النحو الوافي

عباس حسن

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع "مقدمة الكتاب" مقدمة الكتاب، ودُستور تأليفه. بيان هامّ. 1- الحمد لله على ما أنعم، والشكر على ما أوْلَى، والصلاة على أنبيائه ورسله؛ دعاة الهدى، ومصابيح الرشاد. وبعد. فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو- كما وصفته من قبل1 - دعامة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه فى جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد علماً منها يستقل بنفسه عن النحو، أويستغنى عن معونته، أويسير بغير نوره وهداه. وهذه العلوم النقلية - على عظيم شأنها - لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، والنفاذ إلى أسرارها، بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول عليه السلام، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة قد ترْقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة، وتسموبه إلى منازل المجتهدين - إلا بإلهام النحووإرشاده؟ ولأمرٍ ما قالوا: "إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لوجمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به2 ... ". وهذه اللغة التى نتخذها - معاشر المستعربين - أداة طَيِّعة للتفاهم، ونسخرها مركبًا ذلولا للإبانة عن أغراضنا، والكشف عما فى نفوسنا، ما الذى هيأها لنا، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها، ومَكَّن لنا من نظمها

_ 1 في كتاب المسمى: "رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية". 2 الفصل الحادي عشر - باختصار - من كتاب: "لمع الأدلة، في أصول النحو" لأبي البركات كمال الدين بن محمد الأنباري، المتوفي سنة 577 هـ.

ونثرها تمكنهم منها، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أطلق لسانهم، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا؟ إنه: "النحو"؛ وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوى، وعماد البلاغىّ، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية جميعًا. فليس عجيباً أن يصفه الأعلام السابقون بأنه: "ميزان العربية، والقانون الذى تُحكَم به فى كل صورة من صورها"1 وأن يفرغ له العباقرة من أسلافنا؛ يجمعون أصوله، ويثبتون قواعده، ويرفعون بنيانه شامخًا، ركينًا، فى إخلاص نادر، وصبر لا ينفد. ولقد كان الزمان يجري عليهم بما يجري على غيرهم؛ من مرض، وضعف، وفقر؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، كما كان يقدر على سواهم، ولا ينجح فى إغرائهم بمباهج الحياة كما كان ينجح فى إغراء ضعاف العزائم، ومرضى النفوس، من طلاب المغانم، ورواد المطامع. ولقد يترقبهم أولياؤهم وأهلوهم الساعات الطوال، بل قد يترصدهم الموت؛ فلا يقع عليهم إلا فى حلقة درس، أوقاعة بحث، أوجِلسة تأليف، أوميدان مناظرة، أورحلة مُخْطرة فى طلب النحو. وهوحين يظفر بهم لا ينتزع علمهم معهم؛ ولا يذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم؛ إذ كانوا يُعِدون لهذا اليوم عُدته من قبل؛ فيدونون بحوثهم، ويسجلون قواعدهم، ويختارون خلفاء من تلاميذهم؛ يهيئونهم لهذا الأمر العظيم. ويشرفون على تنشئتهم، وتعهد مواهبهم؛ إشراف الأستاذ البارع القدير على التلميذ الوفىّ الأمين. حتى إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنيا بنفس مطمئنة، واثقة أن ميدان الإنشاء والتعمير النحوى لم يخل من فرسانه، وأنهم خلَّفوا وراءهم خلفًا صالحًا يسير على الدرب، ويحتذى المثال. وربما كان أسعد حظًّا وأوفر نجحًا من سابقيه، وأسرع إدراكًا لما لم يدركه الأوائل. على هذا المنهج الرفيع تعاقبت طوائف النحاة، وتوالت زمرهم فى ميدانه، وتلقى الراية نابغ عن نابغ، وألمعىّ فى إثر ألمعىّ، وتسابقوا مخلصين دائبين. فرادى وزَرافات، فى إقامة صرحه، وتشييد أركانه، فأقاموه سامق البناء، وطيد

_ 1 صبح الأعشى.

الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها: "عصور النهضة"، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم1 ... هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أوالمغرورين. 2- وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز "النحو والصرف" بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ. بيد أن "النحو"- كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أوسريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أوتكاد. وقد خضع النحوالعربى لهذا الناموس الطبيعى2؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب -بالرغم من شوائب

_ 1 من ذلك ما قاله العلامة الكبير: "دي بور" في كتابه: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ونصه - كما جاء في ترجمة الدكتور محمد أبو ريدة، ص 4-: "علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربي، بما له من دقة في الملاحظة، ومن نشاط في جمع ما تفرق. وهو أثر عظيم يرغم الناظر فيه على تقديره، ويحق للعرب أن يفخروا به." 2 هذا النسب صحيح.

خالطته- وبلغ الفتَاء آخر ذلك القرن، وسنوات من الثالث، فلمع من أئمته نجوم زاهرة؛ كعبد الله بن أبى إسحاق، والخليل، وأبى زيد، وسيبويه، والكسائى، والفراء، ونظرائهم من الأعلام، ثم توالت أخلافهم، على تفاوت فى المنهج، وتخالف فى المادة، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم، ويتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألَحَّ الوهن والضعف، على "النحو"، وتمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورًا، وأثقلت من حمله ما كان خِفًّا، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته، وخلفتْه وراءها مبهورًا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فيه، وتزيدهم نفارًا منه، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أوما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع. والحق أن "النحو" منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى. فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه، ما لا غاية بعده لمستزيد. ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا -طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هوميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أواختصر قاعدته، أوأوضح طريقة تدريسه، أوأراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أوجمع بين مزيتين أوأكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا -على الرغم من ذلك- لم نرَ من تصدى للشوائب كلها أوأكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛

فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدري مبلغ توفيقي. ولكن الذى أدريه أني لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا. إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق "النحو" علينا -ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه- أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله -وأكثر منه- قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان: "رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة "رسالة الإسلام"، خلال سنتى 1957، 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب ستنشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه -فى رسالة عنوانها: "مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحووالصرف والعروض بكلية "دار العلوم"، بجامعة "القاهرة"، سنوات طوالًا. 3- وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتي: 1- تجميع مادة "النحو" كله فى كتاب واحد ذي أجزاء أربعة كبار، تحوي صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغني عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات "النحوية والصرفية"، بالجامعات -دون غيرهم- غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية

الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ "أول المسائل"، وصدرها. ويليه الآخر1 -بعد نهاية كل مسألة- بعنوان مستقل هو: "زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة" -وبجانبها رقم خاص بها- بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعيّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمّي، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّي الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أولًا يبلغون. 2- العناية أكمل العناية بلغة الكتاب وضوحًا، وإشراقًا، وإحكامًا، واسترسالًا؛ فلا تعقيد، ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقف لمناقشة لفظ، أو إرسال اعتراض، أوالإجابة عنه؛ ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم. إلا حين تسايرنا فى البيان الأوفى، والجلاء الأكمل. أما الاصطلاحات العلمية المأثورة فلم أفكر فى تغييرها، إيمانًا واقتناعًا بما سجله العلماء قديمًا وحديثًا من ضرر هذا التغيير الفرديّ، ووفاء بما اشترطوه فى تغيير "المصطلحات"، أن يكون بإجماع المختصين، المشتغلين بالعلم الذى يحويها. 3- اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة فى أداء مهمتها؛ من توضيح القاعدة، وكشف غامضها فى سهولة ويسر، واقتراب، لهذا تركت كثيرًا من الشواهد القديمة، المترددة بين أغلب المراجع النحوية؛ لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة، وبالمعانى البعيدة التى تتطلب اليوم من المتعلم عناء وجهدًا لا يطيقهما، ولا يتسع وقته لشيء منهما. فإن خلَت من هذا العيب، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها.

_ 1 في صفحة جديدة، تبدأ بسطر أو سطرين من النقط الأفقية المتقاربة، لتكون رمزًا يميز صحف "الزيادة والتفصيل" من غيرها.

والحق أن كثيرًا من تلك الشواهد يحتل المكانة العليا من سمو التعبير، وجمال الأداء، وروعة الأسلوب، وفتنة المعنى. لكنها اختيرت فى عصور تباين عصرنا، ولدواعٍ تخالف ما نحن فيه؛ فقد كانت وسائل العيش حينذاك ميسرة، والمطالب قليلة، والقصد استنباط قاعدة، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظًا القرآن، مستظهرًا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية، متفرغًا للعلوم العربية والشرعية أوكالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال، ووسائل العيش صعبة، والمطالب كثيرة؛ فطالب العلم يمر بهذه العلوم مرًّا سريعًا عابرًا قبل الدراسة الجامعية، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة1، انقطعت صلته بتلك العلوم، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببًا، إلا إن كان متفرغًا للدراسات اللغوية؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة، لا تمكنه من فهم دقائقها، ولا ترغبه فى مزيد، وغايته المستقبلة لا ترتبط -فى الغالب- ارتباطًا وثيقًا بالضلاعة فى هذه العلوم، والتمكن منها؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة، ونقيمها حِجَازًا يصعب التغلب عليه، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات. نعم إنها نماذج من الأدب الرائع؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة، أو نُغْفِل القصد أمام المظهر، وإلا فقدنا الاثنين معًا، وفى دروس النصوص الأدبية، وفى القراءة الحرة، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو، متسع للأدباء والمتأدبين؛ يشبع رغبتهم، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة "النحو والصرف" دراسة نافعة، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها، ولا تنتهب جهدًا وقفته الحياة المعاصرة على سواها. وإن بعض معلمي اليوم ممنَّ يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين -لَيُسْرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالًا لما يسميه: "التطبيق النحوي"، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكْدي2، ولا وكْد من احتشد للمهمة الكبرى، مهمة: "النحو الأصيل" التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادًا وافيًا شاملًا، وعرضها عرضًا حديثًا شائقًا، وكتابتها كتابة مشرقة بهية، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى،

_ 1 وهو اليوم من حملة الشهادة الثانوية العامة -غالبًا- أو ما في مستواها. 2 قصدي وغرضي.

كل هذا بل بعض هذا - لا يساير ذلك "التطبيق التعليمي"؛ فإنه مدرسيّ موضعي متغير لا يتسم بسمة العموم، أوما يشبه العموم، ولا يثبت على حال. على أن هذا الفريق الذى اختار تلك الشواهد ميدانًا لتطبيقه قد فاته ما أشرنا إليه من حاجتها إلى طويل الوقت، وكبير الجهد فى تيسير صعوباتها اللغوية التى أوضحناها. وطلاب اليوم -خاصة- أشد احتياجًا لذلك الوقت والجهد، كي يبذلوهما فى تحصيل ما يتطلبه مستقبلهم الغامض. كما فاته أن خير التطبيق لكبار الطلاب ما ليس محدد المجال، مصنوع الغرض، متكلف الأداء، كالشواهد التى نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبي كامل، أو صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب، أومقال أدبى -لهي أجدى فى التطبيق، وأوسع إفادة فى النواحي اللغوية المتعددة، وأعمق أثرًا فى علومها وآدابها -من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة. فليتنا نلتفت لهذا، وندرك قيمته العملية، فنحرص على مراعاته، ونستمسك باتباعه مع كبار المتعلمين، ولعل هؤلاء الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون. على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها -فى كثير من اتجاهاتها- قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلًا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها. وعلى الرغم من هذا قد نسجل -أحيانًا مع الحيطة والحذر- بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها -ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها. 4- الفرار من العلل الزائفة1، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل2: أن يقال:

_ 1 وفي مقدمتها ما كان تعليلًا لأمر واقع، ولا سبب له إلا نطق العربي، كالتعليل لرفع الفاعل، والمبتدأ والخبر، ولنصب المفعولات- فإن التعليل لهذه الأمور الوضعية عيب وفساد، إذ الوضعيات لا تعلل، كما قال أبو حيان وغيره، ونقله الهمع حـ1 ص 56، ونقلناه في رقم 3 من هامش ص 91. 2 لموضوع "التعليل" بحث مستقبل في كتابنا المسمى: "اللغة والنحو، بين القديم والحديث" يوضح معناه، وأنواعه، وآثاره.

"المطابقة للكلام العربى الناصع"، ومن الآراء أن يقال: "مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها". والقرآنُ الكريم -بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات- فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولًا ولا تمحلًا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأي دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه ... أوغير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبًا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصريّ أولكوفيّ، أو بغدادي، أوأندلسي ... أو غير هؤلاء ... ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أوالبلبلة فى الأداء والاستنباط. ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو في تشريع لغويّ مأمون، أو تبصير المتخصصين -وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها -فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق- ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه -فى المقدمة التى أشرنا إليها1. 5- تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفي ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.

_ 1 في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وهو المسمى: "اللغة والنحو، بين القديم والحديث".

6- عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة -أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير ... فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل ... وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعي حقب انقضت، ولم يبقَ من تلك الحاجات والدواعي ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده. على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى -والحق يقال- على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزًا نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أي عسير على جمهرة الراغبين -كما أسلفنا. 7- تسجيل أبيات: "ابن مالك" كما تضمنتها "ألفيته"، المشهورة، وتدوين كل بيت فى أنسب مكان من الهامش، بعد القاعدة وشرحها، مع الدقة التامة فى نقله، وإيضاح المراد منه؛ فى إيجاز مناسب، وحرص على ترتيب الأبيات، إلا إن خالفت فى ترتيبها تسلسل المسائل وتماسكها المنطقي النحوي الذي ارتضيناه. فعندئذ نوفق بين الأمرين؛ ترتيب الناظم: وما يقتضيه التسلسل المنطقي التعليمي؛ فننقل البيت من مكانه فى "الألفية"، ونضعه فى المكان الذى نراه مناسبًا، ونضع على يساره الرقم الدال على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها الناظم، ولا نكتفى بهذا؛ فحين نصل إلى شرح المسألة المتصلة بالبيت الذى قبله، ونفرغ منها ومن ذكر البيت الخاص بها؛ تأييدًا لها - نعود فنذكر البيت الذى نقلناه من مكانه، ونضعه فى مكانه الأصلي الذى ارتضاه الناظم، ونشير إلى أن هذا البيت قد سبق ذكره وشرحه فى مكانه الأنسب من صفحة كذا ... وقد دعانا إلى الحرص على ترتيب "ألفية ابن مالك"، تسجيل أبوابها وأبياتها مرتبة كاملة -في الهامش- ما نعلمه في مصر وغير مصر من تمسك بعض

المعاهد والكليات الجامعية بها، وإقبال طوائف من الطلاب على تفهمها، والتشدد فى دراستها واستظهارهم كثيرًا منها للانتفاع بها حين يريدون. وقد تخيرنا لها مكانًا فى ذيل الصفحات، يقربها من راغبيها، ويبعدها من الزاهدين فيها. وإنما آثرنا في ترتيب الأبواب النحوية الترتيب الذي ارتضاه، "ابن مالك" لأنه الذي ارتضاه كثيرون ممن جاءوا بعده؛ ولأنه الترتيب الشائع اليوم، وهو فوق شيوعه -أكثر ملاءمة في طريقته، وأوفر إفادة في التحصيل والتعليم ويشيع بعده الترتيب القائم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة، يليها الخاصة بالأفعال، ثم الحروف.... كما فعل الزمخشري في مفصله. وتبعه عليه شراحه. وهذه طريقة حميدة أيضًا. ولكنها تفيد المتخصصين دون سواهم من الراغبين في المعرفة العامة أولًا فأولًا، فالمبتدأ يلازم الخبر أو ما يقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنين ... فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو الفعل، أو الفاعل كذلك؟ وهناك أنواع أخرى من الترتيب لكل منها مزاياه التي نراها لا تعدل مزية الترتيب الذي اخترناه، ولا تناسب عصرنا القائم. 8- الإشارة إلى صفحة سابقة أو لاحقة، وتدوين رقمها إذا اشتملت على ما له صلة وثيقة بالمسألة المعروضة؛ كي يتيسر لمن شاء أن يجمع شتاتها فى سهولة ويسر، ويضم -بغير عناء- فروعها وما تفرق منها فى مناسبات وموضوعات مختلفة. ولا نكتفي بذكر الرقم الخاص بالصفحة، وإنما نذكره ونذكر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائي الأول من حروفها، وهو: "م" اختصارًا.، ويليه رقمها، كما نرمز للصفحة بالحرف: "ص" وبعده رقمها. وللجزء بالحرف "جـ". والسبب فى الجمع بينهما أن رقم الصفحة عرضة للتغيير بتغير طبعات الكتاب أما رقم المسألة فثابت لا يتغير وإن تعددت الطبعات، فالإحالة عليه إحالة على شيء موجود دائمًا؛ فيتحقق الغرض من الرجوع إليه. والله أرجومخلصًا أن يجعل الكتاب نافعًا لغة القرآن، عونًا لطلابها، محققًا الغاية النبيلة التى دعت لتأليفه، والقصد الكريم من إعداده. المؤلف

الكلام وما يتألف منه

المسألة الأولى: الكلام وما يتألف منه الكلمة، الكلام "أو: الجملة"، الكَلِم، القول: ما المراد من هذه الألفاظ الاصطلاحية فى عُرف النحويين؟ الكلمة: حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفًا، "وهى: أ1، ب، ت، ث، ج ... " وكل واحد منها رمز مجرد؛ لا يدل إلا على نفسه، ما دام مستقلًا لا يتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أكثر، نشأ من هذا الاتصال ما يسمى: "الكلمة". فاتصال الفاء بالميم -مثلًا- يوجِد كلمة: "فَم"، واتصال العين بالياء فالنون، يوجد كلمة: "عين"، واتصال الميم بالنون فالزاي فاللام، يحدِث كلمة: "منزل" ... وهكذا تنشأ الكلمات الثنائية، والثلاثية، والرباعية -وغيرها"2- من انضمام بعض حروف الهجاء إلى بعض"3. وكل كلمة من هذه الكلمات التى نشأت بالطريقة السالفة تدل على معنى؛

_ 1 الأرجح أن الحرف الأول من حروف الهجاء هو: "الهمزة" وليس الألف التي تحمل الهمزة فوقها، لتظهرها بارزة لا تختفي، ولا تختلط بغيرها، فشأن الألف في هذا كشأن الواو والياء اللتين تستقر فوقهما الهمزة في كتابة بعض الكلمات. أما الألف الأصلية، فمكانها في الترتيب الأبجدي بعد اللام مباشرة، حتى لقد اندمجت بسبب سكونها واستحالة النطق بها منفردة في اللام، وصارتا: "لا" مع أنهما حرفان، لا حرف واحد. 2 لا تزيد أحرف الاسم على سبعة، نحو: "استغفار" ولا أحرف الفعل على ستة، نحو: "استغفر" ولا أحرف الحرف على خمسة، نحو: "لكن" باعتبارها كلمة واحدة -على الأصح- مشددة النون، ثابتة الألف بعد اللام نطقًا. ومن النحاة من يجعل: "حيثما" كلمة واحدة، ويعدها من الحروف. ورأيه ضعيف مردود. - انظر "جـ" ص 711-. 3 لهذا تسمى الحروف الهجائية: "بحروف المباني" لأن الكلمة تبنى وتتكون صيغتها منها، فهي أساس بنية الكلمة، وهي غير "حروف الربط" التي ستجيء في ص 66، ومنها: "حروف المعاني".

لكنه معنى جزئي؛ "أيْ: مفرد"؛ فكلمة: "فم" حين نسمعها، لا نفهم منها أكثر من أنها اسم شيء معين. أما حصول أمر من هذا الشيء، أو عدم حصوله ... ، أما تكوينه، أو وصفه، ببناء أو إعراب1..... أو دلالته على زمان أو مكان، أو معنى آخر -فلا نفهمه من كلمة: "فم" وحدها. وكذلك الشأن فى كلمة: "عين"، و"منزل" وغيرهما من باقي الكلمات المفردة. ولكن الأمر يتغير حين نقول: "الفم مفيد" -"العين نافعة"- "المنزل واسع النواحي"، فإن المعنى هنا يصير غير جزئي؛ "أي: غير مفرد"؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير، بسبب تعدد الكلمات، وما يتبعه من تعدد المعاني الجزئية، وتماسكها، واتصال بعضها ببعض اتصالًا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد؛ هو: اجتماع المعاني الجزئية بعضها إلى بعض، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة التي لكل لفظ منها معنى جزئي. ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التي: "يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها، ويستطيع السامع أن يكتفي بها". وهذه الفائدة -وأشباهها- وإن شئت فقل: هذا "المعنى المركب"، هو الذى يهتم به النحاة، ويسمونه بأسماء مختلفة، المراد منها واحد؛ فهو: "المعنى المركب، أو: "المعنى التام"، أو: "المعنى المفيد" أو: "المعنى الذى يحسن السكوت عليه" ... يريدون: أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيَستحسن الصمت، أو: أن السامع يكتفي به؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئي، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه؛ لعلمه أنه لا يعطي السامع الفائدة التي ينتظرها من الكلام. أو: لا يكتفي السامع بما فهمه من المعنى الجزئي، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل: باب، أو: ريَحان، أو: سماء، أو: سواها ... لا يقنع بها.

_ 1 يقول الخضري- ص 1 جـ 2 أول باب. الإضافة - ما نصه: "إن الكلمة قبل التركيب - أي قبل تركيبها مع غيرها. لا معربة ولا مبنية فوصف الحركة بكونها إعرابًا أو بناء متأخر عن وجود الكلمة وعن تركيبها" أهـ. فلا يصحح الحكم عليها بالبناء أو الإعراب إلا بعد وضعها في جملة- كما سبق، وكما سيجيء في ص 75- وهناك كلمات أخرى لا توصف بإعراب ولا بناء كالتي ستجيء في "جـ" من ص 106 وتفصيل الكلام عليها في "جـ" 3 باب النعت م 114 ص 452.

لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة، برغم أن لها معنى جزئيًّا لا تسمى "كلمةً" بدونه؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد. مما تقدم نعلم أن الكلمة هى: "اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية، وتدل على معنى جزئي؛ أيْ: "مفرد"1. فإن لم تدل على معنى عربي وُضِعت لأدائه فليست كلمة، وإنما هي مجرد صوت. الكلام "أو: الجملة": هو: "ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل". مثل: أقبل ضيف. فاز طالب نبيه. لن يهمل عاقل واجبًا ... 2 فلا بد فى الكلام من أمرين معًا؛ هما: "التركيب"، و"الإفادة المستقلة" فلو قلنا: "أقبلَ" فقط، أو: "فاز" فقط، لم يكن هذا كلامًا؛ لأنه غير مركب. ولو قلنا: أقبلَ صباحًا ... أو: فاز فى يوم الخميس ... أو: لن

_ 1 وهي واحد: "الكلم" وقد يراد منها: "الكلام"، طبقًا للملاحظة الآتية في ص 17 واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية، تحقيقًا مثل: شمس قمر - كتاب....، أو تقديرًا كالضمير المستتر. "راجع الأشموني الحضري. 2 "أ"- إذا وقعت الجملة الخبرية صلة الموصول، أو نعتا، أو حالا، أو تابعة لشيء آخر -كجملة الشرط- لا جوابه، فإنها لا تسمى جملة خبرية؛ لأنها تسمى خبرية يحسب أصلها الأول الذي كانت مستقلة فيه. فإذا صارت صلة، أو تابعة لغيرها لم يصح تسميتها: "خبرية"، إذ لا يكون فيها حكم مستقل بالسلب أو الإيجاب، تنفرد به، ويقتصر عليها وحدها. بل هي لذلك لا تسمى: "كلاما" ولا "جملة"، فعدم تسميتها جملة خبرية من باب أولى ... ومثلها الجملة الواقعة خبرًا،.... فلا تسمى واحدة من كل من سبق كلامًا ولا جملة، إذ ليس لها كيان معنوي مستقل. - كما سيجيء عند الكلام على صلة الموصولة رقم. من هامش ص 374 وله إشارة في رقم 4 من هامش ص 466. "ب"- وكذلك إذا خرجت الجملة عن أصلها الذي شرحناه فصارت علمًا على مسمى معين، فإنها في حالتها الجديدة لا تسمى جملة. ومن هذا بعض الأعلام الشائعة اليوم، مثل: فتح الله، زاد المجد، بهر النور، الحسن كامل،.... فكل واحدة من هذه الألفاظ كانت في أصلها جملة خبرية، ثم صارت بعد التسمية بها نوعًا من اللفظ المفرد لا يدل جزء اللفظ منها على جزء من المعنى الأول، فتحولت مفردة بالوضع - راجع شرح المفصل جـ 1 ص 18 معنى: الكلم.

يهمل واجبه ... ، لم يكن هذا كلامًا أيضًا؛ لأنه -على رغم تركيبه- غير مفيدة فائدة يكتفى بها المتكلم أو السامع ... وليس من اللازم فى التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين فى النطق؛ بل يكفى أن تكون إحداهما ظاهرة، والأخرى مستترة؛ كأن تقول للضيف: تفضلْ. فهذا كلام مركب من كلمتين؛ إحداهما ظاهرة، وهى: تفضلْ1، والأخرى مستترة، وهى: أنت2. ومثل: "تفضل": "أسافرُ" ... أو: "نشكر" أو: "تخرجُ" ... وكثير غيرها مما يعد فى الواقع كلامًا، وإن كان ظاهره أنه مفرد. هذا، ويقول النحاة: إن الجملة ثلاثة أنواع: "أ" الجملة الأصلية. وهي التي تقتصر على ركني الإسناد "أي: على المبتدأ مع خبره، أو ما يقوم مقام الخبر أو تقتصر على الفعل مع فاعله، أو ما ينوب عن الفعل" "ب" الجملة الكبرى، وهي ما تتركب من مبتدأ خبره جملة اسمية أو فعلية، نحو: الزهور رائحته طيبة، أو: الزهر طبت رائحته. "حـ" الجملة الصغرى: وهي: الجملة الاسمية أو الفعلية إذا وقعت إحداهما خبرًا لمبتدأ. الكَلِم: هو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر؛ سواء أكان لها معنى مفيد، أم لم يكن لها معنى مفيد. فالكلم المفيد مثل: النيل ثروة مصر -القطن محصول أساسي فى بلادنا. وغير المفيد مثل: إن تكثر الصناعات ... القول: هو كل لفظ نطق به الإنسان؛ سواء أكان لفظًا مفردًا أم مركبًا، وسواء أكان تركيبه مفيدًا أم غير مفيد. فهو ينطبق على: "الكلمة" كما ينطبق على: "الكلام" وعلى: "الكلم". فكل نوع من هذه الثلاثة يدخل فى نطاق: "القول" ويصح أن يسمى: "قولًا" على الصحيح، وقد سبقت الأمثلة. كما ينطبق أيضًا على كل تركيب آخر يشتمل على كلمتين لا تتم بهما الفائدة؛ مثل:

_ 1 فعل أمر. 2 فاعله. ولما كانت الكلام هنا مفيدًا ولا يظهر منه في النطق إلا الفعل، والفعل، لا بد له. من فاعل -وجب التسليم بأن الكلمة الثانية مستترة.

إن مصر ... ، أو: قد حضر ... أو: هل أنت. أو: كتاب عليّ1 ... فكل تركيب من هذه التراكيب لا يصح أن يسمى: "كلمة"؛ لأنه ليس لفظًا مفردًا، ولا يصح أن يسمى: "كلامًا"؛ لأنه ليس مفيدًا. ولا: "كلمًا"؛ لأنه ليس مؤلفًا من ثلاث كلمات؛ وإنما يسمى: "قوْلاً". "ملاحظة": ويقول أهل اللغة: إن "الكلمة" واحد: "الكلم". ولكنها قد تستعمل أحيانًا2 بمعنى: "الكلام"؛ فتقول: حضرتُ حفل تكريم الأوائل؛ فسمعت "كلمة" رائعة لرئيس الحفل، و"كلمة" أخرى لأحد الحاضرين، و"كلمة" ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلِين. ومثل: اسمعْ مني "كلمة" غالية؛ وهى: أحْسِنْ إلى الناس تَستعبدْ قلوبهمُ ... فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ فالمراد بالكلمة فى كل ما سبق هو: "الكلام"، وهو استعمال فصيح، يشيع على ألسنة الأدباء وغيرهم. وللكلمة ثلاثة أقسام، اسم. وفعل، وحرف3.

_ 1 وهذا هو: المركب الإضافي. ومثله: المركب الوصفي، نحو: "رجل شجاع ... "، والمزجي، نحو سيبويه. ويلحق به العددي، نحو: خمسة عشر. 2 مجازا. 3 سيجيء تفصيل الكلام على الثلاثة في ص 26 - أما اسم الفعل الذي اعتبره بعض النحاة قسما رابعا، فالتحقيق أنه داخل في قسم: "الاسم" كما سيجيء في بابه الخاص جـ 4 م 141. وقد لخص ابن مالك في ألفيته ما سبق بقوله: كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم، و "فعل" ثم حرف: الكلم واحده: "كلمة" و "القول" عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم يريد: أن "الكلام" عند النحاة هو: اللفظ المفيد "ولا يكون مفيدا إلا إذا كان مركبا، كاستقم" "والكلم" ثلاثة أقسام، اسم، وفعل، وحرف، وواحده: "كلمة". و "القول" يشمل بمعناه كل الأقسام، "فكلمة: عم، وأصلها: عم" فعل ماض. والكلمة قد يؤم بها الكلام، أي: يقصد إطلاقها على الكلام بمعناه الذي سبق. أما اللفظ فقد سبق تعريفه في رقم 1 من هامش ص 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: تعود النحاة -بعد الكلام على الأنواع الأربعة السابقة- أن يوازنوا بينها موازنة أساسها: "علم المنطق" ويطيلوا فيها الجدل المرهق، مع أن الموضوع فى غنى عن الموازنة؛ لبعد صلتها "بالنحو". وبالرغم من هذا سنلخص كلامهم ... "وقد يكون الخير فى الاستغناء عنه". "أ" يقولون: إن موازنة الأنواع السابقة بعضها ببعض؛ لمعرفة أوسعها شمولًا، وأكثرها أفرادًا، تدل على أن: "القول" هو الأوسع والأكثر؛ لأنه ينطبق عليها جميعًا، وعلى كل فرد من أفرادها. أما غيره فلا ينطبق إلا على أفراده الخاصة به، دون أفراد نوع آخر؛ فكل ما يصدق عليه أنه: "كلمة" أو: "كلام" أو: "كلم" -يصْدُق عليه أنه: "قول"، ويُعَدّ من أفراد: "القول"، ولا عكس. هذا إلى أن القول يشمل نوعًا آخر غير تلك الأنواع، وينطبق وحده على أفراد ذلك النوع؛ وهو: كل تركيب اشتمل على كلمتين من غير إفادة تامة منهما؛ مثل: "إنْ حضر" ... "ليس حامد"، "ليت مصر" ... ، "سيارةُ رجل" ... فمثل هذا لا يصح أن يسمى: "كلمة، ولا "كلامًا"، ولا "كَلما" ومن هنا يقول النحاة: إن القول أعم من كل نوع من الأنواع الثلاثة عمومًا مطلقًا، وأن كل نوع أخص منه خصوصًا مطلقاً ... يريدون بالعموم: أن "القول" يشمل من الأنواع أكثر من غيره. ويريدون "بالإطلاق": أن ذلك الشمول عام فى كل الأحوال، بغير تقييد بحالة معينة؛ فكلما وُجد نوع وجد أن "القول"؛ يشمله وينطبق على كل فرد من أفراده -دائمًا- وأما أن كل نوع أخص -وأن ذلك الخصوص مطلق- فلأن كل نوع من الثلاثة لا يشمل عددًا من الأفراد المختلفة بقدر ما يشمله "القول" ولا ما يزيد عليه. وأن هذا شأنه فى كل الأحوال بغير تقييد، كما يتضح مما يأتي: كتب: كلمة، ويصح أن تسمى: "قولًا" وكذلك كل كلمة أخرى. كتب عليّ: كلام، ويصح أن يسمى: "قولًا. " وكذلك كل جملة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفيدة مستقلة بمعناها، مكونة من كلمتين. -أوأكثر كما سيجيء، قد كتب صباحًا: كلم، ويصح أن يسمى: "قولا. " وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر، من غير أن يفيد. كتب عليّ صباحًا: كَلِم أيضًا. ويصح أن يسمى: "كلامًا، أو: قولًا". وكذلك كل تركيب يشتمل على ثلاث كلمات فأكثر مع الإفادة المستقلة. كتاب علي: يسمى: "قولا" فقط ... وكذلك كل تركيب يشتمل على كلمتين فقط من غير إفادة. فالقول منطبق على كل نوع، وصادق على كل فرد من أفراد ذلك النوع ومن غيره. وقد يوضح هذا كلمة أخرى مثل:؛ "معدن"؛ فإن " المعدن" أنواع كثيرة؛ منها الذهب، والفضة والنحاس ... فكلمة؛ "معدن" أعم من كل كلمة من تلك الكلمات عمومًا مطلقًا، وكل نوع أخص منه خصوصًا مطلقًا؛ لأن كلمة "معدن" بالنسبة للذهب -مثلًا- تشمله، وتشمل نوعًا أوأكثر غيره -كالفضة-. أما الذهب فمقصور على نوعه الخاص، فالمعدن عام؛ لأنه يشمل نوعين أو أكثر. والذهب خاص؛ لأنه لا يشمل إلا نوعًا واحدًا. و"المعدن" عام عمومًا مطلقًا؛ لأنه ينطبق دائمًا على كل فرد من أفراد نوعيه أو أنواعه وذلك فى كل حالات. "ب" ثم تأتى الموازنة بين "الكلم" و"الكلام" فتدل على أمرين: أحدهما: أن "الكلم" و"الكلام" يشتركان معًا فى بعض الأنواع التى يصدق على كل منها أنه: "كلم" وأنه: "كلام"؛ فيصح أن نسميه بهذا أو ذاك؛ كالعبارات التى تتكون من ثلاث كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا". وكالعبارات التى تتكون من أربع كلمات مفيدة؛ فإنها نوع صالح لأن يسمى: "كلامًا" أو: "كلمًا" وهكذا كل جملة اشتملت على أكثر من ذلك مع الإفادة المستقلة. ثانيهما: أن كلا منهما قد يشتمل على أنواع لا يشتمل عليها الآخر،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيصير أعم من نظيره أنواعًا، وأوسع أفرادًا؛ مثال ذلك: أن "الكلم" وحده يصدق على كل تركيب يحوي ثلاث كلمات أو أكثر، سواء أكانت مفيدة، مثل: "أنت خير مرشد" أم غير مفيدة، مثل: "لما حضر فى يوم الخميس" فهو من هذه الناحية أعم وأشمل من الكلام؛ لأن الكلام لا ينطبق إلا على المفيد، فيكون -بسبب هذا- أقل أنواعًا وأفرادًا؛ فهو أخص. لكن "الكلام" -من جهة أخرى- ينطبق على نوع لا ينطبق عليه "الكلم" كالنوع الذى يتركب من كلمتين مفيدتين؛ مثل: "أنت عالم" وهذا يجعل الكلام أعم. وأشمل من نظيره، ويجعل الكلم أخص. فخلاصة الموازنة بين الاثنين: أنهما يشتركان حينًا فى نوع "أى: فى عدد من الأفراد"، ثم يختص كل واحد منهما بعد ذلك بنوع آخر ينفرد به دون نظيره؛ فيصير به أعم وأشمل. فكل منهما أعم وأشمل حينًا، وأخص وأضيق حينًا آخر. ويعبر العلماء عن هذا بقولهم: "إن بينهما العموم من وجه، والخصوص من وجه. " أو: " بينهما العموم والخصوص الوجهي". يريدون من هذا: أنهما يجتمعان حينًا فى بعض الحالات، وينفرد كل منهما فى الوقت نفسه ببعض حالات أخرى يكون فيها أعم من نظيره، ونظيره أعم منه أيضًا؛ فكلاهما أعم وأخص معًا. وإن شئت فقل: إن بينهما العموم من وجه والخصوص من وجه "أي؛ الوجهي" فيجتمعان فى مثل قد غاب على ... وينفرد الكلام بمثل: حضر محمود ... وينفرد الكلم بمثل: إنْ جاء رجل ... فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لأنه يشمل المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة اللفظ؛ لعدم اشتماله على اللفظ المركب من كلمتين. و"الكلام" أعم من جهة اللفظ؛ لأنه يشمل المركب من كلمتين فأكثر. وأخص من جهة المعنى؛ لأنه لا يطلق على غير المفيد. "حـ" أما موازنة الكلمة بغيرها فتدل على أنها أخص الأنواع جميعًا1. شيء آخر يعرض له النحاة بمناسبة: "كلِم". يقولون: إننا حين نسمع كلمة: رجال، أو: كتب، أو: أقلام، أو: غيرها

_ 1 وقد سبق -في ص 18- أن "القول" أعم الأنواع جميعًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جموع التكسير نفهم أمرين: أولهما: أن هذه الكلمة تدل على جماعة لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد. ثانيهما: أن لهذا الجمع مفردًا نعرفه من اللغة؛ هو: رجل، كتاب، قلم ... وكذلك حين نسمع لفظ: "كَلِم" نفهم أمرين: أولهما: أنه يدل على جماعة من الكلمات، لا تقل عن ثلاث، وقد تزيد؛ "لأن "الكَلِم" فى الأصل يتركب من ثلاث كلمات أو أكثر؛ فهو من هذه الجهة يشبه الجمع فى الدلالة العددية؛ فكلاهما يدل على ثلاث أو أكثر". ثانيهما: أن "للكلم" مفردًا نعرفه ونصل إليه بزيادة تاء للتأنيث فى آخره؛ فيصير بزيادتها -وموافقة اللغة- دالا على الواحد، بعد أن كان دالًا على الجمع، فتكون: "كلمة" هى مفردة: "الكلم"؛ مع أنهما متشابهان فى الحروف، وفى ضبطها، ولا يختلفان فى شيء؛ إلا فى زيادة التاء فى آخر: "الكلمة" -بموافقة اللغة-. وهو بسبب هذا يختلف عن الجموع؛ فليس بين الجموع ما ينقلب مفردًا وينقص معناه من الجمع إلى الواحد من أجل اتصال تاء التأنيث بآخره. ولذلك لا يسمونه جمعًا، وإنما يسمونه: "اسم جنس1 جمعيًّا"2. ويقولون فى تعريفه: "إنه لفظ معناه معنى الجمع، وإذا زيدت على آخره تاء التأنيث -غالبًا- صار مفردًا". أو هو: "ما يُفْرَق بينه وبين واحده بزيادة تاء التأنيث -غالبًا- فى آخره". ومن أمثلته: تفاح وتفاحة -عنب وعنبة- تمر وتمرة

_ 1 سيجيء تفصيل الكلام على النكرة، واسم الجنس، وعلم الجنس، وعلم الشخص، في مكانه الخاص من باب: العلم" ص 288، هنا، وفي باب: "النكرة والمعرفة "ص 206م 17" وسنعرف أن النكرة "أي: اسم الجنس" إن قصد بها معين فهي النكر المقصودة، وإلا فهي النكرة غير المقصودة. ولكل منهما أحكامه الخاصة، ولا سيما عند ندائه "كما سيجيء في باب النداء، أول جـ4". 2 صفة لكلمة اسم، حتمًا؛ لأن الاسم هو الذي يدل على الجمعية، فلا يكون اسم الجنس الجمعي إلا دالًا على الجمع، ولا يكون دالًا على المفرد، ولا على المثنى، وبالرغم من أن اسم الجنس الجمعي يدل على ما يدل عليه الجمع فإنه يجوز تثنيته وجمعه في أغلب أحواله عند فريق من النحاة، غير سيبويه ومن معه -كما جاء في الهمع، باب جمع التكسير، فالمراد من وصفه بالجمعي: تأكيد أنه لا يراد به واحد ولا اثنان، وإنما يراد به ثلاثة على الأقل كما يراد بالجمع عند النحاة. وبسبب هذه الدلالة العددية قد يطلق عليه في اللغة -لا في النحو- أنه جمع "راجع الصبان، باب، جمع التكسير، عند بيت ابن مالك: "من غير ما مضى ومن خماسي" حيث الكلام على مفرد، "فرزدق" "ثم انظر ص 23 ورقم 3 من هامش ص 24".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -شجر وشجرة- وهذا هوالنوع الغالب، كما أشرنا. وهناك نوع يُفرَق بينه وبين مفرده بالياء المشددة، مثل: عرب وعربيّ، جُنْد وجندي، رُوم ورومي، تُرْك وترْكيّ. وقد يُفْرَق بينه وبين واحده بالتاء فى جمعه، لا فى مفرده؛ مثل كَمْأة، وكمْء"2.

_ 1 هذا النوع الذي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة إذا وصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة ... - جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار اللفظ، لأنه جنس، أو: مع التأنيث على تأويل معنى الجماعة، نحو قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} ، {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير أو جمع مؤنث سالِمًا، نحو قوله تعالى: {السَّحَابَ الثِّقَال} وقوله: {وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ} ومثل: الصفة الخير، والإشارة إليه ... والضمير العائد عليه -كما أسلفنا. وفي كل ما سبق خلاف أشار إليه الصبان، في باب العدد وقد تخيرنا أقوى الأوجه. ويؤيد ما تخيرناه ما جاء في: المصباح المنير، مادة: "النخل" ونصه الحرفي: "النخل: اسم جمع "كذا يقول" الواحدة: "نخلة", وكل جمع بينه وبين واحدة الهاء "يريد: تاء التأنيث المربوطة" قال ابن السكيت: فأهل الحجاز يؤنثون أكثره، فيقولون: هي التمر، وهي البر، وهي النخل، وهي البقر.... وأهل نجد وتميم يذكرون، فيقولون: نخل كريم، وكريمة، وكرائم، وفي التنزيل: {نَخْلٍ مُنْقَعِر} ، {نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وأما النخيل -بالياء- فمؤنثة. قال أبو حاتم: لا اختلاف في ذلك" اهـ. لكن يتضح من أمثلة هذا النص أن أهل نجد وتميم لا يقتصرون على التذكير، وإنما يؤنثون أيضًا. ويلاحظ أنه جعل "النخل" اسم جمع. فكيف يتفق أنه اسم جمع مع قوله السابق إن "الواحدة نخلة"؟ فهل يريد: اسم جنس جمعي؟ ومما يؤيد ما تخيرناه أيضًا ما جاء في كتاب: "بصائر ذوي التمييز"- تأليف: الفيروزآبادي، صاحب: "القاموس المحيط" - في البصرة 51 ص 277 ونصه عند الكلام على كلمة: "بنيان": "البنيان: واحد لا جمع له. وقال بعضهم: جمع واحدته: "بنيانه" على حد: "نخلة ونخل". وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه" أهـ. ومن التذكير قوله تعالى: {السَّمَاء مُنْفَطِرٌ بِهِ} على اعتبار أن "السماء" اسم جنس جمعي، مفرده: سماءة. وهناك مواضع أخرى للاختلاف، تجيء في رقم 6 من ص 265 "حيث الكلام على الصورة السادسة من صور مطابقة الضميرة لمرجعه، وعدم مطابقته، ثم رقم 4 من هامش ص 321 ثم ص 457 وما بعدها. هذا، ولا يفرق في اسم الجنس الجمعي بين مذكره ومؤنثه الحقيقيين بالتاء المربوطة، فلا يقال: - في الغالب - حمامة أو بطة، للمؤنثة المفردة، وحمام، وبط، للمذكر المفرد، منعا للالتباس، وإنما يؤنثونه بالصفة فيقال: حمامة أنثى، وحمامة ذكر، وبطة أنثى، وبطة ذكر، ولهذا الحكم تكملة - تجيء في باب "التأنيث" جـ 4 م 169. أما تأنيث عامله فكان الكلام عليه باب "الفاعل جـ2 ص 74 طبعة 3 وما بعدها، م 66 ثم "ا" ص 82 من الزيادة والتفصيل، بعد تلك الصفحات". 2 اسم نبات صحراوي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهم فى اسم الجنس الجمعيّ -من ناحية أنه جمع تكسير، أوأنه قسم مستقل بنفسه- آراء متضاربة ومجادلات عنيفة؛ لا خير فيها، وإنما الخير فى الأخذ بالرأى القائل: إنه جمع تكسير1. وهو رأي فيه سداد، وتيسير، ولن يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة، أو خروج على قاعدة من قواعدها، وأحكامها السليمة. هذا من جهة الجمع أوعدمه. بقي الكلام فى المراد من: "اسم الجنس" والمعنى الدقيق له. وفيما يلي إشارة موجزة إليهما2: إن كلمة مثل كلمة: "حديد" تدل على معنى خاص؛ هو: تلك المادة المعروفة، وذلك العنصر المفهوم لنا. فمن أين جاء لنا فهمه؟ وكيف وصل العقل إلى انتزاع المعنى وإقراره فى باطنه؟ رأينا قطعة من الحديد أول مرة، ثم قطعة أخرى بعد ذلك، ثم ثالثة، فرابعة، فخامسة، ... ولم نكن نعرف الحديد، ولا اسمه، ثم استعملنا تلك القطَع فى شئوننا، وعرفنا بالاستعمال المتكرر بعض خواصها الأساسية؛ وإذا رأينا بعد ذلك قطعًا من صنفها فإننا نعرفها، ولا تكون غريبة على عقولنا، ونشعر بحاجة إلى اسم نسمي به هذا الصنف ... فإذا رأينا بعد ذلك قطعة من جنس آخر "أي: من صنف آخر" كالذهب، ولم نكن استعملناه فى شئوننا -وعرفنا بالاستعمال بعض خواصها الذاتية؛ فلا شك أننا سنحتاج إلى اسم يميز هذا الجنس من سابقه، بحيث إذا سمعنا الاسم ندرك منه المراد، ونتصور معناه تصورًا عقليًّا من غير حاجة إلى رؤية تلك القطَع والنماذج؛ فوضَعْنا للجنس الأول اسمًا هو: "الحديد"، ووضعنا للجنس الثانى اسما يخالفه هو: "الذهب". فالحديد اسم لذلك الجنس "الصنف المعروف"، وكذلك "الذهب"، وغيرهما من أسماء الأجناس ... وصرنا بعد ذلك حين نسمع كلمة: "الذهب" أو"الحديد" ندرك المراد منها إدراكًا عقليًّا بحتًا، فيقفز إلى ذهننا مباشرة مدلولها الخاص، من غير ربط -فى الغالب3- بينها وبين شىء آخر من عنصرها، ومادتها، أومن غيرهما. وهذا الفهم العقلي المحض هوما يعبر

_ 1 راجع الأشموني، وهامش التصريح، وشرح الشذور عند الكلام على المسألة المذكورة. في باب: "الكلام" 2 أما التفصيل، وبسط الإيضاح فمكانهما ص 288 من باب العلم، "في النكرة والمعرفة". 3 لأن اسم الجنس الآحادي الذي سيجيء الكلام عليه يرتبط بصورة فرد من أفراده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه: بأنه "إدراك الماهية المجردة" أي: "إدراك حقيقة الشيء الذهنية، وصورته المرسومة فى العقل وحده". يريدون بذلك: المعنى الذى يفهم من الكلمة فهمًا عقليًّا مجردًا -فى الغالب- أى: بعيدًا عن عالم الحسّ، وعن تخيل النماذج والصور المختلفة المصنوعة منه، أو غير المصنوعة، والتى تساعد فى إيضاح المراد منه"1. ومثل كلمة: الـ"حديد" غيرها من أسماء الأجناس -كما أسلفنا- ومنها: فضة، رجل، خشب. طائر ... ثم إن هذا الجنس "أو: الماهية المجردة، والحقيقة الذهنية البحتة" ثلاثة أنواع، لكل منها اسم: الأول: اسم الجنس الجمعي2، وقد سبق3. الثانى: اسم الجنس الإفرادي؛ وهو الذى يصدق على القليل والكثير من الماهية "أي: من الحقيقة الذهنية" من غير اعتبار للقلة أوالكثرة. "مثل: هواء، ضوء، دم، ماء" فكل واحد من هذه وأشباهها يسمى بهذا الاسم؛ سواء أكان قليلًا أم كثيرًا. والثالث: اسم الجنس الآحادي؛ وهو: الذى يدل على الماهية "أي الحقيقة الذهنية" ممثلة فى فرد غير معين من أفرادها، ولا يمكن تصورها فى العقل إلا

_ 1 انظر رقم 1 من هامش صفحتي 206 و 288. 2 قد أوضحنا المراد من كلمة: "اسم" ومن كلمة: "جنس" وأشرنا- في رقم 2 من هامش ص 21 - إلى أن كلمة "جمعي" هي صفة: لـ "أسم" حتما، وليست صفة: لـ "جنس". 3 وقد يقال: إن اسم الجنس - مطلقا - يدل: "على الماهية المجردة، "أي: الحقيقة الذهنية البحتة"، طبقا للرأي المختار، وهذه الماهية المجردة " أو الحقيقة الذهنية البحتة" كتلة واحدة متماسكة قد يكون لها أجزاء تتكون منها ومن انضمام بعضها إلى بعض، ولكن لا يمكن أن يكون لها أفراد مستقلة متعددة، بحيث يستقل كل فرد منها بنفسه كاملة. ويتميز بذاته المركبة من أجزاء خاصة به، وذرات يقوم عليها كيانه التام الذي ينفرد به. فكيف يتفق هذا مع اسم الجنس الجمعي الذي يدل على أفراد - لا على أجزاء وذرات - لا تقل عن ثلاثة. وقد تزيد كما عرفنا في رقم 2 من هامش ص 21 ففي هذه الدلالة العددية الحتمية منافاة واضحة للدلالة الأصلية التي يقوم عليها اسم الجنس، وتعارض جلي بين الأصل وأنواعه. أجاب الرضى: بأن اسم الجنس موضوع في أصله للماهية من حيث هي ثم استعمل في الجمع، فهو اسم "جنس وضعا"، جمعي "استعمالا" ثم قال الصبان: والأولى أن يقال: إنه غلب استعماله في ثلاثة أفراد فأكثر حتى صار حقيقة عرفية في ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتخيل ذلك الفرد غير المعهود، واستحضار صورة له فى الذهن؛ مثل: أسامة للأسَدَ1. ملاحظة: يُردد النحاة وغيرهم من المشتغلين بالعلوم والفنون المختلفة كلمة: "القاعدة" ويذكرونها فى المناسبات المختلفة، فما تعريفها؟ قالوا: "القاعدة -وجمعها: قواعد- هي فى اللغة: الأساس. وفي الاصطلاح: حُكم كُلّيّ ينطبق على جميع أجزائه وأفراده؛ لتعرف أحكامها منه". وعلى الرغم من شيوع هذا التعريف فى مراجعهم ومطولاتهم -عارضَ بعض النحاة فى كلمة: "حكم" مفضلاً عليها كلمة "قضية" كليّة بحجة أن القاعدة فى مثل قولنا: "كل فاعل مرفوع" تشمل "المحكوم به"، و"المحكوم عليه"، و"الحكم"، فلا بدّ أن تشمل أمورًا ثلاثة، ولا تقتصر على "الحكم". وقد دفع الاعتراض: بأن الاقتصار على "الحكم" فى ذلك التعريف الشائع، مقبول؛ لأنه نوع من المجاز، إذ فيه إطلاق الجزء -وهوالحُكم- على القضية الكليّة التى هى اسم يجمع المحكوم به، والمحكوم عليه، والحكم2.

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص 206، وص 288، وما بعدها. 2 راجع في كل ما سبق عن "القاعدة" شرح التصريح وحاشية ياسين عليه، جـ1 باب: الضمير: أول الفصل الخاص باتصال الضمير. وجاء في "المصباح المنير" في مادة: "قعد" ما نصه: "القاعدة في الاصطلاح بمعنى: الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته"، وهذا التعريف أحسن، لخلوه من الاعتراضات الموجهة للآخر....

المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة: الاسم، والفعل والحرف: الاسم: كلمة تدل بذاتها1 على شيء محسوس، -مثل: نحاس، بيت، جَمل، نخلة، عصفورة، محمد ... - أوشيء غير محسوس، يعرف بالعقل؛ "مثل: شجاعة، مروءة، شرف، نُبل، نبوغ ... " وهو في الحالتين لا يقترن بزمن2. علاماته: أهمها خمسة، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلًا على أن الكلمة "اسم". العلامة الأولى: الجر؛ فإذا رأينا كلمة مجرورة لداع من الدواعي النحوية، عرفنا أنها اسم؛ مثل: كنت فى زيادةِ صديقٍ كريمٍ. فكلمة: "زيارةِ" اسم؛ لأنها مجرورة بحر الجر "في"، وكلمة: "صديق" اسم؛ لأنها مجرورة؛ إذ هى "مضاف إليه"، وكلمة: "كريم" اسم؛ لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها؛ فهي نعت لها. العلامة الثانية: التنوين؛ فمن الكلمات ما يقتضى أن يكون فى آخره ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان؛ مثل: جاء حامدٌ، رأيت حامدًا،

_ 1 أي: من غير أن تحتاج إلى كلمة أخرى. 2 لإيضاح التعريف وبيان معنى الاسم نذكر ما يأتي: لو وضعنا فاكهة معينة أمام إنسان لا يعرفها، فسأل: ما هذه؟ فأجبنا: "رمان" -مثلًا- لكانت الكلمة: "رمّان" هي الرمز، أو العلامة، أو اللفظ الدال على تلك الفاكهة. وإن شئت فقل: إنها اسم يفهم منه السامع تلك الفاكهة المعينة، دون غيرها. فعندنا شيئان، فاكهة لها أوصاف حسية خاصة بها، ولفظ معين، إذا نطقنا به انصر الذهن مباشرة إلى تلك الفاكهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنى، أو مدلول، أو مراد، وما معناه، أو مدلوله، أو المراد منه إلا هذه الفاكهة. وإن شئت فقل: إنه اسم هي معناه ومسماه، وإن هذا المعنى والمسمى له اسم، هو: "الرمان" فالاسم ليس إلا رمزًا، أو علامة، أو إشارة يراد بها أن تدل على شيء آخر، وأن تعينه، وتميزه، وهذا الشيء الآخر هو المراد من تلك الشارة، والغرض من اتخاذها، فهو مدلولها ومرماها، أي: هو المسمى بها، وهي الاسم الذي يميزه من غيره، ويحدده، فلا يختلط بسواه ومتى ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة، وأم المسمى هو المرموز له، المطلوب إدراكه بالعقل- كان الاسم متضمنًا في ذاته كل أوصاف المسمى، فهو مع مسماه كالصورة التي يكتب اسمها إزاءها، فإذا قرئ الاسم أولًا دل على الصورة ومضمونها كاملة. ومثل ما سبق يقال في كل اسم آخر، ومنه يتضح تعريفهم الاسم أحيانًا بأنه: "ما يدل على مسمى فقط"، أي: من غير أن يدل معه على زمن أو شيء آخر. ولهذا الكلام أمثلة متعددة في جـ 4 ص 137 - من الطبعة الثانية - م 141 رقم 1 من هامشها. باب: أسماء الأفعال.

ذهبت إلى حامد، طار عصفورٌ جميلٌ، شاهدت عصفورًا جميلاً، استمعت إلى عصفورٍ جميلٍ ... وهذه الكلمات لا تكون إلا أسماء. وكان الأصل أن تكتب هي وأشباهها كما يكتبها علماء "العَروض" هكذا: حامدُنْ، حامدَنْ، حامدِنْ، عصفورُنْ جميلُنْ ... عصفورَنْ جميلَنْ ... عصفورِنْ جَميلِنْ ... أي: بزيادة نون ساكنة في آخر الكلمة؛ تحدث رنينًا خاصًّا؛ وتنغيمًا عند النطق بها. ولهذا يسمونها: "والتنوين" أي: التصويت والترنيم؛ لأنها سببه. ولكنهم عدلوا عن هذا الأصل1، ووضعوا مكان "النون"2 رمزًا مختصرًا يغني عنها، ويدل -عند النطق به- على ما كانت تدل عليه؛ وهذا الرّمز هو: الضمة الثانية، والفتحة الثانية، والكسرة الثانية ... على حسب الجمل ... ويسمونه: "التنوين"، كما كانوا يسمون النون السالفة، واستغنوا بها الرمز المختصر عن "النون"؛ فحذفوها فى الكتابة، ولكنها لا تزال ملحوظة يُنْطَق بها عند وصل بعض الكلام ببعض، دون الوقف. ومما تقدم نعلم: أن التنوين نون ساكنة، زائدة3. تلحق آخر الأسماء لفظًا، لا خطًا ولا وقفًا4. العلامة الثالثة: أن تكون الكلمة مناداة5، مثل: يا محمدُ، ساعد

_ 1 اختصارًا، ومنعًا للخلط بين هذه النون الزائدة وغيرها من النونات الأخرى، الزائدة والأصلية. 2 راجع شرح المفصل "جـ 9 ص 35" في الكلام على "التنوين" حيث تراه مكتوبا "بالنون" كما في الأمثلة السالفة ... 3 أي: ليست من أصل بنية الكلمة، ولا من حروفها الأصلية، لأن هذه النون -وإن كانت حرفا واحدًا- تعد كلمة كاملة، وتدخل في قسم الحرف المعنوي المعدود من أقسام الكلمة الثلاثة، فمثلها مثل واو العطف، وفائه، وباء الجر، وتائه ... وغيرها من "حروف المعاني" التي سيجيء الكلام عليهما في هامش ص 66 وص 70 وفي الجزء الثاني ص 229 م 78 "أول باب: الظرف" ويبنون على هذا تعليلات لبعض الأحكام، كتعليلهم وجوب حذف التنوين من المضاف بأن التنوين كلمة كاملة، ولا يصح الفصل بكلمة بين المضاف والمضاف إليه، وهما شيئان متلازمان. إلا بعض حالات فيها الفصل بينهما، وستجيء في باب: "الإضافة" "جـ 3". 4 سيجيء في المسألة الثالثة: "ص 33" تفصيل مناسب يتضمن أنواع التنوين وحكم كل نوع. 5 لأن المنادى "مفعول به" فقولك: "يا محمد" هو بمثابة قولك: "أدعو محمدا" فهو مفعول به حقيقة، أو تقديرا - تبعا للخلاف الذي سجله الصبان وغيره، في هذا والمفعول به لا يكون إلا اسما. وكان الأوضح والأنسب أن يقال: "أن تكون الكلمو مفعولا به "كما يرى بعض النحاة - لتكون هذه العلامة هي الدالة على اسمية الضمير: إياك" وأخواته، مما يكون "مفعولا به" ولا يكون "منادي".

الضعيف. يا فاطمة، أكرمي أهلك. فنحن ننادي محمدًا، وفاطمة. وكل كلمة نناديها اسم، ونداؤها علامة اسميتها1. العلامة الرابعة: أن تكون الكلمة مبدوءة "بأل"2 مثل: العدل أساس الملك. العلامة الخامسة: أن تكون الكلمة منسوبًا إليها -أي: إلى مدلولها- حصولُ شيء، أو عدم حصوله، أو مطلوبًا منها إحداثه، مثل: عليٌّ سافرَ. محمود لم يسافر. سافرْ يا سعيد. فقد تحدثنا عن "عليّ" بشيء نسبناه إليه. هو: السفر، وتحدثنا عن "محمود" بشيء نسبناه إليه؛ هو عدم السفر، وطلبنا من "سعيد" السفر. فالحكم بالسفر، أو بعدمه، أو بغيرهما، من كل ما تتم به الفائدة الأساسية يسمى: إسنادًا، وكذلك الحكم بطلب شيء من إنسان أو غيره ... فالإسناد هو: "إثبات شيء لشيء، أو نفيه عنه، أو طلبه منه". هذا، واللفظ الذى نسب إلى صاحبه فعل شيء أو عدمه أو طُلب منه ذلك، يسمى: "مسنَدًا إليه"، أى: منسوبًا إليه الفعل، أو الترك، أو طُلب منه الأداء. أما الشيء الذى حصل ووقع، أو لم يحصل ولم يقع، أو طُلب حصوله -فيسمى: "مسندًا"، ولا يكون المسند إليه اسما. والإسناد هو العلامة التى دلت على أن المسند إليه اسم5.

_ 1 إذا رأينا حرف النداء داخلًا في الظاهر على ما ليس باسم "كالفعل، أو: الحرف، في نحو: يا ... ادخل الحجرة -يا ... ليتك تحترم الميعاد،" فإنه يكون في الحقيقة داخلا على منادي محذوف، لسبب بلاغي.. أو: تكون" يا" حرف تنبيه، وليست حرف نداء. وسيجيء البيان في أول الجزء الرابع: "باب المنادى". 2 زائدة كانت أم أصيلة "إلا الاستفهامية عند من يستعملها في الاستفهام، والموصولة عند من يجيز دخولها على الفعل" وبهذه العلامة قوي الحكم على كلمة: "العزى" أنها اسم، وهي كلمة مؤقتة، علم لضم مشهور في الجاهلية، و "أل" في أولها زائدة لازمة لا تفارقها ومذكرها: الأعز. 3 انظر ما يتصل بهذا في "جـ" ص 30. 4 بهذه العلامة أمكن الحكم بالاسمية على ضمائر الرفع، كالتاء، ونا، وأنا، وعلى "ما" الاستفهامية، والموصولة ... 5 أشار ابن مالك في ألفيته إلى تلك العلامات بقوله: بالجر والتنوين، والنداء، وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل أي: حصل تمييز للاسم من غيره: بالجر، والتنوين، والنداء، وأل، ومسند، أي: إسناد" والإسناد هو الذي يدل على أن الضمائر المرفوعة أسماء: مثل: "أنا" كتبت رسالة كما تقدم....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- تعددت علامات الاسم، لأن الأسماء متعددة الأنواع؛ فما يصلح علامة لبعض منها، لا يصلح لبعض آخر، كالجر، فإنه لا يصلح علامة لضمائر الرفع، كالتاء- ولا يصلح لبعض الظروف؛ مثل: قَطُّ: وعَوْضُ. وكالتنوين؛ فإنه يصلح لكثير من الأسماء المعربة المنصرفة، ولا يصلح لكثير من المبنيات. وكالنداء فإنه يصلح وحده للأسماء الملازمة للنداء؛ مثل: يا فل "أي: يا فلان"، ويا مكرَمان للكريم الجواد، وغيرهما مما لا يكون إلا منادى1. وهكذا اقتضى الأمر تعدد العلامات بتعدد أنواع الأسماء ... "ب"- للاسم علامات أخرى؛ أهمها: 1- أن يكون مضافًا؛ مثل: تطرب نفسي لسماع الغناء. وقراءة كتب الأدب. 2- أن يعود عليه الضمير2، مثل: جاء المحسن. ففي "المحسن" ضمير. فما مرجعه؟ لا مرجع له إلا "أل"3؛ لأن المعنى: "جاء الذى هو محسن" ولهذا قالوا "أل" هنا: اسم موصول. وكذلك قد فاز المخلص، وأفلح الأمين. 3- أن يكون مجموعًا. مثل: مفاتيح الحضارة بيد علماء، وهبوا أنفسهم للعلم. فكوْن الاسم جمعًا خاصة من خواص الأسماء. 4- أن يكون مصغرًا؛ "لأن التصغير من خواص الأسماء كذلك" مثل: حُسَين أصغر من أخيه الحسن. 5- أن يبدل منه اسم صريح؛ مثل: كيف عليّ؟ أصحيح أم مريض؛ فكلمة: "صحيح" اسم واضح الاسمية، وهو بدل من كلمة: "كيف" فدلّ على أن "كيف" اسم؛ لأن الأغلب في البدل والمبدل منه أن يتحدا معًا، في الاسمية والفعلية.

_ 1 انظر ما يتصل بالعلامة الثالثة: "المناداة" - ص 27. 2 بهذه العلامة أمكن الحكم بالاسمية على "ما" التعجبية، وعلى "مهما" في مثل: ما أجمل المعروف! ومثل قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} ... إلخ. 3 سيجيء بيان السبب مفصلًا عند الكلام على صلة "أل" في باب: "الموصول". "رقم 2 من هامش ص 356".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- أن يكون لفظه موافقاً لوزن اسم آخر، لا خلاف فى اسميته؛ كنزَال1 فإنه موافق فى اللفظ لوزن: "حَذَامِ" اسم امرأة، وهو وزن لا خلاف فىَ أنه مقصور على الأسماء. ولولا هذه العلامة لصعب الحكم على "نَزَالِ" بالاسمية؛ لصعوبة الاهتداء إلى علامة أخرى. 7- أن يكون معناه موافقًا لمعنى لفظ آخر ثابت الاسمية؛ مثل: قَطُّ. عَوْضُ. حيث ... فالأولى ظرف يدل على الزمن الماضي2، والثانية ظرف يدل على الزمن المستقبل، والثالثة بمعنى المكان -في الأغلب- وبهذه العلامة أمكن الحكم على الكلمات الثلاثة بالاسمية؛ إذ يصعب وجود علامة أخرى. "جـ" سبق أن من علامات الاسم الإسناد: وقد وضحناه. وبقي أن نقول: إذا أسندتَ إلى كلمة قاصدًا منها لفظها، وكان لفظها مبنيًا -كما لو رأيت كلمة مكتوبة؛ مثل: "قَطفَ" أو: "مَنْ" "أو: رُبَّ"، وأردت أن تقول عن لفظها المكتوب؛ إنه جميل، وهو لفظ مبني فى أصله كما ترى -فإنه يجوز أحد أمرين. أولهما: أن تحكيها بحالة لفظها، وهو الأكثر؛ فيكون إعرابها مقدرًا، منع من ظهور علامته حكاية اللفظ على ما كان عليه أولًا؛ من حركة، أو سكون، فلا يدخل على آخر الكلمة تغيير4 لفظي، مهما اختلفت العوامل. تقول: قطف جميل، إن قطف جميل، سررت من قطف.... و.... . ثانيهما: أن تعربها على حسب العوامل إعرابًا ظاهرًا مع التنوين؛ فتقول: قَطَفٌ جميلةٌ، بالرفع والتنوين فى هذا المثال، إلا إن كان فى آخر الكلمة ما يمنع ظهور الحركة؛ كوجود ألف مثلا، كقولك: "علىَ" حرف جر، فإنها تعرب بحركة مقدرة، وتُنَون، مالم يمنع من تنوينها مانع؛ كالإضافة5 ...

_ 1 اسم فعل، بمعنى، انزل. 2 ولا تستعمل إلا في جملة منفية. 3 في صفحة 28 4 إلا إن كان اللفظ في أصله حرفا ثنائيّا، فيجوز أن يكون مبنيًّا للشبه اللفظي بالحروف -كما ستعرف. وهذه صورة من الحكاية غير التي ستيجيء في رقم "7" من ص 200. 5 يلاحظ الفرق الواضح بين دلالة الأمرين السابقين في "جـ" ودلالة الملاحظة التي في صفحة 79 وما يتصل بها في ص 309، 310 وما يخالفها في "جـ" من ص 146.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كانت الكلمة ثنائية. وثانيها حرف لين، ضاعفته. فتقول فى "لوْ": لوٌّ. وفى كلمة "في": فيٌّ. وفي كلمة "ما": "ماء". بقلب الألف الثانية الحادثة من التضعيف همزة، لامتناع اجتماع ألفين. ويرى بعض النحاة: أن الحرف الثاني الصحيح من الكلمة الثنائية لا يضاعف إلا إذا صارت الكلمة علمًا لشيء آخر غير لفظها، كأن تسمى شيئًا: "بل" أو: "قدْ" أو: "هل" ... أما إذا بقيت على معناها الأصلى وقصد إعرابها فلا يضاعف ثانيها؛ سواء أكان صحيحًا مثل: "قَدْ" أم لَينًا مثل: "لَوْ"1 ...

_ 1 راجع الصبان -جـ1- الباب الأول، عند الكلام على علامات الاسم، ومنها: علامة: "الإسناد" وانظر تعريف "الحكاية" في رقم 1 من هامش ص 310 الآتية. والرأيان السالفان فصيحان، ولكل منهما مزيته التي تدعو إلى تفضيله حينًا، أو العدول عنه إلى نظيره حينًا آخر، تبعًا لما يقضي به المقام الكلامي، فمزية الحكاية أنها تحمل الذهن سريعًا إلى الحكم على اللفظ بأنه معاد ومرددًا لداعٍ بلاغي، والذي يدل على هذه الإعادة مخالفة اللفظ في ظاهره لما تقتضيه العوامل من حركات إعرابية معينة. فمن يسمع من فصيح: "قطف" السابقة ببقائها على حركتها الأصلية مع اختلاف العوامل يدرك سريعًا أنها معادة موددة، أي: "محكية" فلو لم تكن في التركيب السابق محكية لكانت مبتدأ مرفوعًا، فعدم رفعها وتركها على حالتها الأولى دليل على: "الحكاية" أي: على أن الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، ولو اقتضى المقام الإعرابي الجديد إدخال تغيير على حركاتها. ويظهر هذا بوضوح حين نسمع - مثلا - المغني يترنم بكلمة: "قطف" جميلة، فيكون النطق بها على سبيل الحكاية إعلانًا ورمزًا إلى أنها جميلة في حالة معينة لنا، وصورة خاصة دون غيرها، بخلاف ما لو قلنا: قطف جميلة، فليس في هذا التعبير، ما يدل على ذلك التقييد المهم. ومما يزيد الأمر وضوحًا ما قالوه في موضع آخر، فمن الأعلام من اسمه "أبو الفضل"، و"أبو جهل" ... فإذا سمعنا من الخبير بالأساليب الصحيحة، الحريص على سلامتها، قوله -مثلًا- مدح الناس "أبو الفضل"، وذموا "أبو جهل" عرفنا سريعًا أن هذا المتكلم الفصيح لم يقل "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" وإنما قال: "أبو" فلا بد أن يكون هذا على سبيل الحكاية، لحكمة بلاغية، قد تكون رغبته في إظهار أن: "أبو الفضل" و"أبو جهل" علمان لشخصين معينين، وليس المراد منهما مطلق رجل متصف بالفضل أو بالجهل، إذ لو قال "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" لجاء الكلام خاليا من التعيين الدقيق، محتملا "العلمية" ومحتملا أن يشمل كل صاحب فضل، أو صاحب جهل من غير تخصيص.... أما الرأي الآخر فمزيته عمومه وشموله كل الحالات المختلفة، ومنها السابقة، ودخوله تحت القاعدة الإعرابية المطردة، ففيه نوع تيسير. ولهذه المسألة صلة بما يجيء في جـ 4 ص 669م 177 باب: "النسب" وما فيها من خلاف، من ناحية تشديد الحرف الثاني من الكلمة الثنائية، وعدم تشديدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "د" الاسم ثلاثة أقسام: ظاهر، مثل كلمة: "محمد" في: "محمد عاقل"، ومضمر1، أي: غير ظاهر فى الكلام، مع أنه موجود مستتر، مثل الفاعل فى قولنا: أكرمْ صديقك2؛ فإن التفاعل مستتر وجوبًا تقديره: "أنت"، ومبهم"، لا يتضح المراد منه ولا يتحدد معناه إلا بشيء آخر، وهو اسم الإشارة؛ مثل: هذا نافع، واسم الموصول؛ مثل: الذى بنى الهرم مهندس بارع"3. ملاحظة: هناك قسم رابع -في رأي الكوفيين ومن تبعهم، كابن مالك- وهو الاسم الزائد المحض، لتأكيد المعنى وتقويته. وهذا النوع لا محل له من الإعراب؛ لأنه لا يتأثر بالعوامل ولا يؤثر في غيره. ومن أمثلته: كلمة: "ذا".....4، طبقا للبيان الخاص بها5.

_ 1 راجع "ب" من ص 219 حيث التفصيل. وفي بعض مواضع أخرى قد يراد بالمضمر ما يسمى اصطلاحًا: "الضمير" ومنه، "المستتر" ومنه "البارز" "الظاهر". 2 انظر رقم 2 من هامش ص 16. 3 لأن اسم الإشارة لا يتضح المراد منه بالإشارة إليه، والموصول لا يتضح إلا بصلته. ولا مبهم في الأسماء هذين. وسيجيء البيان في "جـ" من ص 338 وفي باب: الموصول "رقم 4 من هامش ص 338". 4 كالتي في قول الشاعر: دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب خبريني 5 في رقم "أ" و"ب" من صفحتي 360، 461.

المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه التنوين1 الذى يعتبره النحاة علامة على أن الكلمة اسم -أنواع؛ أشهرها أربعة؛ هى: تنوين الأمْكَنِيَّة، تنوين التنكير، تنوين التعويض، تنوين المقابلة، ولهم فى كل نوع آراء مختلفة، سنستخلص الرأي السليم منها: النوع الأول: تنوين الأمكنية: ولتوضيحه نقول: إن الأسماء أربعة أقسام: "أ"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجُمل، ويدخله التنوين فى آخره؛ مثل: علىٌّ، شجرةٌ، عصفورٌ، ... تقول: جاء علىٌّ، برفع آخره وتنوينه ... رأيت عليًّا؛ بنصب آخره وتنوينه. ذهبت إلى علىِّ، بجر آخره وتنوينه ... وكذلك باقى الأسماء السابقة وما يشبهها. وهذا القسم من الأسماء يسمى: "المُعْرَب الْمُنصرف" 2. "ب"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجمل، ولكنه لا ينوّن؛ مثل: أحمد، فاطمة، عثمان ... تقول: جاء أحمدُ، رأيت أحمدَ، ذهبت إلى أحمدَ ... وكذلك باقي الأسماء السالفة، وما أشبهها: فإنها لا تنون، مهما اختلفت العوامل3. وهذا القسم يسمى: "المعرب غير المنصرف"،

_ 1 سبق تعريفه وتوضيحه في ص 26. 2 وقد يسمى اختصارًا: "المنصرف" -كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 174- وإذا ذكر التنوين من غير نص على نوعه كان المراد تنوين: المعرب المنصرف"؛ لأنه هو المقصود عند الإطلاق، "أي: عند عدم ذكر النوع". أما إذا أريد غيره فلا بد من التقييد بذكر النوع. كأن يقال: تنوين التنكير، أو: تنوين العوض. والمعرب هو اللفظ الذي تتغير علامة آخره بتغير العوامل، "كما سيجيء قريبًا في بابه الخاص ص 75 م 6". و"المنصرف" هو الذي يكون في آخره هذا التنوين الدال على "الصرف". ويجري "في عبارات بعض القدماء: "الإجراء وعدم الإجراء" بدلًا من "الصرف ومنع الصرف" -وسيجيء البيان في جـ 4 باب: "ما لا ينصرف". 3 هذا القسم قد يدخله التنوين أحيانًا لغرض معين -كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 294" تقول: رأيت أحمدًا، بالتنوين، بشرط أن تقصد الإخبار بأنك رأيت واحدًا غير معين ممن اسمهم: "أحمد" بخلاف ما لو رأيت رجلًا معينًا اسمه،: أحمد معهودًا بينك وبين من تخاطبه ... "راجع شرح المفصل جـ 9 ص 29 موضوع: التنوين". هذا، والتمثيل بكلمة: "أحمد" هو من صنيع صاحب =

وله باب خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف1 ... "حـ" قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب. ويسمى: المبني2. لكن

_ = "المفصل" نفسه، وكان الأولى التمثيل بكلمة مثل: "يزيد" ونحوها ... لما سيجيء -"في جـ 4 ص 191 م 147 "ب" عند الكلام على الاسم الذي ينصرف" وهو: أن الاسم الممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل إذا زالت علميته يظل ممنوعا من الصرف إن كان في أصله وصفا سابقا على العلمية وترك وصفيته السابقة، وانتقل إلى العلمية. مثل: "أحمر" علم شخص، فإن حسين تزول عنه العلمية الطارئة يرجع إلى ما كان عليه قبلها، ويعود وصفا كما كان، ويظل ممنوعًا من الصرف بشرط وجود العلة الثانية. وكلمة: "أحمد" ينطبق عليها هذا من ناحية رجوعها إلى الوصفية السابقة حين تزول عنها العلمية الطارئة، فكيف تنون إن زالت علميتها وبقيت العلة الثانية؟. ربما كان يرى فرقًا بين "أحمد" و"أحمر" هو أن "أحمد" متوغل في علميته حتى نسيت وصفيته وأهملت، فإن زالت عنه علميته لم يرجع إلى وصفيته السابقة عليها، بخلاف: "أحمر" وأشباهه، فوصفيته قوية ملحوظة. لكن الأفضل- كما قلنا التمثيل بما لا احتمال معه. مثل كلمة "يزيد" فليس لها وصفية سابقة. 1 سيجيء في الجزء الرابع. وللنحاة تعليل طويل في عدم تنوينه، ولكنه تعليل يرفضه التأمل. وقد آن الوقت لإهماله، وإنما نذكر ملخصه التالي ليطمئن من يشاء من الخاصة، إلى أنه تعليل مصنوع معيب، فهم يقولون. إن الفعل ثقيل على اللسان، لقلة استعماله، بالنسبة للاسم، فالفعل لا يستعمل إلا ما فاعل هو اسم، أما الاسم فقد يستعمل أحيانا مع الفعل، مثل: "نفع الكتاب"، وقد يستعمل أحيانا مع الاسم، مثل: "الكتاب نافع" فالمواضع التي يشغلها الاسم أكثر من المواضع التي يشغلها الفعل، وكثرة الاستعمال داعية إلى خفة النطق وسهولته. وشيء آخر، هو أن الفعل لا يوجد إلا مع فاعل-كما سبق، وقد يحتاج إلى مفعول. ومعنى هذا أن الفعل لا يوجد منفردًا، ولا يدل نفسه على معنى، وإنما يوجد في كلام مركب. أما الاسم فإنه قد ينفرد ولا يراد منه إلا مجرد الدلالة على شيء "أي: على مسمى، كما عرفنا -في ص 26" والمفرد أخف من المركب في النطق والاستعمال. فمن أجل خفته دخله التنوين الذي هو علامة الخفة، ورمز السهولة، وامتنع دخوله على الأفعال، لثقلها. ثم يتدرجون من هذا إلى قولهم: إن في كل فعل ظاهرتين، إحداهما: لفظية، وهي: اشتقاقه من المصدر "على الرأي الشائع" واشتراك لفظيهما في الحروف الأصلية، والمشتق فرع، والمشتق منه أصل، لهذا كان الفعل فرعًا من الاسم. والأخرى: معنوية، وهي: حاجة الفعل إلى الفاعل الاسم -كما سبق. والاحتياج فرع، وعدم الاحتياج أصل. ولما كان القسم الثاني من الأسماء "وهو المعرب غير المنصرف" لا يمنع من الصرف إلا إذا اجتمع فيه ظاهرتان، أو علتان فرعيتان: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية، كان شبيها بالفعل في ذلك، فامتنع مثله من الصرف، فكلمة: "فاطمة" فيها علة لفظية، وهي التأنيث، والتأنيث فرع التذكير عندهم، وعلة معنوية هي: العلمية، والعلمية فرع التنكير، فهاتان ناحيتان فرعيتان في كلمة "فاطمة"، فلا بد من الظاهرتين "العلتين"، أو من ظاهرة تقوم مقامهما، وذلك في كل كلمة تمنع من الصرف. وينتهون من ذلك كله إلى النتيجة التي يريدونها، وهي: أن الفعل فيه العلتان، ولا يدخله التنوين. وكذلك بعض الأسماء فيه الظاهرتان أو العلتان -أو ما يقوم مقامهما- فلم لا يمنع من الصرف أيضًا بسبب وجود الناحيتين الفرعيتين فلا يدخله التنوين؟ ذلك ملخص كلامهم الخيالي. وهو مدفوع بأن السبب الحق في تنوين بعض الأسماء وعدم تنوين بعض آخر أن العرب الفصحاء نطقت بهذا منونا، وبذلك غير منون. فعلت هذا بفطرتها وطبيعتها، لا لسبب آخر، كمراعاة لقواعد علمية، وتطبيق لأسس فلسفية منطقية، فإن هذه وتلك لم تكن معروفة لديهم في عصر صدر الإسلام وما قبله من عصور الجاهلية، فلم يستخدموا المشابهة، ولم يستعينوا بقياس المناطقة أو غيره من مسالك الجدل، والتوهم، وأشباهه مما لا يوافق حياتهم الأولى، ولا نشأة اللغة. 2 سيجيء الكلام عليه في بابه الخاص "ص 72 م 6".

قد يدخله التنوين أحيانا لغرض. وإليك الإيضاح: من الأسماء القديمة: خَالَوَيْه، نِفْطَوَيْه، عَمْرَوَيْه، سِيبَويْهِ. وغيرها من أعلام الأشخاص المبنية على الكسر -غالباً- المختومة بكَلمة: "وَيْه". فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام، وكان معينًا معهودًا بينك وبين من تخاطبه، معروفًا بهذا الاسم، لا تختلط صورته فى الذهن بصورة غيره، فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى المعربة التى يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه؛ مثل: محمد، أو: صالح، أو: محمود، أو: غيرهم1 ... أما إذا أتيت بالتنوين فى آخر الكلمة فإن المراد يتغير؛ إذ تصير كمن يتحدث عن شخص غير مُعَين، لا يتميز من غيره المشاركين له فى الاسم، فكأنك تتحدث عن رجل أيّ رجل مسمى بهذا الاسم. ومن الأمثلة أيضًا ما ليس بعلَم، مثل: صَهْ2، إيهِ3، غاقِ4. وهذه الكلمات المبنية وأشباهها تكون منونة حينًا، وغير منونة حينًا آخر5، كأن تسمع شخصًا يتحدث فى أمر معين لا يرضيك؛ فتقول له: صَهْ، "بسكون الهاء من غير تنوينها". فكأنك تقول له: اسكت عن الكلام فى هذا الأمر الخاص، ولك أن تتكلم فى أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له: صهٍ "بالتنوين" فمرادك: اترك الكلام مطلقًا فى جميع الموضوعات؛ لا فى موضوع معين. ولو قلت له: "إيهِ" "بالكسر من غير التنوين" لكان المقصود: زدني من الحديث المُعَين الذى تتكلم فيه الآن. ولا تتركه. أما إذا قلت: "إيهٍ" بالتنوين فإن المراد يكون: زدني من حديث أيّ حديث؛ سواء أكان ما نحن فيه أم غيره.

_ 1 راجع ما يتصل بهذا، وبإعراب الممنوع من الصرف في ص 174، 310، 315. 2 اسم فعل أمر، بمعنى: اسكت. 3 اسم فعل أمر، بمعنى: زد. 4 اسم صوت الغراب. 5 التنوين وعدمه مقصوران على السماع في أغلب أسماء الأفعال والأصوات- بالتفصيل الذي سيجيء في بابهما في الجزء الرابع. بخلاف الأسماء المختومة بكلمة: "ويه" من مثل: خالويه، ونفطويه، وأشباههما، فإنه قياسي.

كذلك: صاح الغراب غاقِ "بغير تنوين" فالمراد أنه يصيح صياحًا خاصًّا، فيه تنغيم، أو حزن، أو فزع، أو إطالة ... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح. فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة -وأشباهها- هو الدليل على أنك تريد شيئًا واحدًا معينًا، واضحًا فى ذهنك، معهودًا لك ولمخاطبك؛ سواء أكان ذلك الشيء شخصًا أم غير شخص، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئًا غير مُعَين بذاته، وإنما هومختلط بين نظائره المماثلة له، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالي من التنوين: "معرفة"1؛ لأن مدلولها معروف مُعَين. والكلمة التى من النوع الثانى المنَوّن: "نكرة"؛ لأن معناها مُنَكر -أي: شائع- غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها: "تنوين التنكير" أى: التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو: "العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة، وتدل بحذفها على أنها معرفة". "د" قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين؛ مثل: هؤلاءِ حيثُ ... كمْ ... تقول: جاءَ هؤلاءِ، أبصرتُ هؤلاءِ، انتفعت بهؤلاءِ ... "بالكسر فى كل الحالات، بغير تنوين، فهو مبني، وغير منون". من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب، وبعضها مبني، وأن كل واحد منهما قد يكون منونًا، وقد يكون غير منون. والقسم الأول: "أ" وحده هوالذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معًا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون مُعْربة2 ومنونة، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة؛

_ 1 وللمعرفة والنكرة وأنواعهما باب خاص يشمل كل أحكامهما، وسيجيء قريبًا "ص 206 م 17". 2 لأن استقراءهم للأسماء دلهم على غلبة الإعراب والتنوين فيها، كما دلهم على أن الحروف كلها مبنية وغير منونة، وأن الأفعال كلها غير منونة وأكثرها مبني، فالماضي والأمر مبنيان دائمًا، والمضارع يعرب في حالات، ويبني في غيرها.

أكثرها مبني فكلما ابتعد الاسم عن مشابهة الحرف والفعل فى البناء وعدم التنوين1 كان أكثر أصالة فى الاسمية، وأشدّ تمكنًا. وبتطبيق هذا على الأقسام الأربعة السالفة يتبين أن القسم الأول أقواها جميعًا فى الاسمية، وأعلاها فى درجتها؛ لأنه لا يشبههما فى شيء؛ فهو مُعرب؛ أما الحروف وأكثر الأفعال فمبنية. وهو منون؛ والتنوين لا يدخل الأفعال ولا الحروف. ثم يليه فى القوة والأصالة؛ القسم الثانى: "ب"؛ لأنه معرب، والحروف وأكثر الأفعال مبنية -كما سبق- لكنه يشبه الأفعال والحروف فى عدم التنوين. ثم يليه القسم الثالث: "حـ" وهوأضعف من القسمين السابقين؛ لبنائه الدائم، ولعدم تنوينه أحيانًا. أما الرابع: "د" فهو أضعف الأقسام كلها؛ لأنه مبني دائمًا، ولا ينون مطلقًا. فاجتمع فى القسم الأول العاملان الدالان على التباعد وعدم المشابهة، أما القسم الثانى فليس فيه إلا عامل واحد؛ لهذا يسمى القسم الأول: "المتمكن الأمكن"، أي: القويّ فى الاسمية، الذى هو أقوى أصالة فيها، وأثبتُ مكانة من غيره. ويسمى التنوين الذى يلحقه: تنوين "الأمكنية" أو: "الصرْف" ويقولون فى تعريفه: "إنه التنوين الذى يحلق آخر الأسماء المعربة المنصرفة؛ ليدل على خفتها2، وعلى أنها أمكَنُ، وأقوى فى الاسمية من غيرها" كما يسمى القسم الثانى: "المتمكن" فقط. وما عداهما فغير متمكن. النوع الثانى: تنوين التنكير: وهو"الذى يلحق -فى الأغلب- بعض الأسماء المبنية؛ ليكون وجوده

_ 1 أو في غيرهما، كبعض الظواهر الخاصة التي تظهر في الفعل -في رأيهم- كما سبق في رقم1 من هامش ص 34. 2 أثر هذا التنوين في الخفة وغيرها مفصل في موضعه الأنسب "جـ 4 باب: "ما لا ينصرف". م 145 ص 191". 3 الأغلب أنه يلحق بعض الأسماء المبنية، لكنه قد يلحق بعض الأسماء المعربة المنصرفة للسبب السابق في الرقم: "3" من هامش ص 33 والبيان الذي في رقم 2 من هامش ص 294.

دليلًا على أنها نكرة، وحذفه دليلًا على أنها معرفة"1 وهوالذى سبق إيضاحه وشرحه فى القسم الثالث: "حـ" من الأسماء. النوع الثالث: تنوين التعويض2، أوالعِوَض: من الدواعي ما يقتضي حذف حرف من كلمة، أو حذف كلمة كاملة، أو حذف جملة بتمامها أو أكثر؛ فيحل التنوين محل المحذوف، ويكون عوضًا عنه. فمن أمثلة -حذف الحرف3 ما يأتى: جدول يسحب اسكانر فهنا بعض أفعال ثلاثية، أصلية الحروف، أي: لا يحذف منها حرف فى المشتقات المختلفة إلا لداعٍ قويّ، لكن الحرف الأخير من تلك الأفعال

_ 1 لم نذكر في التعريف: "أنه يلحق الأسماء المبنية" مع أن الغالب لحاقه بها؛ لأنه قد يلحق الأسماء المعربة غير المنصرفة لغرض أوضحناه "في رقم3 من هامش ص33 وللبيان الذي في رقم1 من هامش ص294 فتقييد الأسماء بأنها "مبنية" غير صحيح. 2 ويدخل الأسماء المعربة والمبنية. 3 وهذا الحذف مقصور على حالتي الرفع والجر، مع وجود التنوين فيهما، كما في الأمثلة. فإن لم يوجد التنوين -لسبب أن الكلمة مضافة، أو: مبدوءة بأل، أو: لداع آخر- لم تحذف الياء. وكذلك لا تحذف في حالة النصب، بل تبقي وتظهر الفتحة عليها من غير التنوين.

صار ياء في اسم الفاعل وحذف فى جمع التكسير، وحل مكانه التنوين؛ عِوضًا عنه، فالتنوين المشاهد فى آخر كل جمع مما سبق إنما هو تعويض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول: الكلمة مرفوعة بالضمة على الياء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة1.

_ 1 هذا خير ما يقال اليوم، وأوضحه وأيسره. أما ما يقوله النحاة فمردود عقلًا، وفيه التواء وصعوبة، فهم يقولون: إن كلمة: باقية، أو: نامية، أو: ماضية، أو: ما يشبهها "من كل كلمة مؤنثة على وزن: "فاعلة" يجوز جمعها جمع تكسير على وزن: "فواعل" فتصير الكلمة المرفوعة بعد تكسيرها: "بواقي" "نوامي" "مواضي" بالضم بغير تنوين؛ لأنها ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع "وهي كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره إما حرفان، مثل: معابد، طوائف، جواهر، مدارس....، وإما ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، مثل: مفاتيح، قناديل، أزاهير، جمع أزهار، وتفصيل الكلام عليها في الباب الخاص بما لا يصرف جـ4 م 145، م 173" ثم تحذف الضمة؛ لأنها ثقيلة على الياء، فتصير الكلمة، "بواقي"، "نواسي"، "مواضي"، ثم تحذف الياء للتخفيف أيضًا. ويجيء التنوين عوضًا عنها؛ لأنها حرف أصلي، لا يحذف من غير تعويض، وإلا كان الحذف جورًا على الكلمة، كما يقولون!! هذا على اعتبار أن الكلمة المجموعة كانت ممنوعة من الصرف أول الأمر عند تكسيرها، ثم وقع الحذف والتعويض بعد ذلك. أما على اعتبار أنها لم تكن ممنوعة من الصرف أول الأمر وإنما وقع الحذف والتعويض قبيل منعها من الصرف فيقال فيها: "بواقي" "نوامي"، "مواضي" بالتنوين في كل هذا، ثم حذفت الضمة الأولى وحدها؛ لأنها ثقيلة على الياء "وبقي التنوين الذي تدل الضمة الثانية عليه" فالتقى ساكنان لا يجوز اجتماعهما، هما: الياء والتنوين، فحذفت الياء أولا، ثم حذف التنوين بعدها، "بسبب أن الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع" فصارت "بواق"، "جوار" و"مواض" بكسرة واحدة، "أي: بغير تنوين" ثم جاء تنوين آخر غير المحذوف، ليكون عوضًا عن الياء، وليمنع رجوعها عند النطق. فمنع الصرف في الحالة الأولى سابق في وجوده على الحذف، ومقدم عليه، أما في الحالة الثانية فكان الحذف هو السابق والمقدم على منع الصرف في رأيهم. وكلتا الحالتين تجري على الجموع السابقة وأشباهها في حالة الجر أيضا، فبدلا من أن يقال: حذفت الضمة، لثقلها ... يقال: حذفت الكسرة، لثقلها ... أو حذفت الفتحة التي هي نائبة عن الكسرة، الثقيلة - في رأيهم- بالرغم من خفتها عندهم في كل موضع آخر. ولا يخفى ما في هذا من تكلف بغير داع، ولف، وتعقيد. والواجب أن تقول في سبب الحذف في "فواعل" وأشباهها، "من كل صيغة لمنتهى الجموع، آخرها ياء لازمة، مكسور ما قبلها، ولكنها تحذف -عند عدم المانع- كحذفها في الجموع السابقة" "إنه استعمال العرب ليس غير" فهم يحذفون تلك الياء، رفعًا، وجرًا، إذا وقعت آخر صيغة منتهى الجموع، وما أشبهها من غير أن يفكروا في قليل أو كثير مما نقلناه عن النحاة، بل من غير أن يعرفوا عنه شيئًا. فلا علينا إن تركنا ذلك المنقول، واكتفينا بما ذكرناه، مسايرة للعقل، وتجنبًا للوعر الذي لا خير فيه، بل الخير في استبعاده ونبذه. وما يؤيد رأينا -إن كان في حاجة إلى تأييد- أن العرب يقولون: أكرمت بواكي ... ورأيت سواقي ... و.... بظهور الفتحة على الياء. فلم توصف الفتحة في مثل هذه الحالة بالخفة وتفوز بالبقاء، ولم توصف في حالة الجرحين تكون نائبة عن الكسرة بالثقل وتحذف- في الرأي المشهور- ثم تحذف الياء؟ .... فكيف يقع هذا مع أن الحرف في الحالتين واحد، وكذلك حركته وهي الفتحة، وكذلك الحنجرة، واللسان والفم، وجهاز النطق والكلام. ثم انظر رقم 4 من هامش ص 191.

أما حذف كلمة ومجيء التنوين عوضًا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة: "كل"، أو"بعض"1 -وما فى حكمهما- ومن أمثلته: قسمت المال بين المستحقين؛ فأعطيت كُلاًّ نصيبه، أي: كل مستحقٍ. حضرت الضيوف فصافحت كُلاًّ منهم. أي: كل ضيفٍ. تعجبني الصحف اليومية غير بعضٍ. أي: بعضٍ الصحفِ. اعتدل الجو أيام الشتاء إلا بعضًا. أي: بعض أيامٍ. وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجيء التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ"2 المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو"ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التي تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية: جاء الصديق، وكنت "حين إذْ جاء الصديق" غائبًا، جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا. أكرمتني؛ فأثنيت عليك "حين إذ أكرمتني" -أكرمتني فأثنيت عليك "حينئذ". سابقت، وكان زملاؤك "ساعة إذ سابقتَ" يرجون لك الفوز، سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز. مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ "ساعة إذ مشيتَ" وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك. سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم".

_ 1 لفظهما مفرد ومذكر، ولكن معناهما قد يكون غير ذلك. ولهذا يراعي في الضمير العائد عليهما مطابقته للفظهما حينًا أو لمعناهما حينًا آخر -طبقًا للبيان الآتي في ص266 - والتنوين فيهما تنوين "عوض" و"أمكنية" معًا؛ لأنه عوض عن المحذوف، ولأنهما معربان منصرفان- راجع حاشية الخضري، أول باب الممنوع من الصرف وسيجيء "في الجزء الثالث: "باب الإضافة م 94 ص 71" أن هذا الرأي أوضح وأدق من الرأي الآخر القائل: إنه للأمكنية فقط، وحجته وقوعه في اسم معرب منصرف، لا بد من وجوده في آخره، إلا إذا جاء بعده مضاف إليه فيحذف التنوين، لوجوب حذفه عند وجود المضاف إليه، فإذا حذف المضاف إليه عاد ذلك التنوين للظهور مرة أخرى بعد اختفائه"، فهو ليس تنوينًا جديد النوع، وإنما هو تنوين "الأمكنية" الذي يلحق -عند عدم المانع- آخر الأسماء المعربة المنصرفة كالتي هنا، اختفى بسبب الإضافة، فلما زال السبب رجع إلى مكانه ظاهرًا كما كان ويترتب على هذا الرأي منع دخول "أل" التي للتعريف على "كل" و "بعض" لأن الإضافة ملحوظة -دون الرأي الآخر الميسر طبقًا للبيان الذي في الجزء الثالث. 2 كما سيجيء في جـ 2 ص 258 م 79 باب: "الظرف" وفي جـ 3 ص 79 م 94 باب: "الإضافة".

سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ" ... ومنه قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} . فقد حذفت -فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: "إذْ" مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين، حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين1، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملًا بقواعد رسم الحروف "الإملاء". مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجيء بدلًا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغني عنه. ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أي: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية. النوع الرابع: تنوين المقابلة: إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلًا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ. لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبقَ فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟ يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالألف والتاء

_ 1 لأن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر. 2 يلاحظ أن تثنية العلم أو جمعه أي جمع، يزيلان علميته، فيحتاج إلى ما يجلب له التعريف إذا اقتضى المقام التعريف- في حالة تثنيته وجمعه بعد زوال التعريف السابق الذي كان تابعًا للعلمية، ولهذا يزاد عليه ما يفيده التعريف، مثل "أل" المعرفة في أوله، أو حرف النداء، أو غيره. - كما سيجيء البيان في رقم3 من ص129 مفصلًا، وله إشارة في هامش ص294.

الزائدتين. "جمع المؤنث السالم وملحقاته" -وكلاهما جمع سلامة- كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثاني، ليكون مقابلًا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية1. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه: إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم. إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده. وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعي لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافي".

_ 1 ونرى أن النون في جمع المذكر السالم، والتنوين في جمع المؤنث السالم- لا سبب لهما إلا نطق العرب. وكل تعليل يخالف هذا فمرفوض. ولو صح أن النون في جمع المذكر السالم بدل التنوين في مفرده، لكان من الغريب وجودها في جمع المذكر السالم الذي لا تنوين في مفرده، بسبب منعه من الصرف، مثل: الأحمدين، والعمرين، واليزيدين، والأفضلين. وأشباهها، فإن مفردها- وهو أحمد، وعمر، ويزيد، وأفضل ... لا يدخله التنوين؛ لأنه ممنوع من الصرف. ولكان من الغريب أيضًا احتياج جمع المؤنث إلى المقابل "وهو التنوين" مع أن مفرده يخلو في كثير من الأحوال من التنوين، كفاطمة، وزينب. على عكس جمع المذكر السالم، فإن مفرده يكثر فيه التنوين. هذا إلى اعتراضات وأنواع من التناقض سببها التعليل السالف الذي لا قيمة له ومن المستحسن تسمية تنوين المقابلة باسم: "تنوين جمع المؤنث السالم" أو: الأخذ بالرأي الصائب، الذي يري إدماج تنوين المقابلة. في تنوين التمكين؛ لأنه منه برغم مخالفة بعض النحاة في ذلك. "راجع الجزء الأول من حاشية الخضري في تنوين: المقابلة". هذا، وقد تركه "صاحب" المفصل ولم يذكره، وإن كان شارحه قد عرض له".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" تحريك التنوين: التنوين ساكن، إلا إن جاء بعده حرف ساكن أيضًا، فيتحرك التنوين بالكسر1، وقد يجوز تحريكه بالضم2، مثل: "وقف خطيب استمعت خطبته "خطيبن استمعت خطبته"، وصاح قائلًا: افهموا "قائلن افهموا". فقد وقعت السين ساكنة، بعد التنوين، وكذلك الفاء، فتحرك التنوين بالكسر أو بالضم، وكلاهما جائز، والكسر أكثر1 إلا حين يكون بعد التنوين حرف ساكن بعده حرف مضموم لزومًا3، مثل: "أقبل عالم أخرج لاستقباله"- فالخاء الساكنة بعد التنوية وليها حرف مضموم حتما، فيكون الأحسن تحريك التنوين بالضم، فتقول: "عالمن اخرج"، لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم في النطق. ومثله: "هذه ورقة اكتب فيها" فالكاف الساكنة بعد التنوين جاء بعدها التاء المضمومة، فكان من الأوفق تحريك التنوين بالضم، ليكون الانتقال من الضم إلى الضم، وهو أخف في النطق من الانتقال من الكسر إلى الضم. تقول: "هذه ورقتن اكتب فيها". ومن العرب من يجيز حذف التنوين إذا وليه ساكن. وهذا أسهل اللغات كلها، فيقول: "وقف خطيب اسمع خطبته"، وصاح "قائل افهموا" و "أقبل عالم اخرج لاستقباله" وحبذا الاقتصار عليه بشرط التنبه إلى أن الكلمات التي حذف منها ليست ممنوعة من الصرف4. "ب" مواضع حذف التنوين -غير الموضع الجائز السالف: وبهذه المناسبة نقول: إن هناك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبا، منها: 1- وجود أل"، في صدر الكلمة المنونة، مثل: جاء رجل، بالتنوين من

_ "1، 1" لأن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر. "كما سبق في رقم 1 من هامش ص 41". 2 راجع شرح المفصل "جـ9 ص 35" عند الكلام على التنوين. وحاشية الصبان أيضا عند الكلام عليه. 3 يشترط بعضهم في هذا أن تكون ضمة الحرف أصلية، مثل: ضمة الراء في مثل: "اخرج" لأنها ضمة لا تتغير أبدا. بخلافها في مثل: حضر رجل ابنك يعرفه، فضمة "النون" في كلمة: "ابن تتغير بتغير إعراب كلمة: "ابن" وفي هذه الحالة يكون الأحسن- وقيل يجب - التخلص من الساكنين بالكسر. 4 انظر "حـ" من ص 50 في الكلام على التقاء الساكنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من غير "أل"، وبحذفه وجوبًا معها؛ مثل: جاء الرجل. 2- أن تضاف الكلمة المنونة؛ مثل: جاء رجلُ المروءةِ. 3- أن تكون الكلمة المنونة شبيهة بالمضاف1؛ مثل: لا مالَ لمحمود، بشرط أن يكون الجار والمجرور صفة؛ وخبر "لا" النافية للجنس محذوفًا. أى: لا مالَ لمحمود حاضر. فكأنك تقول: "لا مالَ محمودٍ حاضر" فتفترض إضافة ملحوظة، مقدرة، لغرض يتصل بالمعنى المراد. وقد تفترض أن اللام زائدة؛ كأنها غير موجودة بين المضاف والمضاف إليه وأن الكلام يحوي إضافة ظاهرة.. ومن المستحسن عدم الالتجاء لهذا، قدر الاستطاعة. أما إن كان الجار والمجرور هما الخبر فليس هناك تنوين محذوف. وإنما فتحة بناء فى آخر كلمة: "مال" التى هى اسم "لا" النافية للجنس. 4- أن تكون الكلمة ممنوعة من الصرف؛ مثل: اشتهر "سحبانُ" بالفصاحة لم أسمع "سحبانَ" ... ولكن قرأت خُطب "سحبانَ" ... 5- الوقف على الكلمة المنونة فى حالة الرفع أو الجر. ومعنى الوقف انتهاء الكلام عند النطق بآخرها. مثل: هذا أمرٌ عجيبْ -فكّرت فى أمر عجيبْ ... فإن كانت منصوبة. فإن التنوين ينقلب ألفًا فى اللغة المشهورة. مثل: شاهدت أمْرَا، عند الوقوف على كلمة: "أمرًا" المنونة. وشاهدت أمرًا "عجيبَا"؛ عند الوقوف على كلمة: "عجيبًا" المنونة. 6- أن يكون الاسم المنون علمًا2، مفردًا، موصوفًا3، مباشرة - أي من

_ 1 المراد بالشبيه المضاف: اللفظ الذي اتصل به شيء يتمم معناه ويزيد فائدته. وسيجيء بيانه في باب: "لا" النافية للجنس ص 689. 2 سواء أكان اسمًا، أم كنية، أم لقبًا "وسيجيء تعريف الثلاثة في باب العلم ص 307م 23 كما سيجيء لهذه المسألة مناسبة أخرى في باب المنادى جـ 4 ص 17 ط 2 - م 128". ويجوز أن يراعي في حذف الهمزة أن تكون الأعلام جنسية يكني بها عن المجهول اسمه، أو اسم أبيه، مثل: فلان بن فلان. أو: الحارث بن همام الذي تخيله الحريري، وأدار الحديث على لسانه في كثير من المقامات. وقد وقع الخلاف في حذف التنوين وهمزة الوصل وألفها من: "ابن" و"ابنة" إذا كان العلم الأول "وهو الموصوف كنية، أو كان العلم الثاني المضاف إليه كنية، مثل: اشتهر بالعدل الخليفة الثاني أو خفض بن الخطاب ومن أولاده. عبد الله بن أبي حفص. فرأى فريق وجوب إثبات التنوين وهمزة الوصل والألف، ويرى آخرون صحة الحذف والإثبات. ويبدو أن الأفضل الحذف، لتكون القاعدة عامة مطردة- كما سنشير لهذا في باب: المنادي جـ 4 ص 17 ط 2 م 128. 3 فلو كان لفظ "ابن، وابنة" بدلا، أو خبرا لمبتدأ أو لناسخ، أو منصوبا بعاملي محذوف مثل أعني - لم يصح حذف التنوين وما يتبعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير فاصل -بكلمة: "ابن" أو: "ابنة" وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر مفرد، أو غير مفرد. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. ولا يشترط1 فى واحد من العلمين التذكير. فمجموع الشروط سبع؛ إذا تحققت مجتمعة حذف التنوين نطقًا وكتابة، وحذفت همزة الوصل وألفها من "ابن وابنة" كتابة ونطقًا، بشرط ألا تكون إحداهما أول السطر، ولا خاضعة لضرورة شعرية تقضي بإثباتها؛ فمثال الحذف: هذا محمدُ بن هاشم. وهذه هندُ2 بنة محمود. وإن اختل شرط من الشروط السبعة لم يحذف التنوين، ولا ألف "ابن وابنة"3.....

_ 1 طبقا للرأي الأقوى. 2 قلنا "هند"؛ لأنها علم مؤنث، يجوز تنوينه، وعدم تنوينه. أما أكثر الأعلام المؤنثة الأخرى فلا تنون مطلقًا؛ لأنها ممنوعة من الصرف، للعلمية والتأنيث. 3 راجع حاشيتي الصبان والخضري آخر -باب: النداء- حيث الكلام على كثير مما يختص بهذا الموضع السادس.

المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم "أ" فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب. كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة "من غير حاجة إلى كلمة أخرى" ... على أمرين. أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أوالرجوع، ويسمى: "الحَدَث"، وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى "أىْ: ذلك الحدث" وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهوزمن قد فات، وانقضى قبل الكلام1. "ب" وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع" ... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى "الحدَث" والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هوزمن صالح للحال1، والاستقبال. "حـ" وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ" ... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى "الحدَث" وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل ... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل: كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى "أىْ: حدث" وزمن يقترن به2

_ "1و 1" الحال، هو: الزمن الذي يحصل فيه الكلام، والاستقبال هو: الزمن الذي يبدأ بعد انتهاء الكلام مباشرة. والماضي هو: الزمن الذي قبل الكلام. 2 دلالته على الأمرين هو الأعم الأغلب، لأن الفعل في التعريفات العلمية لا يدل على زمان، وإنما هو مسلخ عنه، مجرد منه - كما نص الخضري على هذا "جـ1 باب: "المعرب والمبني"، عند كلامه على المثنى" ويرى فريق من النحاة أن "كان" الناسخة لا تدل على معنى "حدث" وإنما تقتصر دلالتها على إفادة المضي وحده، مخالفة أخواتها وأكثر الأفعال الأخرى. ويخالفهم فريق آخر يرى أنها تدل على الأمرين: =

وأقسامه ثلاثة1: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} . ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى} ، ولا بد أن يكون مبدوءًا بالهمزة، أوالنون، أوالتاء، أوالياء 2 ... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعيّ فتضمّ، وكذا في: المضارع المبني للمجهول. أما المضارع:

_ = المعنى والزمن". وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في رقم3 من هامش ص545 - أول باب "كان" وأخواتها، وأوضحنا أن الرأي الثاني هو السديد، لأدلة كثيرة جاوزت العشرة ساقها أنصاره. وهناك بعض أفعال ماضية قيل إنها -ومن القائلين صاحب الهمع، جـ1 ص 9- سلبت الدلالة على الزمان الماضي بسبب استعمالها للحال في الإنشاء، وقال المحققون: لا تدل على زمن مطلقًا، وإنما تدل على المعنى المجرد المخصصة له، مثل أفعال العقود "كبعت واشتريت" ومثل: "فعل التعجب" في أكثر أحوالهما بشرط ألا تتوسط "كان" الزائدة بين "ما التعجبية" والفعل الماضي "أفعل" الذي دخلت عليه، وبشرط ألا يوجد لفظ أو قرينة تدل على التقييد بزمن معين -"كما يجيء في رقم 5 من هامش ص51 وكما يجيء في بابهما جـ3 هامش ص328- ومثل: "نعم"، المستعملة في إنشاء المدح، و"بئس" المستعملة في إنشاء الذم، وسيجيء الإيضاح في بابهما بالجزء الثالث "راجع حاشية التصريح جـ1 باب "إن" عند الكلام على: "لام الابتداء"، وتاج العروس عند الكلام على مادة كل من الفعلين، والهمع". والمراد من الرأيين السابقين -والتوفيق بينهما يسير- مدون أول حاشية ياسين جـ1 في فصل بناء الفعل. 1 وسيجيء في "د" من ص51، وما بعدها بيان الأزمنة المختلفة التي يدل عليها الفعل الماضي، ثم المضارع، ثم الأمر، مع ملاحظة أن لكل نوع من الأفعال زمنًا خاصًّا يشتهر به، ويغلب عليه، لكنه قد يتركه إلى زمن آخر - كما سنعرف- هذا، وقد يكون الفعل زائدًا محضًا، مثل "كان" وبعض أخواتها، "طبقًا للبيان الآتي في ص 577" ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان فعلًا أم غير فعل" زائدًا إذا أمكن اعتباره أصليًّا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- كما سيجيء في ص 70، 489، 581. ومما تجب ملاحظته أيضًا: أن الفعل والجملة بنوعيها الاسمية، والفعلية، في حكم النكرة، "طبقًا للبيان الوارد في رقم1 من هامش 213، وله إشارة في رقم 2 من هامش ص 209". 2 يجب أن يكون المضارع مبدوءًا بالهمزة للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد، نحو: إني أتخير ما أقوله وما أقرؤه. ويجب أن يكون مبدوءًا بالنون للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد يعظم نفسه، أو أنه فرد واحد معه غيره، مثل: عند الزيارة تحسن استقبالك، ونكرم ضيافتك. ويجب أن يكون مبدوءًا بالتاء لمخاطبة المفرد المذكر والمؤنث وفروعهما، أو للتحدث عن المفردة الغائبة، أو مثناها، وكذلك جمعها "طبقًا للرأي الآتي في "جـ" من ص 181" نحو: أنت تتقن عملك وأنت تتقنين عملك، وأنتما تتقنان عملكما "لخطاب المثنى المذكر والمؤنث" وأنتم تتقون عملكم، وأنتن تتقن عملكن، وهي تتقن عملها، وهما تتقنان عملها، وهن تنظمن عملهن، ويجب أن يكون مبدوءا بالياء للمفرد المذكر الغائب وفرو وجمع الغائبات. نحو: الشجاع يقول الحق لا يخاف شيئًا، الشجاعان يقولان الحق، لا يخافان شيئًا الشجعان يقولون الحق، لا يخافون شيئًا، الشجاعات يقلق الحق، لا يخفن شيئًا. وإذا كان المضارع مبدوءا بالهمزة أو النون أو التاء ففاعله ضمير مستتر وجوبا. طبقًا للبيان الآتي في ص 228.

إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها1. وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا} ، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شيء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها2. وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً} ، وقول الشاعر: أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو ... فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة"3 مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلًا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، "وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة". وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضي؛ بل يكفي أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلًا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و"نزلَ" فعل ماضٍ؛ لأنه -مع خلوه من إحدى التاءين- صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ ... فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته

_ 1 لأن الكسر هو المسموع الكثير، والفتح لغة قليلة مسموعة أيضا. والمستحسن هنا الاقتصاد على الكثير، كما سيجيء في جـ" م60 باب "ظن" عند الكلام على: "خال". 2 كما سيجيء في رقم1 من هامش ص64. 3 المنسوب معناها إلى الفاعل، احتراز من تاء التأنيث التي لا تدل على الفاعل ولا تنسب إليه، كالتي تتصل ببعض الحروف مثل: ربت وثمت في تأنيث الحرفين" "رب" الجارة "وثم" العاطفة وغيرهما. - انظر "أ" من ص 50.

فليست بفعل ماضٍ، وإنما هي: "اسم فعل ماض"1. مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا ... ومثل: شتَّان المنصف والباغي؛ بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضي2؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك. ومما تقدم نعلم أن كلمتي: "نِعْم" "وهى: كلمة للمدح" "وبئس" "وهى: كلمة للذم" فعلان ماضيان3؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و"عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.

_ 1 اسم الفعل: اسم يقوم مقام الفعل في المعنى، والزمن والعمل. ولكنه لا يقبل علامة الفعل الذي يقوم مقامه، ولا يتأثر بالعوامل. ولذا لا يسمى: فعلا؛ لأن الفعل يقبل العلامة، وقد يتأثر بعوامل النصب والجزم، وهناك أسماء تقوم مقام الفعل، ولكنها تتأثر بالعوامل، فلا تسمى: اسم فعل، كالمصدر النائب عن التلفظ بفعله، وكاسم الفاعل العامل. واسم الفاعل ثلاثة أقسام، اسم فعل ماضٍ، واسم فعل مضارع، واسم فعل أمر ... ولكل منها أحكام خاصة تضمنها الباب المنعقد لذلك في الجزء الرابع. ولها هناك إشارة في رقم6 من ص78. 2 كاسم الفاعل بمعنى الماضي، ولاسم الفاعل باب مستقل في جـ3. 3 بحسب الأصل والمظهر ثم خرجا من المضي إلى إنشاء المدح والذم من غير دلالة على زمن، في رأي المحققين، كما سبق في هامش ص47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضي1، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلي وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التي تلحق الأسماء فتكون أخيرة، ومتحركة2؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، "رُبّ، وثمّ، ولا ... " تقول: رُبَّتَ3 كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات3 حين نَدم. "ب"- هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التي قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا"4 للمدح. ومثل: "عدا، وخلا، وحاشا"، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالًا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها

_ 1 من الاستعمالات الصحيحة ما يأتي: الطالبات سارعن في الخير -الطالبات سارعت في الخير. فأي الاستعمالين- مع صحتهما أفصح؟ الجواب تلخيص في رقم1 من هامش ص219 وكذا في رقم3 من ص263. 2 بعض النحاة يقتصر على تسميتها: "تاء التأنيث المتحركة المتأخرة". وبعضهم يسميها "هاء التأنيث". وعلى كل من التسميتين اعتراض. قال الصبان -جـ1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على الملحق بجمع المذكر السالم- ما نصه: "قال في التصريح: الفرق بين تاء التأنيث وهائه أن تاء التأنيث لا تبدل في الوقف هاء، وتكتب مجرورة -أي: متسعة، مفتوحة- وهاء التأنيث يوقف عليها بالهاء وتكتب مربوطة. " أهـ. لكن يلاحظ في كل ما سبق خلو الكلام من النص على أن تاء التأنيث المتحركة التي تلحق آخر الأسماء هي تاء زائدة زيادة محضة للدلالة على التأنيث اللفظي، فإذا وجدت في آخر العلم امتنع صرفه للعلمية والتأنيث اللفظي معا بخلاف التاء في مثل: أخت وبنت" فإنها مبدلة من أصل -هو الواو- فلا يمتنع العلم معها من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي؛ لأنها ليست زائدة، والشرط المحتم أن تكون زائدة محضة "لا أصلية، ولا مبدلة من أصل" وسيجيء لهذا بيان مفيد في الموضع المناسب- حـ 4 م 147 -باب: "ما لا منصرف" عند الكلام. على منع الاسم من الصرف للعلمية والتأنيث. 3 اللغة الشائعة تحرك تاء التأنيث بالفتحة عند اتصالها بآخر "رب" و"ثم"، ويجوز التسكين عند اتصالها بهما، أما عند اتصالها بالحرفين: "لات" و"لعل" فلا يجوز فيها إلا الفتح. 4 الفعل الماضي هو: "حب" فقط أما الكلمة: "ذا" فهي فاعله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما دامت تؤدي هذه المعاني، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء. "حـ" يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت -غالبًا- مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة. هذا، وقد عرفنا1 فى ص42، حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقي حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده -مباشرة- ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، إحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال. والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير. فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ2، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين3؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة، الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم، اسألي المولى الهداية. ويجوز تلاقي الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف، لام، جيم3 "راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد"، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين: أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ2، يليه حرف مدغم فى نظيره، "أى: حرف مشدد". والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هوفى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب3 من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد. وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88، 162، 255. "د" عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل -فى الغالب- على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن5: تتعين

_ 1 في ص 43. 2 أي: حرف علة، قبله حركة تتناسبه. "3، 3، 3" يجيء بمناسبة أخرى مع توضيحه في ص 95 و 96 هامشهما. وفي جـ4- باب نون التوكيد - عند الكلام على ما تختص به هذه النون "م 143 ص 172". 4 في ص 46. 5 وقد عرفنا بيانًا هامًّا- في رقم2 من هامش ص46 - مؤداه: أن بعض الأفعال الماضية لا يدل -عند المحققين- على زمن، مثل: "نعم وبئس" وأخواتهما عند قصد المدح والذم. ومثل: أفعل" في التعجب إذا لم تتوسط "كان" الزائدة بينه وبين "ما" التعجبية، نحو: ما أنفع نهر النيل. فالفعل "أنفع" متجرد لإنشاء التعجب بغير دلالة على المضي إلا أن جاءت قبله "كان" الزائدة، نحو: ما كان أنفع النيل -كما سيجيء في مبحث زيادة "كان" م 44 - 579 وليس الأمر مقصورًا على "كان" الزائدة، وإنما يشمل كل لفظ، وكل قرينة تدل على التقييد بزمن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كل واحدة منها عند عدم قرينة تعارضها. الأولى: "وهى الأصل الغالب" أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى -أى: قبل الكلام- سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته1: "قد" -وهي لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت- دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل:

_ 1 "قد" الحرفية بجميع أنواعها المعنوية إذا دخلت على فعل لم يصح أن يتقدم عليها شيء من معمولاته- "راجع الحضري جـ 1 ص 112 باب "كان"، عند بيت ابن مالك: وغير ماض مثله قد عملا وستجيء له إشارة رقم 1 من هامش ص 566. وبهذه المناسبة تقول جاء في: "المغني والقاموس" معا ما نصه المشترك بينهما: "قد" الحرفية مختصة بالفعل المتصرف، الجبري، المثبت، المجرد من ناصب، وجازم، وحرف تنفيس، وهي مع الفعل كالجزء، فلا تفصل منه بفاصل، اللهم إلا بالقسم، و...." أهـ. وتبعهما أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري مسجلًا بحثه في مجلة المجمع "الجزء الأول ص 138" ولكن رأيهما في اشتراط الإثبات مرفوض ومدفوع في المضارع المنفي بالحرف "لا" بالسماع المتعدد الصحيح الوارد نشرًا ونظمًا عن الفصحاء الذين يستشهد بكلامهم، ومن هذا: المثل العربي الوارد في كتاب "لسان العرب". في مادة "ذام" ونصه: "وقد لا تعدم الحسناء ذامًا". وكذلك المثل الجاهلي الذي نصه: "وقد لا يقاد بي الجمل" يقوله من أضعفته الشيخوخة، أو غيرها "وهذا المثل وارد في كتاب: "الأمثال" لأبي هلال العسكري المطبوع على هامش كتاب: "الأمثال" للميداني جـ 2 ص 117" هذا إلى ورودها قبل المضارع المنفي في أنماط أخرى من كلام الجاهلين وغيرهم ممن يحتج بكلامهم، ولا يستساغ دفعها إلا إذا لجأنا للتأويل الواهي الذي لا يثبت على التمحيص. ومن الأمثلة ورودها في شعر الأعشى ميمون- وهو جاهلي، أدرك ظهورها الإسلام - في بيت له من قصيدته: التاسعة والعشرين بالصفحة "195" من ديوانه، ونص البيت: وقد قالت قتيلة إذ رأتني ... وقد لا تعدم الحسناء ذاما وفي بيت آخر لقيس الجهني -وهو جاهلي- نقله الآمدي في كتابه المؤتلف "ص 123" ونصه: وكنت مسودا فينا حميدا ... وقد لا تعدم الحسناء ذاما وكذلك في بيت للنمر بن تولب وهو مخضرم، ونصه كما رواه السيوطي في كتابه: شواهد المغني "ص 66" وأحبب حبيبك حبًّا رويدًا ... فقد لا يعولك أن تصرما وهذه الرواية توافق رواية منتهى الطلب في المخطوطة الأصلية المحفوظة بدار الكتب ورقمها بين المخطوطات الأدبية: "12631" ... إلى غير هذا من الأمثلة التي تقطع بصحة الاستعمال السالف في غير ضعف ولا شذوذ، ولا تأويل فلم يكن غريبًا أن يستعملها ابن مالك في ألفيته في آخر باب: "الممنوع من الصرف" حيث يقول: ولاضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف وسيشار لهذا في الجزء الرابع، باب الممنوع من الصرف، م 147 ص259، وأن يستعملها في كلامه بعض اللغويين القدامى، ومنهم صاحب: "المصباح" في آخر كتابه، حيث قال ما نصه في ص 945، فصل الثلاثي اللازم. "حقيقة التعدية أنك تصير المفعول الذي كان فاعلًا قابلًا لأن يفعل. وقد يفعل وقد لا يفعل ... " اهـ. وللحرف "قد" أحكام متعددة سردها صاحب: "المغني".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "خرج الصاحبان" يحتمل الماضي القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضي قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: "قدْ". وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًّا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر عليّ، فتجيب: ما سافر عليّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربًا من الزمن الحالي، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحاليّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة1. وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلًا ماضيًا من أفعال "المقاربة"2؛ "مثل: "كاد: " فإنه زمنه ماضٍ قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد -كما سيجيء فى باب أفعال المقاربة. الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال "أي: وقت الكلام". وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضي اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التي يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمني، ويحصل معه فى وقت واحد3. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجيء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"2. الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل "أي: بعد الكلام"؛ فيكون ماضي

_ 1 جاء في شرح المفصل "جـ 8 ص 107" ما ملخصه عن كلمة: "ما" النافية: إنها لنفي الحال، فإذا قيل عن شخص، هو يفعل الآن كذا -وزمان المضارع هنا: الحال- وأردت أن تنفيه، قلت: ما يفعل. فقد سلبت معنى الفعل في الزمن الحالي ونفيته. فإن كان الفعل ماضيًا قريبًا من الحال بسبب وجود: "قد" قبله -وهي مما يقرب زمنه للحال، كما عرفنا- وأردنا نفيه، أتينا بكلمة: "ما" النافية، نحو: ما سافر محمد؛ لأنها تقرب زمن الماضي المنفي، من الزمن الحالي.... ثم قال: "ما محمد منطلق" هو نفي لجملة مثبتة هي: "محمد منطلق" إذا أريد بها الحال، وإن شئت أعملت على لغة أهل الحجاز، فقلت: ما محمد منطلقا. - وستجيء إشارة لهذا في م 48 ص 591. 2 ص 612. 3 انظر رقم 2 من هامش ص 46 حيث قلنا: "هناك أفعال ماضية تستعمل للإنشاء، فزمنها للحال. لكن يرى المحققون أنها مجردة من الدلالة الزمنية. كما قلنا: إن المراد من الرأيين والتوفيق بينهما مدون في صدر حاشية ياسين - جـ1- في فصل: بناء الفعل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ دون المعنى -كالذى سبق- وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء. ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا1 سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شيء إلا السفر فى المستقبل. أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . فالإعطاء سيكون فى المستقبل؛ لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها. أوعُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ} ، وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ} . أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عَسَىِ الله أن يأتي بالفتح". أو يكون قبله نفي بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم. أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بَعْدِه} . "أي: ما يُمسكهما2! " ... أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود؛ لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضي الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلًا خالصًا ... فالفعل الماضي فى كل الحالات السالفة ماضي اللفظ دون المعنى. الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلًا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع في المستقبل.

_ 1 بمعنى: إلا. 2 "إن" الأولى، شرطية، والثانية "نافية" داخلة على جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن" الأولى الشرطية. أما جواب الشرط فمحذوف وجوبا، عملا بقاعدة حذفه عند اجتماع القسم والشرط المتأخر عنه، إذ يكون الجواب -غالبا- للمتقدم منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أيُّ وقت جئتني. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعًا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضي بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضٍ معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضي الزمن كذلك؛ لأنه معادل له. أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضي، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل. أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضي؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهي الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: {كُلَّمَا نَضِجت جُلودُهم بدَّلناهُم جُلُودًا غَيرَهَا؛ لِيَذُوقُوا العَذَابَ} . فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ. أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضي؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين ... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل. أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضي، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا". أو وقع صفة لنكرة عامة1، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضي، -لوجود: رُبّ2- بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أي: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه ... "ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما3 ... هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.

_ 1 أي: محضة لم تخصص بأحد القيود. 2 لأن الأغلب دخولها على الماضي "انظر رقم 4 من هامش ص 61". 3 سيجيء إشارة لهذا في باب "كان" - ص 547.

وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب ... ولن أتأخر عن معاونة البائس. ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف"1 فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك.. و..، ومثل قول الشاعر: سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته ... ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق2 فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل3 مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا!! ماذا تفعل؟ أو: هي اسم مشتق بمعنى المضارع4؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أوغدًا.

_ 1 من علامات المضارع المثبت قبوله "السين" أو "سوف" وإذا اتصلت به إحداهما خلصته للزمن المستقبل فقط. ويمتنع أن يسبقهما نفي. وبينهما فروق سردناها في الحالة الثالثة الآتية للمضارع "في ص60 من الزيادة والتفصيل". 2 ومنها علامتان مشتركتان بينه وبين الفعل الأمر، هما: ياء المخاطبة ونون التوكيد - وسيجيء ذكرها في ص 64. 3 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم 1 من هامش ص 49 وفي رقم 6 من ص 78. 4 كاسم الفاعل الذي بمعنى الحال والاستقبال - وله باب خاص في جـ 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ"- للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى. الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضي له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، "هى: الأمر"، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه "كما يقولون". هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه. فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل: "يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال1. الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفًا2. أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و"شرع"، وأخواتهما3؛ ليساير زمنه معناها. أو: نُفي بالفعل: "ليس"4 أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"5 ... أو لا" 6.......... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق7 ... مثل: ليس يقوم محمد8، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم على-

_ 1 سيجيء البيان في باب "أفعال المقاربة". ص612. 2 "آنفًا" كلمة عدها النحاة من الألفاظ التي تجعل المضارع للحال، باعتبار أنها تدل -كما في القاموس- على أقرب زمن سابق يتصل بالحال، فكأنها للحال نفسه. 3 ستجيء هذه الأفعال في باب أفعال المقارنة" ص612. 4 "راجع تفصيل الكلام عليها في النواسخ، أخوات كان" - 557. 5 راجع رقم1 من هامش ص53 حيث الإيضاح للحرف "ما" وسيجيء الكلام عليه وعلى "إن" النافية وباقي الشبيهات في ص591. 6 أما "لا" المهملة فيجيء الكلام عليهما في ص591. 7 أي: عند عدم وجود قرينة تدل على أن الزمن ماض أو مستقبل. 8 راجع ص 230 حيث الكلام على مثل هذا الأسلوب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -أودخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ. أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال -فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب- مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب1 حين لا توجد قرينة تعارضه. الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا ... "، سواء أكان الظرف معمولًا للمضارع، أم كان المضارع معمولًا للظرف -بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هي المضاف إليه فى محل جر؛ مثل: أزورك إذا تزورني؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا"2 و"إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثاني مع فاعله معمولًا للظرف. وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شيء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه -وهو دخول الجنة- فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال. أو: سبقته: "هل"3، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟ وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى: {والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن} . فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا

_ 1 سيجي بيان لهذا في آخر باب: "الموصول" عند الكلام على الموصول الحرفي، وصلته، وسبك المصدر، وهو بيان هام "ص 411 ثم في ص 417". 2 "إذا" هنا ظرفية محضة ولا تدل على الشرط، لأن الظرفية الشرطية لها الصدارة في جملتها حتما، فلا تقع حشوا. 3 راجع حاشيتي: "الخضري والصبان" في آخر باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على: "القول" وكذا: "المغني" في مبحث: "هل".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون إلا في المستقبل، ومثال الثاني قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ، وقوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} ، فإن طلب الإنفاق فى: "لينفق" وطلب عدم "المؤاخذة" فى: "لا تؤاخذنا"، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و"لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل. أو سبقته أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة: كالتي في قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أم غير جازمة -ومنها: "لو الشرطية1 غير الامتناعية"، وكيف2" الشرطية، مثل: لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع في إهلاكهم، ومثل: كيف تصنع أصنع، ويفهم من هذا ومما قبله أن الجوازم جميعها -ما عدا: "لم، ولما" تخلصه للاستقبال. أو: اقتضى وعدًا أووعيدًا، كقوله تعالى: {يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} -لما سبق- وقول الشاعر: من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها ... قد تُحرك النار يوماً موقِد النار أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟ أو: لام جواب القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة3.

_ 1 التي بمعنى "إن" الشرطية وتشتهر باسم "لو الشرطية غير الامتناعية، "ومثلها: "لو المصدرية التي بمعنى: "أن" المصدرية، وتسبك مع الجملة المضارعية بعدها بمصدر، ولكن ليس لها عملها في نصب المضارع، مثل: أود لو يسود السلم. 2 "وإذا" الشرطية أيضا. 3 جاء في "المغني" و "الهمع" أن "لا" النافية، غير العاملة عمل "ليس" تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته. خلافا لابن مالك ومن معه، وهو يؤيد رأيه بإجماع النحاة على صحة نحو: "جاء محمد: لا يتكلم" مع إجماعهم أيضا على أن الجملة الحالية لا تصدر بعلامة استقبال. ونقول: إن الرأي الأنسب أنها تخلصه للاستقبال عند عدم القرينة التي تمنع. وقد أشرنا لهذا في رقم5 من هامش ص311 م 84 ج2 باب الحال". أما العاملة عمل "ليس" فالكلام عليهما في ص57 حيث الحكم على أخوات "ليس".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . أو: "حرف تنفيس"، وهو: "السين" و"سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أي: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو: "زمن الحال"؛ -لأنه محدود- إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو: "الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقول الشاعر: وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى ... بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا وقول الآخر: وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها ... إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هي تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {وَلَسَوفَ يُُعْطِيكَ رَبُكَ فَتَرْضَى} ، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء1؛ نحو: وما أدري، وسوف -إخالُ- أدرِي ... أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ؟ والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة2 ... كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه "أي: عدم جعله للمستقبل البعيد" أدخلت عليه السين3، ومنه قول الشاعر: سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتي ... أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت والأغلب عند استعمال أحد الحرفين ألا يتقدم عليه شيء من الجملة التي دخل عليها. ويرى بعض النحاة أن التقديم ممنوع. ولكن هذا المنع مدفوع بالسماع، كقول النمر بن تولب: فلما رأته آمنا هان وجدها ... وقالت: أبونا هكذا سوف يفعل

_ 1 من أخوات: "ظن". وتفصيل الكلام عليها في بابها "جـ 2 م 60 ص 37". 2 راجع الجزء الثاني من الهمع ص 72 في الكلام عليهما. 3 راجع ص 87 جـ 3 من رغبة الآمل، شرح الكامل، للمرصفي. والشاعر هو: عبد الله بن الزبير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: سوف يفعل هكذا1. .. الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضي؛ وذلك إذا سبقته "لم"2، أو: "لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ} ، وقول الشاعر: لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ ... وحياةٌ من السِيَرْ فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما في مثل: إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ ... من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجيء "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضًا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف3. أو: "إذا"؛ نحو: أطربني كلامك؛ إذ تقول للغنيّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ. أو: "ربما"4، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركني صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعي، أي: ربما كرهت. أو: "قد" التي تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التي للتكثير. أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضي، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضي إلى زمن آخر5؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا ... أي:

_ 1 راجع حاشية ياسين على "التصريح" جـ1 ص160 باب المبتدأ والخبر، عند الكلام على الخبر. 2 يشترط في "لم" التي تصرف منه زمنه للماضي ألا تكون مسبوقة بإحدى الأدوات الشرطية التي تخلصه للمستقبل المحض، مثل: "إن" الشرطية أو إحدى أخواتها. فإن وجدت هذه الأداة صرفته للمستقبل المحض، بالرغم من وجود "لم" كما سيجيء في جـ4 باب الجوازم رقم1 ص315. 3 في ص62. 4 لأن الأغلب دخول "رب" على الماضي، وإنما يكون زمن المضارع ماضيًا بشرط أن تقوم القرينة الدالة على مضي زمنه حقيقة، بخلاف ما لو كان مستقبلا محقق الوقوع، فإن هذا التحقق ونحوه - وإن جعل معناه الذي لم يتحقق بمنزلة ما تحقق- لا يجعل زمنه ماضيا بل يبقى مستقبلا. وسيجيء هذا مفضلا في موضعه "جـ 2 م 90 ص 483 حروف الجر. 5 كما في صور 546.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع -مثل: طفق، وشرع- أو التي تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجيء البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة"1. ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع2 على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه في أمور، يتصل منها بموضوعنا: "الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضي فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال ... فكل ذلك يجري فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتمًا؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان3. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال. وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة -فإن الفعل: "أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل؛ لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا. وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل: "تؤلم" هو للماضي فقط، تبعًا للمعطوف عليه: "تتأخر"، الذي جعلته "لم" للزمن الماضي وحده. وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب. على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضي؛ كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

_ 1 ص 591. 2 المعطوف هنا فعل مضارع، والمعطوف عليه كذلك. فالعطف هنا عطف فعل على فعل، وليس عطف جملة فعلية؛ لأن عطف الجملة الفعلية على جملة فعلية يختلف في أحكامه اللفظية والمعنوية. عن أحكام العطف السابق، على الوجه المشروح في الجزء الثالث: "باب العطف -ص 620 م 121". 3 راجع الهمع جـ1 ص8 عند اللام على المضارع- وسيجيء في باب العطف جـ3 ص620 م121.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتُصْبِحُ الأَرضُ مُخْضَرَّة} 1 أي: فأصبحت2. وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر: ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى ... فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى أي: مررت3.

_ 1 لا يصح أن يكون المضارع: "تصبح" معطوفًا على المضارع السابق: "تر"؛ لأن السابق مجزوم واللاحق غير مجزوم، ولأن اخضرار الأرض ليس نتيجة الرؤية، ولكنه نتيجة شرب الزرع الماء. 2 ويشمل كذلك عطف الماضي على المضارع. وقد سبقت أمثلة في ص54. 3 يفهم مما سبق أن الفعل الماضي إذا عطف المضارع، أو العكس، يجب أن يتحول -في الأغلب- نوع الزمن في المعطوف إلى نوع الزمن في المعطوف عليه، بحيث يتماثلان. مع الخضوع في ذلك لما تقتضيه القرائن، ويستقيم به المعنى. أما عطف فعل الأمر -وحده على غيره والعكس، فمختلف في جوازه، ويميل جمهرة النحاة إلى منعه، لاستحالة فصل الأمر من فاعله، وسنوضح الأمر في مكانه في العطف "جـ3 ص620 م121". كذلك يفهم أن الفعلين المختلفين في الزمن "سواء أكانا مضارعين معًا، أم ماضيين معًا، أم مختلفين" لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، إلا مع مراعاة أن العطف يوحد زمنهما حتمًا، ويمنع اختلافهما فيه، فإن لم يصح المعنى عند اتفاقهما في الزمن لم يصح عطف الفعل ولم يكن الكلام من باب تعاطف الفعل، وإنما هو من باب آخر، كعطف جملة على جملة، أو الاستئناف أو غير ذلك، على حسب ما يوافق المعنى. ومما تجب ملاحظته أن هناك فرقًا في المعنى والإعراب بين عطف الفعل على الفعل- وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية، "كما أشرنا في رقم من هامش الصفحة السابقة، وكما سيجيء التفصيل في بابه الخاص. الذي أشرنا إليه".

وأما علامة الأمر فهي: أن يدل بصيغته1 على طلب شيء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أي: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدي.. وتكلمي ... واحرصي ... ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ الْعَفْو َ 2 وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 3 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وتقول: خُذي ... -وأمْري ... -وأعْرِضِي ... ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و: "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتي يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعاليْ نقرؤه. فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هي: "اسم فعل أمر"4؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و"نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و"حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا. وهناك علامتان مشتركتان5 بين المضارع والأمر. الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقي ... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل. الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتي تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومي على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامي ...

_ 1 سبق "في ص48" أن المراد بذلك هو: أن تكون دلالته ذاتية أي: مستمدة من صيغته نفسها لا من زيادة شيء عليها، فالدلالة على الأمرية في مثل: "لتخرج" مستمدة من اللام الداخلة على الفعل المضارع بعدها، ولا يصح أن يقال في الفعل الذي بعد تلك اللام إنه فعل أمر، وإنما هو فعل مضارع. 2 الميسور المقبول من كلام الناس وأفعالهم، من غير أن تكلفهم الكمال الأعلى الذي لا يطيقونه. 3 الأمر المحمود المستحسن شرعا. 4 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم51 من هامش ص49 وكذا في رقم6 من ص78 وله باب مستقل في جـ4. 5 سبقت الإشارة إليهما في رقم2 من هامش ص56.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: زمن الأمر مستقبل1 فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ2. ومثال الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها. وقد يكون الزمن فى الأمر للماضي إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندي بعد الحرب موقعة شارك فيها؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك ... وافْتِك بهم؛ فإن الله معك" ... فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ ... والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.

_ 1 هو مستقبل باعتبار المعنى المأمور به، المطلوب تحققه وقوعه ابتداء، إن كان غير حاصل وقت النطق، أو دوام حصوله واستمراره إن كان واقعا حاصلا وقت الكلام وفي أثنائه- كما هو مبين بأعلى الصفحة-. أما زمن فعل الأمر باعتبار الطلب الصادر من المتكلم وملاحظة وقت الكلام نفسه والزمن الصادر فيه الطلب ذاته، فهو الحال. "راجع الصبان جـ1 باب المعرب والمبني، عند الكلام على إعراب المضارع". 2 إذا قلت هذا قبل الصيف، ليكون قرينة.

المسألة الخامسة: الحرف

المسألة الخامسة: الحرف 1 مِنْ، فى، علَى، لمْ، إنْ، إنّ، حتى، لا، هل ... لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أىّ معنى، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل، مثال ذلك: "سافرت "من" القاهرة" ... فهذه جملة؛ المراد منها: الإخبار بوقوع

_ 1 النحاة يسمون الحروف التي هي قسم من أقسام الكلمة: "أدوات الربط" لأن الكلمة إما أن تدل على ذات، وإما أن تدل على معنى مجرد "أي: حدث"، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها. فالاسم يدل على الذات، والفعل يدل على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط. وهو يختلف اختلافا كاملا عن "الحرف الهجائي" الذي تبني منه صيغة الكلمة، كالباء، والتاء، والجيم.... وغيرها من سائر آحرف الهجاء، وتسمى لهذا أحرف البناء - وقد سبق الكلام عليها في ص 13 -. وحروف الربط نوعان، نوع يسمى: "حروف المعاني"، لأنه يفيد معنى جديدا يجلبه معه، ونوع ليس للمعاني، وإنما هو زائد أو مكرر، وكلاهما لتوكيد معنى موجود، مثل: "ما" الزائدة، وكذا "الباء"، و"من" وغيرهما من الحروف الزائدة، ومثل: نعم، نعم، أو: لا. لا ... أو غيرهما من الحروف المكررة لإفادة توكيد المعنى القائم، والذين يعتبرون التوكيد معنى - على الرغم من أنه ليس جديدا يدخلون هذا النوع في حروف المعاني. أما غيرهم فلا يدخله فيها، وهذا هو المشهور. وأكثر الكوفيين يقتصر على تسمية الحروف: "أدوات". أما تفصيل الكلام على حروف المعاني، وأحكامها، وما يتصل بها، ولا سيما تعلق شبه الجملة بها. ففي موضعه المناسب "كالذي في جـ2 ص 2000 م 78 - حيث "حروف الجر" والإيضاح الجلي الهام الذي سجله صاحب "المفصل" لحروف المعاني، وفي جـ 3 حيث حروف العطف، وحـ 4 حيث النواصب والجوازم". وإذا حروف الربط بنوعيها تخالف مخالفة تامة حروف المباني في المدلول والأثر. بقي بيان المراد الدقيق الذي يقصدونه حين يقولون. هذا اللفظ - حرفا كان أم غير حرف- "زائد" لقد تباينت آراؤهم في تعريف الزائد. وخير ما يستخلص منها: أنه الذي يمكن الاستغناء عنه، في الغالب، فلا يتأثر المعنى بحذفه، وربما لا يستغنى عنه، فيكون معنى زيادته هو: تركه مهملا لا يؤثر في غيره ولا يتأثر بغيره، سواء كان في أصله مهملا مثل: "لا" النافية الزائدة، أم كان في أصله عاملا، مثل: "كان" الزائدة. وفيما يأتي بعض ما دونته المراجع خاصا بهذا. 1 جاء في المغني عند الكلام على الحرف: "لا ما نصه: " من أقسام "لا" النافية-: المعترضة بين الخافض والمخفوض، نحو: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء. وعن الكوفيين: أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها. وأن ما بعدها خفض بالإضافة أما غيرهم فيراها حرفا، ويسميها: زائدة، كما يسمون: "كان" في نحو: "محمد كان فاضل" =

سفري، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأني أقول: سافرت، وكانت نقطة البدء فى السفر هي: "القاهرة"، فكلمة: "منْ" أفادت الآن معنى جديدًا ظهر على غيرها مما يليها مباشرة1 ما بعدها وهذا المعنى هو: "الابتداء"، لم يُفهم ولم يُحددْ إلا بوضعها فى جملة؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى: "مِنْ". ولو قلت: سافرت من القاهرة "إلى" العراق -لصار معنى هذه الجملة: الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه القاهرة، ونهايته العراق. فكلمة: "إلى" أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها؛ وهذا المعنى هو "الانتهاء". ولم يظهر وهى منفردة، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة؛ كانت السبب فى إظهاره، كما كانت الجملة سببا في إظهار معنى الابتداء المستفاد من كلمة: "من" والذي ظهر على ما بعدها مباشرة.

_ = زائدة، وإن كانت مفيدة لمعنى، وهو المضي والانقطاع فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين، وإن لم يصح المعنى بإسقاطه، كما في مسألة: "لا" في نحو: غضبت من لا شيء، كذلك إذا كان يفوت بفواته معنى، كما في مسألة: "كان"، و"كذلك" "لا" المقترنة بالعاطف في نحو: ما جاءني محمد ولا على، ويسمونها: "الزائدة" وليست بزائدة ألبتة، ألا ترى أنه إذا قيل: ما جاءني محمد وعلى ... ، احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء، فإذا جيء بكلمة: "لا" صار الكلام نصا في المعنى الأول. نعم هي في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} لمجرد التأكيد، وكذا إذا قيل: لا يستوي حامد ولا محمود"" أهـ كلام المعنى. أي: لأن اللبس غير محتمل في المثالين الأخيرين مطلقا. ولهذا إيضاح في حـ 3 م 118 ص 549 باب: العطف، عند الكلام على ما انفردت به واو العطف. وجاء في شرح المفصل "جـ 7 ص 150" عند الكلام على: "كان" الزائدة، أن معنى زيادتها هو: "إلغاؤها عن العمل مع إرادة معناها، وهو الدلالة على الزمان، وذلك نحو قولك: ما كان أحسن زيدا، إذا أريدان الحسن كان فيما مضى. فـ "ما" مبتدأ على ما كانت عليه، و "أحسن زيدا" الخبر - و "كان" ملغاة عن العمل، مفيدة للزمان الماضي، كما تقول: من كان ضرب زيدا- تريد: من ضرب زيدا- ومن كان يكلمك، تريد: من يكلمك. فكان تدخل في هذه المواضع وإن ألغيت من الإعراب فمعناها باق. وهي هنا نظيرة: "ظننت" إذا ألغيت، فإنه يبطل عملها ومعنى الظن باق، ذلك أن الزيادة على ضربين، زيادة مبطلة العمل مع بقاء المعنى الزمني، كما سبق وزيادة لا يراد بها أكثر من التأكيد في المعنى، وإن كان العمل باقيا، نحو: ما جاءني من أحد. ومثله قوله: بحسبك محمد، المراد: حسبك، ومثل: "وكفي بالله شهيدا"، والمراد كفى الله...." أهـ. وستجيء إشارة موضحة لهذا في ص 70 وفي باب "كان وأخواتها" ص 579 والواجب ترك استعمال "كان" الزائدة إذا أوقعت في لبس. 1 انظر الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل، ص 70.

وكذلك: "حضرتُ من البيت إلى النهر"؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضوري، وأن أول هذا الحضور وابتداءَه: "البيت"، وأن نهايته وآخره: "النهر". فأفادت: "إلى" الانتهاء، وصبَّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه. ولو قلت: الطلبة فى الغرفة -لكان المعنى؛ أن الطلبة تحويهم الغرفة؛ كما يحوي الإناء بعض الأشياء، وكما يحوي الظرفُ المظروف، أى: كما يحوي الوعاء أو الغلاف ما يوضع فى داخله. فمعنى كلمة: "فى" هو "الظرف"، أو: "الظرفية"، وهذا المعنى لم يفهم من لفظة: "في" وحدها، وإنما عُرف منها بعد أن احتواها التركيب، فظهر على ما بعدها ... وهكذا بقية أحرف الجر، وغيرها من أكثر الأنواع الأخرى المختلفة؛ كحروف النفي، والاستفهام، وسواها1 ... فالحرف: "كلمة لا تدل على معنى فى نفسها، وإنما تدل على معنى فى غيرها فقط -بعد وضعها فى جملة- دلالة خالية من الزمن"2. من كل ما سبق نعلم: أن الاسم وحده -من غير كلمة أخرى معه- يدل على معنى جزئي فى نفسه، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده يدل على معنى جزئي مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا يدل على شيء منهما ما دام منفردًا، فإذا دخل جملة دل على معنى فى غيره، ولم يدل على زمن3.

_ 1 الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل ص 70. 2 هذا التعريف في اصطلاح النحاة. لكن يجري في استعمال بعض المراجع اللغوية والقدماء إطلاق الحرف أحيانا على: "الكلمة، مهما كان نوعها. أما ظهور معناه على ما بعده ففيه تفصيل يجيء في ص 70 - كما ألمحنا في رقم 1. 3 أشار ابن مالك إلى علامات الفعل والحرف بقوله: "بتا" فعلت، وأتت، "ويا" افعلي ... "ونون" أقبلن - فعل ينجلي سواهما الحرف، كهل، وفي، ولم ... عل مضارع يلي لم: كيشم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وماضي الأفعال بالتا- مز. وسم ... بالنون فعل الأمر، إن أمر فهم والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم، نحو: صه، وحيهل أ- يريد: أن الفعل ينجلي "أي: ينكشف" ويتميز من غيره بإحدى العلامات الآتية، وهي تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة، أو ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. وهذه العلامات موزعة بين أنواع الفعل لكل نوع بعض منها في آخره دون بعض. ب- وأن علامة الحرف "كهل، وفي، ولم" هي عدم قبوله علامة من علامات الأسماء، أو: الأفعال: حـ- وأن علامة المضارع صلاحه للمجيء بعد "لم الجازمة، أو إحدى أخواتها. د- وأن الماضي يختص من تلك العلامات بقبوله التاء المتحركة، للفاعل، أو الساكنة للتأنيث، وكلتاهما تكون في آخره. ومعنى: "مز": ميز، و "صه" بمعنى اسكت، و "حيهل" بمعنى: أقبل و "يشم" مضارع شم، من باب: فرح". هـ- وأن فعل الأمر يوسم "أي: يعلم ويعرف" بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب. فإن لم يدل على الطلب ولم يقبلها فهو اسم فعل أمر. هذا، وكلمة: "الأمر" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية: "هو اسم". أما جواب "إن" الشرطية فحذوف يدل عليه الخبر المذكور، والتقدير: فهو اسم. والقاعدة: "أنه متى تقدم المبتدأ على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطية- كان جوابا، والخبر محذوفا، إذ الأغلب وقوع الفاء في جواب الشرط، لا في خبر المبتدأ. وإلا كان خبرا والجواب محذوفا، كما هنا" هذا هو الرأي المختار، على رغم ما حوله من خلاف "راجع حاشيتي الخضري والصبان في هذا الموضوع من الباب، وستذكر هذه القاعدة في مواضع، منها موضع حذ الخبر - "ص 519 م 524" م 39 وفي جـ 4 ص 157 - ورقم 5 من هامش ص 418". ومما تنطبق عليه القاعدة السالفة قول الشاعر المخضرم عامر بن الطفيل: وإني - وإن كنت ابن سيد عامر ... وفي السر منها والصريح المهذب فما سودتني عامر عن وراثة ... أبي الله أن أسمو بأم ولا أب فما دخلت عليه الفاء وهو الجواب، وخبر "إن" محذوف. ومثال ذكر الخبر لا الجواب قول الشاعر: وإني- وإن صرفت في الشعر منطقي ... لأنصف فيما قلت فيه، وأعدل فجملة: "أنصف" خبر "إن" وليست جوابا للشرط إذ الأغلب دخول اللام على الخبر، لا على الجملة الواقعة جوابا للشرط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" عندما ينكشف معنى الحرف الأصلي بسبب وضعه في جملة، ويظهر المراد منه، فإن ذلك المعنى ينصب على ما بعد الحرف، ويتركز فيه؛ سواء أكان ما بعد الحرف الأصلي مفردًا أم جملة، فالابتداء في: "من"، والانتهاء في: "إلى"، يتحقق فى الكلمة التي جاءت بعد كل منهما، وكذلك الظرفية، والاستعلاء ... وإذا قلنا: ما جاء أحد ... -هل غاب أحد؟ فإن النفي والاستفهام ينصبّان على كل مضمون الجملة التى بعده ... وهكذا ... أمّا الحروف الزائدة -ومنها بعض حروف الجر؛ كالباء- فإنها تفيد توكيد المعنى فى الجملة كلها؛ لأن زيادة الحرف تعتبَرُ بمنزلة إعادة الجملة كلها، وتفيد ما يفيده تكرارها بدونه1 سواء أكان الحرف الزائد فى أولها، أم في وسطها، أم في آخرها؛ مثل: بحسبك الأدب، وأصلها: حسبُك الأدب، أي: يكفيك، أو: كافيك، فالباء داخلة على المبتدأ، كدخولها عليه وهو ضمير في نحو: كيف بك؟ "وأصلها ... كيف أنت؟ "2 وكدخولها عليه بعد "إذا الفجائية" في نحو: رجع المسافر؛ فإذا بالأصدقاء فى استقباله. وكدخولها على الفاعل فى مثل: كفى بالله شهيدًا، وأصلها: كفى اللهُ شهيدًا. وعلى الخبر فى مثل: الأدب بحسبك ... فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أكدت معنى الجملة كلها3. هذا، والحرف الزائد قد يعمل؛ كباء الجر، أو لا يعمل مثل: "ما" الزائدة، فى مثل: إذا ما المجُد نادانا أجَبْنا4 ... ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان حرفا أم غير حرف" زائدًا إن أمكن

_ 1 راجع شرح التصريح جـ2 باب: "حروف الجر" عند الكلام على زيادة: "الكاف". 2 راجع هذا الأصل في أول باب المبتدأ م33 ص448. 3 سيجيء تفصيل الكلام على زيادة "الباء" الجارة في الموضع المناسب- باب: حروف الجر، ج2 م90. 4 يتحتم إعتبار "ما" زائدة عند وقوعها بعد كلمة: "إذا" كالمثال السالف، ثم انظر رقم1 من هامش ص66.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتباره أصليا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- "كما سبق في رقم1 من هامش ص47- "ويجيء في ص489، 581". وهناك الشبيه بالزائد يعمل، وينحصر فى بعض حروف الجر؛ كُربّ، ولعلّ، الجارتين ... و"لولا" على اعتبارها جارّة. وحرف الجر الزائد والشبيه به لا يتعلقان1، إلا أن الزائد "كالباء" يزاد لتوكيد المعنى الموجود. أمَّا "رب" فتفيد معنى التقليل أو التكثير، "ولعل" تفيد الرجاء ... فهما -كغيرهما من الشبيه بالزائد- يفيدان معنى جديدًا يطرأ على الجملة؛ لا تقوية المعنى الموجود قبل مجيئهما. وكذا "لولا" فإنها تفيد الامتناع؛ وهو معنى جديد يطرأ على الجملة. "ب" الحروف نوعان، نوع يسمى "العامل"؛ لأنه يعمل الجر، أوالنصب، أوالجزم غير ذلك2، كحروف الجر، وحروف النصب، وحروف الجزم أو، والحروف الناسخة2، ونوع آخر يسمى: "المهمَل"؛ لأنه لا يعمل شيئًا مما سبق، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب.، ومنها: هل، نعم، لا ... ومثل: التنوين3. وبعض النحاة يسمي حروف الجر: "حروف الإضاءة" لأنها تضيف إلى الأسماء معاني4 الأفعال وشبهها من كل ما تتعلق به تلك الحروف. "حـ" الحروف إما آحادية، أو ثنائية، أو ثلاثية؛ كبعض حروف الجرّ "الباء، فى، إلى ... " وإما رباعية؛ مثل: "لعلَّ" ولا تزيد على خمسة؛ مثل: "لكنَّ" فى الرأي الأصح الذى يعتبرها غير مركبة، وأنها مشددة النون، ثابته الألف بعد اللام نطقاً -كما سبق5.

_ 1 تفصيل هذا في الباب الخاص بحروف الجر "جـ2". 2، 2" مثل: "ما، الحجازية" وتعمل عمل "كان" الناسخة. ومثل: "لا" النافية للجنس. وتعمل عمل "إن". 3 راجع رقم3 من هامش ص27. 4 انظر رقم1 من هامش ص66. 5 انظر رقم2 من هامش ص13

الإعراب والبناء

المسألة السادسة: الإعراب والبناء معنى المصطلحات السابقة " أ"- طلع الهلالُ. شاهد الناس الهلالَ. فرح القوم بالهلالِ. "ب"- يكثر الندَى شتاء. يمتص النباتُ الندى. يرتوي بعضُ النباتِ بالندى. "جـ"- زاد هؤلاءِ علماً. سمعت هؤلاءِ يتكلمون. أصغيت إلى هؤلاءِ. نلحظ فى أمثلة القسم الأول "أ" أن كلمة: "الهلال" قد اختلفت العلامة التى في آخرها؛ فمرة كانت تلك العلامة ضمة، ومرة كانت فتحة، ومرة كانت كسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟ سببه وجود داعٍ متغير في كل جملة، يحتاج إلى كلمة: "الهلال"؛ لتؤدي معنى معينًا في الجملة. وهذا المعنى يختلف باختلاف الدواعي في الجُمل، ويُرْمَز إليه في كل حالة بعلامة خاصة في آخر الكلمة، ففي الجملة الأولى كانت كلمة: "الهلال" مرفوعة؛ لوجود الداعي الذى يحتاج إليها، وهو الفعل: "طَلَع" فإنه يتطلب فاعلا. والفاعل يرمز له بعلامة فى آخره، هي: الضمة -مثلا- فيكون مرفوعًا. وفي الجملة الثانية كانت كلمة: "الهلال" منصوبة؛ لوجود داعٍ من نوع آخر؛ هو الفعل: "شاهَدَ"؛ فإنه لا يحتاج إلى فاعل، لوجود فاعله معه -وهو كلمة: الناس- ولكنه يحتاج إلى بيان الشيء الذى وقع عليه فعل الفاعل، وهو ما يسمى فى النحو: "المفعول به"؛ والمفعول به يُرْمزُ إليه بعلامة خاصة في آخره هي: "الفتحة"، -مثلا- فيكون منصوبًا. وفي الجملة الثالثة كانت كلمة "الهلال" مجرورة، لوجود داعٍ يخالف السابقَين، وهو: الباء، فإنها تحتاج إلى تلك الكلمة لتكون مجرورة بها، فيزداد الفعل بهما وضوحًا، وعلامة جرها الكسرة هنا.

فنحن نرى أن الدواعي تغيرت فى الجمل الثلاثة السالفة على حسب المعاني المطلوبة، من فاعلية، ومفعولية، وتكملة أخرى للفعل ... وتبعها فى كل حالة تَغَيُّرُ العلامة التى فى آخر كلمة: "الهلال". فَتَغَير العلامة على الوجه السالف يسمى: "الإعراب"، والداعي الذي أوجده يسمى: "العامل"1.

_ 1 كثر الكلام- قديمًا وحديثًا- على العامل، وعلى ما له من أثر سيء في النحو العربي، وفي الأساليب، وصياغتها، وفهمها. ولم تر بين المتكلمين من راعي جانب الاعتدال والإنصاف. وأقوى ما وجهوه إلى العامل من طعن أمران: أولهما: أن النحاة نسبوا العمل إليه، فجعلوه هو الذي يرفع، أو ينصب، أو يجر، أو يجزم، مع أنه قد يكون سببا في خفاء المعنى- في زعمهم - أو تعقيده. وكيف ينسب إليه العمل وهو لا يعمل شيئا، وإنما الذي يعمل هو: المتكلم؟ ثانيهما: أن النحاة - وقد قصروا عليه العمل وحده- بحثوا عنه في بعض التراكيب العربية الصحيحة فلم يجدوه، فاضطروا أن يقدروه، وأن يفترضوا وجوده، ويتكلفوا، ويتعسفوا. والحق أن النحاة أبرياء مما اتهموا به، بل أذكياء، بارعون فيما قرروه بشأن: "نظرية العامل"، فقد قامت على أساس يوافق خير أسس التربية الحديثة لتعليم اللغة، وضبط قواعدها، وتيسير استعمالها. ونسوق لهذا مثلا يوضحه، ويزيد الأمثلة إيضاحا: "أكرم محمود الضيف" فمحمود في هذه الجملة ينسب إليه شيء. وكذلك "الضيف" فما الذي ينسب إلى كل منهما؟ 1- ينسب إلى محمود أنه فعل الكرم، فهو فاعل الكرم. فبدلا من أن نقول: ينسب إلى محمود أنه فعل شيئا، هو: الكرم، أو: ينسب إلى محمود أنه فاعل الكرم- حذفنا هذه الكلمات الكثيرة واستغنينا عنها برمز صغير- اصطلح عليه النحاة - يرشد إليها، ويدل عليها، ذلك الرمز هو: "الضمة" التي في آخر كلمة: "محمود". فهذه الضمة على صغرها تدل على ما تدل عليه تلك الكلمات المحذوفة الكثيرة. وهذه مقدرة وبراعة أدت إلى ادخار الوقت والجهد باستعمال ذلك الرمز الاصطلاحي الذي دل على المعنى المطلوب بأخصر إشارة. كما سيجيء رقم 1 من هامش ص 75. لكن كيف عرفنا- في التركيب السابق- أن محمودا" فعل شيئا، أي: أنه فاعل؟ عرفنا ذلك من كلمة قبله هي: "أكرم" ويسميها النحاة: "فعلا" ولا يمكن أن يوجد الفعل بنفسه. فوجود الفعل دل على وجود الفاعل، ووجود الفاعل يقتضي أن نعلنه، ونذيع أنه الفاعل. وطريقة الإذاعة قد تكون بكلمات كثيرة، أو قليلة، أو برمز يغني عن هذه وتلك، كالضمة التي اختارها النحاة واصطلحوا على أنها الرمز الدال، على الفاعلية ... وعلى هذا يكون الفعل هو السبب في الاهتداء أولا إلى الفاعل، وإلى الكشف عنه، ثم إلى وضع الرمز الصغير في آخره، ليكون إعلانا على أنه الفاعل، وشارة دالة عليه. فالفعل هو السبب أيضا في ذلك الرمز وفي اجتلابه والإتيان به، فليس غريبا أن يقول النحاة، "إن الفعل هو الذي عمل الرفع في الفاعل" لأنه السبب في مجيئه، ويسمونه من أجل ذلك: "عاملا". ب- مثل هذا يقال في كلمة: "الضيف" فقد نسب إليه شيء- كما سبق- فما ذلك الشيء المنسوب إليه؟ هو أنه وقع عليه كرم، أو حصل له شيء، هو: "الكرم". وقد حذفنا هذه الكلمة الكثيرة، واستغنينا عنها برمز اصطلح عليه النحاة، يرشد إليها، ويدل عليها، هو الفتحة في آخر: "الضيف"، =

فالإعراب: "هو تَغَيُّر العلامة التى فى آخر اللفظ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل"1. وفائدته: أنه رمز إلى معْنى معين دون غيره - كالفاعلية، والمفعولية، وغيرهما - ولولاه لاختلطت المعانى، والتبست، ولم يفترق بعضها عن بعض. وهو- مع هذه المزية الكبرى - موجَز غاية الإيجاز، لا يعادله فى إيجازه واختصاره

_ = فهي تؤدي ما تؤديه الكلمات المتعددة التي حذفت. والذي أرشدنا إلى أن الضيف وقع عليه شيء هو وجود الفعل والفاعل معا قبله. ولما كان الفعل هو المرشد إلى الفاعل والدال عليه. وكان الفعل هو الأصل في الإرشاد وفي الدلاله على الفاعل وعلى المفعول، فهو الأصل أيضا في جلب العلامة العلامة الدالة على كل منهما، وهو السبب الأساسي في مجيئها، فسمي ذلك: "عاملها". وما يقال في الفعل مع فاعله ومفعوله يقال في غيره من العوامل الأخرى مع معمولاتها، سواء أكانت عوامل لفظية، كالفعل وكحرف الجر، والجوازم ... ، أم معنوية، كالابتداء، وكالتجرد من الناصب والجازم، وهو سبب رفع المضارع، وسواء أكانت أصلية أم زائدة "وستجيء أنواع العوامل في م 33 أول باب المبتدأ والخبر- وانظر ص 73. ومما تقدم نعلم أن تلك العوامل بنوعيها ليست مخلوقات حية، تجري فيها الروح فتعمل ما تزيد، وتحس ما يقع عليها، وتؤثر بنفسها، وتتأثر حقا مما يصيبها، وتحدث حركات الإعراب المختلفة، فليس لها شيء من ذلك. إنما الذي يؤثر. ويحدث حركات الإعراب- هو المتكلم، وليست هي. ولكن النحاة نسبوا إليها العمل. لأنها المرشد إلى المعاني والرموز. وهي نسبة جاية على أصح الاستعمالات العربية وأبلغها. إذ هي السبب في الاهتداء إلى كشف المعنى المراد من الكلمة- كما أسلفنا- وإذا ثبت لها هذا فليس في اللغة مانع من نسبة العمل إليها، وتسميتها: "عاملا"، ولا عيب في أن نقول مثلا: "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولا و "ظن" تنصبهما مفعولين لها ... و.... و ... إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى الذي يتفق بغير شك مع أصول الاستعمال العربي الفصيح، بل مع الأسلوب البلاغي الأعلى، ولا داعي للاعتراض عليه كما يتردد على ألسنة بعض، المتسرعين. نعم لها بعض عيوب "كالتي نراها في باب التنازع، م 73 جـ2" ولكنها يسيرة يمكن تداركها، وسنشير إليها تباعا، حين نصادفها. ومما تقدم يتبين أيضا النفع الأكبر، والأثر الباهر الذي للعلامات الإعرابية، فلولاها لاختلطت المعاني، بل فسدت، وحسبك أن ترى جملة خالية من العلامات الإعرابية مثل قولنا: "ما أحسن القادم" فإنها بغير ضبط كلماتها تصلح للاستفهام، وللتعجب، وللنفي، ... وكل معنى من هذه يخالف الآخر مخالفة واضحة واسعة. لهذا كان من الخطل وفساد الرأي أن ترتفع بعض الأصوات والحمقاء بإلغاء علامات الإعراب - لصعوبة تعلمها- والاقتصار على تسكين آخر الكلمات. وقد أطلنا الكلام في إظهار هذا الخطأ، وفداحة ضرره في الموضوع الخاص به من كتابنا المسمى: "اللغة والنحو بين القديم والحديث" ص 260. 1 وللإعراب معنى آخر مشهور بين المشتغلين بالعلوم العربية، هو: التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة، ببيان ما في الكلام من فعل، أو فاعل، أو: مبتدأ، أو: خبر، أو: مفعول به، أو حال ... أو غير ذلك من أنواع الأسماء، والأفعال، والحروف، وموقع كل منهما في جملته، وبنائه أو إعرابه.... أو غير ذلك.

شيء آخر يدل دلالته على المعنى المعين الذي يرمز له1. وهذه مزية أخرى. والمعرب: هو اللفظ الذي يدخله الإعراب2. والعامل هو: ما يؤثر في اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص، كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما، ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: "ا" أومقدرة3 كأمثلة: "ب" فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع، فتقول: تراكم النَّدَيَان، وامتص النبات النَّدَيَيْن، وارتوى من النديَيْنِ4. أما أمثلة القسم الثالث "حـ" ففيها كلمة: "هؤلاءِ"4 لم تتغير علامة آخرها بتغير العوامل؛ بل بقيت ثابتة فى الجمل كلها. فهذا الثبات وعدم التغير يسمى: بناء؛ وهو: "لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فى كل أحواله، مهما تغيرت العوامل". والمبنى هو: اللفظ الذى دخله البناء. هذا، وقد عرفنا5 أن المعرب المنصرف6 "أى: المُنَون"، يسمى: "متمكنًا أمْكن"، وأن غير المنصرف يسمى: "متمكنًا" فقط، وأن المبنى يسمى: "غير متمكن". ولا تصف الكلمة بإعراب أوبناء إلا بعد إدخالها فى جملة7 ...

_ 1 فلو أردنا أن ندل على الفاعلية أو المفعولية في مثل: أكرم الولد الوالد لاستعملنا ألفاظا كثيرة، كأن نقول: إن الوالد هو فاعل الإكرام، والولد هو الذي ناله الإكرام ... وفي هذا إسراف كلامي وزماني. كما سبق في هامش ص 73. 2 أي: التغير الذي وصفناه، فالإعراب غير المعرب، كما أن الإكرام غير المكرم، والإرسال غير المرسل. 3 ويسمى الإعراب فيها: "تقديريا" "انظر ص 84". "4، 4" وفي ص 84 إيضاح الإعراب المحلي "كالذي في كلمة "هؤلاء" والتقديري. ومن التقديري نوع سيجيء في "و" من ص 159 أما تفصيل مواضعه ففي ص 84 وما بعدها. 5 راجع ص 33 وما بعدها. 6 المنصرف، هو: المنون: "انظر رقم 2 من هامش ص 33". 7 راجع حاشية "الخضري" جـ 2 ص 1 أول باب: "الإضافة" وقد نقلنا كلامة في رقم 1 من هامش ص 14 وأشرنا في تلك الصفحة والتي تليها إلى وجود كلمات لا توصف بإعراب ولا بناء، ولو كانت في جمل، مثل الكلمات التي تسمى: "الأتباع" - بفتح الهمزة - ولها نوع إيضاح في "جـ" من ص 106. أما البيان في جـ 3 باب النعت" م 114 ص 452.

المعرب والمبني 1 من الأسماء، والأفعال، والحروف: "أيْ: من أقسام الكلمة الثلاثة": أولا: الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف وحده لا يؤدى معنى فى نفسه، وإنما يدل على معنى فى غيره، بعد وضعه فى جملة -كما سبق2. وإذًا لا ينسب إليه أنه فعل فعلا، أووقع عليه فعل؛ فلا يكون بنفسه فاعلا، ولا مفعول به، ولا متممًا وحده للمعنى "أى: لا يكون مسندًا إليه ولا مسندًا، ولا شيئًا يتصل بذلك". لعدم الفائدة من الإسناد فى كل حالة3، ونتيجة ما سبق أنه لا يدخله الإعراب؛ لعدم حاجته إليه؛ لأن الحاجة إلى الإعراب توجد حيث توجد المعانى التركيبية الأساسية، والحرف وحده لا يؤدى معنى قط. ولكنه إذا وضع فى تركيب فإنه يؤدى فى غيره بعض المعانى الجزئية "الفردية" بالطريقة المفصَّلة التى أشرنا إليها عند الكلام عليه2؛ كالابتداء، والتبعيض، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "من". أوالظرفية، والسببية، وغيرهما مما تؤديه كلمة: "فى" - فهذه المعانى الجزئية تَعْتَور الحرف، وتتعاقب عليه، ولكن لا يكون التمييز بينها بالإعراب، وإنما يكون بالقرائن المعنوية التى تتضمنها الجملة. ثانيًا: الأسماء يناسبها الإعراب وهو أصل فيها؛ لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل به -كما سبق3- فهو يدل على مسمى؛ "أي: على شيء

_ 1 يلاحظ أن المبني لا تراعي زاحيته اللفظية مطلقا في توابعه أو غيرها، فتوابعه إنما تساير محلة فقط- إن كان له محل من الإعراب- وهذا أثر هام من آثار "الإعراب المحلي" الذي يجيء الكلام عليه "في ص 84" لكن يستثنى من هذا الحكم العام النعت الخاص بالمنادي "أي، أو: أية" وبالمنادي اسم الإشارة الذي جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء بأل، نحو: يا أيها العالم، ويأتيها العالمة، ويا هذا الفاضل ... فيجب في هاتين الصورتين رفع التابع مراعاة للمظهر الشكلي للمنادي، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان- مراعاة لمحل المنادي-، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان - مراعاة لمحل المنادي- بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادي في الصورة الشكلية- وتفصيل هذا وإيضاحه في جـ4 ص 34 م 130-. "2 و 2" في ص 66. 3 في ص 26 إلا إذا قصد لفظه، كما في جـ" من ص 30.

محسوس أو معقول، سميناه بذلك الاسم" وهذا المسمى قد يُسنَد إليه فعل، فيكون فاعلًا له، وقد يقع عليه فعل، فيكون -مفعولا به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه ... وكل واحد من تلك المعاني يقتضى علامة خاصة به فى آخر الكلمة، ورمزًا معينًا يدل عليه وحده، ويميزه من المعاني الأخرى؛ فلا بد أن تتغير العلامة فى آخر الاسم؛ تبعًا لتغير المعاني والأسباب، وأن يستحق ما نسميه: "الإعراب" للدلالة على تلك المعانى المتباينة، التى تتوالى عليه بتوالى العوامل المختلفة، كما شرحنا من قبل1. وقليل من الأسماء مبنيّ2. وأشهر المبني منها عشرة أنواع "لكل نوع أحكامه التفصيلية فى بابه" وهى: "1" الضمائر، سواء أكان الضمير موضوعًا على حرف هجائي واحد، أم على حرفين، أم على أكثر، مثل: انتصرتَ؛ ففرحنا، ونحن بك معجبَون. "2، 3" أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام؛ بشرط ألا يكون أحدهما مضافًا لمفرد؛ مثل: أين توجدْ أكرمْك. أين أراك3؟ بخلاف: أىُّ خيرٍ تعملْه ينفعْك. أىُّ يومٍ تسافر فيه؟ لإضافة "أىّ" الشرطية والاستفهامية فى المثالين لمفرد، فهما معه معربتان4. "4" أسماء الإشارة التى ليست مثناة؛ نحو: هذا كريم، وتلك محسنة. بخلاف: "هذان كريمان، وهاتان محسنتان". فهما معربان عند التثنية؛ على الصحيح.

_ 1 في ص72. 2 الغالب على الأسماء المبنية أنها لا تضاف، ومنها ما يضاف، مثل: "حيث" و "كم الخبرية" و "إذا" الشرطية، وبعض المركبات المزجية العددية التي تضاف مع بنائها على فتح الجزأين، "نحو: هذه خمسة عشر محمد، طبقا لما سيجيء في باب "العدد" جـ4 م 4 16 ص 400" وغيرها مما هو مذكور في باب الإضافة جـ3. 3 وكما في قول الشاعر: لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب، أو إساءة مجرم؟ 4 أما الإضافة للجملة فقد يكون الاسم معها مبنيا كإضافة "إذا" الشرطية وأشباهها للجمل. وكل اسم يجب إضافته لجملة يجب بناؤه، مثل: "إذا" الشرطية. أما الذي يضاف إليها جوازا، مثل "يوم" فقد يبني، وقد يعرب، كما سيجيء في باب الإضافة ج3.

"5" أسماء الموصول غير المثناة، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها -وجوبًا- إلى جملة أوما يقوم مقامها1، ولا تستغني عنها بحال. فمثال الموصول: جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك، أو الذي فى ضيافتك. ومن الأسماء الأخرى التى ليست موصولة ولكنها تحتاج -وجوبًا- بعدها إلى جملة: "إذا" الشرطية الظرفية؛ نحو: إذا تعلمتَ ارتفع شأنك، فلوقلت: جاء الذى ... فقط، أو: إذا ... فقط، لم يتم المعنى، ولم تحصل الفائدة. بخلاف جاء اللذان غابا، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - على الصحيح - لأنه مثنى. "6" الأسماء التى تسمى: "أسماء الأفعال"2 وهى: التى تنوب عن الفعل فى معناه وفى عمله وزمنه، ولا تدخل عليها عوامل تؤثر فيها. مثل: هيهات القمر: بمعنى بَعُدَ جدًّا، وأفٍّ من المهمل، بمعنى أتَضَجَّرُ جدا، وآمين يا رب، بمعنى: استجبْ. فقد دلت كل كلمة من الثلاث على معنى الفعل، ولا يمكن أن يدخل عليها عامل قبلها يؤثر فيها بالرفع، أوالنصب، أوالجر ... بخلاف: سيرًا تحت راية الوطن، سماعًا نصيحة الوالد، إكرامًا للضيف. فإن هذه الكلمات [سيرًا، وسماعًا، وإكرامًا، وأشباهها] تؤدى معنى فعلها تمامًا، ولكن العوامل قد تدخل عليها فتؤثر فيها؛ فتقول: سرني سيرُك تحت راية الوطن، مدحت سيرَك تحت راية الوطن. طربت لسيرِك ... وكذا الباقي؛ ولذلك كانت معربة. "7" الأسماء المركبة؛ ومنها بعض الأعداد؛ مثل: أحَدَ عَشَرَ ... إلى تسعة عَشَرَ؛ فإنها مبنية دائمًا على فتح الجزأين. ما عدا اثنيْ عَشَرَ، واثنتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى3.

_ 1 المراد بما يقوم مقام الجملة الواجبة هو ما يغني عنها تماما في بعض الحالات، كالمشتق الذي يقع صلة "أل" وكالتنوين الذي للعوض عن المضاف إليه المحذوف إن كان جملة. 2 لها باب خاص في الجزء الرابع. وسبقت لها إشارة في رقم 1 من هامش ص 49. 3 للعدد وأحكامه باب - مستقل في الجزء الرابع.

"8" اسم "لا" النافية للجنس1- أحيانًا- في نحو: لا نافع مكروه. "9" المنادى، إذا كان: مفردا، علما، أو نكرة مقصودة، مثل: يا حمد، ساعد زميلك، ويا زميل اشكر صديقك. "10" بعض متفرقات أخرى، مثل: "كم" وبعض الظروف، مثل: "حيث" والعلم المختوم بكلمة: "ويه"، وما كان على وزن "فعال" في رأي قومك- مثل حذام، وقطام ... "وكلاهما اسم امرأة". وكذلك أسماء الأصوات المحكية مثل: "قاق"، و"غاق"، في نحو: صاحت الدجاجة قاق، ونعب الغراب غاق2 ... ملاحظة: يجب الإعراب والتنوين فى كل اسم أصله مفرد مبنىّ، ثم سُمي به، كما لو سمينا رجلًا بكلمة: "أمسِ" المبنية على الكسر في لغة الحجازيين -أو بكلمة "غاقِ" التي هي في أصلها اسم لصوت الغراب ... ، وحكمها: البناء على الكسر أيضًا" لتغير شأن الكلمتين بعد هذه التسمية، فتصير كل واحدة منهما علمًا، يدل على ما يدل عليه العلم، ويصير حكم كل منهما الإعراب والتنوين4، بعد أن كان حكمها البناء5.

_ 1 لها باب خاص في آخر هذا الجزء - ص 683. 2 لأسماء الأصوات وأحكامها المختلفة باب خاص في الجزء الرابع. 3 المراد بالمفرد هنا: ما ليس داخلا في نوع من أنواع المركب الثلاثة، وهي المركب الإسنادي، والمركب المزجي، والمركب الإضافي. أما المركب العلم فيجيء بيانه وحكمه في باب العلم ص 300 و 308 وفي ص 201. 4 انظر ما يتمم هذا الحكم في رقم 5 من هامش ص 146 ورقم 1 من هامش ص 309. 5 راجع حاشية "خالد" على "التصريح"، آخر باب،: "الممنوع من الصرف" عند الكلام على: "أمس". وينبغي تبين ما سبق - في: "جـ" ص 30 من فروق تخالف ما هنا. كما ينبغي كشف الفرق بين الحكم الذي اشتملت عليه الملاحظة المدونية هنا، والحكم الآخر الآتي في "جـ" ص 146، فالحكم الذي اشتملت عليه هذه الملاحظة مقصور صراحة على الاسم المفرد المبني في أول أمره وليس بعلم، فإذا صار علما منقولا من معناه السابق إلى العلمية ... تاركا ما قبلها فإنه يصير مع هذه العلمية الطارئة معربا ومنونا وجوبا ويصح جمعه جمع مذكر سالم مباشرة أما الحكم الآخر الآتي فإنه صريح في أن العلم موضوع من أول أمره علما ومبنيا فليس منقولا من حالة سابقة إلى حالة العلمية الحالية وإنما هو موضوع ابتداء علما أصيلا مبنيا فلا يجمع إلا من طريق غير مباشر جمع مذكر سالم "كما سيجيء البيان في ص 146".

ثالثًا: الأفعال. منها المبني دائمًا، وهو: الماضي والأمر. ومنها المبني حينًا والمعرب أحيانًا وهو: المضارع. وأحوال بناء الماضي ثلاثة: "1" يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء، مثل: صافحَ، محمد ضيفه، ورحَّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، أوألف الاثنين، مثل: قالتْ فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا. والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرًا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف، مثل: دعا العابد ربه. "2" يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به "التاء" المتحركة التى هى ضميرٌ "فاعل"، أو: "نا" التى هى ضمير فاعل، أو"نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمتُ الصديق، وفرحتُ به. ومثل: خرجْنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة، أما الطالبات فقد ركبْن القطار. "3" يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واوالجماعة، مثل الرجال خرجُوا لأعمالهم. وأحوال بناء الأمر أربعة: "1" يبنى على السكون فى آخره إذا لم يتصل به شىء؛ مثل: اعمَلْ لدنياك ولآخرتك. وصاحبْ أهل المروءات. أو: اتصلت به نون النسوة، مثل: اسمعْن يا زميلاتى1 ... "2" يبنى على فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة؛ مثل: صاحِبَنْ كريم الأخلاق. أوالثقيلة؛ مثل: اهجرَنّ السفيه2 ...

_ 1 من الجائز توكيده بالنون المشددة مع وجود نون النسوة بشرط أن تكون نون التوكيد مشددة مكسورة وقبلها ألف زائدة تفصل بينهما وبين نون النسوة، نحو: اسمعنان يا زميلاتي. كما سيجيء الإيضاح الخاص بالمضارع، في رقم 4 من هامش ص 82 وفي جـ 4 باب: نون التوكيد-. 2 فهو فعل أمر مبني على الفتح. لاتصاله بنون التوكيد. ولا داعي للتشدد الذي يراه بعض النحاة، إذ يقول: فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهروه الفتحة العارضة لأجل نون التوكيد. هذا وكل فعل أمر أو مضارع، اتصلت بآخره نون التوكيد فإنه يمتنع أن يتقدم عليه شيء من معمولاته إلا للضرورة- انظر المثال والبيان في رقم 3 من هامش ص 103 لأن تقدم هذا المعمول يخرجه من حيز التأكيد، فيتنافى تقديمه مع المراد من تأكيده. وأجاز بعض النحاة تقديم المعمول إن كان شبه جملة. وحجته ورود أمثلة كثيرة تكفي للقياس عليها. وهذا أحسن. كما سيجيء في باب نون التوكيد جـ 4 م 143، الحكم الرابع من الأحكام والآثار اللفظية المشتركة -..

"3" يبنى على حذف حرف العلة إن كان آخره معتلًا؛ مثل: اسعَ فى الخير دائمًا، وادعُ الناس إليه، واقضِ بينهم بالحق. [فاسع: فعل أمر مبني على حذف الألف؛ لأن أصله: "اسْعَى"1. وادعُ: فعل أمر مبني على حذف الواو؛ لأن أصله: "ادْعُو". واقض: فعل أمر، مبني على حذف الياء لأن أصله: "اقضيِ] ". وعند تأكيد فعل الأمر بالنون يبقى حرف العلة الواو، أو الياء، ويتعين بناء الأمر على الفتحة الظاهرة على الحرفين السالفين، فإن كان حرف العلة ألفًا وجب قلبها ياء تظهر عليها فتحة البناء؛ لأن الأمر يكون مبنيًا على هذه الفتحة؛ نحو: اسعَيَن فى الخير، وادعُوَن له، واقضيَن بالحق. "4" يبنى على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين؛ مثل: اخرجَا، أو واو الجماعة، مثل: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ مثل: اخرجِي. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر، مبني على حذف النون، والضمير فاعل "وهو ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة". ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} ، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} - وقول الشاعر: يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلمى ... وعِمِى2 صباحا - دارَ عبلةَ - واسلمِى وأما المضارع فيكون معربًا3 إذا لم يتصل بآخره بنون التوكيد، أونون النسوة. ومن الأمثلة: {إن اللهَ لا يَغفرُ أن يُشْرَكَ بِهِ} . إن تُخْلِصْ فى عملك تنفعْ وطنك. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرًا نون التوكيد الخفيفة أوالثقيلة بنى على الفتح4 مثل: والله لأقومَنْ بالواجب. ولأعْمَلنَّ ما فيه الخير،

_ 1 تكتب الألف هنا ياء، تبعًا لقواعد رسم الحروف، وعلى الرغم من كتابتها ياء تسمى ألفًا ما دامت الفتحة قبلها. 2 انعمي واسعدي. 3 حالاته الإعرابية ثلاث، فيكون معربًا مرفوعًا إذا لم يسبقه ناصب ولا جازم، ويكون معربًا منصوبًا إذا سبقه ناصب، ويكون معربًا مجزومًا إذا سبقه جازم. ولإعراب المضارع باب مستقل "ج4 م148" يعرض لحالاته الإعرابية الثلاثة ويوضح الكلام على النواصب والجوازم، ويبين أنواعها وأحكامها تفصيلًا، ويشير في أوله إلى المراد من الجزم، وأنه الجزم الأصيل، لا الطارئ للوقف، أو التخفيف مع بيان الآثار المترتبة على الأصيل وغيره- وسيجيء الكلام على سكون التخفيف في ص199، وإذا كان المضارع معتل الآخر فلإعرابه طرق وأحكامه خاصة تجيء في بحث مستقل "ص182". 4 في محل رفع إن لم يسبقه ناصب أو جازم -على المشهور- وقيل: لا محل له. "كما سيجيء في رقم2 من هامش الصفحة الآتية، ومطابقة للبيان الذي في أول باب: "إعراب الفعل المضارع" - ج4 م148 وفي الجزء الرابع باب مستقل لنوني التوكيد.

وقول الشاعر: لا تأخذن1 من الأمور بظاهر ... إن الظواهر تخدع الراءينا فإن كان الاتصال غير مباشر؛ بأن فصل بين نون التوكيد والمضارع فاصل ظاهر؛ كألف الاثنين، أومقدر؛ كواوالجماعة، أوياء المخاطبة - فإنه يكون معربًا ... فمثال ألف الاثنين "ولا تكون إلا ظاهرة" ماذا تعرف عن الصانعَيْن، أيقومانّ بعملهما؛ ومثال واو الجماعة المقدرة: هؤلاء الصانعون أيقومُنّ بعملهم؟ ومثال ياء المخاطبة المقدرة: أتقُومِنّ بعملك يا زميلتي؟ وإن اتصلت به نون النسوة فإنه يبنى على السكون2؛ مثل: إن الأمهاتِ يبذلْن ما يقدرْنَ عليه لراحة الأبناء. ولا يكون اتصالها به إلا مباشرًا3، كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . فللمضارع حالتان؛ الأولى: الإعراب؛ بشرط ألا يتصل بآخره -مباشرة- نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، أو نون النسوة. وإذا أعرب كان مرفوعًا إن لم يسبقه ناصب ينصبه، أو جازم يجزمه. والثانية: البناء: إما على الفتح إذا اتصلت بآخره -مباشرة- نون التوكيد. وإما على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة4. وإذا كان المضارع مبنيًّا لاتصاله بإحدى النونين وسبقه ناصب أو جازم وجب

_ 1 المضارع هنا مبني على الفتح في محل جزم. 2 في محل رفع - على المشهور - وقيل لا محل له - طبقا لما سبق في رقم 4 من الهامش السابق، ولما هو مبين في باب "إعراب الفعل المضارع:"، جـ 4 سم 148-. 3 فلا يفصل بينهما أحد الضمائر الثلاثة السابقة- ولا غيرها-، لما في الفصل بالضمير من التناقض المفسد للمعنى، إذ كيف يشتمل الفعل الواحد على فاعلين متعارضين، أحدهما: نون النسوة، وهي تدل على جماعة الإناث، والآخر ألف الاثنين، وهي تدل على المثني؟ أو على نون النسوة مع واو الجماعة، وهذه تدل على جماعة الذكور؟ أو على نون النسوة مع ياء المخاطبة، وهذه تدلي على المفردة المؤنثة؟ أما نون التوكيد بنوعيها فإنها قد تقع بعد أحد الضمائر السابقة، ولكنها بعد ألف الاثنين مشددة ومكسورة، لكيلا تلتبس في الخط بنون الأفعال الخمسة التي يعرب معها المضارع. ولا تكون مكسورة مشددة إلا في هذه الحالة. 4 من الممكن أن يجتمع في آخر المضارع نون النسوة، فنون التوكيد المشددة المكسورة لا المخففة- بشرط أن تفصل بينهما الألف المزيد للفصل هنا، نحو: أترغبان في تقديم العون للبائسات، فالنون الأولى للنسوة حتما، والمضارع معها مبني على السكون وجوبا، والنون الأخيرة المشدة للتوكيد، ولا تأثير لها على المضارع من ناحية بنائه. وبين النونين الألف الفاصلة- "كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص 80 وكما سيجي البيان بالتفصيل في ج4، باب نوني التوكيد".

أن يكون مبنيًّا فى محل نصب أو جزم، أيْ أنه يكون مبنيًّا فى اللفظ، معربًا فى المحل1". ولهذا أثر إعرابيّ يجب مراعاته. ففى التوابع -مثلا- كالعطف، إذا عطف مضارع على المضارع المبني المسبوق بناصب أو جازم وجب فى المضارع المعطوف أن يتبع محل المعطوف عليه فى النصب أو الجزم دون البناء2. وكذلك المضارع المبني إن كان معطوفًا عليه؛ فإنه يكون مبنيًّا فى محل رفع، فى الرأي المشهور الذى سبقت الإشارة إليه3. ويتبعه في هذا الرفع المحلي-دون البناء2- المضارع "المعطوف".

_ 1 بيان الإعراب المحلي والتقديري في ص84 و..... و....... 2 في رقم4 من هامش ص81 "راجع الصبان ج1 في هذا الباب، عند الكلام على بناء المضارع، وج4 م148 في أول باب إعراب الفعل". 3 لأن الأغلب في البناء عدم انتقاله من المتبوع إلى التابع على الوجه الذي سبق في رقم1 من هامش ص76، 2 من هامش ص83 وفي الملاحظة التي في الجدول الآتي ص84 وفي بعض ما سبق يقول ابن مالك: والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني كالشبه الوضعي في اسمى "جئنا" ... والمعنوي في:"متى وفي: هنا" وكنيابة عن الفعل، بلا ... تأثر، وكافتقار أصلا ومعرب الأسماء: ما قد سلما ... من شبه الحرف، كأرض وسما يقول: الاسم قسمان، معرب، ومبني وسبب بنائه شبه يدنيه - أي: يقربه من الحروف- وسيجيء رد هذا في ص88 وأبان الشبه المدين من الحروف "أي: المقرب منها" فقال: إنه الشبه الوضعي بأن يكون الاسم في صيغته موضوعًا على حرف واحد، أو على حرفين، كالضميرين: "التاء" و"نا" في جملة: "جئتنا" وكالشبه المعنوي في كلمتي: "متى" "وهنا". فكل واحدة منهما اسم مبني؛ لأنه يؤدي معنى كان حقه أن يؤدي بالحرف، فأشبه الحروف في تأدية معنى معين، وكأن ينوب عن الفعل بلا تأثر، أو أن يحتاج دائمًا بعده إلى جملة، فالأول كاسم الفعل، والثاني كاسم الموصول. ثم قال ابن مالك في بناء الأفعال والحروف. وفعل "أمر" و "مضى" بنيا ... وأعربوا "مضارعا" إن عربا: من نون توكيد مباشر، ومن ... نون إناث، كيرعن من فتن وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا "إن عرى من نون توكيد" أي: إن تجرد من نون توكيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" الإعراب المحليّ والتقديريّ. يتردد على ألسنة المعربين أن يقولوا فى المبنيات، وفى كثير من الجمل المحكية وغير المحكية، إنه فى محل كذا - من رفع، أونصب، أوجر، أوجزم ... فما معنى أنه فى محل مُعَيَّن؟ فمثلا: يقولون فى "جاء هؤلاءِ" ... إن كلمة: "هؤلاءِ" مبنية على الكسر فى محل رفع فاعل - وفى: "قرأت الصحف من قبلُ" ... إن كلمة: "قبلُ" مبنية على الضم فى محل جر ... وفى: "رأيت ضيفًا يبتسم"، إن الجملة المضارعية فى محل نصب صفة1 ... وهكذا. المراد من أن الكلمة أوالجملة فى محل كذا، هوأننا لووضعنا مكانها اسما معربًا لكان مرفوعًا، أومنصوبًا، أومجرورًا. وفى بعض الحالات لووضعنا مكانها مضارعًا معربًا لكان منصوبًا أومجزومًا2. .... فهى قد حلَّت محل ذلك اللفظ المعرب، وشغلت مكانه، وحكمه الإعرابى الذى لا يظهر على لفظها3. 2- أما "التقديرى" فقد سبق4 أنه العلامة الإعرابية التى لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب؛ بسبب أن ذلك الحرف الأخير حرف علة لا تظهر عليه الحركة الإعرابية، كالألف فى مثل: إن الهدَى هدَى الله، واستجب لداعى الهدى. ونتيجة لما سبق يكون "الإعراب المحلى" مُنصَبًّا على الكلمة المبنية كلها،

_ 1 فهي بمثابة: رأيت ضيفا مبتسما. أي: أنها جملة بمنزلة المفرد في المعنى. ومن الأمثلة أيضا الجملة الواقعة مفعولا ثانيا في نحو: أظن العالم "علمه نافع" أو: ينفع علمه ... فهو بمنزة: أظن العالم نافع العلم ... "راجع الصبان جـ1 عند الكلام على علامات الاسم". 2 كالمضارع المعرب الذي يراد إحلاله محل مضارع مبني قبله ناصب أو جازم. 3 مما يدخله الإعراب المحلي أنواع موضحة رقم 1 من هامش ص 314. 4 في ص84 وقد أشرنا فيها إلى نوع آخر سيجيء في "و" من ص159 أما حصر مواضعه في ص198 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو على الجملة كلها، وليس على الحرف الأخير منهما. وأن التقديرى مُنصب على الحرف الأخير من الكلمة. وهناك رأى آخر لا يجعل الإعراب المحلى مقصورًا على المبنى وبعض الجمل - كرأى الأكثرية - وإنما يدخل فيه أيضًا بعض الأسماء المعربة صحيحة الآخر بشرط ألا يظهر فى آخر الكلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب، ومن أمثلته عنده: ما جاءنى من كتاب، فكلمة "كتاب" مجرورة بالحرف: "مِن" الزائد. وهى فى محل رفع فاعل للفعل: "جاء". وقد تحقق الشرط فلم يجتمع فى آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأى الأول يدخلون هذا النوع فى التقديرى فيقولون فى إعرابه: مجرور لفظًا مرفوع تقديرًا1 ... والخلاف لفطىّ. ولعل الأخذ بالرأى الثانى أنفع، لأنه أعمّ. ويدخل فى الإعراب المحلى عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التى لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فى رأى سلف2. - وكما سيجئ فى جـ 2 ص 350 م 89 - والمنادى المستغاث "جـ4" هذا ولا يمكن إغفال الإعراب المحلى والتقديرى، ولا إهمال شأنهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما - مثلا - بغير معرفة الحركة المقدرة3 أوالمحكية بل يستحيل توجيه الكلام على أنه فاعل أومفعول، أومبتدأ، أو: مضارع مرفوع - وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منهما. 4 وهناك كلمات يضبط آخرها بعلامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء، وإنما هو ضبط صوري ظاهري، قصد به مجاراة الكلمة لكلمة قبلها في نوع العلامة، مجاراة ظاهرية، ولا يصح أن يكون للكلمة المتأخرة منهما محلي إعرابي.

