن تكون منقلبة ياء في المضارع نحو: أعطيت وزكيت، وأنا أعطني وأزكي. وفعلهما: "عطا يعطو؛ بمعنى: أخذ وتناول" فأصل الفعلين الرباعيين: أعطوت، وزكوت، ثم قلبت الواو فيهما ياء، وكذلك في اسم مفعولهما؛ وهو: معطيان ومزكيان2.. 6- أن تقع ساكنة غير مشددة وقبلها كسرة، نحو: ميزان، وميعاد، وميقات، والأصل: موزان، وموعاد، وموقات، بدليل: الوزن، والوعد، والوقت. فلا يصح القلب في مثل: سوار، وصوان، لعدم سكون الواو، ولا في: اجلواذ "وهو مداومة السير مع الإسراع" لتشديد الواو. 7- أن تقع لاما لصفة على وزن: فعلى "بضم فسكون ففتح" نحو: دنيا وعليا، وأصلهما: دنوى وعلوى ... ، "بدليل دنوت دنوا، وعلوت علوا" قلبت الواو ياء. ومن الشاذ المسموع: قصوى3.
فإن كانت فعلى اسما "وليست وصفا"، بقيت الواو بغير قلب، نحو: حزوى، اسم موضع ... 1. 8- أنم تجتمع هي والياء في كلمة واحدة2 بشرط ألا يفصل بينهما فاصل، وأن يكون السابق منهما أصيلا "أي: غير منقلب عن غيره" وساكنا سكونا أصليا غير عراض. فإذا تحققت هذه الشروط وجب قلب الواو ياء، وإدغامها في الياء، سواء أكانت الياء هي السابقة؛ نحو: سيد وميت "وأصلهما، سيود، ميوت كما سبق" أم كانت الواو هي السابقة؛ نحو: طي، ولي، وأصلهما: طوي، ولوي؛ بدليل: طويت ولويت ... فالواو في الأمثلة السالفة قلبت ياء، وأدغمت في الياء. فإذا اجتمعتا في كلمتين فلا قلب، نحو: يدعو ياسر، ويجري وائل. ولا قلب كذلك إن كان بينهما فاصل، نحو: زيتون، أو كان السابق منهما متحركا، نحو: طويل وغيور، أو كان السابق غير أصيل، نحو: كويتب في تصغير. كاتب، أو كان سكونه غير أصيل، كقولهم في "قوى" الماضي، المكسور الواو أصالة: قوى، بسكون الواو، للتخفيف. وإذا اجتمعت الواو والياء في تصغير اسم -لا وصف- مشتمل على واو متحركة، وتكسيره على: مفاعل -وما يوزانه-3 جاز قلب الواو بالطريقة
السالفة وتصحيحها، نحو: جداول، والتصغير1: جديل، أو: جديول، بالقلب وعدمه، ونحو: أسود، للحية، وأساود، والتصغير: أسيد، أو أسيود. والإعلال أحسن في كل ذلك. فإن كان المفرد المصغر وصفا تعين الإعلال؛ نحو: أليم، تصغير: ألوم، "اسم تفضيل، فعله: لام". وكذلك إن كانت الواو المفرد غير متحركة نحو: عجوز وعمود، وتصغيرها عجيز وعميد. ولا إعلال إن كانت الواو في المفرد عارضة؛ نحو روية، تخفيف رؤية، ونحو: بويع، لأن أصلها ألف ... 2. ومما ينطبق عليه حكم الكلمة الواحدة -مع أنه ليس بواحدة- جمع المذكر السالم المرفوع المضاف إلى ياء المتكلم، نحو: جاء صاحبي والأصل: صاحبون لي. حذفت النون للإضافة ومعها اللام؛ فصارت الكلمة صاحبوي، ثم قلبت الواوياء وأدغمت في الياء، وكسر ما قبلها. 9- أن تقع لام اسم مفعول لفعل ماض، ثلاثي، على وزن: فعل -بفتح فكسر- نحو: رضي فهو مرضي. وقوي فهو مقوي. والأصل: مرضوي ومقووي "على وزن مفعول" اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكخسر ما قبلها بدلا من الضمة؛ لكيلا تقلب الياء واوا بعد الضمة. فإن كان الماضي غير مكسور العين وجب تصحيح الواو، نحو: مغزو ومدعو؛ وفعلهما: غزا، ودعا. غزو، ودعو؛ تحركت الواو وانفتح ما قبلها؛ قلبت ألفا، فصار: غزا ودعا3.
10- أن تكون لاما لجمع تكسير وزنه: فعول "بضم فضم"، نحو: "عصا، وجمعها: عصي"، "ودلو، وتكسيره: دلي". والأصل: عصوو، ودلوو؛ اجتمع واوان -واجتماعهما ثقيل- أولاهما زائدة في الجمع، والأخيرة أصلية "لام الكلمة" قلبت الواو الأخيرة ياء؛ فصارتا إلى: "عصري، ودلوي" اجتمعت الواو والياء؛ وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلهما، فصارتا: عصي ودلي. يصح كسر أولهما للتخفيف؛ لأن الانتقال من الضم إلى الكسر في مثل هذه الصيغة لا يخلو من ثقل. ومن النحاة من يجيز التصحيح في جمع التكسير السالف، ولكن الأرجح عدم التصحيح ... فإن كان "فعول" مفردا وجب التصحيح؛ نحو: عتو، علو، سمو، نمو ... 1. 11- أن تكون عينا لجمع تكسير على وزن: "فعل" صحيح اللام مع عدم وجود فاصل بين العين واللام، نحو: صيم، ونيم، وأصلهما: صوم
ونوم، بواوين قبلهما ضمة، وهذا ثقيل؛ فعدل عن الواوين إلى الياءين لخفتهما، ولكن التصحيح هو الأكثر؛ فيقال صوم، ونوم..1 فإن لم تكن اللام صحيحة لم يصح القلب، نحو شوى وغوى2 ... "بضم أولهما، وتشديد ثانيهما المفتوح المنون، وهما جمع: شاو؛ وغاو، اسمي فاعل من: شوى وغلأى". كما يجب التصحيح إن فصلت العين من اللام، نحو: صوام ونوام، ومن الشاذ نبام ... 3.
إبدال الواو من الألف: إذا وقعت الألف بعد ضمة وجب قلبها واوا، سواء أكان هذا في اسم، أم فعل، فمثل الاسم: لويعب، ومويهر، وهما تصغير: لاعب وماهر، ويشترط لقلب الألف واوا في التصغير ألا يكون أصلها ياء كالتي في: "ناب" "بمعنى: السن" فإنها في التصغير ترجع إلى أصلها الياء -كما تقدم1 في بابه- فيقال: نييب. ومثال الفعل: روجع، عومل، بويع ... وهي أفعال ماضية مبنية للمجهول: وأصلها للمعلوم: راجع، عامل، بايع ... 2. إبدال الواو من الياء: يقع هذا في أربعة مواضع: 1- أن تكون الياء في لفظ غير دال على الجمع. مع سكونها. ووقوعها بعد ضمة، وعدم تشديدها. نحو: يوقن وموقن، يونع ومونع، يوقظ وموقع، يوسر وموسر ... قلبت الياء واوا في المضارع واسم الفاعل، وهكذا ... والأصل: أيقن الرجل ييقن؛ فهو ميقن، أينع الثمر يينع؛ فهو مينع، أيقظ الصباح النائم ييقظ، فهو ميقظ، أيسر النشيط ييسر؛ فهو ميسر. فلا يصح القلب إن كان اللفظ جمعا: نحو: بيض وهيم، "تقول: هذا ورق أبيض وورقة بيضاء والجمع فيهما بيض3 بضم الباء،
ثم يجب كسرها في هذه الصورة؛ لثقلها في جمع التكسير قبل الياء الساكنة غير المشددة. وتقول: هذا جمل أهيم1، وناقة هيماء، والجمع فيهما: هيم، بضم الهاء، ثم تكسر الهاء، وجوبا، لما سبق". كذلك لا يصح القلب: إن كانت الياء متحركة، نحو: هيام2، -بضم، ففتح بغير تشديد- أو كانت غير مسبوقة بضمة، نحو: خيل وجيل ... أوو كانت مشددة؛ نحو غيب3 ... 4. 2- أن تكون لاما لفعل، وقبلها ضمة؛ "كالأفعال اليائية: نهى، قضى، رمى ... إذا أردنا تحويلها إلى صيغة "فعل" لغرض؛ كالتعجب ... " نحو: نهو الرجل، أو: قضو، أو رمو..؛ للتعجب من نهينه -أي: عقله- أو من قضائه، أو رميه. وهذه الألفاظ تؤدي معنى التعجب، أي: ما أنهاه! -ما أقضاه! - ما أرماه! ... فكل هذه وتلك من أساليب التعجب القياسية التي سبق الكلام عليها في بابه5. وقد تكون لاما لاسم مختوم بتاء تأنيث بعدها تلازم الكلمة؛ بحيث لا تؤدي الكلمة معناها إلا مع هذه التاء؛ كبناء صيغة على وزن "مقدرة" -بفتح، فسكون، فضم، ففتح- من الفعل، رمى؛ فتكون، مرموة، والأصل: مرمية -بكسر الميم الثانية- قلبت الياء واوا؛ لوقوعها بعد ضمة.
فلو جاءت التاء بعد بناء الصيغة المطلوبة لم يصح القلب، ووجب ترك الياء على حالها، نحو: "تمادية"؛ وهي مصدر دال على المرة، وفعله: تمادى: وأصل المصدر: تماديا -بضم قبل الياء كسرة، لتسلم الياء من قبلها واوا. ثم جاءت التاء الدالة على الوحدة بعد انقلاب الضمة كسرة. وقد تكون لاما لاسم مختوم بالألف والنون الزائدتين؛ كبناء صيغة من الفعل: رمى على وزان: سبعان "بفتح، فضم، ففتح مع مد ... اسم موضع" فيقال: رموان"1. 3- أن تكون لاما لاسم على وزن: فعلى -بفتح، فسكون، ففتح مع المد- نحو: تقوى، وشروي، وفتوى ... والأصل: تقيا، وشريا، وفتيا ... بدليل: تقيت، وشربت، وفتيت؛ فأبدلت الياء واوا في الثلاثة، وفي نظائرها من الأسماء المحضة، لا. الأوضاف2. 4- أن تكون عينا لكلمة على وزن: فعلى -بضم، فسكون، ففتح مع المد- بشرط أن تكون الكلمة اسما محضا، أي: خالصا من شائبة الوصفية؛ نحو: "طوبى"3، التي هي اسم خالص الاسمي، للجنة، أو لشجرة فيها فإن لم تكن اسما محضا وكانت صفة محضة، -أي: خالصة من شائبة الاسمية- وجب تصحيح الياء وكسرها ما قبلها؛ لكي تسلم من قبلها واوا، ولا يكاد يعرف من هذا النوع
-كما قالوا- إلا كلمتان هما: ضيزى1 وحيكى2، وأصلهما3: ضوزى، وحوكى، بالواو الساكنة فيهما، المسبوقة بضمة. قلبت الواو ياء ساكنة، وقلبت الضمة قبلها كسرة. فإن كانت الصفة غير محضة -لجريانها مجرى الأسماء4، جاز في الرأي الأنسب5 القلب والتصحيح، وفي الحالتين تكون الصفة غير المحضة دالة على التفضيل؛ لأنها مؤنث "أفعل" الدال على التفضيل أيضا، ومن أمثلتها: "طوبى6 أو: طيبى، مؤنث أطيب"، "كوسى أو: كيسى؛ مؤنث أكيس"، "ضوقى أو: ضيقى، مؤنث: أضيق"، "خورى، أو خيرى، مؤنث: أخير" ... إبدال الألف من الواو والياء: إذا وقعت الألف عينا للماضي الثلاثي، أو لاما، فلا بد أن تكون منقلبة
عن واو أو ياء: نحو: "صام، باع"، "سما، جرى" والأصل: صوم، بيع، سمو، جرى ... بفتح الواو والياء في كل ذلك. والدليل على هذا الأصل. المصادر، أو غيرها، إذ نقول: صوم، بيع، سمو، جري، فقلبت الواو والياء في تلك الأفعال ألفا. كما يقلبان في كثير من الأسماء أيضا، ولا يقع هذا القلب في الأفعال ولا في الأسماء إلا بعد اجتماع عشرة شروط: أولها: أن يتحركا. فإن لم يتحركا لم يقع القلب، كما في "قول، صوم"، "بيع، عين". ثانيها: أن تكون حركتهما أصلية ليست طارئة للتخفيف أو لغيره من الحركات التي لا تلازمهما؛ فلا قلب في نحو: جيعل، وتوم "وأصلهما: جيئل1، وتوءم2، نقلت حركة الهمزة -بعد حذفها للتخفيف- إلى الساكن قبلها، عند يبيح هذا التخفيف إن أمن اللبس". ولا في مثل قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} 3، وقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ... 3. ثالثها: أن يكون ما قبلهما مفتوحا؛ فلا قلب في مثل: العوض -الدول- الحيل. رابعها: أن تكون الفتحة التي قبلهما متصلة بهما -في كلمة واحدة، فلا قلب في مثل: حضر وفد ليس يزيد فيه. خامسها: أن يتحرك ما بعدهما إن كانا في أصلهما غير لامين؛ "كأن يكونا فاءين، أو عينين للكلمة"، وألا يقع بعدهما ألف، ولا ياء مشددة إن كنا لامين؛ فلا قلب في مثل: "توالى، وتيامن"، "وحورنق4، وطويل وبيان، وغيور"؛ لسكونهما بعدهما مع وقوعهما فاءين أو عينين. ولا في مثل: "جريا، وسموا، وفتيان، وعصوان": لوقوعهما لاما للكلمة وبعدهما ألف. ولا في مثل: "علوي وحي5" لوقوع ياء مشددة بعدهما.
وإنما قلبا في سما، ودعا، ومشى، وسعى مع وقوعهما لاما؛ لعدم وقوع ألف ولا ياء مشددة بعدهما. ولهذا السبب نفسه قلبا في مثل: "يخشون، ويدعون" مع وقوعهما لاما؛ "إذ أصلهما: يخشيون، ويدعوون. تحركت الياء والواو؛ وانفتح ما قبلهما؛ فقلبتا ألفا: فالتقى ساكنان؛ حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصار اللفظان: يخشون ويدعون". ومما سبق يتبين أن القلب ممتنع إذا كانا لا يمن، بعدهما الألف أو الياء المشددة. أما إذا وقع بعدهما ساكن آخر غير هذين1 فالقلب واجب على الأرجح2 ... سادسها: ألا تكون إحداهما عينا لفعل ماض على وزن: "فعل" -بفتح فكسر- والصفة المشبهة الغالبة فيه على وزن: "أفعل"3؛ نحو هيف؛ فهو أهيف4 وغيد5؛ فهو: أغيد وحول فهو؛ أحول وعور؛ فهو أعور ...
سابعها: ألا تكون إحداهما عينا لمصدر الفعل الماضي السالف؛ ولهذا يقال: هيف، وغيد، وحول، وعور ... ، بغير قلب ... 1. ثامنها: ألا تكون الواو عينا لفعل ماض على وزن: "افتعل" دال على المفاعلة2؛ فلا قلب في نحو: اجتوروا واشتروا، بمعنى: جاور بعضهم بعضا، وشاور بعضهم بعضا. فإن لم يدل على المفاعلة وجب القلب؛ اجتاز، واختان؛ بمعنى: جاز، "أي: قطع" وخان، وهذا الشروط خاص بالواو دون الياء ولهذا وقع القلب في استافوا، "أي: تسايفوا، بمعنى: اشتركوا في ضرب السيوف"، والأصل: استيفوا. قلبت الياء ألفا بالرغم من الدلالة على المفاعلة. ومثلها: امتازوا وابتاعوا: بمعنى تمايزوا، وتبايعوا، والأصل: امتيزوا وابتيعوا ... 3. تاسعها: ألا يكون بعد أحدهما حرف يستحق ألفا؛ لئلا يجتمع في كلمة قلبان متوليان بغير فاصل، وهو ممنوع، في الأغلب. فإن وقع بعدهما حرف يتسحق هذا القلب وجب -في الأكثر- قلبه، وتصحيح السابق، اكتفاء بقلب المتأخر: نحو: "الحيا"، مصدر الفعل: حيى، "والهوى": مصدر الفعل: هوي. "والحوى": مصدر الفعل: جوي "والأفعال الماضية الثلاثة على وزن "فعل"، بفتح فكسر، ومصادرها على وزن: "فعل" بفتح ففتح"4
فأصل المصادر: حيي، حرى، حوو1؛ ففي كل مصدر حرفان متواليان صالحان للقلب ألفا، لتحرك كل منهما وفتح ما قلبه. فجرى القلب على الثاني منهما؛ لأنه في آخر الكلمة، والأطراف محل القلب والتغيير غالبا، وسلم الأول. وقد وقع القلب على الأول بعض كلمات مسموعة لا تكفي للقياس عليها ومنها: كلمة: آية، وأصلها، في رأي من عدة آراء، أيية، بياءين متحركتين قبل كل منهما فتحة. قلبت الأولى ألفا وسلمت الثانية2 ... عاشرها: ألا يكون أحدهما عينا في كلمة مختومة بأحد الحروف الزائدة المختصة بالأسماء؛ كالألف والنون معا، وكألف المقصورة ... فلا قلب في مثل: الجولان3، والهيمان4، والصورى5، والحيدى6 ونحوها ... 7. إبدال الميم من الواو، ومن النون: أ- تبدل الميم من الواو وجوبا في كلمة: "فو"8 غير المضافة. وأصلها: فوه؛ حذفت الهاء تخفيفا؛ فيقال فيها بعد الإبدال: فم، والدليل على أن هذه الميم مبدلة من الواو قولهم في الجمع: أفواه. والتكسير من الأشياء التي ترد الألفاظ إلى أصولها. فإن أضيفت كلمة: "فو" إلى اسم ظاهر أو: مضمر جاز إبقاء الواو -وهذا