_ 1 راجع الصبان جـ2 أول باب الفاعل عند الكلام على أحد أحكامه وهو: الرفع. 2 كما سيجيء في جـ2 م 89 ص 402. 3 من المهم ملاحظة ما سق في رقم 1 من هامش ص 76. 4 ستيجيء إشارة وحصر لبعض ما سلف في ص 198- وللإعراب المحلي في ص 314، وأيضا في جـ 2 م 89 رقم 3 من هامش ص 402.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيجيء بيان هذا النوع في موضعه المناسب1. "ب" تلمس النحاة أسبابًا للبناء والإعراب، أكثرها غير مقبول. وسنشير إليه، داعين إلى نبذه. قالوا فى علة بناء الفعل: إن الفعل لا تتعاقب عليه معان مختلفة، تفتقر فى تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل المختلفة التى تقتضى ذلك. فالفعل - وحده - لا يؤدى معنى الفاعلية، ولا المفعولية، ولا غيرهما مما اختص به الاسم وكان سببًا فى إعرابه - كما سبق2، إلا المضارع فإنه قد يؤدى معنى زائدًا على معناه الأصلى، بسبب دخول بعض العوامل. فحين نقول؛ لا تهملْ عملك، وتجلسْ فى البيت "بجزم: تجلسْ" يكون المعنى الجديد: النهى عن الجلوس أيضًا، "بسبب مجئ الواوالتى هى لعطف الفعل على الفعل هنا". وحين نقول: لا تهملْ عملك، وتجلسَ فى البيت "بنصب: تجلسَ" يكون المعنى الجديد: النهى عن اجتماع الأمرين معًا، وهما الإهمال والجلوس. فالنهى منصب عليهما معًا، بحيث لا يجوز عملهما فى وقت واحد؛ فلا مانع أن يقع أحدهما وحده بغير الآخر، ولا مانع من عمل كل منهما فى وقت يخالف وقت الآخر - "والواوهنا للمعية وهى التى اقتضت ذلك". وإذا قلت: لا تهمْل القراءة، وتجلسُ "برفع: تجلسُ"، فالنهى منصب على القراءة وحدها، أما الجلوس فمباح. "فالواوهنا: للاستئناف، وهى تفيد ذلك المعنى. " فالمضارع قد تغيرت علامة آخره على حسب تغير المعانى المختلفة، والعوامل التى تعاقبت عليه، فأشبه الاسم من هذه الجهة، فأُعرب مثله. أما بناؤه مع نون التوكيد، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال، فوجود أحداهما فيه أبعده من مشابهة الاسم المقتضية للإعراب، فعاد إلى الأصل الأول فى الأفعال؛ وهوالبناء؛ لأن الأصل فيها البناء - كما سبق - وأما الإعراب فى المضارع أحيانًا، فأمر عارض، وليس بأصيل..... هكذا يقولون! وليس بمقبول، فهل يقبل أن سبب بناء الحرف هو

_ 1 في جـ من ص 106. 2 في ص 73.

زيادة وتفصيل: "أ"- جمع بعض النحاة1 أشهر المبنيات لزومًا، "سواء أكانت أسماء، أم أفعالا، أم حروفا" وأوضح بالشرح والتمثيل هذا الأشهر وعلامات بنائه..وفيما يلي البيان موجزا مختصرا، ومشتملا على بعض المبنيات جوازا، -وهي التي صرح عند الكلام عليه بالجواز. "ملاحظة هامة" سبق أن أشرنا في هامش ص76.. أن المبني لا تراعي ناحيته اللفظية مطلقا في توابعه. أو غيرها -فتوابعه إنما يساير محله فقط إذا كان له محل من الإعراب. وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحلي. واستثنينا من هذا الحكم نعت المنادي: "أي وأية" واسم الإشارة الذي ونودي للتوصل بندائه إلى نذاء ما فيه "أل" على الوجه الموضح تفصيله في الباب الخاص بتوابع المنادى ج4 - ص39 م 130.

_ 1 ومنهم ابن هشام الأنصاري في كتابه: "شرح شذور الذهب"، في معرفة كلام العرب "ص 2 وما بعدها". 2 لأن الحرف الأول "نا" وهو المتصل بآخر الماضي - متحرك. 3 أي: بينها وبين حرف حركتها، فيتعلق بها نطقا صوتيا بين الاثنين بحيث لا تظهر دونه، ولا يظهر دونها. 4 الزمن المبهم هو ما لا يدل على وقت محدد؛ كالحين، الزمان، والوقت، والأمد. 5 المراد بشديدة الإبهام، أو المتوغلة في الإبهام: كل لفظ لا يتضح معناه إلا بإضافته إلى لفظ آخر يزيل إبهامه. ومن هذ النوع: بين، دون. غير. مثل، يوم.. وهذا النوع يجوز فيه بناء المضاف تبعا للمضاف إليه المبني. وفي باب الإضافة -أول الجزء الثالث- البيان والإيضاح لهذا النوع.

_ 1 راجع الحضري ج باب "المعرب والمبني" عند الكلام على علامات البناء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالته فى الجملة على معنى فى غيره، وعدم دلالته وهومستقل على ذلك المعنى التركيبىّ؛ فلا حاجة له بالإعراب؛ لأن وظيفة الإعراب تمييز المعانى التركيبية بعضها من بعض؟ إذاً لم التفرقة فنقول إن كلمة: "ابتداء" وحدها التى تفهم من الحرف: "مِن" هى اسم، وكلمة: "مِن" نفسها هى حرف، مع أنها تفيد عند وضعها فى الجملة معنى الابتداء، فكلاهما يتوقف فهمه على أمرين؛ شىء كان هوالمبتدِئ، وشىء آخر كان المبتدأ منه؟ هل السبب ما سطروه من دليل جدلىّ مرهق، هو: أن معانى الأسماء تتوقف على أمور كلية معلومة لكل فرد بداهة، فكأنها مستقلة؛ مستغنية عن غيرها؟ فلفظة: "ابتداء" عندهم معناها مطلق ابتداء شىء من شىء آخر، بغير تخصيص، ولا تعيين، ولا تحديد. وشىء هذا شأنه يمكن أن يعرفه كل أحد، ويدركه بالبداهة كل عقل. بخلاف معنى الابتداء فى لفظة: "مِن" حين نقول مثلا: سرت من القاهرة، فإن الابتداء هنا خاص مقَيد بأنه ابتداء "سير" لا ابتداء قراءة:، أوأكل، أوكتابة، أوسفر. أو ... وأنه ابتداء "سير" من مكان معين؛ هو: القاهرة. فليس الابتداء فى هذا المثال معنى مطلقًا كما فى سابقه، وليس فهمه ممكنًا إلا بعد إدراك أمرين مخصوصين؛ يتوقف فهمه عليهما، ولا يعرفان إلا بالتصريح باسمهما، هما: السير والقاهرة. أى: أن المعنى إن لوحظ فى ذاته مجردًا من كل قيد، كان مستقلا، وكان التعبير عنه من اختصاص الاسم، "كالابتداء"، وإن لوحظ حاله بين أمرين، كان غير مستقل، وكان التعبير عنه مقصورًا على الحرف1 ... فهل نَقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أوكثيرًا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟ ثم يعود النحاة فيقولون2: إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف، مثل: "مَنْ" و"أين" و"كيف" وغيرها من أسماء الاستفهام ... ومثل "مَنْ"، و"ما" وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق ... فأسماء الاستفهام إن دلت على

_ 1 أول حاشية الأمير على الشذور، عند الكلام على الاسم. 2 شحر المفصل جـ 1 القسم الأول - قسم الأسماء. ولكلامهم الآتي صلة وإيضاح لرأيهم في "الشبه المعنوي" المعروض في ص 92.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها؛ فكلمة: "مَن" الاستفهامية، اسم؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمَّى خاص بها، إنسانًا غالبًا، أوغير إنسان - وتدل على الاستفهام من خارجها، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرًا ... فكأنك إذا قلت: مَن عندك؟ تفترض أن الأصل أمَن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان: "الهمزة"، وهى حرف معنى، و"مَن" الدالة على المسمى بها، أى: على الذات الخاصة التى تدل عليها: "مَنْ" فلما كانت "مَن" لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر، استغنى وجوبًا عن همزة الاستفهام لفظًا، للزومها كلمة: "من" معنى، وصارت "مَن" نائبة عنها حتمًا؛ ولذلك بنيت؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة "لفظية"، مرجعها لفظها، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها. ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة: "فى" مع الظروف جوازًا؛ لأن الأمر مختلف؛ إذ الظرف ليس متضمنًا معنى: "فى" بالطريقة السالفة، فيستحق البناء كما بنيت "مَن" الاستفهامية، وإنما كلمة: "فى" محذوفة من الكلام جوازًا لأجل التخفيف؛ فهى فى حكم المنطوق به؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة. وكذلك كلمة: "أين" تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها، هو: المكان، وتدل أيضًا على الاستفهام فيما بعدها، وهومعنى آخر جاءها من خارجها؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبًا؛ لوجود ما يتضمن معناها. وكلمة: "كيف: تطل على معنى فى نفسها، وهو: الحال، وتدل على معنى فيما بعدها، وهو: الاستفهام، على الوجه السالف، وكذلك أسماء الشرط ... فإن كلمة: "مَن" تدل على العاقل - غالبًا - بنفسها، وكلمة: "ما" تدل -غالبًا- على غير العاقل بنفسها، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، ونحوها - تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد، إحداهما: اسم يدل على مسمى، والأخرى: حرف يدل على معنى فى غيره، وهذا الحرف يجب حذفه لفظًا،

_ 1 شرح المفصل ج2 ص41 في: "الظروف".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديراً1 ويؤدى معناه تماماً. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف - فى خيال بعض النحاة - فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنًا يبعده من مشابهة الحرف. ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هولسبب، وأن الحركة تكون ضمة، أوفتحة، أوكسرة، لسبب آخر، بل لأسباب!! فما هذا الكلام الجدلي2؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخُلَّص أصحاب اللغة، أويخطر ببالهم؟ علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أوبنَوه. من غير جدَل زائف، ولا منطق متعسف، وأن الفيصل فيهما راجع "كما قال بعض السابقين"3 إلى أمر واحد؛ هو: "السماع عن العرب الأوائل"، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا لا يصح الأخذ بما قاله كثرة النحاة4 من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية5 فى أحد أمور أربعة: أولها: الشبه الوضعى: بأن يكون الاسم موضوعًا أصالة على حرف واحد، أوعلى حرفين ثانيهما لِين، مثل: التاء، ونا، فى: جئتنا، وهما ضميران مبنيان؛ لأنهما يشبهان

_ 1 راجع الصفحة الأولى من الجزء الثامن من شرح "المفصل" القسم الثالث: "الحروف". 2 نرى بعضه في حاشية الحضري. وشروح التوضيح، والصبان، وغيرها ... أول باب: "المعرب والمبني". 3 حاشية الحضري الجزل الأول- أول-: المعرب والمبني"، عند الكلام على بناء الأفعال، وسببه، وما يوجه إلى السبب من اعتراض عليه، ودفاع عنه- فقد قال عنه ما نصه: "العمدة في هذه الأحكام: "السماع" وهذه حكم تلتمس بعد الوقوع لا تحتمل هذا البحث والتدقيق" اهـ وكذلك الأمير على الشذور عند الكلام على المضارع. وكذلك ما أشرنا إليه في المقدمة هامش ص 8 من رأي "أبي حيان" الوارد في "الهمع" جـ 1 ص 56 حيث يقول عن تعليلات النحاة لحركة الضمير: "إنها تعليلات لا يحتاج إليها، لأنها تعليل وضعيات، والوضعيات لا تعلل". يريد بالوضعيات: الألفاظ التي وضعها العرب على صورة خاصة، وشكل معين، من غير علة الوضع، ولا سبب سابق يدعوهم إلى اختيار هذه الصورة وذلك الشكل، فليس هنا إلا مجرد النطق المحض. 4 كابن هشام وغيره. 5 هي التي لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء، كالتثنية والإضافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرف الموضوع على مقطع واحد، كباء الجر، وواو العطف، وغيرهما، من الحروف الفردية المقطع، أو ثنائية المقطع، مثل، قد، هل، لم. ولو صح هذا، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التي تزيد على حرفين، مثل، نحن، وإيا ... وسألنا عن سبب إعراب أب، وأخ، ويد، ودم، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات، ولكنها مصنوعة، صادفتها اعتراضات أخرى، ثم إجابات، وهكذا مما سجلته المراجع. ثانيهما الشبه المعنوي: بأن يتضمن الاسم بعد وضعه في جمله معنى جزئيا غير مستقل، زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حالة انفراده، وعدم وضعه في جملة. وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئي عندهم هو: "الحرف". ومعنى هذا: أن الاسم قد خلف الحرف فعلا، وحل محله في إفادة معناه، وصرف النظر عن الحرف نهائيا فلا يصح ذكره، ولا اعتبار أنه ملاحظ، فليس حذفه للاقتصار كحذف: "في" التي تتضمنها أنواع من الظروف، أو حذف كلمة: "من" التي تتضمنها أنواع من التمييز، فإن هذا التضمن في الظرف والتمييز لا يقتضي البناء- كما يقولون-. لأنه ليس باللازم المحتوم. أما التضمن الذي يقتضي البناء عندهم، فهو التضمن اللازم المحتم الذي يتوقف عليه المعنى الذي قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام، مثل: مى تحضر أكرمك- ومتى تسافر؟ فكلمة: "متى" في المثال الأول تشبه الحرف "إن" في التعليق والجزاء، وهي في المثال الثاني تشبه همزة الاستفهام، فكلتاهما اسم من جهة، ومتضمنة معنى الحرف من جهة أخرى، فمتى الشرطية وحدها تدل على مجرد تعلق مطلق، ولكنها بعد وضعها في الجملة دلت عليه وعلى معنى في الجملة التي بعدها، وهو تعليق شيء معين بشيء آخر معين: أي: توقف وقوع الإكرام على وقوع الحضور، فحصول الأمر الثاني المعين: مرتبط بحصول الأول المعين ومقيد به1 ... وهي2 وحدها في الاستفهام تدل على مجرد الاستفهام والسؤال، من غير تقيد بدلالة على الشيء الذي تسأل عنه، أو عن صاحبه، أو غير ذلك. لكنها بعد

_ 1 يوضح كلامهم في الشبه المعنوي ما سبق في آخر ص 89 وما بعدها. 2 أي: "متى" الاستفهامية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضعها فى الجملة دلت على معنى جزئى جديد؛ فوق المعنى السابق: هو أن السؤال متجه إلى معنى محدد. هو الحضور، ومتجه إلى المخاطب أيضًا...... وكذلك اسم الإشارة1، مثل كلمة: هذا؛ فإنها وهى منفردة، تدل على مطلق الإشارة، من غير دلالة على مشار إليه أو نوعه؛ أهو محسوس أم غير محسوس؟ حيوان أم غير حيوان؟ لكن إذا قلنا: هذا محمد، فإن الإشارة صارت مقيدة بانضمام معنى جديد إليها؛ هو الدلالة على ذات محسوسة لإنسان2. فإن صح ما يقولونه من هذه التعليلات، فماذا أعربت: "أيّ" الشرطية، و"أيّ" الاستفهامية، وأسماء الإشارة المثناة؛ مثل: هذان عالمان، وهاتان حديقتان؟ نعم؟ لهذا عندهم إجابة، وعليها اعتراض، ثم إجابة، ثم اعتراض ... وهكذا مما تموج به الكتب الكبيرة. ثالثها: الشبه الاستعمالي: بأن يكون الاسم عاملًا في غيره، ولا يدخل عليه عامل -مطلقا- يؤثر فيه، فهو كالحرف: في أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال. مثل: هيهات القمر، وبله المنسيء، "فهيهات": اسم فعل ماض، بمعنى: بعد جدا، وفاعله. القمر، و "بله": اسم فعل أمر، بمعنى: اترك، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، و "المسيء": مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع في الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب في المفعول به، ولا يدخل على واحد من اسمي الفعل عامل يؤثر فيه. رابعها: الشبه الافتقاري. وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارا لازما إلى جملة بعده، "أو ما يقوم مقامها، كالصفة الصريحة في صلة أل"3" أو إلى شبه جملة، كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أو ما يقوم مقامها، أو شبهها، تسمى، جملة الصلة، لتكمل المعنى، فأشبه الحرف في هذا، لأن الحرف، موضوع - غالبا لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء، فلا يظهر معناه إلا بوضعه في جملة، فهو محتاج إليها دائما، فاسم الموصول بأن يكون الاسم عاملا فى غيره، ولا يدخل عليه عامل - مطلقًا - يؤثر فيه فهوكالحرف: فى أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال، مثل: هيهات القمر، وبَلْهَ المسيء، فهيهات: اسم فعل ماض، بمعنى بَعُد جدًّا، وفاعله القمر، وبله: اسم فعل أمر، بمعنى: اتركْ، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، والمسىء: مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع فى الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب فى المفعول، ولا يدخل على واحد من اسمى الفعل عامل يؤثر فيه. رابعها: الشبه الافتقارى: وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارًا لازمًا إلى جملة بعده، أوما يقوم مقامها - كالوصف فى صلة "أل"3 -أو إلى شبه جملة؛ كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أوما يقوم مقامها، أوشبهها، تسمى: جملة الصلة؛ لتكمل المعنى، فأشبه الحرف فى هذا؛ لأن الحرف، موضوع -غالباً- لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء فلا يظهر معناه إلا بوضعه فى جملة، فهو محتاج إليها دائمًا. فاسم الموصول يشبهه من هذه الناحية: فى أنه لا يستغني مطلقًا

_ "1، 2" راجع 321 م 24. 3 انظر ص 356 حيث الكلام على: "أل" وصلتها، ونوع هذه الصلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن جملة بعده، أو ما ينوب عنها، أو شبهها، يتم بها المعنى. فإن صح هذا فلم أعربت ... "أي" الموصولة -أحياناً- و"اللذان"، و"اللتان"؟ أجابوا: أن السبب هو ما سبق في نظائرها؛ من الإضافة فى كلمة: "أي" والتثنية فيما عداها. والإضافة والتثنية من خصائص الأسماء، فضعف شبه تلك الكلمات بالحروف، فلم تُبْن. وعلى هذه الإجابة اعتراض، فإجابة، فاعتراض ... فما هذا العناء فيما لا يؤيده الواقع، ولا تساعفه الحقيقة؟ وأى نفع فيما ذكر من أسباب البناء وأصله، ومن سبب ترك السكون فيه إلى الحركة، وسبب اختيار حركة معينة لبعض المبنيات دون حركة أخرى ... خامسها: الشبه اللفظى: زاده بعضهم1، ومثَّل له بكلمة "حاشا" الاسمية قائلا: إنها مبنية لشبهها "حاشا" الحرفية فى اللفظ. وكذا بكلمة "علَى" الاسمية، و"كلاّ" بمعنى "حقًّا. و"قَدْ" الاسمية. وقيل إن الشبه اللفظى مجوّز للبناء، لا محتم له. وعلى هذا يجوز فى الأسماء السابقة أن تكون معربة تقديراً كإعراب الفتى. ما عدا "قَدْ" فإنها تعرب لفظًا - كما سبق2. وهناك أنواع أخرى من الشبه لا قيمة لها. إن الخير فى إهمال كل هذا، وعدم الإشارة إليه فى مجال الدراسة والتعليم، والاستغناء عنه بسرد المواضع التي يكون فيها الاسم مبنيًّا وجوبًا، وهوالعشرة الماضية3 ومبنى جوازًا فى مواضع أخرى ستذكره فى مواطنها. ج- اشترطوا فى إعراب المضارع - كما سبق4 - ألا تتصل به اتصالا مباشرًا نونُ التوكيد، أونون الإناث5؛ فالمضارع معرب فى مثل: "هل

_ 1 راجع الصبان جـ1 باب: "المعرب والمبني"، عند الكلام على: أنواع الشبه، والتنبيه الثاني. 2 في ص 31. 3 ص 77 والجدول الذي في ص 85. 4 في ص 81. 5 لا يكون اتصال نون النسوة به إلا مباشرا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقومانِّ؟ وهل تقُومُنَّ؟ وهل تقومِنَّ"؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرًا، ولم تلتصق بآخره، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر، وهو: ألف الاثنين، أوالمقدر، وهوواوالجماعة، أوياء المخاطبة؛ فأصل تقومانِّ: تقومانِنَّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالِى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وكلها ليس أصليًا، وإنما هومن حروف الزيادة1 - أمر مخالف للأصول اللغوية، فحذفت في الظاهر2 نون الرفع؛ لوجود ما يدل عليها، وهوأن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أوجازم يقتضى حذفها، ولم تحذف نون التوكيد المشددة، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها، وهوتوكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف3. فلما حذفت النون الأولى من الثلاث، وهى نون الرفع، كسرت المشددة، وصار الكلام؛ "تقومانِّ"4. وأصل "تقُومُنَّ" هو: "تقومونَنَّ" حذفت النون الأولى للسبب السالف،

_ 1 يتحتم امتناع توالي الأمثال إذا كانت الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد، فليس منه: "القائلات جنن أو يجنن" لأن الزائد هو المثل الأخير من الثلاثة وليس منه قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} - كما يقول الصبان في هذا الموضع وفي باب نون التوكيد جـ3- وليس منه أس1يضا للفعل ومشتقاته في مثل: أن أحييك، أو أنا محييك. "راجع شرح الوضي للشافية، جـ 2 هو 186 وما يليها". وهناك حالات أخرى يتحتم فيها المنع سيجيء ذكرها في الجزء الرابع "باب: تثنية المقصور والممدود، وجمعهما، م 171 ص 568" ... 2 لا في الحقيقة "انظر رقم 1 من هامش 97". 3 إيضاح هذا، وتفصيله في جـ 4 177 باب: نون التوكيد. 4 التقاء الساكنين "وهما ألف الاثنين والنون المشددة" جائز هنا، لأنه على بابه وعلى حده: "أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلافي، وهما وجودحرف مد "أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلاقي، وهما وجود حرف مد. أي: حرف علة، قبله حركة تناسبه" وبعده في الكلمة نفسها حرف مدغم في مثله، أي: حرف مشدد مثل: حاصة، دابة، الضالين ... فإن كانت ونون النسوة، في مثل: تعلمنان يافتيات - "وسيجيء بيان هذا في موضعه المناسب جـ4 باب: نون التوكيد" - انظر هامش الصفحة الآتية. ويصح التقاء الساكنين في الوقف بغير شرط "كما قلنا في ص 51 وكما سيجيء في جـ 4 ص 139 م 143" وكذلك عند سرد بعض الألفاظ، مثل: كاف، ميم، صاد ... وكذلك لمنع اللبس "بالتفصيل الموضح في ص 51 وفي رقم2 من هامش ص159 ولهما تشابه بما في رقم 2 من هامش ص 219".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصار "تقومونَّ"؛ فالتقى ساكنان ... واوالجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها؟ فحذفت الواوللتخلص من التقاء الساكنين. وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها؛ وهى: "الضمة" ولم تحذف النون، مراعاة للغرض البلاغى السابق؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها. ومثل ذلك يقال فى: "تقومِنَّ" فأصلها: "تقومينَنَّ" حذفت النون الأولى، وبقيت نون التوكيد المشدد، فصار اللفظ أنت تقومينَّ؛ فالتقى. ساكنان: ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها، ولم تحذف النون للحاجة إليها، فصار اللفظ تقومِنَّ1 ...

_ "1 - 1" قال بعض النحاة: "إن التقاء الساكين هنا على حده، فهو جائز: فلا حاجة إلى حذف الواو والياء للتخلص منه. ويمكن الدفع بأنه وإن كان جائزا - لا يخلو من ثقل ما. فالحذف هو التخلص من الثقل الحاصل به. " أهـ الصبان جـ في الكلام على إعراب المضارع. .. وقال فريق آخر من النحاة، "إن قلت: هو هنا على حده، لكون الأول من الساكنين حرف مد "أي: حرف علة قبله حركة تناسبه" والثاني مدغما في مثله. وهما في كلمة واحدة، إذ الواو والياء كلمة مستقلة، وكونهما كالجزء لا يعطيهما حكمه من كل وجه فلم يغتفر التقاؤها لثقله ... " أهـ خضري في الموضع السابق أيضا ... ثم قال: "إنما اغتفر في ألف الاثنين لأن حذف الألف يوجب فتح النون، لقوات شبههما بنون المثنى فيلتبس بفعل الواحد.. أهـ". والذي نراه في الواو والياء - على الرغم من أنهما ضميران، لا حرفان- ويؤيده السماع القوي كالذي في قوله تعالى {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه....} أنه يجوز حذفهما وعدم حذفهما في الأمثلة السابقة وأشباهها على حسب الاعتبارين السالفين. لكن الحذف هو الأكثر - طبقا لما سيأتي في ص 179 و 284 - ويؤيد صحة الحذف وعدمه ما جاء في حاشية الألوسي على القطر "ص 57" من أن التقاء الساكنين المغتفر يتحقق بأن يكون الأولى مهما حرف مد "أي: حرف علة قبله حركات تناسبه" والثاني منهما مدغما في مثله: كدابة، والضالين. فليس في هذا الكلام ما يدل على اشتراط اجتماعهما في كلمة واحدة، ومن أمثلته قوله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فقد اشتملت الآية على المضارع "تتبعان" الذي وقع فيه التقاء الساكنين على حده المباح مع أن الالتقاء هنا في كلمتين. أما من يشترطون أن يكون الالتقاء في كلمة واحدة. فيقولون في المضارع السابق وأشباهه مما لم يحذف فيه حرف العلة، إن سبب بقاء حرف العلة، وعدم حفه هو ضرورة طارئة، كمنع اللبس في المضارع السالف، لأن حذف الألف يوقع في اللبس بين فعل الواحد والفعل المسند لألف الاثنين، ولا يمكن إبقاء الألف وحذف نون التوكيد، لئلا يضيع الغرض الهام الذي جاءت لتحقيقه، وهو التوكيد، ويؤيد ما سبق أيضا ما جاء في هامش الشذور- ص 15 فهو شبيه بما نقله الألوسي. وجاء في شرح التصريح "جـ2 باب: "الإبدال" الكلام على إبدال الواو من الياء" ما نصه: "يجوز الجمع ساكنين إذا كان الأول حرف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعند إعراب "تقومُنَّ ... السابقة، أو تقومِنَّ ... نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة1 لتوالي النونات، والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين "واو الجماعة، أو: ياء المخاطبة" فاعل، مبني على السكون في محل رفع. وعند إعراب "تقومانِّ" نقول فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالي النونات. والنون المشددة للتوكيد. ومثل هذا فى قوله تعالى: {لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم} فأصل ... تُبْلَوُنَّ: تُبْلَوُونَنَّ؛ تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفًا، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع واوالجماعة، ثم حذفت نون الرفع لتوالى النونات، فالتَقَى ساكنان: واوالجماعة للتخلص من اجتماع الساكنين. ولم تحذف الواولعدم وجود علامة قبلها تدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد أوتخفف لوجود داع بلاغىّ يقتضى بقاءها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الواوبالضمة، التى تناسبها. وكذلك "تَرَيِنَّ" فى قوله تعالى يخاطب مريم: {فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولى إنى نذرتُ للرحمن صومًا فلنْ أكَلِّم اليوم إنسيًّا} . أصلها: تَرْأيينَنّ، نقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفًا2،

_ = لين- يريد حرف مد. والثاني مدغما كدابة ... " أهـ. فقد سكت عن شرط الالتقاء في كلمة واحدة. فكان شأنه كشأن المراجع الأخرى التي سكتت وتركت شرط التلاقي في كلمة واحدة. بل إن الصبان "جـ3 باب نوني التوكيد" قال في اشتراط أن يكون الساكنان في كلمة ما نصه: "الصحيح فيما يأتي - خاصا بحذف الضمير إلا الألف - عدم اشتراط كونهما في كلمة، بدليل، نحو: "اتحاجوني" وعلة الحذف عند من لا يشترط ذلك، استثقال الكلمة، واستطالتها لو أبقى المضمر "الضمير" أهـ. ولهذه المسألة بيان في باب: "نون التوكيد" جـ4. 1 نون الرفع هنا مقدرة "كما هو مبين في ص 95 وفي رقم 5 من ص 205" لأنها محذوفة لعلة. والمحذوف لعلة كالثابت. ولكنها لا تظهر فليست محذوفة حذفا نهائيا، وإنما هي مختفية ولذا فالإعراب هنا "تقديري" لا لفظي. وهذا شأنها دائما مع المضارع المؤكد بالنون المسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة" سواء أكان المضارع صحيح الآخر أم معتلا، لأن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بعد ألف الاثنين، وكذلك لا تقع بعد نون النسوة إلا بشرط وجود ألف زائدة تفصل بين النونين مع تشديد نون التوكيد أيضا وكسرها. "راجع الأشموني، وحاشية الصبان جـ1 عند الكلام على بناء المضارع، وعند الكلام على الأفعال الخمسة في آخر باب: "المعرب والمبني" وشرح التوضيح وهامشه جـ 1 في أول الفصل الخامص بالإعراب المقدر في المقصور والمنقوص". ويجري على الألسنة الآن عند الإعراب أنها محذوفة، ولا مانع من قبوله تيسيرا وتخفيفا. 2 الكلام الفصيح يدل على أن هذا التخفيف ملتزم في المضارع والأمر من مادة الفعل: "رأى".

................... ................... .............

_ فصارت الكلمة: تَرَيِينَنَّ، ثم حذفت النون الأولى للجازم وهو: "إنْ" الشرطية المدغمة فى "ما" الزائدة؛ فصارت: تَرَيِينَّ، والياء الأولى متحركة وقبلها فتحة، فانقلبت ألفا، فصارت الكلمة: "ترايْنَّ" فالتقى ساكنان الألف وتلك الياء الأولى؛ حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارت "تَرَيْنَّ" فالتقت ياء المخاطبة ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة، فحركت الياء بالكسرة، إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها، ولا يجوز حذف النون الأولى من المشددة؛ لأن المقام يتطلبها مشددة؛ فلم يبق إلا تحريك الياء بالكسرة التى تناسبها؛ فصارت: تَرَيِنَّ. وبمناسبة ما سبق من تحريك واوالجماعة وجوبًا نذكر قاعدة لغوية عامة تتصل بواوالجماعة؛ هى: أنها فى غير الموضع السابق تُضمّ - فى الأغلب إذا كان ما قبلها مفتوحًا وما بعدها ساكنًا، نحو: الصالحون سَعُوا اليوم فى الخير، ولن يسَعُوا الغداة فى سوء؛ فارضَوُا الخطة التى رسموها. د- وجود التوكيد فى المثالين الأولين "تقُومُنَّ، وتقومِنَّ" قد يوهم أنها متصلة بآخر المضارع اتصالاً مباشرًا يقتضى بناءه؛ لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهم معرب، واتصال النون به ظاهرى؛ لا عبرة به؛ لأنه فى الحقيقة مفصول منها بفاصل مقدر "أى: خفى غير ظاهر" هو؛ واوالجماعة المحذوفة، أوياء المخاطبة المحذوفة، وكلاهما محذوف لعلة، والمحذوف لعلة كالثابت - كما أشاروا1 - لهذا يكون المضارع فى المثالين السالفين معربًا؛ لا مبنيًّا؛ لأن نون التوكيد مفصوله منه حقيقة وتقديرًا. أما فى بقية الأمثلة "تقومانّ - تُبلَوُنَّ - تَرَيِنّ" فالنون لم تتصل أيضًا بآخره؛ لوجود الفاصل المنطوق به، الحاجز بينهما، ونعنى به: الضمير "ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة". فالمضارع هنا معرب أيضاً؛ لأن نون التوكيد لم تتصل بآخره اتصالاً مباشرًا. وهذا شأن المضارع دائمًا؛ يظل محتفظًا بإعرابه، على الرغم من وجود نون التوكيد بعده إذا لم تكن متصلة بآخره اتصالاً مباشرًا؛ بحيث لا يفصل بينهما فاصل لفظى، مذكور أومقدر. ولهذا ضابط صحيح مطَّرد؛ هوأن المضارع إذا كان مرفوعًا بالضمة قبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجئ نون التوكيد؛ فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشراً. وإن كان مرفوعاً بالنون قبل مجيئها فإنه لا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أوالمقدر وهو: الضمير. هـ- قلنا إن الماضى يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به التاء المتحركة التى هى ضمير "فاعل"، أو"نا" التى هى فاعل كذلك، أونون النسوة وهى ضمير فاعل أيضًا، كما يبنى على الضم فى آخره إذا اتصل به واوالجماعة. لكن كثير من النحاة يقول إن هذا السكون عَرَضىّ طارئ؛ جاء ليمنع الثقل الناشئ من توالى أربع حروف متحركة فى كلمتين، هما أشبه بكلمة واحدة، "أى: فى الفعل وفاعله التاء، أونا، أونون النسوة"، فليس السكون فى رأيهم مجلوبًا من أثر عامل دخل على الفعل؛ فاحتاج المعنى لجلبه. لهذا يقولون فى إعرابه: بنى على فتح مقدر، منع من ظهوره السكون العارض ... وكذلك يقولون فى الضمة التى قبل واوالجماعة؛ إنها عرضية طارئة؛ لمناسبة الواوفقط، وإن الفعل بنى على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة1 ... إلخ. ولا داعى لهذه التقدير والإعنات. فمن التيسير الذى لا ضرر فيه الأخذ بالرأى القائل بأنه بنى على السكون مباشرة فى الحالة الأولى، وعلى الضم فى الحالة الثانية. و ليس من المبنى الأسماء المقصورة؛ مثل: الفتى، الهدَى، المصطفى، ولا الأسماء المنقوصة؛ مثل: الهادى، الداعى، المنادى؛ لأن ثبات آخرها على حال واحدة إنما هوظاهرى بسبب اعتلاله؛ ولكنه فى التقدير متغير؛ فهى معربة تقديرًا؛ بدليل أنها تثنى وتجمع فيتغير آخرها؛ فنقول فى الرفع: الفَتيان، والفَتَوْنَ. وفى النصب والجر: الفَتَيين والفَتَيْنَ. وكذلك: الهاديان، والهاديين والهادون والهادين ... وكذا الباقى. أما بناء اسم لا - أحياناً - وبعض أنواع المنادى فهوبناء عارض لا أصيل؛ يزول بزوال سببه وهووجود: "لا" و"النداء"، فمتى زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنى الأصيل؛ فإن بناءه دائم ...

_ 1 كما سيجيء في رقم 3 من ص 100

المسألة السابعة: أنواع البناء والإعراب

المسألة السابعة: أنواع 1 البناء والإعراب، وعلامة كل منهما 2 للبناء أنواع أصلية، وأخرى فرعية تنوب عنها. فالأصلية أربعة: 1- السكون3 وهو أخفها. يدخل أقسام الكلمة الثلاثة؛ فيكون فى الاسم؛ مثل: كَمْ، ومَنْ. ويكون فى الحرف مثل: قدْ، وهلْ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المتصل بضمير رفع متحرك، أو بنون النسوة، مثل: حضرْتَُِ "بفتح التاء، وضمها، وكسرها" حضرْنا، النسوة حضرْن. وفي الأمر المجرد صحيح الآخر؛ مثل: اجْلسْ واكتبْ ... وفي المضارع المتصل بنون النسوة: مثل: الطالبات يتعلمْن ويعلمْن ... 2- الفتح، ويدخل أقسام الكلمة الثلاثة، فيكون فى الاسم؛ مثل: كيفَ وأينَ. ويكون فى الحرف؛ مثل: سَوْفَ، وثُمَّ. ويكون في الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المجرد؛ مثل: كتَبَ، نَصَر، دعا. والفتح في: "دعا" وأمثالها، مما هو معتل الآخر بالألف، يكون مقدرًا. وفي المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد فى آخرهما؛ مثل: والله لأسافرَن في طلب العلم. سافرَن، يا زميل، فى طلب العلم. 3- الضم، ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل، فمثال الاسم: حيثُ، والضم فيه ظاهر. وقد يكون مقدرًا فى مثل: "سيبويه" عند النداء: تقول: يا سيبويهِ؛ فهو مبني على الكسر لفظًا، وعلى الضم تقديرًا4 في محل نصب في الحالتين. ومثال الحرف: "منذُ" "على اعتبارها حرف جر". أما الضم في آخر الفعل في مثل: الأبطال حضرُوا.... فليس بأصليّ،

_ 1 يرتضي بعض النحاة تسميتها: "بالألقاب" بدلا من الأنواع. ولا مانع من هذا أو ذاك. 2 في ص 115 بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة، وبيان بعض علامات لا توصف بإعراب ولا بناء. 3 ويسمي: الوقف- كما في رقم 2 من هامش ص 103 - ويكثر في عبارات الأقدمين ترديد الاثنين. 4 ويقولون في إعرابه: "منادي مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة البناء الأصلي وهي الكسر- في محل نصب.

وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو -كما سبق1. 4- الكسر. ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل أيضًا؛ فمثال الاسم: هؤلاءِ. ومثال الحرف: باء الجر فى "بِك" ... والعلامات الفرعية التى تنوب عن الأصلية أشهرُها خمس: 1- ينوب عن السكون حذفُ حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر؛ مثل الفعل: اخْشَ، وارمِ، واسْمُ؛ في نحو: اصفحْ عن المعتذر لك، واخْشَ أن يقاطعك، وارمِ من ذلك إلى كسب مودته، واسْمُ بنفسك عن الصغائر. وينوب عن السكون أيضًا حذف النون فى فعل الأمر، المسند للألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مثل: اكتبا، اكتبوا، اكتبي. 2- وينوب عن الفتح الكسرةُ فى جمع المؤنث المبني، الواقع اسم "لا" النافية للجنس. نحو: لا مهملاتِ هنا "وفى هذا نيابة عن حركة بناء عن حركة أخرى". وينوب عن الفتح أيضًا الياء فى المثنى المبنيّ، وفي جمع المذكر المبنيّ، إذا وقع أحدهما اسم: "لا" النافية للجنس، نحو: لا غائبَيْن. ولا غائبِينَ هنا "هذه نيابة حرف عن حركة بناء". 3- وينوب عن الضم الألف فى المثنى؛ إذا كان منادى مفردًا2 علَمًا، نحو: يا محمدان، أو كان نكرة مقصودة؛ مثل: يا واقفان اجلسا؛ لاثنين معينين "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء". وتنوب الواو عن الضمة في جمع المذكر المبني إذا كان منادى مفردًا علمًا. نحو؛ يا محمدون "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء أيضًا". ومما تقدم نعلم أن الكسر فى البناء لا ينوب عنه شيء؛ وأن السكون ينوب عنه شيئان، وكذلك الفتح، والضم. كما نعلم أن الضم والكسر يكونان في الاسم والحرف، ولا يكونان في الفعل. وفي الجدول التالي تلخيص لكل ما تقدم:

_ 1 انظر "هـ" في صفحة 99. 2 المفرد في باب المنادى هو: "ما ليس مضافًا، ولا شبها بالمضاف". فالمنادي المضاف مثل: يا سعد الدين أقبل، والشبيه بالمضاف مثل: يا صانعا خيرا ترقب جزاءه. "وللمنادي باب مستقل في أول الجزء الرابع".

علامات البناء الأصلية، والفرعية، ومواضعها: جدول يسحب اسكانر إلى هنا انتهى الكلام على علامات البناء الأصلية والفرعية2.

_ 1 والفتح مقدر على الألف. 2 أما بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة فيأتي- في ص 106 كما ذكرنا- وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا ومنه ذو فتح، وذو كسر، وضم، ... كأين أمس حيث والساكن. كم

ب- وللإعراب أنواع أربعة: 1- الرفع؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل: سعيدٌ يقومُ، ومثل الخبر والمضارع فى قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا: يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هوصَيْرَفٌ ... يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب 2- النصب؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ. 3- الجر؛ ويدخل الاسم فقط، مثل: باللهِ أستعين. 4- الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل1: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ، وقول الشاعر: إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتى ... فَسّمِ الفتى ميْتًا، وموطنَهُ قبْرَا فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع. ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلية، وعلامات فرعية تنوب عنها: فالعلامات الأصلية أربعة هى: الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب، والكسرة2 فى حالة الجرّ، والسكون "أى: عدم وجود حركة" فى حالة الجزم؛ فتقول فى الكلمة المرفوعة "فى مثل: سعيد يقوم": مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة؛ وفى الكلمة المنصوبة "في مثل: إن عليًّا لن يسافر": منصوبة، وعلامة نصبها الفتحة: وفي المجرورة: علامة جرها الكسرة، وفي المجزومة: علامة جزمها السكون3 ...

_ 1 ومثل قوله تعالى عن نفسه: {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ} . 2 أو: الوقف ... "انظر رقم 3 من هامش ص 100". 3 وفي الإعراب وعلاماته الأصلية يقول ابن مالك: والرفع والنصب اجعلن إعرابا ... لاسم وفعل: نحو: لن أهابا =

أما العلامات الفرعية التى تنوب عن تلك العلامات الأصلية فهي عشر؛ ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وينوب في بعض آخر حرف عن حركة أصلية1. وينوب في بعض ثالث حذف حرف عن السكون؛ "فيحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم، وكذلك تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم". والمواضع التى تقع النيابة فيها سبعة، تسمى أبواب الإعراب بالنيابة، وهي: أ- الأسماء الستة2. ب- المثنى3. حـ- جمع المذكر السالم4. د- جمع المؤنث السالم5. هـ- الاسم الذى لا ينصرف6. و الأفعال الخمسة7. ز- الفعل المضارع المعتل الآخر8.

_ = والاسم قد خصص بالجر، كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما فارفع بضمن، وانصبن فتحا وجر ... كسرا، كذكر الله عبده يسر هذا، وكلمة: "الرفع" تعرب مفعولا به مقدما للفعل: اجعلن. ويعاب هذا بأن فيه تقديم معمول الفعل المؤكد بالنون، ولا يجوز تقديمه اختيارا - كما قلنا في رقم2 من هامش ص80 وبخاصة إذا كان المعمول ليس شبه جملة -عند من يبيح تقديم شبه الجملة دون غيره من المعمولات ولكن ضرورة الشعر قضت بالتقديم، ولا داعي لإعرابه مفعولا به لفعل محذوف يفسره المحذوف، لما في ذلك من تهافت بلاغي والإيصال، إذا أصلهما: "بفتح - بكسر" وحذف حرف الجر قبلهما فنصب المجرور على ما يسمى: "نزع الخافض...." والمشهور أن النصب على نزع الخافض غير قياسي، كما سيجيء البيان في موضعه من باب: "تعدية الفعل ولزومه"، جـ2 ص 139 م 71" حيث قلنا هناك: لا داعي للأخذ بالرأي الذي يعتبره قياسيا، لأنه يؤدي إلى الخلط والغموط والإلباس، إذ يوقع في وهم كثيرين أن الفعل متعد بنفسه، ولن يتنبه إلى نصبه على نزع الخافض إلى قلة معدودة مشتغلة بالشئون اللغوية. 1 ومن هذا يجيء في "ب" ص 106. 2 حيث تنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الألف عن الفتحة في حالة النصب، وتنوب الياء عن الكسرة في حالة الجر. . 3 فتنوب الألف عن الضمة في حالة الرفع. وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر. 4 فتنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر. 5 فتنوب الكسرة عن الفتحة في حالة النصب. 6 فتنوب الفتحة عن الكسرة في حالة الجر. 7 فتنوب النون عن الضمة في حالة الرفع، وينوب حذف النون عن الفتحة والسكون، نصبا وجزءا. 8 وينوب حذف حرف العلة عن السكون. في حالة الجزم.

وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فيما يأتي: 1- ينوب عن الضمة ثلاثة أحرف، هى: الواو، والألف، والنون. 2- ينوب عن الفتحة أربعة، هي: الكسرة والألف، والياء، وحذف النون. 3- ينوب عن الكسرة حرفان، هما: الفتحة؛ والياء. 4- ينوب عن السكون حذف حرف، إما حرف علة في آخر المضارع المعتل المجزوم، أو حذف النون من آخره إن كان من الأفعال الخمسة المجزومة. وفيما يلي تفصيل الأحكام الخاصة بكل واحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ما السبب في أن للبناء علامات خاصة، وللإعراب أخرى؟ أ- قال شارح المفصّل1 ما نصه: "اعلم أن سيبويه وجماعة من البصريين قد فصَلوا بين حركات الإعراب وسكونه، وبين ألقاب حركات البناء وسكونه، وإن كانت فى الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتح المطلق2 لقبًا للمبني على الفتح، والضم لقبًا للمبني على الضم، وكذلك الكسر، والوقف3. "وجعلوا النصب لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفع، والجر، والجزم، ولا يقال لشيء من ذلك مضموم مطلقًا، أو مفتوح، أو مكسور، أو ساكن - فلا بد من تقييد، لئلا يدخل "المعرب" فى حيز المبنيات. أرادوا بالمخالفة بين ألقابها إبانة الفرق بينهما؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع عُلم أنه بعامل يجوز زواله، وحدوث عامل آخر يُحدث خلاف عمله، فكان فى ذلك فائدة وإيجاز؛ لأن قولك: مرفوع، يكفي عن أن يقالَ له: مضموم ضمة تزول، أو ضمة بعامل. وربما خالف فى ذلك بعض النحاة وسمّي ضمة البناء رفعًا، وكذلك الفتح والكسر والوقف. والوجه هو الأول، لما ذكرناه من القياس، ووجه الحكمة. " اهـ. ب- في بعض اللهجات العربية تنقلب ألف المقصور ياء عند إضافته لياء المتكلم وتدغم الياءان ففي مثل: هدى، يقال: "هدى" في كل حالات الإعراب، فيكون معربا بالياء التي أصلها الألف بدل حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، وهذا مما ناب فيه حرف عن حركة أصلية. وهو من اللهجات الضعيفة التي لا يحسن العمل بها اليوم. "وسيجيء الكلام عليها في هامش ص 189 ثم في المكان الأنسب لها، وهو: باب الإضافة لياء المتكلم، جـ3 م 97 ص 174". ج- قد تكون الكلمة مضبوطة ضبطًا معينا بعلامة لا توصف بأنها علامة

_ 1 جـ 3 ص 84. 2 أي: الذي يلازم آخر الكلمة في كل أحوالها. 3 هو: السكون، كما سبق في رقم 3 من هامش ص 100.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعراب أو بناء1، وإنما هي علامة صورية ظاهرية، جاءت لمجرد المماثلة والمشابهة بين ضبط هذه الكلمة المتأخرة وضبط كلمة قبلها مباشرة. ومن هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} . فكلمة: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب، وكلمة: "الناس"، عطف بيان. وضمتها ضمة مماثلة ومشابهة" لأي"، وهذه الضمة ليست للبناء ولا للإعراب، وإنما هي ضمة صورية ظاهرية، قصد بها المحاكاة المحضة، وليس لكلمة "الناس" محل إعرابي في أشهر قولين، مع أننا أعربناها عطف بيان. ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . فكلمة: "أية" منادى مبني على الضم في محل نصب. وكلمة: "النفس" عطف بيان، مضبوطة بالضمة التي جاءت لتكون هذه الكلمة مماثلة لسابقتها في العلامة. وليس لها محل إعرابي "في أشهر رأيين"، بالرغم من إعرابها عطف بيان. وكلمة: "المطمئنة"، صفة للنفس، مضمومة بضمة مشابهة أيضًا. على أن إيضاح هذا وتفصيله في مكانه الأنسب، "وهو باب: "تابع المنادى" ج4 م130 ص 44 وباب: "الاختصاص"، جـ4 م 139 ص 117 عند الكلام على: "أي وأية" فيهما ... ". وهناك نوع آخر من الألفاظ لا يوصف بأنه معرب أو مبني ولكنه يزاد لغير معنى لغوي- وقد تكون زيادته لمجرد المدح، أو الذم، أو التلميح ... وليس له ضبط إعرابي خاص به، وهذا النوع يسمى: "الأتباع" - بفتح الهمزة- وسيجيء حكمه في باب الحال "جـ2 م 84- رقم 3 من هامش ص 366 وفي باب النعت "جـ3 م 144 ص 452" بما ملخصه: أن اللفظ قد يجيء عرضا بعد كلمة تسبقه، فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، مثل: محمد حسن بسن، واللص شيطان نيطان، أو: عفرين نفريت ... ويذكر في إعرابه أنه تبع للأولى، أي: من أتباعها، لكن ليس من التوابع الأربعة المعروفة التي هي النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل ... ولا يجري عليه شيء من أحكام هذه التوابع الأصلية وكل حكمه مقصور على أنه مثل ما قبله في الوزن وضبط الآخر ضبطا لا يوصف بإعراب ولا بناء. وحركته تختلف اختلافا واسعا كذلك عن حركة الإتباع الآتية، في رقم 6 من ص 200.

_ 1 هذا ما أشرنا إليه في آخر ص 87.

المسألة الثامنة: الأسماء الستة

المسألة الثامنة: الأسماء الستة أ- الأسماء الستة 1: هى: أبٌ، أخٌ، حَمٌ2، فمٌ، هَنٌ 3، ذُو ... بمعنى صاحب4. فكل واحد من هذه الستة يرفع بالواو نيابة عن الضمة، وينصب بالألف نيابة عن الفتحة، ويجر الياء نيابة عن الكسرة، مثل: اشتهر أبوك بالفضل، أكرمَ الناس أباك، استمع إلى نصيحة أبيك ... ومثل قول الشاعر: أخوكَ الَّذِى إنْ تَدْعُهُ لِمُلِمَّةٍ ... يُجِبْك وإنْ تَغْضَب إلى السَّيْفَ يَغْضَب فتقول: إنَّ أخاك الَّذِى ... - تَمَسَّكْ بأخيك الذى ... ومثل هذا يقال فى سائر الأسماء الستة. لكن يشترط لإعرابِ هذه الأسماء كلها بالحروف السابقة، أربعة شروط عامة، وشرط خاص بكلمة: "فم"، وآخر خاص بكلمة: "ذو". فأما الشروط العامة فهى: ا- أن تكون مفردة، فلوكانت مثناة أومجموعة، أعربت إعراب المثنى أوالجمع، نحو: جاء أبوانِ، رأيت أبوينِ، ذهبت إلى أبوينِ. جاء آباءٌ، رأيت آباءً، ذهبت إلى آباءٍ............ ب- أن تكون مُكبَّرة5؛ فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الثلاثة

_ 1 وقد يسميها بعض النحاة: الأسماء الستة المعتلة الآخر، لأن في آخرها واو محذوفة تخفيفا إلا: "ذو" فليس فيها حذف. 2 الحم: كل قريب للزوج أو للزوجة، والدا أكان أم غير والد. لكن العرف قصره على الوالد. 3 بمعنى شيء، أي شيء، وبمعنى الشيء اليسير، والتافه. وكناية عن كل شيء يستقبح التصريح به. 4 تقول: محمد ذو خلق، وعلى ذو أدب، أي: صاحب خلق، وصاحب أدب، ومثل قوله عليه السلام. شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه. 5 غير مصغرة. "والتصغير النحوي باب مستقل في الجزء الرابع".

الأصلية، في جميع الأحوال، مثل: هذا أُبَيَّك العالم.... إن أُبَيَّكَ عالم ... اقتد بِأُبيِّك...... إلخ. ج- أن تكون مضافة؛ فإن لم تضف أعربت بالحركات الأصلية، مثل: تعهد أبٌ ولدَه ... أحبَّ الولدُ أبًا. اعتَن بأبٍ. وقد اجتمع فى البيت الآتى إعرابها بالحروف وبالحركات، وهو: أبونا أبٌ لو كان للناس كلهم ... أبًا واحدًا أغناهموبالمناقبِ د- أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم؛ فإن أضيفت وكانت إضافتها إلى ياء المتكلم1، فإنها تعرف بحركات أصلية مقدرة قبل الياء، مثل: أبى يحب الحق، إن أبى يحب الحق، اقتديت بأبى فى ذلك. فكلمة: "أب" فى الأمثلة الثلاثة مرفوعة بضمة مقدرة قبل الياء، أومنصوبة بفتحة مقدرة قبل الياء، أومجرورة بكسرة مقدرة أيضًا2. وكذلك باقى الأسماء الستة. إلاّ "ذو" فإنها لا تضاف لياء المتكلم ولا لغيرها من الضمائر المختلفة. أما الشرط الخاص بكلمة: "فَم"، فهوحذف "الميم" من آخرها، والاقتصار على الفاء وحدها. مثل: ينطق "فوك" الحكمة. "أى؛ فمك": إن "فاك" عذب القول. تجرى كلمة الحق على "فيك". فإن لم تحذف من آخره الميم أعرب "الفم" بالحركات الثلاثية الأصلية، سواء أكان مضافًا أم غير مضاف، وعدم إضافته فى هذه الحالة أكثر. نحو: هذا "فمٌ" ينطق بالحكمة - إن "فمًا" ينطق بالحكمة يجب أن يُسمَع - فى كل "فم" أداة بيان. وأما الشرط الخاص بكلمة: "ذو" بمعنى: صاحب3 فهوأن تكون إضافتها لاسم ظاهر دال على الجنس4، مثل: والدي ذو فضل، وصديقي

_ 1 سيجيء الكلام على إضافة هذه الأسماء لياء المتكلم، في الجزء الثالث، باب: الإضافة لهذه الياء. 2 الأحسن في هذه الحالة أن نقول: إنها الكسرة الظاهرة قبل الياء، لأن الأخذ بهذا الرأي أيسر وأوضح. ولا داعي التمسك بالرأي الفلسفي المعقد الذي يقول: إن الكسرة الظاهرة هي لمناسبة ياء المتكلم، وأن كسرة الإعراب مقدرة بسبب الكسرة الظاهرة التي حلت محلها فأخفتها.... 3 وهي غير "ذو" المعدودة من أسماء الموصول، والتي يجيء الكلام عليها في ص357. 4 سبق الكلام على اسم الجنس في ص21 وما بعدها، وسيجيء له تفصيل في باب العلم "ص288" والمراد به. ما وضع للمعنى الكلي المجرد، أي: للصورة الذهنية العامة، مثل علم، فضل، حياء رجل، طائر. =

ذو أدب. وقول الشاعر:

_ = ولا بد أن يكون اسم الجنس هنا اسما ظاهرا، فلا يجوز إضافة: "ذو" التي من الأسماء الستة إلى ضمير يرجع إلى جنس، مثلك الفضل "ذوه" أنت. كما لا يجوز إضافتها إلى مشتق، مثل: محمد ذو "فاضل". ولا إلى علم، مثل: أنت ذو "على" ولا إلى جملة: مثل. أنت ذو "تقوم". وفيما يلي بعض البيان والتفصيل لما سبق. جاء في تاج العروس، شرح القاموس، خاصا بكلمة: "ذو" بمعنى "صاحب" ما نصه: "كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس"". . وقال شارح المفصل - جـ1 ص 53. ما نصه: "إنها لم تدخل إلا وصله إلى وصف الأسماء بالأجناس كما دخلت: "الذي" وصلة إلى وصف المعارف بالجمل- وكما أتى "بأي" وصلة لنداء ما فيه "الألف واللام في قولك يا أيها الرجل، ويا أيها الناس" ÷ـ والمراد مما سبق أن أسماء الأجناس جامدة - في الغالب فليست مشتقة، ولا مؤولة بالمشتق، فلا تصلح أن تقع نعتا، ولا غيرها مما يتطلب الاشتقاق الصريح أو المؤول، كالحال والنعت، فجاءت: "ذو" قبل اسم الجنس- وهي مما يؤول بالمشتق - لتكون وسيلة الوصف به، مع إعرابها هي الصفة المضافة، وإعراب اسم الجنس هو المضاف إليه المجرور. فإن وقعت صفة لنكرة وجب أن يكون اسم الجنس "وهو المضاف إليه" نكرة، وإن وقعت صفة لمعرفة وجب أن يكون اسم الجنس "وهو: المضاف إليه" معرفا بالألم واللام، ولا يصح أن تضاف: "ذو" التي بمعنى" صاحب" إلى علم ولا إلى ضمير ما دام الغرض من مجيئها التوصل بها إلى إلى الوصف باسم الجنس. فإن لم يكن الغرض من مجيئها هو هذا التوصل فالصحيح أنها تدخل على الأعلام والمضمرات وأمثلة هذا كثيرة في كلام العرب، منها: "ذو الخلصة"، الخلصة: اسم ضم. و "ذو" كناية عن بيته" ومنها ذو رعين، وذو جدن، وذو يزن، وذو المجاز. ... وكل هذه الأعلام سبقتها "ذو" أي: أعلام مصدرة بكلمة مستقلة هي: "ذو" ومن أمثلة دخولها على الضمير قول كعب بن زهير: صبحنا الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها وقول الأحوص: رولكن رجونا منك مثل الذي به ... صرفنا قديما من ذويك الأوائل وقول الآخر: إنما يصطنع المعـ ... ـروف في الناس ذووه وقالوا: جاء من ذي نفسه، ومن ذات نفسه، أي: طائعا. "راجع تاج العروس جـ 10. مادة" "ذو" ... ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر: ما ضرني حسد اللئام ولم يزل ... ذو الفضل يحسده ذو التقصير ولا قيمة للتعليل أو التأويل الذي يردده شارح المفصل "جـ1 ص53" محاولًا به أن يجعل الضمير المضاف إليه في بعض الأمثلة السابقة قريبًا من اسم الجنس. فيستساغ معه أن تكون "ذو" هي المضاف ... لا قيمة لهذا بعد أن نطق بإضافتها إلى الضمير والعلم، وتعددت الأمثلة الفصيحة الواردة عنهم، والتي لا تحتاج إلى تعليل ولا تأويل إلا صحة ورودها. وإذا وقعت كلمة: "ذو" صدر اسم جنس لا يعقل وأريد جمعه وجب جمعه مؤنثًا سالمًا، نحو: مضى =

ومَن لا يَكُنْ ذَا نَاصِرٍ يَوْمَ حَقّهِ ... يُغلَّبْ عليه ذُوالنَّصِيرِ، وَيُضْهَدُ1 وما سبق هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة، ولذلك كان أحقها بالاتباع، وأنسبها للمحاكاة، دون غيره. إلا كلمة: "هَن" فإن الأكثر فيها مراعاة النقص فى آخرها، ثم إعابها بالحركات الأصلية بعد ذلك. والمراد بمراعاة النقص فى آخرها أن أصلها "هَنَوٌ"، على ثلاثة أحرف، ثمُ نقصت منها الواو؛ بحذفها للتخفيف، سماعًا عن العرب، وصارت الحركات الأصلية تجرى على النون، وكأنها الحرف الأخير في الكلمة. فعند الإضافة لا تُردُّ الواو المحذوفة كما -ترد فى الغالب- عند إضافة الكلمات التي حذفت من آخرها، فحكم كلمة: "هَن" في حالة الإضافة كحكمها فى عدمها، تقول: هذا "هَنٌ"، أهملتُ "هَنًا" -لم ألتفت إلى "هَنٍ". وتقول: "هَنُ"2 المال قليل النفع. إن "هنَ" المال قليل النفع. لم أنتفعْ "بهَنِ" المال. لكن يجوز فيها بقلة، الإعراب بالحروف، تقول: هذا هَنُو المال، وأخذت هَنَا المال، ولم أنظر إلى هَنِي المال. وإذا كان الإعراب بالحروف بشروطه السابقة هو أشهر اللغات وأسهلها فى الأسماء الستة إلا كلمة: "هَن" فإن هناك لغة أخرى تليه فى الشهرة والقوة؛ هى: "القَصْر" فى ثلاثة أسماء؛ "أبٌ"، و"أخٌ"، و"حَمٌ"، دون "ذو" و"هن"3 و"فم" 4 ... ومعنى القصر: إثبات ألف5 فى آخر كل من

_ = ذو القعدة، وذوات القعدة، ومثل هذا يقال في اسم الجنس المصدر بكلمة: "أبن" أو:أخ، نحو: ابن أوي وبنات آوي، وأخ الجحر "للثعبان" وأخوات الجحر. "وسيجيء لهذا إشارة في جـ من ص 171 عند الكلام على جمع المؤنث السالم، وبيان في الجزء الرابع، آخر باب جمع التكسير ص 622 م 174 وفيه بعض الأحكام الهامة". هذا، وكلمة "ذو"، و "ذات" استعمالات أدبية دقيقة، "بيانها في مكانها المناسب جـ 3 ص 42 م 93 باب: الإضافة. وكذلك جـ 2 باب الظرف م 79 - ص 255 و 250 م 79". ولكلمة: "ذات" بيان موجز في آخر الهامش من ص 357 وهو مقصور على بعض استعمالاتها، والنسب إليها. وهي تختلف اختلافا تاما عن "ذو" التي هي اسم موصول، بمعنى: "الذي"مثل جاء "ذو" قام. أي: جاء الذي قام، فإن الموصولة تلازمها الواو - غالبا- في أحوالها المختلفة وتكون مبنية على السكون في محل ربع، أو نسب أو جر، كما سيجيء في باب الموصول. ص 357. 1 يضهد: يقهر ويغلب. 2 الشيء التافه منه. 3 ونقل بعض النحاة "القصر" في هذه الكلمة. "كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 113. 4 في الأغلب. 5 وهذه الألف منقلبة عن الواو المحذوفة من آخر كل واحدة، فصارت كألف المقصور =

الثلاثة الأولى فى جميع أحوالها، مع إعرابها بحركات مقدرة على الألف رفعًا ونصبًا وجرًّا؛ مثل: أباك كريم، إن أباك كريم، أثنيت على أباك. فكلمة: "أبا" قد لزمتها الألف في أحوالها الثلاث، كما تلزم فى آخر الاسم المعرب المقصور، وهي مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، أو منصوبة بفتحة مقدرة عليها، أو مجرورة بكسرة مقدرة عليها، فهي في هذا الإعراب كالمقصور. وهناك لغة ثالثة تأتي بعد هذه فى القوة والذيوع، وهى لغة النقص السابقة؛ فتدخل في: "أب" و"أخ" و"حم"، كما دخلت في: "هَن"، ولا تدخل فى: "ذو" ولا "فم" إذا كان بغير الميم. تقول كان أبُك مخلصًا. إن أبَك مخلص، سررت من أبِك لإخلاصه ... وكذا الباقى. فأب مرفوعة بضمة ظاهرة على الباء، أومنصوبة بفتحة ظاهرة1، أو مجرورة بكسرة ظاهرة. ومثل هذا يقال في "أخ" و"حم" كما قيل: في "أب" وفي "هن".

_ = "وهو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة، كالهدى، والرضا، والمصطفى" وهذا جار على أن أصلها: "أبو" و "أخو" و "حمحو" - كما في رقم 1 الآتي- تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا. هكذا يقول النحاة. والحق أن أهل اللغة التي تلزم آخرها الألف لم ينظروا إلى ما يسمى أصل الواو، ولم يعرفوا قلب الحروف، ولا أمثال هذا، وإنما نطقوا عن فطرة وطبيعة، فهم يلزمون آخرها الألف بغير تعليل إلا النطق بها. "ملاحظة": إذا حذف من الاسم الثلاثي أحد أصوله فإن جاءت همزة الوصل عوضًا عن المحذوف لم يصح إرجاعه في التثنية وجمع المؤنث السالم، أما إذا لم تأتِ همزة التعويض فالأجود -وقيل الواجب- إرجاعه. إن كان يرجع عند الإضافة. وتطبيقًا لهذا الحكم ترجع -في الحالتين السالفتين- اللام المحذوفة من الثلاثي، لأنها ترجع عند إضافته، فيقال في: "قاض- شج - أب- أخ - حم -....": قاضيان، شجيان، أبوان، أخوان، حسوان....؛ لأنه يقال في الإضافة: قاضينا، شجينا، أبوه، أخوه، حموه.... وشذ: أبعان وأخان.... أما الذي لا يرجع عند الإضافة فلا يرجع عند التثنية، وجمع المؤنث السالم، نحو: اسم، ابن يد، دم، غد، فم، سنة....، فيقال: اسمان، ابنان، يدان، دمان، غدان، فمان، سنتان. وشذ: فسموان، وفسميان، ومن الضرورة قول الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين وقول الآخر: يديان بيضاوان عند محلم "محلم، بكسر اللام، اسم رجل" وستجيء إشارة لهذا الضابط عند الكلام على المثنى "في "ح" من ص 135 وفي آخر رقم 1 من هامش ص 164". 1 أساس هذه اللغة: مراعاة النقص في تلك الكلمات الثلاث، والاعتداد به، فقد كان آخر كل واحدة منها في الأصل: "الواو" "أبو، أخو، حمو، كما في رقم 5 من ص 111" حذفت الواو تخفيفًا، فلا ترجع عند الإضافة. بل يستغني عنها في كل الأحوال. والحق هنا هو ما قلناه في سابقه، أن التعليل الصحيح هو نطق العرب الفصحاء.

ومما سبق نعلم أن الأسماء الستة لها ثلاث حالات من حيث علامات الإعراب، وقوة كل علامة. الأولى: الإعراب بالحروف، وهو الأشهر، والأقوى إلا فى كلمة: "هن" فالأحسن فيها النقص؛ كما سبق. الثانية: القصر، وهو في المنزلة الثانية من الشهرة والقوة بعد الإعراب بالحروف، ويدخل ثلاثة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحرف. ولا يدخل: "هَن"1. الثالثة: النقص، وهو في المنزلة الأخيرة، يدخل أربعة أسماء، ولا يدخل "ذو" ولا "فم" محذوف الميم؛ لأن هذين الاسمين ملازمان للإعراب بالحروف كما سبق. فمن الأسماء الستة ما فيه لغة واحدة وهو "ذو" و"فم" بغير ميم. وما فيه لغتان، وهو "هن". وما فيه ثلاث لغات وهو أب، أخ، حم2.

_ 1 نقل بعض النحاة فيها القصر، أيضًا كما سبق في رقم2 من هامش ص 111. 2 على ضوء ما تقدم نستطيع أن نفهم قول ابن مالك: وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء - ما من الأسما أصف، من ذاك: "ذو" إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا "أب"، "أخ"، "حم"، كذاك "وهن" ... والنقص في هذا الأخير أحسن وفي "أب" وتالييه يندر ... ... وقصرها من نقصهن أشهر ففي البيت الأول: بين الحروف الثلاثة النائبة عن الحركات الأصلية الثلاث، وتلك الحروف هي: الواو، والألف، والياء. وفي البيت الثاني: صرح أن من الأسماء الستة: "ذو" بشرط أن يبين صحبة، أي: يدل على صحبة، بأن يكون بمعنى: "صاحب": وأن منها: "الفم" بشرط أن تبين "أي: تنفصل" منه الميم. وفي البيت الثالث والرابع: أوضح أربعة. وصرح بأن النقص في كلمة: "هن" أحسن من الإعراب بالحروف ... وأما أب وأخ وحم فالنقص نادر فيها- مع جوازه-، ولكن القصر أحسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بالرغم من تلك اللغات التى وردت عن العرب، يجدر بنا أن نقتصر على اللغة الأولى التى هي أشهر تلك اللغات وأفصحها، وأن نهمل ما عداها1؛ حرصًا على التيسير، ومنعًا للفوضى والاضطراب الناشئين من استخدام لغات وهجمات متعددة. وقد يقالك ما الفائدة من عرض تلك اللغات إذن؟ إن فائدتها هي لبعض الدارسين المتخصصين: وأشباههم؛ إذ تعينهم على فهم النصوص القديمة، المتضمنة تلك اللهجات التى لا تروق اليوم محاكاتها، ولا القياس عليها، ولا ترك الأشهر الأفصح من أجلها. ب- جرى العرف على التسمية ببعض الأسماء الستة السالفة، مثل: أبوبكر، أبوالفضل، ذي النون، ذى يَزَن.... فإذا سمي باسم مضاف من تلك الأسماء الستة المستوفية للشروط جاز فى العلَم المنقول منها أحد أمرين: أولهما: إعرابه بالحروف، كما كان يُعْرف أوّلا قبل نقله إلى العلمية. كما يصح إعرابه بغير الحروف من الأوجه الإعرابية الأخرى التى تجرى على تلك الأسماء بالشروط والقيود التى سبقت عند الكلام عليها، أى: أن كل ما يصح فى الأسماء الستة المستوفية للشروط قبل التسمية بها يصح إجراؤه عليها بعد التسمية. ثانيهما: وهوالأنسب أن يلتزم العَلم صورة واحدة فى جميع الأساليب، مهما اختلفت العوامل الإعرابية، وهذه الصورة هى التى سمى بها، واشتهر، فيقال - مثلا - كان أبوبكر رفيق الرسول عليه السلام فى الهجرة - إنّ أبو بكر من أعظم الصحابة رضوان الله عليهم، أثنى الرسول عليه السلام على أبو بكر خير الثناء ... فكلمة: "أبو" ونظائرها من كل عَلم مضاف صدره من الأسماء الستة يلتزم حالة واحدة لا يتغير فيها آخره، ويكون معها معربًا بعلامة مقدرة، سواء أكانت العلامة حرْفًا أم حركة على حسب اللغات المختلفة السالفة2 ...

_ 1 مع أن محاكاته صحيحة. 2 وإنما كان هذه الوجه أنسب وأولى لمطابقته للواقع الحقيقي، البعيد عن اللبس، ولأن بعض المعاملات الرسمية الآن لا تجري إلا على أساس الاسم الرسم المدون في السجلات الحكومية "انظر سببا مماثلا في: "حـ" من ص 125".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما تكون العلامة مقدرة إذا لم توجد علامة إعرابية ظاهرة مناسبة، ففي المثال السابق- كان أبو بكر رفيق الرسول ... تعرب كلمة: "أبو" اسم "كان" مرفوعا بالواو الظاهرة، ولا داعي للتقدير في هذه الصورة، لوجود الواو الظاهرة التي تصلح أن تكون علامة إعرابية مناسبة، وكذلك لو كان العلم هو: "أبا بكر" أو "أبي بكر" فإننا نقول في مثل: "إن أبا بكر عظيم" إنه منصوب بالألف الظاهرة، ولا داعي للتقدير، وفي مثل: "اقتد بأبي بكر ... " إنه مجرور بالياء الظاهرة أيضا. حـ- إذا أعرب أحد الأسماء الستة بالحروف، وأضيف إلى اسم أوله ساكن "مثل: جاء أبو المكارم، ورأيت أبا المكارم، وقصدت إلى أبي المكارم" فإن حرف الإعراب وهو: الواو، أو الألف، أو الياء - يحذف فى النطق، لا في الكتابة. وحذفه لالتقاء الساكنين؛ فهو محذوف لعلة، فكأنه موجود. فعند الإعراب نقول: "أبو" مرفوع بواو مقدرة نطقًا، و"أبا" منصوب بألف مقدرة نطقًا، و"أبي" مجرور بياء مقدرة نطقًا؛ فيكون هذا من نوع الإعراب التقديري بحسب مراعاة النطق. أما بحسب مراعاة المكتوب فلا تقدير. د- من الأساليب العربية الفصيحة: "لا أبا لفلان ... "2 ... فما إعراب كلمة: "أبا" إذا وقعت بعدها اللام الجارة لضمير الغائب، أو لغيره"؟ من الضمائر، أو الأسماء الظاهرة؟ يرى بعض النحاة أنها اسم "لا" منصوبة بالألف، ومضافة إلى الضمير الذى بعدها، واللام التى بينهما زائدة. ومع أنها زائدة هى التى جَرّتْ الضمير دون المضاف، فالمضاف فى هذا المثال وأشباهه لا يعمل فى المضاف.

_ 1 راجع رقم 1 ص 204 - الآتية، ففيها ضابط أفضل وفيها إشارة إلى قرار مفيد للمجمع اللغوي مسجل في رقم 2 من هامش ص 159. 2 هذا التركيب قد يراد به: المبالغة في المدح، وأن الممدوح لا ينسب لأحد، فهو معجزة تولي الله إظهارها على غير ما يعرف البشر، فمثله كعيسى عليه السلا. وقد يراد به المبالغة، في الذم، وأنه لقيط، "أي، مولود غير شرعي". ولكن الأكثر أن يراد به الدعاء عليه بعدم الناصر وكلمة. "أبا" هنا ليست معرفة بالإضافة، لأن إضافتها غير محضة- كما سيجيء في باب "الإضافة" حـ3 ص 46 م 93 فإضافتها كإضافة كلمة: "مثل" في نحو: "مثلك كريم، لأنه لم يقصد نفي أب معين، بل هو من يشبهه: إذ هو دعاء بعدم الناصر مطلقا. وفي باب: "لا" بيان مفيد عن معنى هذا الأسلوب، وإعرابه.

.......................................................

_ إليه والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر: "لا"1. وفي هذا الإعراب خروج على القواعد العامة التى تقضي بأن المضاف يعمل في المضاف إليه. وفيه أيضًا أن اسم "لا" النافية للجنس وقع معرفة؛ لإضافته إلى الضمير، مع أن اسم "لا" المفرد لا يكون معرفة ... و ... و ... وقد أجابوا عن هذا إجابة ضعيفة؛ حيث قالوا: إن كلمة "أبا" ذات اعتبارين؛ فهي بحسب الظاهر غير مضافة لوجود الفاصل بينهما، فهي باقية على التنكير، وليست معرفة؛ والإضافة غير محضة وإذن لا مانع من أن تكون اسم "لا" النافية للجنس. وكان حقها البناء على الفتح؛ لكنها لم تبنَ للاعتبار الثاني؛ وهو مراعاة الحقيقة الوافعة التى تقضي بأنها مضافة؛ فنُصِبَتْ بالألف لهذا، وصارت معربة لا مبنية. وكل هذا كلام ضعيف، ويزداد ضعفه وضوحًا حين نراه لا يصلح فى بعض الحالات، ولا يصدُق عليها، كالتي فى قولهم: "لا أَبَا لي" فقد وقعت كلمة: "أبا" فى الأسلوب معربة بالحرف فإن اعتبرناها مضافة فى الحقيقة لياء المتكلم لم يصح إعرابها بالحرف؛ لأن المضاف من الأسماء الستة لياء المتكلم لا يصح إعرابه بالحرف. وإن اعتبرناها غير مضافة أصلا مراعاة للظاهر -بسبب وجود حرف اللام الفاصل- لم يصح إعرابها بالحرف أيضًا، فهي على كلا الاعتبارين لا تعرب بالحرف. وأحسن رأي من النواحي المختلفة هو اعتبار كلمة: "أبا" اسم "لا"، وغير مضافة، بل مبنية على الألف على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف دائمًا في جميع الحالات، وأنها خالية من التنوين بسبب هذا البناء. ويرى بعض النحاة إعرابًا آخر هو بناء كلمة "أبا" على فتح مقدر على آخرها منع من ظهوره التعذر، باعتبار هذه الألف أصلية من بنية الكلمة كالألف التى في آخر كلمة "هذا" فكلاهما عنده حرف أصلي تقدر عليه علامات البناء، ولا يعتبره حرفًا زائدًا جيء به ليكون علامة إعراب2. والخلاف شكلي، لا أثر له. وهو يقوم على اعتبار الألف الأخيرة زائدة، أو أصلية. وسيجيء لهذه المسألة إشارة أخرى فى باب "لا".

المسألة التاسعة: المثنى

المسألة التاسعة: المثنى ب- المثنى: أ- أضاء نجم - راقب الفلكي نجما. - اهتديت بنجم. ب- أضاء نجمان. راقب الفلكي نجمين. اهتديت بنجمين. تدل كلمة: "نجم" في الأمثلة الأولى: "أ" على أنه واحد. وحين زدنا في آخرها الألف والنون، أو الياء المفتوح ما قبلها، وبعدها النون المكسورة- دلت الكلمة دلالة عددية على اثنين، كما في أمثلة "ب" واستغنيان بزيادة الحرفين عن أن نقول: "أضاء نجم ونجم. راقب الفلكي نجما ونجما. اهتديت بنجم ونجم. أي: أننا اكتفينا بهذه الزيادة بدلًا من عطف كلمة على نظيرتها الموافقة لها تمام الموافقة في الحروف، والحركات، والمعنى العام. فكلمة: "نجمان" أو "نجمين" وما أشبههما تسمى: "مثنى"، وهو: "اسم يدل على اثنين1، متفقين في الحروف والحركات، والمعنى، بسبب زيادة في آخره2 تغني عن العاطف3 والمعطوف". وهذه الزيادة هي الألف وبعدها نون مكسورة4، أو الياء وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة.

_ 1 الدلالة على اثنين قد تكون حقيقية وقد تكون مجازية. فالحقيقة: هي التي تكون بلفظ المثنى الصريح المستوفي للشروط الآتية، مثل: الفارسين- الجنتين ... المحمدين ... وغير هذا مما يدل على مثنى حقيقية لا مجازا، ولا اشتراكا معنويا بين المثنى وغيره، كالضمير "نا" فإنه مشترك يصلح من جهة المعنى للمثنى وغيره. في نحو: قمنا، وذهبنا لزيارة الصديق. وغير الحقيقة: هي التي تدل على التثنية توسعا ومجازا، كقول الشاعر: إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل "أي: كلا ذلك الخير والشر، مواجهة، وطريق واضح" فكلمة: "ذا" تدل في حقيقتها اللغوية على المفرد المذكر، ولكنها تدل بمعناها هنا على المثنى، لأنها إشارة إلى ما ذكر من الخير والشر، وهذه الدلالة مجازية لأن دلالة "ذا" على غير المفرد مجازية. "راجع جـ3 باب: الإضافة - م 95 ص 89 عند الكلام على كلا وكلتا". 2 أي: أن تلك الدلالة هي بسبب الزيادة التي في آخره. 3 وهو: حرف العطف. 4 سيجيء الكلام على فائدة هذه النون، وحركتها، وحكمتها، عند الكلام على فائدة نون جمع المذكر السالم وحركتها "ص 156".

فليس من المثنى ما يأتي: 1- ما يدل على مفرد، مثل، نجم. ورجلان1. ولا مثل: شعبان، ومروان، وبحرين ... ، مما أصله مثنى ثم سمي به واحد2. 2- ما يدل على أكثر من اثنين، كالجمع، مثل: نجوم، وصنوان3 ... وكاسم الجمع4. مثل: قوم، ورهط ... 3- ما يدل على اثنين5 ولكنهما مختلفان في لفظيهما، مثل: الأبوين، للأب والأم. أو: مختلفان في حركات أحرفهما، كالعمرين: لعمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام، المعروف: "بأبي جهل" أو مختلفان في المعنى دون الحروف وحركاتها، كالعينين، تريد بإحداهما العين الباصرة، وبالأخرى البئر6، فلا يسمى شيء من هذا كله مثنى حقيقة، وإنما هو ملحق

_ 1 بمعنى: ماش "غير راكب" تقول: على رجلان، أي: ماش، وليس براكب. 2 سيجيء الكلام تفصيلا على حكم المثنى به في "جـ من ص 125. 3 تقول: بعض الشجر صنوان، فهو جمع مفرده: صنو، والصنو: الشجرة التي تنشأ مع أختها في أصل واحد، فهما شجرتان، مشتركتان في الساق، وتنفصل كل واحدة عند أعلى الساق. 4 تعريفه في رقم2 من هامش ص148. 5 سيجيء في -هـ- من ص158 أن المثنى قد يكون لفظه في ظاهره دالًا على التثنية ومعناه الجمع. 6 وأمثال هذا، من كل لفظين مشتركين في الحروف، والحركات، تريد بأحدهما معنى، وبالآخر معنى يخالفه على سبيل الحقيقة، كالمثال السابق، أو على سبيل المجاز، مثل: "القلم أحد اللسانين". وتقول جمهرة النحاة: إن ذلك كله مقصور على ما ورد عن العرب، وسمع منهم. كما أن العمرين والأبوين وغيرهما مقصور عليهم، شأن كل اسمين يراد تثنيتهما مع وجود اختلاف بين مفرديهما، وأحدهما أهم من الآخر، فقد كان العرب يرجعون الأهم ويغلبونه بإجراء التثنية على لفظه وحده، ثم يجعلون معنى المثنى شاملًا لهما معًا، منطبقًا عليهما، وهذا ما يسمى: "التغليب" وما ورد منه ملحق بالمثنى، وليس مثنى حقيقة. والخير أن يكون التغليب قياسيًّا عند وجود قرينة تدل على المراد بغير ليس: كما لو أقبل شخصان معروفان واسم أحدهما. محمد، والآخر علي، فقلت: جاء العليان أو المحمدان، لكثرة تلازمهما، أو شدة تشابههما في أمر واضح. وبهذا الرأي العملي النافع يقول بعض الباحثين القدامى والمحدثين، والأخذ به حسن ومفيد. هذا، والشائع عند العرب تغليب الأقوى والأقدر "في التثنية كالأبوين". للأب والأم، وتارة يغلبون الأخف نطقا كالعمرين، لأبي بكر وعمر، وتارة يغلبون الأعظم في اتساعه أو ضخامته ... كقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ، هَذَا عَذْابٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُه، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاج} . ففي الآية تغليب للبحر على النهر. كما يكثر عندهم تغليب المذكر على المؤنث، كقولهم: "القمران" في الشمر والقمر، والعاقل على غيره، ففي مثل: صالح والعصفور، يقال: الصالحان يغردان.... ولم يغلبوا المؤنث إلا في قليل من الحالات، أشهرها: 1- قولهم: ضبعان، يريدون: الضبع الأنثى وفحلها. "ويقال للأنثى "ضبع" ولفحلها ضبعان" فاختاروا اللفظ الخاص بالأنثى، وثنوه، وأطلقوه عليهما معا، تغليبا للأنثى. =

بالمثنى. 4- ما يدل على اثنين متفقين فى المعنى والحروف وحركاتها ولكن من طريق العطف بالواو، لا من طريق الزيادة السالفة؛ مثل: أضاء نجم ونجم. 5- ما يدل على شيئين، ولكن من طريق الوضع اللغويّ، لا من طريق تلك الزيادة، مثل: شَفْع "ضد فَرد، ووتر". ومثل زَوْج وزَكًا، وهما بمعنى شَفْع. فكل واحدة من هذه الكلمات تدل دلالة لغوية على قسمين متماثلين متساويين تمامًا "وهي القسمة الزوجية ضد الفردية": فهي تدل على التثنية ضمنًا، ولكن من غير أن يكون في آخرها الزيادة السالفة.

_ = ب- قولهم: فرغت من كتابة رسالتي لثلاث بين يوم وليلة "أي: لثلاث محصورة بين كونها أياما وكونها ليالي". وضابط هذه المسألة: أن يكون معنا عدد تمييزه مذكر ومؤنث، وكلاهما لا يعقل وهما مفصولان من العدد بكلمة: "بين". وقد غلبوا في المثال السابق للتأنيث على التذكير، بدليل أن اسم العدد خال من علامة التأنيث، وهو لا يخلو منها إلا في حالات، أهمها، أن يكون المعدود المذكور متأخرا في الجملة، مؤنثا خالصا- بألا يكون معه مذكر - أو مؤنثا تغليبا، بأن يكون معه مذكر، ليس له الأهمية والتغليب، ومن أمثلته أيضا: قابلت تسعا بين رجل وامرأة، قرأت عشرا بين كتابه وكراسه ... إلخ ولهذه المسألة لمحة في جـ 4 "باب العدد" - تذكيره وتأنيثه - م 165 ص 502 لمناسبة هناك. جـ- المروتان: الصفا والمروة، وهما جبلان بمكة المكرمة، والتغليب للمروة المؤنثة. أما "التغليب" في الجمع فيجيء في رقم 1 من هامش ص 139. 1 النحاة هم الذين يطلقون اسم: "الملحق بالمثنى" على كل كلمة تعرب إعراب المثنى، وليست مثنى حقيقيا، بسبب فقدها أحد الشروط الخاص بالمثنى الحقيقي. ويشترطون في الملحق أن يكون مسموعا "والحق أنه قد ينقاس - أحيانا- كما سبق في التغليب" أما اللغويون فيطلقون. "المثنى" على كل ما يعرب إعراب المثنى، سواء أكان مثنى حقيقيا أم ملحقا به. فالمسألة مجرد اصطلاح، ولا مانع من استعمال هذه التسمية أو تلك، بشرط مراعاة الأحكام الخاصة بكل عند الاستعمال. وشبيه بهذا ما اصطلح عليه النحاة من "الجمع" و "اسم الجمع" - وفي رقم "2" من هامش ص 148 تعريف لاسم الجمع- في حين يطلق اللغويون عليهما اسما واحدا هو: الجمع. وقد يكون المراد عند اللغويين من الاسم المجموع- اثنين، لأن الجمع في اصطلاحهم يطلق على الاثنين، كما يطلق على ما زاد على الاثنين ويؤيد هذا شواهد كثيرة فصيحة، في مقدمتها القرآن. قال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} وقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقول أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه الخمسة الذين ماتوا بالطاعون: العين بعدهمو كأن حداقها ... سملت بشوك، فهي عورا تدمع فأطلق الجمع في قوله: حداقها - وهي جمع: "حدقة" وأراد الاثنين "كما جاء في حاشية ياسين على التصريج ج2 أول باب المضاف لياء المتكلم" وانظر رقم2 من هامش 137 ثم "ز" من ص160". "ملاحظة هامة": من الضوابط اللغوية ما صرح به النحاة، وملخصه: أن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه- بكسر الميم الثانية المشدة، وصيغة اسم الفاعل: أي: إلى ما اشتمل على المضاف- يجوز فيه الإفراد، والتثنية، والجمع، والأفضل الجمع نحو قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وتقول: تصدقت برأس الكبشين - أو رأسي الكبشين، أو رءوسهما. =

ومثلها: "كِلاَ" فإنها تدل على شيئين متساويين أو غير متساويين، ولكن من غير زيادة في آخرها، فهذه ملحقة بالمثنى. 6- ما يدل على اثنين، وفي آخره زيادة، ولكنها لا تغني عن العاطف والمعطوف: مثل: كلتا، اثنان، اثنتان أو: ثنتان؛ فليس لواحدة من هذه الكلمات مفرد مسموع عن العرب، على الرغم من وجود زيادة في آخرها1، ولهذا تعد ملحقة بالمثنى، وليست مثنى حقيقة. حكم المثنى: أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة. وبعدها نون مكسورة2؛ مثل: يتحرك الكوكبانِ. وينصب بالياء نيابة عن الفتحة. وهذه الياء قبلها فتحة وبعدها نون مكسورة؛ مثل: شاهدت الكوكَبَيْنِ. ويجر بالياء نيابة عن الكسرة وقبلها فتحة، وبعدها نون مكسورة، مثل: فرحت بالكوكبَيْنِ. هذا هو أشهر الآراء3 في إعرابه وإعراب ملحقاته4، "ومنها كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، أو: ثنتان"5. إلا أن كلا وكلتا لا تعربان بهذه الحروف إلا إذا أضيفتا للضمير؛ الدال على التثنية سواء أكانتا للتوكيد، أم لغيره،

_ = وإنما فضل الجمع على التثنية؛ لأن المتضايفين كالشيء الواحد، فكرهوا الجمع بين تثنيتهما، ولأن المثنى جمع في المعنى. وفضل الجمع على الإفراد لأن المثنى جمع في المعنى- كما سلف- والإفراد ليس كذلك، فهو أقل منه منزلة في الدلالة على المثنى. هذا ما قاله النحاة كالصبان جـ3 والخضري جـ 2 في أول باب التوكيد- وينطبق ما سبق على "النفس والعين المستعملتين في التوكيد، خضوعا للسماع الوارد فيهما، لا تطبيقا للضابط السالف، فقد قال الصبان في الموضع المشار إليه: إن إضافتهما ليست لمتضمنهما، بل إلى ما هو بمعناهما، لأن المراد منهما الذات. وسيجيء في "ز" من ص 160 ضابط آخر أوضحه شارح "المفصل" وهو يخالف الضابط الذي هنا بعض المخالفة. ويبدو أن الرأي الأقوى هو ما قاله شارح "المفصل". ويرى بعض النحاة أن يطلق على الملحق بالمثنى تسمية خاصة به، هي: "اسم المثنى" فيكون هناك "اسم المثنى"، كما يكون هناك "اسم الجمع". 1 فلم يرد عنهم: "كلت" ولا اثن، ولا اثنة، ولا ثنت، مع أن الألف في "كلتا" زائدة والتاء أصلية. وقيل العكس. والألف والنون زائدتان في البواقي. 2 وهي حرف مبني على الكسر في أشهر اللغات وأفصحها من بين لغات متعددة، فقليل من العرب يفتحها بعد ألف المثنى، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء في حالتي النصب والجر. "وستجيء في ص 156" وجدير بنا اليوم الاقتصار على الأكثر الأفصح. 3 ستجيء آراء أخرى في إعرابه. وبيانها في "ب" ص 123 وكذلك في المسمى به- "جـ" ص 125. 4 ويدخل فيها: "المثنى المسمى به، والمثنى تغليبا، واثنان. واثنتان" وغيرهما. أما السبب في التسمية: بالمثنى والجمع فسبب بلاغي: كالمدح، أو الذم أو التلميح، "طبقا للبيان الآتي في "جـ" من ص 116". هذا ويلاحظ أن "النون" التي في آخر المثنى المسمى به يتعدد ضبطها بتعدد الآراء التي في ص 125 "جـ". 5 يجوز إضافة. اثنتين واثنتين إلى ظاهر أو ضمير بشرط أن يكون معنى المضاف إليه ومدلوله غير معنى المضاف ومدلوله، فلا يصح أن تقول: جاء اثنا محمد وعلى إذا كان محمد وعلى هما الاثنان، =

فإن كانتا للتوكيد وجب أن يسبقَهما المؤكَّد الذي يطابقه الضمير، نحو أكرمْ الوالدين؛ فإن كليهما صاحب الفضل الأكبر عليك ... وعاون الجدّتين، فإن كلتيهما أحبّ الناس لك. فالكلمتان ليستا للتوكيد، وهما معربتان كالمثنى منصوبتان بالياء. ومثالهما للتوكيد: جاء الفارسان كلاهما، غابت السيدتان كلتاهما؛ "فكلا" و"كلتا" توكيد مرفوع بالألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، وهو مضاف و"هما" مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ونحو: صافحت الفارسيَنِ كليهما، والمحسنتين كلتيهما، وأثنيت على الفارسيَنِ كليهما، والسيدتين كلتيهما "فكلا وكلتا توكيد منصوب أو مجرور بالياء مضاف، والضمير مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر1 ... فلو أضيفت كلا أو كلتا لاسم ظاهر2 لم تعرب كالمثنى، ولم تكن للتوكيد، -وأعربت- كالمقصور- على حسب الجملة، بحركات مقدرة على الألف، في جميع الأحوال: "رفعًا، ونصبًا، وجرًّا"، مثل: سبق كلا المجتهدَيْن، وفازت كلتا لماهرتَينِ، فكلا وكلتا: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. ومثل: هنأت كلا المجتهدَيْنِ، وكلتا الماهرتَين؛ فكلا وكلتا مفعول به، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسألت عن كلا المجتهدينِ، وعن كلتا الماهرتَينِ، فكلا وكلتا مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف.

_ = ومدلولهما هو مدلول المضاف. لا يصح هذا بسبب فقد الشرط السالف، ولا جاء اثنا كما، إذا كان المراد بالمضاف إليه هما الاثنان المخاطبان، لأن معناهما والمراد منهما هو معنى المضاف والمراد منه، فلا فائدة من إضافة الشيء لنفسه "كما سيجيء في باب الإضافة - جـ3" أما إن كان المراد من "اثنا" خادمين، أو: كتابين، أو ... هو شيئان يختلفان في معناهما وذاتهما عن معنى المضاف إليه ومدلوله- فلا مانع "راجع" "و"، من ص 134". وبهذه المناسبة نذكر أن "كلا" و "كلتا" في جميع أحوالهما لا يستعملان إلا مضافين، إما لمعرفة دالة على اثنين بغير تفريق، وإما لنكرة مختصة كذلك- في الصحيح - ولو كانت المعرفة بحسب الظاهر مفردة أو جمعا وسيجيء بيان المراد من هذين في جـ3 م 95 ص 97 باب "الإضافة" عند الكلام على: "كلا وكلتا" - فإذا أعربا إعراب المثنى وجب أن تكون هذه المعرفة ضميرا للتثنية على الوجه الذي شرحناه. "ولهما أحكام أخرى في بابي: "التوكيد، والإضافة" من الجزء الثالث ليس موضع سردها هنا". أما اثنان واثنتان فلا تجب إضافتهما "كما في ص 134" بل يجوز فيهما الإضافة وعدمها. لكن إذا أضيفا وجب في - الصحيح - أن يكون مدلولهما مخالفا مدلول المضاف إليه، سواء أكان اسما ظاهرا أم ضميرا كما تقدم-. 1 انظر "أ" ورقم 2 من: "ب" ص 123 في الزيادة - حيث بعض الصور الدقيقة المتصلة بهذا الحكم. 2 والأفصح أن يكون الظاهر مثنى معرفة. غير مفرق - كما سيجيء في الجزء الثالث، باب الإضافة -

مما تقدم نعلم: أ- أن كلا وكلتا إذا أضيفتا للضمير تعربان كالمثنى -أي،: بالحروف المعروفة في إعرابه؛ سواء أكانتا للتوكيد1 أم لغيره، ولا بد أن يكون الضمير للتثنية. ب- وأنهما عند الإضافة للظاهر، لا تكونان كالمثنى، بل تعربان على حسب الجملة "فاعلا أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرًا ... إلخ"، وبحركات مقدرة على الألف دائمًا، كإعراب المقصور2.

_ 1 وإذا كانتا للتوكيد وجب أن يسبقهما المؤكد وبعدهما الضمير الذي يطابقه. 2 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: بالألف ارفع المثنى، وكلا ... إذا بمضمر مضافا وصلا "كلتا" كذاك. "اثنان، واثنتان" ... كابنين وابنتين يجريان وتخلف "اليا" في جميعها "الألف" ... جرا ونصبا بعد فتح قد ألف أي: أن المثنى يرفع بالألف، و "كلا" ترفع بالألف إذا وصلت بمضمر، وكانت هي مضافا، والضمير هو المضاف إليه "وكلتا". كذلك. أما "اثنان" و "اثنتان" فملحقتان بالمثنى، ويجريان في إعرابهما على الطريقة التي تجري في إعراب: "ابنين وابنتين" وهذان من نوع المثنى الحقيقي يرفعان بالألف. أما في حالة النصب والجر، فتحل الياء في كل ما سبق محل الألف، فتكون الياء نائبة عن الفتحة وعن الكسرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- عرفنا أنه لا يجوز إعراب: "كلا وكلتا" إعراب المثنى إلا بشرط إضافتهما للضمير الدال على التثنية. لكن يجب التنبه إلى أن تحقق هذا الشرط يوجب إعرابهما إعراب المثنى من غير أن يوجب إعرابهما توكيدًا؛ فقد يتحتم عند تحققه إعرابهما توكيدًا فقد، وقد يمتنع إعرابهما توكيدًا ويتحتم إعرابهما شيئًا آخر غيره، وقد يجوز فى إعرابهما الأمران؛ التوكيد وغيره، فالحالات الثلاث عند تحققه. ففى مثل: أقبل الضيفان كلاهما، وأجادت الفتاتان كلتاهما ... يتعين التوكيد وحده. وفى مثل: النجمات كلاهما مضئ، والشاعرتان كلتاهما نابغة - يمتنع التوكيد ويتحتم هنا إعرابهما مبتدأين، وما بعدهما خبر لهما، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول؛ "وهو: النجمان، والشاعرتان". ولا يصح إعراب "كلا وكلتا" فى هذا المثال توكيدًا؛ لكيلا يكون المبتدأ "النجمان - الشاعرتان" مثنى، خبره مفرد، إذ يصير الكلام: النجمان مضئ، الشاعرتان نابغة؛ وهذا لا يصح. وفى مثل: النجمان - كلاهما - مضيئان، والشاعرتان - كلتاهما - نابغتان ... يجوز فيهما أن يكونا للتوكيد. وما بعدهما خبر للمبتدأ. ويجوز فى كل منهما أن يكون مبتدأ ثانيًا خبره ما بعده، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره خبر للمبتدأ الأول. ب- إعراب المثنى وملحقاته بالحروف هو أشهر المذاهب وأقواها، كما أسلفنا. ويجب الاقتصار عليه فى عصرنا؛ منعًا للفوضى والاضطراب فى الاستعمال الكلامي والكتابي، وأما اللغات الأخرى فلا يسوغ استعمالها اليوم، وإنما تُذْكر للمتخصصين؛ ليسترشدوا بها في

_ "1، 1" في ص 120. "2، 2" يلاحظ أن لفظ "كلا وكلتا" مفرد، ولكن المعنى مثنى، فيجوز في الخبر وفي الضمير العائد عليهما مراعاة لفظهما، أو معناهما، طبقا للبيان الذي في آخر الصفحة التالية. 3 كما سيجيء في رقم 2 من الصفحة الآتية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهم بعض النصوص اللغوية الواردة عن العرب بتلك اللغات واللهجات. ومن أشهرها: 1- إلزام المثنى وملحقاته "غير: كلا وكلتا"1 الألف فى جميع أحواله، مع إعرابه بحركات مقدرة عليها؛ تقول عندى كتابانِ نافعانِ، اشتريت كتابانِ نافعانِ، قرأت فى كتابانِ نافعانِ، فيكون المثنى مرفوعًا بضمة مقدرة على الألف، ومنصوبًا بفتحة مقدرة عليها، ومجرورًا بكسرة مقدرة كذلك؛ فهويعرب إعراب المقصور، والنون للتثنية فى كل الحالات. مبنية على الكسر - بغير تنوين- وتحذف عند الإضافة. 2- إلزام المثنى الألف والنون فى جميع أحواله مع إعرابه بحركات ظاهرة على النون. كأنه اسم مفرد، تقول: عندي كتابانٌ نافعانٌ، واشتريت كتابانًا نافعانًا، وقرأت في كتابانٍ نافعانٍ، ويحذف التنوين إذا وجد ما يقتضي ذلك؛ كوجود "أل" في أول المثنى. أو إضافته. وكذلك لمنع الصرف إذا وجد مانع من الصرف ... فيرفع معه بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين أيضًا. أما "كلا، وكلتا" ففيهما مذاهب أيضًا؛ أشهرها وأحقها بالاتباع ما سبق فيهما؛ وهو إعرابهما بالحروف، بشرط إضافتهما إلى ضمير دالّ على التثنية -علمًا بأنهما لا تضافان مطلقًا- إلى ضمير للمفرد، نحو: كلاي وكلتاي، ولا إلى ضمير للجمع، نحو: كلاهم، وكلتاهم، ولا يضافان إلى الظاهر أيضًا، وإلا إعربًا معه إعراب المقصور. وهناك من يعربهما إعراب المقصور في جميع أحوالهما2، أي: بحركات مقدرة على الألف2 دائمًا. ومنهم من يعربهما إعراب المثنى في جميع أحوالهما، ولو كانت إضافتهما إلى اسم ظاهر مثنى. ولا حاجة اليوم إلى غير اللغة المشهورة. هذا، ولفظهما مفرد، مع أن معناهما مثنى؛ فيجوز في الضمير العائد عليهما مباشرة، وفي الإشارة، وفي الخبر، ونحوه -أن يكون مفردًا، وأن يكون مثنى، تقول: كلا الرجلين سافر، أو سافرا، وكلا الطالبين أديب، أو أديبان،

_ 1 ستجيء هنا اللغات المختلفة فيهما. 2، 2 حتى في حالة إضافتهما للضمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وكلتا الفتاتين سافرت، أو سافرتا"، "وكلتاهما أديبة، أو أديبتان"، والأكثر مراعاة اللفظ. كقول الشاعر: لا تَحْسَبَنّ الموتَ موتَ البِلى ... وإنما الموتُ سُؤال الرجالِ كلاهُمَا موْت، ولكنّ ذَا ... أفظعُ من ذاك، لذُل السؤالِ هذا ويتعين الإفراد ومراعاة اللفظ في مثل: كلانا سعيد بأخيه.....؛ من كل حالة يكون المعنى فيهما قائمًا على المبادلة والتنقل بين الاثنين فينسب فيها إلى كل واحد منهما ما ينسب إلى الآخر، دون الاكتفاء بذكر المعنى المجرد من دلالة المبادلة والتنقل بينهما كالمثال السابق، وكقولنا: كلانا حريص على المودة، كلانا محب لخير زميله1..... بقيت مسألة تتعلق بالإعراب في مثل: محمد وعليّ كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان، فكلمة: "كلاهما"، في المثال الأول مبتدأ حتمًا، و"قائم" خبره والجملة خبر الأول، ولا يصح إعراب "كلا" للتوكيد، لما يترتب على ذلك من إعراب كلمة "قائم" خبر المبتدأ، وهذا غير جائز؛ إذ لا يقال: محمد وعلي قائم؛ لعدم المطابقة اللفظية. أما فى المثال الثاني فيصح إعرابها مبتدأ أو توكيدًا -كما سبق في "أ". ج- جرى الاستعمال قديماً وحديثًا على تسمية فرد من الناس وغيرهم باسمٍ، لفظه مثنى ولكن معناه مفرد، بقصد بلاغي؛ كالمدح، أو الذم، أو

_ 1 ومثل قول الشاعر: كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن غذا متنا أشد تغانيا أي: كل واحد منا غني عن أخيه. وهناك كلمات أخرى تشبه "كلا" و "كلتا" في أن لفظها مفرد، ومعناها قد يكون مفردا حينا، وقد يكون مثنى أو جمعا حينا آخر، مع التذكير أو التأنيث على حسب كل حالة، ومن تلك الكلمات: "كم"، و "من" و "ما"، و "أي" و "بعض". ... وسيجييء الكلام عليها من هذه الناحية في أبوابها، ومنها: باب الموصول- ص 340 وأيضا عند الكلام على مرجع الضمير في باب الضمير، ص 266 حيث تعرض الصور والأحكام الهامة الخاصة بذلك. أما التطابق بين المبتدأ والخبر فيجيء في ص 452 وما بعدها..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التلميح1 ... -كما سبق فى رقم4 من هامش ص111- مثل: "حمدان" تثنية: "حمْد"، و"بدْران" تثنية "بدر" و"مَرْوان"، تثنية: "مرْو"؛ وهي: الحجارة البيض الصلبة، و"شعبان" تثنية "شَعْب" و"جبْران" تثنية "جبْر"، ومثل: مُحمدَين، وحسَنَيْنِ والبحْرين "اسم إقليم عربيّ على خليج العرب ... " فهذه الكلمات وأشباهها ملحقة بالمثنى1، وليست مثنى حقيقيًّا. وفي إعرابهما وجهان: تثبت فيهما النون في جميع الحالات الإعرابية حتى حالة الإضافة؛ لأنها نون في صيغة علم مفرد، وإن كان لفظه في صورة المثنى، فهي حرف هجائي، داخل في تكوين العلم وصياغته، ولا شأن لها بالتثنية الحقيقية، وليست كتاء التأنيث حرف معنى-ويقول الهمع "ح1 ص45 -الباب الخامس جمع المذكر السالم" ما نصه في حروف العلم: "قد صارت بالعلمية لازمة للكلمة، لأن العلمية تسجل الاسم وتحصره من أن يزاد فيه أو ينقص" اهـ. أحدهما: حذف علامتي التثنية من آخرها، وإعرابها بعد ذلك بالحروف؛ كباقي أنواع المثنى الحقيقي؛ فتقول سافر أخي بدْرَانِ، يحب الناس بدْرَينِ، وتحدثوا عن بدْرَين....، وهذا صديقي محمدان، وصافحت محمدين وسلمت على الصديق محمدين. وفي الأخذ بهذه الوجه احتمال الوقوع في اللبس. والآخر: إلزامها الألف والنون، -مثل عِمران- وإعرابهما إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النون؛ فترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالفتحة من غير تنوين3 أيضًا. ولا يصح حذف النون مطلقًا وهذا الوجه أنسب من سابقه، لأن احتمال اللبس فيه أخف. ولعل الخير فى إباحة وجه ثالث يحسن الاصطلاح على إباحته وإن كنت لم أره لأحد من قدامى النحاة؛ فإنهم قصروه على جمع المذكر السالم4، هوإبقاء العلَم على حاله - من الألف والنون، أوالياء والنون - مع إعرابه كالاسم المفرد بحركات إعرابية مناسبة على آخره، ومنعه من الصرف إذا تحقق شرط المنع-.

_ "1 و 1" كما سبق في رقم 4 من هامش ص 120. 2 بغير "أل"، لأنه علم على واحد، وليس مثنى حقيقة. بخلاف العلم عند تثنيته، فيجب تصديره "بأل" أو غيرها مما يجلب له التعريف، - كما سيجيء في رقم 3 من ص 129. - 3 اشترط بعض النحاة لإعرابه بالحركات كالممنوع من الصرف، ألا تزيد حروفه عند التثنية على سبعة. كاشهيباب، للسنة المجدية، فإن زادت "مثل: أشهيبا بين" وجب إعرابه بالحروف. 4 انظر آخر الهامش في ص 152 ورقم 2 من ص 153.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجب مراعاة الإفراد فيه إذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالخبر والنعت ... ، وهذا الوجه وحده أولى بالاتباع، إذ لا يؤدى إلى اللبس؛ لأنه الموافق للواقع، وليس فى أصول اللغة ما يعارضه1 يمنعه بل إن كثيرًا من المعاملات الجارية في عصرنا توجب الاقتصار عليه، فالمصارف2 لا تَعترف إلا بالعَلم المحْكيّ، أي: المطابق للمكتوب نَصًّا في شهادة الميلاد، وفي الشهادة الرسمية المحْفوظة عندها المماثلة لما فى شهادة الميلاد ولا تقضي لصاحبه أمرًا مَصْرِفيا إلا إذا تطابق إمضاؤه "توقيعه" واسمه المسجل في تلك الشهادة تطابقًا كاملاً في الحروف وفي ضبطها، فمن اسمه: "حَسَنيْن" أو: بدران ... يجب أن يظل على هذه الصورة كاملة في جميع الاستعمالات عندها، مهما اختلفت العوامل التي تقتضي رفعه، أو نصبه، أو جرّه. فلو قيل: حسنان، أو: بَدْرَيْن؛ تبعًا للعوامل الإعرابيَّة لكان كل علَم من هذه الأعلام دالاً في عُرْف المصرف على شخص آخر مغاير للشخص الذي بدل عليه العلم الأول، وأن لكل منهما ذاتًا وحقوقًا ينفرد بها، ولا ينالها الآخر، ولن يوافق المصرف مطلقًا على أنّ الاسمين لشخص واحد، ولا على أن الخلاف يتجه للإعراب وحده دون الاختلاف في الذات. ومثل المصارف كثير من الجهات الحكومية؛ كالبريد، وأنواع الرخص، والسجلات الرسمية المختلفة ... ويقوي هذا الرأي ويؤيده ما نقلناه عن النحاة في الصفحة السابقة خاصة بحروف العلم. أما الوجه الأول فقد يوهم أنه مثنى. ولا يأمن اللبس فيه إلا الخبيرُ الذى يعرف أنه مفرد؛ ويُدْرك أن العلم المثنى لا يتجرد من "أل" إلا عند إضافته، أوندائه، كما سيجيء، وهذا غير مضاف؛ بل إنه قد يضاف3 فيزداد اللبس قوة. ولا يخلو الثانى من لبْس، أيضًا. -كما تقدم.

_ 1 من الممكن الاستنارة -إلى حد ما- في تأييد هذا الرأي بما نقله الهمع "جـ1 ص47". من أن بعض العرب يجعل إعراب المثنى -وكذا جمع المذكر- على النون، إجراء له مجرى المفرد، فيقولون: هذان خليلان ... 2 جمع مصرف -بفتح الميم، وكسر الراء: وهو ما يسمى: "البنك". 3 يصح إضافة العلم أحيانا إلى المعرفة لداع بلاغي، كقصد تعيينه، نحو: محمد على، وفاطمة حسن، بشرط ألا يكون "المضاف" من أولاد "المضاف إليه"، إذ يترتب على فقد الشرط أن يكون أصل المثالين السابقين- ونظائرهما-: محمد بن على، وفاطمة بنت حسن، فحذف المضاف، وهو "ابن، بنت" وأقيم المضاف إليه مقامه. وحذفهما شاذ، يقتصر فيه على المسموع -منعا للإلباس- كما نصوا على هذا في باب الإضافة "انظر جـ3 ص 155 م 96" وتفصيل هذا في باب: العلم، رقم1 هامش ص294 حيث الأوجه الجائزة في العلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الأوجه الثلاثة السابقة، لا تحذف النون في الإضافة1 -كما أشرنا. د- اشترط جمهور النحاة فيما يراد تثنيته قياسًا ثمانية2 شروط: 1- أن يكون معربًا. فأما هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، فقد وردت عن العرب هكذا معربة - مع أن مفرداتها مبنية؛ فلا يقاس عليها3.... فإن كان اللفظ في أصله مفردا مبنيا، ثم صار علما فإنه يعرب وينون- طبقا للملاحظة التي في ص 79- ويصبح تثنيته وجمعه ... 2- أن يكون مفردًا؛ فلا يثنى جمع المذكر السالم. ولا جمع المؤنث السالم؛ لتعارض معنى التثنية وعلامتها، مع معنى الجمعين4 وعلامتهما. أما جمع التكسير واسم الجمع فقد يثنى كل منهما أحيانًا؛ نحو: "جِمَاليْن، وركبيِن" فى تثنية: "جِمال" و"رَكب"؛ بقصد الدلالة فى التثنية على التنويع، ووجود مجموعتين متميزتين بأمر من الأمور. وكذلك يثنى اسم الجنس -غالبًا- للدلالة السابقة -نحو، ماءين، ولبنين. وأكثر النحاة يمنع تثنية جمع التكسير ويقصرونه على السماع كما في المثالين السالفين -وستجئ الإشارة لهذا في ص161. أما التفصيل فمكانه: "باب جمع التكسير" من الجزء الرابع، ص620 م174. وأما المثنى فلا يثنى، ولا يجمع؛ لكيلا يجتمع إعرابان بعلاماتهما على كلمة

_ 1 لأنها ليست نون تثنية، بل هي نون في آخر علم مفرد، لفظه كالمثنى، وحذفها يغير صيغته. 2 وهي شروط عامة فيه وفي جمع المذكر السالم- كما يجيء في رقم 1 من هامش ص 140. 3 وأما نحو: "يا محمدان - يا محمدون- لا رجلين" فإن البناء متأخر عن التثنية وعن الجمع. أي: أنه طاريء على الكلمة المثناة أو المجموعة، فهو عرضي صادف عند مجيئه الكلمة على حالتها هذه: فهي ألفاظ - كما يقولون- مبنية بعد التثنية والجمع، وليست مثناة أو مجموعة بعد البناء ... وأما "منان ومنون" - ونحوهما في تثنية "من" وجمعها في "الحكاية" ... فليست الزيادة فيهما للتثنية والجمع، وإنما هي للحكاية بدليل حذفها في وصل الكلام - راجع الصبان في هذا المكان -. 4 إذا سمي بهما فقد يصح جمعهما على الوجه الموضح في "ب" من ص 155 وفي "هـ" من ص 172.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة. وهذا هو الرأي السائغ الذي يحسن الاقتصار عليه. لكنْ لو سمي بالمثنى، وأريد تثنية هذا المسَمَّى لم يصح تثنيته مباشرة، وإنما يصح بطريقة غير مباشرة، بأن نأتي قبل المثنى بالكلمة الخاصة التي يتوصل بها لتثنيته؛ وهي "ذو" مختومة، بعلامة التثنية للمذكر والمؤنث فى حالات الإعراب المختلفة؛ فيقال للمذكر فى حالة الرفع: "ذوَا" ... وفي حالتي النصب والجر: "ذَوَيْ ... " مثل: نبغ ذَوَا حمدان، وأكرمت ذَوَيْ حمدان, واستمعت إلى ذَوَيْ حَمْدان. فكلمة: "ذَوَا وذَوَيْ" تعرب على حسب حاجة الجملة، كإعراب المثنى وهما "مضافان"، والمثنى المسمى به هو: "المضاف" إليه دائمًا ويحتفظ بكل حروفه، ثم تجري عليه أَحكام المضاف إليه؛ من الجرّ، وغيره. ويقال للمؤنث في حالة الرفع: "ذاتا"، أو: ذواتا، وفي حالة الجر: "ذاتيْ ... " أو"ذواتَيْ1 ... "..وتعرب هذه الألفاظ على حسب حاجة الجملة كإعرْاب المثنى. وهي "مضافة" والمسمى به هو "المضاف إليه" الذى يخضع للحكم السالف2. 3- أن يكون نكرة؛ أما العلَم فلا يثنى؛ ولا يجمع3.... لأن الأصل فيه أن يكون مسماه شخصًا واحدًا معينًا، ولا يثنى إلا عند اشتراك عدة أفراد فى اسم واحد4، وهذا معنى قول النحويين: "لا يثنى العلم إلا بعد قصد تنكيره"، وحينئذ تزاد عليه: "أل" المعرفة5 بعد التثنية؛ لتعيد له التعريف، أو: يسبقه حرف

_ 1 جاء في الهمع "حـ 1 ص 44" ما نصه: "وأما "ذات" فقالوا في تثنيتهما "ذاتا" على اللفظ بلا رد للواو، إلى أصلها وهو القياس ... و "ذواتا" على الأصل برد لام الكلمة - وهي الياء - ألفا لتحركها". 2 وبهذه الطريقة غير المباشرة يصح جمع المثنى الذي سمي به. ولكن تستخدم قبله كلمة: "ذوو" رفعا، "وذوي" نصبا وجرا: وهو بعدهما: "المضاف إليه" الخاضع للحكم الذي أوضحناه. 3 سيجيء بيان عن جمع العلم جمع مذكر سالم وما يترتب على هذا الجمع- "في رقم 2 من هامش ص 139. 4 لهذا إيضاح في رقم 1 من هامش ص 294. 5 ستجيء في م 30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من حروف النداء1 -مثل: "يا"؛ لإفادة التعيين والتخصيص أيضًا، بسبب القصد المتجه لشخصين معينين2؛ نحو: يا محمدان، أو إضافة إلى معرفة، مثل: حضر محمداك. فلا بد مع تثنية العلم من شيء مما سبق يجلب له التعريف.؛ لأن العلم يدل على واحد معين. كصالح، وأمين، ومحمود3، والتثنية تدل على وقوع مشاركة بينه وبين آخر، فلا يبقى العلم مقصورًا على ما كان عليه من الدلالة على واحد بعينه، بل يشترك معه غيره عند التثنية، وفي هذه المشاركة نوع من الشيوع، يناقض التعيين والتحديد الذي يدل عليه العلم المفرد. هذا إلى أن العلَم المفرد4 قد يصار بعد التثنية إلى لفظ لم تقع5 به التسمية أولا ... 4- غير مركب6؛ فلا يثنى بنفسه7 المركب الإسنادي "وهو المكون من مبتدأ وخبر؛ مثل "على مسافر" علم على شخص، أو من فعل وفاعل، مثل: "فتحَ اللهُ، علم على شخص أيضًا". وإنما يثنى من طريق غير مباشر؛ فنأتي بكلمة: "ذو" للمذكر، و"ذات" للمؤنث؛ لتوصل معنى التثنية إليه. وهي ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وتكون مضافة إلى المركب في الأحوال الثلاثة، تقول: جاء ذوَا "محمدٌ مسافرٌ"، وذاتا ... ،

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم2 من هامش ص41 وله إشارة في هامش ص294. 2 في سبب تعريف المنادى المعرف آراء، منها: أن السبب هو القصد والإقبال عليه: ومنها أنه التعريف الذي كان قبل ندائه، وقيل: إن التعريف الأول الذي كان قبل النداء قد زال وعاد جديدا بعد النداء ... إلى غير هذا مما يذكره النحاة مفصلا في أول باب النداء - ج4. 3 قد ينكر العلم لحكمة بلاغية أشرنا إليها مفصلة في رقم 1 من هامش ص 294. 4 يستثنى من هذا: "جماد يان"، تثنية: "جمادي" علم على الشهر العربي في المعروف، و "عمايتان" لجبلين، و "أبانان" لجبلين أيضا، و "أذرعات" لبلد بالشام، و "عرفات" لجبل بمكة. فإن العرب قد استعملت هذه الأعلام "المثنى منها، والمجموع" بغير زيادة شيء يجدد لها تعريفا، لأن علميتها الأولى لم تفارقها في التثنية والجمع، فليست في حاجة إلى تعريف جديد. 5 راجع شرح المفصل "جـ1 ص 46" عند الكلام على المثنى والمجموع من الأعلام. 6 أنواع المركب تجيء هنا، وفي "ب" من ص 145 وتفصيل الكلام على كل واحد منها سيجيء في باب العلم، ص 300 و 309 وما بعدها. 7 عدم تثنيته بنفسه "أي: مباشرة" حكم متفق عليه بين النحاة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو: ذواتا "هندٌ مسافرةٌ"، وشاهدت ذوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... ، أو: ذَوَاتَيْ "هندٌ مسافرةٌ": ونظرت إلى ذَوَيْ "محمدٌ مسافرٌ" وذاتَيْ ... أو: ذواتَيْ "هندٌ مسافرةٌ". والمركب الإسنادي في كل هذه الحالات مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة، منع من ظهورها حركة الحكاية1.... كذلك المركب المزجى: كحضْرَموت، اسم بلد عربى، و"بَعْلبَك" اشم بلد لُبنانى، واسم معبد هناك. أيضًا. "سيبويه" اسم إمامَ النحاة. فإنه لا يثنى بنفسه مباشرة2؛ وإنما يثنى بمساعدة: "ذو، وذَات" بعد تثنيتهما وإضافتهما؛ تقول: هناك "ذَوَا" بعلبك، وذاتا أو: ذواتا بعلبك، وزرت "ذوَىْ" بعلبك، وذاتَىْ، أوذواتى بعلبك، ونزلت بذوَ ىْ بعلبك، وبذاتَىْ أو: ذواتَىْ بعلبك، وهكذا ... ومثله المركب العددى؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ. ومن العرب من يعرب المركب المزجى بالحرف كالمثنى الحقيقى؛ فيقول: بعلبكانِ" و"بعلبكَّيْنِ"، والأخذ بهذا الرأى أسهل وأخف، لدخوله مع غيره فى القاعدة العامة لإعراب المثنى؛ فيحسن الاقتصار عليه3 اليوم. وفيهم من يجيز تثنية صدره وحده معربًا بالحرُوف، ويستغني عن عجزُه نهائيًا؛ فيقول فى حالة الرفع "حضْران" فى "حضْرموت"، و"بعلان" فى "بعلبك"، و"سيبان" فى "سيبويه" وفى حالة النصب والجر يأتى بالياء مكان الألف. ولكن هذا الرأى يوقع فى لبس وإبهام وخلط بين المركب المزجى وغيره، فيحسن إهماله فى استعمالنا. "وأما المركب الإضافي "كعبد الله" و"عبد العزيز" و"عبد الحميد"، فلا خلاف في تتثنية صدره المضاف، مع إعرابه بالحروف، وترك المضاف إليه على حاله تقول: هما عبدا الله، وهما عبدا العزيز، وسمعت عبدَي الله: وعبدَي العزيز، وأصيغت إلى عبدَي الله ... إلخ...."

_ 1 كما يجيء في: "ج" من ص 171. 2 هذا هو الشائع. وسيجيء هنا- وفي "ب" من ص 145- رأي آخر يبيح تثنيته وجمعه مباشرة، وقد ارتضيناه للسبب الموضح هناك. 3 هذا رأيي الخاص. وحبذا الاتفاق عليه، ليكتسب قوة وحصانة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا موجز ما يقال فيه وهناك تفصيلات أخرى هامة1. أما إذا كان المركب وصفيًّا "أي: مكونًا من صفة وموصوف؛ مثل2: الرجل الفاضل" -فيثنى الصدر والعجز معًا، ويعربان بالحروف؛ فتقول: جاء الرجلان الفاضلان، ورأيت الرجلين الفاضلين، ومررت بالرجلين بالفاضلين وبالرغم من أن هذا هو الرأى الشائع فإنه يوقف في لبس كبير؛ إذ لا يظهر معه أنه مثنى، مفردُه مركب وصفي. ولهذا كان من المستحسن3 تثنيته بالطريقة غير المباشرة، وهي زيادة "ذَوَا"، وذَوَيْ، قبله، وذاتا، أوذواتا ... وذاتَيْ، أوذَوَاتَيْ ... وبهذا تكون طريقة تثنيته هي طريقة جمعه الآتية4 ... 5- أن يكون له موافق في اللفظ موافقة تامة في الحروف وعددها وضبطها؛ فلا يثنى مفردان بينهما خلاف في شيء من ذلك "إلا ما ورد عن العرب ملاحظًا فيه "التغليب" كما وضحنا5. 6- أن يكون له موافق في المعنى، فلا يثنى لفظان مشتركان في الحروف، ولكنهما مختلفان في المعنى حقيقة أو مجازًا، مثل: "عين" للباصرة "وعين" للجارية، فلا يقال: هاتان عينان، تريد بواحدة معنى غير الذي تريده من الأخرى6.... 7- وجود ثانٍ له في الكوْن، فلا تثنى كلمة: شمس، ولا قمر، عند القدامى؛ لأن كلا منهما لا ثاني له فى الكون في زعمهم. أما اليوم فقد ثبت وجود شموس وأقمار لا عداد لها؛ فوجب إهمال هذا الشرط قطعًا. إذ لا يوجد في المخلوقات شيء لا نظَيرَ لَه.

_ 1 وهي مذكورة في مكانها الأنسب "جـ4 باب جمع التكسير. م 174 ص 622 بعنوان: تثنية أنواع المركب، وجمعها جمع تكسير...." وبيان أن من المركب الإضافي ما هو مبدوء بكلمة: "ذي، أو ابن، أو أخ" وما هو مبدوء بغيرها، وحكم كل: ومنه ما يجب فيه تثنية المضاف والمضاف إليه معا- كما سيجيء أيضا في ص 146 -.... الخ. 2 من الأعلام القديمة: القاضي الفاضل" اسم شاعر وأديب مشهور بالنثر الفني المسجوع. 3 هذا رأيي الخاص وحبذا الاتفاق عليه ليكتب قوة وحصانة. 4 في ص 146. 5 في رقم 6 من هامش ص 118. 6 يتصل بهذا ويوضحه ما في رقم 6 من هامش ص 118.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 8- عدم الاستغناء عن تثنيته بغيره، فلا تثنى -في الرأي الغالب عندهم1- كلمتا: "بعض" و"سواء" مثلا استغناء عنهما بتثنية جزء، وسِيّ، فنقول: "جزءان وسيَّان"، ولا تثنى كلمة: "أجمع وجمعاء" في التوكيد؛ استغناء بكلا وكلتا فيه. كما لا يثنى العدد الذى يمكن الاستغناء عن تثنيته بعدد آخر، مثل: ثلاثة وأربعة؛ استغناء بستة وثمانية2. ولذلك تثنى مائة وألف، لعدم وجود ما يغني عن تثنيتهما. وقد جمعوا الشروط السالفة كلها في بيتين؛ هما: شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا ... ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا موافقًا فى اللفظ والمعنى، له ... مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ وزاد بعضهم شرطًا آخر هو: أن يكون في تثنيته فائدة؛ فلا يثنى: "كل" ولا يجمع؛ لعدم الفائدة من ذلك. وكذلك الأسماء التى لا تستعمل إلا بعد نفي عام، وتقتصر فى الاستعمال عليه؛ مثل: أحَد3، وعَرِيب، تقول: ما في الدار أحد، وما رأيتَ عَرِيبًا ... "أي: أحدًا". هـ - عرفنا4 أن المثنى يغني عن المتعاطفين "أي: المعطوف والمعطوف عليه" وأن ما يدل على اثنين من طريق العطف لا يسمى مثنى؛ مثل: نجم ونجم؛ ومن هنا لا يجوز إهمال التثنية استغناء بالعطف بالواو، إلا لغرض بلاغي، كإرادة التكثير فى مثل: أخذتَ مني ألفًا وألفا، أو بيان عدد المرات، وما تحتويه المرة الواحدة؛ مثل: أرسلت لك الدنانير، ثلاثة وثلاثة. ثم أرسلت لك كتابًا وكتابا5 ... أو: وجود فاصل ظاهر بين المعطوف

_ 1 وهو رأي يصعب التسليم به عندي: لما فيه من تعسير بغير داعٍ، ولأن السماع يخالفه في بعض تلك الألفاظ. 2 هذا إن كان المراد من الثلاثة والثلاثة- مثلا- مجموعهما، فيقال: ستة: بدلا من تثنيتهما. أما إن كان المراد بيان عدد من مجموعات من كل فيجوز: كأن تقول: "هذه مجموعات أقلام، عددها ثلاث حزم، وهذه مجموعات أخرى، عددها ثلاث حزم أيضا، والثلاثتان الأوليان مختلفتان عن الثلاثتين الآخرين في الثمن والجودة ... " ثم انظر "هـ" الآتية. 3 البيان الخاص بكلمة: "أحد" في رقم 1 من هامش ص 210. 4 في ص 117 و 119. 5 انظر هـ- من ص 158 لأهميته. وأما بيانه كاملا ففي الجزء الرابع: باب العدد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعطوف عليه، مثل: قرأتُ كتابًا صغيرًا، وكتابًا كبيرًا، أو فاصل مقدر؛ كأن يكون لك أخ غائب اسمه: عليّ، وصديق غائب اسمه: عليّ، أيضًا، ثم تفاجأ برؤيتهما معًا، فتقول: عليّ وعليّ في وقت واحد!! كأنك تقول: عليّ أخى وعلي صديقي أراهما الآن!! هذا إن كان العطف بالواو، فإن كان بغيرها فلا تغني التثنية -غالبًا- لأن العطف بغير الواو يؤدى معاني تضيع بالتثنية، كالترتيب في الفاء، تقول داخل زائر فزائر، بدلا من دخل زائران، وهكذا1. ومما ينطبق عليه تعريف المثنى، الضمير في أنتما قائمان؛ فهو دال على اثنين، ويغني عن أنت وأنت، بما في آخره من الزيارة الخاصة به، وهي "ما" ولكنه في الحقيقة لا يعد مثنى، ولا ملحقًا به، لسببين: أولهما: أنه مبني، وشرط المثنى أن يكون معربًا - كما عرفنا2. وثانيهما: أن الزيادة التي في آخره ليست هي الزيادة المشروطة في المثنى. و من الملحق بالمثنى: "اثنان" و"اثنتان" "وفيها لغة أخرى: ثنتان" وهما ملحقان به، في كل أحوالهما؛ أي: سواء أكانا منفردين عن الإضافة مثل: جاء اثنان، جاءت اثنتان ... أم مركبين مع العشرة؛ مثل: انقضى أثناء عشرَ يومًا، واثنتا عشرْة ليلة "فتعرب اثنا واثنتا على حسب الجملة إعراب المثنى. أما كلمة: "عشر" وكذا "عشرة" فاسم مبني على الفتح لا محل له؛ لأنه بدل من نون المثنى الحرفية"3. أم مضافين إلى ظاهر، نحو جاءني اثنا كتبك، وثنتا رسائلك، أم أضيفا إلى ضمير، نحو غاب اثناكما، وحضرت ثنتاكما. لكن الصحيح عند إضافتهما للظاهر أو للضمير أن يراد بالمضاف إليه شيء غير المراد من اثنا وثنتا أي: غير المراد من المضاف؛ فلا يقال حضر اثنا محمود وصالح، ولا حضر اثناكما، إذا كان مدلول المضاف إليه في الحالتين هو مدلول "اثنا"، أي: مدلول المضاف؛ لأنه في هذه الحالة يؤدي ما

_ 1 ويلاحظ ما سبق في رقم2 من هامش الصفحة السابقة. 2 في ص128. 3 ستجيء إشارة لهذا في "د" من ص156 وبيان السبب الصحيح وفي ص313.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تؤديه "اثنان": و"اثنتان" ومعناه هومعناهما؛ فالإضافة لا فائدة منها؛ إذ هى - كما سبق1 - من إضافة الشىء إلى نفسه؛ فلا حاجة إليها، بخلاف ما لوقلنا: جاءاثنا المنزل، إذا كان المراد صاحبيه، وجاءت ثنتا المنزل، إذا كان المراد صاحبتيه، وجاءاثناكما، وجاءت اثنتاكما، والقصد: خادمتاكما، أوسيارتكما ... وجاء اثناه واثنتاه، واثناكم واثنتاكم ... فإن المراد من المضاف هنا غير المراد من المضاف إليه، وكذلك ما يكون الضمير فيه للمفرد أوالجمع، نحو: اثناك واثناكم ... وهكذا فلا بد فى المضاف إليه "سواء أكان اسما ظاهرًا أم ضميرًا" أن يدل على غير الذى يدل عليه المضاف؛ وهو؛ الكلمتان: اثنان واثنتان، وقد سبقت الإشارة لهذا1 ... ز- إذا أضيف المثنى حذفت نونه؛ فمثل: سافر الوالدان. من غير إضافة المثنى، تقول إذا أضفته: سافر والدا علىّ. فإذا أضيف المثنى المرفوع - فقط - إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: جاءنى صاحبا الرجل، ومُكْرِما الضيف ... فإن علامة التثنية - وهى الألف - تحذف فى النطق حتمًا لا فى الكتابة2. لكن ماذا نقول فى إعرابه؟ أهومرفوع بالألف الظاهرة فى الخط، أم مرفوع بالألف المقدرة وهى التى حذفت لالتقاء الساكنين "لأنها ساكنة وما بعدها ساكن" والمحذوف لعلة كالثابت؟ يرجح النحاة أن تقول: إنه مرفوع بالألف المقدرة لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة ويعدون هذه الحالة فى عداد حالات الإعراب التقديرى3، ونرى أنه لا داعى للأخذ بهذا الآن4. ح- هناك مفردات محذوفة الآخر، مثل: أخ، ويد. أصلهما: أخَوٌ، ويَدْىٌ. فإذا أريد تثنية هذا النوع فقد يرجع المحذوف حتما أولا يرجع، ومما لا يرجع ما حذفت لامه وجاءت همزة الوصل فى أوله عوضًا عنْ لامه المحذوفة، كالتى فى كلمة "اسم" وكذلم ما لا ترد لامه عند إضافته على حسب القاعدة التالية: جاء فى شرح المفصل "جـ 4 ص 151". ما ملخصه:

_ "1، 1" آخر هامش ص 120. 2 قرار المجمع اللغوي الخاص بهذا "في رقم 2 من هامش ص 159". 3 تفصيل الكلام عليه في ص 84. 4 كما سيأتي في "و" من ص 159 وفي رقم 2 من ص 204.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعلم أن المحذوف الآخر "أي: محذوف اللام" على ضربين؛ ضرب يرد إليه الحرف الساقط في التثنية، وضرب لا يرد إليه. فمتى كانت اللام المحذوفة ترجع في الإضافة فإنها ترد إليه -في الفصيح- عند التثنية. وإذا لم يرجع الحرف المحذوف عند الإضافة لم يرجع عند التثنية؛ فمثال الأول: أخ وأب؛ تقول في تثنيتهما: هذان أخوانِ، وأبوانِ، ورأيت أخوَيْن وأبويْن، ومررت بأخوَين وأبوَين؛ لأنك تقول في الإضافة؛ هذا أبوك وأخوك، ورأيت أباك وأخاك، وذهبت إلى أبيك وأخيك. فترى اللام قد رجعت في الإضافة1؛ فكذلك في التثنية ... ومثال الثاني يد ودم؛ فإنك تقول في التثنية: "يدان" و"دمان" فلا ترد الذاهب؛ لأنك لا ترده في الإضافة. اهـ. وهذا خير ما يتبع. أما غيره فضعيف لا نلجأ إليه اختيارًا2. ط- بقيت أحكام تختص بالمثنى ونونه، وستجيء في ص156 وما بعدها، ي- سيجيء في ج ص566 م171 باب خاص بطريقة التثنية. وأهمها: تثنية المقصور، والمنقوص، والممدود ...

_ 1 لكن: أهذه الواو الظاهرة عند إضافة: "أخ وأب" هي الواو الأصلية التي تعتبر لام الكلمة. أم هي واو الأسماء الخمسة؟ رأيان في الحكم على نوع الواو المحذوفة. والذي يراه شارح المفصل هنا أن الواو المذكورة هي: لام الكلمة. - انظر "د" من هامش ص 151، حيث البيان. 2- لهذا الضابط بيان أكمل سيجيء في: "كيفية التثنية والجمع" "جـ4 م 71 ص 566" وقد عرف صاحب الهمع "جـ1 ص 44" وكذلك الصبان" جـ4 ص 119 في آخر باب: "المقصور والممدود"، وأشرنا إليه في رقم 4 من هامش ص 111 وفي آخر رقم 1 من هامش ص 164.

المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم ج- جمع المذكر السالم: أ- فاز عليٌّ. هَنَّأت عليًّا. أسرعت إلى عليّ. ب- فاز العَليون. هَنَّأت العليينَ. أسرعت إلى العليينَ. نفهم من كلمة: "عليّ" فى القسم الأول أنه شخص واحد، ثم زدنا عليها الواو والنون المفتوحة، أو الياء المكسور ما قبلها، وبعدها النون المفتوحة، فصارت تدل على أكثر من اثنين، كما في القسم الثاني: "ب". وبسبب هذه الزيادة استغنينا عن أن نقول: فاز عليّ وعليّ وعليّ ... و ... و ... أي: أن زيادة حرف الهجاء المذكورين أغنتْ عن عطف كلمتين متماثلتين أو أكثر على نظيرة سابقة، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المعنى والحروف والحركات. فكلمة "العليون" وما يشبهها تسمى: "جمع مذكر سالمًا"1 وهو: "ما يدل على أكثر من اثنين2؛ بسبب زيادة معينة في آخره، أغنت عن

_ 1 المراد بالسالم: ما سلم فيه صيغة المفرد، وذلك: بأن يبقى المفرد على حاله بعد الجمع، لا يدخل حروفه تغيير في نوعها، أو عددها، أو حركاتها، إلا عند الإعلال في نحو: المصطفون، القاضون. هذا، وكلمة "السالم" تعرب صفة للجمع، أو للمذكر، فتضبط على حسب حالة الموصوف. والأحسن، كما في الصبان والخضري، أن تكون صفة لكلمة: "المذكر" فتضبط مثله قال الصبان في هذا الموضع ما نصه: "لأن الصلامة في الحقيقة للمذكر عند جمعه، كما يفهم من قوله: "لسلامة بناء واحدة". نقله شيخنا السيد عن الشنواني". اهـ. ومثل هذا يقال في معنى وضبط كلمة: الـ "سالم" في: الجمع المؤنث السالم" ولهذا يسميان: "جمعي التصحيح"، لصحة مفردهما في الغالب عند جمعه عليهما. بخلاف: "جمع التكسير" فإن مفرده لا بد أن يتغير في الجمع، فكأنما يصيبه الكسر ليدخله التغيير. "كما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 149" وفي بابه جـ4 -. 2 هذا في اصطلاح النحاة. أما اللغويون فقد يطلقون كلمة: "الجمع" على المثنى، فالجمع عندهم ما دل على اثنين أو أكثر. "وقد سبق البيان والأمثلة الواردة- في 1 من هامش ص 119 وكما يجيء في بيان يتصل بهذا في: "ز" من ص 160". وإذا كان جمع المذكر السالم دالًّا -عند النحاة- على أكثر من اثنين فما حدود هذه الزيادة؟ أتنحصر في ثلاثة وعشرة وما بينهما، ولا تزيد على العشرة، أم تزيد؟ يقول سيبويه إن جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم يدلان -في الغالب- على عدد قليل لا ينقص عن ثلاثة، ولا يزيد عن عشرة، فهما كمجموع القلة التي للتكسير، ينحصر مدلولها في ثلاثة وعشرة وما بينهما.

"عطف المفردات المتماثلة في المعنى والحروف والحركات بعضها على بعض". فليس من جمع المذكر ما يأتي: 1- ما يدل على مفرد؛ مثل: محمود، أو "محمدبِنَ" علمًا على شخص واحد. 2- ما يدل على مثنى، ومنه: المحمودان ... ، أو على جمع تكسير؛ كأحامد، جمع أحمد، أو على جمع مؤنث سالم، كفاطمات؛ لخلو هذين الجمعين من الزيادة الخاصة بجمع المذكر السّالم، ومن الدلالة المعنوية التي يختص بتأديتها. 3- ما يدل دلالة جمع المذكر ولكن من طريق العطف بالواو؛ نحو: جاء محمود، ومحمود، ومحمود1..... 4- ما يدل دلالة جمع المذكر، ولكن من طريق الوضع اللغوي وحده؛ لا من طريق زيادة الحرفين في آخره؛ مثل: كلمة: "قوم" إذا كانت بمعنى: الرجال، فقط. 5- ما يدل على أكثر من اثنين، ولكن مع اختلاف في معنى المفرد؛ مثل:

_ = وقال آخرون -ورأيهم الصحيح- إنهما صالحان للأمرين، ما لم توجد قرينة تعين أحد الأمرين، كالتي تعين القلة في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فإن المراد بها" أيام التشريق" وهي قلة وكالتي تعين الزيادة في قوله تعالى عن الصالحين: {وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} ..........و......و......... {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ، وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} "وسيجيء هذا في باب جمع التكسير ج4 م172 ص582. وراجع أيضًا خاتمة المصباح المنير ص954 بعنوان: "فصل" الجمع قسمان -وكذلك كتاب: مجمع البيان لعلوم القرآن- الطبرسي، ج3 ص88". وجاء في كتاب "المحتسب" لابن جني" جـ1 ص 186 "سورة النساء" ما نصه: "كان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية المروية عن النابغة، وقد عرض عليه حسان بن ثابت شعره، وأنه لما وصل إلى قوله: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجده دما.. قال له النابغة: لقد قللت جفانك وسيوفك. قال أبو علي: هذا خبر مجهول لا أصل له: لأن الله تعالى يقول: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ولا يجوز أن تكون الغرف كلها التي في الجنة من الثلاث إلى العشر" اهـ. وفي رقم2 من هامش ص163. إحالة على هذا الكلام الذي ينطبق على جمع المؤنث السالم أيضًا. 1 الوصول إلى معنى جمع المذكر السالم من طريق العطف بالواو غير جائز في أكثر الأحوال، للاستغناء عنه بالجمع المباشر "أي: بزيادة حرفي الهجاء على المفرد". وهناك بعض حالات يجوز فيها العطف بالواو، قياسا على التثنية، وهي الحالات التي ذكرت في- هـ من ص 133 أما العطف بغير الواو فجائز للأسباب المدونة هناك.

الصالحون محبوبون؛ تريد؛ رجلين يسمى كل منهما: "صالحًا" ومعهما ثالث ليس اسمه "صالحًا"، ولكنه تقيّ، معروف بالصلاح؛ فأنت تذكره مع الآخَرين على اعتبار أنه صالح في سلوكه لا على أنه شريك لهما في التسمية. وقد يكون الاختلاف في بعض حروف المفرد أو كلها؛ فلا يصح أن يكون "السعيدون" جمعًا لسعد، وسعيد، وساعد "أسماء رجال"، ولا جمعًا لمحمود وصالح وفهيم، كذلك. وقد يكون الاختلاف في حركات الحروف1، فلا يصح: العُمَرونَ قرَشيون إذا كان المراد: عُمر بن الخطاب، وعُمر بن أبي ربيعة، وعَمْرو بن هشام ... "المعروف بأبي جهل". حكمه: حكم جمع المذكر السالم الرفع بالواو نيابة عن الضمة، وبعدها النون المفتوحة، مثل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} والنصب والجر بالياء المكسور ما قبلها وبعدها النون المفتوحة، مثل: صادقْتُ المؤمنينَ، وأثنيت على المؤمنينَ. نوعَا جمع المذكر السالم: الاسم الذى يُجمعَ جمع المذكر سالمًا نوعان: أحدهما "العَلم"2 والآخر: "الصفة"3.

_ 1 مثل هذا الجمع -وما سبقه مما فيه اختلاف في معنى المفرد أو حروفه أو حركاتها- لا يصح إلا من باب: التغليب" وقد سبق شرح التغليب، وبيان صوره في المثنى رقم6 من هامش ص118- وأن العرب تغلب الأهم كتغليبهم المذكر عند الجمع، ولو كان أقل عددًا من المؤنث، مثل: محمود والزينبات متعلمون. وتغليبهم العاقل ولو كان قليل العدد على غيره، مثل: محمود والعصافير يأكلون ... والتغليب المسموع في الجمع كثير، يسوغ لنا تفضيل الرأي الذي يجيز القياس عليه، بشرط أن تقوم قرينة تدل على أن المتكلم قد استخدمه في كلامه. 2 "ملاحظة": إذا جمع العلم زالت علميته، فلا بد له بعد الجمع مما يعيد إليه التعريف -إذا اقتضى المقام هذا- كزيادة "أل" المعرفة في أوله، أو زيادة حرف النداء قبله، شأنه في هذا كشأن العلم الذي يثني. وقد سبق الإيضاح والتفصيل في ص 129 ويجيء في هامش ص 294- لكن إذا سمي بالمثنى أو بالجمع- بأن ضار لفظ العلم الدال على واحد هو لفظ مثنى أو مجموع- فإنه في هذه الصورة لا يحتاج إلى ما يجلب له تعريفا، لأن معرفة بالعلمية التي لم يطرأ عليها ما يزيلها. 3 العلم قد يكون جامدا، أي: يدل على مجرد الذات من غير زيادة شيء عليها، ولا ملاحظة أمر آخر سواها، مثل: الفضل، وإبراهيم، وسعد، أسماء أشخاص. أما الصفة "ويراد بها المشتق، ولا يراد بها النعت هنا" فلا تدل على الذات وحدها قبل العلمية، وإنما تدل عليها وعلى شيء آخر معها، مثل: "عالم" "كامل"، نبيل" فكل واحدة من هذه الصفات المشتقة قبل العلمية تدل على ذات ومعها شيء آخر، هو: العلم، أو الكمال: أو النبل ... فإذا صارت علما على شخص تجردت من الوصف الزائد، وصارت جامدة تدل على مجرد الذات، مثل: "فاضل" علم على شخص، فإنها لا تدل بعد العلمية إلا على الذات، ويبقى لها الأمران إذا لم تكن علما، فهي بعد العلمية اسم جامد، وإن كانت في أصلها مشتقة. "راجع جـ3 ص 179 م 98".

أ- فإن كان الاسم علما فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية1 قبل جمعه: 1- أن يكون علما2 لمذكر، عاقل3، خاليا من تاء التأنيث الزائدة4، ومن التركيب، ومن علامة تثنية أو جمع. فإن لم يكن علما لم يجمع هذا الجمع، فلا يقال في رجل: رجلون5، ولا في غلام، غلامون ... وإن كان علما لكنه لمؤنث، لم يجمع أيضًا، فلا يقال في زينب: الزينبون، ولا في سعاد: السعادون. والعبرة في التأنيث أو عدمه ليست بلفظ العلم، وإنما بمعناه، وبما يدل عليه وقت الكلام، فكلمة،: سعاد، أو زينب، إن كانت علمًا لمذكر، واشتهرت بذلك عند النطق بها، فإنها تجمع جمع مذكر سالم، وكلمة: حامد، أو حليم ... إن كانت علما معروفًا لمؤنث لم تجمع هذا الجمع. وإن كان علمًا لمذكر لكنه غير عاقل6 لم يجمع أيضًا، مثل: "هلال" وهو علم

_ 1 وهي غير الشروط العامة الأخرى التي لا بد من تحققها فيه. وتنحصر الشروط العامة في شروط المثنى التي تقدمت في "د" من ص128 فإنها شروط لجمع المذكر السالم أيضًا. 2 أي: علم شخص. أما علم الجنس فلا يجمع منه هذا الجمع إلا بعض ألفاظ للتوكيد المعنوي تفيد الشمول -كما سيجيء في رقم4 من هامش ص 142- مثل: أجمع وملحقاته "وهي: أكتع، أبصع، أبتع" وتفصيل الكلام عليها في:باب "التوكيد"، ج3 م116 ص417" فيقال: أجمعون؛ لأنه في الأصل مشتق، إذ أصله "أفعل تفضيل" قبل أن يتحول إلى التوكيد. 3 انظر المراد من "العاقل" في رقم 6 الآتي: 4 انظر إيضاحها في رقم 1 من الهامش الآتي، وفي "أ" من ص 145. وكذا حكم المختوم بألف التأنيث إذا أريد جمعه جمع مذكر سالم. 5 إلا إذا دخله التصغير، مثل: رجيل، ورجليون، أو عند إلحاق ياء النسب بآخره، مثل: إنساني، وإنسانيون، وغلامي، وغلاميون، لأن التصغير أو النسب يفيده نوعا من الوصف فكأنه مشتق، فيدخل في قسم الصفة الآتي. 6 ليس المراد بالعاقل أن يكون عاقلا بالفعل، وإنما المراد أنه من جنس عاقل، كالآدميين والملائكة، فيشمل المجنون الذي فقد عقله، والطفل الصغير الذي لم يظهر أثر عقله بعد. وقد يجمع غير العاقل، تنزيلا له منزلة العاقل، إذا صدر منه أمر لا يكون إلا من العقلاء. فيكون جمع مذكر، وقيل: هو ملحق به، مثل قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فالسجود لا يكون إلا من العاقلين، ولكن الله نزل الكواكب والشمس والقمر منزلة العاقلين، لأنها فعلت فعلهم. ومثلها قوله تعالى عن أسماء: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} -فهنا قول صادر من السماء والأرض، والكلام لا يكون إلا من العقلاء.

على: حصان، و"نسيم" علم على: زورق ... و"قمر" علم على الكوكب المعروف.... وكذلك إن كان علمًا لمذكر عاقل، ولكنه مشتمل على تاء التأنيث الزائدة1 مثل: حمزة، وجمعة، وخليفة، ومعاوية، وعطية ... ، فإنه لا يجمع جمع مذكر2، ولا يصح هنا ملاحظة المعنى؛ لوجود علامة التأنيث في اللفظ؛ فيقع بينها وبين علامة جمع المذكر التناقض والتعارض بحسب الظاهر، كما لا يصح أن تحذف؛ لأن حذفها يوقع في لَبس؛ إذ لا ندري أكانت الكلمة مؤنثة اللفظ قبل الجمع أم لا؟ لهذا اشترطوا خلو المفرد من تاء التأنيث الزائدة كما قلنا ... وكذلك إن كان مركبًا تركيب إسناد، "مثل: فَتَحَ اللهُ، رامَ اللهُ، رزقَ اللهُ ... ؛ فإنه لا يجمع مباشرة باتفاق؛ وإنما يجمع بطريقة غير مباشرة، بأن تسبقه كلمة: "ذو" مجموعة ويبقى هو على حاله لا يدخله تغيير مطلقًا، في حروفه، وحركاته، مهما تغيرت الأساليب فيقال: "ذَوُو كذا" رفعًا، "وذوِي" نصبًا وجرًّا؛ فتغني "ذوو، وذوي" عن جمعه كما سيجيء3 ... أو: مركبًا تركيب مزج، كخالَوِيه، وسيبويْهِ، ومَعدِ يكَرِب.....،

_ 1 أي: التي ليست عوضًا عن فاء الكلمة أو لامها أما التي للعوض مثل: عدة وثبة- فلا تمنع من الجميع فيقال عند التسمية: عدون، وثبون، مع حذفها. "انظر ما يتصل بهذا في "أ" من ص145". 2 ويجمع قياسًا جمع مؤنث سالم. والكوفيون يجيزون جمعه جمع مذكر سالم بعد حذف تائه، فقد جاء في كتاب: "الإنصاف"، ص 18 ما نصه: "ذهب الكوفيون إلى أن الاسم الذي في آخره تاء التأنيث إذا سميت به رجلا- يجوز أن يجمع بالواو والنون- أي: بعد حذف التاء حتما- وذلك نحو: طلحة وطلحون، وإليه ذهب أبو الحسن بن كيسان، إلا أنه يفتح اللام، فيقول: "الطلحون" كما قالوا: "أرضون" حملا على: "أرضات" وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز". أهـ والواجب الاقتصار- هنا - على المذهب البصري، لمسايرته الأعم الأفصح، ولخلوه من اللبس. 3 في "ب" من ص 145.

أو: تركيب عدد؛ كأحدَ عشرَ، وثلاثةَ عشرَ، وأربعةَ عشرَ ... والمشهور في هذه المركبين عدم جمعهما جمعًا مباشرًا؛ فيستعان بكلمة: "ذو" مجموعة على: "ذَوُو، وذَوِي"؛ فتغني عن جمعهما، كما سيجيء أيضًا1 ... أما المركب الإضافي كعبد الرحمن وعبد العزيز فيجمع صدره المضاف؛ ويبقى العجر "وهو المضاف إليه" على حاله من الجر في أكثر الحالات2 تقول: اشتهر عبدو الرحمن، وصافحت عبدِي الرحمن، وسلمت على عبدِي الرحمن. ولا يجمع ما آخره علامة تثنية، أو علامة جمع مذكر3؛ مثل: المحمدان أو المحمدَيْن "علمًا على شخص" والمحمدون أو المحمدينَ علمًا كذلك4. ب- وإن كان صفة "أي: اسمًا مشتقًّا" فلا بد أن تتحقق فيه الشروط الآتية: قبل جمعه، وهي: أن تكون الصفة لمذكر، عاقل6، خالية من تاء التأنيث، ليست على وزن أفْعَلَ"7 الذى مؤنثه فَعْلاء"، ولا على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه:

_ 1 في ص145 عند الكلام على جمع المركب، حيث تجد في "المركب المزجي" رأيا آخر ارتضيناه. ويلاحظ أيضًا ما في "جـ" ص 146- وستجيء إشارة أخرى لجمع أنواع المركب في الجزء الرابع، آخر. "باب جمع التكسير". م 174 بعنوان: تثنية أنواع المركب وجمعها. 2 انظر التفصيل الذي في ص146. 3 ولا يجمع هذا الجمع ما آخره علامة جمع المؤنث السالم. 4 لأن جمع العلم المشتمل على علامة التثنية يؤدي إلى أن يجتمع في اللفظ الواحد علامة التثنية مع علامة الجمع، وهذا يؤدي إلى الاختلاف والتعارض بين معنى التثنية وعلامتها ومعنى الجمع وعلامته. وكذلك جمع العلم المشتمل على علامة الجمع يؤدي إلى أن تتكرر في العلم المجموع علامة الجمع، ولهذا لا يقع في صحيح التراكيب العربية. وقد يقتضي الأمر - أحيانا" التسمية بهذا الجمع، أو ملحقاته ن وفي هذه الحالة تترك العلامة السابقة على حالها، ويعرب الجمع بالحركات الظاهرة على النون - مسايرة لأوضح اللغات المتعددة الواردة فيه، وسنذكرها في ص 153- وإذا سمي بهذا الجمع فقد يقتضي الأمر جمع هذا الاسم الذي سمي به. وستجيء طريقة ذلك في "ب" من ص 155. 5 بأن يظل عليها، ولا يتركها إلى العلمية "انظر البيان في رقم 3 من هامش ص 139". 6 انظر المراد من: "عاقل" في رقم 7 من هامش ص 140. 7 ليس من هذا وزن "أفعل" الذي كان في أصله صفة داخلة في باب أفعل التفضيل، ثم تركت الوصفية، وصارت علم جنس يعرب توكيدا معنويا، يفيد الشمول، ويصح جمعه جمع مذكرا، - ومن ألفاظه" أجمع. أكتع، أبصع، أبتع"، "طبقا لما سبق في رقم 2 من هامش ص 140 ولما سيجيء في بابه المناسب، وهو: باب: التوكيد- جـ3 م 116 ص 417".

فَعْلَى"، ولا على وزن صيغة تستعمل للمذكر والمؤنث. فإن كانت الصفة خاصة بالمؤنث، لم تجمع جمع مذكر سالمًا؛ منعًا للتناقض بين ما يدل عليه المفرد، وما يدل عليه جمع المذكر، مثل: "مُرضع" فلا يقال: مرضعون، وكذلك إن كانت لمذكر، ولكنه غير عاقل1؛ مثل: صاهل، صفة "للحصان" أو: ناعب، صفة للغراب، فلا يقال: صاهلون ولا ناعبون، أو: كانت مشتملة على تاء تدل على التأنيث؛ نحو: قائمة؛ فلا يصح: قائمتون2. وكذلك ما كان على وزن: "أفْعَلَ" "الذى مؤنثه، فَعْلاء" نحو أخضر؛ فإن مؤنثه: خضراء، وأبيض، فإن مؤنثه: بيضاء، فلا يقال أخضرون، ولا أبيضون، على الأصحّ3. ومثله ما كان على وزن فَعْلان "الذى مؤنثه فَعْلى"، مثل سكران وسكْرَى3. وكذلك ما كان على صيغة

_ 1 بأن تكون اشتهرت في العرف بأنها لغير العاقل من الأجناس. 2 لا يصح جمع الصفة المشتملة على تاء التأنيث جمع مذكر سالم، سواء أكانت التاء باقية على دلالتهما على التأنيث، نحو: قائمة، كاتبة، خطيبة، شاعرة،.... أم كانت دالة على التأنيث بحسب الأصل، ثم انتقلت منه وتركته لتادية معنى آخر، كالمبالغة في مثل: "علامة" لكثير العلم، وفي مثل: "فهامة" لكثير الفهم، و "راوية" لكثير الرواية، "وهي حفظ الأخبار والأحاديث" فالتاء في هذه الكلمات وأشباهها للمبالغة، ولكنها بحسب وضعها الأول للتأنيث، فيلاحظ الأصل دائما، ولا عبرة- في الرأي الراجح- بما طرأ عليه. وكذلك لا يصح جمعها بعد حذف التاء، لأن الحذف يؤدي إلى لبس محقق. "3 و 3" هذا رأي البصريين ومن يؤيدهم. ويخالفهم الكوفييون فلا يتمسكون بشرطي منع "أفعل" و "فعلان" ومؤثنهما. وأدلتهم وشواهدهم كثيرة مقبولة. ولا معنى اليوم لإهدار رأيهم، وخاصة إذا منع لبسا، وإن كان الأول أكثر وأفصح، وكان ابن كيسان يقول: لا أرى في الرأي الكوفي بأسا- كما جاء في المفصل ج5 ص59، 60، ورأيه سديد. فلم المنع؟ أيكون بسبب أن الصفات الدالة على الألوان لا أفعال لها ولا مصادر، فهي بهذا تخالف سائر المشتقات، كما قد يتوهم بعض النحاة؟: "وتوهمه بعيد عن الحق، فقد ذكر ابن القطاع في كتابه: "الأفعال" كغيره من أكثر اللغويين أن لهذه الصفات أفعالا صحيحة، واردة بكثرة عن العرب". أم لأن أكثر هذه الصيغ يقرب من الفعل ... والفعل لا يجمع "كما يقول الصبان، وكما يقول شارح المفصل في جـ 5 ص 59 و 60"؟ كل هذه العلل وأشباهها واهية، وخاصة بعد الوارد الفصيح، وهو كثير، وبعد إجازتهم في التفضيل" ما كان منها على وزن: "أفعل" دالا على أمر معنوي، نحو: أحمق، وأبيض القلب، ونحو: فلان أبيض سريرة من فلان، أو: أسود سريرة منه، بمعنى: أنه أطيب منه نفسا، أو أخبث منه ... أو نحو هذا ... "وسيجيء البيان والأدلة في باب: "أفعل التفضيل" جـ3 ص 84 3 م 112" وكذلك يجيء في رقم 4 من هامش ص 163 وفي "د" من ص 172 =

تستعمل للمذكر والمؤنث، كصيغة، مِفْعال كمِهْذار1، ومِفْعَل؛ كمِغْشَم2. وفَعُول3؛ مثل صَبور وشكور، وفَعيل"4؛ مثل كَسِير وقَطِيع؛ إذا لا يتأتى أن يكون المفرد صالحاً للمذكر والمؤنث معًا وجمعه لا يكون إلا للمذكر؛ فيقع اللبس والخلط بسبب هذا. ملاحظة: كل ما سبق من أنواع الصفات وصيغها التي لا يصح جمعها جمعًا مذكرًا سالمًا متوقف على أن تكون الصفة باقية على وصفيتها، فإن تركتها وصارت علمًا جاز جمعها جمع مذكر سالم5..... إلى هنا انتهت الشروط الواجبة فيما يجمع أصالة6 جمع مذكر سالمًا.

_ = أن النحاة يقولون: "ما لا يصح جمعه جمع مذكر سالم لا يصح -غالبا- في مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالم" ولذا يمنعون تلك الصيغ والألفاظ أن تجمع جمع مؤنث سالم، استنادًا إلى الرأي البصري السالف، وقد بان ما فيه. وقد أخر المجمع اللغوي القاهري بالمذهب الكوفي وبلغة بني أسد التي تلحق تاء التأنيث- جوازا- بسكرانة وأشباهها. ونص قرار المجمع - كما جاء في ص 83 من المجلد الشامل للبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثانية والثلاثين المنعقد ببغداد سنة 1965 - هو: "حيث إن تأنيث "فعلان" بالتاء لغة في بني أسد- كما في الصحاح- ولغة بني أسد- كما في المخصص وقياس هذه اللغة صرفها في النكرة، كما في شرح المفصل. والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء به خيرا، كما في قول ابن جني، لذا يجوز أن يقال: عطشانة وغضبانة وأشباههما. ومن ثم يصرف "فعلان" وصفا، ويجمع "فعلان" "فعلانة" جمعي تصحيح" اهـ. ولهذا إشارة متممة في رقم 4 من هامش ص 163. 1 كثير الهذر، وهو: الخلط، والكلام بما لا يليق. 2 الشجاع الذي لا يمنعه شيء عن قصده. 3 يستعمل للمذكر والمؤنث، بشرط أن يكون بمعنى: "فاعل" وقبله موصوفه، أو ما يقوم مقامه، بالتفصيل الذي سيجيء في باب: "التأنيث" جـ4 ص 546 م 169 ومنه يعلم حكم جديد في تأنيث "فعول" وجمعه جمع تصحيح للمذكر والمؤنث هو ما قرره مجمع اللغة العربية: أ - من جواز إلحاق تاء التأنيث بصيغة "فعول" بمعنى: فاعل. ب- يترتب على ذلك جواز جمعها للتصحيح. 4 يستعمل للمذكر والمؤنث، على سبيل الأغلبية الراجحة، لا علي سبيل التحتيم، بشرط أن يكون بمعنى: "مفعول" وقبله موصوفه أو ما يقوم مقامه. واستعمال هذه الصيغة في المذكر والمؤنث هي والصيغ التي قبلها خاضع للتفصيل المدون في باب التأنيث "جـ4 ص 546 م 169" فإن جعل علما جاز جمعه ومثله كل وصف آخر يستعمل للمذكر والمؤنث في الأصل، ثم ترك أصله وصار علما. 5 طبقا للبيان الهام الذي سبق في رقم 3 من هامش ص 139. راجع "التصريح شرح التوضيح" في هذا الموضع. 6 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: وارفع بواو، وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر ومذنب يشير بعامر: للعلم، وبمذنب: للصفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اشترطوا1 في العلم أن يكون خاليًا من تاء التأنيث الزائدة -إلا عند الكوفيين- والمراد بها: التي ليست عوضًا عن فاء الكلمة، أو عن لام الكلمة؛ لأن التي تكون عوضًا عن أحدهما هي عوض عن أصل، فهي كالأصيلة، فالأولى مثل: عدة، أصلها: وعد، حذفت الواو، وعوض عنها تاء التأنيث وكسرت العين، والثانية مثل: مئة. وأصلها: مِئوٌ، حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث. فإن كانت عوضًا عن أصل وجعل اللفظ اسمًا لمسمى "أي: صار علمًا" فإنه يجمع قياسًا بعد حذفها. ويكون من الجموع الحقيقة؛ تقول: "عِدُون" لجمع مذكر، ومثلها: مِئُون؛ أما إذا لم يجعل علمًا، فإنه يصح جمعه إن كان محذوف اللام، مثل: الجيش مئون، ولكنه يعد من ملحقات جمع المذكر السالم. أما ألف التأنيث المقصورة أوالممدودة فلا يشترط خلوه منها، فلوسمينا رجلا بسَلْمَى، أو: صحراء، حذفت فى جمع المذكر السالم الألف المقصورة، وقلبت همزة الممدود واوًا، فيقال: السَّلْمَوْن والصحراوون "أعلام رجال...."2. ب- لا يجمع المركب الإسنادي جمع مذكر سالمًا إلا بطريقة غير مباشرة؛ -كما سبق- وذلك بأن نأتي قبله بكلمة: "ذوِو" أو: "ذَوِي" "وهما جمع: "ذو" و"ذِي" فنقول: غاب ذوو فتحَ اللهُ، وأكرمْنا ذَوِي فتحَ اللهُ3، وسلمنا على ذَوِي فتحَ اللهُ. وهذا باتفاق. أما المركب المزِجي فأشهر الآراء أنه لا يجمع إلا بالطريقة السابقة غير المباشرة. وهناك رأي آخر يجيز جمعه مباشرة -وكذلك تثنيته4، فيقال: جاء خالوَيهُون، وشاهدت خالويهِين، وقصدت إلى خالويهِين. ومثله سيبويه، ومعد يكرب "اسم رجل" وغيرهما من باقي المركبات المزجية، وهذا الرأي أسهل

_ 1 في ص140، 141. 2 راجع الصبان والخضري. وهل بين هذه الصورة والصورة الآتية في ص 168 "تحت عنوان: ثانيها" نوع من التخالف"؟ "3,3" في ص 141. 4 انظر ص 131.

الآراء. وأجدرها بالقبول، لدخوله في الحكم العام لجمع المذكر السالم وبُعده من اللّبس. كما سيجيء في: "ج". وأما المركب التقييدي؛ وهو: المركب من صفة وموصوف مثل: محمد الفاضل، أو من غيرهما؛ مما لا يُعَدّ في المركبات السابقة -فالأشهر أن يقال في جمعه: ذوو "محمد الفاضل"، فلا يجمع مباشرة، وإنما يتوصل إلى جمعه بكلمة "ذوو" رفعاً و"ذَوِي" نصبًا وجرًّا. وقد سبق أن قلنا2 إن المركب الإضافي يجمع صدره دون عجزه. وهذا صحيح إن كان المضاف وحده هو المتعدد، دون المضاف إليه؛ كما نقول في "عبد الله" عند الجمع: عبدُو الله. أما إن تعدد أفراد المضاف وأفراد المضاف إليه معا "كعبد السيد والمضاف والمضاف إليه مصريان مثلا، وعبد السيد والمضاف والمضاف إليه شاميان -مثلا- وعبد السيد لعراقيين"، فالواجب جمع المضاف والمضاف إليه معًا جمع مذكر سالمًا؛ فنقول: عبدو السيَّدينَ، أو جمع تكسير، فتقول: عبيد السادة3...... ح- سبق4 أنه يشترط في الاسم الذي يجمع جمع مذكر سالمًا، ما يشترط في الاسم المراد تثنيته؛ ومن شروطه: أن يكون معربًا ... فلو كان مبنيًّا لزومًا مثل: هؤلاء، أو: حَذَامِ "على أنها أعلام رجال" لم يجز جمعه مباشرة5، وإنما يجمع بطريق الاستعانة بكلمة: "ذَوُو" رفعًا و"ذوِي" نصبًا وجرًّا.

_ 1 حبذا الاتفاق على الأخذ بهذا الرأي المشهور، وإيثاره، وعمل الدارسين على نشره، وترك الرأي السابق، وغيره من باقي الآراء الأخرى التي لا تناسب عصرنا ... 2 في ص141. 3 انظر رقم3 من هامش ص131. 4 في رقم1 من هامش ص140. 5 أشرنا في ص79 -إلى الفرق في الحكم بين هذه الصورة والحكم الوارد في تلك الصفحة، تحت عنوان: "ملاحظة"، فالحكم الذي هنا منصب على اسم موضوع من أول أمره علما مبنيًّا لزومًا ولم يستعمل قبل العلمية مع البناء الملازم في شيء آخر، فهو أصيل فيهما، غير منتقل إليهما من حالة سابقة. ومثل هذا العلم لا يجمع جمع مذكر سالم إلا من الطريق غير المباشر الموضح هنا، ليظل العلم محتفظًا بصورته التي لا بد منها. بخلاف الصورة التي سبقت في ص79 فإن الاسم فيها معرب منون، علم، بعد أن كان في أصله مفردًا مبنيًّا غير علم، فترك أصله وصار علمًا منقولًا من معناه وحكمه السابقين إلى العلمية الجديدة ومعها الإعراب والتنوين، فيصح جمعه مذكر سالم بطريقة مباشرة كالأعلام المستوفية للشروط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما كانت كلمة "سيبويْه" و"خالويه" وأشباهها هى من الكلمات المبنية لزوما -كان حقها ألا تجمع جمع مذكر سالم إلا بالاستعانة بكلمة: "ذوُو"، و"ذوي". لكنهما من ناحية أخرى يدخلان فى قسم المركب المزجي وقد آثرنا - فى الصفحة السابقة - الرأيَ الذى يبيح جمعه مباشرة جمع مذكر سالم. د- سيجئ - "فى جـ4 ص 457 م 171" - باب خاص بطريقة جمع الاسم جمع مذكر سالما، وأهمها طريقة جمع: المقصور، والممدود، والمنقوص جمع مذكر سالما.

المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم ألْحق النحاة بجمع المذكر في إعرابه أنواعًا أشهرها: خمسة؛ فَقَد كلُّ نوع منها بعض الشروط، فصار شاذًا ملحقًا بهذا الجمع، وليس جمعًا حقيقيًّا، وكل الأنواع الخمسة سماعيّ1؛ لا يقاس عليه؛ لشذوذه وإنما يُذكَر هنا لفهم ما ورد منه في النصوص القديمة. أولها: كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع، وليس لها مفرد من لفظها، ولكن لها مفرد من معناها، مثل كلمة: "أوُلُو"2 في قولنا: "المخترعون أُولو فضل"، أي: أصحاب فضل؛ فهي مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ إذ لا مفرد لها من لفظها، ولها مفرد من معناها، وهو: صاحب. وهي منصوبة ومجرورة بالياء نيابة عن الفتحة أو الكسرة في قولنا: كان المخترعون "أوُلي" فضل. وانتفعت من "أُولِي" الفضل. ومثل هذه الكلمة يسمى: اسم جمع3. ومن الكلمات المسموعة: أيضًا كلمة: "عالَمون". ومفردها: عالَم، وهو ما سوى الله، من كل مجموع متجانس من المخلوقات، كعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد؛ وعالم المال، وعالم الطائرات ... إلخ. وكلمة: "عالَم" تشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره. في حين أن كلمة: "عالَمون" لا تدل إلا على المذكر العاقل، فهى تدل على معنى

_ 1 الأنسب في النوع الخامس "وهو: ما سمي بجمع مذكر سالم" أن يكون قياسيا. ولا قوة للراي الذي يقصره على السماع. كما سيجييء في رقم2 من هامش ص152 وفي "أ" ص153. 2 الهمزة مضمومة في النطق من غير مد بالرغم من وقوع الواو الساكنة بعدها كتابة. ولا يصح كتابة ألف بعد الواو الأخيرة. 3 هو ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معًا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه، ومن الأمثلة: إبل، جماعة، فلك، وقد سبقت له إشارة عابرة رقم1 من هامش ص119 أما البيان الوفي عنه، وعن حالاته المختلفة وأحكامه في ج4 ص510 م174 جمع التكسير.

خاص بالنسبة لما يندرج تحت كلمة "عالَم"1، والخاص لا يكون جمعًا للعام2؛ لهذا كان "عالمون" إما اسم جمع لكلمة: "عالَم" وليس جمعًا له؛ وإمَّا جمعًا له غير أصيل ولكن بتغليب المذكر العاقل على غيره. وفي هذه الحالة لا تكون جمع مذكر سالمًا حقيقة؛ لأن اللفظة ليست علمًا ولا صفة، وإنما تلحق به كغيرها مما فقد بعض الشروط. ثانيها: من الكلمات المسموعة، مالا واحد له من لفظه ولا من معناه، وهى: عشرون3، وثلاثون، وأربعون، وخمسون، وستون، وسبعون، وثمانون، وتسعون. وهذه الكلمات تسمى: "العقود العددية" وكلها أسماء جموع أيضًا. ثالثها: كلمات مسموعة أيضًا؛ ولكن لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه، فلا يبقى على حالته التى كان عليها قبل الجمع؛ ولذلك يسمونها، جموع تكسير"4، ويلحقونها بجمع المذكر فى إعرابها بالحروف؛ مثل: بَنون، وإحَرُّون، وأرَضون، وذَوُو، وسنون وبابه5. فكلمة: "بنون" مفردها. "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع، وتحركت الباء؛ وكلمة: "إحَرُّون" "مفردها: "حَرَّة"6، زيدت الهمزة فى جمعها.

_ 1 فدلالتها داخلة فيما يسمى: "العموم الشمولي" مع أن دلالة كلمة: "عالم" داخلة فيما يسمى: "العموم البدلي" الذي هو دلالة الكلمة المفردة على معنى عام، فإذا جمعت جمع مذكر سالم دلت على معنى خاص بالنسبة لمعناها قبل جمعها. فكلمة: "عالم" تدل على المخلوقات العاقلة وغير العاقلة وغير العاقلة، فإذا جمعت جمع مذكر السالم فقيل فيها. "عالمون" صارت مقصورة الدلالة على العاقلين وحدهم. 2 وهناك سبب آخر في ص 151 هو: "أنها ليست علما ولا صفة. 3 ولا يقال أن عشرين مفردها. عشر، لئلا يلزم على ذلك صحة إطلاق عشرين على ثلاثين، وإطلاق ثلاثين على تسعة، وهكذا ... ، ذلك لأن أقل الجمع النحوي- لا اللغوي- ثلاثة، من مفرده، فلو كان مفرد العشرين هو: "عشر" لكانت عشرون صادقة على "3× 10" أي: ثلاث عشرات على الأقل ومجموعها يساوي ثلاثين. ولو كان مفردا الثلاثين هو: "ثلاث" لكانت الثلاثون صادقة على 3× 3 أي: على تسعة، وهكذا مما هو ظاهر الفساد.... 4 لأن جمع التكسير هو الذي يتغير فيه صيغة المفرد حتما، ولا يبقى مفرده سليما عند الجمع، فلا بد فيه من تغير، إما في عدد حروفه فقط، وإما في حركاته فقط، وإما فيهما معا. بخلاف جمعي التصحيح، وهما: جمع المؤنث السالم الحقيقي، وجمع المذكر السالم الحقيقي، فإن صيغة مفردهما لا يدخل عليها تغيير عند الجمع إلا للإعلال، ونحوه. "انظر رقم 1 من هامش ص 137". 5 المراد من باب: "سنة" كل اسم ثلاثي حذفت لامه، وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة، ولم يعرف له عند العرب جمع تكسير معرب بالحركات، ولم يعرف له- أيضا- مفرد مذكر ورد عنهم مجموعا بالواو والنون أو بالياء والنون. وبالشرط الأخير خرج نحو: "هنسة" فإن مذكرها- وهو: "هن" - ورد عن العرب مجموعا جمع المذكر، فلو جمعت كلمة. "هنة" جمع مذكر أيضا لا لتبس المؤنث بالمذكر. 6 أرض ذات حجارة مجوفة سود، كأنها احترقت بالنار.

"وأرَضون" "بفتح الراء" لا مفرد لها إلا: أرْض "بسكونها"؛ فتغيرت حركة الراء عند الجمع من سكون إلى فتح. هذا إلى أن المفرد مؤنث، وغير عاقل. و"ذَوو" في الجمع مفتوحة الذال، مع أن مفردها: "ذُو" مضموم الذال. "وسِنون" مكسورة السين فى الجمع، مفتوحتها فى المفرد، وهو: "سَنَة"، فضلا عن أنها لمؤنث غير عاقل أيضًا، - وأصلها "سَنَهٌ" أو"سَنَوٌ"، بدليل جمعهما على "سَنهات" و"سَنَوات" ثم حذفت لام الكلمة، "وهي الحرف الأخير منها"، وعوض عنه تاء التأنيث المربوطة، ولم ترجع الواوعند الجمع.- ومن الكلمات الملحقة بهذا الجمع سماعًا2، والتى تدخل في باب "سَنَة" كلمة: عِضَة، وجمعها: عِضون "بكسر العين فيهما". وأصل الأولى: "عِضَةٌ، بمعنى: كذب وافتراء. أو: عِضَوٌ. بمعنى: تفريق. يقال فلان كلامه عضهٌ، أى: كذب، وعمله عِضَوبين الأخوان، أى: تفريق وتشتيت؛ فلام الكلمة هاء، أوواو. ومثلها "عِزَة"، جمعها: عزُون "بالكسر فيهما". والعزَة: الفرقة من الناس، وأصلها عِزْىٌ؛ يقال: هذه عِزَة تطلب العلم ... وأنتم عِزون فى ميدان العلم. وأيضًا: "ثُبةٌ" بالضم، وجمعها: ثُبُون، بضم أول الجمع أوكسره1. والثُّبة "الجماعة"، وأصلها ثبَوٌ، أو: ثُبَىٌ، يقال: الطلاب مختلفون: ثبة مقيمة. وثُبة مسافرة، وهم ثُبون. وعلى ضوء ما سبق نعرف السبب فى تسمية تلك الكلمات المسموعة بجمع التكسير، لأن تعريفه وحده هوالذى ينطبق عليها، دون غيره من جمعى التصحيح؛ إذ هو"ما تغَيَّر فيه بناء الواحد"3 وقد تغير بناء واحدها4.

_ "1و 1" الغالب في باب "سنة" وأخواتها- وقد سبق توضيح المراد من "بابها" في رقم 5 من هامش ص 149: أن ما كان منه مفتوح الفاء في المفرد فإنه يكسر في الجمع، مثل سنة وسنين. وما كان مكسور الفاء في المفرد لم يتغير في الجمع، مثل مائة ومئتين. وما كان مضموم الفاء يجوز فيه الكسر والضم، مثل ثبة وثبين. 2 لأن باب "سنة" "أي: ما يشبهها- وقد سبق توضيحه في رقم 5 من هامش ص 149". سماعي ... وهذه القيود الموضوعة له إنما هي لضبط، اسمع، لا لقياسيته، فالأمر فيه كغيره مسموع. 3 انظر رقم 4 من هامش ص 149. 4 وكذلك نعرف السبب في امتناع جمع الكلمات الآتية جمع مذكر سالم، وفي عدم إدخالها في ملحقاته:

رابعها: كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط الأخرى الخاصة بجمع المذكر؛ فألحقوها به، ولم يعتبروها جمعًا حقيقيًّا. ومن هذه الكلمات، "أهل". فقد قالوا فيها: أهلون. مثل: وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعُ ... ولا بد يومًا أن ترَد الودائعُ فجمعوها مع أنها ليست علمًا ولا صفة. ومنها: "عالمون"؛ ليست علمًا، ولا صفة أيضًا. وقد تكلمنا عنها من وجهة أخرى فيما سبق1. ومنها: "وابل"؛ بمعنى: مطر غزير. يقال: غَمَر الوابلون الحقول. فجمعوها، مع أنها ليست علمًا ولا صفة، ولا تدل على عاقل ... خامسها: كلمات من هذا الجمع المستوفى للشروط، أومما ألحق به، ولكن سمي

_ = أ- تمرة لعدم وجود حذف فيها. ب- عدة وزنة، غير علمين؛ لأن المحذوف من كل واحدة هو فاء الكلمة، فأصل الأولى "وعد". والثانية: "وزن" حذفت الفاء وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة. أما إن كانا علمين، للمذكر فإنه يجوز جمعهما بعد حذف التاء من آخرهما بالصورة التي سبقت في "أ" من ص145. ج- اسم "وأصلها: "سمو" بضم السين وكسرها، وسكون الميم" وأخت وبنت وأصلهما: "أخو". و "بنو"، على المشهور قيمها، حذفت اللام في الثلاثة، وعوض عنها الهمزة في أول كلمة: اسم، وسكنت السين، وعوضت التاء المفتوحة لا المربوطة في الأخيرتين. وشذ: بنون. د- يد، ودم. أصلهما: "يدي". و "د مي"، حذفت اللام، ولم يعوض عنها شيء وشذ أبون وأخون، لأن مفردهما واوي اللام. وقد حذفت الواو التي هي لام الكلمة بغير رد، ولا تعويض. ومثل: "أب" وأخ بقية الأسماء الستة على الرأس القائل بأنها وردت عن العرب مجموعة جمع مذكر شذوذا، أي: هنون، وحمون، وذوون، وفون ... ولا يمنع النحاة أن تكون الواو الأصلية التي هي لام الكلمة قد رجعت عند الجمع ثم حذفت. فأصل الكلمة عند الجمع كما يقولون: "أبوون" ثم حركت الباء بالضمة إتباعا للواو- "كما يحصل أحيانا، كالإتباع في المفرد المضاف، نحو. أبي" بعد حذف فتحة الباء. ثم حذفت ضمة اللامن لثقلها، وطلبا للتخفيف يحذفها، فالتقى ساكنان، الواو الأصلية واو الأسماء الستة، فحذفت الواو الأصلية التي هي لام الكلمة، فإنها رجعت ثم حذفت كما يتخيلون. وهذه الصورة الخيالية لا أثر لها في ضبط الكلمة وصحة المعنى. فالواجب الانصراف عنها وإهمالها، لما فيها من تكلف واضح لا داعي له.... وللحكم السابق اتصال. قوي وبعض تشابه بما سبق في "ح" من ص 135 ورقم 4 من هامشها. هـ- شاة، وشفة، لأن لكل واحدة منهما جمع تكسير مسموعا عن العرب، ومعربا بالحركات، يقال: في الحقل شياه كثيرة، وللإبل شفاه غليظة. "وأصل شاه: شوه، حركت الواو بالفتح للتخفيف- كما يقولون- فقلبت ألفا، فصارت: شاه، ثم حذفت الهاء وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة فصارت: شاة. وأصل شفة هو: "شفه" حذفت الهاء، وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة". 1 ص 184.

بالكلمة1 قديمًا أو حديثًا وهي مجموعة، وصارت علمًا2 على مفرد بها، وصارت أعلامًا. فمن أمثلة الأولى المستوفي للشروط "حَمْدون"، "وعَبْدون"، و"خَلْدون"، و"زيدون" أعلام أشخاص معروفة قديمًا وحديثًا. ومثال الثاني: "عِلِّيُّون". "اسم لأعالي الجنة" المفرد: عِلِّيَ. بمعنى المكان العالي، أو عِلِّية، بمعنى: الغرفة العالية. وهو ملحق بالجمع؛ لأن مفرده غير عاقل. سادسها: كل اسم من غير الأنواع السابقة يكون لفظه كلفظ الجمع في اشتمال آخره على واو ونون، أو ياء ونون، لا فرق في هذا بين أن يكون نكرة؛ مثل: "يا سَمين" و"زيتون" أو علَمًا مثل: "صِفِّينَ" و"نَصِيينَ" و"فِلَسْطينَ3"

_ 1 تصح التسمية بجمع المذكر السالم وغيره من الجموع الأخرى للداعي البلاغي الذي قصده العرب في جاهليتهم وإسلامهم من التسمية بتلك الجموع وبالمثنى -كما سبق في "ج" من ص125- ومن أهم الدواعي: المدح: ويشمل التعظيم، والذم، والتلميح ... ومما يؤيد هذا مجيء واو الجماعة في مخاطبة المولى جل شأنه، كالتي في قوله تعالى حكاية لما يقوله يوم القيامة المعاند الجاحد فضل ربه: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت} كما يؤيده أن الضمير "نحن" موضوع المتكلم الذي معه غيره، أو للمتكلم وحده إذا أراد تعظيم نفسه. أما طريقة إعراب المسمى به ففي" أ" من ص153. 2 التسمية بجمع المذكر السالم شائعة قديمًا شيوعًا يجعلها قياسية، فلا قوة للرأي الذي يقصرها على السماع. ولهذا إشارة في رقم1 من هامش ص148 وفي "أ" من الصفحة الآتية. 3 وإلى كل هذا يشير ابن مالك بقوله: وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر، ومذنب وشبه ذين، وبه عشرونا ... وبابه ألحق، والأهلونا أولو، وعالمون، عليونا ... وأرضون شذ، والسنونا وبابه، ومثل حين قد يرد ... ذا الباب وهو عند قوم يطرد يريد بشبه ذين: ما أشبه: عامرًا من كل علم، مستوف للشروط، وما أشبه كلمة: "مذنب" في أنه صفة مستوفية كذلك. ثم يقول ألحق به عشرون وبابه. والمراد ببابه: أخوات عشرين من العقود العددية التي ذكرناها، وكذلك أهلون، وأولو، وعالمون، وعلييون. ثم قال: وشذ: أرضون، وباب سنين، وقد أوضحنا المراد من باب "سنين" في رقم5 من هامش ص149 وإنما صرح بشذوذ هذين، مع أن جميع ملحقات جمع المذكر السالم شاذة -إلا النوع الخامس، كما سبق- لأن الشذوذ، فيهما أقوى، لفقد كل منهما أكثر الشروط. فكلاهما اسم جنس "وليس علمًا ولا صفة"، وكلاهما مؤنث، وغير عاقل، ولم يسلم مفرده عند الجمع. ثم بين أن "سنين وبابه" قد يعرب إعراب: "حين" فتلازمه الياء والنون، وتظهر الحركات على النون منونة إلا عند وجود ما يمنع التنوين. وأن من العرب من يجعل هذا الإعراب الخاص بكلمة: "حين" عامًا يشمل كل جمع مذكر سالم، سمي به، ولا يجعله مقصورًا على سنين وبابه. -طبقًا لما في رقم20 من ص153 ومنهم من يجعله عامًّا شاملًا ما سمي به، وما لم يسم به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بمناسبة النوع الخامس نشير إلى أن التسمية بجمع المذكر السالم معروفة قديمًا وحديثًا، كالتسمية بغيره من أنواع المفردات، والمثنيات، والجموع. فقياسيته أنسب1 فإذا سُمِّيَ به ففيه عدة إعرابات، يرتبها النحاة الترتيب التالِيَ، بحسب شهرتها وقوتها: 1- أن يعرب بالحروف كجمع المذكر السالم، مع أنه علم على واحد، فيبقى حاله بعد التسمية به كحاله قبلها. تقول في رجل اسمه سعدون: جاء سعدونَ. وأكرمت سَعْديِنَ، وأصغيت إلى سعدِينَ. وفي هذه الحالة لا تدخله "أل" التي للتعريف؛ لأنه معرفة بالعلمية2. وإذا جاء بعده ما يقتضي المطابقة -كالنعت، والخبر ... وجب أن يطابق في الإفراد، مراعاة لمعناه ومدلوله. ولا يصح حذف نونه عند إضافته، لأنها ليست نون جمع ولأن حروف العلم لا يصح زيادتها أو نقصها- كما تقدم في المثنى ص 126نقلا عن الهمع. واحتمال اللبس في هذا الوجه قوي. لإبهامه أنه جمع، ولأن حروفه تتغير بتغير إعرابه، مع أنه علم لمعين. 2- أن يلزم آخره الياء والنون رفعًا، ونصبًا، وجرًّا، ويعرب بحركات ظاهرة على النون مع تنوينها3 -غالباً- تقول في رجل اسمه محمدِين: هذا محمدِينٌ، ورأيت محمدِينًا، وقصدت إلى محمدينٍ، فكلمة: "مُحمدِين": إما مرفوعة بالضمة الظاهرة، أو: منصوبة بالفتحة الظاهرة، أو: مجرورة بالكسرة الظاهرة، مع التنوين3 "غالبًا في كل حالة"4 "فإعرابها -كما يقول النحاة

_ 1 كما سبق في رقم1 من هامش ص148 وفي2 من هامش ص152 -وكذلك سبق بيان الغرض من هذه التسمية في" "ج" من ص125 -وفي رقم1 من هامش ص152. 2 انظر" الملاحظة" التي في رقم2 من هامش ص139. "3، 3" إن لم يوجد مانع يمنع التنوين، كالأسباب الخاصة بمنع الصرف، ومنها هنا العجمة مع العلمية، مثل: "قنسرين، اسم بلد بالشام" ومنها: النداء، ومنها: "أل" الجالبة للتعريف، ومنها الإضافة في آخره. 4 بشرط ألا تزيد حروفه على سبعة: "وهي أقصى ما يصل إليه تكوين الاسم المفرد أصالة في اللغة العربية". فإن زاد على سبعة بسبب طارئ على أصله أخرجه عن ذلك الأصل -كأن يكون علما منقولا من مثنى، أو من جمع. نحو اشهيبابين - لم يعرف بالحركات، وإنما يعرب بالحرف "الياء" الذي في آخره، ليكون إعرابه بالحرف دليلًا على زيادة الياء والنون فيه، فلا يخرج الاسم عن أقصى العدد المألوف من حروف الكلم- ومثل هذا أيضًا يراعى في الآراء التالية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كإعراب: غِسْلِين1 وحِين". وتلك النون لا تسقط في الإضافة؛ لأنها ليست نون جمع، والأخذ بهذا الإعراب -في رأينا- أحسن؛ في العلمَ المختوم بالياء والنون. والاقتصار عليه أولى2؛ ليسره ومطابقته للواقع الحقيقي، فهو بعيد، عن كل لَبس؛ إذ لا يتوهم الماء معه أن الكلمة جمع مذكر حقيقي؛ وإنما يدرك حين يسمعها أنها علم على مفرد. وهناك سبب هام يقتضي الاقتصار على هذا الرأى في العلَم المختوم بالياء والنون هو: "المعاملات الرسمية" الجارية في عصرنا على الوجه المبين عند الكلام على التسمية بالمثنى3 ... والقصد من سرد الآراء التى تخالف هذا الأحسن والأيسر فهم النصوص القديمة الواردة بها، دون أن نبيح اليوم استعمالها؛ ومن الإساءة للغتنا أن نفتح الأبواب المؤدية إلى البلبلة والاضجراب فيما ننشئه من كلام، وإلى التعسير من غير داعٍ، فيما نمارسه من شئون الحياة. ومن العرب من يجري حكم: "غِسْلين وحِين" منونًا -فى الغالب- أو غير منون على "سنين" وبابه كله. وإن لم يكن علمًا. ومنهم من يجريه منونًا على جميع أنواع المذكر السالم وملحقاته كما سبق4. 3- أن يلزم آخره الواو والنون في كل الحالات، ويعرب بحركات ظاهرة على النون من غير تنوين5 فيكون نظير: "هارون" في المفردات الممنوعة من الصرف. وهذه النون لا تحذف للإضافة، للسبب السالف. 4- أن يلزم آخره الواو والنون، في كل الحالات ويعرب بحركات ظاهرة

_ 1 هو: الصديد الذي يسيل من أهل جهنم. 2 انظر قرار مجمع اللغة العربية ومؤتمره في اختيارهما هذا الحكم وهو مدون في رقم3 من هامش الصفحة الآتية. 3 في آخر ص 126. 4 في آخر هامش ص 152. 5 فهو ممنوع من الصرف، للعلمية وشبه العجمة؛ لأن وجود الواو والنون في الأسماء المفردة يكاد يكون من خواص الأسماء الأعجمية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على النون، مع تنوينها1 فيكون نظير "عَرَبون"2 من المفردات. ونرى أن الاقتصار على هذا الإعراب3 -أوعلى سابقه- أحسن في العَلم المختوم بالواو والنون؛ مثل: زيدون؛ لما سبق في نظيره المختوم بالياء والنون. 5- أن يلزم آخره الواو والنون المفتوحة في جميع الحالات، ويعرب بحركات مقدرة على الواو. والنون ثابتة هنا في جميع حالات الإعراب، كشأنها في الحالات السالفة. ب- إذا سُمِّي بجمع المذكر، أو بما ألحق به "كالأعلام الواردة في النوع الخامس، ومنها: حَمدون، خَلدون، عَبدون، زيدون ... "، وأريد جمع هذا العلم جمع مذكر سالمًا، لم يصح جمعه مباشرة -كما عرفنا- وإنما يصح جمعه من طريق غير مباشر، وذلك بالاستعانة بالكلمة الخاصة التى يجب أن تسبق هذا العلم، وتلحقها علامة الجمع رفعاً، ونصبًا، وجرًّا، وهذه الكلمة هي: "ذو" دون غيرها، وتصير في الرفع: "ذوُو"، وفي النصب والجر: "ذَوِي" وهي "مضافة"، والعلم بعدها هو "المضاف" إليه دائمًا، وفيه الإعرابات السابقة فيقال: جاءني ذُوو حمدون، وصافحت ذَوِي حمدون، وأصيغت إلى ذَوي حمدون ... فكلمة: "ذَوو" و"ذَوِي" تعرب على حسب حاجة الجملة، وترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء وتلك الكلمة هي التى توصل لجمع المسمى بجمع المذكر السالم وملحقاته.

_ 1 إن لم يوجد مانع من الصرف: كالعجمة مع العلمية هنا -أو بالإضافة، أو النداء، أو التأنيث أو "أل" المفيدة للتعريف وستأتي في م30. 2 المال الذي يدفعه المشتري مقدما في صفقة، لضمان إتمامها، وأنه لن يرجع عن شرائها، وإلا ضاع ذلك المقدم. 3 وقد اقتصر عليه المجمع اللغوي القاهري ومؤتمره -طبقًا لما جاء في ص13 من كتابه الصادر في سنة 1969 باسم "كتاب في أصول اللغة" ونص قراره تحت عنوان: "صيغة: فعلون وكونها عربية" وإعرابها: "ما كان من الأعلام منتهيا بواو ونون زائدتين نحو: ميسون، وحمدون، وخلدون، له أمثلة منذ أقدم العصور العربية، فصيغته عربية، وعليها صيغ ما ورد من أعلام أهل المغرب. وهو يعرب إعراب المفرد بالحركات على النون مع التنوين، ومع لزوم الواو. فإن كان علمًا لمؤنث منع من الصرف للعلمية والتأنيث. ويأخذ هذا الحكم ما كان منتهيًا بياء ونون زائدتين اهـ". 4 في ص151.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الطريقة إلى تثنية هذا الجمع فهي الطريقة التي تقدمت في التثنية، ويستعان فيها بكلمة: "ذو" أيضًا. ج- سبقت الإشارة2 إلى أن النون مفتوحة في جمع المذكر السالم وملحقاته3 في أحواله الإعرابية المختلفة؛ أي: في حالة رفعه بالواو، أو نصبه أو جره بالياء، ولا علاقة لهذه النون بإعرابه. ومن العرب من يكسرها، ولكن لا داعي للأخذ بهذه اللغة، منعًا للخلط والتشتيت من غير فائدة. أما نون المثنى وجميع ملحقاته4 فالأشهر فيها أن تكون مكسورة في الأحوال الإعرابية المختلفة. وقليل من العرب يفتحها، ومنهم من يضمها بعد الألف، ويكسرها بعد الياء، في حالتي النصب والجر، ولا داعي للعدول عن الرأي الأشهر في الاستعمال، للسبب السالف5 في حركة نون جمع المذكر السالم. د- لنون المثنى والجمع وملحقاتهما أثر كبير في سلامة المعنى، وإزالة اللبس؛ ففي قولنا: سافر خليلان: موسى ومصطفى -نفهم أن موسى ومصطفى هما الخليلان، وأنهما اللذان سافرا، بخلاف ما لو قلنا: سافر خليلا موسى ومصطفى؛ بغير النون فإننا قد نفهم الكلام على الإضافة "إضافة: خليلاَ إلى موسى" ويتبع هذا أن الخليلين هما اللذان سافرا، دون موسى ومصطفى. وفرْق بين المعنيين. ومثل هذا أن نقول فى الجمع: مررت ببنينَ أبطال؛ فالأبطال هم البنون؛ والبنون هم الأبطال، فلو حذفت النون لكان الكلام: مررت ببني أبطال، وجاز أن نفهم الكلام على الإضافة؛ إضافة البنين إلى أبطال؛ فيتغير المعنى.

_ 1 في آخر رقم 2 من هامش في أول ص 129. 2 ص 139. 3 ويدخل فيها: ما سمي به، وما جمع على سبيل، "التغليب" وغيرهما. 4 يدخل فيها ما سمي به، وما ثنى على سبيل "التغليب" واثنان واثنتان"، وغيرهما من كل ما أعرب إعراب المثنى. كما سبقت الإشارة لهذا في رقم4 من هامش ص120. 5 وفي هذا يقول ابن مالك: ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق ونون ما ثني والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه، فانتبه. كلمة "نون" الأولى مبتدأ، خبره: الجملة الفعلية: "افتح" و "الفاء" التي في اولها زائدة، لتزيين اللفظ - كما في الصبان، وانظر رقم 4 من ص 393 وم 41 ص 535.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك تمنع توهم الإفراد في مثل: جاءني هذان، ورحبت بالداعين للخير؛ فلو لم توجد النون لكان الكلام: جاءني هذا، ورحبت بالداعي للخير؛ وظاهره أنه للمفرد، وهو غير المراد قطعًا. وتحذف نون المثنى والجمع للإضافة -كما أشرنا- في الأمثلة السابقة؛ وهو حذف لازم؛ كحذفها وجوبًا مع "اثنين" و"اثنتين" عند تركيبهما مع عْشر، أو: عَشرة ... ؛ فتحل كلمة: "عَشر، أو: عشْرة" مكان النون بعد حذفها، نحو: "اثنا عشَر" و"اثنتا عشْرة"؛ فتعرب: "اثنا" و"اثنتا" إعراب المثنى، وكلمة "عْشر أو: عَشرة" اسم مبني1 على الفتح لا محل له من الإعراب، لوقوعه موقع نون المثنى التي هي حرف. كما سبق2. وقد تحذف جوازًا للتخفيف؛ إذا كانت في آخر اسم مشتق "أيْ: وَصْف" في أوله "أل" الموصولة3، و"خيرًا"، قد نصَب بعده مفعوله مثل: ما أنتما المهملا واجبًا، وما أنتم المانعو خيرًا؛ ومنه قراءة من قرأ: "والمقيمي الصلاةَ" "بنصب كلمات: "الواجبَ"، وخيرًا، و"الصلاةَ"؛ على أنها مفعول به لاسم الفاعل الذى قبل كل منها"4. ويجيز سيبويه وآخرون حذف نون ما دل على تثنية أو جمع من أسماء الموصول؛ نحو: اللذان، واللتان، والذين. وقد تحذف نون الجمع جوازًا إذا وقع بعدها لام ساكنة، كقراءة من قرأ: "غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهَ". بنصب كلمة "اللهَ" على أنها مفعول به "أصله: معجزين اللهَ"، وقراءة: "وإنكم لذائقو العذابَ" بنصب كلمة: "العذابَ" على أنها مفعول به أيضًا، وأصلها: "وإنكم لذائقون العذاب". وأقل من هذا أن تحذف من غير وقوع اللام الساكنة بعدها؛ كقراءة من قرأ: "وما هم بضَارّي به من أحد" وأصلها: "بضارين به". وقد تحذف النون جوازًا لشبه الإضافة في نحو: لا غلاميْ لمحمد، ولا مكرَميْ للجاهل، إذا قدرنا الجار والمجرور صفة، والخبر محذوفًا5.