هو الأكثر- وجاز قلبها ميما. فيقال: فوك، أو: فوالنظيف، طيب الرائحة، ويصح فمك، أو فم النظيف طيب الرائحة. ب- وتبدل الميم من النون بشرطين: أن تكون النون ساكنة، وأن يقع بعدها الباء؛ سواء أكانتا في كلمة أم في كلمتين؛ نحو: انبعث البريد، ونحو: من بعث الرسالة؟ ويلاحظ أن قلب النون ميما مقصور على النطق فقط، أما في الكتاب فتبقى صورة النون على حالها ... 1. إبدال التاء من الواو، والياء: يجب قلب الواو والياء تاء إذا وقعا "فاء افتعال"، أو فاء أحد مشتقاته2، وكانا غير مبدلين من همزة، فإذا تحقق الشرطان "وقوعهما فاء افتعال أو أحد مشتقاته، وعدم انقلابهما عن همزة". وجب قلبهما تاء -كما قلنا- وإدغام هذه التاء في تاء الافتعال أو مشتقاته. فعند بناء صيغة على وزن: "افتعال" -مثلا- من الماضي: وصل، أو: يسر، يقال: اوتصل، ايتسر، ثم تقلب الواو والياء تاء، وتدغم في التاء الموجودة، وتصير الصيغتان: اتصل، واتسر3، ويقال في المضارع قبل القلب: يوتصل، وييتسر، ويصير بعد القلب والإدغام: يتصل ويتسر ... 4 ومثل هذا يقال في الأمر، وباقي مشتقات "الافتعال"،
التي فاؤها أحد الحرفين السالفين غير المبدلين من الهمزة. فإن كان أحدهما مبدلا من الهمزة لم يجز القلب -في أشهر اللغات- فلا تقلب الياء تاء في مثل: "ايتكل"، وهي صيغة "افتعل" من أكل؛ لأن ياءها في الأصل همزة، وقعت بعد همزة مكسورة؛ فانقلبت الثانية ياء؛ طبقا لما تقدم1. ولا تقلب الواو تاء في مثل: اوتمن؛ لأن هذه الواو مبدلة من الهمزة الثانية التي وقعت بعد ضمة؛ إذ الأصل أؤمن، قلبت الثانية واوا لوقوعها بعد نظيرتها المضمومة -كما عرفنا-1 فوجب عدم القلب ... 2. إبدال الطاء من تاء الافتعال: يجب قلب "تاء الافتعال" ومشتقاته "طاء" بشرط أن تكون هذه التاء في كلمة فاؤها حرف من أحرف الإطباق3؛ "وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء" وبعده هذه التاء. فإذا أريد بناء صيغة على وزن: افتعل -مثلا- من: صبر، أو: ضغن4، أو: طلع، أو: ظلم ... قيل: اتبر، اضتغن، اطتلع، اظتلتم. ثم تقلب التاء طار في اصتبر؛ فيقال: اصطبر. وتقلب التاء طاء في: اضتغن؛ فيقال: اضطغن بطاء ظاهرة في النطق والكتابة، وكذلك تقلب التاء في اطتلع؛ فيقال اططلع، ثم تدغم الطاءان وجوبا؛ فيقال: اطلع ... وتقلب في اظتلم؛ فيقال: اضطلم. وفي مثل هذه الصورة التي تبدل فيها "تاء
الافتعال" طاء بعد الظاء. يجوز ثلاثة أمور بعد القلب، إما ترك الطاء والظاء على حالهما؛ فيقال: اظطلم -كما سبق- وإما قلب الطاء ظاء وإدغامها في الظاء؛ فتصير الكلمة: اظلم. وإما قلب الظاء طاء وإدغامها في الطاء؛ فتصير الكلمة: اطلم ... 1. إبدال الدال من تاء الافتعال: يجب إبدال الدال من "تاء الافتعال" ومشتقاته بشرط أن تكون هذه التاء في كلمة فاؤها الدال، أو الذال، أو الزاي، وقد وقعت التاء بعد حرف من الثلاثة، فإذا أريد بناء صيغة على وزن: "افتعل" -مثلا- من: دغم، أو: ذخر، أو زجر ... قيل ادتغم، اذتخر، ازتجر، ثم تقلب التاء في كل ذلك "دالا" فيقال: ادغم، بإدغام الدال في الدال وجوبا. واذ دخر، ويصح قلب الذال دالا وإدغامها في الدال الأصلية، فيقال: ادخر، كما يصح -مع القلة- قلب الدال الأصلية ذالا وإدغامها في الذال؛ فيقال: اذخر، فهذه ثلاث لغات أقوالها الأولى فالثانية. ويقال: ازدجر ... 2.
المسألة 183: الإعلال بالنقل
المسألة 183: الإعلال 1 بالنقل معناه: نقل الحركة من حرف صحيح ساكن قبله. وقد يبقى حرف العلة بعد ذلك على صورته مع تجرده من الحركة. أو ينقلب حرفا آخر. وهذا النوع من الإعلال خاص بالواو والياء دون الألف؛ لأنهما يتحركان وهي لا تتحرك مطلقا. ومن الأمثلة: يصوم. فأصله: يصوم2 -بفتح، فسكون، فضم ... - نقلت حركة حرف الواو "وهي: الضمة" إلى الساكن الصحيح قبلها، مع إزالة سكونه؛ فصار المضارع بعد هذا النقل: "يصوم" بواو ساكنة، وقد بقيت صورتها ساكنة بعد نقل حركتها. ومثله: "يقوم، يعود، يقول، يعوم" ... فيجري في كل مضارع من هذه الأفعال ما جرى في نظيره: "يصوم". ومن الأمثلة: يبيع، بفتح، فسكون، فكسر3، نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فصار المضارع بعد هذا النقل: "يبيع" بياء ساكنة، بقيت صورتها ساكنة بعد نقل حركتها. ومن الأمثلة أيضا: يخاف. أصله: يخوف -بواو مفتوحة- نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلهاز ثم انقلبت الواو ألفا، لاعتبارها متحركة بحسب الأصل، وقد انفتح ما قبلها الآن، فصارت: يخاف. ومثله: "ينام4، يزال5، يكاد6، يحار6" ... حيث جرى على كل مضارع من هذه
الأفعال ما جرى على المضارع: "يخاف"؛ من نقل فتحة الواو للساكن قبلها، ثم قلبها ألفا. فنرى مما سبق أن حرف العلة "الواو والياء" قد يبقى على صورته السابقة بعد نقل حركته "مثل: يصوم، يقوم ... " وقد ينقلب حرفا آخرا؛ "مثل: يخاف، يحار". لكن، ما الضابط العام الذي يخضع له حرف العلة، ليبقى على صورته من غير حركة، أو ينقلب حرفا آخر؟ الضابط هو: أن حرف العلة إن كان في أصله متحركا بحركة تجانسه1 -أي: تناسبه- وجب بقاء صورته ساكنة بعد نقل حركته إلى الساكن قبله؛ كما في: "يصوم، يقوم ... " وكما في: "يبيع، يهيم" ... وإن كان في أصله متحركا بحركة لا تناسبه وجب -بعد نقل حركته- أن ينقلب حرفا جديدا مناسبا لحركته الأصلية السابقة التي نقلت إلى الساكن الصحيح قبله، فالمفتوح يصير ألفا، والمضموم يصير واوا، والمكسور يصير ياء ... - ومن الأمثلة: "أقام وأبان"، فأصلهما: "أقوم وأبين"2 بفتح حرف العلة؛ نقلت حركة الواو والياء للساكن للصحيح قبلهما. ثم قلب حرفا العلة ألفا، لأن الألف هي التي تناسب الفتحة؛ فصار الفعلان: أقام وأبان. وفي مثل هذا القلب يقال: تحركت الواو والياء بحسب الأصل، وانفتح ما قبلهما بحسب الحال، فانقلبا ألفا3. ويجري ما سبق على نحو: "أقيم وأبين ... " وأصلهما: أقوم وأبين.. دخلهما إعلال النقل وإعلال القلب.
مواضعه: يقع الإعلال بالنقل في أربعة مواضع، يكون حرف العلة في كل منهما عين الكلمة، ومتحركا.. أولهما: أن يكون حرف العلة "الواو، أو الياء" عينا متحركة لفعل؛ نحو: يصول، ويغيب. والأصل: يصول ويغيب، وبضم الواو وكسر الياء، ثم نقلت حركتهما إلى الساكن قبلهما، وبقي كل منهما بعد ذلك على صورته -طبقا لما قدمنا- فيصير الفعلان: يصول، يغيب. ويشترط لإجراء النقل في هذا الموضع أن يكون الساكن قبل حرف العلة صحيحا، وأن يكون الفعل غير مضغف اللام، ولا معتلها، ولا مصوغا للتعجب، على وزن إحدى الصيغتين القياسيتين فيه1. فلا يقع الإعلال بالنقل في مثل: "قاوم وبايع، وعوق وبين"؛ لأن الساكن قبل الحرفين غير صحيح. ولا في مثل: "ابيض واسود"؛ لتضعيف لامه، ولا في مثل: "أعوى وأحيا"؛ لاعتلالها، ولا في مثل: "ما أقومه!! وما أبينه2!! وأقوم به!! وأبين به!! " لأن الفعل مصوغ على صيغتي التعجب القياسيتين ... 3.
ثانيها: أن يكون حرف العلة عينا متحركة في اسم يشبه المضارع في وزنه1 فقط دون زيادته، أو في زيادته دون وزنه، بشرط أني كون في الاسم ما يمتاز به عن الفعل في الحالتين. فالأول: نحو: مقام -بفتح الميم- فإن أصله: "مقوم"، "بفتح، فسكون، ففتح" وهو على وزن المضارع: "يعلم". نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها، ثم قلبت ألفا؛ طبقا لما سلف فصار الاسم: مقام. وفيه زيادة تدل على أنه ليس من الأفعال، وهي الميم في أوله، ومثله: مقيم، ومبين. ومثال الثاني: بناء صيغة من: "البيع" أو: "القول" على مثال: تحلي2 وهذه صيغة خاصة بالاسم. فيقال: تبيع. وتقول "بكسر، فسكون، فكسر، فيهما" -نقلت حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله. وقلبت الواو ياء3؛ فصارت الكلمتان: تبيع وتقيل بكسرتين متواليتين في كل، وبعدها ياء. فإن اختلف الاسم عن المضارع في الأمرين معا، أو شابهه فيهما معا -وجب التصحيح؛ فمثال الأول: مخيط4 "بكسرن فسكون، ففتح" لأن المضارع لا يكون -في الأغلب- مكسور الأول، ولا مبدوءا بميم زائدة، فالصيغة مختصة بالاسم، ولذا وجب التصحيح ومثلها: مهفعال؛ كمخيطا. ومثال الثاني: أقوم، وأبين -بفتح، فسكون، ففتح- وهما شبيهان
بالمضارع: اعلم وافهم..، في وزنه وفي الزيادة التي في أوله، فوجب لهما التصحيح ... 1. ثالثها: أن يكون حرف العلة عينا متحركة في مصدر معتل العين، كفعله، بشرط أن يكون فعله على وزن: "أفعل"، أو: "استفعل" نحو: أقام، واستقام، وأصلها قبل التغيير: أقوم، واستقوم. ومصدرهما: إقوام، واستوام. فيجب فيهما الإعلال بالنقل كما جرى في فعليهما؛ فتنقل فتحة الواو إلى الساكن قبلهما، وتقلب الواو ألفا -طبقا للقاعدة التي سلفت- فيتوالى ألفان لا يمكن النطق بهما معا؛ فتحذف الثانية منهما، وتجيء تاء التأنيث -في الأغلب- عوضا عنها، فيقال إقامة، واستقامة. ومثل هذا يقال في: "أبان واستبان"، فأصلهما: "أبين، واستبين"، ثم نقلت حركة الياء إلى ما قبلها وقلبت ألفا: فصارا: أبان، واستبان. ومصدرهما: إبيان واستبيان، نقلت حركة الياء كما نقلت في الفعل، وقلبت الياء ألفا فتلاقت ساكنة مع ألف المصدر، حذفت الثانية منهما، وزيدت تاء التأنيث عوضا عنها؛ فصار المصدران: إبانة، واستبانة، وحذف هذه التاء مقصور على السماع ومنه قوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} ، أي: إقامة الصلاة2.
رابعها: أن يكون حرف العلة المتحركة عينا في صيغة "مفعول" من الفعل الثلاثي المعتل العين بالياء أو الواو، كصوغ "مفعول" من قال وباع ... فيجب فيه ما وجب في "إفعال واستفعال" السابقين، ولا يقتصر الأمر على هذا، بل تجري عليهما تغييرات؛ طبقا للبيان الشامل الذي سيجيء في الحالة الرابعة الأخرى1 ...
المسألة 184: الإعلال بالحذف
المسالة 184: الإعلال بالحذف 1 الإعلال بالحذف يكون قياسيا مطردا في المسائل الآتية: أما في غيرها فمقصور على السماع: الأولى: الهمزة الزائدة في أول الماضي الرباعي. فإنها تحذف في مضارعة، واسم فاعله، واسم مفعوله، نحو: أكرم، يكرم، أكرم، مكرم، مكرم.. بحذف الهمزة في كل ذلك وجوبا، ومثل هذا همزة الأفعال الماضية الرباعية: أفهم، أخبر، أحسن ... ونظائرها، حيث يجب حذف الهمزة، من مضارعها، واسم فاعلها، واسم مفعولها. كما قلنا، والأصل في كل ذلك قبل حذفها: يؤكرم، مؤكرم، مؤكرم. وكذا الباقي ... الثانية: الواو التي هي "فاء" فعل ثلاثي مفتوح العين في الماضي2 مكسورها في المضارع مثل: وعد، فيجب حذف هذه الواو في المضارع، وأمره، ومصدره، بشرط: أن يصير هذا المصدر على وزن فعلة "بكسر، فسكون، ففتح" لغير الهيئة، وبشرط أن تكون التاء في آخره عوضا عن الواو المحذوفة. فيقال: يعد، عد، عدة3، ومن هذا قول الشاعر:
متى وعدتك في ترك الهوى عدة ... فاشهد على عدتي بالزور والكذب وقولهم في الحكمة: لا تعد عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلا، إذا كان المنحدر وعرا. كما يقال: يصف، صف، صفة ... "بشرط ألا يكون المصدر لبيان الهيئة كما سبق"، ولا تحذف الواو من المضارع إلا بشرطين؛ أن يكون حرف المضارعة مفتوحا وأن تكون عينه مكسورة؛ نحو: أعد، نعد. فلا حذف في مثل يولد، ويوضؤ1.. الثالثة: إذا كان الماضي ثلاثيا مكسور العين، وعينه ولامه من جنس واحد -مثل: ظللت-2 جاز فيه ثلاثة أوجه عند إسناده لضمير رفع متحرك. وهي إبقاؤه على حاله مع فك إدغامه وجوبا، كالمثال السابق: "ظلت" أو: حذف عينه دون تغير شيء في ضبط ما بقي من الحرف: مثل: ظلت. أو حذف عينه ونقل حركتها إلى فاء الكلمة؛ مثل: ظلت. فإن كان الفعل المضاعف المكسور العين مضارعا أو أمرا واتصلا بنون النسوة جاز إبقاؤها على حالهما من غير حذف ولا تغيير إلا فك الإدغام وجوبا، وجاز حذف العين ونقل حركتها -وهي الكسرة- إلى الفاء؛ فنقول:
"النسوة يقررن1 أو يقرن". "واقررن يا نسوة، أو فرن".. وسمع فتح القاف في: قرن2.. الرابعة: أن يكون حرف العلة عينا في اسم المفعول؛ كفعله. وفي هذا النوع يجب إحداث تغيير آخر. غير الإعلال بالنقل هو حذف الواو من: "مفعول" إن كان الفعل واوي العين، وحذفها مع كسر ما قبلها إن كان يائي العين، فمثال الفعل الواوي العين: "صام يصوم". واسم المفعول منه هو: "مصووم"، تنقل الضمة -وهي حركة الواو- إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فيجتمع بعد هذا النقل ساكنان، هما: الواوان. فيجب حذف أحدهما -والأرجح أنه الثاني3 لزيادته وقربه من الطرف- فيصير اسم المفعول: مصوم. ومثل هذا يقال في اسم المفعول من: قال، ورام، وحاط ... وأمثالها؛ حيث يكون اسم المفعول هو: مقوول، ومرووم، ومحووط، ثم يحصل الإعلال بالنقل، ويليه الإعلال بالحذف. ومن النادر الذي لا يقاس عليه تصحيح اسم المفعول المعتل العين بالواو؛ كقولهم: ثوب مصوون، والقياس مصون4. ومثال الفاعل اليائي العين: باع5 يبيع. واسم المفعول منه هو: مبيوع,
تنقل حركة الضمة وهي حرك الياء إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فيلتقي بعد هذا النقل ساكنان؛ هما: الياء والواء، فيجب حذف أحدهما؛ وهو الواو -على الأصح، لما سبق- فيصير اسم المفعول: مبيع، بياء ساكنة قبلها ضمة، فنقلب الضمة كسرة؛ لتسلم الياء، ويصير اسم المفعول هو: مبيع بعد وقوع إعلال بالنقل، وآخر بالحذف وقلب الضمة كسرة، ومثل هذا يقال في اسم المفعول من الأفعال: هام يهيم، شاد يشيد، غاب يغيب ... وأمثالها حيث يكون اسم المفعول هو: مهيوم، مشيود، مغيوب ... ثم يدخله الإعلال بالنقل، فإلإعلال بالحذف. ثم قلب الضمة كسرة. وهذا هو الأفصح في المعتل العين بالياء، ويحسن الاقتصار عليه. وتميم تجيز تصحيح هذا النوع اليائي، فتقول ثمر مبيوع، وثوب مخيوط، وسفيه مديون1 وهكذا2.
الفهرس
الفهرس: أ- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب 1 النداء، وكل ما يتصل بأحكامه 77 الاستغاثة 89 الندبة 101 الترخيم 118 الاختصاص 126 التحذير والإراء 140 أسماء الأفعال 162 أسماء الأصوات 167 نونا التوكيد 185 إسناد الفعل إلى الضمائر 200 مال لا ينصرف 277 إعراب المضارع: أ- "نواصبه" 405 ب- جوازم المضارع 482 اجتماع الشرط والقسم 489 أ- توالي شرطين أو أكثر 490 ب- توالي لاستفهام والشرط 491 لو 504 أما الشرطية 512 أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع: "لولا، لوما، هلا، ألا، ألا ... " 517 العدد 568 كنايات العدد: "كم، كأين، كذا، كنايا أخرى" 585 التأنيث 605 المقصور والمدود، وتثنيتهما، وجمعهما تصحيحا. 625 جمع التكسير 683 التصغير 713 النسب 747 التصريف 756 الإعلال، والإبدال، والقلب 794 الإعلال بالنقل 800 الإعلال بالحذف ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي يشتمل عليها كل باب من الأبواب العامة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الواردة في: "الزيادة والتفصيل"، والهوامش.