_ 1 لتضمنه -كما يقولون- معنى حرف العطف، إذ الأصل: اثنا وعشر ... إلخ. والسبب الحق السماع المحض. 2 في "و" من ص134 ويجيء في313. 3 وجود "أل" دليل على أن الكلمة غير مضافة. 4 إيضاح هذه الحالة في باب الإضافة - ج3 م93. 5 أصحاب هذا الرأي يوضحونه بأن الجار والمجرور إذا جعلا صفة لاسم "لا" النافية للجنس صار بهذه الصفة من قسم الشبيه بالمضاف؛ لأن الصفة من تمام الموصوف، كالمضاف إليه فإنه يتمم المضاف. وإذا صار شبيها بالمضاف جاز عندهم حذف ما في آخره من التنوين، أو نون المثنى والجمع كما يحذف من المضاف الأصيل. وسيجيء هذا في باب "لا" الجنسية آخر الجزء، ص690.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك في. لَبَّيْكَ1 وسَعْدَيك2 ... وأشباههما عند من يرى أن الكاف حرف للخطاب، وليست باسم. وقد يحذفان للضرورة في الشعر. هذا، وعلى الرغم من أن حذفهما جائز في الموضع التى ذكرناها -فمن المستحسن الفرار منه قدر الاستطاعة؛ منعًا للغموض واللبس، وضبطًا للتعبير في سهولة، ووضوح، واتفاق يلائم حالة الناس اليوم. أما الموضع التى يجب فيها حذفهما فلا مفر من مراعاتها. هـ- الأصل3 في المثنى أن يدل على اثنين حقيقة. لكن قد يكون اللفظ ظاهره التثنية ومعناه الجمع بشرط وجود قرينة؛ فيكون ملحقًا بالمثنى في الإعراب فقط، وليس مثنى حقيقة؛ لفقد شرط التثنية؛ ومن ذلك: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْن} أي: كَرَّات؛ لأن المراد التكثير، والتكثير لا يتحقق بكَرتين، وإنما يتحقق بكَرَّات. ومثله: حَنَانَيْك ... وهذا النوع يجوز فيه التجريد من علامتَيِ التثنية اكتفاء بالعطف، مثل: أتعبتنا الأسفار؛ خمس وخمس، وذَهاب وذهاب ورجوع ورجوع ومنه قول الشاعر: تَخدِي4 بنا نُجُبٌ أفْنَى عرائكهَا ... خَمْسٌ وِخَمْسٌ وتأويبٌ وتأويبُ وقد يغنى التكرار عن العطف5؛ كقوله تعالى: {صَفًّا صَفًّا} ، وقوله: {دَكًّا دَكًّا} .

_ 1 بمعنى: إجابة منا لك بعد إجابة. 2 بمعنى إسعادًا لك بعد إسعاد. أي: مساعدة لك بعد مساعدة، أو معاونة لك بعد معاونة. 3 ما يأتي هو الذي أشرنا إليه في رقم5 من هامش ص118 حيث قلنا: إن اللفظ قد يكون في ظاهره للمثنى، وفي معناه للجمع ... وله صلة أيضا بما في "هـ" من ص133. 4 "تخذي": تسرع "نجب" جمع: نجيبة، وهي: الناقة الأصيلة الجيدة. "عرائك"، جمع: عريكة، وهي: السنام، "التأويب" السفر طول النهار، أو: الرجوع من السفر وغيره، والأحسن هنا: الأول، والخمس: سفر خمسة أيام. ويضح: الخمس "بكسر الخاء" وهو ترك الإبل ثلاثة أيام ترعى بغير شرب، ثم ترد الماء في اليوم الرابع، كأن تشرب في يوم الخميس -مثلا- وتترك الشرب ثلاثة أيام بعده، هي: الجمعة، والسبت، والأحد، ثم تشرب في اليوم الرابع، وهو يوم الاثنين. فإذا احتسبنا اليوم الأول الذي شربته فيه كان يوم الاثنين هو الخامس له. ومن هنا جاء الخمس بكسر الخاء. 5 سبق للمسألة إيضاح وتفصيل في -"هـ" من ص133.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و سبق1 أن قلنا إن المثنى المرفوع إذا أضيف إلى كلمة أولها ساكن؛ مثل: غاب حارسًا الحقل وأقبل زارعًا الحديقة -فإن علامة التثنية "وهي الألف" تحذف نطقًا، لا خَطًّا2. ويرجح النحاة في إعرابه أن يقال: إنه مرفوع بألف مقدرة ... وكذلك الشأن في جمع المذكر؛ فإنه إذا أضيف حذفت نونه للإضافة؛ فإن كانت إضافته إلى كلمة أولها ساكن حذفت واوه رفعًا، وياؤه نصبًا، وجرًّا؛ في النطق، لا في الكتابة2؛ تقول: جاء عالمو المدينة، وكرمت عالمِي المدينة، وسعيت إلى عالمِي المدينة3. لكن ما إعرابه؟ أيكون مرفوعًا بالواو الظاهرة في الكتابة، أم بالواو المقدرة المحذوفة في النطق لالتقاء الساكنين؛ فهي محذوفة لعلة، فكأنها موجودة؟ وكذلك في حالة النصب والجر؛ أيكون منصوبًا ومجرورًا بالياء المذكرورة أم المقدرة؟ يرتضي النحاة أنه معرب في جميع حالاته بالحرف المقدر؛ لأنهم هنا يقدمون النطق على الكتابة، ويعدون هذه الحالة كحالة المثنى في أنها من مواضع الإعراب التقديري4، لا الإعراب اللفظي. ونقول هنا ما سبق أن قلناه في المثنى: وهو أنه لا داعي اليوم للأخذ بهذا الرأي، ولن يترتب على إهماله ضرر؛ لأن الخلاف شكلي لا قيمة له. ولكن الإعراب التقديري هنا لا يخلو من تكلف، وقد يؤدي إلى اللبس. كذلك تقدر الواو رفعًا -فقط- في جميع المذكر السالم إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ نحو: جاء صاحبِيَّ. وأصلها: صاحبون لي؛ حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة؛ فصارت الكلمة صاحِبُويَ. اجتمعت الواو والياء، وسَبقت إحداهما

_ 1 في "ز" من ص135. "2و 2" مع ملاحظة قرار المجمع اللغوي الذي يبيح- المد عند خوف اللبس وهو القرار الذي سجلناه في رقم2 من هامش ص51 ونعيد تسجيله هنا ونصه: تحت عنوان: إباحة المد عند التقاء الساكنين، أو زيادة موضع لاغتفار التقاء الساكنين: "لا حرج على من يدفع اللبس بمد عند الساكنين، مثل قولهم: اجتمع مندوبو العراق بمندوبي الأردن". 3 يشترط لصحة هذا الحذف ألا يكون جمع المذكر مقصورًا- كما سيجيء البيان في رقم3 من ص204. 4 بيان في ص75 و 84 وستذكر مواضعه مفصلة في ص198.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسكون، قُلبت الواو ياء؛ فصارت الكلمة: صاحُبُيَّ، ثم حركت الباء بالكسرة؛ لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة: صاحِبِيَّ. ومثلها جاء خادِميّ ومساعدِيّ، إذ يرتضي النحاة في إعرابها: "خادميّ"، فاعل مرفوع بالواو المقدرة المنقلبة ياء المدغمة في ياء المتكلم. و"خادم" مضاف وياء المتكلم مضاف إليه؛ مبنية على الفتح في محل جر. وكذلك الباقي وما أشبهه. ويقول فريق آخر: إن إعراب كلمة: "صاحِبِيّ" وأشباهها هو إعراب لفظي، لا تقديري؛ لوجود ذات الواو، ولكن في صورة ياء. وتغير صورتها لعلة تصريفية لا يقتضي أن نقول إنها مقدرة. والخلاف بين هذين الرأيين لا قيمة له؛ لأنه خلاف لفظي، شكلى، لا يترتب عليه شيء عملي؛ فلا مانع من اتباع أحد الرأيين. والأول أفضل لموافقته لبعض حالات خاصة أخرى. ز- جسم الإنسان -وغيره- ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه في وقت، ثم يعود إليه في وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب ... ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها ... فإذا كان في الجسم شيء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب -ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه: أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية؛ لأن التثنية في الحقيقة جمع لُغَوى1؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد ... ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما. ثالثها: الإفراد؛ نحو؛ ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرد، للخفة.

_ 1 راجع ماله اتصال بهذا، والأمثلة الواردة التي تؤيده في رقم1 من هامش ص119 ورقم2 من هامش ص137.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما ما يكون في الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه جمع؛ لأن المراد الإيمان: "جمع يمين، أي: اليد اليمنى"1. وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما ... وسلمت على غلاميكما ... إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع في مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد2. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف. ح- سبق الكلام على منع تثنية جمع المذكر وجمعه بطريقة مباشرة فيهما، وإباحة ذلك عند التسمية به3 ... فهل يجوز تثنية جمع التكسير، وجمعه؟ فريق قال: إن جمعه مقصور على السماع. أما تثنيته فملخص الرأي فيها عنده أن القياس يأبى تثنية الجمع، وذلك أن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة العددية، والتثنية تدل على القلة؛ فهما متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة. وقد جاء شيء من ذلك -عن العرب- على تأويل الإفراد؛ قالوا: إبلان، وغَنَمان. وجمَالانِ. ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد، وضموا إليه مثله فثنوه ... وما دام القياس يأباه فالأحسن الاقتصار فيه على السماع4. وفريق آخر -كما سيجيء5- يميل إلى إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة. والأفضل الأخذ بالرأي القائل إن الحاجة الشديدة قد تدعو أحيانًا إلى جمع الجمع، كما تدعو إلى تثنيته؛ فكما يقال في جماعتين من الجِمال: جمالان -كذلك يقال في جماعات منها: جِمالات. وإذا أريد تكسير جمع التكسير روعي فيه ما نصوا عليه في بابه5.

_ 1 هل المراد أن اليمنى واحدة، فإذا انضمت إلى مثلها جاز الجمع؟ إن كان هذا التعليل صحيحًا فهو منطبق على جميع الأعضاء الزوجية في الجسم. فكيف تجب التثنية؟ إلا أن يقال إن اليمنى أشهر في اليد اليمنى حتى تكاد تختص بهذا الوصف، وتصير بمنزلة شيء واحد. 2 راجع الجزء الرابع من شرح "المفصل" ص155. 3 في ص155، 129. 4 راجع الجزء الرابع من شرح المفصل ص153. "5و 5" في جـ4 ص 505 م 174.

المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم د- جمع المؤنث السالم1: فى الأمثلة السابقة كلمات مفردة، تدل كل كلمة منها على شىء واحد مؤنث، أومذكر، "مثل: سيدة، هند، عطية، سُرادق ... ". وحين زِدنا فى آخرها الألف والتاء المفتوحة2 صارت تدل على جمع مؤنث؛ مثل: سيدات، هندات3، عطيات3، سُرَادِقات، واستغنينا بهذه الزيادة عن العطف بالواو4؛ أى: عن أن نقول: سيدة؛ وسيدة؛ وسيدة ... أوهند، وهند، وهند ... إلخ. فهذه الكلمات تسمى: الجمع بالألف والتاء الزائدتين، أو: جمع المؤنث السالم؛ كما هوالمشهور5. وهو: ما دل على أكثر من

_ 1 سبق في رقم1 من هامش ص137 معنى: "السالم" وضبطها. وسبب تسميته هو وجمع المذكر السالم: بجمعي التصحيح. 2 أي: تاء التأنيث المتسعة التي ليس أصلها الهاء، فهي غير التاء المربوطة التي تدل على تأنيث الاسم -كما سيجيء في رقم3 من هامش ص163، 166 ورقم1 من هامش ص166. "3 و 3" انظر الملاحظة التي في ص167. 4 قد يجوز العطف بالواو أحيانًا، أو بغيرها للدواعي التي بيناها في المثنى، وجمع المذكر "في "هـ" من ص 133 و 1 من هامش ص138". 5 يفضل كثير من النحاة الأقدمين تسميته: "الجمع بألف وتاء مزيدتين"، دون تسميته بجمع المؤنث السالم، لأن مفرده قد يكون مذكرًا، كسرادق وسرادقات، وأحيانًا لا يسلم مفرده في الجمع، بل يدخله شيء من التغير: كسعدى وسعديات، فإن ألف الاثنين التي في مفرده صارت ياء عند الجمع. ومثل لمياء ولمياوات، قلبت الهمزة واوا في الجمع، مثل: سجدة وسجدات، تحركت الجيم في الجمع بعد أن كانت ساكنة في المفرد. وبالرغم من ذلك كله لا مانع من التسمية الثانية، لأنها تنطبق على أغلب الحالات، واشتهرت بين النحاة وغيرهم حتى صارت، "اصطلاحا" معروفا، وخاصة الآن.

اثنين1 بسبب زيادة معَينة في آخره، أغنتْ عن عطف المفردات المتشابهة في المعنى، والحروف، والحركات، بعضها على بعض. وتلك الزيادة هي "الألف والتاء" في آخره. ومفرد هذا الجمع قد يكون مؤنثًا لفظيًّا ومعنويًّا معًا؛ مثل: سيدة، وسُعْدَى ولمْيَاء. والجمع؛ سيدات، وسُعَديات، ولمياوات.

_ 1 ما العدد الذي يدل عليه جمع المؤنث السالم؟ أهو عدد لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة، فيكون كجمع القلة، أم يزيد على العشرة؟ بيان هذا في رقم: 2 من هامش ص 137. 2 ينقسم المؤنث باعتبار معناه إلى حقيقي، وهو: ما يلد ويتناسل ولو من طريق البيض والتفريخ، كالطيور-، وإلى غير حقيقي، "أي: إلى مجازي"، وهو ما كان مؤنثا لا يلد ولا يتناسل، مثل: أرض، شمس.... وينقسم باعتبار لفظه إلى "لفظي"، وهو: ما كان مشتملا على علامة تأنيث ظاهرة، سواءا أكان دالا على مؤنث أم مذكر، مثل: فاطمة، وحمزة، ومعاوية، وشجرة، وسلمى، وخضراء. وإلى معنوى" وهو ما كان لفظه خاليا منها مع دلالته على التأنيث ... نحو: زينب، وشمس، وأرض ... - وسيجيء بيان هذا في باب الفاعل ج2 م66 ص75 -وأشهر علامات التأنيث في الاسم هي التاء المربوطة التي أصلها الهاء في مثل: أمينة، وشجرة ... وألف التأنيث المقصورة في مثل: دنيا، وريا- وعليا- والممدودة في مثل: خضراء، وبيضاء وأربعاء. وهناك علامات أخرى تلي تلك، كالكسرة في مثل الضمير، "أنت"،..... ونون النسوة في مثل: "أنتن". .. وللتأنيث وعلاماته وأحكامه باب خاص به في الجزء الرابع - م 169 ص 542. 3 يستثنى من المقصورة عند البصريين ومن معهم: "فعلى" مؤنث: "فعلان"، مثل: "سكرى" مؤنث "سكران" فلا يقال "سكريات". ويستثنى من الممدودة: "فعلاء" مؤنث: "أفعل"، كحمراء، مؤنث أحمر، فلا يقال: حمراوات"، لأن النحاة يقولون: ما لا يصح جمعه جمع مذكر سالم لا يصح - غالبا- في مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالم،- كما سبق البيان والتفصيل في رقم 3 من هامش ص 143، وفي "د" من ص 172 فهاتان يجمعان جمع مذكر ولا جمع مؤنث سالمين "إلا عند الكوفيين" ما داما باقيين على الوصفية، فإن صارا اسمين مجردين من الوصفية- جاز جمعهما تصحيحا جمع مذكر أو مؤنث على حسب المعنى. وبسبب هذه الاسمية قيل: "خضراوات" لبعض أنواع النبات، و "حمراوات" لبعض المدن و "كبريات" و "صغريات" جمع: "كبرى" و "صغرى" اسم موضعين في مصر ... - انظر: "ب" من ص 142، لأهميتها، وكذا "أ" من "الزيادة التي تليها في ص 145 -. ورأي الكوفيين هنا- كرأيهم في جمع هاتين الصيغتين جمع مذكر سالم- أنسب، وأدلتهم مقبولة، لما سبق أن عرضناه في رقم 3 من هامش ص 143 وفيها قرار المجمع اللغوي بإباحة جمع "فعلان فعلى" بالتفصيل والبيان المذكورين هناك، فالأخذ بالرأي الكوفي سائغ، وإن كان الرأي البصري أقوى..

وقد يكون مفرده مؤنثًا معنويًّا فقط؛ بأن يكون خاليًا من علامة التأنيث مع دلالته على مؤنث حقيقي؛ مثل: هند، وسعاد. والجمع: هندات، وسعادات. وقد يكون مفرده مؤنثًا لفظيًّا فقط؛ بأن يكون لفظه مشتملًا على علامة تأنيث، مع أن المراد منه مذكر. مثل: عطية، اسم رجل، وجَمعه: عطيات، وشَبَكة، اسم رجل، وجمعه: شَبَكات ... وقد يكون مفرده مذكرًا؛ كسُرادِق وسرادِقات. وحكم هذا الجمع: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، ويجر بالكسرة، كما في الأمثلة السابقة، وأشباهها. كل هذا بشرط أن تكون الألف والتاء زائدتين معًا؛ فإن كانت الألف زائدة والتاء أصلية؛ مثل: بيت وأبيات، وقوت وأقوات، وصوت

_ 1 يستثنى من "المؤنث المعنوي" ما كان علمًا لمؤنث على وزن: فعال، "مثل "حذام" و "رقاش" و "قطام" عند من يقول ببناء صيغة "فعال" دائمًا، لأن المبني لزومًا لا يثنى ولا يجمع. 2 وهذا التنوين هو تنوين "المقابلة" وتفصيل الكلام عليه في ص41- وإنما يجب ذكر هذا التنوين في كل الحالات إن لم يمنع منه مانع آخر، كالإضافة، أو: أل.. وهناك لغة تنصبه بالفتحة إن كان مفرده محذوف اللام "وهي: الحرف الأخير من أصول الكلمة" ولم ترد هذه اللام عند الجمع، مثل: سمعت لغات العرب، وأكرمت بناتهم؛ لأن المفرد فيهما: لغة، وبنت، وأصلهما" "لغو" و "بنو". حذفت الواو فيهما، ولم ترجع في الجمع. فإن ردت اللام في الجمع مثل: سنوات، وسنهات، في جمع سنة، وجب نصبه بالكسرة. إلا عند الكوفيين -ورأيهم هنا ذعيف- فإنهم يجيزون نصبه بالفتحة مطلقًا، سواء أحذفت لامه أم لم تحذف. ومن النحاة من يعتبر كلمة: "بنات" جمع تكسير. وحجته: أن مفردها "بنت" قد دخله التغيير عند الجمع، وهذا شأن المفرد عند جمعه تكسيرًا لا جمعًا مؤنثًا سالمًا أصيلًا والأكثرية تعتبرها جمع مؤنث "راجع التصريح ج1. باب الفاعل، عند الكلام على تأنيث الفعل لأجل فاعله". ومن المستحسن جدًّا إهمال هذه اللغات، والاقتصار على أكثر اللغات شيوعًا وأشدها جريانًا في الأساليب السامية، وهي اللغة الأولى. وإنما نذكر غيرها ليستعين بمعرفتها المتخصصون في فهم النصوص القديمة، دون استعمالها -على الرغم من صحة محاكاتها بضعف. "ملاحظة" بهذه المناسبة نذكر أن المفرد الذي يراد جمعه بالألف والتاء الزائدتين إن كان محذوف اللام بغير تعويض همزة الوصل عنها، فإن لامه ترجع في الجمع إن كانت ترجع في الإضافة فإن لم ترجع في الإضافة فإنها لا ترجع في الجمع ... أي: أن حكمها من جهة رجوعها في الجمع هو حكم رجوعها عند الإضافة -كما سبق الإشارة في رقم4 من هامش ص111. والبيان في "ح" من ص135.

وأصوات، ووقت وأوقات ... -لم يكن جمع مؤنث سالم، ولم ينصب بالكسرة؛ وإنما هو جمع تكسير، ينصب بالفتحة. وكذلك إن كانت ألفه أصلية والتاء زائدة، -مثل: سُعاة1: جمع ساع، ورماة: جمع رام، ودعاة: جمع داع، وأشباهها؛ فإنه يدخل فى جموع التكسير التي تنصب بالفتحة. ملحقاته: أُلحق بهذا الجمع نوعان، أولهما: كلمات لها معنى جمع المؤنث ولكن لا مفرد لها من لفظها؛ وإنما لها مفرد من معناها، فهى اسم جمع"2، مثل "أولات"3 ومفردها: "ذات"، بمعنى صاحبة، فمعنى كلمة: "أولات" هو: صاحبات. تقول: الأمهاتُ أولاتُ فضل، عرفت أوُلاتِ فضل، احترمت أوُلاتِ فضل. وكلمة: "أولات" مضافة4 دائمًا؛ ولهذا ترفع بالضمة من غير تنوين، وتنصب وتجر بالكسرة من غير تنوين أيضًا؛ ومثلها: "اللاّت" "اسم موصول لجمع الإناث"، عند من يلحقها بجمع المؤنث5، ولا يبنيها على الكسر، كالإعراب

_ 1 أصل سعاة: سعية، "على وزن فعلة"، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، فصارت سعاة: فألفها أصلية، لأنها منقلبة عن حرف أصل، وهو الياء التي أصلها لام الفعل: "سعى"، لأنه يأتي اللام، تقول: سعيت سعيًّا. ومثلها: رماة، فأصلها: رمية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، والفعل "رمي" يأتي اللام أيضًا، تقول: رميت رميًّا. أما دعاة، فأصلها: دعوة: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا. والفعل "دعا" واوي اللام، تقول: دعوت دعوة ... فالألف هنا أصيلة، لأنها منقلبة عن واو أصلية. 2 سبق تعريفه في رقم2 من ص148. "3، 3" همزتها مضمومة، ولا تمد، برغم وجود واو بعدها. 4 وإضافتها لا تكون إلا لاسم جنس ظاهر "مثل: علم، فضل، أدب ... ، أما غير الظاهر فلا تضاف إليه، كالضمير الذي يعود على اسم جنس، فلا يصح الفضل أولاته الأمهات". ومن أمثلة "أولات" قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْل} "فأولات" خبر كان، منصوب بالكسرة، واسمها: نون النسوة المدغمة مع نون "كان". "ويقول النحاة: أصل "كان" هنا: كون، بضم الواو بعد تحويل الفعل إلى باب: فعل. استثقلت الضمة على الواو فنقلت منها إلى الكاف بعد حذف الفتحة، ثم حذفت الواو لا لتقاء الساكنين! والتكلف في هذا ظاهر، لا داعي له، فخير منه أن نقول: إن العرب تضم الكاف من "كان" وتحذف الألف عند إسناد هذا الفعل لنون النسوة، أو لضمير رفع متحرك، من غير أن يكون هناك علة إلا نطقهم. 5 لا داعي للأخذ بهذه اللغة اليوم للأسباب التي نرددها كثيرًا.

المشهور، يقول: جاءت اللاتُ تعلمن، ورأيتِ اللاتِ تعلمن، وفرحت باللاتِ تعلمن؛ فاللات عنده اسم جمع لكلمة: "التى". ثانيهما: ما سمي به من هذا الجمع1 وملحقاته، وصار علمًا لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية؛ مثل: سعادات، وزينبات، وعنايات، ونعمات، وأشباهها مما صار علمًا على رجل أو امرأة. ومثل: عَرَفات؛ "اسم مكان بقرب مكة"، وأذْرِعات "اسم قرية بالشام". وغير ذلك، مما لفظه لفظ جمع المؤنث، ولكن معناه مفرد مذكر أو مؤنث. مثل: سافرت سعاداتٌ، ورأيت سعاداتٍ، واعترفت لسعاداتٍ بالفضل. فهذا النوع يعرب بالضمة رفعًا، وبالكسرة نصبًا وجرًّا، مع التنوين2 في كل الحالات؛ مراعاة لناحيته اللفظية الشكلية التي جاءت على صورة جمع المؤنث السالم، مع أن مدلولها مفرد. وبعض العرب يحذف التنوين، وبعضهم يعربه بالضمة رفعًا من غير تنوين، وينصبه ويجره بالفتحة من غير تنوين في الحالتين، أي: يعربه إعراب ما لا ينصرف مراعاة لمفرده، بشرط أن يكون هذا المفرد مؤنثًا فيقول: هذه عرفاتُ، زرت عرفاتَ، ووقفت بعرفاتَ. وإذا أراد الوقوف على آخره وَقف بالتاء المفتوحة3،

_ 1 في رقم1 من هامش ص152 بيان السبب في التسمية بالمثنى وبالجمع. 2 لكن كيف يوجد التنوين في هذا النوع مع وجود ما يوجب منعه من الصرف، وهو: "العلمية والتأنيث المعنوي" في مثل: "سعادات" وأشباهها، من كل لفظ على صيغة جمع المؤنث ولكنه علم على مفردة؟ "وقلنا التأنيث المعنوي، لأن التاء الموجودة تاء مفتوحة ليست هي التي تدل على تأنيث اللفظ، وإنما الذي يدل على تأنيث اللفظ هو التاء المربوطة التي أصلها هاء، كما سبق في رقم2، 3 من هامشي ص162 أو 163". يجب النحاة عن هذا بأن التنوين هنا للمقابلة، لا للصرف؛ لأن الكلمة منقولة من جميع المؤنث، وتنوين المقابلة لا يحذف عند وجود ما يقتضي منع الاسم من الصرف "وقد سبق الرأي في هذا النوع من التنوين ص 41" وسيجيء رأي أنسب وأضبط، وهو حذف التنوين منه -إذا كان علما لمؤنث- مراعاة للعلمية والتأنيث المعنوي، مع جره بالفتحة فينطبق عليه حكم الممنوع من الصرف ويحسن الأخذ بهذا الرأي؛ لأنه يمنع اللبس ويزيل الإبهام، ويجعل المراد واضحًا جليًّا. وهذه وظيفة اللغة ومهمتها وما يرمي إليه الخبير بأسرارها. وستجيء إشارة لهذا الرأي في "أ" من ص176. 3 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: وما بتا وألف قد جمعا ... يكسر في الجر وفي النصب معا =

فهذه ثلاثة أراء في المسمى به، قد يكون أفضلها الأخير1، فيحسن الاقتصار عليه في استعمالنا- مع مراعاة شرطه. "ملاحظة": إذا كان المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع علمًا فإنه يفقد عند الجمع- علميته، وما يترتب عليها من التعريف الحتمي وبصير نكرة -طبقًا لما سبق تفصيله، وبيان سببه2- فلا بد له بعد الجمع من شيء يعيد إليه التعريف، كزيادة "أل" المعرفة في أوله، أو جود حرف النداء قبله.... ويشترط في المفرد الذي يراد جمعه هذا الجمع أن يكون خاليًا من الإعراب بحرفين، فلا يجمع المفرد المختوم بعلامة جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم.

_ = كذا: "أولات"، والذي اسما قد جعل ... كأذرعات فيه ذا أيضا قبل أي: أن ما جمع بناء وألف فإنه يكسر في حالة الجر والنصب، فينصب بالكسرة، ويجر بالكسرة أيضًا. ولا يفهم من كلمة "معًا" أن الحالتين تحصلان في وقت واحد، كما هو مدلول كلمة: "معًا" عند أكثر اللغويين القائلين باتحاد زمنها- وإنما المر مطلق وقوع الحالتين من غير اتفاقهما في زمن واحد. و"تا" في كلمة: "بتا" قد تقرأ منونة كشأن حروف الهجاء عند قصرها، حيث يجب تنوينها على المشهور، بناء على أنها مقصورة الممدود، فأصلها: "تاء" فإذا قصرت يقدر إعرابها على الألف المحذوفة لفظًا، لالتقاء الساكنين "لأنها ساكنة، والتنوين ساكن" فالألف محذوفة لعلة تصريفية، والمحذوف لعلة كالثابت. نعم إن ترك التنوين للإضافة، أو لوجود "أل" في أوله، أو للوصل بنية الوقف أو للنداء ... جاز الإعراب المقدر على الألف. وقال بعضهم: إن حروف الهجاء إن كانت من غير همزة في آخرها "مثل با - تا - ثا ... إلخ" فإنها موضوعة من أول الأمر على حرفين هجائيين، وليست مقصورة من مد: فهي مبنية على السكون دائمًا من غير تنوين. وهذا أيسر وأوضح. وأشار في البيت الثاني: "كذا أولات" إلى النوعين الملحقين بجمع المؤنث السالم، , وأولهما: اسم الجمع، نحو: "أولات" وثانيهما: ما جعل من جمع المؤنث علمًا على شيء واحد، فإنه يجري عليه الحكم العام السالف. هذا، وكلمة: "أولات" في البيت قد تمنع من التنوين باعتبار أنها علم على تلك الكلمة، ومؤنث فتمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد تنون بإرادة اللفظ لا الكلمة المعينة، فتكون علمًا على ذلك اللفظ غير مؤنث، فلا يمنع من الصرف. 1 هذا الرأي منسوب للكوفيين، وهو خير الآراء الثلاثة، لأنه -وهو مسموع عن العرب- لا يوقع في لبس ولا إبهام، إذ يدل بحذف تنوينه مع جره بالفتحة- على أن المراد منه علم مؤنث مفرد، فلا مجال فيه لتوهم أنه جمع. فهو يساير القاعدة العامة الواضحة. 2 عند الكلام على المثنى "رقم 3 ص129" وعلى جمع المذكر السالم "رقم2 من هامش ص139".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هذا الجمع ينقاس فى ستة أشياء: أولها: كل ما في آخره التاء الزائدة1 مطلقًا؛ أى: سواء أكان علمًا، مثل: فاطمة، أم غير علم، مثل: زراعة - تجارة. مؤنثًا لفظًا ومعنى. مثل: حليمة، رُقية، من أعلام النساء، أم مؤنثًا لفظا فقط مثل: عطية، حمزة، معاوية، من أعلام الرجال. وسواء أكانت التاء للتأنيث كالأمثلة السابقة، أم للعوض عن أصل، نحو: عِدة، وثُبَة، تقول: فى جمعهما: عِدات - ثُبات2؛ وقد تكون التاء للمبالغة، نحوعلاّمة وعلاَّمات. ويستثنى مما فيه التاء كلمات منها: امرأة، وأمة، وشاة، وشفة، وقلَة3، وأمَّة، ومِلَّة4. هذا، ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد، مؤنث، عند جمعه جمع تأنيث سالمًا، لكيلا تتلاقى مع التاء التى فى آخر الجمع. فإن كان الاسم بعد حذفها مختومًا بألف لازمة، أوبهمزة قبلها ألف زائدة - نحو: فتاة ... ، وهناءة ... - روعى فى جمع هذين الاسمين ما يراعى فى جمع المقصور والممدود5 - مع ملاحظة ما فى رقم 6 من هامش ص 188، وكذا و "ص190". ثانيها: ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة "سواء أكان علمًا، أم غير علم، لمؤنث أم لمذكر؛ فمثال المقصورة: "سُعدى" وهي علم مؤنث، "وفُضْلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودُنيا" إذا كانت علمًا لمذكر6. فمثال المقصورة "سعدي" وهي علم مؤنث، "وفضلى"، وهي غير علم، وإنما هي صفة لمؤنث، "ودينا" إذا كانت علما لمذكر ومثال الممدودة: "زَهراء"، وهي علم لمؤنث، و"حسناء" وهي غير

_ 1 أي: بشرط أن تكون التاء غير أصلية. وقد سبق الكلام على الأصلية في ص164. 2 وأصل عدة: وعد. وأصل ثبة: "ثبو" فالتاء في الأولى عوض عن فاء الكلمة، وفي الثانية عوض عن لامها. 3 اسم لعبة للأطفال. 4 لعل السبب في عدم جمع هذه الكلمات جمع مؤنث سالم -كما يقال- أنها لم تسمع عن العرب. وهو سبب لا ينهض حجة، ولم يأخذ به بعض النحاة، فأجاز جمعها جمع مؤنث سالم. ورأيه حسن، لجريانه على الأصول اللغوية العامة، وإن كان الأفضل مراعاة الرأي الشائع. 5 سيجيء الباب الخاص بتثنيتها وجمعها- في ج4 م171 ص566- لمعرفة الفرق بينهما إن وجد. 6 إذا كان المفرد مختومًا بألف التأنيث وهو علم لمذكر ففي جمعه بالألف والتاء آراء غامضة لم تتعرض لصحته "انظر الخضري" وانظر "أ" من ص145.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علم وإنما هي صفة لمؤنث، و"زكرياء" علم لمذكر. ويستثنى من هذا القسم -عند غير الكوفيين كما سبق1: فَعْلَى؛ مؤنث "فَعْلان"، مثل "سَكْرى" مؤنث "سكران"، "وفَعْلاء" مؤنث2: "أفْعَل" مثل: "خضراء وسوداء"، وكلتاهما صفة لمؤنث، وليست بعلَم. ثالثهما: كل علم لمؤنث حقيقي3 وليس فيه علامة تأنيث، كزينب، ونوال، وإحسان، إلا ما كان مثل: "حَذَام" عند مَن يبنيه في جميع أحواله -كما سبق4. رابعها: مصغر المذكر الذى لا يعقل، مثل: "نُهيرات"، تصغير: "نهر" و"جُبيلات"؛ تصغير "جبل" و"مُعَيْدِناتٌ"، تصغير: "معدِن". خامسها: وصف المذكر غير العاقل؛ مثل؛ هذا بساتين جميلات5، زُرْتها أيامًا معدودات. سادسها: كل خماسىّ لم يسمع له عن العرب جمع تكسير6؛ مثل: سُرادِقات وقَيْصُومات - وحَمَّامات - وكَتَّانات. واصطبلات - وقِطْميرات ... فى جمع: سُرادِق، وقَيْصُوم7، وحَمَّام، وكَتَّان، واصطبل، وقطْمير8. وما عدا تلك الأنواع الستة مقصور على السماع؛ مثل: شَمَالات9.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 163 و 143 وفيهما بيان مفيد. 2 وهذا على الرأي الراجح - عندهم وهو: أن ما لا يجمع مفرده جمع مذكر سالم لا يجمع غالبا جمع مؤنث سالم أيضا وقد سبق "في رقم 3 من هامش ص 163" بيان ما في هذا الرأي. وكذلك في ب من ص 142. 3 عاقل، كزينب.... أو غير عاقل- على الأصح- مثل: لبون، علم على ناقة، وكذا: هوجل. 4 في رقم 10 من ص 79. والسبب أن المبني لزوما لا يثنى ولا يجمع مباشرة- كما كررنا- 5 فالنعت هو جميلات، ومفردها: جميل: والمنعوت هو بساتين، ومفردها، بستان وهو مذكر غير عاقل، فالعبرة في النعت والمنعوت بالمفرد، ومثله: "أياما معدودات". المفرد المنعوت هو: يوم، ومفرد ذهنه هو: معدود. وكذلك "جبال راسيات" ... مفرد المنعوت: جبل: ونعته هو راس.. "راجع حاشية ياسين على التصريح في هذا الموضع ... جـ 1 ص 81 عند الكلام على جمع المؤنث السالم وما يطرد في جمعه". 6 وبعض النحاة - كما جاء في الهمع لم يشترط كونه خماسيا، مكتفيا باشتراط أنه لم يسمع له جمع تكسير. والأفضل عدم الاعتداد برأيه، لمخالفته الأكثرية. 7 نوع من النبات. 8 الشق الذي في وسط نواة التمر. أو القشرة التي تعطى النواة أو تغطي الثمرة. 9 جمع: شمال، اسم نوع من الريح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى ما سبق يشير بعضهم بقوله عن جمع المؤنث السالم، وما يقاس فيه وما لا يقاس: وقسْهُ فى ذى التَّا، ونحو ذِكْرَى ... ودرهمٍ مُصَغّرٍ، وصَحْرا وزًينبٍ، ووصفِ غيرِ العاقلِ ... وغير ُ ذا مُسلمٌ للناقل يريد أنه مقيس في كل ما هو مختوم بالتاء؛ مثل: رحمة ونعمة، أو ألف التأنيث المقصورة؛ مثل: ذِكْرَى، أو الممدودة؛ مثل: صَحْراء. وفي مصغر غير العاقل؛ نحو: دُرَيْهم، في تصغير: دِرْهم. وفي وصف غير العاقل، نحو: هذه بساتين جميلات زرتها أيامًا معدودات1. أما غير هذه الخمسة فمقصور على سماع عن العرب فمن نقل عنهم شيئًا أخذنا بما نقل، وسلمنا به. وقد ترك السادَس وهو الخماسيّ الذى لم يسمع له جمع تكسير. "ب" إذا كان المفرد اسمًا2، مؤنثًا، ثلاثيًّا، صحيح العين، ساكنها، غير مضعفها، مختومًا بالتاء أوغير مختوم بها وأردنا جمعه جمع مؤنث سالمًا فإنه يراعى في جمعه ما يأتي3: 1- إن كانت "فاء" الكلمة مفتوحة وجب تحريك العين الساكنة بالفتح في الجمع أيضًا؛ تبعًا للفاء. تقول في جمع: ظَرْف، وبَدْر، ونَهْلة، وسَعْدة، ... "وكلها أسماء إناث" ظَرَفات، وبدَرات، ونَهَلات، وسَعَدات. بفتح الثاني في كلٍّ. 2- وإن كانت فاء الكلمة مضمومة، جاز في العين ثلاثة أشياء: الضم، أو الفتح، أو السكون؛ تقول في جمع، لُطْف، وحُسْن، وشُهْرَة، وزُهْرَة "وكلها أسماء إناث"، لطفات، وحسنات، وسهدات، وزهرات، بضم الثاني في كلّ، أو فتحه، أو تسكينه. إلا إنْ كانت "لام" المفرد ياء فلا تضم العين في الجمع، مثل: غُنْيَة4، فلا يُقالُ: غُنُيات5. وإنما يقال: غُنَيات6، أو: غُنْيات؛ بفتح النون، أو سكونها.

_ 1 انظر رقم5 من هامش الصفحة السابقة. 2 علمًا، أو غير علم بشرط ألا يكون وصفًا. 3 تفصيل الكلام عليه في البحث الخاص بالأحكام العامة التي تخص جمع المؤنث السالم ج4 ص573 م171. 4 بمعنى: غني. وتصلح علمًا لمؤنث. 5 لأن العرب تستثقل الضمة قبل الياء. 6 ولا تقلب الياء هنا ألفًا؛ لأن الزيادة التي في آخر الكلمة المجموعة تمنع القلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- وإن كانت فاء الكلمة مكسورة جاء في العين ثلاثة أشياء؛ الكسر، أو الفتح، أو السكون. تقول في جمع: سِحْر، وهِند، وحِكمة، ونِعْمة "أسماء إناث": سِحَِْرَات، هِنَِْدَات، حِكَِْمَات، نِعَِْمَات. بفتحِ الثاني في كلّ، أو كسره، أو تسكينه، إلا إذا كان المفرد المؤنث مكسور الفاء ولامه واو مثل:، ذِرْوة، فلا يجوز في العين إتباعها للفاء للفاء فى الكسر؛ فلا يقال: ذِرِوات1 وإنما يقال ذِرَوَات2 أو ذرْوات بفتح العين أو تسكينها. ولا بد في المفرد الذي تجري عليه الأحكام السالفة أن يشتمل على الشروط الستة التى سردناها. فإن فُقِد شرط لم يجز إتباع حركة العين لحركة الفاء؛ ومن ذلك أن تكون الكلمة صفة لا اسمًا، مثل: "ضَخْمة"، فلا يقال فيها: ضَخَمات، بفتح الخاء. أو تكون اسمًا غير مؤنث مثل: سعد، علم، رجل، فإنه لا يجمع جمع جمع مؤنث، ولا تتحرك عينه. أو تكون غير ثلاثية، مثل: "زَلزَل" و"عُنيزة" "لجاريتين"، فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع. أو تكون غير صحيحة العين؛ مثل "خَوْد"3، "وقَيْنة"4 فلا يتغير شيء من حركات حروفهما عند الجمع، أو تكون مُضعفة العين، مثل: جنَّة وجنات؛ فلا يتغير شيء من حركات حروفها فى الجمع، وإن كانت العين غير ساكنة، مثل: حكم "علم فتاة". وقد وردت جموع مخالفة لبعض الشروط السالفة؛ فلا نقيس عليها؛ لأنها لغة نادرة؛ أو قليلة لبعض العرب، أو دفعت إليها ضرورة شعرية. ولهذا البحث مزيد إبانة وتفصيل في موضعه الخاص من باب: "تثنية المقصور والممدود وجمعهما"، فى الجزء الرابع5 ... "ج" إذا كان المفرد مركبًا إضافيًّا وأريد6 تثنيته أو جمعه جمع مؤنث سالمًا فإن صدره هو الذى يثنى ويجمع، ويبقى عجزه على حاله، مثل: سيدة الحُسن "علم امرأة" يقال في تثنيته وفي جمعه: سيدتا الحُسن، وسيدات الحسن، وهذا إن لم يكن صدره المضاف كلمة "ذو"، أو: كلمة: "ابن"، أو:

_ 1 لأن العرب تستثقل الكسرة قبل الواو. 2 ولا تقلب الواو هنا ألفًا، إذ لا يصح القلب مع وجود الزيادة في آخر الاسم المجموع. 3 هي الفتاة الجميلة. 4 جارية. 5 ج4 ص566 م171. 6 راجع ما تقدم في ص128 خاصًّا بشروط ما يراد تثنيته، ومنها: أن يكون غير مركب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخ" ونحوهما ... من أسماء ما لا يعقل من الأجناس، -ومنها: ذو القَعدة، وذو الحِجة وابن لبون، وابن آوى، وابن عُرسٍ1- فإن كان المضاف أحدها وأريد جمعه فالغالب أن يجمع جمع مؤنث سالمًا فيقال مثلاً: ذوات القَعدة، وذوات الحِجَّة، وبنات آوى، وبنات عُرس ... ولا فرق في ذلك بين اسم الجنس غير العلم الجنسي كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى. والفرق بينهما أن ثاني الجزأين من علم الجنس لا يقبل: "آل" بخلاف اسم الجنس، كما سيجيء في ج4"2 ... وإن كان مركبًا إسناديًّا مثل: زادَ الجمالُ "علم امرأة" بقي على حاله تمامًا؛ وأتينا قبله بكلمة: "ذاتا" في التثنية3؛ و"ذوات" في الجمع المؤنث، تقول: جاءت ذاتا زادَ الجمالُ، وذواتُ زادَ الجمالُ. ويجرى الإعراب على ذات" و"ذوات"؛ دون العلم المركب إسناديًّا؛ فإنه يبقى على حاله تمامًا، ويعرب مضافًا إليه، مجرورًا بكسرة مقدرة، منع من ظهورها: الحكاية. وكذلك نأتي -فى أشهر الآراء4- بهذه الكلمات المساعدة التى تُوصل إلى التثنية إن كان مركبًا تركيب مزج مثل: شهر زاد5، اسم امرأة. د- المفرد الذى لا يصح جمعه جمع مذكر سالمًا، لا يصح فى مؤنثه أن يجمع جمع مؤنث سالمًا. وقد سبق بيان هذا وما فيه6. هـ- إذا سمى بجمع المؤنث7، أوملحقاته، -مثل: سعادات، عنايات ... - وأريد تثنية هذا المسمى لم يصح تثنيته إلا من طريق غير مباشر بأن نأتى قبله بالكلمة الخاصة التى توصلنا لهذا الغرض؛ وهى كلمة: "ذاتا"3

_ 1 انظر هامش ص 110 لأهميته. 2 آخر باب جمع التكسير "م 174 ص 622 وهناك بعض الأحكام الهامة". وسبقت الإشارة لبض هذا في رقم 1 من هامش ص 110. "3، 3" المفرد: ذات، وقد يقال عند التثنية: ذواتا.، رفعا، و "ذواتي" نصبا وجرا 4 غالبا، إذ له إعرابات أخرى سنذكر بعضها في باب العلم. ص 307 وما بعدها.... 5 وأصلها قبل التركيب المزجي. زاد شهر. 6 في رقم 3 من هامش ص 163 وكذلك في رقم 3 من هامش ص 143. 7 انظر ص 165 وهامش 166 حيث الحكم الخاص بالتسمية بهذا الجمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعًا1، و"ذاتَىْ"2 ... نصبًا وجرا. وتعرب كل واحدة منهما على حسب حاجة الجملة إعراب المثنى فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء. وهى "المضاف"3، والمسمى به بعدها "مضاف" إليه. وإذا أريد جمع المسمى به جمعًا مؤنثًا وجب الإتيان قبله بكلمة "ذوات" المضافة؛ والمسمى هوالمضاف إليه.

_ 1 أو: ذواتا.... 2 أو: ذواتى..... 3 لأنها لا تجيء هنا إلا مضافة.

المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف هـ- إعراب ما لا ينصرف: 1- تعلم محمودٌ، أو مصطفىً. نافس الطلاب محموداً، أو مصطفىً. فاض الثناء على محمودٍ، أو مصطفىً. 2- تعلم أحمدُ. نافس الطلاب أحمدَ. فاض الثناء على أحمدَ. 3- تعلمتْ ليلَى. نافست الطالباتُ ليلىَ. فاض الثناء على ليلىَ. 4- صالحٌ أفضلُ من غيره. صالح أفضلُ الزملاء. عرفت أفضلَ من غيره. عرفتُ أفضلَ الزملاء. سلمت على أفضلَ من غيره. سلمت على أفضلِ الزملاء. 5- صالح هو الأفضلُ عرفت الأفضلَ. يتساءل الطلاب عن الأفضلِ. من الأسماء المعربة -غالبًا-1 نوع يعرب بالحركات الظاهرة، أو المقدرة، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع وجود التنوين في الحالات الثلاث2؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم المنصرف"، أي: الاسم المنون3". ويسمى اختصارًا: "الاسم المنون"، أو: "المنصرف." كأمثلة القسم الأول. كأمثلة القسم الأول. ومن الأسماء المعربة نوع آخر يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجَر بالفتحة أيضًا4، نيابة عن الكسرة، ولكن من غير تنوين -غالبًا-4 في الحالات الثلاث؛ وهذا النوع المعرب يسمى: "الاسم الذى لا ينصرف؛ أي: لا يُنون". ولا فرق في هذا النوع بين أن تكون حركة آخره ظاهرة، كأمثلة القسم الثاني، أو مقدرة كأمثلة القسم الثالث. والاختلاف بين صورتي المعرب المنصرف وغير المنصرف، ينحصر في أمرين؛ أولهما: أن "المنصرف" يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة، أو المقدرة رفعًا، ونصبًا، وجرًّا؛ فالضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر.

_ "1و 1" انظر "ب" من ص 176. 2 سبق الكلام تفصيلا على هذا النوع من التنوين وغيره، في ص 33 وما بعدها. 3 هو الاسم المعرب المنصرف الذي سبق الكلام عليه في ص 33 ويسمى: "بالاسم المنصرف"، اختصارا- كما أشرنا هناك- وأن "الصرف" قد يسمى: "الإجراء" في استعمال بعض القدامي، وأن "منع الصرف، "هو عدم الإجراء" طبقا للبيان الآتي في ج4 باب: ما لا ينصرف. 4 بشرط أن يكون خاليا من: "أل" ومن الإضافة -كما سيجيء.

ثانيهما: أنه ينون في جميع حالاته، إلا إن وجد مانع آخر يمنع التنوين1. أما الاسم الذى ينصرف فتتلخص حركات آخره الظاهرة، أو المقدرة في أنه يرفع بضمة واحدة من غير تنوين2، وينصب بفتحة واحدة من غير تنوين، ويجر بفتحة واحدة أيضًا من غير تنوين؛ فهو يختلف عن سابقه فى الأمرين، في عدم التنوين، وفي الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة -وإنما يتحقق الاختلاف بشرط ألا يكون مضافًا أومبدوءًا "بأل". فإن كان مضافًا مثل كلمة: "أفضل" في القسم الرابع، أومبدوءًا "بأل" مثل كلمة: "الأفضل" في القسم الخامس، وجب جره بالكسرة دون الفتحة، مع حذف التنوين في الحالتين أيضًا؛ لأن التنوين لا يوجد في الاسم المضاف، أو المبدوء "بأل" مهما كان نوعها3. هذا وللاسم الذي لا ينصرف باب خاص -سيجيء في الجزء الرابع- تُبَيَّن فيه أسباب المنع من الصرف، وتوضح أحكامه، ونقتصر هنا على ما يناسب موضوع الإعراب، تاركين غيره لذلك الباب.

_ 1 كأن يكون الاسم مضافًا، أو مبدوءًا بأل، أو غير ذلك مما يمنع التنوين "كالنداء"، تقول: جاء الطبيب، أو: طبيب المدينة، ورأيت الطبيب، أو: طبيب المدينة، وقصدت إلى الطبيب، أو: طبيب المدينة، إذ يمتنع التنوين مع "أل" ومع الإضافة في كلمة: "طبيب" كما يمتنع في مثل: يا طبيب، لمعين. أما عند عدم وجود مانع فيجب التنوين. 2 قد ينون الممنوع من الصرف إذا زالت علميته وقصد تنكيره- كما سبق في رقم3 من هامش ص33 ورقم3 من هامش ص37 عند الكلام على التنوين، وكما يأتي البيان في رقم2 من هامش ص294، وفي باب الممنوع من الصرف "ج4". "3 ستأتي أنواعها في م30 ص421- ومثلها "أم" التي تنوب عنها في لغة بعض القبائل "انظر "حـ" في ص 176 وفي هذا يقول ابن مالك: وجر بالفتحة ما لا ينصرف ... ما لم يصف، أو: يك بعد: "أل" ردف ومعنى "ردف": تبع: "أل"، وجاء بعدها مباشرة من غير فاصل بينهما. وكلمة: "جر" قد تكون فعلًا ماضيًا مبنيًّا على الفتح، وهو مبني للمجهول، وقد تكون فعل أمر، فيصح عندئذ في آخرها ضم الراء أو كسرها، أو فتحها. فالضم لأن أصلها: اجرر "مثل: انصر" نقلت ضمة الراء الأولى إلى الجيم فحذفت الهمزة، وأدغمنا الراءين، وضممنا الراء المشددة إتباعًا للجيم. وإن شئنا فتحنا الراء المشددة في "جر" للخفة، أو كسرناها، مراعاة للأصل في التخلص من التقاء الساكنين. وليس هذا مقصورًا على كلمة: "جر" بل يتبع في كل فعل أمر على وزنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سبقت الإشارة -فى جمع المؤنث السالم، "ص 166"- إلى أن هذا الجمع وملحقاته عند التسمية به يصح إعرابه إعراب مالا ينصرف، كما يصح إعرابه إعراب جمع المؤنث السالم، مراعاة لأصله وصورته. والإعراب الأول أحسن، لما سبق هناك. ب- من المبينات ما يكون ممنوعًا من الصرف لانطباق سبب المنع عليه؛ مثل: سيبويه؛ فإنه علم1 مبني على الكسر وجوبًا فى كل حالاته -فى الرأىّ الشائع2. فعند اعتباره ممنوعًا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجي نقول في إعرابه في حالة الرفع: إنه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلى على الكسر. أو إنه مبني على الكسر في محل رفع. ونقول في حالة نصبه: إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر، أو: إنه مبني على الكسر في محل نصب3. ونقول في حالة جره إنه مجرور بفتحة مقدرة. منع من ظهورها حركة بنائه الأصلي على الكسر. ولا مانع أن نقول هنا أيضًا: إنه مبني على الكسر في محل جر. ولكن النحاة يفضلون بحق في حالة الجر الإعراب الأول، لأنه يوافق الحكم العام للاسم الذى لا ينصرف. ج- بعض القبائل العربية يستعمل كلمة: "أمْ" بدلا من "أل" فيقول: امقمرُ يستمدّ امْضَوْءَ من امْشَمْش، أي: "القمر يستمد الضوء من الشمس" وعلى هذه اللغة لا يمنع الاسم عندهم من الصرف إذا بدئ بكلمة: "أمْ" المستعملة بدلاً من: "أَلْ"4.

_ 1 هو علم، مركب مزجي، فينطبق عليه منع الصرف، فوق أنها مبني لا يدخله تنوين التمكين وقد سبق الكلام على تنويته- في الكلام على أنواع التنوين- ص 33. وسنعود للكلام على المركب المزجي وعلى إعرابه بمناسبة أخرى في ص 196 و 311 و 313 وما بعدها. 2 انظر ما يتصل بهذا في "ب" و "ج" من ص 145 و 146. "3 و3" وهذا أوضح وأكثر. 4 راجع: الصبان والهمع ... - وليس من السائغ اليوم أن نستعمل "أم" هذه كاستعمال أهلها القدماء، ولا أن ندخلها في أساليبنا بدلا من "أل".

المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة و الأفعال الخمسة: أ- العاقل يتكلم بعد تفكير. لن يتكلمَ العاقل مسرعاً. لم يتكلمْ عاقل فيما لا يَعنيه. إذا كان المضارع صحيح الآخر، وغير مختوم بضمير بارز2، فإنه يعرب بالحركات الأصلية الظاهرة "الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب إذا سبقه ناصب، والسكون في حالة الجزم إذا سبقه جازم". كأمثلة القسم "أ". أما إذا اتصل بآخره ألف اثنين "وله معها صورتان. إحداهما أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب، والأخرى أن يكون مبدوءًا بياء الغائب، كأمثلة 1، 2 من القسم "ب"." أو اتصل بآخره واو الجماعة، "وله معها صورتان كذلك: أن يكون مبدوءًا بتاء المخاطب أو ياء الغائب، كأمثلة 3، 4 من "ب" أو اتصل آخره بياء المخاطبة، "كأمثلة القسم الخامس من "ب" فإنه في هذه الصور الخمس التي يسميها النحاة الأفعال الخمسة -يرفع بثبوت النون3 في حالة

_ 1 إذا كان الضمير لمؤنثتين غائبتين "مثل: هما" جاز أن يكون المضارع مبدوءًا بالياء لا بالتاء، ولكن التاء أكثر- طبقًا للإيضاح الآتي في "ج" من ص181- فنقول: هما تفعلان، أو: هما يفعلان. 2 أي: ظاهر. وهذا على الرأي الشائع في أن ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة أسماء، فهي ضمائر يعرب كل منها فاعلًا. وهو الرأي الواجب اتباعه اليوم، خلافًا للرأي الضعيف القائل بأنها حروف. 3 أي: بالنون الثابتة الموجودة.

الرفع، نيابة عن الضمة، وينصب في حالة النصب بحذفها نيابة عن الفتحة، ويجزم في حالة الجزم بحذفها أيضًا نيابة عن السكون. "أمثلة، 2، 3، 4، 5". وهذا معنى قولهم: الأفعال الخمسة هي: "كل مضارع اتصل بآخره ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة"1. وحكمها: أنها ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها. مع ملاحظة أن تلك النون عند ظهورها تكون مكسورة2 بعد ألف الاثنين، مفتوحة في باقي الصور3". "ملاحظة": إذا كان المضارع معتل الآخر بغير إسناد لضمير رفع بارز -فحكمه سيجيء في مكانه الخاص4. فإن كان مسندًا لضمير رفع بارز وجب أن تلحقه تغيرات مختلفة؛ بيانها وتفصيلُ أحكامها في الباب المعدّ لذلك5، وهو باب: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة؛ بتوكيد، وغير توكيد.

_ 1 فللألف الاثنين صورتان، ولواو الجماعة صورتان، ولياء المخاطبة صورة واحدة. 2 في الغالب الذي يحسن الاقتصار عليه. 3 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: واجعل لنحو: "يفعلان" النونا ... رفعا، وتدعين وتسألونا وحذفها للنصب والجزم سمه ... كلم تكوني لترومي مظلمه أي: اجعل ثبوت النون علامة الرفع في: "يفعلان، وتدعين، وتسألون" وهي الأفعال المضارعة المشتملة على الضمائر السالفة، فالأوفى مشتمل على "ألف الاثنين" والثاني على "ياء المخاطبة"، والثالث على "واو الجماعة" واجعل حذف النون سمة، "أي: علامة"، لنصبها، وجزمها. 4 في ص 182. 5 ج4 م144 ص177.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا قلت: النساء لن يَعْفُونَ عن المسيء؛ فالنون هنا نون النسوة؛ وليست نون الرفع التي تلحق بآخر الأفعال الخمسة. كما أن الواو واو أصلية، لأنها لام الفعل؛ إذا أصله: "عفا" "يعفو" تقول: النساء يَعْفون؛ "يعفو" فعل مضارع مبني على السكون الذى على الواو. لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع. وتقول "النساء لن يعفُون": "يعفو": فعل مضارع، مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة؛ في محل نصب بلن، والنون فاعل ... وفي النساء لم يعْفُون: "يَعْفُو" فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، في محل جزم بـ"لم"، ونون النسوة فاعل ... بخلاف قولك: الرجال يَعْفُون؛ فإن النون هنا علامة للرفع، والواو ضمير الجمع، فاعل، مبني على السكون في محل رفع. وأصله: الرجال يعفُوُون "على وزن: يفْعُلُون"؛ استثقلت الضمة على الواو الأولى "التى هي حرف علة، ولام الفعل أيضًا" فحذفت الضمة؛ فالتقى ساكنان، هما: الواوان. حذفت الواو الأولى؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الواو الثانية: لأنها كلمة تامة. إذ هي ضميرٌ، فاعل، يحتاج إليها الفعل، فصار الكلام: "الرجال يعْفُون" على وزن: "يَفْعُون"، وعند وجود ناصب أو جازم تحذف النون، نقول: الرجال لن يعْفُوا "على وزن يَفْعُوا" ومن قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والرجال لم يعْفُوا، فحذفت نون الرفع؛ لوجود أحدهما، بخلاف نون النسوة، فإنها لا تحذف -كما سبق. ب- عرفنا أن نون الرفع تحذف وجوبًا للناصب أو الجازم؛ كحذفها فى قوله تعالى: {لن تَنالُوا الْبِرَّ حَتى تنفقُوا مما تُحِبّون} ، وقول الشاعر المصري1: لا تقْربوا النيل إنْ لم تعملوا عملاً ... فماؤهُ العذبُ لم يخلَق لكسْلان وقد تحذف لغير ناصب أو جازم، وجوبًا أو جوازًا؛ فتحذف وجوبًا إذا جاء بعدها نون التوكيد الثقيلة؛ مثل: أنتما، يا صاحباي، لا تقصرانّ في

_ 1 إسماعيل صبري المتوفى سنة 1922.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواجب، وأنتم -يا رجال- لا تهملُنّ فى العمل، وأنت -يا قادرة- لا تتأخَرنِّ عن معاونة البائس، فحذفت نون الرفع في الجميع؛ لتوالي الأمثال "أي: لتوالي ثلاثة أحرف متماثلة زائدة؛ هي: النونات الثلاث ... " وحذفت معها أيضًا واو الجماعة، وياء المخاطبة دون ألف الاثنين2، ولكن عند إعراب المضارع المرفوع نقول: مرفوع بالنون المقدرة، كما سبق بيان سببه وتفصيله. وتحذف جوازًا عند اتصالها بنون الوقاية3، مثل: الصديقان يُكْرمانِني، أو: يُكْرِمَانِي، والأصدقاء يكرمُونني، أو: يكرموني، وأنت تكرمينني، أو: تكرِمينِّي4. فتلخص من هذا أن نون الأفعال الخمسة لها ثلاثة أحوال عند اتصالها بنون الوقاية: الحذف، أو الإدغام في نون الوقاية، أو الفك مع إبقاء النونين5. وهناك لغة تحذف نون الرفع "أي: نون الأفعال الخمسة" في غير ما سبق؛ وبها جاء الحديث الشريف: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا"، أي: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنون حتى تتحابوا. وقوله أيضًا: "كما تكونوا يولَّى عليكم" في بعض الآراء، وليس من السائغ اتباع هذه اللغة في عصرنا، ولا محاكاتها، وإنما ذكرناها لنفهم ما ورد بها في النصوص القديمة.

_ "1و 1" في رقم1، 4 من هامش ص95 شرط امتناع التوالي، وإيضاحه، وسبب بقاء ألف الاثنين. 2 راجع "جـ ود" من ص 94 و 98. 3 وهذا رأي سيبويه وفريق معه ... وقال آخرون: الذي يحذف هو: "نون الوقاية". ولكل أدلة كثيرة. والرأي الأول أولى، ولا سيما إذا عرفنا أن نون الوقاية جاءت لغرض خاص، فحذفها يضيع ذلك الغرض. وتفصيل الكلام على "نون الوقاية" مسجل في الموضع الخاص بها- "ص280 م21، مع ملاحظة الإشارة السابقة في "ج" ص50 وفي رقم4 من هامش ص95 ورقم1 من هامش ص96- ثم ص284". "4 و 4" يجوز هنا أن يحذف الضمير أو لا يحذف، "راجع رقم4 و 1 من هامش ص95 و 96". 5 ستجيء الأحوال الثلاثة في ص284. 6 أي: تتحابوا.

"ج" يجوز1 أن تقول: "هما تفعلان" و"هما يفعلان" عند الكلام على مؤنثتين غائبتين؛ ففي الحالة الأولى تؤنث مراعيًا أنك تقول في المفردة: هي تفعل؛ بوجود التاء أول المضارع. فكأن الأصل -مثلًا- زينب تفعل؛ لأن الضمير بمنزلة الظاهر المؤنث الذى بمعناه. فإذا قلت: "هما تفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك الحالة السابقة. وإذا قلت: "هما يفعلان" فقد أدخلت في اعتبارك مراعاة لفظ الضمير الحالي الذى للمشي الغائب، والأول أكثر وأشهر، وفيه بُعْد عن اللّبس، فوق ما فيه من مسايرة لقاعدة هامة؛ هي: أن الفعل يجب تأنيثه إذا كان مسندًا. لضمير يعود على مؤنث2 ...

_ 1 الإيضاح الآتي هو ما أشرنا إليه في رقم1 من هامش ص177. 2 وقياسًا على هذا يجوز في المضارع المسند لنون النسوة أن يكون مبدوءًا بالياء أو بالتاء، نحو: الوالدات يحرصن على راحة أبنائهن، أو تحرصن. ويؤيد هذا القياس ما سيجيء "في "ب" من الجزء الثاني باب الفاعل ص75 م66 عند الكلام على الحكم السادس" فقد نصوا هناك على جواز الأمرين صراحة وأن الأحسن تصديره بالياء لا بالتاء، تبعا للمأثور، واستغناء بنون النسوة عن التاء في الدلالة على التأنيث.

المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر ز- المضارع المعتل الآخر1: ليس في الأفعال ما يدخله الإعراب إلا الفعل المضارع أحيانًا، وهو قسمان: أ- مضارع صحيح الآخر: مثل: يشكر، يرتفع، ينزل ... وهذا يعرب بحركات ظاهرة على آخره في كل أحواله: "رفعًا، ونصبًا، وجزمًا"؛ تقول: يشكرُ المرء من أعانه، لن يرتفعَ شأن الخائن، لم ينزلْ مطرٌ فى الصحراء ... ، "فيشكرُ". مرفوع بالضمة الظاهرة، و"يرتفعَ": منصوب بالفتحة الظاهرة، و"ينزلْ" مجزوم بالسكون الظاهر، أما الجر فلا يدخل الأفعال، كما هو معلوم. ب- مضارع معتل الآخر2، وهو ثلاثة أنواع: 1- معتل الآخر بالألف، مثل: يخشَى، يرضَى، يرْقَى. وحكمه: أنه تقدر على آخره الضمة في حالة الرفع، مثل: يخشى الصالح ربه، فيخشى: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف. وكذلت تقدر الفتحة على آخره في حالة النصب؛ مثل: لن يرضَى العاقل بالأذى؛ فيرضى: مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وسبب التقدير في الرفع والنصب تعذر ظهور الحركة على الألف واستحالتها. أما في حالة الجزم فتحذف الألف3. وتبقى الفتحة قبلها دليلًا عليها4؛ مثل: لم يرقَ العاجز، فكلمة يرقَ: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه

_ 1 انظر رقم3 من هامش ص187م16 حيث البيان الخاص بحروف العلة، والمعتل، والمعل، والمد، واللين ... 2 على الرغم من أن علامة الإعراب مقدرة على آخره فإنها تراعى في توابعه حتمًا. وهذه المراعاة هي التي تقتضي وجود "الإعراب التقديري" وعدم إغفال شأنه. كما سيجيء في رقم "ج" من ص198 وكما سبق البيان في ص84. 3 انظر نوع الألف المستحقة للحذف في "ب" من ص 185. 4 هناك لغة لا تحذف حرف العلة للجازم. والبيان في "أ" من ص185.

حذف الألف. ومثله المضارع "تَلقَ" في قول الشاعر: إذا كنت فى كلّ الأمور معاتِبًا ... صديقك لم تلقَ الذى لا تعاتبهْ 2- معتل الآخر بالواو، مثل: يسمو، يصفو، يبدو. وحكمه: أنه يرفع بالضمة المقدرة1، مثل: يسمو العالِم، فيسمو: مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو. ولكنه ينصب بفتحة ظاهرة على الواو، مثل لن يصفوالماء إلا بالتنقية. ويجزم بحذف الواو2، وتبقى الضمة قبلها دليلا عليها، مثل لم يبدُ النجم وراء السحُب نهارًا. فالفعل: يبدُ، مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو. 3- معتل الآخر باليا؛ مثل: يمشي، يبني، ومثل يُغْضِي في أول البيت التالي3: يُغضِى حياءً، ويُغْضَى من مهابتهِ ... فلا يُكلَّمُ إلا حينَ يَبتسِمُ وحكمه كسابقه، يُرَفع بضمة مقدرة؛ مثل: يمشي الحازم في الطريق المأمون؛ ويُنْصَب بفتحة ظاهرة على الياء؛ مثل: لن يبغَي أخٌ على أخيه. ويُجَزم بحذف الياء4؛ وتبقى الكسرة قبلها دليلا عليها، مثل لم يَبْنِ المجدَ إلا العصاميون. وقول الشاعر يمدح5: أناة، "فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيد، فإن لم يغن أغنت عزائمه ومن أمثلة حذف الألف والياء من آخر المضارع المجزوم قول الشاعر: فمنْ يلْقَ خيرًا يَحْمد الناسُ أمرَه ... ومن يَغْو6 لا يَعْدَمْ على الغيّ لائِما

_ 1 التي منع من ظهورها ثقلها على الواو- كما يقول النحاة. والسبب الصحيح أن العرب لم تظهرها- ومن أمثلتها وهي مقدرة قول الشاعر: تصفو الحياة لجاهل، أو غافل ... عما مضى فيها وما يتوقع "2 و 2" انظر نوع حرف العلة "الواو، وكذا الياء" الذي يحذف في "ب" ص185. 3 البيت من قصيدة للفرزدق يمدح زين العابدين بن الحسين. 4 هناك لغة لا تحذف حرف العلة للجازم. والبيان في "أ" من ص 185 وانظر في "ب" من تلك الصفحة ما يختص بحذف الياء وكذا: "ج" من الصفحة التي تليها. 5 يصف الممدوح بالحلم، فإن لم ينفع الحلم في ردع المسيء هدده وأوعده، فإن لم ينفع الوعيد والتهديد لجأ إلى عزيمته في استخدام القوة مع المسيء. 6 يضل، ولا يتبع الطريق القويم.

وملخص ما سبق في أنواع الفعل المضارع الثلاثة المعتلة الآخر؛ أنها متفقة في حالتي الرفع والجزم، مختلفة في حالة النصب فقط. فجميعها يرفع بضمة مقدرة، ويجزم بحذف حرف العلة الأصل1، مع بقاء الحركة التي تناسبه؛ لتدل عليه، "وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء" أمَّا في حالة النصب فتقدر الفتحة على الألف، وتظهر على الواو والياء2.

_ 1 يشترط في حرف العلة الذي يحذف أن يكون أصيلًا. "انظر السبب في "ب" من ص185". 2 وفيما سبق يقول ابن مالك: وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء، فمعتلا عرف فالألف أنو فيه غير الجزم ... وأبد نصب ما كيدعو، يرمي والرفع فيهما أنو واحذف جازما ... ثلاثهن تقض حكما لازما "انو- قدر. أبد = أظهر". أي: يعرف الفعل المضارع المعتل الآخر بأن يكون مختومًا بالألف، أو الواو، أو الياء. وقدر على حرف الألف الحركات كلها غير الجزم. وأظهر النصب في المعتل الآخر بالواو وكيدعو، أو بالياء، كيرمي، مع تقدير الرفع فيهما، واحذف أحرف العلة الثلاثة في حالة جزمك أفعالها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هناك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم؛ فيكون مجزومًا؛ وعلامة جزمه السكون المقدر على حرف العلة قبل مجيء الجازم1.... وهذه لغة تذكر لمجرد العلم بها؛ لاستخدامها في فهم النصوص القديمة، الواردة بها، لا لتطبيقها في استعمالنا. ب- عرفنا2 أن المضارع المعتل الآخر يحذف آخره عند الجزم. وهذا بشرط أن يكون حرف العلة أصيلًا في مكانه، كالأمثلة السابقة؛ فلا يكون مبدلًا من الهمزة. مثل: يقرا الرجل، أي: يقرأ. ومثل: يوْضُو وجهُ عليّ؛ بمعنى؛ يحسنُ ويضئ. وأصله يَوْضُؤ، ومثل: يُقري الضيفُ السلامَ؛ بمعنى: يُلقيه، وأصله: يقرئ؛ فلو كان مبدلا من الهمزة كالكلمات السالفة، لكان خير ما يقال هو: أن المضارع مجزوم بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة ألفًا، أو واو، أو ياء، في تلك الأمثلة وأشباهها، ولا يحذف حرف العلة المبدل من الهمزة. ومن الأمثلة أيضًا: "يَبْرَا" المريض و"يَبرُو"، أي: يُشفَى؛ وأصلهما: "يَبرَأ" و"يبرُؤُ"؛ بالهمز فيهما. و"يُبرى" اللهُ المريض. أي: يَشفيه؛ وأصله. يُبرئه. ومثل يملا الساقي الإناء، أي: يملأ. "ويمتلي" الإناء: أي: يمتلئ، و"يبطُو" القطار؛ أي: يُبطُؤُ؛ فلا داعي للتفصيل الذى يقوله النحاة، من أن إبدال حرف العلة من الهمزة، إن كان بعد دخول الجازم، فهو إبدال قياسي، "لسكون الهمزة بسببه. فيكون الجازم قد عمل عمله فيها؛

_ 1 وبهذه اللغة ورد قول قيس بين زهير من بني عبس: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد وقيل لآخر: هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وبتلك اللغة وردت القراءة في الآية الكريم من سورة "طه": {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} حيث بقيت الألف في آخر الفعل: "يخشى" مع أنه مجزوم، بسبب العطف على المجزوم" وكذا القراء في الآية الأخرى المدونة في "د" من ص205 أما النص على هذه اللغة وأمثلتها فمراجعه متعددة، منها: الهمع "جـ1 ص52، الباب السابع الخاص بإعراب المضارع المعتل الآخر. ومنها: الجزء الأول من كتاب معاني القرآن، للفراء ص161. 2 في ص182 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو: الجزم؛ ومتى سكنت الهمزة، كان إبدالها من جنس حركة ما قبلها قياسيًّا؛ فتقلب ألفًا أو واوًا، أو ياء، على حسب تلك الحركة، ولا تحذف هذه الحروف؛ إذ لا داعي لحذفها، بعد أن أدّى الجازم عمله، وفي هذه الحالة تعرف الكلمة مجزومة بسكون مقدر1 على الهمزة المنقلبة المختفية ... أما إن كان الإبدال من الهمزة قبل الجزم، فهو إبدال شاذ، والأفصح عدم حذف حرف العلة أيضًا، ويكون الفعل مجزومًا بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة المختفية كسابقه. ولا يحذف حرف العلة -مع أن الجازم حين وروده على الفعل لم يكن أمامه الهمزة، ليؤثر فيها- لأن حرف العلة هذا عارض، وليس أصيلًا، ولا اعتداد بالعارض عندهم2؛ فالفرق بين الحالتين أن الأولى لا يحذف فيها حرف العلة باتفاق، لما بينوه؛ وأن الثانية فيها خلاف، ولكن الأشهر عدم الحذف أيضًا. وإذا كان الأمر على ما وصفنا فما المانع أن يكون الحكم الفاصل هو عدم الحذف دائمًا، لنستريح من تعداد الآراء، واختلاف الحجج، من غير أثر واضح؟ هذا هو الأفضل. ج- سبق3 أن المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة كالأمثلة التي عرضناها. ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس بين هذا النوع الجائز من الحذف4" والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم. وبإثبات الياء وحذفها في المضارع المرفوع، جاء القرآن الكريم، قال الله تعالى5: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ... وقال تعالى6: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} .

_ 1 وإنما كان السكون مقدرًا لأنه على الهمزة وهي مختفية، فهو مختف معها، ويكون ظاهرًا حين تظهر، ولا يصح أن يكون مقدرًا على الألف، أو الياء؛ لأن هذه الحروف قد جاءت بعد أن أدى الجازم عمله، واستوفى حقه، كما أوضحنا. 2 راجع الصبان آخر باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على المضارع المعتل. 3 في رقم 3 من ص 183. 4 في سورة يوسف. 5 أما حذف الياء التي هي ضمير المتكلم من آخر الأفعال فجائز أيضًا. مثل: "أكرمن، وأهانن" في قوله تعالى في سورة الفجر: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} أي: أكرمني وأهانني. ومثل قوله تعالى: في سورة العنكبوت: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} أي: فاعبدوني. وأما حذف هذه الياء إذا كانت "مضافًا إليه" فتجيء له إشارة في هامش ص201 ويجيء البيان الشامل في باب: المضاف إلى ياء المتكلم-ج3. 6 في سورة الكهف.

المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر من الأسماء المعربة 1: أ- نوع صحيح الآخر، مثل: سعاد، صالح، جمل، شجرة، قمر، سماء ... وهذا النوع يعرب في أحواله الثلاثة بحركات ظاهرة على آخره؛ تقول: صالحٌ محسنٌ، وإن صالحًا محسن، وحبذا الإحسان من صالح.. وكذا بقية الأمثلة مع مراعاة الأحكام التى شرحناها في المسائل المختلفة السابقة. ب- ومنها نوع معتل الآخر جارٍ مجرى الصحيح، وهو ما آخره ياء أو واو وكلا الحرفين متحرك قبله ساكن، وقد يكون الحرفان مشددين أو مخففين؛ نحو: مرمِيّ - مَغْزو- ظَبْيِ - دَلو ... وحكم آخره من الناحية الإعرابية كحكم صحيح الآخر، فهو شبيه به فى الحكم. ومن هذا الشبيه أيضًا المختوم بياء مشددة للنسب، ونحوه، بشرط ألا يكون تشديده بسبب إدغام ياءين: ومن الأمثلة: عبقريّ - كرسي، شافعيّ، فخرج نحو: خليليّ - صاحبيّ - بَنِيَّ - كاتبِيّ2. ح- ومنها نوع معتل الآخر3 لا يشبه الصحيح: ومن أمثلته "الرضا، العُلا،

_ 1 أما غير المعربة فلا دخل لها في هذا الموضوع الخاص بالإعراب وعلاماته الأصلية أو الفرعية، كما هو معروف، لأن المبني لا تتغير علامه آخر. وهذا عند النحاة. ويخالفهم القراء وبعض اللغويين في هذا على الوجه المبين في رقم5 من هامش ص188. 2 كما في ج4 ص45 م131، وذكرنا هناك أنه يسمى: "الملحق بالمعتل الآخر" وله حكم خاص موضح في باب المضاف لياء المتكلم ج3. 3 أي: في آخره حرف من حروف العلة الثلاثة، وهي: الألف، والواو، والياء. وقد يكتفي النحاة بتسميته: "المعتل" فقط، لأن المعتل في اصطلاحهم هو: "معتل الآخر" "وهو ما كان حرفه الأصلي الأخير حرف علة" سواء أكان اسما، أم فعلا. أما الصرفيون فقد جري اصطلاحهم على أن المعتل هو: ما كان أحد حروفه الأصلية حرف علة: سواء أكان حرف العلة في الأولى، أم في الوسط، أم في الآخر، أم في أكثر من موضع. وسواء أكان ذلك في اسم أم فعل. ولكل حالة من تلك الحالات المختلفة اسم خاص بها، وحكم معين في علم: "الصرف". ولم يطلق النحاة ولا الصرفيون اسم =

الهدى، الحِمى ... " وأيضًا "الهادي، الداعي، المنادِي، والمرتجِي ... " وأيضًا "أدكو1 طوكيو2، سَمَنْدُو3 قَمَندُو4 ... ". وهذا النوع المعتل ثلاثة أقسام على حسب حرف العلة الذى فى آخره: أولها؛ المقصور5: وهو: الاسم المعرب الذى فى آخره ألف6 لازمة 7.

_ = المعتل على شيء من الحروف، مع أن بعض الحروف قد يكون معتلا، مثل: إلى، على، في.... والسبب في ذلك أن كلامهم في المعتل، وأنواعه، واسم كل نوع وحكمه -إنما هو من ناحية الإعراب. وما يتصل به، وهي ناحية لا تتصل بالحروف، إذ الحروف كلها مبنية كما عرفنا- في ص76 على أنه لا مانع من تسمية الحرف الذي فيه حرف علة "بالمعتل" ولكن لا يصح تسميته بالمقصور، ولا بالمنقوص، ولا بالأسماء الأخرى الخاصة التي أطلقها النحاة أو الصرفيون، على أنواع المعتل من الأسماء أو الأفعال، "كالمثال، والأجوف، والناقص ... إلخ" لأن هذه التسميات مقصورة عندهم على أنواع المعتل من الأسماء والأفعال وحدهما. ومن المقر أن حرف العلة إن كان سكانا بعد حركة تناسبه فهو حرف علة، ومد، ولين، نحو: مساعد، ومسعود، وسعيد. وإن كان ساكنا بعد حركة لا تناسبه فهو حرف علة ولين معا، نحو: جموهر، وزين. وإن كان متحركات فهو حرف علة فقط، مثل: حمور، وهيف.... "راجع الخضري جـ 2 في باب الترخيم والإعلال بالنقل". وعلى هذا تكون الألف دائما حرف علة، ومد، ولين. ويتردد في كلام النحاة: "الحرف السعل" يريدون به الحرف الذي يخضع لأحكام الإعلال، وتجري عليه ضوابطه، كقلب الياء المتطرفة بعد الألف الزائدة همزة، كقولهم في بناي ... بناء و ... فإن لم يخضع لتلك الأحكام فهو حرف علة فقط، كالفعل الماضي، عور، أو هيف. وستجيء إشارة لهذا في جـ 2 هامش ص 86 م 67. 1 اسم بحيرة وبلد مصري على الساحل الشمالي، قرب الإسكندرية. 2 حاضرة بلاد اليابان. 3 اسم طائر، واسم حصن في بلغراد". 4 اسم طائر. 5 مما يلاحظ: أن النحاة لا يطلقون اسم المقصور والممدود على الاسم إلا إذا كان معربا. بخلاف اللغويين والقراء، فإنهما يطلقونهما على المعرب والمبني، ولذا يقولون في: "أولى وأولاء، اسمي إشارة" إن الأولى مقصور، والثاني ممدود، مع أن الاسمين مبنيان، فالاصطلاح مختلف عند الفريقين. - كما سبق في رقم 1 من هامش ص 187، وكما سيجيء في باب اسم الإشارة، - رقم 1 من هامش ص 324" وفي رقم 1 من هامش ص 450 م 170 جـ 4. 6 وهذه الألف يكون قبلها فتحة دائما، كشأن جميع الألفات، فإن جاء بعدها تاء التأنيث مثل: فتاة، ومباراة ... وزال عنه اسم المقصور وحكمه، وصار إعرابه على التاء- كما في: "و" من ص 190 وسيجيء البيان والإيضاح في الباب الخاص به من الجزء الرابع، ص 558م 171ص 569. 7 لا تفارقه في حالة من حالات إعرابه الثلاث، الرفع، والنصب والجر، إلا إذا وجدت علة صرفية تقضي بحذفها، فتحذف لفظا، ولكنها تعتبر موجودة تقديرا، لأن المحذوف لعلة كالثابت، وذلك كحذفها عن التنوين في مثل: فتى، علا، رضان فإنها موجودة تقديرا. وهذا معنى قولهم: إن ألف المقصور موجودة دائما، إما لفظا وإما تقديرا عند الوقف يحذف التنوين- في الشائع- فترجع الألف، ويكون الإعراب مقدرا عليها. وهذا هو الشائع في الإعراب اليوم، ولا بأس به، بل فيه تيسير =

وحكمه: أن يعرب بحركات مقدرة على هذه الألف فى جميع صوره؛ رفعًا؛ ونصبًا، وجرًّا؛ إذ لا يمكن أن تظهر الفتحة أوالضمة أوالكسرة على الألف. ومن أمثلته: {إِنّ الهُدَى هُدَى الله} . "اتَّبْع سَبِيلَ الهُدَى". فكلمة: "الهدَى" الأولى، اسم "إن"؛ منصوبة بفتحة مقدرة على الألف؛ وكلمة: "هدَى" الثانية خبر "إن"، مرفوعة بضمة مقدرة على الألف أيضًا. وكلمة: "هدى" الثالثة مضاف إليه، مجرورة بكسرة مقدرة على الألف1. ومن أمثلته: رضا الله أسمى الغايات. وإن رضا الناس غاية لا تُدْرَك، احرص على رضا الله ... فكلمة: "رضا" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بحركة مقدرة على الألف ... وهكذا كل الأسماء المقصورة2. وليس من المقصور ما يأتي: أ- الأفعال المختومة بألف لازمة، مثل: دعا، سعى، يخشى، ارتقى. وإنما هي نوع من الأفعال التى تسمى ناقصة. "ويراد بهذه التسمية هنا: أنها معتلة الآخر". ب- الحروف المختومة بألف لازمة، مثل: إلى، على ... لأن هذه كتلك ليست أسماء.

_ = وإذا كانت الألف لا تفارقه، وعلامة الإعراب لا تظهر عليها مطلقًا، كما أوضحنا، فلم لا يعتبر مبنيًّا؟ تقدم جواب هذا في "و" من ص99. وقلنا في "ب" ص106 "وسيجيء أيضًا في ج3 م97 ص174 عند الكلام على المضاف إلى ياء المتكلم" أن بعض العرب يقلب ألف المقصور ياء، ويدغمها في ياء المتكلم: فيقول في كلمة: "هدى" عند الإضافة لياء المتكلم: هدى خير الوسائل للسعادة. وفي هذه الصورة يكون معربًا بالياء التي أصلها الألف بدلًا من حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة. ولا يحسن اليوم الأخذ بهذا الرأي. 1 وهي تكتب ياء هنا، وتكتب في مواضع أخرى ألفًا، تبعًا لقواعد الإملاء التي تقضي بأن ألف المقصور الثلاثية إن كان أصلها ياء تكتب ياء، وإن كان أصلها واوا تكتب ألفًا، فلا بد من إرجاع الألف الثلاثية إلى أصلها. أما التي تزيد على ثلاثة فإنها تكتب ياء دائمًا. وسواء أكتبت ألف المقصور ياء أم ألفًا- فإنها في جميع أحوالها تسمى: "ألفًا" ما دام قبلها فتحة. وهذا الرأي هو الشائع اليوم في رسم الحروف. وللكوفيين رأي أخير يجيز كتابة المقصور الثلاثي بالأف أو الياء إن كان الاسم مضموم الأول أو مكسورة.... ولا نتعرض لبيان أن هذا أنسب أم ذاك والسبب ... ولكن الذي لا شك فيه أن قواعد رسم الحروف معقدة مضطربة، في حاجة إلى ضبط وتجديد وتيسير. وهذا من أخص خصائص المجمع اللغوي، لأنه في هذه الناحية يمثل الهيئات العلمية اللغوية مجتمعة، والبلاد العربية كلها. 2 مع ملاحظة أن الكلمة المقصورة إن كانت ممنوعة من الصرف مثل موسى- على اعتباره ممنوعا من الصرف - فإنها تخضع لأحكام المنع المختلفة.. ومنها الجر بالفتحة المقدرة بدلا من الكسرة المقدرة، إن لم يكن هناك مانع..

ج- الأسماء المبنيَّة المختومة بهذه الألف؛ مثل: "ذا" و"تا" من أسماء الإشارة. ومثل "إذا" الظرفية و"ما" الموصولة، وغيرها من الأسماء المبنية. د- الأسماء المعربة التى فى آخرها واو، أوياء، مثل: "أدكو"، "الهادى"، لأنها ليست معتلة الآخر بالألف. هـ- المثنى فى حالة الرفع مثل: سافر الوالدان، والأسماء الستة فى حالة النصب، مثل: رأيت أباك؛ لأن الألف فيهما غير لازمة، إذ تتغير وتجئ مكانها الياء مع المثنى فى حالة نصبه وجره؛ مثل: أكرمت الوالدَيْن، وأصغيت إلى الوَالديْنِ. وتجئ مكانها الواوأوالياء مع الأسماء الستة فى حالة رفعها وجرها؛ مثل: أبوك كريم، استمع إلى أبيك. و أشرنا1 إلى أن المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث - نحو: فتاة، مباراة، مستدعاة - يفقد اسمه وحكمه بسبب هذه التاء، ولا يسمى مقصورًا، لأنه لا يكون مقصورًا إلا بشرط انتهائه بألف تقع عليها الحركات الإعرابية مقدرة. ولا يتحقق هذا الشرط إذا وقعت بعد ألفه تاء التأنيث، إذ تكون هى خاتمة أحرفه، وعليها تقع الحركات الإعرابية ظاهرة لا مقدرة؛ ولذا تبقى عند تثنيته للدلالة على تأنيثه، وتحذف عند جمعه، ويراعى فى الاسم بعد حذفها ما يراعى فى جمع المقصور2. ويجب التَّنبه للفرق الواسع بين تاء التأنيث السَّالفة والهاء الواقعة ضميرًا بعد ألف المقصور فى مثل: "من أطاع هواه أعطى العدومناه؛ فهذه الهاء كلمة مستقلة تماماً. ثانيها: المنقوص؛ وهو: الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة3، غير مشددة، قبلها كسرة، مثل: العالى، الباقى، المرْتقِي، المستعلِي ...

_ 1 في رقم6 من هامش ص188 ويلاحظ آخر ما جاء في أول قسم "أ" ص168. 2 مما سيجيء بيانه في الباب الخاص بتثنية المقصور وجمعه في الجزء الرابع، م 171 ص566. 3 إذا حذفت الياء لعلة صرفية كالتنوين، أو علة أخرى، فهي في حكم الموجودة، مثل: هذا داع للخير. ويكون الإعراب على هذا الياء المقدرة. ولماذا لا يعتبر المنقوص من المبنيات؟ سبق جواب هذا في "و" من ص99.

وحكمه: أن يرفع بضمة مقدرة على الياء فى حالة الرفع، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء فى حالة النصب1، ويجر بكسرة مقدرة2 عليها فى حالة الجر؛ مثل: الخلق العالي سلاح لصاحبه، إن الخلق العاليَ سلاح لصاحبه، تمسَّك بالخلق العالي. فكلمة: "العالي" في الأمثلة الثلاثة نعت "صفة"، ولكنه مرفوع في المثال الأول بضمة مقدرة، ومنصوب في المثال الثاني بالفتحة الظاهرة، ومجرور في المثال الثالث بالكسرة المقدرة. ومثله: الباقي للمرء عمله الصالح. إن الباقيَ3 للمرء عمله الصالح. حافظ على الباقي من مآثر قومك. فكلمة: "الباقي" في المثال الأول مبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة، وهي في المثال الثاني اسم "إن" منصوبة بالفتحة الظاهرة، وهي في الثالث مجرورة بكسرة مقدرة، وهكذا، فالمنقوص يرفع ويجر بحركة4 مقدرة على الياء؛ وينصب بفتحة ظاهرة عليها، كما رأينا. والمنقوص الذى تقدر الضمة والكسرة على يائه وتظهر عليها الفتحة يجب إثبات يائه إن كان غير منون -لسبب يمنع التنوين؛ كإضافته، أواقترانه بأل5، أوتثنيته، أوجمعه جمع مؤنث سالما6- فإن كان منونًا لخلوه مما يمنع التنوين؛ وجب حذف الياءدون التنوين في حالتي الرفع والجر، مع تقدير الضمة والكسرة عليها، ويجب بقاء الياء والتنوين فى حالة النصب؛ نحو: خيرُ ما يحمد به المرء خلقٌ عالٍ، إن خلقًا عاليًا يتحلَّى به المرء خير له من الثروة والجاه، لا يحرص العاقل على شيء قَدْرَ حرصه على خلق عالٍ يشتهر به. فيرفع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء الثابتة مع التنوين، ويجر بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة. وإنما حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين فى حالتى الرفع والجر؛ إذ الأصل: "عالِيُنْ" في الرفع،

_ 1 وفي بعض اللهجات تكون هذه الفتحة مقدرة حتمًا إن كانت الياء في آخر الصدر المضاف إلى العجز في المركب المزجي طبقًا للبيان المفيد الآتي في "أ" من ص196. 2 لبعض القبائل لغات أخرى منها حذف هذه الياء رفعًا وجرًا، طبقًا لما سيجيء في البيان الذي في ص197 3 ومثل القول الشاعر: إن الليالي لم تحسن إلى أحد ... إلا أساءت إليه بعد إحسان 4 فإن كان ممنوعًا من الصرف، مثل ليال- بواق ... جرى عليه حكم الممنوع من الصرف كما شرحناه، في ص 38 وهامشي 39. وإذا كان المنقوص ممنوعا من الصرف وسمي به، مثل: جوار، وقواض، علمين مؤنثين- فلا تقدر الكسرة على الرأي المشهور، وإنما يجر بالفتحة، لكن أتظهر الفتحة لخفتها في حد ذاتها، أم تقدر لنيابتها عن الكسرة الثقيلة؟ رأيان أشهرها الثاني. 5 بعض القبائل يحذف ياء المنقوص المقرون "بأل" رفعا وجرا- طبقا لما سيجيء في ص 197. 6 سيجيء في الجزء الرابع الباب الخاص بتثنية المنقوص وجمعه.

و"عالِيِنْ"1 في الجر، استثقلت الضمة والكسرة على الياء، فحذفتا، فالتقى ساكنان، الياء والتنوين، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصارت الكلمة: عالٍ، في حالتي الرفع والجر -كما سلف. ومن أمثلة حذف الياء من المنون المرفوع قول الشاعر يمدح كريمًا: فهو مُدْنٍ للجود وهوبغيضٌ ... وهو مُقصٍ للمال، وهو حبيبُ "ملاحظة": إذا كانت لام المنقوص محذوفة بغير تعويض همزة الوصل عنها "مثل: شَجٍ" فإنها ترجع أوْلا ترجع في التثنية وفي جمع المؤنث السالم طبقًا للضابط الذى سبق2 "في رقم3 من هامش ص102 وفى "ح" من ص 123 و124". وليس من المنقوص ما يأتي: أ- الفعل بجميع أنواعه، ولا سيما المختوم بياء لازمة، مثل يَنْوِي محمد التنقل، ويجري وراء رزقه، وكذلك الحرف؛ ولا سيما المختوم بياء لازمة؛ مثل: في. ب- الاسم الذى في آخره ياء مشددة؛ مثل: كرسيّ3. ج- الاسم المختوم بياء ولكنه مبني؛ مثل: الذي، التي ... ذي "اسم إشارة". د- الاسم المعرب الذى آخر ياء ولكنها غير ملازمة له في كل حالاته؛ كالأسماء الستة في حالة جرها بالياء؛ مثل: أحسن إلى أخيك؛ وكذلك المثنى وجمع المذكر السّالم في حالة نصبهما وجرهما؛ مثل: أكرم الوالدَيْنِ، واعتن بالوَالدَيْنِ، وصَافح الزائرِينَ، وأسرع إلى الزائرِينَ؛ فإن الياء في الأسماء الخمسة لا تثبت؛ بل تتغير ويحل محلها الواو رفعًا، والألف نصبًا. كما أن الياء في المثنى وجمع المذكر تتغير، ويحل محلها الألف في حالة رفع المثنى، والواو في حالة رفع جمع المذكر ... هـ- الاسم المعرب الذى آخره ياء لازمة، ولكن ليس قبلها كسرة؛ مثل: ظبْى وكرسى؛ فالياء فى الأولى قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفى الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف صحيح، وفي الثانية قبلها سكون ظاهر على حرف علة3.

_ 1 هذه النون هي رمز التنوين طبقًا للبيان الذي سبق في ص26. 2 في آخر رقم5 من هامش ص111 وفي "ج" من ص135. "3و 3" فكلمة كرسي وأشباهها- ليست من المنقوص لمانعين، لا لمانع واحدهما. عدم سكون الياء لزوما، وعدم كسر ما قبلها.

ثالثها: الاسم المعرب الذى آخره الحقيقي واو ساكنة لازمة قبلها ضمة. وهذا نوع لا تعرفه اللغة العربية الأصلية؛ ولم يُسمع عن العرب، إلا في بضع كلمات نقلوها عن غيرهم من الأجانب، منها: "سَمَنْدُو1"، "قَمَنْدُو2"، لكن لا مانع من تسمية بعض الأشخاص وغيرهم بأسماء مختومة بتلك الواو؛ كتسمية شخص أرسطو، أو خوفُو، أو سنفرو3"، أو: يدعو، أو: يسمو، وتسمية بلد: "أدفو، وأدكو"4، "أركنو"5، "طوكيو"6، "كنغو"7. ولما كان هذا النوع غير عربي في أصله، ونادرًا في استعمال العرب، أهمله النحاة، فلم يضعوا له اسمًا، ولا حُكْمًا -فيما نعرف8- ولعل الحكم الذى يناسبه في رأينا هو أن يعرب بحركات مقدرة على آخره في جميع حالاته بغير تنوين9، فيرفع بالضمة المقدرة على الواو، وينصب بالفتحة المقدرة عليها، ويجر بالفتحة المقدرة عليها بدلا من الكسرة10، تقول: كان "سِنِفرو" ملكًا

_ 1،2" سبق شرحهما في هامش ص 188 - رقم 3و 4 ومنها: هند وكما جاء في الهمع- اسم بلد. 3 "خوفو" اسم فرعون من فراعنة مصر في الدولة الأولى القديمة، وهو باني هرم الجيزة الأكبر. و "سنفرو" اسم فرعون آخر. 4 بلدان، أولاهما بصعيد مصر، والأخرى بالساحل الشمالي- كما سبق في رقم 2 من هامش ص 170. 5 اسم واحدة على الحدود المصرية الغربية. 6 اسم حاضرة اليابان. 7 إقليم بوسط إفريقية. 8 لم أجد له اسما ولا حكما فيما لدى من المراجع المختلفة، إلا ما ذكره بعض النحاة، كالصبان في آخر باب الممنوع من الصرف، عند الكلام على المنقوص من الأسماء الممنوعة من الصرف، فإنه قال ما نصه: "ولو سميت بالفعل" "يغزو" و "يدعو"، ورجعت بالواو وللياء، أجريته مجرى "جوار" وتقول في النصب: رأيت يدعى ويغزي. قال بعضهم: ووجه الرجوع بالواو للياء ما ثبت من أن الأسماء المتمكنة ليس فيها ما آخره واو قبلها ضمة، فتقلب الواو ياء ويكسر ما قبلها. وإذا سميت بالفعل: "يرم" من: "لم يرم" رددت إليه ما حذف منه، ومنعته من الصرف. تقول: هذا يرم، ومررت بيرم، والتنوين للعوض، ورأيت يرمي. "وإذا سميت بالفعل: "يغز" لم يغز" قلت: هذا يغز، ومررت بيغز، ورأيت يغزي. إلا أن هذا ترد إليه الواو وتقلب ياء لما تقدم ثم يستعمل اسعمال جوار" "أهـ. وفي هذا الكلام فوق ما فيه من تخيل بعيد- ما يستدعى التوقف والنظر، "كما قلنا في جـ4 ص 161، 162م 145" لأن الأخذ به يؤدي إلى تغيير صورة العلم تغييرا يوقع في اللبس والإبهام. ويحدث لصاحبه مشقات في معاملاته. "9، 10" لأن الاسم في هذه الحالة يكون علما أعجميا، فيمنع من الصرف، ويجر بالفتحة بدلا من الكسرة إن لم يمنع من ذلك مانع آخر. كالإضافة، أو: أل.

مصريًّا قديمًا، إن "سنفرو" أحد الفراعين، هل عرفت شيئًا عن سنفرو؟ وهذا الحكم يسري على الكلمات القليلة التى أخذها العرب عن غيرهم، كما سيرى على الأسماء التي لم يأخذوها، وكذلك المستحدثة بعدهم للأشخاص والبلاد وغيرها1 ... يؤدي إلى إدخال تغيير على العلم في مظهره يؤدي إلى اللبس1 وليس من النوع الثالث ما يأتي: أ- الفعل الذى آخره واو، مثل: يدعو، يسمو، يعلو؛ لأن هذه ليست أسماء. ب- الاسم الذى ليس معربًا، مثل: هُوَ ... وذو، بمعنى الذى "نحوجاء ذو قام"2 ... ج- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست في الآخر الحقيقي بل في الآخر العارض؛ مثل: يا "ثمو" ويا "محْمُو" فى ترخيم كلمتي: "ثمود" و"محمود" حين النداء؛ فإن الآخر الحقيقي هو الدّال، لا الواو. د- الاسم المعرب الذى آخره واو، ولكنها ليست لازمة؛ كالأسماء الخمسة في حالة الرفع، مثل: سعد أخوك3 ... فإن هذه الواو تتغير في حالة النصب، وتحل محلها الألف؛ كما تتغير في حالة الجر وتحل محلها الياء.

_ "1و 1" وقد رأيت ما يقوي هذا الحكم من كلام "العكبري" شارح ديوان "المتنبي" حيث جاء في القصيدة التي مطلعها: "لهذا اليوم بعد غد أريج ... ونار في العدو لها أجيج" عند البيت: فإن يقدم فقد زرنا "سمندو" ... وإن يحجم فموعده الخليج ما نصه: "قال ابن جني سألت المتنبي: لم لم تعرب سمندو؟ يريد: لم لم تظهر الفتحة على الواو في آخر كلمة: "سمندو؟ فقال: لو أعربتها لم تعرف". فسمع ابن جني الجواب ولم يعلق عليه، فسكوته قد يفيد الرضا بما سمع. "هذا وسيجيء حكمه عند إضافته لياء المتكلم في الباب الخاص بهذا - ج3 ص143 م69 -كما سيجيء حكمه عند تثنيته وجمعه في الباب الخاص بذلك، ج4 م. 171 ص566". 2 أما "ذو" التي من الأسماء الستة فالواو في آخرها غير لازمة، وأيضًا ليست أصلية. 3 ومثلها واو جمع المذكر السالم المضاف: مثل: جاء عالمو الهندسة، فإن هذه الواو تتغير، ويحل محلها الياء نصبًا وجرًّا. هذا إلى شيء آخر هو: أن الواو في الأسماء الستة وفي جمع المذكر طارئة فهي خارجة عن صيغة الكلمة، وهذا يبعدها من النوع الثالث.

هـ- الاسم المعرب الذي آخره واو لازمة، ولكن ليس قبلها ضمة؛ مثل: حُلْو، خَطْوٌ، صحو، دَلو، صَفو، فإنه من المعتل الجارى مجرى الصحيح1 في إعرابه بحركات ظاهرة على آخره رفعًا ونصبًا وجرًّا2. "ملاحظة" سيجيء في ج4 ص457 م171 باب خاص بطريقة تثنية المقصور والمنقوص والممدود وجمعها جمع مذكر سالم وجمع مؤنث سالم.

_ 1 سبق تعريفه وحكمه في ص187. 2 وفيما سبق من المعتل وأحكام المقصور والمنقوص يقول ابن مالك: وسم معتلا من الأسماء ما ... كالمصطفى، والمرتقي مُكَارِمَا فالأول الإعراب فيه قدرا ... جميعه، وهو الذي قد "قُصِرَا". والثاني "منقوص"، ونصبه ظهر ... ورفعه ينوي، كذا أيضًا يُجَر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 أن المنقوص تقدر على آخره الضمة، والكسرة، وتظهر الفتحة؛ مثل: أجبت داعيَ الحق. لكن إذا وقع المنقوص صدر مركب مزجي2، فإنه قد يجوز -عند بعض القبائل- في هذا الصدر أن يُعْرب إعراب المضاف، ويعرب ما بعده "وهو: العَجزُ" مضافًا إليه، ممنوعًا من الصرف أو غير ممنوع على حسب حالته وما يستحقه. وفي هذه الحالة لا تظهر الفتحة على ياء المنقوص -فى الأشهر3- ومن أمثلته عرفت "داعِي سَلْمٍ"، أو: "مَعْدِي كَرِبٍ"، أو"صافي هَنَاء" "أسماء أشخاص" ودخلت "سواقِي خَيْلٍ"، أو: "مرامي سفرٍ" أو"قالي قلاً" "أسماء بلاد" فالصدر يعرب إعراب المنقوص من غير أن تظهر عليه الفتحة في حالة النصب. وهذا هو نوع المنقوص الذى لا تظهر على يائه الفتحة في حالة نصبه4 ... ومع أن هذا هو المشهور -قديمًا فى تلك اللغة- فالمناسب لنا اليوم ألا نلجأ إلى الإضافة؛ لأن ترك الياء في حالة النصب بدون فتحة ظاهرة قد يدعو للحَيْرة والإيهام بغير داعٍ، فالخير ألاّ نعربه إعراب المتضايفين، وإنما الخير أن نستعمله الاستعمال المشهور في المركب المزجيّ؛ بأن يكون الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، فلا نعربه إعراب المضاف مع المضاف إليه لأن الإعراب على آخر العجز وحده يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ. ومن العرب من يجيز فتح هذه الياء كغيرها من المنقوص، كما أن منهم من يمكن ياء المنقوص دائمًا. ولكن من المستحسن عدم الأخذ بهذين الرأيين؛ للدواعي القوية التى نرددها، والتي نردفها بأننا حين نذكر عدة آراء مختلفة نذكرها لا لنحاكيها -فالمحاكاة اليوم للأشهر وحده- وإنما نذكرها للمتخصصين؛ ليستعينوا بها على فهم النصوص القديمة التي تشتمل عليها، إلا إذا أشرنا إلى جواز استعمالها لسبب قوي.

_ 1 في ص191. 2 تعريف المركب المزجي وأحكامه وكل ما يختص به مدون في باب "العلم" وسيأتي "ص300، 311، 313 وما بعدهما". 3 ويحسن في هذه الحالة كتابة الصدر منفصلًا عن العجز، ليكون هذا الانفصال دالًّا على الإضافة، وموجها إليها، إذ المضاف غير المضاف إليه، فمن حقهما أنهما لا يتصلان في الكتابة بخلاف حال المزج، فإنه يقوم على أنهما بمنزلة شيء واحد، ولذا يتصلان كتابة في الغالب "انظر ص300، 314". 4 سيجيء البيان أيضًا في ص314 وفي ج4 ص176 م147.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد1 أشرنا إلى أن بعض القبائل يحذف من "المنقوص" المفرد، المقترن بأل ياءه في حالتي الرفع والجر، وبلغتهم جاء القرآن الكريم، مثل كلمة: "الباد" في قوله تعالى في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} ، أي: البادي.... ومثل "بالواد" في قوله تعالى في سورة الفجر: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: بالوادي. ومثل: "المتعال" في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} أي: المتعالي. وإذا ختم صدر المركب المزجي بواو، وأريد إضافة الصدر إلى العجزِ -اتباعا للرأي السالف- فإن الحركات كلها تقدر على الواو؛ مثل: "نِهْرو هنود"2 و"مجْدُو ملوك"3 والحكمة فى عدم ظهور الفتحة هو الحرص على بقاء الاسم على حالته الأصلية؛ ليبقى دالاً على صاحبه، دلالة العلَم، لا دلالة المضاف والمضاف إليه؛ لأن الإضافة هنا ظاهرية شكلية فقط. ولم أر من يجيز الإعراب على آخر العجز وحده، مع ترك الصدر على حاله، ولا من عرض حكمًا لهذا النوع من المعتل -كما أسلفنا4- لكن حمله على نظيره المركب المزجيّ المختوم صدره بالياء قد يبيح هذا، بل يجعله أفضل؛ إذ يدل على أن اللفظ مركب مزجيّ، مضاف فلا يقع فيه لبْس. ب- إذا أضيفت كلمة "لدَى"5 للضمير فإن ألفها تقلب ياء، مثل: زاد الخير لديْك، فكلمة: "لدى" ظرف منصوب بفتحة مقدرة. لكن أهذه الفتحة مقدرة6 على الياء الظاهرة، أم مقدرة على الألف التى كانت فى الأصل، وانقلبت ياء؟ يُفضل النحاة أن يقولوا منصوب بفتحة مقدرة على الألف التى صارت ياء، وذلك لسببين: أولهما: أن الألف هي الأصل، فلها الاعتبار الأول. ثانيهما: أن الياء في آخر المعربات تظهر عليها الفتحة في الأغلب، فإذا

_ 1 في ص 191. 2 نهرو: علم زعيم هندي وطني في عصرنا وقد تولى رياسة الوزارة قبل موته وبعد استقلال بلاده. 3 اسم أمير فارسي. 4 في ص193، النوع الثالث. 5 هي ظرف مكان معرب، بمعنى: عند. وتفصيل الكلام عليهما في "باب الظروف" جـ2 ص325م 79 وجـ3 باب الإضافة ص 48 م 94. 6 منع من ظهورها السكون الذي جاء للتخفيف. أو مراعاة أصلها وهو أنها لا تظهر على الألف التي انقلبت ياء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلنا الفتحة مقدرة على الألف، بقيت القاعدة السابقة سليمة مطردة، بخلاف ما لو جعلناها مقدرة على الياء فيكون التقدير مخالفًا للأعم الأغلب، من ظهور الفتحة مباشرة على الياء1. مواضع الإعراب التقديرى: ج- فهمنا من المسائل السابقة2، معنى الإعراب الظاهر، والإعراب المقدر "أي: التقديري"، في الأسماء والأفعال المضارعة. وسواء أكانت علامة الإعراب ظاهرة أم مقدرة -لا بد أن تُلاحَظ في التوابع، فيكون التابع مماثلًا في علامة إعرابه للمتبوع3. وبقي أن نشير هنا إلى أن الإعراب التقديري لا ينحصر في تلك المواضع التي سبق الكلام عليها في المضارع المعتل الآخر4، وفي الاسم المعتل الآخر5؛ لهذا كان من المستحسن أن نجمع هنا ما تفرق من مواضع الإعراب المقدر6 "التقديرى" التى سبقت، والتى لم تسبق، وأن نركزها في موضع واحد، ليسهل الرجوع إليها. فمن هذه المواضع ما تقدر فيه الحركات "الأصلية أو الفرعية7"، ومنها ما تقدر فيه الحروف النائبة عن الحركات الأصلية. "فالحروف تقدر كالحركات". وإليك البيان: أولا - أشهر المواضع التى تقدر فيها الحركات الأصلية: 1- تُقَدر الحركات الثلاث "أي: الضمة، والفتحة، والكسرة" على آخر الاسم المقصور، -مثل المصطفى- في كل حالاته الثلاث: الرفع، والنصب،

_ 1 وهذا من فلسفة النحاة. ولن يترتب على الأخذ بالرأي الأول ضرر، بل لعله الأوضح والأسهل، ولا حاجة بنا إلى التشدد. 2 في ص72 و 84 وما بعدهما. 3 انظر رقم2 من هامشي ص182، ففيه الإشارة لهذا. وفي ص84 بيان آخر لفائدة الإعراب التقديري والمحلي. 4 ص182. 5 ص 187. 6 وهو غير الإعراب المحلي الذي سبق بيانه في: "أ" من ص 84 والذي ستجيء له إشارة في ص 314 وأيضًا في ج2 ص320 م89. 7 كالفتحة المقدرة النائبة عن الكسرة في الممنوع من الصرف، مثل قبلت النصح من هدى "اسم امرأة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجر، -كما سبق في ص170- وكذلك على آخر الاسم المعتل بالواو، كما في ص175. 2- تُقَدر حركتان فقط هما: الضمة، والكسرة، على آخر الاسم المنقوص، في حالة الرفع والجر؛ كما سبق في ص172. 3- تقدر الحركات الثلاثة على آخر الاسم، إذا سكن للوقف، مثل جاء محمدْ. رأيت محمدْ، قصدت إلى محمدْ بإعراب "محمد" مرفوعة، أو منصوبة أو مجرورة، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومثل هذا يقال في الفعل المضارع صحيح الآخر، رفعًا، ونصبًا؛ مثل: علي يأكلْ، عليّ لن يأكلْ،: فالفعل "يأكل" مرفوع، أو منصوب، بحركة مقدرة، منع من ظهورها السكون العارض للوقف. ومن التيسير في الإعراب واختصار الكلام، أن نقول في إعراب "محمدْ" إنه: مرفوع أو منصوب، أو مجرور بالحركة الأصلية، وضُبط بالسكون للوقف؛ وكذلك نقول في المضارع إنه: مرفوع، أو منصوب بالحركة الأصلية، وألزم السكون للوقف. ومثل هذا نقوله في بقية المواضع الآتية: 4- تقدر الحركات الثلاثة جوازاً على الحرف الأخير من الكلمة، إذا كان مما يدغم فى الحرف الأول من الكلمة التالية؛ مثال ذلك فى الاسم قراءة من قرأ: "وقتل داوُودْ جالوت" بإدغام الدال فى الجيم؛ ومثاله فى الفعل: يكتبْ بكر، بإدغام الباءين فى بعض اللغات. ومن التيسير لما سبق، أن نقول: "داوود"، و"يكتب" مرفوع، وجاءه السكون العارض لأجل الإدغام. 5- تقدر الحركات الثلاث جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا سكن للتخفيف؛ كتسكين الحروف الآتية في الكلام، نثره ونظمه، وفي

_ 1 كما سبق في ص188. 2 كما سبق في ص193 3 كما سبق في ص191 أما الفتحة فتظهر في حالة نصبه. 4 عند الوقف في حالة النصب- فقط يقلب التنوين ألفًا، وهو المشهور، فيكون منصوبًا بفتحة ظاهرة على الدال، بعدها ذلك التنوين المنقلب ألفًا مثل: أكرمت محمدًا. أما على اللغة التي تقف بحذف التنوين مطلقًا فتكتب "محمد" بسكون الدال. 5 يكون هذا السكون أيضًا في الأسماء المبنية، والأفعال المبنية، إذا كان آخر كل منهما متحركًا وسكن للوقف، مثل محمد قام ... إلى أين.. بل إنه يوجد في الحروف المتحركة الآخر. مثل. "منذ" باعتبارها حرف جر، فتقول: منذ. 6 الأصل في ذلك أن الكلمة الواحدة- أو ما هو بمنزلة الكلمة الواحدة، كالكلمة التي بعدا الضمير المتصل- إذا اشتملت على ثلاثة أحرف متحركة، "نحو: عنق، وفخذ، وإبط ... " أو أكثر، جاز تسكين الحرف الثاني المتحرك تخفيفًا. أما التخفيف الذي للوقف فيكون في آخر الكلمة -كما تقدم- وقد يجري التخفيف بين هذه الحروف المتحركة إذا كانت في كلمتين، بعض منها في آخر كلمة سابقة وبعض آخر في أول التي تليها، كالذي في كلمة: "السيئ" ويأمر، ويشعر..... من الآيات. وهذا يسمى: "التخفيف مع الوصل على نية الوقف" ومن أمثلته أيضا الآية التي في "د" ص 205 "ولهذا إشارة في الهمع جـ1 ص 54 وفي الجزء الأول من الخضري والصبان، آخر باب: "المعرب" والمبني. أما البيان والتفصيل في ص 6 جـ 5 من كتاب: "إرشاد الأريب" إلى معرفة الأديب، لياقوت الرومي، طبعة مرجليوث".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى بعض القراءات القرآنية. فقد سكنت الهمزة المكسورة فى قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} . وسكنت التاء المضمومة في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} . وسكنت السين المضمومة فى قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُم} . وسكنت الهمزة المكسورة فى آخر الكلمة السَّيئّ من قوله تعالى فى المشركين: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا، اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} . وسكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . وكذلك سكنت الراء المضمومة فى قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} . ومن التيسير أن نقول في كل كلمة من الكلمات السابقة وأشباهها: إنها مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بالعلامة الأصلية وسُكِّنت للتخفيف1.... 6- تقدر الحركات الثلاثة جوازًا على الحرف الأخير من الكلمة، إذا أهملنا حركته الأصلية، وجعلناها مماثلة لحركة الحرف الذى يجيء بعده، كقراءة من قرأ: "الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين"، بكسر الدال، تبعًا لحركة اللام التي جاءت بعدها، وتسمىّ هذه الحركة حركة الإتباع؛ لأننا أتبعنا السابق للاّحق فيها، ومن الممكن مراعاة التيسير السابق. وهذا النوع من الإتباع يختلف اختلافًا واسعًا عن الاتباع الذي سبق في "ج" ص59 وعن الإتباع الذي يكون في التوابع الأصلية الأربعة "النعت، التوكيد، العطف، البدل". 7- تقدر الحركات الثلاث على آخر العلم المحكي2 من غيره تغيير في حالة من أحواله؛ رفعًا ونصبًا وجرًّا، كالعلم المركب تركيب إسناد؛ مثل: "فَتَح

_ 1 فهذا سكون عارض يختلف اختلافًا أساسيًّا عن أنواع السكون الأخرى ولا سيما السكون الذي يجلبه الجازم- كما سيجيء في موضعه من جزء 4 م 148 ص 212 باب "إعراب الفعل". 2 الذي نريد أن نحاكي نطقه في صورته الأصلية التي جاءت عليها أولًا. ومن صور الحكاية في غير العلم ما سبق في "ج" ص30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهُ"، "نصرَ اللهُ"، "عليٌّ شاعر" "وكل هذه أعلام أشخاص". تقول: جاء "فتحَ اللهُ". شاهدت "فَتَحَ اللهُ" ذهبت إلى "فَتَحَ اللهُ"؛ فتبقى حركة الكلمتين كما هي في الأصل، مع إعرابهما معًا في الحالة الأولى فاعلًا مرفوعًا بضمة مقدرة للحكاية، وهي غير هذه الضمة الظاهرة ... وإعرابهما في الحالة الثانية مفعولًا به منصوبًا بفتحة مقدرة، منع من ظهورها ضمة الحكاية، وفي الحالة الثالثة مجرورًا، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية. وكذا البقية. 8- تقدر الحركات الثلاث على آخر الاسم المضاف لياء المتكلم1،

_ 1 للإضافة إلى ياء المتكلم بحث مستقل شامل "في ج3 ص167 م97" ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن الإضافة إلى ياء المتكلم تشمل الإضافة الظاهرة إلى ياء المتكلم، كما تشمل الإضافة المقدرة إليها، يريدون بالظاهرة: "ما كانت فيها الياء نفسها بارزة غير محذوفة، وغير منقلبة حرفًا آخر"، مثل كتابي صاحبي. ويريدون بالمقدرة إليها إحدى الحالات الآتية: أ- ما كانت فيها الياء محذوفة من غير عوض عنها، مع وجود ما يدل عليها، كالكسرة قبلها، مثل: يا رب ساعد، وأصلها: يا ربي. ب- ما كانت فيها الياء محذوفة، ولكن عوض عنها تاء التأنيث المبنية على الفتح أو على الكسر، مثل: يا أبت "أي: يا أبي" فكلمة: "أب" من "أبت" منادى منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة التي عوض عنها تاء التأنيث، وتاء التأنيث حرف، إذ الياء لم تنقلب إليها، كما تنقلب إلى الألف، ولهذا كانت كلمة "أب" منصوبة، ولكن بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة تاء التأنيث؛ لأن تاء التأنيث تقتضي فتح ما قبلها. ذلك قولهم، وهو صحيح دقيق. ولكن من الممكن الاختصار فنقول: إنها منصوبة بفتحة ظاهرة. ج- ما كانت فيها الياء منقلبة ألفًا، مثل: يا "صاحبا" لا تترك زيارتي. فكلمة "صاحب" منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف، ومن التيسير أن نقول: منصوب بالفتحة الظاهرة. ملاحظة: إنما تقدر الحركات الثلاثة على المضاف إلي ياء المتكلم. بشرط ألا يكون مثنى، ولا جمع مذكر سالم، ولا منقوصًا، ولا مقصورًا. فإن كان مثنى وهو مرفوع. فإن ياء المتكلم تثبت مفتوحة بعد ألف التثنية الساكنة: نحو: جاء صاحباي. وإن كان مثنى وهو منصوب أو مجرور فإن ياء المتكلم تثبت في الحالتين مدغمة في ياء التثنية، ومفتوحة، نحو رأيت صاحبي "وأصلها -كما سبق- صاحبين لي، حذفت النون واللام للإضافة، أو حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وأدغمت الياء في الياء مع فتح الثانية منهما". وإن كان جمع مذكر فإن واوه في حالة الرفع والإضافة لياء المتكلم موجودة وليست مقدرة، ولكنها تقلب ياء، وتدغم الياءان، مع كسر ما قبلهما، وفتح ياء المتكلم، مثل: جاء صاحبي، "وأصله: صاحبون لي. حذفت النون واللام للإضافة، أو حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف -كما سبق- فصارت: "صاحبوي" اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت =

مثل: هذا كتابي، قرأت كتابي، وانتفعت بكتابي. فكلمة: "كتاب" الأولى خبر مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة ياء المتكلم. "كتاب" مضاف، و"ياء المتكلم" مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثانية. مفعول منصوب بفتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها الكسرة التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، و"ياء المتكلم" مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. وكلمة: "كتاب" الثالثة مجرورة بالياء، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الكسرة الظاهرة، التى جاءت لمناسبة ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه ... وبعض النحاة لا يوافق على أن الكسرة في حالة الجر مقدرة، وإنما هي الكسرة الظاهرة وهو إعراب أحسن، إذ لا داعي للتعقيد والإعنات والتطويل، ويجدر الأخذ بهذا وحده. ولما كانت ياء المتكلم قد تنقلب ألفًا أحيانًا، فنقول، في يا "صاحبي"؛ و"صديقي": يا "صاحبَا" ويا "صديقَا ... كانت كلمة: "صاحب" و"صديق" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الفتحة التى جاءت لمناسبة الألف، التى أصلها ياء المتكلم. وصاحب، وصديق: مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه، مبني على السكون فى محل جر. ومن الممكن في هذه الحالة مراعاة التيسير بأن نعرب كلمة "صاحب"

_ = الياء في الباء، وكسر ما قبلهما، فصارت صاحبي. ويكون مرفوعًا بالواو التي قلبت ياء كما سبق، وإن كان منصوبًا أو مجرورًا فإن ياءه تدغم في ياء المتكلم التي تتحرك بالفتح، وقبلهما كسرة، مثل: أكرمت زائري، وسلمت على زائري، فكلمة: "زائري، وأصلها: زائرين لي ... " منصوبة أو مجرورة، وعلامة نصبها وجرها الياء الأولى الساكنة، المدغمة في ياء المتكلم المفتوحة، وكلمة زائري: مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه، مبنية- على الفتح- في محل جر، هذا والياء الأولى في مثل كلمة: "زائري" السالفة تختلف عن الياء الأولى في كلمة "صاحبي" في المثال السابق، وهو، "جاء صاحبي" لأن الياء الأولى في كلمة صاحبي، منقلبة عن واو، فهي علامة رفع، بخلاف الأخرى، فهي ياء الجمع، علامة النصب أو الجر. وإن كان منقوصًا، فإن ياءه تثبت في كل أحواله، وتدغم في ياء المتكلم، التي تتحرك بالفتح، مثل: جاء هادي، كلمتُ هادي، استمعت إلى هادي. فكلمة: "هادي" مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، بحركة مقدرة علي الياء الأولى، منع من ظهورها السكون العارض للإدغام، ولا يحسن أن يقال: منع من ظهورها اشتغال المحل بالسكون؛ لأن السكون عدم الحركة، والعدمي عندهم لا يشغل، إنما الذي يشغل هو الوجودي. وإن كان مقصورًا ثبتت ياء المتكلم بعد ألفه دائمًا، مع فتحها، وفي الباب الخاص بالمضاف إلى ياء المتكلم إيضاح لكل ما سبق- ومكانه ما أشرنا إليه وهو ج3 ص69 م96.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"صديق" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفًا: مضاف إليه ... وهو إعراب محمود؛ لخلوه من الإطالة التي في سابقه. 9- يُقَدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا تحرك للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل؛ لم يكن المحسن ليتأخرَ عن المعونة. فقد تحركت النون بالكسر، مع أن الفعل مجزوم بلَم؛ لأن هذه النون الساكنة قد جاء بعدها كلمة أولها حرف ساكن، وهو اللام، فالتقى ساكنان لا يجوز التقاؤهما، فتخلصنا من التقائهما بتحريك النون بالكسر، كالشائع في مثل هذه الحالة؛ فكلمة: "يكن" مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه سكون مقدر، بسبب الكسرة التي جاءت للتخلص من الساكنين ... ومن الممكن مراعاة التيسير هنا بأن نقول، مجزوم وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين. 10- يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل، إذا كان مجزومًا مدغمًا في حرف مماثل له، نحو: لم يمدَّ العزيز يده، ولم يفرَّ الشجاع. فكل من كلمة: "يمد"، و"يفر" مجزوم الآخر، وعلامة جزمه السكون المقدر، منع من ظهورها الفتحة التي جاءت للتخلص من الساكنين1. ويمكن التيسير بالاختصار هنا. 11- كذلك يقدر السكون على الحرف الأخير من الفعل الذى حرك لمراعاة القافية، مثل قول الشاعر: وَمهْمَا تكُنْ عند امْرِئٍ من خَليقةٍ ... وإنْ خالها تَخفىَ على الناس تُعْلَمِ فكلمة "تُعَلمِ" مضارع مجزوم في جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون المقدر، الذى منع من ظهوره الكسرة التي جاءت لمراعاة القافية؛ ذلك أن كل الأبيات التي قبل هذا البيت مختومة بميم مكسورة، فلم يكن بد من كسر آخر الفعل لمراعاة القافية. ولا مانع من التيسير بالاختصار، بل إنه حسن كحسنه في كل المواضع التي سبقت.

_ 1 ذلك أن الدال الأخيرة، والراء الأخيرة فيهما مجزومة بحرف الجزم، وكل منهما قبله حرف مماثل له، ساكن بسبب الإدغام، قبل مجيء الجازم، فالتقى ساكنان، فتخلصنا من التقائهما هنا بالفتحة الظاهرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى هنا انتهى أظهر المواضع التي تقدر فيها الحركات الإعرابية. ثانيا- أشهر المواضع التي تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات الأصلية هي: 1- تقدر الحروف التي تعرب بها الأسماء الستة، إذا جاء بعد تلك الحروف ساكن، مثل: جاء أبو الفضل؛ وذلك لحذفها في النطق فقط -كما تقدم1 في "ج" من ص106؛ أما في الخط فلا بد من كتابتها. فإن رُوعي المكتوب فلا تقدير. والأفضل في النطق أن نقف -عند الإعراب- على آخر كلمة: "أبو" فتظهر الواو؛ فلا يكون هناك تقدير في الحالتين، ونستريح من التشعيب في القاعدة الواحدة. وللمجمع اللغوي في هذا قرار مفيد سجلناه في ص159 - رقم2 من هامشها. 2- تقدر ألف المثنى المضاف إذا جاء بعدها ساكن، مثل: ظهر نجمَا الشرق، وذلك لحذفها في النطق دون الكتابة -كما سبق2 أما عند إعراب المكتوب فلا تقدير. وهنا يقال ما قيل فى الحالة السابقة. وقرار المجمع اللغوي السالف. 3- تقدر واو جمع المذكر السَّالم وياؤه إذا كان مضافًا، وجاء بعدهما ساكن؛ مراعاة لحذفهما في النطق: مثل: تيقظ عاملو الحقل مبكرِين، ورأيت عاملي الحقل في نشاط3. ولا تقدير عند إعراب المكتوب. وهنا يقال ما قيل في الحالة الأولى. والثانية وقرار المجمع اللغوي السالف. وشرط التقدير أن يكون جمع المذكر غير مقصور؛ فإن كان مقصورًا لم تحذف الواو ولا الياء؛ لأن ما قبلهما مفتوح دائمًا، فلا توجد علامة مناسبة قبلهما، تدل على الحرف المحذوف، ولهذا يتحركان4 فقط؛ مثل: سافر مصطفَو الفصل في

_ 1 في "ج" من ص 115. 2 في "ز" من ص 135 وفي "و" من ص 159. 3 سبقت الإشارة لهذا في ص 159. 4 وتكون الحركة بالكسر لأنه الأصل من التخلص في التقاء الساكنين، وقد تكون بغيره، كالضم مع الواو، أحيانا ... تبعا لاعتبارات أخرى، مكان تفصيلها: التخلص من التقاء الساكنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحلة؛ "جمع؛ مصطفىً"، استقبلت مصطفَىِ الفصل1. 4- تقدر واو جمع المذكر المضاف إلى ياء المتكلم في حالة الرفع؛ مراعاة لحذفها في النطق، مثل جاء صاحبِيَّ؛ "وقد سبق"1. 5- تقدر النون في الأفعال الخمسة عند تأكيدها، مثل: لا تكتُبُنَّ فالمضارع مسند إلى واو الجماعة المحذوفة ... وقد سبق التفصيل2 فى ص88 وما بعدها. د- قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} . فكلمة "مَنْ" هنا شرطية، والفعل "يَتَّقِ"؛ مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الياء؛ "ويصبر": مضارع مجزوم، لأنه معطوف عليه، وقرأ بعض القراء: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} بإثبات الياء فى آخر: "يتقى"، وإسكان الراء فى آخر "يصبرْ"، مع عدم الوقف عليها3. فإثبات الياء إنما هوعلى اعتبار "من" شرطية و"يتقى" مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف السكون المقدر على الياء تبعاً لتلك اللغة، التى لا تحذف حرف العلَّة للجازم، وإنما تبقيه وتحذف الحركة المقدرة عليه فقط4: و"يصبر" مضارع مجزوم معطوف عليه. ويصح أن يكون "منْ" اسم موصول والفعل "يتقى" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و"يصبرْ" مضارع معطوف عليه مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها السكون العارض لأجل التخفيف، أولأجل نية الوقف فى حالة الوصل5 "أى: وصل: "يصبر" عند القراءة، بالكلام الذى بعدها، وعدم الوقف عليها". وهناك آراء أخرى نرى الخير فى إهمالها.

_ 1 راجع ص 159. 2 في "ج" من ص 94 وما بعدها. 3 أما عند الوقف على "يصبر" فالتسكين هو الشائع، فلا إشكال معه. 4 سبق بيان هذه اللغة في "أ" من ص 205. 5 انظر رقم 6 من هامش ص 199.

النكرة والمعرفة

باب: النكرة والمعرفة المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة أ- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ. ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل. لكلمة: "رجل" -في التركيب الأول، وأشباهها- معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلي المحض والمدلول الذهني المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد في العالمَ الواقعي، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذي يسمونه: العالمَ الخارجي عن العقل والذهن. والسبب: أن ذلك المعنى الذهني المجرد؛ أي: "المعنى العقلي المحض" إنما ينطبق في عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه في حقيقته1،

_ 1 يراد بالحقيقة هنا ما أشرنا إليه في صفحتي 24، 288: "مجموعة الصفات الذاتية، "أي: الأساسية الأصلية" التي يتكون منها الشيء، وتميز جنسًا من جنس، ونوعًا من نوع: ولولاها لتشابهت أفراد كل، واختلطت". فحقيقة الإنسان هي، مجموعة الصفات الذاتية الخاصة به، والتي تميز نوعه من نوع آخر، كالطائر مثلًا- وتجعله نوعًا مستقلًا منفصلًا، وتلك الصفات الذاتية في الإنسان هي: الحيوانية والنطق معًا. وحقيقة الحيوان هي: صفاته الذاتية الخاصة به، والتي تفصل جنسه عن جنس آخر، كالنبات، وتفرق بينهما وهكذا ... وتلك الصفات الذاتية في الحيوان هي: الحياة التي مصدرها الروح والحركة الاختيارية ... ومن مجموع تلك الصفات الذاتية للشيء تنشأ حقيقته، وتتكون صورته في الذهن أيضًا. لكن كيف تنشأ تلك الصورة الذهنية المحضة؟ يجب عن هذا علماء المنطق بقولهم الذي أشرنا إليه في صفحتي24، 288. إن الإنسان حين يرى النخلة -مثلًا- أول مرة في حياته، يستخدم حواسه في كشف حقيقتها، ويسأل عنها غيره، حتى يعرف أنها شجرة، وأنها تسمى: النخلة، ويراها مرات بعد ذلك فيقوى إدراكه لها. ثم يرى شجرة "برتقال" على النحو السالف، وشجرة "ليمون" وشجرة "يوسفي" وشجرات أخرى كثيرة، فينتهي عقله إلى معرفة صفات ذاتية مشتركة بين تلك الأشجار المختلفة النوع، ويرسم العقل من مجموع تلك الصفات صورة خيالية للشجرة -أي شجرة كانت- بحيث تنطبق تلك الصورة الخيالية على كل شجرة مهما كان نوعها. فهو قد اهتدى أولًا إلى أن الصفات الذاتية المشتركة بين الشجرات الكثيرة هي: الجذور، والجذوع، والفروع، والثمر، والورق ... ثم أنشأ من مجموعها صورة خاصة لما يسمى: "شجرة" فحين يسمع المرء كلمة: "شجرة" يسرع عقله فيدرك المراد منها، وهو تلك =

وتماثله في صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التي ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم ... ، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم: "مُبْهَم الدَّلالة"؛ أي: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم: "رجل" ويستحيل في عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم. لكن إذا قلتُ: "أنا في الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفي؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره في واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود في الحديقة لسواه.

_ = الصورة التي سبق له أن رسمها من مجموع الصفات الذاتية المشتركة، ولا يدرك سواها، ولا يخصص شجرة معينة، كشجرة نخيل، أو برتقال، أو ليمون، أو غيرها، ولا يستحضر في داخله- غالبا غير تلك الصورة الخيالية التي ابتكرها، وكونها من قبل، والتي يسميها العلماء حينا: "الصورة العقلية المجردة: وحينا: "الصورة الذهنية المجردة" أو: "الحقيقة الذهنية المحضة" أي: التي لا يحتاج العقل في إدراكها إلى استحضار صورة شجرة معينة، أو استرجاع نموذج من الشجرات الأولى التي كانت أوصافها الذاتية المشتركة سببا في تكوين الصورة الذهنية لما يسمى: "شجرة". فالصورة التي رسمها العقل هي صورة خيالية محضة، لا وجود لها في عالم الحس والواقع، على الرغم من أنه انتزع عناصر تكوينها من نماذج وأشياء محسوسة مشاهدة، يستقل كل منها بنفسه، وينفرد عن غيره، لكنها تشابه في صفات ذاتية مشتركة بين الجمع- كما سبق- وكل واحد من تلك النماذج والأشياء المتشابهة يسمى: "حقيقة" خارجية": لأنه المدلول الحسي، والمضمون الواقعي للحقيقة الذهنية، مع خروجه عن دائرة الذهن المجردة: بسبب وجوده فعلا في دائرة الحسن والمشاهدة، فكل واحدة من شجرة النخيل، أو البرتقال، أو الليمون، أو ... تصلح أن تكون المدلول الحسي المقصود من كلمة: "شجرة" التي هي حقيقة ذهنية وإن شئت فقل: إن كل واحد من تلك الأشياء يصلح أن يكون الحقيقة الخارجية التي هي مضمون الحقيقة الذهنية، ومدلولها المقصود، وأن الحقيقة الذهنية تنطبق في خارج الذهن على كل واحد من تلك الأشياء، وتصدق عليه. ومما سبق نعلم أن مجموع الصفات الذاتية المشتركة بين أفراد الحقيقة الخارجية هو الذي يكون الحقيقة الذهنية المحضة، وأن مدلول الحقيقة الذهنية المحضة ينطبق على كل فرد من أفراد الحقيقة الخارجية، ويصدق عليه، دون تخصيص فرد أو تعيينه، كما سيجيء في هذا الباب عند الكلام على "اسم الجنس" وعلم الجنس"، ص 288.

وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة: "طالب" اسم، له معنى عقلي، ومدلول ذهني. ولكن مدلوله الخارجي "أي: الذى في عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور في فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد ... وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه: "طالب": ويشترك مع غيره في هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها، والتي يقال لكل فرد منها إنه: "طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق. لكن إذا قلنا: "تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة: "محمود" التي تدل على فرد بعينه؛ والتي تمنع الاشتراك1 التام في معناها ومدلولها. ومثل هذا يقال في: "قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ: "كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة ... ، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما ... لكن إذا قلنا: "هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب. وكذلك يقال في المثال الأخير: "مصر يخترقها نهر". فأي نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه: "نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا: "مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التي جاءت بعد ذلك؛ وهي: "النيل". فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهي: "اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى

_ 1 قد تكون كلمة: "محمود" مشتركة بين عدة أفراد، ولكن هذا الاشتراك محدود ضئيل بالنسبة للشيوع والاشتراك في النكرة، فلا يسلب العلم التعيين والتحديد جملة، ولا يجعله غامضًا مبهمًا كالغموض والإبهام اللذين في النكرة المحضة، مثل كلمة: رجل.

قولهم "النكرة شيء شائع بين أفراد جنسه"1. ومن أمثلتها غير ما سبق الكلمات التى تحتها خط: سمعت عصفورًا -ركبت سفينة كتبت رسالة قطفت زهرة2 ... أما لفظ "أنا" و"محمود"، و"هذا"، و"نهر"، "والنيل" وأمثال ما في: "ب" فيسمى: معرفة؛ وهي: "اسم يدل على شيء واحد معين"؛ لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها غيره من نوعه. ومن أمثلتها غير ما سبق: سمعت تغريد "عصفوري"، "هذه" سفينة ركبتها، كتبت "الرسالة" ... وللنكرة علامة تُعرف بها؛ هي: أنها تقبل دخول: "أل"3 التى تؤثر فيها فتفيدها التعريف، أي: التعيين وإزالة ما كان فيها من الإبهام والشيوع. وبهذه العلامة ندرك أن كل كلمة من الكلمات السابقة وهي: رجل، طالب، كتاب ... "، نكرة، لأنها تقبل دخول "أل" التى تَكسبها التعريف. تقول: الرجل شجاع، الطالب نافع، الكتاب نفيس ... وقد صارت هذه الكلمات معارف بعد دخول: "أل". وربما كانت الكلمة في ذاتها لا تصلح لدخول "أل" عليها مباشرة، وإنما تدخل على كلمة أخرى بمعناها، بحيث تصلح كل واحدة منهما أن تحل محل الأخرى؛ فلا يتغير شيء من معنى الجملة: مثل: كلمة "ذو"، فإنها بمعنى: "صاحب"، تقول: أنت رجل ذو خُلق كريم، والمحسن إنسان ذو قلب رحيم، فكلمة: "ذو" نكرة لا شك في تنكيرها؛ مع أنها لا تقبل "أل" التي تفيدها التعريف. ولكنها بمعنى كلمة أخرى تقبل "أل"، وهي كلمة: "صاحب"4

_ 1 ويسميها أيضًا بعض العلماء: "اسم الجنس". وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه عند الكلام على العلم- ص 288 كما سيأتي أنها قسمان محضة وغير محضة، وتعريف كل "ص213". 2 مما يدخل في حكم النكرة الجمل والأفعال -كما في رقم1 من هامش ص47 والبيان في رقم1 من هامش ص 213. 3 كلمة: "أل" هنا علم على اللفظ المعين المكون من الهمزة واللام، فهمزته همزة قطع، يجب كتابتها، والنطق بها تطبيقًا للبيان الجلي الذي في رقم1 من هامش ص421 وفي "أ" من ص306. 4 كلمة: "صاحب" هنا ليست اسم فاعل معناه مصاحب؛ لأن معناها الأصلي الدال على التجدد والحدوث قد أهمل. وغلبت عليها "الاسمية" المحضة، فألحقت بالأسماء الجامدة، ولذلك لا تعمل، فـ "أل" الداخلة عليها للتعريف، وليست بالموصولة التي تدخل على اسم الفاعل ونحوه من المشتقات التي تعمل. ملاحظة: جميع المشتقات إذا صارت أعلاما، تكون في حكم الأسماء الجامدة- كما سبق في رقم 3 من هامش ص 139 وآخره من هامش ص 143.

التي يصح أن تحل محل كلمة: "ذو"1. ومن هنا كانت "ذو" نكرة؛ لأنها -وإن كانت لا تقبل "أل"- يصح أن تحل محل كلمة؛ "صاحب" التى تقبل "أل"، وتقع في الجملة مكانها، من غير أن يترتب على ذلك إخلال بالمعنى1. فعلامة النكرة -كما سبق- أن تقبل بنفسها "أل " التي تفيدها التعريف، أو تقع موقع كلمة أخرى تقبل: "أل" المذكورة2.

_ "1و 1" ومثل: "ذو" كلمات أخرى لا تقبل بنفسها "أل" ولكنها تقع موقع كلمات تقبلها. ومن ذلك: "أحد" التي همزتها أصلية، وليست منقلبة عن واو، ومعناها: إنسان -وغيره- وهذه لا تستعمل إلا بعد نفي. أما التي همزتها منقلبة عن واو، وأصلها: "وحد" التي منها كلمة: "واحد" أول الأعداد كالتي في قوله تعالى: {قل هو الله أحد} أي: واحد: فإن هذه التي بمعنى: "واحد" تقع بعد النفي والإثبات، بخلاف كلمة: "أحد" التي همزتها أصلية، فإنها لا تقع إلا بعد نفي -كما تقدم- وكما في التصريج ج1- أول باب النكرة والمعرفة. ومن ذلك: "عريب" و "ديار" تقول: ما في البيت أحد، وعريب، أو ديار. ومعنى الجمع: ما في البيت أحد، كما سيجيء في ص588 فهي كلمات لا تستعمل إلا بعد نفي في الأغلب، وهي متوغلة في الإبهام، فلا تكون معرفة ولا تقبل "أل" التي للتعريف، ولها واقعة موقع ما يقبلها، وهو: إنسان، مثلًا ... وكذا "من" و "ما، إذا كانا بمعنى: "شيء، أي شيء" سواء أكان ذلك الشيء إنسانًا أم غير إنسان، تقول: سافرت إلى من مسرور بك، أي: إلى إنسان مسرور بك ولعبت بما مفيد لي. أي: بشيء مفيد لي، فكلمة، "من" و "ما" وأشباههما- نكرات، لأنها لا تقبل أل، ولكنها واقعة موقع ما يقبلها، وهو هنا: إنسان، وشيء. والدليل على أن الكلمات الثلاث نكرات، وقوع كل منها موصوفة للنكرة في الأمثلة السابقة. وقد تكون "من" و "ما" أداتين للشرط، مثل: من يتقن عمله يدرك غايته. وما تفعل من خير يرجع إليك أثره. ومعناهما كل إنسان يتقن ... وكل شيء تفعله ... وقد يكونان للاستفهام، مثل: من حضر؟ وما رأيك؟ ومعناهما: أي إنسان حضر؟ وأي شيء رأيك؟ فالأصل في أسماء الشرط والاستفهام أن تقع موقع ذات، أو زمان، أو مكان، أما تضمنهما الشرط أو الاستفهام فأمر زائد على أصل وضعهما. كما سبق في ص 89 عند الكلام على الحروف. ومن تلك الكلمات أيضا أسماء الأفعال النكرات، مثل: "صه بالتنوين، فإنه واقع موقع "سكونا" أي: موقع: المصدر الدال على الأمر، أو موقع: اسكت، الدال على ذلك المصدر ... 2 على الرغم من أن النحاة ارتضوا هذه العلامة فإن المحققين منهم انتهوا بعد مناقشات طويلة إلى أنها ليست صالحة أحيانًا لتحقيق الغرض منها، وبأن العلامة الوافية بالغرض هي استقصاء المعارف، وما يكون خارجًا من دائرتها فهو النكرة حقًّا؛ لأن الوصول إلى النكرة من غير هذا الطريق غير مضمون فوق ما فيه من عسر وتكلف.

وبديهٌ أن هذه العلامة لا تَدْخل المعرفة، ولا توجد فيها؛ لأن "ألْ" تفيد التعريف، كما أشرنا، والمعرفة ليست في حاجة إليه؛ فقد اكتسبته بوسيلة أخرى سنعرفها. فإن ظهرت "أل" في بعض المعارف فليست "أل" التي تفيد التعريف، وإنما هي نوع آخر؛ جاء لغرض غير التعريف، سيُذكَر في مكانه1. والمعارف سبعة: 1- الضمير، مثل: أنا، وأنت، وهو ... 2- العلم، مثل: محمد، زينب.... 3- اسم الإشارة: مثل: هذا، وهذه، وهؤلاء ... 4- اسم الموصول، مثل: الذى، والتي ... 5- المبدوء بأل المُعّرفة "أي: التى تفيد التعريف"، مثل: الكتاب، والقلم، والمدرسة إذا كانت هذه أشياء معينة ... 6- المضاف إلى معرفة؛ مثل: بيتي قريب من بيتك وكذلك نهر النيل في أمثلة "ب" ... وهذا بشرط أن يكون المضاف قابلًا للتعريف؛ فلا يكون من الألفاظ المتوغلة في الإبهام2 التي لا تتعرف بإضافة، أو غيرها، كلفظ غير، ومثل -فى أغلب أحوالهما. 7- النكرة المقصودة من بين أنواع المنادى3. مثل: يا شُرْطيّ، أو: يا حارس؛ إذا كانت تنادي واحدًا معينًا4، تتجه إليه بالنداء، وتقصده دون

_ 1 ستجيء أنواع "أل" في ص 421م 30. 2 اللفظ المتوغل في الإبهام هو الي لا يتضح معناه إلا بآخر ينضم له، ويزاد عليه، ليزيل إبهامه، أو يخلف من شيوعه، كإضافته إلى معرفة تعرفه أو تخصصه. ولكن الأغلب أنه لا يستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة إلا بأمر خارج عن الإضافة، كوقوع كلمة: "غير" بين متضادين معرفتين، كالتي في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وستجيء لهذا إشارة في: "أ" من ص423 أما تفصيل الكلام عليه ففي باب الإضافة ج3 م93 ولا سيما رقم4 من هامش ص24. 3 أنواع المنادى خمسة يتعرف منها بالنداء نوع واحد -في الرأي الأرجح- هو: النكرة المقصودة دون غيرها. وسيجيء تفصيل الكلام عليها في باب النداء أول الجزء الرابع. 4 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله في باب: "النكرة والمعرفة": نكرة قابل "أل" مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا وغيره معرفة، كهم، وذي ... وهند، وابني، والغلام، والذي يريد: أن النكرة اسم قابل "أل" أي: قابل لفظ "أل" الذي يؤثر فيها التعريف ... "اسم "أل" يراد به هنا: "اللفظ" فهو مذكر، وقد يراد به في صيغة أخرى: "الكلمة، فيكون مؤنثا".

غيره؛ ذلك أن كلمة: "شُرْطيّ" وحدها. أو كلمة: "حارس" وحدها، نكرة؛ لا تدل على معين. ولكنها تصير معرفة عند النداء؛ بسبب القصد -أي: التوجه- الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره1. هذا، ولكن معرفة من المعارف السبعة السابقة باب مستقل سيجيء مشتملًا على كل ما يخصها من تفصيلات وأحكام.

_ 1 المعرفة تدل على التعيين. وفي هامش ص295 بيان وزيادة إيضاح المقصود من التعيين والتخصيص، ولكن المعارف تختلف في درجة التعيين والتعريف، فبعضها أقوى من بعض. وآراء النحاة متضاربة في ترتيبها من حيث القوة. وأشهر الآراء: أن أقواها بعد لفظ الجلالة وضميره- هو: ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، وهو درجات متفاوتة القوة في درجة التعريف. ويلحق بعلم الشخص في درجة التعريف العلم بالغلبة، ثم ضمير الغائب الخالي من الإبهام: "بأن يتقدمه اسم واحد معرفة أو نكرة، نحو: حين رأيته، ورجل كريم لاقيته. فلو تقدمه اسمًا أو أكثر ولم يتعين مرجعه بسبب هذا التعدد وعدم القرينة التي تحدده- نحو: قام محمود وحامد فصاحته- تسرب إليه الإبهام، ونقص تمكنه من التعريف"، ثم اسم الإشارة، والمنادي "النكرة المقصودة" وهما في درجة واحدة؛ لأن التعريف بكل منهما يتم إما بالقصد الذي يعينه المشار إليه، وإما بالتخاطب كما سيجيء في "ب" من ص440 ثم الموصول، والمعرف بأل، وهما في درجة واحدة، أم مضاف إلى معرفة فإنه في درجة المضاف إليه. إلا إذا كان مضافًا للضمير. فإنه يكون في درجة العلم -على الصحيح. وأقوى الأعلام أسماء الأماكن، لقلة الاشتراك فيها، ثم أسماء الناس، ثم أسماء الأجناس. وأقوى الأسماء الإشارة ما كان للقرب، ثم ما كان للوسط، ثم ما كان للبعد. وأقوى أنواع "أل" التي للعهد ما كانت فيه للعهد الحضوري، ثم ما كانت فيه النوعين الآخرين من العهد، ثم للجنس. "راجع شرح التصريح وحاشيته، ثم المفصل ج5 ص 87".

حكم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنكرات: الجملة نوعان1، وشبهها نوعان2 كذلك. فإذا وقع أحد الأربعة بعد النكرة المحضة3 فإنه يعرب صفة، وبعد المعرفة المحضة4 يعرب حالًا5؛ فمثال الجملة الفعلية بعد النكرة المحضة: حضر عني "يحسن إلى المحتاج". ومثال الجملة الاسمية حضر عني "إحسانه غامر". ومثال الظرف: رأيت طائرًا "فوق" الغصن. ومثال الجار مع المجرور: رأيت بلبلًا "في قفصه".

_ 1 الجملة نوعان، اسمية وفعلية وهي بنوعيها في حكم النكرات "كما أشرنا في 1 من هامش ص47 وفي رقم1 هامش ص213" وكذلك الأفعال. وقد ورد هذا في مراجع مخففة، منها: حاشية "ياسين" على التصريح، أول باب: "النكرة والمعرفة"، حيث قال ما نصه: "أما الجمل والأفعال فليست نكرات، وإن حكم لها بحكم النكرات. وما يوجد في عبارة بعضهم أنها نكرات فهو تجوز" اهـ. ويقول شارح المفصل "ج3 ص 141" ما نصه: "إن وقوع الجملة نعتا للنكرة دليل على أن الجملة نفسها نكر’، إذ لا يصح أن توصف النكرة بالمعرفة ... " اهـ. وسواء أكانت نكرة أم في حكم النكرة فالخلاف شكل لا أهمية له، وقد أشرنا للمسألة السالفة في مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب - ومنها ج2 رقم3 من هامش ص311 م84 ومنها: ج3 ص24 م93 وص349، 354 م 114. 2 هما: الظرف والجار مع مجروره. 3 النكرة المحضة: هي التي يكون معناها شائعا بين أفراد مدلولها، مع انطباقه على كل فرد، مثل كلمة "رجل" فإنها تصدق على كل فرد من أفراد الرجال، لعدم وجود قيد يجعلها مقصورة على بعضهم، دون غيره. بخلاف: "رجل صالح" فإنها نكرة غير محضة، لأنها مقيدة تنطبق على بعض أفراد من الرجال، وهم الصالحون، دون غيرهم. فاكتسبت فهذا التقييد شيئا من التخصيص، والتحديد، وقلة العدد بسبب الصفة التي يعدها، والتي جعلتها أقل إبهاما وشيوعا من الأولى ومثل الصفة غيرها من كل ما يخرج النكرة من عمومها وشيوعها الأكمل إلى نوع من التحديد وتقليل أفرادها، كإضافة النكرة الجامدة إلى نكرة أخرى- كما سيجيء في باب: "الإضافة" وكوقوعها نعتا لنكرة محضة، أو وقوعها حالا، أو غير هذا من سائر القيود. وإذا كانت النكرة محضة سميت: "نكرة تامة"، أي: كاملة التنكير، لم تنقص درجة تنكيرها بسبب وجود نعت أو غيرها مما يقيد إطلاقها، ويخفف إبهامها. ومن النكرات التامة: "ما" التعجبية- كما ستجيء في باب: "التعجب جـ3 م 108- وإذا كانت غير محضة سميت: "نكرة ناقصة". وعلى هذا فالنكرة إما تامة، وإما ناقصة: فهي قسمان من هذه الناحية. 4 والمعرفة المحضة هي الخالية من علامات تقربها من النكرة، كوجود "أل الجنسية" في صدرها والمعرفة قسمان: "تامة": وهي التي تستقل بنفسها في الدلالة الكاملة على معين، كضمير المتكلم، وكالعلم.... و..... "ناقصة" وهي التي تحتاج في أداء تلك الدلالة الكاملة إلى شيء معها، كاسم الموصول، فإنه يحتاج للصلة دائما. 5 انظر التفصيل والبيان الهام في "أ" ص 215.

ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة المحضة: أقبل خالد "يضحك". ومثال الاسمية: أقبل خالد "وجهه مشرق". ومثال الظرف: أبصرتُ طائرتنا "فوق" السحاب. ومثال الجار مع المجرور: أبصرت طائرتنا "في وسط" السحاب. أما إذا كانت النكرة غير محضة، أو المعرفة غير محضة، فإنه يجوز فيما بعدهما من جمل وشبه جمل أن يعرب "صفة" أو"حالًا"؛ تقول في الأمثلة السابقة بعد غير المحضة: حضر غني كريم "يحسن إلى المحتاج"، وحضر غني كريم "إحسانه غامر"، ورأيت طائرًا جميلًا "فوق" الغصن، ورأيت بلبلًا شجيًّا "في قفصه" ... ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة غير المحضة: يروقني الزهْر يفوح عطره، بإدخال "أل الجنسية"1 على الاسم. ومثال الاسمية بعدها: يروقني الزهر عطرُه فوّاح. ومثال الظرف: يروقني الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره: يسرني الطير على الأغصان، فوجود "أل" الجنسية" في أول الاسم جعله صالحًا للحكم عليه بأنه معرفة أو نكرة، على حسَب الاعتبار الذى يوجَّه لهذا أو لذاك1.

_ "1، 1" طبقا للبيان الذي في: "ج" من 216 - هذا، وتفصيل الكلام على "أل" الجنسية وتوضيح أحكامها في ص 425.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه "الظروف والجار مع مجروره" صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان -ج1 أول باب النكرة والمعرفة- حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف "ويراد به في مثل هذا التعبير: شبه الجملة بنوعيه" بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلقه معرفة". اهـ. أي: أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلَّق تيسيرًا وتسهيلاً -طبقًا لما سيجيء فى رقم1 من هامش ص347 وما بعدها وفي هامش ص431 بالإيضاح والشرط المسجلين هناك. وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يكون صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضًا بعد النكرة غير المحضة -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة- أو يقال: إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالًا، أو صفة: إلا فى صورة واحدة هي أن تكون النكرة محضة؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير. ومما هو جدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعد وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر، حرصًا على سلامة المعنى. فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل. وإن لم توجد فالحكم بجواز الأمرين سائع1 ب- من الأسماء ما هو نكرة في اللفظ، معرفة في المعنى؛ مثل: كان سفري إلى الشام عامًا "أولَ". أي: في العام الذي قبل العام الذى نحن فيه. ومنه كان وصولي هنا "أولَ" من أمْسسِ. أي: في اليوم الذي قبل أمس. فمدلول كلمة: "أول" -فى الأسلوب العربي السابق- لا إبهام فيه

_ 1 أشرنا للحكم السالف في باب "الحال" من الجزء الثاني، ص367م84 -وفي الجزء الثالث "باب التعجب" ص 460م 114.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شيوع؛ ولكنه لا يستعمل فيه إلا نكرة؛ محاكاة للأساليب الفصيحة الباردة وتجري عليه أحكام النّكرة، كأن يكون موصوفة نكرة1 ... ومن الأسماء ما هو معرفة في اللفظ، نكرة في المعنى، مثل: "أسامة" "أيْ: أسد": فهو علم جنس على الحيوان المفترس المعروف، وهو من هذه الجهة التى يراعى فيها لفظه، شبيه بالعَلم: "حمزة" - وغيره من الأعلام الشخصية - في أنه لا يضاف، ولا تدخله "أل"، ويجب منعه من الصرف، ويوصف بالمعرفة دون النكرة، ويقع مبتدأ، وصاحب حال2 ... ولكنه من جهة أخرى معنوية غير معين الدلالة؛ إذ مدلوله شائع بين أفراد جنسه، مبهم: فهو مثل كلمة: "أسد" في الدلالة3. ج- ومن الأسماء صنف مسموع يصلح للحالين بصورته المسموعة عن العرب مثل كلمة: "واحد" في قولهم: "واحد أمِّه". ومثل كلمة: عبد، في قولهم: "عبد بطنِه"؛ فكل واحدة منهما يصح اعتبارها معرفة؛ لإضافتها للمعرفة، ويصح اعتبارها نكرة منصوبة على الحال عند النصب. ومثلهما: المبدوء "بأل" الجنسية4؛ مثل: الإنسان أسير الإحسان، فهومن ناحية المظهر اللفظى معرفة؛ لوجود "أل" الجنسية. ومن جهة المعنى نكرة، لشيوعه؛ ولأن معناه عام مبهم؛ فكأنك تقول: كل إنسان ... وكل إحسان ... ؛ فلا تعيين، ولا تحديد، فهوصالح للاعتبارين كما سبق5 وستجئ إشارة لهذا فى باب الحال جـ2 ص 311 م 84؟ وفى باب النعت جـ3 ص380 م114؟

_ 1 سيجيء لها بيان آخر في باب: "الظروف" ج2 ص265، 266م 79 وفي ج3 ص 149 149 و 152 م 95 باب: "الإضافة". 2 لأن الغالب على المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين، إلا في مواضع محددة معروضة في بابيهما. 3 سيجيء الإيضاح الوافي لعلم الجنس، ومعناه، وأحكامه -في هذا الباب عند الكلام على العلم بنوعيه، الشخصي والجنسي "ص286 وما بعدها". 4 راجع أحكامها في ص425 وما بعدها. 5 راجع حاشية ياسين "ج1" أول باب: النكرة والمعرفة. وكذلك الهمع ج1 ص54، أول هذا الباب، حيث قال بعد كلامه على ما فيه "أل الجنسية" إنه: "من قبل اللفظ معرفة، ومن قبل المعنى - لشياعه- نكرة، ولذلك يوصف بالمعرفة اعتبارا بلفظه، وبالنكرة، اعتبارا بمعناه.....". لكنه لم يقيد نوع الوصف بمفرد أو غير مفرد، فهل يجوز وصفه بالمفرد النكرة مع وجود "أل الجنسية"؟ يبدو الأمر غريبا غير معروف لنا. أما وصفه بالجملة أو شبه الجملة فجائز. كما يجوز اعتبارهما حالين. فلا اختلاف في اعتبار الجملة وشبهها صفة أو حالا. ولعل الواجب الاقتصار في الوصف عليهما، دون الوصف بالمفرد لأسباب لغوية أخرى.

المسألة الثامنة عشرة: الضمير

المسألة الثامنة عشرة: الضمير 1 تعريفه؛ اسم جامد يدل على: متكلم، أو مخاطَب، أو غائب. فالمتكلم مثل: أنا2, ونحن، والتاء، والياء، ونا، في نحو: أنا عرفتُ واجبى -نحن عرفنا واجبنا ... وأدّيناه كاملًا. والمخاطب مثل: أنتَِ ... أنت3 أنتما، أنتم، أنتن، والكاف وفروعها في نحو: إن أباكَِ قد صانكَِ ... والغائب4 مثل: هي، هو، هما، هم، هن، والهاء فى مثل: يصون الحر وطنه بحياته5 ... وكذا فروعها....

_ 1 الضمير والمضمر:، بمعنى واحد، وقد يعبر عنهما في بعض المراجع القديمة، بالكناية، والمكني، لأنه يكني به "أي: يرمز به" عن الظاهر، اختصارًا؛ لأن اللبس مأمون -غالبًا- مع الضمير. 2 الغالب في كتابة الضمير: "أنا" إثبات ألف في آخره. وأكثر القبائل العربية يثبت هذه الألف أيضًا عند الوقف، ويحذفها عند وصل الكلام وفي درجه. ومنهم من يحذفها في الوقف أيضًا، ويأتي بهاء السكت الساكنة بدلا منها، فيقول عند الوقف: أنه. وقليل منهم يثبت الألف وصلًا ووقفًا، ففيها لغات متعددة، أقواها وأشهرها إثباتها في الكتابة دائمًا، وعند الوقف، وحذفها في وسط الكلام. وقد أدى هذا الخلاف إلى البحث في أصل الضمير: "أنا" أثلاثي هو: لأن الألف في آخره أصلية، أما ثنائي لأنها زائدة، جاءت إشباعًا للفتحة، وتبيينًا لها عند الوقف؟ رأيان. لكل منهما أثره في نواحٍ مختلفة، منها: التصغير والنسب. 3 التاء التي في آخر ضمير المخاطبة المؤنثة "مثل: أنت" هي للخطاب وليست للتأنيث، وكذا التاء التي في الضمير الدال على تثنيتها وجمعها، نحو: أنتما يا فتاتان نبيلتان، وأنتن يا طالبات العلم نبيلات. - ولهذا إشارة في رقم3 من هامش ص226 وسيجيء البيان في م66 باب: "الفاعل" ج2 عند الكلام على الحكم السادس من أحكامه ص74 وهامشها، وما يليها. 4 إذا رفع اسم الفاعل -أو غيره من المشتقات العاملة- ضميرًا مستترًا وجب أن يكون للغائب دائمًا، ويعود على غائب، طبقًا للبيان الآتي في "ط" من ص270. 5 لا بد في الضمير من أن يكون اسمًا، وجامدًا، معًا، "أ" فأما أنه اسم فلا نطباق بعض علامات الاسمية عليه - وقد تقدمت، في ص 26 وما بعدها- كالإسناد في ضمائر الرفع، والمفعولية في ضمائر النصب، وقبول الجر في غيرهما، وهناك كلمات الواحدة منها تدل على التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، ولا تسمى ضميرا، لأنها حرف وليست اسما، من ذلك قول العرب: النجاءك" بمعنى: النجاء لك، أي: النجاة لك. "النجاء، مفعول به لفعل محذوف تقديره: اطلب. وسيجيء في رقم من هامش ص 240 أنه يجوز فيها أن =

ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: "ضميرَ حضور"؛ لأن صاحبه لا بد أن يكون حاضرًا وقت النطق به1. والضمير بأنواعه الثلاثة لا يثنى، ولا يجمع. إنما يدل بذاته على المفرد، المذكر أو المؤنث، أو على المثنى بنوعيه المذكر والمؤنث معًا2، أو على الجمع المذكر، أو المؤنث، كما يتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته على التثنية أو الجمع فإنه لا يسمى مثنى، ولا جمعًا.

_ = تكون اسم فعل أمر بمعنى: أسرع" فهذه "الكاف" تدل على الخطاب، مع أنها ليست ضميرًا، إذ لو كانت ضميرًا لكانت كالضمير، لها محل من الإعراب، رفعًا، أو نصبًا، أو جرًّا، وهي لا تصلح لشيء من ذلك، إذ لا يوجد في الكلام ما يقتضي أن تكون في محل رفع مبتدأ أو خبرًا، أو فاعلًا، أو غير ذلك مما يجعلها في محل رفع ... وليس في الكلام كذلك كذلك ما يقتضي أن تكون في محل نصب. ولا يصح أن تكون في محل جر. إذ لا يوجد حرف جر يجرها، ولا يوجد مضاف تكون بعده مضافة إليه في محل جر، لا ستحالة أن يكون مثل هذا المضاف مقرونًا بأل، ولا يوجد سبب آخر للجر، كالتبعية. وإذا ليس لها محل من الإعراب. ويتبع هذا ألا تكون اسمًا؛ لأن الاسم له -في الغالب- محل إعرابي، وكذلك لا تصلح أن تكون فعلًا، فلم يبقَ إلا أن تكون حرفًا يدل على الخطاب، من غير أن يسمى ضميرًا. ويقاس على ما سبق: "النجائي" و "النجاءة" بمعنى: "النجاء لي، والنجاء له، أو تكون فعل أمر، بمعنى: أسرع، أيضًا. وما سبق يقال في اسم الإشارة الذي في آخره علامة للخطاب، مثل: ذلك الكتاب، فإن الكاف حرف خطاب، وليست اسمًا، كالشأن في كل علامات الخطاب التي في أسماء الإشارة وبعض ألفاظ أخرى "انظر ص 238 وما بعدها، ورقم2 من هامش ص324 كما سيجيء التفصيل في باب اسم الإشارة. ب- وأما أنه جامد فلعدم وجود أصل له، ولا مشتقات. وبعض الألفاظ المشتقة قد تدل بنفسها وبصيغتها مباشرة على ما يدل عليه الضمير، مع أنها لا تسمى ضميرًا، لعدم جمودها، مثل: كلمة: "متكلم" فإنها تدل على التكلم، ومثل كلمة: "مخاطب" فإنها تدل على التخاطب، ومثل كلمة: "غائب" فإنها تدل على الغياب ... هذا، والضمير من الألفاظ التي لا تصلح أن تكون نعتًا ولا منعوتًا "كما سيجيء في باب النعت، ج3 م 114 ص 450". 1 إلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله: فما لذى غيبة أو حضور ... كأنت، وهو، سيم بالضمير 2 فلا ضمير يختص بأحدهما دون الآخر.

أقسامه: ينقسم الضمير إلى عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة: أ- ينقسم بحسب مدلوله إلى ما يكون للتكلم فقط، وللخطاب. فقط، وللغَيْبة كذلك. وقد سبقت الأمثلة، ولما يصلح للخطاب حينًا، وللغَيبة حينًا آخر؛ وهو ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة. فمثال ألف الاثنين: اكتبا يا صادقان، والصادقان كتبا. ومثال واو الجماعة: اكتبوا يا صادقون، والصادقون كتبوا. ومثال نون النسوة: اكتبْن يا طالبات. الطالبات كتبْن1 ... ب- وينقسم بحسب ظهوره في الكلام وعدم ظهوره إلى: بارز ومستتر؛ فالبارز: هو الذى له صورة ظاهرة في التركيب، نطقًا2 وكتابة، نحو: أنا رأيتك في الحديقة. فكل من كلمة: أنا، والتاء، والكاف، ضمير بارز. والمستتر3، ما يكون خفيًّا3 غير ظاهر في النطق والكتابة؛ مثل: ساعد

_ 1 وعلى ذكر نون النسوة كان القدماء يؤرخون فيقولون في رسائلهم ومكاتباتهم مثلًا. كتبت هذه الرسالة لسبع خلون من رمضان، أو لخمس بقين منه. فهل يصح أن يقال في هذا وفي نظائره مما لا يعقل لسبع خلت، أو لخمس بقيت؟ موجز الإجابة في ص265 والتفصيل في مكانه الأنسب "ج4 ص524م 167 -آخر باب: العدد- حيث بيان الاستعمال الفصيح في طريقة التاريخ واستخدامه". 2 وقد يكون الظهور في النطق غير ميسور أحيانًا- لوقوع- ساكن بعد الضمير الساكن- فيستدل على بروز الضمير بشيء آخر كمد الصوت بالحركة قبله في ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة كما في نحو: اكتبا ... اكتبوا ... ، اكتبي ... فإن هذه الضمائر ظاهرة في الكتابة دون النطق. والذي يدل على الضمير البارز هو مد الصوت بالحركة قبله وقد سبق في رقم حـ من ص 50 ورقم 2 من هامش ص 159 و 144 أنه لا حرج على من يدفع اللبس بالمد عند التقاء الساكنين ... الخ. وقرار المجمع اللغوي في ذلك. "3و 3" المستتر في حكم الموجود الملفوظ به، مع أنه غير مذكور في اللفظ ولا يسمى محذوفا، لأنه هناك فرقا بين الضمير المستتر والضمير المحذوف، فالمستتر في حكم الموجود المنطوق به، كما قلنا، أم المحذوف فإنه كان ملفوظا به ثم ترك وأهمل، فليس في حكم الموجود، يدلك على هذذا أنهم يقولون: لو سميت شيئا بكلمة: "ضرب × " التي استتر فيها الضمير لوجب حكايتها مع الضمير المستتر كما تحكي الجملة، بغير تغيير مطلقًا في جميع الحالات الإعرابية، وتصير "ضرب" مع فاعلها المستتر من جهة حكمها عند الحكاية مثل جملة "ضرب الرجل" التي ظهر فيها الفاعل، فهما في حكم الحكاية سواء، أما إذا سميت بكلمة - "ضرب" المحذوف منها الضمير الفاعل لسبب والأصل ضربت مثلا فإنها تعرب على حسب الجملة- كما سيجيء في باب العلم مفصلا "ص 304 وما بعدها، وفي رقم 2 من هامش ص 310" والمستتر لا يكون إلا من ضمائر الرفع، فهو في محل رفع دائما، أما المحذوف فيكون من ضمائر الرفع وغيرها، ولهذا يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الموقع. والصحيح أن المستتر نوع من الضمير المتصل الذي سيجيء تفصيله، وليس نوع من المنفصل، =

غيرك يساعدْك؛ فالفاعل لكل من الفعلين ضمير مستتر تقديره فى الأول: "أنت" وفي الثاني: "هو". والبارز قسمان، أولهما: المتصل؛ وهو: "الذى يقع في آخر الكلمة، ولا يمكن أن يكون في صدرها ولا في صدر جملتها"؛ إذ لا يمكن النطق به وحده، بسبب أنه لا يستقل بنفسه عن عامله؛ فلا يصح أن يتقدم على ذلك العامل مع بقائه على إعرابه السابق قبل أن يتقدم، كما لا يصح أن يَفْصل بينهما -فى حالة الاختيار- فاصل من حرف عطف، أوأداة استثناء؛ كإلا، أوغيرهما1. ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال؛ التاء المتحركة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة، وذلك كله في مثل: سمعتُِ النصح، والرجلان سَمِعا، والعقلاء سمعوا، والفاضلات سمعْنَ. فليس واحد من هذه الضمائر بممكن أن يستقل بنفسه فيقع أول الكلمة قبل عامله، ولا يتأخر عنه مع وجود فاصل بينهما2.

_ = ولا نوعا مستقلًا بنفسه يسمى: "واسطة" بين المتصل والمنفصل. "راجع الخضري وهامش التصريح عند الكلام على الضمير المستتر ... " والمستتر ركن أساسي في الجملة، لا يتم معناها بغيره، فلا بد منه؛ لأنه "عمدة" كما يسمونه، أي: لا يمكن الاستغناء عنه مطلقًا، "إلا في بعض حالات قليلة كالربط بين الخبر والمبتدأ" وأشياء ذلك وأما غيره فقد يستغني عنه إذا عدم من الجملة. وبهذه المناسبة يقول النحاة إن الضمير البارز له وجود في اللفظ ولو بالقوة، فيشمل المحذوف في مثل: جاء الذي أكرمت. أي: أكرمته. لإمكان النطق به، أو لأنه نطق به أولا ثم حذف، بخلاف الذي استتر فإنه لا وجود له في اللفظ، لا بالفعل، ولا بالقوة فأمره عقلي، إذ لا يمكن النطق به أصلًا، وإنما يستعيرون له المنفصل في مثل: قاتل في سبيل الله، فيقولون، إن الفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، وذلك للتقريب. وبهذا يحصل الفرق بين المستتر والمحذوف. هذا إلى أن المستتر أحسن حالًا من المحذوف؛ لأنه يدل عليه اللفظ والعقل بغير قرينة فهو كالموجود، ولذلك كان خاصًّا بالعمد. أما المحذوف فلا بد له من القرينة. وهكذا قالوا!! 1 انظر أول الهامش في ص 223. 2 يقو ل ابن مالك: وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي "إلا" اختيارًا، أبدًا كالياء، والكاف، من ابني أكرمك ... والياء والها من "سليه ما ملك" ما لا يبتدا، أي: ما لا يبتدأ به. ومثل للمتصل بما يأتي: "لضمير المتكلم المجرور" ... بالياء في "ابني" و "للمخاطب المنصوب المحل...." بالكاف في: "أكرمك"، "وللمخاطب وللمرفوع المحل معا" بياء المخاطبة، في: "سلمى" وللغائب المنصوب المحل بالهاء من: سليه. =

ثانيهما: المنفصل؛ وهو الذى يمكن أن يقع في أول جملته، ويبتدئ الكلامُ به؛ فهو يستقل بنفسه عن عامله؛ فيسبق العامل، أو يتأخر عنه مفصولًا بفاصل؛ مثل؛ أنا، ونحن؛ وإياك ... في مثل: أنا نصير المخلصين. ونحن أنصارهم، وإياك قصدت، وما النصر إلا أنا، وما المخلصون إلا نحن. هذا، وقد سبق1 حكم الضمائر، وأنها: أسماء، جامدة، مبنية الألفاظ- سواء في هذا ما ذكرناه وما سنذكره بعد. وأنها لا تثنى ولا تجمع2. وينقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى ثلاثة أنواع: أولها: نوع يكون في محل رفع فقط؛ وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم؛ نحو: صدقتُ. وكذلك فروعها. وألف الاثنين: نحو: المتعلمان

_ = وبمناسبة "الهاء" التي للغائب المفرد نقول إن الأشهر في حركتها أن تكون مبنية على الضم. إلا إذا كان قبلها كسرة، أو ياء ساكنة، فيجوز أمران، الحجازيون يضمونها، وغيرهم يكسرها. وبلغة الحجازيين قرأ للقراء: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} ، {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} ، "إذ قال لأهلهُ امكثوا" وقرأ آخرون بالكسر. ويفهم مما سبق أن الحجازيين يبنونها على الضم في كل حالاتها. وهي في جمع أحوالها تكون مشبعة الحركة إذا وقعت بعد متحرك، فيمتد الصوت بحركتها حتى يكاد يحدث في النطق لا الكتابة، حرف علة مناسب تلك الحركة، فبعد الضمة الواو، وبعد الكسرة الياء. أما إذا كانت متحركة بعد ساكن مطلقًا، إلا الياء فالأحسن ضمها من غير إشباع لحركتها، سواء أكان الساكن صحيحًا، نحو: "منه" أم معتلًّا بغير الياء، مثل: أباه، أبوه". ... أما الساكن الياء فقد سبق الكلام فيه: "ثم انظر رقم 3 من هامش ص 223 " وما بينهما من اختلاف". 1 في ص 218 وفي هذا يقول ابن مالك: وكل مضمر له البنا يجب ولفظ ... ما جز كلفظ ما نصب أي: المضمرات كلها مبنية، لا فرق في ذلك بين ما يكون محله الجر، أو محله النصب، وترك ابن مالك ما يكون محله الرفع بسبب ضيق النظم - وهو مبني أيضا. فكل ضمير لا بد أن يكون لفظه مبنيا، إما على السكون، وإما على حسب حركة آخره. ولا بد أن يكون بعد ذلك في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب حاجة الجملة. وهذا معنى قولهم. إن الضمير مبني اللفظ معرب المحل. 2 انظر الحكم في ص 218. 3 التاء المتحركة التي للمتكلم هي الأصل، وتبني على الضم، مثل: صدقت. وفروعها الخمسة هي: صدقت، للمخاطب المذكر. صدقت. للمخاطبة. ضدقتهما. للمثنى المخاطب، مذكرا ومؤنثا. صدقتهم، لخطاب جمع المذكور. صدقتهن، لخطاب جمع الإناث. وهناك حاجة يجب فيها بناء تاء المخاطبة على الفتح دائما. وستجيء في ص 238. ومن الأمثلة السابقة نعلم أن التاء التي هي ضمير متصل مرفوع- تبني على الضم إذا كانت للمتكلم، =

صَدَقا، وواو الجماعة، نحو: المتعلمون صدقوا1. ونون النسوة؛ نحو: الفتيات صَدَقْنَ، وياء المخاطبة، نحو: اصدقى يا متعلمة2. ثانيها: نوع مشترك بين محل النصب ومحل الجر، إذ لا يوجد ضمير متصل خاص بمحل النصب؛ ولا ضمير متصلٌ خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترك بينهما ثلاثة ضمائر3؛ ياء المتكلم، وكاف المخاطب بنوعيه؛ وهاء الغائب بنوعيه.

_ = وتبنى على الفتح إذا كانت للمخاطب المذكر، وتبنى على الكسر إذا كانت للمخاطبة، وتلتزم البناء على الفتح في الحالة المعينة التي أشرنا لها وستجيء في ص238 وتوصل وهي مبنية على الضم بميم وألف، للدلالة على خطاب اثنين أو اثنتين، وكذلك توصل وهي مبنية على الضم. بميم ساكنة، للدلالة على خطاب جمع الذكور، وبنون مشددة للدلالة على خطاب جمع الإناث. "انظر إعراب الضمائر ص236". وإذا ولي الميم الساكنة التي لجمع الذكور ضمير متصل جاز ضم الميم وإشباعها حتى ينشأ: من الإشباع واو مثل: هذا ضيف أكرمتموه، ومعي صديق صافحتموه، وجاز بإبقاء الميم ساكنة، ولكن الأول هو الأكثر والأشهر. فيحسن الاقتصار عليه. وقد أشار ابن مالك إلى بعض هذه المواضع بقوله: وألف، والواو، والنون، لما ... غاب وغيره، كقاما، واعلما والمراد بغيره: المخاطب فقط؛ لأنها تكون للغائب والمخاطب، ولا تكون للمتكلم. 1 بعض القبائل العربية يحذف واو الجماعة، اكتفاء بالضمة التي قبلها. قال الفراء في كتابه: "معاني القران" جـ 1 ص 19" ما نصه: "قد تسقط العرب الواو وهي واو الجماعة، اكتفاء بالضمة قبلها فقالوا: في "ضربوا" قد ضرب، وفي: قالوا: قد قال: وهي في هوازن وعليا قيس ... " ثم استشهد أيضا بأبيات شمعها منهم كقول قائلهم: فلو أن الأطباء كان عندي وكان مع الأطباء الاساءة ... - والاساءة جمع آس، وهو هنا من يعالج الجرح. 2 ولا تكون ضمائر إلا عند اتصالها بالأفعال: أما إذا اتصلت بالأسماء مثل: القائمان، القائمون- فهي حروف دالة على التثنية والجمع. 3 هذه الضمائر لا تكون في محل رفع، كما ذكرنا، ولكنها قد تقع أحيانا بعد "لولا" التي للامتناع، والتي لا يقع بعدها إلا المبتدأ، فيقال: "لولاي" لتعبت. و "لولاك" لم أحتمل مشقة الحضور، و "لولاها" لضاعت فرصة المعاونة الكريمة. فكيف نعرب هذا الضمير الواقع بعد "لولا"؟ إن سيبويه يعرب: "لولا" حرف جر شببيه بالزائد، وما بعد مجرور لفظا في محل رفع مبتدأ، وخبره بحذف كما سيجيء "في ب من ص241، في م وضوع الكلام على إعراب الضمير- لكن قلنا هناك إن الأفضل اعتبار هذا النوع في محل رفع في حالة وقوعه بعد "لولا" فقط، فيكون مبتدأ مبنيا على حركة آخره في محل رفع. ولا يجوز اعتباره ضمير رفع إلا في هذه الحالة فقط. وإذا وقع ضمير من هذه الضمائر الثلاثة بعد عسى مثل: "عساني، أو عساي أوفق"، أو: عساك أن تفعل الخير، أو: عساه أن يجتنب الإساءة، فإن خير ما يقال هو اعتبار "عسى" حرفا بمعنى: "لعل" من أخوات "إن" والضمير اسمها - كما سيجيء في: =

فأما ياء المتكلم فمثل: ربي أكرمني1 "فالياء الأولى في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والياء الثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به". وأما كاف المخاطب فيهما فمثل: لا ينفعك إلا عملك. "فالكاف الأولى فى محل نصب، لأنها مفعول به2؛ والكاف الثانية فى محل جر، لأنها مضاف إليه"2. وأما هاء الغائب3 بنوعيه المذكر والمؤنث فمثل: من يتفرغ لعمله يحسنه.

_ = "د" من ص 626، باب أفعال المقاربة، والشروع، والرجاء، وفي رقم 2 من هامش ص 628 باب: "إن وأخواتها" - وبهذه المناسبة نذكر أن الياء في مثل: قومي يا هند، تختلف عن الياء في نحو: ربي أكرمني. لأن الياء في: "قومي" للمخاطبة، فهي فاعل في محل رفع. بخلافها في المثال الأخير الذي وقعت فيه الياء الأولى للمتكلم في محل جر بالإضافة، والثانية في محل نصب مفعول به. كما أن الضمير الذي يتصل بآخر الفعل في مثل: الرجلان عرفهما على الرجال عرفهم المسافرات عرفهن - هو ضمير بارز متصل يختلف تماما عنه إذا وقع في ابتداء جملته، أو وقع فيها بعد كلمة: "إلا" في مثل هما عرفا، وهم عرفوا، وهن عرفن، وما عرف إلا هما، أو هم، أو هن، لأنه حين تقدم أو حين وقع بعد "إلا" لم يبق على إعرابه الأول مفعولا لعامله، وإنما صار مبتدأ أو: فاعلا على حسب السياق، فتغير إعرابه بعد التقدم، فصار نوعا آخر مخالفا للسابق، طبقا لما تقدم في تعريف المتصل - ص 220 - 1 متى يجوز حذف ياء المتكلم من آخر الأفعال؟ الجواب في رقم 5 من هامش ص 186. 2 قد تقع كاف الخطاب- أحيانا. حرفا مجردا للخطاب، فلا يكون له محل من الإعراب، كالتي في آخر أسماء الإشارة وبعض الأسماء الأخرى مما سبق "في رقم 5 من هامش ص 217"، ومما سنفصله عند الكلام على إعراب الضمائر "ص 236 وما بعدها ولا سيما ص 238". 3 مما يجب التنبه له. أن هاء المفرد الغائب تكتب مفردة، أي: لا يتصل - كتابة- بها حرف ناشيء من إشباع حركتها، تقول: من يتفرغ لعلمه يحسنه، ويحمده الناس على إحسانه وإجادته أما إن كانت الهاء للغائبة المفردة فيجب- في الأفصح- زيادة الألف بعدها متصلة بها نطقا وخطابا، نحو: من تتفرغ لعلمها يحمدها الناس على تفرغها، وإحسانها، وإجادتها. "راجع أول الهامش ص 221 وما بينهما من اختلاف في بعض الحالات". وكذلك يجب أن يزاد بعدها كتابة ونطقا: "ما" إن كانت هذه الهاء لضمير الغائب المثنى بنوعيه، مثل الوالد والجد هما أحق الناس بالرعاية، ولهما أعظم الفضل على أبنائهما. والوالدة والجدة أعطف الناس على أطفالهما، وشفقتهما لا تعدلها شفقة. فالهاء هي الضمير المتصل وبعدها "الميم" حرف عماد، والألف حرف دال على مجرد التثنية. وكذلك يجب أن يزاد بها "الميم" الدالة على جمع الذكور الغائبين، والنون المشددة الدالة على جمع الإناث الغائبات، نحو: خير الناس أنفعهم للناس، وخير النساء أحرصهن على الكمال. لكن أيكون الضمير هو الهاء فقط والحروف التي بعدها زائدة للفرق بين ضمير المفردة والمفرد وغيرهما، أم يكون الضمير مجموع الاثنين، "الهاء" والأحرف الزائدة؟ رأيان. والخلاف لفظي لا أثر له من الناحية العملية.... والمستحسن مراعاة الأمر الواقع، والأخذ بالرأي الذي يعتبر الضمير هو مجموع الاثنين، لأنه رأي يراعي التفرقة =

أو؛ من تتفرغ لعملها تحسنه "فالهاء الأولى في المثالين في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به". ثالثها: نوع مشترك بين الثلاثة: وهو؛ "نا" نحو: {ربَّنا لا تؤاخذْنا إن نَسِينا أو أخْطْأنا} فالأولى في محل جر، لأنها مضاف إليه؛ والثانية في محل نصب، لأنها مفعول به1 -كما سبق- والثالثة والرابعة في محل رفع؛ لأنها فاعل2. ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به، وليس للنصب وحده أو الجر وحده شيء خاص به.

_ = الواقعة فعلا بين ضمير المفرد الغائبة وضمير المفرد الغائب -وغيرهما- فوق أنه عملي واقعي فيه تيسير. وعلى أساسه يقول أصحابه: الضمير للمفرد المذكر الغائب هو: "الهاء" وحدها، وللمفردة الغائبة: "ها" وللمثنى بنوعيه: "هما" ولجمع الذكور: "هم" ولجمع الإناث: "هن" والفرق واضح بين الاثنين في ثلاثة أمور، في النطق، وفي الكتابة، وفي المعنى. وعليه العمل الآن. ولهذا نظير يجيء في ص 235. وجدير بالملاحظة أن الضمائر الثلاثة السالفة "هما - هم- هن" بالاعتبار السالف هي ضمائر متصلة حتمًا، ولا يصح اعتبارها من نوع الضمائر المرفوعة المنفصلة أصالة؛ لأن المرفوعة أصالة، كالتي ستجيء في "ج" ص 226- مركبة البنية في أصلها، وليست مبنية على حرف واحد زيد على آخره حرف أو حرفان، فالفرق بين النوعين كبير برغم ظاهرهما، فأحدهما قد نشأ فردي الصيغة والتكوين، ثم زيد على آخره حرف أو حرفان، والآخر قد نشأ من أول أمره مركب الصيغة، فهما مختلفان في أصلهما، كاختلافهما في كثير من الأحكام. 1 إذا كانت "نا" في آخر الفعل الماضي فقد تكون للفاعل، ويبني الفعل الماضي معها على السكون وجوبا: نحو: خرجنا- حضرنا- كتبنا- فهمنا. وقد تكون للمفعول به، فلا يبنى آخره على السكون لها، نحو: أخرجنا الوالد من الحديقة، وأحضرنا إلى البيت، وأفهمنا ما يجب عمله. 2 يقول ابن مالك: للرفع والنصب وجر: "نا" صلح ... كاعرف بنا: فإننا نلنا المنح والمعنى: صلح الضمير: نا" للأمور الثلاثة، أي: لأن يكون في محل جر، مثل: اعرف بنا "أي: اعترف بقدرنا، اشعر بنا". ولأن يكون في محل نصب، مثل: إننا ... ، ولأي يكون في محل رفع، مثل: نلنا. "ملاحظة" لا يقال: "إن الضمير "الياء" يصلح للأمور الثلاثة مع دلالته على المتكلم في كل حالة فيكون شبيها بالضمير "نا" مثل، يفرحني كوني حريصا على واجبي. فالياء في الجميع للمتكلم ومحلها في الأول نصب "لأنها مفعول به" وفي الثانية رفع "لأنها اسم" كون"، مصدر "كان" الناقضة" وفي الثالث جر، لأنها مضاف إليه. كذلك الضمير: هم" في مثل: "يفرحهم كونهم حريصين على واجبهم، فإنه ضمير متصل في الجميع. ومحله نصب في الأول "لأنه مفعول به". ورفع في الثاني "لأنه اسم "كون"، مصدر كان الناقصة" وجر في الثالث لأنه مضاف إليه...." لا يقال إن الضمير بين السابقين مثل "نا" لأن "الياء" و "هم" في الأمثلة المذكورة وأشباهها وقعا في محل رفع بصفة عارضة، ناشئة من أن المضاف هنا كالفعل يطلب مرفوعا، لا بصفة أصلية، والكلام في الضمير المشترك بين الثلاثة بطريق الأصالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: روى أبو عليّ القالي في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم: فها أنا لِلعاشق يا عَزُّ قائد ... وبى تُضرب الأمثالُ فى الشرق والغرب والشائع1 دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنفصل الذى خبره اسم إشارة؛ نحو: "هأنذا" المقيم على طلب العلوم. وغير الشائع دخولها عليه إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. وهو -مع قلته- جائز، لورود نصوص فصيحة متعددة تكفي للقياس عليها. منها قول عمر بن الخطاب يوم "أحُد" حين وقف أبو سفيان بعد المعركة يسأل: أين فلان، وفلان ... من كبار المسلمين؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله عليه السلام، وهذا أبو بكر، وهأنا عمر2 ... ومنها بيت لمجنون ليلى3، ونصّه: وعُروةُ مات موتًا مستريحًا ... وهأنا ميّتٌ فى كل يوم كما روى صاحب الأمالي4 أيضًا البيت التالي لعوف بن مُحَلِّم، ونصّه: وَلُوعا؛ فَشَطَّتْ غُربةً دارُ زينبٍ ... فهأنا أبكى والفؤاد جريح وقول سُحَيْمِ من شعراء صدر الإسلام: لو كان يَبغي الفِداءَ قلت له ... هأنا دون الحبيب ياوَجَعُ ويترتب على الحكم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنتذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد. وقد يقع الفصل بغير الضمير قليلا -مع جوازه - كالقسم بالله فى مثل: ها -والله- ذا رجل محب لوطنه، و"إنْ" الشرطية في مثل: ها إنْ ذي حسنةٌ

_ 1 كما جاء في حاشية الأمير على مقدمة كتاب: "المغني" ولهذا إشارة في ص337. 2 النص في ص110 من كتاب تنزيل الآيات شرح شواهد الكشاف. 3 كتاب: الذخيرة، لابن بسام، ج2 القسم الثاني. 4 ج ص123.

تَتَكَرَّر يضاعفْ ثوابها. وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفاصل للتقوية ... ، نحو: هأنتم هؤلاء تخلصون. وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين: أولهما؛ ما يختص بمحل الرفع، وثانيهما ما يختص بمحل النصب. فأما الذي يختص بمحل الرفع [فاثنا عَشَر] 1، موزعة بين المتكلم، والمخاطب، والغائب، على الوجه الآتي: أ- للمتكلم ضميران، "أنا" للمتكلم وحده، و"نحن" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو مع غيره. "و"أنا" هو الأصل و"نحن" هو الفرع"2. ب- للمخاطَب خمسة؛ أولها؛ وهو الأصل: "أنتَ"، للمفرد المذكر، ثم الفروع: "أنتِ" للمخاطَبة3 المؤنثة، "وأنتما" للمذكر المثنى المخاطَب، أو المؤنث المثنى المخاطَب، "وأنتم" لجماعة الذكور المخاطَبين، "وأنتن" لجماعة الإناث المخاطبات. ج- للغائب خمسة؛ أولها وأصلها: "هو" للمفرد الغائب. ثم فروعه: "هي"4، للمفردة الغائبة، و"هما" للمثنى الغائب5: و"هم" لجمع الذكور الغائبين، و"هن" لجمع الإناث الغائبات6؛

_ 1 وليس بين الضمائر المنفصلة ما هو مختص بمحل الجر أصالة "انظر رقم1 من الهامش التالي". 2 المراد بالفرع هنا: أن يكون الضمير دالًّا على معنى زائد لا يوجد في الأصل. ذلك أن الأصل في الضمير- عندهم- أن يكون لواحد مذكر، سواء أكان الواحد متكلمًا، أم مخاطبًا، أم غائبًا، مثل: "أنا" فما يكون دالًّا على أكثر من واحد، أو يكون دالًّا على التأنيث فهو فرع. 3 راجع ما يختص بهذه التاء في الضمير: "أنت" وفروعه، وأنها الخطاب، وليست للتأنيث برقم3 من هامش ص217. 4 الأصل أن تكون الهاء في: "هو" مضمومة، وفي: "هي" مكسورة". ويجوز تسكينهما بعد الواو، أو: الفاء، أو: ثم، أو: اللام. 5 وإذا كان لمؤنثتين غائبتين جاز في المضارع بعده أن يكون مبدوءا بالتاء -وهي الأكثر- أو بالياء، تقول: هما تفعلان، أو هما يفعلان، طبقًا للبيان الذي سبق في رقم1 من هامش ص177، 181. 6 ويصح في المضارع بعده إن كانت مسندًا لنون النسوة تصديره بالتاء أو الياء نحو: الوالدات تحرصن أو يحرصن على راحة أولادهن وهن تحرصن أو يحرصن ... "انظر ص181" وتجب ملاحظة الفرق الكبير بين الضمائر الثلاثة "هما، هم، هن" التي هي مركبة البنية أصالة، ومنفصلة للرفع حتما- ونظائرها التي سبقت في آخر رقم3.

فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشَر على التوزيع السالف1. وأما الضمائر التى تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضميرًا أيضًا، كل منها مبدوء بكلمة: إيَّا2. فللمتكلم: "إياي"، وهو الأصل، وفرعه: "إيانا" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو معه غيره. وللمخاطَب المفرد: "إياكَ"، وهو الأصل، وفروعه: "إياكِ"، للمخاطَبة، و"إياكما"، للمثنى المخاطَب، مؤنثًا، أو مذكرًا، و"إياكم"؛ لجمع الذكور الخاطَبين، و"إياكن" لجمع الإناث المخاطَبات. وللغائب: "إياه" للمفرد الغائب، وفروعه: "إياها" للمفردة الغائبة، و"إياهما" للمثنى الغائب بنوعيه، و"إياهم" لجمع الذكور الغائبين، و"إياهن" لجمع الإناث الغائبات. فللمتكلم اثنان، وللمخاطَب خمسة، وللغائب خمسة. وليس هناك ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر. هذا وجميع الضمائر المنفصلة تشارك نظائرها المتصلة في الدلالة على التّكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، فلكل ضمير منفصل نظير آخر متصل يماثله في معناه: فالضمير "أنا" يماثل التاء، والضمير "نحن" يماثل "نا"، وهكذا. ..... وينقسم المستتر إلى قسمين:

_ 1 وهذه الضمائر الاثنا عشر لا تكون بالأصالة إلا مرفوعة. فأما استعمالها غير مرفوعة فإنما هو بالنيابة عن ضمير الجر أو النصب في بعض أساليب مسموعة يقتصر عليها، ومع أنها مسموعة يحسن ترك استعمالها، لقبح وقعها على السمع. فمن النيابة عن ضمير الجر: "ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا" والقبح هنا بسبب وقوع الضمير الخاص بالرفع في محل جر. ومن النيابة عن ضمير النصب وهو شاذ أيضًا قولهم: "يا أنت" وللاضطرار لوزن الشعر في مثل قول الشاعر: "يا ليتني وهما نخلو بمنزلة...." فقد عطف ضمير "هما" الخاص بالرفع على الياء التي هي ضمير نصب. لكن يكثر على نيابتها عن الضمير المنصوب أو المجرور في حالة استعمالها للتوكيد، مثل: سمعتك أنت تخطب ومررت بك أنت. وهو استعمال قياسي. 2 سيجيء الكلام على إعراب "إيا" بملحقاتها المختلفة عند الكلام على كيفية إعراب الضمائر "ص236 وما بعدها". وهي كثيرة الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصورة المتعددة التي ستجيء في بابه الخاص - ج4 ص 97 م140- ومن أمثلته إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة- إياك مواقف الاعتذار فإنها مجلبة للذلة، مضيعة للكرامة ... ويصح: إياك من التميمة- إياك من مواقف الاعتذار....

أولهما: المستتر وجوبًا، وهو الذى لا يمكن أن يحل محله اسم ظاهر1، ولا ضمير منفصل؛ مثل: إني أفرح حين نشترك في عمل نافع. فالفعل المضارع: "أفرح"، فاعله ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا. ولا يمكن أن يخلفه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل، إذ لا نقول: أفرح محمد -مثلا- ولا أفرح أنا، على اعتبار "أنا" فاعلًا، بل يجب اعتبارها توكيدًا للفاعل المستتر الذى يشابهها في اللفظ والمعنى. كذلك الفعل المضارع: "نشترك" فاعله مستتر وجوبًا تقديره: "نحن" ولا يمكن أن يحل مكانه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل؛ إذ لا نقول: "نشترك محمد" ولا نقول: "نشترك نحن" على اعتبار كلمة: "نحن" فاعلًا؛ لأنها لو كانت فاعلًا لوجب استتارها حتمًا. ولكنها تعرب توكيدًا لضمير مستتر يشابهها في اللفظ والمعنى. وثانيهما: المستتر جوازًا، وهو الذى يمكن أن يحل محله الاسم الظاهر أوالضمير البارز؛ مثل: الطائر تَحَرّكَ. النهر يتدفق. فالفاعل فيهما ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، إذ من الممكن أن نقول: الطائر تحرك جناحه، والنهر يتدفق ماؤه: بإعراب كلمتي "جناح" و"ماء" فاعلًا للعامل الموجود وهو: "تحرك" و"يتدفق". ومن الممكن كذلك أن نقول: الطائر ما تحرك إلا هو: والنهر ما يتدفق إلا هو ... بإعراب الضمير البارز: "هو" فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعيه لا يكون إلا مرفوعًا متصلًا كما سبق. مواضع الضمير المرفوع المستتر وجوبًا. أشهر هذه المواضع تسعة2:

_ 1 لا يحل محله اسم ظاهر يرتفع بعامله الذي في الجملة نفسها قبل أن يحل هذا الاسم الظاهر محل الضمير، فلو قلنا: "نشترك محمد في عمل نافع" لكان الكلام غير صحيح في تركيبه، لأن كلمة: "محمد" لا تقع فاعلا للفعل: "نشترك" الذي كان عاملا الرفع في الضمير السابق "نحن". ولو قلنا: "نشترك" "نحن" لكانت: "نحن" هذه توكيدا للضمير المستتر، ولا يصح أن تكون فاعلا مرفوعا بالعامل الموجود، وهو الفعل "نشترك" فالضمير المستتر وهو "نحن" لم يصلح أن يحل محله اسم ظاهر ولا ضمير بارز بحيث يكون كل منهما معمولا للفعل: "نشترك". 2 مراد ابن مالك من هذه المواضع أربعة في قوله: ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل، أوافق، نغتبط، إذ تشكر ويقول في الضمير البارز المنفصل المرفوع المحل، "وهو الذي يقابل السابق". وذو ارتفاع وانفصال: "أنا"، "هو" ... "وأنت" ... والفروع لا تشتبه أي: لا تشتبه بغيرها، بحيث يصعب تمييز بعضها من بعض. ويقول في الضمير البارز المنفصل المنصوب المحل: وذو انتصاب في انفصال جعلا، "إياي: لا تشتبه بغيرها، بحيث يصعب تمييز بعضها من بعض. ويقول في الضمير البارز المنفصل المنصوب المحل: وذو انتصاب في انفصال جعلا، ... "إيادي"، والتفريع ليس مشكلا أي: جعل الضمير "إياي" مثالا للضمير السالف، وهو للمتكلم، أما باقي فروعه الخمسة فمعرفتها سهلة، وليست أمرا مشكلا.

1- أن يكون فاعلًا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر، مثل: أسرعْ لإنقاذ الصارخ، وبادرْ إليه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة، نحو: قومي، أو للمثنى؛ نحو: قومًا، أو الجمع، نحو: قوموا، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب فاعلًا أيضًا، ولكنها ضمائر بارزة. 2- أن يكون فاعلًا1 للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ مثل: يا بُنَيَّ، أتعرف متى تتكلم ومتى تسكت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة؛ مثل: تتعلمين يا زميلة، أو للمثنى بنوعيه، مثل: أنتما تتعلمان، أو للجمع بنوعيه مثل: أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة، فإنه مستتر جوازًا؛ مثل: الأخت تقرأ2. 3- أن يكون فاعلًا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتكلم؛ مثل: أحُسنُ اختيار الوقت الذى أعملُ فيه، وقول الشاعر: لا أَذُودُ الطيرَ عن شجرٍ ... قد بَلَوْتُ المُرَّ من ثَمرِْه 4- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون؛ مثل نحب الخير،

_ 1 ومثل الفاعل: اسم الناسخ إذا كان هذا المضارع ناسخا يرفع اسمه "كالمضارع المنفي: "لا تكون" في الاستثناء". 2 إذا كان المضارع مبدوءا بتاء المخاطبة للمفردة، أو لمثناها، أو جمعها فليست تاؤه للتأنيث، وإنما هي علامة الخطاب المحض، لوجود ما يدل على التأنيث، وهو الضمير المتصل بالفعل، ومن الأمثلة أيضا للمضارع المبدء بتاء للخطاب لا للتأنيث: أنت يا زميلتي لا تعرفين العبث - أنتما يا زميلتي لا تعرفان العبث - أنتن يا زميلاتي لا تعرفن العبث. بخلاف التاء التي تجيء للتأنيث في أول المضارع الذي يكون فاعله اسما ظاهرا، مؤنثا، للمفردة، أو لمثناها، أو جمعها، نحو: تتعلم عائشة- تتعلم العائشتان- تتعلم العائشات. وكذلك إن كان فاعله ضميرا متصلا للغائبة المفردة، أو لمثناها، مثل: عائشة تتعلم- العائشتان تتعلمان. فإن كان فاعله ضميرا متصلا لجمع الغائبات "أي: نون النسوة" فالأحسن- وليس بالواجب- تصديره بالياء لا بالتاء، استغناء بنون النسوة في آخره، نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، - طبقا لما سبق في رقم 2 من هامش ص 47 وص 181 وسيجيء الكلام في جـ2 ص 75 م 66 - باب الفاعل.

ونكره الأذى، فنفوز برضا الله والناس. 5- أن يكون فاعلًا للأفعال الماضية التي تفيد الاستثناء؛ مثل: خلا، عدا، حاشا. تقول: حضر السياح خلا واحدًا - أو: عدا واحدًا - أو: حاشا واحدًا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمير مستتر وجوبًا تقديره: هو1.... 6- أن يكون اسمًا مرفوعًا لأدوات الاستثناء الناسخة؛ "وهى: ليس، ولا يكون2" تقول: انقضى الأسبوع ليس يومًا. انقضى العام لا يكون شهرًا. فكلمة "يومًا" و"شهرًا" خبر للناسخ، وهى المستثنى أيضًا. أما اسم الناسخ فضمير مستتر وجوبا تقديره: هو. 7- أن يكون فاعلا لفعل التعجب الماضى؛ وهو: "أفعَلَ"؛ مثل: ما أحسنَ الشجاعةَ. "فأحسن" فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره؛ هو. "يعود على: ما". 8- أن يكون فاعلا لاسم فعل مضارع، أواسم فعل أمر، مثل: أفّ من الكذب، "بمعنى: أتضجر جدا". وآمينَ. "بمعنى: استجب." 9- أوفاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ مثل؛ قيامًا للزائر. فقيامًا: مصدر، وفاعله مستتر وجوبًا، تقديره: "أنت"؛ لأنه بمعنى: قُمْ. فهذه تسعة مواضع3، هى أشهر المواضع التى يستتر فيها الضمير وجوبًا، ولا يكون إلا مرفوعًا متصلا - كما أشرنا من قبل. - أما الضمير المستتر فى غيره تلك المواضع فاستتاره في الأشهر3 جائز، لا واجب.

_ 1 يعود على بعض مفهوم من الكلام السابق، أي: خلا هو، أي: بعضهم، وسيجيء إيضاح هذا، وبسط القول في المراد منه عند الكلام عليه في باب الاستثناء "جـ2". 2 بصيغة المضارع "يكون" الذي للغائب، وقبله. لا" النافية دون غيرها- كما سيجيء في جـ2 م 83 ص 328 باب "الاستثناء". "3 و 3" يزيد عليهما بعض النحاة: فاعل "نعم" و "بئس" وأخواتهما ... إذا كان ضميرا مفسرا بنكرة، مثل: نعم رجلا عمر. ففاعل "نعم" ضمير مستتر تقديره. هو، تفسره النكرة التي تعرب بعده تمييزا، وهي هنا: "رجلا". لكن المعروف أن رأيا كوفيا يجيز في "نعم" و "بئس" وأخواتهما أن يبرز فاعلهما الضمير، مثل: نعما رجلين حامد وصالح، نعموا رجالا، صالح، وحامد، وعلى. وقد يبرز وتجره الباء الزائدة نادرا- فلا يقاس عليه-، مثل نعم بهم رجلا. فإن لاحظنا أن هذا الضمير قد يبرز في بعض الأحيان لم يكن من النوع المستتر وجوبا. وإن لاحظنا أن بروزه قليل أو نادر أمكن الإغضاء عن هذا، وعددناه من المستتر وجوبا. ولكن الأول أحسن....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1 يعرب الضمير المرفوع المستتر جوازًا: أ- إما فاعلا، أو نائب فاعل، أو اسما لفعل ناسخ، إذا كان الفعل في كل ذلك لغائب أو غائبة، مثل: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. ومثل قول شوقي عن الصلاة: لو لم تكن رأس العبادات لعدت من صالحة العادات، وقولهم رب كلمة تجلب نعمة، وأخرى تجر نقمة. ب- وإما فاعلا لاسم فعل ماض؛ مثل: البحر هيهات، بمعنى: بَعُد جدًا، أى: هو. ومن أمثلة ذلك أيضًا: شتان الصحة والضعف، بمعنى: افترق الحال بينهما جدًا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أى: هما، فالفاعل ضمير، تقديره: هما. وتقول هيهات البحر هيهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل "هيهات" الثانية ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هو" يعود على البحر، بشرط أن تكون الجملة المكونة من: "هيهات" الثانية وفاعلها توكيدًا للجملة التى قبلها، فيكون الكلام من توكيد الجمل بعضها ببعض. أما لوجعلنا لفظة: "هيهات" الثانية وحدها توكيدًا للأولى فإنها لا تحتاج إلى الفاعل1، ويكون الكلام من نوع توكيد اسم الفعل وحده بنظيره. واسم الفعل؛ كالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توكيدًا لفظيًّا فإنه لا يحتاج لفاعل، وكذلك يقال فى: "شتان" فى الحالتين. جـ- وإما مرفوعًا لأحد المشتقات المحضة: "كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، نحو: على نافع، أومكرَم، أوفَرِحٌ"؛ ففى كل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمير مستتر جوازًا، تقديره: "هو" ويكون الضمير المرفوع بها فاعلا، إلا مع اسم المفعول، فيكون نائب فاعل.

_ 1 سيجيء في باب الفاعل "جـ 2 م 66 ص 70" بيان الأفعال لا تحتاج لفاعل، والرأي فيها. 2 كما سيجيء في باب التوكيد "جـ3". 3 ولا بد أ، يعود على غائب، طبقا للبيان الذي في "ط" من ص 270 كما سبقت الإشارة في رقم 4 من هامش ص 217.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما المشتقات غير المحضة "وهي التي غلبت عليها الاسمية المجردة من الوصف بأن صارت اسمًا خالصًا لشيء" فإنها لا تتحمل ضميرًا؛ كالأبطح، والأجرع أسماء أماكن، ومثلهما: الأبيض، والأرحب، والمسعود، والعالي، أسماء قصور، والمفتاح، والمِلعقة، والمَلعب ... ,.......... ومن المشتقات المحضَة: "أفعل التفضيل"1. والغالب فيه أنه يرفع الضمير المستتر، ولا يرفع الظاهر - قياسًا - إلا فى المسألة التى يسميها النحاة مسألة: "الكحل" وقد يرفعه نادرًا - لا يقاس عليه - فى مثل: مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب كلمة: "أبو" فاعلا2. وكذلك يرفع الضمير البارز نادرًا فى لغة من يقول: مررت برجل أفضل منه أنت، بإعراب "أنت" فاعلا، حملا لها على الفاعل الظاهر فى مسألة "الكحل". ولوأعرب "أنت" مبتدأ، خبره: أفضل، لجاز ولم يكن أفعل التفضيل رافعًا للضمير. بناء على ما تقدم لولاحظنا أنه لا يرفع الظاهر إلا قليلا ولا الضمير البارز إلا نادرًا فإن الضمير المستتر فيه يكون من نوع المستتر وجوبًا مع الإغصاء عن تلك القلة والندرة، وإن لاحظنا الواقع من غير نظر للقلة والندرة قلنا: إنه مستتر جوازًا. تلخيص ما سبق من أنواع الضمائر: أ- ينقسم الضمير باعتبار مدلوله إلى ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطَب، وغائب. ب- ينقسم الضمير باعتبار ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى قسمين بارز، ومستتر.

_ 1 تفصيل الكلام عليه وعلى أحكامه مدون في بابه الخاص بالجزء الثالث، م 112. 2 فلو أعربناها مبتدأ متأخرا وخبره "أفضل" لم يكن الإعراب ضعيفا، لأنها ليست مرفوعة بأفعل التفضيل. وكذلك كل إعراب مثل هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أقسام البارز: ينقسم الضمير البارز إلى قسمين: "منفصل، ومتصل". أ- ينقسم الضمير البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابي إلى: 1- بارز منفصل فى محل رفع، وهو: اثنا عشر ضميرًا، للمتكلم اثنان، هما: "أنا" وفرعه "نحن". وللمخاطب: "أنت" وفروعه الأربعة. وللغائب: "هو" وفروعه الأربعة. 2- بارز منفصل فى محل نصب، وهواثنا عشر ضميرًا؛ للمتكلم اثنان "إياى" وفرعه "إيانا". وللمخاطب "إياك" وفروعه الأربعة. وللغائب "إياه" وفروعه الأربعة. ولا يوجد ضمير بارز منفصل فى محل جر. ب- ينقسم الضمير البارز المتصل باعتبار محله الإعرابى إلى ما يأتى: 1- بارز متصل فى محل رفع؛ وهوخمسة: التاء المتحركة - ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة - نون النسوة. 2- بارز متصل صالح لأن يكون فى محل نصب حينًا، وفى محل جر حينًا آخر، وهوثلاثة: ياء المتكلم، والكاف، والهاء1. ..... 3- بارز متصل، صالح لأن يكون فى محل رفع، أونصب، أوجر، هو: "نا". ولا يوجد ضمير بارز متصل فى محل نصب فقط، أوفى محل جر فقط. أقسام الضمير المستتر أ- مستتر وجوبًا وله جملة مواضع، وأشهرها: تسعة2.

_ 1 ما إعراب كل واحد من الثلاثة لو حل في محل المبتدأ، كأن يقع بعد "لولا"؟ .... الجراب في "ب" من ص 241. 2 سبقت في ص 228.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- مستتر جوازًا وله مواضع غير السالفة. ويتضمن الاسم الآتى كل ما سبق. جدول اسكانر تقسيم آخر للضمير بحسب محله الإعرابى: ينقسم إلى خمسة أقسام. 1- مرفوع متصل. 2- مرفوع منفصل. 3- منصوب متصل. 4- منصوب منفصل. 5- مجرور، ولا يكون إلا متصلا.

المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد والضمير المركب

المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب الضمير المفرد 1، والضمير المركب: الغرض من الضمير -كما عرفنا- الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب2، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث في كل حالة. أ- غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة "بسيطة" وذلك كالياء، والتاء، والهاء، في نحو: إني أكرمت من أكرمتَِ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد مطلقًا3، وكذلك التاء في: "أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب. فكل ضمير من الثلاثة -وأشباهها- كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها. ومثلها: "نحن" في: نحن نسارع للخيرات، فإنها لفظة واحدة في تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالًا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض. ب- وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه في أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصورًا على كلمة واحدة. وذلك

_ 1 أي: الذي هو كلمة واحدة، وليس كلمتين أو أكثر، ويسمونه: "البسيط". 2 كما عرفنا في ص217. 3 أي: سواء أكان مفردًا مذكرًا، أم مؤنثًا.

مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما، إياكن ... ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن ... وهكذا. كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز قلنا1: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين: أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ في مثل: أنت أمين، أم في محل نصب، كأن يكون مفعولًا به في مثل: زاركَ الصديق، أم في محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه في مثل: كتابي مثل كتابكَ؟ ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هي؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء في: أحسنْتَ؟. فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون في محل رفع؛ لأنه مبتدأ في مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل في مثل: "نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا ... وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر. وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أوالفتح، أوالكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهومبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة: "نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول

_ 1 في ص 218.

به1. والهاء في مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر في محل جر ... وهكذا يقال في كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتي أشرنا إليها من قبل. فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل في آخره تلك الزيادة2 اللاّزمة مثل: "إياكَ، إياكما، إياكم، إياكن، أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن" فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير في "إياكما" و"أنتما" هو كلمة: "إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها ... وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزيء رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة: "إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما في الإعراب كلمة واحدة3. وكذلك: "أنتما" وباقي الفروع. وهذا الرأي الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسيء إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول في كل من: أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن، إياكَِ، إياكما، إياكم، إياكنْ، ونظائرها، إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبني على كذا في محل كذا4.

_ 1 انظر ما يتصل بحكم هذا الكاف في رقم 5 من هامش ص217 ثم في ص238. 2 هي الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "إيا". وسبق بيانها في ص227 ومثلها الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "التاء"، وسبق بيانها في رقم3 من هامش ص221. 3 وهذا هو المذهب الكوفي، كما نص عليه "العكبري" في كتابه المسمى: "إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب، والقراءات في جميع القرآن" - جـ1 ص 4-. 4 لهذا نظير في رقم 3 من هامش ص 222.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- وقوع الكاف حرف خطاب منصرف: قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب1. أي: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتي: وفي هذه الحالة يتعين أن يكون منصرفًا على حسب المخاطب تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا.... وفيما يلي أشهر المواضع غير التي سبقت1. 1- فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة ... أخبرنى الزراعة ... وإليك الإيضاح: كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجيء بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية2. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، في محل رفع؛ لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين3، ولا تتصرف التاء ... فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْني"، كما سبق. وهي إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد في الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها في أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام

_ "1و 1" سبقت أنواع من الكاف الحرفية في رقم5 من هامش ص217. 2 كما أشرنا لهذا في: ج2 -رقم 5 من هامش ص وفي ص15. 3 راجع رقم 2 من هامش ص324.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرني، أي: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتي بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: "عرفتَ، أوأبصرت" - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولًا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها: "علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التي بعده في محل نصب، تغني عن المفعول الثاني. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرني"، ولم نلتفت إلى الأصل الأول، فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض1، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول في الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرني عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرني عن الزراعة؛ أتغني عن الصناعة؟ وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شيء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب -كما قلنا- بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هي موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام في الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} ... إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ، لِمَ كرمته علي؟. وقد يحذف الاسم المنصوب الذي بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} . أي: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله. هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقي الفعل "رأى" من "رأيت"

_ 1 توضيحه وبيان حكمه في ج2 ص160 م71 "طريقة تعدية الفعل الثلاثي اللازم".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أصله اللغوي الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام في الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول: "أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هي وما اتصلت به من علامة تثنية أوجمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثاني. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى: "عَلِم" التي تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولًا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال. وسيجيء في أول الجزء الثاني تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر. 2- في اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملًا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء2. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ ... ؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً2. 3- فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا. ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم.....،

_ 1 في باب: "ظن وأخواتها" ص5 م10 مناسبة له، ثم تتمة هامة في ص13 ثم في باب "أعلم وأرى" من ذلك الجزء. "2 و 2" راجع ما سبق في ص78 وفي رقم5 من هامش ص217.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن كلا من الفعلين وذلك "نِعم" "وبئس" لا ينصب مفعولا به 1. ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لوأعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هوالمصدر المؤول "أن تجئ" ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر "لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر" وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهوممنوع عندهم فى أغلب الحالات2. 4- بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلاَّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلاَك. أى: بلى لك. "أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل". ب- كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟ أشرنا في رقم2 من ص211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلي النصب والجر، ولا تكون في محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة: "لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاي ما حضرت - لولاك لسافرتُ - الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة ... فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟ نعيد ما سبق3، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال في الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى في آخره في محل رفع،

_ 1 سيجيء هذا في بابهما الخاص "ج3 م 110 ص 353". 2 هو ممنوع على سبيل الحقيقة، لا المجاز- وسيجيء البيان في ج2 م 60 ص 12- باب: "ظن وأخواتها". 3 في رقم 3 من هامش ص 222.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخبره محذوف. وهذا الرأي فوق يسره ووضوحه يؤدي إلى النتيجة التي ترمي إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفي مقدمتها رأي: سيبويه الذي يجعل: "لولا" في هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات. وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عساني، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب ... فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية1. حـ- ضمير الفصل: من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل"2. وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه. 1- "الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسي الذي نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغي رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغي رضا الله" ركنًا أساسيًّا في الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلي إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة: "الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلي وتكمله "فتعرب الناطق: صفة" ... أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "

_ 1 انظر ما يتصل بهذا في "د" من ص 626 وفي رقم 2 من هامش ص 628. وما بعده 2 أو: ضمير العماد، أو: الدعامة ... كما سيجيء البيان في ص 242.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناطق"، هي الأساسية والضرورية التي يتوقف عليها المعنى المطلوب، لأنها خبر لا يستقيم المعنى الأصلي ولا يتمّ بدونه، وما جاء بعدها فهو زيادة تكميلية؛ تخدم المعنى الأصلي من غير أن يتوقف وجوده عليها، ومن الممكن الاستغناء عنها. الأمران جائزان، على الرغم من الفارق المعنوي بينهما. ولا سبيل لتفضيل أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود قرينة توجه لهذا دون ذاك. لكن إذا قلنا: الشجاع -هو- الناطق بالحق، يبغي رضا الله. فإن الأمر يتغير؛ بسبب وجود الضمير: "هو": فيتعين المعنى الثاني وحده، ويمتنع الأول، ويزول الاحتمال الذى كان قائمًا قبل مجيء الضمير. 2- "إن الزعيم الذي ترفعه أعماله تمجده أمته". ما المعنى الأساسي في هذا الكلام؟ أهو تعريف الزعيم بأنه: "الذى ترفعه أعماله"؟ فيكون هذا التعريف ركنا أصيلا في الكلام، لا يمكن الاستغناء عنه بحال، وما بعده متمم له، وزيادة طارئة عليه، يمكن الاستغناء عنها، وتعرب "الذى" اسم موصول خبر "إن" ... أم هو القول بأن: "الزعيم تمجده أمته"؟ فتكون هذه الجملة الفعلية هي عصب الكلام، لا يقوم المعنى إلا بها، "لأنها خبر" ولا يتحقق المراد إلا بوجودها مع كلمة الزعيم، وما عداها فزيادة طارئة لا أصيلة "وتعرب كلمة: "الذى" اسم موصول، صفة"؟ الأمران متساويان؛ يصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغير ترجيح. لكن إذا قلنا: "إن الزعيم -هو- الذى ترفعه أعماله" امتنع الاحتمال الثاني، وتعين المعنى الأول بسبب وجود الضمير الدال على أن ما بعده هو الجزء الأساسي المتمم للكلام، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعيم بأنه: ترفعه أعماله. وما عدا ذلك فزيادة فرعية غير أصيلة في تأدية المراد. "فتكون كلمة: "الذي" هي الخبر وليست صفة". 3- "ليس المحسن المنافق بإحسانه، يَخْفَى أمره على الناس". فما المعنى الأصيل في هذا الكلام؟ أهو القول بأن المحسن لا يَخفَى أمره على الناس فيكون نفي "الخفاء" هو الغرض الأساسي، وما عداه زيادة عرضية "وتعرب كلمة: "المنافق" صفة"؟ أم القول بأنه: "ليس المحسن، المنافق بإحسانه"؟ فمن كان منافقًا بإحسانه فلن يسمى: محسنًا. فقد نفينا صفة الإحسان عن المنافقين، فتكون كلمة "المنافق"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جزءًا أصيلا في تأدية المعنى؛ "لأنها خبر ليس" وما عداها تكملة طارئة. الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن -هو- المنافق؛ فيتعين المعنى الثاني وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع في أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسي؛ لأنه خبر. 4- يقول النحاة في تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد ... " أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسي؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة -هو- تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدلا1. فالضمير -هو- وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص "أي: القصر المعروف في البلاغة". تلك هي مهمة ضمير الفصل؛ لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . وقوله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم} ، وقوله: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل "نحن" بين كلمتي "نا" و"الوارثين"، مع أن كلمة: "الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة2، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التي هي ضمير، والضمير لا يوصف. وفي المثال الثاني توسط ضمير الفصل "أنت" بين "التا" و"الرقيب"، مع أن كلمة: "الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء2، لأن الضمير لا يوصف

_ 1 ومثل هذا -تمامًا- يصح في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} بنصب كلمة: "الحق" في القراءة المعروفة المعتادة اليوم. "2 و 2" ولا تابعًا آخر، لأنها منصوبة، والمتبوع هنا "وهو: نا" في محل رفع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قلنا، وكذلك الشأن في المثال الثالث الذي توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء"1 وكلمة: "أقل" التي هي المفعول الثاني للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء؛ لأن الضمير لا يوصف. و. و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل ما لا يصلح صفة، ولا تابعًا من التوابع أو المكملات. وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا في كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثاني خبر لا تابع. وبعضهم يسميه: "دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أي: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقي التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى. شروط ضمير الفصل: يشترط فيه ستة شروط: "اثنان فيه مباشرة. واثنان في الاسم الذي قبله، واثنان في الاسم الذى بعده" فيشترط فيه مباشرة: 1- أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة. 2- أن يكون مطابقًا للاسم السابق في المعنى، وفي التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفي الإفراد، والتثنية والجمع،. وفي التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل: "العلم هو الكفيل بالرقي، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هي الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل"، "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان في الفضاء"، "العلماء هم الأبطال يحتملون في سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم"، "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء" ... وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير

_ 1 هي محذوفة. والأصل: إن ترني ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه ... ويشترط فى الاسم الذى قبله: 1- أن يكون معرفة. 2- وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل: "الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هي الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل"، "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم"، "إن الصناعة هي العماد الأقوى في العصر الحديث تنمو عندنا"، "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا". وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما في المعنى؛ إذ الخبر صفة في المعنى، بالرغم من اختلاف كل منهما في وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسي في الجملة دون الصفة. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة؛ لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير. ويشترط في الاسم الذى بعده: 1- أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ -كالأمثلة السالفة. 2- أن يكون معرفة، أو ما يقاربها1 في التعريف "وهو: أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم. 1- العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره. 2- إن الثروة هي المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة. 3- ما زالت الكرامة هي الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.

_ 1 في الصفحة الآتية إيضاح هذا، وسببه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها: 1- النبيل هوأسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من ينادي. 2- الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب. 3- الموت في الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره. فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها. أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده -غالبًا- إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين. أما ما قارب المعرفة، وهو أفعل التفضيل المشار إليه، فإنه يشابه المعرفة في أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه -في الغالب- لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود "مِنْ" بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة1. إعراب ضمير الفصل: أنسب الآراء وأيسرها هو الرأي الذي يتضمن الأمرين التاليين: 1- أنه في الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب في أسماء الإشارة، وفي بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك "وقد سبقت الإشارة إليها في هذا الباب"2 فمن الأنسب أيضًا تسميته: "

_ 1 هكذا قالوا، ولا داعي لشيء من التعليل؛ لأن السبب الحقيقي هو استعمال العرب ليس غير، ومجيء كلامهم مشتملا على ضمير الفصل بين المعرفتين، أو بين المعرفة وما شابهها. 2 في رقم5 من هامش ص217، وفي ص238 وما يليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل. 2- أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر في غيره. تأثيرا إعرابيا، على الرغم من فائدته التي اقتضت وجوده. لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو عليّ"1 "برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ". لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: "عَليٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر: "كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره. وإن اتباع ذلك الرأي الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا في حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة في صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير. إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له -كباقى الأسماء- من محل إعرابي، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة

_ 1 وهذا من الأمثلة التي تخلي فيها الضمير عن مهمة الفصل وتجرد لتقوية الاسم السابق، وتأكيد المعنى، طبقًا لما سبق في ص244.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. "ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد": 1- "العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز في الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول "العقل". ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب -أوحرفًا- فكأنه غير موجود في الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة: "حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملًا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة. ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس؛ لأن الاسم الذي بعد الضمير مرفوع. 2- "كان محمد هو الحارسَ" "ظننت محمدًا هو الحارسَ". إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب -لم يجز في الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملًا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل: "ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة "لأنه يجوز فيها الرفع" فالضمير عندئذ مبتدأ، وما بعده خبر له، والجملة منهما في محل نصب خبر: "كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل: "ظننت"، أو لأخواتهما1. 3- "كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن

_ 1 يقول سيبويه إن كثيرًا من العرب يجعلون "هو" وأخواته في هذا الباب اسمًا مبتدأ، وما بعده مبنيًّا على "أي: خبره" وحكى عن "رؤبة" أنه كان يقول: أظن زيدًا هو خير منك. وحكى أنه كثيرًا من العرب كانوا يقولون، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون، "راجع كتاب سيبويه، ج1 ص 395".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء "لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق" وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا. 4- إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة. وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفي بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلًا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في المطولات1. د- ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث ... أو ضمير2 المجهول ... من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه: كان العرب الفصحاء -ومن يحاكيهم اليوم- إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه -لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير- بما فيه من إبهام3 وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه، مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجيء الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.

_ 1 كشرح المفصل ج5 ص109، وكالهمع ص68، مبحث: "ضمير الفصل"، وكالمغني: ج2 ص96 مبحث: "شرح حال الضمير المسمى: فصلًا وعمادًا".... 2 في ص252 بيان السبب في كل تسمية. وفي رقم4 من هامش ص259 بيان المراد من "المجهول". 3 معنى الإبهام موضح في رقم3 من هامش ص255.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة ذلك: 1- أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غني افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شيء؛ فيقول الثاني: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوهًا: يا رفاقي، "هو: الزمان غدار، وهي: الأيام خائنة". فالغرض الذي يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شيء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجيء بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التي بعده؛ فهي التي تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهي المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية. والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها -من حيث المعنى شيء واحد "ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لاتحادهما في المعنى". ومثل ما سبق نقول في بيت الشاعر: هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ ... فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ 2- أن تسير في حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول: "إنه -الزهر ساحر" "إنها- الرياحين رائعة"، أو: "إنه -يسحرني الزهر" "إنها- تروعني الرياحين". فقد كان في نفسك معنى هام، وخاطر جليل -هو: "سحر الزهر"، أو: "روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير "إنه ... إنها ... " لما في الضمير -ولا سيما الذي لم يسبقه مرجعه- من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران في النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- يشتد البرد في إحدى الليالي، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم في بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول: "هو: نظام الكون ثابت" و"إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و"إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير "هو ... والهاء ... وها" رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التي هي المدلول الذى يرمي إليه، والغرض الذي يتضمنه. فكلاهما في المعنى سواء. فكل ضمير من الضمائر التى مرت في الأمثلة السابقة -ونظائرها- يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون في صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه". وإنما سمي ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أي: للحال المراد الكلام عنها، والتي سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى: "ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أي: المسألة التي سيتناولها الكلام. " ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجيء بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه. ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهي احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره في سياق جملته نوعًا آخر من الضمير1. أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،} ، فقد وقع في الآية مبتدأ.

_ 1 راجع المغنى ج2 في المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر. وشرح المفصل ج2 ص114 وكذلك حاشية الصبان في باب: "كان" عند الكلام على قول ابن مالك. ومضمر الشان اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مثل قول الشاعر: وما هو من يَأسو الكُلُوم1 ويُتَّقَي ... به نائباتُ الدهر، كالدائم البُخْل فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر: عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد" ... فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ ثانيا: أن يكون صيغته للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة2؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 3 أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وكقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . ومثل: "هي؛ الأعمال بالنيات" و"هي؛ الأم مدرسة". ثالثها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له -الآن أو بحسب أصله4- مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفي الجملة، أو تقديره. رابعها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها5 فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شيء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجيء قبل المفسَّر "أي: أن المفسِّر لا يجيء قبل الشيء الذى يحتاج إلى التفسير". خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت

_ 1 الكلوم: الجروح. المفرد: كلم. 2 وقد اشترط -بحق- أكثر البصريين هذا الشرط لتأنيثه، والعمدة -كما عرفنا: جزء أساسي في الجملة لا يمكن الاستغناء عنه، كالمبتدأ، وكالخبر، أو: ما أصله المبتدأ أو الخبر. وكالفاعل ونائبه. 3 متجهة في الفضاء ممتدة، لا تتحرك ولا تتغير. 4 كأن يسبقها ناسخ. ومن هذه النواسخ. "أن" المخففة من الثقيلة، و "كأن" المخففة كذلك- كما سيجيء في ص 673 و 681 - في باب "إن". 5 من هنا نعلم أن: "ضمير الشأن" لا يكون له مرجع متقدم يوضحه، وإنما مرجعه يجيء بعده وهو مضمون الجملة التي تليه، فهي التي توضحه وتفسره. فلو كان الذي يفسره مفردا لم يكن ضمير الشأن. ففي مثل عرفته عليا، أو: ربه طالبا- لا يكون الضمير هنا للشأن، وإنما هو ضمير يعود على متأخر. وعودة ضمير الشأن على متأخر إحدى المسائل التي يصح فيها إرجاع الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وسيجيء بيانها، في "و" ص 258 ومنها: "ضمير الشأن" في ص 261.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها. سادسها: أنه إذا كان منصوبًا -بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" -حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، في موضع نصب؛ لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها في محل نصب، هي المفعول الثاني له. أما إذا كان مرفوعًا متصلًا فإنه يستتر في الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففي "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و"خلق" فعلان من نوع واحد، لأنهما ماضيان. وقوع الفعل معمولًا تاليا مباشرة1 لعامله الفعل الذي من نوعه، قليل جدًّا في فصيح الكلام ... فلا بد من اسم يرتفع بالفعل ليس2 فلذلك كان اسمها ضميرًا مستترا فيها3. ومثله قولهم: كان علي عادل. وكان أنت خير من محمد، ففي "كان" في الحالتين ضمير مستتر تقديره: "هو"، أي: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا غير من المأثور، أو مما يجاريه، ... ومنه قول الشاعر: إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ ... وآخرُ مُثنٍ4 بالذى كنتُ أصنعُ ومثله: هى الشفاءُ لدائى لوظفرتُ بها ... وليس منها "شفاءُ الداء مبذولُ" ففي "كان" و"ليس" ضمير الشأن، تقديره: "هو"، يفسره

_ 1 أي: بغير فاصل بينهما. 2 إلا على اعتبارها حرف نفي لا يعمل، وهو هنا حسن. ولهذا الأسلوب صلة بما يجيء عن الأخبار في ص 497 ومزيد إيضاح هام يجيء في باب: "كان" حيث الكلام على الفعل: "ليس" - ص 559. 3 ومن هذا ما مثل به "المبرد" من قولهم: "ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب. ولكن يعطي كل ما يستحقه" "والمراد بقدم العهد: كبر السن. ومعنى يهتضم: يظلم". 4 مادح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقعة بعده خبرًا للناسخ، وهي: "الناس صنفان" و "شفاء الداء مبذول"1. ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة -ونظائرها- لا تكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن إلا إذا كانت صادرة من خبير بأصول اللغة، مدرك للفروق بين التراكيب، ولأثرها في المعاني المختلفة، وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيق الغرض المعنوي الذي يؤديه. ولولا هذا لصارت اللغة عبثًا في تراكيبها، ينتهي إلى فساد في معانيها. ولا شك أن حسن استخدام هذا الضمير، وتمييزه من غيره لا يخلو من عسر كبير. هـ- مرجع الضمير2: الضمائر كلها لا تخلو من إبهام3 وغموض -كما عرفنا4- سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهوحاضر يتكلم بنفسه، أوحاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شيء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل في هذا الشيء المفسِّر الموضِّح أن يكون

_ 1 رفع كلمة: "صنفان" وكلمة: "مبذول" وعدم نصبهما -في كلام العربي الفصيح، ومن يحاكيه- دليل على أنهما خبرًا المبتدأ، والجملة في محل نصب خبر كان، واسمها ضمير الشأن، المستتر في الناسخ. 2 قد يكون المرجع متعددًا -كما سيجيء في ص 261. 3 المراد بالإبهام هنا: معناه اللغوي، وهو: الخفاء والغموض، فإن من يسمع: "نحن" -مثلا- لا يدري المدلول كاملًا، أهو: نحن العرب، أم نحن الأدباء، أم نحن الزراع.... وبسبب هذه الشائبة من الغموض، ولا سيما إذا كان الضمير للغائب، ولم يوجد ما يوضحه، وجب الاختصاص -أو غيره- لإزالتها، وللاختصاص باب مستقل يجيء في ج4. أما النحاة فيطلقون "الإبهام" على نوعين من الأسماء دون غيرهما، هما: أسماء الإشارة، وأسماء الموصول وله معنى خاص فيهما. وهم يفرقون بين الضمير والمبهم، على الوجه الذي سنبينه في "ج" من ص338 ورقم 3 من هامش ص340. 4 في "د" من ص250.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - فى غير ضمير الشأن1 -متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله2 ليبين معناه أولًا، ويكشف المقصود منه، ثم يجيء بعده الضمير مطابقًا3 له. - فيما يحتاج إلى مطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. -فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير". فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجيء4. ولهذا التقدم صورتان.

_ 1 أما ضمير الشأن فمرجعه إلى مضمون الجملة المفسرة له، المتأخرة عنه -طبقا لما سلف في ص253، ولما يجيء في رقم6 من ص261. 2 الغالب أن يكون المتقدم المذكور هو -في مكانه- أقرب شيء للضمير يصلح مرجعًا، ولذا يقولون إن الضمير يعود على أقرب مذكور، إلا إن كان قبله متضايفان، والمضاف ليس كلمة "كل" ولا "جميع" فالأكثر رجوعه إلى المضاف دون المضاف إليه "راجع الصبان جـ1، باب المعرب والمبني، عند الكلام على: "كلا وكلتا". فإن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالغالب عودته على المضاف إليه، "كما نص عليه الصبان عقب الموضع السالف- وسيجيء في: "ز" من ص 261- وله أمثلة أخرى في رقم 2 من هامش ص 464". ويشترط لعودته على أقرب مذكور ألا تقوم قرينة تدل على أن المرجع هو لغير الأقرب، فإن وجدت وجب النزول على ما تقتضيه، كالشأن معها في كل الحالات، إذ عليها وحدها المعول، ولها الأفضلية، ففي مثل: عاونت فتاة من أسرة تاريخها مجيد، يعود الضمير على: "أسرة"، لأنها أقرب مرجع للضمير، ولا يصح بمقتضى الأصل السالف عودته إلى: "فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى. ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته إلى: "فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى. ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته للمضاف إليه ... "وستجيء إشارة الحكم السالف في مناسبة أخرى من ص261 عند الكلام على تعدد المراجع. وإذا حذف المضاف الذي يصح حذفه، جاز، وهو الأكثر -عدم الالتفات إليه عند عودة الضمائر ونحوها مما يقتضي المطابقة، فكأنه لم يوجد، ويجري الكلام على هذا الاعتبار، وجاز مراعاته كأنه موجودة، مع أنه محذوف، وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، والأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير: "ها" مؤنثا إلى "القرية"، ورجع الضمير: "هم مذكرًا، لاعتبار المحذوف وملاحظته. ولا تناقض بين الاثنين؛ لأن الوقت مختلف. "وتفصيل هذا الحكم مع عرض أمثلته المختلة مدون في باب الإضافة ج3 ص160 م 96". 3 لهذه المطابقة ضوابط مفصلة في "ح" من ص262 وهي ضوابط هامة، تدل على أن المطابقة قد يلاحظ فيها شيء يتصل بالمرجع أحيانًا كما يتبين من الضابط "7" من 265.... و.......... 4 في "و" من ص 258.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: التقدم اللفظي أو الحقيقي؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته1 معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوي ويشمل عدة صور؛ منها: 1- أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق. ومثل قول المتنبي يتغزل: كأنها الشمس يعي كف قابضه ... شعاعها، ويراه الطرف مقتربا والأصل: يعي شعاعها كف قابضه. فالضمير عائد على الفاعل المتأخر لفظًا لا رتبة. 2- أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه في ناحية من نواحي مادة الاشتقاق. مثل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله: {اعْدِلُوا} واللفظان: {اعْدِلُوا} و"العدل" مشتركان في المعنى العام. وفي ناحية من أصل الاشتقاق. ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير في الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل: "صَدَق". كما أن مرجع الضمير في الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل: "كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح في معناه وفي ناحية من أصل الاشتقاق ... ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أي: الإتقان، وتقول للجندي: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أي: الصبر2.

_ 1 التقدم اللفظي أن يكون المرجع مذكورًا نصًّا قبل الضمير، مثل: الوالد فضله عميم. والتقدم في الرتبة أن يكون ترتيب المرجع في تكوين الجملة متقدمًا على الضمير، وسابقًا عليه، بحسب الأصول والقواعد العربية، فرتبة الفاعل متقدمة على المفعول، ورتبة المبتدأ سابقة على الخبر، ورتبة المضاف قبل المضاف إليه.... وهكذا.... 2 ومن ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} . فالضمير في: "إنها" راجع إلى الاستعانة المفهومة من "استعينوا" عند من يرى ذلك. ومنه قول الشاعر: إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف، والسفيه إلى خلاف أي: جرى إلى السفه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع "أي: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام"، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، أي: من عمر مَعَمَّر آخر. 4- أن يسبقه شيء معنوي "أي: شيء غير لفظي" يدل عليه، كأن تجلس في قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك في ميعاده. فالضمير "هو" -فاعل المضارع: يجب- والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظي، وإنما سبقهما في النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التي تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى: "القرينة المعنوية" أو "المقام"1. ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمني، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس في الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم في الفنون. تريد قدماء المصريين ... وهكذا. و عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة: عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا تقدمًا لفظيًّا "أي:

_ 1 ومنها قول حاتم لامرأته ماوية التي تلومه على الكرم خوف الفقر: أماوي، لا يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما، وضاق بها الصدر أي: حشرجت النفس، بمعنى حلول الوقت الذي تخرج فيه الروح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية1. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمي"2 وأهمها ستة: 1- فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أي: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ "لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا"؛ نحو: نعم رجلًا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلًا"3. 2- الضمير المجرور بلفظة: "رُبَّ". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره "أي: تزيل إبهامه الناشئ4 من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا" نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير -مع أنها لا تدخل إلا على النكرات- لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة5.....

_ 1 أهمها: الإجمال ثم التفصيل بعده، بقصد التفخيم بذكر الشيء أولًا مبهما، ثم تفسيره بعد ذلك، فيكون شوق النفس إليه أشد، وتطلعها إلى التفسير أقوى، فيكون إدراكه وفهمه أوضح، بسبب ذكره مرتين، مجملًا مفصلًا، "أو: مبهمًا فمفسرًا". 2 لأن المرجع فيها تأخر لنكتة بلاغية، فهو في حكم المتقدم. وهذه المواضع يذكرها بعض النحاة في باب: "الفاعل"، ولكن الأنسب ذكرها هنا في باب: الضمير" حيث الكلام على الضمير وكل ما يتصل به. 3 إنما يكون هذا حيث لا يوجد مرجع سابق، فلو وجد مرجع "مثل: الأمين نعم رجلًا" وجب أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا "وجوبًا أو جوازًا، طبقًا لما سبق في رقم3 من هامش ص259". يعود على السابق وهو: "الأمين" في المثال. 4 وبسبب إبهامه الناشئ من عدم مرجع له قد يسمى: "الضمير المجهول" "كما سيجيء في ج2 ص483م90 عند الكلام على الحرف "ربَّ" في باب حروف الجر"، وانظر هذا الاسم في "د" من ص250 و 252. 5 هذا قول النحاة: والتعليل الحقيقي هو السماع من أفواه العرب. وفي إعراب المثال المذكور أقوال أيسرها. أن "ربّ"، حرف جر شبيه بالزائد، و "الهاء" مجرورة مبنية، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي هي حركة البناء الأصلي. في محل رفع مبتدأ! "لأن "الهاء" ضمير جر ينوب في هذا الموضع "بعد ربَّ" عن ضمير رفع، مثل: هو" "صديقًا" تمييز، "يعين على الشدائد"، الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، أما بقية الآراء في هذا المثال وأشباهه وفي مجرور "رب" فمفصلة بوضوح في آخر الجزء الثاني عند الكلام على "رب" وأحكامها. "م 90 ص 482".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير في: "يحاربون" "وهو الواو" عائد على متأخر "وهو العرب". "وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب": فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلًا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلًا للثاني، وجعلنا ضميره فاعلًا للأول1. 4- الضمير الذي يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه ... السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" -بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه ... الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها. 5- الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شيء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبي2؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه3.

_ 1 راجع هذا الحكم ج2 من ص8 م73 باب: "التنازع".... أحكامه. 2 ومثله قول الشاعر: وقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب، ولكن في تناولها بعد وقول المتنبي: هو الحظ، حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا وقوله أيضًا: هو البين، حتى ما تأنى الحزائق ... ويا قلب، حتى أنت ممن أفارق "ما تأنى الحزائق: ما تتمهل الجماعات المرتحلة". 3 ويصح أن يعرب الضمير في هذا المثال -ونظائره- مبتدأ مع إعراب الاسم الظاهر الذي يفسره "بدلًا أو عطف بيان" وفي هذه الحالة يكون الخبر مذكورًا بعدهما أو محذوفها على حسب السياق، ولا مانع أن يكون الخبر مفردًا، أو جملة، أو: شبهها ... ويصح كذلك أن يكون الضمير المبتدأ هو ضمير الشأن أو القصة.... "وقد سبق الكلام عليه في ص250 "د".... وفي هذه الصورة يكون خبر المبتدأ جملة بعده ... "راجع الصبان، ج1- باب الضمير عند الكلام على بيت ابن مالك: فما الذي غيبة أو حضور.... إلخ. كذلك شرح العكبري لديوان المتنبي ج3 - القصيدة التي مطلعها: هو البين حتى ما تأنى الحزائق ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ضمير الشأن1، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء -إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير في "إنه" و"إنها" ضمير الشأن أو القصة ... ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع -إن كان لفظيًّا أومعنويًّا -يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا2..... ز- تعدد مرجع الضمير: الأصل في مرجع ضمير الغائب "أي: مفسِّره" أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل في ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب في الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"؛ لأنه الأقرب في الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معًا؛ لأنه مفرد، وهما في حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة -وسيجيء الكلام عليها- ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة. وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها3. .... والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف4،

_ 1 سبق شرحه في ص250.... 2 ولا يجوز في غير ما سبق عود الضمير على مرجع متأخر. ومن المسموع الشاذ الذي لا يقاس عليه قول حسان بن ثابت في رثاء مطعم بن عدي: ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما وقول الآخر: وما نفعت أعماله المرء راجيا ... جزاء عليها من سوى من له الأمر 3 يجب التنبيه إلى المشابهة والمخالفة بين هذه الصورة والصورة الأخرى تحت عنوان "ملاحظة" في ص 269. 4 لأن المضاف إليه ليس إلا مجرد قيد في المضاف -غالبًا-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارني والد الصديق فأكرمته. أي: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أي: "الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم أخي فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه1. وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت في القوة -وهو التفاوت الذي يكون بين المعارف في درجة التعريف، وشهرته -وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضي الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم -فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع -وفي غيره، من سائر مسائل اللغة- أن الذي يجب الأخذ به أوّلًا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذي يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل -أي: القرينة- لها وحدها القول الفصل في الإيضاح هنا، وفي جميع المواضع اللغوية الأخرى. وإذا كان للضّمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت في القوة -وجب أن يعود على الأقوى، طبقًا للبيان المفضّل الذي سيجيء فى رقم9 من ص268. ح- التطابق2 بين الضمير ومرجعه: عرفنا3 أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقي أن نعرف أن التطابق

_ 1 سبقت الإشارة -مفصلة- للحكم السالف في رقم2 من هامش ص256. وله أمثلة أخرى في رقم2 من هامش ص464. 2 التطابق أنواع مختلفة، منها ما يكون بين الضمير ومرجعه، كالذي سيذكر هنا، ومنها ما يكون بين المبتدأ وخبره، وسيجيء في بابهما -ص 452 وما بعدها- ومنها ما يكون بين النعت ومنعوته وسيذكر في بابه أيضًا ج3- م114 ص428، وهكذا يذكر كل في بابه. 3 في ص 255.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتي: وهذا يراعى في التطابق المطلوب في صور كثيرة؛ كالتي بين المبتدأ وخبره1، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها ... ونحو هذا مما يقتضي المطابقة. 1- إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب -في الرأي الأصح- أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أي: "هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أي: "هي". والطالبة أقبل والدها ... فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا. وكذلك إن كان المرجع مثنى في الحالتين. تقول في الأمثلة السالفة2: "النائمان تيقظا، والمسافران حضر أبوهما3. والغريبتان عادتا2 سالمتين. والطالبتان أقبل والدهما3" وقد يعود الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران، أحدهما مذكر -طبقًا للبيان الآتي في ص269 تحت عنوان "ملاحظة". 2- إن كان المرجع جمع مذكر سالم وجب -في الرأي الأغلب- أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح -في الأفصح- أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أي: "هي"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز في الرأي الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه اليوم. 3- إن كان المرجع جمع مؤنث سالم لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أي: "هي". والشجرات سقيتها ... وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها. فمجيء واحد من الضميرين يفي بالغرض. ولكن أحدهما أفضل من الآخر.

_ 1 في هامش ص349 مواضع يجوز فيها تأنيث الضمير، وتذكيره، مراعاة للفظ الموصول أو معناه. وكذلك تجيء أنواع هامة من المطابقة بين المبتدأ والخبر في الباب الخاص بهما -كما أشرنا- ص452 م 34- وما بعدها في الزيادة والتفصيل. "2 و 2" الضمير هو ألف الاثنين في آخر الفعل. وهو صالح للمثنى المذكر والمؤنث وللغائب والحاضر. "3 و 3" الضمير "هما" صالح للمثنى بنوعيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث "أي: نون النسوة" في جميع حالاته "أي: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا"1 وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة2. 4- إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واوجماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أوالرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة. ومع جواز الأمرين يستحسن ضمير التأنيث إن كان عامل الفاعل قد اتصلت به علامة تأنيث، كما يستحسن ضمير التذكير إن لم توجد في عامله علامة التأنيث نحو جاءت الرجال كلها، وحضر الأبطال كلهم3. فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أومؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن

_ 1 ذلك أن جمع المؤنث منه ما يكون سالما "أي: لم يتغير مفرده عند جمعه" ويسمى: "جمع المؤنث السالم"، ويكون في آخره الألف والتاء الزائدتان، ومنه ما يتغير مفرده عند الجمع، فيكون جمع تكسير للمؤنث ولا يكون في آخره الألف والتاء، الزائدتان. وبسبب ما تقدم اختلف النحاة في مثل كلمة: "بنات" أهي جمع تكسير، لأن مفردها، وهو "بنت" يتغير فيه حركة أوله عند جمعه السالف- أم هو جمع مؤنث سالم، لوجود الألف والتاء الزائدتين في آخره؟ . رأيان، تفصيل الكلام عليهما في جـ 3 باب الفاعل ... 2 جاء في تفسير البيضاوي -وكذا الكشاف"- سورة البقرة" عند تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} ، ما نصه: "قرئ: "مطهرات" وهما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلت وفعلن. وهن فاعلة وفواعل، قال الشاعر، سلمى بن ربيعة من شعراء الحماسة: وإذا العذاري بالدخان تقنعت ... واستعجلت نصب القدور فملت انتهى تفسير البيضاوي. ثم جاء في حاشية الشهاب على البيضاوي ما نصه: "قوله: "وهما لغتان فصيحتان" يعني أن صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفردا مؤنثًا ومجموعًا مؤنثًا، فتقول: النساء فعلت، والنساء فعلن، ونساء قانتات وقانتة. اهـ. 3 راجع الصبان، ج2 باب الفاعل عند الكلام على تأنيث فعله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو: "الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن. ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة1؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هوالأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هوالأكثر. 5- إن كان المرجع اسم جمع2 غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واوالجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم 3 - 6- وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا، نحوقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، أى: هى. 7- إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أوالتأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو

_ 1 ومثل جمع القلة العدد الذي يدل عليها، وكذلك مثل جمع الكثرة العدد الذي يدل عليها أيضًا "أنظر رقم 1 من هامش ص 219" "أما إيضاح هذا وبيان سببه، ففي ج4 ص524 م167 آخر باب العدد -وراجع الصبان ج4 في آخر باب "العدد"". 2 وهو -كما سبق في ص 148: كلمة معناها معنى الجمع، ولكن ليس لها مفرد من لفظها. ومعناها معا. وليست على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه، مثل: ركب، رهط- قوم- نساء- جماعة- وفي هذا الحكم الآتي خلاف قوي ذكره "الصبان" في باب العدد ح4. 3 وقد سبقت إشارة وافية لهذا، وبيان مفيد لا غني عنه- مع بعض اختلاف-، وذلك عند الكلام على اسم الجنس الجمعي ص 21 وفي هذا الحكم- كسابقه- خلاف قوي أشار إليه "الصبان" في باب العدد جـ 4. وقد تخيرنا أقوى الأوجه وأنسبها في ص 21 وفي باب العدد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأنيث، مراعاة للمتقدم أوللمتأخر1، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهومنظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهوباب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم2 "كما سيجئ فى بابها3، وفى باب4 المبتدأ ... " نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا ... 8- إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أومراعى فيه معناها5. بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أوالقليل، المذكر، أوالمؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أومذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى: "كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أوجمعًا، مؤنثًا، أومذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أوجمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ: "كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى. وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها: "كِلاَ" و"كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية6. ومنها "منْ"7، و"ما"8 و"كلٌّ"9 و"أىّ". وكذلك كلمة: "بعض"9 فى صور

_ 1 وهذا في غير المتضايفين. وقد سبق حكم الضمير العائد على أحدهما في رقم 2 من هامش ص 256 وفي "ز" من 261. 2 انظر رقم 1 من هامش ص 22 ثم انظر رقم 6 من هامش ص 321 وص 456 وما بعدها. 3 رقم 6 من هامش ص 321. 4 ص 456. 5 راجع الجزء الرابع من المفصل ص 132. 6 ص 124 وما بعدها. 7 انظر ما يختص بها في 349. 8 ولها بيان في رقم 2 من هامش ص 351. "9و9" سبقت الإشارة في ص 40 لنوع التنوين الذي في كلمتي: "كل وبعض".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا ... ، ومن سافروا ... ، ومن سافرت، ومن سافرتا ... ومن سافرْن ... وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه - ... ما تفعلا ... ما تفعلوا ... ما تفعلى ... ما تفعلْن ... كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير: وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ ... وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ لكن الأغلب -وقيل الواجب- إذا وقعت كلمة: "كل" مبتدأ وأضيفت إلى نكرة مراعاة معنى النكرة في خبر المبتدأ: "كل" كقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ، وقول جرير السابق. فإن أضيفت لمعرفة صج اعتبار معنى المعرفة، أو اعتبار لفظ: "كل" المفرد المذكر. كقوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ومثل: "كلكم هداة للخير وكلكم داعون إليه"، وقول الشاعر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد1 أيّ رجل حضر. أيّ رجلين حضر، أو: حضرا ... أيّ الرجال حضر، أو: حضروا، أيّ كاتبة حضر، أو حضرت، أيّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أيّ الكاتبات حضر، أو: حضرن. بعض الناس غاب، في الصور المختلفة، مراعاة للفظ "بعض". ويصح مراعاة المعنى، فيقال: بعض الناس أو: غابت، أو، غابا، أوغابتا، أو: غابوا، أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها2.

_ 1 سيجيء الكلام على إضافة "كل" وما يترتب على الإضافة ج3 في باب الإضافة م 94 ص71. 2 كما يراعي اللفظ أو المعنى في الضمير يراعي أيضا في كل ما يحتاج للمطابقة أحيانا، مثل: الخبر، والصفة ونحوهما -كما أشرنا في الصفحة الماضية- وكما يجيء في باب التوكيد ج3 م116 ص415.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى في المحكيّ بالقول، ففي حكاية من قال: "أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكي، كما يصحّ: "قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصًا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح: "قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح: "قلنا لفلان هو بطل"1. ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة -فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر في هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر. "ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أولمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أويتعين أحدهما دون الآخر ... أو ... أما المطابقة بين المبتدأ وخبره فتجئ فى ص 452 م 34- كما أشرنا فى رقم 1 من هامش ص 262 -. 9- إذا كان للضمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت فى القوة2، عاد على الأقوى3. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ4 من العلم، والعلم أعرف من الإشارة ... وهكذا5. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب ... فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب

_ 1 راجع الصبان ج2 باب حروف الجر عند الكلام على "اللام". 2 أما عند عدم التفاوت فقد سبق الحكم في ص262. 3 وهذا ما سبقت الإشارة إليه في ص 262 آخر "ز". 4 أي: أقوى درجة في التعريف. 5 راجع رقم 1 من هامش ص 212.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - قُدِّم المتكلم -في الرّأي الأصح؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه في عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه. وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أومعرفة أخرى روعي الضمير، نحو: أنا وعلي أكلنا؛ ولا يقال -في الرأي الأفضل- أكلاَ، وتقول: أنا الذى سافرت....، وهو أفضل من: أنا الذي سافر ... وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذي في رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذي فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعي لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفي الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قويّ...... 10- إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: "الروح" جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم ... أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز2 أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته. 11- الغالب -وقيل الواجب- فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أوللإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أوالقمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية "التى لبيان الأنواع والأقسام"، فالمطَابقة، كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا 3} . وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أوعلى أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة

_ 1 لهذه الصورة الخاصة بالموصول إيضاح مفيد، وتفصيل هام يجيء في بابه وفي 380 "ب". 2 سيجيء بيان هذا في باب "العطف" جـ 3 ص 489 م 118 عند الكلام على: "أو" وقد سبقت له الإشارة في رقم 4 و 3 من هامش صفحتي 217و 231. 3 راجع الصبان جـ2 عند قول ابن مالك في باب الفاعل "والحذف قد يأتي بلا فصل ... " إلخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدمها، وهي موضحة تفصيلًا في باب العطف "ج3 ص525 م 122". "ملاحظة" 1. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . فقد عاد الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران أحدهما مذكر، وهو الذهب، والآخر مؤنث، وهو الفضة. ويقول أحد النحاة2 ما نصه: "أعاد الضمير على الفضة؛ لأنها أقرب المذكورين، أو لأنها أكثر وجودًا في أيدي الناس فيكون كنزها أكثر. ونظيره قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3. "أو أنه أعاد الضمير على المعنى؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ لأن كل طائفة مشتملة على عدد كبير. وكذا قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم} يعني المؤمنين والكافرين. "أو أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناء بذكره عن ذكر الآخر؛ لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ومنه قول حسان: إن شرخ الشباب والشعر الأسـ ... ـود ما لم يُعَاص كان جنونًا ولم يقل ما لم يُعَاصِيَا ... وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه

_ 1 من المفيد استبانة المشابهة والمخالفة بين ما تتضمنه هذه الملاحظة وما سبق في رقم "ز" من ص261. 2 هو أبو بكر الرازي في كتابه غرائب التنزيل المدون على هامش كتاب "إعراب ما من به الرحمن ... " العكبري ج1 ص111. 3 فقد جعل الضمير "في: أنها" عائد على الصلاة. وهذا أحد الآراء. وهناك رأي آخر يقول إن الضمير راجع إلى: "الاستعانة" المفهومة من قوله: "استعينوا" طبقًا لما سبق في رقم2 من هامش 257.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} ط- اختلاف نوع الضمير مع مرجعه: قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه في مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟ يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهوعائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب1، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا. وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد في الجملة الواقعة صلة. طبقًا للتفصيل الذي سيجيء في باب اسم الموصول ولا سيما الذي في "ب" ص443. وهو تفصيل يقتضي التنبه للفرق بين الصور المعروضة هناك والصورة التي هنا، وفي رقم 9 من ص 268.

_ 1 راجع حاشية الخضري ج1 باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على أحكام: "التعليق" وقد أشرنا لهذا "في رقم4 من هامش ص217 ومن هامش21 م21 ج2"، "في م 102 ص243. ح3 باب اسم الفاعل". والظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل بل يسري على غيره من باقي المشتقات المتحملة ضميرًا مستترًا. فيجب أن يكون للغائب، ويعود على غائب.

المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله تقدم1 أن للرفع ضمائر تختص به؛ بعضها متصل؛ كالتاء المتحركة؛ و"نا" في مثل: سعيتَُِ إلى الخبر، وسعينا. وبعضها منفصل، ولكنه يؤدي ما يؤديه المتصل من الدلالة على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة؛ مثل: "أنا"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على التكلم، كما تدل عليه تلك "التاء"، ومثل: "نحن"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على المتكلم المعظم نفسه، أو جماعة المتكلمين؛ كما يدل عليه: "نا"، تقول: أنا أمين على السر، ونحن أمناء عليه ... وللنصب كذلك ضمائر تختص به، منها المتصل، كالكاف في مثل: صانك الله من الأذى، ومنها المنفصل الذى يؤدي معناه؛ مثل: إياك، في: نحو: إياك صان الله، ومنه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} . أما الجر فليس له ضمائر تختص به -كما عرفنا. لكن هناك ضمائر متصلة مشتركة بينه وبين غيره؛ كالكاف، والهاء ... إلى غير ذلك مما سبق إيضاحه وتفصيله، ولا سيما ما يدل على أن الضمير مع اختصاره وقلة حروفه يؤدي ما يؤديه الاسم الظاهر، وأكثر2. ونزيد الآن أن الكلام إذا احتاج إلى نوع من الضمير -كالضمير المرفوع، أو المنصوب- وكان منه المتصل والمنفصل، وجب اختيار الضمير المتصل، وتفضيله على المنفصل الذي يفيد فائدته؛ ويدل دلالته؛ لأن المتصل أكثر اختصارًا في تكوينه وصيغته، فهو أوضح وأيْسَر في تحقيقه مهمة الضمير، فتقول: بذلت طاقتي في تأييد الحقّ، وبذلنا طاقتنا فيه، ولا تقول: بذل "أنا"، ولا بذل "نحن". وتقول: كرّمك الأصدقاء؛ ولا تقول: كَرَّم "إياك" الأصدقاء. وتقول فرحت بك، ولا تقول: فرح أنا بأنت.

_ 1 في ص221 وما بعدها. 2 انظر رقم 1 من هامش ص 217.

فالأصل العام الذي يجب مراعاته عند الحاجة للضمير هو: اختيار المتصل ما دام ذلك في الاستطاعة، ولا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا لسبب1. هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه في أكثر الحالات2. غير أن هناك حالتين يجوز فيهما مجيء الضمير "منفصلًا" مع إمكان الإتيان به "متصلًا". الحالة الأولى: أن يكون الفعل -أو ما يشبهه3- قد نصب مفعولين4 ضميرين، أولهما أعرف من الثاني؛ فيصح في الثاني أن يكون متصلًا وأن يكون منفصلًا. نحو: الكتابُ أعطيتنيه، أو: أعطيتني إياه، والقلمُ أعطيتكه، أو: أعطيتك إياه. فالفعل: "أعطى" هو من الأفعال التي تنصب مفعولين، وقد نصبهما في المثالين، وكانا ضميرين؛ ياء المتكلم، وهاء الغائب في المثال الأول، وكاف المخاطب وهاء الغائب في المثال الثاني. والضمير الأول في المثالين أعرف5 من الثاني فيهما؛ فصحّ في الثاني الاتصال والانفصال. ومثل ذلك. أن تقول: الخيرُ سَلنْيه6 وسلني إياه. والخيرُ سألتكه، وسألتك إياه. وبهذه المناسبة نشير إلى حكم هامّ يتصل بما نحن فيه، هو: أنه إذا اجتمع ضميران، منصوبان، متصلان، وأحدهما أخصّ من الآخر "أي: أعرَفُ منه، وأقوى درجة في التعريف". فالأرجح تقديم الأخصّ منهما. تقول: المالُ أعطيتكه، وأعطيتنيه، فتقدم الكاف على الهاء فى المثال الأول؛ لأن الكاف للمخاطب، والهاء للغائب، والمخاطب أخصّ من الغائب. وكذلك تقدم الياء

_ 1 وسنذكر هنا حالتين يجوز فيهما الاتصال والانفصال، ثم نذكر -في الزيادة والتفصيل ص 276- أهم الأسباب التي توجب الانفصال، وتحتمه. 2 وفي هذا يقول ابن مالك: وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتي أن يجيء المتصل 3 شبه الفعل "أي: المشتق" هو: ما يشترك معه في أصل الاشتقاق، ويعمل عمله -غالبًا- كاسم فاعله، واسم مفعول و.... 4 لأنه من الأفعال التي تنصب مفعولين، مثل "ظن" وأخواتها ... "وانظر رقم 6 من هامش ص275". 5 أي: أقوى منه في درجة التعريف والتعيين. وقد عرفنا أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب، وأوضحنا هذا بإسهاب. "في رقم 1 من هامش ص 212". 6 أي: اسألني إياه.

في المثال الثاني على الهاء أيضًا؛ لأن الياء للمتكلم وهوأخصّ من الغائب. ومن غير الأرجح أن تقول أعطيتهوك1 وأعطيتهوني1. فإن كان أحد الضميرين مفصولًا جاز تقديم الأخص وغير الأخص عند أمن اللبس؛ تقول: الكتابُ أعطيتكه أو أعطيته إياك، وأعطيتنيه أو أعطيته إياي. بخلاف: الأخ أعطيتك إياه، فلا يجوز تقديم الغائب؛ خشية اللبس، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما؛ فيجب هنا تقديم الأخص؛ ليكون تقديمه دليلًا على أنه الآخذ. فكأنه في المعنى فاعل، والأصل في الفاعل أن يتقدم2. وقد اشترطنا في الحالة الأولى أن يكون الضميران منصوبين، وأولهما أعْرَفُ من الثاني. أ- فإن لم يكن الضميران منصوبين؛ بأن كان أولهما مرفوعًا والثانى منصوبًا -وجب وصل الثاني بعامله إن كان عامله فعلًا3؛ نحو: النظامُ أحببته. ب- وإن كان أولهما منصوبًا والثاني مرفوعًا -وجب فصل المرفوع؛ إذ لا يمكن وصله بعامله مع قيام حاجز بينهما؛ وهو الضمير المنصوب. نحو: ما سمِعَك إلا أنا. ج- وإن كانا منصوبين، وثانيهما أعرَفُ -وجب فصل الثاني، مثل: المالُ سلبه إياك اللص. وكذلك إن كان مساويًا للأول فى درجة التعريف بأن وقع كل منهما للمتكلم؛ مثل: تركتني لنفسي؛ فأعطيتَني إياي، أو: للخطاب،

_ "1 و 1" الواو التي بعد الضمير هي واو الإشباع التي تنشأ من إطالة الضمة. والغالب كتابة هذه الواو إذا وقع بعدها ضمير آخر متصل، كالذي هنا. وهذه اللغة -وإن كانت جائزة- لا يحسن استخدامها، ولا ترك الأرجح الشائع في الأساليب العالية لأجلها. 2 وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله: وقدم الأخص في اتصال ... وقَدِّمن ما شئت في انفصال 3 وجب وصله بعامله الفعل، ولو كان المتقدم غير الأعرف: مثل أكرمتك، وأكرمونا فإن كان عامله اسما جاز الأمران، سواء أكان الأول مرفوعًا أو مجرورًا، كفرحت بإكراميك أو إكرامي إياك "لأن الياء فاعل المصدر، مجرور بالإضافة في محل رفع". أو كان مرفوعًا فقط، ولا يكون إلا مستترًا، مثل: أنا المكرمك، أو المكرم إياك، بناء على أن الكاف مفعول به لا مضاف إليه، وإلا تعين الوصل؛ لأن الضمير المجرور لا يكون إلا متصلًا. وكذلك يجب الوصل في: "أنا مكرمه" من غير أل، لتعين الإضافة فيه. فإن دخل التنوين على الوصف تعين الفصل، مثل: أنا مكرم إياه، "راجع الخضري".

مثل: أعطيتك إياك، أو للغائب مع اتفاق لفظهما؛ مثل؛ أعطيته إياه1، ولا يجوز اتصال الثاني؛ فلا تقول أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما؛ فيجوز وصل الثاني. تقول: سأل أخي عن القلم والكتاب فأعطيتهماه، ومنحتهماهُ2، أوأعطيتهما إياه، ومنحتهما إياه3 ... الحالة الثانية: أن يكون الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتها4 "لأنه خبر لها" فيجوز فيه الوصل والفصل؛ نحو؛ الصديقُ "كنته" أو: كنت إياه، والغائبُ ليسه محمد5 أو ليس محمد إياه6.

_ 1 يلاحظ أن أحد الضميرين هو: "الهاء" والآخر هو: "إياه" كلها على الرأي الذي سبق تفصيله "في ص 227 وفي آخر ص 237". ولما كانت الهاء في كلمة "إياه" هي التي تدل وحدها على الغيبة كان شأنها شأن الهاء الأولى في الدلالة، وكان لفظهما متفقًا، ولا أهمية لزيادة "إيا" في إحداهما، إذ لا تؤثر هذه الزيادة في دلالة الضمير. 2 وإلى هذا يشير ابن مالك بقوله: وفي اتحاد الرتبة الزم فصلَا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا 3 إن لم يوجد في الكلام إلا ضمير واحد منصوب واستغنى عن الآخر باسم ظاهر فالأرجح وجوب الوصل، نحو: الكتاب أعطيته عليًّا. 4 سواء أكان الاسم ضمير كالمثال: "الصديق كنته، أو كنت إياه" أم غير ضمير، نحو، الصديق كانه محمد. ومحل جواز الوجهين في كان وأخواتها مخصوص بغير الاستثناء. أما فيه فيجب الفصل، نحو: الرجل قام القوم ليس إياه، ولا يكون إياه "لأن ليس ويكون" هنا فعلين للاستثناء ناسخين أيضًا" فلا يجوز "ليسه" ولا "يكونه" كما لا يجوز: إلا. فكما لا يقع المتصل بعد "إلا" لا يقع بعد ما هو بمعناها أما تفصيل الكلام على استعمال هذين الفعلين في الاستثناء فموضعه: باب الاستثناء- ج2 ص 328 م 83. 5 هذا المثال ليس من النوع الذي سبق الكلام عليه في رقم "4" لأن "ليس" هنا ليست للاستثناء. 6 في هذه المسألة والتي قبلها تختلف آراء النحاة، وتتشعب من غير داع، ولا فائدة، فمنهم من يقول بجواز الفصل والوصل على السواء، وذلك حين يكون العامل الناصب للضميرين فعلا، أو ما يشبهه، غير ناسخ، فينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخير مثل، سل ... أعطى يعطي. ... وهذا الرأي هو الأشهر. ومنهم من يقول إن الوصل واجب، ولا يجوز الفصل إلا للضرورة. وكذلك يجيزون الأمرين ويختلفون في الترجيح إن كان العامل الناصب للضميرين فعلا، أو ما يشبهه - يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما خبر في الأصل، مثل: ظن وخال، وأخواتهما الناسخة، تقول: الصديق ظننتكه، أو ظننتك إياه، وخلتنيه، وخلتني إياه، فابن مالك ومن معه يختارون الاتصال، وغيرهم يختار الاتصال. وكذلك اختلفوا في الأرجح إن كان الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتهما.... و..... =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا1 أن الغرض من الضمير هو الدلالة على المراد مع الاختصار، ولذا وجب اختيار المتصل دون المنفصل الذى يؤدى معناه؛ كلما أمكن ذلك. إلا في حالتين سبق الكلام عنهما2، يجوز فيهما الاتصال والانفصال. لكن هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجيء الضمير متصلًا؛ فيجيء منفصلًا وجوبًا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها: 1- ضرورة الشعر؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه: وما أصاحبُ منْ قومٍ فأذكُرَهُمْ ... إلا يزيدُهمُ حبًّا إِلَيَّ همُ3 2- تقديم الضمير على عامله لداعٍ بلاغي، كالحصر4 "القصر" والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله؛ فيحل محلَّه المنفصل الذي بمعناه. ففي مثل: نسبحك، ونخافك يا رب العالمين -لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها، لذلك نأتي بضمير منصوب بمعناها، وهو:

_ = وكل هذا الخلاف لا خير فيه، وهو مرهق، وهو مرهق بغير فائدة فقد ثبت أن الوصل والفصل في المسائل السابقة واردان عن العرب الفصحاء بكثرة تبيح القياس، فلا داعي هذا التشعيب الذي أشار إليه ابن مالك بقوله: وَصِلْ أو اِفْصِل هاء سلنيه، وما ... أشبهه. في: "كنته" الخلف انتمى كذاك: "خلتنيه" واتِّصَالَا ... أختار، غيري اختار الانفصالا فهو يقول: إنه يجوز الوصل والفصل في "هاء" سلنيه، من كل فعل غير ناسخ، أو شبهه -نصب ضميرين، أولهما أخص من الثاني ... ولم يبين ابن مالك الخلاف الذي في المسألة السالفة، واكتفى ببيان الخلاف في مثل: كنته، وأنه انتمى، أي: اشتهر، وكذلك في خلتنيه من كل فعل ناسخ ينصب مفعولين، وصرح بأنه يختار الاتصال، وأن غيره يختار الانفصال. 1 في رقم1 من هامش ص217. 2 في ص273. 3 المعنى: إذا سمع أصحابي صفات قومي، مدحوهم، وزادوني حبًّا فيهم "أي في قومي"، وقد اضطر الشاعر إلى أن يقول "يزيدهم حبًّا إِلَيَّ هم" بدلًا من أن يقول: "يزيدونهم حبًّا إليّ"، ففصل الضمير "هم" الثاني، بدلا من واو الجماعة؛ لضرورة الشعر. 4 ويسمى أيضًا: "القصر" وله بيان في رقم4 من هامش ص495.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إياك" فنقول: إياك نسبح، وإياك نخاف. 3- الرغبة فى الفصل بين الضمير المتصل وعامله بكلمة "إلا"، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا يتحقق إلا إذا أتينا بالضمير منفصلًا؛ مثل: ربَّنا ما نعبد إلا إياك، ولا نهاب إلا إياك. وقد يكون الحصر بغير "إلا" فلا يقع الفصل بكلمة توجب الانفصال، ولكن ينفصل الضمير؛ مثال ذلك، الحصر بإنما1 فى قول الشاعر: أنا الذائد الحامي الذِّمَارَ وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو: مثلي ومن أمثلة الفصل للقصْر: إن الأبطالَ نحن، "فنحن" ضمير منفصل خبر إن، ولا يمكن اتصاله بعامله "إن"؛ وذلك لأن خبرها لا يتقدم على اسمها. 4- أن يكون عامله اللفظى محذوفًا؛ مثل: إياك والكذبَ. فأصل: "إياك" هو: أحذِّرك، أو: أخوِّفك. حذف الفعل وحده، وبقي الضمير "الكاف" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه؛ فحذفناه، وأتينا مكانه بضمير منفصل يؤدي معناه، ويستقل بنفسه، وهو: إياك. وقد سبق2 بيان إعرابه، كما سبق3 أنه وفروعه كثير الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصوره المتعددة التي ستجيء فى بابه الخاص -ج4 ص122 م140. 5- أن يكون عامله معنويًّا؛ مثل: أنا صديق وفيّ، وأنت أخ كريم. فالضمير: "أنا"، و"أنت"، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوي، لا وجود له في اللفظ؛ فلا يمكن وصل الضمير به.

_ 1 "المحصور فيه" بإنما هو المتأخر، أي: "أنا"، كما يفهم من البيان الذي في رقم 4 من هامش ص 495. 2 ص 236. 3 في رقم 2 من هامش 227.

.......................................................

_ 6- أن يكون عامله حرف نفي، مثل: الخائن غادر؛ فما هو أهلا للصداقة. فالضمير "هو" اسم "ما" الحجازية، وهى العاملة فيه الرفع؛ ولكنها من الحروف التي لا يتصل بآخرها الضمير ولا غيره1: 7- أن يكون الضمير تابعًا لكلمة تفصل بينه وبين عامله؛ مثل: نحن نكرم العلماء وإياكم: فالضمير: "إياكم" معطوف؛ فهو تابع يتأخر عن متبوعه، والمعطوف عليه: "العلماء" هو المتبوع الذي يجب تقدمه عليه. وقد فصل المتبوع بين الضمير: "إياكم" وعامله: "نكرم". ومثله قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم} . وقول القائل في مدح عمر2 رضى الله عنه: مُبَرَّأ من عيوب الناس كلِّهمُ ... فالله يرعى أبا حَفصٍ وإيَّانا 8- أن يقع الضمير بعد واو المصاحبة "وتسمى: واو المعية" مثل: حضر الرفاق، وسأسافر وإياهم إلى بعض الأقاليم. 9- أن يكون فاعلًا لمصدر مضاف إلى مفعوله "فيفصل المفعول به بين الضمير الفاعل وعامله"، مثل: بمساعدتكم نحن انتصرتم3؛ فكلمة: "مساعدة" مصدر مضاف إلى مفعوله "الكاف". وفاعله كلمة: "نحن". 10- أن يكون مفعولًا به لمصدر مضاف إلى فاعله؛ مثل: سررت من إكرام العقلاء إياك. 11- أن يقع بعد إما، مثل كَتَبَ: إما أنت، وإما هو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 12- أن يقع بعد اللام الفارقة1، مثل: إنْ وجدتُ الصديقَ حقًّا لإيا ك، فمُرْنى؛ فلن أزال مطيعًا 13- أن يكون منادى -عند من يجيز نداء الضمير- مثل: يا أنت. يا إياك. 14- أن يكون الضمير منصوبًا وقبله ضمير منصوب، والناصب لهما عامل واحد مع اتحاد رتبتي الضمير؛ مثل: عِلمْتُني إياي2، علِمتك إياك، وعلِمته إياه. 15- أن يكون الضمير مرفوعًا بمشتق جار على غير من هو له، مثل: محمدٌ عليٌّ مكرُمه هو3.

_ 1 إذا خففت إن المشددة فالأكثر إهمالها، فلا تنصب اللاسم ولا ترفع الخبر، والأكبر أن يجيء بعدها اللام، لتدل على أنها المخففة المهملة، وليست المشددة العاملة، مثل: إن صالح لقائم. وهذه اللام تسمى: "الفارقة" لأنها التي تفرق بين: إن "المشددة العاملة، والمخففة المهملة، وقد يجعلها بعض النحاة نوعًا من لام الابتداء. وسيجيء الكلام عليها في باب المبتدأ والخبر في ص657 وأيضًا في آخر باب: "إن" -ص 671. 2 يقال هذا في معرض الفخر غالبًا، نحو: شعري شعري. 3 فهذا الضمير البارز المنفصل كان مستترًا قبل إبرازه، والمستتر نوع من المتصل -كما سبق في رقم 3 من هامش ص219 وسيجيء شرح الضمير الجاري على غير من هو له في المكان الخاص به من باب المبتدأ والخبر "ص 463".

المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية 1 من الضمائر المتصلة: "ياء المتكلم"، وتسمى -أحياناً: "ياء النفس" وهي مشترَكة بين محلي النصب والجر؛ مثل: زرتني في حديقتي. فإن كانت في محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل، أو حرف ناسخ؛ -مثل: "إن" أو إحدى أخواتها- وإن كانت في محل جر فقد تكون مجرورة بحرف جر، أو تكون مجرورة بالإضافة؛ لأنها مضاف إليه. أ- فإن كانت منصوبة بفعل، أو باسم فعل، أو بالحرف "ليت"2 "وهو حرف ناسخ من أخوات إن" وجب أن يسبقها مباشرة نون مكسورة تسمى: "نون الوقاية"3. فمثال الفعل: ساعدَني أخي، وهو يساعدني عند الحاجة، فساعدْني فما أقدرك على المساعدة الكريمة. فقد توسطت نون الوقاية بين الفعل وياء المتكلم، ولا فرق بين أن يكون الفعل ماضيًا، أو مضارعًا4، أو أمرًا. ولا بين أن يكون متصرفًا، أو جامدًا5. ومثال اسم الفعل: "دَرَاكِ"، و"تَرَاكِ"، و"عليكَ" بمعنى: أدركْ، واتركْ، والزمْ. فيجب عند مجيء ياء المتكلم أن نقول: دراكني، وعليكَني. بمعنى أدركني؛ واتركني، والزمني. ومثال ليت: ليتني أزور أنحاء الدنيا -ليتنى أستطيع معاونة البائسين جميعًا2. ....

_ 1 وقد تسمى: "نون العماد". 2 إلحاق نون الوقاية بالحرف "ليت" واجب عند كثير من النحاة، وشائع غالب عند غير هؤلاء. 3 لأنها في استعمالها الغالب تقي الفعل الصحيح الآخر- أي: تصونه - من وجود كسرة في آخره عند إسناده لياء المتكلم. أما المعتل الآخر، مثل: دعا، فإنه محمول عليه. وتقي كذلك ما تتصل به غير الفعل من تغيير آخره عند اتصالها به. ولأنها تمنع اللبس، مثل: أكرمني أخي، أو يكرمني، أو: أكرمني- فلو لم توجد النون المتوسطة بينه وبين ياء المتكلم لقلنا: أكرمني أخي، يكرمي أخي، أكرمي. فيترتب على ذلك وجود كسرة في آخر الفعل، والكسر لا يدخل الأفعال، كما يترتب على ذلك أن يلتبس - أحيانا" فعل الأمر المتصل آخره بياء المتكلم بفعل الأمر المسند لياء المخاطبة، مثل: أكرمي. فلا ندري المواد. وقد يلتبس الفعل الماضي بالمصدر في مثل: نظري محمود معافي، فلا ندري أكلمة: "نظر". فعل ماض، أم مصدر، وأصح تعليل يسبق ما ذكرناه: أنه استعمال العرب. 4 انظر ما يتصل بهذا في "1" ص 284. 5 مثل: ليس، عسى.

هذا حكم نون الوقاية في الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعًا من آخر بعض الأفعال، ومن آخر "وليت" حذفًا نادرًا لا يقاس عليه: مثل، هنا رجل ليسي؛ أي: غيري. وليتي أعاون كل محتاج؛ بمعنى ليتني. وقد تحذف فيهما للضرورة، مثل قول الشاعر: عَدَدْتُ قومى كَعَدِيد1 الطَّيْسِ2 ... إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْتي وقول الآخر: كُمنية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفه3، وأفْقِدُ كلَّ مالي وإن كانت منصوبة بالحرف "لعل" جاز الأمران، والأكثر حذف النون نحو: لعلي أدرك آمالي، ولعلني أبلغ ما أريد. وإن كانت منصوبة بحرف ناسخ آخر "غير: ليت، ولعلّ" جاز الأمران على السواء، تقول، تقول: إنني مخلص؛ وإنى وفيّ. لكنني لا أخلص للغادر. أو: لكني لا أخلص للغادر. وتقول.. سررت من أنني سباق للخير، أو: من أني سباق ... : وهكذا الباقي من الأحرف الناسخة الناصبة التي تصلح للعمل في هذه الياء4. ب- وإن كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف جر فإن كان حرف الجر "مِن" أو "عنْ" وجب الإتيان بنون الوقاية، وحذفها شاذ أو ضرورة؛ تقول منّي الصفح، ومنِّي الإحسان، وعنِّي يصدر الخير والإكرام، بخلاف "مِنِي"، و"عَنِي". وإن كان حرف الجر غيرهما وجب حذف النون مثل: لي فيك أمل، وبي نزوع إلى رؤيتك، وفيَّ ميل لتكريمك5.

_ 1 كعدد. 2 الرمل الكثير. 3 الضمير مذكر؛ لأنه عائد على عدو يتحدث عنه، ويرغب في مقاتلته. 4 من الحروف الناسخة التي لا تصلح: "لا، وما". 5 وفيما سبق يقول ابن مالك مقتصرًا على الفعل وحده وبعض الحروف الناسخة: وقبل: يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسي قد نظم وليتني فشا وليتي ندرا ... ومع لعل اعكس وكن مخيرا في الباقيات، واضطرارًا خففا ... مني وعني بعض من قد سلفا

ج- وإن كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمضاف هو كلمة ساكنة الآخر؛ مثل: "لدن" "بمعنى: عند"، أو: كلمة "قدْ"، أو "قطْ" "وكلاهما بمعنى: حَسْب، أي: كافٍ"1 فالأصح إثبات النون2؛ مثل: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} . ومثل، قَدني من مواصلة العمل المرهق، وقَطْني من إهمال الرياضة المفيدة. ويجوز بقلة حذف النون في الثلاثة؛ تقول: لدُني، قَدِي، قَطي؛ وهو حذف لا يحسن3 بالرغم من جوازه. فإنْ كان المضاف كلمة أخرى غير الثلاث السابقة وجب حذف النون، مثل: هذا كتابي أحمله معنى حينًا، وحينًا أدعه في بيتي فوق مكتبي. الملخص: يستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقاية وعدم إثباتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة محلًا، أو مجرورة محلًا. وبنوع العامل الذى عمل فيها النصب، أو الجر: 1- فإن كانت هذه الياء منصوبة، وناصبها فعل، أواسم فعل - وجب إثبات نون الوقاية قبلها. 2- وإن كانت هذه الياء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو: "ليت"

_ 1 تقول: قدني المال، وقطني. أي: حسبي، بمعنى: كافييني، وتكون الدال مخففة بالسكون وكذلك الطاء. وهما في هذه الحالة اسمان، والمشهور أنهما مبنيان، وأن بناءهما على السكون في محل رفع، أو نسب، أو جر، على حسب حالة الجملة التي يقعان فيها. "أما "حسب": فإنها معربة في هذا المثال، لا مبنية. وفي جـ3 ص 147 م 95 من باب الإضافة تفصيل الكلام على أنواعها، وأحكامها المختلفة". وإذا كان اسمين - كما وصفنا وأضيفا إلى ياء المتكلم، فإن الأحسن الإتيان بنون الوقاية فاصلة بين المضاف والمضاف إليه. وقد تكون كل منهما وهي مخففة الآخر - اسم فعل مضارع، مبني على السكون، بمعنى، يكفي، وفي هذه الحالة يجب الإتيان بنون الوقاية، لتفصلهما عن ياء المتكلم، نحو: قدني، وقطني ... أما "قد" التي هي حرف في مثل: قد اعتدل الجو، و "قط" التي هي ظرف الماضي في مثل ما فعلته "قط" فلا يتصلان بياء المتكلم.... 2 محافظة على السكون الذي بنيت الكلمة عليه. 3 وقد أشار ابن مالك إلى الحالة السابقة من ناحية مجيء نون الوقاية وعدم مجيئها، بقوله: وفي "لدني: لدني" قل. وفي: ... "قدني وقطني": الحذف أيضا قد يفي

وجب في الأشهر إثبات النون. فإن كان الحرف الناسخ هو: "لعل" جاز الأمران، والأفصح الإثبات، وإن كان غيرهما مما يصح إدخاله على هذه الياء1 جاز الأمران على السواء. 2- وإن كانت الياء مجرورة بحرف وعامل الجر هو: "من"، أو: "عن" وجب إثبات النون. وإن كان حرفًا آخر غيرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها. 4- وإن كانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الكلمات الثلاثة: لدنْ - قدْ - قطّ - جاز الأمران، ولكن الأفصحُ إثبات النون. وفى غير هذه الثلاثة يجب الحذف.

_ 1 انظر 4 من هامش ص 281. 2 ليظل الاسم محتفظا بالسكون الذي هو علامة بنائه الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا مما سبق أن نون الوقاية واجبة في آخر الأفعال الناصبة لياء المتكلم. ومن تلك الأفعال المضارع، سواء أكان في آخره نون الرفع؛ "وهي: نون الأفعال الخمسة" أم كان مجردًا منها؛ مثل: أنت تعرفني صادق الوعد، وأنتم تعرفونني كذلك. ولم تعرفوني مخلفًا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقاية جاز أحد الأمور الثلاثة الآتية: 1- ترك النونين "نون الرفع ونون الوقاية" على حالهما من غير إدْغام2؛ تقول أنتما تشاركاننى فيما يفيد - أنتم تشاركوننى فيما يفيد - أنتِ تشاركيننى فيما يفيد، وهكذا ... 2- إدغام النونين، تقول فى الأمثلة السابقة: أنتما تشاركانِّى ... ، وأنتم تشاركُنِّى، وأنتِ تشاركِنى3 ... 3- حذف إحدى النونين؛ تخفيفًا، وترك الأخرى: تقول: أنتما تشاركانِى وأنتم تشاركوِنى ... ، وأنت تشاركينِى؛ بنون واحدة فى كل ذلك 4. ب- هناك بعض أمثلة مسموعة، وردت فيها نون الوقاية فى آخر اسم الفاعل، واسم التفضيل؛ فمن الأول قوله عليه السلام لليهود: هل أنتم صادقونِي؟

_ 1 تفصيل الكلام عليها في ص 177. 2 وهو جعلهما نونا واحدة مشددة مفتوحة. 3 بحذف واو الجماعة، وياء المخاطبة، لالتقاء الساكنين. والأصل: تشاركوني وتشاركيني، وحذف الضميران للسبب الذي شرحناه تفصيلا في "جـ" ص 94 وما بعدها. مع مراعاة الهوامش هناك، وما فيها من بيان، وملاحظة ما يتصل بهذه المسألة في "حـ" من ص 50 وفي "ب" من ص 179. 4 في تعيين نوع النون المحذوفة جدل طويل، أهي نون الأفعال الخمسة، أم النون الوقاية؟ والأيسر- وهو الذي يساير القواعد العامة أيضا- أن نقول عند الإعراب: إن النون الموجودة هي نون رفع الأفعال الخمسة، بشرط أن يكون المضارع مرفوعا، فيقال في إعرابه إنه مرفوع بثبوت النون.... إما إذا كان منصوبا أو مجزوما، فالنون الموجودة هي: "نون الوقاية"، والمحذوفة هي نون رفع الأفعال الخمسة حتما، فيقال فيه منصوب أو مجزم بحذف النون، والنون الموجودة هي نون الوقاية. وفي غير ما سبق يتساوى أن تكون المحذوفة هذه أو تلك، فلا أثر لشيء من ذلك في ضبط كلمات الجملة، وفهم معناها. "انظر ص 180".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو حذف النون لقال صادِقىَّ1. ومثله قول الشاعر: وليس الموافينى2 - ليُرْفَد3 - خائبًا ... فإنّ له أضعافَ ما كان أمَّلا وقوله: وليس بمُعْيينى -وفي الناس مُمْتعٌ ... صديقٌ إذا أعْيَا علىَّ صديقُ ولوحذفت النون لقيل: الموافىَّ والمعيِىَّ، ومثال اسم التفضيل قوله عليه السلام: غيرُ الدجَّال أخوفُنى عليكم. وروى: أخْوَفِى عليكم4 "أى: غير الدجال أخوف الأمور التى أخافها عليكم ... " والشائع أن هذه الأمثلة لا يقاس عليها؛ لقلتها لكن الرأى السديد: أنه يجوز أحيانًا إذا وجد داعٍ 5. "جـ" إذا كان الفعل مختومًا بنون النسوة لم يغير ذلك من لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم؛ مثل: النساء أخبرننى الخبر، هن يخبرننى. أخبرننى يا نسوة.

_ 1 فيكون أصلها: صادقون لي، حذفت اللام للتخفيف، والنون للإضافة، فصارت: صادقوي، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت صادقي، ثم قلبت ضمة القاف كسرة، لتتناسب الياء. 2 الذي يقصدني ويأتي إلى. 3 لينال العطاء والهبة. "للرفد، العطاء". 4 المعنى: غير الدجال أخوف عندي من الدجال المعروف لديكم بصفاته، إذ يمكنكم أن تحترسوا منه، وتتقوا ضرره. أما غيره فيستتر أمامكم، فيخدعكم، "هذا، وفي الدجال وما يتصل بحقيقته، وغيرها مطاعن كثيرة". 5 إن كانت تلك الأمثلة قليلة لا تكفي للمحاكاة، والقياس عليها- فهناك اعتبار أخر له أهميته، هو أن زيادة نون الوقاية في بعض صور من اسم الفاعل واسم التفضيل قد تزيل أحيانا- اللبس، وتمنع الغموض، وهذا غرض تحرص على تحقيقه اللغة، وتدعو إليه. ففي مثل: من صادقي؟ " - إذا كانت مكتوبة- قد نقرؤها من إضافة المفرد إلى ياء المتكلم الساكنة، أو من إضافة جمع المذكر إلي ياء المتكلم المدغمة في ياء الجمع، فتكون الياء مشددة مفتوحة. ولا يزيل هذا اللبس إلا نون الوقاية، فوق ما تجليه من خفة النطق. وفي هذه الحالة وأشباهها تكون النون مرغوبة، بل مطلوبة، عملا بالأصل اللغوي العام الذي يدعو للفرار من كل ما يوقع في لبس، جهد الاستطاعة. أما في صورها الأخرى التي لا لبس فيها عند اتصال أحدهما بياء المتكلم فلا داعي لنون الوقاية، ويجب الأخذ بالرأي الذي يمنعها.

المسألة الثانية والعشرون: العلم

المسألة الثانية والعشرون: العلم أ- "محمود - إبراهيم" "فاطمة - أمينة" "مكة - بيروت" "بَرَدَى1 - دِجْلة"2. ب- رجل - شجرة - إنسان - حيوان - معدن ... ج- أسامة "للأسد". ثُعالة "للثعلب". شَيْوَة "للعقرب" ذُؤَالة "للذئب" ... كل كلمة فى القسم الأول: "ا" تدل بنفسها مباشرة3 على شىء واحد، معيَّن بشكله الخاص، وأوصافه المحسوسة التى ينفرد بها، وتميزه من باقى أفراد نوعه. فكلمة: "محمود" تدل بذاتها3 على فرد واحد له صورة معينة، ووصف حسّى ينطبق عليه واحده دون غيره من أفراد النوع الإنساني. وكذلك إبراهيم، وفاطمة وأمينة، وغيرها. وكلمة: مكة، أو: بيروت، أو: أشباههما من البلاد - تدل على شيء واحد محسوس؛ هو: بلد معين، له خصائصه، وأوصافه الحسية التى لا تنطبق على سواه، ولا تحمل إلى الذهن صورة غيره. وكذلك الشأن فى بَرَدى، ودِجلة وغيرهما من الأنهار المعينة. فكل كلمة من الكلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها على معنى واحد، معين، ينطبق على فرد واحد "أى: تدل على مسمى بعينه" وهي لا تحتاج في دلالتها عليه إلى معونة لفظية أومعنوية تأتيها من غيرها، بل تعتمد على نفسها فى إبراز تلك الدلالة. أما كلمات القسم الثاني فتدل الواحدة منها على معنى معين، ولكنه معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه؛ وإنما ينطبق على أفراد كثيرة مشتركة معه فى النوع، فهوصالح لكل منها، لا يختص بواحد دون آخر، أى: أنه شائع بينها، كما

_ 1 اسم النهر الذي يخترق "دمشق"، بسورية. 2 اسم نهر العراق. 3 أي: من غير حاجة إلى زيادة لفظية أو معنوية.

سبق أن قلنا فى النكرة1. فكلمة: رجل أوشجرة ... أوغيرهما من سائر النكرات تدل على مدلول واحد، لفرد واحد، ولكن هذا الفرد شائع، له نظائر وأشباه كثيرة قد تبلغ الآلاف ... ، ويصلح كل منها أن يكون هو المقصود، وليس بعضها أولى من بعض في ذلك، فإذا أرَدنا لهذه الكلمة أن تدل على مدلول واحد معين لا ينطبق على غيره وجب أن نَضم إليها زيادة لفظية أو معنوية تجعل مدلولها مركزًا فيه وحده بغير شيوع، كأن تقول: رأيت رجلا في النادي، فصافحت الرجل. أو هذا رجل، أو: أعجبني هذا. مشيرًا إلى شيء حسي أو معنوي معروف مُتَمَيّز، أو: أكرمت الذي زارك. فوجود "أل" في كلمة "الرجل" بالطريقة السالفة جعلتها تدل على مُعَين. ووجود الإشارة الحسية أو المعنوية جعلت كلمة: "هذا" تدل على معين. ووجود صلة الموصول -وهي لفظية- جعلت كلمة: "الذي" تدل على معين. ووجود قرينة التكلم أو الخطاب جعلت ضميرهما يدل على معين. وهكذا؛ فلولا الزيادة التى انضمت إلى كل واحدة ما حصل التعيين والتخصيص ... ومن هنا يتضح الفرق بين كلمات القسم الأول التى هي نوع من المعرفة يسمى: "العَلَم الشخصي" أو "علم الشخص"2 وكلمات القسم الثاني التي هي نكرة قبل وجود الزيادة التي انضمت إليها. ثم صارت بعدها نوعًا من أنواع المعرفة. فكلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعيين والتحديد، بخلاف الثانية. وهذا معنى قولهم في تعريف العلم: "إنه اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا"، أي: غير مقيَّد بقرينة تكلم، أوخطاب، أوغَيبة، أوإشارة حسية، أومعنوية، أوزيادة لفظية؛ كالصلة ... أو غير ذلك من القرائن اللفظية أو المعنوية التي توضح مدلوله، وتحدد المراد منه. فهو غني بنفسه عن القرينة؛ لأنه عَلَم3 مقصور على مسماه، وشارة خاصة

_ 1 ص 206. 2 لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص، "أي: مجسم، محسوس، متميز من غيره". وقد يكون شيئا ذهنيا، كالعلم الذي يسمى به الجنين المنتظر ولادته، وكالعلم الدال على قبيلة معينة، بحيث يراد مجموع من وجد فيهما ومن سيوجد، فإن هذا المجموع لا وجود له إلا في الذهن فقط، ولا وجود له في خارج الذهن، إذ لا يقع تحت الحس. وهذا النوع يسمى: "العلم الذهني"، أي: الموضوع المعين في الذهن فقط، متخيل وجوده في خارجه. 3 علامة.

به وافية فى الدلالة عليه. وكل كلمة من كلمات القسم الثانى وأشباهها تسمى نكرة1.

_ 1 وقد سبق تعريفها وإيضاحها "في أول باب: "النكرة والمعرفة " ص 206" والنكرة تسمى أيضا: "اسم جنس" عند جمهرة كبيرة من النحاة لا ترى فرقا بينها وبين اسم الجنس، فإن كان لمعين فهي: النكرة المقصودة"، وإن كانت لغير معين فهي: "النكرة غير المقصودة" - كما سيجيء في باب "النداء" جـ 4 وفي هذا الرأي تخفيف وتيسير من غير ضرر، فيحسن الأخذ به، أما غير هؤلاء فيرى فرقا بين الاثنين، يوضحه بقوله الذي سبق أن لخصناه "في الباب الأول" في ص 23، عند الكلام على اسم الجنس، وفي هذا الباب عند الكلام على النكرة، هامش ص 306" ومضمونه. أن النكرة هي نفس الفرد الشائع بين أشباهه، وهي المدلول الحقيقي المراد من اللفظ، وليست معناه الخيالي المجرد، القائم في الذهن وأما اسم الجنس فهو الاسم الموضوع لذلك المعنى الذهني المجرد، ليدل عليه من غير تذكر في الغالب بين اللفظ ومدلوله الحقيقي، فكلمة: "رجل" مثلا، إن أريد منها الجسم الحقيقي المعروف، المكون من الرأس، والجذع، والأطراف..ز" فهي: "النكرة" وتنطبق على كل جسم حقيقي به تلك الأجزاء الثلاثة بفروعها، أما إن أريد منها المعنى القائم في الذهن لكلمة: "رجل" وهو المعنى الخيالي الذي يخلقه العقل، ويتصوره بعيدا عن صورة صاحبه وعن استحضار هيئة فرد من الأفراد التي تنطبق عليها تلك الصورة فهي: "اسم الجنس" ومدلوله هو: المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو: المعنى الخيالي العام، ويوضحون ذلك بأن المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو المعنى الخيالي العام - متعدد الأصناف في داخل الذهن، فلا بد أن يكون لكل صنف اسم يميزه من الآخر، فتلك الأصناف الذهنية التي هي المعاني المجردة.... تسمى: الأجناس، ويسمى الذي يميز كل واحد، "اسما للجنس" أو: "اسم الجنس"، أي: الاسم الموضوع لهذا الجنس، ليفرق بينه وبين جنس آخر، كما وضع "رجل" اسما للصنف المعروف من المخلوقات، ليتميز من صنف آخر كالشجر، والطيور. ولكن كيف ينشأ في الذهن هذا المعنى المجرد؟ وكيف تتكون تلك الحقيقة الذهنية فيه فتنطبق على أفراد كثيرة؟ كيف يدرك العقل معنى: شجرة مثلا إدراكا مجردا، ومن أين يصل إلى هذا؟ وكيف؟ يقولون - كما أشرنا في صفحتي 23 و 206 إن أصناف النبات الكبير متعددة كأشجار النحل، والبرتقال والليمون وقد رأي المرء النخلة مرات وفي كل مرة يحس ويدرك شيئا من أوصافها. ثم رأي البرتال كذلك، ثم الليمون، ثم ... ثم. وبعد تعدد المرات في أزمنة متباينة - كشف العقل في تلك الأشياء المتعددة صفات مشتركة، وانتزع من مجموع تلك الصفات المشتركة صورة واحدة عقلية، خيالية، أي: معنى مجردا واحدا، ينطبق في خارج الذهن على كل فرد من الأفراد السابقة، وعلى مئات وآلاف غيرها تشبهها في تلك الأوصاف التي عرفها. فماذا نسمى المعنى العقلي الخالص؟ أو: ما اسم الحقيقة الذهنية المحضة التي ولدتها تلك المشاهدات، كي نميزها من المعاني الذهنية الأخرى الكثيرة؟ سميناها: "شجرة" فكلمة: "شجرة" هي اسم لشيء أدركه الذهن بعد أن صوره من صفات مشتركة بين أفراد خارجة عنه، لا وجود لها في داخله، وإنما هي في خارجه، فليس في الذهن شجرة حقيقية لنوع من أنواع النبا، وإنما هي كما شرحنا - بارزة في خارجة. فكلمة: "شجرة " اسم يدل على جنس يدرك العقل معناه تخيلا. أما حقيقته الواقعية المجسمة، المنطبقة على أفراده - فهي في خارج الذهن. ومتى انتزع العقل المعنى المجرد أمكنه بعد ذلك أن يدرك مدلوله من غير حاجة في الغالب إلى استرجاع صورة حقيقية لفرد من أفراده. وما يقال عن شجرة" يقال عن كل معنى عام عقل آخر، أي: أن العقل يدرك المراد منه من غير حاجة إلى استحضار صورة من صور أفراده. وإليك كلمة: "إنسان" أيضا فقد رأى المرء محمودا، وحاتما، وأمينا، وفريدة ومية. و ... وتكررت مشاهدته لهذه الأفراد. واستخدام حواسه فيها، حتى استطاع العقل بعد ذلك أن ينتزع من الصفات =

أما أمثلة القسم الثالث فهي لنوع آخر يختلف فى دلالته عن النوعين السابقين؛

_ = المشتركة بينها صورة خيالية، أي: معنى واحد ذهنيا للإنسان له أفراده ومدلولاته الحقيقية الكثيرة، وليست في داخل الذهن، وإنما هي في العالم الخارجي الحسي البعيد عن النطاق الداخلي للذهن. فهو معنى واحد عام يدل على جنس. "أي: صنف" له أفراده الحسية المتعددة البعيدة عن داخل اعقل، وعن منطقة الذهن التي لا تحتوي في داخلها شيئا حسيا، وصار العقل بعد ذلك لا يحتاج - غالبا - في إدراك المراد من ذلك المعنى إلى استرجاع صورة حسية لفرد من أفرادهظ فما اسم المعنى المجرد الذي انتزعه العقل، ليمثل هبذا الجنس، ويدل عليه، ويميزه من الأجناس المعنوية الأخرى اسمه: "إنسان" كذلك أدرك العقل مجموع الصفات المشتركة بين على، وأسد، وعصفور، وحصان ... و ... وكون منها صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا واحدا ولكنه عام يمثل جنسا "أي: صنفا" له في خارج العقل أفراد حقيقية كثيرة، وهذا المعنى العقلي العام يسمى: "حيوانا". وكذلك أدرك العقل من مجموع الصفات المشتركة بين حديد وذهب وفضة ... و ... صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا عاما لجنس اسمه: "معدن" ... و.... وهكذا. فالمعاني الذهنية العامة كثيرة، وهي معان مجردة، إذ لا يكون معها في داخل الذهن مدلولاتها الحسية الحقيقية التي في خارجه. فإذا كان الذهن يدرك معنى "رجل" و "إنسان" و "معدن" فهل يضم في داخله نماذج حقيقية لكل واحد من هذه؟. . لا ولما كانت المعاني الذهنية المحضة التي تمثل الأجناس متراكمة، متتزاحمة في داخله وجب أن يكون لكل جنس اسم خاص به، يميزه من غيره، فلهذا اسم: "شجرة" ولذلك اسم: "إنسان"، ولثالث "اسم: "حيوان" ولرابع اسم: "معدن" ولخامس اسم: "جماد".... وهكذا.... فكلمة "شجرة" اسم لجنس معين، أي: لمعنى ذهني متميز وكذا البواقي، فاسم الجنس اسم موضوع ليد على معنى ذهني واحد، ولكنه معنى عام، له أفراد حقيقية، كثيرة في خارج الذهن. وهذا معنى تعريفهم "أنه يدل على الماهية بغير نظر إلى أفرادها - غالبا". يريدون بالماهية، "الحقيقة الذهنية المجردة أو: المعنى العقلي الخالص"، وبذلك الاسم تتميز المعاني الذهنية بعضها من بعض، أي: يتميز جنس من باقي الأجناس الأخرى. من كان ما تقدم نعلم أن اسم الجنس عندهم هو اسم للمعنى الذهني المجرد، وأن النكرة هي مدلوة الخارجي الذي ينبطق عليه ذلك المعنى فلا، أي: هي نفس الفرد الشائع. إلخ. هذا هو الفرق بينهما عند من يراه، وهو فرق فلسفى متعب في تصوره، ليس وراءه فائدة عملية. واسم الجنس ثلاثة أقسام سبق الكلام عليهما في الباب الأول "ص 23 وما بعدها". ويسوقنا الكلام عن النكرة وعن اسم الجنس إلى شيء ثالث لا مناص من إيضاحه هنا، وهو: "علم الجنس" فما المراد منه؟ وما مدلوله؟ وما أحكامه؟. أطلنا الكلام في اسم الجنسن وكرركنا له الأمثلة، وانتهينا من كل ذلك إلى أنه الاسم الموضوع للصورة العقلية الخيالية، أي: للمعنى العقلي العام المجرد، أي الحقيقة الذهنية المحضة ... وأننا حين نسمع أو نقرأ - كلمة "شجرة" أو: "إنسان" أو: معدن ... نفهم المراد منها سريعا من غير أن يستحضر العقل في الغالب - صورة معينة للشجرة، كالنخلة، أو صورة معينة للإنسان كحسين، أو صور ة معينة للمعدن، كذهب فقد استغنى العقل عن تلك الصورة الفردية بعد مشاهداته الأولى الكثيرة وصار يدرك المراد حين يسمع اسم الجنس إدراكا مجردا، أي: خاليا من استحضار صورة فرد من أفراد ذلك الجنس ومن غير حاجة في الغالب إلى استرجاع شكله وهيئته كما شرحنا. لكن هناك بعض الصورة العقلية أي: الصورة الذهنية" لأجناس لا يمكن بحال. أن يدركها العقل وحدها من غير أن يتخيل صورة فرد، أي: فرد من ذلك الجنس ولا يمكن - مطلقا =

يسمى: "علم الجنس"1. ولتوضيحه نقول؛ إذا دخلت حديقة الحيوان فرأيت الأسد، ومنظره الرائع المَهِيب، وشاهدت ما يغطى عنقه، وينسدل على كتفيه؛ من شعر غزير، كثيف، يسمى: اللِّبد، وما ينبت فوق فمه من شعر طويل؛ كأنه الشارب؛ فسميت الأسد بعد ذلك: "صاحب اللِّبد" أو"أبو الشوارب"، فهذه التسمية تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها على تخيل صورة

_ = أن يفهم المراد منها من غير أن يستحضر صورة لواحد_ أي واحد- تنطبق عليه مثال ذلك كلمة. "أسامة" فإن معناها" "أسد" لكن لا يدرك العقل معنى أسامة إلا مصحوبة بصورة "أسد"، فالحقيقة الذهنية هنا ليست مجردة من صورة فرد، وإنما يلازمها حتما صورة تنطبق عليه. وكذلك كلمة. "ثعالة" فإن معناها: "ثعلب" ولكن العقل لا يفهم هذا المعنى منعزلا ولا منفصلا عن مصاحبة صورة "لثعلب". وذلك على خلاف كلمة: "أسد" وثعلب" وأشباههما.... وبعبارة أخرى، كلمة: "أسد" و "ثعلب" وأشباهها تدل في عالم الحس والواقع على مئات وآلاف من ذلك الحيوان المتوحش. فإذا تخيلنا صورة ذهنية لواحد من فصيلة: الأسد - مثلا - وقد رسم العقل تلك الصورة في دائرته، بحيث جعلها رمزا يدل على تلك الفصيلة ووضعنا للرمز علما خاصا به "أي: اسما مقصورا عليه "ليدل عليه، وينطبق على كل فرد من أفراد تلك الفصيلة، فإن هذا العلم يمسى: "علم الجنس" أي: علما يدل على ذلك الجنس، ويرشد لكل فرد من أفراده زمما يوضح هذا المعهى ويقر به إلى الفهم "وإن كان ليس علم جنس" ما نعرفه في عصرنا الحالي من تمثال: "الجندي المجهول"، فإننا حين نسمع: "الجندي المجهول" يتجه عقلنا مباشرة إلى صورة ذلك الجندي ويستحضر الذهن تمثاله المعين الذي يرمز له، وهو تمثال واحد، ورمز مفرد. ولكنه ينطبق في عالم الحس والواقع على الآلاف من الجنود المجهولين. ويجب أن نتنبه إلى أن ذلك الفرد القتيل غير معين، وأنه شائع بين أفرد جنسه، فهو في المعنى كالنكرة، وفي هذا يقول بعض النحاة: إن علم الشخص واقع على الأشخاص، كمحمد، وعلى، فالعلم فيه يحض شيئا بعينه، لا يشاركه فيه غيره. وعلم الجنس يخص كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه ذلك الاسم، نحو، أسامة، وثعالة، فإن هذين الاسمين يقعان على كل ما يقال له: "أسد" و "ثعلب" وإنما كان العلم هنا للجنس ولم يكن كالأناسي لأن لكل واحد من الأناسي حالة مع غيره، من بيع، وشراء أو زراعة، أو غير ذلك فاحتاج إلى اسم يخصه دون غيره، ليكون الاسم دليلا على صاحبه ومميزا له من غيره ... وأما هذه السباع التي لا تثبت ولا تستقر بين الناس فلا تحتاج إلى أسماء أو ألقاب لتميز أفراد الجنس الواحد بعضها من بعض. فإذا لحها اسم، أو لقب لم يكن ذلك خاصا بفرد دون آخر، وإنما كان متجها لكل واحد من أشخاص ذلك الجنس، فإذا قلت، أسامة أو ثعالة ... فكأنك قلت هذا الضرب، أو:هذا الجنس الذي رأيته أو سمعت به من السباع وتخيلت صورة فرد منه وقت الكلام ... فهذه الألفاظ معارف، إلا أن تعريفها أمر لفظي، وهي من جهة المعنى نكرات، لشيوعها في كل واحد من الجنس وعدم انحصارها في شخص بعينه دون غيره. فكأن اللفظ موضوع لكل شخص من هذا الجنس، فوضع اللفظ للفرد الشائع جعله بمنزلة العلم، بالرغم من هذا الشيوع ... ومراعاة الواقع الصريح في أن الفرد شائع غير معين جعله بمنزلة النكرة ومن هنا كان لعلم الجنس اعتباران أحدهما: لفظي" يدخله في عداد العلم "والعلم هو نوع من المعارف"، والآخر "معنوي" يدخله في عداد النكرة. ولكل منهما آثاره التي ستعرفها. وسيجيء إيضاح آخر في ص 296 عند الكلام على القسم الثالث الذي في رأس هذه الصفحة. "راجع الفصل جـ 1 ص 34 وما بعدها". 1 تكلمنا عليه بإفاضة، وبمعالجة أخرى في الهامس الذي قبل هذه مباشرة.. أما الكلام على قياسيته ففي رقم 1 من 299.

عامة للأسد حتمًا، وعلى تذكر مثال له، من غير أن تكون تلك الصورة أو المثال مقصورة على الأسد الذي كان في الحديقة؛ بل تنطبق عليه وعلى غيره من أمثاله. فهذا الاسم الذي وضعته للصورة هو علم يدل عليها؛ وعلى كل صورة مثلها من أفراد صنفها. أي: أنه شارة ورمز لتلك الصورة التي لا تمثل فردًا بعينه، وإنما تُمثل الصنف كله، أي: تُمثل ما يسمونه: "الجنس" كله؛ فتنطبق على كل فرد من أفراد ذلك الجنس؛ وهذا معنى قولهم: "إنه علم للجنس"، أو: "علم الجنس". ومثل هذا يقال عن كلمة: "أسامة". فقد أطلقت أول مرة على أسد معين لداعٍ دعا إلى هذه التسمية. فإذا قيلت بعد ذلك لم يفهم العقل معناها فهمًا مجردًا من غير تخيل صورة فردٍ -أيّ فرد- من ذلك الحيوان المفترس، بل لا بد أن يحصل مع الفهم تخيل صورة تمثل أسدًا غير معين، أي: لا بد مع الإدراك من ذلك التخيل الذي يعيد إلى الذهن صورة تمثل المراد، وينطبق عليها الاسم، فهذا الاسم هو الذي يسمى: علمًا للجنس كله، أو: "علم الجنس". ومثل هذا أن ترى الفيل وخُرطومه فتسميه: "أبو الخرطوم" فهذا علم للفيل ينطبق على الفرد الذى أمامك، وعلى كل نظير له، فهو علم لواحد غير معين من الأفيال. فإذا كان اسم الجنس هو اسم يدل على الحقيقة الذهنية المجردة أي: الخالية من استرجاع الخيال لصورة فرد منها -كما سبق1- فإن علم الجنس يدل على تلك الحقيقة، مركزة في صورة كاملة ويقترن بها، ويستعيدها الخيال لفرد غير معين من أفراد ذلك الجنس فهي تصدق على كل فرد. فكأن هذا العلم موضوع لكل فرد من أفراد تلك الحقيقة الذهنية العقلية. ولذا قالوا في تعريف علم الجنس، إنه: اسم موضوع للصورة التى يتخيلها العقل في داخله لفرد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية. ومن أمثلته أيضًا -غير ما سبق2- فى "ج": "ابن دَأيَة"؛ للغراب و"بنت الأرض": للحصاة، "وابنة اليم"؛ للسفينة3 ...

_ 1 في هامش ص 288 وما بعدها. 2 هنا وفي "ج" ص 286. 3 وكذلك جميع ألفاظ التوكيد المعنوي" الملحقة" بألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية، كما سيجيء عند الكلام على حكمه في رقم 4 من ص 297.

المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم له عدة أقسام باعتبارات مختلفة: أ- فينقسم باعتبار تشخص1 معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وإلى علم جنس2. ب- وينقسم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب3. ج- وينقسم باعتبار أصالته فى العلمية وعدم أصالته إلى مُرْتَجَل، ومنقول4. د- وينقسم باعتبار دلالته على معنى زائد على العَلمية أوعدم دلالته - إلى اسم، وكُنية، ولقب5. تلك هي أشهر أقسامه6، ولكل منها أحواله الخاصة7 التي نفصلها فيما يلي: التقسيم الأول: يتضمن انقسام العلم باعتبار تشخص معناه وعدم تشخصه إلى علم شخص، وعلم جنس8....

_ 1 أي: اعتبار أن مسماه شخص -أي: جسم- له وجود حقيقي، محسوس، وليس أمرا ذهنيًّا بحتًا "أي: أنه لا يكون حقيقة عقلية مجردة"، وهذا في الغالب "انظر رقم 2 من هامش ص 287 ثم البيان المفيد في هامش ص 288". 2 وهناك نوع آخر من العلم يسمى: "العلم بالغلبة" ومكان الكلام عليه ص 433 وهو في قوم "العلم الشخصي" من ناحية التعريف. أما في غيرها فبينهما نوع اختلاف أوضحناه هناك. 3 موضعهما ص 300. 4 موضعهما ص 302. 5 موضع الثلاثة ص 307. 6 وهناك قسم العلم المقرون بكلمة: "أل" لزوما أو غير لزوم، وأحكام كل: وستجيء في ص 429. 7 تجيء في ص 308 وما بعدها. 8 هذان قسمان للعلم الوضعي، ويقابله "العلم بالغلبة" والفرق بين الوضعي ومقابله موضح في رقم 5 من هامش ص 434.

علم الشخص: "هو، اللفظ الذى يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا" وقد شرحنا1 هذا شرحًا وافيًا، وأوضحنا المراد من "الإطلاق". وله حكم معنوي وأحكام لفظية. فأما حكمه المعنوى: فالدلالة على فرد مشخص معين2 - فى الغالب - ويكون هذا الفرد من بين ما يأتى من الأنواع: 1- أفراد الناس، مثل على: وسمير، وشريف، ونبيلة، وغيرهم من أفراد الأجناس التى لها عقل، وقدرة الفهم، كالملائكة، والجن، مثل: جبريل، وإبليس ... 2- أفراد الحيوانات الأليفة التى يكون للواحد منها علَم خاص به، مثل: "بَرْق"، علم لحصان، و"بارع" علم لكلب، و"فصيح" علم على بلبل و"مكحول" علم على ديك ... 3- أشياء أخرى لها صلة وثيقة بحياة الناس وأعمالهم: كأسماء البلاد، والقبائل، والمصانع، والبواخر، والطائرات، والنجوم، والعلوم، والكتب، وغيرها من كل ماله ارتباط قوىّ بمعايش الناس، وله اسم خاص به لا يطلق على غيره ... مثل: مصر، دِمَشق، حَلَب "أسماء بلاد". ومثل: تميم، طَىّ، غَطَفان، ... "أسماء قبائل عربية قديمة". ومثل: زامر، وأُلْبا، وفُرْد "أسماء مصانع مسماة بأسماء أصحابها". ومثل: محروسة - عناية - قاصد خير ... "أسماء بواخر". وغير ذلك مما يشبهها من كل مدرسة، أومعبد، أوملجأ، أوطائرة، أومؤسسة ... بشرط أن يكون لكل منها اسم خاص يُعرف به، ولا يشاركه فيه سواه. وهذه الأشياء المعينة المحددة التى تدل عليها الأعلام تسمى: "المدلالوت"، أو: "الحكم المعنوى" لعلم الشخص3.

_ 1 في ص 286 وما بعدها، ولا سيما هامش ص 288. 2 والصحيح أن العلم لا يفقد علميته عند تصغيره. 3 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك إلى أنواع علم الشخص بقوله في أول باب: العلم. اسم يعين المسمى مطلقًا ... علمه، كجعفر، وخرنقا وقرن، وعدن، ولاحق ... وشذقم وهيلة، وواشق فجعفر: علم رجل. وخرنق: علم امرأة وقرن: علم قبيلة، وعدن: علم بلد [ولا حق] : علم فرس. وشذقم: علم جمل، وهيلة: علم شاة، وواشق: علم كلب. وسيجيء كلامه. على علم الجنس هامش في ص 298 - وقد شرحناه، بإضافة هامش ص 289 ثم في ص 296.

وأما أحكامه اللفظية فكلها أثر من آثار أنه معرفة؛ فلذا لا يضاف، ولا يعرّف بأل، لعدم حاجته لشىء منهما. ويصح أن يقع مبتدأ؛ مثل:

_ 1 قد يكون من الدواعي البلاغية، "كالمدح والذم ... ، كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص 130ما يقتضي تنكير العلم، إما تنكيرا صريحا، نحو: رأيت محمدا من المحمدين، "وما من زيد كزيد بن ثابت"، وإما تنكيرا ملحوظا، أي: "مقدرا" كقول أبي سفيان: لا قريش بعد اليوم. وقول بعض العرب: "لا بصرة لكم":"فوقوعه فيهما اسم "لا"، دليل على تنكيره، لأن اسمها المفرد نكرة". وإذا نكر العلم جاز إصافته بشرط أن تكون الإضافة لغير أبيه، منعا للإلباس، الذي يحدث في مثل: أقبل على محمود. إذ لا ندري: أمحمد هذا هو أبوه، وأن الأصل على بن محمود.... أم أنه شخص آخر؟ ولهذا منعوا حذف المضاف إذا كان كلمة "ابن".... طبقا لما سيجيء في باب الإضافة "جـ3 م 96 ص 156". كما جاز أن تدخله "أل" التي للتعريف أو غيرها مما يعرفه، وأن يثني، وأن يجمع، من غير أن تلحقه بعد التثنية والجمع "أل" التي تعرفه، فيبقى على تنكيره. أما العلم الباقي على علميته فإنه عند تثنيته وجمعه يفقد التعريف، لمشاركة غيره له في اسمه، وصيرورته بلفظ لم يقع به التسمية في الأصل، فإذا أردنا إرجاع التعريف له بعد التثنية والجمع وجب أن نزيد عليه ما يفيده التعريف، مثل: "أل"، فكلمة مثل، محمد، هي علم، فهي معرفة، فإذا ثني أو جمع قيل: محمدان، محمدون، وكلاهما نكرة، طبقا لشروط التثنية والجمع فإذا أردنا تعيينه وتعريفه زيدت عليه "أل" - مثلا - كي تجعله معرفة. "وقد أوضحنا هذا في رقم 3 من ص 129". هذا، والأصل في العلم الخاص أنه لا يجوز إضافته، لأن الإضافة لا تفيده شيئا من التعريف أو: التخصيص والإيضاح....، لأنه معرفة بنفسه، فليس في حاجة جديدة إليها ولا يجوز أن تدخله "أل" المعرفة، ونحوها، لأنه في غنى عنها. لكن إذا وجد داع بلاغي - كما قلنا- فإنه يجري مجرى النكرات، سائر الأسماء المبهمة الشائعة، فتدخله "أل" المعرفة، ويضاف- ولو كان العلم في الحالتين علما بالغلبة، كما سيجيء في ص 436- فتفيده الإضافة مزاياها في التعريف، والتخصيص، والإيضاح. كقول النابغة الجعدي يهجو الأخطل: ألا أبلغ بني خلف رسولا ... أحقا أن أخطلكم هجاني؟ وقد يكون الغرض البلاغي أمرا آخر "غير ما أشرنا إليه من المدح والذم" هو: تقليل الاشتراك وزيادة التعيين والتحديد والإيضاح، ومنه قول الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني وسيجيء كلام على هذا البيت لمناسبة أخرى، في جـ3 بالإضافة ص 44 م 93. وقول لآخر: يا عد أم العمرو من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها وأنشد ابن الأعرابي: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب =

محمود نابه، ويقع صاحب حال متأخرة عنه ومتقدمة؛ مثل: جاء حامدٌ مبتسمًا؛

_ = وقول الأخطل: وقد كان منهم حاجب وابن أمه ... أبو جندل والزيد زيد المعارك وقول لآخر: بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر وقد أشرنا لما تقدم في رقم 1 من هامش ص 436 لمناسبة هناك. وفيما سبق يقول شارح المفصل جـ 1 ص 44، 45، ما ملخصه. "العلم الخاص لا يجوز إضافته، ولا إدخال لام التعريف عليه، لاستغنائه بتعريف العلمية عن تعريف آخر. إلا أنه ربما شورك في اسمه، أو وقع الاعتقاد بذلك، فيخرج عن أن يكون معرفة، ويصير من طائفة كل واحد منها له اسمه، ويجري مجرى الأسماء الشائعة التي تحتاج إلى إيضاح وتعيين. نحو رجل، وفرس، فحينئذ يمكن إضافته، وإدخال الألف واللام عليه، كما يقع ذلك في الأسماء الشائعة. فالإضافة نحو: زيدكم وعمركم. وعلا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم.... ونحو يا ليت أم العمرو كانت صاحبي.... ونحو: يزيد سليم، وعمر الخير، ومضر الحمراء، وأنمار الشاة، وربيعة الفرس.... وهذه الأعلام متى أضيفت- لمعرفة فقدت التعريف بالعلمية، واكتسبت تعريفا آخر يفيدها الإيضاح، هو التعريف بالإضافة، وصارت مثل "أخيك" و "غلامك" في تعريفهما بالإضافة.... هذا إن أضيف العلم لمعرفة، أما إذا أضيف إلى نكرة فهو نكرة، نحو: مررت بمحمد رجل، وعلى امرأة. إلا أنه يحدث في المضاف عندئذ نوع تخصيص، لأنك جعلته، "محمد رجل"، ولم تجعله "محمدا" شائعا في المحمدين، كما أنك إذا قلت، "غلام رجل" استفيد من أنه ليس لامرأة ... " أهـ- "راجع أيضا رقم 3 من هامش ص 317 الآتية، والخضري جـ1 عند الكلام على شروط المثنى". مما سبق يتبين أن الاستعمال الشائع الآن غير صحيح، حيث يضاف العلم إلى اسم الوالد، أو الوالدة، نحو: محمد على، ومحمود حامد، وزينب صالح، وفاطمة - أمينة ... ز" هي أعلام لأبناء مضافة إلى أعلام الوالد أو الوالدة. ومن المحتم أن تتوسط بينهما كلمة.. "ابن وابنة" ولا يصح حذفها مطلقا، ولو كان الحذف قائما على اعتبارها مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه، لأن هذا الحذف يوقع في اللبس، إذ لا دليل معه يدل على أن المضاف من أولاد المضاف إليه، ولهذا نصوا- في باب الإضافة، كما سبق على منع حذف المضاف إذا كان لفظة "ابن" ومثلها: ابنة "راجع جـ3 م 96 ص 155". لكن ما المراد بالإيضاح في جانب المعارف، وبالتخصيص في جانب النكرات؟ . أشار لهذا صاحب "المفصل" فيما سبق وفيما يجيء. فالمراد بالإيضاح هو: رفع الاحتمال، وإزالة الاشتراك في المضاف إلى المعرفة. والمراد بالتخصيص: تقليل الاحتمال والاشتراك في المضاف إلى النكرة. بيان ذلك: أننا حين نقول: سافر محمود - مثلا - "فمحمود" علم قد يشترك فيه عدة أشخاص، فلا ندري من منهم الذي سافر. فإذا قلنا: سافر "محمود الحديقة" أو: "محمود البيت، أو محمود نا" فقد زال الاحتمال، وارتفع الاشتراك بسبب إضافته =

أو جاء مبتسما حامد -لأن الغالب فى المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين- ويمنع من الصرف إن وجد مع العلمية سبب آخر للمنع، كالتأنيث في مثل: أصغيت إلى فاطمةَ. ويكون نعته معرفة مثله، ولا يصح أن يكون نكرة. علم الجنس: تعريفه: اسم موضوع للصورة الخيالية التى فى داخل العقل، والتى تدل على فرْد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية1. حكمه المعنوى: أكثر ما يتجه إليه معناه هو: الدلالة على واحد غير معين؛ فشأنه فى هذه الدلالة كشأن النكرة. ولكن هذا الواحد الشائع يكون من بين الأشياء الآتية المسموعة2 عن العرب: 1- حيوانات غير أليفة؛ كالوحوش، والحشرات السامة؛ وجوارح الطيور،

_ = لمعرفة، كما لو أتينا بعده بنعت - مثلا - فقلنا: سافر محمود العالم. وإذا كانت إضافته إلى نكرة فإن الاحتمال لا ينقطع، والاشتراك لا يزول، وإنما يخف أمرهما ويقل كما سبق في: محمد رجل ... وقد يحصل الاحتمال ويبقى الاشتراك بعد إضافة العلم إلى المعرفة، ولكن هذا قليل لا يلتفت إليه "راجع التصريح وهامشه في أول باب: النعت". ثم قال صاحب شرح المفصل في المكان السابق: "أما إدخال "أل" على العلم فقليل جدا في الاستعمال، وإن كان القياس لا يأباه كال الإباء، لأنك إذا قدرت فيه التنكير، وأنه ليس له مزية على غيره من المسمين به جري مجرى: "فرس" و "جل" ولا تستنكر أن تدخل عليه "أل" وقد جاء في الشعر وما أقله ... أهـ. وقد ينكر العلم الممنوع من الصرف، مثل: جاء أحمد -، ورأيت أحمدا- ومررت بأحمد إذا كان هذا الاسم مشتركا بين عدة أفراد كل منهم يسمى: بأحمد، ولا تقصد فردا معينا، وقد سبق بيان هذا في تنوين: "التمكين" "في رقم 3 من هامش ص 33 و 3 من هامش ص 37" ويرى بعض النحاة أن العلم إذا أضيف لا يفقد علميته، بل تبقى وإنما يكتسب من الإضافة زيادة إيضاح على إيضاحه السابق، تفيده تعيينا، وتمنع أثر الاشتراك عنه، كالذي في قول العرب: هذا جميل بثنية، وقيس ليلى. والخلاف لفظي شكل، لا أثر له. وإن كان الرأي الأول هو الذي يساير القواعد النحوية العامة. 1 سبق شرح هذا بالإضافة في ص 289 وما بعدها. 2 انظر رقم ص 299 حيث الكلام على قياسيته.

ومنها: "أبوالحارث وأسَامة" وهما: للأسد، "وأبوجَعْدة وذُؤَالة" وهما: للذئب. "وشَبْوَة وأمّ عِرْيَط"، وهما: للعقرب "وثُعَالة، وأبوالحُصَيْن"، وهما: للثعلب. 2- بعض حيوانات أليفة1؛ ومنها: هَيَّان بن بَيَّان؛ للإنسان المجهول نسبه وذاته. ومثله: طامر بن طامر، وأبوالمَضَاء، للفرس. وأبوأيوب، للجمل وأبوصابر، للحمار، وبنت طَبَق، للسحلفاة2. وأبوالدَّغفاء، للأحمق، من غير تعيين شخص بذاته في شيء مما سبق. فلو أريد به فرد واحد معين لكان علم شخص. 3- أمور معنوية3 "أى؛ ليست محسوسة؛ فهى تخالف النوعين السابقين" مثل: أم صبور، علم للأمر الصعب الشديد. ومثل: سُبحان، علم للتسيج، وأم قَشْعَم، علم للموت، وكَيْسان، علم للغدر، ويَسَارِ "على وزن: فَعَالِ، وهووزن للمؤنث هنا" علم للمَيْسرة، أى: اليُسر. وفَجَارِ؛ علم للفَجْرة. "أى: الفجور، وهوالميل عن الحق" وبَرَّة؛ علم للمَبرة. "أى: البرّ". 4 جمع ألفاظ التوكيد المعنوي "الملحقة" بألفاظه الأصيلة، لأن كل لفظ من هذه الملحقات هو علم جنس يدل على الإحاطة والشمول، ولهذا لا يجوز نصبه على الحال في الرأي الصحيح- ومن تلك الألفاظ الملحقة: "أجمع - جمعاء- أجمعون- جمع"، وكذلك "أكتع- أبتع- أبصع" وسيجيء البيان بتفصيل هذا في باب التوكيد جـ3 م 116 - ص 502. أحكامه اللفظة هي الأحكام اللفظية الخاصة بقسيمه: "علم الشخص"، فهما متشابهان فيها4،

_ 1 مجيء علم الجنس من هذا النوع قليل بالنسبة للنوعين الآخرين، لأن الأشياء المألوفة توضع الأعلام للفرد منها، لا للجنس. 2 وقد تستعمل للحية. 2 انظر ص 299 ففيها تكملة مهمة. 4 ولكن يجب ملاحظة ما يمتاز به "علم الشخص" من صحة جمعه جمع مذكر سالم باطراد إذا استوفى شروط هذا الجمع "وقد سبقت في ص 140" أما علم الجنس فلا يجمع منه هذا الجمع إلا ألفاظ معدودة، هي: أجمع- أكتع - أبصع - أبتع - ... "طبقا لما أشرنا إليه في رقم 2 من هامش ص 140 ورقم 4 من هامش ص 142 أما الإيضاح والتفصيل في المكان الخاص، وهو باب: التوكيد، حـ 3 م 116 ص 500".

فلا يجوز1 في علم الجنس أن يضاف، ولا أن تدخل عليه "ألْ"1 المعرّفة؛ فلا تقول: أسامةُ الحديقة في قفص، ولا الأسامة في قفص. وهو يقع مبتدأ؛ مثل أسامة مفترس؛ ويكون صاحب حال متأخرة عنه2؛ مثل: زأر أسامة غاضبًا. ويمنع من الصرف إن وجدت علة أخرى مع العلمية، كالتأنيث فى مثل: أسامةُ ملك الوحوش؛ فتمتنع كلمة: "أسامة" من الصرف للعلمية والتأنيث3 ويجب أن يكون نعته معرفة مثل: أسامة القوىّ ملك الوحوش. ولا يصح أن يكون نكرة4، في الرأي الصحيح. وفيما سبق من الأحكام المعنوية واللفظية بيان وتفسير لقول النحاة: حُكْم علَم الجنس أنه نكرة معنى، معرفة لفظًا".

_ "1و 1" الأشياء التالية كلها لا تجوز، بشرط بقائه على علميته، فإن نكر جاز إضافته، واقترانه بأل، ووصفه بالنكرة، وعدم منعه من الصرف.... و..... وهي أمور تجري في "علم الشخص"، طبقا لما بيناه عند الكلام عليه- انظر رقم 1 من هامش ص 294 حيث البيان -. 2 لأن مجيئها متأخرة عنه دليل على أنه معرفة، إذ الحال المتأخرة لا يكون صاحبها نكرة في الغلب - إلا في مواضع معينة تخالف هذه. أما إذا تقدمت الحال فإن صاحبها قد يكون معرفة، مثل: أقبل ضاحكا الضيف، وقد يكون نكرة، مثل: أقبل ضاحكا ضيف. 3 ومثلها: "ثعالة" للثعلب، و "برة" للمبرة. و "سبحان"، وكيسان"، للعلمية وزيادة الألف والنون. وكلمة: "أوبر" في "بنات أوبر" نوع من الكمأة. - للعلمية ووزن الفعل.... وهكذا. 4 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله في آخر باب: العلم. ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم من ذاك: "أم عريط" للعقرب ... وهكذا: "ثعالة" للثعلب ومثله: "برة" للمبرة ... كذا، "فجار" علم للفجرة أي: أن العرب وضعوا علم جنس لبعض الأجناس - انظر رقم 2 من الصفحة الآتية - في الأحكام اللفظية أما في الحكم المعنوي فكلاهما يدل على فرد واحد، غير أن علم الشخص يدل في الأغلب على فرد واحد متعين، وعلم الجنس يدل على فرد واحد غير متعين. وهذا هو المراد من قول ابن مالك أنه: عم. بصيغة الفعل الماضي، يريد، أن مدلوله عم الأفراد: بحيث يصدق مدلوله على كل فرد، دون فرد بذاته، فهو عام شائع من جهة مدلوله. و"فجار" علم للمؤنث"، ولذا قال علم: للفجرة، أي: الفجور، فالتاء فيها ليست للمرة، وتأنيث الوحدة، وإنما هي التاء الدالة على حقيقة الشيء، أي: ذاته الأساسية الشائعة في ضمن أفراده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- استعمل العرب علم الجنس في أمور معنوية -كما سبق1- غير أن بعض تلك الأمور قد استعملوه حينًا علم جنس؛ فتجري عليه الأحكام اللفظية الخاصة بعلم الجنس؛ فهو معرفة من هذه الجهة، وحينًا استعملوه كالنكرة تمامًا؛ فلا يلاحظ فيه تعيين مطلقًا. والطريق إلى معرفة هذا النوع هو السماع المحض عن العرب. ومن أمثلته: فَيْنَة "بمعنى؛ وقت" و"بُكْرة" و"غُدْوة" وهما بمعنى أول النهار، و"عشية" بمعنى آخر النهار. فهذه الكلمات تستعمل بغير تنوين؛ فتكون معرفة؛ مثل: قضينا فَينةَ في الحديقة أي: الفينة المعينة من يوم معين. وتقول؛ فلان يتعهدنا بُكرةَ: أي: البكرةَ المحددة الوقت واليوم. وكذا. "غدْوةَ وعشيةَ" بغير تنوين؛ تريد بكل منهما وقتها ويومها المحددين. فأنت تقصد الأوقات المعينة التي تبينها هذه الأسماء السابقة2. أما إذا قلتها بالتنوين فلست تريد واحدة، معينة، محددة في يوم محدد -وإنما تريد "فَيْنةً"، من يوم أي يوم، و"بُكرة" أيّ بكرة أيضًا، وهكذا الباقي ... وفي الأثر المَرْوي: ""للمؤمن ذنب يعتاده الفَيْنةَ بعد الفينة" فدخول "أل" دليل على أن الكلمة قبلها كانت نكرة. ويترتب على هذا الاختلاف في المراد الاختلاف في الأحكام اللفظية التي عرفناها، والتي تطبق على الكلمات باعتبارها علم جنس، ولا تطبق عليها باعتبارها نكرات، ولا يعرف هذا في النوعين الآخرين من علم الجنس؛ فهما معرفتان، وحهكما من جهة اللفظ حكم علم الجنس.... 2- جاء في بعض المراجع - كالصبان- ما يفهم منه أن "علم الجنس" سماعي. لكن الذي قد يفهم من بعض المراجع الأخرى -كالهمع، ج1 ص73- أنه قياسي في غير الأنواع المعنوية الموضحة هنا. وهذا الرأي وحده هو الأنسب، لأن المدلولات التي تحتاج إلى علم جنسي كثيرة في كل زمن بسبب ما يجد فيه من أنواع ومخترعات وأجناس.....

_ 1 في رقم 3 من ص 297. 2 ولهذه الأسماء مزيد إيضاح في جـ2 هامش ص 221 م 79.

التقسيم الثاني: وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار لفظه إلى علم مفرد، وعلم مركب. فالمفرد: ما تَكَوّن من كلمة واحدة1، مثل: صالح، مأمون، حليمة، "أعلام أشخاص". والمركب: ما تكون من كلمتين أو أكثر. وهو ثلاثة أقسام: أولها: المركب الإضافي: ويتركب من مضاف ومضاف إليه؛ مثل: عبدُ العزيز، وسعد الله، وعزّ الأهل ... وثانيها: المركب الإسنادي2: ويتركب إما من جملة فعلية؛ -أي: من فعل مع فاعله أو مع نائب فاعله- مثل: "فَتَحَ اللهُ" و"جادَ الحقُّ" و"سُرُّ من رَأي" وإما من جملة اسمية؛ أي: من مبتدأ مع خبره مثل: "الخيرُ نازلٌ" و"السيدُ فاهمٌ" و"رأسٌ مملوء" وكلها أسماء أشخاص معاصرين، إلا "سُرَّ من رأي" فإنها اسم مدينة عراقية قديمة. وقد ألحق بالمركب الإسنادي بعض ألفاظ لا ينطبق عليها تعريفه -لأنها ليست جملة- ولكنها تخضع لحكمه، وسيجيء البيان3. وثالثها: المركب المزجيّ: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا "أي: اختلطَتَا؛ بأن اتصلت الثانية بنهاية الأولى..... 4." حتى صارتا كالكلمة الواحدة5؛ من

_ 1 ملاحظة: سيجيء في رقم 1 من هامش ص308 أن الكنية -مع تركيبها الإضافي- تعد من قسم العلم الذي معناه إفرادي بالإيضاح الذي هناك. 2 المركب الإسنادي هو: ما انضمت فيه كلمة إلى أخرى على وجه يفيد حصول شيء، أو عدم حصوله، أو طلب حصوله - كما أوضحنا ذلك في ص 28- فالإسناد هو نسبة الحصول أو عدمه، أو طلبه. أي: التحدث عن ذلك الشيء بما ينسب إليه، سلبا، وإيجابا، أو طلبا، ولا يتأتى هذا إلا بجملة فعلية، أو اسمية، أو ما في حكم كل منهما. وللأقدمين ومن جاء بعدهم أعلام كثيرة مركبة تركيبا إسناديا. ونحن في عصرنا الحاضر نحاكيهم في ذلك، بل نفوقهم في الإكثار، حتى لقد نعرف اليوم كتبا مختلفة، من أسمائها: "يسألونك" و "اسألوني". و "المعركة قادمة". و "جاء النصر" و "نحن هنا" ومن الأعلام": "حيدر أباد" و "الله أباد" بلدان في الهند، ومثل: "شمر" لرجل ولفرس....، ورام الله، لبلد في لبنان. 3 في ص 310 ورقم 2 من هامشها. 4 وقد تفصل بينهما الواو المهملة - وهي الزائدة سماعا لمجرد الفصل بين الكلمتين، ولا تفيد عطفا، ولا غيره - في مثل كيت وكيت، وذيت وذيت.... طبقا لما سيجيء في جـ 4 ص 540 م 168 "باب: كم وكأين، وكذا". 5 لا يكون المركب المزجي إلا من كلمتين فقط، كما يفهم من التعريف، ولا يصح مزج أكثر منهما، لأن العرب لم تركب ثلاث كلمات. وقد صرح بهذا الأشموني "جـ 1 في أول باب المعرب والمبني =

جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية وحدها -غالبًا- أمَّا آخر الأولى فيبقى على حاله قبل التركيب1. ومن أمثلته: بُرْسعيد "اسم مدينة مصرية" رَامَهُرْمُز،

_ = عند الكلام على إعراب المضارع، وقال الصبان هناك: لا اعتراض على الحكم السالف بما ورد من نحو: لا مادة بارد، ببناء الوصف وهو كلمة "بارد" على الفتح.... فإن هذا الاعتراض مدفوع بأن "لا" إنما دخلت بعد تركيب الموصوف والوصف، وجعلهما كالشيء الواحد. ولا يقاس على باب "لا" "غيره" أ. هـ - "انظر" "ب" من 701 ص - ومتى امتزجتا صار العلم بهما كلمة واحدة ذات شطرين، كل شطر منهما في العلم بمنزلة الحرف الهجائي الواحد من الكلمة الواحدة "كما نص على هذا شارح المفصل جـ4 ص 116" والأصل في العلم قبل التركيب أن يكون لكل واحدة منهما معنى معين يخالف معنى الأخرى، أما بعد التركيب المزجي فالأمر يختلف فإن كان هذا التركيب علما من النوع الذي تتركز فيه علامات الإعراب أو البناء على آخر الثانية فقط "وسيجيء في ص 311 وما بعدها، كسيبويه، وبعلبك، وغيرهما من الأمثلة المعروضة هنا، ونظائرها" زال المعنى الأصلي لكل منهما نهائيا، ولا يصح ملاحظته، لأنه ينشأ من المزج معنى جديد مستحدث، لا صلة له بالمعنى السابق لهما لإحداهما. أما إن كان هذا المركب المزجي من النوع الآخر الذي سيجيء "في ص 313" وهو الذي يبني على فتح الجزأين، "كالمركبات العددية، مثل: ثلاثة عشر، وأربعة عشر ... أو: المركبات الظرفية، نحو: صباح مساء.... أو الحالية، نحو: فلان جاري بيت بيت أي.... ملاصقا.... أو: باقي المركبات الأخرى التي تبني على فتح الجزأين معا، "ومنها ما يفصل بينهما الواو سماعا، طبقا لما تقدم في رقم 4، وللأحكام المدونة في أبوابها...." فإن المعنى بعد التركيب يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعنى الذي كان لكل كلكة قبل مزجها بأختها، فيتكون المعنى الجديد من معناهما السابق، مع بعض زيادة تنضم إليه دون إلغاء للسابق، أ, إهمال لملاحظته في تكوين المعنى المستحدث، فأساس المعنى الجديد هو معناهما القديم مع ضم زيادة إليه. وهذا النوع يلاحظ فيه قبل المزج أنه على تقدير: "واو العطف" بين الكلمتين وأنهما في حكم المتعاطفين، فمعناهما بملاحظتهما قبل التركيب هو معناهما الجديد بعد المزج، بغير ملاحظتهما "راجع شرح المفصل جـ 1 ص 65 وجـ 4 ص 124". 1 ولا يكاد يختلف هذا التعريف عن التعريف النهائي الذي ارتضاه المجمع اللغوي القاهري ونصه: "كما جاء في ص 52 من كتابه المجمعي المسمى: "كتاب في أصول اللغة، الصادر في سنة 1969"، هو: "المركب المزجي ضم كلمتين إحداهما إلى الأخرى، وجعلهما اسما واحدا، إعرابا وبناء، سواء أكانت الكلمتان عربيتين أم معربتين- ويكون ذلك في أعلام الأشخاص، وفي أعلام الأجناس، والظروف، والأحوال، والأصوات، والمركبات العددية" ا. هـ. ومن المركب المزجي في الأصوات قولهم: "قاش ماش" بالكسر فيهما لصوت طي القماش - كما سيجيء في جـ 4 باب: "أسماء الأصوات" م 142 ص 156 ص وسيجيء الكلام على حكمه في ص 311 و 313، وكذلك في جـ 4 باب الممنوع من الصرف ص 217 م 147. ويلاحظ أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية في غير المركبات المزجية العددية وما شابهها مما يكون حكمه البناء على فتح الجزأين معا، طبقا لما ذكر في هذا الهامش، وفي سابقه، وللبيان الآتي في ص 313.

وَطبَرِسْتان، وجَرْدِسْتان؛ من أسماء البلاد الفارسية1 ومثل: نُيُويُرْك، وقاليقلا2، وجَرْدِنْستى3 وبَعْلَبَكّ4 وسِيَبَويه5، وبرْزَوَيْهِ6 ونِفْطَوْيه7، وخالَوَيْهِ8، ومثل9: "السّلاحْدار، والخازِنْدار، والبُندُقْدار". فالعلم إما مفرَد، وإما مركب تركيب إضافة، أوتركيب إسناد، أومزج10. التقسيم الثالث: هو يتضمن انقسام العلم باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته، إلى مرَتَجَل، ومنقول. فالمرتجل: ما وضع من أول أمره علمًا، ولم يستعمل قبل ذلك فى غير العلمية. ومثاله: الأعلام التي اخترعها العرب أول مرة لمسميات

_ 1 فالأولى مكونة من "رام، وهرمز"، وهما معًا اسم مدينة فارسية، واسم رجل أيضًا، والثانية مكونة من "طبر، وستان" ومعنى ستان: مكان، والثالثة من "جرد، وستان". 2 اسم بلد الشام. 3 اسم حي مشهور من أحياء وسط القاهرة، على النيل. 4 بلد بلبنان الآن. وأصله: "بعل" "اسم صنم و "بك" "اسم رجل يعبده"، ثم صار اسما واحدا للبلد. 5 كلمة فارسية مركبة من "سيب" بمعنى: تفاح، و "ويه" بمعنى: رائحة. فالمراد. رائحة التفاح" وقد تقدم المضاف إليه على المضاف، كما هو الشأن في اللغة الفارسية، وبعض اللغات الأعجمية، وصار مركبا مزجيا، علما على الإمام النحوي الأكبر المتوفي حول سنة 180 هـ. 6 لقب أحمد بن يعقوب الأصفهاني من أئمة الحديث الشريف. 7 اسم عالم لغوي كبير، وأصل "النفط" ما تسميه العامة: "زيت البترول". 8 اسم عالم لغوي كبير، وأديب نحوي، في القرن الرابع الهجري. 9 الأسماء الأتية هي من الأعلام المشهورة في عرصنا. وترجع في أصلها إلى دولة "المماليك" التي حكمت مصر سنوات طوالا. وكانت تطلق على مكان السلاح، أو المشرف على شئونه اسم: "السلاحدار" وعلى المشرف على شئون الخزن: "الخازندار" وعلى شئون البندق: "البندقدار" بتقديم المضاف إليه على المضاف في تلك الألفاظ كالشان في اللغة الفارسية وبعض اللغات الآخرى - كما تقدم إذ الأصل. دار السلاح ودار الخازن، ودار البندق ... وعند تقديم المضاف إليه على المضاف يصير التركيب مزجيا بعد أن كان إضافيا. ويحسن في التركيب المزجي وصل الكلمتين خطا إن كان الحرف الأخير من الصدر مما يوصل بغيره، فيكون هذا الاتصال الخطي دليلا على المزج. 10 وليس من أنواع المركب هنا: العلم المركب الوصفي، وهو الذي يتألف من موصوف وصفة، مثل: الطالب المؤدب ... فكلاهما يعد من قبيل المفرد في أحكامه- كما سيجيء بيانه في رقم 2 من

عندهم؛ ومنها: أُدَد "علم رجل" وسعاد1 "علم امرأة" وَفقْعسَ علم للأب الأول لقبيلة عربية معروفة. ومثل: الأعلام التي يخترعها الناس لمسميات خاصة عندهم، من غير أن يكون لها عند العرب الخُلَّص وجود سابق، مثل:"جَيْن"، علم على بلد. و"رَسَح" علم على جبل. "وبَحْن" علم على شجرة مُعينة. وغير ذلك من الأعلام التي يبتكرونها فى عصر من العصور، على حسب رغبتهم وأذواقهم2. ويريدون بالمنقول2 -وهو الأكثر- أحد شيئين: أولهما: العلم الذي لم يستعمل لفظه أول الأمر علمًا مطلقًا؛ وإنما استعمل أوّلا في شيء غير العلمية، ثم نُقِل بعده إلى العلمية3؛ مثل: حامد، محمود فاضل، أمين ... ؛ فقد كانت قبل العلمية تؤدي معنى آخر، ثم انتقلت منه إلى العلمية. وثانيهما: العلم الذي استعمل أول أمره علمًا لفرد في نوع، ثم صار علمًا لفرد في نوع آخر يخالف الأول؛ مثل: "سعاد" علم امرأة؛ ثم صار علم قرية، لا علم امرأة. 1- والنقل قد يكون من اسم منفرد اللفظ3؛ فيشمل: ما هو منقول من معنى

_ 1 إذا كان العلم مرتجلا، "كسعاد" مثلا - ثم سميت به امرأة ثانية وثالثة ... و.... لم يخرج، بسبب تكرار التسمية - عن أنه مرتجل ما دام النوع لم يختلف. أما إذا اختلف النوع فإن الاسم الثاني والثالث و..... و.... و...... لا يكون مرتجلا، بل يكون منقولا: كتسمية إنسان بأسامة، فإن "أسامة" مرتجل بالنسبة للأسد، ومنقول بالنسبة للإنسان. "2 و3" ومما يلاحظ أن وضع الأعلام الشخصية المرتجلة ليس مقصورا على العرب الخلص- وكذا المنقولة- وإنما هو حق لهم ولغيرهم، في كل زمان ومكان. أما الأعلام الجنسية - فقد سبق حكمها في رقم 2 من ص 299. وإذا صارت الكلمة علما مرتجلا أو منقولا، خضعت للضوابط والأحكام العامة التي تجري عليه في الإعراب أو البناء- ولا سيما ما تقضي به الملاحظة" التي في ص 79 - وفي التذكير والتأنيث، وفي منع الصرف وعدمه، وفي الإفراد والتثنية وجمع التصحيح، وباقي الأحكام المختلفة، ويجري عليها في جموع التكسير ما يجري على نظائرها. فإن لم يكن لها نظائر فعلي ما يقاربها، طبقا لما تقضي به الضوابط العامة. وفي كتاب لهمع "جـ2 ص 183 باب التكسير" طريقة جمع الأعلام المرتجلة والمنقولة.... "3 و 3" إذا كان العلم منقولا من لفظ مبني مفرد - أي: منفرد -، ليس من أنواع المركب الثلاثة" وجب تغيير حكمه، فيصير معربا منونا، طبقا "للملاحظة" المفيدة التي تقدمت في ص 79 ثم انظر رقم 1 من هامش ص 309" - ولها إشارة في "ب" من ص 306.

من المعاني العقلية الخالصة التي يُسَمُّون كُلاًّ منها: "الحدث المجرد" مثل: فضْل، وسُعُود، ومجْد، وهيْبة؛ أعلام أشخاص - وما هومنقول من اسم عيْن، أى: من ذات مجسَّمة محسوسة؛ مثل: غزال، وقمحة، وزيتون وفيل ... أعلام أشخاص ... وما هومنقول من اسم مشتق؛ مثل: صالح، ونبيل، ومحمد، ومفتاح. 2- وقد يكون النقل من الفعل وحده1؛ من غير أن يكون معه فاعل ظاهر، أوضمير مستتر، أوبارز، ومن غير أن يلاحَظ الفاعل أويُقَدَّر بوجه من الوجوه؛ فيشمل المنقول من فعل ماض مثل: شمَّرَ، وجادَ وصفا، "أسماء أشخاص". أو: من فعل مضارع؛ مثل: يزيد2، وتميس3، وتَعِز4

_ 1 النقل إذا كان من فعل مع فاعله الظاهر، أو فاعله الضمير المستتر -أو البارز- فإنه يعد نقلا من جملة فعلية، فتعرب إعراب المركب الإسنادي، حيث تخضع للحكاية التي سيجيء بيانها في هذا الباب "ص310 ورقم 1 من هامشها". أما النقل من الفعل وحده فليس نقلا من جملة. ويعرب الفعل في هذه الحالة إعراب الممنوع من الصرف، للعلمية مع وزن الفعل مثلا، كما هو الحال هنا، أو: للعلمية مع سبب آخر إن وجد. ومن أمثلة الفعل الماضي وحده: "شمر" علم على شخص، وعلم على فرس أيضا -كما سلف- ومن أمثلة المضارع وحده "يشكر" علم نوح عليه السلام، وعلم قبيلة، وجبل صغير بالقاهرة عند القلعة، ومن أمثلة الأمر: "أسكت" بضم الهمزة - علم على صحراء عربية. وهذه الهمزة للقطع، مع أنها في الأصل للوصل، لأن همزة الوصل كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص 306 وفي هامش ص 421 - إن وجدت في لفظ ليس علما ثم صار علما فإنها تصير همزة قطع". فإن احتمل النقل أن يكون من جملة فعلية ومن فعل وحده مثل: "أسكت" كان حمله على الفعل وحده أولى، لأن النقل من الجملة مخالف للأصل، فلا يلجأ إليه إلا بدليل وقرينة، كما في كلمة "يزيد" في قولى الشاعر: نبئت أخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد فإن رفع كلمة: "يزيد" دليل على أن النقل من جملة فعلية، فعلها: "يزيد" وفاعليها: ضمير مستتر تقديره، هو، إذ لو كان النقل من الفعل وحده لوجب أن يقول: يزيد، فيكون مجرورا بالفتحة، لأنه مضاف إليه، ممنوع من الصرف، للعلمية ووزن الفعل. "نبئت أخبرت. أي: أخبرني العارفون. "القديد": الصياح. "ظلما" مفعول لأجله، لفعل محذوف تقديره: يصيحون. "علينا" جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف. "ولهم فديد" مبتدأ وخبر. والجملة في محل نصب حال. و "نبئت" أصل فعله: "نبأ" فعل ماض ينصب ثلاثة مفاعيل: أولها قد صار نائب فاعل بعد حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول. وثانيهما "أخوالي" والثالث الجملة من الفعل المحذوف وفاعله "وهي جملة: "يصيحون". 2 علم على رجل. 3 علم على امرأة. 4 علم لمدينة باليمن.

وتغلب1، ويشكر2. أو: من فعل أمر، مثل: سالمْ، وسامحْ3. 3- وقد يكون النقل من جملة، إما اسمية؛ مثل: "علىّ أسد"، و"ماشاء الله"4 و"نحن هنا" اسم كتاب ... ، وإما جملة فعلية، مثل: فَتَحَ اللهُ، زادَ الخيرُ، وأَطْرِقا "اسم بلد. وصحراء ببلاد العرب" والنقل هنا من جملة فعلية؛ لظهور الفاعل الضمير البارز. 4- وقد يكون النقل من حرف؛ كتسمية شخص بكلمة: "رُبّ"، أو: إن ... وقد يكون من حرفين، مثل: ربما، إنما. 5- وقد يكون من حرف واسم5.... مثل: بِهَناء، ومثل: الحارث "اسم قبيلة عربية". 6- أوحرف وفعل مثل: اليزيد6 ... هذا: ومن خصائص العلم بنوعيه السالفين أمران: أما أولهما: فأنه اسم جامد لا صلة له بالاشقاق ولو كان في أصله وقبل نقله إلى العلمية اسما مشتقا. لهذا تجري عليه أحكام الجامد وحده7.... وأما ثانيهما: فأن صيغته المكونة من الحروف الهجائية كتلة متماسكة الحروف لأن العلمية تحدده وتحصره، فلا يجوز الزيادة على حروفه أو النقص8.

_ 1 علم لقبيلة عربية. 2 علم لنوح عليه السلام، أو: لجبل، كما سبق- في رقم 1 من هامش ص 304 - ولقبيلة عربية هجاها الشاعر بقوله: "ويشكر" لا تستطيع الوفاء ... وتعجز "يشكر" أن تغدرا 3 كلاهما اسم رجل. 4 أي: الذي شاءه الله، وأراده. "5 و 5 و 5" انظر ما يختص بهذا النوع من النقل، وحكمه، في رقم 2 من هامش ص 310. 6 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله: ومنه منقول، كفضل، وأسد ... وذو ارتجال، كسعاد، وأدد 7 كما تقدم في رقم 3 من هامش ص 139 و 4 من هامش ص 209. 8 طبقا للبيان المفيد الذي سبق في "جـ" من ص 125.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان العلم منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل فإن همزته بعد النقل تصير همزة قطع -كما أشرنا1- نحو: "إستقبال" علم امرأة، و"أل" علم على الأداة الخاصة بالتعريف أوغيره، بشرط أن تكتب منفردة مقصودًا بها ذاتها؛ فنقول: "أل" كلمة ثنائية، و"أل" فى اللغة أنواع من حيث المدلول ... ، ومثل: يوم الإثنين، بكتابة همزة: "إثنين" لأنها علم على ذلك اليوم2 ... ومثل: "أُسكُت" علم على صحراء ... ب- وإذا كان العلم منقولا من لفظ مفرد مبني فإنه يصير بعد هذا النقل معربا منونا، طبقا للبيان التفصيلي الذي سبق3.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص 304 وهامش 421. 2 ولا التفات لما اشترطه بعضهم لإخراج نوع من الأعلام من هذا الحكم، إذا الصحيح أن هذا الحكم عام يشمل الأعلام بأنواعها المختلفة، كما يشمل غير الأسماء من كل لفظ مبدوء بهمزة وصل قد سمى به، وصار علما. - راجع "حاشية الصبان" في آخر باب النداء، عند قول ابن مالك. "وباضطرار خص جمع "يا" و "أل"...." وكذلك.. "التصريح، والخضري" في هذا الموضع نفسه. وللخضري تعليل قوي، نصه: "ما بديء بهمزة الوصل فعلا كان أو غيره، يجب قطعها في التسمية به: لصيرورتها جزءا من الاسم، فتقطع في النداء أيضا: ولا يجوز وصلها لأصالتها، كما - وصلت- في لفظ الجلالة، لأن له خواص ليست لغيره....." اهـ..... فلا التفات إلى ما نقله الصبان عن غيره في موضع آخر. 3 في ص 79 بعنوان: "ملاحظة".... ثم انظر رقم 1 من هامش 309.

التقسيم الرابع: وهو يتضمن انقسام العلم باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته، إلى: اسم، ولَقب، وكُنْية. فأما الاسم هنا1 فهو: عَلَم يدل على ذات معينة مشخَّصة -في الأغلب-2، دون زيادة غرض آخر من مدح، أو ذمّ ... ، مثل: سعيد، كامل؛ مرْيم، بُثَيْنة، وأشباهها؛ من كل ما يكون القصد منه أمر واحد؛ هو: مجرد الدلالة على ذات المسمى وتعيينها وحدها، دون غيرها، ودون إفادة شيء يتصل بها؛ كمدح أو ذم. وأما اللقب فهو: علَم يدل على ذات مُعيَّنة مشخصة، مع الإشعار -بمدح أو ذمّ؛ إشعارًا مقصودًا بلفظ صريح3؛ مثل: "بَسّام، الرشيد، جميلة...." "السفاح، صخر، عرجاء....".

_ 1 أي: في باب: "المعارف"، لا في باب: "تقسيم الكلمة" -وقد سبق في ص 26، حيث الاسم يقابل هناك الفعل، والحرف. "2 و 2" أما في غير الأغلب فيفقد التعيينن والتشخيص، طبقا لما أوضحناه في رقم 3 من هامش ص 129 وفي رقم 1 من هامش ص 292. 3 لأن كل واحد من القسمين الآخرين للعلم "وهما، الاسم والكنية" لا يخلو من مدح أو ذم، ولو من ناحية بعيدة. غير أن المعول عليه في اللقب- فوق دلالته على الذات المعينة- هو أن يدل على المدح أو الذم بلفظ صريح بأحدهما إشعارا واضحا قريبا. فليس المراد من اللقب مجرد الدلالة على الذات، وإنما المقصود منه أمران معا، الدلالة على المسمى المعين، والإشعار بمدحه أو ذمه. وهذا أهم من تلك الدلالة، إذ يمكن الوصول إليها من طريق آخر، هو طريق الاسم، فإنه يكاد يكون مقصورا عليها وحدها، ومختص بها- وإن كان لا يخلو من رائحة مدح أو زم.... كما سبق-. وأما الكنية فإنها تدل على المسمى، وتدل معه على المدح والذم كاللقب، طبقا لما أسلفنا- ولكن من طريق التعريض، لا من طريق التصريح، لأن المتكلم حين يكني عن شخص فيقول عنه: "أبو على" مثلا أو: "ام هانيء"....، ولا يصرح بالاسم أو باللقب، فإنما يرمي من وراءه ذلك إلى تعظيمه، أو تحقيره بعدم ذكر اسمه، تعظيما وتقديما، أن يجزي اللسان به، أو: تحقيرا، وزراية، وأنه لا يستحق الذكر. وقد يجيء التعظيم أو التحقير ضمنيا أيضا، ولكن من ناحية أن المضاف يكتسبه من المضاف إليه، مثل: أبو الفوارس، وأبو لهب، وأم الدواهي "القنبلة الذرية".... فقد فهم المدح، أم الذم. في الكنية فهما ضمنيا، كشف عنه المضاف إليه ... وقد يراد بالكنية التفاؤل بأن يعيش صاحبهما حتى يكون أبا أو أخا لفلان ... وقد يراد التشاؤم ... ومما سبق نعلم أن كلا من اللقب والكنية يؤدي أمرين معا، هما: أ- الدلالة على مسمى معين. ب- والمدح أو الذم. غير أن اللقب يدل عليهما بلفظ صريح مقصود، وأن الكناية تدل عليهما من طريق ضمني، فيه التعريض، وليس فيه التصريح المكشوف. وهذا هو الفارق الهام بينها وبين اللقب. شيء آخر، هو: أن الإسم واللقب قد يدلان معا وبلفظهما الصريح على مدح ظاهر، أو ذم واضح: نحو: الحسن الصادق الحطيئة الأجرب- ومعنى الحطيئة: القصير- وفي مثل هذه الصورة يكون =

وأما الكنية فهي علم مركب تركيبًا إضافيًّا1، بشرط أن يكون صدره "وهو المضاف" كلمة من الكلمات الآتية: "أب، أمّ"، "ابن، بنت" "أخ، أخت" "عمّ، عمة" "خال، خالة"، مثل: الأعلام الآتية: "أبو بكر، أبو الوليد" "أم كلثوم، أمّ هانئ"، "ابن مريم، بنت الصديق" "أخو قيس، أخت الأنصار"، وهكذا2 ... وليس منه: أبٌ لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل مالا إضافة فيه على الوجه السابق. وكل قسم من الأقسام الثلاثة السالفة قد يكون مرتجلا أو منقولا، مفردًا أو مركبًا، إلا الكنية فإنها لا تكون إلا مركبة. الأحكام الخاصة بالتقسيمات السالفة، وتتركز في النواحي الأربعة الآتية: أولها: الأحكام الخاصة بإعراب العلم المفرد، والعلم المركب.

_ = الاسم هو ما وضعه الوالدان -ونحوهما أولا دالا على المسمى: ليكون اسما له ابتداء، مهما كان ذلك، وما استعمل في ذلك المسمى بعد وضع هذا الاسم الأول فإن كان مشعرا يمدح أو ذم فلقب، وإن كان مصدرا بأب أو أم ونحوهما مما سردناه فكنية. فاعتبار الإشعار بالمدج أو الذم، وملاحظة التصدير بأب أو أم أو نحوهما مما ذكرناه إنما يكون بعد وذع اللفظ الدال على الذات أولا، أي: بعد وضع الاسم". راجع الصبان، جـ 1 أول باب الكلام وما يتألف منه عند قول ابن مالك: "قال محمد هو ابن مالك....". فإن لم يعرف الموضوع ابتداء والسابق من الاسم واللقب فالأحسن اعتبار المتقدم هو الاسم والمتأخر هو اللقب، والكنية هي المصدرة بأحد الألفاظ المعروفة، "أب - أم ... ". 1 ألمحنا في رقم 1 من هامش ص 300 إلى أن الكنية - مع تركيبها الإضافية لفظا - معدودة من قسم العلم الذي معناه إفرادي، فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفرده على معنى يتصل بالعلمية. ولهذا حين يقع بعدها تابع، كالنعت مثلا في قولنا: جاء أبو الفوارس الشجاع، فإن النعت، "وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتا للاثنين معا، أي: للمضاف والمضاف إليه، ولا يصح أن يكون نعتا لأحدهما فقط، وإلا فسد المعنى. ولكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده. أي: أن لفظه تابع في إعرابه المضاف، وأما معناه فواقع على المضاف والمضاف إليه معا. طبقا لما سيجيء في بات النعت "جـ 3 م 114 ص 429" - راجع التصريح جـ2 آخر باب الإضافة، عند الكلام على الشاهد في قول معاوية حين سلم من الطعنة ومات منها على بن أبي طالب. نجوت وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب والمرادي هو قائل على رضي الله عنه. "واسمه: عبد الرحمن بن ملجم، من قبيلة مراد" - 2 وما سبق يقتضى أن يكون المضاف إليه غير لقب للمضاف، فلا يصح في الكنية أن يكون عجزها "وهو المضاف إليه" لقبا لصدرها، "وهو المضاف" لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه - في الأغلب- إلا بتأويل متكلف، كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 317.

ثانيها: الأحكام الخاصة بالترتيب بين الاسم، والكنية، واللقب، إذا اجتمع من هذه الأعلام اثنان، أو ثلاثة. ثالثها: الأحكام الخاصة بإعراب ما يجتمع منها. رابعها: الأحكام المعنوية وبقية الأحكام اللفظية الأخرى التي تتصل بعلم الشخص وعلم الجنس. أ- فأما العلم المفرد، كحامد، وسعيد، وسميرة، وعبلة ... فإنه يخضع في إعرابه وضبط آخره لحاجة الجملة المشتملة عليه؛ فقد يكون مبتدأ، أو: خبرًا، أو فاعلًا ... أو مفعولًا، أو مجرورًا بالإضافة، أو بالحرف، أو غير ذلك؛ فيرفع، أو ينصب، أو يجر على حسب ما تقتضيه الجملة. تقول: حامد أديب، إن حامدًا أديبٌ. أُعْجبْت بأدب حامد؛ فتضبط كلمة: "حامد" بالضبط المناسب لموقعها1 كالشأن في كل الأسماء المنفردة. وأما العلم المركب: فإن كان تركيبه إضافيًّا، كعبد الله -أعرب صدوره وهو المضاف- كإعراب المفرد السابق "أي: على حسب حاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، أو غير ذلك." ويبقى المضاف إليه على حالته؛ وهى الجر دائمًا. تقول: عبدُالله شاعرٌ، فاز عبدُ الله، صاحبت عبدَ الله، سارعت إلى عبدِ الله؛ فالمضاف - وهوكلمة: عبد -تغيرت حركة آخره بتغير حاجة الجُمل، وبقى المضاف إليه مجرورًا لم يتغير. وإن كان تركيبه إسناديًّا "مثل: فتحَ اللهُ ... ، الخيرُ نازلٌ" بقي على حاله قبل التسمية؛ فلا يدخله تغيير مطلقًا، لا في ترتيب حروفه، ولا فى ضبطها ثم يجرى عليه ما يجرى على المفرد فيعرب على حسب حاجة

_ 1 هذا الحكم عام: فيشمل الكلمة المبنية إذا نقلت من معناها وصارت علما، فقد جاء في التصريح، جـ2 أول باب المنادى ما نصه: وقال الرضي في باب العلم: إذا نقلت الكلمة المبنية، وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ فالواجب الإعراب" أهـ، ثم قال صاحب التصريح ما نصه: "فعلى هذا تقول في: كيف، وهؤلاء، وكم، ومنذ.... أعلاما عند النداء: يا كيف، ويا هؤلاء وياكم، ويا منذ.... بضمة ظاهرة، فهي متجددة للنداء" أهـ. وهناك النص الآخر الذي سبق تدوينه في ص 79 بعنوان: "ملاحظة" وما يختلف عنها في "جـ" من ص 146.

الجملة التي تحتويه؛ فيكون مبتدأ، وخبراً، وفاعلا، ومفعولا، وغير ذلك على حسب ما تقتضيه تلك الجملة. إلا أن آخره يظل على حاله ملتزمًا حركته الأولى قبل العلمية فى جميع تلك الحالات مهما تغيرت الجمل؛ فكأنه كلمة واحدة تلازمها علامة واحدة للإعراب، لا تتغير فى الرفع، ولا فى النصب، ولا فى الجر، تقول: "فتحَ اللهُ" نشيط. جاء "فَتَحَ اللهُ". صاحبت "فتَحَ اللهُ" رضيت عن "فتَحَ اللهُ". فالعَلَم: "فتح اللهُ" فى الجملة الأولى: مبتدأ، مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية. وفى المثال الثانى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره للحكاية، وفى الثالث: مفعول به، منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة للحكاية، وفى الرابع: مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة للحكاية؛ فهولا يتأثر بالعوامل تأثرًا ظاهرًا، وإنما يتأثر بها تأثرًا تقديريًا. يصيب آخره، فيجعله معربا بحركات مقدرة للحكاية. ويقال فى المثال الثانى: "الخيرُ نازل" حضر. إن "الخيرَ نازلٌ" حضر، سَلَِّمْ على "الخيرُ نازلٌ"، وهكذا فى كل مثال آخر من أمثلة المركب الإسنادى، وملحقاته2 فإنه يكون معربًا تقديرًا لأجل

_ 1 الحكاية الأصيلة معناها: أن نردد اللفظ بحالته الأصلية ونعيد نطقه أو كتابته بالصورة التي سمعناها أو قرأناها من غير أن نغير شيئا من حروفه أو حركاته مهما غيرنا الجمل والتراكيب ويجوز أن نردده بمعناه إن لم يمنع ما نع ديني، أو غيره، كإرادة النص عليه من غير إدخال تغيير فيه. "راجع مزية الحكاية في رقم 1 من هامش ص 31، ثم من هامش: "أ" ص45 م 62 جـ2 حيث الإيضاح المناسب". وإنما كانت الضمة مقدرة هنا وفي كل حالات الرفع لأن الضمة الموجودة حاليا هي الضمة التي كانت في العلم قبل أن يكون مبتدأ أو خبرا، فلم تترك "مكانها لتحل فيه الضمة الخاصة بالمبتدأ أو بغيره من المرفوعات ويكون. منصوبا بفتحة مقدرة، ومجرورا بكسرة مقدرة. 2 يدخل في هذه الملحقات: العلم المنقول من حرفين، مثل: ربما، إنما.... والعلم المنقول من حرف واسم، مثل: إن عمر، أو: من حرف وفعل، مثل: لن يسافر- وقد سبقت لمحة عن هذه الأنواع الثلاثة في ص 305 فكل علم عن هذه الأعلام الملحقة وأشباهها ليس مركبا إسناديا، لأنه ليس جملة. ولكنه عند الإعراب يحكى كالمركب الأسنادي. أما العلم المركب من موصوف وصفه، مثل: "محمد الفاضل" فقد اعتبره النحاة ملحقا بالمفرد، فيجري على الموصوف الإعراب على حسب =

الحكاية.1 وإن كان تركيبه مزْجيًّا غير مختوم بكلمة" "وَيْه"، مثل: رامهرْمُزُ ونُيُويُرْك ... فإنه يعتبر كالكلمة الواحدة؛ فيعامل من ناحية الإعراب معاملة المفرد، فيكون على حسب جملته؛ مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو مفعولا، ... أو غير ذلك؛ لكنه يرفع بالضمة من غير تنوين، وينصب ويجر بالفتحة في الحالتين من غير تنوين2. تقول: رامهرمُزُ جميلةٌ، وإن رامهُرمُزَ جميلةٌ، سمعت برامُهرْمُزَ، فتتغير حركة الحرف الأخير وحده تبعًا لحالة الإعراب، ويبقى غيره على حالته الأولى. فإن كان تركيبه مزجيًّا مختومًا بكلمة: "وَيه" "مثل: حمدَوَيه، خالوَيْه" كان كسابقه خاضعًا لحاجة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلا، أو: مفعولا ... إلخ، إلا أن آخره في كل هذه الأحوال يكون مبنيًّا على الكسر -في المشهور- تقول: خالويهِ، عالم جليل، وإن خالويهِ عالم جليل، ولخالوْيِه شهرة فائقة ... فقد وقعت كلمة: "خالويه" مبتدأ، واسمًا لإن، ومجرورة باللام، ولم تتغير حالة آخرها بتغير الجمل؛ بل لزمت البناء على الكسر؛ فهى مبتدأ مبنية على الكسر في محل رفع. وهي اسم إنّ مبنية

_ = الجملة، وتتبعه الصفة في علامة الإعراب. ولعل الأفضل أن يكون ملحقا في حكمه بالمركب الإسنادي فيحكي، منعا من اللبس، ومنع اللبس من أهم الأغراض التي تحرص عليها اللغة، وقالوا في التسمية بمثل: "عالم أبوه" ومثل: "مكرم محمد إن كلمة "عالم" تعرب على حسب العوامل التي قبلها. أما كلمة: "أبوه" و "محمدا" فيبقيان على حالهما، والأفضل عندي أيضا أن يجري على هذا النوع. حكم المركب الإسنادي، منعا من اللبس، إلآ إن كانت الأساليب الصحيحة تخالفه، فيجب اتباعها، والقياس عليها. ولكنى لم أهتد إلى شيء مسموع من العرب من تلك الأساليب، ولم أعرف من روى عنهم أمثلة منها. 1 هناك آراء أخرى في طريقة إعرابه أشرنا إليها في ص 313 ونرى عدم استعمالها، لاعتبارات شتى، في مقدمتها: أنها لا تلائم الحياة الحاضرة، ولا تساير الأساليب الصحيحة المنتشرة اليوم. 2 لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتركيب المزجي، فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا، من غير أن يدخله التنوين مطلقا، في حالة من تلك الحالات ما دام علما مزجيا- كما سبق في "ب" من ص 176 - فإن خرج م العلمية جاز تنوينه على الوجه الذي أوضحناه في رقم 3 من هامش ص 33.

على الكسر في محل نصب، وهي مجرورة باللام مبنية على الكسر في محل جرّ1 ... وهكذا في الأحوال التي تشابه ما سردناه2. "ملاحظة": إذا أريد تثنية نوع من أنواع المركب السالفة، أو جمعها وجب اتباع الطريقة الخاصة بذلك وهي مشروحة في مكانها الأنسب3......

_ 1 هذا الإعراب في الحالات الثلاث هو الأوضح والأسهل، ويصح إعراب آخر، في حالة الرفع تقول: مرفوع بضمة مقدرة، منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر، وفي حالة النصب منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر ... وفي حالة الجر: مجرور بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلي على الكسر.... نقول هذه العبارات أو ما يماثلها في تأدية المراد. 2 انظر أنواعا أخرى من المركب المزجي وأحكامها في رقم 5 من هامش ص 300 وفي ص 318. 3 الجزء الرابع، م 174 باب جمع التكسير" بعنوان: "جمع أنواع المركب جمع تكسير" ص 506.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من أنواع المركب المزجي ما يستعمل غير علم1؛ كالمركب العددي، أيْ: الأعداد المركبة، وهي؛ أحدَ عشرَ، وتسعةَ عشرَ، وما بينهما. فكل واحد منها مبني دائمًا على فتح الجزأين في جميع أحواله، وفي كل التراكيب. ويقال في إعرابه: مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. ما عدا اثنيْ عشَر، واثنَتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى. فاثنا واثنتا ترفعان بالألف في حالة الرفع، وتنصبان وتجران بالياء في حالتى النصب والجر. أما كلمة: "عشر، وعشرة" فهي اسم مبني على الفتح لا محل له، لأنها بدل من حرف النون في المثنى. ويقال هذا في إعرابهما -كما سبق2- وسيجيء تفصيل الكلام على هذا في الباب الخاص بالعدد، بالجزء الرابع. وكالظروف المركبة، مثل: "صباحَ مساءَ" في مثل: "والدي يسأل عنا صباحَ مساءَ" أي: دائمًا. وكالظروف المركبة في مثل: "أنت جارُنا بيتَ بيتَ"، أي: ملاصقًا. فكل هذه المركبات التي من نوع الأعداد، والظروف، والأحوال -مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالتها من الجملة؛ تقول في الأعداد: جاء أحدَ عشرَ رجلًا، وأبصرت أحدَ عشرَ رجلًا، ونظرت إلى أحَدَ عشرَ رجلا. وتقول: أنا أسأل عنك "صباحَ مساءَ" أى: دائمًا. فهوظرف مبنى على فتح الجزأين فى محل نصب. وتقول: أخى جارى "بيتَ بيتَ" فهومبنى على فتح الجزأين فى محل نصب، حال، فيكون اللفظ المركب مبنيًّا على فتح الجزأين فى محل رفع؛ لأنه فاعل - مثلا، أوشىء آخر يكون مرفوعاً -، وفى محل نصب لأنه مفعول به، أوظرف،

_ 1 سبقت إشارة لهذا في ص 300 وفي رقم 5 من هامشها حيث الكلام على تعريف المركب المزجي، وأنواعه.... و.... و.... ومنه ما يفصل بين كلمتين الواو الزائدة سماعا، المهملة التي ليست إلا للفصل المحض، نحو: "كيت وكيت - وذيت وذيت" بالبيات الآتي في موضعه من جـ 4 باب "كم" ص 540 م 168. 2 في "و" من ص 134، وفي: "د" من ص 156.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو حال، أو: شيء آخر منصوب، وفي محل جر؛ لأنه مجرور. فآخر كل كلمة من الكلمتين يلزم حركة واحدة لا تتغير؛ هي الفتحة. وحكم هذا المركب هو البناء على الفتح. وهذا الإعراب في الأمثلة السابقة نوع مما يسمونه الإعراب: "المَحلِّي"1 حيث يكون للكلمة حالة لفظية ظاهرة، حلت محل أخرى غير ظاهرة، ولكنها ملحوظة برغم عدم ظهورها؛ فتراعى في التوابع وغيرها، وهو غير "الإعراب التقديري" الذي سبق الكلام عليه2. وما ذكرنا من حكم المركب المزجي بأنواعه المختلفة هو الذي يحسن الأخذ به، والاقتصار عليه وحده في استعملنا؛ لأنه أشهر الآراء وأقواها ... والاقتصار عليه يمنع الفوضى في ضبط الكلمات، ويريحنا من جدل أهل المذاهب المختلفة. وعلى الرغم من هذا سنذكر بعض الآراء الأخرى، لا لاستعمالها؛ ولكن ليستعين بها من يشاء في فهم النصوص القديمة التى وردت بها، واشتملت عليها. فمن تلك الآراء أن المركب المزجي غير المختوم بكلمة: "ويه" يجوز فيه البناء على الفتح في جميع حالاته. نقول: هذه بعلبكَّ. إن بعلبكَّ جميلةٌ. لم أسكن في بعلبكَّ، فتكون مبنية على الفتح دائمًا في محل رفع، أو نصب، أو جرّ. ومنها: أنه يجوز إعرابه إعراب المتضافين3؛ فيكون صدره -وهو المضاف- معربًا على حسب حالة الجملة، ويكون عجزه -وهو المضاف إليه- مجرورًا أبدًا؛ تقول؛ هذه بعلُ بَكٍّ. إن بعلَ بكٍّ جميلة. لم أسكن في بعلِ بكً.

_ 1 ومن أنواعه أيضا جميع الأسماء المبنية، "كأسماء الإشارة والموصول، والضمير" وبعض الأفعال المبنية "كالماضي الواقع فعل شرط، أو جوابه، فإنه مبني في محل جزم"، وكلك بعض الجمل "كالتي تقع خبرا، أو صفة، أو حالا...." انظر البيان في ص 84، ثم ص 198. 2 ص 84 وفي "جـ" من ص 198. 3 والإضافة هنا غير محضة للأسباب الموضحة في موضعها الأنسب، وهو باب: "الإضافة"، جـ3 ص 47 م 93 وفي باب الممنوع من الصرف "جـ4 م 147 "و" ص 218 وهامشها".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى هذه الحالة -وحدها- يحسن في الكتابة فصل المضاف من المضاف إليه، وعدم وصلهما خطًّا. بخلاف أكثر الحالات الأخرى. كما أن المضاف في هذه الحالة إن كان معتل الآخر فإنه يظل ساكنًا دائمًا، ولا تظهر عليه الحركة؛ بل تقدر؛ مثل: عرفت "مَعْدِى كَرِبٍ"، فكلمة "معدي" مفعول منصوب بفتحة مقدرة على الياء: مع أن الفتحة تظهر على الياء دائمًا، ولكنها لا تظهر هنا، لثقلها مع التركيب -كما سبق البيان1. أما المركب المزجي المختوم بكلمة: "وَيْه" فقد أجازوا فيه حالة أخرى غير البناء على الكسر، هي إعرابه كالممنوع من الصرف، فيرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة، من غير تنوين في الحالات الثلاث؛ مثل: سيبويهُ إمام نحوىّ كبير، عرفت سيبويهَ، وتعلمت من سيبويهَ.

_ 1 عند الكلام على المنقوص في ص 196.

ب- أما الترتيب بين قسمين1 فيلاحظ فيه ما يأتي: 1- لا ترتيب بين الاسم والكُنْية، فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر، مثل: أبو الحسن عليّ بطلٌ، أو: عليّ أبو الحسن بطل. 2- لا ترتيب بين اللقب والكنية؛ فيجوز تقديم أحدهما وتأخير الآخر؛ مثل: الصّدّيق أبو بكر أول الخلفاء الراشدين، أو: أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين. 3- يجب الترتيب بين الاسم واللقب؛ بحيث يتقدم الاسم ويتأخر اللقب2. مثل: عمرُ الفاروق هو الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، وهذا الترتيب واجب إن لم يكن اللقب أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز3 الأمران؛ مثل: المسيح4 عيسى بنُ مريمَ رسولٌ كريم، أو: عيسى بنُ مريمَ المسيحُ رسولٌ كريم. ذلك أن "المسيح" أشهر من "عيسى". ومثل: السفَّاح عبد الله أول خلفاء العباسيين، أو: عبد الله السفاح ... ومن أجل ذلك كثر تقديم ألقاب الخلفاء والملوك على أسمائهم- مع صحة التأخير-. ومما سبق نعلم أن الترتيب عند اجتماع قسمين غير واجب إلا فى حالة واحدة5،

_ "1 و 1" أما حكم الترتيب عند اجتماع الثلاثة فيجيء في ص 319. 2 وتأخير اللقب عن الاسم واجب- بشرطه- سواء أوجد مع الاسم كنية أم لم توجد. 3 وهناك صورة أخرى لا يجب فيها تقديم الاسم وتأخير اللقب، بل يجوز، هي: أن يكون اجتماعهما على سبيل إسناد. أحدهما للآخر. "أي: الحكم على أحدهما بالآخر سلبا أو إيجابا". ففي هذه الحالة يتأخر المحكوم به، ويتقدم المحكوم عليه. فإذا قيل: من زين العابدين؟. فأجبت: زين العابدين على - فهنا يتقدم اللقب، لأنه المعلوم الذي يراد الحكم عليه بأنه على، ويتأخر الاسم لأنه محكوم به.... وإذا قيل: من على الذي تمتد حونه؟ فأجبت: على زين العابدين. فيتقدم الاسم هنا، لأنه المعلوم الذي يراد الحكم عليه، ويتأخر اللقب، لأنه محكوم به. وهكذا - انظر رقم 88 من هامش ص 442 ورقم 2 من هامش ص 493- فعندنا صورتان لا يجب تأخير اللقب فيهما، وإنما يجوز. 4 معاني المسيح كثيرة، منبها: أنه يمسح الباطل ويزيله. 5 زيدت عليها حالة ثانية في رقم 3 من هذا الهامش. وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: واسما أتى، وكنية، ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا يريد: أن العلم ثلاثة أنواع، فيأتي اسما، أو: كنية، أو: لقبا، ثم أشار إلى أن هذا "أي: اللقب" يتأخر إن صحب سواه من القسمين الآخرين، بأن اجتمع مع الاسم أو الكنية، ولكن هذا الرأي يخالف المشهور، من أن اللقب لا يتأخر إلا مع الاسم فقط، دون الكنية- بالشرط الذي قدمناه- ولو أنه قال: "وأخرن ذا إن سواها صحبا" لكان أحسن، وأوفق في بيان أن المراد تأخير اللقب إن صحب شيئا سوى الكنية.

هي حالة اجتماع الاسم واللقب؛ فيجب تأخير اللقب عنه بشرط ألا يكون أشهر من الاسم؛ فإن كان أشهر جاز الأمران. ج- أما إعراب قسمين عند اجتماعها فيُتَّبع فيه ما يأتي: 1- إن كان القسمان مفردين1 مثل: "علىّ سعيد" جاز اعتبارهما متضابفين2 فيكون الأول هو المضاف، ويضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة. ويكون الثاني هو المضاف إليه، وهو مجرور دائمًا؛ تقول: غاب عليُّ سعيدٍ3، عرفت عليَّ سعيدٍ، وسألت عن عليَّ سعيدٍ، وجاز عدم إضافتهما فيعرب الأول ويضبط على حسب حالة الجملة ويكون الثاني تابعًا له4 في جميع حركات الإعراب؛ فتكون كلمة: "سعيد" مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة تبعًا للكلمة

_ 1 وفي هذه الحالة لا بد أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبًا، إذ لا دخل للكنية في الإفراد، لأنها لا بد أن تكون مركبة تركيبا إضافيا -كما سبق في ص 308- ولا بد أن يكون المضاف إليه معها غير لقب للمضاف، إذ الشيء لا يضاف -في الأغلب- إلى نفسه، طبقًا للبيان السابق في رقم2 من هامش ص308. 2 بشرط ألا يمنع من الإضافة مانع، كوجود "أل" في العلم الأول منهما، مثل: "السعد المقنع" اسم رجل، ولقبه، فلا يجوز إضافة "السعد" إلى "المقنع"، لأن الإضافة المحضة تمتنع فيها "أل" من المضاف. كما تمتنع الإضافة إذا كان المضاف والمضاف إليه بمعنى واحد، كما يبدو هنا في ظاهر الأمر، ولكنهما مختلفان تأويلا، فأحدهما يراد به الاسم المجرد، والآخر يراد به المسمى، كما سيجيء التفصيل في باب الإضافة جـ3 هامش ص 41 و 119 م 93 - وهذا النوع من إضافة الاسم إلى المسمى، "أي: إلى اللقب". والحاجة إلى هذا التأويل في هذا الوجه جعلت الإعراب على الوجه التالي أفضل. 3 جاء في ص 23 جـ1 من شرح: "المفصل" ما ملخصه: إذا لقبت علما مفردا بمفرد أضفت العلم إليه، نحو: سعيد كرز. كان اسمه: "سعيدا"، ولقبه "كرزا" فلما جمع بينهما أضيف العلم إلى اللقب وكذلك. "قيس قفة، وزيد بطة". فإذا أضفت الاسم إلى اللقب صار كالاسم الواحد، وسلب ما فيه من تعريف العلمية، كما إذا أضفته إلى غير اللقب، نحو: "زيدكم" فصار التعريف بالإضافة. وجعلت الألقاب معارف، لأ، ها جرت مجرى الأعلام، وخرجت عن التعريف الذي كان لها بالألف واللام قبل التلقيب- أي: إن وجدا من قبل-، كما أنا إذا قلنا: "الشمس" كان معرفة بالألف واللام، وإذا قلنا: "عبد الشمس" - كان من قبيل الأعلام. فالعلم يفقد التعريف بالعلمية عند إضافته إلى اللقب ويكتسب تعريفا جديدا بالإضافة. وكل هذا بشرط إضافته إلى اللقب".... أهـ. ثم راجع رقم 1 من هامش ص 294. 4 فيعرب الثاني بدلا من الأول، بدل كل من كل، أو يعرب عطف بيان، أو توكيدا لفظيا بالمرادف، فهذه الإعرابات الثلاثة جائزة. إلا إن منع من البدل مانع مما ذكروه في بابه، فيمتنع ويبقى الإعرابان الآخران. هذا، وإعراب الثاني تابعا للأول على وجه من الأوجه الثلاثة، قوي لا تأويل فيه، فهو خير من الإعراب في الحالة الأولى، حالة اعتبارهما متضايقين لما فيها من التأويل الذي أشرنا إليه في رقم 2.

الأولى؛ وهي عليّ. ولا دخل للكنية هنا لأن الكنية مركبة تركيبًا إضافيًّا، فتدخل في الأحوال الثلاثة الآتية الخاصة بالمركب الإضافي، ولا تدخل في المفرد الذى نحن بصدده -كما أشرنا من قبل. 2- وإن كان القسمان، مركبين معًا تركيب إضافة؛ مثل: "عبد العزيز سعد الله" فإن المضاف الأول، وهو: "عبد" يُضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويكون المضاف الثانى، وهو: "سعد" تابعًا له1 فى حركات إعرابه. 3- وإن كان الأول هوالمفرد والثانى هوالمركب تركيب إضافة؛ مثل: "على زين العابدين" - أعرب المفرد على حسب حالة الجملة، وجاء المضاف الذى بعده تابعًا له فى حركته؛ تقول: علىٌّ زينُ العابدين شريف. إن عليًّا زينَ العابدين شريف. وماذا تعرف عن علىٍّ زين العابدين؟ ويجوز شىء آخر؛ أن يكون الأول المفرد مضافًا؛ يُضبَط ويعرب على حسب حاجة الجملة، وأن يكون المضاف إليه هوصدر الثانى؛ تقول: علىُّ زينِ العابدين شريف، إن علىَّ زينِ العابدين شريف. ماذا تعرف عن علىِّ زينِ العابدين؛ فتكون كلمة: "علىّ" معربة على حسب العوامل، ومضافة. وتكون كلمة: "زين" مضافة إليها مجرورة. "4" إن كان الأول هوالمضاف والثانى هوالمفرد؛ مثل: زين العابدين علىّ - فإن صدر الأول؛ أى: المضافَ، يضبط ويعرب على حسب حاجة الجملة، ويعرب المفرد تابعاً له، تقول: زينُ العابدين علىٌّ شريف، إن زينَ العابدين عليًّا شريف، عطفت على زين العابدين علىٍّ. أما المركب المزجى وملحقاته، والمركب الإسنادىّ فلا يعتد بتركيبهما فى هذا الشأن وإنما يعتبر كل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بقسم آخر وتجرى عليه أحكام المفرد السابقة2.

_ 1 فيعرب بدل كل من كل، أو عطف بيان، أو توكيدا لفظيًّا بالمرادف، بالإيضاح الذي سبق في رقم4 من هامش الصفحة الماضية. 2 مع ملاحظة الحالة الإعرابية الخاصة بكل منهما -كما شرحناها في ص308 وما بعدها- فالمركب الإسنادي يلزم آخره حركة لفظية لا تتغير، ويكون معها في محل رفع، أو نصب، أو جر، بسبب الحكاية، والمركب المزجي المختوم بكلمة: "ويه" يلزم آخره حالة واحدة، وهي: البناء على الكسر - في الأغلب- ويكون معها في محل رفع، أو نصب، أو جر.... وإن لم يكن مختوما بكلمة "ويه" =

وإلى هنا ينتهى الكلام على الترتيب والإعراب1 بين قسمين عند اجتماعهما. أما إذا اجتمعت الأقسام الثلاثة: "الاسم، والكنية، واللقب" فيراعى في الترتيب بينها ما سبق إيضاحه؛ حيث يجوز تقديم بعضها على بعض. إلا اللقب فلا يجوز تقديمه - فى أكثر حالاته - على الاسم2؛ ففى مثل: عمرُ بنُ الخطاب الفاروقُ - يجوز أن تقدم أو تؤخر ما شئت من الاسم، أو: الكنية، أو اللقب. إلا صورة واحدة لا تجوز؛ وهي: تقديم كلمة "الفاروق" على "عمر". وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا. أما الثالث فيكون تابعًا للأول في حركاته.

_ = ولا مبنيًّا على فتح الجزأين، رفع بالضمة من غير تنوين، ونصب وجر بالفتحة من غير تنوين فيهما، لأنه ممنوع من الصرف - في الأشهر- وهذه هي الأحكام الإعرابية الشائعة التي يجمل الاقتصار عليها الآن، وترك ما عداها مما يدخل في باب اللهجات التي لا تناسب حاضرنا..... ويلاحظ كذلك أن الثاني في الصور السالفة كلها يجوز فيه "القطع" المشار إليه في رقم 1 من هامش ص 320. .... 1 وفي الإعراب يقول ابن مالك من غير أن يتعرض للتفصيل والترتيب الذي سلكناه. وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما، وإلا أتبع الذي ردف يريد بالشطر الأول: أنه: إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم، وكانا مفردين، مثل: سعيد محمود وجب عنده إعرابهما متضايفين، فالأول، وهو المضاف يعرف على حسب حالة الجملة، والثاني يعرب مضافا إليه مجرورا، هذا رأي ابن مالك، وقد عرفنا البيان الشافي في ذلك، حيث أوضحنا أن الإضافة ليست واجبة، وإنما هي جائزة كالإتباع: بل الإتباع أفضل. ثم يقول في الشطر الثاني: إن لم يكونا مفردين، بأن يكونا معا مركبين تركيب إضافة، أو يكون الأول مركبا إضافيا والثاني مفردا، أو العكس، فإن الأول يعرب على حسب حاجة الجملة، والثاني يكون تابعا له في الإعراب "فيكون: بدلا، أو عطف بيان، أو توكيدا لفظيا بالمرادف" ومعنى "الذي ردف" أي: الذي جاء ردفا للأول، أي: بعده متأخرا عنه. ثم أشار إلى نوعين من أنواع العلم، هما: المركب الإسنادي والمزجي، فقال: وجملة، ما يمزج ركبا ... ذا إن بغير، "ويه" تم أعربا أي: أن التركيب الإسنادي وهو المراد بقوله: "جملة" وكذلك المركب المزجي غير المختوم بكلمة، "وبه" فإنهما يعربان على حسب حاجة الجملة. وقد شرحنا طريقة إعرابهما، وإن لم يوضحهما الناظم، كما شرحنا طريقة إعراب المزجي المختوم بويه والأنواع المبنية على فتح الجزأين "ص 313، ثم أشار إلى المركب الإضافة من غير أن يذكر حكمه بقوله: وشاع في الأعلام ذو الإضافة ... كعبد شمس، وأبي قحافة وعبد شمس: علم على جد معاوية، وأبو قحافة: علم على والد أبي بكر الصديق. وفي هذا البيت والذي قبله إشارة إلى الأنواع الثلاثة للعلم المركب، وهي: العلم المنقول من جملة، وهو المركب الإسنادي، والعلم المركب تركيبا مزجيا، والعلم المركب تركيبا إضافيا. 2 إلا في الصورتين الجائزتين، وقد أوضحنا إحداهما في رقم 3 من ص 316 والأخرى في رقم 3 من هامشها.