باب النداء، وما يتصل به: الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع المسألة 127: 1 النداء: تعريفه. أحرفه، موضع استعمال كل حرف. ألفاظ لا تكون إلا منادى، وأخرى لا تصلح منادى 3 أ- حذف حرف النداء ومواضعه. ب- مواضع لا يصح فيها حذف الحرف: "يا" 4 ج- مواضع يقل فيها حذفه. هل يصح نداء الضمير؟ ما المراد باسم الجنس المعين وغيره. 5 ما تمتاز به: "يا" مناداة القريب بما للبعيد، والعكس. النداء الحقيقي وغير الحقيقي. 6 دخول حرف النداء على غير الاسم. هل يحذف المنادى؟ 7 د- نوع الجملة الندائية فعلية إنشائة. لا صح أن تكون خبرا نيابة حرف النداء عن العامل حرف النداء من أحرف المعاني أثر ذلك 9 المسألة 128: أقاسم المنادى الخمسة، وحكم كل. القسم الأول: المفرد العلم، تعريفه، 10 ما يلحق به، أحكامه المختلفة، البناء على الضم.. 11 العلم والمعارف المبنية قبل النداء. 14 طريقة بناء العلم المنقوص، والمنون. 15 طيقة بناء العلم المقصور 16 حكم نداء المثنى، والجمع، وإثنا عشر، واثنتا عشرة، علمين مبدوءين بهمزة القطع 18 صورة من العلم المفرد يجوز فيها أمران.. المنادى وغير المنادى الموصوف بكلمة: ابن، أو ابنة، أو بنت، أشباهها. متى تحذف همزة الوصل منهما 20 جواز أمر ثالث، التعليل الثلاثة 25 القسم الثاني: النكرة المقصودة، تعريفها، حكمها 26 الفرق في التعيين بين النكرة المقصودة والعلم 28 متى تبني على الضم وجوبا، أو جوازا. وحكمها إذا كانت موضوفة؟ ما إعراب الجملة بعد النكرة المقصودة؟ ولا سيما المنقولة من مقصور أو منقوص. 30 عودة إلى الفرق بين التعيين في العلم وفي النكرة المقصودة. 30 حكم المعارف التي ليست أعلاما ...
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 31 القسم الثالث: النكرة غير المقصودة تعريفها، وحكمها. القسم الرابع: المضاف، تعريفه، وحكمه. 32 القسم الخامس: الشبيه بالمضاف 33 حكم نداء الأعداد المتعاطفة. 34 حكم أيضا 36 المسألة 129: الجمع بين حرف النداء و"أل". الكلام على: "اللهم" وهمزة "الله". 37 نعته. معاني: اللهم. 38 متى تصير همزة الوصل للقطع؟ 40 المسألة 130: أحكام تابع المنادى. أ- أحكام تابع المناد المنصوب حكم الضمير المصاحب للتابع، 41 مناقشة النحاة في حكم البدل وعطف النسق.. 42 وجوب جر التابع 43 ب- تابع المنادى المبني على الضم. 1- ما جيب نصبه، كيفية إعراب فاقد الشروط. 45 حركة شكلية صورية في بعض التوابع 45 2- ما يجب رفعه، نداء "أي"، "وأية" 48 واسم الإشارة ... 49 الكلام على أي، وأية، ونعتهما، والمطابقة وعدمها، والإفراد وفروعه.. 50 نعت اسم الإشارة المنادى. 51 المراد "بالمبهم" في المنادى وغيره 52 جواز الرفع والنصب. 53 4- التابع المستقل: "البدل وعطف النسق". ج- ما يصح نصبه وبناؤه على الضم. 54 اسم زائد لا يوصف بإعراب ولا بناء، 57 ملخص أحكام توابع المنادى 58 المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم. حكم صحيح الآخر، وشبهه، أحرف المد، واللين، والعلة. 62 تاء التأنيث توجب فتح ما قبلها. الكلام على: يا أبت، يا أمت. 65 حكم معتل الآخر وما ألحق به 67 حكم الأسماء الخمسة عند ندائها 68 المسألة 132: أسماء لا تكون إلا منادى. بيانها تفصيلا.. "أبت، أمت، اللهم، فل.. و ... " أسماء لا تكون منادى. 73 صيغة "فعال" لسب الأنثى، وللأمر 76 نداء المجهول اسمه..
الموضوعات المكتوبة بحروف هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش: باب الاستغاثة. رقم الصفحة الموضوع المسألة 133 77 الاستغاثة. تعريفها، أسلوبها، وأركانها 78 حكم "يا". حكم المستغاث، ولامه، وتوابعه 80 رأي في إعراب المستغاث المعرب والمبني 83 حكم المستغاث له. 84 بعض أحكام عامة. 86 المسألة 134: النداء المقصود به التعجب 89 المسألة 135: تعريفها، ركناها، 90 أ- الأحكام الخاصة بحرف النداء. ب- المندوب، والأحكام الخاصة به 91 هل هو منادى حقيقي؟ 94 زيادة الألف في آخر المندوب 96 زيادة هاء السكت في آخره 97 المندوب المثنى والجمع، توابع المندوب المسألة 136: 99 المندوب المضاف لياء المتكلم 100 المندوب المضاف لمضاف لياء المتكلم باب الترخيم 101 المسألة 137: تعريف، أقسامه القسم الأول: ترخيم المنادى كثرة الترخيم في بعض ألفاظ معينة. 102 شروطه. 87 أسلوبه. أحكامه. 105 ما يحذف جوازا من آخر المنادى المرخم. حرف العلة، واللين، والمد 109 عودة إلى همزة الوصل التي تصير همزة قطع.
الموضوعات المكتوبة بحروف هي بعض موضوعات الزيادة والتفصيل، والهامش: رقم الصفحة الموضوع 111 كيفية ضبطه على لغة من ينتظر ومن لا ينتظر. 114 أي الطريقتين أفضل؟ لماذا؟ 115 الكلام على: يا صاح.. 116 المسألة 138: القسم الثاني: ترخيم الضرورة باب: الاختصاص 118 المسألة 139: توضيحه بالأمثلة، تعريفه. 120 الغرض منه 121 حكمه 122 أوجه التشابه والتخالف بين الاختصاص والنداء 125 إعراب الجملة التي تحوي المختص. الجمل الاعتراضية لا محل لها من الإعراب. 126 المسألة 140: أ- التحذير تعريفه، أساليبه الاصطلاحية 127 الأول: حكمه 128 الثاني والثالث، وحكمهما 129 الرابع. حكمه 130 الخامس. حكمه 132 مخلص الأحكام السابقة. 133 عامل التحذير العامل المقدر ليس أمرا يتعبد بنصه 135 ما يجوز في الواو نوع أسلوب التحذير 136 ب- الإغراء، تعريه، وحكمه 138 بعض الأمثال المسموعة بالنصب وأشباهها. باب الأسماء الأفعال 140 المسألة 141: معناها، تعريفها 142 مزيتها 142 الرأي القائل إنها خالفة ... 143 تقسيم هذه الأسماء بحسب نوع أفعالها
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 145 لغتان في: هلم، معنى: هلم جرا. 146 شتان 147 تقسيمها بحسب أصالتها في الدلالة: غلى مرتجل ومنقول. 149، 150 تفصيل الكلام على "رويد" و"بله" 153 أهم أحكامها: نوع قياسي. السماع، الجمود، البناء، التنوين وعدمه، العمل 154 المراد من تعريفها وتنكيرها. 156 نوع فاعلها الكلام على: هيت، 157 حاجة اسم الفعل إلى الفاعل دليل اسميته 185 المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدهما ومع التوكيد ... 158 الكلام على: هاؤم، 159 تأخر المعمولات امتناع نون التوكيد. هل اسم الفعل مع فاعله جملة؟ 160 قسم تلحقه الكاف سماعا 161 سرد بعض أسماء الأفعال المتناثرة في الكلام العربي الفصيح 162 المسألة 142: أسماء الأصوات. تعريفها وتقسيهما 163 أشهر أحكامها باب نونا التوكيد 167 المسألة 143: بيانهما، أثرهما المعنوي 169 آثارهما اللفظية، والأحكام المترتبة عليهما 170 بناء الأمر على الفتح 171 أحوال توكيد الأمر والمضارع 172 متى تحذف "لا" النافية وتلاحظ 179 الاحكام الأربعة التي تختص بها نون التوكيد الخفيفة 180 متى يصح التقاء الساكنين؟ باب إسناد الفعل 185 المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدهما ومع التوكيد ... أولا: 1- المضارع صحيح الآخر. 186 دفاع عن الحذف والتقدير هنا شرط قوالي الأمثال الممنوع.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة. والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 189 تلخيص إسناد المضارع صحيح الآخر 191 "ب" إسناد المضارع معتل الآخر 197 تلخيص إسناد المضارع معتل الآخر 199 ثانيا: الكلام على الأمر باب مالا ينصرف 200 المسألة 145: الاسم المغرب من حين التنوين قسمان: معنى الصرف، تقسيم الاسم الذي لا ينصرف قد يعبر عن الصرف قديما "بالإجراء" و ... 