وكذلك يراعى في الإعراب بين الأول والثاني ما سبق أيضًا حين اجتماعهما بدون الثالث، فإذا انضم إليهما لم يتغير إعرابهما، وأعرب الثالث تابعًا للأول في إعرابه1. د- هذا، وما يخص الأقسام السالفة من الأحكام المعنوية وباقى الأحكام اللفظية الأخرى فقد سبق الكلام عليها2.

_ 1 ويجوز فيه أيضا ما يسمى: "القطع" وهو جائز فيه وفي غيره على التفصيل الآتي: إذا اجتمع قسمان من أقسام العلم أو ثلاثة، فإنه يجوز دائما في الثاني والثالث -إن وجد- "القطع" وهو المخالفة للأول في حركته الإعرابية، والانفصال عنها إلى ما يخالفها في الرفع، أو النصب، بشرط أن يكون الرفع أو النصب غير موجود في الأول، فإن كان الأول مرفوعا جاز قطع ما بعده إلى النصب، وإن كان الأول منصوبا جاز قطع ما بعده إلى الرفع. وإن كان الأول مجرورا جاز فيما بعده القطع إلى الرفع، أو: القطع إلى النصب، وزيادة على الجر بالتبعية، تقول في الزعيم "سعد زغلول": اشتهر عسد زغلولا بالخطابة، فيجوز قطع كلمة: "زغول" عن الرفع. أي: عن أن تكون مثل الأول في حركته، وعن أن تكون تابعة له، وإنما تكون منصوبة، مفعولا به لفعل محذوف، تقديره: أعنى، أو: أريد.... أو نحو ذلك. وفي مثل: عرفت سعدا - زغلول- يجوز في كلمة: "زغلول" الرفع، فتكون مقطوعة عن حركة الأول غير تابعة له، فتعرب خبرا لمبتدأ محذوف، تقديره، "هو" مثلا. وفي مثل: سمعت عن سعد زغلول - يجوز في كلمة "زغلول" الرفع، أو النصب، على القطع السالف، كما يجوز فيها الجر على أنها تابعة له.... وملخص ما سبق في القطع أنه: مخالة الثاني والثالث لعلامة الاسم الأول، فإذا كان الأول مرفوعا جاز في الباقي النصب فقط على القطع، مع إعراب المقطوع مفعولا به لفعل محذوف. وإذا كان الأول منصوبا جاز القطع في الباقي إلى الرفع، أو إلى النصب، أو إلى الجر، مع إعرابه في كل حالة بما يناسبها، وتقدير العامل الملائم لها. أما الغرض من القطع ومن العدول عن الإعراب الذي أوضحناه للتابع- إلى الإعراب الآخر الذي أوضحناه هنا أيضا، فغرض بلاغي، هو بيان أن المقطوع يستحق اهتماما خاصا، لرفعة شأنه، أو حقارة منزلته. وقد أوضحنا القطع - بتفصيل مناسب- والغرض البلاغي منه في باب المبتدأ والخير لمناسبة أقوى، وهي: مناسبة حذف المبتدأ وجوبا "ص 510 م 39" أما موضعه الأصيل، وبيانه الأكمل فباب النعت من الجزء الثالث، ص 469 م 115. 2 في صفحتي 292 و 296 وما بعدهما.

المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة 1 تعريفه: اسم يعين مدلوله تعيينًا مقرونًا بإشارة حسية إليه؛ كأن ترى عصفورًا فتقول وأنت تشير إليه: "إذا" رشيق؛ فكلمة: "ذا" تتضمن أمرين معًا، هما: المعنى المراد منها: "أي: المدلول"، وهو:: جسم العصفور، والإشارة إلى ذلك الجسم في الوقت نفسه. والأمران مقترنان؛ يقعان في وقت واحد2؛ لا ينفصل أحدهما من الآخر. والغالب أن يكون المشار إليه "وهو: المدلول" شيئًا محسوسًا3 كالمثال السابق. وكأن تشير بأحد أصابعك إلى كتاب، أو قلم، أو سيارة، وتقول: ذا كتاب -ذا قلم- ذي سيارة. وقد يكون شيئًا معنويًّا، كأن تتحدث عن رأي، أو: مسألة في نفسك، وتقول: ذي مسألة تتطلب التفكير، ذا رأي أبادر بتحقيقه ... تقسيم أسماء الإشارة: تنقسم أسماء الإشارة بحسب المشار إليه إلى قسمين؛ قسم يجب أن يُلاحَظ فيه المشار إليه من ناحية أنه مفرد، أو مثنى، أو جمع ... ، مع مراعاة التذكير، والتأنيث، والعقل5، وعدمه في كل ذلك6. وقسم يجب أن

_ 1 اسم الإشارة اسم مبهم وسيجيء بيان المبهم في "ج" من ص 338 وفي رقم 3 من هامش ص 340. 2 انظر ص 93، ففيها الإيضاح. 3 مما تجب ملاحظته أن الإشارة نفسها لا بد أن تكون حسية. أما مدلولها- وهو المشار إليه- فقد يكون حسيا وهو الأصل، وقد يكون معنويا. 4 إذا كان المشار إليه اسم جنس جمعيا فلاسم الإشارة حكم خاص، هو حكم الضمير العائد على مرجعه، وقد سبق بيانه في رقم 1 من هامش ص 22 وفي رقم 6 من ص 265 -. 5 والمراد بالعاقل: من له قدرة على الفهم والتعلم والحكم، بأصل طبيعته، ولو فقد هذه القدرة لسبب عارض. وقد يعبر النحاة أحيانا "بالعالم" بدلا من: العاقل. 6 إذا اختلف المشار إليه في التذكير والتأنيث مع المراد الأصيل منه جاز في اسم الإشارة التذكير والتأنيث، مراعاة لأحدهما، نحو: القطن محصول أساسي عندنا، وهذه الثروة يجب العناية بها، أو: وهذا ثروة يجب العناية بها ومثل: كتاب البخلاء للجاحظ زاد أدبي رائع، وهذه مزية يسعى وراءها الأديب، أو: وهذا مزية يعسى وراءها الأديب ومن الأمثلة قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} - وقد أشرنا لهذا في رقم1 من هامش ص22 265.

يُلاحَظ فيه المشار إليه أيضًا، ولكن من ناحية قربه، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد1. فالقسم الأول خمسة أنواع: أ- ما يشار به للمفرد المذكر مطلقًا؛ "أي: عاقلا أو غير عاقل": وأشهر أسمائه "ذا"2. نحو: ذا طيار ماهر -ذا بلبل صَدَّاح3. ب- ما يشار به للمفردة4 المؤنثة -عاقلة وغير عاقلة- وهو عشرة ألفاظ؛ خمسة مبدوءة بالذال هي: ذي، ذهْ، ذهِ، بكسر الهاء مع اختلاس5 كسرتها، ذهِ - بكسر6 الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا، ذات7.

_ 1 تقدير القرب والبعد والتوسط متروك للعرف الشائع عند المتكلم، ومن معه. 2 "ذا" هو الأشهر. ويحسن الاقتصار عليه - حرصا على التيسير والإيضاح - وترك ما عداه مما هو مسموع بقلة عن العرب، مثل: "ذاء" بهمزة مكسورة. و "ذائه" بهمزة مكسورة دائما، بعدها هاء مكسورة كذلك، و "ذاؤه" بهمزة وهاء مضمومتين دائما. و "ألك" - للبعيد- بهمزة مفتوحة ممدودة هي اسم الإشارة، بعدها لام مكسورة للبعد، فكاف للخطاب "أي: ذلك" فهذه الألفاظ الواردة لإشارة المفرد المذكر خمسة، سردناها لنستعين. بمعرفتها على فهم ما ورد منها في الكلام القديم، مثل قول القائل: هذاؤه الدفتر خير دفتر ... في يد قرم ماجد مصدر مع تفضيل الاقتصار في استعمالنا على "ذا" كما سبق. 3 المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة كالمثالين المذكورين، أو حكما، كالإشارة إلى جمع، أو فريق، مثل: هذا الجمع مسارع للخيرات، هذا الفريق غالب. وأيضا في مثل: الصيف حار، والشتاء بارد، أما الخريف فبين ذلك. أي: بين المذكور من الحار والبارد. ومما وقعت الإشارة به للجمع حكما قول الشاعر: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: "كيف لبيد" 4 سواء أكانت مفردة حقيقة كما مثل، أم حكما: مثل الفرقة والجماعة - على الوجه المتقدم في رقم 3. 5 الاختلاس هو: النطق بالحركة خفيفة سريعة، مع عدم إطالة الصوت بها. 6 الإشباع إيضاح الحركة، مع تقويتها وإطالة الصوت بها، حتى ينشأ من ذلك حرف علة مناسب، كالألف بعد الفتحة، وكالواو بعد الضمة، والياء بعد الكسرة- وهو حرف علة زائد، يقال له: "حرف إشباع". ويجوز كتابتها مع الإشباع هكذا "ذهي" بإثبات الياء الناشئة من إطالة الصوت بالكسرة. 7 ومن التيسير أن نجعلها كلها اسم إشارة، ولا نتابع الرأي القائل: إن اسم الإشارة هو "ذا" وحدها، وإن التاء للتأنيث. والغالب فيها الضم، فهي اسم إشارة مبني على الضم في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعها في جملتها.

وخمسة مبدوءة بالتاء، هي: تي، تا، تهْ، تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة، تهِ1، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعًا. تقول: ذي الفتاة شاعرة ... تي الفتاة محسنة ... وكذا الباقي منهما2. ج- ما يشار به للمثنى المذكر مطلقًا- أي: عاقلًا وغير عاقل، وهو لفظة واحدة: "ذانِ" رفعًا، وتصير: "ذَيْنِ" نصبًا وجرًّا. تقول: ذانِ عالمان، إنّ ذيْنِ عالمانِ، سلمت على ذَيْنِ، فيعرب كالمثنى، أي: "ذانِ": مبتدأ مرفوع بالألف. "ذيْنِ": اسم: "إنّ" منصوب بالباء. "ذينِ"، مجرور بعلى، وعلامة جره الياء أيضًا. د- ما يشار به إلى المثنى المؤنث مطلقًا، وهو لفظة واحدة: "تان" رفعًا "وتصير: تَيْنِ" نصبًا وجرًّا؛ تقول: تان محسنتانِ؛ إن تيْنِ محسنتانِ، فرحت بِتَيْنِ المحسنتينِ. "تان" مبتدأ مرفوع بالألف. "تْينِ" اسم: "إن" منصوب بالياء. "تَيْن" مجرور بالياء، وعلامة جره الياء. هـ- ما يشار به للجمع مطلقًا "مذكراً ومؤنثًا، عاقلا وغير عاقل" هو لفظة واحدة: "أولاَءِ". ممدودة في الأكثر، أو: أولَى مقصورة؛ مثل:

_ 1 ويجوز إثبات الياء الناشئة من الإشباع هكذا "تهي". كما سبق في رقم 6 من الهامش السابق. 2 يقول ابن مالك: بذا لمفرد مذكر أشر ... بذي وذه، تي، تا، على الأنثى اقتصر أي: أشر للمفرد المذكر بكلمة: "ذا" واقتصر في الإشارة إلى الأنثى على كلمة: "ذي" و "ذه" و "تي" و "تا" ولم يذكر الباقي. 3 يقول ابن مالك: و"ذان، تان" للمثنى المرتفع ... وفي سواه "ذين". "تين" اذكر تطع أي: للمثنى في حالة رفعه صيغتان، هما: ذان، وتان، ولم يوضح المشار إليه بهما وقد عرفناه: "وذان" للمثنى المذكر والمرفوع، و "تان" للمثنى المؤنث المرفوع"، وفي سوى الرفع يقال فيهما: "ذين" و "تين" بالياء والنون ويجوز تشديد النون، وعدم تشديدها في: "ذان، وتان"، وكذلك في "ذين وتين"، لكن عند تشديدها في الأخيرتين تتحرك الياء بالفتحة، أي: أنها تتحرك بالفتحة في حالتي نصبهما وجرهما إذا شددت النون- وستجيء الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص 344 -. 4 يقول ابن مالك: وبأولى أشر لجمع مطلقًا ... والمد أولى.............

أولئك الصناع نافعون. ومثل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} 1. أما القسم الثاني من أسماء الإشارة، وهو الذي يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربة، أو بعده، أو توسطه بين القرب والبعد؛ فإنه ثلاثة أنواع: أ- الأسماء التي تستعمل في حالة قربه. هي: كل الأسماء السابقة الموضوعة للمفرد، والمفردة، والمثنى والجمع، بنوعيهما، من غير اختلاف في الحركات أو الحروف، ومن غير زيادة شيء في آخرها. ب- الأسماء التي تستعمل في حالة توسطه للدلالة على أن المشار إليه متوسط الموقع بين القرب والبعد، هي: بعض الأسماء السابقة بشرط أن يُزاد في آخر اسم الإشارة الحرف الدالة على التوسط، وهذا الحرف هو: "كاف الخطاب الحرفية2". فإنها وحدها، بغير اتصال لام البعد بها، هي الخاصة بذلك.

_ 1 المد والقصر عند اللغويين والقراء -"كما سبق عند الكلام على المقصور في رقم5 من هامش ص188 وكما يجيء في رقم1 من هامش ص345 وكذا رقم1 من هامش ص558م 170 ج4" - يكون في المعرب وفي المبني، كما نرى هنا كلمة: "أولا" أما عند النحاة فمقصوران على المعرب. والمقصود بالمد في البيت السالف "في رقم4" الإشباع الذي شرحناه في رقم6 من هامش ص322 وهو المد الصرفي الذي يقضي بوجود همزة في آخر الكلمة بعد ألف المقصور. أما الهمزة التي في أول كلمة: "أولى" فلا يصح إشباعها عند النطق بها، بالرغم من أن قواعد الإملاء توجب زيادة واو بعدها في الكتابة للفرق بينها وبين كتابة: "الألى" التي هي اسم موصول - كما ستجيء في رقم 1 من هامش ص 345 - وهذه العلة لا تثبت اليوم على التمحيص. وقد آن الوقت لإعادة النظر في قواعد الإملاء على يد المختصين بهذه الشئون، ولا سيما المجمع اللغوي. 2 هذه الكاف حرف مبني، وليست ضميرا، فلا يصح أن يكون اسم الإشارة مضافا، وهي مضاف إليه، لأنها حرف كما قلنا، ولأن اسم الإشارة بجميع أنواعه - حتى المثنى منه - لا يضاف، لأنه "ما عدا المثنى" بمني - كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 334 -، والمبني في أكثر حالاته لا يضاف. ومع أن هذا الكاف حرف خطاب فإنها مع غير كلمة: "هنا" الآتية في ص 327- تتصرف كما تتصرف الكاف الاسمية التي هي ضمير خطاب على حسب المخاطب" فتكون الحرفية مبنية على الفتح للمخاطب المفرد، المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة نحو: ذاك - ذاك. وتلحقها علامة التثنية، وميم جمع المذكر، ونون النسوة، نحو: ذا كما، ذا كن. وهذا هو "التصرف الكامل" وهو أشهر اللغات وأسماها، ويحسن الأخذ به وحده، لأن يساعد على زيادة الإيضاح ومنع اللبس. وهناك لغة أخرى لا تلحق بها علامة، وتبنيها على الفتح لكل أنواع المخاطب المذكر، وعلى الكسر لكل أنواع المخاطب المؤنث، وهذا هو "التصرف الناقص". وهو في درجته أقل من الأول. ويلي هذا "عدم تصرفها" مطلقا، فتبني على الفتح في جميع أحوال الخطاب. هذا وكاف الخطاب مع الظرف "هنا" مفردة مفتوحة دائما، مهما كان المخاطب، كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 328.

وهي تلحق الآخر من بعض أسماء الإشارة، دون بعض آخر؛ فتلحق آخِر أسماء الإشارة التي للمفرد المذكر، والتي للمثنى، والتي للجمع بنوعيهما؛ نحو: ذاك المكافح محبوب -ذانك المكافحان محبوبان- تانك الطبيبتان رحيمتان، أولئك المقاومون للظلم أبطال، أو: أولاك "بمد كلمة: "أولاء" وقصرها". وكذلك تلحق ثلاثة من أسماء الإشارة الخاصة بالمفرده المؤنثة، هي: "تي، تا، ذي"؛ نحو، تِيك الدار واسعة ... ولا تلحق آخر السبعة الأخرى التي للمفردة المؤنثة، فباستبعاد هذه السبعة تكون بقية أسماء الإشارة التي للقُرب صالحة للتوسط أيضًا. ولا تلحق آخر اسم من أسماء الإشارة إذا كان مبدوءًا بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، كالضمير في مثل: هأنذا محب للإنصاف، فلا يقال في الأفصح هأنذاك -كما سيجيء1. "ملاحظة": هذه الكاف تلحق اسم إشارة للمكان وهو يعتبر في الوقت نفسه ظرفًا من ظروف المكان؛ ونعني به الظرف: "هنا" -وسيجيء أيضًا إيضاحه قريبًا1؛ نحو: هناك في أطراف الحديقة دوح ظليل. وخلاصة ما تقدم أن الأسماء التى للمتوسط هي الأسماء السابقة التي للقرْب. ولكن بشرط زيادة "كاف" الخطاب الحرفية في آخر الاسم للدلالة على التوسط؛ تقول: ذاك الطائر مغرد ... ، تِيك الغرفة واسعة ... وبشرط أن كاف الخطاب الحرفية لا تدخل في اسماء الإشارة الخاصة بالمفردة المؤنثة إلا في ثلاثة: "تي" و"تا" و"ذي" ولا تدخل في السبعة الأخرى -على الصحيح. وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله تلك الكاف2. ج- الأسماء التى تستعمل فى حالة بُعْده. لا سبيل للدلالة على أن المشار إليه بعيد إلا بزيادة حرفين فى آخر اسم الإشارة، هما: لام فى آخره تسمى: "لام البعد" يليها" وجوبا.

_ 1 و1" ص 327. 2 أما الوضع الأول فقد ذكر قبل هذا مباشرة، وهو اسم الإشارة المبدوءة بحرف التنبيه: "ها" وبينهما فاصل، وكذلك لا تدخل في اسم الإشارة: "ثم" ولا اسم الإشارة المنادي، نحو، يا هذا: "كما سيجيء في رقم 6 هامش ص 327، وفي باب المنادي، ج4".

"كاف الخطاب" الحرفية حتمًا، ولا توجد "لام البعد بغيرها. وهذه اللام تزاد في آخر بعض الأسماء دون بعض: فتزاد مع "الكاف" في آخر أسماء الإشارة التي للمفرد؛ نحو: ذلك الكتاب لا ريب فيه. وفي آخر ثلاثة من الأسماء التي لإشارة المفردة "وهي الثلاثة التى تدخلها "كاف" الخطاب الحرفية دون السبعة الأخرى التي لا تدخلها"؛ نحو: تلك الصحاري ميادين أعمال ناجحة. وتزاد في آخر كلمة: "أُولَى" المقصورة التي هي اسم إشارة للجمع مطلقاً، نحو: أُولاَلِكَ المغتربون في طلب العلم جنود مخلصون، دون "أولاء" الممدودة التي اسم الإشارة للجمع -في الرأي الأرجح- فلا يقال: أولاء لَكَ1 المغتربون مخلصون ... ولا تزاد في اسم الإشارة الذي للمثنى المؤنث أو المذكر، ولا في اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه: "ها"، والمختوم بـ"كاف" الخطاب الحرفية؛ فلا يصح في مثل: "هذاك وهاتاك" أن يقال: هذا لِكَ، ولا هاتا لِكَ ... على اعتبار "اللام" فيهما للبعد، و"الكاف" حرف خطاب. ومما سبق يتبين أنه لا يجوز زيادة لام البعد وحدها بغير "كاف" الخطاب الحرفية بعدها، ولهذا يمتنع زيادة "لام البعد: في آخر الأسماء الخالية من تلك "الكاف" إما لأن "الكاف" لا تدخلها مطلقًا؛ كالأسماء السبعة التي لإشارة المفردة، وإما لأنها تدخلها ولكن اسم الإشارة خال منها عند الرغبة في إلحاق لام البعد بآخرها. وإن شئت فقل: إن أسماء الإشارة التي تستعمل في حالة البعد لا بد أن يزداد في آخرها حرفان معًا: لام تسمى: لام البعد1، وحرف الخطاب "الكاف" بعدها؛ نحو: ذلك السّبّاح بارع. وهذه اللام لا توجد وحدها بغير كاف الخطاب؛ فيجوز إلحاقها بآخر أسماء الإشارة التى للمفرد والمفردة بشرط وجود تلك الكاف. ويمتنع إلحاقها بأسماء الإشارة التى لا تدخلها الكاف مطلقًا2، أوالتى تدخلها، ولكنها غير موجودة فيها عند الرغبة فى إلحاق اللام.

_ "1، 1" هذه اللام تكسر إن كان قبلها ساكن، كالألف المحذوفة إملائيا في نحو: "ذلك" و "تالك".... وقد تسكن، فيحذف ما قبلها مباشرة من ساكن، كالياء، أو الألف في اسمي الإشارة تي وتا. تقول: تلك وتلك.... 2 وهي الأسماء السبعة التي أشرنا إليها في الحالة الثانية "ب".

وكذلك يصح إلحاق هذه اللام بكلمة "أُولَى" المقصودة، دون الممدودة، على الأرجح ودون المثنى بنوعيه أيضًا. ويصح أن تدخل: "ها" التي هي حرف تنبيه على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ مثل: هذا، هذه، هذان، هؤلاء ... وقد تجتمع مع الكاف بشرط عدم الفاصل -كالضمير- بين "ها" واسم الإشارة.؛ نحو هذاك، هاتاك ... لكنهما إذا اجتمعا لم يصح مجيء لام البُعْد معهما، فلا يجوز هذا لِكَ2. وهذا موضع آخر من المواضع التي تمتنع فيها لام البعد3. وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" التنبيه واسم الإشارة فاصل4؛ كالضمير في نحو: هأنذا5 مُخلص، فلا يصح الإتيان بالكاف بعد اسم الإشارة وهذا هو الموضع الثاني الذي لا تدخله كاف الخطاب6، وإذن لا تدخله لام البعد أيضًا. بقي من أسماء الإشارة التي من القسم الثاني كلمتان: هُنا، و: "ثَمَّ"

_ 1 سميت بذلك لأن المراد منها: إما تنبيه الغافل إلى ما بعدها، وتوجيهه إلى ما سيذكر. وإما إشعار غير الغافل إلى أهمية ما بعدها، وجلال شأنه، ليتفرغ له، ويقبل عليه. 2 يشير ابن مالك إلى الكاف واللام في البعد وعدمه قائلا: "مع العلم بأنه يقصر كلامه على القريب والبعيد ويهمل الوسط، لأنه يدخله في البعيد كفريق آخر من النحاة- انظر "الملاحظات" في ص 331". . . . . . . . . . . . . . ... لدى البعد انطقا بالكاف حرفا دون لام، أو معه ... واللام إن قدمت "ها" ممتنعة 3 المواضع التي تمتنع فيها اللام خمسة هي: أ- اسم الإشارة الذي ليس في آخره كاف الخطاب. ب- أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث، وهي التي لا تدخلها الكاف أيضا. جـ- أولاء ممدودة. و اسم الإشارة المثنى، مذكرا ومؤنثا. هـ- اسم الإشارة المبدوء بها التنبيه، والمختوم بكاف الخطاب. 4 كما سبق في ص 325. 5 أصله: "ها أناذا"، ولكن قواعد رسم الحروف تقضي بكتابته متصل الحروف، "هأنذا". 6 والموضع الأول هو أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث- وقد سبق الكلام عليها- كذلك لا تدخل على اسم الإشارة: "ثم" كما سيجيء- ولا على اسم اسم الإشارة المنادي: نحو: يا هذا، كما هو مبين في باب المنادي، جـ4 وسبقت الإشارة إليه في رقم 2 من هامش 325.

وكلتاهما تفيد الإشارة مع الظرفية التي لا تتصرف. فأما: "هُنَا" فهي اسم إشارة إلى المكان القريب، مثل: "هنا العلم والأدب". وقد يزاد في أولها حرف التنبيه: "ها" نحو: "هَا هُنَا الأبطال؛ فهي في الحالتين سواء. وبسبب دلالتها على المكان مع الإشارة دخلت في عِدَاد ظروف المكان أيضًا، فهي اسم إشارة وظرفُ مكان معًا وهي ظرف مكان لا ينصرف، فلا تقع فاعلًا، ولا مفعولًا، ولا مبتدأ، ولا غير هذا مما لا يكون ظرف مكان. ولا تخرج عن الظرفية المكانية إلا إلى نوع خاص من شبه الظرفية2، وهو معها الجر بالحرف "مِنْ" أو "إلى"، نحو: سرت من هنا إلى هناك. ويصح أن يزاد على آخرها الكاف المفتوحة للخطاب3 وحدها أو مع "ها" التنبيه صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان المتوسط؛ مثل: هنا، أو: "ها هناك" في الحديقة الفواكه. وإن اتصل بآخرها كاف الخطاب المفتوحة واللام صارت مع الظرفية اسم إشارة للمكان البعيد؛ مثل: هنالك فى الصعيد أبدع الآثار. وفى هذه الصورة تمتنع "ها" التنبيه، لأن "ها" التنبيه لا تجتمع مع لام البعد - كما أشرنا4. وقد يدخل على صيغتها بعض تغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد؛ من ذلك، هَنَّا، هِنَّا، هَنَّتْ - هِنَّت ... فهذه لغات فيها، وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.

_ 1 إذا وقع الظرف: "ثم" خبرا وجب تقديمه على المبتدأ وكذلك الظرف: "هنا" إذا سبقه من غير فاصل- حرف التنبيه: "ها" وهذا رأي صاحب الهمع "حـ1 ص 102، ومن نقل عنه كالصبان- عند كلاهما على تقديم الخبر" بحجة أن "ها" التي للتنبيه واجبة الصدارة، كما يقول: "الهمع" وبسببها وجب تصديرها هنا. والرأي وحجته ضعيفان مرفوضان بالأدلة القوية المؤيدة بالسماع أيضا، وهي مدونة في ص 55 من مجلة المجمع اللغوي القاهري، الجزء الثامن عشر. والظاهر: أن الأغلب- لا الواجب- في الظرف "هنا" المسبوق بهاء التنبيه بغير فاصل هو تقديمه على المبتدأ، ويصح تأخيره كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 337. 2 توضيحه في رقم 1 من ص 335. 3 ولا بد أن تكون هذه الكاف معها مفردة ومفتوحة، مهما تغير المخاطب، وبذلك يسمونها: كاف الخطاب غير المتصرفة. أما الكاف مع غيرها فقد سبق في رقم 2 من هامش ص 324 أنها تكون متصرفة كاملة التصرف، وهذا هو الأحس، وقد تكون ناقصة التصرف في رأي آخر له تفصيل هناك. وقد تكون غير متصرف مطلقا في رأي ثالث. 4 في ص 326.

وأما الأخرى: "ثَمّ" فاسم إشارة إلى المكان البعيد؛ مثل: تأمل النجوم فثَم الجلال والعظمة. وهي1 كسابقتها ظرف مكان لا يتصرف، إلا أن "ثَمَّ" للبعيد خاصة، ولا تلحقها "ها" التنبيه" ولا كاف الخطاب، وهما اللذان قد يلحقان نظيرتها. وقد تلحقها -دون نظيرتها- تاء التأنيث المضبوطة -غالبًا- بالفتح؛ فيقال ثَمَّة2. ومما تقدم نعلم أن المكان باعتباره وعاء، أيْ: ظرفًا -يقع فيه أمر من الأمور ومعنى من المعنى- قد اختص وحده باسمين من أسماء الإشارة؛ فلا يشار إليه باعتباره وعاء وظرفا إلا بواحد منهما. ومن أجل هذا كانا في محل نصب على الظرفية3 لا يفارقها أحدهما إلا إلى الجر بمن أو إلى. أما بقية أسماء الإشارة فتصلح لكل مشار إليه، مكانًا أوغير مكان. إلا أن المشار إليه إذا كان مكانًا فإنه لا يعتبر ظرفًا؛ مثل هذا المكان طيب، وتلك بقعة جميلة، فكل واحدة من كلمتى: "مكان"، و"بقعة" مشار إليه، دال على المكان، ولكنه لا يسمى ظرفًا.

_ 1 يشير ابن مالك إلى ما سبق بقوله: وبهنا أو: ها هنا أشر إلى ... داني المكان، وبه الكاف صلا في البعد. أو بثم فه، أو: هنا ... أو بهنالك، انطقن، أو هنا يقول: أشر إلى مكان القريب بكلمة: هنا، من غير "ها" التي للتنبيه، أو مع "ها" التنبيه، فتقول: "ها هنا". أما عند الإشارة إلى البعيد فصل الكاف بكلمة: "هنا" و "ها هنا"، أو: جيء باسم إشارة آخر يفيد البعد، وهو: ثم، أو: هنا، أو: هنالك.... ولا تخرج هذه الظروف "ثم، وكذا: هنا، باستعمالاتها المختلفة" من الظرفية إلا إلى شبه الظرفية، وهو: الجر بالحرف: "من"، أو: إلى "انظر رقم 1 من هامش ص 335". 2 من العرب من يسكن هذه التاء، ومنهم من يستغني عنها في حال الوقف فقط. ومنهم من يستغني عنها بهاء ساكنة يثبتها في حال الوقف فقط: ويسمونها: "ها السكت". ومنهم من يبقى هاء السكت في الوصل أيضا، فيجعل الوقف والوصل سيان. وكل هذه لهجات نحن في غنى عنها اليوم مكتفين بالكلمة مجردة من كل زيادة، أو مع زيادة التاء المربوطة، المتحركة بالفتحة، منعا للآراء الكثيرة التي لا داعي لها في حياتنا القائمة، ولا أثر لها إلا العناء والإبهام. وحسب المتخصصين - وحدهم - أن يعرفوا هذه اللغات لفهم النصوص القديمة دون محاكاتها. 3 انظر رقم 1 من هامش ص 335.

وفي الجدول الآتي بيان أسماء الإشارة في الأنواع الخمسة السابقة1؛ وهي التي يلاحظ فيها المشار إليه من ناحية إفراده، وتثنيته؛ وجمعه، مع التذكير، والتأنيث، العقل، وعدمه، في كل حالة، وكذلك مع القرب، والتوسط، والبعد:

_ 1 في ص 322 وما بعدها.

جدول اسكانر

جدول اسكانر

المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة وإعرابها

المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها عند اختيار اسم من أسماء الإشارة لا بد أن نعرف أولا: حالة المشار إليه من ناحية: "إفراده، أو: تثنيته، أو: جمعه" و"تذكيره، أوتأنيثه" "عقله، وعدم عقله" ثم نعرف ثانيًا: حالته من ناحية: "قربه، توسطه، أوبعده". أ- فإذا عرفنا حالته من النواحي الأولى تخيرنا له من أسماء الإشارة ما يناسب؛ فالمشار إليه إن كان مفردًا مذكراً -عاقلا أو غير عاقل- كرجل وباب، نختار له: "ذا"، مثل: ذا رجل أديب، ذا باب مُحكَم. فكلمة "ذا" اسم إشارة، مبني على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ في هذه الجملة، وقد تكون في محل نصب أو جرّ في جملة أخرى، فمثال محلها المنصوب: نجح العلماء في إرسال القذائف إلى القمر؛ فنزلت على سطحه1، وإن ذا من عجائب العلم. وقول الشاعر: أيها الناس، إن ذا العصرَ عصُر الـ ... ـعلْم، والجدّ فى العلا، والجهاد ومثلها محلها المجرور قول الآخر: ولسْتُ بإمَّعَةٍ2 فى الرجالِ ... أسائل عن ذا، وذا، ما الخبر؟ فهى مبنية دائمًا. ولكنها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعها من الجمل. وإن كان المشار إليه مفردة، مؤنثة عاقلة أوغير عاقلة - مثل: فتاة وحديقة - فاسم الإشارة المناسب لها هو: "ذى" أوإحدى أخواتها مثل: ذى غرفة بديعة

_ 1 كان هذا أول مرة سجلها التاريخ، ففي سنة 1969 فقد نزل ثلاثة من الأمريكيين على سطحه، وأقاموا فوقه نحو ثلاثين ساعة، عادوا بعدها إلى وطنهم "الولايات المتحدة" سالمين. ثم كانت المرة الثانية في ديسمبر سنة 1972 قام بها أمريكيون أيضًا، وأدركوا من التوفيق والنجاح أضعاف ما تم في المرحلة الأولى. 2 الإمعة: من لا أهمية له، ولا رأي. وإنما يسأل غيره عن كل شيء، ويتابعه بغير تفكير.

ذي فتاة ماهِرة ... وهي اسم إشارة مبنية دائمًا على السكون في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، هنا، أما في جملة أخرى فمبنية أيضاً، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من الجملة. وإن كان المشار إليه مثنى مذكرًا -للعاقل أو غيره- مثل: فارسين، وقلمين، فاسم الإشارة المناسب له: "ذَان" رفعًا، و"ذَيْن" نصبًا وجرًّا؛ فيعرب كالمثنى؛ تقول: ذان فارسان، حاكيت ذَيْن الفارسين، اقتديت بذين الفارسين، ذان قلمان جميلان، اشتريت ذَيْن القلمين، كتبت بذين القلمين؛ فاسم الإشارة هنا معرب مرفوع بالألف في حالة الرفع، ومنصوب ومجرور بالياء في حالتي النصب والجر. وكذا في كل جملة تشبه هذه. فإن كان المشار إليه مثنى مؤنثًا -للعاقل أو غيره- "ومنه: فصيحتان، وردتان ... ". فاسم الإشارة1 الذى يناسبه هو: "تانِ" رفعًا، و"تَيْنِ" نصبًا وجرًّا، فيُعرب إعراب المثنى؛ تقول: تان فصيحتان، إن تين فصيحتان، أصغيت إلى تَيْن الفصيحتين. وتانٍ وردتان - شمِمْت تَيْن الوردتين، حرَصت على تَيْن الوردتين؛ فاسم الإشارة هنا كسابقه، معرب إعراب المثنى. وكذا فى كل جملة أخرى. وإن كان جمعًا للعاقل أوغيره مثل: الطلاب -الأبواب- أتينا باسم الإشارة المناسب؛ وهو كلمة "أولاء" ممدودة أو مقصورة، وفي الحالتين لا بدّ

_ 1 من الخير التيسير باتباع هذا الرأي القائل: بأنهما يعربان إعراب المثنى، بالرغم من أن مفرد كل منهما مبني قبل تثنيته، والمبني لا يثني ولا يجمع ... وحجة هذا الرأي أن العرب الفصحاء أدخلت عليهما العلامتان الدالتان على التثنية، والإعراب: "وهما: الألف والنون، والياء والنون، والياء والنون" فلا داعي لإغفال الواقع يجعل الكملتين مبنيتين على الألف رفعا، وعلى الياء نصبا وجرا، كما يرى فريق آخر من النحاة، لأن الأخذ برأيه يبعدنا من مراعاة الظاهر السهل الذي يناسينا اليوم. وإذا أخذنا بالتيسير المشار إليه وجب أن نلاحظ أن كل كلمة من الكلمات السابقة "أي: "ذان"، و "ذين" و "تان" و "تين" لا يصح إضافتها إلى كلمة بعدها، لأن الإضافة المحضة تفيد المضاف تعريفا أو تخصيصا. واسم الإشارة معرفة، فلا تقيده الإضافة شيئا. هذا، إلى أن جميع أسماء الإشارة - ما عدا المثناة- مبنية والمبني من أسماء الإشارة لا يضاف- غالبا- فالكاف الواقعة في مثل: "ذانك و "تانك" رفعا، ونصبا، وجرا حرف خطاب "وقد تكلمنا عنه في رقم 2 من هامش ص 324". وليست ضميرا مضافا إليه، إذ لو كانت ضميرا مضافا إليه لحذفت نون المثنى من المضاف منهما، ومن مثل قوله تعالى: "فذانك برهانان من ربك".

من بنائها، ولا بد لها من محل إعرابي، تقول: أولاء الطلاب نابهون، أولاء الأبواب مفتحة. واسم الإشارة هنا ممدود مبني على الكسر في محل رفع؛ لأنه مبتدأ. أما في جملة أخرى فيكون مبنيًّا أيضًا ولكنه في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب موقعة من الجملة التى يكون فيها: ومثله: "أُولَى" المقصورة. إلا أنها في جميع أحوالها مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة. وإن كان المشار إليه مكاناً أتينا بكلمة: "هُنَا" وهي إشارة وظرف مكان معًا فهي مبنية على السكون -أو غيره على حسب لغاتها- في محل نصب1؛ لأنها ظرف غير متصرف -كما سلف- تقول؛ هنا موظف العلم؛ أي: في هذا المكان. وقد يكون قبلها "ها" التي للتنبيه وحدها، نحو: ها هنا، أو هي والكاف المفتوحة نحو: ها هناك. وقد يلحقها الكاف واللام معًا بشرط عدم وجود "ها" التي للتنبيه. ومثلها. "ثَمّ" فهي اسم إشارة للبعد وظرف مكان معًا -ولا يتصرف، مبنية على الفتح في محل نصب2 تقول: ثَمَّ مَقَر السماحة. أي: هنالك. ويجوز أن تلحقها تاء التأنيث المضبوطة بالفتحة غالبًا كما سبق3 فتقول: ثَمَّةَ ميدان للتسابق الأدبي. ولما كانت "ثمّ" تفيد البعد بنفسها لم يكن هنا داعٍ لأن تلحقها الكاف ولا اللام. ومما تقدم نعلم: أن كل مشار إليه له اسم إشارة يناسبه؛ وكل اسم إشارة مقصور على مشار إليه بعينه، وأن جميع أسماء الإشارة مبنية؛ إما على السكون أو غيره، ولكنها في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب تصرفها، وموقعها من الجملة.

_ 1 بشرط ألا يسبقها حرف الجر "من" أو: "إلى" كما تقدم في ص 328، فإن سبقها أحدهما فهي في محل جر، لأنها لا تخرج عن الظرفية إلا لشبه الظرفية، وهو الجر بالحرف: "من" أو: "إلى" ومن المعلوم أنها ظرف غير متصرف. والصرف غير المتصرف لا يترك النصب على الظرفية إلا إلى شبهها، وهو بالجر بالحرف: "من". لكن ظروفًا ثلاثة هي: "هنا -ثم- أين" قد تجر بالحرف: "إلى" أيضًا. "راجع الصبان في هذا الموضع". ويزاد على الثلاثة السالفة الظرف: "متى" إلا أنه يصح جره، بالحرف "حتى" كما يجر بالحرفين أيضا "من وإلى" طبقا لما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 338 وفي جـ 2 باب الظرف م 79. 2 بالشرط السالف في رقم 1 من هذا الهامش، فهو يسري عليها كزميلتيها. 3 في ص 329.

وليس فيها معرب إلا كلمتان؛ هما "ذان" للمذكر المثنى "وتان" للمؤنث المثنى؛ فيعربان إعراب المثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، ومع أنهما معربان، فإنهما لا يضافان -كما سبق1- فشأنهما في ذلك كشأن المبني من أسماء الإشارة؛ لا يجوز إضافة شيء منه مطلقًا. ب- وإذا عرفنا حالته في ناحية قربه أو بعده أو توسطه لم يتغير شيء من طريقة إعراب الأسماء السابقة. فإن وجد في آخر واحد منها كاف الخطاب الدالة على التوسط "نحو ذاك ... هناك" قيل فيها: "الكاف" حرف خطاب، مبني لا محل له من الإعراب. وإن وجد معها لام البعد أحياناً، مثل: "ذلك"، وهذه اللام لا توجد منفردة عن الكاف -كما أشرنا2- قيل فيها: اللام حرف للبعد، مبني على الكسر في نحو: ذلك، وعلى السكون في نحو: تَلْك ... لا محل لها من الإعراب. وإن وجد في أول اسم الإشارة "ها" التي للتنبيه؛ مثل: "هذا" قيل فيها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له. "مع ملاحظة أن الكاف بعد كلمة: "هنا" حرف خطاب لا يتصرف مطلقًا فهو مبني على الفتح دائمًا، أما بعد غيرها فيجوز أن تتصرف.

_ 1 في رقم 2 و 1 من هامشي ص 324 و 334. 2 في "ج" من ص 325. 3 راجع رقم 2 من هامش ص 324....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- للمناسبة هنا وللأهمية نلخص ما ذكرناه وأيدناه بالنصوص المسموعة الصحيحة في ص225 وهو أنه: يجوز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه؛ مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنت ذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد ... وقد يكون الفصل بغير الضمير قليلا؛ كالقسم بالله؛ نحو: ها -والله- ذا الرجلُ محب لوطنه. وكذلك "إن" الشرطية، مثل: ها، إن، ذي حسنةٌ تتكررْ يُضاعف ثوابُها ... وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفصل، لتوكيد التنبيه وتقويته؛ مثل: ها أنتم هؤلاء تحبون العمل النافع. والشائع هو دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنْفصل الذي خبره اسم إشارة، نحو: هأنذا المقيم على طلب العلوم. ومن غير الشائع، مع صحته طبقًا للبيان والأمثلة المتعددة التي في ص 225 -دخولها إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. ويُستأنَس لهذا أيضًا -وإنْ كان في غنى عنه لكنه في معرض التخصيص- بما جاء في الصبان والخضرى معًا في باب الحال عند الكلام على العامل المضمن معنى الفعل، كتلك، وليت، وكأن، وحرف التنبيه ... حيث قالا فى التمثيل لحرف التنبيه: "هأنت زيد راكبًا ... " ا. هـ وهذا لمجرد الاستئناس فقط فقد سبقت الأمثلة الفصحة الواردة عمن يستشهد بكلامه من العرب. "ملاحظة" يتعين أن يكون اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التى للتنبيه مبتدأ في مثل: هذا أخي. لأن "ها" التنبيهية لها الصدارة بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل الضمير بينهما في مثل: "هأنذا" فالضمير هو المبتدأ، واسم الإشارة هو الخبر.

_ 1 قلنا في رقم 1 من هامش ص 328 إن هذا رأي صاحب الهمع "جـ1 ص 102 ومن ردده، كالصبان" كما قلنا إن الحكم بتقديم اسم الإشارة المبدوء بحرف التنبيه "ها" تقديما واجبا على الخبر هو حكم مدفوع بأدلة قوية يؤيدها السماع، طبقا للبيان والإيضاح المذكورين هناك. والظاهر أن تقديمه على الخبر أكثر، لا واجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز: "هذا أنا" ولكن الأول أحسن وأسمَى في الأساليب الأدبية العالية -كما ستجيء الإشارة لهذا في رقم 8 من ص 498، وتكملتها في رقم4 من هامش ص499. ب- عرفنا1 أن كلمة "هنا" اسم إشارة للمكان القريب، وظرف مكان معًا. وقد تقع: "هُناك" و"هنالك" و"هَنَّا" المشددة، أسماء إشارة للزمان؛ فتنصب على الظرفية الزمانية؛ مثل قول الشاعر: وإذا الأمورُ تشابهتْ وتعاظمتْ ... فهناك يعترفون أين المفزعُ أي: في وقت تشابه الأمور2. وكقوله تعالى عن المشركين3: {يَوْمَ نَحْشُرُهُم} إلى أن قال: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، أي: في يوم حشرهم. وكقول الشاعر: حَنَّت نوارُِ ولات هَنَّا حَنَّت ... وبدَا الذى كانت نوَارُِ أَجنت أي: ولات في هذا الوقت حنين، لأن "لات" مختصة بالدخول على ما يدل على الزمن4. ج- يطلق النحاة على أسماء الإشارة وأسماء الموصول اسمًا خاصًّا؛ هو "المُبْهمات"، لوقوعها على كل شيء؛ من حيوان، أو نبات، أو جماد،

_ 1 في ص 328. 2 لأن الظرف: "هنا" داخل في جواب" إذا" الشرطية، التي هي ظرف لما يستقبل من الزمان. 3 في سورة: يونس، ورقم الآية 28، ومما بعدها. 4 "لات" في الشاهد: مهملة، لا تعمل عمل "لا". بسبب تقديم الخبر وهو: "هنا". ولا يصح أن تكون: "هنا" اسمها: لأنها ظرف غير متصرف - كما سبق في ص 328- ولا تخرج عن الظرفية إلا لشبهها، وهو هنا الجر بالحرف "من" أو: "إلى".... فلا تكون اسما لناسخ، ولا غير ذلك، ولأنها معرفة، و "لات" لا عمل لها في المعرفة. "ومما يلاحظ أن خروج: "هنا" عن الظرفية قد يكون إلى الجر بالحرف "إلى" وهذا لا يكون في غيرها وغير "ثم"، و "أين" ومثلها: "متى" لكن هذا الظرف قد يجر بالحرف: "حتى" أيضا - دون بقية الظروف غير المتصرفة، وسيجيء الكلام على هذا الشاهد في "حـ" من ص 604 عند الكلام على "لات""

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم دلالتها على شىء معين، مفصَّل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظها؛ فالموصول لا يزول إبهامه إلا بالصلة، نحو: رجع الذى غاب، كما ستجئ. واسم. الإشارة لا يزول إبهامه إلا بما يصاحب لفظه من إشارة حسية كما عرفنا. ولذلك يكثر بعده مجئ النعت، أوالبدل، أوعطف البيان؛ لإزالة إبهامه، ومنع اللبس عنه؛ تقول؛ جاء هذا الفضل. جاء هذا الرجل3.......

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 340. 2 في ص 321. 3 إذا كان ما بعد اسم الإشارة مشتقا فإعرابه نعتا هو الأفضل. إما إذا كان جامدا فالأفضل إعرابه بدلا، أو: عطف بيان- كما سيجيء في بابها جـ3 - كل ذلك ما لم يوجد مانع.

المسألة السادسة والعشرون: الموصول

المسألة السادسة والعشرون: الموصول الموصول قسمان: اسمي، وحرفي. وسنبدأ بالأول1. تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية: أ- فرح الذى ... - سمعت الذى ... - أصغيت إلى الذى ... ب- فرح الذى "حضر والده" - سمعت الذى "صوته مرتفع" - أصغيت إلى الذى "فوق المنبر". ج- وقفت التى ... - احترمت التى ... - لم أشهد التى ... د- وقفت التي "تخطب" - احترمت التي "خُطبَتُها رائعة" - لم أشهد التى "أمام المذياع". فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهوحيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أوالنبات، أوالجماد؟ إذًا هواسم غامض المعنى2، مبهم3 الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه.

_ 1 لأنه أحد المعارف التي نحن بصددها. أما الثاني فحرف، لا دخل له بالمعارف، فليس مجال الكلام عليه هنا. ولكنه يذكر للمناسبة بينه وبين الأول. وسيجيء في ص 407 بسط الكلام عليه. 2 خفي المعنى. 3 أشرنا في ص 32 وهامشها إلى أن المراد بالمبهم في باب الموصولات هو: المجمل الذي لا تفصيل فيه ولا استقلال، ولا تعيين، ولا تحديد. "كما في حاشية التصريح" وقد سبق في "جـ" من ص 338 أن أسماء الإشارة تسمى هي والموصولات: "الأسماء المبهمة"، وأوضحنا هناك سبب التسمية، وأنه وقوعها على كل شيء، من الحيوان، أو النبات، أو الجماد، من غير تعيين وتفصيل لذلك الشيء إلى بأمر خارج عن لفظها. جاء في المفصل "جـ5 ص 86" ما ملخصه. "إنه حين يقال بين المعارف أسماء مبهمة فالمراد بها ضربان فقط، "أسماء الإشارة، والموصولات" كما أوضحنا في رقم 3 من هامش ص 255 - والفرق بين المضمر والمبهم أن ضمير الغائب يبين بما قبله في الغالب "وهو الاسم الظاهر الذي يعود عليه المضمر، نحو قولك: محمد مررت به" - والمبهم الذي هو اسم الإشارة =

لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة، رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما في القسم الثاني "ب". وكذلك الشأن في قسم "ج" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التي"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلي للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: "التي" بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولًا، وعن الجملة تبعًا له، كما في القسم "د". فكلمة "الذي" و"التي" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج -دائمًا- في تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه، إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، وكلاهما يسمى: "صلة الموصول"3.

_ = يفسر بما بعده، وهو: الجنس. كقولك: هذا الرجل، وهذا الثوب، ونحوه. والمعنى بالإبهام. وقوعها على كل شيء من حيوان، ونبات، وجماد، وغيرها، ولا تخص مسمى دون مسمى. هذا معنى الإبهام فيها، لا أن المراد به التنكير، ألا ترى أن هذه الأسماء معارف، لما ذكرناه. والقسم الثاني من المبهمات هو: اسم الموصول، كالذي، والتي، ومن، وما..... وكلها معارف بصلاتها، فبيانها بما بعدها أيضا. إلا أن أسماء الإشارة تبين باسم الجنس. والموصولات تبين بالجمل بعدها: - أو: أشباه الجمل -. والذي يدل على أنها معارف أنه يمتنع دخول علامة النكرة عليها، وهي: "ب" وأنها توصف بالمعارف، نحو: جاءني الذي عندك العاقل، وتقع أيضا وصفا للمعارف، نحو: جاءني الرجل الذي عندك. وكلها مبهمة، لأنها لا تخص مسمى دون مسمى كما كانت أسماء الإشارة كذلك.... " ا. هـ. باختصار. والاسم المبهم كما أوضحناه هنا - يختلف عن "اسم الزمان المبهم" الذي يجيء إيضاحه في مكانه المناسب من الأجزاء التالية، "ومنها جـ2 ص 239 م 78، وص 279 م 79"، وكذلك يختلف عن المنادي المبهم. والمراد به نداء "أي" "وأية" و "اسم الإشارة- كما سيجيء في باب المنادي جـ 4. "1 و 1" فتخرج - مثلا- النكرة الموصوفة بجملة، نحو: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله"، لأن حاجتها إلى الجملة ليست دائمة: وإنما هي مؤقتة بمدة وصفها فقط، لا في سائر أحوالها. 2 شبه الجملة هو: الظرف والجار مع مجروره. وهنا نوع خاص آخر سيجيء "في ص 384 وما بعدها، ولا سيما ص 386" هو "الصفة الصريحة" وتكون صلة "أل" الموصولة. ولا تكون صلة لغيرها. ولا تدخل في شبه الجملة إلا في هذه الصورة، انظر رقم2 من هامش ص 357. 3 وهذه الجملة أو ما يقوم مقامها توصل به، ولذلك سمي موصولًا، فهو موصول بها، أو: هي موصولة به، وسميت لهذا: "صلة" وبها تتعرف الموصولات الاسمية.

ولا بد فى الجملة من ضمير يعود على اسم الموصول، أو ما يغني عن الضمير. طبقًا للبيان الخاص بالصلة1- وهذه الصلة هي التي تفيد الموصول الاسمي التعريف. ألفاظ الموصول الاسمي: ألفاظه قسمان: مختص، وعام "ويسمى: مشترَكا". فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه. والعام أوالمشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها. وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:

_ 1 في ص 373.

صورة سكانر

_ "1 و 1" تقضي قواعد "الإملاء" الشائعة حتى اليوم أن تكتب بلام واحدة وتحذف الثانية، لأن كثرة الاستعمال لا تجعل القاريء يشتبه في حقيقتها. 2 ورد في الفصيح استعمال "الذي" مفردا في لفظه، جمعا في معناه، بشرط أمن اللبس كقوله تعالى في المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} ، فالضمائر العائدة على "الذي" ضمائر جمع. وكقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ، بضمير الجمع أيضا. 3 ورد في الفصيح استعمال "التي" مفردة في لفظها، جمعا في معناها، فقد قرأ بعض القراء آية سورة النساء، وهي قوله تعالى في بيات المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُم} مكان: "اللاتي أرضعنكم" في القراءة المشهورة. قال أبو الفتح ابن جني في كتابه: "المحتسب" في تبيين القراءات الشاذة "ج1 ص185 سورة النساء" ما نصه: "ينبغي أن تكون "التي" هنا جنسا، فيعود الضمير على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: و "الذي جاء بالصدق وصدق به.... " ثم قال بعد: "أولئك هم المتقون" وهذه الآية من سورة الزمر، ونصها: و "الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فهذا على مذهب الجنسية، كقولك: =

صورة سكانرة

_ = الرجل أفضل من المرأة" وهو أمثل من أن يعتقد فيه حذف النون من آخر "الذي" - يشير أبو الفتح إلى رأي من قال: "إن الأصل هو: "الذين" حذفت من آخره النون - " ا. هـ ... ثم أوضح أن حذف النون وجه، ولكن الأول أقوى. وأيده بدليل. ثم نقل قول الشاعر: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد وقال إنه يحتمل الرأيين، وإن الأول أقوى. "فلج: اسم بلد بين البصرة واليمامة". بقي أن أسأل: كيف يصح القول بأن كلمة "الذي" هنا محذوفة النون، وأن أصلها: "الذين" للجمع، مع أن بعض الضمائر العائدة عليها هي للمفرد؟ كما أسأل عن الداعي إلى التأويل والحذف والتقدير مع صحة إعراب التي - وهي للمفردة- نعتا لكلمة "أمهات" وهي جمع مؤنث سالم للعقلاء. وهذا النعت صحيح، طبقا للتحقيق الأكمل المعروض في باب: "النعت" - جـ3 م 114 ص 433 عند الكلام على حكم النعت الحقيقي، ومطابقته للمنعوت أو عدم مطابقته؟ 1 كلتاهما تكتب بلامين. 2 هذا هو الأشهر الذي يحسن الاقتصار عليه. ويجوز أن تكون مكسورة أيضا مع التشديد، ولكنها في حالة النصب والجر تقتضي فتح الياء قبلها، تقول: "اللذان، اللذين".... فتكون في التشديد وعدمه كنون "ذان" و "تان" اسمي الإشارة حيث يصح فيهما الأمران كما أسلفنا. - في رقم 3 من هامش ص 323- تقول في حالة الرفع: ذان - تان- أو ذان - تان- وفي حالتي النصب والجر: ذين وتين أو: ذين وتين. فالنون في كل الأمثلة السابقة - من أسماء الإشارة والموصول- صالحة للتشديد وعدمه، لكنها عند النصب والجر تستلزم عند التشديد فتح الياء قبلها. وإلى ما سبق يشير ابن مالك: موصول الأسماء: الذي، الأنثى: التي ... واليا إذا ماثنيا لا تثبت بل ما تليه أوله العلامة ... والنون إن تشدد فلا ملامه والنون من ذين وتين شددا ... أيضا وتعويض بذاك قصدا يقول: ألفاظ الموصول الاسمى هي: الذي". ولم يذكر أنها للمفرد المذكر، مكتفيا بالمقابلة التالية، حيث يقول: إن الأنثى "أي: المفردة" لها: "التي" ثم أوضح أن الياء في كلمتي: "الذي، والتي" لا تثبت، أي: لا تبقى عند تثبتهما فتحذف، ويجيء بعد الحرف الذي وليته -أي: جاءت بعده- علامتا التثنية، وهما الألف والنون رفعًا، أو الياء والنون نصبا وجرًّا. وصرح بأن تشديد النون في التثنية لا لوم فيه، وكذلك تشديد النون في "ذين" و "تين" اسمي إشارة جائز أيضا - كما سبق في رقم 3 من هامش ص 323 وأن التشديد في هذه النونات كلها هو تعويض عن الياء التي حذفت من غير داع لأجل التثنية. وهذا تعليل يجب إهماله. لأن العلة الصحيحة هي استعمال العرب ليس غير.

صورة اسكانر

_ 1 من الواضح أن: "الألى" اسم جمع "وهو: ما يدل على معنى الجمع، وليس له مفرد من لفظه ومنعاه معا ... انظر رقم 2 من هامش ص 148" وليست جمعا، إذ لا ينطبق عليها شروطه. وتكتب بغير واو بعد الهمزة بخلاف" أولى. "اسم إشارة، فإن الواو تلزمها بعد الهمزة - كما في هامش ص 324 - وقد سبق القول: "في رقم 5 من هامش ص 188 ورقم 1 من هامش ص 324 وكذا رقم 1 من ص 558 م 170 جـ4 أن النحاة لا يطلقون "المقصور والممدود" إلا على الأسماء المعربة وحدها من هذين النوعين. أما اللغويون والصرفيون فيطلقونهما على المعرب وعلى المبني منهما. وبرأيهم جرى التعبير هنا، وفي اسم الإشارة أيضا. 2 ليست جمع مذكر، لأنها لا تنطبق عليها شروطه، فهي ملحقة به، وتكتب بلام واحدة.

صورة اسكانر

_ 1 يحسن إهمال الرأي الآخر الذي يعربها بالحرف إعراب جمع المذكر في كل حالاتها، فيرفعها بالواو والنون "اللذون". وينصبها ويجرها بالياء والنون "الذين"، فيقول: ندم اللذون أهملوا- ورأيت الذين انتصروا يسخرون من الذين انهزموا. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في تلك الحالات وليست معرفة "كما في رقم 1 من هامش ص 371". 2 وإلى ما سبق في "4" و "5" و "6" يقول ابن مالك: جمع الذي: الألى"، "الذين" مطلقا وبعضهم بالواو رفعا نطقا يريد: أن كلمة "الذي تجمع جمعا لغويا- وهو الذي يدل على مطلق التعدد، ولو لم تنطبق عليه شروط الجمع النحوية - على "ألى" وعلى "الذين" فلفظ الذي يستعمل للمفرد المذكر، ويقابل هذا المفرد المذكر جمع المذكر، وله كلمتان: "الألى" و "الذين" ولم يتعرض لتفصيل ما يختص به كل اسم منهما، واكتفى بأنهما للجمع. وزاد أن "الذين" للجمع مطلقا، أي: في جميع حالاتها من الرفع، والنصب، والجر، وأن بعض العرب يجعله كجمع المذكر السالم، فيأتي فيه بالواو رافعا، ويعربها في هذه الحالة، وكذلك في حالتي النصب والجر، وعلامتهما موجودة وهي الياء والنون. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الحالات الثلاث، كما شرحنا. ويقول ابن مالك مشيرا، إلى ما مر في 7 و 8: باللات واللاء: "التي" قد جمعا واللاء كالذين نزرا وقعا أي: أن "التي" - وهي اسم موصول للمفردة المؤنثة- تجمع على "اللات" و "اللاء" جمعا لغويا يدل على مجرد التعدد كما سبق- لا جمعا نحويا، إذ أنها ليست مستوفية لشروط الجمع النحوي. فإذا كانت كلمة: "التي" للمفردة المؤنثة فالذي يقابلها ويحل محلها في جمع المؤنث هو: "اللات" و"اللاء". ولم يذكر أنهما بالياء في آخرهما وبغير الياء أيضا. ثم بين أن كلمة: اللاء" قد تستعمل- قليلا- للعقلاء مكان كلمة "الذين" وتحل محلها لجمع المذكر من الناس، فتقول: جاء اللاء زرعوا الحقل، أي: الذين.

وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها1 وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها. أما ألفاظ القسم العام "وهو المشترَك" فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق في القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية2. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التي يدل عليها؛ لأنه مبني، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَيّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب -كما سيجيء3 في ص327. ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذي يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجيء بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك4.

_ 1 في الأشهر الأفصح. ويقول شارح المفصل: "ج1 ص413" ما نصه: باختصار قليل. ".... إذا ثبت أن: "أل" لا تفيد هنا -في باب اسم الموصول- التعريف كان زيادتها لضرب من إصلاح اللفظ، وذلك أن: الذي" وأخواته مما فيه "أل" إنما دخل توصلًا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات، ألا ترى أنها تجري أوصافًا على النكرات، نحو قولك: مررت برجل أبوه زيد، ونظرت إلى غلام قام أخوه، وصفة النكرة نكرة. فلما كانت تجري أوصافًا على النكرات لتنكرها أرادوا أن تكون في المعارف مثل ذلك، فلم يسغ أن تقول: مررت بزيد أخوه كريم، وأنت تريد النعت لزيد؛ لأنه قد ثبت أن الجمل نكرات، والنكرة لا تكون وصفًا للمعرفة. ولم يمكن إدخال "أل" التي للتعريف على الجملة؛ لأن "أل" هذه من خواص الأسماء، والجملة لا تختص بالأسماء إلى أن لفظ "الذي" قبل دخول "أل" لم يكن على لفظ أوصاف المعارف فزادوا في أوله "أل" ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي قصدوه، فيتطابق اللفظ والمعنى...." ا. هـ. وقد سبقت الإشارة العابرة لبعض ما سبق في هامش ص110. وكل ما تقدم خيالي محض يحسن إهماله، إذ لا يعرف العربي الأصل عنه شيئًا. أما التعليل الحق فهو كلام العرب وحده. 2 أي: مادته المكونة من الحروف وضبطها..... 3 في ص363. 4 سيجيء توضيح هذا وتفصيله عند الكلام على صلة الموصولة، والرابط ص373 م27.

وإليك الألفاظ الستة، ونواحي استعمالها: 1- مَن1: أكثر استعمالها في العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر: ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ ... على نائبات الدهر حين تنوبُ وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن. وقد تستعمل في غير العقلاء في الأحوال الآتية: أ- إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة: "مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة.... ومن الأمثلة قوله تعالى2 {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ....} ب- إذا وقع3 مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم4 فى استعمال: "مَن". كأن تسمع البلبل يشدوبلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى ... وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلاَّنىِ ... ج- أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟.

_ 1 يتردد ذكرها أحيانًا في اصطلاح النحاة باسم: "من المعرفة الناقصة" "لاحتياجها لزومًا إلى الصلة التي تتمم معناها". يريدون: "من" التي هي اسم موصول. ومثلها: "ما" الموصولة، حيث يطلق عليها اسم. ما" المعرفة الناقصة، كما سيجيء في رقم1 من هامش ص351. 2 في سورة النور. 3 ولو تخيلًا منا، وتنزيلا له منزلة الذي يحصل.... 4 لبيان ذلك: أنه متى نسب إلى غير العاقل شيء لا ينسب "نفيا أو إثباتا" إلا إلى العاقل أجرينا عليه حكمه من غير نظر لرأي المتكلم، أو المخاطب، أو غيرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا1، مراعاة للفظها، وهوالأكثر2. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهوكثير3؛ فمن الأول قوله تعالى:

_ 1 سبقت مواضع "التطابق بين الضمير ومرجعه" في "ح" من ص 262، و 268 ... وتجيء لها بقية في ص452 وما بعدها. وإذا كانت "من" موصولة ومعناها هو المفرد المذكر، فهي مثل: "الذي" "ص343" إلا أن "من" لا تكون -في أحد الآراء القوية- صفة، ولا موصوفة، بخلاف "الذي"، تقول: رجع الطائر الذي هاجر، وجاء الذي رحل الظريف، فتقع كلمة: "الذي" صفة وموصوفة، بخلاف "من" في ذلك الرأي المخالف- "راجعه في رقم 4 من ص 352 وما يتصل به في رقم 4 من هامش ص 376ط. 2 "كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص 125 وفي رقم 8 من ص 266" وإنما يكون الأكثر في الضمير مراعاة لفظها في غير الحالات الآتية: وسيشار إلى بعضها في رقم 4 من هامش ص 376: 1- أن يحصل لبس من مراعاة لفظها، نحو: أعط من سألتك، فلا يجوز من سألك إذا كان المراد أنثى. ب- أن يكون في مراعاة اللفظ وقوع في قبح، نحو، من هي حمراء خادمتك. بمعنى: "من هي حمراء- هي خادمتك" فيجب مراعاة المعنى، فلا يقال: من هو حمراء جاريتك، لكيلا تكون كلمة: "حمراء" المؤنثة خبرا عن الضمير المذكر. وكذلك العكس في نحو: من هو أحمر" "جاريتك"، فلا يقال: من هي أحمر جاريتك، ليكلا يكون الخبر "وهو كلمة أحمر" مذكرا، ولمبتدأ الضمير مؤنثا. وكذلك لا يجوز: من - هو أحمر- جاريتك، لأن المبتدأ والخبر، "هو أحمر" متطابقان في التذكير وهما صلة الموصول، ولكن اسم لموصول "من" مفرد مذكر، وخبره "جارية" مؤنث. ولا مانع من هذا. لولا أن الموصول مع صلته كالشيء الواحد، والصلة هنا متطابقة في التذكير لكن خبر الموصول مؤنث وهو بمنزلة الخبر عن الصلة، فيقع التخالف الممنوع: فكأنك أخبرت عن المذكر بمؤنث. وقد يراعى المعنى كثيرا بعد مراعاة اللفظ، نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} . وقد يراعى اللفظ، ثم المعنى، ثم اللفظ، نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَأَنَّ فِي أُذُنَيهِ وَقْرًا، فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم} - وستجيء الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص 377. أما مراعاة المعنى أولا، ثم اللفظ فالأفضل اجتنابه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به 1 وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به} . ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثاني قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} وقول الفرزدق: تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى ... نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ فالفاعل فى الآية واوالجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها: وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُو مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: {ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين} . ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ: "مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".

_ 1 بالقرآن.

2- "ما"1 وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما2؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع: أ- إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقول الشاعر: إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ ... فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ ب- أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحوأكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أوبالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها. "حـ" المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إني لا أتبين ما أراه، أولا أدرك حقيقة ما أراه ... وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} ...

_ 1 قد يتردد ذكرها في اصطلاح النحاة أحيانا باسم: "ما المصرفة الناقصة" "لاحتياجها لزوما إلى الصلة التي تتمم معناها"، يريدون التي هي اسم موصول. كما يطلق على "من" الموصولة اسم" المعرفة الناقصة"، أيضا- كما سبق في رقم من هامش ص 348. - وهي غير "ما" التي تعد حرف موصول "انظر "د" ص 411 ورقم 3 من هامشها. 2 لما كانت "ما" إحدى الموصولات المشتركة التي لفظها مفرد مذكر، ومعناها قد يكون غير ذلك، جاز في الضمير العائد إليها أن يكون مطابقا للفظها أو لمعناها، كالذي سبق في - من" الموصولة، وغير الموصولة- ص 349 وقد سبق بيان لهذا في ص 266. فكلمة: "ما" موصولة وغير موصولة- مثلها، كالمتبادر من كلام الصبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تصلح "من" و"ما" للأمور الخمسة الآتية: 1- اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} . وقول الشاعر: إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى ... حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ 2- اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟ 3- اسم شرط2، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا. 4- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك "أى: ربّ إنسان نصحته استفاد ... " ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك "أى: رب شىء كرهته" وربّ ما مكروه أفاد3 ... ومن هذا قول الشاعر: الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به ... وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى

_ 1 هذا شطر بيت صدره: "وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو ... " - واليد: المعروف. 2 الفرق كبير لفظا ومعنى بين نوعي "ما ومن" الشرطيتين والموصولتين، فالشرطيتان الواقعتان مبتدأ تختلفان تماما عن الموصولوتين الواقعتين مبتدأ أيضا وإيضاح هذا الفرق بين النوعين مفصل في مكانه من باب الجوازم - "حـ4 م 154 ص 320" وهو تفصيل هام، موضح بالأمثلة ومما جاء به: أن "الموصولتين" ليس فيهما تعليق شيء على آخر، وإنما يدلان على مجرد الإخبار المطلق، ولا يجزمان. بخلاف الشرطيتين، فلا بد فيهما من الجزم والتعليق معا. 3 والدليل على أن "من" و "ما" في الأمثلة السابقة نكرة موصوفة أنهما مجرورتان برب، وهي لا تجر، - غالبا - إلا النكرات. وبعدها جملة، والجملة بعد النكرة صفة. "هذا، ولا توصل كلمة "ما" النكرة الموصوفة بكلمة: "رب" في الكتابة" وانظر رأيا آخر في رقم 1 من هامش ص 349.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان. كما أن الغالب في "ما" التي هي نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شيء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهي نكرة غير موصوفة، بمعنى: شيء، أيضًا، وتسمى: نكرة تامة. ..... 5- نكرة تامة "أي: غير موصوفة"، وهي التي سبقت الإشارة إليها، مثل: رُبَّ من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر. ب- تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية: 1- التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا. 2- النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك2. 3- أن تكون كافة؛ وهي التى تدخل على العامل فتكُفّه "أي: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا" كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه، ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب في الكتابة وصل "رُب" بكلمة: "ما" الكافة؛ لأن الذي يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق3. 4- أن تكون زائدة4 "أي: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى" وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا ... أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقوا} .

_ "1و 1" وستجيء بعد هذا مباشرة في رقم 5. 2 "ما" الأولى نافية، أما الأخيرة فتصلح موصولة، ونكرة موصوفة، والكلام مثل قديم، يقال للحزين الذي أضاع ماله سدي، فيتعلم بعد ذلك الحذر، ويبالغ في الحيطة، فلا يضيع منه شيء ويحافظ على ماله. فضياع ماله بسبب إهماله كان الوسيلة الناجحة لصيانته، فكأنه لم يضيعه سدى. 3 في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة. 4 لتأكيد المعنى الأساسي وتقويته. وكما تسمى "زائدة" تسمى عند بعض الأقدمين: "صلة"، شأنها عندهم شأن غيرها من سائر الحروف والكلمات الزائدة، حيث يطلقون على كل منها: "صلة"، لا فرق في هذه التسمية وبين "ما" وغيرها من كل لفظ زائد، اسما كان أو فعلا أو حرفا "وفي رقم 3 من هامش ص 373 بعض المعاني الأخرى لكلمة: "صله". 5 أي: بسبب خطيئاتهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 5- مصدرية ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معا1"، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أي: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أو مأنا إلى الناس وقفوا أي: مدة سيرنا. وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد أمرين: معنى وظرفية معًا. 6- أن تكون مصدرية غير ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بمصدر فقط"، مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أي: بإخلاصهم. وهي وحدها حرف محض1، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد معنى مجردا، فقط. 7- أن تكون مهيئة- "وهي التي تتصل بآخر كلمة غير شرطية. فتهيئها وتعدها لمعنى الشرط وعمله" كدخول "ما" على "حيث" في مثل: حيثما تصدق تجد لك أنصارا. 8- أن تكون مغيرة.... "وهي الحرفية التي تلحق آخر أداة شرطية، فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على آخر "لو" في مثل: "لو ما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما" الحرفية، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض. 9- أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد: لأمرأي أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإبهامية"، ويتفرع على الإبهام، إما الحقارة، نحو: أعط فلانا شيئا ما. تريد شيئا تافها حقيرا، وإما التفخيم، نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب ... وإما النوعية، نحو: عاون عليا معاونة ما، تريد نوعا من المعاونة. ويقول بعض المحققين من النحاة: هي في كل هذه الصور الخاصة بالصفة ليست اسما، وليست صفة، وإنما هي حرف زائد، يفيد التنبيه، وتقوية المعنى.

_ "1و 1" كما سيجيء في موضعه: "ص 411".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس في كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أيَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون. وهذا الخلاف شكلي، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا -وهوالأسهل- أو اسمًا يعرب صفة.

3-.... "أل" -وتكون للعاقل وغيره1، مفردا وغير مفرد، نحو: اشتهر الكاتب، أو: الكاتبة، أو: الكاتبان، أو: الكاتبتان، أو الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة2، فتكون

_ 1 ولفظها مفرد مذكر، ولكن معناها قد يكون غير ذلك. ولا يراعي في الضمير العائد عليها إلا المعنى، خوفا من اللبس- كما سيجيء في ص 377. 2 ليست "أل" هذه هنا للتعريف، في الأشهر، وإنما هي لضرب من إصلاح اللفظ وتزيينه؛ لأن اسم الموصول يتعرف بصلته. وكثير من أسماء الموصول مجرد من "أل" مع أنه معرفة، فتعريفه جاء من صلته، لا من "أل". ولو كانت للتعريف لمنعت من إعمال اسمي الفاعل والمفعول إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال، إذ تبعدهما -كما يقولون- عن شبه الفعل، وتقربهما من الجوامد؛ لأنها من خصائص الأسماء"، والأصل في الأسماء الجمود، بسبب وضعها للذوات، والجامد لا يعمل، بخلاف الفعل وما يشبهه. لكن يقول شارح المفصل "جـ 6 ص 61" إنها اسم موصول تفيد التعريف مع كونها بمعنى: الذي" - كما سنشير في رقم 1 من هامش ص 370 والرأي الأول هو الأنسب. وليست حرف موصول، لأنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، ولأنها قد تدخل قليلا على الجملة، و "أل" المعرفة لا تسبك ولا تدخل على الجملة. هذا إلى أمور أخرى دعت إلى اعتبارها اسم موصول، أهمها أمران: أولهما: وجود ضمير بعدها لا مرجع له سواها، والضمير لا يعود إلا على اسم، نحو: قد أفلح المؤمن، وخاب الجاحد. ففي كلمة: "المؤمن" ضمير تقديره: "هو" لا مرجع له إلا "أل" التي بمعنى الذي" هنا. وكذلك تقديره في كلمة: "الجاحد" ... وكقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ..... وقوله: {وَالعَادِيَاتِ ضَبْحَا} ... ففي: "المؤمنون ضمير تقديره: "هم" يعود على "أل" وفي "العاديات" ضمير تقديره: "هي" أو "هن" يعود على أل" ولا مرجع لكل ضمير سوى "أل" ولا يمكن أن يكون اسم الفاعل في ثالأمثلة السابقة وأشباهها خاليا من الضمير لأسباب قوية دونها النحاة، وأثبتوا بها أن أكثر المشتقات ومن هذا الأكثر. اسم الفاعل، واسم المفعول ... يحمل ضميرا مسترا. "كما سبقت الإشارة في رقم 2 من ص 29". "وللضمير المنصوب العائد إليها حكم خاص يجيء في رقم 3 من هامش ص 396. ثانيهما: أن هذه الأسماء التي دخلت عليها "أل" قد يعطف عليها الفعل أحيانا، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ..... وقوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} إلى قوله {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} فالفعل: "أقرض" في المثال الأول معطوف على "المصدقين" والفعل: أثار في الجملة الثانية معطوف على "العاديات" والفعل لا يعطف إلا على فعل مثله، أو على ما يشبه الفعل كما سيجيء في جـ3 باب "العطف" والمعطوف عليه هنا ليس بفعل، فلم يبق إلا أنه يشبه الفعل لأنه أحد مشتقاته.... ومن ثم كانت "أل" الداخلة على المشتقات الصريحة المشبهة للفعل اسم موصول ليعود عليها الضمير من المشتق- وليست حرفا، كما سيجيء، فيمتنع العطف عليه. والمراد هنا بالمشقات الصريحة "أي: الصفات الصريحة": "اسم الفاعل، واسم المفعول، اتفاقا وفي الصفة المشبهة خلاف سيجيء في ص 384 و 386 - لأنهما يدلان على الحدث والتجدد كالفعل. أما الصفة المشبهة وباقي المشتقات فتدل على الثبوت، فهي بعيدة من الفعل، قريبة من الأسماء الجامدة. ومن ثم كانت "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" للعهد، وليست موصولة - كما ستجيء الإشارة في رقم 4 من هامش ص 473 ويجيء البيان في باب أفعل التفصيل جـ 3 م 112. ولا تكون "أل" اسم موصول إذا وجد في الكلام ما يدل على أنها "للعهد" فتكون حرف تعريف، لا اسم موصول، مثل قابلت مخترعا مشهورا، فأكبرت المخترع المشهور" و "العاقل" و "المأمون" للعهد فهي أداة تعريف فقط، "وتفصيل الكلام على" "أل" التي للعهد في ص 421" أما الداخلة على المشتقات التي تعمل عمل الفعل فهي اسم موصول إذ لو كانت حرفا لكانت من خواص الأسماء كما يقولون، فلا يكون المشتق بعدها شبيها بالفعل يعمل عمله ويعطف عليه الفعل، وإنما يكون مجرد اسم فقط، على يدل الذات وحدها - وقد سبق البيان في هامش ص 356.

الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب1 يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه. هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة، فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها2، التي تعرَب مع مرفوعها صلة لها. 4- "ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا3 وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذوتعلَّمَ

_ 1 العاقل. 2 أطال النحاة القول في إعراب: "أل" الموصولة التي هي اسم مستقل، أتكون مبنية على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب جملتها؟ أم تكون. "أل" معربة بحركات مقدرة وليست مبنية؟ . وما إعراب الصفة الصريحة بعدها في الحالتين؟ وما نوع الصلة كذلك؟ .... وخير ما انتهوا إليه. أنها مع الصفة التي بعدها بمنزلة الشيء الواحد، فكأنهما المركب المزجي، يظهر إعرابه على الجزء الأخير منه "راجع هامش التصريح في هذا الموضوع، والخضري عند الكلام على بيت ابن مالك: وصفة صريحة صلة "أل".... إلخ". أما صلتها فقد اختاروا إدخالها في نوع: "الشبيه بالجملة"، واعتبارها منه، وليست من نوع الجملة. وبهذا الرأي يوجد نوع جديد من شبه الجملة، خاص بصلة: "أل" وحدها، إذ المعروف أن شبه الجملة - كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 341- نوعان فقط، هما: الظرف، والجار مع مجروره. فهذا الرأي يحدث قسما ثالثا لشبه الجملة، وهو - على ما به- أيسر الآراء، وأنسبها وأقلها مغامز- كما سيجيء في ص 388 وله إشارة في ص 370 -. 3 وهي نوع آخر يخالف "ذو" التي بمعنى "صاحب"، إحدى الأسماء الستة، والتي سبق الكلام عليها في ص 109 وتستعمل "ذو" اسم موصول، مبني على السكون المقدر على الواو في محل كذا - وهذا عند بعض القبائل العربية، "ومنها، طي، أو: طييء- والنسبة السماعية إليهما: طائي"، دون بعض آخر. ومن أمثلتها قول مسعدان الطائي: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلم، فإن المشرفي الفرائض أظنك - دون المال- ذو جئت تبتغي ... ستلقاك بيض للنفوس قوابض "المشرفي: السيف- الفرائض: العطايا المفروضة". وفي الجزء الثالث من كتاب "للمبرد - باب أخبار الخوارج- أمثلة أخرى متعددة. ولفظها مفرد مذكر في جميع حالاته، لكن معناها قد يكون غير ذلك، فيراعي في الضمير العائد عليها لفظها أو معناها. والقبائل التي تستعملها مذاهب مختلفة، أشهرها ما ذكرنا هنا. ومنهم من يدخل عليها تغييرا عند استعمالها للمؤنث، فيجعل واوها ألفا، ويزيد عليها تاء التأنيث فتصير: "ذات" لتكون بعد الزيادة مثل: "التي" في الدلالة على المفردة المؤنثة. ولكن تمتاز: "ذات" بأنها تدل بصيغتها الحالية على المثنى المؤنث أيضا، وبأنها تجمع على: ذوات" =

وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ1. وهي مبنية على السكون المقدر على الواو، في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها. 5- "ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد2؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" في كل ما سبق، ومنه قول الشاعر: مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها ... أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟ وقول الآخر3: مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا ... أو من نَحدِّثُ بعدك الأسرارا فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و"ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أوغيره - خبر، مبنى على السكون فى محل

_ = لتدل على الجمع المؤنث كما تدل عليه: "اللواتي" وهي في الحالات السابقة كلها مبنية على الضم. وفي هذا يقول بن مالك: وكالتي أيضا لديهم: "ذات" ... وموضع "اللاتي" أتي "ذوات" ومن المستحسن، ترك "ذو" بلهجاتها المختلفة، لغرابتها في عصرنا، وعدم الحاجة الحافزة لاستعمالها وحسبنا أن نذكرها هنا لندركها حين تتردد في النصوص القديمة، وقد وردت في بعض تلك النصوص مستعملة استعمالا دقيقا أوضحناه في باب الإضافة جـ3 م 93 ومثلها: "ذات" وكذلك في جـ2 باب الظرف ص 250 و 255م 79. ويلاحظ أن لكلمة: "ذات" استعمالات أخرى مختلفة، منها أن تكون مجرد اسم مستقل، معناه: حقيقة الشيء وماهيته. والنسب إليها هو: "ذاتي" باعتبار لفظها الحالي، أو: "ذووي" باعتبار أصلها. طبقا للبيان الشامل الذي سيجيء في باب النسب، جـ4 م 178 ص 554 -. 1 يقول ابن مالك فيما سبق: و"من" و "ما" و "أل" تساوي ما ذكر ... وهكذا "ذو" عند طييء شهر أي: أن كل واحد من هذه الأسماء "من - ما - أل" يساوي الثمانية الماضية كلها في الاستعمال من ناحية أنه وحده صالح لكل ما صلحت له الثمانية من الأنواع، مع عدم تغيير لفظه. وكذلك "ذو" عند بعض القبائل التي منها طيء - كما سبق ثم قال عن طيء: وكالتي أيضا لديهم: "ذات" ... وموضع "اللاتي" أتي: "ذوات" وقد أوضحنا معنى البيت عند الكلام على "ذو" في آخر هامش الصفحة السابقة مباشرة. 2 فهي من الألفاظ المفردة المذكرة، ولكن معناها قد يكون غير ذلك فيجوز في الضمير العائد عليها مرعاة هذا أو ذاك. 3 عمر ابن أبي ربيعة. ومثله قول شوقي: شرف العصاميين صنع نفوسهم ... من ذا يقيس بهم بني الأشراف؟

رفع. و"ذا" اسم موصول، بمعنى: الذي، أو غيره من أسماء الموصول المناسبة لمعنى الجملة والسباق، خبر، مبني على السكون في محل رفع ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط: أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته ... ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما". ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو"ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهوالاستفهام1 غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها "وإن كانت ذات جزأين" وفى معناها أيضًا - وهوالاستفهام1 غالبًا - كتركيبها كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا"2. وفى حالة التركيب التى وصفناها توصف: "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لا حقيقيا3 لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول. ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق4؟ تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟

_ "1، 1" انظر "ب" من ص 361. 2 فتعرب كل كلمة بجزأيها في الأمثلة السالفة، مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، أو خبرا مقدما. 3 انظر البيان الآتي في: "أ" من الزيادة والتفصيل - ص 360. 4 وفي هذا يقول ابن مالك: ومثل "ما" "ذا" بعد: "ما" استفهام ... أو "من" إذا لم تلغ في الكلام أي: أن "ذا" تشبه" "ما" في أنها صالحة لجميع الأنواع مع عدم تغير لفظها، وذلك بشرط أن تقع بعد "ما" التي للاستفهام، أو: "من" التي للاستفهام أيضا. واكتفى بهذا الشرط، وترك باقي الشروط، لضيق النظم، وقد ذكرناها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهوالاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة. ومن أمثلتها قول جرير: يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها: 1- أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أونصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، "مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا ... إلخ". ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر: منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَـ ... ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ 2- وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أوصنعت ماذا1؟ .... فالاستفهام هنا معمول لعامله المتأخر عنه أو المتقدم عليه.

_ 1 راجع الصبان، جـ1 باب الموصول، عند الكلا م على: "ذا" الموصولة. وجاء في حاشية ياسين على التوضيح "جـ 2 باب: النواصب"، عند الكلام على: "كي" ما نصه: "قال ابن مالك: إن "ما" الاستفهامية إذا ركبت مع: "ذا" لا يلزم صدريتها، فيعمل ما قبلها فيما بعدها، رفعًا نحو: كان ماذا؟ أو نصبًا، كقول أم المؤمنين: أقول ماذا؟ ... " اهـ. وفي هذا النص اقتصار على التركيب مع "ما" الاستفهامية، أما النصوص الأخرى - كالتي في الصبان - فصريحة في: "من" و "ما" الاستفهاميتين، وفي أنها تركب مع غيرهما أحيانا من بعض ألفاظ ليس لها الصدارة - وستجيء في: "ب".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- وفي الإلغاء الحقيقي تحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ "وهي: حذف ألف "ما" الاستفهامية عند جرها". بخلاف الإلغاء الحكمي لأن أداة الاستفهام فيه هي "ماذا" وليست "ما". وحدها. ب- لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب -كما قلنا؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هي: "ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر: دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه ... ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّريني فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة: "علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة: "علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته. مما تقدم في "أوب" نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟ " جاز لنا أن نجعل "ماذا" و"من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو"من" استفهام مبتدأ و"ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. والخبر في كل ما سلف هو الجملة الفعلية. ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و"من ذا" بشطريهما موصولتين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو نكرتين موصوفتين على حسب ما أوضحنا ... و ... و.... ويظهر أثر الإلغاء وعدمه في توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفي الجواب عنه. ففي مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالًا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمي؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء. وكالمثال السابق في صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" في قول الشاعر: ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟ ... أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟ ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أوبرفعهما على الاعتبارين السالفين. أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالرفع على اعتبار كلمة: "ذا" اسم موصول "مبدل منه" والنصب على اعتبارها ملغاة. والحكم بجواز الأمرين في الجواب ملاحظ فيه" الاستحسان المجرد"، فمن المستحسن - كما قالوا - أن يكون الجواب مطابقا السؤال اسمية وفعلية. 2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} -أي: الزيادة- بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} ، أو خير. ج- فى نحو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يصح في كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقي أو الحكمي. وفي الحالتين تكون كلمة: "الذي" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر "من". وتكون كلمة: "الذي" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التي هي اسم موصول بمعناها. "ملاحظة": يصح في بعض الصور التي سبقت "في: أ، ب، ج" إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا.

_ 1 ويصح أن يكون حقيقيًّا. 2 راجع الصبان.

6- "أيّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردًا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرني أيٌّ هو نافع. يسرني أيٌّ هي نافعة. يسرني أيٌّ هما نافعان. يسرني أيٌّ هما نافعتان. يسرني أيّ هم نافعون. يسرني أىّ هن نافعات. وتختلف "أيٌّ" في أمر البناء والإعراب؛ عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هي فتُبْنى في حالة واحدة، وتعرب في غيرها. فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية2، صَدْرُها -وهوالمبتدأ- ضمير محذوف؛ نحو: يعجبني أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب في الحالات الآتية: أ- إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة "وهو؛ المبتدأ" ضميرًا3 مذكورًا؛ نحو: سيزورني أيُّهم "هو أشجعُ"، سأصافح أيَّهم "هو أشجعُ"، وسأُقبل على أيِّهم "هو أشجعُ". ب- إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر في الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أيٌّ "هو مخلص"، سنكرم أيًّا "هو مخلص"، سنحتفي بأيٍّ "هو مخلص". ج- إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ4.

_ 1 ليس بين الأسماء الموصولة المشتركة وغير المشتركة ما يجوز إضافته إلا "أي" في بعض حالاتها. وسيجيء في الزيادة - ص 365 - بعض الأحكام الخاصة بها. ومنها أنه يستحسن استقبال عاملها، وأن يتقدم عليها. 2 وهي المبتدأ مع خبره، أو ما يغني عن الخبر. 3 لا فرق في هذا الحكم وما بعده بين أن يكون صدرها ضميرا كما مثلنا- وغير ضمير- كما سيجيء في "د" -، نحو: سيزورني أيهم محمود خير منه. ولكن الضمير هو الأعم، حتى اقتصر عليه أكثر النحاة. 4 وفي "أي" وأحوالها يقول ابن مالك: "أي" كما، وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف ومعنى البيت: "أي" مثل "ما" الموصولة في أن كلا منهما اسم موصول صالح للمفرد وغير المفرد، والعاقل وغيره. لكن الحقيقة أن بينهما بعض فروق، منها: أن "ما" مبنية دائمًا، وأنها لغير العاقل في الأغلب. أما "أي" فتبنى في حالة واحدة، وتعرب في عدة حالات غيرها، وأنها للعاقل وغير العاقل....

د- وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم "محمد مكرمه". أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أوفعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك1.

_ 1 والفعل هنا محذوف: لأن" عند" ظرف، ولا يتعلق الظرف- وكذا الجار مع مجرره- في باب: "الموصول" إلا بفعل محذوف تقديره: "استقر" مثلا-، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة. وإنما وجب أن يكون "المتعلق به" المحذوف - في باب الموصول - فعلا لتكون الصلة جملة فعلية، إذ لا بد أن تكون جملة فعلية. إلا صلة "أل" فإنها لا تكون إلا "صفة صريحة" مع مرفوعها- كما سبق في رقم2 من هامش ص356. وصلة "أل" هذه تعد قسما ثالثا من أقسام "الشبيه بالجملة" وهو قسم خاص بها وحدها في باب الموصول. أما في غير باب الموصول فيكون الشبيه بالجملة أمران. الظرف، والجار مع مجروره. ويكون كلاهما إما متعلقا بفعل محذوف، وإما باسم مشتق بمعنى ذلك المحذوف "كما سيجيء هنا في رقم 1 من هامش ص 384 وفي باب المبتدأ والخبر ص 475".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يسوقنا الكلام على "أيّ" إلى سرد أنواعها المختلفة1. وهي ستة -كلها معربة إلا "أيّ" التي تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أيّ" الموصولة، وقد سبقت هنا- وفيما يلي إيضاح موجز للستة: 1- موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذي في باب الإضافة1، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا2. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأي. لأنه المعتمد عليه عند جمهرة النحاة كالاقتصار على الرأي الذي يلتزم في لفظها الإفراد والتذكير، دون اتباع اللغة الأخرى التي تبيح أن تلحقها تاء التأنيث، إذا أريد بها المؤنث نحو: "أية" وتلحقها كذلك علامة التثنية والجمع. فيقال فيهما: أيان أيتان - أيون - أيات.... بالإعراب في جميع أحوال المثنى والجمع ... لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء المعربة في الغالب ولك أن تصرح بالمضاف إليه، كأن تقول: أيتهن - أياهم - أيتاهن - أيوهم- أياتهن ... وعلى هذه اللغة التي سلجها الأشموني والصبان - لا تكون "أي" من ألفاظ الموصول المشترك. 2- أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا3؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأيُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًا4 أو عطفا بالواو5؛ فمثال التَّعدد الصريح: أيُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذي يلحَظ فيه ما يكون في الفرد الواحد من أجزاء متعددة6، مثل: أيُّ

_ "1و 1" سيجيء الكلام مفصلا هاما على الاستفهامية، والشرطية، والنعتية، والحالية في المكان المناسب لها من جـ 3 باب "الإضافة"، م 95 - أما التي تكون وصلة للنداء في باب: "النداء"، أول الجزاء الرابع. 2 في ص 363. 3 أي: سواء أكانت المفرد، أم لغيره. "4و 4" المتعدد الصريح هو الذي له أفراد كثيرة حقيقية، بأن يكون لكل فرد منها أجزاؤه الخاصة التي يتكون منها مجموعة كاملا، ويقوم عليها تركيبه تاما. أما المتعدد تقديرا فهو الفرد الواحد الذي له أجزاء متعددة يتركب من انضمام بعضها، إلى بعض. 5 المراد: عطف معرفة مفردة - وهي التي لا تدل على متعدد- على نظيرتها. 6 وكذلك ما قد يكون له من أنواع مختلفة، مثل: أي المعدن تتخيره أوافق عليه. تريد: أي أنواع المعدن ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أيُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيي وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا ... وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة - طبقًا لما سيجيء في باب الإضافة. ح3. 3- أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟ ... وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أومقدر، أوعطفًا عليها بالواومعرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟. وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أومعنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى ج3 - باب الإضافة. 4- أن تكون اسمًا معربًا، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى في مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة -في الغالب1- وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت2 إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أي: المعنى المجرد الذي يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أيَّ فارس ... فالمعنى المقصود من المدح، هو: "الفروسية" المفهومة من المشتق "فارس" وإذا قلنا: احترسنا من خائن أيِّ خائن ... فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق "خائن". أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الذي يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إني مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا

_ 1 لأنه يصح - مع قلته- أن يكون معرفة. ويترتب على هذا أن يتبعه في التعريف المضاف إليه بعد "فيكون معرفة مثله، ولا يصح أن يتخالفا في هذا. وسيجيء البيان في جـ3 باب الإضافة والنعت "ص 104 و 116 م 95 وما بينها"، ثم في "ص 444 م 114 و 452"، ومنه يتضح صحة "الأسلوب الشائع في مثل: استراح المسافر أي استراحة، وتمتع أي تمتع، بشرط أن يكون المصدر محذوفا في هذه الأساليب ونابت عنه "أي" التي كانت في الأصل نعتا له. وهو: استراحة أي استراحة، وتمتعا أي تمتع - كما سيجيء في جـ 2 ص 175 م 75 في بيان حذف المصدر -. 2 ما يأتي سيذكر مرة أخرى في جـ3، باب "الإضافة" - م 95 - ص 104 وما بعدها عند الكلام على "أي".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيَّ رجل، ... فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التي يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أيُّ امرأة ... فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التي تذم بها المرأة. والأغْلب في النكرة التي هي المضاف، والتي ليست مصدرًا؛ لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته، أن تكون مذكورة في الكلام، ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها في قول القائل1: إذا حارب الحجاج أيَّ منافق ... علاه بسيف كلما هز يقطع يريد: منافقًا أيّ منافق. ويقول النحاة: "إن هذا في غاية الندور"2 فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأيّ" هو المبالغة في المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذي ليس بمصدر، هذا كلامهم3. 5- أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى في مدح أو ذم4. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى عليّ أيَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا. 6- أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو: {يَأيّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمْ} . وهذه مبنية قطعًا. ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة -لفظية ومعنوية- مفصلة في الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابي "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.

_ 1 ينسب البيت الآتي للفرزدق. 2 الهمع جـ1 باب الموصول ص 93. 3 لكن سيجيء في باب: "الإضافة" - جـ3 م 95 ص 112 وما بعدها عند الكلام عليها- أني رأيتها محذوفة أيضا في كلام للإمام على بن ابي طالب ونصه: "كما جاء في ص 78 من كتاب: "سجع الحمام في حكم الإمام، لعلى الجندي وزميليه": "أصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله " أهـ. وورودها في نثر الإمام على أفصح البلغاء فوق ورودها في البيت السابق قد يبيح استعمالها وإن كان هذا الاستعمال قليلا. وحسبنا أنه مسموع في النثر وفي الشعر من أفصح العرب. هذا بعض الأدلة المدونة هناك ومنها أيضا إعراب فريق من المفسرين لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكْ} . 4 على الوجه المراد منهما في النعت - وقد تقدم في رقم 4 ص 366.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما عرفنا أن كلمة: "أي" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة في الأغلب1 نحو: فرحت برسالة أيّ رسالة. انتصر محمود أيَّ قائد. وأما التي هي وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهي مبنية. وكذلك "أي" الموصولة فإنها مبنية في إحدى حالاتها التي أوضحناها. أما بقية أنواع "أي"؛ من شرطية، استفهامية، ... و.... فمعربة. ولما كانت "أي" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير ... عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟ أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو: "أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هوالغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟ ... أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى2. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض" ... ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أومراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى. وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة "أى: المشتركة".

_ 1 قد تضاف "أي" النعتية للمعرفة قليلا كما سبق في رقم 1 من هامش ص 366، وكما يجيء في الجزء الثالث، بابي: "الإضافة والنعت". 2 إيضاح هذا كله - ولا سيما تذكير لفظة "أي" وتأنيثها- في موضعه المناسب، وهو باب الإضافة جـ 3 م 95 ص 104 و 106 وما بعدهما.

ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة في الجدول الآتي: يوجد جدول يسحب إسكانر فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناة، وكذلك جمعه، فلهذه الثلاثة ثلاثة ألفاظ. وللمفرد المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة. وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة. فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.

ب- الألفاظ الستة العامة، "أي: المشتركة": يوجد جدول يسحب إسكانر

_ 1 هي اسم موصول. وهل تفيد تفيد ما دخلت عليه التعريف أو لا تقيده؟ . رأيان سبق بيانهما في رقم 2 من هامش ص356، فصاحب المفصل "ج6 ص61" يقول أنها تفيد التعريف، وغيره يخالفه. وهي مغايرة للنوع الداخلي على أسماء الموصول، كالذي، والتي فهذا النوع الداخل على الموصول زائد زيادة لازمة، كما يقول صاحب المفصل وغيره، وكما جاء بتفصيل أشمل في حاشية: "ياسين" على "التصريح"، أول باب: "النكرة والمعرفة" انظر البيان المفيد في رقم2 من هامش ص356. 2 وهذان النوعان متفق عليهما. أ/االصفة المشبهة ففيها خلاف شديد، وسيجيء بيان لهذا في ص384. 3 في رقم 2 من هامش ص357 وفي ص372 و388.

كيفية إعراب أسماء الموصول: أ- جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى معربين، هما: "اللذان" "واللتان". وما عدا هذين الاسمين المعربين يلاحظ مع بنائه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به ... أم مبتدأ، أم خبر ... أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه، نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ "موقعه من الجملة، وحالة آخره"، قلنا في إعرابه: اسم موصول مبني على السكون، أو على حركة كذا، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها في محل رفع، أونصب، أوجر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وفي مثل: ودعت الذى سافر، مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفي مثل: أشرت على الذي سافر بما ينفعه، مبنية على السكون في محل جر بعلى. ومثل هذا يقال في باقي الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التي"، و"أولَى" مقصورة، واللاتي، واللائي. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو: "أولاءِ"، و"اللاتِ" و"اللاءِ". أومبنيًّا على الفتح وهو: "الذينَ"1. أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و"اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و"اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق2 - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء. ب- وجميع الأسماء الموصولة العامة "أي: المشتركة" مبنية كذلك؛ إلا "أيّ"؛ فإنها تكون مبنية في حالة، وتكون معربة في غيرها، على حسب ما أوضحنا3.

_ 1 ومن ينطقون بها الواو رفعا يعربونها، ويجعلونها في حكم الملحق بجمع المذكر، فيقولون: اللذون حضروا كرماء. إن الذين حضروا كرماء. أسرعت إلى الذين حضروا. فهي في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وفي المثال الثاني اسم "إن" منصوب بالياء، وفي الثالث مجرور بإلى، وعلامة جره الياء..... وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الصور السالفة وأشباهها- كما تقدم في رقم 1 من هامش ص 346 -. 2 في ص 343. 3 في ص 363.

والأساس الذي نتبعه في الموصولات العامة هو الأساس الذي بيناه في الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول ... أو ... ؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبني على السكون أو على حركة "كذا" في محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه ... أو ... فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جر، فهي في مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وهي في مثل: آنستُ "مَنْ" حضر مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهي في مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون في محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء. وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو"من" الاستفهاميتين1. أما "أل" الموصولة2 فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهواللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول: "الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع3.

_ 1 نحو: ماذا قرأته؟ من ذا رأيته؟ فما أومن، اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون محل رفع، وذا: اسم موصول خبر مبني على السكون في محل رفع- كما قلنا آنفا "ص 358 وما بعدها". 2 وقد سبق - في رقم 2 من هامش ص 357 أنها لا بد أن تتصل بصفة صريحة، تكون هي ومرفوعها، صلة "أل" وفي هذه الحالة تعتبر الصلة من قسم "شبه الجملة". كما تعتبر "أل" مع الصفة بمنزلة "المركب المزجي" يجري الإعراب على آخر الجزء الثاني عنه. 3 ولا داعي لأن نعتبر "أل" في مثل هذه المواضع كلمة مستقلة بنفسها، كي لا نقع في كثير من التعقيد المرهق، أشرنا إلى بعضه فيما سلف، وسيجيء أيضا في ص 388.

المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول، والرابط

المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط الموصولات كلها -سواء أكانت اسمية أم حرفية1- مبهمة2 المدلول، غامضة المعنى، كما عرفنا. فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها وغموضها، وهو ما يسمى: "الصلة". فالصلة هي التي تُعَين مدلول الموصول، وتُفَصّل مجمله، وتجعله واضح المعنى، كامل الإفادة. ومن أجل هذا كله لا يستغنى عنها موصول اسمي، أو حرفي. وهي التي تُعرّف الموصول الاسمي. فى الصحيح3. شروطها: الصلة نوعان: جملة4 "اسمية أو: فعلية" وشبه جملة. والجملة هي الأصل5. فأما النوع الأول - وهوالجملة بقسميها - فمن أمثالها قول الشاعر يصف إساءة أحد أقاربه: ويَسْعَى إذا أبْنِى لِيهْدِمَ صَالحِى ... وليس الذى يَبْنِى كمنْ شأنُه الهدمُ

_ 1 ستجيء الموصولات الحرفية في ص407، "انظر رقم 1 من هامش ص340". 2 أي: لا تدل على شيء مفصل معين "وقد سق توضيح معنى المبهم في: "ج" ص338 وفي رقم3 من هامش ص340. 3 ملاحظة: يتردد في بعض المسائل النحوية ذكر "الصلة" مع أن الجملة خالية من الموصول بنوعيه. فما المراد منها؟ النحاة يطلقون في اصطلاحهم كلمة: "صلة" على أمرين، أحدهما: "صلة للوصول" بالتفصيل المعروض هنا، والآخر: "متعلقات الفعل وما يشبهه" مما يجيء مكملا له كشبه الجملة، بشرط خلو الكلام من موصول محتاج لشبه الجملة صلة له. وقد يطلقون الصلة على اللفظ الزائد مطلقا- طبقا للبيان الذي سبق في رقم 4 من هامش ص 353. 4 توضيح معنى الجملة بقسميها مدون في رقم 5 من هامش ص 446، ثم في ص 466. 5 لما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 384.

ولا يتحقق الغرض منها إلا بشروط، أهمها1: 1- أن تكون خبرية لظفاً ومعنى، وليست للتعجب؛ نحو؛ اقرأ الكتاب

_ 1 وستجيء شروط أخرى في ص 378. 2 وهي الجملة التي يكون معناها صالحا للحكم عليه بأنه صدق أو كذب، من غير نظر لقائلها، من ناحية أنه معروف بهذا أو بذالك. ومن أمثلتها أن يقول قائل: نزل المطر أسم. أو: حضر والدي اليوم. أو: يحضر الغائبون غدا. فكل جملة من هذه الجمل عرضة لأن توصف بأنها صادقة أو كاذبة في حد ذاتها، "أي: بإغفال قائلها، فكأنه مجهول الحال تماما من ناحية اتصافه بالصدق والكذب". وهذا معنى قولهم: إن الجملة الخبرية هي التي تحتمل الصدق والكذب لذاتها. أي: بدون نظر لقائلها، فلا نحكم على جملة خبرية بأنها صادقة فقط، لأن قائلها معروف بالصدق، ولا كاذبة فقط، لأن قائلها مشهور بالكذب. ويقابلها الجملة الإنشائية، هي التي يطلب بها إما حصول شيء، أو عدم حصوله، وإما إقراره والموافقة عليه، أو عدم إقراره. فلا دخل للصدق والكذب فيها. وهي قسمان: إنشائية طلبية، أي: يراد بها طلب حصول الشييء أو عدم حصوله. ويتأخر تحقق وقوع معناها عن وجود لفظها. وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء والاستفهام، والتمني "مثل: ليت" والعرض، والتحضيض ... كما هو مدون في المصادر الخاصة بالبلاغة. وإنشائية غير طلبية، وهي التي يتحقق غالبا - مدلولها بمجرد النطق بها دون أن يكون طلبيا. وتشمل جملة التعجب - عند من يرى أنها ليست خبرية - وجملة المدح أو الذم. وجملة القسم نفسه، لا جملة جوابه، و "رب" لأنه حرف لإنشاء التكثير أو التقليل -، و "كم الخبرية"، وصيغ العقود التي يراد إيقاعها، وإقرارها، كقولك لمن طلب أن تبيع أو تهب له كتابا - مثلا بعت، أو وهبت لك ما تريد.... كما يشمل الترجي، مثل: "لعل" وأفعال الرجاء، مثل، "عسى" ولكن الصحيح وقوع "عسى" فعل صلة دون غيرها من صيغ الرجاء قال بعض المحققين: "المشهور أن "عسى" إنشاء: لكن دخول الاستفهام في قوله تعالى: "فهل عسيتم.... " وقوعها خبرا لأن في نحو: "إني عسيت صائما" دليل على أنه فعل خبري، فينبغي أن يجوز وقوعها صلة بلا خلاف " أهـ. نقلا عن الصبان في هذا الموضع. وأكثر أنواع الإنشاء غير الطلبي يتحقق معناه بمجرد النطق بلفظه - كما تقدم - ومنه ألفاظ البيع والهبة ... هذا، والجملة الخبرية التي تقع صلة إنما تسمى خبرية بحسب أصلها الأول فقط، قبل أن تكون صلة، فإذا صارت صلة فلا تسمى خبرية، لخلوها من المعنى المستقل بنفسه، إذ لا يكون فيها حكيم مستقل بالسلب أو بالإيجاب يقتصر عليها وحدها، بل هي لذلك لا تسمى: "كلاما" أو: "جملة" مطلقا، فعدم تسميتها جملة خبرية من باب اولى. ومثلها الجملة الواقعة صفة، أو خبرا، أو حالا، فكل ولاادة من هذه الجمل تسمى: "جملة" حين تكون مستقلة بنفسها، وبمعناها المقصود لذات، فإذا فقدت استقلالها وصارت متممة معنى في غيرها "بأن تقع صلة، أو صفة، أو خبرا، أو حالا، أو.... " فلا تسمى جملة، ولا كلاما، إذ ليس لها كيان معنوي مستقل. كما سبق في رقم 2 من هامش ص 15 وله إشارة في رقم 4 من هامش ص 466 -.

الذى "يفيدك". بخلاف: اقْرأ الكتاب الذى "حَافِظْ عليه" لأن جملة؛ "حافظْ عليه"، إنشائية، وليست خبرية. وبخلاف: مات الذى "غفر الله له" لأن جملة: "غفر الله له" خبرية فى اللفظ دون المعنى؛ إذ معناها طلب الدعاء للميت بالغفران؛ وطلب الدعاء إنشاء، لا خبر. وبخلاف: هنا الذى "ما أفْضَلَه"؛ لأن الجملة التعجية إنشائية - فى رأى كثير من النحاة - برغم أنها كانت خبرية قبل استعمالها فى التعجب. ويلحق بالخبرية - هنا - الإنشائية التى فعلها: "عسى" الناسخ. قد يصح فى: "إنْ" - وهى من الموصولات الحرفية - وقوع صلتها جملة طلبية: نحو: كتبت لأخى بأن دَاوِمْ. على أداء واجبك. وهذا مقصور على "أنْ"1 دون غيرها من الموصولات الاسمية والحرفية. 2- أن يكون معناها معهداً مفصلاً للمخاطب2، أوبمنزلة المعهود المفصَّل. فالأولى مثل: أكرمت الذى قابلك صباحاً؛ إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فى شخص مُعَين. ولا يصح غاب الذى تكلم، إذا لم تقصد شخصاً معيناً عند السامع. والثانية: هى الواقعة فى مَعْرِض التفخيم، أومعرض التهويل؛ مثل: يا له من قائد انتصر بعد أن أبدى من الشجاعة ما أبْدى!! ويا لها من معركة قُتل فيها

_ = هذا ومن الجمل التي يصح أن تقع صلة، الجملة الخبرية الواقعة جوابا للقسم، بشرط أن تكون كغيرها من الجمل- مشتملة على رابط يربطها بالموصول، كما سيجيء- نحو: أحب الذي أقسم بالله - لقد تضاعف الضعيف. وكذلك الجملة الخبرية الواقعة جوابا للشرط، نحو، أكرم الذي إن تكرمه يعرف فضلك. بشرط وجود رابط فيها، أو في الجملة الشرطية، أو فيهما معا. فمثال الرابط في الجملة الجوابية فقط: الصاحب النبيل الذي إن يتغير الزمن لا يتغير خلقه، ومثال للرابط في الجملة الشرطية فقط: اعمل الذي إن تعمله يفرح العقلاء. ومثال الرابط فيما ليس الناصح الذي إن ينصح يعلن أمام الناس العيوب. نعم إن جملة القسم نفسها إنشائية، فلا تكون صلة، إنما الصلة هي الجملة الواقعة جوابا له، فإنها خبرية، دون جملة القسم، فإنها كما سبق - إنشائية لمجرد التأكيد. "انظر رقم 2 من ص 378 حيث بيان الأشياء التي يجوز أن تفصل بين الموصول وصلته". 1 كما سيجيء في ص408 وفي رقم 1 من هامش 409، عند الكلام على الموصول الحرفي "أن". 2 أي: معروفا له، تفصيلا لا إجمالا وأنه يختص بشيء معين، كما سبق، لأن الغرض من الصلة أن توضح للمخاطب اسم الموصول المبهم بما كان يعرفه قبل مجيء اسم الموصول، من اتصافه بمضمون الجملة - مع ملاحظة الفرق بين هذا - وهو مختص بعلم المخاطب- وما يأتي في رقم 4 من ص 380 وهو غير مقصور على المخاطب بل يشمل كل فرد ...

من الأعداء مَنْ قُتل!!.أي: أبْدَى من الشجاعة الشيء الكثير المحمود. وقتل في المعركة الكثير الذي لا يكاد يُعَد. ومثل هذا قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . أى: الكثير من العلم والحكمة ... وقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ، أى؛ الهول الكثير، والبلاء العظيم. والمعول عليه فى ذلك كله هوالغرض من الموصول؛ فإن كَان الغرض منه أمرًا معودًا للمخاطب جاءت صلته معهودة مفصلة، وإن أريد به التعظيم أوالتهويل جاءت مبهمة بمنزلة المفصلة. 3- أن تكون مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول - غالباً1 - ويطابقه؛ إما فى اللفظ2 والمعنى معًا، وإما فى أحدهما فقط على التفصيل الذى سنعرفه. وهذا الضمير يسمى: "العائد، أو: الرابط" لأنه يعود - غالبًا - على الموصول، ويربطه بالصلة. ولا يكون إلا فى الموصولات الاسمية دون الحرفية3. ويجب أن تكون مطابقته تامة؛ بأن يوافق لفظ الموصول ومعناه. وهذا حين يكون الموصول اسمًا مختصًا؛ فيطابقه الضمير فى الإفراد، والتأنيث، وفروعهما؛ نحو: سَعِدَ الذى أخلص، واللذان أخلصا، والذين أخصلوا، والتي أخلصتْ، واللتان أخلصتا، واللاتى أخلصْن. ومن هذا قول الشاعر: أمَنزلَتىْ مَىٍّ، سَلامٌ عليكما ... هل الأزْمُنُ اللاَّتى مَضَيْنَ رَوَاجعُ أما إن كان الاسم الموصول عامًّا "أى: مشتركاً" فلا يجب فى الضمير مطابقته مطابقة تامة: لأن اسم الموصول العام: لفظه مفرد مذكر دائماً، كما أسلفنا "مثل: مَنْ - ما - ذو- ... " ولكن معناه قد يكون مقصوداً به. المفردة، أوالمثنى، أوالجمع. بنوعيها، ولهذا يجوز فى العائد "أى: الرابط".

_ 1 لأنه قد يعود على غيره جوازا في نحو: أنا الذي سافرت - كما سيجيء البيان في "ب" من الزيادة - ص 380 وقد يجوز حذفه، طبقا للبيان الآتي في ص 394 م 28. 2 وذلك أن يكون لفظ الموصول خاصا بنوع واحدا يقتصر عليه، كأن يدل على المفرد المذكر وحده، أو على المفردة وحدها، أو مثنى أحدهما، أو جمعه، وعند ذلك يطابقه الضمير، فيكون مثله للمفرد المذكر، أو المفردة المؤنثة، أو لمثنى أحدهما، أو لجمع أحدهما. 3 لأن الموصول الحرفي يحتاج إلى صلة حتما، ولا يكون له رابط.

عند أمْن اللبس، وفي "غير أل": مراعاة اللفظ، وهو الأكثر، ومراعاة المعنى وهو كثير1 أيضًا، بالتفصيل الذي عرفناه، تقول شَقِيَ مَنْ أسْرَف ... فيكون الضمير مفردًا مذكرًا في الحالات كلها؛ مراعاة للفظ "من"، ولو كان المراد المفردة، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما. وإن شئت راعيْت المعنى، فأتيت بالرابط مطابقًا له؛ فقلت: من أسْرَفَتْ. من أسْرَفَتَا -من أسْرفُوا- من أسْرفَّن. فالمطابقة في اللفظ أو في المعنى جائزة في العائد على اسم الموصول المشترك. إلا إن كان اسم الموصول المشترك "أل" فتجب المطابقة في المعنى وحده؛ لخفاء موصوليتها بغير المطابقة، كما سبق عند الكلام عليها2. وقد يغنى3 عن الضمير فى الربط4 اسم طاهر يحل مكان ذلك الضمير، ويكون بمعنى الموصول؛ نحو: اشكر عليًّا الذى نفعك علْمُ علىّ، أي: علمه. ونحوقول الشاعر العربى: فيا رَبَّ ليلَى أنتَ فى كُلِّ مَوْطن ... وأنت الَّذِى فى رحمةِ اللهِ أطمعُ أي: فى رحمته أطمعُ5.

_ 1 ويجوز مراعاة المعنى بعد مراعاة اللفظ، ويجوز العكس، كما يجوز مراعاة اللفظ، ثم المعنى، ثم اللفظ - كما في رقم 2 من هامش ص 349 -.... كل ذلك مع أمن اللبس. فإن حصل لبس من مراعاة اللفظ وجب مراعاة المعنى، نحو: أنصف من أنصفتك. فلا يصح من أنصفك إذا كان المراد أنثى. ومثل اللبس. ... قبح الإخبار بمؤنث عن مذكر، نحو: من - هي حمراء- أمتك. وكذا في باقي المواضع الأخرى التي سبقت إليها الإشارة التفصيلية في رقم 2 من هامش 349. 2 في رقم 1 من هامش ص 356. 3 لسبب بلاغي، كالاستعطاف، أو التلذذ، أو زيادة الإيضاح. 4 "ملاحظة": يرى بعض النحاة: أن جملة الصلة قد تخلو من الرابط إذا عطفت عليها بالفاء، أو الواو، أو: ثم - جملة أخرى مشتملة عليه، مثل: الذي يشتد الكرب فيصبر، شجاع التي يتحرك القطار وتجلس، عاقلة- الذي لا حت الفرصة ثم اغتنمها، حازم. فجملة الصلة في هذه الأمثلة خالية من الرابط: اكتفاء بوجوده في الجملة المتأخرة المعطوفة على جملة الصلة. وهذا رأي مقبول تؤيده الأساليب الكثيرة المسموعة. "راجع الصبان جـ1، باب: "المبتدأ" عند الكلام على: "الخبر الجملة، ورابطه". 5 ويصلح أن يكون منه قول الشاعر البحتري: صننت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن جدا كل جبس "أي: عن عطاء كل لئيم دنيء". والأصل عما يدنسها. وهذا على اعتبار "ما" موصولة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هناك شروط أخرى في جملة الصلة؛ أهمها: 1- أن تتأخر وجوباً عن الموصول1؛ فلا يجوز تقديمها، ولا تقديم شىء منها عليه. إلا إن كان بعض مكملاتها شبه جملة ففي تقديمه خلاف يجيء بيانه في الشرط الثاني. 2- أن تقع بعد الموصول مباشرة؛ فلا يفصل بينهما فاصل أجنبى؛ "أى: ليس من جملة الصلة نفسها". وألا يفصل بين أجزاء الصلة فاصل أجنبى أيضًا؛ ففى مثل: اقرأ الكتاب الذى يفيدك فى عملك، وأرشدْ إليه غيرَك ... ، لا يصح اقرأ الكتاب الذى - غيرَك - يفيدك فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبى بين الموصول وصلته، وهوكلمة: "غير" التى هى من جملة أخرى غير جملة الصلة. ولا يصح اقرأ الكتاب الذى يفيدك - غيرَك - فى عملك، وأرشد إليه، لوجود فاصل أجنبي لم يفصل بين الموصول وصلته؛ وإنما تخلل جملة الصلة، وفصل بين أجزائها مع أنه ليس منها ... وهكذا. لكن هناك أشياء يجوز الفصل بها بين الموصولات الاسمية وصلتها إلا "أل" فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها مطلقاً. وكذلك يجوز الفصل بها بين الموصول الحرفى "ما" وصلته - في رأى قوىّ - دون غيره من باقى الموصولات الحرفية. فأما الأشياء التى يجوز أن تفصل بين هذه الأنواع من الموصولات وصلتها فهى: جملة القسم؛ نحوغاب الذى "والله" قهر الأعداء2. أوجمكلة النداء بشرط أن يسبقها ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذى - يا حامد - تتعهد الحديقة، أوبالجملة المعترضة؛ نحو: والدى الذى - أطال الله عمره - يرعى

_ 1 سواء أكان اسميا أم حرفيا، كالواضح من كلام النحاة، ومنهم ابن عقيل، والأشموني والصبان عند بيت ابن مالك، وهو: "وكلها يلزم بعده صلة...." وجاء في الأشموني "في باب: "كان وأخواتها" عند الكلام على "دام" وقول ابن مالك في خبرها: "وكل سبقه دام حظر"، قوله: إن الإجماع على منع خبر دام على "ما" مسلم، فقال الصبان مبينا سبب المنع ونصه: "للزوم تقدم بعض الصلة على الموصول الحرفي وهو ممنوع، ولزوم عمل ما بعد الحرف المصدري فيما قبله وهو ممنوع أيضا" أهـ. 2 انظر آخر رقم 2 من هامش ص 374 وهو في صدر هامش ص 375.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شئوني، أو بجملة الحال، نحو: قدم الذي -هو مبتسم- يحسن الصنيع. أو: "كان" الزائدة، نحو: كرمت الذي كان شاركته في السياحة1 ... وكذلك يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة الواحدة على بعض بحيث يفصل المتقدم بين الموصول وصلته، أوبين أجزاء الصلة، إلا المفعول به؛ فلا يصح تقديمه على عامله إن كان الموصول حرفياً غير: "ما"2 تقول: تفتح الورد الذى العيونَ - يَسُرّ ببهائه. أوتفتح الورد الذى - ببهائه - يَسُرّ العيون. تريد فيهما: تفتح الورد الذى يسر العيون ببهائه. والفصل بتلك الأشياء على الوجه الذى شرحناه - جائز فى الموصولات الاسمية إلا "أل"، غير جائز فى الموصولات الحرفية3 إلا "ما"؛ كما قلنا؛ فيصح أن تقول: فرحتُ بما الكتابةَ أحسْنت، أى: بما أحسنْت الكتابة. "بإحسانك الكتابة". ولما كان الفصل بين الموصول وصلته غير جائز إلا على الوجه السالف امتنع مجىء تابع للموصول قبل مجىء صلته؛ فلا يكون له قبلها نعت، ولا عطف بيان، أونسق ولا توكيد، ولا بدل، وكذلك لا يخبر عنه قبل مجىء الصلة وإتمامها. لأن الخبر أجنبى عن الصلة، وكذلك لا يستثنى من الموصول؛ فلا يصح: "رجع الذى - غيرُ الضار - ينفع الناس"؛ ولا يصح: "يحترم العقلاء الذى محمدًا - يفيد غيره"، ولا: "نظرت إلى الذى - والحصنِ - سكنتَه"، ولا: "رأيت التى - نفسَها فى الحقل"، ولا: "جاء الذينَ - الذى فاز - فازوا". ولا: "الذى سباحٌ ماهر - عبر النيل" ولا: "وقف الذين - إلا محمودًا - فى الغرفة" تريد: رجع الذى ينفع الناس غيرُ الضار. ويحترم العقلاء الذى "أى: محمدًا" يفيد غيرَه. ونظرت إلى الذى سكنته والحصنِ، ورأيت

_ 1 لهذا إشارة في ص 577 2 إذا اشتملت صلة الموصول الحرفي على مفعول به ففي تقديمه على عاملة خلاف رددته المطولات ومنها: "الصبان" فقد ذكر - "في جـ 2 آخر باب" "الفاعل" عند الكلام على امتناع تقدم المفعول به على عامله"- أنه يمتنع تقديمه إن كان عامله واقعا في صلة حرف مصدري ناصب، بخلاف غير الناصب، فيجوز، عجبت مما زاهرا تفتح ... ثم قال: "ومنهم من أطلق المنع" أهـ. 3 سبب ذلك هو: النهج العربي المسموع، الذي يجعل "أل" مع صلتها "وهي: الصفة الصريحة كالكلمة الواحدة. وكذلك الموصولات الحرفية - غير، "ما" في رأي قوي- لشدة امتزاج الموصول الحرفي بصلته، لتأويله معها بمصدر، فهو مع صلته أقوى امتزاجا من الأسمى. أما الموصول الحرفي: "ما" فقد وردت أمثلة تبيح الفصل عند فريق كبير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي في الحقل نفسَها. وجاء الذى فاز. الذى عبر النيل سباح ماهر - ووقف الذين فى الغرفة إلا محمودًا. ويفهم من الشرط السابق شىء آخر. هو: أنه لا يجوز تقدم الصلة ولا شىء من مكملاتها على الموصول، وهذا صحيح، إلا أن يكون المكمل ظرفًا، أوجارًّا مع مجروره - فيجوز التقديم عند أمن اللبس1 نحو: أمامنا الذى قرأتَه رسالةٌ كريمةٌ. أي: الذي قرأته أمامنا رسالةٌ كريمة. ومثل: الغزالة هي -في حديقتك- التي دَخَلَتْ. أي: الغزالة هي التي دخلتْ في حديقتك. 3- ألا تستدعي كلامًا قبلها؛ فلا يصح: كتب الذى لكنه غائب، ولا: تَصَدَّق الذي حتى ما لُه قليل؛ إذ "لكن" لا يتحقق الغرض منها "وهو: الاستدراك" إلا بكلام مفيد سابق عليها، وكذلك: "حتى" لا بد أن يتقدمها كلام مفيد تكون غاية له. 4- ألا تكون معلومة لكل فرد؛ فلا يصح شاهدت الذى فمه فى وجهه، ولا حضر مَنْ رأسه فوق عنقه2. ب- إذا كان اسم الموصول خبرًا عن مبتدأ، هوضمير متكلم أومخاطب، جاز أن يراعى فى الضمير الرابط3 مطابقته للمبتدأ فى التَّكلم أوالخطاب، وجاز مطابقته لاسم الموصول فى الغَيبة؛ تقول: أنا الذى حضرت، أو: أنا الذى حضر. وأنت الذى برعتَ فى الفن، أو: أنت الذى برع فى الفن؛

_ 1 قد وردت أمثلة لذلك في الكلام الفصيح- وفي مقدمته القرآن الكريم- تؤيد هذا الرأي الكوفي الذي يرتضيه أيضا بعض أئمة البصريين، كالمازني والمبرد، وتخالف الرأي الذي يعارضه معارضة أساسها التكلف في التأويل بغير داع. ومنها قوله تعالى: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} ، وقوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وقوله تعالى: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} فكلمة "أل" في الآيات السالفة، اسم موصول، صلته المشتق، وتقدم الجار والمجرور وهما من مكملات الصلة على اسم الموصول وقد أول كثير من النحاة تلك الآيات ونظائرها، فجعلوا الجار والمجرور متعلقان بمحذوف متقدم عليهما يشبه الموصول وصلته المذكورين بعد، فقالوا إن التقدير هو: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} ، {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} وهذا التأويل مرفوض، إذ لا حاجة تضطرنا إليه وإلى إخراج الآيات المتعددة. وغيرها - عن ظاهرها التركيبي العالي. وقد قال المبرد في الكامل "جـ1.... ص 29 " "إني أختار هذا الرأي، وإنه رأي المازني أيضا " أهـ. هذا، وورود تلك الشواهد في أفصح الكلام وهو القرآن الكريم- يبيح لنا محاكاتها على الوجه الواردة به من غير تردد. 2 مع ملاحظة الفرق بين هذا وما سبق في رقم 2 من ص 375. 3 للرابط "أي: العائد" بحث مستقل في ص 394.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالتاء في الصورة الأولى يراد بها المبتدأ: "أنا" ولا تعود على اسم الموصول. وهو في هذه الحالة يعرب خبرًا؛ ولا يحتاج لرابط يعود عليه من الصلة؛ اكتفاء واستغناء بالتاء المراد بها المبتدأ؛ فيكون المبتدأ والخبر هنا كالشيء الواحد. وأما في الصورة الثانية فالضمير في الصلة للغائب فيعود على اسم الموصول. ومثل ذلك يقال في الحالتين اللتين فيهما المبتدأ ضمير المخاطب، وخبره اسم موصول. كما يقال أيضًا في حالة ثالثة؛ هي: أن يكون المبتدأ ضمير متكلم أو مخاطب، وله خبر موصوف باسم موصول؛ فيجوز في الرابط أن يكون للتكَّلم أو للخطاب، مراعاة للمبتدأ، ويجوز فيه أن يكون للغيبة؛ مراعاة لاسم الموصول. تقول: أنا الرجل الذي عاونت الضعيف، أوأنا الرجل الذى عاون الضعيف -وأنت الرجل الذي سبقت في ميدان الفنون، أو: أنت الرجل الذي سبق في ميدان الفنون1. وإنما يجوز الأمران في الحالات السابقة ونظائرها بشرطين: أولهما: ألا يكون المبتدأ الضمير مُشَبهًا بالخبر فى تلك الأمثلة؛ فإن كان مُشَبَّهًا بالخبر لم يجز فى الربط إلا الغَيبة؛ نحو: أنا فى الشجاعة الذى هزم الرومان فى الشام. وأنت فى القدرة الذى بنى الهرم الأكبر؛ تريد؛ أنا فى الشجاعة كالذى هزم الرومان فى الشام، وأنت فى القدرة كالذى بنى الهرم الأكبر. فالمبتدأ فى المثالين مقصود به التشبيه، لوجود قرينة تدل على ذلك؛ هى: أن المتكلم والمخاطب يعيشان فى عصرنا، ولم يدركا العصور القديمة. وثانيهما: ألا يكون اسم الموصول تابعًا للمنادى: "أيّ"، أو: أيّة، في مثل: يأيّها الذي نصرت الضعيف ستسعد، ويأيتها التي نصرت الحق ستفوزين فلا يَصح أن تشتمل الصلة على ضمير خطاب في رأي بعض النحاة، دون بعض آخر. وملخص المسألة -كما سيجيء في ج4 ص 36 م 30 باب أحكام تابع المنادى - هو أنه لا بد من وصف؛ "أي وأيَّة"، عند ندائهما بواحد من أشياء معينة محددة، منها: اسم الموصول المبدوء "بأل" وقد اشترط الهمع "ج1 ص175" أن يكون الموصول مبدوءًا بأل، وأن تكون صلته خالية من الخطاب،

_ 1 راجع ما سبق في هذا عند الكلام على تعدد مرجع الضمير رقم 9 من ص 2268" وما بعدها ولا سيما: "ط" من ص 270 - كي يتبين الفرق بين الصور المعروضة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يقال يأيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أوباب تابع المنادى" - صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز بأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت"، والظاهر أن الذي منعه الهمع ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح الشائع في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره النحاة ونقله الصبّان في الموضع المشار إليه ونصّه: "الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغَيبة؛ نظرًا إلى كون لفظ المنادى اسمًا ظاهرًا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب نظرًا إلى كون المنادى مخاطبًا، فعلمت أنه يجوز أيضًا: يا زيد نفسه أو نفسك. قاله الدماميني. ثم قال ويجوز يأيها الذي قام، ويأيها الذي قمت" اهـ كلام الصبان نصّا. وكل ما سبق تقريره في العائد من حيث التكلم أو الخطاب أو الغيبة يثبت لكل ضمير قد يجيء بعده ويكون بمعناه؛ نحو: أنا الذي عاهدتك على الوفاء ما عشتُ. أو أنا الذي عاهدك على الوفاء ما عاش1، وقد يختلفان كما في قول الشاعر: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وسيجىء في باب أحكام تابع المنادى "في الجزء الرابع" أن الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح فيه أن يكون للغائب أو للمخاطب، وأن هذا الحكم عام يسرى على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا صورة واحدة مستثناة وقع فيها الخلاف. وتطبيقًا لذلك الحكم العام نقول: يا عربا كلكم، أو: كلهم ... ويا هارون نفسك، أو: نفسه، خذ بيد أخيك - يا هذا الذى قمت أوقام أسرع إلى الصارخ. أما الصورة المستثناة التى وقع فيها الخلاف فهى التى يكون فيها المنادى لفظ. "أىّ، أو: أية" والتابع اسم موصول، فلا يجوز عند فريق من النحاة أن تشتمل صلته على ما يدل على خطاب؛ فلا يصح: يأيها الذى حضرت، ويصح عنده غيره -كما سلف. هذا، وبالرغم من جواز المطابقة وعدمها في الصور السابقة التي في قسم "ب" - فإن مطابقة الرابط لضمير المتكلم أفصح، وأوضح، فهي أولى من مراعاة

_ 1 وكما يراعي هذا في رابط جملة الصلة يراعي بصورة أقوى في رابط جملة الخبر، "وسيأتي هنا في باب المبتدأ والخبر"، كما يراعى في جملتي الحال والنعت "- جـ 2 و 3" وقد سبق بعض منه في باب: "الضمير، عند الكلام على موضوع: تطابق الضمير ومرجعه "ص 262".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصول الغائب، وكذلك مطابقته للمخاطب أولى من اسم الموصول الغائب؛ لأن زيادة الإيضاح غرض لغوي هام، لا يعدل عنه إلا لداع آخر أهم. ج- يجيز الكوفيون جزم المضارع الواقع في جملة بعد جملة الصلة، بشرط أن تكون الجملة الفعلية المشتملة على هذا المضارع مترتبة على جملة الصلة كترتب الجملة الجوابية على الجملة الشرطية حين توجد أداة الشرط التي تحتاج للجملتين، فكأن الموصول بمنزلة أدامة الشرط، والجملتان بعده بمنزلة جملة الشرط وجملة الجواب. ففي مثل: من يزورني1 أزُوره ... يجيزون؛ من يزورني أزره؛ بجزم المضارع: "أزرْ" على الاعتبار السالف2. لكن حجتهم هنا ضعيفة، والسماع القوي لا يؤيدهم، ولهذا يجب إهمال رأيهم، والاكتفاء من معرفته بفهم المسموع الوارد، دون محاكاته -كما سيجيء في الجوازم. ج4 والنعت "ج3".

_ 1 بإعتبار "من" موصولة، بدليل عدم جزم المضارع بعدها. 2 ومما يوضح المذهب الكوفي ما تضمنته القصة الآتية "وهي مدونة في ص 35 من الجزء الأول، من المجلد الرابع والأربعيسن من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الصادر في سنة 1969" ونصها: "أن العلامة ابن مرزوق الحفيد، قال: "حضرت مجلس شيخنا ابن عرفة، أول مجلس حضرته. فقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} فتطرق لقراءة "يعشو" بالواو، مع جزم نقيض" وقال: وجهها أبو حيان بكلام ما فهمته، ولعل فيه خللا، قال ابن مرزوق: فاهتديت إلى فهمه. وقلت: إن جزم "نقيض" هو بمن الموصولة، لشبهها بمن الشرطية، وإذا كانوا يعاملون الموصول مطلقا بذلك فمن التي يشبه لفظها لفظ الشرط أولى بذلك. فاستحسن كلامي رحمه الله. ولكن الحاضرين أنكروا معاملة الموصول معاملةالشرط، وقالوا: كيف يكون ذلك؟ فقلت: دخول الفداء في خبر الموصول في نحو: "الذي يأتيني فله درهم" دليل على ذلك: فنازعوني في ذلك. فقلت: قال ابن مالك في التسبيل: "وقد يجزمه متسبب عن صلة الذي: تشبيها بجواب الشرط" فطالبوني بالشاهد، فأنشدت قول الشاعر: كذلك الذي يبغي على الناس ظالما ... تصبه على عمد عواقب ما صنع فأمسكوا". اهـ.

وأما النوع الثاني وهو: "شبه الجملة" في باب الموصول فثلاثة أشياء1: الظرف -والجار مع المجرور- والصفة2 الصريحة. ويشترط فى الظرف والجار مع المجرور أن يكونا تأمّين، أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة3؛

_ 1 كل واحد من هذه الثلاثة يسمى: "شبه جملة"، ولا يسمى جملة. - وفي ص 476 وهامشها بيان واف بسبب التسمية - والأصل في صلة الموصول أن تكون جملة - كما سبق في ص 373-، سواء أكانت فعلية أم اسمية، لأن الجملة وحدها هي التي تزيل الإبهام، فتحقق الغرض من الصلة، وليس واحد من الثلاثة التي تشبهها - بجملة حقيقية ولهذا وجب في الظرفب وفي الجار مع مجروره إذا وقع أحدهما صلة أن يكون متعلقا بفعل محذوف، ليكون الفعل مع فاعله الذي استقر في شبه الجملة بعد حذف الفعل - هما الصلة في الحقيقة، وإن كان الأيسر والأسهل اعتبارها الصلة الملحوظة، أو الصلة بحسب الأصل، مع اعتبار الظرف والجار مع مجروره الصلة بحسب الظاهر الحالي. ولا ضرر في هذا الاعتبار ما دامت الجملة الفعلية عند حذفها قد تركت اختصاصها لشبه الجملة بعدها. فحمل الضمير الذي كان فيهان، وغيره مما قرره النحاة على الوجه الذي سردناه "في ص 475 وهامشها". وعلى هذا يكون مايدر على الألسنة اليوم عند الإعراب من أن الظرف، أو الجار مع مجروره، هو الصلة، أمرا سائغا مقبولا- فوق أنه رأي لبعض القدامي أيضا- يحمل طابع التيسير والاختصار. أما إن وقع أحدهما خبرا، أو نعتا، أو حالا، فيصح تعلقه بمحذوف هو فعل، أو اسم مشق استقر مرفوعه في شبه الجملة بعد حذف هذا المشتق، فلا يتحتم تعلقه بفعل محذوف، كما يتحتم في الصلة، وكما يتحتم في القسم الذي يحذف عامله- كما سنعرف- ويجوز التيسير والاختصار هنا أيضا يجعل شبه الجملة نفسه هو الخبر، أو النعت، أو الحال. أما "الصفة" الصريحة" فهي اسم مشتق بمعنى الفعل، وله مرفوع خاص به، يجيء بعده ظاهرا، أو: مستترا، كما أن الفعل كذلك. ولكن المراد بالصفة الصريحة هنا ولايشمل - كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص 3386 - إلا نوعين من الأسماء المشتقة، هما: اسم الفاعل مع مرفوعه، واسم المفعول مع مرفوعه، فكلاهما يشبه الفعل في المعنى وفي الإحتياج إلى مرفوعه بعده. ولهذا سمي شبيها بالجملة، أما الصفة المشبهة ففيها خلاف، ن والنحاة يقولون:، إن الصفة الصريحة مع مرفوعها لا تسمى شبيهة بالجملة إلا حيننن تقع صلة "أل". وبالرغم من أنها تسمى شبيهة بالجملة- هنا فقط - فإنها في قوة الجملة معنى، أي: من جهة المعنى" وهذا الرأي هو الذي رجحه الصبان" كما تكون في قوة الجملة حين تقع خبرا. وبعدها بعض النحاة جملة حين تكون خبرا - كما سيجيء في باب المبتدا، رقم 45 من هامش ص 446 - وهذه الصفة مع مرفوعها لا محل لها من الإعراب "على الصحيح" حين تكون صلة "أل" كما أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب. وعلى هذا، إذا ذكر شبه الجملة في غير باب الموصول لم ينصرف إلا للظرف، والجار مع مجرورهق، دون الصفة الصريحة. 2 سيجيء في باب "المبتدأ" "رقمم 55 من هامش ص 446" أن بعض النحاة يعدها جملة هناك، - كما أشرنا في رقم 1. 3 أوضح علامة تدل على وجود "الفائدة" المطلوبة من الظرف ومن الجار مع مجروره هي أن يفهم متعلقهما المحذوف بمجرد ذكرهما. ويتحقق هذا في صورتين.

تزيل إبهام الموصول، وتوضح معناه من غير حاجة لذكر متعلقهما؛ نحو: تكلم الذى عندك، وسكت الذى فى الحجرة. فكل من الظرف: "عند" والجار مع المجرور: "فى الحجرة"، تام. ولا بد أن يتعلق كل منهما في هذا

_ = الأولى: أن يكون هذا المتعلق المحذوف شيئا يدل على مجرد الوجود العام، والحضور المطلق دون زيادة معنى آخر. ويسمون هذا: "الاستقرار العام"، أو: "الكون العام" ومعناهما مجرد الوجود ففي نحو:"تكلم الذي عندك" لا يفيد الظرف: "عند" شيئا أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجودا مطلقا، من غير زيادة شيء آخر على هذا الوجود، كالأكل، أوالشرب، أو القراءة، أو غيرها. وهذا هو: "الاستقرار العام" أو "الكون العام".... كما قلنا. ولا يحتاج في فهمه إلى قرينة، أو غيرها. وكذلك نحو: "سكت الذي في الحجرة"، أي: الموجود في الحجرة وجودا مطلقا، غير مقيد بزيادة شيء آخر، كالنوم، أو: الضحك، أو: المثي.... وكذلك غيرهما من الأمثلة. ولماكان هذا الكون العام واضحا ومفهوما بداهة وجب حذفه إن وقع صلة، لعدم الحاجة إلليه في كشف المراد، فهو محذوف كالمذكور. وكذلك يحذف وجوبا إن وقع خبرا، أو صفة، أو حالا، كما سنعرف هنا، وفي أبوابها. الثانية: أن يكون متعلقهما أمرا خاصا محذوفا لوجود ما يدل عليه. ويظهر المتعرق الخاص في المثالين السابقين بأن نقول: "تكلم الذي وقف عندك" و "سكت الذي نام في الحجرة" فكلمة: "وقف" أو "نام" تؤدي معنى خاصا، هو: الوقوف، أو: النوم، ولايمكن فهمه إلا بذكر كلمته في الجملة، والتصريح بها، فليس هو مجرد حضور الشخص ووجوده المطلقين، وإنما هو الوجود والحضور المقيدان بالوقوف أو بالنوم.... ولهذا لا يصح حذف المتعلق الخاص إلا بدليل يدل عليه، مثل: قعد صالح في البيت، ومحمود في الحديقة، فتقول: بل صالح الذي في الحديقة. تريد: بل صالح الذي قعد في الحديقة. فإن حذف المتعلق الخاص بغير دليل كان الظرف والجار مع المجرور غير تامين، فلا يصلحان للصلة، مثل: هدأ الذي أمامك، أو: منك. تريد: هدأ الذي غضب أمامك، أو: غضب منك ... , ومثل غاب الذي اليوم ... أو الذي بك ... تريد: غاب الذي حضر اليوم، والذي استعان بك ... هذا، وظرف المكان هو الذي يكون متعلقة في الصلة كونا عاما واجب الحذف، أو كونا خاصا واجب الذكر إلا عند وجود قرينة فيجوز معها حذفه أو ذكره. أماظرف الزمان فلا يكون متعلقه إلا خاصا، فلا يجوز حذفه إلا بقرينة، وبشرط أن يكون الزمان قريبا من وقت الكلام، نحو: نزلنا المنزل الذي البارحة، أو أمس، أو آنفا، "أي: في أقرب ساعة ووقت منا"، تريد: الذي نزلناه البارحة، أو أمس أو آنفا. فإن كان زمن الظرف بعيدا من زمن الإخبار بمقدار أسبوع مثلا، لم يحذف العامل. فلا تقول: نزلنا المنزل الذي يوم الخميس أو يوم الجمعة. إذا كان قد مضى نحو أسبوع.... ولم يحدد النحاة الزمن القريب أو البعيد، ولكن قد يفهم من أمثلتهم أن القريب: ما لم يتجاوز يومين، وأن البعيد ما زاد عليهما. وربما كان عدم التحديد مقصودا منه ترك الأمر للمتكلم والسامع. وشبه الجملة بنوعيه يسمى:"مستقرا" بفتح القاف - حين يكون متعلقه كونا عاما، ويسمى: "لغوا" حين يكون متعلقه كونا خاصا مذكورا، أو محذوفا لقرينة- وشرح هذا في ص 477 -.

الباب1 بفعل لا بشيء آخر، وهذا الفعل محذوف وجوبًا -لأنه كوْن عامّ2- تقديره: استقرّ، أو حَل، أو نزلَ ... وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول، ويربط بينه وبين الصلة. فالأصل فى المثالين السابقين: تكلم الذى استقر عندك، وسكت الذى استقر فى الحجرة. وهكذا ... "ملاحظة"؛ إذا وقع الظرف نفسه صلة "أل" - بأن دخلت عليه مباشرة، كصنيع بعض القبائل العربية فى مثل قولهم: سررت من الكتاب الْمَعَك؛ يريدون: الذى معك - فإنَّ تعلق الظرف فى هذه الحالة لا يكون إلاّ بصفة صريحة، تقديرها: "الكائن"، أو: نحوهذا التقدير. لأن صلة: "أل" لابد

_ 1 لأن الصلة - لغير أل - كما قلنا ق- لا بد أن تكون جملة "للسبب الذي في رقم 1 من هامش ص 383" ووقوع الظرف أو الجار مع المجرور صلة ليس قائما على أساس أنه بنفسهه الصلة، وإنما على أساس تعلقه بفعل يكون هو وفاعله الصلة في الحقيقة. ولا يصح في هذه الصلة التي لغير: "أل" أن يكون الظرف أو الجار مع المجرور متعلقا باسم محذوف، مشتق أو شبهه يكون خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون التقدير مثلا: تكلم الذي هو كائن عندك، أو في الحجرة، لا يصح ذلك لأن شرط الحذف من الصلة - كما هو مدون في 3392 و 394 - ألا يصلح الباقي بعد الحذف لا يكون صلة. والباقي هنا - وهو الظرف أو الجار مع المجرور- صالح ذلك- أما في غير الصلة فالظرف والجار مع مجروره إذا تعلقا بمحذوف، جاز أن يكون فعلا وأن يكون مشتقا مع مرفوعه، كما إذا وقعا خبرا، أو صفة، أو حالا. ... وفريق من النحاة يرى أن الظرف وحده، أو الجار مع المجرور، هو الصلة دون الحاجة إلى متعلقهما. لكن إذا عرفنا أن وظيفتهما المعنوية في الجملة لا تتحقق إلا مع قيام عامل فيهما يكملان معناه - أمكننا أن نستريح إلى ما يقوله أصحاب الرأي الأول من وجود عامل محتوم لهما، وأن هذا العامل المحتوم هو في الصلة فعل يتعلقان به، فيحذف حينا، أو يذكر حينا على حسب احكامه الخاصة به. - وقد أوضحناه هذا في باب: "حروف الجر"، آخر الجزء الثاني - غير أننا في عصرنا قد نعرب الظرف أوالجار مع المجرور صلة، وخبرا، وحالا، وصفة، من غير أن نذكر في الكلام أن كلا منهما متعلق بمحذوف، ومن غير إنكار لأمر هذا المحذوف، وإنما نهمله اعتمادا على شهرته ومعرفته، وأنه لا حجة لترديده مع الاقتناع بوجوده. وهذا إيجاز حسن مقبول. ويتفق مع رأي بعض الأئمة ممن يقولون إن اختصاص الفعل في الصلة قد انتقل إلى شبه الجملة كما انتقل إليه أيضا ضمير الفعل. "وقد أشرنا لهذا في هامش ص 384 وسيجيء تفصيله في هامش ص 475 حيث قلنا في تلك الصفحة لا غنى عن الرجوع إلى الإيضاح التام الذي في جـ 2 ص 232 م 78 وص 413 وما بعدها م 89". 2 سبق - في رقم 1 من هامش ص 384 أنه لا بد أن يكون العامل المحذوف "فعلا" إذا تعلق به شبه الجملة الواقع صلة لموصول غير "أل" كما يجب تقديره فعلا في جملة القسم، لأن جملة الصلة لموصول غير "أل" وجملة القسم الذي يحذف عامله لايكونان إلا فعلتين - كما سيجيء في وجع 2ق باب الظرف ص 232 م 78.

أن تكون صفة صريحة، ولا يصح التعلق بفعل -كما سنعرف1. أما الصفة2 الصريحة فالمراد بها: الاسم المشتق الذى يشبه الفعل فى التجدد والحدوث3، شبهًا صريحًا؛ أى: قويًا خالصًا "بحيث يمكن أن يحل الفعل محله" ولم تغلب عليه الاسمية الخالصة. وهذا ينطبق على اسم الفاعل -ومثله صيغُ المبالغة- واسم المفعول؛ لأنهما -باتفاق- يفيدان التجدد والحدوث؛ مثل قارئ، فاهم: زَرّاع، مقروء، مفهوم ... 4.

_ 1 فيما يلي مباشرة. 2 لا يراد بالصفة هنا النعت، وإنما يراد بها الاسم المشتق منا لمصدر للدلالة على شيئين معا، هما: ذات، وشيء فعلته تلك الذات، أو وقع عليها من غيرها، أو اتصل بها بنوع من الاتصال نحو: قائم، مكرم، ملعب فكلمة. "قائم" تدل على شيئين: "ذات" "فعلت القيام، وكلمة: "مكرم" تدل على شيئين أيضا: "ذات" "حصل لها الإكرام" ... و "ملعب" تدل على شيئينن: "ذات، أي: مكان" "حصل فيه اللعب وهكذا ... والأحسن أن يقال: "معنى وصاحبه" لأن صاحبه في أحيان قليلة يكون غير ذات ولا مشخص. وعلى ضوء ما تقدم نفهم معنى قولهم: إن المشتق هو ما دل على ذات وصفة، أي: ذات، وشيء آخر اتصفت به تلك الذات، بأن فعلته هي مباشرة، أو لم تفعله هي وإنما وقع عليها، أو التصق بها بطريقة ما، كما أشرنا. والمشتقات الأصيلة ثمانية، "يجيء شرحها في الجزء الثالث ص 178 م 98 وما بعدها" اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، واسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة، والمصدر الميمي. "ومنها، الأفعال أيضا باعتبارها مأخوذة من المصدر، وإن كانت لا تدل على ذات". ولكل مششنق باب يحوي أحكامه المختلفة. والذي يعنينا الآن أن كل واحد من هذه المشتقات الثمانية يشبه - في الغالب -- الفعل المضارع الذي يشترك معه في الاشتقاق من مصدره، فقائم" يشبه "يقوم" وكلاهما مشتق من "القيام" و "مكرم " يشبه "يكرم" وكلاهما مشتق من الإكرام" و "ملعب" يشبه "يلعب " وكلاهما مشتق من "اللعب" وهكذا. والمشتق إنما يشبه غالبا المضارع في معناه، وفي عمله وفي الدلالة على زمنه، وفي حركات الحروف وسكناتها. غير أن هذا الشبه متفاوت بين تلك المشتقات وليست فيه سواء، فمنه ما يشبهه في الأشياء السابقة كلها، كاسم الفاعل، واسم المفعول، ولذا يسميان: "الصفة الصريحة" أي: المحضة، القاطعة في مشابهته - وهما المقصودان في صلة أل- ويمكن تأويلهما به، مع بعدهما عن الاسم الصميم "أي: الجامد" ومنها ما يشبهه في أكثرها كالصفة المشبهة، ثم اسم التفضيل. ومنه ما يشبهه في أقلها وهو اسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة، فإن كل واحد من هذه الثلاثة لا يكاد يشبه المضارع- باطراد في شيء إلا في المعنى العام، ثم لا يكاد - بعد ذلك يشبهه ولا يشبه غيره من الأفعال في الدلالة على الزمن، ولا في العمل، ولا في الحركات، ولا السكنات، ولا غيرها. 3 لذلك يقولون عنها إنها اسم في اللفظ، فعل في المعنى، ويعطف عليها الفعل، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} . 4 أما الصفة المشبهة ففيها خلاف عنيف - عرضوه في أول باب: "الإضافة" عند الكلام على المضاف الذي يشبه: "بفيعل"، والإضافة المحضة وغير المحضة. ووجه منعها أن تكون صلة: "أل" ومخالفتها لاسم الفاعل واسم المفعول الأصليين أنها لا تؤول بالفعل، لأنها للثبوت والفعل للتجدد والحدوث، ومن ثم كانت "أل" الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة. ووجه الجواز مشابهتها الفعل في رفعها الاسم الظاهر.

وتكون الصفة الصريحة مع فروعها1 صلة "أل" خاصة؛ فلا يقعان صلة لغيرها، ولا تكون "أل" اسم موصول مع غيرهما على الأشهر2. تقول: انتفع القارىء -سَمَا الفاهم- اغتنى الزَّراع، المقروء قليل، ولكن المفهوم كثير ... ومثل المرتَجَى والخائب في قول الشاعر: الصدق يألفُه الكريمُ المرتَجَى ... والكِذْب يألفه الدنىء الخائبُ ولما كانت الصفة المشبهة الصريحة مع مرفوعها هى التى تقع صلة "أل" وتتصل بها اتصالا مباشراً ولا ينفصلان36 حتى كأنهما كلمة واحدة - كان المستحسن إجراء الإعراب بحركاته المختلفة على آخر هذه الصفة الصريحة دون

_ 1 لا بد أن يرفع اسم الفاعل فاعلا، وأن يرفع اسم المفعول نائب فاعل، وقد يحتاج كل منهما بعد ذلك إلى مفعول به أو أكثر، وربما لا يحتاج، فشأنهما في الحاجة إلى المفعول كشأن فعلهما. وبيان هذا وتفصيله مدون في بابهما جـ3. 2 بشرط دلالتهما على الحدوث. فلو قامت قرينة على أنهما للدوام وجب اعتبار "أل" التي في صدرهما للتعريف، ن لأنهما مع الدوام يعتبران "صفة مشبهة"، كالمؤمن، والمهندس، والصانع، وإنما قلنا: "على الأشهر" لأن بعض القبائل العربية قد يدخل "أل" على الجملة المضارعية، فتكون هذه الجملة هي الصلة ومن أمثلتها، قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل أي: الذي ترضى حكومته. "مع ملاحظة أن "أل" الداخلة على تاء المضارع يجوز إدغامها في التاء وعدم إدغامها، بخلاف "أل" الحرفية - وسيجيء الكلام عليها في ص 422 فإنها تدغم في التاء عند دخولها عليهقا في مثل: التمر- التراب- التبر.... وغيرها من الأسماء أو الأفعال، كدخولها على مضارع مبدوء بالتاء، وقد صار علما مجردا. "أي: اسما محضا لا يدل على معنى الفعل، ولا على زمنه" مثل الأعلام "تشكر" و "تسعد" و "تعز" نقول بالإدغام: التشكر، والتسعد، والتعز....". ومنهم من يدخلها على الجملة الاسمية ويجعل هذه الجملة صلة، مثل قول الشاعر: من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد "أي: من القوم الذين رسول الله منهم". أو على الظرف ويجعله صلة، نحو قول الشاعر: من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة قذات سعه "أي: الذي معه". والظرف "مع" متعلق هنا بصفة صريحة، محذوفة تقديرها:"الكائن" معه، لأن صلة "أل" لا بد أن تكون كذلك: ولا يصح تعلقه في هذا المثال وأشباهه بفعل محذوف للسبب السالف، فهو مستثنى من وجوب تعلق شبه الجملة بفعل محذوف يكون مع فاعله صلة - كما أشرنا في ص 385. "وأل" في الأمثلة السابقة كلها اسم موصول بمعنى الذي أو أحد فروعه - مبني على السكون في محل رفع، "أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة "فهي مثل "الذي" تماما أو "التي" وفروعهما، في أمثلة أخرى" وما بعدها من جملة فعلية أو اسمية هو صلة الموصول لا محل له. فإن جاء بعدها ظرف فهو متعلق بصفة صريحة محذوفة، هي مع فاعلها صلة الموصول لا محل له، ولا يصح تعلقه بفعل -لما قلنا- وقد ذكرنا هذه الأمثلة وإعرابها، والأحكام الخاصة بها، لا لنستعملها - مع حواز استعمالها - ولكن لنفهم نظائرها التي قد تمر بنا في النصوص القديمة، من غير أن يكون ذلك داعيا للرضا، عن استعمالها اليوم، لقلة المأثور منها، ونفور الذوق البلاغي الحديث من استعمالها، وانصراف الكثرة عنها قديما وحديثا فالخير في تركها مهجورة.

ملاحظة "أل"؛ فهويتخطاها؛ برغم أنها اسم موصول1 مستقل، وأن صلته هى شبه الجملة المكون من الصفة الصريحة مع فروعها. فالصفة وحدها هى التى تجرى عليها أحكام الإعراب2، ولكنها مع فروعها صلة لا محل لها. والأخذ بهذا الإعراب أيسر وأبعد من التعقيد الضارب فى الآراء الأخرى. فإن غلبت الاسمية على الصفة صارت اسماً جامد، ولم تكن "أل" الداخلة عليها اسم موصول، مثل الأعلام: المنصور، والهادى، والمأمول، والمتوكل ... من أسماء الخلفاء العباسيين؛ ومثل: الحاجب؛ لما فوق العين. والقاهر، والمنصور، والمعمورة، من أسماء البلاد المصرية3.

_ 1 وهل تفيد التعريف أو لا تفيده؟ رأيان سبق تفصيل الكلام عليها في رقم 2 من هامش ص 3356 ورقم 1 من هامش ص 370 2 وقد سبق هذا " في رقم 2 من هامش ص 356 وص 33357....." وهو رأي لبعض النحاة القدامي. 3 وفي الصلة وشروطها وما يتصل بها يقول ابن مالك بإيجاز: وكلها يلزم بعده صله ... على ضمير لائق مشتمله وجملة أو شبهها الي وصل ... به كمن عندي الي ابنه كفل وصفة صريحة صلة: "أن" ... وكونها بمعرب الأفعال قل أي: كل الموصولات يحتاج بعده إلى صلة دائما، ولا فرق في هذا بين الموصولات، والحرفية ثم قال! الصلة لا بد أن تشتمل على ضمير لائق، أي: مطابق للموصول. وقد عرفنا أن هذا الرابط خاص بصلة الموصول الاسمي دون الحرفي. ثم بين أن الذي يوصل به "أي: الذي يكون صلة" هو الجملة أو شبه الجملة. وأتى بمثال واحد فيها موصولان، أحدهما صلته شبه جملة، والآخر صلته جملة، والمثال هو: "من عندي الي ابنه كفل"، أي: الذي عندي هو الذي ابنه كفل "أي: كان موضع الرعاية". فكلمة: "من" اسم موصول مبتدأ، وصلته شبه الجملة: "عند" وخبره: الذي، اسم موصول أيضا. وصلته جملة اسمية هي: "ابنه كفل". ثم أشار في البيت الثالث إلى أن صلة "أل" لا تكونن إلا الصفة الصريحة وقد شرحناها وأن دخولها على الفعل المعرب وهو المضارع قليل، فيكون هو وفاعله صلة. ومن أمثلته اليت الذي سبق في هامش ص 387 - وهو: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يقتضي المقام أن نعرض لمسائل هامة تتصل بما نحن فيه. منها: تعدد الموصول، والصلة -حذفها- حذف الموصول -اقتران الفاء بخبر اسم الموصول، والتفريعات المتصلة بذلك- حذف العائد "ولهذا بحث مستقل في 394". وإليك الكلام فى هذه المسائل: أ- تعدد الموصول والصلة: 1- قد يتعدد الموصول1 من غير أن تتعدد الصلة؛ فيكتفى موصولان أوأكثر بصلة واحدة. ويشترط فى هذه الحالة أن يكون معنى الصلة أمرًا مشتركًا بين هذه الموصولات المتعددة، لا يصح أن ينفرد به أحدهما، دون الآخر، وأن يكون الرابط مطابقًا لها باعتبار تعددها2. مثل: فاز بالمنحة "الذي" "والتي" أجادا، وأخفق "الذين واللاتي" أهملوا. ففي المثال الأول وقعت الجملة الفعلية: "أجادا" صلة لاسمي الموصول: "الذي" و"التي". ولا يصح أن تكون صلة لأحدهما بغير الآخر؛ لاشتراكهما معًا في معناها؛ ولأن الرابط مثنى لا يطابق أحدهما وحده، وإنما لوحظ فيه أمرهما معًا3. وكذلك الشأن في المثال الآخر. 2- قد تتعدد الموصولات وتتعدد معها الصلة؛ فيكون لكل موصول صتله؛ إما مذكورة فى الكلام، وإما محذوفة4. جوازًا، وتدل عليها صلة أخرى مذكورة،

_ 1 بنوعيه: والاسمى الحرفي. 2 مع ملاحظة أن الرابط لا يوجد إلا في صلة الموصول الاسمى دون الحرفي - كما سبق في ص 376. 3 مع مراعاة التغليب في بعض نواحي المطابقة، كالتذكير في المثالين المذكورين، والتغليب جائز عند وجود قرينة، "كما أوضحنا في رقم 6 من هامش ص 118 وفي رقم 1 من هامش ص 139". 4 لا يجوز حذف صلة الموصول الحرفي إلا إذا بقي معمولها، مثل: أما أنت منطلقا انطلقت، أي: لأن كنت منطلقا انطلقت. فحذفت "كان" وبقي معمولها.... كما هو موضح في آخر باب:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرط أن تكون المذكورة صالحة لواحد دون غيره؛ فلا تصلح لكل موصول من تلك الموصولات المتعددة؛ نحو: عُدْت "الذي" و"التي" مرضتْ. وسارعت بتكريم "اللائي" و"الذين" أخلصوا للعلم. فالصلة في كل مثال صالحة لأحد الموصولين فقط؛ بسبب عدم المطابقة في الرابط؛ فكانت صلة لواحد، ودليلا على صلة الآخر المحذوفة جوازًا. فأصل الكلام عدت الذي مرض، والتي مرضت. وسارعت بتكريم اللائي أخلصن، والذين أخلصوا. وهذا نوع من حذف الصلة جوازًا، لقرينة لفظية تدل عليها1.... وقد تحذف الصلة لوجود قرينة لفظية أيضًا ولكن من غير أن يتعدد الموصول؛ مثل من رأيته فى المكتبة؟ فتجيب: محمد الذي ... أو: سعاد التي ... وقد تحذف الصلة من غير أن يكون في الكلام قرينة لفظية تدل عليها وإنما تكون هناك قرينة معنوية يوضحها المقام؛ كالفخر، والتعظيم، والتحقير، والتهويل ... فمن أمثلة الفخر أن يسأل القائد المهزوم البادي عليه وعلى كلامه أثر الهزيمة، قائدًا هزمه: من أنت؟ فيجيبه المنتصر: أنا الذي ... أي: أنا الذي هزمتك. فقد فُهمت الصلة من قرينة خارجية، لا علاقة لها بألفاظ الجملة. ومثل: أن يسأل الطالب المتخلف زميله الفائز السابق بازدراء: من أنت؟ فجيب الفائز: أنا الذى ... أي: أنا الذى فزت، وسبقتك، وسبقت غيرك ... ومنه قول الشاعر يفاخر: نَحْنُ الأُلى ... فَاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا

_ = "كان" عند الكلام على حذفها ص580، ومثل قولهم: "كل شيء مهه ما، السماء وذكرهن" أي: ما عدا النساء وذكرهن. يريد: كل شيء سهل يسير، قد يحتمله الحر، ويصبر عليه ما خلا التعرض لنسائه، والتحدث عنهن ... وهذه أمثلة مسموعة بكثرة تبيح القياس عليها، بقرينة تدل على المحذوف، ولا تدع مجالًا لخفائه -كما سنعرف- فكلمة: "ما" هنا موصول حرفي. وبعده الفعل "عدا" محذوفًا مع فاعله "وتفصيل الكلام عليهما مسبوقين بما المصدرية، موضح في باب الاستثناء -ج2". 1 وما ذكرناه في النوعين السالفين يوضح قول النحاة "قد ترد صلة بعد موصولين أوأكثر، مشتركا فيها، أو مدلولا بها على ما حذف فالاشتراك فيما إذا ناسبت الصلة جميع ما قبلها من الموصولات، والدلالة فيما إذا لم تناسب إلا واحدا منها". ثم قالوا: إن القسم الأول يدخل في قسم الصلة الملفوظة، وإن الثاني يدخل في قسم الصلة المحذوفة، أو التي في النية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: نحن الذين اشتهروا بالشجاعة، والبطولة، وعدم المبالاة بالأعداء. ومن التحقير أن يتحدث الناس عن لص فتاك، أوقعت به حيلة فتاة صغيرة وغلام، حتى اشتهر أمرهما. ثم يراهما اللص؛ فيقول له أحد الناس: انظر إلى التي والذي ... أي: التي أوقعت بك. والذي أوقع بك ... ويشترط في حذف الصلة هنا ما سبقت في سابقتها من عدم وجود ما يصلح صلة بعد المحذوفة. وقد وردت أساليب قليلة مسموعة عند العرب، التزموا فيها حذف الصلة؛ كقولهم: عند استعظام شيء وتهويله: "بعد اللَّتُيَّا1 والَّتي..........، يريدون بعد اللتيا كَلَّفتْنا مالا نطيق، والتي حملتنا مالا نقدر عليه، أدركنا ما نريد. مما تقدم نعلم أن حذف الصلة فى غير الأساليب المسموعة جائز عند وجود قرينة لفظية، أو معنوية؛ سواء أكانت الموصولات متعددة، أم غير متعددة بشرط ألا يكون الباقي بعد حذفها صالحًا لأن يكون صلة. 3- يجوز حذف الموصول الاسمى2 غير "أل" إذا كان معطوفاً على مثله، بشرط ألا يوقع حذفه، في لَبْس؛ كقول زعيم عربيّ: "أيها العرب، نحن نعلم ما تفيض به صدور أعدائنا؛ من حقد علينا، وبغض لنا، وأن فريقًا منهم يدبر المؤامرات سرًّا، وفريقًا يملأ الحواضر إرْجَافًا3، وفريقًا يُعِد العُدة للهجوم علينا، وإشعال الحرب فى بلادنا، ألا فليعلموا أن من يُدبّر المؤامرات، ويطلق الإشاعات، ويحْشُد الجيوش للقتال، كمن يطرق حديدًا باردًا؛ بل كمن يضرب رأسه في صخرة عاتية، ليحطمها؛ فلن يخدشها وسيحطم رأسه". فالمعنى يقتضي تقدير أسماء موصولة -محذوفة؛ فهو يريد أن يقول: من يدبّر المؤمرات، ومن يطلق الإشاعات، ومن يحشد الجيوش ... ذلك لأنهم طوائف متعددة، ولن يظهر التعدد إلا بتقدير "مَنْ". ولولاها لأوهم الكلام أن تلك الأمور كلها منسوبة لفريق واحد؛ وهى نسبة فاسدة. ولهذا

_ 1 اللتيا "بضم اللام المشددة أو فتحها" تصغير: "التي"..... سماعا ... 2 لهذا إشارة في ص 408، الأمر الخامس. 3 هو: إذاعة الأخبار السيئة الكاذبة، ليضطرب الناس، ويثوروا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجب عند الإعراب مراعاة ذلك المحذوف، كأنه مذكور، ومثله قول حسان فى أعداء الرسول عليه السلام: فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُه وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ فالتقدير؛ من يهجو رسول الله، ومن يمدحه: ومن ينصره سواء. ولولا هذا التقدير لكان ظاهر الكلام أن الهجاء والمدح والنصر، كل أولئك من فريق واحد. ومن هذا قوله تعالى1: {قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ، أي: والذى أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزَّل إلى غيرهم من أهل الكتاب. أما الموصول الحرفي فلا يجوز حذفه، إلا "أنْ" فيجوز حذفها2؛ مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقد يجب. الحذف بنوعيه تفصيلات موضعها الكلام على "أنْ" الناصبة3. ب- قد يقترن الخبر الذى مبتدؤه اسم موصول بالفاء وجوبًا أو جوازًا، أو الذى مبتدؤه متصل باسم الموصول بنوع من الاتصال على الوجه الذى يجيء بيانه وتفصيله في مكانه المناسب من باب المبتدأ والخير تحت عنوان: مواضع اقتران الخبر بالفاء ص484 م41 وما بعدها. ومنها نعلم مواضع زيادة "الفاء" في صلة الموصول بنوعيه بسبب إبهامه وعمومه.

_ 1 على لسان المسلمين حين يخاطبون غيرهم من أهل الكتاب. 2 سيجيء له إشارة في الأمر الخامس، ص 408، أما التفصيل ففي الجزء الرابع، باب: إعراب الفعل "النواصب". 3 ج4 م 1148 ص2265.

المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد لا بد لكل موصول من صلة، فإن كان اسميًّا وجب أن تشتمل1 صلته على رابط؛ هو: الضمير، أو ما يقوم مقامه، كما أسلفنا. وهذا الضمير الرابط قد يكون مرفوعًا؛ مثل "هو" في نحو: خير الأصدقاء مَنْ هو عَوْنٌ في الشدائد ... أو منصوبًا، مثل "ها" في نحو: ما أعجبَ الآثار التي تركها قدماؤنا، أو مجرورًا؛ مثل: "هم" في نحو: أصغيتُ إلى الناصحين الذين أصغيتَ إليهم. والرابط فى كل هذه الصور -وأشباهها- يجوز ذكره في الصلة كما يجوز حذفه، بعد تحقق شرط عام، هو: وضوح المعنى بدونه، وأمن اللبس "ومن أهمّ مظاهر أمن اللبس ألا يكون الباقي بعد حذفه صالحًا صلة2". غير أن هناك شروطًا خاصة أخرى تختلف باختلاف نوع الضمير يجب تحققها قبل حذفه، سواء أكان اسم الموصول هو "أيّ" أم غيرها. وفيما يلي التفصيل: أ- إن كان الضمير الرابط مرفوعًا لم يجز حذفه إلا بشرطين: أن تكون الصلة جملة اسمية، المبتدأ فيها هو الرابط، وأن يكون خبره مفردًا3. كأن يسألك سائل.

_ 1 مما تجدر ملاحظته أن الصلة قد تكون جملة، فتشتمل على الرابط حتما -ويجوز حذفه ... كما سيجيء وقد تكون "ظرفًا، أو جارًا مع مجروره" فيتعلقان بفعل محذوف مع فاعله فتكون الصلة في الحقيقة جملة فعلية كذلك، ولا يصح أن يكون تعلقهما بغير الفعل هنا -كما عرفنا- وقد تكون الصلة صفة صريحة، "وهي. في هذا الباب من قسم الشبيه بالجملة"، ولا بد أن تشتمل على ضمير رابط أيضًا. فالصلة بجميع أنواعها لا بد أن تشتمل على الرابط، بالطريقة السالفة ... وقد يحذف الرابط لداع من الدواعي التي ستجيء. 2 وقد يصح الاستغناء عنه في بعض حالات كما سبق في "ب" من ص380 وكما سيجيء في "أ" من ص 401 والمراد بالاستغناء هنا: أنه غير ملاحظ مطلقًا، لا لفظًا ولا تقديرًا بخلاف العائد المحذوف أو المستتر فإنه ملاحظ. 3 لأن الخبر المفرد لا يصلح أن يكون صلة بعد حذف المبتدأ، وأيضًا لأنه يدل على المحذوف، ويرشد إليه، هذا ويختلف معنى الإفراد باختلاف موضوعات النحو، فيراد به في موضوع الخبر: ما ليس جملة، ولا شبه جملة. وقد اقتصرنا على أهم الشروط لحذف العائد المرفوع. وهناك شروط أخرى لحذفه، منها ألا يكون معطوفًا، مثل: رأيت الذي حامد وهو صديقان. فالمعطوف هنا ليس مبتدأ =

كيف نُفَرّقَ بين ماء النهر وماء البحر؟ فتجيب: الأنهار التي عذبةُ الماء، والبحار التى مِلْحيَّة الماء. تريد: الأنهار، التي هي عذبة الماء، والبحار التي هي ملحيةُ الماء. ومثل: أن يسأل: ما أوضحُ فارق بين النجم والكوكب؟ فتقول: النجم الذى مضيءٌ بنفسه، والكوكب الذي مستمِدٌ نورَه من غيره. أي: النجم الذي هو مضيء بنفسه ... والكوكب الذي هو مستمد1 ... فإذا استوفى الضمير المرفوع الشرطين الخاصّين ومعهما الشرط العام جاز حذفه2، والأحسن عند الحذف أن تكون صلته طويلة "أى: ليست مقصورة

_ = ولكنه معطوف على المبتدأ، فهو في حكمه. وحذف المعطوف يؤدي إلى بقاء الحرف العاطف بدون المعطوف، وهو ممنوع -إلا في مسائل ممدودة، "سردناها في- ج3 باب: "العطف" وهي غير التي نحن بصددها". كما يؤدي حذف العاطف والمعطوف معًا، إلى إظهار الكلام بصورة الإخبار بالمثنى عن المفرد، وهي صورة معينة في مظهرها، كما يقولون!!. ومنها: ألا يكون معطوفًا عليه، نحو: تكلم الذي هي وحامد عالمان، كي لا يقع حرف العطف في الصدارة، وفوق ذلك ليس له معطوف عليه ظاهر، ولكيلا. يقع المثنى خبرًا عن مفرد، في الصورة الظاهرية إن حذف حرف العطف مع الضمير للرابط، وهو أمر يستقبحونه من حيث الشكل والمظهر - كما سبق. ومنها: ألا يكون بعد "لولا" نحو: حضر الذي لولا هو لخرجت، لوجوب حذف الخبر العام بعد "لولا" فأصل الكلام..... لولا هو موجود، فإذا حذف معه المبتدأ كان الحذف كثيرًا مجحفًا، لشموله الجملة كاملة. ومنها: ألا يكون بعد حرف نفي، نحو، سكت الذي ما هو جاهل. ومنها: ألا يكون محصورا بإلا أو إنما، نحو: كتب الذي ما في الغرفة إلا هو، أو: كتب الذي إنما في الغرفة هو: فمجموع الشروط سبعة. 1 ومن الأمثلة الواردة قراءة من قرأ قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَن} أي: الذي هو أحسن وما حكاه سيبويه عن الخليل: "ما أنا بالذي قائل لك وسوءا" أي: بالي هو قائل: وقو الشاعر: لم أر مثل الفتيان في عقب الأيـ ... ـام ينسون ما عواقبها أي: ينسون الذي هو عواقبها، على اعتبار "ما" موصولة والعقب: الشدائد المفرد: عقبة. 2 وإذا لا يصح الحذف في الحالات الآتية: أ- أن تكون الصلة جملة فعلية، أو شبه جملة، مثل: أشرق الذي يملأ نوره الفضاء. ومثل: سقي النهر النبات الذي في الحقول؛ لأن كل منهما صالح لأن يقع بنفسه صلة، مع خلوه مما يدل علي أن هناك مبتدأ محذوفا بخلاف الخير المفرد، فإنه غير صالح أن يكون صلة؛ ولأنه يشعر بحذف المبتدأ، كما سبق. ب- أن تكون الصلة جملة اسمية لكن الرابط فيها ليس مبتدأ، مثل: يتحرك الكوكب الذي =

عليه وعلى خبره المفرد، وإنما يكون لها مُكَملات؛ كالمضاف إليه، أو المفعول، أو الحال، أو النعت، أو غير ذلك ... "، نحو: نزل المطر الذي مصدر مياه الأنهار، ونحو برعتْ مصانعنا التي الرجاء العظيم. أو التي رجاؤنا في الغنى قريبًا ... ونحو: اشتد الإقبال على التعليم الذى كفيل بإنهاض الفرد والأمة ... ويجوز أن نقول: نزل المطر الذي حياة، وبرعتْ مصانعنا التي الأمل، واشتد الإقبال على التعليم الذي سعادة. والأساليب العالية لا تَجْنَح كثيرًا إلى حذف العائد المرفوع؛ فإن جنحت إليه اختارت -في الغالب- طويل الصلة1. ب- إن كان الرابط ضميرًا منصوبًا لم يجز حذفه إلا بثلاثة شروط خاصة -غير الشرط العام- هي: أن يكون ضميرًا متصلاً2، وأن يكون ناصبه فعلاً تامًّا، أو وصفًا تامًّا، وأن يكون هذا الوصف لغير صلة: "أل"3

_ = إنه القمر؛ لأن الرابط فيها اسم "إن" المنصوب. ومثل: يتحرك الكوكب الذي شكله مستدير؛ لأن الرابط مجرور بالإضافة، فليس مبتدأ.... ج- أن تكون الصلة جملة اسمية، الرابط فيها مبتدأ ضمير، ولكن خبره ليس بمفرد: بأن يكون الخبر جملة فعلية، مثل: دهشت من القرود التي هي "تحاكي الإنسان". أو جملة اسمية، مثل: دهشت من القرود التي هي حركاتها كحركة الإنسان. أو شبه جملة، مثل: دهشت منالتي هي أمامك. فكل ذلك لا يجوز فيه حذف الرابط؛ لأن الخبر يصلح أن يكون صلة بعد حذف المبتدأ الرابط، وليس في الخبر ما يدل على المحذوف. بخلاف المفرد؛ لأنه لا يصلح أن يكون صلة، ولأنه يشعر بحذف المبتدأ، كما عرفنا. 1 إلا الأسلوب الذي يشتمل على: "لا سيما" فيجب فيه حذف صدر الجملة ولو كانت قصيرة، نحو: أنزلوا الناس منازلهم، ولا سيما العالم، إذا كانت "ما" اسم الموصول، و"العالم خبرأ لمبتدأ محذوف تقديره: هو. أي: ولا سي الذي هو العالم. "وسيجيء في ص401 الإيضاح التام في إعراب: "لا سيما", وأسلوبها. أما الإشارة إلى وجوب حذف المبتدأ ولو لم تطل الصلة ففي رقم 3 من هامش ص404. 2 ولو جوازا كبعض الأمثلة التالية. فالمراد ألا يكون واجب الانفصال. 3 منصوب صلة "أل" لا يجوز حذفه إن عاد إليها، لأنه يدل بوجوده على اسميتها الخفية المشروحة في هامش ص 356 ففي حذفه ضياع الدليل. فإن عاد إلى غيرها جاز حذفه، كما سيجيء في رقم "د" من هامش الصفحة الآتية.

التى يعود عليها الضمير، مثل: ركبت القطار الذي ركبتَ، أي: ركبته، وقرأت الصحيفة التي قرأتَ1، أي: قرأتها وقول الشاعر يصف مَدينة: بها ما شئتَ مِنْ دين ودنْيا ... وجيرانٍ تناهوْا فى الكمالِ أي: ما شئته: وقول الآخر: ومن ينفق الساعاتِ في جعِ مالهِ ... مخافةَ فقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ أي: فعَله.. ومثل: اشكر الله على ما هو مُوليك، واحْمَدُه على ما أنت المعْطَى. أي: موليكه "والأصل: موليك إياه"، والمُعْطَاه2. ومثل: الذى أنا مُعيرُك -كتابٌ. والذي أنت المسلوب- المالُ. أي: الذي أنا مُعيِرُكه كتاب، والذي أنت المسلوبُه- المال3.

_ 1 ومثل قول الشاعر وهذا عند القدماء من أبلغ أبيات الرثاء: أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا أي: تحذرينه. 2 إذا حذف العائد المنصوب "المستوفي للشروط" فلا مانع -عند أمن اللبس- من توكيده نحو: شربت الماء الذي أحضرت نفسه، أي: أحضرته نفسه. أو من العطف عليه، نحو: سافر الذي ودعت وصالحا. أو مجيء الحال منه متأخرة أو متقدمة مثل: هند التي كلمى واقفة، أو: هند التي واقفة كلمت. أي: كلمتها. 3 مما يوضح هذا قولنا: أعارك محمود كتابًا. فالذي هو معيركه. كتاب "وسلب اللص عليا المال، فالذي على مسلوبه: المال. "كتاب: خبر للمبتدأ "الذي" المال: خبر للمبتدأ الذي". وفيما سبق نعلم أنه لا يصح الحذف في الحالات الآتية: أ- أنيكون الضمير المنصوب منفصلًا. نحو: أقبل الربيع الذي إياه أحب. بتقديم الضمير؛ لأنه لو تأخر لا تصل بالفعل وجوبًا. فصار: أحبه، "تطبيقًا لقاعدة عدم فصل الضمير الذي يمكن وصلة، وقد سبقت في ص272" ولو حذف وهو متقدم لالتبس بالمحذوف المتأخر، لعدم القرينة الدالة على تقدمه. ب- أن يكون الضمير منصوبًا بفعل ناقص، مثل: قابلت الذي كان محمود "الهاء خبر مقدم وليست اسم كان؛ لأن اسم كان مرفوع، والهاء لا تكون مرفوعة؛ لأنها ليست من ضمائر الرفع". أو بوصف ناقص، مثل: حضر الذي أنا كائنه، لعدم وجود ما يدل على المحذوف ويعينه. ج- أن يكون الضمير منصوبًا بحرف، مثل: اشتد الحر الذي كأنه اللهب؛ لأن الضمير اسم الحرف: كأن. د- أن يكون اسم الموصول الذي يعود عليه الرابط هو "أل" نحو: المكرمها عليّ فاطمة. فإن عاد على =

فإن فُقد شرط لم يصح الحذف1. ج- وإن كان الرابط ضميرًا مجرورًا -والشرط العام متحقق- فإما أن يكون مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر؛ فالمجرور بالإضافة يجوز حذفه إن كان

_ = غيرها جاز حذفه، نحو: جاءت التي أنا المكرم، أي: المكرمها: كما سبق في رقم 3 من هامش ص 396. هـ- أن يكون حذفه سببًا في اللبس وغموض المعنى، نحو: رأيت من عرفته في القطار، فلو قلنا: رأيت من عرفت في القطار لم يتبين المحذوف أهو: ضمير للغائب المذكر أم المؤنث؟ أهو للمثنى أم الجمع....؟ فقد يكون أصل المحذوف واحدًا مما يأتي. عرفته، عرفتها عرفتهما. عرفتهم. عرفتهن. ومثله: رأيت من كلمته في داره، فلو حذف الضمير المنصوب لخفي مدلوله، ولكان في الكلام ضمير آخر يتم به الربط، ولكن يقع بسببه اللبس والغموض، فلا. ندرى أهناك حذف أم لا. وحذف العائد المنصوب بالفعل أكثر في الأساليب الأدبية المأثورة من المنصوب بالوصف. 3 وقد أشار ابن مالك إلى حذف العائد المرفوع والمنصوب إشارات موجزة بعد كلامه على "أي" الموصولة، وأنها مثل "ما" الموصولة، وأنها تعرب إلا أن أضيفت، وحذف صدر صلتها الضمير فتبني ثم قال: إن من العرب من يعربها في كل الحالات، وإن باقي الموصولات يقتفي "أبا" في الحذف. أي: يتبعها ويكون مثلها في حذف صدر صلتها الضمير، وإن هذا الحذف كثير إن استطالت الصلة، ونزر "أي: قليل عنده" إن لم تستطل. كل ذلك بشرط ألا يصلح الباقي لأن يكون صلة. يقول: أي "كما" وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف وبعضهم أعرب مطلقا وفي ... ذا الحذف أيا غير أي يقتفي "يريد: غير أن يقتفي أيضًا، ويتبعها في حذف صلتها " ... إن يستطل وصل، وإن لم يستطل ... فالحذف نزر وأبوا أن يختزل الوصل هنا: هو الصلة، يختزل: يختصر بسبب الحذف. إن صلح الباقي لوصل مكمل ... . . . . . . . . . . . ثم انتقل في الشطر الثاني من البيت السابق إلى الكلام على حذف العائد المنصوب قائلًا: . . . . . . . . . . ... والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل، إن انتصب ... بفعل، أو وصف، كمن نرجو يهب أي: من نرجوه يهب.

المضاف اسم الفاعل، أو اسم مفعول1. وكلاهما للحال أو الاستقبال2؛ مثل: يفرح الذى أنا مُكرِمٌ الآن أو غدًا، "أي: مكرمه". ويرضينى ما أنا معطًى الآن أو غدًا "أي: مُعطاه3" ومثلهما: جادت مصنوعاتنا، فالبس منها منا أنت لابس غدًا4، واطلب منها ما أنت طالب بعد حين، "أي: لابسه ... وطالبه"، إن يسلبني اللص بعض المال أتألم لما أنا مسلوب "أي: مسلوبه". والمجرور بالحرف يجوز حذفه بشرط أن يكون اسم الموصول مجرورًا بحرف يشبه ذلك الحرف5 في لفظه، ومعناه، ومتعلَّقه6. وإذا حذف الرابط حذف معه الحرف الذى يجره؛ مثل: سلّمتُ على الذي سلّمتَ، "أي: سلّمتَ عليه وانتهيتُ إلى ما انتهيتَ. "أي: إلى ما انتهيت إليه". وقد يكون حرف الجر غير داخل على اسم الموصول وإنما على موصوف باسم الموصول. نحو: مشيتُ على البساط الذي مشيتَ؛ أي: عليه، وسرتُ في الحديقة التي سرتَ؛ أي: فيها7.

_ 1 مما ينصب قوله فعله مفعولين في الأصل. ليكون أحدهما نائب فاعل لاسم المفعول، والثاني هو المضاف إليه لفظًا. 2 مع استيفائه بقية الشروط اللازمة لإعماله، وهي مدونة في باب - ج3. 3 فلا يجوز الحذف فيما يأتي. 1- المضاف غير الوصف "المشتق" نحو: تألم الذي غاب أهله. ب- المضاف الذي هو اسم فاعل، أو اسم مفعول، وكلاهما للماضي، فلا يعمل، نحو أكتب بالأمس ما كنت بانيه: ومثل فرح السائل بما كان معطاه. 4 الدليل على أن اسم الفاعل للمستقبل هنا وجود فعل الأمر قبله: وهو للمستقبل. وأيضًا وجود كلمة: "غدا" بعده، كما أن أداة الشرط دليل على الاستقبال في المثال الذي بعده، إذ أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الفعل بعدها مستقبلا حتمًا ولو كان الفعل الواقع بعدها ماضيا "كما في ص59 ما لم يمنع من لك مانع مما تقدم عند الكلام على زمن الفعل المضارع -ص 57. 5 لأن اسم الموصول هو نفس ضميره في المعنى، فإذا حذف الضمير ومعه حرف الجر كان في الكلام ما يدل عليهما. 6 وهو العامل فيهما، بحيث يكون المتعلق في كل منهما مشابهًا الآخر، إما في لفظه ومعناه معًا كالأمثلة المذكورة، وإما في معناه فقط، مثل: فرحت بالذي سررت. أي: به ويجوز أن يكون أحد المتعلقين فعلًا ماضيا والآخر مضارعًا من ماديته أو أمرًا كذلك ... ويجوز أن يكون أحدهما فعلًا، والآخر وصفًا "مشتقًّا" من المادة نفسها بمعناه.... 7 وقد يكون داخلًا على مضاف إلى اسم الموصول نحو سلمت على صديق الذي سلمت أي: الذي سلمت عليه. أو داخلًا على مضاف الموصوف باسم الموصول، نحو: سلمت على صديق الرجل الذي سلمت، أي: عليه.... =

تلك حالة حذف العائد المجرور، وهي كثيرة في الأساليب العالية1.

_ = وقد اكتفينا بذكر أشهر الشروط، وبقي منها ألا يكون الضمير عمدة "لأن العمدة لا يمكن الاستغناء عنه" فلا حذف في مررت بالذي ممر به" لأن الجار والمجرور نائب فاعل، ونائب الفاعل عمدة لا تستغني عنه الجملة" وألا يكون الضمير محصورًا، فلا يحذف في: مررت بالذي ما مررت إلا به. وألا يكون حذفه موقعًا في "لبس، وهذا شرط عام في جميع ما يحذف كما سبق"، فلا حذف في مثل: رغبت في الذي رغبت فيه؛ لأن الكلام مع الحذف يصير، رغبت في الذي رغبت فلا ندري المقصود بعد الحذف، أهو، رغبت فيه أم عنه. والمعنيان مختلفان. فمجموع شروط حذف العائد المجرور بالحرف خمسة، هي: أ- أن يكون الموصول مجرورًا بحرف جر. ب- وأن يكون هذا الحرف الجار كالحرف الذي يجر الرابط لفظًا، ومعنى، ومتعلقًا، "والمتعلق هو: العامل، ويكفي فيه هنا التشابه" فلا يجوز حذف الرابط عند اختلاف حرفي الجر في شيء من هذا، كاختلاف لفظهما ومعناهما معًا، نحو: رغبت عن الذي أنت راغب فيه، أو: في لفظهما دون معناهما، نحو: جلست بالحجرة التي أنت جالس فيها "لأن معنى: الباء، و: في، هو: الظرفية" أو في معناهما، نحو: مررت بالذي مررت به على محمود والمراد: مررت بالذي مررت معه على محمود، فالباء الأولى بمعنى: الإلصاق والثانية بمعنى المصاحبة "مع"، أو اختلاف متعلقهما، نحو رغبت في الذي أنت زاهد فيه. ج- ألا يكون الرابط عمدة. د- ألا يكون الرابط محصورًا. هـ- ألا يكون حذفه موقعا في لبس. ويجيز بعض النحاة حذف الرابط المجرور إذا تعين المحذوف ولم يوقع في لبس، تطبيقًا للقاعدة العامة التي تنص على أن ما لا ضرر في حذفه لا خير في ذكره. ويكتفون من الشروط بهذا، ويذكرون من أمثلته قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَه} ، أي: به وقول الشاعر: ومن حسد يجوز على قوي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني أي لم يحسدوني فيه ... وهذا رأي حسن، والأخذ به في جميع الشئون اللغوية مقصد بلاغي قويم. و وفي حذف العائد المجرور يقول ابن مالك: كذاك حذف ما بوصف خفضا ... كأنت قاض بعد أمر من: قضي كذا الي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت، فهو بر أي: كذلك يجوز حذف الرابط المجرور إذا كان عامله وصفًا "بالتفصيل الذي سبق" ومن أمثلته، كلمة: "قاضٍ" الواقعة بعد فعل أمر، ماضيه "قضي" يشير إلى قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض} أي: ما أنت قاضيه وهذا هوا لنوع الأول من العائد المجرور الذي يكون عامله وصفًا مضافًا. أما النوع الثاني فهو العائد المجرور بما جر الموصول، أي: بحرف جر كالذي جر للموصول لفظًا، ومعنى، وتعلقًا ... إلخ نحو: مر بالذي مررت: أي به....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يستغني الموصول عن العائد كما فى بعض الصور التى سلفت1. ب- الكلام في: "ولا سيما2، وأخواتها" معناها، وإعرابها في جملتها. يتضح معنى "ولا سيما" من الأمثلة التالية: المعادن أساس الصناعة؛ كولا سيما الحديد. تجود الزروع بمصر، ولا سيما القطن، نحتقر الأشرار، ولا سيما الكذَّاب ... فالمثال الأول يتضمن: أن الصناعة تقوم على أساس؛ هو: المعادن؛ كالنحاس، والرصاص، والفضة ... وكالحديد أيضًا. فالحديد يشاركها في وصفها بأنها: "أساس". ولكنه يختلف عنها فى أن نصيبه من هذا الوصف أكثر وأوفر من نصيب كل معدن آخر. وفي المثال الثاني حُكمٌ بالجودة على ما ينبت في مصر، من قمح، وذرة وقصب، و ... قطن أيضًا؛ فهو يشاركها في الاتصاف بالجودة؛ ولكنه يخالفها في أن تصيبه من هذه الجودة أوْفى وأكبر من نصيب كل واحد من تلك الزروع. وفي المثال الثالث نحكم بالاحتقار على الأشرار؛ ومنهم اللص، والقاتل، والمنافق ... ومنه الكذاب أيضاً فهو شريكهم في ذلك الحكم، وينطبق عليه الوصف مثلهم. ولكن نصيبه منه أكبر وأكثر من نصيب كل فرد منهم. مما سبق نعرف أن الغرض من الإتيان بلفظ: "ولا سيما" هو: إفادة أن ما بعدها وما قبلها مشتركان في أمر واحد، ولكن نصيب ما بعدها أكثر وأوفر من نصيب ما قبلها. ولذا يقول النحاة: إن "لاسيَّ"، معناها: لا مثل3 ... يريدون: أن ما بعدها ليس مماثلًا لما قبلها في المقدار الذى يخصه من الأمر المشترك

_ 1 في "ب" من ص 380، وفيها إشارة لهذا حكم. وقد سبق معنى الاستغناء في رقم 2 من هامش ص 394. 2 مركبة من كلمتين هما: "متى" بمعنى مثل- كما سيجيء، و "ما" وتتصل في الكتابة بكلمة "سي" كما يرى علماء الرسم "الإملاء". 3 وهذه يعدها النحاة من أخوات: "لا سيما" التي سيجيء الكلام عليها في ص 406.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهما؛ وأن ما بعدها يزيد عليه في ذلك المقدار؛ سواء أكان الأمر محمودًا، أم مذمومًا1. أما إعرابها في جملتها وإعراب الاسم الذي بعدها فقد يكفي جمهرة المتعلمين علمها أن: "ولا سيَّمَا" لا تتغير حركة حروفها مهما اختلفت الأساليب، وأن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة: "الرفع، والنصب، والجر" سواء أكان نكرة أم معرفة2. وأن فيها عدة لغات صحيحة3 لا يمنع من استعمال إحداها مانع. ولكن أكثرها في الاستعمال الأدبي هو: "ولا سيَّمَا"؛ فيحسن الاقتصار عليه؛ لما في ذلك من المسايرة للأساليب الأدبية العالية التي تكسب اللفظ قوة في غالب الأحيان، وفي هذا القدر كفاية لمن يبتغي الوصول إلى معرفة الطريقة القويمة في استعمالها، من غير أن يتحمل العناء في تفهم الإعرابات المختلفة. أمام من يرغب في هذا فإليه البيان: الاسم الواقع بعد: "ولا سيما" ما أن يكون نكرة، وإما أن يكون معرفة؛ فإن كان نكرة جاز في الأوجه الثلاثة كما سبق، تقول: 1- اقتنيت طرائف كثيرة، ولا سيَّما: أقلامٌ، أو أقلامًا، أو أقلامٍ. 2- اشتريت طيورًا كثيرة، ولا سيما؛ عصفورٌ، أو: عصفورًا، أو: عصفورٍ. 3- قصرت ودي على المخلصين؛ ولا سيَّما واحدٌ، أو واحدًا، أو واحدٍ.

_ 1 وبسبب هذه المخالفة في المقدار يذكر بعض النحاة لفظ "ولا سيما" في باب: "المستثنى"، لما في الاستثناء من مخالفة ما بعد الأداة لما قبلها في إثبات الحكم، أو نفيه. فبين المخالفتين نوع تشابه من بعض الوجوه دون بعض، إذ المخالفة بعد "ولا سيما" تكون في المقدار وحده. مع الاشتراك في الأمر نفسه، أما في الاستثناء فالمخالفة تقع في الحكم كله، نفيًا أو إيجابًا. ولا مشاركة فيه بين ما وقع بعدق الأداة وما وقع قبلها. وبعض آخر يذكرها "أي: ولا سيما" في باب: "الموصول" لاشتمالها على "ما" التي يصح أن تكون اسم موصول. 2 يعارض كثير من النحاة في نصب المعرفة، ومن التيسير الأخذ بالرأي الآخر الذي يبيح نصبها، ليكون الحكم عامًّا، يشمل النكرة والمعرفة. "راجع المطولات التي تعرضت للرأيين، ومنها: شرح الكافية ج1 ص349 وحاشية الصبان، ج2 في آخر باب الاستثناء عند الكلام على: "لا سيما" وكذا المغني، "ج1 عند الكلام على موضوع: "سي". 3 منها الاستغناء عن الواو فقط، أو الاستغناء عنها وعن: "لا" معا. ومنها تخفيف الياء في كل لغاتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة فالأنسب1 جواز الأوجه الثلاثة أيضًا، كما في الأمثلة التالية: 1- أتمتع برؤية الأزهار، ولا سيما: الوردُ، أو: الوردَ، أو: الوردِ. 2- شاهدت أثارًا رائعة، ولا سيما: الهرمُ، أو: الهرمَ، أو: الهرمِ. 3- ما أجمل الكواكب في ليل الصيف: ولا سيما القمرُ، أو: القمرَ أو القمرِ. وفيما يلي الإعراب تفصيلاً:

_ 1 بيان السبب في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوجد جدول يسحب إسكانر

_ 1 وهذا أيسر الآراء وأوضحها. ويصح أن تكون للحال والجملة بعدها "من لا واسمها وخبرها" في محل نصب حال. كما يصح أن تكون عاطفة، والجملة بعدها معطوفة على الجملة قبلها. لكن لا داعي للإعرابات المختلفة، ففي الأول والكفاية والسهولة. 2 وكما يصح هنا أن تكون "ما اسم" موصول، يصح أن تكون نكرة موصوفة بمعنى: "شيء" والجملة بعدها صفة لها في محل جر. والخبر محذوف. 3 سبق "في رقم 1 من هامش ص 396" عند الكلام على حذف العائد أنه واجب الحذف في "لا سيما" ولو لم تظلم الصلة. 4 مبني في هذه الصورة وليس معربا، لأنه غير مضاف ولا شبيه بالمضاف. واسم "لا" يكون معربا في هاتين الحالتين فقط. 5 لكلمة: "سي" أو لكلمة: "ما" على أنها نكرة تامة، وليست زائدة، وهو الأحسن. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا سيما كلمة: عصفور وكلمة: واحد، كالذي سبق في نظائرها تمامًا، يجري عليهما الإعراب السابق في كلمة: "أقلام رفعًا، نصبًا، وجرًّا. وإعراب المعرفة في حالتي الرفع والجر كإعراب النكرة فيهما. أما في حالة النصب فتعرب النكرة تمييزًا كما أوضحنا، وتعرب المعرفة مفعولًا به1. ففي مثل: أتمتع برؤية الأزهار ولا سيما الوردَ، يصح أن يكون الإعراب كما يلي: الواو للاستئناف. "لا" نافية للجنس. "سيّ" اسمها منصوب ومضاف. "ما" نكرة تامة بمعنى: شيء، وهي مضاف إليه. مبنية على السكون فى محل جر. وخبر لا محذوف تقديره: موجود مثلا -و"الورد" مفعول به لفعل محذوف تقديره: أخص: أو: أعني ... والفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا. ومثل هذا يقال في كلمة: الهرم، والقمر، في الأمثلة التي سلفت2 ونظائرها، وقد تقع الحال المفردة أو الجلمة بعد: "ولا سيما" نحو: أخاف الأسد، ولا سيما غاضبًا، أو: وهو غاضب ... وقد تقع الجملة الشرطية بعدها، وغير الشرطية، أيضًا؛ نحو: النمر غادر، ولا سيما إن أبصر عدوه2.

_ = والنكرة التامة لا تحتاج إلى صفة بعدها. لكونها بمعنى "شيء" أي شيء، وهذا يجعلها صالحة لأن يراد منها: رجل - عصفور - طائر- أسد ... وغير ذلك مما يناسب جملتها. على الوجه السابق في ص 3353. 1 وقيل -كما في المغني- منصوب على الاستثناء، لأن "لا سيما" بمعنى: "إلا" التي للاستثناء. 2 في ص405. 3 وقد يقع بعدها الظرف والجملة الفعلية مطلقًا، الشرطية، وغير الشرطية أيضًا- كما جاء صريحًا في "الصبان، والهمع" وجاء من غير تقييد في حاشية الجزء الأول من الأمير على المغني، عند الكلام على: "أي" الشرطية، والذي يعنينا من الأمثلة وأشباهها هو النص على جواز وقوع الحال المفردة والحال الجملة بعدها، وكذلك وقوع الجمل ومنها: جملة الشرط، أما الإعراب فأمر ثانوي عرضت له المطولات، وملخص ما قالوا في الحال، إن كلمة "سي" اسم: "لا" مبنية على الفتح في محل نصب، ولا تحتاج إلى خبر، "كشأنها في مثل: ألا ماء، أي: أتمنى ماء" و"ما" كافة "غاضبًا" حال من مفعول الفعل المقدر هنا، وهو: أخصه "لأن معنى "سيما" هنا: خصوصا" أي: أخصه بزيادة الغضب في هذه الحالة. ومثل هذا يقال في الحال الجملة. أما في الجملة الشرطية فجواب الشرط مدلول عليه بالفعل المقدر، أي: إن غضب أخصه بزيادة خوفي. "راجع الصبان ج2 في آخر باب المستثنى -كما قدمنا- ففيه التفصيل". وبقية المراجع التي أشرنا إليها في رقم2 من هامش ص402.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما أخوات: "ولا سيما"1 فقد نقل الرواة منها: "لا مِثْلَ مَا" و"لا سِوَى ما ... "، فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها، وفي أحكامها الإعرابية التي فصّلناها فيما سبق. ومنها: "لا تَرَمَا ... " و"لو تَرَمَا ... " وهما بمعناها، ولكنهما يخالفانها في الإعراب، وفي ضبط الاسم بعدهما، فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم الذى يليها. ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة وجر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف. والأحسن أن تكون: "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر، تقديره: أنت. والاسم بعدها مرفوع -وهذا هو الوارد سماعًا- على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجلمة صلة. وإنما كان الفعل مجزومًا بعد: "لا"؛ لأنها للنهي. والتقدير في مثل: "قام القوم لا تر ما عليّ" ... ، هو: لا تبصر" أيها المخاطب الشخص الذي هو عليّ فإنه في القيام أولى منهم. أو تكون: "لا" للنفي، وحذفت الياء من آخر الفعل سماعًا وشذوذًا، وكذلك بعد "لو" سماعًا. والتقدير: لو تبصر الذي هو عليّ لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا على"ولا سيما" لشيوعها قديمًا وحديثًا.

_ 1 ما يأتي مذكر بمناسبة أخبري في الجزء الثاني "هـ" من ص 336 م 83.

المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها1، وحرفية وهي خمسة2: "أنْ"، "مفتوحة الهمزة، ساكنة النون أصالة3". و"أَنّ" الناسخة "المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف" و"ما"، و"كي"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هي أو شيء منها، كما أوضحنا4. أما الفصل بين الموصول الحرفي، أو الاسميّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام4 عليه "وهو بحث هام". ولكن بين الموصول الاسمي والحرفي فروق، أهما ستة: الأول: أن الموصولات الاسمية -غير أي- لا بد أن تكون مبنية5 في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب -شأن كل الحروف- فلا تكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب. الثاني: أن صلة الموصول الاسمي لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفي فلا تشتمل عليه مطلقًا. الثالث: أنّ الموصول الحرفيّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة -كما سنبينه6 بعد. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية: "حروف السبك7" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.

_ "1 و 1" في ص340. 2 غير "همزة التسوية" التي يجيء بيانها في ص414. 3 أي: أنها ليست مخففة من "أن" المشددة الناسخة. "4 و4" في ص373 والبيان في ص 378 وهامشها. 5 أما: "أي" فتعرب في بعض أحوالها -كما سبق في ص 363 والموصول المثنى يعرب في الصحيح. 6 في "ب" من ص 414. 7 قد يتم السبك بغير حرف سابك طبقا لما سيجيء في: "أ" ص 414.

الرابع: أن بعض الموصولات الحرفية لا يوصل بفعل جامد1 -كما سيجيء- مثل: "لو"، وكذلك: "ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى: "خلا - عدا - وكذا: حاشا، في رأي" فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق، ... أي: مجاوزين2. الخامس: أن الموصول الاسمي -غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه3، أما الحرفيّ فلا يحذف منه إلا: "أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لما هو مبين عند الكلام عليها في النواصب4 -وهي في حالتي حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك في حالة وجودها5.... السادس: أن الموصول الحرفي "أنْ" يصح -في الرأي المشهور- وقوع صلته جملة طلبية6، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية. فإن صلتها لا بد أن تكون خبرية ... وفيما يلي شيء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة: مع ملاحظة ما يجب لكل منها من صلة، وما يجب أن يتحقق في كل صلة من شروط مفصلة سبقت7 وفي مقدمة الشروط ألا يتقدم شيء من الصلة وتوابعها على الموصول الحرفي، وغير الحرفي8. أ- أنْ "ساكنة النون أصالة" ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية،

_ 1كما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 412 وفي هـ من ص 413. 2 راجع الصبان عند الكلام عليها في باب الاستثناء. وسيجيء هنا في ج2 باب الاستثناء- م 83 وباب الحال م 84. 3 في رقم 3 من ص 392. 4 في باب: "إعراب الفعل من الجزء الرابع. 5 وقد يتعين تقديرها في بعض الأساليب السماعية، حيث لا مفر من التقدير، مثل: يعجبني يحضر الأخ. وهو تركيب له بعض نظائر نادرة مسموعة، لا يقاس عليها، لندرتها. فلو لم تقدر "أن" لوقعت جملة: "يحضر الأخر" فاعلا للفعل "يعجب" أو لكان الفاعل مقدرا بقول، أو غيره، وكلا الأمرين لا يرضاه جمهور النحاة. 6 كما سبق في ص 375. ويجيء في "أ" التالية ورقم 1 من الهامش الآتي. 7 في ص 373 و 378. 8 كما نص الصبان وغيره هناك....

فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ في وجه الأقوياء، وقول الشاعر: إنّ من أقبح المعايِب عارًا ... أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه أم أمرًا1، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك، وهي في كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما2، ويعرب على حسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع3،

_ 1 وفي هذه الحالة تكون جمملة الصلة قد وقعت طلبية. وهو جائز في: "أن" وحدها من الموصولات الحرفية. أما الموصولات الاسمية فيشترط في صلتها أن تكون خبرية. "كما سبق هنا وفي ص375" وعلى هذا ليس في الموصولات بنوعيها ما يجوز أن تكون صلته طلبية إلا: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون أصالة، كما تبين في الفرق السادس. 2 تجيء طريقة سبك المصدر المؤول، وفائدته، وكل ما يتصل به..... في "ب" و"ج" من صفحتي 414 و 417. 3 أما الماضي والأمر فلا تنصبهما لفظًا ولا محلًّا. بخلاف "إن" الشرطية: فإنها لما قلبت الماضي إلى الاستقبال ناسبها أن تعمل في محله. فكلمة: "أن" المتصلة بالماضي أو الأمر هي الناصبة للمضارع وإن كانت بقية النواصب لا تدخل إلا على المضارع. ووصل "أن" بالماضي، وعدم تغييرها زمنه أمر متفق عليه، أما وصلها بالأمر ففيه خلاف، فسيبويه يجوزه، بدليل دخول الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن رقم، أو: كتبت إليه بألا تقم "أصلها": "أن لا" ثم أدغمت "النون" في "لا" الناهية" وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم، فتؤول "أن" مع صلتها بمصدر طلبي، أي: بمصدر يفيد الأمر أو النهي ... فيكون التقدير: كتبت إليه بالأمر بالقيام، أو بالنهي عن القيام..... وغير سيبويه يقول إن كل موضع وقع فيه الطلب "سواء أكان أمرا أم غيره"، هو صالح لأن تكون "أن" فيه تفسيرية، بمعنى: أي" المفسرة. وذلك إذا لم يوجد حرف جر ظاهر قبل "أن"، كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِه ِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} وقوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} ، وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} فهي في كل هذه الأمثلة تفسيرية إن لم يقدر قبلها الجار، لانطباق وصف التفسيريقة عليها "ذلك الوصف الذي يتلخص في أمور ثلاثة مجتمعة، هي: وقوعها مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وخلوها من حرف جر، ووقوع جملة بعدها" ولا حاجة إلى تقدير حرف الجر عند عدم وجوده ظاهرها في الكلام: إذ ما الداعي لتقديره، واعتبارها مصدرية لا مفسرة؟ أما إن وجد قبلها حرف جر ظاهر فهي زائدة عند أصحاب الرأي السالف، ففي مثل: كتبت إليه بأن قم أو بألا تقم ... "أصلها: أن لا تقم.... " يكون أصل الكلام كتبت إليه "بقم" أو بلا "تقم"، زيدت "أن" منعًا لصورة ظاهرية شكلية مكروهة وهي: دخول حرف الجر ظاهرًا على الفعل. وإن كان في الواقع اسمًا بسبب قصد لفظه.... اهـ. "نقلًا عن الخضري ج1 أول باب الموصول، بتصرف يسير". والخلاف بين الرأيين شكلي لا أثر له في تكوين المفرد، أو الجملة، أو ضبط حروفهما، فكلا الرأيين يبيح هذا الاستعمال، ويرضي عن الأسلوب، ويعده فصيحًا، وهذا هو الأهم. فلا مانع يمنع بعد ذلك من الأخذ بأحد الرأيين عند الإعراب، إذ لا ترجيح بينهما.

وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل1 ... ولا تغير زمن الماضي ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضي وإما للمستقبل الخالص2 ... وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية3 مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثاني "الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون"4 ... ب- "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّني أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها: "أنْ" المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون -في الأفصح- إلا ضميرًا محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ عليٌّ لمسافر5؛ "ومنه المثالان السالفان في الكلام على "أنْ"". ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر في النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك4 ... وقد سدّ مسَد المفعولين إنْ وجد في الجملة ما يحتاج لهما. ج- "كَيْ"6. وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية "وتنصب المضارع

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص 572. 2 كما سيجيء البيان في جـ 3 باب "إعمال المصدر" ص 206 م 99. 3 تكون هي الصلة وتسبك معه بمصدر. "4و 4" ملاحظة يقول النحاة: لم يرد في الكلام الفصيح وقوع "أن" المصدرية بنوعيها "المخففة والناصبة للمضارعب" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده. ولا بعد "كان" و "إن" الناسختين بغير فاصل من خبرهما. ولا بعد "لا" النافية للجنس غير المكررة. وهذا الحكم ينطبق على "ما" المصدريسة وصلتها أيضا. وسيجيء البيان في جـ 3 باب إعمال المصدر م 99 ص 207. 5 الأصل أيقنت أنه على المسافر. وهذا الضمير "الشأن" أو ضمير "القصة" الذي سبق الكلام عليه تفصيلا في الضمائر، ص 3350. و"أن" المخففة لها مواضع وأحكام مكان الكلام عليها في هذا الجزء باب: "إن وأخواتها" ومن أشهر مواضعها أن تقع بعد ما يدل على اليقين.... أو يقع بعدها فعل جامد ... أو فعل للدعاء ... أو.... "انظر ص 676". 6 وهي مثل: "أن" المصدرية عملا ومعنى، ولكن لا بد أن يسبقها لام الجر لفظا وتقديرا "إذ لا يجوز حذف حرف لام الجر قبلها، فتكون مقدرة" لكي تعتبرها في الحالتين مصدرية خالصة. وسيجيء تفصيل الكلام على "كي" وأنواعها وأحكامها في جـ 4 ص 227 م 148.

نحو: أحسنت العمل لكي أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا ... د- "ما"، وتكون مصدرية1 ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أي: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أي: مدة إنصافك. وقول الشاعر: المرء ما عاش ممدود له أملٌ ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر2 أي: مدة عيشه3.... ومصدرية غير ظرفية4، مثل::فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل ... ودهشت مما ترك

_ 1 وهي المصدرية الزمانية، لأن الزمان يقدر قبلها، فيذكر قبلها كلمة: "زمان" أو مدة ... أو وقت ... أو نحو ذلك من كل ما يفيد معنى الزمن. ويرى فريق من النحاة أن الأفضل تسميتها بالمصدرية الزمانية، بدلا من تسميتها المشهورة "المصدرية الظرفية". وحجته: أن التسمية الأولى وحدها هي التي تشمل نحو قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه} إذ التقدير: ي كل وقت أضاءته لهم ... فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - لهم.... فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - وهو المصدر المؤول اكتسب المضاف، "وهو كلمة: "كل" الظرفية الزمانية. وكلمة: "كل" منصوبة بجوابها: "مشوا" وسيجيء في باب "كان" ص 563 إيضاح أكمل، يتناول "ما" المصدرية الظرفية، بمناسبة الكلام هناك على: "ما دام". 2 أي: لا تنتهى العين من التطلع إلى الأشياء التي تدعو للأمل إلا بانتهاء كل أثر للإنسان، وهذا يكون بانتهاء أجعله. 3 ومثل هذا ما قيل في الرثاء: أبكي لفقدك ما ناحت مطوقة ... وما سما فمنن يوما على ساق 4 علامتها أن يصلح في مكانها "أن" المصدرية. لكنها لا تنصب المضارع كما تنصبه "أن" و"أن" المصدرية الداخلة على الماضي لا تغير زمنه، بل تتركه على حاله، وتخلص زمن المضارع المستقبل. ولا تدل على الحال مطلقا. بخلاف "ما" المصدرية بنوعيها فتصلح للأزمنة الثلاثة على حسب المعنى والقرينة، ولكن الأكثر أن تكون للحال.... "راجع" ص 410 والملاحظة التي في رقم 4 من هامشها، والبيان الذي في رقم 5 من هامش ص 419". وقد يختلط الأمر -على غير الفطن- بين "ما" التي هي اسم موصول والتي هي حرف موصول، مع أن المعنى يختلف باختلاف نوعهما، ففي مثل: أعجبني ما صنعت! وسرني ما لبست: يجوز أن تكون "ما" اسم موصول فيهما، والعائد محذوف تقديره: ما صنعته، وما لبسته، كما يجوز أن تكون "ما" حرف موصول، ولا شيء محذوف، والتقدير، أعجبني صنعك، وسرني لبسك، وهذا صحيح في المثالين السابقين وأشباههما، عند فقد القرينة التي تعين فإن وجدت قرينة توجه إلى أحدهما دون الآخر وجب الأخذ بتوجيهها، كأن يكون المصنوع والملبوس أمرا معينًا معروفًا، والحديث متجه إلى ذاته ومادته، فتكون "ما" اسم موصول. أما إن كان المراد التحدث عن المعنى المجرد، أي: الحدث، وهو الصنع نفسه، أو اللبس، فإن "ما" حرف موصول. وهناك حالة يتعين فيها أن تكون "ما" حرف موصول، هي: أن يكون الفعل بعدها لازمًا، أو يكون متعديًا قد استوفى مفعوله، مثل: "وضاقت عليهم الأرض بما رحبت" و"يسر المرء ما ذهب الليالي....." لأن الفعل بعدها لازم، فلو كانت اسم موصول لم نجد عائدًا، ولا يصح تقدير ضمير ومثله، أعجبني ما قمت، للسبب السابق أيضًا. ومثل سرني ما قرأت الصحف- وما كتبت الرسل، فالفعل فيهما متعد قد استوفي مفعولة، ولا يصح فيه تقدير ضمير مفعول آخر. "وسيجيء في باب: "كان" ص 563، كلام عن "ما" المصدرية الظرفية بمناسبة البحث في: ما دام كما أشرنا في رقم1 من هامش الصفحة السابقة".

العمل"، أي: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ، وقول شاعرهم: وإني إذا ما زرتها قلت: "يا اسلمي" ... وهل كان قولي: "يا اسلمي" ما يضيرها؟ وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس في الحديقة ما لم تجلس فيها، أي: مدة عدم جلوسك فيها. وإني أبتهج بما تكرم الإخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر: والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ ... غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدروولم يَسرِ أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضيني نفع العمل. ولكن الأكثر في المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التي ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أي: لا أصيح مدة نومك.

_ 1 أي: وعده. وهذا مثل قديم يقال بهذه الصيغة الخبرية لمدح من وعد فأنجز. كما يقال لمن وعد لم ينجز، بقصد تحريضه وحثه على الإنجاز. 2 أي: ما يضرها. وتقدير المصدر المؤول في البيات: "ضميرها -وما" الأولى زائدة. 3 إذا وقعت صلة: "ما" المصدرية الظرفية جملة ماضوية فعلها: "دام" الناسخ وجب أن تكون هي وصلتها معمولة لفعل مضارع قبلها -كما سيجيء البيان عند الكلام عليها في ص 565. 4 بشرط أن يكون لفعل الماضي والمضارع متصرفين ولو تصرفًا ناقصًا، كما في الفعل: "دام" عند من يقول بأن له مضارعًا ومصدرًا ناسخين مثله، وهو قول مرجوح يحسن إهماله، لضعفه كما سيجيء عند الكلام على شروط عمله في موضعه الأصيل، وهو باب "كان" وإذا ارتضينا الرأي القائل بعدم تصرفه مطلقًا وجب عده من الأفعال القليلة الجامدة التي تلزم المضي وتدخل عليها "ما المصدرية غير الظرفية" و"ما المصدرية الظرفية" فإنهما قد يوصلان بالفعل الجامد ومنه: "خلا، عدا، ومثلهما: "حاشا" في رأي. والثلاثة من أفعال الاستثناء -كما سبق في ص408"، أما وصلهما بالأمر فممتنع. 5 بشرط ألا تكون مبدوءة بحرف مصدري آخر لأن الحرف المصدري لا يدخل على نظيره لغير توكيد لفظي -كما سيجيء في رقم4 من هامش الصفحة التالية، وفي رقم5 من هامش ص643، أما مثل: لا أخون الأمانة ما أنا في السماء نجمًا، فإن المصدر المؤول من أن ومعموليها في محل رفع فاعل لفعل محذوف، تقديره، ثبت. أي: ما ثبت وجود نجم في السماء، والفعل والفعل صلة: "ما". والتقدير: مدة ثبوت نجم في السماء. وقد يجوز -في رأي- أن يكون "أن" وصلتها في محل مصدر مؤول مبتدأ، خبره محذوف، تقديره، ثابت. والمبتدأ والخبر صلة ما.

ومن الحرف المصدري "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذي يُستغنَى به عنهما. ويصح الفصل -مع قلته- بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه1 دون غيرها من الموصولات الحرفية. "مع ملاحظة أنها كغيرها من سائر الموصولات الحرفية وغير الحرفية لا يجوز تقديم صلتها ولا شيء من الصلة عليها2. هـ- "لو"3، وتوصل بالجملة الماضوية، نحوودِدْتُ لورأيتك معي في النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك في عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضي أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.

_ 1 وفي الفصل بالمفعول به خلاف، تقدم في رقم2 من هامش ص379. 2 طبقا لما تقدم في ص373 والبيان الذي في ص378. 3 الأكثر في "لو" المصدرية أن تقع بعد "ود" و"يود" وما بمعناهما، كأحب، ورغب واختار، ولا تحتاج لجواب، وتخلص زمن المضارع بعدها للمستقبل المحض ولكنها لا تنصبه -كما سيجيء في ص419 وفي بابها الخاص بالجزء الرابع. 4 وقد توصل بالجملة الاسمية، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} ولكن وصلها بالجملة الاسمية -على جوازه- قليل بالنسبة لوصلها بالماضي والمضارع المنصرفين..... وقد توالي في الآية السابقة، وأشباهها حرفان مصدريان وهما لا يتواليان إلا لتوكيد لفظي، "كما سبق في رقم5 من الهامش السالف" وهو غير متحقق هنا، ولذا يعرب المصدر المؤول من "أن ومعمولها" فاعلا لفعل محذوف تقديره: "ثبت" مثلا، كما يعرب المصدر المؤول من: "لو" والفعل: "ثبت" وفاعله، مفعولا للفعل: "يود" قبله. ويجوزغير هذا مما مجال الكلام عليه باب: "لو" ج4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من حروف السَّبك -عند فريق كبير من النحاة- "همزة التسوية" وهي التي تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلي الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة: "أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التي بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلًا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ -بمعنى: متساو، إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر: "إن" "والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التي هي بمعنى اسم الفاعل: "متساوٍ"1. وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه في المثل العربي: "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسمع" في أحدى الروايات؛ فقالوا في سبكه: سماعك بالمعيدى ... من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون في كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذي في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} ، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال"، من غير وجود حرفَ سابك2 ... ومما يشبه هذا في تأويل المصدر بغير حرف سابك، نوع من "الاستثناء المفرغ" كثير الورود في أفصح الأساليب، نحو: ناشدتك الله إلا نصرت المظلوم3.... ب- كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدري مع صلته؟ للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدري هو: "أنْ"، أو: "أنّ"، كما في الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجري عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلي البيان:

_ 1 في الآية إعرابات أخرى وتفصيلات عرضنا لها في باب العطف- ج3 ص 569 م 118 - الكلام على "أم" العاطفة. 2 راجع الصبان ج2 أول باب: "الاستثناء" وسيجيء البيان في ج3 باب العطف عند الكلام على: "أم" ص568 م118 - ولها إشارة في ج3 - ص28م، 93، 83م، 94. 3 والتأويل: ناشدتك الله إلا نصرك المظلوم، ولهذا النوع من "الاستثناء المفرغ" ومن تأويل المصدر معه بغير سابك، بيان تام جلي، موضعه "باب: الاستثناء" - ج2 م81 ص3302 من الطبعة الثالثة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جدول يسحب اسكانر وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أوفاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدري هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو: "كي"، أو "ما". وقد يقتضي الأمر في بعض الأمثلة عملًا زائدًا على ما سبق؛ ففي مثل: سرني أن تَسْبقَ ... تنتهي الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرني "سبقُ أَنت" فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح -كما قدمنا- ولما كان هذا الفاعل "الذي صار مضافًا إليه" ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا، وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرني سبقُك ... وهكذا ... يجري التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذي في قول الشاعر: ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى ... عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ حيث يكون المصدر المؤول المضاف: "رؤية هو"، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته ... مسألة أخرى؛ قلنا1 في تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتي بمصدر صريح لخبر الناسخ "أنَّ" أو بمصدر الفعل الذي دخلت عليه "أنْ" ... فإن كان خبر الحرف المصدري: "أنْ" اسمًا جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت، فإننا نأتي في الجامد بلفظ مصدر عام هو: "الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التي تفيد النفي، إن كان الكلام منفيًّا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقي الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتي بالاستقرار أو الوجود في الظرف والجار مع المجرور؛ أي: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو في الدار. ويصح في الجامد شيء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى2 ... ".

_ 1 في ص415. 2 المصدر الصناعي بحث مستقل في الجزء الثالث -ص 182 م 98.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الفعل الذي في الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" في قولنا: "شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول" ففي هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى" "ومعناها الرجاء" أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب. وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد، للنفي مثل قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} أتينا بما يفيد النفي؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه. وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُثبتًا أو منفيًّا، على حسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفي أو إثبات. ج- لما نلجأ في الاستعمال إلى الحرف المصدري وصلته، ثم نؤولهما بمصدر، ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول، مثلا: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟ إن الداعي للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى: 1- الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلوقلنا -أول الأمر- الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ لأن المصدر الصريح لا يدل بنفسه على زمن1. 2- الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشيء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبني أن أكلتَ، أي مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها ... ولو قلنا: أعجبني أكلك ... لكان محتملًا لبعض تلك الأشياء والحالات. 3- الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر

_ 1 كما سيجيء في "د" ص 419.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب. 4- الحرف على إظهار الفعل مبنيًّا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثي المبني للمجهول؛ ففي مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك في حالات أخرى من التعجب يجيء بيانها فى بابه1، ج3. ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح: 1- أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. في حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا. 2- لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبني أن تمشيَ الهادئ، تريد: يعجبني مشيك الهادئ. مع أن الصريح يوصف. 3- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر في مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة2، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح. 4- قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال في: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين -أرى: المشدّدة والمخففة- مثل قول الشاعر: فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكي ... وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى3 عند واسع 5- يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل في نحو: عليّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.

_ 1 في الجزء الثالث. 2 في رأي فريق كبير من النحاة، دون فريق - كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص 621- ورأيه أنسب. 3 المنتأى: النأي والبعد، أو مكانهما. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان ويعتذر له عن وشاية وصلته، ويصفه هنا بأنه واسع السلطان والنفوذ، لا يستطيع أحد أن يخرج من دائرة نفوذه، أو يفر من سطوته، كالليل لا يفر منه أحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- هناك مواقع إعرابية يصلح لها المصدر الصريح دون المؤول، وهي المدونة في رقم4 من هامش ص 410 بعنوان: "ملاحظة". د- من المعلوم1 أن المصدر الصريح "مثل، أكْل، شُرْب، قيام، قعود" لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدري وصلته؛ فإنه -وقد صار مصدرًا- لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التي سبك منها؛ فكأنه يحمل في طيه الزمن الذي كان في تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًا من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففي نحو: شاع أنْ نهض العرب في كل مكان، نقول: "شاع نهوض العرب في كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذي في الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما في مثل: "الشائع أن ينهض العرب في كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلًا؛ مراعاة للزمن الذي في العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذي دخل في السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضي بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلًا؟ ولا يكون للحال؛ لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال2. ومثلها: "لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه -كما تقدم عند الكلام عليها3- وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال، غالباً، وقد تكون لغيره5.

_ 1 كما سبق في رقم1 ص417. 2 وقد سبق أن النواصب والجوازم والسين وسوف.... تخلص المضارع للاستقبال "راجع ص 59، 60 وما بعدهما". 3 في رقم3 من هامش ص413. 4 في ص58 وفي رقم4 من هامش ص411. 5 جاء في شرح المفصل ج8 ص144 ما يقطع بأن زمن المصدر المنسبك من "أن" وصلتها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما "كي" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه، وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها، فيلاحظ الاستقبال في المصدر المؤول منها ومن صلتها. وأمام "أنّ" "المشددة النون" فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، في مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهي كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ في مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهي كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية في مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.

_ = الجملة الفعلية يكون إما ماضيًا، وإما مستقبلًا على حسب نوع الذي في صلتها. أما زمن المصدر المنسبك من "ما" وصلتها فمعناه الحال. فهل يكون للحال دائمًا ولو كان الفعل ماضيًا؟ الأمر غامض. والرأي أنه للحال ما لم تقم قرينة على غيره، فيراعي ما تدل عليه القرينة وهذا يوافق ما جاء في الجزء الثاني من حاشية الصبان والخضري، أول باب: إعمال المصدر" ففي الخضري ما نصه: "مقتضى كلام الشارح أن "ما" لا تقدر معغ الماضي ولا المستقبل، وليس كذلك. بل هي صالحة للأزمنة الثلاثة، إلا أن يقال إنما خصوها. بذكر الحال، لتعذره مع "أن" ولأن دلالة: "أن" مع الماضي على المضي ومع المضارع على المستقبل أشد من دلالة: "ما" عليهما". وفي حاشية الصبان ما لا يخرج في مضمونه عما سبق.

المسألة الثلاثون: المعرف بأل

المسألة الثلاثون: المعرف بأل 1 1- زارني صديق - زارني صديق؛ فأكرمت الصديق. 2- اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب. 3- تنزهت في زورق - تنزهت في زورق؛ فتهادى الزوْرق بي. كلمة: "صديق" في المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين2 معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهي نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا -هوالذى سبق ذكره- قد زارني دون غيره من باقي الأصدقاء. ومثلها كلمة: "كتاب" في المثال الثاني، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهي نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين -كما عرفنا- لكن حين أدَخلنا عليها: "أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا -هوالذي سبق ذكره- قد اشتريته. ومثل هذا يقال في كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه. فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت في أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول: "أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التي من الطراز السابق أداة من أدوات

_ 1 إذا كانت "أل" مستقلة بنفسها كما في هذا العنوان الذي لم تتصل فيه باسم بعدها - كانت همزتها همزة قطع، يجب إظهارها نطقا وكتابة، لأن كلمة "أل" في هذه الحالة تكون علما على هذا اللفظ المعين. وهمزة العلم قطع - في الرأي الأنسب - ولو كان العلم منقولا من لفظ آخر، بشرط أن تصبر جزءا ملازما له مثل: الرجل مسافر، علم على إنسان- كما نصوا على هذا في باب النداء، "وكما سبق في باب العلم - رقم 1 من هامش ص 304، والبيان في رقم ص 306". 2 في ص 206.

التعريف؛ إذا دخلت على النكرة التي تقبل التعريف1جعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها. وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء في كلمة "أل" التي هي حرف للتعريف؛ أهي كلها التي تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها ... ؟ فإن هذا الترديد لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأي القائل بأنهاما معًا2. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام3 منها:

_ 1 هناك نكرات لا تتعرف -في الأغلب، بل تبقى على تنكيرها، ومنها: كلمة: "غير"، و"مثل" وأشباهها، مما يسمى: "نكرات متوغلة في الإبهام" "انظر رقم5 من هامش الجدول الذي في ص85". ويجيء الكلام عليها مفصلًا في باب: "الإضافة"، أول الجزء الثالث. 2 دفعنا إلى هذه الإشارة الموجزة والاكتفاء بها، ما نجده في بعض المراجع المطولة، ومنها المراجع اللغوية التي لا غنى لجمهرة المثقفين عنها، أنها تقول: "اللام بدلًا من: "أل" فلا يدري غير الخبير ما تريده من "اللام" فالقاموس مثلًا يقول في مادة. "الجرول" ما نصه: "والجرول كجعفر، الأرض ذات الحجارة، و ... و.... و ... وبلا "لام" لقب الحطيئة العبسي". فأي لام يقصد؟ أهي الأولى أم الأخيرة؟ إنه يقصد الأولى التي للتعريف والتي قبلها همزة الوصل، ولا يدرك هذا إلا اللغوي.... ومن أراد معرفة تلك الآراء مفصلة فليرجع إلى مظانها، في مثل: "حاشية الصبان، والتصريح" وغيرهما، وهي آراء جدوي وراءها اليوم، كما قلنا. وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: "أل" حرف تعريف، أو: "اللام فقط ... فنمط عرفت، قل فيه: النمط يريد: أن "أل" للتعريف إذا كانت مركبة من الهمزة واللام معًا، أو: أن التعريف يكون باللام وحدها، والهمزة للوصل. فإذا أردت تعريف كلمة: "نمط" التي هي نكرة فقل فيها: النمط، بإدخال أل عليها، والنمط: بساط كالنوع الذي يسميه العامة: "الكليم" وكذلك الجماعة من الناس تتشابه في الأمر..، أما كلمة "فقط" فقد قال الخضري، في هذا الموضع ما نصه: "الفاء: زائدة لتزيين اللفظ، و "قط" بمعنى حسب. وهي حال من اللام في بيت ابن مالك أي: حال كونها حسبك:أي: كافيتك عن طلب غيرها وقيل "الفاء" في جواب شرط مقدر، و"قط" خبر لمحذوف فالتقدير: إن عرفت هذا فقط أي: فهي حسبك، أو اسم فعل بمعنى: "انته" أي: إذا عرفت لك فهي حسبك، أو: فانته على طلب غيرها" اهـ. فهي مبنية على السكون في محل نصب، حال، أو: في محل رفع، خبر، أو: لا محل لها لأنها اسم فعل والفاء في كل الحالات زائدة. وجاء في ص21 من حاشية الألوسي على القطر، ما نصه: "فقط، أي: "فحسب" ولم تسمع منهم إلا مقرونة بالفاء، وهي زائدة، وكذا، فحسب ... وفي المطول: أن "قط" من أسماء الأفعال بمعنى: انته. وكثيرًا ما تصدر بالفاء تزيينًا للفظ، وكأن جزاء شرط محذوف. وفي كتاب: المسائل" لابن السيد: وإنما صلحت الفاء في هذه لأن معنى: أخذت درهمًا فقط، أخذت درهمًا فاكتفيت به ا. هـ. ومنه يعلم أنها عاطفة، ومن المطول أنها فاء فصيحة، ولكل وجهة" اهـ. أما: "حسب" فتفصيل الكلام عليها في الجزء الثالث، باب الإضافة ص 147 م 95 حيث البيان الكامل لأحكامها. 3 إذا ذكرت "أل" في الكلام مطلقة "أي: لم يذكر معها ما يدل على نوعها" كان المراد منها: أل المعرفة" لأنها المقصودة عند الإطلاق. أما إذا أريد غيرها فلا بد من التقييد، وترك الإطلاق، فيقال: "أل" الموصولة" مثلًا -وقد سبق الكلام عليها في ص356 وعلى إعرابها في رقم2 من هامش ص357 أو: الزائدة....

الموصولة وهي اسم -في الرأي الأرجح- وقد سبق الكلام عليها في الموصولات1. منها المعَرّفة، ومنها الزائدة2. وفيما يلي بيان هذين القسمين. أ- "ألْ" المُعَرّفة؛ "أي: التي تفيد التعريف". وهي نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية "أي: التي للعهد" ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف3. فأما"العهدية"4 فهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتي: 1- أن النكرة تذكر في الكلام مرتين بلفظ واحد5، تكون في الأول مجردة من "أل" العهدية، وفي الثانية مقرونة "بأل" العهدية التي تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره في فرد واحد هو الذي تدل عليه النكرة الأولى6.

_ 1 في ص 356. 2 ستجيء في ص429. 3 ويجب إدغامه في التاء إذا وقعت بعده، طبقًا للبيان الذي سبق في رقم3 من هامش ص387. 4 من هذا النوع "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" فإنها لا تكون إلا للعهد- كما سيجيء البيان في بابه، ج3 مم 112 ص 398 عند الكلام على القسم الذي به "أل". وكما سبقت الإشارة في رقم22 من ص356. 5 قد يكون اللفظ السابق مذكورًا صراحة كالأمثلة المعروضة، وقد يكون كناية، نحو قوله تعالى في سورة مريم: "وليس الذكر كالأنثى". فالذكر تقدم قبل ذلك مكنيًّا عنه بقول مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} ، أي: منقطعًا لخدمة بيت المقدس، على حسب ما كان شائعًا في زمنها. وهذا النذر خاص بالذكور عندهم إذ ذاك. 6 فإن النكرة الثانية بمنزلة الضمير، والأولى مرجع الضمير، و"أل" هي الرابطة بينهما الدالة على اتصال الثانية بالأولى اتصالًا معنويًّا. ويدل على أن الثانية بمنزلة الضمير والأولى بمنزلة مرجعه أنك في مثل: نزل مطر فأنعش المطر زروعنا- قد تستغني عن: أل" وعن كلمة: "مطر" الثانية، اكتفاء بالضمير المستتر في الفعل، الذي قد يغني عنهما، حيث تقول: نزل مطر فأنعش زروعنا. لهذا يقال النحاة: إن فائدة: "أل العهدية" التنبيه على أن مدلول ما دخلت هو مدلول النكرة السابقة، المماثلة لها في لفظها، الخالية من "أل" فلو قلنا: نزل مطر فأنعش مطر زروعنا، بتنكير كلمة، "مطر" في الحالتين لوقع في الوهم أن المراد من كلمة: "مطر" الثانية، مطر آخر غير الأول، مع أن المراد منهما واحد. ولذلك لا ينعت الاسم المعرف بأل العهدية؛ لأنه يشبه الضمير، وواقع مع "أل" موقعه كما سبق. وما قيل في كلمتي "مطر" يقال في كلمتي: "سيارة" وكلمتي، "رسول" ونظائرها....- راجع شرح التوضيح في هذا الموضع. ولما كانت الثانية بمنزلة الضمير، والأولى بمنزلة مرجعه ساغ اعتبار الثانية معرفة، مع أن الأولى نكرة: كالشأن في مثل: جاء ضيف فأكرمه الوالد. فكلمة: "ضيف" نكرة، لا تدل على واحد معين، أما الضمير: "الهاء" فمعرفة تدل على معين، مرجعه النكرة، برغم أن معنى الضمير هو معنى مرجعه تمامًا، ولم يمنع لك أن يكون الضمير معرفة، ومرجعه نكرة، وذلك أن الضمير قد أوصلنا إلى شيء واحد مع أن هذا الشيء الواحد ينطبق على أفراد كثيرة، ومثل هذا يقال فيما دخلت عليه "أل" العهدية التي نحن بصددها، فإن الاسم الأول نكرة، فهي لا تدل على معين، أما الاسم الثاني الذي دخلت عليه فمعرفة؛ لأن معناها مراد به الاسم الأول، ومحصور فيه، برغم أنه نكرة تدل على أفراد متعددة. ويتصل بهذا ما يجيء في رقم3 من هامش ص433.

كالأمثلة التي تقدمت1، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . فكل كلمة من الثلاث: "مطر -سيارة- رسول" وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًّا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذي جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أي: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها في الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين2؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى: "بالعهد الذِّكْري". 2- وقد يكون السبب في تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره في فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق في زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة في عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة في الكلام الحالي. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شيء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا: "أل"؛ فإنها هي التي توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهني" أو: "العهد العِلمي". 3- وقد يكون السبب في تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه في وقت الكلام، بأن يتبدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: "اليوم

_ 1 في صدر الباب ص421. 2 لهذا إيضاح في رقم6 من هامش الصفحة السابقة، ثم في رقم3 من هامش ص433.

يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة" ... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري"1. فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو: "أل" العهدية"2. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر3. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة. وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد4. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره ... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس5،

_ 1 وأكثر ما تقع "أل" التي للعهد الحضوري في صدر الكلمات التي بعد أسماء الإشارة نحو: جاءني هذا الرجل أو بعد "أي" في النداء، نحو: يأيها الرجل. وقد تقع في غيرهما كالأمثلة التي عرضناها من قبل. 2 أي: التي لتعريف صاحب العهد، وهو: الشيء المعهود، سواء أكان واحدًا أم أكثر، ففي التركيب كلمتان محذوفتان. بقي شيء يتعلق بإفادتها التعريف وهو في رقم3 من هامش ص433. 3 لأن علم الشخص معرفة بصيغته، لا برمز آخر، ولا بشيء آخر عن مادته. بخلاف النكرة التي جاءها التعريف من "أل" فإن "أل" أجنبية منها، وخارجة عن صيغتها. 4 يقول النحاة: إذا دخلت "أل" على اسم مفرد أو غير مفرد، وكان هناك معهود مما شرحناه فهي العهد. وإن لم يكن هناك معهود فهي للجنس. "انظر رقم3 من هامش ص428". 5 إيضاح ذلك أن كلمة: "نجم"، مثلًا تدل على معنى شائع مبهم، يصدق وينطبق على كل جرم سماوي مضيء، من غير حصر النجم في واحد معين، فهو يصدق على هذا، وذاك، وعلى آلاف غيرهما وهذا معنى النكرة واسم الجنس "كما سبق إيضاحه بإسهاب في ص23 وهامش ص206، 288"، فهي تدل على واحد غير معين ولا محدد؛ لأنه واحد شائع بين أمثاله، لا يمكن تخصيصه بالتعيين، من بين أفراد جنسه. "أي: أفرد صنفه ونظائره" فإذا أدخلنا "أل" على كلمة: "نجم" وهو فرد من أفراد جنسه كانت لتعريف الجنس كله، لا لتعريف ذلك الفرد الواحد؛ لأن تعريف الفرد الواحد يقتضي أن ترى النجوم كلها واحدًا واحدًا، وترى إضاءة كل واحد بذاته، ثم تقول بعدها: النجم مضيء بذاته، ولما كانت تلك الرؤية الشاملة المحيطة بكل النجوم أمرًا مستحيلًا لا يقدر عليه مخلوق -كان دخول "أل" على كلمة: "نجم" وقولنا: "النجم" معناه أن كل واحد من هذا الجنس الذي عرفناه بعقولنا دون أن تحيط بكل أفراده الحواس- مضيئًا بذاته، فكأنها تعرف الجنس ممثلًا في فرد واحد من أفراده، يغني تعريفه عن تعريفها، وينوب عنها في ذلك. أو كأنما تعرف فردًا يدل على الجنس كله ويرمز إليه. وهكذا يقال في باقي الأمثلة- راجع رقم 3 من هامش ص 428.

لا تدل على واحد معين" وليس في الكلام ما يدل على العهد. ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل" "الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف. 1- فمنها التي تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة1، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حي، الإنسان مفكر، المعدن نافع ... فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حي، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع ... يحذف "أل" في الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقي المعنى2 على حالته الأولى. وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجري عليه أحكام المعرفة3، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" في قول الشاعر: إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه ... مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ4 2- ومنها التي تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعليّ هو الفتى شجاعة. تريد: أنت

_ 1 وعلامتها: أن يصح الاستثناء مما دخلت عليه؛ لأن المستثنى لا بد أن يكون أقل أفرادًا من المستثنى منه، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ومن العلامات أيضًا: أن يصح نعته بالجمع، نحو قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ، ونحو قولهم: أهلك الناس الدينار الحمر، والدرهم البيض، لكأنه قال:الدنانير، والدراهم. 2 وهذا تسمى: "أل الاستغراقية"؛ لأنها تدل على أن المعنى يستغرق جميع أفراد الجنس أي: يحيط بأفراده إحاطة شاملة حقيقية. ومثلها "أل" في النوع الثاني، الدالة على أن الجنس يستغرق صفة من الصفات على سبيل المجاز والمبالغة. 3 فيكون مبتدأ، ويكون نعتًا للمعرفة، ويكون صاحب حال. وغير ذلك مما يغلب عليه أن يكون معرفة لا نكرة.... 4 صعر خده: أماله وحوله عن ناحية الناس، كي لا يراهم، ترفعًا منه، وكبرًا.

كل الرجال من ناحية العلم، أي: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة "صفة العلم" إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك علي؛ بمنزلة الفتيان كلهم في الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء1. وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى. 3- ومنها التي لا تفيد نوعًا من نوعي الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة في الذهن. ومادته التي تكوّن منها في العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد "أي: مادته وطبيعته" أصلب من حقيقة الذهب "أي: من مادته وعنصره" من غير نظر لشيء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هي أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد في حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما -كما سبق- إذ إنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها في الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز -لا من حيث أفراده- أقوى من حقيقة المرأة وجنسها من حيث هي كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء؛ لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال في: الذهب أنفس من النحاس، وفي: الصوف أغلى من القطن، وفي: الفحم أشد نارًا من الخشب ... وفي الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات.

_ 1ولذا يصح إحلال كلمة: "كل" محل "أل" على سبيل المجاز والمبالغة -كما سبق في رقم2 من ص426 "والحصر" هو الذي يفيد أنهم جميعًا لم يبلغوا درجته في الصفة.

تقول: الماء سائل: أي: أن عنصره وطبيعته من حيث هي مادة تجعله في عِداد السوائل، من غير نظر في ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شيء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أي: مادته الأصلية التي قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أي: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهي حقيقته الذاتية، وماهيته التي عرف بها من حيث هي. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أي: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك ... وهكذا. وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التي للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله في درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى. فمعاني "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء3 والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.

_ 1 وعلامتها: ألا يصلح وضع كلمة: "كل" بدلها، لا حقيقة ولا مجازًا؛ لأن المقصود من الحقيقة ليس الدلالة على الأفراد، قليلة كانت الأفراد أم كثيرة، وإنما المقصود شيء آخر هو ما ذكرناه. 2 قد سبق الكلام على علم الجنس ودرجته "في ص290، 296 وما بعدها". 3 راجع رقم5 من هامش ص425. وقد جاء في "كليات أبي البقاء"، ص 66 عند الكلام على "أل" ما نصه: "إذا دخلت "أل" في اسم -فردًا كان أو جمعًا- وكان ثمة معهود، فإنها تصرف إليه. وإن لم يكن ثمة معهود فإنها تحمل على الاستغراق عند المتقدمين "يريد: أنها تشمل جميع أفراد الجنس فردًا فردًا، أو تشمل صفة شاملة من صفاته -كما شرحنا" وعلى الجنس عند المتأخرين "يريد أنها تدل على صنف من الجنس يكون كافيا للدلالة على الجنس، ونموذجًا يعني عن رؤية الباقي، فكأنه نموذج، عينة، للجنس" إلا أن المقام عندهم إذا كان خطابيًّا يحمل على كل الجنس، وهو: "الاستغراق" وإذا كان استدلاليًّا، أو لم يمكن حمله على الاستغراق، فإنه يحمل على أدنى الجنس "يريد على فرد واحد فقط، حتى يبطل الجمعية، ويصير مجازًا عن الجنس كله. فلو لم نصرفه إلى الجنس وأبقيناه على الجمعية يلزم إلغاء حرف التعريف من كل وجهه، إذ لا يمكن حمله على بعض أفراد الجمع، لعدم الأولوية، إذ التقدير أنه لا عهد، فيتعين أن يكون للجنس، فحينئذ لا يمكن القول بتعريف الجنس مع بقاء الجمعية؛ لأن الجمع وضع لأفراد الماهية، لا للماهية من حيث هي، فيحمل على الجنس من طريق المجاز". وجاء في شرح المفصل - ج9 ص19، عند الكلام على: "أل" وأقسامها- ما نصه: "فأما تعريف الجنس فأنا تدخل اللام "أي: أل" على واحد من الجنس لتعريف الجنس جميعه، لا لتعريف الشخص منه أي: الفرد الواحد منه وذلك نحو قولك: الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، و"أهل الناس الدرهم والدينار" فهذا التعريف لا يكون عن إحاطة"؛ لأن ذلك متعذر؛ لأنه لا يمكن أحدا أن يشاهد جميع هذه الأجناس "أي: جميع أفرادها" وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من كل واحد من الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وأن كل جزء من الخل حامض" ا. هـ.

المسألة الحادية والثلاثون: أل الزائدة

المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة هي التي تدخل على المعرفة أو النكرة فلا تغير التعريف أو التنكير1. وربما كان لها آثر آخر، -كما سيجيء هنا. فمثال دخولها على المعرفة: المأمون بن الرشيد من أشهر خلفاء بني العباس. فالكلمات "مأمون"، و"رشيد: و"عباس"، معاف بالعلمية قبل دخول "أل". فلما دخلت عليها لم تفدها تعريفًا جديدًا. ومثال دخولها على النكرة ما سُمع من قولهم: "ادخلوا الأولَ فالأولَ ... " وأشباهها. فكلمة "أول" نكرة لأنها حال ولم تخرجها "أل" عن التنكير. و"أل الزائدة" نوعان، كلامهما حرف؛ نوع تكون فيه زائدة لازمة وهي التي اقترنت باسمٍ كبعض الأعلام منذ استعْماله علمًا؛ فلم يوجد خاليًا منها منذ علميته ... ولا تفارقه بعد ذلك مطلقًا. "برغم زيادتها" كبعض أعلام مسموعة عن العرب لم يستعملوها بغير "أل"؛ مثل: السموءل5، اليَسَعِ6، واللاتِ7 والعُزَّى8. وكبعض

_ 1 والمراد بالزائدة هنا: ما ليست موصولة، وليست للتعريف، ولو كانت غير صالحة للسقوط. 2 "أول" السابقة، حال منصوبة، والثانية معطوفة عليها بالفاء التي تفيد الترتيب. وزيدت فيهما "أل" شذوذًا في النثر، كما تزاد في النظم للضرورة، والأصل ادخلوا أول فأول، أي: ادخلوا مرتين -كما سيجيء في رقم6 من هامش الصفحة التالية. أما البيان الخاص بهذا في باب الحال "ج2 م 84 في التقسيم الثالث الخاص بالتنكير والتعريف". 3 ويجب إدغامه في التاء إذا وقعت بعده مباشرة، طبقًا للبيان الذي سبق في آخر رقم3 من هامش ص 387. 4 وهذا يشمل ما وضع من أول أمره علمًا مقرونًا "بأل"، ولم يستعمل في غير العلمية، من قبل كالسموءل، وما كان مجردًا في أصله من "أل" ثم دخلته عند انتقاله إلى العلمية، ولازمته معها من أول لحظة، كالنضر، والنعمان. 5 اسم شاعر جاهلي، مشهور بالوفاء. 6 اسم نبي. 7 اسم صنم للعرب في الجاهلية. 8 اسم صنم للعرب في الجاهلية "وهي، مؤنث أعز".

الظروف المبدوءة بأل، مثل: "الآن"1 للزمن الحاضر، وبعض أسماء الموصولات المصدرة بها، كالتي، والذي، والذين، واللاتي ... ومن الزائدة اللازمة "أل" التي للغاية، وسيجيء بيانها2 ... ونوع تكون فيه زائدة عارضة "أي: غير لازمة" فتوجد حينًا وحينًا لا توجد؛ وهذا النوع ضربان: ضربٌ اضطراري يلجأ إليه الشعراء وحدهم عند الضرورة؛ ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله؛ كقول القائل: ولقد جَنَيْتُك3 أكْمُؤًا وعَساقِلاً ... ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأوْبَرِ4 فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "أوبر" مضطرًّا؛ مع أن العرب حين تستعملها علم جنس تجردها من "أل"؛ فتقول: بنات أوبر. ومثل قول الشاعر: رَأيتُكَ لَمَّا أنْ عَرَفْتَ وجُوهَنَا ... صَدَدْت وطِبتَ النفسَ ياقيْسُ عن عَمْرِ5 فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "النفس" التي هي تمييز، والتمييز -على المشهور- لا تدخله "أل"، وكان الأصل أن يقول: طبت نفسًا. ولكن الضرورة6 الشعرية قهرته7.

_ 1 ظرف زمان منصوب وقد يجر بمن قليلًا، فهو معرب. وهذا الرأي أوضح وأيسر من الرأي القائل بأنه مبني على الفتح دائمًا. وإذا كان معربًا ومعناه الزمن الحاضر فكلمة: "أل" فيه للعهد الحضوري فتكون معرفة، وليست زائدة "راجع" رقم3 من ص424". وإيضاح الكلام على هذا الظرف مدون في باب: "الظرف" ج2 ص 223 م 79. 2 في ص 433. 3 "جنيتك"، أي: جنيت لك، وجمعت. "الأكمؤ": جمع، مفرده، كمء، وهو نبات في البادية، له ثم يجنيه العرب، وقد سبق أول الكتاب ص 22، أن كلمة: "كمء" تكون مفردًا أيضًا لكلمة: "كمأة" التي هي اسم جنس جمعي، ولكن هنا لم يفرق بينه وبين واحدة بالتاء في المفرد كما هو الكثير، وإنما وقعت التاء في اسم الجنس الجمعي، "العاقل": جمع مفردقه: عقول "على وزن عصفور" نوع أبيض، كبير من الكمأة، رديء الطعم. له زغب كلون التراب. 5 يقول لما رأيت يا قيس وجوهنا "أي: زعماءنا"، وأكابرنا، تسليت عن صديقك عمرو الذي قتلناه، وطبت نفسًا. 6 وملحق بهذا النوع زيادتهما في النثر شذوذًا،. في مثل: ادخلوا الأول فالأول، كما سلف البيان في ص 429. 7 وفيما سبق من الزيادة اللازمة وغير اللازمة يقول ابن مالك: وقد تزاد لازمًا كاللات ... والآن، والذين، ثم اللاتي ولاضطرار، كبنات الأوبر ... كذا، وطبت النفس يا قيس السري والسري أصلها: السري: بتشديد الياء، ومعناها الشريف.

2- وضرب اختياري يلجأ إليه الشاعر وغير الشاعر لغرض يريد أن يحققه هو: لمح الأصل؛ وبيانه: أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علمًا، ثم انتقل إلى العلمية، وترك معناه السابق؛ مثل: عادل، ومنصور، وحسن؛ فقد كان المعنى السابق لها -وهي مشتقات: ذاتٌ فعلت العدل. أو وقع عليها النصر، أو اتصفت بالحسن، ولا دخل للعلمية بواحد منها ... ثما صار كل واحد بعد ذلك علمًا يدل على مُسَمًّى مُعَين، ولا يدل على شيء من المعنى السابق؛ فكلمة: عادل، أو: منصور، أو: حسن، أو: ما شابهها -قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلى الاستعمال الثاني. وهو: العَلمية، وصارت بعد العلمية اسمًا جامدًا لا يُنظَر إلى أصله المشتق. ولا يشمل عليها مع أنها كانت في الأصل اسمًا مشتقًّا. فإذا أردنا ألا تنقطع تلك الصلة المعنوية، وأن تبقى الكلمة المنقولة مشتملة على الأمْرين معًا، وهما: معناها الأصلي السابق، ودلالتها الجديدة وهي: العلمية، فإننا نزيد في أولها: "أل" لتكون رمزًا دالًّا على المعنى القديم تلميحًا؛ فوق دلالته على المعنى الجديد، وهو: العلمية مع الجمود؛ فنقول: العادل، والمنصور، والحسن، فتدل على العلمية بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة، وتدل على المعنى القديم "بأل" التي تشير وتُلمح إليه. ولهذا تسمى: "أل التي للمح الأصل". ومن هنا دخلت في كثير من الأعلام المنقولة الصالحة لدخلوها؛ لتشير إلى معانيها القديمة التي تحوي المدح أو الذم، والتفاؤل، أو التشاؤم؛ نحو؛ الكامل، المتوكل، السعيد؛ الضحاك، الخاسر، الغراب، الخليع، المحروق ... وغير ذلك من الأعلام المنقولة قديمًا وحديثًا1. والنقل قد يكون من اسم معنوي جامد؛ كالنقل من المصدر في مثل:

_ 1 "ملاحظة": لا خير في الأخذ بالرأي القائل: إن زيادة "أل" للمح الأصل سماعية، لأن الأخذ به بالرغم من أنه الأغلب يضيع الغرض من زيادتها، وهو غرض تدعو إليه الحاجة في كل العصور وقد حرصت العرب على تحقيقه، فأكثرت من استعمال الأعلام المنقولة إكثارًا مستفيضًا. فيه المبدوء بأل للمح الأصل، وغير المبدوء، فلا داعي للتضييق من غير داع بقصر هذه الزيادة على السماع كما يريدونها هنا، وهو ألا نستعمل علمه منقولًا سوى العلم الذي استعمله العرب بلفظه ونصه، فنبقيه على مسماه القديم، ولا مانع عندهم من إطلاقه بنصه على مسمى جديد.

الفضل، والصلاح والعِرْفان ... وقد يكون من اسم عين جامد؛ كالصخر، والحجر، والنعمان، والعظم ... وقد يكون من كلمات مشتقة في أصلها كالهادي، والحارث، والمبارك والمستنصر، ويُهْمَل هذا الاشتقاق بعد العلمية فتعدّ من الجامد، كما سبق. فالأعلام السابقة يجوز أن يتدخلها "أل" عند إرادة الجمع بين لمح الأصل والعلمية، كما يجوز حذفها عند الرغبة في الاقتصار على العلمية وحدها. والأعلام في الحالتين جامدة. أما من ناحية التعريف والتنكير فوجود "أل" التي للمح الأصل وحذفها سيان. -كما تقدم2. والأعلام كلها صالحة لدخول "أل" هذه، إلا العلم المرتجل3؛ كسعاد، وأدَد، وإلا العلم المنقول الذي لا يقبل "أل" بحسب أصوله؛ إما لأنه على وزن فعل من الأفعال؛ والفعل لا يقبلها؛ مثل: يحين، يزيد، تَعِز، يشكر، شَمَّر ... ، وإما لأنه مضاف؛ والمضاف لا تدخله "أل"؛ نحو: عبد الرءوف، وسعد الدين، وأبو العينين4"..... من كل ما سبق نعلم أن أشهر أنواع "أل" هو: الموصول، والمُعتَرفة بأقسامها، والزائدة بأقسامها.

_ 1 أصله: اسم للدم. 2 أول البحث "ص429، 431". 3 سبق شرحه في ص302. ولم تدخل "أل" هذه على العلم المرتجل لأنه ليس ذا أصل يلمح إليه، على حين الغرض من زيادتها هو التلميح والإشارة إلى أصل العلم، ولن يكون له أصل إلا إذا كان منقولًا. 4 يقول ابن مالك، في إيجاز عن لفظ "أل" وأنه قد يدخل بعض الأعلام للدلالة على لمح الأصل ولا يفيد تعريفًا: وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان يريد: أن بعض الأعلام يدخل عليه لفظ "أل" بقصد التلميح إلى الأصل الذي نقل عنه العلم، وما يحتويه من وصف يراد إلصاقه بالعلم المنقول، وحذف كلمة "أل" وذكرها سيان من ناحية التعريف والتذكير.

المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلبة

المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة 1 المعارف متفاوتة في درجة التعريف -كما سبق2؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف "بأل" العهدية، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل في قوة التعريف إلى درجة علم الشخص، ويصير مثله في الأحكام الخاصة به، ولبيان ذلك نقول: إن كُلاًّ من المعرف "بأل" العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة؛ فالكتاب3 - مثلًا، ينطبق على عشرات، ومئات وألوف من الكتب، وكذلك النجم، والمنزل، والقلم ... وكتاب سعد، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة، ومثله: قلم عمرو، وثوب عثمان3 ... غير أن فردًا واحدًا من أفراد المعرف "بأل" أو المضاف قد يشتهر اشتهارًا بالغًا دون غيره من باقي الأفراد؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر؛ بسبب شهرته التي غطت على الأفراد الأخرى، وحجبت الذهن عنها.

_ 1 تعريفه: أن يغلب معنى اللفظ عند إطلاقه على فرد من مدلولاته، دون باقي الأفراد، بسبب شهرة الأول، كما سنشرحه، ومن أحكامه التي ستذكر أنه يعد من ناحية التعريف في درجة العلم الشخصي، كما في الصفحة التالية، وكما سبق في رقم2 من هامش ص292. 2 في رقم1 من هامش ص212. "3 و3" المراد من "أل" العهدية هذه أنها كانت عهدية بحسب أصلها قبل أن تكون الغلبة، أما بعد أن تصير الغلبة فزائدة لازمة. كما سبق في ص433، 436 وما بعدهما. وقد يقال: إن: "أل العهدية" أداة تعريف، فكيف يكون مدلولها متعددًا حين تكون للعهد؟. أجاب النحاة: "إن "أل" العهدية تدخل على كل فرد عهد بين المتخاطبين على البدل -أي: على التبادل- فمصحوبها كل فرد بينهما على البدل، فمثلًا لفظ: "العقبة" المعرفة بأل العهدية وضع في الأصل ليستعمل في كل فرد عهد بينهما على البدل، فخصصته الغلبة "بعقبة أيلة" -وهي على الحدود الشرقية لمصر- "راجع الصبان في هذا، وكذا البيان الذي في رقم 6 من ص 423" بل إن مدلول العلم الشخصي قد يتعدد أحيانًا "كما سبق، في رقم 1 من هامش ص294" بالرغم من أنه أقوى من المعرفة بأل، أو: المعرفة بالإضافة وله إشارة في رقم1 من هامش ص436.

ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السنة، ابن عباس1، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم ... ومن الرسول: النبي محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير2. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب3 ... دون باقي أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبد الله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبد الله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات في الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصيّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل في كلمة: "المصحف" أن تنطبق على كل غلاف يحوي صحفًا. وفي كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل4 إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفى كلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق -بعد التعريف- في فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة "أي: التغلب بالشهرة" وهي درجة تلحقه بالعلم الشخصي5 في كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل"،

_ 1 كانت كلمة: "ابن" في هذه الأمثلة وأشباهها، معرفة، لأنها مضافة إلى معرفة، ولكن العلم بالغلبة "الشهرة" هو مجموع الكلمتين المضاف والمضاف إليه معًا، وصار تعريفه بالعلمية الغالبة، -كما سيجيء في رقم5 من هذا الهامش- وزال التعريف السابق. 2 ما يقره "أي: يوافق عليه" بالسكوت، كأن يرى شخصًا يقول قولًا، أو يعمل عملًا بشرط أن تكون الأقوال أو الأعمال من الشئون المتصلة بالدين، فيسكت، ولا يظهر ما يدل على المعارضة فيكون سكوته موافقة ضمنية: تسمى: "تقريرًا". 3 جد الرسول عليه السلام. 4 انظر الإيضاح الذي في رقم3 من هامش الصفحة السابقة، ورقم5 و 6 من هامش ص 423. 5 قال النحاة، إن العلم قسمان: علم بالوضع، فيشمل علم الشخص وعلم الجنس، وعلم بالغلبة، وهو ما شرحناه، وأهم فارق بينهما: أن العلم الوضعي بعين مسماه تعيينا مطلقا من أول لحظة وضع فيها على مسماه. ووقع فيها الاختيار على لفظه ليكون رمزًا على ذلك المسمى، مثل إبراهيم، فإنه يدل على صاحب ذلك الاسم، ابتداء من تلك اللحظة التي وقع عليه الاختيار فيها ليدل على إبراهيم. أما العلم بالغلبة فقد كان أول أمره معرفة "بأل العهدية" أو: بالإضافة، ولم يكن علمًا في ابتداء أمره، فنزلت غلبته "أي: شهرته" منزلة الوضع فصار بها في درجة "العلم الشخصي". وحين تصل الكلمة إلى درجة العلم بالغلبة تلغي درجة التعريف السابقة وتحل محلها الدرجة الجديدة، وتصير "أل" زائدة، لازمة بعد أن كانت للعهد.

أو بالإضافة، ولكن حقيقتها أنها معرفة بعلمية الغلبة. وهي في درجة علم الشخص -كما قلنا- وتلغي معها الدرجة القديمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة: المدينة1، العقبة2 الهرم3 ... مجلس الأمن4، جمعية الأمم4، إمام النحاة5 ... وغيرها مما هو عَلَم بالغلبة6: كالنابغة، أو الأعشى، أو الأخطل ... وأصل النابغة: الرجل العظيم، وأصل الأعشى: من لا يبصر ليلًا، وأصل الأخطل: الهجَّاء، ثم غلب على كل ما سبق الاستعمال في العلمية وحدها. هو ملحق بالعلم الشخصيي -كما تقدم- ويسري عليه ما يسري على ذاك، مع ملاحظة أن "أل" التي في العلم بالغلبة قد صارت قسمًا مستقلًّا من "أل" الزائدة اللازمة "أي: التي لا تفارق الاسم الذي دخلت عليه". يسمى: "أل التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 في الأعلام السابقة -ونظائرها- قسم من "أل" الزائدة اللازمة -كما أشرنا- ولكنه قسم مستقل، يسمى: "أل" التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 زائدة، ولازمة لا تفارق الاسم الذي دلت عليه، فإنها تحذف وجوبًا عند ندائه، أو إضافته؛ مثل: يا رسول الله قد بلغت رسالتك. هذا مصحف عثمان؛ يا نابغة، أسْمِعنا من طرائفك ... فشأنها في الحالتين المذكورتين من جهة الحذف وعدمه شأن "أل" المُعَرفة8 -في الرأي الأرجح-

_ 1 مدينة الرسول عليه السلام، وإليها هاجر، وفيها قبره الشريف. 2 اسم بلد على الحدود الشرقية المصرية. "والعقبة في الأصل: اسم للطريق. الصاعد في الجبل". 3 بناء بمصر، أثري، ضخم، مرت عليه آلاف السنين من غير أن تؤثر فيه تأثيرًا يذكر. "4، 4" مؤسسة عالمية قائمة الآن، تضم مندوبين رسميين عن الدول الكبيرة، ينظرون في الشئون الدولية الهامة. 5 سيبويه "توفي حوالي سنة 180هـ". 6 ويراد به -كما قلنا في ص 433- كل اسم كان معناه متعددًا بحسب وضعه الأصلي، ثم غلب استعماله في فرد معين من أفراد ذلك المعنى المتعدد، لا يراد غيره عند الإطلاق، فصار خاصًّا بسبب ذلك التعيين الناشئ من الشهرة. 7 أشرنا لهذا في ص429 وفي3 من هامش ص433. 8 فـ "أل" المعرفة لا تبقى كذلك عند الإضافة أو النداء، لكن يجب ملاحظة أن: "أل" التي للغلبة لا تثبت مطلقًا مع حرف النداء، فلا يتوصل لنداء ما هي فيه بكلمة: "أي" أو: كلمة: "ذا" كما يتوصل لنداء ما فيه "أل" الجنسية مما ليس علمًا بالغلبة، فلا يصح، يأيها النابغة، ولا ياذا النابغة، كما يصح: يأيها الرجل، ويا ذا الرجل. وفي العلم بالغلبة يقول ابن مالك: "راجع حاشية الصبان ج1 في هذا الموضع".

أما العَلَم بالغلبة إذا كان مضافًا، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه في نداء، ولا في غيره: تقول في النداء: يا بنَ عمرَ قد أحسنت، ويا بنَ عباس قد أفدت الناس بفقهك، ويا بن مسعود قد حققت لنا كثيرًا من أحاديث الرسول ... وإذا اقتضى الأمر إضافته1 ... فإنه يضاف مع بقائه الإضافة

_ وقد يصير علمًا بالغلبة ... مضاف أو مصحوب "أل" كالعقبة وحذف "أل" ذي- إن تناد أو تضف ... أوجب، وفي غيرهما قد تنحذف أي: قد يصير "المضاف" أو: "المعرف بأل "علمًا بالغلبة، لا بكونه علم شخص، ولا علم جنس. "وهذا نوع آخر من العلم يخالفهما، كما سبق أن أشرنا". حذف "أل" ذي "أي: هذه" واجب في حالتين: إذا نودي الاسم المبدوء بها، أو أضيف. وأشار بقوله: "وفي غيرهما قد تنحذف" إلى أن "أل" الدالة على العلم بالغلبة وردت محذوفة في غير الحالتين السابقتين: "النداء، والإضافة" فقد قال بعض العرب: هذا عيوق طالما. وهذا يوم اثنين مباركًا، بدلًا من "العيوق" علم على نجم خاص، والاثنين" علم على اليوم الأسبوعي المعروف. وهذا الحذف شاذ لا يصح القياس عليه. 1 أشرنا في باب العلم "رقم1 من هامش ص294" إلى أن علم الشخص قد يكون متعددًا يشترك في التسمية به عدد كبير، فمثل: محمد، ومحمود، وصالح، وغيرهم من الأعلام الشخصية قد يسمى بكل منها عدة أفراد- ونقول هنا إن العلم بالغلبة قد يقع فيه ذلك، مثل ابن زيدون ... وابن خلدون ... وابن هانئ، والنابغة.... فإن كل واحد منها علم بالغلبة على شاعر معين، أو: عالم كبير.... وقد يشترك معه التسمية آخرون. وهذا الاشتراك والتعدد في الأعلام بنوعيها يجعلها غامضة الدلالة نوعًا، ويجعل تعيين المراد بها غير كامل، وفي هذه الحالة يجوز إضافة العلم إلى معرفة إن لم يمنع من الإضافة مانع، رغبة في الإيضاح وإزالة كل أثر للغموض والإبهام. فمن إضافة علم الشخص. ما ورد عن العرب من قولهم: جميل بثينة، وقيس ليلى، وعمر الخير، ومضر الحمراء، وربيعة الفرس، وأنمار الشاة، ويزيد سليم، وقول الشاعر: بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر وقول الآخر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني ومن إضافة العلم بالغلبة قولهم: أهلًا بابن عمرنا. ومرحبا بابن عباسنا. وقد أدخلوا "أل" قليلا على المضاف إليه في العلم المركب تركيبًا إضافيًّا، ومع قلته يجوز إذا قدرت فيه التنكير -كما سبق- لأن الأصل في المعارف ألا تضاف. قالوا: "يا ليت أم العمرو كانت بجانبي....." فالغرض من إضافة العلم. هو الإيضاح، "ويراد به إزالة الاشتراك اللفظي الناشئ من إطلاق العلم على أفراد كثيرة: بحيث لا يطلق بعد الإيضاح إلا على واحد في الغالب". وقد سبق أن ألمحنا المسألة في رقم3 من هامش ص127 ثم فصلنا الكلام عليها في رقم1 من هامش 294. وبهذه المناسبة نعيد ما قلناه هناك من أن الإضافة إلى المعرفة تفيد الإيضاح على الوجه الذي شرحناه، "وهو: رفع الاحتمال والاشتراك في المعرفة....."، أما الإضافة إلى النكرة فإنها تفيد التخصص. ويراد به تقليل الاشتراك فقط، ولا تفيد إزالته ورفعه، فإذا قلت: "كتاب رجل" فإن الذي ينطبق عليه هذا المعنى أقل كثيرًا مما ينطبق عليه لفظ: كتاب، بغير إضافة "راجع ما سبق في تلك الصفحات".

الأولى1، تقول: أنت ابن عُمَرنا العادل، وهذا ابن عباسنا زعيم الفتوى.

_ 1 فيصير "المضاف إليه" في التركيب الإضافي الأول هو "المضاف" في التركيب الإضافي الثاني، إن لم يمنع من هذه الإضافة مانع، كأن يكون المضاف الجديد منونًا، أو فيه "أل" فإن كان كذلك وجب حذف المانع قبل الإضافة.....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا أريد تعريف العدد "بأل" فإما أن يكون مضافًا1، أومركبًا2، أومفردًا3عقدا، أومعطوفًا4. فإذا كان العدد مضافًا وأردنا تعريفه "بأل" فالأحسن إدخالها على المضاف إليه وحده - أى: على المعدود -؛ نحو: عندى ثلاثة الأقلام، وأربع الصحف، ومائة ألف الورقة، وألف5 القرش. وعندئذ يكتسب المضاف التعريف من المضاف إليه في هذه الإضافة المحضة. والكوفيون يجيزون إدخال "أل" عليهما معًا ويحتجون بشواهد متعددة، تجعل مذهبهم مقبولا، وإن كان غير فصيح6 ...

_ 1 ويسميه بعض النحاة: "مفردا" وهذه التسمة أحسن من تسميته: "مضافا" وهو يشمل: "ثلاثة" وعشرة وما بينهما. ويضاف غالبا لجمع مجرور، كما يشمل مائة، وألفا، ومركباتهما، وتضاف غالبا لمفرد مجرور "والأحكام المفصلة الخاصة بالعدد مسجلة في بابه بالجزء الرابع". 2 وهو يشمل: "أحد عشر وتسعة عشر" وما بينهما. ويتركب كل عدد من كلمتين، هما بمنزلة كلمة واحدة، يقال في إعرابها: مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. إلا اثنى عشر، واثنى عشرة: فيعربان كالمثنى دائما. وقد سبقت طريقة إعرابهما في ص 120 و 157. 3 يسميه بعض النحاة "عقدا" وهذه أفضل من تسميته: "مفردا" وهو 20 - 30 - 40 - 50- 60 - 70- 80- 90. 4 وهو يشمل كل عدد مكون من اسمين، أحدهما، معطوف عليه، والآخر معطوف بالواو مثل: واحد وعشرون. ... سبع وثلاثون.... خمس وأربعون ... 5 جري بعض الكتاب في عصرنا وقبل عصرنا على إدخال: "أل" على العدد من دون المعدود، فيقولون: الألف قرش مثلا. وقد أعلنت الحكومة عن مشروع رسميس لنشر بعض الكتب القديمة النفيسة، أسمته: "مشروع الألف كتاب" ويدور جدل قديم وحديث حول صحة هذا الاستعمال أو خطئه. وقد ورد مثله في أحاديث للرسول عليه السلام. منها قوله: ".... وأتى بالألف دينار" ونقل الصبان "في الجزء الأول من حاشيته، أخر باب: "والمعرف بأل". نص الحديث. وورد في شواهد: "التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح" - باب: الاستعانة باليد.... قوله عليه السلام: "ثم قرأ العشر آيات" ... كما ورد في نصوص أخرى تصلح للاستشهاد، وورد في استعمال كثير ممن يستأنس بكلامهم وإن لم يكونوا من أهل الاستشهاد. ... فلكل ما سبق يجوز قبوله مع الاعتراف بأنه غير مستحسن، وأن الخير في تركه. ويقول الشهاب الخفاجي في حاشيته على: "درة الغواص" إن ابن عصفور قال: "هوجائز على قبحه". وجاء في حاشية ابن سعيد على الأشموني صريح رفضه: "الألف دينار" قائلا: بأنه مرفوض وأن أجازه قوم من الكتاب كما نقل ابن عصفور. والذين يرفضونه يتأولون النصوص الواردة به بتكلف ظاهر لا داعي له. "6 و 6" في حـ 3 ص 14م 93 تفصيل الكلام على: الإضافة المحضة وغير المحضة، وأن الكوفيين يجيزون في الإضافة المحضة إدخال" على المضاف إذا كان عددا بشرط دخولها على المضاف إليه "أي: على المعدود" أيضا مع إيضاح ذلك كله، والرأي فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان العدد مركبًا فالأحسن إدخالها على الجزء الأول منه؛ نحو: قرأت الأحدَ عشرَ كتابًا، وسمعت الخمسَ عشْرةَ أنشودة ... وإذا كان مفردًا -أي: أنه من العقود- دخلت عليه مباشرة؛ نحو: في حديقتنا العشرون كرسيًّا، والثلاثون شجرة، والأربعون زهرة ... وإذا كان معطوفًا فالأحسن دخولها على المتعاطفين1 لتعريفهما معًا؛ نحو: أنفقت الواحد والعشرين درهمًا، وكتبت الخمسة والعشرين سطرًا ... وإذا كان المضاف إليه -وهو المعدود- معرفًا "بأل" فإن المضاف يكتسب منه التعريف في الإضافة المحضة كما سبق، سواء أكانا متصلين لا فاصل بينهما، نحو: هذه ثلاثة الأبواب، ومائة اليوم، وألف الكتاب2، أم فصل بينهما اسم واحد؛ نحو: هذه ثلاثُ قطع الأبواب، وخمسمائة الألف، أم اسمان، نحو: هذه ثلاث قطع خشب الأبواب، وخمسمائة ألفِ الدرهم، أم ثلاثة أسماء؛ نحو: هذه ثلاثة قطع خشب صَنَوْبَرِ الأبواب، وخمسمائة ألفِ درهمِ الرجل، أم أربعة، نحو: هذه ثلاثُ قطعِ خشب صَنَوْبرِ صناعة الأبوابِ، وخمسمائةِ ألفِ درهمِ صاحبِ البيوت ... ويسري التعريف من المضاف إليه الأخير إلى ما قبله مباشرة، فالذي قبله ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول3، فيكون معرفة كالمضاف إليه، وما بينهما. وهذا حكم كل إضافة محضة؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت، فإنك تُعرّف الاسم الأخير؛ فيسري تعريفه إلى ما قبله، فالذي قبله، ... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول. غير أن كثرة الإضافات المتوالية معيبة من الناحية البلاغية؛ فلا نلجأ إليها جهد استطاعتنا.

_ 1 هما: المعطوف والمعطوف عليه. 2 انظر رقم5 من هامش الصفحة السابقة. 3 راجع الأشموني، آخر باب: "أداة التعريف". وكذا شرح: "المفصل" ج6 ص43 في الكلام على تعريف العدد. وعلى هذا يمتنع تعريف المضاف إليه في مثل: "المال عشرون ألف دينار"، لأنه لو عرف لانتقل التعريف منه إلى المضاف قبله، والمضاف هنا تمييز، لا يكون معرفة إلا عند الكوفيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم النكرة المضاف إلى معرفة، المنادى النكرة المقصودة: بقي من أنواع المعارف السبع نوعان، سبق الكلام عليهما1 بما ملخصه: أ- أن النكرة التي تضاف لمعرفة -مثل: قلمي شبيه بقلمك- قد تكتسب منها التعريف، وتصير في درجتها. أي: أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف إليه، ويرقى في التعريف إلى درجته. إلا إذا كانت النكرة مضافة إلى الضمير فإنها تكتسب منه التعريف، ولكنها ترقى في التعريف إلى درجة: "العَلَم" -في الرأي الصحيح- لا إلى درجة الضمير. وإنما يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف على الوجه السالف إذا كان المضاف لفظًا غير متوغل في الإبهام؛ فإن كان متوغلًا فيه لم يكتسب التعريف -في أكثر حالات استعماله- بإضافة، أو غيرها2؛ كالأسماء: مثل: غير، حسب، مثل3....، و..... ب- أن من أنواع المنادى نوعًا واحدًا يكتسب التعريف بالنداء، وهذا النوع الوحيد، هو: "النكرة المقصودة، مثل: يا شرطي، أو يا حارس ... إذا كنت تنادي واحدًا منهما معينًا تقصده دون غيره. ذلك أن كلمة: "شرطيّ" وحدها، أو: كلمة، "حارس" وحدها نكرة، لا تدل في أصلها قبل النداء على فرد معين"، ولكنها تصير معرفة بعد النداء، بسبب القصد الذي يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره. ودرجة هذا المنادى في التعريف هي درجة اسم الإشارة؛ لأن تعريف كل منهما يتم بالقصد الذي يعينه المشار إليه في اسم الإشارة والتخاطب في المنادى النكرة المقصودة، كما سبق

_ 1 ص 211. 2 وإنما يكتسبه بأمر خارج عن الإضافة، كوقوع كلمة "غير" بين متضادين معرفتين كالتي في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} ... إلخ - كماق قلنا في رقم2 من هامش ص211. 3 سبقت الإشارة لهذا في رقم2 من ص211 أما تفصيل الكلام عليه ففي ج3 م 93 باب: الإضافة س- ص 24.

المبتدأ والخبر، وما يتصل بهما

المسألة الثالثة والثلاثون: المبتدأ والخبر وما يتصل بهما تعريفها: أ- الشموسُ متعددةٌ، الأقمار ُ كثيرةٌ، المحيطاتُ خمسٌ. ب- أمرتفعٌ البناءُ، ما حَسَنٌ الظلمُ، ما مكرَمٌ الجبانُ. في القسم الأول: "أ" كلمات تحتها خط، كل واحدة منها اسم، مرفوع، في أول الجملة، خال من عامل لفظي أصيل، وبعده كملة

_ 1 العامل هو: ما يدخل على الكلمة فيؤثر في آخرها، بالرفع، أو النصب أو الجر، أو الجزم، كالفعل فإنه يؤثر في آخر الفاعل، فيجعله نوعًا مرفوعًا، وفي آخر المفعول فيجعله منصوبًا وكالجازم، فإنه يؤثر في آخر المضارع، فيجعله مجزومًا، وكحرف الجر، فإنه يؤثر في آخر الاسم، فيجعله مجرورًا وهكذا. انظر ما سبق في ص72 وما بعدها". والعامل ثلاثة أنواع: أ- أصل لا يمكن الاستغناء عنه، وإلا فسد المعنى المقصود من الجملة، ومن أمثلته: المضارع، وأدوات النصب، والجزم، وبعض حروف الجر ... ب- زائد، وهو الذي يمكن الاستغناء عنه من غير أن يترتب - في الأغلب- على حذفه فساد المعنى المقصود، كبعض الحروف الزائدة، في الجر، مثل "الباء" و "من" من باقي الحروف التي لا تجيء بمعنى جديد، وإنما تزاد لمجرد تقوية المعنى، وتوكيده، وربما لا يستغنى عنه، "كما سبق في ص 66 و 700" ولا يحتاج حرف الجر الزائد مع مجروره إلى متعلق. ج- شبيه بالزائد، وينحصر في بعض حروف الجر" ويؤدي معنى جديدا خاصا لا يمكن الاستغناء عنه. ولكنه مع ذلك لا يحتاج مع مجروره إلى متعلق، بخلاف حروف الجر الأصلية، فإن كل حرف منها لا بد له مع مجروره من متعلق. "ومن أمثلة الشبيه بالزائد: "رب" وهي تفيد التقليل أو التكثير. و "لعل"، وهي تفيد الترجي، "ولولا" في رأي - وهي تفيد الامتناع".... فحرف الجر الأصلي يؤدي معنى جديدا خاصا، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولا بد له مع مجروره من متعلق يتعلقان به. وحرف الجر الزائد يمكن الاستغناء عنه، لأنه لا يؤدي معنى خاصا جديدا، وإنما يفيد تقوية المعنى القائم-، ولا يحتاج مع مجروره إلى متعلق، فهو مخالف للأصلي من ناحيتين. أما حرف الجر الشبيهه بالزائد فيشبه الأصل من ناحيسة أنه لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يؤدي معنى خاصا جديدا، ويخالفه من ناحية أنه مع مجروره ولا يحتاجان إلى متعلق يتعلقان به. كما أنه يشبه الزائد من ناحية عدم التعلق، ويخالفه من ناحية أنه لازم كي يؤدي معنى خاصا جديدا، والزائد لا يؤدي معنى خاصا جديدا، ولا يحتاج لتعليق. "وتفصيل هذا يجيء في مكانه الأنسب، وهو حروف الجر، آخر الجزء الثاني ص 404 م 89". ومن العوامل ما هو لفظي"، أي: يظهر في النطق وفي الكتابة، كالعوامل التي سبقت، ومنها ما هو "معنوي" يدرك بالعقل لا بالحس، كالابتداء الذي يرتفع به المبتدأ- وهذا الابتداء هو السبب في أن "الحال" لا تجيء من المبتدأ عند بعض النحاة، دون بعض، "طبقا للبيان والتفصيل الآتيين في باب الحال 1 جـ2 م 84 ص 339 ورقم 3 من هامش ص 337 وكالتجرد من الناصب والجازم فيرتفع به المضارع. والعوامل بنوعيها: "اللفظية والمعنوية" ليست في الحق والواقع هي التي تؤثر بنفسها، وإنما الذي يؤثر ويحدث حركات الإعراب هو المتكلم. ولكن النحويين نسبوا إليها العمل والتأثير، لأنها المرشدة إلى تلك الحركات اللازمة لكشف المعاني "كما أوضحنا هذا ومزاياه بتفصيل تام في هامش ص 73"، ولا بأس بما صنعوا. وإنه لجليل الشأن.

تتمم المعنى الأساسي للجملة: "أي: تتضمن الحكم بأمر من الأمور لا يمكن أن تستغني الجملة عنه في إتمام معناها الأساسي، كالحكم على الشموس بالتعدد؛ وعلى الأقمار بالكثرة، وعلى المحيطات بأنها خمس ... " ذلك الاسم يسمى: "مبتدأ" والكلمة الأخرى تسمى: "خبر" المبتدأ. وفي القسم "ب" أمثلة لمبتدأ أيضًا، ولكنه غير محكوم عليه بأمر؛ لأنه وصف1 يحتاج إلى فاعل2 بعده، أو نائب فاعل؛ يتمم الجلمة، ويكمل معناها الأساسي؛ مثل: كلمتى: "البناء" "والظلم" فإنهما فاعلان للوصف3 ومثل كلمة: "الجبان"؛ فإنها نائب فاعل له4. وقد استغنى الوصف بمرفوعه عن الخبر. مما سبق نعرف أن المبتدأ: اسم مرفوع في أول جملته5، مجرد من العوامل اللفظية الأصلية6، محكوم عليه بأمر. وقد يكون وصفًا مستغنيًا بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة. والخبر هو: اللفظ الذي يكمل المعنى مع المبتدأ7، ويتمم8

_ 1 كررنا أن المراد بالوصف هنا: "المشتق" وهو: ما أخذ من كلمة أخرى - يغلب أن تكون مصدرا- وتفرع منها، مع تقارب بينهما في المعنى والحروف. ويجب أن يكون الوصف في هذا الباب نكرة، لأنه بمنزلة الفعل، والفعل في حكم النكرة- كما رددنا في رقم 1 من هامش ص 213 وغيرها- وهناك ما يقوم مقام الوصف، وسنذكر الوصف الذي له مرفوعا وما يلحق بهذا الوصف في "ب" من ص 448. 2 ذلك لأن بعض أنواع الوصف يشبه الفعل في أنه يرفع بعده فاعلا أو نائب فاعلا، وذلك بشروط معية.... فاسم الفالع يرفع فاعلا، واسم المفعول يرفع نائب فاعل، وهكذا....، مثل: أحاضر ضيفك؟ أمحبوس اللص؟ ولهذا إشارة في رقم 3 من هامش ص 453. 3 الوصف في الأول اسم فاعل، وفي الثاني صفة مشبهة. 4 لأن الوصف اسم مفعول، فهو يحتاج إلى نائب فاعل، كما سبق في رقمم 2. وكما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 453. 5 غالبا. 6 أما غير الأصلية فقد يحتويها - وسيجيء البيان في ص 447. وجدير بالملاحظة أن المبتدأ - وكذا اسم الناسخ - لا يكون ظرفا باقيا على ظرفيته، ولا جارا مع مجروره. 7 أين الخبر في قولهم: فلان وإن كثر ماله - لكنه بخيل....؟ انظر الإجابة في: "و ". من ص 451. 8 وإنما كان الخبر متمما المعنى الأساسي للجملة، لأنه حكم صادر على المبتدأ. فالمبتدأ هو الشيء المحكوم عليه، والخبر هو الشييء المحكوم به "أي: هو الحكم" وهذا يقتضي- في الأغلب- أن يكون المبتدأ معلوما للمتكلم وللسامع معا قبل الكلام، ليقع الحكم على شيء معلوم، وأن يكون الخبر =

معناها الأساسى. "بشرط أن يكون المبتدأ غير وصف". ومن هنا كان المبتدأ

_ = مجهولا للسامع، لا يعرفه إلا بعد النطق به، أو أنه هو موضع الاهتمام به، والتطلع إليه، دون المبتدأ، والرغبة في إعلان هذا المجهول، وكشف أمره، ونسبته إلى المبتدأ- هي الداعية للنطق بالجملة الاسمية كلها. ولذا يقول المحققون: إن الأساس الصحيح للتفرقة بين المبتدأ والخبر، والاهتداء إلى تمييز كل منهما بدون خلط، إنما يقوم بينهما على الفارق المعنوي السابق، فما كان منهما معلوما قبل الكلام، ولا يساق الحديث لإعلانه وإبانته للسامع فهو المبتدأ "أي: المحكوم عليه" ولو جاء لفظه متأخرا في الجملة، وما كان منهما مجهولا للسامع، ويريد المتكلم إعلامه به، وإذاعته له، فهو الخبر "أي: المحكوم به" ولو جاء لفظه متقدما. في الجملة فإن لم يوجد عند السامع علم سابق بأحدهما، ولم توجد قرينة دالة على التمييز بينهما وجب تقديم المبتدأ، وتأخير الخبر، ليكون الترتيب دالا ومرشدا على كل منهما، ويرتفع اللبس. هذا هو الأصل العمام وهو الأساس القويم الذي يجل التعويل عليه في أغلب الحالات- كما سبق بالرغم من مخالفة بعض النحاة-. ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتي: أن يعرف المخاطب شخصا مثل: "إبراهيم" بعينه واسمه، ولكنه لا يعرف أنه زميله في الدراسة، فيقول: "إبراهيم زميلك" جاعلا المبتدأ هو المعروف للمخاطب، والخبر هو المجهول له، المحكوم به - وذلك شأن الخبر في الأغلب كما قدمنا، أن يكون هو الشيء المجهول للمخاطب وأنه المحكوم به - فلا يصح أن تقول: "زميلك إبراهيم" بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف المخاطب زميلا له ولكنه لا يعرف اسمه، وأردت أن تعين له الاسم فإنك تقول: زميلك إبراهيم، جاعلا المعلوم له هو المبتدأ، والمجهول له المحكوم به هو الخبر، فلو عكس الأمر في إحدى الصورتين السالفتين لا تعكس المعنى تبعا لذلك، واختلف المراد، إذ يصير المحكوم به محكوما عليه، والعكس. - راجع جـ 3 ص 154 من شرح المفصل. ولما سبق إشارة موجزة في ص 485 ثم تلخيص في رقم 2 من هامش ص 493. ومن شروط الخبر ألا يكون معلوما من المبتدأ وتوابعه، فلا يقال: والد محمد والد، ولا كتاب على صاحب على.... - راجع حاشية ياسيننن على التوضيح جـ3 باب: "الترخيم" عند الكلام على المحذوف للترخيم-. لما سبق لا يصح أن يكون معنى الخبر المفرد هو معنى المبتدأ، سواء أكان موافقا له في اللفظ أم غير موافق. لكن إذا دل الخبر على زيسادة معنى ليست في المبتدأ، وقامت القرينة على هذه الزيادة - صح وقوعه خبرا ولو كان مماثلا للمبتدأ في لفظه، فيصح أن يقال: والد محمد والد، إذا قامت القرينة على أن المراد: أنه والد عظيم، أو رحيم، أو نحو ذلك، كمايصح أن يقال: كتاب على صاحب علي، إذا قامت القرينة على أن المراد، أنه على العالم، أو الخبير، أو غير هذا مما يجعل معنى الخبر جديدا ليس مستفادا من المبتدأ وتوابعه. وعلى هذا الأساس يقال: المال مال- الحرب حرب، الجد جد - الشمس منيرة- كل هذا بشرط قيام القرينة على أن المراد من الخبر معنى جديد- كما قلنا- غير معنى المبتدأ وتوابعه. ويصح أن يكون من هذا قول الشاعر يحن إلى وطنه. بلاد كما كنا وكنا نحبها ... إذا الأهل أهل والبلاد بلاد وقول الآخر: الحر حر عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كل برج ذات أنوار ومن شروط الخبر شبه الجملة بنوعيه أن يكون تاما، وأن يكون ظرف الزمان خبرا عن المعنى- في الغالب - لا على الجثة "أي: الشيء المجسد"، طبقا للبيان والتفصيل الخاصين بكل ذلك في ص 478. "ملاحظة". قد يتمم الخبر- بنفسه- الفائدة مع المبتدأ، وهذا هو الأصل الأغلب، لأنه المحكوم به على المبتدأ، كما عرفنا. وقد يتممها في بعض الأحيان بمساعدة لفظ آخر يتصل به نوع اتصال، كالنعت =

القياسي نوعين، نوعا يحتاج إلى خبر حتما1 وقد يتحتم أيضا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتي2- ونوعا لا يحتاج إلى خبر3 وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل4. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفا5.

_ = في قوله تعالى: يخاطب المعارضين: {بَلْ أَنْتُمْ قومٌ عادون} ، أي: ظالمون. وقوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} ، وقوم الشاعر: نقول فيرضي قولنا كل سامع ... ونحن أناس نحسن القول والفعلا فالذي تمم الفائدة الأساسية هو النعت، لا الخبر، لأن معنى الخبر معلوم بداهة في الأمثلة السالفة من دلالة الضمير على التكلم أو التخاطب، فكلاهما قد دل بذاته وبصيغته المباشرة على حقيقة صاحبه وهي: "قوم" أو: "أناس" فهذا الخبر من النوع الذي يكمل هو وتابعه مجتمعين الفائدة الأساسية مع المبتدأ على الوجه المشار إليه في "أ" و "ب" من ص 531 و 532 وتجيء له إشارة في جـ 3س باب النعت، م 114 ص 4225- ومثل البيت السابق قول الآخر: ونحن أناس نحب الحديث ... ونكره ما يوجب المأثما وما ينطبق على خبر المبتدأ ينطبق على خبر النواسخ أيضا، كقول الشاعر: ولا خير في رأي بغير روية ... ولا خير في رأي تعاب به غدا إذ لا تتحقق الفائدة الأساسية من: "نحن أناس" - ولا من "لا خير في رأي" فهذا في البيت غير صحيح المعنى بغيسر انضمام الصفة إليه، وهي شبهه الجملة في الشطر الأول، والجملة في الشطر الثاني. من النوع الذي نحن بصدده. المبتدا اسم الشرط، فإن خبره- في الأرجح- هو الجملة الشرطية. وهذه لا تتم المعنى إلا الجملة الجوابية المترتبة عليها، كما أشار لهذا الصبان" في جـ1 باب الكلام وما يتألف منه عند بيت ابن مالك. والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه، هو اسم، نحو: صه وحيهل انظر ما يتعلق بإعراب هذا البيت في ص69. وسيجيء عنه البيان في جـ 4 ص 418ث م 157 باب الجواز والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب 1 وفي ص 457 حكم هذا الخبر من حيث الطابقة. 2 في ص 473، وبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543. 3 لا يحتاج المبتدأ إلى خبر إن كان هذا المبتدا ناسخا يعمل، لأن اسم الناسخ "انظر البيان في رقم 1 من هامش ص 566" وسيجيء في رقم 4 من هامش ص 499 صورة أخرى، هي أن الناسخخ "مثل: ليس" يحتاج لخبر منصوب فيغني عنه أحيانا- اسم مرفوع. وسنشير لهذا في "هـ" من ص 451. 4 ومن أنواع نائب الفاعل: "شبه الجملة". 5 ولو تأويلا- كما سيجيء في "ب" من ص 449 وفي "د" من ص 450 حيث بعض الصور الأخرى- ومنها صور سماعية، لا يحتاج فيها المبتدأ إلى خبر، ولا إلى ما يغني عن الخبر.

نوعين، نوعًا يحتاج إلى خبر حتمًا -وقد يتحتم أيضًا أن يكون هذا الخبر جملة أو شبهها كما سيأتي- ونوعًا لا يحتاج إلى خبر، وإنما يحتاج إلى مرفوع بعده يعرب فاعلا أو نائب فاعل. ولا بد في هذا النوع أن يكون وصفًا مُنكرًّا، وأن يكون رافعًا لاسم بعده يتمم المعنى؛ فإن لم يتمم المعنى لم يعرب الوصف مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه بالصورة السالفة؛ ففي مثل: ما حاضرٌ والدُه عليّ - لا يتم المعنى بالاقتصار على الوصف مع مرفوعه؛ أيْ: ما حاضرٌ والده. وفي هذه الحالة يعرب الوصف "وهو كلمة: "حاضر" إعرابًا آخر؛ كأن نجعله خبرًا مقدمًا، و"والده" فاعله، "علي" مبتدأ مؤخر ... والأكثر في الوصف الواقع مبتدأ أن يعتمد على نفي، أو استفهام؛ بأن يسبقه شيء منهما كالأمثلة السالفة في "ب" ويجوز -بقلة- ألا يسبقه شيء منهما؛ نحو: نافعٌ أعمالُ المخلصين، خالد سيَرُ الشهداء. ولا فرق بين أن يكون المبتدأ اسمًا صريحًا؛ كالأمثلة السالفة -وأن يكون اسمًا بالتأويل؛ نحو "أنْ تقتصد" أنفع لك، "أنْ تجنتبَ" الغضبَ أقربُ

_ 1 ولا يحتاج تنكيره لمسوغ "كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 485". 2 سواء أكان ظاهرا، نحو أمقاتل على؟ . أم ضميرا بارزا- كما سيجيء في ص 455 ورقم 1 من هامشها نحو أمقاتل أنت؟ - أم ضميرا متصلا مجرورا بحرف جر، نحو: فلان مغضوب عليه، فالضمير المجرر نائب فاعل في محل رفع. وعند التساهل والتيسير يقال في الإعراب: الجار والمجرور نائب فاعل- كما في رقم 4 من هامش ص 462. أما رفعه الضمير المستتر فكثير من النحاة يمنعه، نحو أقائم محمد أم قاعد؟ وذلك على اعتبار أن كلمة "قاعد" معطوفة على قائم فهي مبتدأ مثلها، يحتاج إلى فاعل يكون ضمير وبارزا، وهو هنا غير بارز، وفريق آخر يجيزه مستترا، ورأيه أحسن. لأن الأخذ به- هنا أيسر، ولا ضرر فيه ولا تكلف. 3 لأن الوصف هنا بمنزلة الفعل، والاسم المرفوع بالوصف بمنزلة القاعدة أو نائب الفاعل، وكلاهما يتمم معنى الجملة، ودليل المشابهة بين الوصف والفعل أن الوصف لم يرد مصغرا، ولا منعوتا، ولا معرف. وكذلك لم يرد في الأعم الأغلب- مثنى أو مجموعا- وإن كان من القليل الجائز إعمالها. - كما سيجيء في جـ3 ص 243 م 102، باب "اسم الفاعل". - 4- ويصح "إعراب" "على" مبتدأ مؤخر، و "والد" مبتدأ ثان، والوصف، "حاضر" خبر مقدم للمبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول. 5 تقييدهم الاعتماد بالنفي والاستفهام يدل على أن الاعتماد على غيرهما لا يكفي في تحقيق الأكثر والأفصح: كما في مثل: محمود قائم أبواه، فإعراب "قائم" مبتدأ ثانيا، غير فصيح بالرغم من من اعتماده على المبتدأ المخبر عنه، "كما قال صاحب المغنى- راجع حاشية الصبان، جـ1 في هذا الموضع" - أما الاعتماد في باب اسم الفاعل- وأمثاله - فيختلف عما هنا في أسبابه وأنواعه وأحكامه، كما سيجيء في بابه جـ 3.

للسلامة. أي: اقتصادك ... واجتنابك1، وكقول الشاعر: فما حَسَنٌ أن يَعذِرَ2 المرء نفسَه ... وليس له من سائر الناس عاذر 3 والمبتدأ مع خبره أومع ما يغني عن الخبر4 نوع من الجملة الاسمية 5.

_ 1 فالمصدر المؤول من "أن والفعل والفاعل" في محل رفع مبتدأ. 2 المصدر المؤول كاملا هو: عذر المرء نفسه، والمبتدأ هو: عذر ... ويصح إعرابهه فاعلا للوصف: "حسن" قبله، ويصح أيضا إعرابه خبرا للوصف. 3 وكذلك قول الشاعر: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد 4 التعبير بقولنا: المبتدأ مع خبره أو ما يغني عن الخبر.... أفضل وأدق من التعبير الوارد في كثير منن المراجع النحوية، وهو: المبتدأ مع خبره، أو مع مرفوعه الذي يستغنى به عن الخبر.... "لأن المبتدأ قد يستغنى عن الخبر وعما يغني عنه استغناء تاما، وقد يستغنى عن خبره باسم مرفوع للناسخ، "طبقا لما أشرنا إليه في رقم 2 و 4 من هامش ص 444 وللبيان الذي في رقمم 1 من هامش ص 566 وفي "د" من ص 449". 5 الجملة - كما سبق في الباب الأول - ما تركبت من جزأين أساسين يؤديان معنى مفيدا. وهما يسميان: طرق الجملة، أو ركنيها. "راجع ص 15" والجملة قسمان: وسنشير لما يأتي في ص 466 -: أ- اسمية وهي: التي تكون مبدوءة باسم بدءا أصيلا، كالجملة المكونة من المبتدأ مع خبره، أو: مع ما يغني عن الخبر ... وكاسم الفعل مع مرفوعه. وبهذه المناسبة يقول النحاة: إن الوصف مع مرفوعه ولو كان اسما ظاهرا يعد من قبيل المفرد، لا الجملة، إلا الوصف الواقع مبتدأ مستغنيا بمرفوعه عن الخبر، فقيل: جملة، وقيل، إنه في حكم الجملة، وهذا هو الشائع وأما الوصف الواقع صلة: "أل" فالأرجح أنه شبه جملة، "كما سبق عند الكلام: صلة الموصول" رقم1 من هامش ص 384" وليس جملة، ولكنه في قوتها معنى، والخلاف لفظي، لا أثر له من حيث المعنى، فلا داعي للاهتمام به. وقد سبق بيان لهذا في الموضع المشار إليه. ب- فعلية وهي التي تكون مبدوءة بفعل، "ومنها الجملة المبدوءة بحرف النداء". وقد أشار ابن مالك إلى كثير من الأحكام السابقة الخاصة بالمبتدأ بقوله في باب عنوانه: "المبتدأ والخبر": مبتدأ زيد، وعاذر خبر ... إن قلت: زيد عاذر من اعتذر وأول مبتدأ والثاني ... فاعل أغنى، في: أسار ذان؟ وقس، وكاستفهام النفي، وقد ... يجوز نحو: فائز أولو الرشد أي: إن قلت: "زيد عاذر من اعتذر، بمعنى، أنه قابل عذر من اعتذر" فزيد مبتدأ، و "عاذر" خبر. وإن قلت: "أسار هذان؟ " فإن "سار" وهو الاسم الأول، مبتدأ، و "ذان" هو الاسم الثانيس- فاعل، أغنى عن الخبر، لأن المبتدأ وصف مسبوق هنا باستفهام. ثم قال: قيس على هذا المثال أشباهه، من كل وصف معتمد على استفهام، أو نفي. ويجوز - بقلة - ألا يسبقه شيء منهما، نحو: فائز أولو الرشد، فلا يتغير الإعراب.

وبمناسبة الكلام على المبتدأ والخبر وأنهما مرفوعان1، بحث النحاة- كعادتهم عن العامل الذي يوجد الضمة في كل منهما. ولما لم يجدوا قبل المبتدأ عاملًا لفظيًّا يوجدها، قالوا: إن العامل معنوي، وجود المبتدأ في أول الجملة، لا يسبقه لفظ آخر، وسموا هذا العامل المعنوي: "الابتداء" فالمبتدأ عندهم مرفوع بالابتداء. أما الخبر فعامل الرفع فيه هو المبتدأ أي: أن الخبر مرفوع بالمبتدأ هذا رأي من عدة آراء لا أثر لها في ضبط كل منهما، ولا في وضوح معناهما، ومعنى الكلام، فالخبر في إهمالها، وتناسيها، والاقتصار على معرفة أن المبتدأ مرفوع، والخبر مرفوع كذلك2.

_ 1 إما رفعا ظاهرًا، "نحو: الزراعة ثروة" أو رفعًا مقدرًا، نحو: "الصناعة غني" وإما محليًّا كأن يكون الخبر جملة، أو نحوها مما يكون في محل رفع، كالمصدر المؤول- "نحو: الأمانة التي تجلب الغنى -الصناعة خيرها عميم- براعتك أن تجيد عملك....". 2 يقول ابن مالك في تلك القاعدة التي لا فائدة منها اليوم: ورفعوا مبتدًا بالابتدا ... كذاك رفع خبر بالمبتدا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" عرفنا1 أن العوامل الأصلية لا تدخل على المبتدأ، أما غير الأصلية "وهى الزائدة وشبه الزائدة" فقد تدخل؛ فمثال الزائدة "مِنْ" فى قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ 2 ?للَّهِ} ، ومثالُ شبه الزائدة: "رُبّ" في مثل: "رُبّ قادمٍ غَريبٍ أفادنا. فكلمةَ: "مِن" حرف جر زائد؛ دخل على المبتدأ؛ فَجَرَّه فى اللفظ، دون المحل. ولذلك نقول فى إعرابه: إنه مبتدأ مجرور بمِنْ فى محل رفع3. وكذلك كلمة: "قادم" فإنها مبتدأ مجرور فى اللفظ بحر الجر الشبيه بالزائد، وهو: "رُبّ" - فى محل رفع4.

_ 1 رقم 6 من هامش ص 442. 2 يعرب النحاة كلمة: "غير" في هذه الآية إما صفة لخالق، "التي هي مبتدأ مجرورة في اللفظ، نن مرفوعة في المحل"، والخبر محذوف، فالتقدير: هل من خالق غير الله "لكم"؟ وإما خبر المبتدأ ولا يعربونها فاعلا يغني عن الخبر، بحجة أن الوصف الذي له فاعل يغني عن الخبر بمنزلة الفعل، والفعل لا تدخل عليه "من" الزائدة، فكذا ما هو بمنزلته. وهذا رأي أساسه التخيل والتوهم، فلا داعي للأخذ به، كي لا تخرج هذه الحالة من القاعدة العامة "الموضحة في: "أ" من ص 453" بغير حجة مقبولة. 3 ومن أمثلة ذلك: "بحسبك علم، فإنه أمضى سلاح، وكافيك بحسن الخلق، فإنه غني دائم، فالباء في كلمتي: "حسب" و "حسن" وحرف جر زائد، , وما بعدها مجرور بها في محل رفع مبتدأ. "وحسبك" بمعنى "كافيك" وكلاهما بمعنى يكفيك. "وقد سبقت إشارة إلى استعمالف: "فحسب" في هامش ص 422 أما تفصل الكلام عليها ففي جـ3 باب الإضافة، ص 147 م 95". ومن الأمثلة أيضا: ناهيك بدين الله، فالباء حرف جر زائد، و "دين" مجرور بها في محل رفع مبتدأ، وخبره كلمة: "ناهي...." والمعنى دين الله ناهيك عن طلب غيره، لكفايته. وهذه اللمة متوغلة في الإبهام "انظر جـ 3 م 93" وفي الأمثلة السابقة إعرابات أخرى ليس مكانها هنا. ومن مواضع زيادة "باء الجر" دخولها على المبتدأ بعد "إذا" الفجائية، نحو خرجت فإذا بالصديق قادم - كما جاء في المغنى عند الكلام على: "باء الجر" -، وكذلك دخولها على المبتدأ الضمير في مثل: كيف بك عند اشتداد الكرب. والأصل كيف أنت.... فلما زيدت الباء وجب تغيير الضمير "أنت لأنه ضمير مقصور على الرفع. فأتينا بدله بضمير يؤدي معناه، ويصلح لدخول حرف الجر، وهو: "كاف" المخاطب، "مجرورة بالباء لفظا في محل رفع مبتدأ ومن هذا قول النابغة الأساس- جـ 1 مادة: "جنح" ص 137" -: يقولون حصن. ثم تأبى نفوسهم ... فكيف بحصن والجبال جنوح؟ 4 تقدم في هامش 441 الكلام على حرف الجر الأصل، والزائد، والشبيه بالزائد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ب" الوصف الذى له مرفوع يستغنى به عن الخبر هوالوصف المشتق الجارى مجرى فعله فى كثير من الأمور، وأوضحها: المشاركةُ فى الحروف الأصلية، وحركاتها وسكناتها، وفى عمله ومعناه ... كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشتبهة، وكذا اسم التفضيل؛ فإنه قد يرفع الظاهر فى مثل: ما رأيت ورقةً أحسنَ فى سطورها الخطُّ منه فى ورقةِ محمودٍ. فيقال هنا عند وقوعه مبتدأ هل أحسنُ فى سطور هذه الورقةِ الخطُّ منه في سطور غيرها؟ ويلحق بالوصف ما أوّلَ به؛ من كل جامد تضمن معناه؛ مثل: أأسدٌ الرجلان؟ بمعنى أشجاعٌ الرجلان؟. والمنسوب؛ نحون: أعربىٌّ الشاعران. أى: أمنسوب الشاعران للعرب؟ و"ذَو" بمعنى صاحب؛ نحو: أذوعلم القادمان؟ بمعنى: أصاحب علم القادمان؟ والمصغر؛ نحو: أصُخَيْرٌ المرتفعان؛ لأنه بمعنى: صخر صغير. فكل هذه الأنواع المؤولة تجرى مجرى المشتق فى أن لها مرفوعاً فى بعض الأحيان تستغنى به عن الخبر. "حـ" قلنا إن الوصف يسبقه فى الأكثر نفى، أواستفهام؛ فالنفى قد يكون بالحرف؛ نحو: ما غائب الشاهدان، أوبالفعل؛ نحو: ليس محبوب الغادرون4.

_ 1 انظر ما يتصل ويوضح هذا في رقم 4 من هامش ص 462. 2 انظر رقم 2 من هامش ص 445. 3 انظر رقم 6 من هامش ص 461. 4 "ليس" فعل ماض. "محبوب" اسمها مرفوع، وأصله مبتدأ، "والغادرون" نائب فاعل "لمحبوب"، مرفوع بالواو، ويغني عن خبر ليس فهو من المواضع التي يغني فيها المرفوع مع بقائه مرفوعا- عن المنصوب، وقد أشرنا لهذا في رقمم 2 من هامش ص 444، كما أشرنا هناك إلى صورة أخرى، هي: أن المبتدأ لا يحتاج إلى خبر إن كان هذا المبتدأ وصفا ناسخا يعمل على الوجه الذي وضحه المثال الذي في رقم 1 من هامش ص 566. جاء في حاشية الصبان هنا- عند الكلام على إعراب الوصف الواقع بعد أداة النفي "ليس"- ما يقارب النص الآتي: "إدخال اسم "ليس" فيما نحن فيه هو باعتبار كونه مبتدأ في الأصل. وكذا يقال في اسم "ما" عند اعتبارها حجازية، وكذلك إدخال الفاعل- ونائبه- فيما نحن فيه، هو باعتبار كونه مغنيا عن خبر مبتدأ في الأصل. وكذا يقال في خبر "ما" الحجازية، ثم في إغناء الفاعل- أو: نائبه - عن خبر "ليس" أو "ما" إغناء مرفوع عن منصوب. ولا ضرر في ذلك، ويظهر أنه لا يقال: هذا الفاعل أو نائبه- في محل نصب، باعتبار إغنائه عن خبر: "ليس"، أو: "ما"، لأنه ليس للأداة ما" أو: "ليس" في هذه الحالة خبر محله الفاعل - أو نائبه- بل الذي تستحقه بعد اسمها فاعل- أو نائب - لاسمها". أهـ. بتصرف قليل يوضح ما غمض من بعض ألفاظ قليلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوبالاسم؛ نحو: غيرُ نافعٍ1 مالٌ حرامٌ. وغيرها من أدوات النفى التى تدخل على الأسماء. بخَلاف ما لا يدخل عليها؛ مثل: لم، ولمَّا، ولن، فإنها أدوات نفى مخنصة بالمضارع. وقد يكون النفى لفظيًا؛ لوجود لفظه كما سبق، أومعنويًا فى نحو: إنما قائم الحاضرون، لأنه فى قوة: ما قائم إلا الحاضرون. وإذا نقص النفى بإلا لم يتغير الحكم السابق؛ نحو: ما قائم إلا الحاضرون. وكذلك الاستهفام قد يكون بالحرف نحو: أحافظٌ الصديقان العهدَ؟ هل عالمٌ أنّما الخبرَ؟ أوبالاسم؛ نحو: كيف جالسٌ الضيوفُ؟ ومَنْ مكرِمٌ الآباءُ! ومتى قادمٌ السائحون؟. "وكلمة "كيف" حال من الفاعل وهو "ضيوف" مبنية على الفتح في محل نصب2. و "من" مفعول به لكلمة: مكرم، مبني على السكون في محل نصب. و "متى" ظرف لكلمة: "قادم مبني على السكون في محل نصب". وقد يكون الاستفهام مقدرًا يدل عليه دليل؛ نحو: واقف الرجلان أم قاعدان؟ فوجود "أمْ" دليل على أنها مسبوقة باستفهام؛ شأن "أمْ" التى لطلب التعيين. "د" سبق3 أن المبتدأ الذى يستغنى بمرفوعه عن الخبر مقصور على نوع معين من المشتقات "أى: من الوصف"؛ وعلى الجامد المؤول بالمشتق وقد سبقت أمثلته. ومن أمثلته أيضاً بعض أساليب سماعية وقع فيها المبتدأ اسمًا جامدًا ليس له خبر؛ وإنما له اسم مرفوع يغنى عن الخبر؛ وذلك لتأول الجامد بالمشتق،

_ 1 "غير" مبتدأ، مضاف. "نافع" مضاف إليه مجرور. "مال" فاعل، لنافع، يغني عن الخبر، لأن المعني. "ما نافع مال حرام"، فأنزلنا: "غير نافع" منزلة: "ما نافع"، لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد، ولهذا يقال: إن الوصف هنا- وهو كلمة: "نافع" ليس مبتدأ ومثلة ورد من قوله الشاعر: غير لاه عداك فاطرح اللهو ... و، ولا تغترر بعارض سلم "فغير مبتدأ مضاف، و "لاه" مضاف إليه مجرور، و "عدا" فاعل للوصف: لاء" يغني عن الخبر: ومثل قوله: غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن فالجار والمجرور "على زمن" نائب فاعل للوصف "مأسوف، اسم المفعول" يغني عن الخبر. 2 في هامش ص 509 أوجه إعراب: "كيف". 3 في ص 442 وفي "ب" من ص 448.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولهم لا نَوْلُكَ أن تفعل كذا ... يريدون: ما متناولك أن تفعل ... أى: ليس متناولك هذا الفعل، فليس هوالذى تتناوله. والمراد لا ينبغى ولا يليق بك تناوله. فكلمة: "نوْل" جامدة؛ لأنها مصدر بمعنى: التناول، ولكنها مؤولة بالمشتق؛ إذ معناها: متناوَل، فهى بمعنى اسم المفعول، وتعرب مبتدأ، بمعنى: متناوَل، والمصدر المؤول من أنْ والفعل والفاعل: "أن تفعل" فى محل رفع نائب فاعل لها. ولا مانع من أن تكون كلمة "نول" مبتدأ والمصدر المؤول فى محل رفع خبره. وبهذا لا تحتاج إلى تأويل. وكذلك وردت أساليب أخرى قليلة "لا يجوز القياس عليها" وقع فيها المبتدأ وصفًا لا خبرٍ له، ولا مرفوع يغنى عن الخبر، منها؛ أقل رجل يقول ذلك. والمراد؛ قَل رجلٌ يقول ذلك1؛ أى: صَغُر شأ، هـ وحَقُر. فقيل إن المبتدأ لا يحتاج هنا إلىخبر، وجملة: "يقول ذلك" صفة "لرجل" النكرة؛ لأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ فتُفَضّل الصفة على الخبر؛ فتغنى عنه. وقيل السبب هو: أن المبتدأ ليس مبتدأ فى المعنى؛ إذ الكلام ليس مقصودًا به التفضيل؛ وإنما المعنى: قَلَّ رجلٌ يقول ذلك؛ فهومبتدأ فى ظاهره، فعل فى معناه وحقيقته؛ فكيتفى بالمضاف إليه الذى هوفاعل فى الأصل، ويستغنى به عن الخبر. وقيل: إنه مبتدأ والجملة هى الخبر؛ والأخذ بها الرأى وحده أوفق؛ لمسايرته الأصل العام الذى يقضى بأن للمبتدأ خبرًا، أومرفوعًا يغنى عنه. على أن هذا الأسلوب سماعى لا يجوز القياس عليه، فذكره ليفهمه من يراه فى النصوص المسموعة؛ فيقتصر عليها فى الاستعمال. هـ- أشرنا فى "رقم 2 من هامش ص 402" إلى المبتدأ الى لا يحتاج لخبر إن كان هذا المبتدأ وصفًا ناسخًا يعمل؛ كالمثال الذى فى رقم 1 من هامش ص 511 كما أشرنا فى رقم 3 من هامش ص 406 إلى الناسخ الذى يحتاج لخبر منصوب فيستغنى عنه بمرفوع. و إذا كان الخبر هوالذى يتمم الفائدة مع المبتدأ - على الوجه المشروح

_ 1 ومن معانيه أيضا نفي الجنس، أي: لا رجل يقول ذلك وهو من الألفاظ الملازمة للابتداء- كما سيجي في جـ" من هامش ص 543-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما تقدمم1 فأين الخبر في مثل: فلان - وإن كثر ماله - لكنه بخيل؟ . وهذا تعبير يتردد على ألسنة بعض السابقين من "المولدين2" الذين لا يستشهد بكلامهم ومثله: فلان - وإن كثر ماله - إلا أنه بخيل. وكلا التعبيرين ظاهر القبح والفساد3 بالرغم مما حاوله بعض متأخري النحاة- كما نقل الصبان4 من تأويله تأويلا غير مستاغ، ليصحح الأول على أحد اعتبارينن: أولهما: أن جملة الاستدراك هي الخبر، بشرط اعتبار المبتدأ مقيدا بالقيد المستفاد من الجملة الشرطية التي بعده، فإن المراد، فلان مع كثرة ماله، ن بخيل ... أو: فلان الكثيرث المال بخيل، أو نحو هذا.... والتكلف المعيب ظاهر في هذا. ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا والاستدراك منه. أي: فلان دائب العمل وإن كثر ماله لكنه بخيل. أو.... وهذا الوجه المعيب ينطبق على المثال الثاني أيضا5.

_ 1 ص 442 ورقم 8 من هامشها. 2 جاء في المصباح المنير ما نصه في مادة "ولد": "رجل مولد، بالفتح: عربي غير محض، و "كلام مولد" كذلك". أهـ. وغير محض، أي غير خالص. وفي الأساس ما نصه: "ولدوا حديثا وكلاما: استحدثوه. وكلام مولد: ليس من أصل لغتهم. وشاعر مولد" أهـ. 3 أما في الأسلوب الأول فلعدم وقوع "لكن" بين جملتين، كما تقضي بهذا الضوابط التي توجب أن تقع أداة الاستدراك "وهي "لكن" مشددة النون، وساكنتها" بين جملتين، كما توجب ألا تقع في صدر جملة تعرب خبرا عن مبتدأ، إذ المبتدأ ليس جملة، فلا تتوسط بين جملتين، وأما في الأسلوب الثاني فلأنه نوع من الاستثناء غير معروف عن العرب الذين يستشهد بكلامهم. 4 "جـ 1" أول باب: "المبتدأ والخبر"، عند تعريف الخبر. 5 سيجيء لهذا البحث بيان آخر في رقم 22 من هامش ص 471، وإشارة أخرى عند الكلام على: "لكن"، في رقم 2 من 2 ص 6300-- وكذلك في جـ4 ص 407، مم 155 حيث نجد وجها ثالثا، هو: زيادة "إن" وهو معيب هنا.

المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه إذا كان المبتدأ وصفًا متقدمًا فله مع مرفوعه حالتان؛ إحداهما: أن يتطابقا فى الإفراد، والتثنية، والجمع والأخرى: ألا يتطابقا. "ا" فإن تطابقا فى الإفراد مع تقدم الوصف "مثل: أحاضرٌ القلمُ؟ - ما مهزومٌ الحقٌّ" جاز أن يعرب الوصف المتقدم مبتدأ والاسم المرفوع به فاعلا، أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف، وجاز أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا. والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. ففى المثال الأول يجوز أن تكون كلمة: "حاضر" مبتدأ، وكلمة: "القلم" فاعل أغنى عن الخبر. ويجوز أن تكون كلمة: "حاضر" خبرًا مقدمًا. والقلم مبتدأ مؤخرًا. وفى المثال الثانى يصح أن تكون كلمة: مهزوم؛ مبتدأ "والحق" نائب فاعل أغنى عن الخبر. كما يجوز أن تكون كلمة: "مهزوم" خبرًا مقدمًا و"الحق" مبتدأ مؤخرًا. والمطابقة فى الإفراد على الوجه السابق الذى يبيح الإعرابين المذكورين تقتضى المطابقة فى التذكير والتأنيث حتمًا؛ فإن اختلفت فى مثل: "أمغرد فى الحديقة عصفورة"؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ، والاسم المرفوع بعده فاعله أونائب فاعل على حسب نوع الوصف، ولا يصح إعراب الوصف خبرًا مقدمًا

_ 1 المراد به: التماثل في الإفراد، والتثنية، والجمع، وما يصحب ذلك من التأنيث، والتذكير وقد سبقت صور هامة منه "في: "ح" من ص 262" وهي غير الآتية هنا، وفي ص 455، والتطابق أنواع يذكر كل نوع في الباب الذي يتناسبه، كما قلنا في 2 من هامش ص 2622 أما غير الوصف ففي ص 457. 2 لأن الوصف المتأخر لا يصح أن يسبقه مرفوعه "الفاعل، أو نائب الفاعل"، إذ الوصف بمنزلة الفعل في هذا، والفعل لا يتقدم عليه مرفوعه. 3 فالاسم المرفوع باسم الفاعل وصيغ المبالغة، أو بالصفة المشبهة، أو بأفعل التفضيل- يعرب فاعلا، والمرفوع باسم المفعول يعرب نائب فاعل - كما سبق في رقمم 2 من هامش ص 442 -- ولا يجيزون تطبيق هذا الحكم على نحو: "هل من خالق غير الله.... " لما تقدم في رقم 2 من هامش ص 448 - وهناك الرد عليه. 4 ويعرب نائب فاعل حين يكون الوصف إسم مفعول - كما أشرنا في رقم 3 -.

مع إعراب الاسم المرفوع مبتدأ مؤخرًا؛ وذلك لعدم تطابقهما فى التأنيث؛ إذ لا يصح أن نقول: أعصفورة مغرد فى الحديقة. ومما يجوز فيه الأمران أيضاً: أن يكون الوصف أحد الألفاظ التى يصح استعمالها بصورة واحدة فى الإفراد والتأنيث وفروعهما من غير أن تتغير صيغتها؛ مثل كلمة: "عدو"، فيصح: اللص عدو- اللصان عدو- اللصوص عدو- اللصة عدو- اللصتان عدو- اللصات عدو ... فمثل هذه الكلمة التى يصح فيها أن تلزم صورة واحدة فى جميع الأساليب يجوز فيها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع: "مثل: أعدواللص - أعدواللصان - أعدواللصوص ... " أن يكون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أونائب فاعل، على حسب نوع الوصف. كما يجوز أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. فهذه مسألة أخرى يجوز فيها الأمران1. ومثلها المصدر الذى يصح أن يستعمل بلفظ واحد فى استعمالاته المختلفة؛ مثل: أحاضر عدْل - أحاضران عدل - أحاضرون عدْل ... و ... وإن تطابقا فى التثنية أوالجمع "مثل: ما السابحان المحمدان - ما السابحون المحمدون"، فالأحسن - فى رأى جمهورة النحاة2 - أن يعرب الوصف خبرًا مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا3.

_ "1 و1" ومن الكلمات التي قد تستعمل بلفظ واحد في الأساليب المختلفة: "صريح"، و "محض" "في مثل: هذا عربي محض، أي: خالص العروبة، وعربيا في محض، وعرب محض" و "رسول"، و "صديق"، و "قنعان" "بضم القاف، وسكون النون، رجل قنعان، أي: يقنع الناس بكلامه، ويرضون برأيه، وامرأة قنعان، ونسوة قنعان.... كل ذلك بغير تثنية ولا جمع، ولا تأنيث...." و " د لا ص"، "يقال: درع د لا ص، أي: براقة، بلفظ واحد في الاستعمالات كلها إلى غير ذلك من الألفاظ التي ورد كثير منها في آخر الجزء الثاني من "المزهر" للسيوطي. 2 وقيل هو واجب، لما سيجيء في رقم 3 بعد هذا مباشرة. 3 وفي هذا الرأي يقول ابن مالك: والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقا استقر يريد "بالثاني: الاسم المرفوع بعد الوصف، فيعرب مبتدأ مؤخرا، ويعرب الوصف خبرا مقدما بشرط أن يكون ذلك الاسم طبقا، "أي: مطابقا" للوصف في غير الإفراد، بأن يطابه في التثنة. والجمع، ونحن لا نوافق النحاة القدامي على رأيهم هذا، لأن حجتهم واهية، فهم يقولون إن الوصف في هذه الصورة لو أعرب مبتدأ وما بعده فاعله أو نائب فاعله، لترتب على ذلك أن يكون الوصف =

"ب" وإن لم يتطابقا فإن كان الوصف مفردًا ومرفوعه مثنى أوجمعًا "مثل: أعالم المحمدان؟ أمحبوب المحمدون؟ " صح التركيب فى هذه الصورة الخالية من المطابقة، ووجب إعراب الوصف مبتدأ، وإعراب مرفوعه فاعلا أونائب فاعل على حسب حاجة الوصف - أغْنَى عن الخبر، ولا يجوز أن يكون مرفوعه مبتدأ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المبتدأ مثنى أوجمعًا والخبر مفردًا؛ وهذا لا يجوز ويتساوى فى هذا الحكم أن يكون مرفوع الوصف اسمًا ظاهرًا، وضميرًا بارزًا1 ... أما فى غير هذه الصورة فلا يصح التركيب؛ ويكون الأسلوب فاسدًا. فمن الصور الفاسدة: أن يكون الوصف مثنى والاسم المرفوع مفردًا؛ مثل: ما قائمان محمد، أويكون الوصف مثنى والاسم المرفوع جمعًا؛ نحو: أقائمان

_ = مثنى، أو مجموعا، والوصف عندهم إذا رفع اسما بعده، يكون بمنزلة الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، فكذلك ما هو بمنزلته. ونقول هنا ما قلناه من قبل- في رقم 2 من هامش ص 448-، وهو أن أساس رأيهم التوهم، والتخيل، والقياس الجدلي، لا اليقين، ولا الظن القوي، أو ما يدانيه، ولا القياس الحقيقي على ما نطقت به العرب، ففيه ما فيه من تحكم لا داعي له، فقد تكلم العرب الفصحاء بمثل هذا الأسلوب كثيرا، ولم يقولوا لأحد إن الوصف مبتدأ أو غير مبتدأ، ولم يقولوا في المرفوع بعده إنه يجب أن يكون مبتدأ والوصف خبره ... لم يقولوا شيئا من ذلك ولم يتعرضوا للناحية الإعرابية. فكل حقهم وحق اللغة علينا ألا نخالف نهج هذا الأسلوب عند الصياغة كما ورد عنهم في تأدية معنى معين، وألا نخرج عن طريقتهم في تكوينه، وضبط مفرداته، ومعناه، أما ما عدا ذلك من الأسماء والتسميات والإعرابات- فلا شأن لهم به، وإنما هو شأن المعنيين بالدراسات اللغوية والنحوية في العصور المختلفة، وقد ترتب على رأي النحاة القدامي تعدد التقسيم في مطابقة الوصف، وكثرة الأحكام، فكان هناك التطابق في الإفراد، وله حكمان، وهناك التطابق في التثنية والجمع، ولكل حكمه. والرأي السمح الذي يرتضيه العقل أن التطابق في الإفراد كالتطابق في التثنية وفي الجمع، فما يجوز في حالة الإفراد يجوز في غيره عند التطابق، وبذلك ندخل التطابق كله في قسم واحد متقق في حكمه، ونستغنى عن التطابق في حالتي التثنية والجمع وعن حكمه المستقل. ولن يترتب على ذلك ضرر في طريقة صوغ الأسلوب، ولا في ضبط كلماتهه وحروفه، ولا في معناه، كما قلنا. وفوق هذا فرأينا يساير بعض اللهجات الصحيحة التي تناقض حجة النحاة في قولهم: إن الفعل لا تلحقه علامة تثنيته ولاجمع، وأن ما يشبهه يسير على منواله، ذلك أن بعض القبائل العربية الفصيحة يخالف هذا، فليحق بالفعل علامة التثنية والجمع، وبلغتهم أخذ فريق كبير من النحاة. كما سيجيء في جـ 2 باب: "الفاعل" وأحكامه ومنها: الحكم الرابع، م 55 ص 71 فالرأي بتوحيد التطابق رأي فيه تيسير فوق مسايرته للعقل والنقل. 1 ومن أمثلة الضمير البارز قول الشاعر: خليلي، ما واف بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع فليس منن اللازم أن يكون مرفوع الوصف اسما ظاهرا. فقد يكون ضميرا مستترا أو بارزا، وقد يكون ضميرا متصلا مجرورا بحرف جر، "كالمثال الذي سبق في رقم 22 من هامش ص 445 و 4 من هامش ص 462."

المحمدون؟. أويكون الوصف جمعًا، والاسم المرفوع مفردًا، مثل: أحاضرون محمدٌ؟ أويكون الوصف جمعًا والاسم المرفوع مثنى؛ نحو: أحاضرون الرجلان ... وهكذا كل صورة تخلومن المطابقة الصحيحة. من كل ما تقدم يمكن تلخيص الحالات الإعرابية الخاصة بالمبتدأ الوصف فى ثلاث1: الأولى: وجوب إعرابه مبتدأ يرفع فاعلا، أونائبه - إذا لم يطابق ما بعده. وهذه الحالة مقصورة على أن يكون الوصف المتقدم مفردًا، والاسم المرفوع بعده مثنى أوجمعًا؛ نحو: أسابح المحمودان؟ - أسابح المحمودون؟ الثانية: وجوب إعرابه خبرًا2 مقدمًا والاسم المرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا، وذلك عند تطابقهما فى التثنية أوفى الجمع؛ نحو: أنائمان الرجلان؟ أنائمون الرجال؟ الثالثة: جواز الأمرين إن تطابقا فى الإفراد، وما يقتضيه3. مثل أقارىء الجندىّ؟ وفى بعض مسائل سبقت الإشارة إليها4.

_ 1 مع "مراعاة المحكومم عليه والمحكوم به، فهذه المراعاة واجبة دائما، ولها الاعتبار الأول، وتقضي بأن يكون المحكوم عليه هو المبتدأ، والمحكوم به هو: الخبر وقد شرحنا هذا في هامش ص 442. 2 وذلك رأي كثير من النحاة، ورأينا جواز الأمرين، لما بسطناهه في رقم 3 من هامش ص 454 3 ما لم يمنع مانع آخر سبق توضيحهه في ص 453. وكمراعاة المحكوم والمحكوم عليه. 4 في ص 454.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" هناك أنواع أخرى من المطابقة الواجبة، أوالجائزة، أوالممنوعة فيجب أن يكون الخبر مطابقًا للمبتدأ فى الإفراد والتذكير، وفروعهما1؛ بشرط أن يكون الخبر مشتقًّا لا يستوى فيه التذكير والتأنيث، وأن يكون جاريًا على مبتدئه. ومن الأمثلة: محمود غائب، المحمودان غائبان، المحمودون غائبون. فاطمة غائبة. الفاطمتان غائبتان، الفاطمات غائبات ... فلا تطابق فى مثل: زينب إنسان، ولا مثل: أتعرفُ الدنيا خداعة؟ وهى إقبال وإدبار؛ لعدم اشتقاق الخبر. ولا فى: هذا جريح؛ لأن الخبر وصف يستوى فيه المذكر والمؤنث "وسيجىء فى باب التأنيث من الجزء الرابع تفصيل هذه المسألة" ولا فى: سعاد كريم أبوها؛ لأن الخبر جار على غير مبتدئه. وإذا كان المبتدأ جمعًا لما لا يعقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمعًا سالما مؤنثًا، أوجمع تكسير للمؤنث، أوجمع تكسير للمذكر؛ مراعاةً لمفرده المذكر غير العاقل - إن لم يمنع من الجُمُوع السالفة ما نع آخر - نحو: العقوبات رادعة، أورادعات، أوروادع - البيوت عالية، أوعاليات، أوعوال، أو: أعال، جمعُ أعْلَى. فإن كان المبتدأ جمع مؤنث للعاقل جاز فى خبره أن يكون مفردًا مؤنثًا، أوجمع مؤنث سالمًا، أوجمع تكسير للمؤنث؛ نحوالمتعلمات نافعة، أونافعات، أونوافع. وقد سبق لهذا - ولحالات أخرى - بيان عند الكلام على تطابق الضمير ومرجعه2.

_ 1 وكذلك تسري المطابقة وجوبا، على المبتدأ المتعدد-- مثنى، أو جمعا- إذا كان تعددهه بطريق التفريق، أي: عطف بعض الأفراد على بعض، نحو: الأرض والقمر كوكبان في المجموعة الشمسية، ونحو: محمود وصالح مخترعون ... ومن التثنية بالتفريق قول الشاعر: الكبر والحمد ضدان. اتفاقهما ... مثلي اتفاق فتاء السن والكبر "الفتاء: الشباب". وقد يكون تعدد المبتدأ بمراعاة معطوف محذوف، نحو: راكب الناقة - طليحان - بالبيان الذي في أول ص 453. 2 انظر رقم 11 من هامش ص 22 ثم ص 262 "ح" ثم في رقم 6 من هامش ص 321 ثم في ص 3349 وهامشهما وص 457 وما بعدها، ويجيء له بيان أيضا في جـ 3 ص 4300 م 114 - باب النعت- وفيه إن بعض المراجع التي أخذ منها.

وقد يُذَكَّر المبتدأ لمرادعاة الخبر؛ كقوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} والإشارة المثناة راجعة إلى اليد والعصا قبل هذه الآية1، وهما مؤنثتان، ولكن المبتدأ هنا مذكر لتذكير الخبر، ومثله قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى لشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ} 2 ... فاسم الإشارة: "هذا" مذكر، مع أن المشار إليه - وهو: الشمس - مؤنث، فحق الإشارة إليها أن تكون باسم إشارة للمؤنث مثل: "هذه". قال الزمخشرى: "فإن قلت: ما وجه التذكير؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر، لكونهما عبارة عن شىء واحد؛ كقولهم: "ما جاءت حاجتَك"3؟ أى: ما صارت حاجتَك؟ - ومن كانت أمَّك؟ ... - ومثل هذا ينطبق على الآية السابقة وهى: "هذا ربى". على أن التذكير فى هذه الآية واجب لصيانة "الرب" عن شبهة التأنيث لوقيل: "هذه ربى". ألا تراهم قالوا فى صفة "الله": "علاّم"، ولم يقولوا: "علاّمة" - وإن كان "العلاّمة" أبلغ -؛ احترازًا من علامة التأنيث. اهـ ببعض اختصار. ومن تأنيث المبتدأ المذكر مراعاةً لتأنيث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بالتاء فى أول المضارع: "تكنْ" لتأنيث اسم الناسخ؛ وهذا الاسم هوالمصدر المنسك المتأخر، وهوفى أصله مذكر، ولكنه أنَّث موافقة للخبر المتقدم، وبسبب تأنيث هذا الخبر أنَّث الفعل "تكن". وإذا كان الخبر دالاً على تقسيم أوتنويع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فى الإفراد وفروعه؛ نحو: الصديق صديقان، مقيم على الود والولاء، وتارك لهما، والإخاء إخاءان، خالص لله، أولمغنم عاجل. وكقولهم: المال أنواع؛ محمود الكسب، محمود الإنفاق؛ وهذا خيرها. وخبيث الثمرة خبيث المَصْرِف؛ وهذا شرّها، وما اجتمع له أحد العيبين وإحدى المزيتين؛ وهوبمنزلة بين المنزلتين السالفتين.

_ 1 في قوله تعالى في سورة "القصص": {وأن ألق عصاك ... } - راجع ما قاله أبو حيان في البحر عند تفسيره الآية، جـ 7 ص 117. 2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 7 من ص 265 ورقم 6 من هامش ص 321. 3 بيان هذا الأسلوب وإعرابه في هامش رقم 1 من ص 556.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنَزَّل منزلة المفرد؛ بقصد التشبيه، أوالمبالغة، أونحوهما؛ سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا فى قولهم: المقاتلون فى سبيل الله رجل واحد وقلب واحد، وهم يد على من سواهم، وقولهم: التجارب مرشد حكيم، والمنتفعون بإرشاده قلعة تَرتدّ دونها الشدائد، ومن أمثلة التعدّد الحقيقى أيضًا، قول الشاعر: المجْد والشَّرف الرّفيع صحيفةٌ ... جُعِلتْ لها الأخلاق كالعنوان وقد يختلفان تذكيرًا وتأنيثًا، ولكن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف - كسابقه - المبالغة، أوالتشبيه ونحوهما؛ مثل: الشدة مرب حازم، والتجربة معلم نافع، واللص هيابة، والمؤرخ نَسَّابة. وقد يختلفان كذلك إذا كان المبتدأ اسم جنس جميعًّا على الوجه الذى سبق تفصيله1. ومن الخبر الذى يجوز فيه التذكير والتأنيث كلمتا: "أحَد. وإحدى" المضافتين، إذا كان المضاف إليه لفظًا يخالف المبتدأ فى التذكير أوالتأنيث؛ فيجوز فى الكلمتين موافقة المبتدأ، أوالخبر، مثل: المال أحد السعادتين، أو: إحدى السعادتين، بتذكير "أحد" مراعاة للمبتدأ المذكر "المال" وبالتأنيث مراعاة للمضاف إليه المؤنث، وهوكلمة: السعادتين. ومثل: الكتابة أحد اللسانين، إوإحدى اللسانين، بالتأنيث أوالتذكير، طبقًا لما سلف2. وقد يكون الخبر مؤنثًا والمبتدأ مذكرًا مضافًا إلى مؤنث؛ فيستفيد التأنيث من المضاف إليه، أوالعكس؛ "بأن يكون الخبر مذكرًا والمبتدأ مؤنثًا مضافًا إلى مذكر؛ فيستفيد منه التذكير". ويشترط فى الحالتين أمران3. ا- أن يكون المبتدأ المضاف صالحًا للحذف، وللاستغناء عنه بالخبر من غير أن يفسد المعنى. ب- وأن يكون المبتدأ المضاف كُلاًّ للمضاف إليه، أوجزءًا منه، أومثل الجزء ... و ...

_ 11 في ص 21 و 2265. 2 راجع رقم 7 من 265 ورقم 6 من هامش 321 ففيهما بعض إيضاح لهذه المسألة والتي تليها. 3 راجع البيان والتفصيل الخاص بهذا الحكم في جـ3 ص 622 م 93 باب الإضافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أمثلة اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث قول الشاعر: وما حُبُّ الديارِ شَغَفْنَ قلبى ... ولكن حُبُّ مَن سكنَ الديارا ومِن أمثلة اكتساب المضاف التذكير من المضاف إليه قولهم: رؤيةُ الفكر عواقبَ الأمور مانعٌ له من التسرع. وهناك حالات هامة من المطابقة وأحكامها المختلفة أشرنا إليها فيما سبق1. حـ- الغالب أن البدل يرتبط به ما بعده، ويعتمد عليه، فيطابقه فى حالتى التذكير والتأنيث وغيرهما، نحو: إن الغزال عينَه جميلة، وإنّ الفتاة جفنَها فاتر، ينصب كلمتى "عين" و"جفن" - وهما بدلان - وتأنيث خبر "إن" فى المثال الأول، وتذكيره فى الثانى. ولولا أن الملاحَظ هوالبدل - وأنه بمنزلة المبدل منه - لوجب التذكير فى الأول، والتأنيث فى الثانى. ولا مانع من العدول عن البدل فيما سبق إلى المبتدأ فى الكلمتين، ولعله الأحسن؛ لبعده عن اللبس الناشىء من البدل. ولا بد عند مراعاة الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره. ومن غير الغالب قول الشاعر: إن السيوفَ غُدُوَّها ورواحَها ... تركت هَوَازن مثلى قرن الأعْضَب2 فقد جاء الفعل "ترك" مؤنثًا مراعاة لاسم: "إن"، لا للبدل3 ...

_ 1 في رقم 22 من هامش ص 457 بيان مواضعها، وأرقام صفحاتها ... 2 الأغضب: الحيوان المكسور قرنه. 3 راجع في هذه المسألة الصبان جـ 3 آخر باب: "البدل" والخضري جـ2 أول ذلك الباب. وستجيء في الجزء الثالث من "النحو الوافي" ص 652 م 126 باب: "البدل".

المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر عرفنا1 أن الخبر جزء أساسىّ فى الجملة؛ يكملها مع المبتدأ الذى ليس بوصف2 ويتمم معناها. وهو ثلاثة أقسام: مفرد، وجملة. وشبه جملة3. القسم الأول: الخبر المفرد: وهوما كان كلمة واحدة، أوبمنزلة الواحدة4 "أى: ليس جملة، ولا شبه جملة" وهوإما جامد"5، فلا يرفع ضميرًا مستترًا"6 فيه، ولا بارزًا، ولا اسمًا ظاهرًا؛

_ 1 في ص 442. 2 لأن الجزء الذي يكمل الجملة مع المبتدأ الوصف لا يسمى خبرا، وإنما يسمى- كما سبق في ص 444- "مرفوع الوصف"، سواء أكان المرفوع فاعلا، أم نائب فاعل، ويقوول ابن مالك في الخبر: والخبر الجزء المتم الفائدة ... كالله بر والأيادي شاهده "الله بر" مبتدأ وخبر، وكذلك: "الأيادي" مبتدأ، مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و "شاهدة" خبر مرفوع. ولم يصرح ابن مالك بأن الخبر يكمل الجملة بشرط أن يكون مع المبتدأ، لضيق الظلم، والاكتفاء بالمثالين. 3 يراد بشبه الجملة في هذا الباب أمران، هما: الظرف، والجار مع مجروره، أما في صلة الموصول فيراد به هذين، وأمر ثالث، هو: "الصفة الصريحة" التي تقع صلة" أل" - على التفصيل التي ذكرناه في ص 384 و 475. 4 ما هو بمنزلة الواحدة يشمل أنواع الاسم المركب، كالمركب المزجي، والمركب العددي، الذي يلحق به "مثل: هذه نيويورك - أنتم أحد عشر" والمركب الإسنادي "مثل: هذا "جاد، الله".... ولا يدخل الإضافي. 5 أي: ليس مشتقا. ويذكر هنا كثيرا: الوصف، بمعنى: المشتق. 6 إلا عند التأويل، "مثل: قلب الظالم حجر. أي: قاس لا يلين"، "يد الشجاع حديد. أي: قوية". ولا يصح التأويل بالمشتق إذا أريد بالجامد ذاته الأصلية حقيقة أو مبالغة، كأن يرى أسدا حقيقيا فنقول: هذا أسد، أو: ترى شجاعا فتقول على المبالغة والأدعاء المجازي: هذا أسد. كما لا يجوز التأويل إذا أريد التشبيه البليغ في: هذا أسد، أي: هذا كالأسد في الشجاعة، وقد سبق بيان الجاري مجرى المشتق، ن وأنه مثل: هذا أسد، أي: شجاع، وكذا المنسوب، و "ذو" بمعنى: صاحب، والمصغر ... راجع "ب" من ص 448. هذا ويجري على الجامد المؤول بالمشتق كثير من أحكام المشتق، لا تجري عليه إلا بعد التأويل....

مثل: كلمتى: "كَرة" و"نهر" فى قولنا: الشمس كرة، الفرات نهر، ومثل كلمتى "إقبال" وإدْبار" فى قول الشاعر يصف ناقته التى فقدتْ وليدها: ترتَع1 ما رَتَعَتْ، حتَّى إذا ادّركتْ2 ... فإنما هى إقبالٌ وإدبار3 فالخبر فى الأمثلة السابقة فارغ من الضمير المستتر، وغير رافع لضمير بارز أولاسم ظاهر بعده. وإما مشتق4 "وصف" فيرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أويرفع ضميرًا بارزًا، أو: اسمًا ظاهرًا بعده؛ مثل: الهرم مرتفع - الآثار عالية. أى: مرتفع هو. وغالية هى5، فقد تحمل المشتق ضميرًا مستترًا وجوبًا يعود على المبتدأ؛ ليربط الخبرية ارتباطًا معنويًا. ومثل: ما راغب أنتم فى الظلم؟ فقد رفع

_ 1 ترعى. 2 تذكرت. 3 يريد، مقبلة ومدبرة، من شدة الحزن عليه. 4 المشتق الذي يتحمل الضمير: هو ما سبقت الإشارة إليه في ص 4448 - بأنه الذي يجري مجرى فعله في كثير من أموره، كالمشاركة في حروفه الأصلية وفي حركاته، وسكناته، وعمله، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل.... وكذلك الجامد الذي الذي تضمن معنى ذلك المشتق، كالمنسوب، والمصغر، و "ذي" بمعنى: صاحب - أما المشتق الذي لا يجري مجرى الفعل ولا يتأول به فإنه لا يتحمل ضميرا، كاسم الآلة، واسم الزمان، أو المكان، فكلمة "مفتاح" اسم آلة، مشتق من الفتح فإذا وقع خبرا في مثل قول الشاعر: الرفق يمن: وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات لم يتحمل ضميرا. وكذلك ما كان على صيغة "الزمان أو المكان": نحو، ملعب، ومطعم، ومجلس، وموعد.... فإنه لا يتحمل الضمير إذا وقع خبرا.... إنما يتحمله المشتق الجاري مجرى الفعل - كما قلنا - وذلك بشرط ألا يرفع اسما ظاهرا بعده، نحو: أصالح غائب والده؟ أو ضميرا بارزا، نحو: أصالح ذاهب أنت إليه؟ ففي الحالتين لم يرفع الوصف ضميرا مستترا، لوجود فاعلة منطوقا به في اللفظ، والوصف لا يرفع فاعلين مطلقا، وكذلك إذا رفع ضميرا متصلا مجرورا، مثل: الخائن مغضوب عليه، فالضمير المجرور بحرف الجار في محل رفع رفع نائب فاعل، برغم أننا- للتيسير كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 445 - نقول: الجار مع مجروره نائب فاعل، والمشتق: "مغضوب" فارغ من الضمير، إذ ليس للمشتق إلا مرفوع واحد، وقد استوفاه، وهو: البارز. والضمير المستتر في الوصف الواجب الاستتار- كما عرفنا- إلا في بعض الصور، ومنها: ما يوجب إبرازه، كالحصر في مثل: على ما قائم إلا هو، وكجريان الوصف على غير ما هو له مع عدم أمن اللبس. - كما سيجيء في ص 463 - ويعرب في هاتينن الحالتين فاعلا أو نائب فاعل على حسب نوع المشتق. 5 إذا ظهر مثل هذا الضمير بعد المشتق فالأحسن إعرابه - في غير الحالات التي أشرنا إليها في رقم 4 - توكيدا للضمير المستتر، لا فاعلا، مع مراعاة ما في رقم 1 من هامش ص 464.

الخبر المفرد المشتق ضميرًا بارزًا بعده. ومثل: الورد فاتن ألوانُه، ساحر أنواعُه. فكل من الوصفين: "فاتن، وساحر" قد وقع خبرًا، ورفع بعده اسمًا ظاهرًا. فلا بد فى الخبر المشتق من أن يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا، أوضميرًا بارزًا1 أويرفع اسمًا ظاهرًا بعده. ومن المشتق "الوصف" ما يعرب على حسب الظاهر خبرًا للمبتدأ، مع أن معناه فى الواقع لا يَنْصَبُّ على ذلك المبتدأ، ولا ينسب إليه مباشرة: مثل: البنت الأبُ مكرمَتُهُ هى. "فالبنت" مبتدأ أول. و"الأب": مبتدأ ثان. "مكرمة" خبر المتبدأ الثانى، مع أن معنى هذا الخبر مُنْصَبٌّ على المبتدأ الأول وحده، لان البنت هى المكرمة؛ أى: المنسوب لها الإكرام، دون المبتدأ الثانى. ومثل: الشفيق الأمُّ مساعدُها، هو. فكلمة "الشفيق": مبتدأ أول، و"الأم" مبتدأ ثان. و"مساعد": خبر المبتدأ الثانى. مع أن المعنى هذا الخبر - وهو: مساعد - واقع على الأول، ولاحقٌ به دون المبتدأ الثانى ... ، وهكذا كل وصف وقع خبرًا عن مبتدأ غريب عن معنى ذلك الخبر، وعن مدلوله. وهذا الخبر يقول عنه النحاة. "إنه جارٍ على غير صاحبه. أو: جارٍ على غير من هوله". ولما كان هذا الخبر مشتقًّا كان لابد أن يرفع ضميرًا أواسمًا ظاهرًا. غير أن الضمير هنا يجوز إبرازه، كما يجوز استتاره، بشرط أن يكون المبتدأ المنسوب إليه الخبر والمحكوم عليه حقيقة، واضحًا لا يشتبه بغيره عند الاستتار؛ أى: بشرط أمن اللبس، كما فى الأمثلة السابقة. وهناك أمثلة للوصف الواقع خبرًا يصلح فيها أن يكون جاريًا على من هوله وعلى غير من هوله، فيقع اللبس فى المراد: نحو: "الفارس الحصانُ مُتْعِبُه" فكلمة: "الفارس" مبتدأ، و"الحصان" مبتدأ ثان "ومُتْعِب" خبر الثانى وفيه ضمير مستتر، والجملة منها خبر الأولى. فما المراد من هذا المثال؟ أتريد الحكم على الحصان بأنه يتعب الفارس؛ فيكون الخبر جاريًا على من هوله: أم نريد الحكم على الفارس بأنه يتعب

_ 1 إن وجد داع يقتضي إبرازه - كما سبق -.

الحصان؛ فيكون الخبر جاريًا على غير من هوله؟ الأمران محْتمَلان مع اختلافهما فى المعنى. وهذه هى حالة اللبس، حيث لا قرينة ترجح أحدهما على الآخر. فإن كان المراد هوالمعنى الأول الذى يقتضى جريان الخبر على من هوله وجب استتار الضمير مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على ذلك المعنى؛ فنقول: "الفارس الحصان متعبه". وإن كان المراد هوالمعنى الثانى الذى يقتضى جريان الخبر على غير من هوله وجب إبراز الضمير منفصلاً؛ ليكون إبرازه دليلا على جريانه على غير من هوله؛ فنقول "الفارسُ الحصانُ متعبه هو"1. فالضمير: "هو" عائد على الفارس، المنسوب إليه "أنه متعب"، والمحكوم عليه بذلك الحكم. والضمير: "الهاء" المتصل بالخبر. وهوالهاء فى آخر كلمة: "متعبه" عائد إلى المبتدأ الثانى". ومثل الكلبُ الثعلبُ مخيفهُ. "الكلب"؛ مبتدأ؛ أول. "الثعلب": مبتدأ ثان، "مخيف": خبر الثانى، وهومضاف، والهاء مضاف إليه. فما المراد؟ قد نريد الحكم على الثعلب بأنه يخيف الكلب؛ فيكون الخبر جاريًا على صاحبه، ويجب استتار الضمير؛ مراعاة للأصل السابق؛ ليكون استتاره دليلا على جريانه على صاحبه. وقد نريد المعنى الثانى؛ وهوجريانه على غير صاحبه؛ فجب إبراز الضمير منفصلا؛ ليكون إبرازه شارة على هذا المعنى؛ فنقول: الكلب الثعلب مخيفة هو. ويكون الضمير البارز عائدًا على "الكلب" وهوالمحكوم عليه حقيقة بالخبر؛ أى: بأنه المخيف. أما الضمير الثانى "وهوالهاء المتصلة بالخبر" فعائدة على المبتدأ الثانى2.

_ 1 في حالة اللبس وجريان الخبر على غير من هو له، يتعين أن يكون الضمير البارز فاعلا أو نائب فاعل على حسب نوع الوصف، لأن جريانه على غير صاحبه يمنع استتاره، ويوجب إبرازه منفصلا، فيستمر فاعلا أو نائب فاعل كما كان قبل إبرازه، إذ ليس للوصف إلا مرفوع واحد، فإذا كان ضميرا مستترا وطرا ما يوجب إبرازه منفصلا بقيت له حالة الفاعلية أو النيابة عن الفاعل، ولا يعرب توكيدا للضمير المستتر. ولا مانع أن يحل اسم ظاهر محل الضمير ليمنع اللبس، نحو: الفارس الحصان متعبه الفارس. ومن المستحسن عدم محاكاة هذا الأسلوب، إذ لا يكاد يخلو من إبهام، حتى مع إبراز الضمير - كما سيجيء -. 2 مثل هذا: قائد الجيش راجيه هو -.... ساكن الحصن حارسه هو -.... زميلة البنت مرشدتها هي -.... معلمة الطفلة محبوبتها هي.... فالضمير البارز في الأمثلة السابقة أصله مستتر ويصلح أن يكون مرجعه المضاف أو المضاف إليه، فيحصل اللبس، لعدم تعيين المرجع. ولذا يجب إبراز الضمير لمنع ذلك اللبس. نعم الأكثر في الضمير أن يعود للمضاف، لكن، قد يعود للمضاف إليه أحيانا - كما سبق البيان في رقم 2 من هامش ص 256 وله إشارة في "ز" من ص 261- فإذا برز الضممير تعين إرجاعه للمضاف.

وخلاصة ما تقدم: 1- أن الخبر الجامد لا يتحمل الضمير إلا عند التأويل الذى يقتضيه السياق1؛ وأما المشتق فيتحمله. 2- إذا جرى الخبر المشتق على غير من هوله وكان اللبس مأمونًا جاز استتار الضمير وجاز إبرازه. 3- وإن لم يُؤْمَنْ اللبس وجب إبراره2. هذا، ومن المستحسن عدم محاكاة الأساليب المشتملة على النوع الأخير، وعدم صياغة نظائر لها؛ منعًا لاحتمال ألا يُفهَم المراد منها؛ بالرغم من كثرة ورودها فى الكلام العربى الأصيل، كما يستحسن إهمال الرأى الذى يوجب إبراز الضمير فى حالة أمن اللبس، لمجافاته الأصول اللغة العامة.

_ 1 على الوجه الذي سبق في ص 448 و 449". 2 إلا إن حل محله اسم ظاهر يزيل اللبس. - كما سبق في رقم1 من هامش الصفحة الماضية- ومما يلاحظ أن وجوب الإبراز ليس خاصا بضمير الخبر المفرد عند اللبس. بل يشمل ضمير الخبر الواقع جملة، نحو: محمد صالح أكرمه. كذلك ما يحتمل أن يكون مفردا أو جملة "كمتعلق الظرف والجار مع مجروره" نحو: حامد محمود عنده، أو في حديقته. كما أن اللبس وإبراز الضمير ليس مقصورا على الخبر، بل يشمل أشياء أخرى، كالحال في مثل: ركب عادل الحصان متعبه هو، وكالنعت، في مثل: مر عادل بصديق مكرمه هو، وكالصلة في مثل عادل الحصان النافعه هو. وإذا وقعت جملة فعلية مكان واحد من الثلاثة كان الفعل في كل منها كالوصف الواقع خبرا....

القسم الثانى الخبر الجملة 1: الخبر الجملة: كلمتان أساسيتان لا بد منهما للحصول على معنى مفيد؛ كالفعل مع فاعله أونائب فاعله؛ فى مثل: فرح الفائز، وأكْرِمَ النابغ. وتسمى هذه الجلمة: "فعلية"؛ لأنها مبدوءة - أصالة - بفعل. وكالمبتدأ مع خبره، أوما يغنى عن الخبر فى مثل: المال فاتن. وهل الفاتن مال؟ وتسمى هذه الجملة: "اسمية" "لأنها مبدوءة" أصالة2 باسم؛ فالجملة إما "اسمية"، وإما "فعلية"3 وكل واحدة منهما قد تقع خبرًا4؛ فتكون هنا فى محل رفع5؛ نحو: الصيف يشتد حره. الشتاء يقسو بردُه6. الربيع جَوُّه معتدل. الخريف جوه متقلب. وقد اجتمعت الجملتان فى قول الشاعر: الْبَغْىُ يصْرَعُ أهْلَهُ ... وَالظلمُ مَرتَعُهُ وخِيم7 ويشترط فى الجملة والواقعة خبرًا أن تشتمل على رابط8 يربطها بالمبتدأ، إلا

_ 1 سبق في ص 444 أن الخبر يكون جملة أو شبهها وجوبا في مسائل معينة، سيجيء بيانها في "جـ" من ص 473. وبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543. 22 بان يكون تقدمه أصليا لا طارئا لسبب بلاغي: كتقدم المفعول على فعله لإفادة الحصر في مثل: محمدا أكرمت، فإن هذا التقدم البلاغي ليس أصيلا. 3 ما تقدم عن الجملة بنوعيها هو اختصار لما عرضناه عنهما في رقم 5 من هامش ص 446. 4 وإذا صارت خبرا لم يصح تسميتها جملة إلا على حسب أصلها السابق، "طبقا للبيان الذي سبق في رقم 2 من هامش ص 15 ورقم 2 من هامش ص 374"، ولا يخرج الكلمة عن الصدارة الأصلية أن يسبقها حرف عامل، مثل: "ما"الحجازية، و "لا" النافية للجنس، و "إن"، أو غير عامل مثل: "ما" و "لا" النافيتين ... فالعبرة بما يقع بعد هذه الأدوات من فعل، فتكون الجملة فعلية، أو اسم، فتكون اسمية. 5 إذا وقعت الجملة خبرا كانت نائبة عن لمفرد، لأنها واقعة موقعه، وحالة محلة، إذ المفرد هو الأصل، "طبقا للإيضاح المفصل الذي سبق خاصا بالإعراب المحل، ص 84 و 314 وهامشها" والمركب فرع منه. لذلك يحكم على موضعها هنا بالرفع، على معنى أنه لو وقع المفرد- الذي هو الأصل-- موقعها لكان مرفوعا. فعند الإعراب نقول: الجملة من: المبتدأ والخبر" أو من "الفعل والفاعل".... في محل رفع خبر المبتدأ". 6 ومن هذا قول الشاعر: الصدق يألفه الكريم المرتجي ... والكذب يألفه الدني الأخيب 7 المرتع هنا: المرعي، أي: النبات الذي ترعاه الحيوانات. والأصل: مكان الرعي. والوخيم: السيء الضار. 8 هناك شروط أخرى ستجيء في الزيادة ص 471، وفي تلك الصفحة نص صريح على جواز، وقوع الجملة الإنشائية خبرا. وفيها كذلك طريقة إعراب الجملة الواقعة خبرا.

إن كانت بمعناه، كما سيجىء1. وهذا الرابط - كالضمير فى الجمل السالفة - ضرورى؛ ولولاه لكانت جملة الخبر أجنبية عن المبتدأ، وصار الكلام مفككاً لا معنى له؛ لانقطاع الصلة بين أجزائه؛ فلا يصح أن نقول: محمد يذهب علىّ، وفاطمة يجىء القطار ... لفساد التركيب، واختلال المعنى يفقد الرابط. والروابط أنواع كثيرة منها: 1- الضمير الراجع إلى المبتدأ، وهوأصل الروابط وأقواها "وغيره خلَف عنه"، سواء أكان ظاهرًا؛ مثل: الزارع "فضلُه كبيرٌ" أم مستتر "أى: مقدر" مثل: الأرض، تتحرك"، وقولهم: مخالفة الناصح الأمين تُورثُ الحسْرة، وتُعْقِبُ الندامة، أم كان محذوفًا2 للعلم به مع ملاحظته ونيته؛ مثل: الفاكهة "أقةٌ بعشرة قروش" أى: أقة منها. وحجارة الهرم "حجرٌ بوزن عشرة" أى: حجر منها. والورق "اللونُ لونُ اللبن". اللون منه. الثوب "الرائحة رائحةُ الزهر": الرائحة منه".

_ 1 في ص 4699. 2 بشرط أن يكون معلوما. ومن المعلوم ما ينصب بفعل، نحو: الطيور الأليفة جميلة، وكل أحب، أي: أحبه. وما ينصب بوصف، نحو: الكتاب أنا معطيك، أي: معطيكه. ومن المعلوم ما يجر بمشتق، كاسم الفاعل في نحو: الآثار أنا زائر، أي: زائرها، وما يجر بحرف جر يدل على التبعيض، ولا يبقى بعد حذف الضمير المجرور، نحو: السكر رطل بدرهمين، أي: رطل منه، أو يدل على الظرفية، نحو: الدهر يومان، فيوم نفرح، ويوم نحزن، أي: نفرح فيه، ونحزن منه. وقد يكون الضمير المجرور محذوفا مع حرف الجار، لوجود نظير لهما يسبقهما فيدل عليهما، نحو: اعمل بنصحي، فإن الذي أنصحك به أنت مفلح. أي: مفلح به. ومن المعلوم ما يكون ضميرا مرفوعان نحو: قراءة من قرأ قوله تعالى: {إن هذان لساحران....} على اعتبار: "إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف وخبرها جملة: أي: إن هذان لهما ساحران. والذي دعا لذلك دخول اللام على كلمة: "ساحران" التي هي الخبر، فلو كانت: "إن" حرفا بمعنى: نعم- كما يقول بعضهم - و"هذان" مبتدأ مرفوع بالألف "ولساحران" خبره مرفوع بالألف - لترتب على ذلك دخول اللام على خبر المبتدأ، وهو ضعيف عندهم!! بخلاف دخولها على المبتدأ نفسه، فقدروا دخولها على مبتدأ محذوف ضمير. إلى غير ذلك من كل موضع يحذف فيه الضمير، لوجود ما يدل عليه. هذا والضمير المحذوف غير الضمير المستتر كما أوضحنا ذلك من قبل - في رقم 3 من هامش ص 219. "ملاحظة" يصح أن يقال: الفتيات أقبلن، أو أقبلت: ولكن أحد الضميرين قد يكون أفصح استعمالا من الآخر، طبقا للبيان الذي في رقم 1 من هامش ص 219 ولما في رقم 3 من ص 263.

ويشترط في الضمير أن يكون مطابقًا للمبتدأ السابق فى التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية، والجمع. 2- الإشارة إلى المبتدأ السابق؛ نحو: الحرية "تلك" أُمْنِيّة الأبطال، والإصلاح "ذلك"2 مقصد المخلصين. ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} ... 3- إعادة المبتدأ السابق؛ بقصد التفخيم، أوالتهويل، أوالتحقير. والإعادة قد تكون بلفظه ومعناه معًا؛ نحو: الحرية ما الحرية3؟ والحرب ما الحرب؟ والسارق من السارق؟ وقد تكون بمعناه فقط؛ نحو: السيف ما المهند؟ والأسد ما الغضنفر؟ وعلىّ من أبوالحسين؟ بشرط أن يكن أبوالحسين كنية علىّ. والمراد بهما شخص واحد. 4- أن يكون فى الجملة الواقعة خبرًا ما يدل على عموم يشمل المبتدأ السابق وغيره؛ نحو: أما جبُنُ المحارب فلا جبنَ فى بلادنا، وأما هربه فلا هربَ عندنا. والعربيّ نعم البطل ... فعدم الجبن أمر عام يشمل جبن المحارب وغير المحارب، وكذلك عدم الهرب فى بلادنا يشمله ويشمل غيره ... والبطل الممدوح بكلمة:"نِعم" يشمل العربى وغيره. 5- أن يقع بعد جلمة الخبر الخالية من الرابط جملة أخرى معطوفة عليها بالواو، أوالفاء، أوثم، مع اشتمال المعطوفة على ضمير يعود على المبتدأ السابق؛

_ 1 مع مراعاة صورة المطابقة التي تكلمنا عليها في "ح" من ص 262، وفي هذا افلباب ص 452 وما بعدها. ومع مراعاة ما سبق أن أشرنا إليه - في رقم 1 من هامش ص 382- إذا كان المبتدأ ضميرا للمتكلم، متعدد الأخبار، وأحد الأخبار جملة فعلية، فإن الضمير الرابط يصح أن يكون للمتكلم، أو للغائب، مثل: أنا صادق أحب الإنصاف، أو: يحب الإنصاف. وكذلك إن كان المبتدأ ضميرا للمخاطب، وخبره متعددا، فإنه يجوز في الرابط أن يكون للمخاطب أو الغائب، نحو: أنت صادق تحب الإنصاف، أو: يحب الإنصاف ولا يتغير الحكم إن جعلنا الجملة الفعلية السابقة، ونظائرها، نعتا، لا خبرا، وكذلك لا يتغير إن جعلناها حالا، بشرط أن يكون صاحب الحال معرفة، مثل: أن الصادق أحب الإنصاف وأنت الصادق تحب لإنصاف لكن مراعاة التكلم والخطاب في كل الصور السالفة. أبلغ وأسمى من مراعاة الغياب. ثم انظر ما قد يكون من المشابهة أو المخالفة بين هذه المسألة والأخرى التي سبقت في باب الوصول - ب ص 380 - 2 بشرط إعراب اسم الإشارة مبتدأ ثانيا. ويجوز فيه إعرابات أخرى لا يكون فيها الحبر جملة. 3 "الحرية"، مبتدأ أول، "ما" اسم استفهام، مبتدأ ثان، مبني على السكون في محل رفع "الحرية" خبر الثاني، والجملة من الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

فيُكتفَى فى الجملتين بالضمير الذى فى الثانية1 فمثال الواو: الزارع نبتَ الزرعُ وتعهده - الطالب بدأت الدارسةُ وا ستعد لها2 ... ومثال الفاء: الصانع تيسرت أسباب الصناعة فأقبل غير متردد، والعامل كثرت ميادين العمل فوجد الرزق مكفولا3. ومثال ثُمّ: القمر طلعت الشمس ثم اختفى نوره، والنجوم انقضى النهار ثم أشرق ضوءها. 6- أن يقع بعد جملة الخبر الخالية من الرابط أداة شرط حذف جوابه الدلالة الخبر عليه، وبقى فعل الشرط مشتملا على ضمير يعود على المبتدأ؛ مثل الوالد يترك الأولادُ الصياح إن حضر - الضيف يقف الحاضرون إن قَدِمَ. تلك أشهر الروابط. ويجوز أن تستغنى جملة الخبر عن الرابط إن كانت هى نفس المبتدأ فى المعنى4؛ بحث يتضمن أحدهما المعنى الذى يتضمنه الآخر تمامًا 5؛ كأن يقول رجل لزميله؛ ما رأيك فى التجارة؟ فيجيب: رأيى. "التجارة

_ 1 ومثل هذا يصح في كل جملة أخرى تحتاج للرابط، كالصلة، والصفة، والحال. 2 وقد تكون الجملة الخبرية الخالية من الرابط مشتملة على اسم قد عطف عليه بالواو اسم آخر يشتمل على "ضمير يعود على المبتدأ الأول، نحو: الضيعة شرب القمح وزرعها. الورد تحركت فروع الأشجار وفروعه.... وقد تكون الجملة الثانية نعتا وفيها الضمير: نحو: الورد قطفت واحدة أحبها، وقد تكون مشتملة على عطف بيان فيه الضمير، نحو: على صاحبت محمودا أخاه. وإنما كان العطف بالواو هو الأغلب هنا لأنها هي التي تفيد مطلق الجمع، دون حروف العطف الأخرى. 3 أما العكس وهو عطف جملة بالفاء خالية من الضمير على جملة الخبر المشتملة عليه- فجائز، نحو: قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} . برغم أن الجملة المعطوفة على جملة الخبر بمنزلة الخخبر تستحق الضمير، لا فرق في هذا بين الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ، والواقعة خبرا للناسخ، كالتي في الآية. 4 هذا الاستغناء جائز لا واجب كما قلنا، فلا مانع أن يكون في هذه الجملة المتفقة في معناها مع معنى المبتدأ رابط، إن أمكن، سواء أكان ضميرا.... وهو الغالب - أم غير ضمير. 5 كل خبر ولو كان مفردا، هو في الحقيقة نفس المبتدأ في المعنى تماما، كما يتبين من مثل: "المطر نازل" فإن النازل هنا هو: المطر، والمطر هو النازل، فكلاهما يتضمن معنى الآخر كاملا ويساويه في المدلول، غير أن المقصود بالخبر الواقع جملة تتحد مع المبتدأ في المعنى- هو: كل جملة مخبر بها عن مبتدأ مفرد، يدل على معنى تلك الجملة، ويحوي مضمونها "مدلولها" فهو في ظاهره لفظ مفرد، ولكنه ينطوي على معنى الجملة وعلى مضمونها، ومن أمثلته قول - كلام - حديث - نطق- رأي ... وأيضا ضمير الشأن- وقد تقدم موضوعه في ص 2250 - مثل قوله تعالى: {قل هو الله أحد} فضمير الشأن: "هو" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية بعده. وهذه الجملة التي وقعت خبرا خالية من الرابط، لأن معناها ومدلولها مساو تماما لمعنى المبتدأ الضمير "هو" فمدلول كل منهما هو مدلول الآخر.

غِنًى"1. فالجملة الواقعة خبرًا مطابقة فى معناها للمبتدأ فى معناه ومدلوله؛ فكلاهما مساوللآخر فى المضمون؛ فالرأى هو: "التجارة غنى" و"التجارة غنى" هى: "الرأى". ومن أمثلة ذلك: أن يتكلم متكلم فيسأله الآخر ماذا تقول؟ فيجب: قولى "الذليل مهين". كلامى "الكرامة تأبى المهانة" فجملة الخبر فى كل مثال هى نفس المبتدأ السابق فى المعنى، والمبتدأ السابق فى كل مثال يتضمن معنى الجملة الواقعة خبرًا، فكلاهما يتضمن معنى الآخر، ودلالته2.

_ "1، 1" سيجيء في الزيادة والتفصيل طريقة إعراب هذا المثال وأشباهه. "ب" ص 471". 2 يشير ابن مالك إلى تقسيم الخبر إلى مفرد وجملة، فيقول: ومفردا يأتي، ويأتي جملة ... حاوية معنى الذي سيقت له وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها، كنطقي: الله حسبي، وكفى أي: أن الخبر قد يكون مفردا، وقد يكون جملة. ويشترط في الجملة أن تكون حاوية معنى المبتدأ الذي سيقت لإتمام الفائدة معه، أي: تكون مشتملة على معناه.... ويتحقق هذا الشرط بالربط بينهما بالضمير، أو ما يخلفه. فإن كانت الجملة هي المبتدأ في المعنى "بالطريقة التي شرحناها" اكتفى بها من غير رابط، مثل: "نطقي: الله حسبي"، فالمبتدأ يتضمن معنى الخبر الجملة، والخبر الجملة يتحد في المعنى مع المبتدأ. وفي مثل هذه الصورة يصح الاستغناء عن الرابط. "وكلمة: معنى" الثانية في كلام ابن مالك منصوبة على أنها: تمييز، أي: من جهة المعنى. وكلمة: "كفى" المراد منها: وكفى به، أي: بالله: حذف حرف الجر الزائد وحده، وهو "الباء" فانفصل الضمير الذي كان مجرورا في محل رفع وصار تقديره: هو"، ثم استتر مرفوعا في الفعل "كفى". ثم قال: والمفرد الجامد فارغ، وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكين أي: أن الخبر المفرد نوعان، فالجامد منه فارغ من الضمير، والمشتق ليس بفارغ، بل فيه ضمير مستكن، أي: مستتر. ثم قال: وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا أي: أبرز الضمير الرابط مطلقا "سواء أمن اللبس أم لم يؤمن: وهذا مذهب البصريين" إن وقع الخبر بعد مبتدأ ليس معنى الخبر محصلا له. بأن يكون الخبر جاريا على غير من هو له. فالمراد من كلمة: "ما" المبتدأ. والضمير في: "معناه" يعود على الخبر. أي: أبرز الضمير مطلقا حيث يقع الخبر بعد مبتدأ لا يكون الخبر محصلا له. أي: لا يكون حاويا لمعناه. ولاجاريا عليه. والتعقيد في هذا البيقت ظاهر. ومذهب البصريين فيه تضييق من غير داع، حيث يوجب إبراز الضمير مطلقا، مع أنه لا داعي لوجوب الإبراز عند أمن اللبس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" اشترطنا1 فى جملة الخبر وجود رابط، - بالتفصيل الذى أوضحناه - ويشترط فيها أيضًا أن تكون غير ندائية؛ فلا يصح: محمد "يا هذا ... ". وأن تكون غير مبدوءة بكلمة "لكن2": أو"حتى": أو"بل"؛ لأن كل واحدة من هذه الكلمات تقتضى كلامًا مفيدًا قبلها، فالاستدراك بكلمة: "لكن" لا يكون إلا بعد كلام سابق. وكذلك الغاية بكلمة: "حتى" والإضراب بكلمة: "بل"3. ويجوز فى جملة الخبر أن تكون قَسَمية4؛ نحو: القوى والله ليهزمن عدوه، وأن تكون إنشائية؛ سواء أكانت إنشائية طلبية؛ نحو: الحديقةُ نسْقها، أم غير طلبية مثل: الصديقُ لعله قادم. العادل نعم الوالى، والظالم بئس الحاكم. "ب" فى الأساليب التى يكون فيها الخبر جملة معناها هومعنى المبتدأ مثل: "كلامى: "الجومعتدل"" "حديثى: "يجىء الفيضان صيفًا"". "قولى: "نشر التعليم ضرورى""، "خطْبتى: "التوحد قوة"". "مقالى: "احذروا الخائنين"" ... يجوز إعرابان:

_ 1 في ص 466. "2و 2" بسكون النون، فتكون للاستدراك والابتداء معا، ولا تعمل شيئا أما بتشديد النون فتكون للاستدراك، وتعمل عمل "إن". وفي كلتا الحالتين لا بد أن يسبقها كلام تام يحصل بسببه الاستدراك. وقد وردت بعض أساليب قليلة وقعت فيها لكن "بالتشديد" في صدر جملة الخبر، مثل: "محمود وإن كثر ماله، "لكنه" يخيل. فقيل: لا مانع أن تكون الجملة خبرا مع تصدرها بلكن، وقيل إن الخبر محذوف، والاستدراك منه، وأصل الكلام مثلا: محمود وإن كثر ماله لا يتوانى، لكنه بخيل. والأسلوب مولد، وهو على كلا الإعرابين معيب- كما سبق البيان في: "و" من ص 450 وكما يأتي في رقم 2 من هامش ص 630- بعيد من الأساليب الصحيحة، الواردة في الكلام الفصيح، فلا يقاس عليه، لصدوره ممن لا يحتج بكلامه. 3 وفي هذا يقول السيوطي في الهمع "جـ1 ص 96" ما نصه: "لا يسوغ الإخبار بجملة ندائية، نحو: زيد يا أخاه، ولا مصدرة بلكن، أو: بل، أو: حتى، بالإجماع في كل ذلك". 4 إذا كانت الجملة القسمية ذاتها نوعا من الإنشاء غير الطلي تبعا للرأي القائل بهذا - دخلت في عداد هذا النوع الآتي بعد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولهما: أن نعرب الجملة1 الاسمية أوالفعلية مجزأة على حقيقتها جزأين "مبتدأ وخبرًا، أوفعلا وفاعلا" ثم يكون مجموع الجزأين فى محل خبر المبتدأ السابق؛ ففى مثل: "كلامى: الجومعتدل" نقول: "كلام" مبتدأ مضاف، والياء مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جرّ، "الجو" مبتدأ ثان. "معتدل" خبره، والجملة من الجزأين فى محل رفع خبر المبتدأ الأول. وفى مثل: "حدثنى: يزداد الفيضان صيفًا" نقول: "يزداد" مضارع مرفوع. "الفيضان" فاعل مرفوع "صيفًا" ظرف منصوب، والجملة من الجزأين "الفعل والفاعل" فى محل رفع خبر المبتدأ. فلكل جزء من أجزاء الجملة وجود مستقل، وإعراب خاص به وحده؛ ثم يكون مجموع الجزأين معًا هوخبر المبتدأ السابق. ثانيهما: أن ننظر إلى تلك التى كانت فى الأصل1 جملة نظرتنا إلى شيى واحد ليس مجزأ، وليس له كلمات مفردة؛ فكأنه كتلة واحدة ليس لها أجزاء، أوأنه كلمة واحدة منهما تعددت الكلمات، فهى من قبيل المركب الإسنادى الذى ننطق فيه بالألفاظ على حسب ضبطها الأصل - قبل أن تكون خبرًا أوشيئًا آخر -؛ من غير تغيير شىء من حروفها أوضبطها. ثم نقول عنها كلها الآن: إنها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره لأجل الحكاية؛ "وهى - كما سبق2 ترديد اللفظ الأصلى وترجيعه على حسب هيئته الأولى - غالبا -؛ حروفًا وضبطًا". ويكون الخبر فى هذه الحالة من قبيل الخبر المفرد. لا الجملة؛ فنقول فى إعراب: "كلامى: "الجو معتدلٌ" "كلام" مبتدأ مضاف. والياء مضاف إليه. "الجومعتدلٌ" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة. على آخره3، منع من ظهورها حركة الحكاية". ونقول فى مثل: "حديثى "يظهر الفيضان صيفًا"" "حديث" مبتدأ

_ 1 إذا وقعت الجملة خبرا أو غيره فإنها لا تسمى جملة إلا بحسب أصلها قبل الخبرية- وغيرها- طبقا للبيان السابق في رقم 2 من هامش ص 15. 2 في رقم 1 من هامش ص 310. 3 نقول: إنها مقدرة مع وجود ضمة ظاهرة في آخر كلمة: "معتدل" لأن هذه الضمة الموجودة لم تجيء لأجل الخبر المحكي، إذ أنها موجود قبل مجيئه. وستبقي في بقية الأحوال، كحالتي النصب، والجر. أما الضمة الخاصة بالخبر المحكي فغير ظاهرة في النطق، وإنما هي مقدرة.

مضاف ... الياء مضافٌ إليه ... "يظهر الفيضان صيفًا" كلها خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره؛ منع من ظهورها حرَكة "الحكاية" ... وهكذا. وقد يقع العكس كثيرًا؛ فيكون المبتدأ جملة بحسب أصلها1، ولكنها صارت محكية. والخبر مفرد يتضمن معناها، كأن يقول قائل: أريد أن تدلنى على آية قرآنية، وعلى مثل قديم، وعلى حكمة مأثورة. فتجيب: "قولٌ معرُوفٌ ومغفرةٌ خَيرٌ منْ صَدقة يَتْبعُها أذىً" آية قرآينة. "إنّ أخاكَ من واساك" مثلٌ قديم. "رُبّ عيشٍ أهونُ منه لحمامُ" حكمةٌ من حكم المتنبى. فالآية كلها من أولها إلى آخرها مبتدأ مرفوع، بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. وكلمة: "آية" هى لخبر. وكذلك "إن أخاك من واساك" كلها من أولها إلى أخرها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع ظهورها حركة الحكاية، والخبر كلمة: "مثل" وكذا يقال فى: "رب عيش أهون منه الحمام". وكما تتكون الجملة المحكية من مبتدأ وخبره تتكون من فعل وفاعله ومن غير ذلك. والمهم فى الألفاظ المحكية أن تكون دائمًا بصورة واحدة فى جميع الحالات الإعرابية، ولكنها مع ذلك فى محل رفع، أونصب، أوجر؛ على حسب موقعها الإعرابىّ. حـ- أشرنا2 إلى أنواع المبتدأ تحتاج إلى خبر حتمًا وإلى وجوب أن يكون هذا الخبر جملة - ويلحق بها نوع يجب أن يكون خبره شبه جملة "جارًّا مع مجروره" - وأشهر تلك الأنواع المحتاجة لجملة: أسماء الشرط الواقعة مبتدأ3، وكذا: ضمير الشَّان4، و"كأيِّن5" الخبرية الشبيهة بكم الخبرية،

_ 1 مثل هذا المبتدأ لا يعد جملة، لأن المبتدأ في أصله لا يكون - جملة وإنما يعد جملة على إرادة لفظه المحكى. أما الخبر إذا كان جملة هي نفس المبتدأ في المعنى فيجوز فيها إعرابان- كما عرفنا هنا- أحدهما اعتبار هذه الجملة مجزأة جزأين، كل منهما له إعراب، ومجموع الجزأين هو الخبر. وثانيهما اعتبارها جملة محكية لا ينظر فيها إلى تجزئة، فتعرب كلها خبرا محكيا. 2 في ص 444. 3 تفصيل الكلام عليها في الباب الخاص بالجوازم جـ4. 4 سبق الكلام عليه مفصلا في ص 250. 5 بيانها وتفصيل أحكامها في جـ 4 الباب الخاص "بكم وكأين"، وفي الصبان، هناك: ما يفيد أن خبرها يكون في الأكثر جملة فعلية، مصدرة بماض أو مضارع. وقد يكون جملة اسمية أو شبه جملة، كما يفهم من كلامه هناك.... وسيجيء البيان في الموضع السالف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمخَّصوص بالمدح والذم إذا تقدَّم، والمنصوب على الاختصاص؛ فإنه يجب فيه أن يتقدم عليه اسم بمعناه يعرب مبتدأ، ويعرب الاسم المنصوب على الاختصاص مفعولا به لفعل محذوف تقديره: أخُص - مثلا - والجملة خبر عن ذلك المبتدأ. ويجب أن يكون خبر "ما" التعجبية جملة. ومن شبه الجملة السالف خبر المبتدأ الملازم للابتداء سماعًّا؛ نحو: طُوبَى للمؤمن؛ فإن خبره لا يكون إلا جارًا مع مجروره وهما شبيهان بالجملة ... - ومثله وقولهم فى المدح: لله درّ فلان ... وغير هذين مما سيجىء1.

_ 1 في ص 481 وفي "جـ" من هامش ص 543.

القسم الثالث: الخبر شبه الجملة يريد النحاة بشبه الجملة هنا أمران1؛ أحدهما: الظرف بنوعيه الزمانىّ والمكانىّ، والآخر: حرف الجر مع مجروره. فالخبر قد يكون ظرف زمان؛ نحو: الرحلة "يومَ" الخميس. والرجوعُ "ليلةَ" السبت. وقد يكون ظرف مكان؛ نحو: "الحديقة" "أمامَ" البيت، والنهر "وراءَهُ"؛ فكلمة "يوم", و"ليلة" وما يشبههما ظرف زمان، منصوب، فى محل رفع2؛ لأنه خبر المبتدأ. وكلمة

_ 1 أما في اسم الموصول فشبه الجملة ثلاثة أشياء، سردنا تفصيلها في ص 384 وسيجيء كلام خاص بالجار مع مجروره، في باب الحال- جـ 2 ص 100م 68-. 2 وهذا رأي حسن بارع. "أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص 384، باب: "الموصول" وقد سجله شارح كتاب المفصل في جـ1 ص 90 و 91 عند الكلام على أقسام الخبر" - وإنما كان في محل رفع لأن الأصل أن يكون الخبر مفردا مرفوعا، إذ المفرد "بسيط" و "البسيط" أصل المركب فجاء الظرف والجار مع المجرور وحلا في محل ذلك الأصل، فمجيئهما طاريء عرضي والمسألة شكلية، بحتة، ولا أثر لها من الناحية العملية التحقيقية: فلو قلنا: "ظرف منصوب خبر المبتدأ" أو: "جر مع مجروره خبر المبتدأ"، من غير أن نزيد شيئا ما حصل قصور، ولا وقعنا في خطأ، ولكان مساويا في صحته لقولنا: إن شبهي الجملة متعلقان بمحذوف هو الخبر.... لكن قد يكون الأخذ بالإعراب الأول أنسب، لأنه أوضح ظهورا، لمراعاة الأصل، والغالب فيه.... وإليك النص الذي سجله شارح المفصل: "اعلم انك لما حذفت الخبر الذي هو: "استقر" أو "مستقر" وأقمت الظرف مقامه - على ما ذكرنا - صار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه "أي: أن الآثار اللفظية والمعنوية في الجملة قد انتقلت إليه" وهو مغاير المبتدأ في المعنى، ونقلت الضمير الذي كان في "الاستقرار" إلى الظرف، وصار مرتفعا بالظرف، كما كان مرتفعا بالاستقرار، ثم حذفت "الاستقرار"، وصار أصلا مرفوضا لا يجوز إظهاره، للاستغناء عنه بالظرف، وقد صرح ابن جني بجواز إظهاره، وللقول عندي في ذلك أنه بعد حذف الخبر الذي هو الاستقرار، ونقل الضمير إلى الظرف، لا يجوز إظهار ذلك المحذوف، لأنه قد صار أصلا مرفوضا، فإن ذكرته أولا وقلت: زيد استقر عندك - لم يمنع منه مانع ... "واعلم أنك إذا قلت: "زيد عندك" فعندك ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف، سواء أكان فعلا أم اسما، وفيه ضمير مرفوع، والظرف وذلك الضمير في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ، وإذا قلت: "زيد في الدار" أو: "من الكرام" فالجار والمجرور في موضعث نصب بالاستقرار، على حد انتصاب "عندك" إذا قلت: "زيد عندك" ثم الجار والمجرور والضمير المنتقل في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ.... أهـ" لكن ما المرد من قوله السابق: "فإن ذكرته أولا وقلت: زيد استقر عندك لم يمنع مانع"....؟ إن كان المراد ذكر "الاستقرار" قبل الخبر الظرف المسبوق بالمبتدأ- أدى هذا إلى نقض ما قرره من عدم جهاز إظهار "الاستقرار" المحذوف. وإن كان المراد تقديم "الاستقرار" في صدر الجملة قبل المبتدأ بحيث يصير المبتدأ فاعلا أو شيئا آخر غير مبتدأ فقد يصح. فالمراد غامض، ويزيده مثاله غموضا. هذا وهو يشير بقوله "الجار والمجرور في موضع نصب الاستقرار.... إلخ" إلى ما هو معروف في الاصطلاح النحوي من أن المجرور أصله مفعول به في المعنى، وحرف الجر الأصلي أداة لتوصيل أثر الفعل إليه. فاعتبار الظرف هو الخبر من غير أن يتعلق بشيء آخر وكذلك اعتبار الجار الأصلي مع مجروره هو =

"أمام" و"وراء" وما يشبههما - ظرف مكان منصوب في محل رفع؛ لأنه خبر المبتدأ. وقد يكون الخبر جارًّا أصليا مع مجروره؛ نحو، السكَّر من القصب- إخوان

_ = الخبر - مذهب قديم من عدة مذاهب "سجلتها المراجع النحوية، كالمفصل والصبان" وقد سجلنا رأي صاحب" المفضل". والأخذ به من بحوث جدلة مضنية، وتقسيمات متعددة، لا نفع لها اليوم وليس فيها إلا العناء العقلي الذي تضيق به الناشئة، وسنعرض لبعض تلك البحوث بقليل من التفصيل، لا للأخذ بها، ولكن ليقف عندها المتخصصون وقفة الفاحص. جاء في شرح ابن عقيل عن العامل المحذوف ما نصه. "ذلك المحذوف واجب الحذف. وقد صرح به شذوذا، كقوله: لك العز إن مولاك عز، وإن يهن ... فأنت لدي بحبوحة الهون كائن وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة ... أو حالا ... أو...." أهـ. وهنا قال الخضري في وجوب حذف العامل ما نصه: "محل ذلك إذا قدر كونا عاما.... فإن قدر خاصا جاز ذكره في الكل كما علمت وجوز ابن جني إظهار العام أيضا، تمسكا بنحو: قوله تعالى: "فلما رآه مستقرا عنده". "ورد بأنه استقرار خاص بمعنى عدم التحرك، لا عام بمعنى مطلق الحصول حتى يجب حذفه" أهـ. وما قاله الخضري صرح به بعض المفسرين. هذا، وسيجيء في الجزء الثاني" باب: الظرف 78 ص 236 عند الكلام على تعلق الظرف بعامله" بيان مفيد عن الرأي الداعي إلى تقدير عامل واجب الحذف، والدليل على وجوده، وبيان آخر عن اعتباره غير موجود. وشبه الجملة في هذا الباب - هو الظرف، والجار مع مجروره. وسمي" شبه جملة" لأن كلا منهما قد يدل على جملة ومعناها. وأساس هذا التعليل عندهم: أن الظرف أوا لجار الأصلي مع مجروره ليس هو الخبر في الحقيقة، وإنما الخبر الحقيقي لفظ آخر محذوف، يتعلق به الظرف، والجار الأصلي مع المجرور، إذ لا بد أن يتعلقا بفعل أي فعل "لا فرق بين المتعدي واللازم، والجامد والمتصرف، والتام والناقص "كما سيجيء البيان في جـ2 - باب: "حروف الجر" م 89 ص 405" أو بما يشبهه الفعل، من: اسم فعل، أو: من مشتق يعمل عمل الفعل، أو: من جامد مؤول بالمشتق. وبهذا التعلق الواجب يتم المعنى. "وقد يتعلقان - أحيانا - بالنسبة، أي: بالإسناد، طبقا لما هو مبين في: "ب" من الزيادة التالية ص 481". والمحذوف قد يكون فعلا مع فاعله، وهذا أمر متعين متحتم إذا وقع شبه الجملة في جملة الصلة لموصول غير "أل"، أو لجملة القسم، لأن جملة الصلة للموصول غير "أل" وكذا جملة القسم، لا بد أن تكون كل واحدة منهما فعلية "كما سبق في رقم 1 من هامش صفحتي 384 و 385 وكما سيجيء في جـ 2 باب الظرف. ص 234 م 78 وباب حروف الجر ص 460 م ي90"- لكن التعلق يكون بالفعل وحده، وقد يكون في غيرهما شيئا آخر مما سبق، ففي مثل "الكتاب فوق المكتب" والولد في البيت" يكون تقدير الكلام مثلا: الكتاب "استقر" أو: "مستقر" فوق المكتب. والولد "استقر" أو: "مستقر" في البيت، ونحو ذلك من فعل محذوف، أو غيره مما يدل على مجرد الوجود والاستقرار، من غير معنى زائد على هذا الوجود المطلق الذي يسمونه: "الكون العام". "أي: الوجود العام الخالي من شيء آخر معه، كالنوم، أو: القراءة، أو اللعب". ... فلا يصح عندهم أن يكون التقدير: الولد نام أو: نائم في البيت. ولا: الكتاب تحرك، أو: متحرك فوق المكتب، لأن كل واحد من هذه الألفاظ يدل على الوجود، مع زيادة شيء آخر، كالوجود ومعه النوم للولد، والوجود معه التحرك للكتاب، وهكذا.... أي: =

السوء كخشب في النار، يأكل بعضه بعضا.؛ فالجار مع المجرور في محل رفع خبر المبتدأ. ومنه قول الشاعر: للعيد يومٌ من الأيام منتظَرٌ ... والناس في كل يومٍ منك في عيدِ

_ = أنه وجود قيد بشيء آخر يزيد عليه، وليس بالوجود المطلق المجرد. فمثل هذا الوجود المقيد يسمى: "كونا خاصا" يجب ذكره، إلا إذا دلت قرينة عليه عند الحذف فيصح حذفه، وقد دفعهم إلى هذا التقدير للكون العام المحذوف، واعتباره كالملفوظ - ما يتمسكون به- بحق- من أن الظرف والجار الأصلي مع المجرور لا بد أن يتعلقا بعامل - كما قلنا- يتممان معناه، ويعمل فيهما. فأين العامل الذي تؤثر فيهما، ويتعلقان به إذا كان المبتدأ جامدا في نحو: الغزال في الحديقة، وكثير من الأمثلة المشابهة، لذلك يقولون في الإعراب: الظرف أو الجار الأصلي مع مجروره متعلق بمحذوف خير، سواء أكان المحذوف فعلا مع فاعله "أي: جملة فعلية، مثل: استقر، أو: ثبت، أو: "كان" التي بمعنى: "وجد" وهي، كان التامة"، أم كان مفردا "أي: اسما مشتقا" مثل: مستقر، أو: كائن المشتقة من "كان" التامة-، أو: موجود أو: شيئا آخر يصلح عاملا"، فليس الخبر عندهم في أصلهه هو الظرف نفسه، أو الجار الأصلي مع المجرور مباشرة، وإنما الخبر في الأصل هو المحذوف الذي ينوونه، ويتعلق به كل واحد من هذين. ولما كان كل منهما صالحا لأن يتعلق بالفعل المحذوف، ويدل عليه بغير خفاء ولا لبس- كان شبه الجملة بمنزلة النائب عنه، والقائم مقامه. والفعل مع فاعله جملة، فما ناب عنها وقام مقامها فهو شبه بها، لذلك أسموه: "شبه الجملة". وأوجبوا حذف متعلقه إن كان كونا عاما وقع خبرا، أو: صفة، أو: حالا....." وكذلك إن كان صلة لموصول غير "أل" لكن يجب مع الصلة- لغير "أل" أن يكون المحذوف فعلا، ولا يصح أن يكون اسما مشتقا- أو غيره مما يشبه الفعل- كما عرفنا عند الكلام عليها، لأن صلة الموصول غير- أل" يجب أن تكون جملة فعلية، ومثلها جملة القسم التي حذف منها عاملها..... ". ثم زادوا فقسموا كلا من الظرف، والجار الأصلي مع المجرور إلى مستقر: "بفتح القاف" وإلى: "لغو" يريدون المستقر: ما كان متعلقه المحذوف "كونا عاما" يفهم بدون ذكره. وسمي "مستقرا" لأمرين، لاستقرار معنى عامله فيه، "أي: فهمه منه". ولأنه حين يصير خبرا- مثلا - ينتقل إليه الضمير من المحذوف ويستقر فيه. وبسبب هذين الأمرينق يجب حذفه حتما. ويريدون باللغو: ما كان متعلقه "كونا خاصا" وسمى كذلك لأن وجوده ضئيل الأثر مع وجود عامله، إذ لا يستقر فيهه معنى ذلك العامل، ولا يتحمل ضميره. وفي هذا الحالة يتحتم أن يكون العامل الملفوظ به في الجملة هو الخبر - مثلا ويجب ذكره، ولا يجوز حذفه إلا لقرينة- كما في الأمثلة التي ستجيء-. ولو حذف لوجودها لكان هو الخبر أيضا مع حذفه، فلا يصح في حالتي ذكره أو حذفه أن يكون الظرف أو الجار الأصلي مع مجروره خبرا، ولا في موضع رفع خبرا. وهذا نوع من التشدد لا داعي له، إذ لا مانع أن نعرب "الظرف اللغو" خبرا في الحالة التي يحذف فيها عامله المعروف، كما أعربنا زميله المستقر. والكون العام واجب الحذف، إذ لا فائدة من ذكره، لوجود ما يدل عليه في غير خفاء ولا لبس، ولانتقال الضمير منه إلى شبه الجملة- كما قلنا كما أن الكون الخاص يجب ذكره حتما لعدم وجود ما يدل عليه عند حذفه، فإن وجدت قرينة تدل عليه وتعينه على صحة حذفه، مثل: الفارس فوق الحصان، أي: راكب فوق الحصان، ومن لي بفلان؟ أي: من يتكفل لي بفلان. والبحتري من الشعراء، أي: معدود منهم. ومثل قوله تعالي في القصاص: "الحر بالحر" على تقدير: "مقتول" لأن تقدير الكون العام في الأمثلة السالفة لا يؤدي المعنى المراد. والمتعلق الخاص المحذوف لوجود قرينة تدل عليه هو عندهم الذي يعرب خيرا- كما سبق - لا شبه الجملة. وبالرغم من حذفهه فإنه لا يخرج الظرف - في رأيهم - عن اعتباره =

ويشترط في الظرف الوَاقع خبراً، وفي الجار مع المجرور كذلك - أن يكون تامًّا، أَى: يحصل بالإخبار به فائدة بمجرد ذكره، ويكْمُلُ به المعنى المطلوب من غير خفاء ولا لَبْس، كالأمثلة السابقة. فلا يصلح للخبر منهما ما كان ناقصاً؛ مثل: محمود اليوم.. أوحامد بك؛ لعدم الفائدة. أما حيث تحصل الفائدة فيصح وقوعهما خبراً؛ ويكون كل منهما هوالخبر مباشرة؛ أي: أن شبه

_ = لغوا، ولا يتنافى مع ما هو ثابت له من أنه: "كون خاص" فالمعول عليه عندهم في الحكم باللغو راجع إلى خصوص الكون، وأنه ليس بعام، سواء ذكر الكون الخاص أم حذف، وفي الاستقرار إلى عموم الكون، وأنه ليس بخاص. وينتقلون بعد هذا إلى تقسيمات، وتفريعات شاقة، وأدلة جدلية مرهقة في إثبات تلك الأقسام والفروع وفي المفاضلة بين أن يكون المتعلق المحذوف فعلا أو اسما ... وغير هذا مما لا حاجة إليه اليوم، ولا ضرر من إهماله. بل الخير في إهماله، وفي ترك ما نقلناه عنهم، وفي الاقتصار على إعراب الظرف والجار الأصلي مع المجرور خرا- مثلا- في محل رفع، كما شرحنا أول هذا الموضوع، وكما هو رأي بعض السابقين. ولا داعي للتشدد في البحث عن العامل ونوعه. مع عدم الحاجة إليه، ولا في الخضوع له، وركوب الشطط لإظهار آثاره، لأن المعنى جلى كامل بدونه، فذلك التشدد وذلك الخضوع هو الجانب المعيب في نظرية العامل النافعة الجميلة. وإذا أخذنا بهذا الرأي السهل اليسير كان تسمية الظروف والجار مع مجروره "شبه جملة"، إنما هي من قبيل الإبقاء على التسمية القديمة، ومراعاة أصلها السابق، أو لأن كلا من الظرف والجار الأصلي مع مجروره ليس مفردا في الحقيقة، بل هو مركب، إذ يحمل معه الضمير المستتر الذي انتقل إليه من المحذوف على الوجه الذي بسطناه. وإتماما للبحث، وإنصافا للنحاة نذكر أن رأيهم في وجوب تعلق شبه الجملة" سديد، وأن حجتهم في تحتيم ذلك التعلق قوية- وإيضاحها المفيد في جـ 2 ص 236 م 78 باب الظرف، وص 405 باب حروف الجر-، وتتلخص هنا في أن الخبر هو المبتدأ معنى، وكذلك المبتدأ هو الخبر معنى، كما في مثل: "على الخطيب" فالخطيب في هذه الجملة هوع لى، وعلى هو الخطيب، فكلاهما من جهة المعنى هو الآخر. وكذلك الشأن في كل مبتدأ وخبر على النسق السالف الوارد في الاستعمال العربي. فلو أردنا بغير التعلق تطبيق هذا الضابط العام الصحيح على الخبر شبه الجملة لم ينطبق، بل يفسد المعنى معه، ولا يصلحه إلا التعلق على الوجه الذي يذكره النحاة، ففي مثل: على أمامك.... لا يصح أن يكون الظرف "أمام" هو: على ولا أن يكون على هو: "الأمام" نفسه، إذا المعنى في كل منهما مخالف للآخر تمام المخالفة، ولا يصلحه إلا أن يكون الظرف متعلقا بشيء آخر غير المبتدأ، هو "كائن" أو "موجود" أو نحوهما. ومثل هذا يقال: في السفر يوم الخميس، فليس السفر هو يوم الخميس نفسه، ولا يوم الخميس هو السفر ... فالظرف بنوعيه لا يستقل بنفسه في إحداث معنى جديد، لأنه وعاء - كالوعاء الحسي- لا بد له من مظروف، "أي: من شيء يقع فيه". وهذا المظروف هو ما يسمى: "المتعلق" وهو الذي لا بد أن يقع في الظرف، وإلا فسد المعنى بغيره تماما، وما يقال في الظرف يقال في الجار الأصلي مع المجرور، إذ لا فائدة منهما إلا بمتعلقهما، وقد أوضحنا بإسهاب وتفصيل في مكانه المناسب - جـ 2 ص 236 م 78 باب: "الظرف" وكذلك، في ص 405 وما بعدها م 89 باب: "حروف الجر"، واستيفاء الموضوع على الوجه الحميد يقتضي الرجوع إلى تلك الصفحات.