204 العلامة الدالة على منعه، والعلامتان. ما يمنع صرفه لعلة واحدة أو لعلتين. مناقشة رأي النحاة في العلة والعلتين. 205 أصل يمان، وشآم، وثمان.. 205 1- لعلة واحدة: ألف التأنيث بنوعيها، حكمها 207 أصل الممدودة شرطان للمنع من الصرف 208 صيغة منتهى الجموع، تعريفها هل منها مثل كلمة: أرادب 209 حكمها. 210 موازنة بين المنقوص المفرد والمجموع وحكم المنقوص منها 211 حكم المضارع المعتل الآخر بالواو، أوالياء، عند التسمية كحكم المنقوص 214 حكم ملحقاتها. 216 ب- ما يمنع صرفه لعلتين معا. 217 المسألة 146: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للوصفية وما ينضم إليها من إحدى العلل الثلاث. الوصفية مع زيادة الألف والنون. معنى الوصفية هنا "فعلان فعلى" تأنيثه بالتاء. صحة صرفه وجمعه تصحيحا، وكذا فعلى. 218 الوصفية مع وزن الفعل 222 الوصفية مع العدل تعريف العدل، وتقسيمه، وفائدته. رأي فيه، الكلام على: أحاد، وثناء ... 224 الكلام على: أخر 227 المسألة 147: الكلام على الممنوع من الصرف للعلمية مع إحدى العلل السبع.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، التفصيل، الهامش رقم الصفحة الموضوع 227 العلمية مع التركيب المزجي، معناه. 230 نوع منه منقوص ينصب بالفتحة المقدرة دائما 231 حكم الأعلام المركبة تركيب إضافة، أو إسناد، أو عدد، أو أحوال، أو ظروف. 233 العلمية مع زيادة الألف والنون 236 العلمية مع التأنيث "أ" ما يمتنع صرفه وجوبا. هاء التأنيث هي تاء التأنيث 238 "ب" ما يمتنع صرفه جوازا 239 أشياء -كأسماء القبائل والأماكن والأحياء- تصرف أولا تصرف 242 العلمية مع العجمة. معنى اللفظ الأعجمي -قد يدخله تغيير عند نقله إلى لغة العرب- الفرق بين المعرب والأعجمي 245 حكم أسماء الملائكة، والأنبياء، وإبليس. كيف يعرف الاسم الأعجمي؟ 247 العلمة مع وزن الفعل وصوره المختلفة.. تصير همزة الوصل في الأعلام المنقولة همزة قطع. 249 ضابط عام في صرف الاسم الذي وزن المضارع 253 العلمة مع ألف الإلحاق المقصورة "مثل: علقى، أرطى" كلمة عن الإلحاق. 255 حكم كلمة: تترى. 256 العلمية مع العدل. كلمة عن العدل وتقسيمه وفائدته.. 256 وزن: "فعل" في ألفاظ التوكيد. 257 وزن: "فعل" علم مفرد مذكر. 258 الكلام على: سحر.. 259 الكلام على رجب وصفر. وزن: فعال، أنواعه، وحكم كل.. 261 أمس. 263 حكم العلم المبنى إذا سمى به هو: الإعرا والصرف. 264 أحكام عامة في الممنوع من الصرف: 1- الممنوع من الصرف لا يدخله تنوين الأمكنة. 2- الممنوع من الصرف أحد عشر نوعا. قد يمنع لسبب أو لا ثنين. 266 3- حكم الممنوع من الصرف المنقوص 267 وزن "أفيعل" ليس خاصا بالوصف. 269 4- متى يجب تنوين الممنوع من الصرف، ومتى يجوز؟ 270 يجوز الصرف وعدمه في حالتين. معنى التناسب، والسجع، والفواصل.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش: رقم الصفحة الموضوع 271 يجوز التنوين للضرورة، وما في حكمها. معنى الضرورة موضعها؟ 5- ما يجوز في الضرورة الشعرية. قد تكون الضرورة في غير الشعر. 274 الكلام على صحة وقوع "لا" بعد "قد" في مثل: قد لا أفعل كذا. 275 أثر التصغير والتكبير في الصرف وعدمه. أ- باب إعراب المضارع: "نواصبه": 277 المسألة 148: أ- نواصبه إشارة إلى بناء الأفعال وإعرابها. حكم المضارع، النواصب. كلمة أخرى من العالم. نفاسة جوهره، عيبه ... 278 عدد النواصب 279 للمضارع المبنى المجرد محل إعرابي. 281 الأحرف الأربعة الناصبة بنفسها: الأول: أن. 282 أحكامها: إشارة إلى المصدر المؤول. ولماذا نلجأ إليه. قد يكون سبكه بغير سابك. 284 حالات إظهارها وإضمارها، وجوبا وجوازا "بيان السبب في ص378، 999". 289 "أو" قد تكون حرف استئناف كالواو، والفاء، وثم. 290 بقية أنواعها: "المخففة من الثقيلية، الصالحة للمصدرية، وللتخفيف، الزائدة، الجازمة، الضمير، المفسرة" 292 دخول "لما الحينيه" على المضارع 298 إظهار النون وعدم إظهارها قبل "لا" 299 الثاني: لن، معناها وأحكامها 300 الثالث: كي. معناها وأحكامها 301 حكم الفصل بينها وبين المضارع بحرف النفي: لا، أو: ما، أو بهما. الفرق بينها وبين: "أن" المصدرية. 303 أنواعها: المصدرية. سبب استعمال المصدر المنسيك. التعليلية، الصالحة للأمرين، الاستفهامية. 305 وصل كي "بلا" النافية وفصلها. 307 الكلام على: "كما" في بيت قديم
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 308 إذن: مادتها، معناها، أحكامها، كتابتها. 313 حكمها بعد الواو والفاء. 315 تضمنها معنى الشرط أحيانا وما يترتب على هذا 316 هل يجوز إهمالها مع استيفاء الشروط؟ 317 المسألة 149: الأدوات الخمس التي نصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا. أحكام هامة تختص بهذه الأدوات أولها: لام الجحود، معناها شروط عملها. 321 نوعها، الحرف الزائد المحض وغير المحض. 324 الفرق بين لام التعليل ولام الجحود. هل تحذف اللام أو فعل الكون؟ 326 ثانيها: أو: العاطفة التي بمعنى: حتى، أو: إلا. المراد من ذلك كله. إعراب: "أو" وما بعدها؟ 331 سبب الالتجاء إلى: "أو" ونصب المضارع بعدها 33 ثالثها: حتى الجارة، معناها عملها الحال الحقيقية والماضية، والمستقبلة. إشارة إلى "حتى" العاطفة، وحتى الابتدائية.. معنى "حكاية الحال الماضية". حالات المضارع بعد "حتى". 338 حكم المضارع بعدها الفصل بينها وبين المضارع 347 ملخص حالات المضارع بعد "حتى" 350 أمثلة عرضها النحاة لها. 352 رابعها: فاء السببية الجوابية. معناها، ودلالتها، شرط النفي والطلب قبلها. 354 عملها. معنى النفي إشارة إلى الاستفهام الحقيقي والتقريري 357 كيفية تأويل المصدر المنسبك هنا 358 معنى العطف على المعنى والتوهم 359 صور من تسلط النفي على ما قبل الفاء، وما بعدها معا وعلى أحدهما فقط. 365 ب- الطلب بنوعيه "المحض وغير المحض". الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام، العرض، التحضيض، التمني، الترجي، معنى كل وحكمه 366 الأمر، معناه ... صيغه..
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 367 النهي 368 الدعاء، الاستفهام 369 العرض. التحضيض. التمني جمل خبرية في معنى الأمرية 371 حكم المضارع الذي اختفت من صدره "فاء السببية"، انظر ص366 372 مسائل يجوز فيها نصب المضارع بأن مضمرة وجوبا، وعدم نصبه 373 الجواب والمجاب عنه لا يتوافقان؛ بل يجب تخالفهما.. 375 خامسها: واو امعية،، فائدتها. ومعناها 376 عملها، حكم المضارع بعدها 378 التشابه والتخالف بين فاء السببية، وواو المعية 379 واو الصرف 383 الفرق بين واو المعية والواو العاطفة.. 384 صور "للواو" يختلف فيها المعنى والإعراب. 385 "ثم" قد تكون كواو المعية؛ وقد تكون لاستئناف.. 387 المسألة 150: حكم المضارع إذا لم نوجد قبله فاء السببية. 388 أداة الشرط لا تدخل على النهي 390 الاستئناف البياني وغير البياني 395 جواب الأمر والترجي 398 كيف نعرب "لا" الناهية التي فقدت الدلالة على النهي 400 المسألة 151: حذف "أن" والنصب بها في غير المواضع السابقة، الفرق بين حذفها وإضمارها. 402 المسألة 152: السبب في إضمار: "أن" وجوبا وجوازا ب- باب إعراب المضارع: "جوازمه" 405 المسألة 153: ب- جوازمه: عوامل جزمه ثلاثة أنواع، وبيان سبب التسمية. إشارة إلى موضع الكلام على: جزم المضارع في جواب الطلب" 406 النوع الأول: ما يجزم مضارعا واحدا أربعة. "اللام، الطلبية". معناها، وأحكامها 408 "لا الطلبية"، معناها، وحكمها 412 الجزم بعد "لا" النافية. 413 "لم ولما". ما يشتركان فيه وما تنفرد به كل.
الموضوعات المكتوة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع المراد من الاستفهام التقريري. 414 ما تنفرد به "لم" ما الذي يجزم المضارع المسبوق بلم وقبلها أداة شرطية جازمة 417 ما في حيز الجواب لا يتقدم على الجواب ما تنفرد به "لما" 420 الفرق بين "لما" الجازمة والحينية، والتي بمعنى "غلا" ومن هذه أنشدك الله لما فعلت، كذا ... والمراد منها 421 المسألة 154: النوع الثاني: الذي جيزم مضارعين معا، أو...." أدواته؛ الأسماء منها الحروف، أشهر الأمور التي تتفق فيها. الفرق المعنوي بينهما 422 معنى فعل الشرط وجوابه. "من وما" الشرطيتين والموصولتن 423 هل تقع الجملة الشرطية حالا؟ 425 لا بد من دخولها على فعل 426 صدارتها، عدم حذفها. عدم دخولها على: "لا الناهية". 427 المسألة 155: الأمور التي تختلف فيها تلك الأدوات. ناحية الأسمية والحرفية. ناحية الاتصال "بما". ناحية المعنى واختلافه.. 431 إشارة لبعض الفوارق بين "إذا" الشرطية وغيرها، كإن وأخواتها 432 ناحية التعليق 433 "إن" الوصلية، وإشارة لباقي أنواع "إن". هل يقترن جواب إن الشرطية، باللام 436 "إن" التفصيلية. 437 دخول "إن" الشرطية على "لم". 438 إعراب أدوات الشرط الجازمة وأدوات الاستفهام المحض. 440 المسألة 156: النوع الثالث الذي يقع الخلاف في اعتباره جازما: إذا، كيف، لو 444 المسألة 157: الأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب إذا كانت الأداة جازمة، أو ...
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع أولا: أحكام الشرطية. هل تسمى جملة؟ 445 اجتماع المبتدأ وأداة الشرط. إعرابها 449 ثانيا: أحكام الجوابية.. 450 حذف الجواب. إشارة إلى دخول "إذا" الفجائية على الجواب 451 تقديم ما يدل عليه، وشرط هذا. "هل" الاستفهامية لا تدخل على: "إن" الشرطية، ولا على ما تضمن معنى "إن" بخلاف الهمزة الاستفهامية. مواضع يتعين فيها أن تكون بعض الأسماء موصولات، لا شرطية، اسم الزمان لا يضاف لجملة شرطية. اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله إلا المضاف، وحرف الجر. 458 اقتران الجواب بالقاء. قد تحل في بعض المواضع "إذا" الفجائية محل الفاء. هل يقترن جواب "إن" باللام؟ 461 بعض الأحرف والأدوات التي لها الصدارة 463 عودة إلى اقتران جواب إن، باللام 465 هل تجتمع "الفاء وإذا؟ " 466 ذكر لام القسم المحذوف غير واجب. هل يصح الاستغناء عنهما؟ 467 هل تقترن الجواب بالفاء في غير تلك المواضع؟ متى تجئ الفاء في الجواب المنفي بلا؟ 469 تنزيل الظرف منزلة الشرط، وأثر ذلك في جلب الفاء.. قد يجزم المضارع بعد الصلة والصفة. قد يكون للظرف جواب. 471 أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا: 472 أثر الإعراب المحلي 474 ما يختص بهما من ناحية رفع المضارع في الجواب وجزمه 475 إعراب المضارع المرفوع، في جملة الجواب 476 حكم جواب الشرط إذا تقدم عليه مبتدأ 477 عطف مضارع عن آخر في جملة الجواب أو في جملة الشرط، وتفصيل ذلك 478 إعراب المضارع المتوسط بينهما 480 حذفهما معا، و..
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب اجتماع الشرط والقسم، وحذف جواب أحدهما: رقم الصفحة الموضوع 482 المسألة 158: اجتماع الشرط والقسم وحاجة كل إلى جواب، ونوعه 482 القسم الاستعطافي وغير الاستعطافي 485 حذف جواب الشرط أو القسم عند اجتماعهما. باب: توالي شرطين أو أكثر، وتوالي شرط واستفهام 489 المسألة 159: أ- توالي شرطين. أو أكثر 490 ب- توالي الاستفهام والشرط. باب: "لو" الشرطية بنوعيها 491 المسألة 160: أ- الشرطية الامتناعية معناها وأحكامها. 494 ب- الشرطة غير الامتناعية، معناها، وأحكامها 496 أحكام مشتركة بين النوعين 497 كلاهما لا بد له من جواب 498 لام التسويف 500 حذف فعل شرطها وحده حذف الجملة الشرطية حذف فعل الجواب حذف جملته 501 حذف الجملتين 502 إشارة إلى أنواع أخرى من "لو". باب: أما الشرطية، وأنواع أخرى 504 المسألة 161: أ- صيغتها ب- معناها 506 ج- أحكامها النحوية 507 وجوب اقتران جوابها بالفاء 508 تقديم بعض المعمولات على الفاء الداخلة في الجواب 509 حذف "أما" والكلام في مثل: "وربك فكبر، ... " 511 أشهر أنواع "أما"، مع الإشارة إلى "أما، العاطفة".
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع: رقم الصفحة الموضوع 512 المسألة 162: لولا، لوما، هلا، ألا، ألا، لو 512 ألا التي للاستفتاح ومثلها: أما 513 المعاني التي تؤديها تلك الحروف، وأحكامها النحوية باب: العدد 517 المسألة 163: 518 أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها ما يدل عليه لفظ العدد. 1- المفرد، صحة كتابة "مئة" من غير ألف، وفصلها عن: "ثلاث" في الأعداد المفردة. الكلام على لفظتي: بضع ونيف. 520 ضيط "شين" عشرة. 2- المركب. معنى الصدر والعجز والنيف 521 صحة إظهار الواوين بين جزأي المركب المزجي العددي.. 522 ضبط الشين في "عشرة" في الأعداد المركبة. 3- العقد، معناه، وحكمه. لم كان اسم جمع مذكر وليس جمعا مذكرا؟ 523 4- العدد المعطوف، معناه وحكمه. 525 المسألة 164: تمميز العدد. أ- الأعداد المفردة 528 وقوع العدد نعتا مؤولا، أو بدلا، وعطف بيان 529 ب- تمييز بقية أقسام العدد 530 نعت تمييز العدد المركب، والعقد، والمعطوف 532 قد يضاف العدد إلى غير تمييزه. 533 المراد من المائة والألف. متى يصلحان تمييزا؟
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 434 الاستغناء عن التمييز أيضا 535 الفصل بين العدد وتمييز. 536 المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه، وما يراعي فيه. الأول: الأعداد المفردة. ومائة وألف. 537 ثلاثة وعشرة وما بينهما الكلام على "ثمان" 539 العرب قد تغلب التأنيث على التذكير 540 تفصيل الكلام على المفرد الذي يراعي في التذكير والتانيث 542 قد يكون تمييز العدد المضاف غير جمع حقيقي ما الذي يراعي في المعدود إن كان اسم جمع، أو اسم جنس جمعيا 545 متى يجوز تأنيث العدد وتذكيره 546 وقوع العدد نعتا. أو بدلا وعطف بيان 546 ما الحكم إن كان المعدود صفة نائبة عن المحذوف؟ 547 الثاني: تأنيث الأعداد المركبة وتذكيرها. 548 الثالث: تذكير العقود 549 الرابع: تأنيث الأعداد المعطوفة وتذكيرها 553 المذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية متى تذكر كلمة: "شهر" قبلها؟ 554 المسألة 166: أ- صياغة العدد على وزن "فاعل" وأنواعها، والأغراض منها بدون ذكر كلمة: "عشر" بعده، أو عقد آخر 558 ب- صياغته مع ذكر كلمة "عشر" بعده 562 ج- صياغته وبعده عقد آخر 564 المسألة 167: التأريخ بالليالي والأيام 565 الرأي في مجئ نون النسوة وتاء التأنيث في مثل سبع ليال خلون أو خلت.. 566 تعريف العدد وتنكيره. قراءة الأعراد المعطوفة على العقود المختلفة وعلى عشرة.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب كناات العدد: رقم الصفحة الموضوع 568 المسألة 168: "كم، وكأي، وكذا.." وكنايات أخرى منها: كيت، وذيت. معنى الكناية الأولى: كم. أ- معنى الاستفهامية 569 أشهر أحكامها، لفظها مفرد، دون مدلولها. طريقة إعرابها. ضابط لإعرابها 572 ب- الخبرية، معناها 573 حكمها، وحكم تمييزها. إعرابها 576 موازنة بين النوعين 577 الثانية: كأين. لغاتها، أحكامها التشابه والتخالف بينهما وبين "كم الخبرية" 580 الثالثة: كذا 583 كنايات أخرى عن الحديث كيت، ذيت 584 أصل الكلمات السالفة باب التأنيث 585 المسألة 169: التانيث، المراد منه المؤنث والمذكر من جسم الإنسان 587 أنواعه. وحكم كل 590 علامات التأنيث ثلاث العلامات الأولى: تاء التأنيث "وتسمى: تاء النقل" دخولها على عض المشتقات، دون بعض. 591 دلالتها على معان أخرى غير الفصل بين المذكر والمؤنث 592 قد تدل على المبالغة مع التأنيث الفرق بين المعرب والأعجمي، ما لا يتميز مذكره من مؤنثه رأي جديد في إلحاق التاء بصيغة: "فعول" 597 شروط وتفصيلات أخرى تختص بدخول التاء على بعض المشتقات 600 العلامة الثانية، ألف التأنيث. المقصورة وأوزانها. 603 العلامة الثالثة: الممدودة وأوزانها.