الجملة نفسه يكون الخبر1 - فى الرأى المختار. بقيت مسألة تتعلق ببيان نوع الظرف التام الذى يصلح أن يكون خبراً. فأما ظرف المكان فيصلح - فى الغالب - أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى وعن المبتدأ الجثة؛ فمثال الأول؛ العلم عندك - الحق معك. ومثال الثاني: الكتاب أمامك - الشجرة خلفك. ولا بد فى ظرف المكان أن يكون خاصًّا2 لكى يتحقق شرط الإفادة؛ كالأمثلة السالفة؛ فلا يصح أن يكون عامًّا؛ مثل: العلم مكاناً، أوالكتب مكاناً؛ لعدم الإفادة. وأما ظرف الزمان فيصلح أن يقع خبراً عن المبتدأ المعنى فقط، بشرط أن تتحقق الإفادة. كأنْ يكون الزمان خاصّاً3، لا عامًّا؛ مثل: السفر صباحاً، والراحة ليلا. بخلاف: السفر زماناً، الفضل دهراً، الأدب حيناً، لعدم الإفادة.

_ 1 يقول ابن مالك: وأخبروا بظرف أو بحرف جر ... ناوين معنى كائن، أو: استقر أي: أن الظرف والجار مع مجروره قد يقع كل منهما خبرا لا بنفسه، ولكن بمتعلقه على حسب رأيهم الذي تناولناه بالبحث والتمحيص في هامش ص 475، فلا بد من تعلقه -- عندهم - بعامل يحذف في الأغلب، وهذا العامل قد يكون فعلا، مثل: "استقر" أو: "ثبت" أو "وجد" - أو "كان، "بمعنى: وجد.... ولا تكون هنا إلا تامة وقد يكون المحذوف اسما مشتقا، مثل، مستقر، أو كائن "بمعنى موجود، من "كان" التامة". فإذا وقع الخبر شبه جملة فليس هوالخبر في رأيهم، وإنما الخبر هو ما قبله من جملة فعلية، فعلها محذوف، وفاعلها ضمير، استقر في شبه الجملة، أو الخبر مفرد مشتق علما بأن العامل في هذا الخبر إنما هوالفعل الذي حذف، وبقي فاعله، وكذلك هو المشتق من غير الضمير الذي كان مستترا فيه، ثم تركه واستقر في شبه الجملة بعد حذف المشتق. 3 هذا تعبير النحاة. يريدون بالمعنى: الأمر غير المحسوس، أي: الذي لا يكون جسما نحسه بإحدى الحواس الخمس، كالبصر....، وإنما يكون شيئا مفهوما بالعقل، مثل: العلم، الذكاء، الأدب، النبل، الشرف.... أما الجثة فالجسم الذي نحسه بالبصر، أو بغيره من الحواس، ومنه. الشجرة، المنزل، القلم.... ويشترط كثير من النحاة في الظرف أن يفيد فائدة جديدة إذا وقع خبرا عن المبتدأ المعنى. ويريدون بالفائدةة الجديدة. ألا تكون أمرا معروفا للمخاطب، أو مستمرا، فالجديد مثل: المقابلة ظهرا، وغيره مثل: طلوع الشمس يوم الجمعة، لعدم استفادة السامع شيئا جديدا كان جاهلا به. ووفريق لا يشترط ذلك في الظرف ولا في الخبر عامة: بل يكتفي بمجرد الإفادة ولو كانت معلومة قبل سماع الخبر، مثل الشمس منيرة. وقد يكون الرأي الأول هو المقبول، لأن الغرض من الكلام الإفادة الجديدة، وإلا كان عبثا - انظر ما يتصل بهذا في: "أ" من ص 4489 -. 3 وذلك بتحديده، أو: بتقييده بقيد بعده مما هو مذكور في "جـ" من ص 481.

وهولا يصلح أن يكون خبراً عن الجثة إلا قليلا؛ وذلك حين يفيد1 أيضاً؛ فلا يصح: الشجرة يوماً - البيت غداً؛ لعدم الإفادة. ويصح: القطن صيفاً. القمح شتاء، لتحقق الفائدة؛ إذ المراد: ظهور القطن صيفاً. وظهور القمح شتاء. ومنه قولهم: الهلاُ الليلةَ. والرطبُ شهرىْ ربيع. ومجمل الأمر أن ظرف المكان يصلح - فى الغالب- خبراً للمبتدأ بنوعيه: المعنى والجثة، وأن ظرف الزمان يصلح في الغالب خبراً للمبتدأ المعنى دون الجثة، إلا إن أفاد1؛ وهذه الإفادة تحقق فى الظرف بنوعيه حين يكون خاصًّا لا عامًّا. فالمعول عليه فى الإخبار بالظرف هوالإفادة2.

_ "1 و1" طرق الإفادة موضحة في: "جـ" من الزيادة الآتية في ص 481. 2 وسيجيء توضيحها في: "جـ" من الصفحة التالية. وفي هذا يقول ابن مالك باختصار: ولا يكون اسم زمان خبرا ... عن جثة، وإن يفد فأخبرا "ملاحظة". بهذه المناسبة نشير إلى موضع آخر من المواضع التي يصح أن يقع المعنى فيها خبرا عن الجثة، هو: خبر أفعال الرجاء "وستأتي في ص 619"، وبعض أخواتها من أفعال المقاربة "وستأتي في ص 612"، مثل: الوالد عسى أن يحضر..... أما صحة وقوع الخبر هنا معنى عن جثة فله إشارة في رقم 6 من هامش ص 615، وبيان مناسب في رقم 1 من هامش ص 616.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الألفاظ الملازمة للابتداء1 كلمة: "طُوبَى2، وهذه الكلمة لا يكون" خبرها إلا الجار مع مجروره، - كما سبق3 - نحوطوبى: للصّالح. ب- شبه الجملة لا بد ن يتعلق بعامله على الوجه الذى شرحناه4. فإن لم يوجد فى الكلام عامل يصح التعلق به صح أن يكون تعلقه بالإسناد نفسه "أى: بالنسبة الواقعة بين ركنى الجملة"، كقول ابن مالك فى باب "الاستثناء" من ألفيته، خاصاً بالأداتين "خلا وعدا": وحيثُ جَرَّا فهُما حرفان فالظرف: "حيث" متعلق بالنسبة "أى: بالإسناد" المأخوذة من قوله: "فهما حرفان"، أى: تثبت حرفيتهما حيث جرّا. أما وجود الفاء هنا فله بيان أوضحناه عند إعادة الكلام فى هذه المسألة فى الجزء الثانى: "بابى الظرف وحرف الجر". "حـ" قلنا5: إن ظرف الزمان لا يقع خبراً عن الذات "الجثة" إلا بشرط أن يفيد6، وهذه الإفادة تتحقق بأحد الثلاثة الآتية: الأولى: أن يتخصص ظرف الزمان إما بنعت؛ مثل: نحن فى يوم طيب، أو: نحن فى أسبوع سعيد. وإما بإضافة؛ مثل: نحن فى شهر شوال.. وإما بَعَلميه مثل: نحن فى رمضان؛ ويجب جر الظرف الزمانى فى هذه الصور الثلاث بفى؛ ويكون الجار مع المجرور فى محل رفع خبرا7. ولا يعرب فى حالة جره - أورفعه - ظرفاً. ولا يسمى ظرفا اصطلاحا، لأن هذه التسمية الاصطلاحية مقصورة عليه حين يكون منصوبا على الظرفية دون غيرها8....

_ 1 كما سبق في ص 474- وسيجيء بعض هذه الألفاظ في: "جـ" من هامش ص 543. 2 بمعنى: الجنة، ’ أو: السعادة. 3 في "جـ" ص 473. وكبعض الأمثلة في "جـ" من هامش ص 543. 4 في رقم 2 من هامش ص 475. ويشترط في تعلق الجار ومجروره أن يكون الجار أصليا. 5 في ص 479. 6 وكذلك لا يقع صفة، ولا صلة، ولا حالا، إلا مع إفادته، لأنها كالخبر في المعنى. 7 انظر البيان الموضح لهذا الإعراب في رقم 2 من هامش ص 475. 8 كما سيجيء في ص 4484 وفي ص 244 م 79 باب: "الظرف" - جـ2 -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن يكون المبتدأ الذات مما يتجدد؛ بأن يظهر فى بعض الأوقات دون بعض؛ فله مواسم معينة يظهر فيها ثم ينقطع، ثم يظهر.. وهكذا.. فيكون شبيهاً بالمعنى، مثل: البرتقال شهور الشتاء، والبِطيخ شهورَ الصيف. الهلال الليلةَ. وفى هذه الحالة يجوز نصب ظرف الزمان، أوجره بفى. وهوفى الحالتين فى محل رفع خبر. الثالثة: أن يكون المبتدأ الذات صالحاً لتقدير مضاف قبله تدل عليه القرائن؛ بحيث يكون ذلك المضاف أمراً معنوياً مناسباً؛ كأنْ يلازم المرء بيته يومياً للراحة، فيعرض عليه صديقه الخروج لنزهة بحرية، فيعتذر قائلا: البيتُ اليومَ، والبحرُ غدا. أى: ملازمة البيت اليوم، ونزهة البحر غدا. ومثله: الكتابُ الساعةَ، والحديقةُ عصراً. أى: قراءةُ الكتاب الساعةَ، ومتعةُ الحديقة عصراً ... وفى هذه الصورة يكون الظرف منصوباً فى محل رفع خبراً. والحالات الثلاث1 السابقة قياسيَّة؛ يصح محاكاتها؛ وصوغ الأساليب الحديثة على مقتضاها. لكن كيف نعرب الظرف الزمانى فى غير تلك الأحوال الثالثة؟ وكيف نعرب المكانى؟ وكيف نضبطهما؟ إن الأصل في الظرف أن يكون منصوباً مباشرة، أوفى محل نصب2. 1- فإن كان الظرف2 للزمان ووقع خبراً عن معنى ليس للزمان - جاز رفعه، ونصبه، وجره بفى، ويكون المرفوع هوالخبر مباشرة، ويكون المنصوب، أوالمجرور مع حرف الجر، في محل رفع، هو: الخبر. تقول: الصوم شهرٌ، أو: شهراً، أوفى شهر. والراحة يومٌ، أويوماً، أوفى يوم. والأكل ساعةٌ، أوساعةً، أوفى ساعة. "أى: زمن الصوم ... وزمن الراحة ... وزمن الأكل" لكن

_ 1 زاد بعض النحاة على الأمور الثلاثة السابقة أمورا أخرى، نرى من الميسور إدخالها وإدماجها فيما سبق. من ذلك أن يكون اسم الزمان"مضافا إليه" والمضاف اسم معنى يفيد العموم، مثل أكل يوم ثوب جديد؟. أو يكون اسم الزمان خاصا، والمبتدأ المعنى عاما، مثل نحن في شهر كذا، أو يكون المبتدأ عاما والزمان مسئولا به عن خاص مثل: في أي الشهور نحن ... 2 الظرف المنصوب مباشرة هو الظرف المعرب. أما الذي يكون في محل نصب فهو الظرف المبني أصاله، مثل: "حيث" أو المبني في بعض الحالات، مثل: قبل، وبعد.....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحسن الرفع مباشرة إن كان الزمان نكرة والمبتدأ المعنى يعم ذلك الزمان كله أوأكثره؛ نحو: الصوم يومٌ، والسهر ليلةٌ. 2- إن كان الظرف زمانيًّا من أسماء الشهور ووقع خبراً عن مبتدأ هومعنى وزمان، تعين رفع الخبرُ، مثل: أولُ السنة المحرمُ، وشهرُ الصوم رمضانُ. 3- وإن لم يكن هذا الخبر الظرف من أسماء الشهور. ولكنّ المبتدأ يتضمن عملا - جاز الرفع والنصب؛ مثل: الجمعة اليوم، أوالسبت اليوم، أوالعيد اليوم، لتضمنها1 معنى الجمع، والقطع، والعوْد. ومنه: اليومُ يومك؛ لتضمنه معنى: شأنك الذى تذكر به. فإنْ لم يتضمن عملا؛ كالأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس - كان الرفع أحسن. 4- وإن كان الظرف للزمان، ووقع خبراً للمبتدأ الذات فى الحالات التى يصح وقوعه خبراً فيها؛ لإفادته، وقد سبقت فى "أ" - فحكمه كما سبق هناك2. 5- وإن كان الظرف للمكان، ووقع خبراً عن ذات، أومعنى، وكان متصرفاً3 - جاز رفعه ونصبه؛ مثل: الكبار جانب، أو: جانباً، والأطفال جانب، أوجانباً. "برفع كلمة: "جانب". أو: نصبها" والرجل أمامك، والدار خلفك "برفع أمام، وخلف، أونصبهما" ومثل: العلم ناحية والعمل ناحية، برفع كلمة: "ناحية" أونصبها.

_ 1 كما أن في الجمعة معنى الاجتماع، وفي السبت معنى: القطع، وفي العيد معنى العود، "أي: الرجوع حيث، لأنه يرجع كل عام"، كذلك في الأضحى معنى، التضحية ... وفي الفطر معنى: الإفطار.... يكون العمل واقعا في الظرف. 2 في "حـ" ص 481. 3 الظرف المنصرف هو: ما يترتب النصب على الظرفية إلى حالات إعرابية أخرى غير الجر بالحرف، كأن يكون مبتدأ، أو فاعلا، أو: مفعولا به.... مثل: يوم، وشهر، وساعة ... تقول: يوم العيد قريب، وجاء يوم الصوم، وانتظر يوم النصر.... وغير المتصرف هو: الذي لا يترك الظرفية أبدا، "مثل، قط، وهي ظرف يستغرق الزمن الماضي، ولا بد أن يسبقه نفي. ومثل: عوض وهي ظرف يستغرق الزمن المستقبل، ولا بد أن يسبقه نفي أيضا"أو "يتركها إلى حالة تشبهها، وهي: الجر بمن- غالبا - مثل: النصر من عند الله، أو: بالحرف: "إلى" أيضا، مثل الظرف: أين، ومثل: "هنا" - وهي اسم إشارة، وظرف مكان معا كما تقدم في أسماء الإشارة - في نحو: إلى هنا تتجه الأنظار. ومثلها: ثم، وهي إشارة للبعيد وظرف مكان فهذه الظروف الثلاثة تجرها "من" أو إل -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان غير متصرف مثل "فوق" وجب نصبه1؛ نحو: الكتاب فوق المكتب. 6- إذا قلتَ: ظهرُك خلفك، جاز رفع الظرف المكانى: "خلْف" ونصبه. أما الرفع فلأن الخلف فى المعنى هو: الظهر. فالخبر هواسم محض معناه معنى المبتدأ، وأما النصب فعلى الظرفية الواقعة خبراً. وكذلك ما يشبه ما سبق من الظروف المكانية، نحو: نعلك أسفل رجلك، والركب أسفلَ منك. وقد سبق أن الظرف المكانىّ المخبر به إذا كان غير متصرف، يجب نصبه؛ مثل: رأسك فوقك، ورجلاك تحتك؛ لأن "فوق" و"تحت" ظرفين للمكان غير متصرفين. 7- إذا كان الظرف الزمانى غير متصرف: مثل: "ضحوة" يراد بها ضحوة معينة ليوم معين - وجب النصب؛ مثل: العملُ ضحوةَ. 8- إذا كان الظرف بنوعيه متصرفاً، محدود المقدار، ووقع خبرا عن المبتدأ الذات - جاز فى الظرف الرفع، والنصب، بشرط أن يكون المبتدأ الذات على نية تقدير مضاف قبله، يدل على البعد والمسافة، مثل: المدرسة منى ميل أوميلا. المدينة منى يوم أويوماً، أى: بُعْدُ المدرسة ... وبعد المدينة ... ، إذا قلت هذا - مثلا - قبل ابتداء السير. فإن كان المقصود أن المدرسة أوالمدينة من أشياء تبعد عما سرنا ميلا تعين النصب على الظرفية، وكان الخبر هوالجار والمجرور: "منى" بخلاف الرفع فإنه على تقدير: بُعْد مكانها منى ميل، مثلا ... 9- من الأساليب الواردة عن العرب: حامد وحده. يريدون: أنه فى موضع التفرد، وفى مكان التوحد؛ فيجوز إعراب: "وحد" ظرفاً منصوباً فى محل رفع خبر2. "ملاحظة": إذا ترك الظرفُ النصبَ على الظرفية، إلى الرفع أوإلى الجر فإنه لا يكون ظرفاً، ولا يسمى بهذا الاسم3....

_ 1 إلا عند بنائه على الضم في الحالة المذكورة في باب الإضافة "وهي: أن يضاف، ويحذف المضاف إليه، وينوي معناه". 2 مع أن الأصل: "وحد" مصدر للفعل وحد "كعلم وكرم" ويجوز إعراب "وحد" حال مؤولة بمعنى: منفردا.... على التفصيل الذي سيجيء في باب: "الحال". 3 وقد سبقت الإشارة لهذا في ص 481.

المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة إذا قلنا: الطيار شجاع - الوطنى مخلص - العربىّ كريم ... حكمنا على الطيار بالشجاعة، وعلى الوطنى بالإخلاص، وعلى العربى بالكرم. أى: حكمنا على المبتدأ بحكم مُعين؛ هو: الخبر1. فالمبتدأ فى هذه الجمل الاسمية -و- نظائرها محكوم عليه دائماً بالخبر، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلوماً، ولوإلى حدّ مَّا، وإلا كان الحكم لغوًا لا قيمة له؛ لصدوره على مجهول2، وصارت الجملة غير مفيدة إفادة تامة، مثل: زارع فى القرية ... صانع فى المصنع ... يد متحركة ... جشم مسْرع ... وغيرها مما لا يفيد الإفادة الحقيقية المطلوبة؛ بسبب عدم تعيين المبتدأ، أوعدم تخصيصه. أى: بسبب تنكيره تنكيراً تامًّا؛ لهذا امتنع أن يكون المبتدأ نكرة3 إذا كان غير وصف، لأنها شائعة مجهولة في الغالب. فلا يتَحَقَّقُ معها الغرض من الكلام؛ وهو: الإفادة المطلوبة، فإن هذه الإفادة هى السبب أيضاً فى اختيار المعرفة لأن تكون هى المبتدأ حين يكون أحد ركنى الجملة معرفة والآخر نكرة4؛ مثل: شجرةٌ المتحركة. لكن إذا أفادت النكرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ. وقد أوصل النحاة مواضع النكرة المفيدة حين تقع مبتدأ إلى نحوأربعين موضعاً. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء فى سردها، واستقصاء مواضعها، ما دام الأساس الذى تقوم عليه هو: "الإفادة" فعلى هذا الأساس وحده يرجع الحكم على صحة الابتداء بالنكرة، أوعدم صحته، من غير داع لحصر المواضع أو

_ 1 أي: المعنى المستفاد من الخبر. 2 سبق إيضاح هذا في رقم 8 من هامش ص 442. 3 إنما يمتنع أن يكون المبتدأ نكرة إذذا كان له خبر. أما إذا كان وصفا له فاعل أو نائب فاعل يغني عن الخبر فلا يكون "إلا نكرة" "كما سبق في ص 445"، ولا يحتاج لمسوغ، لأن المبتدأ في هذه الحالة يكون محكوما به، بمنزلة الفعل، لا محكوما عليه، والفعل، في مرتبة النكرة "كما في رقم 1 من هامش ص 47 وفي رقم 2 من هامش 209 ورقم 1 من هامش 442". 4 إلا في مسألتين يجوز في كل منهما الابتداء والخبرية، هما "كم" و "أفعل التفضيل"، في مثل: كم مالك؟ وخير من على محمود. - وسيشار لهما في رقم 26 من ص 491.

عَدّها1 هذا إلى أن تلك المواضع الكثيرة يمكن تجميعها وتركيزها في نحوأحدَ عشَرَ تغنى عن العشرات2 التى سردوها. وإليك الأحدَ عشَرَ. 1- أن تدلّ النكرة على مدح، أوذم، أوتهويل؛ مثل: "بطلٌ فى المعركة. خطيب على المنبر" - "جبانٌ مُدْبرٌ. جاسوسٌ مقبل" - "بالء فى الحرب، جحيم فى الموقعة". 2- أن تدل على تنويع وتقسيم؛ مثل رأيت الأزهار، فبعضٌ أبيضُ، وبعض أحمرُ، وبعضٌ أصفرُ ... عرفت فصل الخريف متقلبًا؛ فيومٌ بارد، ويومٌ حارّ، ويومٌ معتدل. وقول الشاعر: فيومٌ علينا، ويومٌ لنا ... ويومٌ نُسَاءُ، ويومٌ نُسَرّ 3- أن تدل على عموم؛ نحو: كلٌّ محاسَبٌ على عمله. وكلٌّ مسئول عما يصدر منه؛ {فَمَنْ 3 يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} . 4- أن تكون مسبوقة بنفى، أواستفهام؛ مثل: ما عملٌ بضائعٍ، ولا سعىٌ بمغمور. فمن4 مُنكرٌ هذا؟ وقول من طالت غربته: وهلْ داءٌ أمَرُّ من التَّنائِى ... وهلْ بُرْءٌ أتَمُّ من التَّلاقى؟

_ 1 وكذلك فعل سيبويهه والمتقدمون، ولهذا يرى بعض النحاة- يحق- أنه لا داعي لهذا الشرط، لأنه مفهوم بداهة، إذ لا يتلكم عاقل بغير ما يفيد، وإلا عرض نفسه وكلامه للحكم عليه بما لا يرضاه، أما المتأخرون فتوقعوا أن يخطيء كثير مواضع الإفادة، فحاولوا أن يدلوهم عليها، بحصر مواضعها، واستقصائها، فأطالوا بغير حاجة، أو اختصروا مع الإخلال. 2 بل أرجع بعض النحاة جميع المسوغات إلى: "العموم والخصوص" "انظر الخضري في هذا الموضع". 3 "من" شرطية". وهي تفد العموم، كباقي أدوات الشرط، وكأسماء الاستفهام التي تقع مبتدأ، مثل: أي جاء؟ -- من هنا؟ ومثل هذاالشرط والاستفهام يدل على العموم بنفسه مباشرة، لا بكلمة أخرى سبقته. 4 "من": مبتدأ نكرة ولكنه اسم استفهام، فلا يحتاج لمسوغ آخر. ولا مانع أن تكون أداة النفي في هذا الباب ناسخة، فيصير المبتدأ النكرة اسما لها، ولهذا يصح اعتبار "ما" و "لا" اللتين في المثال عاملتين. ومثلهما "ليس" في قول الشاعر: وليس شيء أعز عندي من العلم، ... فما أبتغى - سواه أنيسا ومن مسوغات الابتداءء بالنكرة أن يدخل عليها ناسخ - أي ناسخ - فتصير اسما له، ولا تسمى مبتدأ - كما سيجيء في رقم 11 من 488. وص 543.

5- أن تكون النكرة متأخرة، وقبلها خبرها؛ بشرط أن يكون مختصًّا؛ سواء أكان ظرفاً، أم جارًّا مع مجروره أم جملة؛ مثل: عند العزيز إباءٌ، وفي الحُرِّ تَرفع وقول الشاعر: وللحِلْم أوقاتٌ، وللجهل مثلها ... ولكنَّ أوقاتى إلى الحَلْم أقْربُ ومثل: نَفَعك برهُ والدٌ، وصانك حنانُها أمٌّ. 6- أن تكون مخصّصَة بنعت3، أوبإضافة، أوغيرهما مما يفيد التخصيص؛ نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، ويقظةُ البكور أنفعُ من نوم الضحا، وقول العرب: أحسن الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به، وشر البلاد بلاد لا عدل فيها، ولا أمان، وقولهم: وَيْلٌ للشَّجى مِن الخَلِىِّ4. 7- أن تكون دعاء؛ نحو: سلامٌ على الخائف - شفاءٌ للمريض - عونٌ للبائس؛ بشرط أن يكون القصد من النكرة فى كل جملة هوالدعاء.

_ 1 المقصود بالاختصاص هنا: أن يكون المجرور في الخبر الواقع جارا مع مجروره، وأن يكون المضاف إليه في الظرف المضاف الواقع خبرا، وأن يكون المسند إليه في الخبر الواقع جملة ... أن يكون كل واحد مما سبق صالحا بنفسه، لأن يكون مبتدأ في جملة أخرى، فلا يجوز: في إنسان ترفع. ولا: عند رجل إباء، ولا ولد له ولد رجل ... 2 الغضب والانتقام. 3 إذا لم يكن النعت مخصصا- نحو: واحد من الناس في الحديقة- لم يكن مسوغا. والنعت قد يكون ملفوظا به نحو: زائر كريم أمامنا. وقد يكون مقدرا لقرينة معنوية تدل عليه، مثل: أنتم أيها الحاضرون- فزتم جميعا بالبطولة، وطائفة لم تفز بها. أي: طائفة من غيركم.... وقد يكون معنويا، بألا يقدر في الكلام، وإنما يستفاد من نفس النكرة بقرينة لفظية، نحو: وليد نابغ، لأن التصغير في كلمة إ: "وليد" يقوم مقام النعت، إذ معنى التصغير: ولد صغير. ومثله صيغ التعجب، نحو: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا....، لأنه بمنزلة شيء عظيم حسن الدين صيغ التعجب، نحو: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا....، لأنه بمنزلة شيء عظيم حسن الدين والدنيا. لهذا كان "التعجب" من المسوغات. وقد أدمج بعضهم الإضافة في نوع آخر، هو: العمل، "وسيجيء في رقم 12 من ص 489"، لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه. 4 هذا من مثل أمثال العرب يقال لفارغ البال، المرتاح الخاطر، الذي يسخر بالحزين، أو ييزيد آلامه. "والويل: الهلال. والشجي- بياء مشددة أو مخففة، كما نص عليها المحققون -: الحزين المهموم. والخلي: الخالي من الهموم" المبتدأ النكرة هو كلمة: ""ويل"، وخبره شبه الجملة "الشجي"، وقد تعلق شبه الجملة الأخير "وهو: من الخلي" بالمبتدأ: "ويل" بمعنى: "هلاك" فهو مبتدأ في حكم المصدر معنى، يصح التعلق به، ويستفيد بالتعلق نوعا من التخصص يبيح الابتداء به. ويصح أن يكون المسوغ للابتداء به هو: التهويل أو التعميم.

8- أن تكون جواباً؛ مثل: ما الذى فى الحقيبة؟ فتُجيب: كتاب فى الحقيبة. 9- أن تكون فى أول جملة الحال، سواء سبقتها واوالحال، مثل: قطع الصحراء، ودليلٌ يَهدينى، وركبت البحر ليلا وإبرةٌ ترشد الملاحين. أمْ لم تسبقها؛ نحوكلُّ يوم أذهب للتعلم، كتبٌ فى يدى. 10- أن تقع بعد الفاء الداخلة على جواب الشرط؛ وهى التى تسمى: فاء الجزاء؛ مثل: مطالبُ الحياة كثيرة؛ إن تَيَسَّر بعضٌ فبعضٌ لا يتيسّر، والآمال لا تنفد؛ إن تحقق واحدٌ فواحدٌ يتجدد. 11- أن يدخل عليها ناسخ - أىّ ناسخ - وفى هذه الحالة لا تكون مبتدأ، وإنما تصير اسماً للناسخ، ومن ثَمَّ يصحّ فى أسماء النواسخ أن تكون فى أصلها معارف أونكرات - كقولهم: كان إحسانٌ رعايةَ الضعيف، وإنّ يداً أن تذكروا الغائب1 ...

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 4 من هامش ص 486 - وستجيء إشارة أخرى عند الكلام العام على النواسخ ص 542.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" قلنا1 إن مسوغات الابتداء بالنكرة كثيرة؛ أوصلها النحاة إلى أربعين، بل أكثر. وبالرغم من كثرتها بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه؛ نحو: "مذ" و"منذ" فهما نكرتان فى اللفظ؛ فى نحو: ما رأيته "مذ" أو"منذ" يومان، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى؛ إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا2. على أن تلك الكثرة من المسوغات قد فتحت الباب أمام كل نكرة لتدخل منه إلى الابتداء، حتى صار من العسير الحكم على نكرة، أىّ نكرة، بأنها لا تصلح أن تكون مبتدأ. كما صار الرأى القائل: "إن المبتدأ لا يكون نكرة إلا إن أفادت" - رأياً لا جديد فيه؛ لدخوله تحت أصل لغوى عام: هو: "ما يَستحدث معنى أويزيد فى غيره لا يُطعن فى وجوده، ولا يستغنى عنه، وما لا فائدة منه لا خير فى ذكره". وتأييداً لكلامنا وتوفية للبحث - نذكر أهم تلك المسوغات؛ ليؤمن المتردد أنها أبواب مفتوحة تتسرب منها النكرات كلها إلى الابتداء. وقد سبق منا أحدى عشر. وفيما يلى الباقى مع الاقتصار على ما يغنى عن غيره، وما يمكن إدماج غيره فيه3. 12- أن تكون النكرة عاملة؛ سواء أكانت مصدراً؛ نحو: إطعامٌ مسكيناً طاعة، أمْ وصفاً عاملا4، نحو: متقنٌ عمله يشتهر اسمهُ. ومن العمل أن تكون مضافة؛ لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه؛ مثل: كلمة خير تأسِر النفس ... 13- أن تكون النكرة أداة شرط؛ نحو؛ من يعملْ خيراً يجدْ خيراً.

_ 1 في ص 485. 2 راجع الخضري عند الكلام على الموضع الرابع من مواضع تأخير الخبر. "وستجيء لهذا إشارة في رقم 5 من ص 497، وفي رقم 3 من ص 502 - وكذلك في جـ2 ص 79 باب الظرف، وص 478 م 90 باب حروف الجر. 3 انظر ما يتصل بهذا في الملاحظة التي في ص 581 وكذلك في ص 47 و 70. 4 ومن شاء مزيدا فليرجع إلى حاشيتي الصبان والخضري، وإلى الهمع ... 5 عند من يقول بأنه يعمل بغير أن يسبقه نفي أو استفهام. أما من يشترط للعمل تقدم النفي أو الاستفهام فإن وجود أحدهما مسوغ لللابتداء بالنكرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 14- أن يكون فيها معنى التعجب - كما سبق1 -؛ نحو: ما أبرع جنود المِظلات. 15- أن تكون محصورة؛ نحو: إنما رجلٌ مسافرٌ. 16- أن تكون فى معنى المحصور - بشرط وجود قرينة تُهَيِّئ لذلك - نحو: حادث دعاك للسفر المفاجئ، أى: ما دعاك للسفر المفاجئ إلا حادث. ويصح فى هذا المثال أن يكون من قسم النكرة الموصوفة بصفة غير ملحوظة، ولا مذكورة.... أى: حادث خطير دعاك إلى السفر. 17- أن تكون معطوفة على معرفة؛ نحو: محمود وخادم2 مسافران. 18- أن تكون معطوفة على موصوف، نحو: ضيف كريم وصديق حاضران. 19- أن يكون معطوفاً عليها موصوف، نحو: رجل وسيارة جميلة أمام البيت. 20- أن تكون مبهمة قصداً، لغرض يريده المتكلم؛ نحو: زائرة عندنا. 21- أن تكون بعد لولا؛ نحو: لولا صبرٌ وإيمانٌ لقتل الحزين نفسه. 22- أن تكون مسبوقة بلام الابتداء؛ نحو: لرجل نافع3. 23- أن تكون مسبوقة بكلمة: "كَمْ" الخبرية؛ نحو: كم صديقٌ زرته4 فى العطلة فأفادنى كثيراً.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 487. 2 هذه ليست مبتدأ، ولكنها معطوفة على المبتدأن فهي بمنزلته. 3 يعرضها النحاة في باب: "إن" وستتابعهم، فنذكرها مفصلة في ص 659، ثم في ص 673. 4 أصل الكلام هنا، صديق زرته كم زورة!. فكم: مفعول مطلق واجب الصدارة، مبني على السكون في محل نصب، و "صديق" مبتدأ. أما "كم" الاستفهامية فداخلة في مسوغات الاستفهام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 24- أن تكون مسبوقة بإذا الفجائية1؛ نحو: غادرت البيت فإذا مطر. 25- أن يكون مراداً بها حقيقة الشئ وذاته الأصلية، نحو: حديد خير من نحاس2. 26- أن تكون إحدى المسألتين المشار إليهما في رقم 4 من هامش ص 4485.

_ 1 سيجييء بيانن موجز عنها في رقم 1 من هامش ص 508. 2 وفي الابتداء بالنكرة ومسوغاته يقول ابن مالك: ولا يجوز الابتدا بالنكرة ... ما لم تفد: كعند زيد نمره وهل فتي فيكم؟ فما خل لنا ... ورجل من الكرام عندنا ورغبة في الخير خير، وعمل ... بر يزيد. وليقس ما لم يقل يشير بالمثال الأول: "عند زيد تمرة" إلى جواز وقوع المبتدأ نكرة، "والنمرة، ما نسميه الآن: الشال من الصوف". والمسوغ هو تقديم الظرف المختص: "عند". ويشير في البيت الثاني إلى مسوغ الاستفهام في: "ههل فتى"؟ والنفي فيق: "ما خل لنا". والنعت في: "رجل من الكرام". ويشير في البيت الأخير إلى النكرة العاملة، مثل: رغبة في الخبر" فرغبة" مصدر "في الخير": متعلق به، فهو بمنزلة معموله، أي: بمنزلة مفعوله: أي: "من رغب الخير" أو تكون مضافة، مثل عمل بر ... ثم يشير بقياس ما لم يذكر على ما ذكره.

المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازا ووجوبا

المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً للخبر من ناحية تأخُّرِه عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات، أن يتأخر وجوباً، وأن يتقدم وجوباً، وأن يجوز تأخره وتقدمه. فأما تأخره وتقدمه جوازاً فهوالأصل الغالب؛ نحو: السحاب بخار متكاثف - البرق شرارة كهرَبية - الكتاب صديق أمين - قول الشاعر1: أفى كل عام غُرْبةٌ ونُزُوحُ ... أما للنَّوى من وَنْيةٍ فتُريحُ ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره2 ... أما تأخره وجوباً؛ ففى مواضع أشهرها: 1- أن يكون المبتدأ والخبر معاً متساويين3 أومتقاربين فى درجة تعريفهما

_ 11 بغير نظر لما تقتضيه الأوزان الشعرية أحيانا من وجوب التقديم أو التأخير لمراعاة الوزن وحده والمخاطبة عليه. فلو لم نراع الوزن الشعري لجاز الأمران كما في النثر أيضا. وكقول الشاعر: من البلية عذل منن لا يرعوي ... عن جهله، وخطاب من لا يفهم ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضر ويؤلم فهنا عدة أخبار متقدمة يجوز تأخيرها إذا لم نراع وزن الشعر. 2 ومما يجوز فيه الأمران مخصوص "نعم وبئس" في مثل: نعم الفارس على.... فيجز تأخير "على" عن الجملة الفعلية التي قبله وإعرابه مبتدأ متأخرا، خبره تلك الجملة الفعلية السابقة عليه ويجوز تقديمه عليها مع إعرابه مبتدأ وهي خبره. ويشترط في هذا المخصوص وفي إعرابه السالف شروط تفصيلية مكانها جـ 3 ص 353 م 110 - باب نعم وبئس. "ملاحظة" إذا تعددت الأخبار للمبتدأ الواحد فلها حكم خاص في جواز التقديم والتأخير يجيء في ص 528، وكذا في رقم 1 من هامش ص 530 حيث الكلام على تعدد الخبر. 3 سبق في باب المعارف أن أنواعها تتفاوت في درجة التعريف وقوته، فنوع أقوى من نوع آخر، فالضمير أقوى من العلم، والعلم أقوى من اسم الإشارة. ... وهكذا. بل إن النوع الواحد قد يتفاوت في درجة تعريفه وقوته، فضمير المتكلم أقوى من ضمير المخاطب. وضمير المخاطب، أقوى من ضمير الغائب.... وهكذا على الوجه المفصل هناك "في رقم 1 من هامش ص 212".... كذلك النكرة تتفاوت في درجة التنكير وقوته: فالنكرة المحضة "وهي المتوغلة في التنكير، أي: في الإبهام والشيوع" بسبب أنها تخصص بوصف، أو بإضافة، أو بغيرهما"- أقوى في التنكير من المختصة، لأن الاختصاص يضعف التنكير، إذ يقرب النكرة من المعرفة بعض التقريب. والمراد من تساوي المعرفتين هنا أن يكونا في درجة واحدة في التعريف- ولو كان من نوعين مختلفين كالعلم بالغلبة، مع علم الشخص-- كأن يكونا ضميرين معا للمتكلم، أو للمخاطب، أو للغائب، أو يكونا علمين أو اسمى إشارة. والمراد من تساوي النكرتين أن تكونا محضتين معا.....

أوتنكيرهما، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ؛ نحو: أخى شريكى - استاذى رائدى فى العلم - مكافح أمين جندى مجهول - أجملُ من حرير أجملُ من قطن ... ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر؛ لأن تقديمه يوقع فى لَبْس؛ إذ لا توجد قرينة1 تُعَينه، وتميزه من المبتدأ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه؛ ويَفسد المعنى2 تعاً لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أولفظية تدل على أن المتقدم هوالخبر وليس المبتدأ جاز التقديم3؛ فمثال "المعنوية": أبى أخى فى الشفقة والحنان. ز. فكلمة: "أب" خبر مقدم؛ وليست مبتدأ؛ لأن المراد: أخى كأؤ ... أى: الحكم على الآخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان، ولا يُعْقَل العكس. فالمحكوم عليه هو: "الأخ"؛ فهوالمبتدأ، والمحكوم به هو: "

_ = وأما تقارب المعرفتين- وقد يسمى أحيانا: "تفاوتهما في الدرجة"، لما بينهما من اختلاف غير واسع - فمعناه أن يكونا من نوع واحد مع اختلافهما في درجة ذلك النوع، كضمير المتكلم مع ضمير المخاطب. أو ضمير المخاطب مع ضمير الغائب، أو أن يكونا من نوعين مختلفين ولكنهما متقاربان، كالعلم مع ضمير المخاطب، فإن العلم يقاربه، أو كالعلم الشخصي مع المعرف "بأل العهدية"، فإن المعرف بها يقاربه. وتقارب النكرتين معناه أن إحداهما مختصة والأخرى غير مختصة، فهي قريبة من أختها إلى حد ما "قد يسمى أيضا "تفاوتا"، لوجود اختلاف بينهما، وإن كان يسيرا". 1 كرونا أن القرينة هي العلامة التي تدل على المعنى المراد، وتوجه إليه، وتزيل عنه الغموض واللبس، فإن كانت لفظا سميت: "لفظية". وإن كانت غير لفظ سميت: "معنوية، أو: عقلية". وقد تقسم في مواضع أخرى إلى: "حسية"، وهي: التي تدرك بإحدى الحواس، فتشممل اللفظية، وإلى: "غير حسية، وهي التي تدرك بالعقل.... كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 507. 2 أوضحنا أول هذا الباب - رقم 8 من هامش ص 442 معنى المحكوم عليه، والمحكوم به، ولما كان الأغلب في الأول - وهو المبتدأ - أن يكون شيئا معلوما للسامع، وأن يكون الثاني - وهو الخبر- مجهولا له، وجب عن اللبس تأخير الثاني "أي: الخبر"، إذ لو تقدم وأعربناه ممبتدأ لا نقلب المحكوم به المجهول محكوما عليه معلوما. وصار المعلوم مجهولا، وجاء الحكم في الحالتين مخالفا للمراد، وهذا فساد معنوي، وفي الموضع السالف بيان شاف مفيد. ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتي، أن يعرف المخاطب شخصا مثل: "إبراهيم" بعينه واسمه، ولكنه لا يعرف أنه زميله في الدراسة، فتقول: إبراهيمم زميلك، جاعلا المبتدأ هو المعروف له، والخبر هو المجهول له، المحكوم به. وذلك شأن الخبر في الأغلب- كما قدمنا- أن يكون هو الشيء المجهول للمخاطب وأنه المحكوم به، فلا يصح أن تقول، زميلك إبراهيم، بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف زميلا له، ولكنه لا يعرف اسمه، وأردت أن تعين له الاسم، فإنك تقول: زميلك إبراهيم. جاعلا المعلوم له هو المبتدأ. والمجهول له المحكوم به هو الخبر. فلو عكس الأمر في إحدى الصورتين لا نعكس المعنى، تبعا لذلك، واختلف المراد، بسبب الخروج على ذلك الأصل، ومخالفته. 3 وإذا صح التقديم فهل يكون أحدهما أولى به من الآخر؟ الجواب في: "ب" من ص 499.

الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هوالخبر ولوتقدم؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هوالخبر؛ فصح التقديم لوجودها. ومثل: الجامعة فى التعليم البيت. "فالجامعة" خبر مقدم، "والبيت" مبتدأ مؤخر؛ فهوالمحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل: نور الشمس نور الكهربَا. ضوء القمر ضوء الشموع ... الأسد فى الغضب القِطّ فى الثورة. الجبلُ الهرمُ فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى تعلمه ... وهكذا ... ومثال القرينة "اللفظية": حاضرٌ رجلٌ أديبٌ. فكلمة "حاضر" هى الخبر؛ لأنها نكرة محضة1 والنكرة التي بعدها "وهى: رجل" نكرة غير محضة؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها؛ فهى أحق بأن تكون المبتدأ بسبب تخصصها2. 2- أن يكونَ الخبر جملة فعلية، فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ: نحو: الكواكب "تتحرك"، فالجملة الفعلية المكونة من الفعل المضارع وفاعله، خبر المبتدأ. فلوتقدم الخبر وقلنا: تتحرك الكواكب - لكانت "الكواكب" فاعلا، مع أننا نريدها مبتدأ، وليس فى الكلام ما يكشف اللبس. بخلاف ما لوكان الفاعل اسماً ظاهراً أوضميراً بارزاً، نحو: تتحرك كواكبُها السماء - قد أضاءَ النجمان ... ، فتعرب الجملة الفعلية هنا؛ "تتحرك كواكبُها" خبراً متقدماً؛ لاشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ "السماء" فرجوع الضمير إلى كلمة: "السماء" دليل علىأنها متأخرة فى الترتيب اللفظى فقط، دون الترتيب الإعرابى "المسمى: الرتبة3"؛ لأن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبة إلا فى مواضع4 ليس منها هذا الموضع. فكلمة: "السماء" متأخرة فى اللفظ، لكنها متقدمة فى الرتبة. وأصل الكلام: السماء تتحرك كواكبها؛ فكلمة: "

_ 1 أي: غير متخصصة بنعت، أو إضافة، أو نحوهما "طبقا للبيان السابق- رقم 3 هامش ص 492" 2 لما عرفناه من أن المبتدأ يكون هو المعرفة، أو النكرة المتخصصة عند اجتماع أحدهما مع النكرة المحضة. وهذا بشرط ألا تقوم قرينة تعارضه. 3 الترتيب الإعرابي أو "الرتبة"، يجعل لبعض الألفاظ الأسبقية في الجملة دون بعض، فالمبتدأ أسبق من الخبر، والفعل أسبق من الفاعل، والفاعل أسبق من المفعول، والمضاف أسبق من المضاف إليه....، وهكذا. وقد تكون هناك أسباب لمخالفة هذا الأصل أحيانا. على حسب ما هو موضح في مواضعها. 4 سردناها عند الكلام على الضمير في ص 2258.

السماء" مبتدأ. وحاز تقديم الخبر عليها مع أنه جملة فعلية لأن اللبس مأمون؛ إذ فاعلها اسم ظاهر، وليس ضميراً مستتراً يعود على ذلك المبتدأ1..... وتعرب الجملة الفعلية الثانية خبراً مقدماً، والنجْمان مبتدأ. ولا لبْس فيه، لأن وجود الضمير البارز "وهوألف الاثنين" وإعرابه فاعلا - فى اللغات الشائعة عند العرب - أوجب أن يكون "النجمان" مبتدأ، لا غير؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل، ومن ثمَّ كان اللبس مأمونا2. وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميراً مستتراً أيضاً؛ نحو: البيتُ أقيمَ. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً؛ نحو: القمرُ هيهاتَ. وقد يلتبس المبتدأ لوتأخر بالتوكيد؛ نحو: أنا سافرت؛ فلوتأخر المبتدأ الضمير لكان توكيداً للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق3 ... 3- أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ4 بإنما، أوإلا؛ مثل: إنما

_ 1 وتنطبق هذه الصورة على قول حسان: قد نكلت أمه من كنت واحده ... أو كان منتشبا في برثن الأسد 2 وهذا على اعتبار أن الفعل - في اللغات الشائعة - لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، وأن حمل الكلام على الكثير الشائع أحسن وأصح. أما على اللغة القليلة - وهي هنا صحيحة- التي تجيز إلحاق هذه العلامة به فاللبس مخوف غير مأمون، فلا يجوز التقديم، والخير في ترك التقديم في هذه الصورة، مبالغة في الابتعاد عن شبهة اللبس. 3 ومن نوع الخبر الذي الذي يجب تأخيره الجملة الفعلية الواقعة خبرا "عن ما" التعجبية كما سيجيء في ص 499. 4 أي: أن المبتدأ بمعناه يكون منقطعا للخبر، محصورا في هذا الخبر، وبيان الحصر-- ويسمى القصر"- يتضح من التمثيل الآتي: إذا أردنا قصر شيء على شيء، بحيث يكون أحدهما مختصا بالآخر، منقطعا له - أي متفرغا له كل التفرغ - سميت هذه العملية، "حصرا"، أو: قصرا". كأن تريد قصر: "البحتري" على الشعر، وانقطاعه له فتقول: إنما البحتري شاعر. فقد قصرنا " البحتري" على الشعر، أي: جعلناه مختصا بالشعر، منقطعا له دون غيره من العلوم والفنون الأخرى. ولا بد في الحصر "القصر" من شيء محصور، ومن محصور فيه ذلك الشيء، ومن علامة حصر. فالبحتري في المثال السابق هو "المحصور"، ويسمى "المقصور" أيضا. والشعر هو المحصور فيه، ويسمى: "المقصور عليه" - كل ذلك ما لم تمنع قرينة وعلامة الحصر هي: "إنما" وقد تكون "إلا" كما في المثالين الآخرين أو غيرهما. وللقصر طرق معينة متعددة، وعلامات خاصة، لها موضعها في "علم المعاني". وإذا كانت أداة الحصر "القصر" "إنما" فالمقصور عليه هو المتأخر في جملتها، وإذا كانت الأداة "لا" فالمقصور عليه هو الواقع بعدها مباشرة.

البحْترىّ شاعر - إنما المتنبى حكيم - ما النيل إلا حياة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر؛ كى لا يزول الحصر، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد. 4- أن يكون الخبر المبتدأ دخلت عليه لام الابتداء1؛ نحو: لَعلْمٌ مع تعب خيرٌ من جهل مع راحة؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه؛ وهوالمبتدأ. 5- أن يكون المبتدأ اسماً مستحقًّا للصدارة فى جملته؛ إما بنفسه مباشرة، كاسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وما التعجبية، وكم الخبرية2 ... ؛ مثل: مَن القادمُ؟ وأىُّ شريف تصاحبْه أصحابه - ما أطيبَ خُلُقك!! كم صديق عرفتُ فيه الذكاء!! وإما بغيره؛ كالمضاف إلى واحد مما سبق3؛ فالمضاف إلى اسم استفهام نحو: صاحبُ مَن القادم؟ والمضاف إلى اسم شرط نحو: غلامُ أيِّ رجل شريف تعاونْه أعاونْه. والمضاف إلى كم الخبرية نحو: خادمُ كم صديق عرفت فيه الذكاء3.

_ 1 لها باب خاص في ص 657. 2 أما الاستفهامية فداخله في أسماء الاستفهام التي لها الصدارة أيضا. "3و 3" غير "ما التعجبية"، فإنها لا تقع مضافا إليه. وإلى المواضع السابقة يشير ابن مالك بقوله: والأصل في الأخبار أن تؤخرا ... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا فامنعه حين يستوى الجزءان ... عرفا ونكرا عادمي بيان أي: أن الأصل الغالب في الأخبار هو تأخيرها، ولا مانع من التقديم إذا لم يترتب عليه فساد لفظي أو: معنوي. فامنع التقديم إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير. وعدما البيان الذي يوضح أن أحدهما هو المبتدأ، وأن الآخر هو الخبر. "وعرفا ونكرا" منصوبين على "التمييز" أو: على: نزع الخافض - ويسمى "الحذف والإيصال"- وتفصيل الكلام عليه في جـ2 م 71 ص 153 باب: "تعدية الفعل ولزومه"...."، ثم قال ابن مالك: كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا أو كان مسندا لذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر، كمن لي منجدا؟ وامنع التقديم أيضا إذا كان الفعل - مع فاعله- هو الخبر، أو كان الخبر محصورا فيه. ومعنى البيت الأخير: أن الخبر يمتنع تقديمه إذا كان مسندا لصاحب لام ابتدا، أي: إذا كان هذا الخبر مسندا، والمسند إليه مبتدأ مصدرا باللام التي تدخل على المبتدأ للدلالة على الابتداء، وكذلك يمتنع تقديمه إذا كان المبتدأ لازم الصدارة، أي: لا يكون إلا في صدر جملته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" هنا مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر؛ أشهرها ما يأتى: 1- ما ورد مسموعاً مِن مثل: راكبُ الناقة طَليحان1. "أى: مُتْعبَان؛ أصابهما الإعياء والإرهاق، وأصله: راكبُ الناقةَ والناقَةُ طليحان؛ من كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق فى التثنية أوالجمع للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف شىء ظاهر على المبتدا؛ كالمثال السابق. ونحو: مهندس البيت جميلان - ونحو: خدم الطفلين لاعبون؛ أى: مهندسُ البتي والبيتُ جميلان. وخادم الطفلين والطفلان لاعبون. فالمعطوف على المبتدأ محذوف لوضوح المعنى. والخبر هنا واجب التأخير. لكن أيجوز القياس على تلك الأساليب التى حذف فيها حرف العطف والمعطوف على المبتدأ؛ لوضوح المعنى؟ الأحسن الأخذ بالرأى القائل بجوازه بشرط وجود قرينة واضحة تدل على المحذوف: لأن هذا الرأى يطابق الأصول اللغوية العامة التى تقضى بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى؛ كما رددنا هذا كثيراً2 ... 2- أن يكون الخبر مقروناً بالفاء3؛ نحو: الذى ينصحنى فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء. 3- أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة؛ نحو: ما شريف بكاذب. 4- أن يكون طلباً؛ نحو: المحتاجُ عاونْه، والبائسُ لا تؤلمه. 5- أن يكون الخبر عن "مذ" أو"منذ"، بجعلهما مبتدأين معرفتين فى المعنى؛ نحو: ما سافرت مذْ أومنذ شهران؛ "إذ المعنى: زمن انقطاع الرؤية شهران4.

_ 1 سيجيء لهذا المثل بيان في جـ3 باب: "العطف" م ص 542 م 118، عند الكلام على حذف واو العطف. 2 انظر رقم 1 من هامش ص 507. 3 سيجيء في ص 434 بيان المواضع التي يقترن فيها الخبر بالفاء.... 4 كما سبق في ص 489 وكما يجيء في ص 502 - وفي جـ 2 باب: "الظرف"، م 79 ص 278 و 5022 وباب: "حروف الجر" م 89 ص 478.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ضمير الشأن1 الواقع مبتدأ؛ نحو: قل "هو: الله أحد". 7- المبتدا المخبر عنه بجملة هى عينه فى المعن نحو: "كلامى: "السفر مفيد"" "قولى: "العمل النافع"". 8- اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التنبيه، فى جملة اسميه؛ نحو: هذا أخى. وهذا رأى كثير من النحاة، ومن الميسور رفضه بالأدلة التى سبقت2 والتي تجعل تقديم المبتدأ هنا مستحسناً، لا واجباً. وإنما يتعين - عند أصحاب ذلك الرأى - أن يكون اسم الإشارة فى الجملة الاسمية هو: المبتدأ ولا يكون خبراً، بحجة أن: "ها" التنبيه تتطلب الصدارة، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة، لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل بينهما الضمير فى مثل؛ "هأنذا" فالضمير هوالمبتدأ واسم الإشارة هوالخبر. ويجوز: هذا أنا. ولكن الأول أحسن وأولى؛ لكثرة الأساليب الأدبية الواردة به3. 9- المبتدأ الذى للدعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل للأعداء4..... 10- المبتدأ الذى له خبر متعدد يؤدى مع تعدده معنى واحداً؛ مثل: الفتى نحيف سمين - الرمان حلوحامض؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر المتعدد الذى يؤدى معنى واحداً، ولا تقديم واحد مما تعدد5. 11- المبتدأ التَّالى: أمَّا: نحو: أما صالح فعالم؛ لأن الفاء لا تقع بعد "أما" مباشرة. ولأن الخبر الذى تدخل عليه لا يتقدم على المبتدأ - كما سلف -. 12- المبتدأ المفصول من خبره بضمير الفصل6، نحو: الشجاع هوالناطق بالحق غير هياب.

_ 1 سبق تفصيل الكلام عليه وعلى أحكامه وكل ما يختص به في ص 22500 "د". 2 في رقم 1 من هامش ص - 328 ورقم 1 من هامش ص 337. 3 كما سبق في "أ" من ص 337 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 500. 4 هذا رأي كثير من النحاة. ولكني رأيت عدة نصوص قديمة يحتج بها تقدم فيها الخبر الجار مع مجرورة على المبتدأ الذي للدعاء. فالأحسن أن يقال: إن التأخير هو الأكثر، وليس بالواجب. 5 كما سيجيء البيان في موضوع "تعدد الخبر" ص 529. 6 له بحث خاص مستقل في ص 2242 "حـ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13- المبتدأ إذا كان ضمير تكلم أوخطاب، وقد أخبر عنه بالذى وفروعه مع وجود بعده الضمير مطابقاً للتكلم، أوالخطاب؛ نحو: أنا الذى أساعد الضعيف. أنتما اللذان تساعدان الضعيف. .... 14- ويجب تقديم المبتدأ وتأخير الحبر فى باب الإخبار عن: "الذى"، نحو: الذى صافحته محمد. 15- خبر المبتدأ إذا كان ضمير متكلم أومخاطب، وقد أخبر عنه بنكرة مُعرَفة بأل، بعدها ضمير مطابق للمبتدأ في التكلم والخطاب، نحو: أنا السيف أمزق الضلال، أنت الجندى تدافع عن الوطن. 16- إذا كان المبتدا اسم موصول وجب تأخير الخبر عنه وعن الصلة معا1. ملاحظة: يجب تقديم كل اسم أوفعل سبقته أداة عرض، أوتمن، أورجاء، أونفى، أوطلب. 17- ويجب تأخير الخبر، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ "ما" التعجبية؛ نحو: ما أقدر الله أن يُدْنِىَ المتباعدين2. "ملاحظة عامة" يجب تقديم كل اسم أو فعل سبقته أداة عرض، أو تمن، أو رجاء، أو نفي، أو طلب. "ب" أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقاً حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير، أومتقاربين فيهما؛ من غير لَبْس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبراً وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق3 بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير. بالرغم من جدلهم المرهق4؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل

_ 11 كما في ص 378. 2 سبقت الإشارة لهذا، في رقم 5 من ص 496. 3 في رقم 3 من هامش ص 492. 4 وقد عرض لبعضه صاحب: "المفصل" وكذا: "الصبان" بإيجاز في الجزء الأول، باب: "المبتدأ والخبر"، عند الكلام على مواضع تأخير الخبر وجوبا. وكذلك: "التصريح" وهامشه في الموضع السابق أيضا: وكذلك "المغني" أول الباب الرابع:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أوالتقارب فى درجة التعريف والتنكير؛ وإنما المعول عليه وحده وهووجود قرينة تدل على أن هذا هوالمحكوم عليه، "أى: أنه المبتدأ"، وذلك هوالمحكوم به، أى: الخبر، على حسب المعنى؛ بحيث يتميز كل من الآخر، دون خلط أواشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى1. وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتماً من غير أن يكون للتساوى أوالتقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبراً. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده، وإما بالتزام الترتيب؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ، ووسيلة إلى تعينه؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.

_ 1 إلا في الحالة التي أشرنا إليها في رقم 8 من ص 498 وهي حالة اسم الإشارة المقرون بكلمة "ها" التنبيه، مع معرفة أخرى، إذ يتعين أن يكون اسم الإشارة هو المبتدأ، لأن حرف التنبيه لا بد أن يتصدر- عند فريق من النحاة دون فريق، طبقا للبيان المفصل الذي في رقم 1 من هامش ص 328 - إلا إن كانت المعرفة الأخرى ضميرا، ففي هذه الحالة يحسن أن يكون المبتدأ هو الذي تسبقه "ها" التنبيه، واسم الإشارة يجيء بعده خبرا، نحو،: "هأنذا". وقد يجوز مراعاة القاعدة العامة بتقديم الإشارة أيضا في هذه الصورة مع تأخير الضمير، نحو: هذا أنا، ولكن الأول أكثر في الأساليب الأدبية المعروفة. "انظر ص 337".

المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوبا

المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً "وهي الحالة الثالثة له" يتقدم الخبر وجوباً فى مواضع؛ أهمها: 1- أن يكون المبتدأ نكرة محضة1، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص؛ ظرفاً كان، أوحارًّا مع مجروره؛ أوجملة؛ فمثال شبه الجملة: عندك كتابُ - على المكتب قلم ... فإن كان للمبتدا مسوغ آخر جاز تقديم الخبر وتأخيره؛ نحو: عندك كتاب جميل - على المكتب قلم نفيس؛ ويجوز: كتاب جميل عندك، وقلم نفيس على المكتب. ومثال الجملة: قَصَدَك ولدُه محتاج. فلا يجوز تقديم المبتدأ؛ وهو: "محتاج"؛ لأنه نكرة محضة، ولأن المبتدأ النكرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أوشبه الجملة فقد يتوهم السامع أن المتأخر صفة، لا خبر2. 3- أن يكون المبتدأ مشتملاً على ضمير يعود على جزء3 من الخبر؛ نحو: فى الحديقة صاحبها. فكلمة: "صاحب" مبتدأ، خبره الجار مع المجرور السابقَين؛ "فى الحديقة". وفى المبتدأ ضمير يعود على الحديقة التى هى جزء من الخبر. ولهذا وجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: صاحبها فى الحديقة؛ لكيلا يعود الضمير على

_ "1 و1" سبق الكلام على النكرة المحضة في رقم 3 من هامش 213 وعلى الظرف المختص، وكذا الجار مع مجروره في ص 477 وفي رقم 1 من هامش 487. وكذا الرأي في المبتدأ النكرة في ص 489. 2 كل هذا كلام القائلين بأن المبتدأ لا يكون نكرة إلا بمسوغ. وسردوا عشرات من المسوغات لا تترك نكرة بغير أن تصلح للابتداء، كما أوضحنا فيما سلف "ص 485 وما بعدها"، وانتهينا منه إلى أنه لا قيمة لهذا التوهم، ولا داعي لبقاء تلك القاعدة، وعندئذ يكون الموضع الأول من مواضع تقديم الخبر هو: "أن يكون المبتدأ نكرة محضة، ويراد تخصيصه، بتقديم خبره الظرف أو الجار مع المجرور المختصين، أو: الجملة". أما دعوى التوهم فخيالية لا مجال لها ما دامت الجملة الاسمية قد أدت الفائدة الأساسية المطلوبة. 3 عبارة النحاة: "يعود على الخبر". ولكن الصحيح أنه يعود على جزء من الخبر كما في المثال-، إذ الضمير عائد على المجرور وحده، وهو جزء من الخبر، لأن الخبر الجار مع مجروره.

متأخر لظفاً ورتبة؛ وهوممنوع هنا. ومثل ذلك: "فى القطار رُكَّابُه" فكلمة: "ركاب" مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقين. وفى المبتدا ضمير يعود على: "القطار" وهوجزء من الخبر. ويجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: رُكَّابُه فى القطار؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ وهوممنوع هنا كما قلنا. وهكذا ... 3- أن يكون للخبر الصدارة فى جملته؛ فلا يصح تأخيره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام؛ نحو: أين العصفورُ؟ فكلمة: "أين" اسم استفهام، مبنى على الفتح فى محل رفع، خبر مقدم، و"العصفور" مبتدا مؤخر. ونحو: متى السفرُ؟ فكلمة: "متى" اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع خبر مقدم، و"السفر" مبتدأ مؤخر. ومثل هذا: كيف الحال؟ من القادم؟ ... وكذلك الخبر الذى ليس اسم استفهام بنفسه ولكنه مضاف إلى اسم استفهام؛ نحو؛ مِلْكُ مَن السيارةُ؟؛ وصاحبُ أيِّ اختارع أنت؟ ومما له الصدارة "مُذْ ومُنْذُ" عند إعرابهما ظرفين خبرين متقدمين فى مثل: ما رأيت زميلى مُذْ أومنذُ يومان. ولوأعربناهما مبتدأين لوجب تقديمهما أيضاً1. 4- أن يكون الخبر محصوراً2 فى المبتدأ بإلا أوإنما؛ نحو: ما فى البيت إلا الأهل، إنما فى البيت الأهل؛ فلا يجوز تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، لكيلا يختل الحصر المطلوب، ويختلف المراد 3.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في "أ" من ص 489 وفي رقم 5 من ص 497 وسيجيء البيان عنهما في جـ2 بابي: الظرف وحروف الجر. 2 وقد أشرنا باختصار إلى "الحصر" وطريقته في رقم 4 من هامش ص 495. 3 وقد أشار ابن مالك إلى المواضع الأربعة السابقة بقوله ونحو: عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر يشير بهذا البيت إلى الموضع الأول: "والوطر هو: الغرض والحاجة"، ثم قال: كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبينا يخبر يشير إلى الموضع الثاني، وهو: تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر "أي: ضمير" من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر، وهذا الخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه. و"مما" أي: من المبتدأ الذي.... و "به" بالخبر - حالة كون الخبر مبنيا - وعنه "عن المبتدأ...." وفي البيت كثير من التعقيد، والضمائر الملتوية في مراجعها." ثم أشار إلى الموضع الثالث فالرابع بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا؟ وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا يريد: أن يقول: كذلك يجب تقديمم الخبر إذا كان من الألفاظ التي تستوجب التصدير، أي: تستحقه وجوبا، نحو: أين من علمته نصيرا؟ "فأين" اسم استفهام د خبر مقدم.... إلخ. "من" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر..... وكذلك يجب تقديم خبر المحصور فيه، أي: خبر المبتدأ الذي وقع فيه الحصر "فالخبر محصور، والمبتدأ محصور فيه" مثل: ما لنا إلا اتباع أحمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" من المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر: 1- أن يكون لفظة "كم" الخبرية1؛ نحو: كم يومٍ غيابُك!! أوأن يكون مضافا إليها، نحو: صاحب كم كتابٍ أنت!! 2- أن يكون قد ورد عن العرب متقدماً في مثَل من أمثالهم؛ نحو: فى لك واد بنوسعد؛ لأن الأمثال الواردة لا يصح أن يدخلها تغيير مطلقاً، "لا فى حروفها، ولا فى ضبطها، ولا فى ترتيب كلماتها"2. 3- أن يكون المبتدأ مقروناً بفاء الجزاء؛ نحو: أمَّا عندك فالخير. 4- أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً للمكان؛ نحو: هنا3 وثَمَّ فى مثل: هنا النبوغ؛ وثَمَّ العلم والأدب. 5- أن يكون تأخير الخبر مؤدياً إلى خفاء المراد من الجملة، أومؤدياً إلى الوقوع فى لبس؛ فمثال الأول: لله درك4، عالما، فالمراد منها: التعجب. ولوتأخر الخبر وقلنا: درك لله - لم يتضح التعجب المقصود. ومثال الثانى: عندى أنك بارع، من كل مبتدأ يكون مصدراً مسبوكاً من "أنَّ" "مفتوحة الهمزة مشدودة النون" ومعموليها: وهى "أنّ" التى تفيد التوكيد. فلوقلنا: أنك بارع عندى - لكان التأخير سبباً فى احتمال اللبس فى الخلط بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون و"إنّ" المكسورة الهمزة المشددة النون، وسبباً فى احتمال لَبْس آخر أقْوَى، بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة التى معناها التوكيد، والتى تسبك مع معموليها بمصدر مفرد - و"أن" التى بمعنى

_ 1 أما الاستفهامية فلها الصدارة أصالة كأسماء الاستفهام السابقة. فكم بنوعيها واجبة الصدارة. 2 كما سيجيء في ص 518. 3 هذا ما صرح به فريقض من النحاة، كصاحب "الهمع" - جـ1 ص 102 - ولكن السماع الكثير يخالفه في الظرف: "هنا" كما أوضحنا هذا بإفاضة في رقم 1 من هامش ص 328. 4 الدر: اللبن. والمقصود من هذه الجملة المدح والتعجب معا، بسبب ما يدعيه المتكلم من أن اللبن الذي ارتضعه المخاطب ونشأ عليه هو لبن خاص من عند الله هيأه وحده لإعداد هذا المخاطب إعدادا ممتازا ينفرد به "راجع جـ 2 رقم 2 من هامش ص 21 م 60". وهذا الأسلوب قد التزم فيه العرب تقديم الخبر، فلا يصح تأخيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "لعل"، وهذه مع معموليها جملة فلا تسبك معهما بمصدر مفرد، وفرق كبير فى الإعراب بين المفرد والجملة، وفى المعنى بين التوكيد، والترجى أوالظن ... فقد صار اللبس محتملا لفظاً وكتابة ومعنى بسبب تأخير الخبر، ولوتقدم لامتنع اللبس، إذ الحكم الثابت "لإن" المكسورة الهمزة المؤكِّدة، و"أنَّ" المفتوحة الهمزة التى بمعنى "لعل" أن كلا منهما مع معموليه جملة، وأن كلا منهما لا يجوز تقديم معمول خبره عليه؛ سواء أكان المعملوظرفياً أم غير ظرف1. ولهذا يسهل الاهتداء إلى إعراب الظرف فى المثال السابق، وأشباهه، وأنه خبر وليس معمولا للخبر متقدماً عليه؛ إذ لولم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف: "أنّ" للتوكيد "وهى المفتوحة الهمزة، المشددة النون" لكان المصدر المؤول منها ومن معموليها مبتدأ، ولا نجد له خبراً؛ وهذا لا يصح. ولواعتبرناها بصورتها هذه بمعنى: "لعل" لم يصح تعليق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا يجوز تقديم شىء من معمولات خبرها عليها - كما قلنا -. وكذلك لواعتبرناها "إن" المكسورة الهمزة، المشددة النون، للتوكيد. فلم يبق بدّ من إعراب ذلك الظرف خبراً متقدماً. فتقدمه - أوغيره من المعمولات - يختم أمرين: "أ" تعيين نوع "أنّ" التى بعده؛ فتكون للتوكيد، مفتوحة الهمزة مشددة النون. "ب" أنه خبر متقدم وليس معمولا لخبرها. كما أن تأخيره يوجب أمرين: "أ" اعتبار "أن" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" بمعنى "لعل" أوكسر همزتها مع تشديد نونها لتكون للتوكيد. "ب" إعرابه فى الصورتين معمولا للخبر وليس خبراً. ولا شك أن كل اعتبار من الاعتبارات السالفة يؤدى إلى معنى يخالف الآخر. هذا وإنما يكون تقديم خبر "أنَّ" واجباً على الوجه الذى شرحناه بشرط عدم وجود "أما" الشرطية. فإن وجدت جاز تأخير الخبر2. إذ المشددة المكسورة الهمزة.

_ 1 كما هو مبين في رقم 3 من هامش ص 635 - وفي "و" من ص 646. 2 تقول: أما عندي فأنك بارع. أو: أما أنك بارع فعندي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا التى بمعنى: "لعل" لا يقعان بعدها1.... وغاية القول: أنه يجب تقديم الخبر فى كل موضع يؤدى فيه تأخيره إلى لبس، أوخفاء فى المعنى أوفساد فيه.

_ 1 لأنه لا يجوز الفصل بينها وبين "الفاء" التي بعدها بجملة اسمية مصدرة بكلمة: "إن" مكسورة الهمزة، ولا "أن" مفتوحة الهمزة، التي بمعنى: "لعل" - كما سيجيء في رقمم 3 من هامش ص 635 - وسيجيء في جـ 4 ص 4700 و 476 م 161 تفصيل الكلام على: "أما" وأحكامها.

المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى ولا التركيب بحذفه1؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب ... "حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه ... وهكذا. ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف2 تقديره: "في الحقل". وأصل

_ 1 هذا الحذف تطبيق لقاعدة لغوية عامة، تشمل المبتدأ والخبر وغيرهما، ومضمونها أن الحذف جائز في كل ما يدل الدليل عليه، بشرط ألا يتأثر المعنى أو الصياغة بحذفه تأثرا يؤدي إلى عيب وفساد لفظي أو معنوى. ويريدون بالدليل: القرينة الحسية "ومنها اللفظية" أو: العقلية "المعنوية" التي ترشد إلى لفظ المحذوف ومعناه، وإلى مكانه في جملته "طبقا للتقسيم الذي سبقت له الإشارة في رقم 1 من هامش ص 493"- ويريدون بعدم تأثر المعنى: بقاءه على حالة قبل الحذف، فلا ينقص، ولا يصيبه لبس، أو خفاء أو تغيير - انظر "أ" من ص 489: حيث الأصل اللغوي العام الذي يتصل بهذا. 2 يكثر حذف المبتدأ جوازا في جواب الاستفهام، نحو: ما الحديد؟ فيقال: معدن: أي: هو معدن ومنه قوله تعالى: {مَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار حامية.... وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟ .... النار....} ، أي: هو النار. وكذلك بعد القول: مثل: الآية الكريمة التي تسجل كلام الكفار عن القرآن يأنه أساطير الأولين وهي: {قالوا أسطير الأولين....} أي: "هو: أساطير الأولين".. وقد يحذف جوازا في غير هذا المواضع، مثل قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} . وقوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } ، أي: هذا.... وقد اجتمع الحذف الجائز والذكر في قول الشاعر: قصر عليه تحية وسلام ... خلعت عليه جمالها الأيام أي: "هذا قصر" - "عليه تحية وسلام".

الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة: "القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره: "معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد1. والأصل قبل حذف الخبر: خرجت فإذا الوالد1 موجود..... وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهومحسن، ومن يساعف مستغيثاً فهومحسن، ومن يشهدْ شهادة الحق ... أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: "هومحسن" مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً2. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهوعظيم، ومن ينفع وطنه فهوعظيم، ومن يخدم الإنسانية ... أي: فهوعظيم 3.

_ 1 "ذا" هنا للمفاجأة، أي: للدلالة على هجوم الشيء الذي بعدها، ووقوعه بغتة. و "إذا الفجائية" لا بد أن يسبقها كلام، ولا تحتاج إلى جواب: ولا بد أن تكون المفاجأة في الزمن الحالي، "لا المستقبل ولا الماضي"، وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد. والمراد بالزمن الحالي: أن وقوع المعنى بعدها وقوع المعنى قبلها مقترنان، بأن يتحقق وقوعهما معا في وقت واحد، ولو كان ماضيا، نحو: خرجت أمس فإذا النسيم منعش، فالوقت الذي تحقق فيه الخروج تحقق معه في الحال- أي: في الوقت نفسه- إنعاش النسيم، لا قبله، ولا بعده، ومثل هذا يقال في بيت الشاعر: كم تمنيت لي صديقا صدوقا ... فإذا أنت ذلك المتمني "وسيجيء كلام على إعراب "إذا" في ص 592 - ثم راجع جـ2 "د" ص 2260 م 79"، فتقدير المثال: خرجت فإذا الوالد موجود، وهذا على اعتبار أن "إذا" الفجائية حرف. مراعاة للأسهل- أما على اعتبارها ظرف زمان أو مكان فهي الخبر، أي: ففي الوقت أو في المكان الوالد. 2 فكلمة: "من" اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، "يشهد فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. "شهادة" مفعول مطلق منصوب، ومضاف، "الحق" مضاف إليه مجرور "فهو محسن" الفاء داخلة على جواب الشرط. "هو" مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع "محسن" خبره مرفوع، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. وفي هذا المثال يصح أن يكون المحذوف هو الخبر وحده، والتقدير، "ومن يشهد شهادة الحق محسن". فتكون كلمة: "محسن" خبر "من" ولا تكون "من" الشرطية، وإنما تكون اسم موصول مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع "يشهد" مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستر جوازا تقيره، هو.... والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والخبر محذوف. تقديره "محسن". 3 وقد أشار ابن مالك إلى الحذف السابق فقال: وحذف ما يعلم جائز، كما ... تقول: زيد، بعد: من عند كما؟ وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف ... فزيد استغنى عنه إذ عرف ومعنى البيت الأول: أن الحذف جائز في كل ما يعلم، فيشمل حذف المبتدأ وحده، وحذف الخبر وحده، وحذفهما معا، وغيرهما. والشرط في ذلك كله أن يكون المحذوف معلوما، لم يتأثر المعنى ولا الصوغ بحذفه، وإن يكون معلوما إلا إذا وجد دليل يدل عليه. ولم يذكر ابن مالك هذا الشرط صراحة، اكتفاء بشرط العلم، لأنا لمحذوف لن يكون معلوما حقا إلا إذا وجد الشرط المذكور. وضرب مثالا لحذف الخبر هو: أن يسأل سائل: من عند كما؟ فتقول: "زيد". التقدير "زيد عندنا" فحذف الخبر وهو "عندنا" للعلم به على الوجه السالف.

ذلك هوالحذف الجائز1، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان:

_ 1 ويمتنع حذف الجزأين معا أو أحدهما إذا وقعت جملتهما خبرا عن ضمير الشأن "وقد سبق تفصيل الكلام عليه في الضمائر- ص 250 - نحو: قل هو الله أحد. وأتى في البيقت الثاني بمثال لحذف المبتدأ هو أن يسأل سائل: كيف زيد؟ فيكون الجواب: "دنف" أي شديد المرض "فدنف" خبر المبتدأ الذي استغنى عنه فحذف، وأصل الجملة: زيد دنف. وقد ردد في كلامه اسم: "زيد" على عادة قدامي النحاة في كثرة ترديدهه خلال أمثلتهم، هو: وعمرو، وبكر، وخالد.... حتى صار التمثيل بهذا الأسماء بغيضا اليوم، لا بتذاله، يتحاشاة - بحق- أهل البلاغة والمقدرة الفنية من المعاصرين. وبهذة المناسبة نشير إلى أن كلمة: "كيف" أو: "كي" - كما ينطقها بعض العرب - هي في أكثر استعمالاتها: إما اسم مبني على الفتح، معناه الاستفهام عن حالة الشيء، "أي: السؤال عن هيئته الطارئة عليه، دون السؤال عن ذاته وحقيقته"، وإما اسم معرب، لا يدل على استفهام، وإنما يدل على الحالة المجردة، والهيئة المحضة، بأن يكون بمعنى: "الكيفية". وإما شرطية غير جازمة. فلها حالات ثلاث لا تكاد تخرج عنها. ولكل حالة أحكامها التي نوضحها فيما يلي: 1 فالاستفهامية لها الصدارة في جملتها. وهي مبنية على الفتح وجوبا في كل مواقعها المختلفة باختلاف الأساليب التي تحتويها. وضابط إعرابها أن ننظر إلى العامل بعدها، فإن كان محتاجا إليها باعتبارها جزءا أساسيا لا يستغنى عنه فإنها تعرب على حسب حاجته، فتكون خبر في مثل: كيف أنت؟ . لأن العامل الذي بعدها مبتدأ يحتاج للخبر، فهي الخبر له، مبنية على الفتح في محل رفع. وكذلك هي الخبر في مثل: كيف بك، وكيف به. - بالإيضاح الذي سبق رقم 3 من هامش ص 448 - وفي مثل: كيف كنت؟ تعرب خبرا "لكان"، مبنية على الفتح أيضا في محل نصب، لاحتياج "كان" لخبر منصوب، وفي مثل: كيف ظننت الضيف؟ تكون مبنية على الفتح في محل نصب، مفعولا ثانيا للفعل: "ظن" - وهو من الأفعال التي تحتاج لمفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر- فإن كان ما بعدها غير محتاج لها احتياجا أساسيا على الوجه السالف بقيت مبنية على الفتح أيضا. ولكن في محل نصب دائما، إما لأنها مفعول مطلق، نحو "الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ " "فكيف" مفعول مطلق. والمعنى فعل ربك بأصحاب الفيل أي فعل ... فهي في كل ما سبق اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع، أو نسب، على حسب حاجة العامل، ولا تكون في محل جر مع بقائها استفهامية إلا سماعا في بعض أمثلة نادرة لا يقاس عليها، منها قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ ولسيبويه رأي آخر حسن في معنى "كيف" الاستفهامية، وفي إعرابها. وقد اضطرب النحاة في شرحه إلى أن تناوله "الخضري" في حاشيته، فأزال عنه الغموض والخفاء وكشف بشرحه السبب في استحسان صاحب "المغني" وتأييده لذلك الرأيب. وملخصه: أن معنى: "كيف" الاستفهامية عند سيبويسه شيء واحد، هو السؤال عن الحال والهيئة الطارئة على الأمر المسئول عنه، وأن من يقول: كيف

مواضع حذف المبتدأ وجوبا، أشهرها أربعة: "أ" المبتدأ الذي خبره في الأصل نعت، ثم ترك أصله وصار خبرا، بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصا بالمدح كالذي في نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أوبالذم كالذي في، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيه، أو: بالترحم1 كالذي في نحو: ترفق بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد2، مجرور، لأنه تابع للمنعوت في حركة الإعراب، التي هي الجر في الأمثلة السابقة.

_ = محمد؟ . وكيف الجو؟ يريد. في أي حال محمد؟ وعلى أي حال الجو؟ فمعناها اللفظي الدقيق هو: في أي حال؟ أو: على أي حال؟ بحيث تستطيع أن تحذف لفظها وتضع مكانه هذا الذي بمعناه، فلا يتأثر المراد. وهذا معنى قول سيبويه إنها: "ظرف" مبني على الفتح، لأن كلمة: "ظرف" يراد منها أحيانا الجار مع مجروره. ثم هو يريد الظرفية المجازية، كالتي في مثل: فلان في حالة حسنة. ولا يريد الظرفية الحقيقية النحوية التي تقتضي أن يكون الظرف منصوبا على الظرفية، إذ لا تدل على زمان أو مكان، وإنما يريد ما قدمناه من نحو: في أي حال - وعلى أي هيئة ... وبهذا تكون "كيف" عنده مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب على حسب حاجة العوامل، ولا تكون في محل جر، ولا مقصورة على النصب للظرفية أو لغيرها. وهذا الرأي قريب من سابقه، وحسن أيضا - كما قلنا- وفي كل ما تقدم راجع المغني والهمع في مبحث "كيف" وكذا الصبان والخضري وحاشية ياسين في باب المبتدأ والخبر - جـ 1 - عند بيت ابن مالك، وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف ... ثم في أول باب: "أعلم وأرى" ب والتي تجردت عن الاستفهام، وتخلصت لمعنى الحالة المجردة "أي كانت بمعنى: "الكيفية" تكون اسما مبنيا أيضا على الفتح في جميع صورها إلا صورة واحدة تعرب فيها، ولا تبني، وهي الحالة التي يحتاج إليها العامل لتكون مفعولا به فتكون اسما معربا مفعولا به مجردا عن معنى السؤال، وليس له وجوب الصدارة، فتعرب مفعولا به، منصوبا لعامل قبله كالذي قيل أيضا في آية "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" حيث أعربها بعض النحاة مفعولا به منصوبا، مضافا إلى الجملة الفعلية بعده، ثم تأويل هذه الجملة الفعلية بالمصدر طبقا لما هو موضحح في باب الإضافة جـ3 خاصا بالجملة الواقعة مضافا إليه - كتأويل الجملة الفعلية بالمصدر في قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} بإضافة كلمة "يوم" إلى الجملة بعده. فالمعنى: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ ومثله التأويل في الآية الآخر وهي قثوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ... } أي: أرني كيف إحيائك الموتى. وفي الآيتين آراء أخرى ولكن ما عرضناه أوضح وأيسر تطبيقا، وليس فيه ما يعارض حكما مطردا، أو قاعدة أصلية. أما في غير هذه الحالة التي تعرب فيها مفعولا به منصوبا مباشرة فإنها تبني على الفتح - كما أشرنا -. جـ والشروط اسم شرط غير جازم - على الأرجح- يقتضي بعده فعل شرط وفعل جواب. ولا بد أن يكون الفعلان بعدها متفقين في مادة اشتقاق اللفظ وفي المعنى نحو: كيف تكتب أكتب، ولا يجوز كيف تكتب أقرأ ... وتفصيل الكلام على هذا الاستعمال وحكمه مدون في موضعه الخاص من الجزء الرابع - باب الجوازم ص 415 م 156. 1 إظهار الرحمة والحنان. 2 النعت المفرد- كالخبر المفرد - وكالحال المفرد- ما ليس جملة، ولا شبه جملة.

لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أوالنصب بشروط1، وعندئذ لا يسمى ولا يعرب فى حالته الجديدة "نعتاً" وقد يسمى: "نعتا مقطوعا أو منقطعا"2 -. وإنما يكون فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو- مثلا - فيكون المراد: ذهبت إلى الصديق؛ "هوالأديبُ" ابتعدت عن الرجل؛ "هوالسفيهُ. ترفق بالضعيف "هوالبائسُ". ويكون فى حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: "أمدحُ"، أو: "أذم"، أو: "ارحمُ"، على حسب معنى الجملة. والفاعل فى هذه الأمثلة ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا. فالمراد: أمدحُ الأديبَ ... أذم السفيهَ ... أرحمُ البائسَ. ولا يصح إعراب كلمة منها ولا تسميتها نعتا بعد أن تركت الجر إلى الرفع أو النصب. ولكن يصح تسميتها نعتا مقطوعا أو منقطعا - كما سبق - 5 ومن الأمثلة: أصغيت إلى الغناء الشجىِّ3، فزعت من رؤية القاتل الفتاك، أشفقت على الطفل اليتيم. فكلمة "الشجىّ" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت. وتفيد المدح. وكلمة: "الفتاك" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت وتفيد الذم. وكذلك: "اليتيم"، إلا أنها تفيد الترحم. فتلك الكلمات الثلاث وأشباهها - من كل نعت مفرد مجرور يفيد المدح، أوالذم، أوالترحم - قد يجوز إبعادها عن الجر، إلى الرفع أو: النصب؛ فلا تعرب نعتاً مفرداً مجروراً؛ وإنما تعرب فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" ويكون المراد: "هوالشجُى". "هوالتفاكُ". "هواليتيمُ" كما تعرب فى حالة النصب مفعولاً به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: أمدح ... أو: أذم ... أو: أرحم ... ، على حسب الجلمة؛ فالمراد: أمدحُ الشجىَّ ... أذمُّ الفتاك ... أرحمُ اليتيم4. وبعد إبعادها عن الجر قد تسمى "نعتا مقطوعا، أو منقطعا".

_ 1 ستجيء مفصلة في موضعها الأنسب، وهو: باب النعت، جـ3 ص 471 م 115. 2 قد يسمى نعتا مقطوعا، أو: منقطعا، بمعنى: أنه منقطع عن أصله وتارك لاسمه الأول وحكمه السابق- انظر ما يأتي في رقم 4 من الهامش. 3 الذي يسير ويفرح. 4 قلنا: إن تلك الكلمات وأشباهها لا تعرب نعتا إلا حين تكون تابعة للمنعوت في حركة إعرابه. أما حين تخالفه إلى الرفع أو النصب فلا تكون نعتا، لأن صلتها الإعرابية به تنقطع لدخولها في جملة جديدة مستأنفة- في الرأي الشائع- ولا صلة بينها وبين الجملة السابقة من ناحية الإعراب فكلتاهما مستقلة بنفسها في الرأي الشائع - ولا صلة بينها وبين الجملة السابقة من ناحية الإعراب فكلتاهما مستقلة بنفسها فيه بناء على الرأي المتقدم، نعم إن تلك الكلمة التي كانت في الأصل: "نعتا" قدتسمى: "النعت المقطوع" أو: "المنقطع"، ولكن تسميتها هذه بالنعت لم يلاحظ فيها حالتها الجديدة، وإنما لوحظ فيها حالتها القديمة التي تركتها، فهي تسمية "مجازية" باعتبار ما كان، لا باعتبار ما هو متحقق بعد القطع. أما الوصف بالمقطوع، أو: بالمنقطع ... فملاحظ فيه أنها صارت في حالتها =

وإذا كان النعت مرفوعاً فى الأصل جاز قطعه إلى النصب، واذا كان منصوبا جاز قطعه إلى الرَّفع وإذا كان مجرور جاز قطعه للرفع أوالنصب، والذى يتصل بموضوعنا هو: النعت المقطوع إلى الرفع حيث يعرب بعد القطع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً ولا يجب الحذف إلا بشرط أن يكون أصل النعت للمدح، أوالذم، أوالترحم، دون غيرها - كما سبق-. 2- المخصوص بالمدح أوالذم. وبيانه: أن فى اللغة أساليبَ للمدح، وأخرى للذم، وكلاهما يؤلَّف بطريقة

_ = الجديدة، وإعرابها المستحدث مقطوعة عن إعرابها السابق، وعن حركتها الأولى. لأن جملتها الجديدة مستأنفة لا محل لها من الإعراب- كما أسلفنا_، فليس بين الجملتين صلة إعرابية، بالرغم من أن الغرض من الجملة الجديدة هو: إنشاء المدح، أو الذم، أوالترحم ... وهذه أغراض كان يدل عليها النعت قبل قطعه ... أما السبب في تحويلها من نعت مفرد، في جملة إلى خبر مرفوع أو إلى مفعول به، وكلاهما في جملة جديدة مستقلة بنفسها، لا صلة في الإعراب بينها وبين سابقتها.... فسبب بلاغي، ذلك أنهم حين يرون أهمية الغرض من هذه الكلمة، وجلال معناها وأن هذا المعنى جدير بالتنويه، وتوجيه الأبصار والأسماع إليه، يحولونها عن سياقها المألوف، وإعرابها الطبيعي، يقطعها وجوبا من جملتها، إدخالها على تحقيق المراد أقوى واظهر من دلالة الكلمة المفردة. وقد يكون القصد من القطع تقوية التخصيص، إذا كان وقوعه بعد نكرة، نحو: مررت بأسد في قفصه زائر أو زائرا. أو: تقوية الإيضاح إذا كان وقوعه بعد معرفة، نحو: أصغيت لعلى الشاعر، فيكون الحذف فيهما جائزا. هذا، وليس من اللازم في النعت المنقطع أن يكون مجرورا قبل القطع تبعا للمنعوت، بل يجوز أن يكون مرفوعا في حالته الأولى، أو منصوبا، تبعا لذلك المنعوت. فإن كان المنعوت مرفوعا جاز في نعته المرفوع النصب على القطع، ولا يجوز الرفع، منعا للالتباس، لأنه إن رفع رفع فلن يعرف أنه مقطوع. وإن كان المنعوت منصوبا جاز قطع النعت إلى الرفع فقط ولا يجوز إلى النصب، منعا للالتباس كذلك. أما إذا كان المنعوت مجرورا فيجوز قطعه إلى الرفع، أو النصب، كما سبق، إذ لا ليس مع أحدهما. وقد قلنا: إن المنصوب بعد القطع لا يعرب نعتا، فقد دخل في جملة جديدة مستقلة بإعرابها، لأنها في الرأي الشائع جملة مستأنفة إنشائية "من نوع الإنشاء غير الطلبي". فلو ظهر الفعل المحذوف حذفا واجبا لأوهم أن الكلام خبري، وقد حمل على حذف الفعل وجوبا، حذف المبتدأ وجوبا أيضا ولا يجوز القطع إلا إذا كان المنعوت معرفة، أو نكرة خاصة. كما أن الفعل والمبتدأ يكون حذفهما واجبا مع النعت المقطوع الذي أصله للمدح أو الذم أو الترحم، فإن كان أصله لشيء غير ما ذكرنا فالحذف جائز لا واجب- كما تقدم، كما سيجيء في باب النعت، وقد سبقت إشارة لبعض هذا في رقم 1 من هامشي 320 عند الكلام على بعض أحكام العلم. 1 في هذا الهامش، وفي ص 510.

معينة، وصُوَر مختلفة، مشورحة فى أبوابها1 النحوية. فمن أساليب المدح: أن تقول فى مدح زارع اسمه حليم: "نِعْم الزارع حليم". وفى ذم صانع اسمه سليم: "بئس الصانع سليم" ... فالممدوح هو"حليم" ويسمى: "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "سليم" ويسمى: "المخصوص بالذم". ومثلهما: "نعْم الوَفى حامد" أو: "بِئْسَ المختلِف وعده زُهَير". فالممدوح هو: "حامد"، ويسمى، "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "زُهير" ويسمى: "المخصوص بالذم" فالمخصوص - فى الحالتين - يقع بعد جملة فعلية، مكونة من فعل خاص - يدل على المدح، أوعلى الذم، - وفاعله. وقد يتقدم المخصوص عليهما؛ فنقول: "حليم نعم الزارع" ... "سليم بئس الصانع". وله صور وإعرابات مختلفة؛ يعنينا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخراً؛ فيجوز إعرابه خبراً، مرفوعاً، لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو"2 فيكون أصل الكلام: "نعم الزارع هوحليم". "بئس الصانع هوسليم". 3- أن يكون الخبر صريحاً فى القَسَم "الحَلِف". وصراحته تتحقق بأن يكون معلوماً فى عُرف المتكلم والسامع أنه يمين؛ نحو: فى ذمتى لأسافرن. - بحياتى لأخْدُمَن العدالة. تريد: فى ذمتى3 يمين، أوعهد، أوميثاق ... بحياتى يمين، أوعهد، أوميثاق ... 4- أن يكون الخبر مصدراً يؤدى معنى فعله، ويغنى عن التلفظ بذلك الفعل - فى أساليب معينة، محدّدة الغرض؛ محاكاة للعرب فى ذلك -؛ كأن يدور بينك وبين طبيب، أومهندس، أوزارع ...

_ 1 مثل باب: "نعم وبئس" وما جرى مجراهما. وسيجيء في الجزء الثالث. 2 هذا هو الشائع. ولنا رأي أيسر وأوضح، وسنذكره في مكانه من باب: "نعم وبئس" ... - جـ 3 -. 3 المراد: في ذمتي وفي رقبتي ما يتعلق باليمين أي: بتنفيذ مضمونها، ويتصل بالقسم وتحقيق المراد منه، كالسفر مثلا، أو خدمة العدالة، لأن كلا منهما هو مضمون اليمين والقسم، والغرض منها، ولذلك يسمى "جواب اليمين" أو: "جواب القسم". وهو الذي يستقر في الذمة، ويتعلق بالرقبة وليس اليمين أو العهد أو الميثاق. وإنما كان حذف المبتدأ واجبا هنا لأنه واجب التأخير بسبب تنكيره، وقد وجد ما يدل عليه عند حذفه، وهو: جواب القسم.

كلام فى عمله، فيقول عنه: "عملٌ لذيذ". أى: عمل عملى عملٌ لذيذ. وهذه الجملة فى معنى جملة أخرى1 فعلية، هى: "أعمَلُ عملاً لذيذاً". فكلمة: "عملا" مصدر، ويعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالى: "أعمل" وقد حذف الفعل وجوباً؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذى يؤدى معناه، وللتمهيد لإحلال جملة اسميه محلّ هذه الجملة الفعلية ... وصار المصدر مرفوعاً بعد أن كان منصوباً؛ ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة2. ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا: "سباحةٌ شاقةٌ" أى: سباحتى سباحةٌ شاقةٌ. وهذه الجملة فى معنى: أسْبَحُ سباحةً شاقةً. فكلمة: "سباحة" مصدر منصوب، لأنه مفعول مطلق للفعل: "أسْبَح"، ثم حذف الفعل وجوباً؛ استغناءً عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه؛ ثم رفع المصدر ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى. ومن الأمثلة أيضاً أن يقول السعيد: شكرٌ كثير. حمدٌ وافر ... وأن يقول المريض أوالمكدود: صبرٌ جميلٌ - أملٌ طيبٌ ... وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئاً: سمعٌ وطاعةٌ ... أى: أمرى وحالى سمعٌ وطاعةٌ 3.

_ 1 يوضح هذا الحكم ما سيجيء في جـ 2 م 76 ص 207 - موضوع: "حذف عامل المصدر وإقامة المصدر المؤكد مكانه ". على الرغم من أن المصدر هناك منصوب في أكثر حالاته، وهو هنا مرفوع. قلنا: في معنى جملة أخرى" لنفر من قول القائلين إن أصل الكلام "أعمل عملا لذيذا" ثم تناولوا هذا الأصل بالحذف والزيادة والتأويل..... مما لم يعرفه العرب، ولم يخطر ببالهم. فلكي يكون الكلام صادقا صائبا معا قلنا: في معنى جملة أخرى. 2 لأن هذه جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والدوام - غالبا - بخلاف الأولى. 3 إنما يكون المحذوف وجوبا هو المبتدأ حين يكون المقصود قيام المصدر مقام فعله نهائيا على الوجه السالف، ووجود قرينة تدل على هذا. فإن لم يكن المقصود ما سبق نحو: "صبر جميل"، وأمل طيب، وباقي الأمثلة الأخرى - تغير الحكم، فجاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أي: صبري صبر جميل.... وأن يكون المحذوف هو الخبر، أي: صبر جميل أحسن من غيره، أو أنسب لي، أو أليق بك.... وإذا جاز في المحذوف أن يكون هو المبتدأ أو الخبر فأيهما أولى الذكر؟ . أطال النحاة من غير داع، والأولى بهذا أو ذاك ما له سبب لذكره، أو لحذفه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" هناك مواضع أخرى - غير الأربعة السالفة - يجب فيها حذف المبتدأ؛ منها: 1- الاسم المرفوع بعد "لا سيما"؛ فى مثل: أحب الشعراء، ولا سيما "شوقىّ" بإعراب "شوقىٌّ" خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو1. 2- بعد المصدر النائب عن فعل الأمر: من مثل: "سَقْياً لك"2 ... و"رَعْياً لك" ... ومثلهما فى قول الشاعر: نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْران عاتبةً ... سَقْيًا ورَعْياً لذاك العاتب الزارى وغيرهما من كل مصدر ينوب عن فعل الأمر نيابة تغنى عن لفظه ومعناه، وبعد المصدر ضمير مجرور المخاطب. فأصل: "سَقْيًا لك" "اسْقِ يا رب" ... "الدعاء لك يا فلان". وأصل "رَعْياً لك" "ارْعَ يا رب" ... "الدعاء لك يا فلان"، فالمصدر نائب عن لفظ فعل الأمر وعن معناه، وبعده المخاطب المجرور. والجار مع المجرور خبر لمبتدأ محذوف. ولا يصح أن يكون هذا الجار مع مجروره متعلقاً بالمصدر: "سقياً ورعياً"، لأن هذا التعلق مخالف للأصول العامة

_ 1 سبق في آخر باب الموصول "ص 401 وما بعدها" التفصيل في إعراب: "لا سيما - وأخواتها- وإعراب الاسم الذي بعدها، وطريقة استعمال أسلوبها. ومن ذلك التفصيل نعلم أن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الرفع والجر إنكان معرفة- ويجوز فيه الرفع، والنصب، والجر، إن كان نكرة وقلنا هناك: التحقيق أن الأوجه الثلاثة جائزة في الاسم الذي بعدها، سواء أكان معرفة، أم نكرة.... كما قلنا أيضا: إذا كان الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة فما الداعي إلى كد الذهن بمعرفة إعراباتها، وتفصيل كل إعراب؟ الحق أنه لا داعي لذلك، فالمهم - وهو حسبنا- أن نعلم الغرض الصحيح من أسلوبها، وطريقة استعمالها، وأن كل اسم بعدها يجوز فيه الحركات الثلاث، من غير تعرض لتوجيه كل حركة، أو إعراب ذلك الاسم وإعرابها. 2 "سقيا لك". هو: دعاء موجه لله أن يسقي المخاطب. وليس الغرض أن يسقيه بالماء حقا، وإنما الغرض من السقي الإنعام الغامر، والرضا الأكمل. "والرعي" دعاء بلرعاية. وهذه اللام فيهما، تسمى: "لام التبيين"، لأنها تبين أن ما بعدها مفعول معنوي - لا نحوي- وما قبلها مفعول كذلك، نحو: قولك الحاقد: بؤسا لك. - كما سيجيء في هامش الصفحة التالية، وفي جـ2 باب حروف الجر عند الكلام على اللام -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في تكوين الجملة 1.

_ 1 تقضي تلك الأصول بأن الجملة الواحدة لا يصح أن تجمع في وقت واحد بين صيغتين مختلفتين لخطاب اثنين مختلفين، كأن تكون إحدى الصيغتين فعل أمر، أو ما ينوب عنه، والخطاب فيها متجها لشيء، وتكون الصيغة الأخرى مخالفة للأولى فيق لفظها وفي المخاطب الذي تتجه إليه فلو تعلق الجار والمجرور بالمصدر لفلسد المعنى لأن المصدر في مثل: "سقيا" نائب عنفعل الآمر: "اسق" - وله فاعل كفعل الأمر، وفاعله مستتر فيه تقديره: "أنت" ويصح أن يقال: إنه محذوف تقديره: "أنت" طبقا للبيان الذي سنذكره بعد، فهو يتضمن كفعله مخاطبة "الله" بالدعاء، في الوقت الذي يتضمن فيه الضمير المجرور مخاطبة شيء آخر تدعو الله له، وبهذا تشتمل الجملة الواحدة على الخطابين اللذين لا يجتمعان، لأن اجتماعهما يفسد المعنى "إذ يكون التقدير: اسق يا الله لك. فيؤدي هذا إلى أن: الله منه السقي، وله السقي، والشطر الثاني فاسد" ولهذا قالوا - بحق-: إن "سقيا لك" وما هو على نمطها ليس جملة واحدة، وإنما هو جملتان، إحداهما "سقيا" فكلمة: "سقيا" مصدر نائب عن فعل الأمر، ويعرب مفعولا مطلقا منصوبا، وفاعله مستتر فيه أو محذوف - كما تقدم وكما يجيء - وتقديره في الحالتيسن: "أنت والأخرى: "لك" فالجار مع مجوره خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره: الدعاء...., وأصل الجملة الثانية: الدعاء لك، وأصل الكلام كله: سقيا "بمعنى: اسق يا الله" الدعاء لك أيها المخاطب الذي أدعو الله لك. ومما يستحق التنويه أن الضمير الظاهر الواقع بعد ذلك المصدر "وهو ضمير الخطاب المجرور" له اتصال معنوي بالجملة الأولى، مع أنه في جملة بعدها مستقلة عنها في الإعراب وسبب ذلك الاتصال المعنوي: أنه قد يكون هوالمقصود من الأولى، والذي ينصب عليه ما فيها من دعاء أو غيره، فكأنه منجهة المعنى لا من جهة الإعراب مفعول به فمعنى "سقيا لك" اسق يا رب فلانا ... فمن فلان هذا؟ أين هو في الكلام؟ لا يتحقق إلا في المخاطب الواقع بعد اللام فظاهره أنه مجرور باللام، ولكنه في حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به، مع أنه لا يعرب مفعولا به، إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند الإعراب كما أوضحنا. كذلك: "رعيا لك" معناها: ارع يا رب فلانا فمن فلان؟ أين هو في الكلام؟ لا وجود له من حيث المعنى إلا في المخاطب الذي يدل عليه ضمير الخطاب بعد اللام، فظاهره أنه مجرور بها، ولكنه في حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به، مع أنه لا يعرب مفعولا به. إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند إعرابه، كما سبق.... وفي بعض الأساليب الأخرى قد يكون ذلك الضمير المجرور وبمنزلة الفاعل من جهة المعنى مع أنه لا يصح إعرابه فاعلا، نحو: "بؤسا لك" أيها العدو، و "سحقا لك"، أو: "بعدا لك". تخاطب عدوا، أو من يخون أمانته، مثلا.... وتدعو عليه. وأصل الكلام: "أبؤس" وهو: الهلاك. وابعد، في الدعاء عليه بالبعد: وهو: الهلاك أيضا. فكأنك تقول بؤست، وسحقت وبعدت، أي: صرت بائسا، ساحقا، باعدا، فالضمير المجرور بعد اللام هو الذي حل محل الفاعل في المعنى =

3- بعد ألفاظ مسموعة عن العرب مثل: "من أنت؟. محمد" وهوأسلوب يقال حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم اسمه: محمد ... والتقدير: من أنت؟ مذكورُك محمد ... أو: مذمُومك محمدّ: أى: من أنت؟ وما قيمتك بالنسبة للشخص الذى تذكره بالسوء؛ وهومحمد؟. فالمثل يتضمن تحقيراً للمغتاب، وتعظيماً لمحمد. فمحمد خبر لمبتدأ محذوف تقديره: مذكورُك ... أومذمومك "أى: الشخص الذى تذكره فى حديثك أوتذمه فيه". ولما كان هذا الأسلوب قد ورد بغير مبتدأ صار من الواجب التزامه

_ = لا في الإعراب، وصار مؤديا معناه. غير أنه في مثل هذه التراكيب التي يكون فيها الضمير المجرور فاعلا في المعنى لا يكون التركيب مشتملا على خطابين مختلفين، وإنما يكون مشتملا على خطابين بلفظين مختلفين، والمخاطب واحد فيهما، فإن. "بؤسا" لك "وسحقا" لك "وبعدا" لك - معناها "بؤست، الدعاء لك". "سحقت. الدعاء لك" "بعدت - الدعاء لك" فتاء الخطاب، وكاف الخطاب في كل جملة هما المخاطب واحد، مع اختلاف صيغتهما في اللفظ، بخلاف: "سقيا"، فإن المخاطب فيها غير المخاطب في الضمير المجرور، وهو الكاف عدها. بالرغم من اتحاد الخطابين في مثل، "بؤسا" لك. فإن الجار والمجرور بعدها يعرب خبرا لمبتدأ محذوف، وجوبا، تقديره: الدعاء.... والكلام يشتمل على جملتين، لا جملة واحدة. وليس الجار مع المجرور هنا متعلقا بكلمة: "بؤسا"، أي: بالمصدر، لأن التعدي باللام يكون المفعول به، ولا يكون للفاعل المعنوي، كالذي هنا، فالمانع هنا من التعلق مخالف للمانع مع الضمير الذي يكون بمعنى المفعول به. وفي الحالتين لا بد أن يكون الكلام جملتين عند الإعراب. وما سبق من التفصيل مقصور على المصدر النائب على فعل الأمر، وبعده المجرور ضمير المخاطب. فإن ناب المصدر عن غير الأمر، نحو: شكرا لك كثيرا، أي: أشكر لك شكرا، أو كان المجرور اسما ظاهرا، أو ضميرا غير ضمير المخاطب، نحو: سقيا للأمين ورعيا له - فاللام حرف لتقوية العامل، فتكون حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها في محل نصب، لأنه مفعول به للمصدر. أو ليست بزائدة بالجار والمجرور متعلقان بالمصدر، فكأنك تقول: اسق يا رب الأمين، وارعه. وللبحث تتمة وتقسيم ليس مكانه هنا، وإنما مكانه: باب: "المفعول المطلق" - جـ2 - وباب حروف الجر- جـ2 - عند الكلام على لام الجر التي معناها: "التبيين". ومن كل ما تقدم يتضح ما ذكرناه من سبب تسمية تلك اللام: "لام التبيين". بقي إيضاح ما أشرنا إليه من فاعل المصدر النائب عن فعل الأمر، كالمصدر: "سقيا" ونظائره ... أفعاله ضمير مستتر فيه تقديره. هو؟ أم فاعله محذوف....؟ قال الصبان، "جـ2 أول باب: إعمال المصدر" - إن فاعله هنا ضمير مستتر تقديره "أنت" مع أنه سجل في باب الفاعل - جـ 2 - عند الكلام على مواضع حذف الفاعل- أن الفاعل يحذف جوازا "حين يكون عامله مصدرا، مثل: ضربا زيدا، وقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْم ... } بناء على ما ذكروه من عدم تحمله الضمير لحموده،. ثم قال: "وذهب السيوطي إلى أنه في مثل ذلك يتحمل الضمير لأن الجامد إذا تأول بالمشتق تحمل الضمير. وضربا زيدا في معنى: "اضرب" و "إطعام" في معنى: "أن تطعم. وهذا تأويل بالمشتق "هـ.... فالمفهوم أن هناك رأيين أقواهما أن فاعله مستتر فيه كفاعل فعل الأمر تماما، والآخر أنه محذوف، وأن المصدر نائب عن فعل الأمر وفاعله معا، والخلاف شكلي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والإبقاء عليه بغير زيادة أونقص؛ لأه بمنزلة المثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقاً1. وقد ورد ذلك الأسلوب بالنصب أيضاً: "من أنت؟ محمداً". التقدير: "من أنت؟ تذكر محمداً، أوتذم محمداً"؛ فتكون الكلمة المنصوبة مفعولاً به لفعل محذوف. ومن الأساليب المسموعة أن يقال: "لا سواءٌ" عند الموازنة بين شيئين. والتقدير: لا هما سواء، أو: هذان لا سواء؛ بمعنى: لا يستويان. فكلمة: "سواء" خبر مبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هما" أو: "هذان". ويرى فريق من النحاة أن الحذف فى المسألتين جائز لا واجب. والأخذ بهذا الرأى أنسب فيما نصوغه من أساليبنا. أما الوارد المسموع عن العرب نصًّا على أنه مثل من أمثالهم فيجب إبقاؤه كما ورد عنهم.

_ 1 لا في حروفها، ولا في ضبطها، ولا في ترتيب كلماتها كما سبق في رقم 2 من ص 504.

مواضع حذف الخبر وجوباً، أشهرها خمسة: 1- أن يقع الخبر كوناً عامًّا1 والمبتدأ بعد "لولا الامتناعية"2، نحو: لولا عدلُ الحاكم لقتل الناسُ بعضُهم بعضاً. ولولا العلم لشقى العالَم، ولولا الحضارة ما سعد البشر ... أى: لولا العدل موجود ... لولا العلم موجود ... لولا الحضارة موجودة ... فالخبر محذوف قبل جواب: "لولا" ... ومن هذه الأمثلة وأشباهها يتضح أن الخبر يحذف وجوباً بشرطين: وقوعه كونً عامًّا، ووجود لولا الامتناعية قبل المبتدأ. فإن لم يتحقق أحد الشرطين أوهما معاً تغير الحكم؛ فإن لم توجد "لولا" فإنّ حكم الخبر من ناحية الحذف وعدمه كحكم غيره من الأخبار كلها؛ وقد سبق الكلام عليها3. وإن لم يقع كوناً - عاماً بأن كان خاصًّا - وجب ذكره؛ نحو: لولا السفينةُ واسعةٌ ما حملتْ مئات الركاب. لولا الطيارُ بارعٌ ما نجا من العاصفة؛ فكلمة: "واسعة" وكلمة: "بارع" - خبر من نوع الكون الخاص الذى لا دليل يدل عليه عند حذفه، فيجب ذكره؛ فإن دل عليه دليل جاز فيه الحذف والذكر؛ نحو: الصحراء قحلة لعدم وجود الماء بها؛ فلولا الماءُ معدومٌ لأنبتتْ - دخل اللص الحديقة لغياب حارسها؛ فلولا الحارس غائب لخاف اللص. - اضطرب البحر من شدة الهواء. فلولا الهواء شديد ما اضطرب. فكل من: "معدوم" و"غائب" و"شديد" قد وقع خبراً، وهوكون خاص، فيجوز ذكره وحذفه؛ لوجود ما يدل عليه عند الحذف4. 2- أن يكون لفظ المبتدأ نصًّا فى القسم5، نحو: لعمرُ الله6 لأُجِيدَنَّ

_ 1 أي: يدل على مجرد الوجود العام من غير زيادة عليه. وقد سبق شرح هذا في هامش ص 476. 2 لولا" التي هي حرف امتناع لوجود، بخلاف "لولا التحضيضية"، فلا يليها المبتدأ. ومثل: "لولا" الامتناعية: "لوما" التي تفيد الامتناع أيضا، فيجب حذف الخبر بعدها. 3 في ص 507. 4 ما ذكرناه من حكم الخبر بعد: "لولا" هو أصفى مذاهب النحاة، وأحقها بالقبول، لمسايرته الأصول اللغوية العامة. 5 بحيث يغلب استعماله في القسم غلبة واضحة في الاستعمال، فيدرك السامع أنه قسم قبل أن يسمع المقسم عليه. 6 لحياة الله: فهو حلف بوجود الله.

عملى - لأمانةُ الله لن أهملَ واجبى - لحياةُ أبى لا أنصرُ الظالمَ - لأيمنُ الله لأسرعنّ للملهوف ... فالخبر محذوف فى الأمثلة كلها قبل جواب القسم. وأصل الكلام لَعَمْرُ الله قَسَمِى ... لأمانة الله قَسَمِى ... لحياة أبى قَسَمِى ... لأيْمُنُ اللهِ قَسَمِى1 ... ومن الأمثلة قول الشاعر: لعَمْرك ما الأيامُ إلا مُعَارَةٌ2 ... فما اسْطَعْتَ3 من معروفها فَتَزَوَّدِ....4 فالمبتدأ فى كل مثال كلمة صريحة الدلالة على القسم، غلب استعمالها فيه فى عُرْف السامع لها، ولذلك حذف خبرها؛ "وهو: قسمى" لأنها تدل عليه، وتغنى عنه، ولا يصح أن يكون المحذوف فى الأمثلة السابقة هوالمبتدأ. وهناك سبب آخر قوى يحتم أن يكون المحذوف هوالخبر؛ ذلك السبب وجود لام الابتداء فى أول كل اسم؛ إذ يدل على وجودها على أن المذكور هوالمبتدأ دون الخبر؛ لأن الغالب عليها أن تدخل على المبتدأ لا على الخبر؛ ليكون لها الصدارة الحقيقية. فإن لم يكن المبتدأ نصًّا فى اليمين، أولم توجد لام الابتداء - لم يكن حذف الخبر واجباً، وإنما يكون جائزاً، نحو: عهدُ الله قسمى لا أرتكب ذنباً. أمرُ الدين قسمى لا أفعل إساءة؛ بإثبات الخبر أوحذفه. 3- أن يقع الخبر بعد المعطوف بواوتدل دلالة واضحة على أمرين مجتمعين، هما: العطف، والمعية5؛ نحو: الطالب وكتابهُ ...

_ 1 أيمن الله: بركته. "انظر" "جـ" من هامش ص 543". 2 سلفة ترجع لصاحبها بعد حين. 3 أي: استطعت. 4 مثل هذا قول الآخر: لعمرك ما بالموت عار على الفتي ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير 5 معنى المعية هنا هنا، مشاركة ما بعد الواو "وهو المعطوف" لما قبلها "وهو المعطوف عليه" في أمر بحيث يجتمعان فيه، ولا يراد أن ينفرد أحدهما به. وعلامة الواو التي تفيد الأمرين معا: "العطف والمعية" وتكون نصا في المعية - أن يصح حذفها، ووضع كلمة "مع" مكانها فلا يتغير المعنى، بل يزداد وضوحا. والواو هنا غير التي ينصب الاسم بعدها على أنه "مفعول معه" طبقا لما سيجيء في بابه -جـ2- وهي غير "واو المعية" المشار إليها في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية.

ولبيان هذا نسوق المثال الآتى: إذا أقمت فى بلد تراقب أهله؛ فرأيت الفلاح يلازم حقله، والصانع يلازم مصنعه، والتاجر متجره، والملاّح سفينته، والطالب معهده، وكل واحد من أهلها يتفرغ لشأنه، لا يكاد يتركه. ثم أردت أن تصفهم، فقد تقول: شاهدت أهل البلد عاكفين على أعمالهم، منصرفين لشئونهم؛ "الفلاحُ وحقلُه" - "الصانعُ ومصنعهُ" - "التاجرُ ومتجرةُ" - "الملاح وسفينتُه" - "الطالبُ ومعهدهُ" - "كل رجل وحرفتُه". فما معنى كل جملة من هذه الجمل؟ معناها "الفلاح وحقله متلازمان" - "والصانع ومصنعه متلازمان" وهكذا الباقي ... وإذا تأملت تركيب واحدة منها "مثل: الفلاح وحقله" عرفت أنها مركبة من مبتدأ؛ هو: "الفلاح". بعده واوتفيد أمرين معاً، هما: العطف، والمعية، وبعد هذه الواويجئ المعطوف على المبتدأ، ويشاركه فى الخبر، ثم يجئ بعده الخبر. لكن أين الخبر الواقع بعد المعطوف؟ إن الخبر محذوف نفهمه من الجملة؛ وهوكلمة: "متلازمان" أو: "متصاحبان" أو: "مقترنان" أو: ما يدل على الملازمة والمصاحبة التى توحى بها الواوالتى بمعنى: "مع" وتدلّ عليها فى وضوح ظاهر للسامع. ومثل هذا يقال فى الأمثلة الأخرى.

_ 1 نشير هنا إلى إشكال يورده النحاة في مثل هذا التركيب ويجيبون عنه، هو: أنه لا يصح عود الضمير إلى "كل" وإلا صار المعنىكل رجل وحرفة كل رجل مقترنان، وهذا يؤدي إلى: كل رجل يقارن حرفة كل رجل" كما لا يصح عودته إلى "رجل"، وإلا كان المعنى: "كل رجل يقارن حرفة رجل واحد، أي: كل رجل وحرفة رجل واحد مقترنان" والمعنيان فاسدان. والجواب أن كلمة: "كل" في قوة أفراد متعددة، فكأنك تقول: أفراد متعددة، فالضمير العائد عليها أو على ما أضيفت إليه، "مثل: رجل" يكون من مقابلة الجمع بالجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا، كما في قولك: ركب القوم دوابهم، إذ معناه ركب كل واحد من القوم دابته. فكذلك هناك، ويكون المعنى: كل فرد وحرفته مقترنان. أو محمد وحرفته، وعلى حرفته ... وهكذا. 2 وهذه الواو التي للمعية والعطف معا لا تدخل هنا إلا على الاسم المعطوف بها، ولا تدخل على فعل، فهي غير نظيرتها الأخرى التي تفيد المعية والعطف مجتمعين مع دخولها على مضارع يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا بشرط أن يكون مسبوقا بنفي أو طلب محض على الوجع الموضح في جـ4 باب: "إعراب الفعل" - مثل: لم يتصدق النبيل فيفتخر. وهي غير "واو المعية" المشار ليها في رقم 5 من هامش الصفحة السابقة.

فإن لم تكن الواونصًّا فى المعية لم يكن حذف الخبر واجباً؛ وإنما يكون جائزاً عند قيام دليل يدل عليه؛ نحو: الرجل وجاره مقترنان، أو: الرجل وجاره، فقط؛ لأن الاقتصار على المتعاطفين يفيد الاشتراك والاصطحاب. أما جواز ذكر المحذوف فلأن الواوهنا ليست نصًّا فى المعية، إذ الجارُ لا يلازم جاره، ولا يكون معه فى الأوقات كلها، أوأكثرها. 4- الخبر الذى بعده حال تدل عليه، وتسد مسده، من غير أن تصلح فى المعنى لأن تكون هى الخبر؛ نحو: "قراءتى النشيدَ مكتوباً". وذلك فى كل خبر لمبتدأ، مصدر، في الغالب2 وبعد هذا المصدر معموله، ثم حالٌ، تدل على الخبر المحذوف وجوباً، وتغنى عنه، ولا تصلح3 فى المعنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ4 ... ؛ كالمثال السالف. فكلمة "قراءة" مبتدأ، وهى مصدر مضاف، والياء مضاف إليه، "النشيدَ" مفعول به للمصدر، فهوالمعمول للمصدر - "مكتوباً" حال منصوب ولا تصلح أن تكون خبراً لهذا المبتدأ؛ إذ لا يقال: قراءتى مكتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية أضيف لها، والتقدير؛ قراءتى النشيد إذا كان مكتوباً، أوإذ كان مكتوباً وقد حذف الخبر الظرف بمتعلَّقه5، ومعه المضاف إليه؛ لوجود ما يدل عليه، ويسد

_ 1 نقلنا "في رقم 4 من هامش ص 410" أن النحاة يقولون: لم يرد في الفصيح وقوع أن المصدرية بنوعيها "المخففة، والناصبة للمضارع" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر مجال سدت مسده، ومثلها "ما" الصدرية راجع البيان هناك- وفي هذا تعارض مع قولهم الآتي في "أ" من هامش ص 526 إلا إن كان مرادهم بالمنع أنه لم يجيء في الفصيح الخالص وإن ورد في غيره. 2 ليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هو المصدر فقد يكون "أفعل تفضيل" مضافا إلى المصدر الصريح أو المؤول، طبقا للبيان الآتي في: "أ" من ص 5226. 3 تتخلف الشروط المذكورة في حالة تجيء في "ب" من ص 526. 4 نجيء بكلمة: "إذ" حين يكون الغرض من الكلام الزمني الماضي، لأن "إذ" تستعمل في الغالب ظرفا للماضي. ونجيء بكلمة "إذا" حين يكون الغرض الزمن الحالي، أوالمستقبل، أو المستمر، لأن "إذا" تستعمل ظرفا في كل هذا- غالبا- "وكان" في المثالين تامة، وفاعلها مستتر تقديره: "هو" صاحب الحال. والخبر المحذوف هو الظرف: "إذ أو إذا" وهو مضاف والجملة الفعلية التي بعده مضاف إليه، وقد حذفت معه. 5 إذ الشائع عند النحاة أن الظرف "وكذا الجار مع مجروره" لا يكون خبرا بنفسه مباشرة، وإنما يتعلق بمحذوف يكون هو الخبر. تقديره هنا: "قراءتي النشيد حاصلة إذا كان - أو إذا كان - مكتوبا.... ومثل هذا يقال في باقي الأمثلة التالية حيث يكون الظرف محذوف هو ومتعلقة. أما الرأي في أن شبه الجملة يكون هو الخبر بنفسه مباشرة أو متعلقة فقد سبق البيان الكامل بشأنه في ص 475 وهامشها.

مسدهُ فى المعنى؛ وهو؛ الحال التى صاحبها الضمير، الفاعل، المحذوف مع فعله. ومثله: مساعدتى الرجلَ محتاجاً، أى: إذا كان أوإذ كان محتاجاً. "فمحتاجاً" حال لا تصلح من جهة المعْنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ، إذ لا يقال: مساعدتى محتاج "وصاحب هذه الحال هوالضمير الفاعل المحذوف مع فعله". و"الرجل" مفعول به للمصدر - فهومعموله - ومثل هذا يقال فى شربى الدواء سائلا، وأكلى الطعامَ ناضجاً -.. و ... فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور وجب رفعها لتكون هى الخبر؛ فلا يصح إكرامى الضيف عظيماً، بل يتعين أن نقول: إكرامى الضيفَ عظيم ... بالرفع على الخبر1 ...

_ 1 قد يخطر على البال السؤال عن السبب في استعمال هذا الأسلوب، وإيثاره، مع أنه قد يبدو غريبا. ويجيب كثرة النحاة بأنه يفيد معنى دقيقا خاصا، هوقصر هذا المبتدأ على الحال- غالبا- أي: حصر معنى هذا المبتدأ في الحال، فكأن الناطق بمثال من تلك الأمثلة السالفة - ونظيرتها - يقول: قراءتي النشيد لا تكون إلا في حال كتابته، أما في غيرها فلا أقرؤه - مساعدتي الرجل مقصورة على حالة احتياجه، أما في غيرها فلا أساعده. وهكذا ... وعندهم أننا لو لم نصطنع هذا الأسلوب بطريقته المأثورة عن العرب لحرمنا ما يحققه من الغرض المعنوي السالف الذي يقررونه في أكثر الصور. أما إعراب هذا التركيب فموضع جدل عنيف يثير ادهش والأسف، لعدم جدواه. ويقول صاحب الهمع "جـ1 ص 105" إن مسألة الحال التي تسد مسد الخبر: "مسألة طويلة الذيول، كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديما بتأليف مستقل"، ثم عرض - كغيره - للقليل من تلك الآراء المختلفة فلم يزدنا بسردها ويجدل أصحابها إلا دهشا، وأسفا، بل استنكارا لطول الذيول، وكثرة الخلاف، والتأليف المستقل فيما لا غناء فيه. لنترك هذا لنقول إن الإعراب الذي ذكرناه هو أحد تلك الآراء المتعددة، والذين ارتضوه أكثر من غيرهم، ويوجبون أن يكون الظرف "إذ - أو: إذا" متعلق بمحذف هو الخبر الأصيل وأن هذا الظرف مضاف إلى جملة فعلية بعده، وهو والجملة محذوفان وجوبا: لدلالة الحال على ذلك المحذوف وسدها مسد الخبر، فلا حاجة لذكره معها. ولا يقبلون أن يكون الظرف بمتعلقه هو الخبر مع وجود الحال ولا يقبلون شيئا يكون هو الخبر، بل يحتمون أن تقوم الحال مقام الخبر المحذوف وتعني عن ذكره، زاعمين أنه لو كان في الجملة خبر أصيل، واقتصرت الحال على إعرابها حالا ليست قائمة مقام الخبر لترتب على هذا أن يفصل الخبر بين هذه الحال وعاملها المبتدأ المصدر، والفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي - وهو هنا الخبر، ممنوع عندهم، ويضمون إلى هذا أدلة جدلية وهمية نرى الخير في إهمالها، وفي إعراب الظرف المحذوف بمتعلقه هو الخبر مباشرة، أو الخبر لفظ آخر محذوف يناسب السياق وتدل عليه القرينة مع إعراب الحال المذكورة حالا أصيلة لا تسد مسد الخبر ولا غيره. وهذا رأي كثير من الكوفيين وبعض البصريين كالمبرد، فقد جاء في كتابه "الكامل" "جـ2 ص 78" حين قال الفرزدق لآخر: "حكمك مسمطا"- وهذه الجملة، كما يقول النحاة من الأمثلة التي وقعت فيها الحال سادة مسد الخبر سماعا، لأن هذه الحال صالحة لوقوعها خبرا- ما نصه: =

هذا، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر - التى سبقت - فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه، أوما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب. 5- حذفه من بعض أساليب مسموعة عن العرب؛ منها: حَسْبُك يَنَم الناسُ. "ملاحظة": بقيت حالة سبقت الإشارة إليها1، وهى التى يكون فيها المبتدأ متقدماً - مباشرة - على أداة شرطية، فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أوصلح لمباشرة الأداة الشرطية - كان هوالجواب للأداة الشرطية - فى الرأى الأرجح - وكان خبر

_ = "إعرابه أنه أراد: لك حكمك مسمطا، واستعمل هذا فكثر حتى حذف - أي: الخبر، وهو لك - استخفافا، "أي: للخفة" لعلم السامع بما يريد القائل: كقولك: الهلال والله. أي: هذا الهلال، وأغنى عن قوله: "هذا" - القصد والإشارة. وكان يقال لرؤبة الشاعر: كيف أصبحت؟ ويقول خير عافاك. الله. فلم يضمر حرف الخفض، ولكنه حذف لكثرة الاستعمال والمسمط: المرسل غير المردود...." أهـ ... فترى من هذا أنه قد الخبر المحذوف لكثرة الاستعمال جارا ومجرورا، ولم يجعل الحال سادة مسده. ولعل هذا الرأي هو الأفضل، ليسره ووضوحه وخلوه من التكلف والتعقيد، ولا مانع من قبول ما ارتضوه على أن يكون رأيهم في المنزلة الثانية بعد الرأي الذي عرضناه. ومن تكلفهم وتعقيدهم أنهم يوجبون أن يكون صاحب الحال هو الضمير فاعل الفعل "المحذوف. "كان التامة، أو ما يماثلها" وهذا الضمير عائد على معمول المصدر، فلم لا يكون صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة لأدى ذلك إلى أن تجيء الحال في ترتيبها المكاني بعد ذلك المعمول بأن يكون المصدر متقدما، يليه معمول، وبعدهما الحال، لأن الثلاثة كتلة متماسكة، تلتزم الترتيب السابق، ولا يفصل بينهما فاصل، وهذا الترتيب والتماسك يوجبان- عندهم - أن يجيء الخبر بعدها جميعا.... فكيف تسد الحال مسد خبر ذكرت قبله، ولم يحذف قبل مجيئها ليخلي مكانه لها فتحل به؟ يتعللون بهذا مع أن الضمير ومرجعه بمثابة شيء واحد. ذلك بعض جدلهم بإيجاز كبير، وهو نوع من الجدل الذي يضيع فيه الوقت والجهد بغير طائل، وقد حل وقت نبذه. ومن شاء أن يلم به فليرجع إلى المطولات التي اشتملت عليه كالهمع "جـ 1 ص 105". ولا علينا أن نعرب الحال في الأمثلة السالفة ونظائرها "حالا" مستقلة بنفسها ليست قائمة مقام الخبر، - كما قلنا - وأن الخبر هو الظرف بمتعلقه، أو: هو لفظ غير الظرف يصلح خبرا، وقد حذف بسبب العلم به، وأن صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة، وليس الضمير العائد على ذلك المعمول. ولا داعي لبذل الجهد الضائع في إخضاع كلام عربي بليغ لضوابط لا تنطبق عليه، ولسيطرة "العامل" فيما لا نفع فيه، على حين يجب أن تخضع الضوابط والعوامل لفصيح الكلام العربي المسموع عنهم في هذا الأسلوب. 1 أصل الكلام، حسبك السكوت يتم الناس. "ومعنى حسبك: "كافيك"، فتكون اسما عاديا معربا، أو بمعنى: "يكفيك" فتكون: اسم فعل مضارع - "وقد تقدم الكلام عليها في الضمير ص 282 وسيجيء البيان الأوضح في جـ3 ص 147 م 95 باب الإضافة"، وفي هذا المثال يصح أن تكون اسما مبتدأ مرفوعا، مضافا، والكاف إليه، مبني على الفتح في محل جر- السكوت خبر مبتدأ.

المبتدأ محذوفاً وجوبا؛ نحو: الطفل إن يتعلم فهونافع، - الصانعُ إن يتقن صناعته يستفدْ مالا وجاهاً. فدخول "الفاء" على الجملة الاسمية دليل على أن هذه الجملة جواب للشرط، وليست خبراً؛ لكثرة دخول الفاء على الجمْلة الجوابية دون الخبرية.، وجزم المضارع: "يستفدْ" دليل على أنه جواب الشرط وعلى صلاحه لمباشرة الأداة، وأن الجملة المضارعية ليست خبراً1 ... فإن لم يقترن ما بعدهما بالفاء، أولم يصلح لمباشرة الأداة، كان خبرا، والجواب محذوفا؛ نحو: الطفل إن يتعلم هونافع - الصانع إن يهمل صناعته ليس يستفيدُ. إذ لو كان جوابا للشرط لوجب اقترانه بالفاء.

_ 1 في هامش ص 69 حيث البيان وما فيه من خلاف. 2 راجع حاشتي الصبان والحضري جـ 1 باب: "الكلام وما يتألف منه"، عند بيت ابن مالك. والأمر- إن لم يك للنون محل فيه، هواشم، نحو: صه، وحيهل وقد لخصنا ما فيهما هامش نحو: صه، وحيهل وقد لخصنا ما فيهما في هامش ص 69.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا فرق فى المصدر الواقع مبتدأ بين أن يكون صريحاً كالأمثلة السابقة1 وأن يكون مؤولا؛ مثل: أن اقرأ النشيد مكتوباً. أن أساعد الرجل محتاجاً. وكذلك لا فرق فى الحال بين المفردة كالتى سبقت، والظرف، نحو: قراءتى النشيد مع الكتابة - أكلى الطعام مع النضج -، والجملة الاسمية نحو: قراءتى النشيد وهومكتوب، أو: الفعلية مضارعية وغير مضارعية؛ نحو: مساعدتى الرجل يحتاج، أو: مساعدتى الرجل وقد احتاج. وليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هوالمصدر فقد يكون المبتدأ أفعل تفضيل مضافاً إلى المصدر - الصريح، أوالمؤول - الذى وصفناه، نحو: أحسن قراءتى النشيد مكتوباً. أكمل مساعدتى الرجل محتاجاً. أحسن ما أقرأ النشيد مكتوباً - أكمل ما أساعد الرجل محتاجاً. "ب" من الأساليب الصحيحة محمد والفرس يباريها، أو: محمد وهند تسابقه ... ونحوهذا من كل أسلوب يشتمل على مبتدأ، بعده معطوف بواوالعطف، ثم يجىء بعد ذلك المعطوف شئ ينسب حصوله للمعطوف، أوالمعطوف عليه، ويقع أثره المعنوى على الآخر الذى لم ينسب له الحصول، ففى المثال الأول نرى المبتدأ هو: "محمد"، وبعده المعطوف بالواوهو: "الفرس"، وبعده الفعل "يبارى" الذى ينسب حصوله للمبتدأ "محمد"، ولكن يقع أثره على الفرس، فكأنك تقول: محمد يبارى الفرس ... وفى المثال الثانى: المبتدأ هو"محمد" أيضاً، وبعده المعطوف بواوالعطف؛ وهو: "هند" والفعل الذى بعده هو: "تسابق" وينسب حصوله للمعطوف "هند"، ولكن يقع أثره المعنوى على المتبدأ؛ فكأنك تقول: هند تسابق محمداً ... فأين خبر المبتدأ في المثالين السابقين وأشباههما؟ خير الآراء فى ذلك أن الخبر محذوف، والتقدير والفرس يباريها - مسرعان ... محمد وهند تسابقه متناسقان ... ويجوز أن تكون الواوواوالحال والجملة بعدها حال أغنت عن الخبر2 ...

_ 1 في رقم 4 من ص 522. 2 هذا الإعراب - المنقول عنهم - يؤدي - كما سيجيء هنا- إلى إهمال الشروط التي اشتراطها، أكثر النحاة في المبتدأ الذي يستغنى بالحال عن خبره. وقد عرفناها في رقم 4 من ص 522.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول أحسن؛ لاعتبارين؛ "أولهما": مطابقته لقاعدة عامة؛ هى: أن الأصل فى المبتدأ أن يكون له خبر أصيل، لا شئ آخر - كالحال - يسدّ مسدّه، وأن هذا الخبر الأصيل يصح حذفه لدليل. "ثانيهما": أنه يصلح لكل التراكيب التى تتصل بموضوعنا. ومن هذه التراكيب ما يكون فيه المبتدأ غير مستوف للشروط التى تجعله يستغنى بالحال عن الخبر كالمثالين المعروضين هنا، وأشباههما1 ...

_ 1 لم يتعرض ابن مالك في ألفيته لمواضع حذف المبتدأ - وقد ذكرناها من قبل في ص 510 و 515 - واقتصر على مواضع حذف الخبر الواجب حيث يقول: وبعد "لولا" غالبا- حذف الخبر ... حتم، وفي نص يمين ذا استقر فهذا البيت يتضمن موضعين من مواضع حذف الخبر وجوبا، أحدهما: بعد: "لولا" والآخر الخبر الذي يكون مبتدؤه نصا في اليمين. ويريد بقوله: "غالبا" أي في أغلب الآراء وأكثرها، لأن هناك آراء أخرى غير هذا، ففي الآراء الغالبة لكثرة النحاة أن حذفه "حتم" أي: واجب. وهذا الحكم بالوجوب استقر، أي: ثبت في حالة أخرى هي حالة الخبر الذي يكون لمبتدأ نص في اليمين. ثم قال: وبعد واو عينت مفهوم مع ... كمثل: "كل صانع وما صنع". وقبل حال لا يكون خبرا ... عن الذي خبره قد أضمرا يريد بالبيت الأخير: أن الخبر يحذف وجوبا قبل حال لا تصلح أن تكون خبرا للمبتدأ الذي خبره قد أضمر.... أي: قد حذف وقدر، وضرب مثالين لتلك الحال، أحدهما فيه المبتدأ مصدر ... والآخر فيه المبتدأ أفعل التفضيل المضاف. فيقول: كضربي العبد مسيئا، وأتم ... تبييني الحق منوطا بالحكم أي: أتم.....

المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ 1 يكثر أن يكون للمبتدا الواحد خبران أوأكثر2؛ مثل: التنبى شاعرٌ، حكيمٌ، فكلمة "المتنبى" مبتدأ، و"شاعرٌ" خبر، و"حكيمٌ" خبر ثان. وكذلك: "شوقىٌّ" شاعر، ناثر، حكيم؛ فكلمة "شوقىّ" مبتدأ و"شاعر" خبر، و"ناثر" خبر ثان، و"حكيم" خبر ثالث. وهكذا يتعدد الخبر. غير أن هذا التعدد ثلاثة أنواع: أولهما: أن يتعدد الخبر لفظاً ومعنى، بحيث يكون كل واحد مخالفاً للآخر فى هذين الأمرين؛ نحو: بلدنا زراعىّ، صناعىّ - صحيفتنا علمية، أدبية، سياسية ... فكلمة "بلد" مبتدأ، بعده خبران، مختلفان، لفظاً ومعنى، وكل معنى مقصود لذاته. وكلمة "صحيفة" مبتدأ، وبعدها ثلاثة أخبار؛ كل واحد منها على ما وضفنا. نحوقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . وحكم هذا النوع أنه يجوز فيه عطف الخبرالثاني وما بعده على الخبر الأول، بحرف عطف مناسب3 فيصح فى الأمثلة السابقة أن نقول: بلدُنا زراعىٌّ وصناعىٌّ - صحيفتنا عمليةٌ، وأدبيةٌ، وسياسيةٌ ... - معهدنا علمىٌّ، وأدبىٌّ، ورياضىٌّ، وثقافىٌّ ... بإثبات حرف العطف أوحذفه فى كل الأمثلة؛ فعند إثباته يعرب ما بعده معطوفاً على الخبر الأول4 دائماً. ومع أنّ ما بعد الخبر الأول

_ 1 سيجيء "في "ب" من ص 532" تعدد المبتدأ، وإن كان ابن مالك لم يتعرض له. 2 لأن الخبر حكم على المبتدأ، ولا مانع أن يحكم على الشيء الواحد بحكم أو حكمين أو أكثر. 3 بواو العطف أو بغيرها من أدوات العطف على حسب المعنى. 4 كما هو حكم المعطوف بالواو، ولهذا الحكم تفصيل مدون في مكانه من باب العطف جـ 3.

هوخبر فى المعنى والتقدير فإنا لا نسميه عند الإعراب1 خبراً. أما عند حذف العطف فيسمى اللفظ المتعدد: خبراً، ويعرب خبراً. ثانيهما: أن يتعدد الخبر فى اللفظ فقط وتشترك الألفاظ المتعددة فى تأدية معنى واحد، هوالمعنى المقصود، وذلك بأن تكون الألفاظ مختلفة؛ لكل منها معنى خاص يخالف معنى الآخر -. ولكنه معنى غير مقصود لذاته؛ وإنما المعنى المقصود لا يتحقق إلا بأن تنضم هذه المعانى المتخالفة، بعضها إلى بعض، لتؤدى وهى مجتمعة معنى جديداً لا ينشأ إلا من مجموعها، كأن ترى رجلاً ليس بالقصير ولا الطويل. فتقول: "الرجل طويل قصير" تريد أنه "متوسط" فكل من كلمتى: "طويل" و"قصير" لها معنى خاص يخالف الآخر، ولكنه ليس مقصوداً لذاته؛ وإنما المقصود منه أن ينضم إلى المعنى الآخر لينشأ عن انضمامهما معنى جديد، هو: "متوسط" وهوالمعنى المراد، الذى لا يفهم من إحدى الكلمتين منفردة؛ وإنما يفهم منهما معاً؛ برغم أن كل واحدة منهما تسمى: خبراً2، وتعرب خبراً، ولها معنى خاص، ولكنه غير مقصود، كما قلنا. ومثل: الطفل سمين نحيف، أى: معتدل. ومثل: الفاكهة حلوةٌ مرةٌ، أى: متغيرة الطعم، أومتوسطة، بين الحلاوة والمرارة، وهكذا ... ولهذا النوع ضابط يميزه؛ هو: أن المعنى المراد يتحقق ويصلح حين نجعل الألفاظ المتخالفة كتلة واحدة هى الخبر، ويفسد إذا جعلنا بعضها هوالخبر دون بعض. على أننا عند الإعراب لا بد أن نعرب كل واحد خبراً، ونسميه خبراً، - كما قلنا - ونعلم أنه يشتمل3 على ضمير مستتر يعود على المبتدأ، وهوغير

_ 1 يسمى في الإعراب معطوفا، لتوسط حرف العطف بينه وبيسن المعطوف عليه الخبر الأول، لكنه من ناحية المعنى - لا الإعرب- يعتبر خبرا، لأن المعطوف على الخبر خبر، وعلى المبتدأ مبتدأ، وعلى الصلة صلة، وهكذا.... إلا لمانع. 2 وذلك من باب المجاز. 3 إذا كان مشتقا، أو مؤولا به.

الضمير المستتر الذى يحويه المعنى الجديد الناشئ من المعانى الفردية غير المقصودة. وحكم هذا النوع أنه لا يجوز فيه العطف؛ لأن الخبرين أوالأخبار شئ واحد من جهة المعنى، والعطف يشعر بغير ذلك1. كما لا يجوز أن يَفصِل فيه بين الخبرين أوالأخبار فاصل أجنبى، ولا أن يتأخر2 المبتدأ عن تلك الأخبار أويتوسط فيها3. ثالثها: أن يتعدد الخبر فى لفظه ومعناه ولكن تعدده فى هذه الحالة يكون تابعاً لتعدد المبتدأ فى نفسه حقيقة أوحكماً. ويوصف المبتدأ بأنه متعدد فى نفسه حقيقة حين يكون ذا فردين أوأفرادن أى: حين يكون مثنى أوجمعاً؛ نحو: الصديقان مهندس، وطبيب. ونحو: السباقون غلام، وشاب، وكهل. ففى المثال الأول تعددت أفراد الخبر فكانت فردين، يستقل كل منهما عن الآخر؛ تبعاً لتعدد أفراد المبتدأ المثنى؛ إذ يشمل فردين. وفى المثال الثانى تعددت أفراد الخبر فكانت ثلاثة أفراد - على الأقل - تبعاً للأفراد المقصودة من المبتدأ الجمع. فالمبتدأ المثنى فى المثال السابق فى قوة مبتدأين لكل منهما خبر، والمبتدأ الجمع فى قوة ثلاث مبتدءات لكل منها خبر ... وهكذا. ويوصف المبتدأ بأنه متعدد حكماً حين يكون منفرداً "أى: شيئاً واحداً" ولكنه ذوأجزاء وأقسام؛ نحو: جسم الإنسان رأس، وجذع، وأطراف. ونحو: البيت غرفة للضيوف، وغرفة للأكل، وغرفة للقراءة، وغرف للنوم. ونحو: حديقة الحيوان جزء للوحوش، وجزء للطيور، وجزء للقردة ... و ... و ... والفرق بين هذا النوع وسابقه أن المبتدأ فى النوع السابق لا بد أن يكون ذا فردين أوأفراد، وكل فرد له كيان مستقل كامل، يتركب من أجزاء متعددة.

_ 1 لأن العطف - غالبا - يقتضي المغايرة، فالمعطوف غير المعطوف عليه من جهة المعنى، إلا حين تقوم قرينة قوية على توافقهما في المعنى، وأن العطف للتفسير. 2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 10 من مواضع وجوب تأخير الخبر ص 498. 3 فحكم النوع الثاني مخالف لحكم الأول العمل؟ .

أما فى النوع فالمبتدأ فرد واحد، لكن له أجزاء، ومن هذه الأجزاء مجتمعة يتكون الفرد الواحد. وحكم هذا النوع أنه يجب فيه عطف الخبر الثانى والثالث وما بعدهما، على الأول1؛ بشرط أن يكون حرف العطف الواو، ومتى عطف الخبر زال عنه اسم الخبر، وسمى عند الإعراب معطوفاً2. هذا وتعدد الخبر ليس مقصوراً على نوع الخبر المفرد؛ بل يكون فيه "نحو: المجلات طبيةٌ، هندسيةٌ، زراعيةٌ، تجاريةٌ ... " ويكون فى الجملة؛ "نحو: العصفور يغردُ، يتحركُ؛ يطيرُ، يتلفتُ - الصيف نهاره طويل، ليله قصير". وفى شبه الجملة؛ "نحو: الطائر أمامكَ؛ قُرْبك" وقد يكون مختلطاً؛ "نحو: هوأسد يزأر". فكلمة: "أسد" خبر. وكذلك جملة: "يزأر"، "ونحو: الأسد يَكْشِر عن أنيابه، غاضب، عابس". فجملة؛ "يكشر ... " خبر، وكذلك كلمة: غاضب، وكلمة: عابس. نستخلص من كل أن الأخبار المتعددة: "أ" وقد تكون واجبة العطف. "ب" وقد تكون ممتنعة العطف. "ج" وقد يجوز فيها العطف وعدمه.

_ 1 مع صحة تقديم الأخبار كلها على المبتدأ وتأخيرها كلها عنه، وإلى تعدد الخبر يشير ابن مالك إشارة مختصرة بقوله: وأخبروا باثنين أو بأكثرا ... عن واحد، كهم سراة شعرا ... يريد: أن العرب أخبروا بخبرين أو أكثر عن مبتدأ واحد، كما في المثال الذي ساقه، فكلمة "هم": مبتدأ "سراة": خبر أول "شعرا" أي: شعراء-، خبر ثان، مرفوع بضمة مقدرة على الألف. والسراة: جمع سري، وهو: الشريف. 2 مع أنه في المعنى خبر، لما سبق من أن المعطوف على الخبر خبر. 3 يصح في مثل هذه الجملة أن تكون نعتا - كما سيجيء في الزيادة التالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" من الأخبار المتعددة ما لا يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ نحو: المجلات طبية، هندسية، زراعية؛ لأن المعنى يفسد مع النعت، إذ يؤدى إلى أن الطية صفتها هندسية، زراعية؛ وهوغير المقصود. ومثل: الأسد يَكْشر عن نابه، غاضب؛ إذ لا يوجد فى الكلام ما يصلح أن يكون منعوتاً. وكثير من الأخبار المتعددة يصلح أن يكون نعتاً للخبر الأول؛ مثل: هوأسد يزأر؛ فجملة: "يزأر" تصلح أن تكون فى محل رفع خبراً ثانياً، أونعتاً للخبر الأول. ومثلها: الحُطَيْئة شاعرٌ مُخَضْرَم1، هَجّاء. فيجوز فى كل من "مخضرم" و"هجاء" أن تكون خبراً، وأن تكون نعتاً لكلمة: "شاعر". ونحو: "ولادة" الأندلسية أميرة شاعرة، كاتبة، موسيقية، فيجوز في كل واحدة من الكلمات الثلاث الأخيرة أن تكون خبرا بعد الخبر الأول. وأن تكون نعتا للخبر الأول. هذا، وجواز الأمرين في كل ما سبق - وفي غيره من كل ما يجوز فيه أمران أو أكثر - متوقف على عدم القرينة التي تعين واحد يجب الاتجاه إليه وحده، إذ لكل أمر معنى يخالف غيره. ومن الألفاظ ما يجب أن يكون نعتاً ولا يصلح خبراً؛ وذلك حين يمنع مانع معنوى أولغوىّ، نحو: حامد رجل صالح، أوعلىٌّ رجل يفعل الخير؛ لأن الخبر لا بد أن يتمم الفائدة الأساسية - كما عرفنا - ولم يتممها هنا لعدم إفادة الإخبار بالأول إلا مع النعت؛ لأن رجولته مستفادة من اسمه، لا من الخبر وهذا من نوع الخبر الذى يتمم الفائدة بتابعه2 ... ولذلك كان الأحسن فى قوله تعالى: "كونوا قردة خاسئين" أن

_ 1 المخضرم: من أدرك عصرين مختلفين من العصور التاريخية، لكن أكثر استعماله: في كل من أدرك الجاهلية وأول الإسلام والحطيئة من هذا النوع. 2 راجع "الملاحظة" التي في آخر هامش 443، حيث الكلام على الخبر المحتاج للنعت حتما. وفيها إشارة إلى صورة تدخل في نوع الخبر الذي يتمم الفائدة بتابعه، هي صورة المبتدأ الذي يكون اسم شرط. فالراجح أن خبره هو الجملة الشرطية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون كلمة: "خاسئين" خبراً ثانياً، لا نعتاً؛ لان جمع المذكر السالم لا يكون نعتاً لغير العاقل إلا بتأول لا داعى له هنا ... ومثل قول النحاة: الفاعل، اسم، مرفوع، متأخر عن فعله، دال على من فعل ذلك الفعل، أوقام به ... فيجب أن يكون الخبر هوكلمة: "اسم" فقط، وما بعده صفات له، وليست أخباراً؛ لأن الخبر يجب أن يتم به المعنى الأساسى مع المبتدأ، وهنا لا يتم بواحد مما جاء بعد الخبر الأول، إذ الفاعل لا يتم معناه ولا تتضح حقيقته بأنه مرفوع فقط، أومتأخر فقط ... أو ... فقط. وإنما يتم معناه وتتضح حقيقته بأنه اسم موصوف بصفات معينة؛ مجتمعة هى: الرفع، مع التأخير، مع الدلالة ... فكلمة: "اسم" هى التى تعرب وحدها خبراً؛ لأنها مع تلك القيود التى نسميها نعوتاً - تكمل المعنى مع المبتدأ، وتتمم الفائدة. ومثل هذا يقال فى تعريف المبتدأ، وتعريف الخبر، والمفعول، وكل تعريف من التعريفات العلمية المشتملة على ألفاظ وقيود تصلح أن تكون أخباراً أونعوتاً لولا المانع السابق. "ب" قد يتعدد المبتدأ. وأكثر ما يكون ذلك فى صورتين: يحسَن عدم القياس عليهما فى الأساليب الأدبية والعلمية التى تقتضى وضوحاً ودقة؛ لأنهما صورتان فيهما تكلف ظاهر، وثقل جلىّ. وقيل إنهما موضوعتان1 فلا يصح القياس عليهما.

_ 1 نقل السيوطي - في الجزء الأول من كتابه: "الهمع"، ص 108، عند الكلام على تعدد الخبر والمبتدأ- ما قاله أبو حيان في هذه الصور وأمثالها من: "أنها من وضع النحاة، للاختبار والتمرين، ولا يوجد مثلها في كلام العرب ألبتة" أهـ. ولهذا يحسن عدم استخدامها. وقد ساق بعد ذلك- مباشرة- أمثلة أخرى هي بالهزل ولغو القول أشبه، تكرر فيها توالي "أسماء الموصول"، يعنينا منها ما ختمها به من قوله: "قال ابن الخباز: العرب" لا تدخل موصولا على موصول" وإنما ذلك من وضع النحويين. وهي شكلة جدا...." اهـ. وإنما كانت هذه مشكلة خطيرة لما فيها من خلق أساليب لا تعرفها العرب - فوق أنها أساليب بغيضة - ولا تجري على سنن من مناهجهم التي يباح محاكاتها، والابتكار فيها بالطرائق المرسومة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: صالح، محمودن هند، مكرمته من أجله، حيث تعددت المبتدءات متوالية، مع خلوكل منها من إضافته لضمير ما قبله. ثم جاءت الروابط كلها متوالية بعد خبر المبتدأ الأخير. ولإرجاع كل ضمير إلى المبتدأ الذى يناسبه نتبع ما يأتى: 1- أن يكون أول خبر لآخر مبتدأ، ويكون الضمير البارز فى هذا الخبر راجعاً إلى أقرب مبتدأ قبل ذلك المبتدأ الذى أخبر عنه بأول خبر. 2- ثم يكون الضمير البارز الثانى للمبتدأ الذى قبل ذلك. وهكذا ... فترتب الضمائر مع المبتدءات ترتيباً عكسيّاً. ففى المثال السابق نعرب كلمة "مكرمته" خبراً عن "هند"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهوالهاء يعود إلى: "محمو"، والضمير الذى فى آخر: "مكرمته" وهوالهاء يعود إلى: "محمود"، والضمير الذى فى آخر: "أجله"، وهو: الهاء أيضاً يعود إلى: "صالح"، ويكون المراد: محمود هند مكرمته من أجل صالح، أو؛ هند مكرمة محمود من أجل صالح. وذلك بوضع الاسم الظاهر مكان الضمير العائد إليه. الثانية: فى مثل محمد، عمه، خاله، أخوه قائم، حيث تعددت المبتدءات وكان الأول منها مجرداً من إضافته للضمير. أما كل مبتدأ آخر فمضاف إلى ضمير المبتدأ الى قبله. فمعنى الجملة السابقة، أخوخال عم محمد - قائم - فنضع مكان كل ضمير الاسم الظاهر الذى يفسر ذلك الضمير العائد عليه. وفى الأمثلة السابقة للصورتين ما ينهض دليلا على أن استعمال هذه الأساليب معيب، والفرار منها مطلوب1.

_ 1 كما في الصفحة السالفة وهامشها.

المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء الخبر مرتبط بالمبتدأ ارتباطاً معنويًّا قويًّا1. ويزيده قوة بعض الروابط اللفظية؛ كالضمير العائد عليه من الخبر، وكغيره مما عرفناه، ولهذا كان الغالب عليه أن يخلومن الفاء التى تستخدَم للربط2 فى بعض الأساليب الأخرى. فمن أمثلة الخبر الحالية من الفاء: العلمُ وسيلةُ الغنى - النظافةُ وقايةٌ من المرض - التجارةُ بابٌ للثروة. ومن الألفاظ التى ليست خبراً ولكنها تحتاج - أحيانا - إلى الفاء الرابطة بينها وبين ما سبقها: جواب اسم الشرط3 المبهم4 الدال على العموم؛ "لكونه لا يختص بفرد معين؛ وإنما هوشائع"؛ مثل: منْ يعمل خيراً فجزاؤُه خيرٌ. فكلمة "مَنْ" اسم شرط، يدل على العموم، وبعده فعل الشرط مستقبل الزمن؛ وهو5: "يعمل"، ثم يليه جملة اسمية هى جواب الشرط، أى: نتيجته المترتبة عليه، التى يتوقف حصولها فى المستقبل أوعدم حصولها على وقوعه أوعدم وقوعه، وهى: "جزاؤه خير". وقد اقترنت هذه الجملة الاسمية بالفاء؛ فربطت بينها وبين جملة الشرط. ودل هذا الارتباط على اتصال

_ 1 لأن الخبر محكوم به، والمبتدأ محكوم عليه- كما عرفنا في رقم 8 من هامش ص 442 فلا وجود لأحدهما من هذه الناحية بدون الآخر. هذا إلى أن الخبر في المعنى هو المبتدأ، كما يقال بحق. 2 لأنها تدل على السببية والتعقيب "أي: على أن ما بعدها مسبب عما قبلها، وأنه يتحقق سريعا بتحققه ووجوده" وهي أيضا تؤكد ترتب ما بعدها على ما قبلها، فهي بمثابة القسم. "أنظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتية". 3 في هامش ص 69 في ص 524 الكلام على المبتدأ الذي يليه أداة شرط، وبيان الخبر والجواب. 4 في ص 207 معنى: "الإبهام" - ثم في "حـ" من ص 338 و 3 من هامش ص 340 بيان المبهم من الأسماء خاصة، ومعنى إبهامه، ولا سيما: "أسماء الموصول". 5 فعل أداة الشرط الجازمة مستقبل الزمن دائما الزمن دائما، ولو كان فعلا ماضيا في اللفظ، لأن كل أدوات الشرط الجازمة - وبعضا من الشرطية غير الجازمة تجعل فعل الشرط الماضي في اللفظ مستقبل الزمن من حيث معناه، وكذلك فعل الجواب. "راجع ص 59".

بين الجملتين، وأن الثانية منهما نتيجة للأولى. ولولا الفاء الرابطة لكان الكلام جُمَلا مفككة، لا يظهر بينها اتصال. ومثل هذا كل أسماء الشرط الأخرى الدالة على الإبهام والعموم، والتى لها جملة شرطية، تليها جملة جواب مقرون بالفاء ... والخبر - مفرداً أوغير مفرد - قد يقترن بالفاء وجوباً فى صورة واحدة، وجوازاً فى غيرها1، إذا كان شبيها بهذا الجواب الشرطى، بأن يكون نتيجة لكلام قبله، مستقبل الزمن، وفى صدر هذا الكلام مبتدأ يشتمل غالبا2 على العموم والإبهام؛ نحو: الذى يصادقنى فمحترم: "فالذى" اسم موصول مبتدأ2، وهويدل على الإبهام والعموم، وبعده "يصادقنى" كلام مستقبل المعنى3، له نتيجة مترتبة على حصوله وتحققه، هى الخبر: "محترم" وقد دخلت الفاء على هذا الخبر؛ لشبهه بجواب الشرط فى الأمور الثلاثة السالفة التى هى: "وجود مبتدأ دال على الإبهام والعموم، كما يدل اسم الشرط المبتدأ على الإبهام والعموم" و"وجود كلام بعد المبتدأ مستقبل المعنى؛ كوجود جملة الشرط بعد أداة الشرط" و"ترتّب الخبر على الكلام السابق عليه؛ كترتب جواب الشرط على جملة الشرط - وهذا مهم". ومن الأمثلة: رجلٌ يكرمنى فمحبوب - من يزورنى فمسرور ...

_ 1 كما سيجيء في ص 538 - والغرض من مجيئتها النص على مراد المتكلم من لزوم وقوع الخبر، نتيجة حتمية لوقوع ما قبله ولولا "الفاء" لكان هناك شك حول النتيجة من جهة احتمال وقوعها وتحققها، أو وقوع غيرها وتحققه "راجع المغني والصبيان، ورقم 2 من الهامش السابق". "2 و2" انظر ما يتصل بهذا الشرط في رقم 4 من هذا الهامش. 3 ليس من اللازم أن يكون مستقبل اللفظ أيضا كالأمثلة الماضية، وإنما يكفي أن يكون مستقبل المعنى فقط دون اللفظ، نحو: قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم} و "ما" في الآية موصولة، وليست شرطية، بدليل قراء من قرأ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُم} فالفعل. "أصاب" ماض في اللفظ، مستقبل في المعنى، لأن المراد أن كل شيء يصيبنا في المستقبل هو نتيجة لعملنا، وليس المراد الكلام على شيء سبق. "4 و4" جاء في حاشية الأمير على "المغنى" عند الكلام على "الفاء" المفردة ودخولها في خبر المبتدأ ما يفيد أن الجملة قد تكون ماضية. ونص كلامه أنها تدخل على كل خبر "لمبتدأ شابه الشرط في العموم وذكر جملة بعده، صلة أو صفة. وأصل الجملة أن تكون مستقبلة كالشرط، وقد تكون ماضية. وقد يراد بالمبتدأ معين، نحو قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} أهـ. - انظر رقم 4 من هامش ص 541 -

الأدباء للوالي: من1 أرادك بسوء فجعله الله حصيد سيفك، وطريد خوفك، وكل عدو فتحت قدمك ... وهكذا كل خبر تحققت فيه الأمور الثلاثة؛ سواء أكان خبراً مفرداً، أم جملة، أم شبه جملة. فالقاعدة العامة فى اقتران الخبر بالفاء هى: مشابهته لجواب الشرط فى فى تلك الأمور الثلاثة، مع خلوالكلام من أداة شرط بعد المبتدأ، لكيلا يلتبس الخبر بجواب الشرط. وقد تتبع النحاة مواضع المشابهة فوجدوها تتركز فى موضعين لا تكاد تخرج عنهما، مع خلوكل موضع من أداة شرط بعد المبتدأ. الأول: كل اسم موصول عامّ وقعت صلته جملة فعلية مستقبلة المعنى في الأغلب2 -، أووقعت ظرفاً، أوجارًّا مع مجروره بشرط أن يكون شبه الجلمة بنوعيه متعلقاً بفعل مستقبل الزمن في الأغلب2. الثانى؛ كل نكرة عامة، وصفت بجملة فعلية، مستقبلة المعنى، أوبظرف، أوبجار مع مجروره على الوجه السالف الذى يقضى بتعليق شبه الجملة بمضارع مستقبل الزمن في الأكثر -. وإذا اقترن الخبر بالفاء وجب تأخيره عن المبتدأ؛ كالأمثلة التى أوضحناها، فإن تقدم وجب حذف الفاء3.

_ 1 "من" موصولة. والأفعال الماضية التي بعدها مستقبلة الزمن، لأنها الدعاء وتحقق الدعاء لا يكون إلا في المستقبل "ثم انظر رقم 2 و 3 من الهامش السابق". "2 و2" انظم رقم 2 و 3 من هامش الصفحة السابقة. والصلة بالظرف، أو الجار مع مجروره ليست فعلا ملفوظا دالا على المعنى المستقبل، ولكنها تتضمن فعلا مقدرا، لأن كلا منهما بحسب الأصل - متعلق بفعل محذوف يمكن تقديره هنا فعلا مضارعا مستقبلا، مثل: "يستقر" أو بمعناه. وبعد حذف هذا المتعلق حل الظرف أو الجار مع مجروره محله، فكلاهما بمنزلة فعل مستقبل الزمن في هذا التركيب. ومن المقرر في شبه الجملة - بنوعيه - إذا وقع صلة لغير "أل" أن يتعلق بفعل لا باسم.... "راجع المفصل جـ1 ص 100 وكذا ما سبق هنا في شبه الجملة، ص 384"، وقد يكون في الكلام قرينة أخرى تدل على أن معناه لا يتحقق إلا في المستقبل. 3 كما سبق في رقم 2 من ص 497.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لم يكتف النحاة بالتركيز الذى أشرنا إليه وإنما عرضوا للتفصيل، وعدّ المواضع المختلفة التى تقع فيها المشابهة - بشرط استيفاء كل منها الشروط الثلاثة السالفة، مبالغة منهم فى الإبانة والإيضاح. وإليك بيانها بعد التنبيه إلى أمرين: أولهما: أن الأغلب في كل الجمل الفعلية الواقعة صلة أو صفة في الصور الآتية أن يكون زمنها مستقبلا محضا. ويجوز أن يكون ماضيا - مع قلته، كما أسلفنا1 - فليس من الواجب المحتوم استقبال الزمن في تلك الجمل الفعلية. والأغلب كذلك في شبه الجملة بنوعيه "الظرف والجار مع مجروره" الواقع صلة أو صفة في الصورة التالية أن يتعلق بفعل مستقبل الزمن. ونستغني بهذا التنبيه عن ذكر كلمة "الأغلب" في كل صورة من الصور التالية. منعا للتكرار. ثانيها: أن كثيراً منها مع صحته لا تستسيغه أساليبنا الحديثة العالية. فخير لنا ألا نستعمله قدر الاستطاعة، وأن نعرف هذه المواضع لنفهم ما قد يكون منها في كلام السابقين، دون القياس عليها، بالرغم من إباحة هذا القياس. 1- خبر المبتدأ الواقع بعد "أمَّا" الشرطية. نحو: أما الوالد فرحيم. وهذا الموضع يجب فيه اقتران الخبر بالفاء دون باقى المواضع2؛ فيجوز فيها الاقتران وعدمه، والاقتران أكثر. 2- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جملة فعلية زمنها مستقبل1، تصلح أن تكون جملة للشرط3: نحو: الذى يستريض فنشيط.

_ "1 و1" انظر رقم 2 و3 من هامش ص 536. 2 هذا الموضع لا يذكره بعض النحاة هنا، لأن اقتران الخبر فيه بالفاء إنما هو لأجل: "أما" المتضمنة معنى الشرط، وليس لشبه المبتدأ بأداة الشرط في الإبهام والعموم.... و.... 3 الجملة الفعلية التي تصلح أن تكون للشرط هي التي لا يكون فعلها فعل طلب - كالأمر أو النهي - ولا فعلا جامدا، مثل: ليس أو عسى، ولا فعلا مسبوقا بأداة شرط، نحو قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي...." ولا بما، ولا لن، النافيتين، ولا قد، ولا السين ولا سوف، ولا رب، ولا القسم ... ولا غير هذا مما يجيء تفصيله في مكانه الخاص، وهو: باب الجوازم "جـ4".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته ظرف؛ نحو: الذى عندك فأديب. ولا بد أن يكون شبه الجلمة فى هذه الصورة وفما يليها متعلقاً بمضارع مستقبل الزمن كما سلف. 4- أن يكون المبتدأ اسم موصول صلته جار مع مجروره، نحوالذى فى الجامعة فرجل. 5- أن يكون المبتدأ نكرة عامة بعدها جملة فعلية زمنها مستقبل، صفة لها؛ نحو: رجل يقول الحق فشجاع. 6- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها ظرف، متعلق بفعل مستقبل - والظرف 1 صفة لها، نحو: طالب مع الأستاذ فمستفيد. 7- أن يكون المبتدأ نكرة عامة، بعدها جار ومجرور، صفة لها؛ نحو: طالبٌ فى المعمل فمنتفع. 8- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن، تصلح أن تكون جملة للشرط؛ نحو: كتاب الذى يتعلم فمصون. 9- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته ظرف؛ نحوقلم الذى أمامك فجيد. 10- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مرشدة التى فى البيت فخبيرة. 11- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها؛ مثل جميع" مضافاً إلى نكرة موصوفة بجملة فعلية بعدها ... 2، نحو: كل رجل يهمل فصغير..... 12- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها"، مضافاً إلى نكرة موصوفة بظرف، نحو: كل وطنى أمام الوطن فمخلص. وقول الشاعر: كُلُّ سَعْى سوى3 الذى يورث الفو ... زَ فعقباه حسْرةٌ وخَسَارُ

_ "1و 1" بشرط أن تكون الجملة الفعلية المستقبلة للزمن، صالحة لأن تقع شرطية. 2 ستجيء هنا للصور الخاصة بإضافة كلمة: "كل". 3 على اعتبار "سوى" ظرفا، طبقا لما سيجيء في جـ2 باب: الاستثناء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13- أن يكون المبتدأ لفظ "كل" "أوما بمعناها" مضافاً إلى نكرة موصوفة بجار ومجرور؛ نحو: كل فتاة فى العمل فنافعة. 14- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جملة فعلية مستقبلة الزمن تصلح للشرط، نحو: الزميل الذى يعاونك فرياضى. 15- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته ظرف: نحو: الزائرة التى معك فمثاليّة. 16- أن يكون المبتدأ موصوفاً باسم موصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: الرائد الذى فى الرحلة فأمين. 17- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف صلته جملة فعلية؛ نحو: خادم الرجل الذى يزرع فنافع. 18- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته ظرف؛ نحو: كاتب الرسالة التى معك فقدير. 19- أن يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم موصوف بموصول صلته جار مع مجروره؛ نحو: مؤلف الكتب التى فى الحقيبة فعظيم. وفى جميع الأمثلة السابقة يجوز أن يكون الخبر مفرداً، أوجملة، أوشبه جملة. ولا بد من خلوالجملة بعد المبتدأ من أداة شرط - ومن غيره مما سبق في رقم 3 من هامش ص 538. تلك هى أشهر الصور التى يقترن فيها الخبر بالفاء - وجوباً فى واحدة، وجوازاً فى الباقى - لغرض هام، هو: النص على مراد المتكلم من ترتب الخبر على الكلام الذى قبله، وإبانة أن الخبر نتيجة مترتبة على ما سبقه....2. ولوفقد شرط من الثلاثة التى بيناها لامتنع دخول الفاء على الخبر؛ فمثال فقد العموم: سعيك الذى تبذله فى الخير محمود. ومثال فَقْد الاستقبال: الذى زارنى أمس مشكور. ومثال الجملة الفعلية3 المستقلة الواقعة صلة أوصفة وهى غير صالحة لأن تقع شرطية لاشتمالها على ما، أو: لن، أو: قد، أو ...

_ 1 مستقبله الزمن، وصالحه لأن تقع شرطية. 2 طبقا للبيان السابق في رقمي 2 و 1 من هامشي ص 535 و 536. 3 يلاحظ ما يتصل بهذا في رقم 2 من هامش 536.

أو: إلخ. الذى لن يزورنى مسئ ... ومثل هذا يقال فى الصفة أوالصلة التى لم تستوف الشروط. وقد تدخل الفاء جوازاً - ولكن بقلة - فى الخبر الذى مبتدؤه كلمة "كل" إما مضافة لغير موصوف أصلا؛ نحو: كل نعمة فمن الله، وقول الشاعر1: وكلُّ الحادثات وإن تناهتْ ... فمقرون بها الفرج القريبُ وإمّ مضافة لموصوف لكن غير ما سبق2 نحو: كل أمر مفرح أومؤلم فنتيجة لعلم صاحبه. وإذا كان المبتدأ "أل" الموصولة وصلتها3 صفة صريحة مستقبلة الزمن - جاز الإتيان بالفاء فى الخبر نحو: الصانع والصانعة فنافعان. المخترع والمخترعة فمفيدان. ومنه قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ... وفريق من النحاة منع دخول الفاء فيما سبق، وأوّلَ الآية. وهذا رأى لا يصح الأخذ به مع وجود آية كريمة تعارضه، كما لا يصح تأويل الآية لتوافقه. فالصحيح دخولها على الخبر ولوكان أمراً أونهيًّا. بقى أن نعرف أن المبتدأ الذى يشبه اسم الشرط فيما سبق إذا دخل عليه ناسخ - غير إنّ، وأنّ، ولكنّ - فإن الناسخ يمنع دخول الفاء على خبره. أما إنّ، وأنّ، ولكنّ، فلا تمنع؛ فيجوز معها دخول الفاء: مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وقول الشاعر: فوالله ما فارقتكم قالياً5 لكم ... ولكنّ ما يُقْضَى فَسَوْف يكونُ

_ 1 البيت الآتي نقله صاحب الأمالي "جـ2 ص 307" عن ابن دريد. 2 في رقم 11، 12، 13 من الصورة السالفة. 3 في ص 372 و 388 طريقة إعراب "أل" مع صلتها. 4 جملة الصلة هنا ماضوية. فهي تؤيد الرأي الذي سبق- في رقم 3 من هامش ص 536 - وهو الرأي الذي يصرح بأن جملة الصلة قد تكون جملة ماضوية في المسألة التي نحن بصددها. أما الذين يشترطون استقبال الصلة فيؤولون الآية الأولى على معنى: "إن الذين يتبين أنهم فتنوا المؤمنين والمؤمنات...." ومثل هذا يقال في الآية الثانية وفي آيات أخرى سردتها المراجع النحوية، ومنها "الصبان" في الجزء الأول آخر باب: "المبتدأ والخبر، عند الكلام على موضوع اقتران الخبر بالفاء. 5 كارها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا عطفت على المبتدأ الذى خبره من الأنواع السابقة المقرونة بالفاء، أوعلى ما يتصل به من صلة، أوصفة، ونحوها - وجب تأخير المعطوف عن الخبر؛ إذ لا يجوز الفصل بينه وبين مبتدئه بالمعطوف، ففى مثل: الذى عندك فمؤدب، لا يصح أن يقال: الذى عندك والخادم فمؤدب، أوفمؤدبان، وهكذا ...

نواسخ الابتداء "كان وأخواتها"

نواسخ الابتداء "كان وأخواتها" مدخل ... المسألة الثانية والأربعون: نواسخ الابتداء "كان وأخواتها" ... 1 معنى الناسخ: الجملة الاسمية فى مثل "الرياحين مُتْعة" - تتكون من اسمين مرفوعين، يسمى أولهما: المبتدأ، وله الصدارة فى جملته - غالباً -. ويسمى الثانى: خبراً كما هومعروف. ولكن قد يدخل عليهما ألفاظ معينة تغير اسمهما، وحركة إعرابهما، ومكان المبتدأ من الصدارة فى جملته، ومن هذه الألفاظ: كانَ، إنَّ ... ظنَّ ... ولكل واحدة أخوات1 مثل: كان العامل أُميناً، وقول الشاعر: وإذا كانت النفوسً كباراً ... وتَعِبتْ فى مرادها الأجسامُ فيصير المبتدأ اسم "كان" مرفوعاً وليس له الصدارة الآن، ويصير خبر المبتدأ خبر كان منصوباً. ويسمى: خبرها" 2 ... ومثل؛ إنّ العاملَ أمينٌ؛ فيصير المبتدأ اسم "إن" منصوباً، وليس له الصدارة، ويصير خبره خبر "إن" مرفوعاً. ونقول: ظننت العامل أميناً فيصير المبتدأ والخبر مفعولين منصوبين للفعل: "ظننت" وليس للمبتدأ الصدارة. وتسمى الكلمات التى تدخل على المبتدأ والخبر فتغير اسمهما وحركة إعرابهما

_ "1و1" المراد بأخواتها: نظائرها من الكلمات التي تشابهها في العمل، وتخالفها في اللفظ والمعنى، سواء أكانت مع أختها من جنس واحد، فهما فعلان، مثل: كان _ أضحى - ظل.... أم كانتا من جنسين مختلفين. فإحداهما فعل، مثل: "كان" و "ليس" والأخرى حرف، مثل: "ما" الحجازية التي تعمل عليها. 2 التسمية بالاسم وبالخبر هي مجرد "اصطلاح نحوي" لا مناسبة له في الجملة، فمثل: "كان على غائبا"، تعرب كلمة: "على" اسم "كان"، مع أنه في الحقيقة اسم للذات المعينة، وليس اسما "لكان" ولا علما عليها، لأننا لا نسميها باسم جديد خاص.... ونعرب "غائبا" خبر "كان" مع أنه في الحقيقة والواقع خبر عن: "على"، وليس خبرا عن: "كان" لأنها ليست مبتدأ فنجيء لها بخبر. غير أن الاصطلاح النحوي جرى بما سبق. وقد يكون المراد: الاسم المصاحب لكان، الملابس لها، والمراد بالخبر: أنه خبر بحسب الأصل. و"كان" الناسخة وأخواتها من الأفعال التي تعمل عملها لا ترفع فاعلا، ولا تنصب مفعولا به، ولا تحتاج لأحدهما ما دامت ناسخة. غير أن هذه الأفعال الناسخة تؤنث لتأنيث اسمها، بالشروط والطرق التي يؤنث بها الفعل التام لتأنيث فاعله. وقد ذكرناها في موضعها الخاص من جـ2 ص 65 م 66.

ومكان المبتدأ: "النواسخ"، أو: نواسخ الابتداء؛ لأنها تحدث نسخاً، أى: تغييراً على الوجه الذى شرحناه ولا مانع من دخولها على المبتدأ النكرة ... فيصير اسماً لها؛ إذ لا يشترط فى اسمها أن يكون معرفة فى الأصل، ولكن يشترط في اسمها ألا يكون شبه جملة، لأن اسمها في أصله مبتدأ، والمبتدأ لا يكون شبه جملة3 ...

_ 1 لا تدخل النواسخ على المبتدأ إذا كان واحدا مما يأتي: 1- المبتدأ الذي له الصدارة الدائمة في جملته بحيث لا يصح أن يتقدم عليه شيء: كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وكم الخبرية، والمبتدأ المقرون بلام الابتداء ... ويستثنى من هذا النوع الذي له الصدارة في جملته - ضمير الشأن، فيجوز أن تدخل النواسخ عليه. "وقد تقدم عليه الكلام في باب الضمير ص 250". وكذلك يستثنى المبتدأ إذا كان اسم استفهام، أو مضافا لاسم استفهام، فيجوز أن تدخل عليه "ظن وأخواتها" مع استيفائها الفاعل، ومع تقديم اسم الاستفهام وجوبا على الناسخ، نحو: أيهم ظننت أفضل؟ وغلام أيهم ظننت أفضل؟ ولا تدخل هنا "كان"، ولا "وأن" ولا أخواتها، لأن الإسم في بابي: "كان وإخواتها" لا يتقدم على العامل، وأما الخبر فيجوز أن يتقدم في بابي: "كان وظن" وأخواتهما إذا كان اسم استفهام، أو مضافا إلى اسم استفهام، نحو: أين كنت وأين ظننت محمودا ... بشرط ألا يمنع من التقدم مانع مما سيجيء عند الكلام على تقدم خبر "كان". أما خبر "إن" وأخواتها فلا يتقدم. ب- المبتدأ الذي يجب حذفه، وخبره نعت مقط ع. وقد تقدم الكلام عليه، في ص 510. جـ- كلمات معينة لم تقع إلا مبتدأ في ألأساليب الواردة التي لا يجوز تغيير هيئتها لأنها جرت مجرى الأمثال، والأمثال لا تتغير كالكلمات الملازمة للابتداء، في نحو: لله در الخطيب، ونحو: "أقل رجل يفعل ذلك"، "وقد سبق الكلام عليهما في باب المبتدأ ص 474 و 450" ونحو: "ما" التعجبية مثل "ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا" وهذا النوع يسمى: "الملازم للابتداء بنفسه" "أي: بسبب مزية في نفسه امتاز بها: وهي، أن العرب خصته بالابتداء فلم تستعمله إلا مبتدأ" وكل هذا يسمى: "الاسم غير المتصرف في استعماله" لأنه مقصور على ضبط واحد، وطريقة واحدة في الاستعمال، لا يتجاوزها وليس من اللازم أن يكون مرفوعا فمن أنواعه ما هو مقصور على النصب أو غيره - كالمنصوب على المصدرية لداع، كنيابته عن فعل الأمر في مثل: "سقيا، ورعيا"، "وقد سبق الكلام عليهما في ص 515، فليس أصله المبتدأ الذي يصلح لدخول النواسخ عليه. ومما يتصل بهذا: المبتدأ المقصور - في الغالب - على معنى واحد لا يستعمل في غيره، كالدعاء، أو القسم، أو غيرهما مع ملازمته صيغة واحدة لا تتغير صورتها، ومع ملازمته الإفراد فلا يكون مثنى، ولا جمعا، كقولهم في الدعاء: "طوبى للأمين" ولا يكون الخبر لكلمة: "طوبى" إلا الجار مع مجروره، "كما سبق في "أ" من ص 481" ومن أمثلته أيضا قول على رضي الله عنه: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس". ومثل كلمتي: "ويل، وسلام" في قولهم: "ويل للخائن. وسلام على المصلح"، واللفظان الأخيران يستعملان في غير الابتداء أحيانا. وقولهم في القسم: أيمن الله لألتزمن الإنصاف. ولهذا القسم بيان يتصل بتركيبه في رقم 2 من ص 519. د- الملازم للابتداء بسبب غيره كالاسم الواقع بعد "لولا" الامتناعية، و "إذا" الفجائية ... فإنهما لا يدخلان إلا على المبتدأ، مثل، لولا العلوم ما تقدمت الحضارة، ومثل: خرجت فإذا الأصدقاء. 2 كما سبق في رقم 4 من هامش ص 486 وفي رقم 11 من ص 488. 3 كما تقدم في رقم 6 من هامش ص 442 و "أ" من ص 447.

ومما سبق يتبين أن النواسخ بحسب التغيير1 الذى تحدثه ثلاثة أنواع: نوع يرفع اسمه وينصب خبره - فلا يرفع فاعلا، ولا ينصب مفعولا - مثل: "كان وأخواتها"، ونوع ينصب اسمه ويرفع خبره؛ مثل: "إن وأخواتها"، ونوع ينصب الاثنين ولا يستغنى عن الفاعل؛ مثل: "ظن وأخواتها". ولكل نوع أحواله وأحكامه المفصلة فى بابه الخاص. وكلامنا الآن على: "كان" وأخواتها من الأفعال الناسخة التي تعمل عملها2، وتسمى أيضاً: الأفعال الناقصة3. وفيما يلي بيان أشهرها، وشروطه عمله، ومعنى كل فعل: إنها ثلاثةَ عَشَرَ فعلا4؛ كان - ظل - بات - أصبح - أضحْى -

_ 1 أما النواسخ بحسب صيبغتها وتكوينها اللفظي فثلاثة أنواع أيضا. "أفعال" مثل: كان وأكثر أخواتها، و "أسماء" وهي المشتقات من مصادر تلك الأفعال التي يمكن الاشتقاق منها، مثل مصادر كان، واصبح، وأمسى.... فيقال: يكون - كن - كائن.... وهكذا. وحروف " مثل: "ما الحجازية" من أخوات كان.... ومثل "إن" وأخواتها. 2 ولها نظائر أخرى من الحرو ف تعمل عملها سيجيء الكلام عليها في 593. 3 سميت "ناقصة" لأن كل فعل منها يدل على "حدث ناقص" "أي: معنى مجرد ناقص" لأن إسناده إلى مرفوعه لا يفيد الفائدة الأساسية المطلوبة من الجملة الفعلية إلا بعد مجيء الاسم المنصوب، فالاسم المنصوب هو الذي يتمم المعنى الأساسي المراد، ويحقق الفائدة الأصلية للجملة، وهذا يخالف الأفعال التامة، فإن المعنى الأساسي يتم بمرفوعها الفاعل، أو نائب الفاعل، "فكان" الناقصة مثلا تدل مع اسمها على حصوله ووجوده وجودا مطلقا "وهو: ضد العدم" وهذا معنى غير مراد، ولا مطلوب، فإذا جاء الخبر تعين المعنى المطلوب، وتحدد. و"صار" مع اسمها تدل على مجرد تحوله، وانتقاله من حالته، من غير بيان لحالته الجديدة. ولا توضيح لما انتهى إليه أمره، والخبر هو الذي يبين ويوضح. و"أصبح" مع اسمها تدل على مجرد دخوله في وقت الصباح، وليس هذا هو المقصود من الناقصة فإذا جاء الخبر كان كفيلا بتحقيق المراد. وهكذا.... وليس السبب في تسميتها "ناقصة" أنها تتجرد للزمان وحده، ولا تدل معه على حدث معنى" كما يقول بعض النحاة - وأشرنا إليه في رقم 2 من هامش ص 46 -، فهذا الرأي مدفوع بأدلة كثيرة جاوزت العشرة، وسجلتها المطولات "وقد أشار إلى بعضها بإيجاز محمود، ومنطق سليم: صاحب "حاشية الأمير على المغنى" في الباب الثالث المجلد الثاني، عند الكلام على تعلق الظرف والجار والمجرور بالفعل الناقص". 4 غير الأفعال التي بمعنى: "صار" وستذكر بعدها في ص 557، وغير "أفعال المقاربة" وما يتصل بها. ولها باب مستقل- في ص 614-، وغير أفعال أخرى قليلة الشهرة، لقلة استعمالها ناقصة في فصيح الأساليب، مثل أفتأ، بمعنى: فتيء ... هذا والأفعال السبعة الأولى كاملة التصرف نسبيا- إذ يجيء من مصدرها أكثر المشتقات- "وليس" جامدة بالاتفاق، و "دام" جامدة على الأصح. والأربعة الباقية، ناقصة التصرف. كما سيجيء في ص 567.

أمسى - صار - ليس - زال - برح - فتئ - انفك - دام. وكل هذه الأفعال تشترك فى أمور عامة، أهمها1: أنها لا تعمل إلا بشرط أن يتأخر اسمها عنها2، وأن يكون خبرها غير إنشائي؛ فلا يصح: كان الضعيف عاونْهُ3. وأن يكون الاسم والخبر مذكورين معاً، ولا يَصح - مطلقاً - حذفهما معا، ولا حَذف أحدهما. إلا "ليس"، فيجوز حذف خبرها، وإلا "كان" فيجوز فى أسلوبها أنواع من الحذف. وسيجئ البيان عند الكلام عليهما4. وألا يتقدم الخبر عليها إذا كان اسماً متضمناً معنى الاستفهام؛ وهى مسبوقة بأحد حرفى النفى: "ما" أو: "إن"؛ فلا يقال: أين ما يكون الصديق؟ ولا أين إنْ يكونُ الصديق؟ ولا أين ما زال العمل؟ لأنّ "ما" و"إنْ" النافيتين لهما الصدارة فى كل جملة يدخلان عليها؛ فلا يصح أن يسبقهما شىء من تلك الجملة، وإلا كان الأسلوب فاسداً5. وأنها إذا كانت مسبوقة بما المصدرية وجب ألا يسبقها شيء من صلة "ما"، لأن "ما المصدرية بنوعيها" لا يسبقها شيء من صلتها - كما تقدم6 -. وأن صيغتها حين تكون بلفظ الماضى، وخبرها جملة فعلية مضارعية - لا بد أن يماثلها زمن هذا المضارع؛ فينقلب ماضياً7 - عند عدم وجود مانع -؛

_ 1 انظر ما نقلناه عن النحاة - في رقم 4 هامش ص 410 - من قولهم: لم يرد في الكلام الفصيح وقوع "أن المصدرية" بنوعيها "المخففة، والناصبة للمضارع" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده، ولا يعد "كان" "وأن" الناسخين بغير فاصل من غيرهما.... وكذلك "ما" المصدرية - راجع البيان هناك -. 2 وسيأتي هذا عند الكلام على حكم معموليها من ناحية التقديم والتأخير - ص 569. 3 لا فرق في المنع بين الإنشاء الطلبي، مثل: كان والدك احترمه، وغير الطلبي مثل: كانت صحتي "يحفظها الله، أو: يكون مالي أدامه الله" على أن تكون الجملة الأخيرة في المثالين دعائية، فلا يصح اعتبار "كان" ناسخة في هذه الأمثلة وأشباهها مما وقع فيها الخبر جملة. إنشائية وللإنشاء بنوعيه إيضاح في رقم 2 من هامش ص 374. 4 في ص 558 و 580. 5 راجع منع هذا التقدم في ص 569 وفي رقم 3 من هامش ص 570. 6 في ص 407. 7 كما سبق هذا عند الكلام على أحوال المضارع من ناحية دلالته الزمنية - ص 61 - ومنه يعلم أنه لا يدخل في هذا الحكم الفعل المضارع الذي في خبر النواسخ الدالة على الحال فقط، كأفعال الشروع، أو الدالة على الاستقبال فقط، كأفعال الرجاء.

ففى مثل: أصبح العصفور يغرد - يكون زمن المضارع "يغرد" ماضياً، مع أن الفعل مضارع، ولكنه - هووكل الأفعال المضارعة - يتابع زمن الفعل الماضى الناسخ، بشرط عدم المانع الذى يعينه لغيره - كما أشرنا -. وأن أخبارها لا تكون جملة فعلية ماضوية، ما عدا "كان" فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية1. بقي من شروط الخبر: أن يتمم المعنى بنفسه مباشرة مع الاسم - وهو الغالب - وقد يتممه في بعض الأحيان بمساعدة النعت، طبقا للبيان المفصل الذي سبق في باب: "المبتدأ والخبر" موضحا بالأمثلة.... ويشترط في الخبر أيضا ألا يكون معلوما من اسم الناسخ وتوابعه، كما في البيان السالف2. أما فى غير الأمور المشتركة السالفة فلكل فعل ناسخ - وكل ما قد يكون لمصدره من مشتقات 3 - معناه الخاص مع معموليه4 وشروطه الخاصة التى سنعرضها فيما يلى:

_ 1 راجع حاشية الألوسي على القطر ص 340 غير أن المراجع الأخرى تضطرب في هذا الحكم وتختلف اختلافا واسعا "تبدو صور منه في حاشية ياسين على التصريح، جـ1 أول هذا الباب، وفي الهمع جـ 1 ص 113....." وخير ما يستخلص من تلك الآراء هو: 1- ما قاله الهمع، ونصه: "شرط ما تدخل عليه: "صار" وما بمعناهما، و "دام" و "زال" وأخواتها - زيادة على ما سبق - ألا يكون خبره فعلا ماضيا "يريد: جملة ماضوية " فلا يقال صار زيد علم، وكذا البواقي، لأنها تفهم الدوام على الفعل، واتصاله بزمن الإخبار، والماضي يفهم الانقطاع، فتدافعا، وهذا متفق عليه.... " أهـ. ب- أما في غير تلك الأفعال فالصحيح جوازه مطلقا، وعليه البصريون، لكثرة وروده في القرآن، والكلام الفصيح كثرة تبيح القياس عليه - وقد عرض "الهمع" أمثلة متعددة من هذا الوارد ... أما الكوفيون فيشترطون لصحته وجود "قد" قبله، ثم إ ن المفهوم من الحاشية التي على شرح التصريح، بعنوان "فائدة" - برغم تعدد الآراء فيها أن المستحسن غاية الاستحسان - وإن لم يبلغ حد الوجوب عند غير الكوفيين - هو اقتران الخبر بالحرف: "قد" إن كان الفعل الناسخ وفعل الخبر ماضيين معا، أو مضارعين معا. فمتى تماثل في نوعهما الفعلان - الفعل الناسخ والفعل الذي في خبره- فالمستحسن تصدير الخبر بالحرف، "قد" ويجوز عدم مجيئها. وتمتاز "كان" بجواز مجيء "قد" وعدم مجيئها في الحالات السالفة، وغيرها من سائر حالاتها الأخرى. كما تشهد بهذا النصوص العالية الفصيحة التي عرضها النحاة ويقوي مجيء "قد" في الخبر حجة الكوفيين التي ستذكر في رقم 2 من هامش ص 559 ثم انظر ما يتصل بالأخبار وبهذا في ص 254 لأهميته. 2 في هامش ص 443. 3 انظر ما يختص بجمود هذه الأفعال واشتقاقها في ص 567. 4 لأن الفعل وحده بدون معموله لا يحقق الغرض، لأنه يدل على مجرد معنى جزئي غير معين =

كان: نفهم معناها من مثل: كان الطفل جارياً؛ فهذه الجملة يراد منها إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وان الجرى فى زمن ماض؛ بدليل الفعل: "كان". ولوقلنا: يكون الطفل جارياً - لكان المراد إفادة السامع أن الطفل موصوف بشئ؛ هو: "الجرى"، وأن الجرى فى زمن حالى أومستقبل، بدليل الفعل المضارع: "يكون". ولوقلنا: كن جاريًا - لكان المراد إفادة السامع أن المخاطب موصوف بتوجه طلب معين إليه؛ هو؛ مباشرة الجرى، أى: مطالبته بالجرى فى المستقبل؛ بدليل فعل الأمر: "كُنْ". مما سبق نفهم المراد من قول النحاة: "كان" مع معموليها تفيد مجرد اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافاً مجرداً1 فى زمن يناسب صيغتها. فإن كانت صيغتها فعلاً ماضياً فالزمن ماض، بشرط ألاّ يوجد ما يجعله لغير الماضى المحض. وإن كانت صيغتها فعلاً مضارعاً خالصا2 فالزمن صالح للحال والاستقبال بشرط لا يوجد ما يجعله لغيرهما، وإن كانت صيغتها فعل أمر فالزمن مستقبل؛ إن لم يوجد ما يجعله لغيره -. وإن كانت الصيغة إحدى مشتقات مصدرها فالزمن على حسب ما يناسب هذا المشتق3. حكمها: لا بد لإعمالها هي والمشتقات من تحقق الشروط العامة السالفة. وقد تستعمل "كان" الناسخة بمعنى: "صار"4 فتأخذ أحكامها، وتعمل عملها بشروطه؛ مثل: جمد الماء فكان ثلجاً - احترق الخشب فكان تراباً5.

_ 1 ولا محدد - في زمن خاص، ولا يدل على أكثر من هذا، كالصبح في: أصبح، والمساء في، أمسى والضحا: في أضحى.... ويكون الزمن ماضيا أو حالا أو مستقبلا على حسب نوع الفعل الناسخ. أما الفعل مع معموليه فيدل على اتصاف الاسم بمعنى الخبر في زمن معين، اتصافا ينشأ عنه أن تؤدي الجملة معناها المطلوب الأساسي كاملا واضحا. 1 اتصافا مجردا، أي: لا زيادة معه، لأنها لا تدل بصيغتها على نفي، أو دوام، أو تحول، وزمن خاص، - كالصباح والمساء، والضحا- ولا على غير ذلك مما تدل عليه أخواتها. حقا إنها تدل على الزمن الماضي أو غيره، ولكن دلالتها عليه مطلقة، ولا غير ذلك مما تدل عليه أخوتها. حقا إنها تدل على الزمن الماضي أو غيره، ولكن دلالتها عليه مطلقة، إذ لا تقييد فيها بالصباح، أو المساء، أو غيرهما. 2 أي: حقيقيا، بمعنى أنه غير مصحوب بما يجعل زمنه الماضي فقط، مثل: "لم" أو للمستقبل فقط، مثل: "سوف" أو للحال مثل: "ما النافية.... 3 طبقا للأحكام الخاصة بكل مشتق، والمدونة في بابه. 4 سيجيء في ص 556 الكلام على "صار"، وشروطها، ومعناها الذي هو: التحول والانتقال من حالة إلى أخرى.... 5 ومنه قوله تعالى {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} ، أي: "صارت" فيهما، لأن المعنى يقتضي هذا.