الموضوعات المكتوبة بحروف صغرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب المقصور والممدود، وتثنتهما، وجمعهما تصحيحا رقم الصفحة الموضوع 605 المسألة 170: هل طلقان على الاسم المعرب والمبني؟ تعريف المقصور، وحكمه. صورة مما نا فيه حرف عن حركة. إشارة لمكان المنقوص 606 أ- المقصور القياسي والسماعي 609 أشياء أخرى في المقصور القياسي 610 ب- الممدود، تعريفه، القياسي منه. 611 الممدود السماعي 612 قصر الممدود، وعكسه. السماعي منه 613 المسألة 171: كيفية تثنة المقصور والممدود وجمعها تصحيحا. وكذلك المنقوص. أ- تثنية المقصور المراد من الجمع الصحيح أو السالم وبقية الأسماء الأخرى من الصحيح. وشبههن والمنقوص. ضابط لإرجاع اللام المحذوفة، حكم المعتل الآخر بالواو وطريقة تثنيته وجمعه 617 ب- تثنية الممدود سبب قلب الهمزة وعدم قلبها، إشارة إلى الإلحاق 618 ج- جمع المقصور جمع مذكر سالما 619 د- جمعه جمع مؤنث سالما 620 هـ- جمع الممدود جمع مذكر سالما و جمعه جمع مؤنث سالما 620 بعض أحكام عامة فيما يراد جمعه جمع مؤنث سالما 1- إرجاع لامه في بعض حالات 2- حذف تائه التي للتأنيث 3- اتباع عينه فاءه
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب جمع التكسير: رقم الصفحة الموضوع 625 المسألة 172: تعريفه، المراد من التكسير، سبب التسمية 527 قسماه: "القلة والكثرة" وبعض آثارهما الدلالة العددية للجموع إشارة إلى جمع الجمع 631 الفرق بينه وبين جمعي التصحيح 632 قياسية جمع التكسير بنوعيه 633 معنى المطرد وغير المطرد. معنى القليل والنادر والقياس، والغالب، والأكثر، والكثير والباب، والقاعدة.. 634 قرار المجمع اللغوي في ذلك. 635 رأي ابن جني والفراء، منزلتهما اللغوية صحة استعمال القياس مع وجود اللفظ المسموع. 636 أ- أشهر جموع القلة أربعة: أفعلية، أفعل، أفعالن فعلة 638 القول الفصل في جمع فعل على أفعال. نوع من الكثرة التي تبيح القياس عليها، والأطراد 639 فعلة 641 المسألة 173: ب- أشهر جموع الكثرة 1- فعل 642 2- فعل 643 3- فعل 644 4- فعل 645 5- فعلة 6- فعلة 646 7- فعلى 8- فعلة 647 9- فعل 10- فعال 648 11- فعال 650 12- فعول 651 13- فعلان 652 14- فعلان 15- فعلاء 653 16- أفعلاء 17- فواعل "قد تكون جمعا لمذكر عاقل على وزن فاعل" 655 18- فعائل. إشارة إلى ما يلحق هذه الصيغة أحيانا من القلب والإبدال
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 656 19- فعالي 657 20- فعالى 658 21- فعالل، معنى النسب المتجدد 660 متى يحذف الحرف الأصلي الرابع أو الخامس عند الجمع على: فعالل حروف الزيادة متى يحذف الحرف الشبيه بالزائد 661 متى يحذف حرف العلة، وحرف المد وحرف اللين 664 23- شبه فعالل "ويشمل "مفاعل، ومفاعيل.." 666 الحرف القوي "الفاضل" والحرف الضعيف صحة جمع مفعول على مفاعيل قياسا 670 حذف إحدى الياءين من مثل: أماني، أغاني، أثافي 671 المسألة 174: أحكام عامة 1- زيادة الياء في جمع التكسير وحذفها زيادة تاء التأنيث 672 حكم بعض الجموع المنقوصة المعتلة المماثلة لفعالل التي على وزن: دواع. 2- تثنية جمع التكسير وجمعه 675 مدلول الجمع وجمع الجمع 675 4- تنية أنواع المركبات. وجمعها. أ- المركب الإضافي. ومنه: ابن عرس، وابن اللبون. 677 ب- المركب الإسنادي. 678 ج- المركب المزجي. د- المركب التقييدي. الفرق بين جمع التكسير واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي 680 ب- اسم الجمع 681 اسم الجنس الجمعي التكسير يرد الأشياء إلى أصولها صيغة منتهي الجموع 682 المصغر لا يكسر للكثرة
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب التصغير: رقم الصفحة الموضوع 683 المسألة 175: تعريفه: الغرض منه. تصغير التقريب 685 شروطه: أنواع مسموعة 688 عودة إلى أن المصغر لا يجمع تكسيرا للكثرة. نوعاه: أ- طريقة تصغير الثلاثي 694 ب- تصغير الرباعي 696 جـ- تصغير الخمائي وما جاوزه 697 أنواع من التشابه والتخالف 698 أسماء لا تحذف منها الزوائد 701 مواضع لا يكسر فيها الحرف بعد ياء التصغير في فعيعل وفعيعيل. 704 بعض أحكام عامة في التصغير "قلب الحرف الثاني" 708 زيادة ياء أحيانا في الخماسي الأصل فما فوقه. حذف أولى ياءين بعد ياء التصغير 709 الحرف المشدد بعد ياء التصغير، المصغر لا يكسر للكثرة -كما سبق. 709 المصغر ملحق بالمشتق. التصغير يرد الأشياء إلى أصولها 710 المسألة 176: تصغير الترخيم معناه 711 الغرض منه حكمه.. باب النسب 713 المسألة 177: معناه. اعتباره نوعا من المشتق. 714 أحكامه اللفظية: النسب المتجدد وغير المتجدد معناه عند سيبويه: الإضافة المعكوسة. أ- زيادة ياء النسب 715 ب- ما يجب تغييره في آخر الاسم بسبب ياء النسب حذف الياء المشددة 718 حذف تاء التأنيث النسب إلى كلمة: "وحدة" متى يقال "وحدوي" حكم ألف المقصور والممدود
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 719 الألف لا تكون أصلية إلا في الحرف أو ما يشبهه 720 حكم ياء المنقوص 722 حكم النسب إلى معتل الآخر الشبيه بالصحيح 723 وإلى معتل الآخر بالواو، وإلى ألفاظ أخرى. 724 حكم علامة التثنية، والنسب للمثنى 725 حكم علامة جمع المذكر السالم، والنسب إليه حكم علامة جمع المؤنث السالم، والنسب إليه 726 إشارة إلى موضع النسب إلى جمع التكسير إرجاء المحذوف من الأصول تضعيف آخر الثنائي.. ومنه الثنائي المعتل 728 التغييرات الطارئة على الحرف الذي قبل الأخير بسبب النسب. التخفيف بقلب الكسرة فتحة 729 التخفيف بحذف إحدى ياءين. حذف ياء: فعيلة.. 730 حذف ياء: فعيل 731 حذف ياء فعيلة.. 732 حذف ياء: فعيل حذف واو فعولة.. 733 المسألة 178: النسب إلى ما حذف بعض أصوله: محذوف العين. 734 محذوف الفاء: 735 محذوف اللام: 735 النسب إلى: "ذو"، و"ذات" 737 ما يجوز فيه رد اللام وتركها 739 المسألة 179: أحكام عامة في النسب. أ- النسب إلى أنواع المركب، وملحقاته. 741 ب- النسب إلى جمع التكسير، وما في حكمه 743 ج- صيغ أخرى للنسب، منها فعال، فاعل، فعل ...
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 745 د- بعض النسب المسموع، ومنه يمان وشآم صغة منتهى الجمع 746 كيف ننسب للمنسوب إليه الشاذ في بعض الصور هـ- تأنيث المنسوب باب التصريف: 747 المسألة 180: معناه، موضوعه 748 المجرد والمزيد 749 أبنية الثلاثي المجرد من الأسماء والأفعال 750 أوزان الاسم الرباعي المجرد 751 أوزان الاسم الخماسي المجرد كيفية الوزن. 753 أحرف الزيادة، وعلامة الحرف الزائد. 755 إشارة إلى معنى الحرف الزائد باب الإعلال والإبدال والقلب: 756 المسألة 181: المصطلحات الأربعة المشهورة، بيانها. "الإعلال، القلب، الإبدال، العوض". معنى الإعلال ملاحظة هامة في السماعي والقياس. 757 القلب، الإبدال 758 التعويض، أو: العوض. 759 الملخص 760 أحرف العلة، والمد، واللين معنى كل من المعتل، والمعل، والمعتل الجاري مجرى الصحيح 761 المسألة 182: أحرف الإبدال وضوابطه إبدال الهاء إبدال الهمزة من الواو، والياء والألف 766 إبدال الواو والاء من الهمزة 767 مما وقع وفيه هذا الإبدال: خطايا، قضايا، هدايا، غشايا، هراوى.. و ... 768 الكلام في مثل: نبرئ، تبري، وخطيئة وخطية، وخبئ وخبي، ومقروء ومقرو
الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 775 إبدال الياء من الألف. 776 إبدال الياء من الواو 783 إبدال الواو من الألف إبدال الواو من الياء 786 إبدال الألف من الواو والياء 790 إبدال الميم من الواو ومن النون 791 إبدال التاء من الواو والياء 792 إبدال الطاء من تاء الافتعال 793 إبدال الدال من تاء الافتعال 794 المسألة 183: الإعلال بالنقل معناه 796 مواضعه 800 المسألة 184: الإعلال بالحذف مواضعه ومنها: حذف الواو من مثل: وعد 802 صحة: باع الرجل، وأباع واسم المفعول مبيع ومباع