وقد تستعمل بمعنى: "بَقِىَ على حاله، واستمر شأنه من غير انقطاع ولا تَقَيُّدٍ بزمن معين"1 نحو: كان الله غفوراً رحيماً. وقد تستعمل تامة2، وتكثر فى معنى: حصل وظهر "أىّ: وُجِد" فتكتفى بفاعلها؛ نحو: أشرقت الشمس فكان النورُ، وكان الدفء، وكان الأمن. أى: حصل وظهر، ومثل قول الشاعر يصف إحدى البقاع3: وكانت، وليس4 الصبح فيها بأبيض ... وأضحت5، وليس الليل فيها بأسود6 وما تقدم من الأحكام للفعل الماضى: "كان" يثبت لباقى أخواته المشتقات؛ كالمضارع، والأمر، واسم الفاعل. و. و.. هذا، وتضم الكاف من الفعل الماضى: "كان" عند اتصاله بضمائر الرفع المتحركة؛ كالتاء، ونون النسوة، طبقاً للبيان الذى سلف مفصلا7. وبقى من أحكام "كان" أربعة أخرى سيجئ الكلام عليها مفصلاً فى موضعه من آخر هذا الباب؛ وهى: أنها تقع زائدة8، وأن الحذف يتناولها كما يتناول أحد معموليها9، أوهما معاً، وأن نون مضارعها قد تحذف10، وأن خبرها قد ينفى. وهذا الأخير يجئ الكلام عليه مع باقى الأخبار الأخرى المنفية11.

_ 1 سبقت إشارة لهذا في آخر ص 55. 2 الفعل التام - كما سبق في رقم 545 - هو ما يكتفي بمرفوعه في إتمام المعنى الأساسي للجملة. 3 بأنها في الصبح مظلمة بظلام الليل، لغياب بعض الوجوه المشرقة المنيرة. فإذا ظهرت تلك الوجوه عند الضحا زال الظلام، وحل محله بياض النور. وشبيه بهذا قول القائل في المعنى نفسه: أرى الصبح فيها منذ فارقت مظلما ... فإن أبت صار الليل أبيض ناصعا 4 ليست هذه الواو من نوع "الواو" الداخلة في خبر الناسخ، والتي يجيء الكلام عليها في: "أ" من الصفحة التالية متضمنا شروطها.... 5 أضحى هنا تامة، كما سيجيء في ص 555. 6 ومن الأمثلة أيضا قول حسان رضي الله عنه، يخاطب المشركين في مكة حين اعترضوا المسلمين القادمين من المدينة لزيارة الكعبة. فإما تعرضوا عنا اعتمرنا ... وكان الصبح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعز الله فيه من يشاء 7 في رقم 2 من هامش ص 165. 8 ص 579. 9 ص 580. 10 ص 588. 11 ص 590.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" إذا وجد نفى قبل "كان" الماضية والمضارعة وكان خبرها جملة مقترنة "بإلا" الاستثنائية الملغاة - جاز أن يقترن بالواو؛ كقول الشاعر: ما كانَ من بَشَرٍ إلا ومِيتتُهُ ... محْتومة؛ لكِنِْ الآجالُ تختلفُ لأن النفى قد نقض هنا بـ "إلا". والنفى ونقضه شرطان - على الصحيح - لزيادة الواوفى الجملة الواقعة خبر: "كان" أومضارعها - كما تقدم-. وهذه الواوتسمى "الواوالداخلة على خبر الناسخ" وتدخل أيضاً فى خبر "ليس بالشرط السالف كما سيجئ1. وقد سُمعت2 قليلا فى خبر غيرهما من النواسخ. ولا يصح القياس على هذا القليل. وبرغم أن وجودها جائز فى غير القيل مما ذكرناه، فإن الخير - كما يرى كثير من النحاة - فى العدول عنها؛ حرصاً على الدقة فى التعبير، وبعداص عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواو والواوالأخرى التى للحال - أوغيره -، ولكل منهما معنى يخالف معنى النوع الأخر3. والبراعة تقتضى الإبانة التامة، وتجنب أسباب اللبس والاشتباه؛ نزولاً على حكم البلاغة.

_ 1 في ص 561 وقد جاء في الصبان - جـ 2 باب: "لا النافية للجنس" عند بيت ابن مالك: "وركب المفرد فاتحا...." - ما نصه: "قال الروداني: قولهم إن خبر الناسخ تدخله الواو....، غير مسلم على إطلاقه. وحاصل ما في "التسهيل والهمع" أن الخبر إن كان جملة بعد "إلا" لم يقترن بالواو، إلا بعد "ليس وكان" المنفية، دون غيرهما من النواسخ، وبغير "إلا" يقترن بالواو بعد "كان" وجميع أخواتها، لا بعد جميع النواسخ. هذا عند الأخفش وابن مالك. وغيرهما لا يجيز اقتران الخبر بالواو أصلا. وحملوا ما ورد من ذلك على أنه حال، والفعل تام لا ناقص، أو محذوف الخبر للضرورة" أهـ. ومن أمثلة الواو في خبر "ليس" قول الشاعر: ليس شيء إلا وفيه - إذا ما ... قابلته عين البصير - اعتبار وسيعاد البيت في ص 561 لمناسبة هناك. 2 راجع الصبان جـ1 في هذا الموضع آخر باب "كان" وفي جـ 2 منه، أول باب: "لا" النافية للجنس- وقد ذكرنا بعض الأمثلة المسموعة في رقم 2 من هامش من ص 687. 3 ولعل هذا كان السبب فيما ذهب إليه بعض النحاة الأقدمين من منع استعمال هذه الواو، وفي تأويل النصوص القديمة المشتملة عليها تأويلا يتجه مرة إلى اعتبار الواو للحال، والجملة بعدها في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ب" من الأساليب الأدبية الشائعة: "كائناً ما كان"، و"كائناً من كان"؛ فى مثل: سأفعل ما يقضى به الواجب؛ كائناً ما كان. وسأحقق الغرض الكريم كائناً ما كان ... أى: سأفعل ذلك مهما جدّ وكان ذلك الواجب؛ وذلك الغرض. ومثل: سأرد الظالم: "كائناً من كان" - سأكرم النابغ "كائناً من كان" ... أى: سأفعل ذلك مهما كان الإنسان الظالم، أوالنابغ. أما إعرابه فمتعدد الأوجه: وأيسر ما يقال وأنسبه هو: "كائناً" حال منصوب، واسمه1 ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الشئ السابق، و"ما" أو"من" نكرة موصوفة مبنية على السكون فى محل نصب خبر "كائن". و"كان" فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر يعود على "ما" أو"من" والجملة من الفعل والفاعل فى محل نصب صفة "ما" أو"من". والتقدير النحوىّ: سأفعل ذلك كائناً شيئاً كان. أو: كائناً إنساناً كان. أى: سأفعل ذلك كائناً أىّ شئ وجد أوأىّ إنسان وجد2. ومن الأساليب المرددة فى كلام القدامى الفصحاء - برغم غرابتها اليوم - قولهم: "ربما اشتدت وَقْدة الشمس على المسافر فى الفلاة؛ فكان مما يُغَطِى رأسَه وذراعيه، وربما ثارت الرمال؛ فكان مما يَحْجُبُ عينيه ومنخريه ... " يريدون: فكان ربما يُغَطى رأسه - وكان ربما يحجب عينيه ومنخريه، أى: يغطيهما ... فكلمة: "مما" بمعنى: "ربما" 3....

_ = محل نصب حال، وخبر الناسخ محذوف. ومرة إلى أنها زائدة شذوذا.... و.... و.... ونحن في غنى عن هذا كله بتركها، وعدم القياس على المسموع منها. "راجع ص 561 ورقم 2 من هامش ص 687". 1 لأنه اسم فاعل من "كان" الناقصة، فيعمل عملها. 2 تخيرنا ما سبق من بين الآراء المنثورة في المراجع المختلفة، ومنها الجزء الأول من "الأشموني، والتصريح"، في باب: "كان وأخواتها" عند الكلام على: "كان التامة" وما يشاركها من أخواتها. 3 تصدى لهذا الأسلوب عالم معاصر من تونس - هو: الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور - رحمه الله - وكان عضوا مرسلا بالمجمع اللغوي بالقاهرة- وخصه ببحث في الجزء التاسع من مجلة المجمع "ص 116" عرض في الجلسة "الحادية عشرة" من جلسات مؤتمر المجمع في دورته "الثامنة عشرة"، ووافق عليه المجمع والمؤتمر، وقرر أن ذلك أسلوب لغوي يراد منه الكثرة، وقد يدل على القلة أحيانا. والبحث نفيس وملخصه مع الإيجاز =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هو: أن بعض المركبات استعملت استعمال كلمة مفردة، كالذي ورد في "صحيح البخاري" عن ابن عباس ونصه: "كان رسول الله يعالج التنزيل شدة إذا نزل عليه الوحي، وكان مما يحرك لسانه وشفتيه...." وقد أهمل ابن الأثير في كتابه: "النهاية" معنى قوله: "مما يحرك لسانه وشفتيه" وفسره عياض في كتابه: "المشارق" بأن معناه: "كثيرا ما يحرك به لسانه وشفتيه" وبعد أن فسره روى عن أحد الأئمة من شراح الحديث ما يأتي: "في مثل هذا كأنه يقول: هذا من شأنه ودأبه، فجعل" ما" كناية عن ذلك، ثم أدغم "النون" أهـ. وقال آخر: "إن معنى: "مما" هنا هو: "ربما" وهذا من معنى ما تقدم، لأن "ربما" تأتي للتكثير أيضا، وفي "مسلم"، في حديث: "النجوم أمنة السماء: "وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء" ثم قال: تكون "مما" هنا بمعنى: "ربما التي للتكثير، وقد تكون فيها زائدة" أهـ مسلم ثم قال الباحث المعاصر: ما نلخصه في المسائل الآتية: 1- شواهد هذا الاستعمال كثيرة في الحديث والشعر، منها - غير ما تقدم قول رافع في "البخاري" في باب "الحرث والزرع": "كنا نكري الأرض بالناحية، منها مسمى لسيد الأرض، قال فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما تصاب الأرض ويسلم ذلك ... ": ومنها قول ابن عباس الوارد في "صحيح مسلم" في كتاب: تعبير الرؤيا "إن رسول الله كان مما يقول لأصحابه: "من رأي منكم رؤيا فليقصها أعبر هاله" ومنها قول البراء بن عازب: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله مما نحب أن نكون عن يمينه. " ومنها قول أبي حية النميري: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم ثم قال الباحث: تعرض لهذا اللفظ "السيرافي" في شرح كتاب سيبويه. بما نصه عند قول سيبويه: "اعلم أنهم مما يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام غير ذلك ... " اهـ. وهنا قال السيرافي: "أراد: ربما يحذفون.... وهو يستعمل هذه الكلمة كثيرا في كتابه. والعرب تقول: أنت مما تفعل كذا.... أي: ربما تفعل. وتقول العرب أيضا: "أنت مما أن تفعل. أي: أنت من الأمر أن تفعل، فتكون "ما" بمنزلة الأمر - أي: الشيء - و "أن تفعل" بمنزلة الفعل، أي: مصدر تقديره "فعل"، أي: بمنزلة هذا اللفظ - ويكون "أن تفعل"، في موضع رفع بالابتداء، وخبره: "مما" وتقديره: أنت فعلك كذا وكذا من الأمر الذي تفعله" أهـ كلام السيرافي كما نقله الباحث. 2 من السيرافي أخذ ابن هاشم في كتابة: "المغني" عند الكلام على معاني: "من"، فقال عن العاشر من معانيها: "مرادفة "ربما" وذلك إذا اتصلت "بما" كما في قول الشاعر أبي حية النميري: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم قال السيرافي وفريق غيره من النحاة، وخرجوا عليه قول سيبويه: "واعلم أنهم مما يحذفون الكلم...." والظاهر أن "من" فيهما ابتدائية، و "ما" مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب مثل خلق الإنسان من عجل" اهـ. ثم قال الباحث: في كلامه هذا احتمال مخالفتهم في أن جعلوها بمنزلة: "ربما، " لأن: "ربما" لا تعيين للتكثير، واحتمال أنه فسر كلامهم بحمله على إرادة التكثير كما فسر آخرون. وقد أشار ابن هشام- كبعض من سبقوه - إلى كيفية الحذف التي اعتورت هذا التركيب، وأبقت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيه معنى التكثير، أو معنى "ربما، "، أو غير ذلك، كما هو واضح من كلامهم حيث يظهر ترددهم في منشأ معنى التكثير، أمنشؤه الحرف "من" كما يرى ابن هشام، أم الحرف "ما" كما يرى غيره؟ 3- ويقول الباحث: ينبغي التنبيه إلى أن هذا التركيب إذا استعمل هذا الاستعمال يجيء في موضع خبر المبتدأ ويجيء في موضع خبر "كان" وفي موضع الحال، فمن ظن اختصاص ذلك بخبر "كان" فقد وهم. كما ينبغي التنبه إلى أن أصل استعماله في هذا المعنى ألا يصرح معه بلفظ الكثرة، فما وقع فيه لفظ: "كثيرة" فهو جار مجري التفسير من الراوي، أو مجرى التأكيد من القائل، لخفاء دلالة التركيب على التكثير، ومثاله قول سمرة بن جندب: "كان رسول الله مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأي أحد منكم رؤيا ... ؟ " وقول أبي موسى: "وكان رسول الله كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء". والتنبه كذلك إلى أن قول السيرافي: "وتقول العرب أيضا "أنت مما أن تفعل...." غريب، لا يعرف شاهده من فصيح الكلام، فضلا عن كون الحرف "أن" فيه غير واقع موقعا، مع ما فيه من اجتماع ثلاثة أحرف متوالية من أحرف المعاني، وهي: "من" و "ما" و "أن" سواء أجعلت "ما" مصدرية أم زائدة وإلى هنا انتهى كلام الباحث، بعد الاستغناء عن بضع كلمات منه. هذا ويوضح ما سبق أيضا قول سيبويه جـ1 ص 476" إن "من الجارة إذا كفت بالحرف "ما" الزائدة قد تكون بمعنى: "ربما" واستشهد بالبيت السالف. وجاء في آخر الجزء الرابع من القاموس - باب الألف اللينة- عند الكلام على: "ما" وأنواعها، واستعمالاتها.... النص التالي: "إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل، كالكتابة قالوا: "إن زيدا مما أن يكتب" أي: إنه مخلوق من أمر، ذلك الأمر هو الكتابة "أهـ. وقد أشرنا بإيجاز - للأسلوب السابق في جـ2، باب "حروف الجر"، م 90 ص 431 عند الكلام على: "من".

ظل: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول النهار غالبا -، فى زمن ماض، أو حاضر، أو مستقبل، بحيث يناسب دلالة الصيغة المذكورة في الجملة1 نحو: ظل الجو معتدلا يظل الجو معتدلا..... و....... وتسعمل كثيراً بمعنى: "صار" عند وجود قرينة؛ فتعمل بشروطها2؛ نحوقوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} ، أى: صار3. وقد تستعمل تامة فى نحو: ظل الحر؛ بمعنى: دام وطال ... شروط عملها: لا يشترط لها وللمشتقات أخواتها سوى الشروط العامة التى سلفت. أصبح: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها صباحاً، فى زمن يناسب صيغتها. مثل أصبح1 الساهر مُتعباً. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها2؛ مثل: أصبح النِّفطُ دِعامة الصناعة؛ وإنما كانت بمعنى: "صار" فى هذا المثال وأشباهه لأن المراد ليس مقصوراً على وقت الصبح. وإنما المراد التحول من حالة قديمة إلى أخرى جديدة ليست خاصة بالصباح. وقد تستعمل - بكثرة - تامة فى نحو: أيها السارى4 قد أصبحت. أى: دخلت فى وقت الصباح5. وشروط عملها هى الشروط العامة؛ فهى مثل: "ظل".

_ "1 و1" شرحنا معنى: "مناسبة الزمن للصيغة" في ص 548 ورقم 1 من هامشها. 2 وهي في ص 556. 3 لأنه وجهه لم يكن مسودا قبل البشري، وإنما تحول من لونه الأصلي إلى السواد بعد ولادة البنت. 4 المسافر ليلا. 5 وقد وردت زائدة هي و "أمسى" في كلام عربي قديم نصه: "الدنيا ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها". والمراد: ما أبردها، وما أدفاها. وهذا لا يقاس عليه - كما سيجيء في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية، وفي ص 581- وإنما نذكره لنفهمه، ونفهم نظيره مما قد يمر بنا في أثناء قراءة النصوص القديمة المقصورة على السماع.

أضحى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها وقت الضحا، فى زمن يناسب صيغتها ... مثل: أضحى الزارع نكبًّا على زراعته. وتستعمل كثيراً بمعنى: "صار" فَتعمل بشروطها فى مثل: أضحى الميدان الصناعى مطلوباً. وإنما كانت بمعنى: "صار" لأن المعنى ليس على التقيد بوقت الضحا أوغيره - وإنما على التحول والانتقال من حالى إلى أخرى. وقد تستعمل تامة في مثل: أضحى النائم، أي: دخل في وقت الضحا1. شروط عملها: هى الشروط العامة التى سبقت؛ فهى وبقية المشتقات تشبه مثل: "ظل". في الاكتفاء بالشروط التامة. أمسى: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها، مسَاءً فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: أمسى المجاهد قريراً. وتكون كثيراً بمعنى: "صار" فتعمل بشروطها؛ مثل: اقتحم العلم الفضاء المجهول: فأمسى معلوماً؛ أى: صار معلوماً؛ لأن المراد ليس التقيد بوقت المساء، وإنما المراد التحول والانتقال. وتستعمل تامة فى مثل: أمسى الحارس. أى: دخل فى وقت المساء2. شروط عملها وعمل المشتقات من مصدرها: هى الشروط العامة السالفة. كظل. بات: تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها طول الليل؛ فى زمن يناسب صيغتها؛ مثل: "بات القادم نائماً، وقول الشاعر: أبيتُ نجِيًّا للهموم كأنَّما ... خلالَ فِراشى جمرةٌ تتوهَّجُ وتكون تامة، فى مثل: بات الطائر؛ بمعنى: نزل ليقضى الليل فى بعض الأمكنة. شروط عملها وعمل المشتقات هي الشروط العامة.

_ 1 وفي مثل البيت الذي سبق - "ص 549" - وفيه "كان"، و "أضحى" تامتان - وهو: وكانت وليس الصبح فيها بأبيض ... وأضحت وليس الليل فيها بأسود 2 قلنا في رقم 5 من هامش الصفحة السالفة عند الكلام على "أصبح": إنها هي و "أمسى" تزادان كما في العبارة القديمة، "الدنيا ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها"، وقلنا: إن هذا لا يقاس عليه.... كما سيجيء في ص 581.

صار: تفيد مع معموليها تَحَوُّلَ اسمها، وَتَغيُّرهُ من حالى إلى حالة أخرى ينطبق عليها معنى الخبر؛ مثل: صارت الشجرة باباً. أى: تحولت الشجرة "وهى اسم: صار" من حالتها الأولى إلى حالة جديدة، سميت فيها باسم جديد، هو: "باب" "وهو؛ الخبر"، ومثل: صار الماء بخاراً؛ فقد تحول الماء "وهو: اسم: صار"، من حالته الأولى إلى حالة جديدة يسمى فيها: "بخاراً" وهوالخبر. وتستعمل تامة في مثل: صار الأمر إليك، بمعنى، ثبت واستقر لك1 وفي مثل: إلى الله تصير الأمور، أي تتجه: وتخضع له وحده. شروط عملها: يشترط فيها وفى الأفعال التى بمعناها2، وفي المشتقات من مصدرها. "1" الشروط العامة السالفة. "2" ألا يكون خبرها جملة فعلية فعلها ماض، فلا يصح صار الجالس وقف، ولا صار المتكلم سكت3.

_ 1 أي: من أول الأمر من غير أن يكون هذا تحولا عن حالة سابقة. 2 الأفعال التي بمعناها سبق بعضها، وبعض أخر سيجيء، وكلاهما مدون في الصفحة التالية. 3 لأن خبر "صار" لا بد أن يكون معناه متصلا وممتدا إلى وقت الكلام، فإذا قلنا: صار الماء بخارا، وصار السباح يقفز. فلا بد أن يكون البخار والقفز موجودين عند النطق بهذا الكلام. فلو كان الخبر جملة ماضوية لدل على انقطاع المعنى قبل النطق بهذا الكلام، فيفسد المراد. "أنظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من هامش ص 547".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ويشترك مع صار فى المعنى، والعمل، والشروط، أفعال أخرى - غير التى سبقت1 - أشهرها أحدَ عشرَ، كل منها يصح أن تحل "صار" محله، واستعماله قياسىّ مثلها: وهي 1- آض، مثل: آضَ الطفل غلاماً. وآض الغلام شابًّا: بمعنى: "صار" فيهما. 2- رجع، مثل: قوله عليه السلام: "لا تَرْجِعوا بعدى كفارا يَضْربُ بعضكم رقابَ بعض". 3- عاد، مثل: عاد البلد الزراعى صناعيًّا. 4- استحال، مثل: استحال الخشب فحماً. 5- قعد، مثل: قعدتْ المرأةُ مكافحةً فى الميادين المختلفة. 6- حار، مثل: وما المرْءُ إلا كالشِّهاب وضوْئِهِ ... يَخُورُ رَماداً بَعْد إذْ هوساطعُ 7- ارتد، مثل قوله تعالى: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . 8- تَحَول، مثل: تحول القطن نسيجاً، وتحولَ النسيح ثوباً رائعاً. 9- غَدَا: مثل غَدَا العملُ الحرّ مرموماً. وقول الشاعر: إذا غَدَا ملِكٌ بالَّلهومشتغلاً ... فاحكمْ على مُلكه بالويْل والحَرَبِ2 10- رَاح: مثل: رَاحَ المرءُ مقدَّراً بما يحسنه. 11- جاء، فى مثل: ما جاءت حاجَتَك؟ فقد ورد هذا الأسلوب فى الأساليب الصحيحة المأثورة بنصب كلمة: "حاجة"، ومعناه: ما صارت حاجتك.؟ والمراد: أىُّ حاجة صارت حاجتك؟ وإنّما نُصِبتْ كلمة "حاجة" لأنها خبر "جاء" التى بمعنى: صار، واسمها ضمير يعود على "ما"

_ 1 الإفعال التي سبقت، والتي تشارك "صار" في المعنى والعمل وشروطه.... هي "كان، ص 548" و "ظل - أصبح - أضحى - أمسى -.... في ص 554 و 555". 2 الخراب والنهب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهامية التى تعرب مبتدأ مبنية على السكون فى محل رفع، والجملة من "جاء ومعموليها" فى محل رفع خبرها1.

_ 1 يصح القياس على هذا الأسلوب، فيقال: ما جاء ت سفارتك ومفاوضتك....؟ من غير التقيد بكلمة: "حاجة" فيصح إحلال كلمة أخرى محلها على حسب المعنى. كما يجوز ضبط كلمة: "حاجة" ونظائرها بالرفع، فتكون اسم: "جاء"، و "ما" الاستفهامية خبرها، مقدما، في محل نصب. والمعنى: أي شيء صارت إليه حاجتك.

ليس: تفيد مع معموليها نفى اتصاف اسمها بمعنى خبرها فى الزمن الحالىّ نحو: ليس القطار مقبلاً. فالمراد نفى القدوم عن القطار الآن1. ولا تكون للنفى فى الزمن الحالى إلا عند الإطلاق، أى: عند عدم وجود قرينة تدل على أن النفى واقع فى الزمن الماضى، أوفى المستقبل: فإن وجدت قرينة تدل على أنه واقع فى أحدهما وجب الأخذ بها؛ نحو: ليس الغريب مسافراً أمس، أو: ليس سافر2 الغريب، أو: وزعت الحقول ليس حقلا3 أو: وجود الفعل الماضي4 بعدها، أوقبلها - دليل على أنه النفى للماضى ... أما فى نحو: ليس الغر مسافراً غداً، أوقوله تعالى في عذاب الكافرين يوم القيامة: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ، فيكون النفى متجهماً للمستقبل؛ لوجود قرينة لفظية فى المثال؛ وهى كلمة: "غد"،

_ 1 الحال، أو الآن، أو: الحاضر: هو زمن الكلام. وبالرغم من أنها لنفي الحال كثيرا - وقد تكون لنفي الزمن الماضي، أو المستقبل بقرينة- فإنها عند الإعراب تعرب فعلا ماضيا في كل أحوالها، وكذلك لو كانت للنفي المجرد من الزمن ومن العمل. 2 هذا الأسلوب صحيح، ولكنه غير شائع في الكلام القديم، فلا داعي لمحاكاته. والفعل والفعل في محل نصب خبر "ليس" واسمها ضمير الشأن، مستتر فيها، طبقا لرأي بعض النحاة، ومنهم ابن مالك وقد سبق عند الكلام على ضمير الشأن، "ص 250" وقلنا هناك "في رقم 2 من هامش ص 254" أن الأحسن في هذا الأسلوب ونظائره "مما يقع فيه فعل بعد "ليس" مباشرة بغير فاصل...." أن تكون هي حرف نفي مهمل، أي: لا يمل، فليس له اسم ولا خبر. وهذا الإعراب أيسر وأنسب، لأن وقوع الفعل معمولا تاليا مباشرة لعامله الفعل الذي هو من نوعه، قليل جدا في الكلام الصحيح- ولهذا الحكم صلة بما سبق في رقم 1 من هامش ص 547 - وإهمالها في هذه الصورة يوافق لغة تميم التي تهملها في كل الأحوال، وبلغتهم: "ليس الطيب إلا المسك" ولكن لا يحسن اليوم الأخذ برأي تميم، إلا في هذه الصورة التي أشرنا إليها. ويقول القرطبي في ص 72 من مقدمة تفسيره، في باب: "الرد على من طعن في القرآن"، ما نصه: "إن العرب لم تقل ليس قمت: فأما لست قمت بالتاء فشاذ، قبيح، خبيث، رديء لأن "ليس" لا تجحد "أي: لا تنفي" الفعل الماضي، ولم يوجد مثل هذا إلا في قولهم: "أليس قد خلق الله مثلهم" وهو لغة شاذة...." " أهـ. واشترط الكوفيون للقياس على هذا الأسلوب دخول "قد" على خبر "ليس" مجاراة للمثال المسموع، ولأن قد " تقربه من الحال. 3 ليس في هذا المثال فعل من أفعال الاستثناء كما سيجيء في بابه، جـ 2 م 83 ص 328. 4 ويفهم من هذا صحة وقوع الفعل الماضي في خبرها" ولكنه قليل قبيح - كما سلف في رقم 2 والمستحسن أن يكون هذا الماضي مقرونا بالحرف" قد" ليقربه من الحال طبقا لرأي الكوفيين الذين يشترطون هذا في الماضي خبر "ليس" "كما سبق هنا، وفي رقم - ب - من هامش ص 547". أما الاعتراض بأن "ليس" لنفي الزمن الحالي فيلزم من الإخبار عنها بالماضي تناقض...." فقد أجاب عنه النحاة: بأنها تكون لنفي الحال في الجملة غير المقيدة بزمان "أما المقيدة به فنفيها على حسب القيد. هذا إلى أن "قد" تقربه من الحال كما عرفنا.

الدالة عليه ولوجود قرينة عقلية فى الآية تدل عليه أيضاً، هى: أن يوم القيامة لم يأت حتى الآن. وقد يكون المراد منها نفى الحكم نفياً مجرداً من الزمن؛ كقول العرب: ليس لكذوب مروءة، ولا لحسود راحة، ولا لسيء الخلق سُؤْدُد.، وقولهم: "ليس منا من عق أباه1". شروط عملها؛ وأحكامها: "1" هى الشروط العامة. "2" لا تستعمل تامة. "3" لا يجوز تقدم خبرها عليها فى الرأى الأرجح2. "4" يجوز حذف خبرها، إذا كان نكرة عامة؛ نحو: ليس أحد. أى: ليس أحد موجوداً، أونحوذلك ... ويجوز جره بالباء الزائدة، بشرط ألا تكون أداة استثناء3؛ وبشرط ألا ينتقض النفى بإلا؛ نحو: ليس الغضب بمحمود العاقبة. وقول الشاعر: وليس بِمُغْنٍ فى المودة شافعٌ ... إذا لم يكنْ بين الضلوعِ شفيعُ فإن نقض النفى بإلا لم يصح جر الخبر بالباء الزائدة؛ فلا يجوز ليس الغِثَى إلا بغِنَى النفس4 ... "5" لا يصح وقوع "إنْ" الزائدة بعدها5 ... 6- يجوز أن يتصل بآخرها الكاف التي هي حرف محض للخطاب 6: مثل: لستك محمدا مهملا. وقد سبق البيان المتصل بهذا7. وبقي من أحكام ليس حكم يتعلق بخبرها المنفي. وسيجي الكلام عليه مع بقية الأخبار المنفية 8.....

_ 1 عصاه وترك الإحسان إليه. 2 راجع مواضع تقدم الخبر هنا، في ص 569. 3 لأنها لو كانت أداة استثناء لكانت بمعنى: "إلا" والمقترن "بإلا" لا يزاد في أوله "الباء" - كما سيجيء في رقم 2 من هامش 607 - ومثلها: "لا يكون" الاستثنائية. أما الكلام على هذين الفعلين باعتبارهما من أفعال الاستثناء فمكانه باب: الاستثناء" ح2 ظ م 83 ص 276. 4 انظر رقم 4 من هامش ص 448 حيث الكلام على الناسخ الذي يحتاج إلى منصوب فيستغنى عنه بمرفوع. "ومن أمثلة هذا الناسخ: ليس". 5 راجع الصبان، والهمع - أول باب "ما" الحجازية. 6 وهو حرف متصرف على حسب المخاطب، إفرادا وتثنية وجمعا، مع التذكير أو التأنيث في كل ذلك. 7 في رقم 3 من ص 240. 8 في ص 590.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "أ" أشرنا فيما سبق1 إلى أنه يجوز فى خبر "ليس" ما جاز فى خبر "كان" الماضية والمضارعة المسبوقة بالنفى، من اقترانه بالواوحين يكون جملة موجبة2، بسبب اقترانها بكلمة: "إلا"؛ كقول الشاعر: لَيْس شَىْءٌ إلاّ وَفيهِ إذَا ... قَابَلَتْهُ عيْنُ البَصيرِ اعبتارُ وتسمى هذه الواو: "الواوالداخلة على خبر الناسخ" كما - عرفنا. ونقول هنا ما قلناه فى "كان": من أن الأحسن العدول عن زيادتها، برغم أن وجودها جائز؛ حرصاً على دقة التعبير، وبعداً عن اللبس الذى قد ينشأ بين هذه الواووالأخرى التى للحال أولغيره ... فلكل واحدة موضع تستعمل فيه ومعنى تؤديهن وتركها يريحنا مما قال بعض النحاة الأقدمين من تأويل للنصوص المشتملة عليها، وتكلف لا داعى له. "ب" لا تقع "إن" الزائدة بعد "ليس"3 - كما أشرنا فى الصفحة السالفة - فلا يصح أن يقال: ليس إنْ الكذوب محترماً، مع أنه يجوز زيادتها بعد "ما" النافية المهملة التى معناها معنى "ليس"، مثل: ما إنْ الضعف محمود، أما وقوعها بعد "ما" الحجازية فيبطل عملها4. "حـ" قد يقع بعد خبر "ليس" و"ما" معطوف مشتق، له أحكام مختلفة تجئ فى "ب" من ص 611.

_ 1 في ص 550 وهامشها رقم 1 ويجيء في رقم 2 من هامش ص 689. 2 لأن "ليس" تفيد النفي، والاستثناء ينقض النفي. 3 صرح بهذا الصبان وصاحب "الهمع" في أول باب: "ما" الحجازية - كما أشرنا في رقم 5 من الصفحة السابقة. 4 كما سيجيء في "أ" من ص 594.

زال: تدل بذاتها على النفى، وعدم وجوج الشئ؛ من غير أن تحتاج فى هذه الدلالة للفظ آخر؛ فإذا وجد قبلها نفى أوشبهه "وهوالنهى والدعاء" انقلبت معناها للإثبات1؛ مثل: ما زال العدوناقماً. أى: بقى واستمر ناقماً. وفى هذه الحالة تفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى الخبر اتصافاً مستمرًّا لا ينقطع، أومستمرًّا إلى وقت الكلام، ثم ينقطع بعده بوقت طويل أوقصير؛ كل ذلك على حسب المعنى. فمثال المستمر الدائم: ما زال الله رحيماً بعباده - ما زال الفير كبير الأذنين. ومثال الثانى: لا يزال الحارس واقفاً. لا يزال الخطيب متكلماً. ومثالها مع النهى: لا تزَلْ2 بعيداً عن الطغيان. ومع الدعاء "وأدواته هنا: "لا"، أو: "لن"" لا زال الخير منهمراً عليك فى قابل أيامك - لا يزال التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك التوفيق رائدك فى كل ما تقدم عليه - لن تزال عناية الله تحرسك فيما يصادفك من مكايد ... ، بشرط أن يكون القصد من كل ذلك الدعاء للمخاطب ... ولا تستعمل زال المسبوقة بالنفي أو شبهه تامة3 ... ويشبهها فى الدلالة على النفى بذاتها، وصيغتها، وفى اشتراط أداة نفى قبلها، أوشبهه للعمل - أخوات لها فى هذا، هى: "فتئ - برح - انفك وسيأتى الكلام على الثلاثة"4.

_ 1 لأن نفي النفي إثبات. والنهي والدعاء يتضمنان في المعنى نفيا، لأن المطلوب بهما ترك شيء، وهذا الترك نفي. 2 في هذا المثال وأشباهه تكون: "لا" ناهية مع تضمنها معنى النفي - كما سبق في رقم 1 - وهي لا تدخل إلا على المضارع دائما، فإذا كان المضارع بعدها فعلا ناسخا من مضارع هذه الأربعة "زال - فتيء - برح - أنفك" كان متضمنا للنفي مع تضمنها للنهي، فيصير المعنى في المثال: أنهاك عن عدم البعد عن الطغيان. أي: أنهاك عن الطغيان. ومثلها "لن" التي للدعاء فإنها خاصة بالمضارع. بخلاف "لا" الدعائية، فإنها تدخل على الماضي والمضارع. 3 انظر رقم 1 من هامش ص 568 حيث الكلام على مبتدأ ناسخ "مثل: زائل" لا يحتاج إلى خبر إن كان هذا المبتدأ وصفا ناسخا يعمل، لأن اسم الناسخ يغني عن خبر المبتدأ.... 4 ومثلها: "وإن كان قليل الاستعمال" "ونسي"، و "رام" التي مضارعها "يريم" وكلاهما بمعنى "زال" الناسخة. ومن شواهد استعمالها: لا يني الحب شيمة الحب ما دام، ... فلا تحسبنه ذا ارعواء وقوله: إذا رمت ممن لا يريم متيما ... سلوا فقد أبعدت من رومك المرمى

شروط إعمالها: وإعمال المشتقات من مصدرها 1- يشترط فيها الشروط العامة. 2- أن يسبقها نفى1 أونهى أودعاء؛ كالأمثلة التى سبقت. ولى فرق فى النفى بين أن يكون ظاهراً؛ مثل: لا زال الغِنى ثمرة الجدّ، وأن يكون مقدراً لا يظهر فى الكلام، ولكن المعنى يكشف عنه، والسياق يرشد إليه؛ مثل: تالله يزال الشحيح محروماً متعة الحياة حتى يموت. أى: تالله لا يزال. وحذف النفى قياسى بشرط أن يكون بالحرف: "لا" وأن يكون الفعل مضارعاً فى جواب قسم2. 3- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ فلا يصح: ما زال المسافر

_ 1 سواء أكان النفي بالحرف، مثل: "ما" أم بفعل موضوع للنفي، مثل: "ليس"، تقول: ليس ينفك العزيز مكرما وقول الشاعر: قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك حتى يغمض العين مغمض أو بفعل طاريء عليه النفي، مثل: "قلما"، في نحو: "قلما يبرح الأنبياء دعاة الهدى". فكلمة: "قلما" هنا تركت معنى التقليل، صارت بمعنى "ما" النافية، لوجود قرينة تدل على ذلك، هي: أن الأنبياء لا تبرح الدعوة للهدى مطلقا، إذ لا يصح أن يقال: إنها قد تترك دعوة الله بعض الأحيان. أو بفعل يتضمن معنى النفي ويستلزمه، كالفعل، "أبي"، بمعنى: امتنع وكره، مثل أبيت أزال استغفر الله، لأن معنى: "أبيت" لم أفعل، أو باسم مثل، "غير" في نحو: "غير منفك العالم أسر علمه. ويستعان على إعراب هذا المثال بما سبق في رقم 1 من هامش ص 449 وبما يجيء في رقم 1 من هامش 568. 2 يصح أن تحذف أداة النفي قبل "زال" وأخواتها الثلاث بالشرطين المذكورين، لأن العرب تحذف أحيانا "لا" النافية في جواب القسم، مع ملاحظتها وتقديرها في المعنى، لأن اللبس عندئذ بين المنفي والموجب، مأمون، إذ لو كان الجواب غير منفي في المعنى والتقدير لوجب أن يكون المضارع مؤكدا باللام والنون معا، جريا على الأغلب والأقوى في جواب القسم عند البصريين، وبأحدهما عند كثرة الكوفيين. ومن أمثلة حذف "لا" قوله تعالى: "تا الله تفتأ تذكر يوسف...." أي: لا تفتأ. جاء في أمالي أبي القاسم الزجاجي - ص 50 في بيت ليلى الأخيلية ترثى توبة، وصدره: "فأقسمت أبكى بعد توبة هالكا...." ما نصه: "تريد: لا أبكى بعد توبة هالكا.... والعرب تضمر "لا" النافية في جواب القسم مع ملاحظتها في المعنى، لأن الفرق بينه وبين الموجب قد وقع بلزوم الموجب اللام والنون، كقولك: والله لأخرجن. قال الله عز وجل: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف ... } أي: لا تفتأ تذكر يوسف" أهـ. وقال الشاعر: فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك، وأوصالي أما بيت ليلى الأخيلية في رثاء توبة كاملا فهو: فأقسمت أبكي بعد توبة هالكا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر أي: لا أبكي ولا أحفل ... "حفله، وحفل به، يحفل.... اهتم وبالتي".

غاب: لأن زال تفيد مع معموليها استمرار المعنى إلى وقت الكلام ثم ينقطع بعده - كما سبق - أولا ينقطع. والخبر إذا وقع جملة فعلية ماضوية كان منافياً هذا، ومعارضاً له: لدلالته على الماضى وحده دون اتصال بالحال أوالمستقبل1. 4- ألا يقع خبرها بعد: "إلا"؛ فلا يصح ما زال النجم إلا بعيداً: لأن النفى نقِضَ وزال بسبب: "إلا". 5- أن يكون مضارعها هو: "يزال" التى ليس لها مصدر مستعمل. أما: "زال" التى مضارعها: "يَزيل" ومصدرها "زَيْل" - فليست من الأفعال الناسخة، وإنما هى فعل تام، متعد، إلى مفعول به، ومعناها: مَيزَ وفصَل. تقول "زال" التارج بضاعته زَيلا: أى: ميَّزَها وفصَلها من غيرها. وذلك "زال" التى مضارعها: "يزول" ومصدرها" "الزوال" فإنها ليست من النواسخ؛ وإنما هى فعل لازم، معناه: هلك وفَنِىَ ... مثل: زال سلطان الطغاة زوالا؛ بمعنى: هَلَكَ وفَنِىَ هلاكاً، وفناء. وقد يكون معناها: انتقل من مكانه، مثل: زال الحجر؛ أى: انتقل من موضعه ... وسيجئ آخر هذا الباب حكم خاص بخبرها المنفى، وخبر أخواتها عند الكلام على الأخبار المنفية عامة2. فتئ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها. إلا الأخير؛ - لاختلاف المضارع فيهما وإلا وقوع: "فتئ" تامة فى بعض الأساليب - دون زوال - ومنها: فتئ الصانع عن شئ. بمعنى: نسيه. برح: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها، أى: فى معناها، وفى شروطها، إلا الأخير؛ لاختلاف المضارع فيهما؛ وإلا وقوع "برح" تامة؛ مثل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ ... } ، أى: لا أذهب، ولا أنتقل3....

_ 1 راجع ما يتصل بهذا في أول ص 547 و "أ" من هامشها. 2 ص 590. 3 لا صلة بين "برح وأبرح" الناسختين، طبقا للبيان الموضح لهما هنا، وأبرحت التامة في قول العرب: "لله درك فارسا، وأبرحت جارا"، بمعنى: عظمت فارسا وعظمت جارا. يقال أبرح الرجل، إذا جاء بالبرح - بسكون الراء - أي: بالعجب "والبيان في جـ 2 باب: "التمييز" م 87 ص 390" فجملة: "أبرحت" فعل وفاعل. "وجارا": تمييز.

انْفَكَّ: تشترك مع "زال" فى كل أحكامها إلا فى الشرط الأخير؛ لاختلاف المضارع فيها. وإلا استعمال. "انفك" تامة، بمعنى: انفصل؛ مثل: فككتُ حلَقَات السلسلة فانفكت، أى: انفصلت ... دام: تفيد مع معموليها استمرار المعنى الذى قبلها مدة محددة؛ هى مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها؛ نحو: يفيد الأكل ما دام المرء جائعاً: ويضر ما دام المرء ممتلئاً. ففائدة الأكل تدوم بدوام وقت معين، محدد، هو: وقت جوع المرء. والضرر يدوم كذلك بدوام وقت معين، محدود، هو: وقت الامتلاء، ولا بد فى دوام ذلك الوقت المحدد من أن يستمر ويمتد إلى زمن الكلام. شروط إعمالها: 1- يشترط فيها الشروط العامة. 2- أن تكون بلفظ الماضى1، فى الرأى الأرجح، وقبلها ما المصدرية الظرفية2.

_ 1 تبعا للرأي الأرجح. كما سيتضح في رقم 2 من هامش الصفحة التالية. 2 هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر مع نيابتها عن ظرف زمان بمعنى: مدة، أو: وقت أو زمن، أو نحو هذا من كل ما يدل على الزمان، ويكون هذا المصدر المؤول معمولا للمضارع الذي قبلها، مثل: أشار كك ما دامت أمينا. "وقد سبق الكلام عليها وعلى المصدر المؤول، في الموصول الحرفي "ص 411" ولتقريب فهمها يفترضون أن أصل الجملة: أشار كك مدة ما دمت أمينا، فكلمة "مدة" ظرف زمان مضاف. وكلمة "ما" مصدرية، تسبك مع الجملة التالية لها بمصدر. تقديره "دوامك" وهذا المصدر المؤول هو المضاف إليه. ثم حذف الظرف المضاف، وناب عنه المضاف إليه من غير سبك "وهو: "ما" مع الجملة التي تليها" وصار هذا المضاف إليه منصوبا على الظرفية، لنيابته عن الظرف المحذوف، كما ناب، المصدر الصريح عن الظرف في مثل. قابلتك غروب الشمس، أي: وقت غروب الشمس، فقد حذف الظرف المضاف، وناب المصدر المضاف إليه عنه، فصار منصوبا. فإن تقدم على "دام" "ما" المصدرية فقط - أي: "ما" المصدرية غير الظرفية - كانت فعلا تاما، بمعنى: بقي واستمر. نحو: يسرني ما دمت، أي: دوامك وبقاؤك - ومثله: يسرني ما دمت شجاعا، أي: يسرني دوامك شجاعا. ولا يصح أن تكون "ما" مصدرية ظرفية في هذا المثال، فليس المراد يسرني المدة، وإنما المراد: يسرني الدوام والاستمرار، وفرق كبير بين الاثنين: لأن الذي يسر هو الدوام، لا المدة ... وكذلك إن سبقها "ما" النافية كانت فعلا تاما، بمعنى: بقي واستمر طويلا. نحو: ما دام الضيف. أي: ما بقي واستمر، وكذلك إن لم تسبق مطلقا بلفظة "ما" النافية أو غير النافية"، نحو: دام الظلم فأهلك أعوانه، ونحو: دام محمد صحيحا "صحيحا: حال منصوبة، وليست خبرا".

وإذا أسندت لضمير رفع متحرك وجب ضم الدال، وحذف الألف1. 3- أن يسبقهما معاً كلام تتصل به اتصالا معنويًّا، بشرط أن يكون جملة فعلية مضارعية2. 4- ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية؛ لأن دام مع معموليها تفيد استمرار المعنى إلى وقت الكلام، والجملة الماضوية تفيد انقطاعه فيقع التنافى3. 5- ألا يتقدم خبرها عليها وعلى "ما"؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية4 لا يسبقها شئ من صلتها التى تسبك معها بمصدر. أما توسطه بينها وبين "ما" فجائز. ومما سبق نعلم أن جميع أفعال هذا الباب تستعمل ناقصة وتامة إلا ثلاثة أفعال تلتزم النقص؛ وهى: فتئ - زال - ليس" -. كما نعلم أن كل فعل ناقص "ناسخ" لا يعمل هو وما قد يكون لمصدره من

_ = ومن المفيد أن نشير إلى أن الفعل "دام" قد يكون ناقصا مع تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليه، فليس من اللازم نقصانه عند وجودها، فقد يكون تاما لا يعمل كما في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، فالمعول عليه في الحكم بالنقصان أو عدمه هو أنها لا تعمل بغير أن يتحقق الشرط. لكن وجود الشرط لا يستلزم حتما أن تعمل، فمع وجوده يجوز إهمالها وإعمالها على حسب المعنى، إذ لا يلزم من وجود الشرط وجود الشرط وجود المشروط "كما يقول علماء المنطق"، ولكن لا يوجد المشروط بدون وجود الشرط، كالرؤية لا تكون إلا بوجود العين. لكن وجود العين لا يقتضي الرؤية، إذ يصح أن تكون العين مغلقة، أو ائمة، أو محتجبة عن الإبصار لسبب ... 1 يوضح هذا ما سبق في آخر رقم 2 من هامش ص 165 خاصا بالفعل: "كان". 2 كقول الشاعر: ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا ... وهذا الشرط نص عليه صاحب شرح المفصل "في ص 114 من الجزء السابع" حيث قال: "أما: "دام" فلا تستعمل إلا بلفظ الماضي - كما كانت "ليس" كذلك - ولا يتقدمها إلا فعل مضارع، نحو: لا أكلمك ما دام زيد قائما" أهـ. أما قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} فلهم فيه كلام يخرجه عما نحن فيه - وقد أشرنا لهذا الشرط في رقم 3 من هامش ص 412. واشتراط مضيها هو الأرجح- كما قلنا - ويعارض فيه بعض النحاة، محتجا بأن لها مضارعا ناسخا هو: "يدوم" ولها مصدر ناسخ كذلك. "راجع الصبان في هذا الموضع". وهذا الرأي ضعيف مردود، لقيامه على فهم نظري محض لا تؤيده الشواهد. والصحيح أنها فعل ماض جامد إذا سبقته "ما" المصدرية الظرفية. 3 راجع ما يتصل بهذا في "أ" من هامش ص 547. 4 والمصدرية غير الظرفية أيضا - راجع حكم النوعين في ص 413 -.

إلا بشروط مفصَّلة؛ فلا يكفى الاقتصار على ما يذكره كثير من النحاة من تقسيم هذه الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام مجْملة؛ بحسب ما يلزم لها من شروط أولا يلزم، حيث يقولون: "ا" قسم يعمل بدون شرط وهوثمانية أفعال: كان - أصبح - أضحى - أمسى - ظل - بات - صار - ليس. "ب" قسم يعمل بشرط أن يسبقه نفى، أوشبه نفى، وهوأربعة أفعال: زال - برح - فتئ - انفك. "حـ" قسم يعمل بشرط أن يسبقه "ما" المصدرية الظرفية وهوفعل واحد: "دام" ... لأن هذا التقسيم غير سلم، لاعتباره القسم الأنول غير محتاج إلى شروط، ولأنه ترك فى القسمين الأخيرين شروطاً هامة لا يصح أهمالها. وقد عرفنا تفصيلها1. بقى أن نعود إلى مسألة أشرنا إليها من قبل2؛ هى: أن النسخ ليس مقصوراً على الأفعال الماضية وحدها، بل يشمهلا ويشمل ما قد يكون معها من مشتقات إنْ وجدت؛ فتعمل بالشروط التى للماضى. وتفصيل هذا أن الأفعال الناسخة ثلاثة أقسام: "ا" قسم جامد، أى: لا يتصرف مطلقاً، ولا يوجد منه غير الماضى، وهوفعلان: "ليس بالاتفاق، و"دام"3 فى أشهرها الآراء.

_ 1 ويشير ابن مالك إلى عمل "كان" بقوله: نرفع كان المبتدأ اسما والخبر ... تنصبه، ككان سيدا عمر أي: كان عمر سيدا، ويذكر أخواتها بقوله: ككان: ظل، بات، أضحى، أصبحا ... أمسى، وصار، ليس، زال، برحا فتى، وانفك، وهذي الأربعة ... لشبه نفي، أو لنفي متبعه أي: أن الأربعة الأخيرة في الترتيب تتبع نفيا أو شبه نفي، ومعنى تتبعه: تليه وتجيء بعده، "فلا بد أن نتبعها النفي، أي: نذكرها بعده" ثم قال: ومثل كان: "دام" مسبوقا بما ... كلعط ما دمت مصيبا درهما أي: أن الفعل: دام" في العمل مثل "كان" في عملها بشرط أن يسبقه "ما المصدرية الظرفية"، ولم يذكر أنها "مصدرية ظرفية" لضيق الوزن الشعري، فاكتفى بمثال يحويها، وهو: أعط درهما ما دمت مصيبا، أي: مدة دوامك مصيبا الدرهم، أو مصيبا المحتاج. 2 في ص 546 و 547. 3 انظر رقم "2" من هامش ص 565.

"ب" قسم يتصرف تصرفاً شِبْه كامل؛ فله الماضى، والمضارع، والأمر، والمصدر، واسم الفاعل، دون اسم المفعول وباقى المشتقات؛ فإنها لم ترد فى استعمال الفصحاء؛ وهوسبعة: "كان - أصبح - أضحى - أمسى - بات - ظل - صار" فمن أمثلة "كان" للماضى: كان الوفاء شيمةَ الحر، وللمضارع: يكون الكلامُ عنوانَ صاحبه، وللأمر: كونوا أنصار الله. وللمصدر قول العرب: كوْنك شريفاً مع الفقر خير من كونك دنيئاً مع الغنى. وقول الشاعر: ببذلٍ وحلم سادَ فى قوْمهِ الفتى ... وكَوْنُكَ إيَّاهُ عليكَ يسيرُ ولاسم الفاعل: وما كلُّ من يبَدِى البشاشة كائناً ... أخاكَ إذَا لم تُلْفِه لكَ مُنْجدَا وهكذا. وبقية الأفعال السبعة مثل "كان" فى هذا لتصرف الشبيه بالكامل والذى يسمونه أحياناً: "الكامل نسبيًّا". "حـ" قسم يتصرف تصرفاً ناقصاً؛ وهوالأربعة المسبوقة بالنفى، أوشبهه "أى: زال - برح - فتئ - انفك" فهذه الأربعة ليس لها إلا الماضى، والمضارع، واسم الفاعل؛ مثل: لا زالت الأمطارُ موردَ الأنهار. ولا تزال الأنهارُ عمادَ الحياة. وليس النيل زائلاً1 عمادَ الزراعة فى بلادنا، ومن هذا قول الشاعر: قضي الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك، حتى يغمض العين مغمض2

_ 1 لو قلنا: ما زائل النيل عماد الزراعة في بلادنا فأين خبر المبتدأ الذي هو كلمة "زائل"؟ أيكون خبره الاسم والخبر معا أم أحدهم؟ الراجح - عند الصبان - أن خبره هو اسمه فقط، فتكون كلمة "النيل" اسم "زائل" وفي الوقت نفسه خبر له باعتباره مبتدأ ولا اعتراض بأن خبر المبتدأ لم يتمم الفائدة الأساسية، لأن عدم إتمامه الفائدة ناشيء من أمر عرضي هو نقصان المبتدأ. فهذا نوع من المبتدأ الناسخ، يستغنى عن خبر المبتدأ، اكتفاء باسم الناسخ مع بقاء خبر الناسخ على حالة من الضبط الذي يستحقه باعتباره خبر الناسخ. "راجع الصبان في هذا الباب عند بيت ابن مالك: "وغير ماض مثله قد عملا...." وقد أشرنا لهذه الصورة في رقم 2 من هامش ص 444 وفي 3 من هامش ص 562. 2 تقدم البيت في رقم 1 من هامش ص 165 لمناسبة هناك. وفيما سبق يقول ابن مالك: وغير ماض مثله قد عملا ... إن كان غير الماض منه استعملا أي: أن الفعل غير الماضي إن وجد واستعمل فإنه يعمل مثله، فغير الماضي يشمل المضارع والأمر وكذلك يشمل ما يوجد من المشتقات الأخرى. هذا، ولا يصح في كلمة: "مثل" النصب على أنها حال من فاعل: "عمل" إلا للضرورة، أو على رأي ضعيف، لما يترتب على هذا من تقديم معمول الفعل المسبوق بالحرف: "قد" وهو ممنوع في القول الأصح - كما سبق في رقم 1 هامش ص 52 نقلا عن الخضري -.

المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير الترتيب - فى هذا الباب - واجب بين الناسخ واسمه؛ فلا يجوز تقديم الاسم على عامله الناسخ1. أما الخبر فإن كان جملة خالية من ضمير يعود على اسم الناسخ، فالأحسن تأخيره عن الناسخ واسمه2؛ ذلك لأن تقدمه - فى هذه الصورة - على الناسخ أوتوسطه بين الناسخ واسمْه، غير معروف فى الكلام العربى الفصيح3. ويجب تأخيره عنهما إن كان جملة مشتملة على ضمير يعود على اسم الناسخ؛ كالضمير الذى فى الجملة الفعلية: "تُوسعه" من قول أعرابى ينصح صديقه: "دَعْ ما يسْبق إلى القلوب إنكارُه، وإن كان عندك - اعتذارُه4 فليس من حكى عنك نُكْراً5 تُوسِعُهُ فيك عُذرا6". مما تقدم يكون للجملة الواقعة خبرا للناسخ حكم واحد، هو: التأخير عنهما - إما وجوبا، وإما استحسانا. وأما الخبر الذى ليس جملة "وهوالمفرد وشبه الجملة" فله ست حالات7:

_ 1 كما أشرنا في ص 546. 2 قلنا: "الأحسن"، لأن الخلاف واسع في جواز التقديم، أو منعه، أو تقييده بحالات دون غيره- راجع "الهمع" جـ1 ص 118- ويقول "الهمع" في حالة التأخير الواجب وهي التي جعلناها مستحسنة ما نصه: "لا يجوز تقديمه فيها، ولا توسطه، سواء أكانت اسمية، نحو: كان على أبوه قائم أم فعلية رافعة ضمير الاسم، نحو: كان على يقوم، أم غير رافعة، نحو: كان على يمر محمود به. ومسند المنع في ذلك عدم سماعه." اهـ. لكن قد يكون الواجب التمثيل بنحو: "كان المريض يغيب الطبيب فيتألم من غيابه، أو: فيتألم الناس من غيابه، كي تكون جملة الخبر خالية من كل ضمير يعود على اسم الناسخ. 3 هذا كلامهم. وبالرغم من أنه غير معروف في الكلام المأثور، يجيز بعض النحاة تقديمه قياسا على خبر المبتدأ، لكن القياس هنا غير مستحسن بعد أن تبين لهم أن الكلام العربي لم يرد به تقدم هذا النوع من الخبر الجملة. 4 العذر لفعله. 5 أمرا مستقبحا. 6 تزيده ما يقنعه ويرضيه. والجملة الفعلية: "توسعه" في محل نصب خبر "ليس". 7 ولمعمولاته- إن وجدت- حالات أخرى سيجيء الكلام عليها في الزيادة، ص 576.

الأولى: وجوب التأخر عن الاسم1، وذلك: 1- حين يترتب على التقديم لبْس لا يمكن معه تمييز أحدهما من الآخر2 نحو: كان شريكى أخى - صار أستاذى رفيقى فى العمل - باتت أختى طبيبتى ... فلوتقدم الخبر لأوقع فى لبس لا يظهر معه الاسم من الخبر. والفرق بينهما كبير؛ لأن أحدهما محكوم عليه؛ وهو: الاسم، والآخر محكوم به، وهو: الخبر. 2- حين يكون الخبر واقعاً فيه الحصر؛ كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ نحو: ما كان التاريخ إلا هادياً. أو"بإنما"؛ مثل: إنما كان التاريخ هادياً؛ لأن المحصور فيه: "بإلا" يجب اتصاله بها متأخراً عنها، والمحصور فيه: "بإنما" يجب تأخيره. فلوتقدم المتأخر فى الصورتين تغير المقصود، وفات الغرض الهام من الحصر. الثانية: وجوب التقدم على الاسم فقط، "فيتوسط الخبر بينه وبين العامل الناسخ" وذلك حين يكون الاسم مضافاً إلى ضمير يعود على شيء متصل بالخبر3؛ مع وجود ما يمنع تقدم الاسم على الأداة؛ مثل يعجبنى أن يكون للعملِ أهلُه فلا يصح: "يعبجنى أن يكون للعمل أهلُه 4؛فلا يصح: "يعجبني أن يكون أهله للعمل"، لما فى هذا من عود الضمير على متأخر لفظاص ورتبة، وهوممنوع فى مثل هذا5....

_ 1 وهذا يقتضي التأخر عن الناسخ حتما، لما تقدم من وجوب تأخير اسم الناسخ عن عامله. 2 بأن يكونا معرفتين أو نكرتين معا.... على الوجه الذي تقدم في المبتدأ والخبر ص 492 و "ب" ص 499 م 37". 3 ليس من اللازم أن يكون الضمير "مضافا إليه"، وإنما اللازم أن يكون معمولا للاسم، أو مرتبطا به بصلة إعرابية قوية. 4 هذا المثال هو الذي يوضح الحالة الثانية توضيحا دقيقا، لوجود "أن" المصدرية فيه، لأن وجودها يمنع تقديم شيء عليها من جملتها التي تليها، كما تمنع تقديم شيء يفصل بينها وبين الفعل التي دخلت عليه لتنصبه، فلا يصح تقديم الخبر عليها، أو على الفعل الذي تنصبه، كما لا يصح تأخيره عن الاسم، لأن في الاسم ضميرا يعود على شيء متثل بالخبر، فتقديم الخبر ممنوع، وتأخيره ممنوع، فلم يبق إلا توسطه بين الاسم وعامله الناسخ. أما أمثلة النحاة من نحو: "كان غلام هند بعلها" فلا يوجب الاقتصار على توسط الخبر. "غلام" بين الاسم والعامل الناسخ، لجواز أن يتقدم الخبر على الناسخ في هذا المثال وأشباهه من غير ضعف. فأمثلتهم المشار إليها لا تصلح للتوسط الواجب وحده. 5 هناك حالة أخرى يجب فيها توسط الخبر بين الناسخ واسمه- وهي التي تقدمت في رقم 4 من هامش ص 410 وستجيء في جـ3 م 99 باب: إعمال المصدر- وملخصها: أنه لم يرد في الفصيح وقوع "أن المصدرية" بنوعيها: "المخففة من الثقيلة، والناصبة للمضارع" بعد "كان، وإن" الناسختين بغير فاصل من خبرهما، نحو: كان مطلوبا أن يخلص الصانع - وكان مفيدا أن الصانع متعلم.

الثالثة: وجوب التقدم على العامل الناسخ وذلك حين يكون الخبر اسماً واجب الصدارة؛ كأسماء الاستفهام و"كم" الخبرية ... نحو: أين كان الغائب؟ وقوالشاعر: وقد كان ذِكْرى2 للفِراق يُرُوعبُنى ... فكيف أكونُ اليوم؟ وهويقينُ ويشترط في هذه الحالة ألا يكون العامل الناسخ مسبوقا بشيء آخر له الصدارة، مثل: "ما" النافية.... لأن الخبر الذي له الصدارة لا يدخل على ماله الصدارة3، فلا يصح: أين ما كان الغائب؟ ولا: أين ما زال البستاني؟ وكذلك لا يصح أن يكون العامل الناسخ هو: "ليس" لأن خبرها لا يجوز أن يسبقها، في الرأي الأرجح4. الرابعة: وجوب التوسط بين العامل الناسخ واسمه، أوالتأخر عنهما معاً؛ وذلك حين يكون العامل مسبوقاً بأداة لها الصدارة، ولا يجوز أن يفصل بينها وبين العامل الناسخ فاصل. ومن أمثلته: الاستفهام "بهل" فى: هل أصبح المريض صحيحاً؟ فيجب تأخره كهذا المثال، أوتوسطه فنقول. هل أصبح صحيحاً المريض. الخامسة: وجوب التوسط بين الناسخ واسمه، أوالتقدم عليهما، وذلك: 1- حين يكون الاسم مضافاً لضمير5 يعود على شئ متصل بالخبر؛ فمثال

_ 1 وهذا يقتضي التقدم أيضا على الاسم. 2 تذكري. 3 لكيلا يجتمع شيئان لكل منهما الصدارة، فيقع بينهما التعارض، ولا يمكن تفضيل أحدهما على الآخر.. و "ما" النافية من الأدوات التي لها الصدارة - كما سيجيء في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية - فلا يجوز تقديم الخبر ولا غيره من جملتها عليها. وكذا كل ما له الصدارة، كالاستفهام، وأسماء الشرط، وغيرهما. هذا ما يقوله النحاة. ولكن السبب الحقيقي هو عدم استعمال العرب الفصحاء للأسلوب المشتمل على أداتين لهما الصدارة. "راجع رقم 3 من هامش الصفحة الآتية". 4 كما أشرنا في رقم 3 من ص 560 وفي رقمي 4 و 1 من هامش ص 574 و575 وإذا كانت للاستثناء مع النسخ لم يجز تقديم خبرها عليها بالاتفاق. ومثلها: "لا يكون" الناسخة الاستثنائية. 5 انظر رقم 1 من هامش الصفحة السابقة.

التوسط: أمسى "فى البستان" حارسه، وبات "مع الحارس" أخوه1. ومثال التقدم عليهما2: فى البستان أمسى حارسه، ومع الحارس بات أخوه. فقد توسط الخبر أوتقدم؛ لكيلا يعود الضمير الذى فى الاسم على شئ متأخر لفظاً ورتبة، وهولا يجوز هنا. 2- حين يكون الاسم واقعاً فيه الحصر كأن يكون مقروناً بإلا المسبوقة بالنفى؛ فمثال التوسط؛ ما كان حاضراً إلا على، ومثال التقدم على العامل ما حاضراً3 كان إلا على: لأن تقديم المحصور فيه يفسد الحصر. السادسة: جواز الأمور الثلاثة "التأخر، والتقدم على العامل، والتوسط بينه وبين الاسم" فى غير ما سبق؛ نحو: كان الخطيب مؤثراً. أوكان مؤثراً الخطيبُ، أومؤثراً كان الخطيب. ومثله: كان خلقُ المرء سلاحَه، ويجوز: كان سلاحَه خلقُ المرءِ4، كما يجوز: سلاحَه كان خلقُ المرء. فأحوال الخبر الستة تتلخص فيما يأتى إذا كان غير جملة: 1- وجوب تأخيره عن الناسخ واسمه معا.

_ 1 ليس في هذه الحالة ما يمنع من تقديم الخبر على الناسخ. ولهذا يصح توسطه وتقدمه. بخلاف الحالة الثانية التي يجب فيها تقدم الخبر على الاسم وحده، إذ لا بد فيها من وجود مانع يمنع تقدم الخبر على الناسخ. ويمنع تأخره عن الاسم، فيتعين توسط الخبر بين الناسخ واسمه. 2 بشرط ألا يكون قبل العامل شيء له الصدارة، فإن وجد شيء له الصدارة وجب تقديم الخبر على العامل وحده دون أن يتقدم على ما له الصدارة، إلا أن يكون هناك ما يمنع توسط الخبر بين العامل وماله الصدارة، كحالة الاستفهام بهل: في مثل: هل كان السفر طيبا. "راجع الحالة الرابعة السابقة". 3 إذا كان العامل مسبوقا "بما" النافية فإنه لا يجوز تقديم الخبر عليها وعلى العامل معا، لأن لها الصدارة. لكن يجوز تقديمه على العامل وحده دون "ما" أي: يجوز تقديم الخبر عليها وعلى العامل معا، لأن لها الصدارة. لكن يجوز تقديمه على العامل وحده دون "ما" أي: يجوز أن يتوسط بينهما كما سبق في رقم 3 من هامش الصفحة السالفة فإن كان النافي حرفا آخر، مثل: لم " أو "لا" أو "لن" أو غيرها إلا" إن النافية" فإنها مثل: ما النافية، جاز أن يتقدم عليه الخبر، نحو: مستريحا لم يصبح السهران منصورا لا يزال الحق مخلصا لن يكون الكذاب - انظر رقم 2 من هامش الصفحة الآتية - 4- والضمير هنا عائد على متأخر لفظا فقط. دون رتبة، لأنه عائد على: "خلق" الذي هو اسم: "كن" والاسم متقدم على الخبر في الرتبة.

2- وجوب تقديمه عليهما معا. 3- وجوب توسطه بينهما. 4- وجوب تقديمه على العامل الناسخ أوالتوسط بينه وبين الاسم. 5- وجوب توسطه، أوتأخره. 6- جواز تأخره، أوتقدمه، أوتوسطه. وتلك الأحوال والأحكام تنطبق على جميع أخبار النواسخ فى هذا الباب إلا الأفعال التى يشترط لإعمالها أن يسبقها نفى، أوشبهه، وإلا "دام" التى يشترط لإعمالها أن يسبقها "ما" المصدرية الظرفية، وإلا "ليس" كما سبقت الإشارة إليها1. فهذه ثلاثة أشياء لكل واحد منها صور ممنوعة، وإليك البيان. فأما الأفعال التى يشترط أن يسبقها نفى أوشبهه فتنطبق عليها الأحكام السابقة إلا حالة واحدة هى وجود النافى "ما"، فلا يجوز تقديم الخبر عليه؛ لأن "ما" النافية لها الصدارة كما سبق2؛ فلا يصح: متكلماً ما زال محمود، ولكن يصح تقدمه على العامل الناسخ وحده دون حرف النفى: "ما" فيصح: ما متكلماً زال محمود. كما يصح تقدمه على حروف النفى الأخرى؛ "مثل: لا، ولم، ولن ... " أما بقية الصور الأخرى من التقديم والتأخير فشأن هذه الأفعال التى لا تعمل إلا بسبق نفى أوشبهه، كشأن غيرها. وأما "دام" فتنطبق عليها الأحوال والأحكام السابقة إلا حالة واحدة لا تجوز؛ وهى تقدم الخبر عليها وعلى "ما" المصدرية الظرفية3، ففى مثل: "سأبقى فى

_ 1 في رقم 3 من ص 559. 2 في رقم 3 من هامش صفحتي 571 و 572 ومثلها: "إن" في أرجح الآراء. ومنع تقديم الخبر على أحد حرفي النفي: "ما" و "إن" عام، يشمل خبر الأفعال الناسخة التي لا بد أن يسبقها نفي أو شبهة، مثل: زال، كما يشمل خبر الأفعال الناسخة التي لا يشترط أن يسبقها ذلك مثل: "كان" المسبوقة بأحد حرفي النفي، بل إنه يشمل كل جملة أخرى مبدوءة بأحدهما، فلا يجوز تقديم شيء من هذه الجملة على أحدهما. 3 ملاحظة: قال الأشموني في هذا الموضع ما نصه: "دعوى الإجماع على منع هذه الصورة مسلمة" أهـ. فقال الصبان في سبب المنع ما نصه: "للزوم تقدم بعض الصلة على الموصول الحرفي، وهو ممنوع، ولزوم عمل ما بعد الحرف المصدري فيما قبله، وهو أيضا ممنوع أهـ. ومن كل ما سبق يتبين أن الموصول الحرفي لا يصح أن يسبقه مطلقا من صلته "أي من كل الجملة التي هي صلة له".

البيت ما دام المطر منهمراً" لا يصح أن يقال: "سأبقى فى البيت منهمراً ما دام المطر"؛ لأن "ما" المصدرية الظرفية كسائر الحروف المصدرية المختلفة1، لا يصح أن يتقدم عليها شئ من الجملة التى بعدها "وهى الجملة التى تقع صلة لها" لكن يجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها فيتوسط بينها وبين "ما" المذكورة2؛ ففى المثال السابق يصح أن نقول: سأبقَى فى البيت ما منهمراً دام المطر. وفى مثل؛ اقرأ فى الكتاب ما دامت النفس راغبة؛ لا يصح أن نقول: اقرأ فى الكتاب راغبةً ما دامت النفس، ويصح أن نقول، اقرأ فى الكتاب ما راغبةً دامت النفس ... وهكذا3. وأما "ليس" فتنطبق عليها جميع الأحوال والأحكام السابقة أيضاً4 إلا حالة

_ 1 طبقا لما مر في آخر هامش الصفحة السالفة، وأشرنا إليه في ص 378 وهامشها عند الكلام على الصلة. 2 تقدم: في ص 410 وفي رقم 4 من هامش ص 570 و.... أنه لا يجوز الفصل بالخبر- أو بغيره بين "أن المصدرية" والفعل الذي تنصبه، في حين يجوز الفصل به بين "ما المصدرية الظرفية" والفعل الذي دخلت عليه، "طبقا لما سلف في 378" مع أن كل واحد منهما حرف مصدري لا يجوز أن يسبقه شيء من الجملة التي يدخل عليها - وهي الجملة التي يسبك معها بمصدر. وبينهما فرق من جهة أخرى، فأن المصدرية تنصب المضارع، فلا يجوز الفصل بينهما مطلقا - بالخبر أو بغيره. محاكاة للوارد الفصيح من كلام العرب "وما المصدرية" لا تنصبه إن دخلت عليه، فيجوز الفصل بينهما بالخبر. 3 إلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله: وفي جميعها توسط الخبر ... أجز، وكل سبقه دام حظر كذاك سبق خبر: "ما" النافية ... فجيء بها ملتوة، لا تالية يريد: أن جميع النواسخ السابقة يجوز فيها توسط اخبر بين الناسخ واسمه. ولم يذكر شروط ذلك، ولا تفصيله، وقد تداركناه ثم قال: إن كل النحاة حظر "أي: منع" سبق خبر "دام" عليهما، ولم يبين أهذا المنع خاص بتقديمه عليها وحدها دون "ما" المصدرية الظرفية التي تسبقها، أم بتقديمه عليهما معا، وقد أسلفنا أن الممنوع هو تقديمه عليهما معا. أما توسطه بينهما فليس بمنوع ثم قال: كذلك مع كل النحاة سبق الخبر وتقدمه على "ما" النافية، لأن لها الصدارة في جملتها، فلا يسبقها شيء منها ويجب أن تكون متلوة أي: سابقة، يتلوها غيرها ويجيء بعدها ولا يصح أن تكون تالية غيرها ولا أن تجيء بعده. 4 بشرط ألا تكون للاستثناء، فإن كانت للاستثناء لم يجز تقديم خبرها اتفاقا. ومثلها "لا يكون " الناسخة الاستثنائية" - كما سبق في رقم 4 من هامش ص 571

واحدة وقع فيها الخلاف بين النحاة وهى الحالة التى يتقدم فيها الخبر عليها؛ ففريق منع، وفريق أجاز1 والاقتصار على المنع أوْلى. الآن وقد عرفنا حكم الخبر المفرد، وشبه الجملة، من ناحية التقدم، أو التوسط، أو التأخر.... بقي أن نعرف حكم معمولاته من هذه الناحية أيضا؟ وسيجيء البيان في الصفحة التالية.

_ 1 حجة الفريق الأول أنه لم يرد على ألسنة العرب التقديم، فلا يسوغ لنا مخالفتهم. وحجة الفريق الثاني أنه ورد تقديم معمول الخبر عليها في الكلام الفصيح، ومنه قوله تعالى عن عذاب الكفار: "ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم". فكلمة يوم" ظرف للخير: "مصروفا" فهذا الظرف المعمول للخبر قد تقدم على "ليس"، فتقدمه يشعر بجواز تقدم الخبر!! وهذا كلام غير مقبول بعد الاعتراف بأن الكلام العربي لم يرد به تقديم الخبر نفسه لا معموله. ويقول ابن مالك- في منع تقدم خبر "ليس"، وأن المنع هو المختار، وفي تعريف الفعل التام، "أي: الذي ليس بناسخ، طبقا للبيان السالف في رقم 3 من ص 545" وفي بيان الأفعال التامة: وضع سبق خبر "ليس" اصطفى ... وذو تمام ما برفع يكتفي وما سواه ناقص، والنقص في ... "فتيء "ليس" زال" دائما قفي اصطفى: اختير.... أي: أن المختار منع تقديم خبر "ليس" عليها. وأن الفعل "التام" هو: الذي يكتفي بمرفوعه الفاعل، أو: نائب الفاعل، "والناقص" هو: الذي لا يكتفي بمرفوعه، وإنما يحتاج إلى اسم وخبر وجميع أفعال هذا الباب تستعمل تامة وناقصة إلا ثلاثة "ليس، فتيء، زال"، فإن النقص فيها لازما قفي، أي: تبعها، ولازمها، ولا يتركها وقد سبق التفصيل. "هذا وكلمة: "ليس" الأولي مقصود لفظها، وهي مفعول به للمصدر: "سبق" وهذا المصدر مضاف لفاعله: خبر".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادَة وتفصيل: "ا" عرفنا مما تقدم حكم الخبر المفرد وشبه الجملة، من حيث تقدمه وحده على عامله الناسخ، أوتوسطه بينه وبين اسمه، أوتأخره عنهما، وبقى للموضوع بقية تتصل بتقديم معمول هذا النوع من الأخبار على عامل الخبر؛ وهى أن الخبر يمتنع تقديمه وحده على الناسخ إذا كان الخبر قد رفع اسماً ظاهراً؛ ففى مثل: "كان الرجل نبيلا مقصدُه" و"بات المغنى ساحراً صوته" لا يصح: "نبيلا كان الرجل مقصدُه" - ولا ساحراً بات المغنى صوته1؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر وحده دون معموله المرفوع - كما قلنا - فإن تقدم مع معموله المرفوع جاز2؛ فيصح: "نبيلا مقصدُه كان الرجل". "ساحراً صوته بات المغنى" فإن كان معمول الخبر منصوباً نحو: "أضحى الرجل راكباً الطيارةَ" جاز تقديم الخبر وحده على العامل الناسخ لكن مع قبح3. نحو: الطيارةَ أضحى الرجل راكباً. وإن كان المعمول ظرفاً أوجارًّا مع مجروره جاز تقديم الخبر وحده بغير قبح، ففي مثل؛ ظل الفتى عاملا يوماً، وأمسى قرير العين فى بيته - يقال: يوماً ظل الفتى عاملا، وفى بيته أمسى قرير العين. "ب" يتصل بمسألة تقديم معمول الخبر مسألة توسط هذا المعمول بين الناسخ واسمه، ففى مثل: كان القادم راكباً سيارة: وكان المسافر راكباً سفينة ... نعرب كلمة: "سيارة" وكلمة: "سفينة" - وأمثالهما - مفعولا به لخبر: "كان" فكل واحدة منهما معمولة لذلك الخبر، وليست معمولة للفعل "كان". فهل يجوز تقديم ذلك المعمول وحده على الاسم بحيث يتوسط بينه وبين كان؛ فنقول: كان سيارةً القادمُ راكباً؟ وكان سفينةً المسافرُ راكباً....؟ لا يجوز ذلك، بشرط ألا يكون المعمول "شبه جملة"، لأن

_ 1 لأن المأثور من الفصيح لم يقع فيه الفصل بين الوصف ومرفوعه بأجنبي عنهما. 2 مع ملاحظة - أن المعمول المرفوع هنا يعرب فاعلا أو نائب فاعل على حسب الجملة فلا يصح تقديمه مطلقا على عامله 3 لقلة شيوعة في الأساليب الفصيحة القديمة.

لأنه مخالف للنهج العام الذى تسير عليه الجملة العربية فى نظام تكوينها المأثور، وطريقة ترتيب كلماتها. وذلك النهج يقتضى ألا يقع بعد العامل - مباشرةً معمل لغيره جملة....1، ففي مثل: أقبل القطار يحمل الركاب، نعرب كلمة: "الركاب" مفعولا به للفعل: "يحمل" وهذا الفعل هو، عاملها؛ فهى وثيقة الصلة به، وليست أجنبية منه، فلا يصح أن نقدمها ونضعها بعد عامل آخر؛ هو: "أقبل" لأنها أجنبية عنه؛ فلوقلنا: أقبل الركابَ الواردفى تركيب الجملة؛ وهوالنسق الذى تدل عليه تلك القاعدة العامة التى أشرنا إليها، والتى ملخصها: "أنه لا يجوز أن يلى العامل - مباشرة - معمول لعامل آخر". أو: "لا يصح أن يلى العامل - مباشرة - معمولٌ أجنبي عنه". ولا فرق فى المعمول التقدم بين أن يكون معمولا الخبر "كان"، أولغيرها من النواسخ، وغير النواسخ، ولا بين أن يكون المعمول مفعولا أوغير مفعول ... إلا الظرف والجار مع مجروره، فإنه يجوز أن يلى عاملا آخر غيرَ عامله. والقاعدة - كما أسلفنا - لا تختص بعامل، ولا تقتصر على معمول، وهى مستمدة من الأساليب الكثيرة الفصيحة وعلى أساسها بنى الحكم السابق. هذا إذا تقدم المعمول وحده بدون الخبر كالأمثلة السابقة، أوتقدم ومعه الخبر، وكان المعمول هوالسابق على الخبر؛ ففى مثل: كان الطالبُ قارئاً الكتاب، لا يصح أن يقال: كان الكتابَ الطالبُ قارئاً. أما لوتقدما معاً وكان الخبر هوالسابق فالأحسن الأخذ بالرأى الذى يبيحه؛ لمسايرته الأساليب الفصيحة المأثورة2 فيصح أن نقول: كان قارئاً الكتابَ الطالبُ.

_ 1 الشرط ألا يكون المعمول شبه جملة. وبناء على هذه القاعدة العامة لا يصح في باب: "كان" وأخواتها أن يتوسط بين العامل "الناسخ" واسمه المرفوع - معمول لعامل آخر إذا كان المعمول ليس شبه جملة. وإنما قلنا: العامل ومرفوعه، إذ لا يمكن أن يتم التوسط الممنوع هنا إلى بين العامل ومرفوعه، لأنهم يشترطون أن يقع التوسط الممنوع بعد العامل مباشرة، وهذا لا يتأتي إلا إذا كان الفاصل الأجنبي بين الناسخ واسمه المرفوع. 2 وقد تستدعيه بعض الحالات البلاغية. كل ذلك مع مراعاة الأحوال والشروط العامة لتقديم خبر الناسخ، وقد أوضحناها في ص 569.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير أن هناك حالة واحدة يصح فيها تقديم معمول الخبر وحده، أومع الخبر، متقدماً عليه، أومتأخراً عنه؛ هى - كما سبق -: أن يكون المعمول شبه جملة "أى: ظرفاً، أو: جارا مع مجروره"، نحو: بات الطير نائماً على الأشجار؛ وأصبح الطَّلُّ متراكما فوق الغصون، فيصح أن يقال: بات على الأشجار الطيرُ نائماً - وأصبح فوق الغصون الطّلّ متراكما ... وهكذا1.... وقد وردت أمثلة قليلة مسموعة تقدم فيها معمول الخبر وحده، مع أنه ليس شبه جملة؛ فتناولها النحاة بالتأويل والتكلف لإدخالها تحت قاعدة عامة تصونها من مخالفة القاعدة السابقة. والأحسن إغفال ما قالوه، - إذ لا يرتاح العقل إليه2 - والحكم على تلك الأمثلة القليلة بالشذوذ؛ فلا يصح القياس عليها.

_ 1 وفيما سبق بقول ابن مالك: ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفا أتى، أو: حرف جر أي: أن معمول الخبر لا يتقدم وحده أو مع الخبر فيقع بعد العامل مباشرة، لأن هذا التقدمم ممنوع، إلا في حالة واحدة، هي: أن يكون المعمول ظرفا أو حرف جر مع مجروره لأن حرف الجر وحده لا أثر له في الجملة. 2 إذا رأوا في الكلام المسموع أسلوبا مثل: صار- الصحف- المتعلمة تقرأ، أعربوها بتقديرات مختلفة أشهرها ما يأتي: "صار" فعل ماضي. إسمه ضمير الشأن المستتر، وهو كالظاهر في الفصل. "الصحف" مفعول به للفعل "تقرأ". وبهذا الإعراب لا يكون المعمول عندهم قد وقع بعد العامل مباشرة، لوجود ضمير الشأن المستتر فاصلا بينهما، كما قلنا. "المتعلمة" مبتدأ مرفوع. "تقرأ". فعل وفاعل. وهذه الجملة الفعلية خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر الناسخ: "صار" وفي هذا تكلف ظاهر، وإضعاف لبناء الجملة وللمراد الحق من معناها بعد تقديرهم ضمير الشأن، وكان الواجب أن يقبلوا مثل هذا الأسلب، أو يرفضوه. أما التكلف والتأويل فلا يعرفه العرب على هذه الطريقة، ولا محل له اليوم. والأحسن أن نختار رفض ذلك الأسلوب، وفيما سبق يقول ابن مالك: ومضمر الشأن اسما أنو أن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع يريد: انو ضمير الشأن وقد ره بعد الناسخ مباشرة، إن وردت لك بعض أمثلة توهمك، وتخيل لك أنها التي استبان منعها، أي: ظهر منعها.

المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها "كان" ثلاثة أنواع: تامة، وناقصة، وقد عرفناهما - وزائدة، وقعت فى كثير من الأساليب المأثورة بلفظ الماضى، مع توسطها بين شيئين متلازمين1؛ كالمبتدأ والخبر فى مثل: القطار - كان - قادم. أوالفعل والفاعل فى مثل: لم يتكلم - كان - غيرُك، أوالموصول وصلته فى مثل: أقبل الذى - كان - عرفته، أوالصفة والموصوف فى مثل: قصدتُ لزيادة صديقٍ - كان - مريض، أوالمعطوف والمعطوف عليه فى مثل: الصديق مخلص فى الشَّدة - كان - والرخاءِ، أوحرف الجر ومجروره فى مثل: القلم على - كان - المكتبِ، أوبين "ما" التعجبية وفعل التعجب2 فى مثل: ما - كان - أطيبَ كلامَك، وما - كان - أكرمَ فعلكَ ... وقول الشاعر: ما كان أسعدَ مَن أجابك آخذًا ... بهداك، مجتنباً هَوًى وعِنادا وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع قليلا مع توطسه بين شيئين متلازمين فى مثل؛ أنت - تكون - رجلٌ نابهُ الشأن ... غير أن هذه القلة لم تدخل فى اعتبار النحاة؛ فقد اشترطوا للحكم بزيادة: "كان" شرطين؛ أن تكون يصيغة الماضة، وأن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، على الوجه السالف. لكن إذا وقت: "كان" زائدة، فما معنى زيادتها؟ وكيف نعربها؟ وأقياسيه تلك الزيادة، أم الأمر مقصور فيها على السماع؟ أما معنى زيادتها فأمران؛ أولهما؛ أنها غير عاملة، فلا تحتاج إلى معمول من فاعل، أومفعول أواسم وخبر، أوغيرهما؛ إذ ليس لها عمل3؛ ليست معمولة لغيرها. وهذا شأن لك فعل زائد.- ولا يتأثر صوغ الأسلوب بحذفها.

_ 1 أي: لا يوجد أحدهما بدون الآخر - ولو تقديرا- إذ لا يمكن أن يستقل بنفسه واحد منهما. وتوسطها بينهما يقتضي أنها لا تقع في أول الجملة أو آخرها، فلا بد أن تكون حشوا بين متلازمين. 2 سيجيء في: "باب التعجب" إشارة لزيادتها - جـ3 رقم 3 من هامش ص 328 - م 108 - 3 يرى بعض النحاة أنها ليست بزائدة، وإنما هي ملغاة فقط - انظر آخر هامش ص 66 - حيث البيان - ولا أثر لهذا الخلاف اللفظي في التسمية، إذ لا يترتب عليه شيء في المعنى والصياغة.

وثانيهما: أن الكلام يستغنى عنها، فلا ينقص معناه بحذفها. لا يخفى المراد منه، وكل فائدتها أنها تمنح المعنى الموجود قوة، وتوكيداً؛ فليس من شأنها أن تُحدِث معنى جديداً، ولا أن تزيد فى المعنى الموجود شيئاً إلا التقوية. فحين نقول: الوالد عطوف، فإننا نريد من هذه الجملة نسبة العطف والحنان إلى الوالد، وإلصاقهما بذاته: فلوقلنا؛ والله الوالدُ عطوف. أو، إن الولد عطوف ... لم يزد المعنى شيئاً، ولم ينقص؛ ولكنه استفاد قوة وتمكناً؛ بسبب القسَم، أو: "إنّ" وأشباههما. ومثل هذا يحصل من زيادة "كان" حين نقول: الوالد - كانض - عطوفٌ. وفرق كبير بين كلمة تنشئ معنى جديداً، أوتزيد فى المعنى القائم، وكلمة أخرى لا تنشئ معنى جديداً ولا تزيد فى المعنى الموجود، ولكنها تقتصر على تأكيده وتقويته. لهذا تجردت كلمة: "كان" عند زيادتها من الحدث الذى يكون فى الفعل؛ فلا تحتاج إلى فاعل، ولا إلى اسم، وخبر، ولا لشئ آخر مطلقاً؛ لأن الذى يحتاج لذلك إنما هوالفعل الذى له حَدَث، ومنه: "كان" التامة أوالناقصة. أما الزائدة فمخالفة لهما فى ذلك؛ فهي مقصورة على نفسها حين تكون بصيغة الماضى. والراجح أنها تدل على الزمن الماضى إذا كانت بصيغته. ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ فى مثل: ما - كان - أحسنَ صنيعك، وما - كان - أرَقّ حديثَك؛ فإنها فى هذه الصورة تدل على الزمن الماضى1، إذ المراد أن الحسن والرقة كانا فيما مضى2 ولا تدل على غيره، ولا تحتاج لفاعل، ولا لشئ آخر، كما لا يحتاج عامل ليؤثر فيها.

_ 1 والسبب هو أن التعجب لا يكون لا بصيغة الماضي، ومع أنه بصيغة الماضي لا يدل - في الأرجح - على زمن المضي- ولا غيره، لأنه صار مع التعجب إنشاء لمجرد التعجب، مسلوب الدلالة على الماضي، ولا أثر للزمن فيه. فلما دخلت عليه: "كان" بقيت محتفظة بدلالتها الزمنية الأولى، وصار فعل التعجب معها واقعا في الماضي دالا عليه، وإن سلب بغيرها الماضي. "راجع ما يختص بهذا في باب "التعجب" جـ3 م 108 رقم 3 من هامش ص 328". 2 راجع شرح المفصل جـ 7 ص 105 وقد سبق - في آخر هامش ص 67 - أن نقلنا كلامه الخاص بزيادة "كان".

أما قياسية استعمالها أوالاقتصار فيها على السماع فالأنسب الأخذ بالرأى القائل بقياسيتها فى التعجب وحده، دون غيره من باقى الحالات؛ منعاً للخلط، وفِراراً من سوء الاستعمال1، وهذان عيبان يتوقاهما الحريص على لغته، الخبير بأسرارها. وقد وردت زيادة بعض أخواتها، كأصبح، وأمسى، فى قولهم: الدنيا ما أصبحَ2 أبْرَدَها، وما أمسى - أدْفأها. يريدون: ما أبردها وما أدفاها ... والأمر فى هذا وأشباهه مقصور على السماع لا محالة. "ملاحظة عامة": الأصل في الكلمة - مهما اختلفت أنواعها، وتباينت صيغها أن تكون عاملة، أو معمولة، أو هما معا، وهذا الأصل واجب المراعاة - دائما - عند عدم المانع، والأخذ به مقدم" حين الفصل في أمر الكلمة من ناحية أصالتها، أو زيادتها. فليس من المستحسن الحكم عليها بالزيادة إذا أمكن الحكم لها بالأصالة3.

_ 1 وقد أشار ابن مالك إلى زيادتها حيث قال مختصرا: وقد تزاد "كان" في حشو، كما ... كان أصح علم من تقدما يريد بالحشو. التوسط بين شيئين متلازمين. على الوجه الذي شرحناه في ص 579. 2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 5 من هامش ص 554، وفي رقم 2 من هامش 555. 3 انظر ص 47 و 70 وما يتصل باستحداث المعنى.... في "أ" من ص 489.

المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها؟

المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها؟ ليس بين النواسخ السالفة1 "كان" وأخواتها ما يجوز حذفه وحده، أومع أحد معموليه، أومعموليه معاً - إلا: "ليس" "وكان". فأما "ليس" فيجوز حذف خبرها على الوجه الذى شرحناه عند الكلام عليها2. وأما "كان" فقد اختصت - وحدها - من بين أخواتها بأنها تعمل وهى مذكورة أحياناً، أومحذوفة أحياناً أخرى. والأصل أن تذكر مع معموليها ليقوم كل واحد من الثلاثة بنصيبه فى تكوين الجملة وتأدية المعنى المراد. لكن قد يطرأ على هذا الأصل ما يقتضى العدول عنه، لأسباب بلاغية تدعوإلى حذف واحد أوأكثر. وصور الحذف أربعة؛ حذف "كان" وحدها، أوحذفها مع اسمها فقط، أوحذفها مع خبرها فقط، أوحذفها مع معموليها. وهذه الصور الأربع شائعة فى الكلام الفصيح شيوعاً متفاوتاً يبيح لنا محاكاته، والقياس عليه. "ومن تلك الصور صورتان تحذف: "كان" فيهما وجوباً، لوجود عِوَض عنها؛ كما سنعلم....". وبقى حذف خبرها وحده أواسمها وحده، وكلاهما وهذا ممنوع فى الرأى الأصح عند جمهرة النحاة. 1- فأما حذفها وحدها دون معموليها أوأحدهما فبعد "أنْ" المصدرية فى كل موضع أريد فيه تعليل شئ بشئ؛ مثل: "أمَّا أنت غنيًّا فتَصَدَّقْ"؛

_ 1 ما يأتي خاص بالأفعال الناسخة التي سبقت، فلا يشمل أفعال المقاربة وأخواتها، مع أنها من أخوات "كان" وسيجيء الكلام عليها في باب مستقل - ص 614 - لكن بين النوعين اختلاف في أمور وضحناها في "ب" ص 618. 2 ص 559

فأصل هذه الجملة فيما يتخيلون لتوضيحها1، تَصَدَّقْ؛ لأنْ2 كنتَ غنيًّا. ثم حذفت اللام الجارة، تخفيفاً؛ لأن هذا جائز وقياسى قبل "أنْ"3؛ فصارت الجملة: تَصدقْ أنْ كنتَ غنيًّا. ثم تقدمت "أنْ" وما دخلت عليه "أى: تقدمت العلة على المعلول" فصارت الجملة: "أنْ كنتَ غنيًّا تصدَّقْ". ثم حذفت: "كان" وأتينا بكلمة: "ما" عوضاً عنها، وأدغمناها فى "أنْ"؛ فصارت: "أمَّا". والحذف هنا واجب، لوجود العِوَض عن "كان". وبقى اسم "كان" بعد حذفها؛ وهو: تاء المخاطب. ولما كانت التاء ضميراً للرفع متصلا؛ لا يمكن أن يستقل بنفسه - أتينا بدله بضمير منفصل، للرفع، يقوم مقامه، ويؤدى معناه؛ وهو: "أنت" فصارت الجملة: أما أنت غنيًّا فتصَدقْ. ثم زيدت: "الفاء" فى المعلول4؛ فصارت الجملة: أما أنت غنيا فتصَدقْ. ومثلها: أما أنت قويًّا فاعملْ بجدّ. وأما أنت شابًّا فحافظ على شبابك بالحكمة5 ... ويجب عند محاكاة هذا الأسلوب - اتباع طريقته فى تركيب الجملة، وترتيبها، ولا سيما مراعاة الخطاب6.

_ 1 إنما كان ذلك - وهو حسن هنا - من تخيل النحاة بقصد الإيضاح، والتقريب، وتيسير المحاكاة، لأن العرب الأوائل حين تكلموا بمثل هذا الأسلوب لم يدر بخلدهم شيء من هذا الحذف، والتقدير، والتعليل، إنما نطقوا سليقة وطبعا، بغير اعتماد على تحويل وتأويل، أو مراعاة القواعد المنطق، وغيره، مما لم يعرفوه في عصورهم السابقة على وضع القواعد النحوية. 2 فاللام هنا لبيان العلة والسبب، فما بعدها وسبب لما قبلها. فكأن السبب في أمرك الشخص بالصدقة هو: غناه. 3 يجوز حذف حرف الجر قياسا مطردا قبل: "أن وأن" عند أمن اللبس.... - وتفصيل الكلام على هذا الحذف في موضعه المناسب وهو باب: "تعدي الفعل ولزومه "جـ2 م 71 ص 155". 4 تشبيها له بجواب الشرط في ترتبه على ما قبله. 5 من هذه الأمثلة وما سبقها من الشرح والتحليل يتضح أن شروط حذف "كان" وجوبا في هذه الحالة ستة شروط مجتمعة: أن تقع صلة لأن المصدرية، وأن تسبق "أن" المصدرية بحرف الجر الذي يفيد التعليل "كاللام"، وأن يحذف حرف الجر، وأن تتقدم العلة على المعلول مع اقترانه بالفاء، وأن تجيء "ما" عوضا عن "كان" المحذوفة، ثم تدغم في أن.... ثم تجيء بضمير منفصل للمخاطب يحل محل الضمير المتصل. ويكون بمعناه، ويغني عنه. 6 بالرغم من قياسية هذ الأسلوب وإيضاح مرماه بعد ذلك الشرح، يحسن اجتنابه في عصرنا الذي لا يستسيغه، لغرابته، وتعقيده.

2- وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وكثير بعد "إنْ" ولوْ" الشرطتين، فمثاله بعد "إنْ": المرء محاسَب على عمله؛ إنْ خيراً يكن الجزاءُ خيرًّا، وإن شرًّا1؛ فالأصل: المرء محاسب على عمله؛ إن كان العمل خيراً يكنْ الجزاء خيراً، وإن كان العمل شرًّا؛ فقد حذفت "كان" مع اسمها. ومثال حذفهما "لو" الشرطية: تعود الرياضةَ ولوساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاقَ ولوبرهةً قصيرة. فالأصل: تعود الرياضة ولوكانت الرياضةُ ساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاق، ولوكان الإربهاق برهةً قصيرة ... فحذفت "كان" مع اسمها وبقى الخبر2. ومن هذا قول الشاعر: لا يأمن الدهر، ذو بغي، ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل أي: ولو كان ذو البغي ملكا ... 3- وأما حذفها مع خبرها دون اسمها فجائز - مع قلته، بالنسبة للحالة السالفة - بعد: "إنْ" و"لو" الشرطيتين أيضاً؛ فمثاله بعد "إنْ"3: المرءُ محاسَبٌ على عمله؛ إنْ خيرٌ فخيرٌ4 وإن شرٌّ فشرٌّ. الأصل: المرء محاسب على

_ 1 لا فرق في الحذف بين "إن" التي تدل على: "التنويع" "أي: تعدد الأنواع بعدها" كما في المثال. والتي لا تدل على تنويع، مثل قولك للعباس: تبسم، وإن حزينا، أي: وإن كنت حزينا. ولكن الحذف بعد "التنويعية" أشهر وأوضح. ويحسن الاقتصار عليه لذلك، مع أن الثاني صحيح أيضا. 2 "كان" فيهما بلفظ الماضي. ويصح أن تكون فيهما أو في أحدهما بلفظ المضارع، على تقدير: إن يكن العمل خيرا يكن الجزء خيرا، وإن يكن للعمل شرا يكن الجزء شرا، وهكذا في كل مثال، علما بأن الماضي إذا وقع فعل شرط جازم، أو جوابه،.... فإنه يتخلص للزمن المستقبل، فظاهره أنه ماض لكن زمنه مستقبل - كما عرفنا في ص 54 -. 3 وهذه تخالف "إن" التفصيلية التي يجيء الكلام عليها في جـ3 ص 660 م 125. 4 في مثل هذا التركيب يصح في الاسمين بعد "إن" أربعة أشياء، رفعهما معا، نحو: إن خير فخير، أي: إن كان في عمله خير فجزاؤه خير. ويصح نصبهما معا، نحو: إن خيرا فخيرا، على تقدير: إن كان عمله خيرا فهو يلاقي خيرا. ويصح نصب الأول ورفع الثاني، نحو: إن خيرا فخير، أي إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. ويصح رفع الأول ونصب الثاني، نحو: إن خيرا فخيرا، أي: إن كان في عمله خيرا فالجزاء يكون خير.... وهذا الوجه أضعف الأربعة لكثرة الحذف فيه، ولكنه قياسي كالثلاثة الأخرى. ومن الممكن التخفيف والتيسير والاختصار بمعرفة الأوجه الأربعة دون احتمال العناء في الإعراب التفصيلي لكل حالة، فيكفي أن يقال إن الاسمين يجوز رفعهما معا، أو نصبهما معا، أو رفع الأول ونصب الثاني، أو العكس، إذ الغرض من الإعراب التفصيلي هو الوصول إلى سلامة النطق، وصحة الضبط المؤدي إلى صحة المعنى المراد. وهذا يتحقق بمعرفة القاعدة الإجمالية التي ذكرناها، والاقتصار عليها.

عمله؛ إن كان فى عمله خيرٌ فجزاؤه خير، وإن كان فى عمله شرٌّ فجزاؤه شر ... ومثاله بعد "لو": أطعم المسكينَ ولورغيفٌ. أى: ولوكان فى بيتكم رغيف، أو: ولويكون عندكم رغيف. 4- وأما حذفها مع معموليها فواجب بعد "إن الشرطية" أيضاً، ولكن فى أسلوب معين، مثل: "اذهب إلى الريف صَيفاً، إمَّا لاَ". والأصل: "اذهب إلى الريف صيفاً إن كنت لا تذهب إلى غيره". حُذِفت "كان" وهى فعل الشرط، مع اسمها، ومع خبرها، دون حرف النفى الذى قبله، وأتينا بكلمة: "ما" عِوَضاً عن "كان" وحدها1؛ وبسبب العِوَض كان حذفها واجباً؛ فلا تجتمع مع كلمة: "ما". وأدغمت فيها النون من "إنْ" الشرطية؛ فصار الكلام: "إمَّا2 لا". وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، وتقديره: "فافعل هذا". ومثل ما سبق أن تقول لآخر: "ساعد المحتاج ببعض المال"؛ فيجيب: "ليس عندى ما يزيد على حاجتى". فتقول: "ساعده بالمعاملة الكريمة إما لا". فأصل الكلام: ساعده بالمعاملة الكريمة إن كنت لا تملك غيرها ... وجرى على الجملة من الحذف والتقدير ما جرى على سابقتها، مما يفترضونه للتيسير والإيضاح كما بيناه ...

_ 1 أما اسمها وخبرها فقد حذفا بغير تعويض. 2 يرى بعض النحاة أن الأصل في هذه الجملة وأشباهها لا يشتمل على: "كان" ولا معمولها، وإنما أصل التركيب: أفعل هذا إما لا تفعل غيره ... فلفظ "إما" مركب من "إن الشرطية" المدغمة في "ما" الزائدة للتأكيد، و" لا" نافية لفعل الشرط. ثم حذف فعل الشرط وفاعله وحذف الجواب أيضا لدلالة ما قبله عليه، وصارت الجملة أفعل هذا إما لا.... هذا إن كانت الهمزة مكسورة، أما إن كانت مفتوحة فأصل الكلام: اذهب إلى الريف لأن كنت لا تذهب إلى غير الريف، ثم جري التأويل الذي أشرنا إليه في القسم الأول "رقم "أ" من الحذف الواجب". سواء أكانت التقدير هذا أم ذاك أم غيرهما، وسواء أكانت الهمزة مكسورة أم مفتوحة.... فالذي يجب الالتفات إليه أن هذه التأويلات والتقديرات - على تعقيدها - لا أهمية لها، وإنما المهم هو معرفة الأسلوب من ناحية صياغته، وطريقة تركيبه، ودقة استعماله في مثل موضعه الذي استعمله العرب فيه، بحيث لا نخطيء في صياغته، ولا طريقة استعماله، ولا فهم المراد منه، وهذا أمر يسير لا نحتاج معه إلى شيء من الكد العقلي المؤدي إلى فهم تلك الأوجه الإعرابية، المختلفة.

وحذف "كان" هنا واجب كما سلف؛ لوجود عِوَض عنها؛ فهوالموضع الثانى من موضعَى الحذف الواجب بسبب العوض، ولا يصح الجمع بين العوَض، والمعَوَّض عنه - والموضع الأول بعد "أن" المصدرية السابقة - أما فى غيرهما فالحذف جائز. ومن الأمثلة الشائعة لحذف كان مع معموليها - بعد "إنْ" من غير تعويض؛ قولك لآخر: أتسافر وإن كان البرد شديداً؟ فيجيب: نعم، وإنْ ... أى: أسافر وإن كان البرد شديداً. ومثله: أتعطى السائل وإن كان أجنبيًّا1؟ ومثل هذا الحذف جائز عند عدم اللبس، ووجود قرينة تدل على المحذوف. ومما سبق نعلم: أنّ "كان" تحذف جوازاً فى حالتين، ووجوباً فى حالتين أخْرَيَيْنِ، تجئ "ما" عوضاً عنها فى كل منهما، ولا يجوز إرجاع "كان" مع وجود العوَض عنها فى حالتى حذفها وجوباً. أما فى الحالتين الجائزتين فحذفها وإرجاعها سواء.

_ 1 وقد أشار ابن مالك إلى بعض مواضع الحذف باختصار، قائلا: ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد: "إن" و "لو" كثيرا، ذا اشتهر أي: إنهم يحذفون "كان" مع اسمها، ويبقون الخبر، وهذا الحذف قد اشتهر بعد "إن" و "لو" الشرطيتين على الوجه الذي فصلناه. ثم أشار إلى موضع آخر بقوله: وبعد أن تعويض: "ما" عنها ارتكب ... كمثل: أما أنت برا فاقترب - يريد: قد ارتكب "أي: حصل" تعويض: "ما" عن: "كان" المحذوفة الواقعة بعد: "أن المصدرية. وضرب لها مثلا هو: "أما أنت برا فاقترب" أصله: اقترب لأن كنت برا. أي: صاحب خير ومعروف، ثم جرى الحذف، والتعويض، والتقديم، والتأخير، والزيادة، كما شرحنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" ورد فى الكلام القديم حذف كان مع اسمها بعد: "لَدُن": كأن يسألك سائل: متى كان الاجتماع؟ فتجيب: يومَ الخميس من لَدُن عصراً إلى المغرب. أى؛ من زمن كان الوقتُ عصراً إلى المغرب ... وهذا حذف لا يقاس عليه. وإنما عرضناه هنا لِيُفْهَم حين يرد فى كلام القدماء. "ب" قد وردت كان وحدها محذوفة فى كلام قديم مع بقاء اسمها وخبرها ومنه: أزمانَ "قومى" والجماعةَ كالذى ... لَزم الرَّحالةَ أنْ تميل مَمِيلاً أى: أزمان كان قومى مع الجماعة1. فكلمة: "قوم" اسم "كان" المحذوفة و"الجماعة" مفعول معه، و"كالذى" خبرها. والسبب فى تقدير "كان" أن المفعول معه لا يقع - فى الأكثر - إلا بعد جملة مشتملة على لفظ الفعل وحروفه، أوعلى معناه دون حروفه.

_ 1 قالوا: إن مراد الشاعر هو وصف ما كان من استواء الأمور واستقامتها قبل الخليفة عثمان- رضي الله عنه- فشبه حال قومه في تماسكم وتلازمهم، وعدم تنافرهم- بحال راكب لزم الرحالة "وهي: سرج من جلد لا يخالطه خشب" خوف أن يميل مميلا، أي: ميلا.

المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع: "كان"

المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان" إذا دخل جازم على الفعل المضارع من: "كان" فإنه: يجزمه، وتُحذَف الواوالتى قبل النون1. نحو: لَمْ أكنْ من أعوان الشر، ولم تكُنْ من أنصاره، وكقول علىّ: لا تكُنْ عبد غيرك، وقد جعلك الله حرًّا. وأصل الفعل بعد الجازم: لَمْ أكونْ - لم تكونْ - لا تكونْ فهومجزوم بالسكون على النون؛ فالتقى ساكنان؛ الواووالنون؛ فحذفت الواو- وجوباً - للتخلص من التقائهما؛ فصار الفعل؛ لم أكُنْ - لم تكْنْ - لا تَكُنْ ... ومثل هذا يقال فى الفعل: "يكنْ" من قول القائل: إذا لم يكُنْ فيكُنّ ظلٌّ ولا جنًى ... فأبْعدَ كُنًّ اللهُ من شجراتٍ ويجوز بعد ذلك حذف النون: تخفيفاً؛ فنقول: لم أكُ - لم تَكُ، وكقول الشاعر: فإنْ أكُ مظلوماً فعَبْدٌ ظلمتَهُ ... وإنْ تكُ ذا عُتْبَى فمِثْلُكَ يُعتِبُ2 وهذا الحذف جائز كما قلنا؛ سواء أوقع بعدها حرف هجائى ساكن3؛ نحو: لم أكُ الذى ينكر المعروف، ولم تكُ الصاحبَ الجاحدَ - أم وقع بعدها حرف هجائى متحرك، نحو: لم أك ذا مَنّ، ولم تكُ مصاباً به. إلاّ إن كان الحرف المتحرك ضميراً متصلا فيمتنع حذف النون؛ نحو: الشبَحُ المقبل علينا يُوحى بأنه صديقى الغائب؛ فإن يَكُنْهُ فسوف نسعد بلقائه، وإن لم يَكنْهُ فسوف نأسف. أى: إن يكن إياه ... وإن لم يكن إياه4.

_ 1 وهي الواو التي أصلها عين الكلمة، وتنقلب "ألفا" في الماضي. 2 البيت من قصيدة الشاعر الجاهلي: النابغة الذبياني،" يمدح بها النعمان بن المنذر، ويعتذر له عن وشاية بلغته. "العتبي: الرضا. يعتب: يزيل أسباب العتاب بالرضا، وقبول العذر". 3 عند من يبيح ذلك، كابن مالك، ومن معه. ورأيه أنسب. 4 ملخص شروط حذف النون سنة: كونها في مضارع، مجزوم، وجزمه بالسكون عند اتصاله في النطق بما بعده "أي: في حالة الوصل، لا الوقف، لأن النون في حالة الوقف ترجع وتظهر". وليس بعده ساكن عند من يشترط هذا، كسيبويه. وغيره لا يشترط هذا - ولا ضمير متصل.

وتسرى الأحكام السالفة على المضارع الذى ماضيه "كان" الناقصة، كالأمثلة التى سبقت، والذى ماضيه "كان" التامة2؛ نحو: صفا الجو، واعتدل، فلم تكن سحب، ولم يكن برد ... بإثبات النون أوحذفها. أى: لم توجد سحب ولم يوجد برد 2 ... و ... وبهذه المناسبة نشير إلى أمرين: أولهما: ما تقتضيه القواعد اللغوية من حذف "الألف" من عين الفعل: "كان"، ومن حذف "الواو" من عين مضارعه وأمره، بشرط أن تكون الأفعال الثلاثة ساكنة الآخر؛ كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} . وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وقوله تعالى {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} . وقول الشاعر: إِذا كنتَ ذا رأىٍ فكنْ ذا عزيمةٍ ... فإِنَّ فسَادَ الرأى أَنْ تَتَرَدَّدَا ثانيهما: وجوب ضم الكاف من الماضى عند إسناده لضمير رفع متحرك3، كما فى بعض الأمثل السالفة، وتطبيقاً للبيان الذى سبق من قبل4.

_ 1 ومعناها: حدث، أو: وجد.... - وقد سبق تفصيل الكلام عليهما في ص 549 2 وفي هذا يقول ابن مالك: ومن مضارع لكان منجزم ... تحذف نون، وهو حذف ما التزم يريد: أن المضارع من: "كان" مطلقا "سواء أكانت تامة. أم ناقصة" عند جزمه تحذف منه النون، حذفا غير ملتزم، أي: لم تلتزمه العرب ولم تتمسك به باطراد، وإنما فعلته حينا وتركته حينا. ونحن نتابعها فيما فعلت، فنبيح الأمرين. 3 كالتاء، ونون النسوة. 4 في رقم 2 من هامش ص 165.

المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب وحكم زيادة "باء الجر" فيها، وفي الأسماء: إذا دخلت أداة نفى على فعل من أفعال هذا الباب "غير "ليس"، و"زال" وأخواتها الثلاثة" فإن النفى يقع على الخبر؛ فتزول نسبته الراجعة إلى الاسم؛ ففى مثل: ما كان السارق خائفاً - وقع النفى على الخوف، وسُلبتْ نسبته الراجعة إلى السارق1؛ فإذا أردنا إثبات هذا الخبر، وجعل نسبته موجبَة مع وجود أداة النفى - أتينا قبله بكلمة: "إلاّ" فنقول: ما كان السارق إلا خائفاً؛ لأنها تنقض معنى النفى2، وتزيل أثره عن الخبر متى اقترنت به. وفى مثل قول الشاعر: لم يك معروفك برْقاً خُلَّبًا3 ... إن خير البرقِ ما الغيثُ مَعَهْ وقع نَفْى خَلاَبة البرق على المعروف. فإذا أريد إثباتها قيل: لم يك معروفك إلا برقاً خُلَّبًا. كل هذا بشرط ألا يكون الخبر من الكلمات التى ينحصر استعمالها فى الكلام المنفى وحده، مثل: يَعِيج4؛ فإن كان منها لم يجز اقترانه بكلمة: "إلا"؛ ففى مثل: ما كان المريض يَعِيج بالدواء، لا يقال: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء. وفى: ما كان مثلُك أحدا5، لا يقال: ما كان مثلُك إلا أحداً.

_ 1 والمراد: ما حصل خوف السارق، وإذا كان النفي داخلا على "كان" الناسخة، أو على مضارعها وبعدهما لام الجحود، تغير الحكم السالف، وصار للجملة كلها معنى وحكم يختلفان عما نحن بصدده هنا - طبقا للبيان الخاص بلام الجحود وسيجيء تفصيله في النواصب جـ4 م 149 - 2 لسبب بلاغي، كالحصر مثلا. 3 البرق الخلب: الذي لا مطر بعده. وهذا لا خير فيه للبلاد التي ترتوي بالمطر. 4 بمعنى: ينتفع، نحو: ما يعيج فلان بالدواء، أي: ما ينتفع به. لا التي بمعنى: أقام: أو وقف، أو رجع، أو غيرها مما لا يلازمه النفي. ومثل: "يعيج" كلمتا "أحد" وديار" وكذا، عريب.... فهذه كلها لا تستعمل إلا في كلام منفي، نحو: ما في البيت أحد، أو: ما فيه ديار، أو: ما فيه عريب. والثلاثة بمعنى واحد. 5 بشرط أن تكون الهمزة أصلية.... وهذا غالب في غير كلمة "أحد" بمعنى "واحد" التي يصح استعمالها في الإثبات والنفي. "راجع رقم 1 من هامش ص 210 حيث الإيضاح لكلمة: أحد".

فإن كان الفعل الناسخ هو: "ليس" "وهى معدودة من أدوات النفى1" فالحكم لا يتغير "من ناحية أن المنفى بها هوالخبر، وأنه إذا قصد إيجابه وبقاء نسبته إلى الاسم وضعنا قبله: "إلا"، وأنه إذا كان من الألفاظ التى لا تستعمل إلا فى كلام منفى لم يجز اقترانه بإلا". ومن الأمثلة: ليس الخطيب عاجزاً؛ فقد انصب النفى على "العجز" وزالت نسبته الراجعة إلى الخطيب. فإذا أردنا إبطال النفى عن الخبر، ومنع أثره فى معناه - أتينا قبله بكلمة: "إلا" فقلنا: ليس الخطيب إلا عاجزاً، لأنها تنقض النفى، وتوقف أثره؛ فيصير المراد معها هوالحكم على الخطيب بالعجز، وهوحكم يناقض السابق. أما فى مثل: ليس المريض يَعيج بالدواء، فلا يصح اقتران الخبر بإلا؛ فلا يقال: ليس المريض إلا يَعيج بالجواء. فشأن "ليس" كشأن "كان" المسبوقة بالنفى؛ حيث لا يصح أن يقال فيها: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء؛ كما سبق. فإن كان الفعل الناسخ هو: "زال" أوإحدى أخواتها الثلاث، "وكلها لا بد أن يسبقه2 نفى، أوشبهه" - فخبرها مثبت غير منفى؛ لأن كل واحدة منها تفيد النفي وقبلها نفى، ونفى النفى إثبات؛ فمثل: ما زال المال قوة، فيه إثبات لاستمرار القوة للمال، وحكم موجَب بنسبتها إليه، يمتد من الماضى إلى وقت الكلام؛ فالنفى: فى كلمة: "زال" وأخواتها مسلوب ومنقوض بالنفى الذى قبلها مباشرة. والمعنى فى جملتها موجَب، وخبرها مثبت، كما قلنا - فلا يقترن بكلمة "إلا"؛ فلا يصح ما زال المال إلا قوة؛ فشأنه شأن خبر: "كان" الخالية من نفى قبلها؛ فكلا الخبرين موجَب "مثبت". وإذا كان خبر الناسخ منفيًّا إما "بليس" غير الاستثنائية، وإما "بما"3 على الوجه السالف4 جاز أن يدخل عليه حرف الجر الزائد: "الباء" نحو: ليس الحِلْم ببلادة5، وما كان الحليم ببليد يحتمل المهانة"، أى: ليس

_ 1 تفصيل الكلام عليها في ص 559. 2 انظر رقم 2 من هامش ص 563. 3 العاملة "الحجازية" باتفاق والمهملة تبعا للأرجح. 4 ويتضمن الشروط التي سلفت، وهي: "أ" وجوب نفي الخبر مع بقاء هذا النفي، وعدم نقضه بإلا" فلا يصح: ما النهر إلا بعذب. ب- إن يكون اخبر صالحا للاستعمال في الكلام الموجب، غير مقصور على الكلام المنفي، فلا يصح: ما مثلك بأحد - حـ- ألا يكون الخبر واقعا في الاستثناء، فلا يصح: كرمت العلماء ليس بالأدعياء ... أولا يكون بالأدعياء. 5 وتعرب كما يأتي: "الباء" حرف جر زائد. "بلادة" مجرورة بحرف الجر الزائد، وعلامة جرها الكسرة، في محل نصب، لأنها خبر "ليس" أيضا، فكلمة: "بلادة" مجرورة في اللفظ بحرف الجر الزائد، ومنصوبة محلا أو تقديرا، لأنها خبر أيضا. والجار الزائد مع مجروره لا يتعلقان بشيء

الحِلم بلادة، وما كان الحليم بليداً؛ يحتمل المهانة. فزيدت "باء الجر" فى أول الخبر المنفى فى المثالين - وأشباههما - لغرض معنوى؛ هو: توكيد النفى وتقويته1. وليست زيادتها مقصورة على أخبار بعض النواسخ دون بعض، وإنما هى جائزة فى جميع تلك الأخبار؛ بشرط أن تكون منفية2، فلا يصح زيادتها فى خبر: "زال" وأخواتها الثلاث؛ لأن الخبر فيها موجب "أى: مثبت" كما عرفنا. ومع أن زيادتها مباحة بالشرط السالف فإنها متفاوتة فى الكثرة بين تلك الأخبار فتكثر فى خبر: "ليس"، نحوقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَام} وقول الشاعر: ولسْتُ بهَيَّاب لمنْ لا يَهابُنى ... لسْتُ أرَى للمرء مالاَ يَرَى لِيَا ثم فى خبر: "ما" الحجازية؛ نحوقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد} وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ثم فى خبر "كان". وإذا تقدم الخبر فتوسط بينَ الناسخ واسمه جاز إدخال؛ "باء" الجر الزائدة على الاسم المتأخر؛ ففى نحو: ليس الشجاع متهوراً - يصح أن يقال: ليس متهوراً بالشجاع. وفى نحو: ما كان الجواد إسرافاً - يصح أن يقال: ما كان إسرافاً بالجود3. ومن المستحسن ألا نلجأ لهذه الزيادة فى اسم الناسخ إلا حيث يتضح أمرها، وتشتد الحاجة إليها.

_ 1 ذلك أن باء الجر لا تزاد هنا إلا في الخبر المنفي، فوجودها دليل على وجود النفي وإعلان عنه، وإزالة شبهة غيابه. فكأن النفي بها قد تكرر. هذا وقد سبق في أول الكتاب فائدة الحرف الزائد ص 70. 2 زيادتها جائزة في المنفي من أخبار بعض الأفعال النواسخ، فتدخل أخبار "كان" وأخواتها إلا "ليس" الاستثنائية، و "لا يكون" الاستثنائية، وإلا "زال"، و "فتيء" و "برح"، و "انفك"، لأن أخبار هذه الأربعة موجبة - كما تقدم- وتزاد في مضارع: "كان" بشرط أن يكون منفيا بحرف النفي. "لم"، نحو: كلمتني فلم أكن بمشغول عنك، ولم تكن بمنصرف عني. فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها، في محل نصب - كما سيجيء البيان في ص 607 - وتزاد في المفعول الثاني من مفعولي: "ظن وأخواتها"، نحو: ما ظننت المؤمن بجبان. أما زيادتها في غير هذه المواضع، فالأحسن البعد عن استخدامه، والاقتصار فيه على المسموع دون محاكاته، أو القياس عليه "انظر ص 608". على أن لزيادة "الباء" موضوعا تفصيليا هاما سجلناه في مكانه الأنسب "وهو باب: حروف الجر- جـ2 م 90 ص 455 وما بعدها، حيث الكلام على الكلام أم أحكام باء الجر. "3" راجع الصبان.

الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إن"

المسألة الثامنة والأربعون: الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ" من الحروف نوع يشبه الفعل: "ليس" فى معناه، وهو: النفى1، وفى عمله؛ وهو: النسخ2 فيرفع الاسم وينصب الخبر3. وبهذه المشابهة في الأمرين بعد من أخوات: "ليس". مع أنها فعل وهوحرف، كما يعد من أخوات: "كان" لمشابهته إياها فى العمل فقط. وأشهر هذه الحروف أربعة: ما - لا - لات - إنْ". وهذه الأربعة - كسائر النواسخ - لا يكون اسم واحد منها شبه جملة، لأن اسم الناسخ في الأصل مبتدأ، والمبتدأ لا يكون شبه جملة مطلقا - كما عرفنا4 -. فأما الحرف الأول: "ما" فبعض العرب - كالحجازين - يُعْمله، وبَعْض آخر - كبنى تميم - يهمله5. وهويفيد عند الفريقين نفى المعنى فى الزمن الحالى عند الإطلاق6. تقول: ما الشجاع خوافاً، أوما الشجاع خواف؛

_ 1 سبق "في ص 559" أن "ليس" فعل ماض ينفي معنى الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق، "أي: عند عدم وجود قرينة تبين نوع الزمن، أو التجرد منه" فإن وجدت لزم الأخذ بمدلوها ... ومثلها الحروف "ما" و "إن" و "لات" و "لا" العاملة عمل: "ليس"، أما "لا" المهملة فيجيء تفصيل الكلام عليها في رقم 1 من هامش ص 601. فالحروف الأربعة تشبه "ليس" في أمر معنوي مشترك، وهو نفي المعنى في الزمن الحالي عند الإطلاق - وقد سبق في رقم 1 من هامش ص 53 بيان عن "ما" النافية للحال - 2 سبق شرح النسخ ومعناه عند بدء الكلام على النواسخ، ص 543. 3 يشترط، في أخبار هذه الحروف ما يشترط في أخبار النواسخ الأخرى - مما أشرنا له في ص 547 وهو وجوب أن يتمم الخبر المعنى بنفسه مباشرة مع الاسم، وقد يتممه في بعض الأحيان بلفظ آخر يتصل به نوع اتصال، وكذلك وجوب ألا يكون الخبر معلوما من اسم الناسخ وتوابعه. أما البيان التفصيلي ففي باب: "المبتدأ والخبر" - هامش ص 443. 4 في ص 544. 5 وسواء أكان عاملا أم مهملا فله الصدارة في جملته بشرط دلالته على النفي - راجع الصبان في باب ظن وأخواتها عند الكلام على الأدوات التي يقع بها التعليق، لصدارتها، وسيجيء البيان في جـ 2 ص 30، 61 -. 6 انظر ص 53 وهامشها رقم 1 حيث البيان الذي يوضح معنى "ما" النافية وأثرها في الزمن الحالي وغيره، وكلام صاحب المفصل في هذا.

بالإعمال أوالإهمال. ومثل هذا فى قول الشاعر: وما الحسْنُ فى وجه الفتى شرفاً له ... إذا لم يكنْ فى فعلِه والخلائق وقول الآخر: لَعَمرك ما الإسرافُ فىَّ طبيعةٌ ... ولكنَّ طبعَ البخْل عِندِى كَالموت لكن الذى يحسن الأخذ به فى عصرنا هوالإعمال، لأنه اللغة العالية، لغة القرآن، وأكثر العرب، ولا داعى للأخذ باللغة الأخرى؛ وهي صحيحة أيضا-1يجوز الأخذ بها منعاً للبلبلة، وتعدد الآراء من غير فائدة.... وتشتهر العاملة باسم: "ما الحجازية". ويشترط لإعمالها خمسة شروط مجتمعة2: "ا" ألا تقع بعدها كلمة: "إنْ" الزائدة3؛ فيصح الإعمال فى مثل: ما الحق مغلوباً، ولا يصح فى مثل: ما إنْ الحق مغلوب4. "ب" ألا ينتقض نفيها عن الخبر بسبب وقوع "إلا" بعدها5؛ فتعمل

_ 1 وإنما أشرنا إليها هنا لينتفع بها المتخصص في فهم ما يصادفه من النصوص القديمة التي تطابقها. 2 هناك بعض شروط أخرى تركناها، إما لاندماجها في غيرها، - كاشتراط ألا يكون اسمها شبه. جملة وإما لأنها متكلفة غير مقبولة، فلا داعي للإعنات بها. من هذا اشتراطهم ألا يبدل من خبرها المنفي بدل "موجب" بسبب اصطحابه "إلا" نحو: ما العدو شيء إلا شيء لا يعبأ به. فكلمة "شيء" الأولى خبر المبتدأ والثانية بدل منها. مرفوع. وهو موجب، لوقوعه بعد إلا". ووقوع البدل موجبا يقتضي عندهم أن يكون المبدل منه موجبا ايضا. ثم يقولون، كيف يكون المبدل منه موجبا مع أنه خبر "ما" النافية التي تنفي معنى الخبر؟ فيقع التناقض الذي لا مفر منه إلا باشتراط ذلك الشرط الذي نرى إهماله، وعدم التعويل عليه، لأمرين: أولهما: أن دليلهم منقوض بدليل جدلي مثله، لا نريد أن نعرضه، منعا لإطالة المناقشة الجدلية بغير فائدة. وثانيهما: - وهو الأهم أن بعض أئمة النحاة، كسيبويه، لم يشترطه لأن صورا كثيرا من الكلام الفصيح تخلو منه. وهذه هي جملة قاطعة، وفيها تسير. وبخاصة إذا أخذنا بقولهم: إنه يغتفر في الثواني مالا يغتفر في الأوائل "كما سيجيء في: جـ3 باب "البدل"، وغيره. وسنشير له في رقم 2 من هامش ص 598؟ ". 3 سبقت الإشارة لهذا في "ب" من ص 560. 4 إن كانت "إن" ليست زائدة وإنما هي لتأكيد النفي لم يبطل العمل، بشرط وجود فاصل لفظي بين الحرفين، أو قرينة أخرى تدل على أنها للتأكيد، طبقا للبيان الذي في رقم 1 من هامش ص 596 وقد سبق: "في ص 561" أنه لا يصح وقوع "إن" الزائدة، بعد "ما" النافية العاملة، ولا بعد "ليس" كما صرح بهذا الصبان، وصاحب الهمع في أول باب: "ما" الحجازية -. 5 أو وقوع "لكن"، أو: "بل" كما سيجيء، في ص 597، وخرج النقض بكلمة: "غير" فإنه لا يبطل عمل: "ما" نحو: ما الإساءة غير بلاء لصاحبها، "بنصب كلمة "غير".

فى مثل: ما الجومنحرفاً، ولا تعمل فى مثل: ما الجوإلا منحرف؛ وقول الشاعر: إذا كانت النعْمَى تُكَدَّرُ بالأذَى ... فما هى إلا مِحْنَةٌ وعذابُ لأن الخبر مثبت هنا بسبب "إلا" التى أبطلت النفى عنه، ولا يضر نقضه عن المعمول؛ نحو: ما أنت متكلماً إلا بصواب. "حـ" التزام الترتيب بين اسمها وخبرها الذى ليس شبه جملة، فلا يصح تقديم الخبر الذى ليس شبه جملة عل الاسم؛ ولهذا تَعْمَل فى مثل: ما المعدنُ حجراً، وتُهْمَل فى مثل: ما حجرٌ المعدنُ؛ لتقدم خبرها على اسمها. فإن كان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها عند تقدمه ومخالفته الترتيب؛ مثل: ما للسرور "دواماً". وقول الشاعر: وما للمرء خيرٌ فى حياة ... إذا ما عُدَّ من سَقَط المتاع2 بالإعمال أوالإهمال فى كل ذلك؛ فعند الإهمال يكون شبه الجملة فى محل نصب؛ خبر "ما"، وعند الإهمال يكون فى محل رفع؛ خبر المبتدأ3. "د" ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم، بشرط أن يكون ذلك المعمول المتقدم غير شبه جملة؛ ففى مثل: ما العاقل مصاحباً الأحمق - لا يصح الإعمال مع تقدم كلمة: "الأحمق" على الاسم؛ لأنها معمول للخبر، وليست شبه جملة، فيجب الإهمال فتقول: ما، الأحمقَ - العاقل مصاحبٌ، فإن كان المعمول المتقدم شبه جملة جاز الإعمال والإهمال، نحو: ما فى الشرِّ أنت راغباً وما عندك فضلٌ ضائعاً، ويجوز ... راغبٌ، وضائعٌ4.

_ 1 ومثل هذا قول الآخر: وما الناس إلا واحد كقبيلة ... يعد، وألف لا يعد بواحد 2 سقط المتاع: هو المتاع المهمل المتروك، لعدم فائدته، "وفي هذا البيت وقعت "ما" بعد كلمة "إذا" فيتعين الحكم بزيادة "ما" - كما سبق في رقم 4 من هامش ص 70. 3 لا يظهر للإعمال أو الإهمال أثر مباشر في هذه الأمثلة وأشباهها، وإنما يظهر الأثر فيما يجيء بعدها من توابع، كالعطف مثلا، على الخبر- فعند الإعمال يكون التابع منصوبا كخبر "ما" المنصوب، وعند الإهمال بكون التابع مرفوعا كخبر المبتدأ. 4 السبب العام الموضح في "ب" من ص 576. كذلك يمتنع تقديم معمول الخبر على الخبر، ومعمول الاسم على الاسم إذا كان المعمول في الصورتين غير شبه جملة، فلا إعمال في نحو: ما العاقل - الصواب - تارك، ولا في نحو: ما الشطط راكب "آمن" والأصل ما العاقل تارك الصواب. وما راكب الشطط آمن. فإن كان شبه جملة جاز تقديمه.

"هـ" ألا تتكرر "ما"، فلا عمل لها فى مثل: "ما" "ما" الحُرُّ مقيم على الضيم؛ لأن كلمة: "ما" الأولى للنفى، وكلمة "ما" الثانية للنفى أيضاً؛ فهى قد نفت معنى الأولى، ونفى النفى إثبات1 فتبتعد "ما" الأولى عن النفى، وينقلب معنى الجملة إلى إثبات، وهوغير المراد2.

_ 1 فإن تكررت وكانت لتأكيد النفي في الأولى، لا لإزالته، صح الأعمال- مع ضعفه، حي قيل بشذوذه- وذلك بأن تكون "ما" الثانية توكيدا لفظيا للأولى يقوي نفيها، ولا يزيله، مع ملاحظة أن هذا التوكيد اللفظي ضعيف أو شاذ، كما قلنا، لعدم وجود فاصل بين حرفي النفي، كما تقضي 2ضوابط التوكيد اللفظي - التي منها: أن توكيد الحروف التي ليست للجواب يقتضي تكرار الحرف الأول ومعه لفظ آخر يفصل بينه وبين الثاني الذي جاء للتوكيد - وسيأتي في جـ3 ص 515 م 116 هذا -، والذي يدل على أن الثانية تفيد نفيا جديدا يزيل الأول، أو أنها تفيد نفيا يؤكد الأول، إنما هو القرائن اللفظية - ومنها الفاصل اللفظي - أو المعنوية. ومع التكرار لا يصح بغير شذود أن توجد "ما" ما في الجملة الواحدة أكثر من مرتين، إحداهما: الأولى الثانية تكرارها لها. 2 وقد عرض ابن مالك لبعض ما سبق من الشروط، تاركا بعضا آخر، حيث يقول: إعمال "ليس" أعملت: "ما" دون: "إن" ... مع بقا النفي، وترتيب زكن سجل في هذا البيت ثلاث شروط لإعمال: "ما" عمل ليس، وهي: ألا توجد بعدها "إن" الزائدة، وألا ينتقض النفي "بسبب تكرارها نافية، أو بوقوع حرف نفي آخر بعدها يزيل عن خبرها معنى النفي، او بدخول إلا - أو غيرها على الخبر مما يزيل عنه النفي"، وأن يبقي الترتيب بين اسمها وخبرها، فلا يتقدم الخبر على الاسم "وكلمة زكن معناها: علم" ثم يقول: وسبق حرف جر أو ظرف كما ... بي أنت معنيا، أجاز العلما أي: أن العلماء أجازوا تقديم الخبر إذا كان حرف جر مع مجروره، ومثل له بقوله: مابي أنت معنيا ومثاله هذا إنما يصلح لتقديم شبه الجملة المعمول للخبر نفسه، لا لتقدم الخبر. لكن جواز تقديمه يؤذن بصحة تقديم الخبر شبه الجملة أيضا. أو كان ظرفا، مثل، ما عند العاجز حيلة، وذلك بناء على ما استنبطوه من كلام العرب.

حكم المعطوف على خبرها: "ا" إن كان حرف العطف مما يقتضى أن يكون المعطوف موجَباً "أى: مثبتاً" مثل: "لَكِنْ" و"بل" - وجب رفع المعطوف1؛ مثل: ما الفضل مجهولا لكنْ معروف؛ وما الإحسان منكوراً بل مشكور؛ فيجب الرفع فى كلمتى: "معروف" و"مشكور" وأشباههما؛ محاكاة لنظائرهما فى الكلام الفصيح المأثور. وتعرب كلا منهما خبراً لمبتدأ محذوف؛ فكأن أصل الكلام. ما الفضل مجهولا لكن هومعروف. وما الإحسان منكوراً بل هومشكور. ويتعين فى هذه الحالة إعراب كل واحدة من "لكن" و"بل" حرف ابتداء، ولا يصح إعرابها حرف عطف، لما يترتب على ذلك من أن يكون المعطوف جملة على حسب التقدير السابق، ولا يصح أن يكون المعطوف بهما جملة.

_ 1 تفصيل ذلك: أن "لكن" تكون حرف عطف بثلاثة شروط، "أن يسبقها نفي، أو نهي" "وألا تكون مقترنة بالواو قبلها"، "وأن يكون معطوفها لا جملة:. ومثالها: ما أغضبت السباق، لكن المتأخر. فإذا كان ما قبلها منفيا - كالمثال السابق - تركته منفيا على حاله، وأقرت معناه المنفي، ولم تغيره، وأثبتت نقيضه لما بعدها، ففي العبارة السابقة انتفى الحكم بالإغضاب على السباق، ووقع الحكم بالإغضاب على المتأخر. وفي مثل: ما غابت فاطمة لكن زينب - انتفى الحكم بغياب فاطمة، وثبت الحكم بغياب زينب. وهكذا نرى الحكم المنفي قبل: "لكن"، يبقى منفيا على حاله، ويثبت نقيضه لما بعدها ... و.... و.... فإن فقد شرط لم تصلح عاطفة، ووجب أن تكون حرف ابتداء محض، واستدراك، وأن تدخل على جملة جديدة لا على مفرد. وأما "بل" فإنها تكون حرف عطف بعد النفي وغيرها ولا تعطف إلا المفردات الصحيح. فإذا كانت بعد النفي، أو نهي كأن شأنها شأن: "لكن" في أنها تترك ما قبلها على حاله، أي: تقر معناه المنفي ولا تغيره وتثبت نقيضه لما بعدها، نحو: ما أهنت نبيلا بل حقيرا، فقد انتفى حكم الإهالة عن النبيل وثبت حكم الإهانة للحقير. أما إن كانت بعد كلام موجب، أو بعد أمر، فإنها تفيد الإضارب أي: العدول عن الحكم السابق، ونقله إلى ما بعدها، وترك ما قبلها كالمسكوت عنه، بتركه غير محكوم عليه بشيء، نحو: غرد العصفور، بل البلبل. وفي الصفحة الآتية ما يزيد الأمر وضوحا. 2 هذا هو التعليل الصحيح لوجوب الرفع. أما ما زاد عليه من أنه خبر مبتدأ محذوف، وأنه لا يصح العطف و ... و ... مما قيل بع ذلك - فهو تحليل وتعليل منطقي، ابتكره النحاة: لايضاح الحكم السابق، وضبط حدوده، منعا للخطأ، وقد أحسنوا فيه، وإن لم يعرف العرب الأوائل شيئا عنه.

ولوجعلنا المعطوف بهما مفرداً ولم نلاحظ التقدير السابق لوجب أن يكون منصوباً ومنفيًّا، تبعاً للخبر المعطوف عليه؛ لأن المعطوف المفرد يشابه المعطوف عليه فى حركات الإعراب، وفى النفى، والإثبات، والعامل فيهما واحد، وهنا يقع التعارض بين المعطوف عليه والمعطوف؛ فالأول مفى "بما" ومعمول لها. والثانى معمول لها أيضاً وموجَب1؛ وقوعه بعد: "لكن" أو: "بل". المسبوقين بنفى. و"ما" لا تعمل فى الموجَب, ومن هنا يجئ التعارض أيضاً؛ وهويقضى بمنع العطف ولوكان عطف مفرد على مفرد2، ويقضى بالرفع. والأحسن أن يكون رفعه خبراً لمبتدأ محذوف. ومما تقدم نعلم أن الكلام فى حالة: "ا" لا يشتمل على عطف مطلقاً؛ فلا عاطف، ولا معطوف عليه، ولا حرف عطف3. "ب" أما إن كان العطف لا يقتضى أن يكون المعطوف موجَبًا وإنما يقتضى أن يشابه المعطوف عليه فى حركات إعرابه، ونفيه، وإثباته: كالواووالفاء ... فإنه يجوز فى هذه الحالة نصب المعطوف ورفعه، مثل: ما أنت

_ 1 للسبب الموضح في رقم 1 من هامش الصفحة السابقة. 2 إذا كان خبر "ما" مجرورا بالباء الزائدة مثل: ما النجم بمظلم، لكن مضيء -أو بل مضيء- وجب الرفع أيضا دون النصب والجر، لقول النحاة: لا يصح الجر هنا عطفا على لفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة. ولا النصب، عطفا على محله. وحجتهم أن الباء "عملت" الجر في المعطوف عليه، فهي العاملة أيضا في المعطوف تبعا لذلك، لأنه يشابه المعطوف عليه في حركات الإعراب، فالعام فيهما واحد، والمعطوف هنا موجب كما سبق. والباء لا تدخل على الموجب، وإنما تزاد بعد النفي. وهذا كلام مردود، لأنه نظري فقط، يحتاج إلى سماع يؤيده، فوق أنهم يفتقرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل. وسجل النحاة هذا في مواضع متعددة، "كالذي في الصبان، جـ2 باب: "الاستثناء" عند الكلام على تعذر البدل من اللفظ في الاستثناء التام غير الموجب. وكالذي في همع الهوامع جـ1 ص 215، وقد أشرنا لهذا في رقم 2 من هامش ص 594، ويجيء في جـ 2 ص 311 م 81". والواجب أن يرجعوا للكلام العربي، ويعرضوا لحالته، ثم يستنبطوا منه الحكم الواقع. ولا نعرف أنهم فعلوا. ولهذا نجيز الجر والنصب، وإن كان الرفع هو الأقوى. 3 وقد كان التعبير في أول الأمر بحرف العطف والمعطوف عليه تعبيرا مجازيا، روعي فيه الأصل والصورة الظاهرية التي تشبه صورة العطف، وإن كان الواقع والحقيقة أنه لا أثر العطف هنا.

قاسياً وعنيفاً على الضعيف، أو: "عنيف" بنصب كلمة: "عنيفاً"؛ لأنها معطوفة على خبر "ما" المنصوب. وبرفعها لأنها معطوفة على خبر "ما" باعتبار أصله الأول قبل مجئ "ما"؛ فقد كان خبراً مرفوعاً للمبتدأ1. ويحسن الاقتصار على الأول؛ ليكون الأسلوب مُتَّسقًا مؤتلفًا2 ... وتلخيص ما تقدم فى: "اوب" هو: أن رفع المعطوف جائز مع كل عاطف وأما نصبه فمقصور على بعض حروف العَطف دون بعض آخر يقتضى إيجاب المعطوف مثل: لكن وبل2 ...

_ 1 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: ورفع معطوف بلكن، أو: ببل ... من بعد منصوب بـ "ما" الزم حيث حل ومعنى البيت واضح بعد تقديره على الوجه التالي: الزم رفع معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب "بما" حيث وجد ذلك المنصوب. والمراد بمنصوب "ما": خبرها. و "من بعد منصوب"، جاز ومجرور متعلقان بكلمة 611.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" إنما عرض النحاة للعطف على خبر "ما" دون العطف على أخبار غيرها من النواسخ الأخرى التى لا يشترط فيها عدم نقض النفى، لأن "ما" يشترط فى عملها ألا ينتقض نفى خبرها. فإن انتقض لم تعمل كما سبق. والحرفان ""لكن"، و"بل"" من حروف العطف، ينقض كل منهما النفى عن المعطوف بعده، ويجعله موجَباً، مع أن المعطوف عليه منفى. ولما كان المعطوف على خبر "ما" بمنزلة خبرها - وجب أن يكون ذلك المعطوف منفيًّا كالخبر المعطوف عليه؛ لكى تعمل فيه "ما" النصب. غير أن المعطوف هنا موجب لوقوعه بعد "لكن"، أو"بل" فالنفى منقوض عنه، وصار موجباً. ولهذا لم يصح نصبه، لأنه بمنزلة الخبر - كما قلنا - و"ما" لا تعمل فى الموجب. وقياساً على ما سبق1 يجرى هذا الحكم على كل ناسخ آخر، "مثل: إنْ - لا، وسيجئ الكلام عليهما" مما يشترط فى إعماله ألا ينتقض النفى عن خبره فعند العطف على خبره ينطبق عليه الحكم السالف. "ب" أنسب الآراء، أنه لا يجوز حذف "ما" الحجازية وحدها، أومع أحد معموليها، أومعهما. كما لا يجوز حذف معموليها ولا أحدهما. "حـ" إذا دخلت همزة الاستفهام على "ما" الحجازية لم تغير شيئاً من أحكامها السابقة.

_ 1 لم أر في الكتب المتداولة نصا على هذا القياس، ولكنه الذي يساير الأصل العام الذي عرضوه.

وأما الحرف الثاني-: "لا" فهو للنفى. وفريق من العرب -كالحجازين- يُعْمِله عمل: "ليس" ويجعل النفى به منصبًّا مثلها على الزمن الحالى عند عدم قرينة تدل على زمن غير الحال1. وفريق آخر -كالتميميين- يهْمِله. تقول: لا معروفٌ ضائعاً، أو: لا معروفٌ "ضائعٌ"، بالإعمال أوالإهمال. وله في الحالتين الصدارة في جملته....2 والمهم عند إعمالها هوفهم معناها، وإدراك أثرها المعنوى فى الجملة، ليحسن استخدامها على الوجه الصحيح1 وفيما يلي الإيضاح. "ا" لا رجلٌ غائباً - تشتمل هذه الجملة على كلمة: "لا" النافية وبعدها اسم مفرد مرفوع، وبعده اسم منصوب. فما الذى تفيده هذه الجملة؟ تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم: "لا" مفرداً -أى: غير مثنى وغير مجموع- احتمال أمرين: نفى الخبر "وهو: الغياب" عن رجل واحد، ونفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ فلا غياب لواحد أوأكثر. ولوقلنا: لا رجلان غائبيْن، ولا رجالٌ غائبِين - لكان الأمر محتملا نفى الغياب عن اثنين فقط، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب. "ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفردًا أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب. "ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفرداً أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ فلا وجود لطائر واحد، ولا أكثر. ولوقلنا: لا طائران موجودَيْن، ولا طيورٌ موجودةً - لكان النفى إمَّا واقعاً على طائرين فقط، وإما واقعاً على جماعة فقط، وإما على الجنس كله في الصورتين -

_ "1، 1" إذا كانت مثل "ليس" في معناها وعملها أفادت نفي المعنى عن الخبر في الزمن الحالي، إلا إن دلت قرينة على أن نفي معنى الخبر في زمن آخر - كما تقدم هنا، وفي رقم 1 من هامش ص 593 - وهذا إن كانت "لا عاملة عمل "ليس" فأما "لا" المهملة التي لا عمل لها في الجملة الاسمية -ولا في غيرها- فإنها من ناحية أثرها المعنوي في الجملة الاسمية - تشبه "لا" العاملة عمل "ليس" فهما في المعنى متشابهان، ولكنهما في الإعمال والإهمال مختلفان، فإحداهما تعمل والآخرى لا تعمل. "راجع الصبان أول باب: "لا" النافية للجنس". فإن كانت "لا" المهملة داخلة على جملة فعلية فعلها ماض فإنها تنفي معناه في زمنه الخاص به وإن دخلت على مضارع فإنها -في الرأي الراجج- تخلص زمنه للمستقبل، وتنفي معناه في هذا الزمن المستقبل. والبيان في رقم 3 من هامش ص 59 "ويلاحظ أن المهملة يصح دخولها على الجملة الاسمية والفعلية". 2 طبقا للرأي الراجح - انظر رقم 2 من هامش ص 603.

واحداً واحداً؛ بحيث لا يخلوطائر من الحكم عليه بعدم الوجود. مما سبق نعلم أن: "لا" النافية التى تعمل عمل: "كان" لا تدل على نفى الجنس كله فرد فرداً دلالة قاطعة لا تحتمل معها أمراً آخر؛ وإنما تدل - دائماً - على احتمال أمرين1، فإن كان اسمها مفرداً دلت على نفى الخبر عن فرد واحد، أوعلى نفيه عن كل فرد من الأفراد. وإن كان اسمها مثنى أوجمعاً دلت أيضاً على احتمال أمرين؛ إمَّا نفى الخبر عن المثنى فقط، أوعن الجمع فقط، وإمَّا نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس. فدلالتها على نفى الخبر تحتمل هذا، وتحتمل ذاك فى كل حالة. وليست نصًّا2 فى أمر واحد. ومن أجل أنها تحتمل نفى الخبر عن الفرد الواحد إذا كان اسمها مفرداً سميت: "لا" التى لنفى الواحد، أو: "لا" التى لنفى الوحْدة، أى: الواحد أيضاً. والذين يُعملونها يشترطون لذلك شروطاً خمسة3. أولها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين4؛ أو ما في حكم النكرة5 مثل: لا مالٌ باقياً مع التبذير. فإن كان أحدهما معرفة أوكلاهما - لم تعمل4.

_ 1 ما لم توجد قرينة تمنع الاحتمال، وتعين أحدهما وحده. 2 إذا أردنا النص على أن النفي يقع على كل فرد من أفراد اسم "لا" أي: يقع على أفراد الجنس واحدا واحدا، من غير احتمال آخر - أتينا بالحرف الذي يدل على ذلك وهو: "لا" النافية للجنس، بشرط أن يكون اسمها مفردا، لا مثنى ولا جمعا، وهي من أخوات "إن" تنصب مثلها الاسم وترفع الخبر. "وسيجيء الكلام مفصلا عليها في بابها الخاص، آخر هذا الجزء، ص 683"، فإن لم يكن اسمها مفردا بأن كان مثنى أو جمعا كانت فيهما هي و "لا" العاملة عمل ليس - سواء، فيقع الاحتمال بين أن يكون الخبر منفيا عن الاثنين فقط، أو عن الجماعة فقط، وأن يكون منفيا عن كل فرد من أفراد الجنس. فالفرق بين نوعي "لا" العاملة إنما يتحقق حين يكون اسمها مفردا، "انظر هامش ص 685، حيث البيان". 3 مع ملاحظة ما لا يصلح أن يدخل عليه الناسخ، "وقد سبق في رقم 1 من هامش ص 543". ومنه: ألا يكون اسمها شبه جملة. "4 و4" فلا يصح: لا السلاح مأمونا في يد الطائش. لا لاح المأمون في يد الطائش، لا السلاح المأمون إذا كان في يد الطائش.... فمثل هذه تراكيب غير صحيحة، بسبب إعمال "لا" مع فقدها شرطا من شروط الإعمال، إلا عند الكوفيين، فإنهم لا يشترطونه، وبمذهبهم قال المتنبي: إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذي ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا 5 يجوز أن يكون خبرها جملة فعلية أو شبه جملة، لأنهما يكونان في حكم النكرة - "كما سبق في رقم 1 من هامش ص 48 وفي 1 من هامش ص 213 وفي 2 من هامش ص 209..... - ".

ثانيهما: عدم الفصل بينها وبين اسمها وهذا يستلزم الترتيب بين معمونيها، فيجب تأخير الخبر، وكذلك تأخير معموله عن الاسم، كى لا يفصل بينها وبين اسمها فاصل؛ نحو: لا حصنٌ واقياً الظالمَ1. ولا يصح أن يسبقها شيء من جملتها2.... ثالثها: ألا ينتقض النفى بإلا؛ تقول؛ لا سعىٌ إلا مثمر، ولا يصح نصب الخبر3. رابعها: عدم تكرارها؛ فلا تعمل فى مثل: لا، لا مسرع سَبَّاق. إذا كانت "لا" الثانية لإفادة نفى جديد4. خامسها: ألا تكون نصًّا فى نفى الجنس5 - كما شرحنا - وإلا عملت عمل: "إنّ": تلك هى الشروط الحتمية لعمل "لا" وهى نفسها شروط لعمل "ما" مع زيادة شرطين فى عمل "لا" وهما: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وألا تكون نصًّا فى نفى الجنس6. وحذف خبرها كثير فى جيد الكلام؛ ومنه أن تقول للمريض؛ لا بأسٌ؛ أى: لا بأسٌ عليك. وفلان وديع لا شكٌّ. أى: لا شكٌّ فى ذلك، أوفى وداعته....

_ 1 فلا يصح: "لا واقيا حصن الظالم" لتقديم الخبر. ولا يصح: لا - الظالم- حصن واقيا، لتقديم معموله وحده. ولا يصح: لا - واقيا الظالم - حصن، لتقديمهما معا. إلا إن كان معمول الخبر شبه جملة فيجوز تقديمه وحده، نحو: لا - في العمل حازم مهملا. ولا ساعة الجد عاقل متوانيا. 2 والصحيح أن "لا" بنوعيها العاملة والمهملة، هي من حروف النفي التي لها الصدارة. "راجع الصبان في باب: "ظن وأخواتها"، عند الكلام على أدوات التعليق التي لها الصدارة". وسيجيء البيان في جـ 2 ص 26 م 61. 3 ومن أثر هذا أنه إذا عطف على خبرها بالحرف، "لكن" أو: "بل" لم يجز العطف بالنصب ووجب رفع المعطوف، لما سبق بيانه في ص 597 وفي الزيادة ص 600. 4 فإن تكررت وكانت الثانية مفيدة لنفي جديد يزيل النفي السابق، وليس توكيدا للأولى - فإنها لا تعمل، لأن نفي النفي إثبات، فتبتعد عن معناها الأساسي في مثل: "لا لا مكافح مسرور. وإن كانت الثانية توكيدا للأولى - مع قلته وضعفه -، بسبب عدم الفاصل بينهما - جاز إعمالها: نحو: لا لا حاسد مستريحا. وقد عرفنا أن الذي يدل على أن الثانية للتوكيد أو لإفادة نفي جديد - هو: القرآن اللفظية أو المعنوية. ولا تتكر - في الأرجح- إلا مرة واحدة بحيث لا تشتمل الجملة منها على أكثر من اثنين "انظر رقم 1 من هامش ص 596 ففيه ما يتصل بهذا". 5 راجع "لا" النافية للجنس آخر هذا الجزء 683. 6 لم يذكر من شروط "لا" عدم وقوع: "إن" الزائدة بعدها كاشتراطه في "ما" لما هو معروف من عدم وقوع: "إن" الزائدة بد "لا".

"ملاحظة": لا يتغير شئ من الأحكام السالفة إذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" سواء أكان الاستفهام باقياً على حقيقته، أم خرج إلى معنى آخر كالتوبيخ. ز أوالإنكار ... ، مثل: ألا إحسانٌ للفقير من هذا الرجل الغنى1 البخيل ... أما الحرف الثالث: "إنْ" فهولنفى الزمن الحالى عند الإطلاق، وإعمالُه وإهمالُه سِيَّانِ2. ولكن الذين يُعملونه يشترطون الشروط الخاصة بإعمال "ما"3 النافية إلا الشرط الخاص بعدم وقوع "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد "إنْ" النافية أيضاً؛ نحو: إنْ الذهبُ رخيصاً "بمعنى: ما الذهب رخيصاً" أو: إنْ الذهبُ رخيص. ففى المثال الأول تعرب "إنْ" حرف نفى ناسخ بمعنى: ما، وبعدها اسمها وخبرها. وفى المثال الثانى: "إنْ" حرف نفى مهمل، وبعده مبتدأ مرفوع، ثم خبره المرفوع4. ومن أمثلة عمالها، قول الشاعر: إنْ المرْءُ بانقضاءِ حيَاتِه ... ولكنْ بأن يُبْغَى عليه فيُخْذَلاَ وهى فى حالتى إعمالها وإهمالها لنفى الزمن الحالى، ما لم تقم قرينةٌ على غيره. - كما تقدم -. وأما الحرف الرابع: "لات"5 فهولنفى الزمن الحالى عند

_ 1 راجع الخضري جـ1 باب: "لا النافية" للجنس عند بيت ابن مالك. وأعط "لا" مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام حيث صرح بأن دخول همزة الاستفهام على "لا" بنوعيها لا يغير من أحكامها، على الوجه الآتي في م 59 ص 704. 2 إذا كانت عاملة وجب دخولها على جملة اسمية - كالشأن في النواسخ كلها - ولا يصح أنه يكون اسمها شبه جملة. أما إذا كانت مهملة فيجوز دخولها على الاسمية والفعلية، فمن أمثلة المهملة الداخلة على الاسمية قوله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُور} ومن أمثلة الداخلة على الفعلية قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّن} وقوله: {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} . 3 تقدمت شروطهما، في ص 594 - ويراعي في العطف على خبر "إن" ما سبق في العطف على خبر "ما" "ص 597 والزيادة التي في ص 600". 4 ويجوز هنا ما يجوز في "ما" من صحة نقض النفي عن معمول الخبر، دون الخبر، نحو: ما أنت قارئا كتبا إلا النافعة. 5 يقول النحاة: إن أصلها "لا" ثم زيد عليها التاء لتأنيث اللفظ، كالتاء في "ربت" و "ثمت". غير أن التاء مع "لات" متحركة بالفتح دائما. وزيادتها تفيد مع تأنيث اللفظ توكيد النفي =

الإطلاق ويشترط لعملها1: "ا" الشروط الخاصة بعمل "ما"2 إلا الشرط الخاص بعدم وقوع: "إنْ" الزائدة بعدها؛ إذ لا تقع "إنْ" الزائدة بعد: "لات". "ب" ثلاثة شروط أخرى؛ هى: أن يكون اسمها وخبرها كلمتين دالتين على الزمان3، وأن يحذف أحدهما دائماً، والغالب أنه الاسم. وأن يكون المذكور منها نكرة؛ مثل: سهوتَ عن ميعادك، ولاتَ حينَ سهو. أى: ولاتَ الحينُ4 حينَ سهو. وإعرابها: "لا" نافية؛ تعمل عمل: "ليس". التاء للتأنيث اللفظى5 واسمها محذوف تقديره: الحينُ، أو: الوقت، أو: الزمن ... "حينَ" خبرها، منصوب بالفتحة الظاهرة، مضاف. "السهو" مضاف إليه مجرور. ومثل: تسرعتَ فى الإجابة، ولاتَ حينَ تَسرُّع. أى: وليس الحينُ حينَ تسرُّعٍ، أوليس الوقت وقتَ تسرع. والإعراب كالسابق.

_ = وتقويته. هذا كلام النحاة ملخصا من آراء متعددة لا يستريح العقل لواحد منها، ولا إلى أن التاء زيدت على كلمة: "لا".... لأن العرب الأوائل نطقوا بكلتا الكلمتين "لا، ولات" مستقلة، لم يذكروا أن إحداهما أصل للأخرى، ولم يكن لهم علم بشيء مما اصطلح عليه النحاة بعدهم، وبنوا عليه أحكامهم، فن الخير ترك الآراء التشعبة، والاقتصار على اعتبار: "لات" كلمة واحدة مبنية على الفتح، معناها: النفي، وعملها هو عمل "كان" وليس في هذا ما يسيء إلى اللغة في تركيب كلماتها، ولا ضبط حروفها، ولا أداء معانيها على الوجه الصحيح المأثور الذي يجب الحرص عليه وحده أشد الحرص، ولا سيما إذا كان في إتباعه تيسير ومسايرة للعقل والواقع. وقد آن الوقت للتحرر من تلك الآراء الجدلية التي لا حاجة إليها اليوم. 1 مع ملاحظة ما لا يصح أن يدخل عليه الناسخ- وقد سبق بيانه في رقم 1 من هامش ص 544 ورددنا أن اسم الناسخ - مهما اختلفت أنواع النواسخ - لا يكون شبه جملة. 2 وقد سبقت، في ص 594- ويراعي في العطف على خبرها ما سبق في العطف على خبر "ما" "ص 595 وفي الزيادة ص 600". 3 مثل كلمة: "حين" - وهي أكثر الكلمات الزمنية التي استعملها العرب معمولة للحرف: "لات" ومثل: "ساعة" و "أوان" و "وقت" وغيرها مما يدل على الزمن. 4 قالوا: كلمة: "الحين" هنا معرفة "مع أن: "لات" لا تعمل إلا في النكرات" لأن المنفي في المثال هو "حين" معين، معروف، وهو الذي سها فيه المخاطب، فالتقدير: لات حين سهوك حين سهو: أي: ليس زمن سهوك زمن سهو: بمعنى: أن زمن سهوك لا يصح ولا يصلح أن يكون زمن سهو. فاشتراط التنكير في معموليها معا - كما ينص عليه أكثر النحاة - إنما يتحقق في التركيب اللفظي الذي يشتمل على المعمولين مذكورين فيه صراحة، أما في التقدير فلا يشترط ذلك "كما في تقدير المثال السابق". وخير من هذا كله أن يكون الشرط هو: تنكير ما يذكر صريحا من معمولين، وهذه عبارة بعض النحاة الأقدمين، وتريحنا من الجدل الذي لا داعي له، ومن تحقق الشرط في التركيب اللفظي، دون التقديري، وأمثاله هذا.... 5 أو: لات - كلها - حرف نفي مبني على الفتح لا محل له، وهذا أحسن ... اعتمادا على ما تقدم في رقم 5 من هامش الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" وردت "لات" فى بعض الكلام العربى القديم مهملة لا عمل بها؛ فهى متجردة للنفى المحض. ومنه قول الشاعر: تَرَكَ الناسُ لنا أكنافَهم ... وتولَّوا، لاتَ لمْ يُغْنِ الفرارُ فهى هنا حرف نفى محض1، مؤكد بحرف نفى آخر من معناه، هو: "لم" وهذا الاستعمال مقصور على السماع لا يجوز اليوم محاكاته. وإنما عرضناه لنفهم نظائره فى الكلام القديم حين تمر بنا، ومنه قول القائل: لَهْفى عليك لِلهفةٍ من خائفٍ ... يَبغى جوارَك حينَ لاتَ مجيرُ فهى حرف نَفى مهمل2. "ومجير" فاعل لفعل محذوف أومبتدأ خبره محذوف. "ب" حكم العطف على خبر: "لات" نفسه كحكم العطف على خبر "ما". وقد تقدم "فى ص 540 و543" فيتعين الرفع إن كان حرف العطف يقتضى إيجاب ما بعده، "مثل: لكنْ وبل"، تقول: سئمت ولات حينَ سآمة، بل حينُ صبر، أولكن حينُ صبر. فإن كان حرف العطف لا يقتضى إيجاب ما بعده "كالواو" جاز النصب والرفع، تقول: رغبت فى الراحة أياماً، ولات حين راحة، وحينَ استجمام، بنصب كلمة "حين" المعطوفة أورفعها. "حـ" من أسماء الإشارة: "هَنَّا" وهى فى أصلها ظرف مكان كما عرفنا فى باب أسماء الإشارة3. وقد وقعت فى الكلام العربى القديم بعد كلمة: "لات" كقول القائل: "حَنَّتْ نَوَارُ ولات هَنَّا حنَّت4" ... وخير ما يقال فى إعرابها: إن: "لات" حرف نَفى مهمل "أى: لا عمل له" و"هنا" اسم إشارة للمكان، منصوب على الظرفية، خبر مقدم "حنت" حن: فعل ماض، قبله "أنْ" مقدرة. والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره: هى. والمصدر المؤول من الفعل والفاعل و"أنْ" المقدرة قبل "نت" فى محل رفع مبتدأ مؤخر. وخبره اسم الإشارة الظرف المتقدم: "هنَّا". وهذا أسلوب يحسن الوقوف فيه عند السماع، والبعد عن محاكاته.

_ 1 لدخولها على جملة فعلية. فليس اسم ولا خبر. 2 لأن معموليها ليسا دالين على الزمان. 3 ص 338. 4 عرضنا لهذا الشاهد وإتمام البيت في ص 338 وذكرنا هنا بعض الآراء، ومنها الرأي القائل إن: "هنا" قد تكون ظرف زمان.

المسألة التاسعة والأربعون: زيادة "باء الجر" فى خبر هذه الأحرف تقدم أن "باء" الجر تزاد فى مواضع1، منها: أخبار الأفعال الناسخة إذا كانت تلك الأخبار منفية؛ "فلا تزاد فى أخبار "ما زال" وأخواتها الثلاثة؛ لأن أخبارها موجبَة" وأن الغرض من تلك الزيادة هوتأكيد النفى وتقويته، كما عرفنا. ومن تلك المواضع: خبر "ليس"2؛ ويكثر فيه زيادة الباء؛ نحو: ليس الحازم بمتواكل. فالباء زائدة، "ومتواكل" مجرورة بها فى محل نصب خبر "ليس". ومنها: "ما" العاملة والمهملة، فيكثر فى خبرها المنفى زيادة الباء؛ نحو: ما العربى ببخيل، وما العربى بهياب الشدائد. وأصل الكلام ما العربى بخيلا. ما العربى هياباً، فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور فى محل نصب خبر: "ما" إن كانت عاملة، أوفى محل رفع خبر المبتدأ، إن كانت: "ما" مهملة3. ومن الأمثلة، قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ، وقول الشاعر: أقْصِرْ - فؤادى - فما الذكرَى بنافعَة ... ولا بشافعةٍ فى رَدّ ما كانا وقد تزاد أحياناً بعد خبر: "لا" العاملة4، نحو: لا جاهٌ بخالد. ولا سلطانٌ

_ 1 في ص 590 وما بعدها، إيضاح مناسب لبعض مواضع زيادة الباء، وسبب الزيادة، وأنها قد تزاد في الاسم إذا توسط الخبر بينه وبين الناسخ. 2 في ص 591 بشرط ألا تكون أداة استثناء، وألا ينتقض النفي "بإلا". فإن كانت أداة استثناء فهي بمعنى: "إلا" فلا يزاد في خبرها الباء. ومثلها "لا يكون" أداة الاستثناء - كما سبق في رقم 3 من هامش ص 560 -. 3 بشرط ألا يكون إهمالها بسبب نقض النفي في خبرها، فإن كان بسببه لم تدخل عليه الباء الزائدة، لأن الكلام يصير مع نقض النفي موجبا، فلا يصح زيادة الباء في مثل: ما أنت إلا ناصح. وهناك شرط أخر لزيادة: "الباء" في خبر "ما"، هو: أن يكون الخبر من الألفاظ التي تقبل الإيجاب والتي لا يقتصر استعمالها على المعاني المنفية، فلا تزاد "الباء" في كلمة: أحد، وعريب وديار، في نحو: ما مثلك أحد.... فلا بد لزيادة الباء في خبر "ما" من تحقيق الشرطين السابقين. "انظر ص 590 و 591" وهامشهما". هذا والذي يدل على أن زيادة "الباء" هي في خبر العاملة أو المهملة ما يكون للخبر من توابع، فإن ضبط التابع بغير الجريدل على نوع الخبر. وأنه خبر للعاملة أو للمهملة. 4 سواء أكانت عاملة عمل "ليس" أم عامةل عمل "إن".

بدائم. وأصل الكلام: لا جاهٌ خالداً، ولا سلطانٌ دائما. "والإعراب كالسابق" ... وقد تقدم أنها تزاد فى خبر المضارع من "كان"، بشرط أن يكون منفيًّا بحرف النفى: "لم"؛ نحو: كلمتنى فلم أكنْ بمشغول عنك، ولم أكنْ بمنصرف عن حديثك. أى: لم أكن مشغولا عنك، ولم أكن منصرفاً عن حديثك. فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها فى محل نصب: خبر "أكن". وأنها قد تزاد أيضاً فى المفعول الثانى من مفعولى: "ظن وأخواتها"، نحو: ما ظننت المؤمن بجبان. أما زيادتها فى بقية الأفعال والحروف الناسخة، أوفى خبر المبتدأ، أوفى غير ما سبق - فمقصور على السماع.

_ 1 في رقم 2 من هامش ص 592. 2 ما عدا "لا يكون" الاستثنائية لأن الباء لا تزاد في خبرها، ولأنها لا بد أن تكون للغائب وقبلها: "لا" النافية. 3 يقول ابن مالك في كل ما سبق من زيادة الباء ومن الكلام على: "لا - ولات" ما يأتي باختصار: "وقد الكلام على زيادة الباء قبل أن يتكلم على - ولات"، وكان الواجب التأخير عنهما". وبعد: "ما" و "ليس" جر "البا" الخبر ... وبعد: "لا" ونفي: "كان" قد يجر أي: جرت "الباء" الخبر بعد: "ما": "ليس". ثم قال: وقد يجر الخبر بعد "لا" التي هي من أخوات "ليس" وبعد: "كان" المنفية، لأن نفيها ينصب على خبرها "بشرط أنها غير الاستثنائية" كما شرحنا - ثم قال: في النكرات أعملت كليس: "لا" ... وقد تلي: "لات" و "إن" ذا العملا أي: أعملت،: "ولا" في النكرات عمل "ليس" فترفع الاسم وتنصب الخبر، بشرط أن يكونا نكرتين معا. ثم قال: وقد تتولى "لات" و "إن" هذا العمل فيرفع كل منهما الاسم، ينصب الخبر، ولم يذكر شروطا ثم عاد فقال: ومما للات في سوى حين عمل ... وحذف ذي الرفع فشا. والعكس قل يريد: أن "لات" لا تعمل في سوى "الحين" أي: الزمن، فلا بد أن يكون اسمها وخبرها لفظين دالين على الزمن، ولا بد من حذف أحدهما. كما عرفنا. ولكن حذف الاسم صاحب الرفع هو الفاشي، أي: الشائع، والعكس قليل، وهو حذف الخبر، وبقاء الاسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يتردد فى مواطن مختلفة من كتب النحوما يسمى؛ "العطف على التوهم"؛ وهونوع يجب الفرار من محاكاته1 - قدر الاستطاعة - ولتوضيحه نسوق المثالين التاليين: "ا" "ليس المؤمن متأخراً عن إغاثة الملهوف". فكلمة: "متأخراً" خبر "ليس"، وهومنصوب. ويجوز - كما عرفنا2 - أن تزاد باء الجر فى أول الخبر؛ فنقول: "ليس المؤمن بمتأخر عن إغاثة الملهوف"؛ فتكون كلمة: "متأخر" فى الظاهر مجرورة بالباء الزائدة، لكنها فى التقدير فى محل نصب، لأنها خبر "ليس". فإذا عطفنا على الخبر المجرور بالباء الزائدة كلمة أخرى، بأن قلنا: ليس المؤمت بمتأخر وقاعد عن إغاثة الملهوف - فإنه يجوز فى المعطوف - وهوكلمة: "قاعد" مثلا - الجر تبعاً للمعطوف عليه المجرور فى اللفظ، كما يجوز نصبه، تبعاً للمعطوف عليه المنصوب محلا، لأنه خبر "ليس". فالمعطوف فى المثال السابق يجوز نصبه تبعاً لمحل الخبر، كما يجوز جره تبعاً للفظ الخبر المجرور بالباء الزائدة المذكورة فى الجملة، والتى يجوز زيادتها فى مثل هذا الخبر. لكن إذا خلا الخبر منها فكيف نضبط المعطوف عليه؟ أيجوز النصب والجر مع عدم وجودها كما كانا جائزين عند وجودها؟ يقول أكثر النحاة: نعم. ففى المثال السابق يصح أن نقول: ليس المؤمن متأخراً وقاعداً عن إغاثة الملهوف. أو: ليس المؤمن متأخراً وقاعدٍ ... بنصب كلمة: "قاعد" أوجرها؛ فالنصب لأنها معطوفة على الخبر المنصوب مباشرة؛ ولا عيب فى هذا. والجر لأنها معطوفة على خبر منصوب فى التقدير؛ على تخيل وتوهم أنه مجرور بالباء الزائدة؛ فكأن المتكلم قد تخيل وجود الباء الزائدة مع أنها غير موجودة بالفعل. وتوهم أنها ظاهرة فى أول الخبر؛ - ولذا يسمونه: "العطف على التوهم" - مع أن

_ 1 سيجيء نوع منه - "في جـ4 باب النواصب ص 337 م 149، عند الكلام على فاء السبيبة، وكذلك في باب: "العطف" جـ3 ص 636 م 122"- يقتضيه وضوح الكلام، واستقامة معناه، مع تقدير "أن" المضمرة وجوبا. 2 في ص 605.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أن توهمه غير صحيح. ومن العجب أن يتوهم ويتخيل ما لا وجود له، ويبنى عليه آثاراً. وهذا أمر يجب الفرار منه - كما قلنا -؛ لما فيه من البعد، والعدول عن الطريقة المستقيمة الواضحة إلى أخرى ملتوية، لا خير فيها. فإن قهرتنا بعض الأساليب القديمة على الالتجاء إليه وجب أن نقتصر عليه فى الوارد، ونحصر أمره فى المسموع من تلك الأساليب، دون أن نتوسع فيها بالمحاكاة والقياس، إذ لا ضرورة تلجئنا إلى محاكاته. وهذا الرأى السديد لبعض النحاة الأقدمين1 تستريح النفس إليه وحده، ولا فرق فيه بين العطف على خبر "ليس" أو"ما" أوغيرهما من الأخبار التى تزاد فى أولها الباء جوازاً2 ... مثال آخر: ما المحسن مناناً بإحسانه. كلمة: "مناناً" - خبر "ما" منصوبة، ويجوز أن تزاد "باء" الجر فى خبر: "ما" الحجازية على الوجه المشروح فى زيادتها - فيقال: ما المحسن بمنان بإحسانه. فتكون كلمة: "منان" مجرورة فى الظاهر بالباء الزائدة، ومنصوبة المحل، لأنها خبر "ما"؛ فإذا عطفنا على هذا الخبر المجرور كلمة أخرى3، جاز فى المعطوف إما الجر تبعاً للخبر المجرور لفظه، وإما النصب أيضاً تبعاً للخبر المنصوب محله؛ فيقال ما لامحسن بمنان وذاكر إحسانه أو: "ذاكراً" إحسانه؛ بجر كلمة: "ذاكراً"، أونصبها.

_ 1 وقد تردد في مراجع وأبواب مختلفة، منها شرح الأشموني، آخر باب: "حروف الجر"، ومنها كتاب: "تنزيل الآيات"، شرح شواهد الكشاف، ص 16 عند بيت الشاعر: مشائيم، ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا يبين غرابها حيث عطف: "ناعب" بالجر على: "مصلحين: يتوهم إن المعطوف عليه مجرور بالباء، وأن التقدير بمصلحين. وأيضا ورد هذا البيت ومعه آخر في "الكامل للمبرد" جـ 1 ص 279 للاستشهاد بكل منهما على الحكم السالف. 2 والكلام على هذا النوع من الجر يذكرنا نوعا آخر من الجر يجب التشدد في إهماله، وفي ترك استعماله، والاقتصار فيه على المسموع وحده، لوضوح فساده وإفساده، هو: "الجر بالمجاورة". وسيجيء تفصيل الكلام عليه "في جـ2 ص 401 م 89" باب: حروف الجر " وفي جـ 3 ص 8م 93 باب الإضافة". 3 وكان حرف العطف غير: "لكن" و "بل" ... "راجع ص 597 السابقة....".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا لم تكن "باء" الجر الزائدة مذكورة فى أول الخبر فكيف نضبط المعطوف؟ يقول أكثر النحاة: إن العسطف عند عدم وجود باء الجر الزائدة فى الخبر كالعطف مع وجودها، فيجوز النصب فى المعطوف تبعاً للنصب اللفظى فى الخبر المعطوف عليه؛ كما يجوز الجر فى المعطوف تبعاً لتوهمهم الجر فى الخبر المعطوف عليه، وافتراضهم أن ذلك الخبر مجرور بالباء الزائدة؛ مع أنها غير موجودة، فى الكلام. وهوتوهم لا يصح الالتفات إليه اليوم، ولا الأخذ بما يرتبونه عليه ... لما أوضحناه. ويتساوى فى هذا خبر "ليس" وخبر "ما" وغيرهما من الأخبار التى يجوز فى أولها زيادة باء الجر. "ب" إذا وقع بعد خبر "ليس" وخبر "ما" - مشتق معطوف، فكيف نضبطه؟ لهذا صور يعنينا منها ما1 يأتي: أولا: أن يكون المشتق المعطوف على خبرها وصفاً2 عاملا وبعده اسم مرفوع، سبىّ3 له، نحو: "ليس المستعمر أميناً، ولا صادقاً وعدُه" أو: "ما المستعمر أميناً ولا صادقاً وعدُه". فيجوز فى الوصف المعطوف وهوكلمة: "صادق" ما يجوز فيه لوكان غير رافع اسماً بعده؛ وعلى هذا يصح فى كلمة: "صادق" النصب بعطفها على الخبر المنصوب مباشرة وهوكلمة: "أميناً" كما يصح فيها الجر عطفاً على الخبر المجرور على حسب توهم النحاة أن الخبر مجرور بباء زائدة غير ظاهرة فى اللفظ ... وهوتوهم وتخيل سبق رفضه فى: "ا" أما الاسم السبى المرفوع بعد الوصف المعطوف فيعرب فى الحالة السالفة فاعلا له "وقد يعرب أحياناً نائب فاعل فى جملة أخرى إذا كان الوصف الرافع له اسم مفعول". وفى المثال السابق بصورتيه يلتزم الوصف الإفراد فلا يثنى ولا يجمع - فى رأى أكثر النحاة -. ويصح أن يكون الوصف مرفوعاً مبتدأ - لا معطوفاً - وأن يكون السبى4 بعده

_ 1 مع ملاحظة الصور التي سبقت في ص 597. 2 أي اسما مشتقا. 3 و3" السبي هنا: ما له صلة وارتباط بالوصف، كقرابة، أو صداقة، أو عمل، أو شيء متصل به. ويربط بينهما الضمير ونحوه مما يعود على ذلك الوصف. 4 والعطف في المثال السابق بصورتيه عطف مفرد على مفرد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعاً به يغنى عن الخبر "سواء أكان المرفوع فاعلا أونائب فاعل"، وفى هذه الصورة يلتزم الوصف الإفراد أيضاً. ويكون الوصف مع مرفوعه معطوفاً على الجملة قبله1. ويصح أن يكون السبي مبتدأ متأخراً والوصف خبراً مرفوعاً متقدماً - لا معطوفاً وفى هذه الحالة يتطابقان؛ إفراداً وتثنية وجمعاً، وتذكيراً، وتأنيثاً؛ نحو: ليس علىّ مهملا ولا مقصرٌ أخوه - ليس على مهملا ولا مقصران أخواه - ليس على مهملا ولا مقصرون إخوانه2 ... - وكذلك لوكان الناسخ "ما" بدلا من "ليس". ثانياً: أن يكون المعطوف وصفاً أيضاً وقبله: "ليس" ومعمولاها ولكن بعده اسم أجنبى3. فيعطف الأجنبى على اسمها، ويرفع مثله. ويعطف الوصف على خبرها، وينصب مثله، تقول ليس محمود حاضراً، ولا غائباً4 حامد، فكلمة: "حامد" معطوفة على الاسم: "محمود" مرفوعة مثله. وكلمة "غائباً" معطوفة على الخبر "حاضر" منصوبة مثله. فإن كان خبر "ليس" مجروراً بالباء الزائدة جاز أيضاً جر الوصف؛ تقول: ليس محمود بحاضر، ولا غائب حامد؛ بجر كلمة: "غائب" لأنها معطوفة على الخبر المجرور لفظه بالياء الزائدة؛ ويجوز فى الحالتين السالفتين رفع الأجنبي

_ 1 والعطف على هذا الإعراب عطف جملة على جملة. 2 ويتعين العطف في هذه الصورة، وأن يكون عطف جملة على جملة. 3 أي: ليس سببيا. وقد سبق شرح السببي "في رقم 3 ص 611". 4 في هذا المثال معطوفان، ومعطوفان عليهما، وحرف عطف واحد، هو: الواو، وهذا المثال يصلح أن يكون إما عطف جملة على جملة - أي: ليس محمود حاضر وليس حامد غائبا. وإما: عطف مفردين بالواو على نظيرين لهما سابقين، فتكون كلمة: "غائبا" معطوفة بالواو على كلمة: "حاضرا" وكذلك كلمة: "حامد" معطوفة بالواو أيضا على كلمة، "محمود"، ومن اختصاص الواو أن تعطف معطوفين بالصورة السابقة. لكن من أي أنواع العطف هذا؟ أعطف مفرد على مفرد أم جملة على جملة؟ قولان، سنوضح أمرهما والصواب منهما في باب العطف - جـ3 - والمناسب هنا أن العطف عطف جملة على جملة....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه مبتدأ، خبره الوصف المتقدم؛ فيتطابقان. وتكون الجملة الثانية معطوفة على الأولى. ثالثاً: أن يكون المعطوف وصفاً قبله "ما" ومعمولاها؛ وبعده اسم أجنبى؛ فيجب رفع الوصف الواقع بعد خبرها؛ سواء أكان خبرها منصوباً، أم مجروراً بالباء الزائدة؛ نحو: ما محمود حاضراً ولا غائبٌ حامدٌ1. أو: ما محمود بحاضر ولا غائبٌ حامدٌ1. أو: ما محمود بحاضر ولا غائب حامد.

_ 1 السبب الحقيقي هو أن أساليب العرب الفصحاء جرت على هذا. لكن النحاة يذكرون السبب النحوي أن خبر: "ما" لا يتقدم على اسمها. فكذلك خبر ما عطف على اسمها. لأن كلمة "حامد" معطوفة على: "محمود" التي هي اسم "ما" فكأن كلمة: "حامد" بمنزلة اسم: "ما" بسبب أنها معطوفة على الاسم، وكلمة "غائب" معطوفة على كلمة: "حاضر" التي هي خبر "ما"، فكأنها بمنزلة خبر "ما" بسبب ذلك العطف. وقد تقدم ما هو بمنزلة الخبر على الاسم فلا تعمل فيه: "ما".، لفقد الترتيب. فالأحسن في إعراب الوصف في هذه الحالة الحالة أن يكون خبرا مقدما والمرفوع بعده مبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، فالعطف عطف جمل.

أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

المسألة الخمسون: أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء ... 1 أفعال المقاربة - معناها: فى جملة مثل: "الماء يَغلى"، يفهم السامع بسبب وجود الفعل المضارع: أن الماء فى حالة غليان الآن2، أوْ: أنه سيكون كذلك فى المستقبل3. فإذا قلنا: "كاد الماء يغلى" - اختلف المعنى تماماً؛ إذ نفهم أمرين، أن الماء اقترب من الغليان اقتراباً كبيراً، وأنه لم يَغْلِ بالفعل، أى: أنه فى حالة إنْ استمرت زمناً قليلا فسيغلى. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول هووجود الفعل: "كاد" فى الجملة الثانية، مع أنه ماض4. وكذلك الشأن: فى: "القطار يتأخر" إذ نفهم من الجملة أن القطار يباشر التأخر الآن، أوفى المستقبل. فإذا قلنا: "كاد القطار يتأخر ... " تغيَّر المعنى، وفهمنا أمرين؛ أنه اقترب من التأخر جدًّا، وأنه - بالرغم من ذلك - لم يتأخر فى الواقع. أى: أنه فى حالة، إنْ طال زمنها قليلا يقع فى التأخر. والسبب فى اختلاف المعنى الثانى عن الأول وجود الفعل الماضى: "كاد". ومثل ما سبق: "الكأس تتدفق ماء" فالمعنى: أن الماء يفيض منها الآن، أومستقبلا. فإذا قلنا: "كادت الكأس تفيض ماء" تغير المعنى، وانحصر في

_ 1 هذا أحد أبواب النواسخ، وقد عرفنا أن اسم الناسخ لا يكون شبه جملة. 2 أي: وقت الكلام، وهو: الزمن الحالي. 3 هو الزمن الذي بعد الكلام. 4 يلاحظ هنا أن المضارع في خبرها ينقلب زمنه قريبا جدا من الحال - "كما سبق في ص 57 وسيجيء في رقم 7 من هامش ص 615" - كما أن زمنها الماضي ينقلب ماضيا قريبا من الحال، ليتوافق زمن الفعل مع زمن خبره، فإذا قلت: كاد المطر ينزل، فالمراد قرب زمن نزوله من الحال، وأنه لم ينزل فعلا. وقد يكون الزمن: "كاد" وفي خبرها مقصورا على الماضي وحده، أو على المستقبل، حين تقوم القرينة القاطعة على أن المراد المقاربة فيما مضى، أو فيما يستقبل، مثل: كاد القطار يتأخر أمس - يكاد المريض يغادر المستشفى غدا. "راجع في كل ما سبق جـ 7 ص 115 من شرح المفصل: الأفعال المقاربة".

أنها اقتربت كثيراً من التدفق، وأنها لم تتدفق بالفعل، وهذا التغير بسبب وجود الفعل الماضى: "كاد". ومن الأمثلة السابقة - وأشباهها - يتبين أن الفعل: الماضى "كاد" يؤدى فى جملته معنى خاصًّا، هوالدلالة على التقارب بين زمن وقوع الخبر والاسم1، تقارباً كبيراً مجرداً؛ "أى: لا ملابسة2 فيه، ولا اتصال". ومن أجل ذلك سميت "كاد"3 فعل: "مقاربة". ولها إخوة تشاركها فى تأدية هذا المعنى. ومن أشهر أخواتها - كرَبَ - أوشكَ....4 - مثل: كرَبَ الليلُ ينقضى - أوْشكَ الصبح يقبل، بمعنى: "كاد" فيهما. وكلها بمعنى: "قَرُبَ". عملها: أفعال المقاربة أفعال ناقصة "أىْ: ناسخة" ترفع المبتدأ5 اسماً لها، وتنصب الخبر6، فلا ترفع فاعلا، ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة6، فهى من أخوات "كان". غير أن الخبر فى أفعال المقاربة لا بد أن يشتمل على: "1" فعل مضارع7، ومرفوعه "من فاعل، أونائبه ... " ضميرٌ فى الغالب.

_ 1 هما هنا: اسمها وخبرها وسنعرفهما. فهذه الأفعال جاءت لتفيد قرب زمن وقوع الخبر من الاسم قربا كبيرا- وقد يقع الخبر أولا يقع، بل قد يستحيل وقوعه، نحو قوله تعالى: {يكاد زيتها يضيء....} 2 أي: أن كلا منهما يظل منفصلا عن الآخر، لا يخالطه، ولا يتصل به فعلا، ولا يندمج فيه مباشرة. 3 التي مضارعها: "يكاد"، لا التي مضارعها: يكيد، بمعنى يمكر ويسيء. 4 ونها: "الم" وقد ورد في الأثر: "لولا أنه شيء قضاه الله لألم أن يذهب بصبره." ومنها "أولى".... ولا داعي لاستعمال الغريب من أفعال هذا الباب من غير حاجة، بالرغم من جواز استعماله. 5 ولهذا لا يكون اسمها شبه جملة - كما سبق - لأن المبتدا لا يكون شبه جملة. "6 و6" مع ملاحظة أنها لا تدخل على الأشياء التي لا تدخل عليها النواسخ- وقد سبق بيانها في رقم 1 من هامش ص 544 - وأن الأخبار في هذا الباب كله بأنواعه المختلفة يشترط فيها ما يشترط في كل أخبار النواسخ "مما أشرنا له في ص 546 وبيانه التفصيلي في باب: "المبتدأ والخبر" هامش 443" والتنبه. إلى الملاحظة التي في هامش ص 480 خاصة بأن "أفعال الرجاء" وبعض أفعال المقاربة يصح أن يقع المعنى فيها خبرا عن الجثة، طبقا للبيان الذي في رقم 1 من الهامش التالي. 7 يكون زمن هذا المضارع ماضيا قريبا من الحالي عند استعمال "كاد" أو إحدى أخواتها بلفظ الماضي - كما سبق في رقم 4 من هامش ص 614 -، فهو مضارع في اللفظ وفي الإعراب، ماض قريب من الحال في الزمن، مثلها، لأن المضارع الواقع مع مرفوعه في خبر كاد الماضية أو إحدى أخواتها يكون زمنه مثلها، كما سبق - بالرغم من إعرابه فعلا مضارعا.

"2" وأن يكون هذا المضارع مسبوقاً بأن المصدرية"1 مع الفعل: "أوْشكَ" وغير مسبوق بها مع الفعل: "كاد" أو: "كَرَبَ"، نحو: أوشك المطر أن ينقطع، وكاد الجويعتدل، وكَرَبَ الهواءُ يطيب. ويجوز - قليلا - العكس، فيتجرد خبر: "أوْشَكَ"، من "أنْ" ويقترن بها خبر "كاد" و"كرب"، ولكن الأول هوالشائع فى الأساليب العالية التي يحسن الاقتصار على محاكاتها. ومن النادر أن يكون الخبر غير جملة مضارعية. ولا يصح محاكاة هذا النادر، بل يجب الوقوف فيه عند المسموع2. وعمل أفعال المقاربة ليس مقصوراً على الماضى منها: بل ينطبق عليه وعلى ما يوجد

_ 1 نترك للنحاة اختلافهم في نوع "أن" الداخلة في أخبار هذا الباب كله "كأخبار أفعال المقاربة هذه، وأفعال الرجاء ص 612" فأكثرهم يميل إلى أنها حرف نصب غير مصدري وأن فائدته تخليص المضارع للزمن المستقبل، دون زمن آخر، ويرفضون أن تكون مصدرية، بحجة أنها لو كانت مصدرية لوجب أن تسبك مع الجملة المضارعية بعدها بمصدر مؤول يكون خبرا للناسخ، فيترتب على ذلك الإخبار بالمعنى عن الجنة، وهو ممنوع - غالبا -. ففي مثل: عسى محمود أن يجود، يقع المصدر المؤول من أن والمضارع وفاعله خبر "عسى" في محل نصب، فيكون التقدير: عسى محمود جوده. فيقع "جود" - وهو أمر معنوي - خبرا عن "عسى" وهو في الحق خبر عن محمود، لأن اسم عسى وخبرها أصلهما المبتدا والخبر، ولا يجوز أن يكون المبتدأ جثة وخبره امرا معنويا - غالبا - ولا يبيح ذلك ناسخا قبلها. وقال فريق آخر: لا مانع من اعتبار "أن" الداخلة في أخبار هذا الباب هي الناصبة المصدرية، والمصدر النسبك منها ومن المضارع مع فاعله - هو خبر الناسخ، إما على سبيل المبالغة، وإما على تقدير مضاف قبله، أو قبل اسم الناسخ، فيكون التقدير في المثال السابق: عسى محمود صاحب جوده، أو عسى حال محمود جوده ... هذا كلام السابقين. وخير منه أن تكون "مصدرية ناصبة ويغتفر في هذا الباب كله الإخبار بالمعنى عن الجثة، فنستريح من تكلف التأويلات البصرية السالفة، كما نستريح من تكلف التأويلات الكوفية التي تجعل المصدر المؤول بدل اشتمال من الاسم المرفوع السابق، ويجعلون: "عسى" فعلا تاما معناه: "التوقع". ففي مثل: عسى على أن يحضر.... يكون التقدير: عسى على حضوره، أي: يتوقع على حضوره، ويكون الغرض من "البدل" هو التفصيل بعد الإبهام الداعي للتشويق. والذي يعنينا من هذا كله هو أن التعبير السالف صحيح، لا ضعف في استعماله ومحاكاته، ولا يعنينا بعد هذا نوع التأويل الذي يأخذ به فريق دون الآخر. "ولهذا إشارة في رقم 1 من هامش ص 636". 2 ومنه قوله الشاعر: فأبت إلى "فهم" وما كدت آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر "أبت" رجعت "فهم": اسم قبيلة: "تصفر" أي: تخلو من كل شيء فيها.... والنادر المسموع هو مجيئه مفردا. أما غيره وهو: "الجملة الماضوية، أو الاسمية أو شبه الجملة - فلم يسمع عن العرب

المشتقات الأخرى، وهى محدودة؛ أشهرها ثلاثة؛ مضارع للفعل: "كاد"، ومضارع للفعل: "أوشك"، واسم فاعل له، نحو: يكاد1 العلم يكشف أسرار الكواكب - يوشك القمر أن يتكشف للعلماء - أنت موشكٌ أن تنتهى إلى خير. والأكثر أن تستعمل "كاد" و"كَرَبَ" ناسختين2. أما "أوشك" فيجوز أن تقع تامة؛ بشرط أن تُسنَد إلى "أنْ" والفعل المضارع الذى فاعله "أومرفوعه" ضمير مستتر: نحو: القوىّ أوشك أن يتعب؛ فالمصدر المؤول من "أنْ" والفعل المضارع وفاعله فى محل رفع فاعل "أوشك" التامة3. ومثله قول الشاعر: إذا المجدُ الرفيع تواكلتْه4 ... بناة السُّوء أوشَك أن يضيعا5 وهي فى حالة تمامها تلزم صورة واحدة لا تتغير، مهما تغير الاسم السابق عليها فلا يتصل بآخرها ضمير رفع مستتر أوبارز: تقول: القويان أوشك أن يتعبا. الأقوياء أوشك أن يتعبوا. القوية أوشك أن تتعب. القويتان أوشك أن تتعبا. القويات أوشك أن يتعبن ... بخلاف ما لوكانت ناقصة؛ فيجب أن يتصل بآخرها ضمير رفيع يطابق الاسم السابق فى التذكير، والتأنيث، وفى الإفراد، وفروعه: فتقول فى الأمثلة السابقة: "أوشَك" - "أوْشكا" - "أوْشكوا" - "أوشكت" - "أوشكَتَا" - "أوشَكْن" فإن وقع المضارع اسم مرفوع ظاهر نحو: أوشك أن يفوز القوىُّ - جاز فى أوشك أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة6.

_ 1 ومثل قول الشاعر: بنا من جوي الأحزان والوجد لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب 2 عند وقوعهما تامتين لا يصح إسنادهما إلى "أن" والمضارع، أي: لا يكون في الفصيح فاعلهما أو مرفوعهما مصدرا مؤولا. 3 ويجوز - في هذا المثال - أن تكون ناقصة، واسمها ضمير يعود على "القوى" وخبرها المصدر المؤول بعدها "انظر رقم 1 من الهامش السابق". 4 اتكل بعضهم على بعض في إقامته وحراسته، أو:أهملوه. 5 الألف زائدة في آخر المضارع، للشعر. 6 فعلى اعتبارها تامة تكون كلمة: "القوي" فاعلا للمضارع، والمصدر المؤول فاعلا "لأوشك". وعلى اعتبارها ناقصة، يكون الاسم الظاهر المرفوع: "القوي"، اسمها، طبقا للرأي الآتي في رقم 3 من هامش الصفحة التالية - والمصدر المؤول خبرها. ويجوز إعرابات أرى. وستجيء لهذا إشارة عند الكلام على أفعال الرجاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" "كاد" كغيرها من الأفعال فى أن معناها ومعنى خبرها منفى إذا سبقها نفى، ومثبت إذا لم يسبقها نفى، خلافاً لبعض النحاة؛ فمثل: "كاد الصبى يقع" معناه: قارب الصبى الوقوع. فمقاربة الوقوع ثابتة. ولكن الوقوع نفسه لم يتحقق. وإذا قلنا: ما كاد الصبى يقع. فمعناه: لم يقارب الوقوع فمقاربة الوقوع منتفية. والوقوع نفسه منفى من باب أولى، ومثل هذا يقال فى بيت الشاعر: إذا انصرفت نفسى عن الشئْ لم تكَدْ ... إليه بوجه - آخِرَ الدَهرِ - تُقْبِلُ1 "ب" تعد أفعال المقاربة من أخوات "كان" الناسخة كما عرفنا2. ولكن أفعال المقاربة تخالفها فيما يأتى: 1- خبرها لا بد أن يكون مصدراً مؤولاً من جملة مضارعية - فى الأصح - مسبوقة بأنْ أوغير مسبوقة بأن3، على التفصيل السابق، وفاعل المضارع لا بد أن يكون - فى الأرجح - ضميراً يعود على اسمها: وقد ورد رفعه السبىّ4 فى حالات قليلة، لا يحسن القياس عليها، مثل: كاد الطلل تكلمنى أحجاره. 2- خبرها لا يجوز أن يتقدم عليها.

_ 1 وقد قالوا في بيت ذي الرمة: إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح إنه صحيح بليغ. لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقترب حبي من التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه. فهذا أبلغ من أن يقول: "لم يبرح"، لأنه قد يكون غير بارح من أنه قريب من البراحز بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح. "رسيس الهوى. أوله وشدته". وكذا قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها". هو أبلغ في نفي الرؤية من أن يقال لم يرها. لأن من لم ير، قد يقارب الرؤية. بخلاف من لم يقارب:..... "راجع الأشموني، والصبان". 2 في ص 615. 3 إذا كانت الجملة المضارعة مسبوقة بأن الناصبة فالخبر هو المصدر المنسبك. "المؤول". مجاراة للرأي الذي سبق في رقم 1 من هامش ص 616. 4 أي: الاسم الظاهر، المضاف لضمير اسمها- كما سبق في رقم 3 من هامش ص 611-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- إذا كان الخبر مقترناً "بأن" لم يجز - فى الأشهر1 - أن يتوسط بينها وبين اسمها، أما غير المقترن فيجوز كما فى خبر كان. 4- يجوز حذف الخبر إن علم، نحو: "من تأنى أصاب أوكاد؛ ومن عَجل أخطأ أوكاد، وهوكثير فى خبر "كاد" قليل فى خبر "كان" ومع قلته جائز بالتفصيل الذى سبق فى موضعه2..... 5- لا يقع فعل من أفعال المقاربة زائداً. "حـ" يرى بعض النحاة أن "أوشك" ليست من أفعال المقاربة، وإنما هى من أفعال الرجاء التى سيجئ الكلام عليها فى هذا الباب3. مستشهداً ببعض أمثلة مأثورة تؤيده. ولا داعى للأخذ برأيه اليوم، بعد أن شاع اتباع الرأى الآخر الذى يخالفه، وتؤيده أيضاً شواهد فصيحة قديمة، تسايرها أساليبنا الحديثة. وإنما ذكرنا الرأى الأول ليستعين به المتخصصون على فهم النصوص القديمة.

_ 1 في هذا الرأي المنسوب للشلوبين ومن معه - تضيق، بالرغم من أنه الأفصح. وهناك رأي للمبرد، والفارسي، والسيرافي، ومن معهم - يبيح التوسط. وفي هذا الرأي تيسير، وإزالة للتفرقة بين الخبر المقرون بأن، وغير المقرون بها، ولكنه غير الأفصح. وستجيء الإشارة لهذا في رقم 4 من هامش ص 621 ورقم 2 من هامش ص 624 -. 2 ص 582. 3 ص 621.

أفعال الشروع - معناها: ما معنى كلمة: "شَرَعَ" و"أخذَ" فى مثل: شَرَعَ المُغنَّى يُجَرِّبُ صوته، ويُصْلح عوده، وأخذ يوائم1 بين رنات هذا، ونغمات ذاك".....؟ معنى: "شَرَعَ" أنه ابتدأ فعلا فى التجربة ودخل فيها، وباشرها، وكذلك معنى كلمة "أخذ" فهى تفيد أنه ابتدأ فعلا فى المواءمة والتوفيق بين الاثنين. وكذلك فى مثل: أُعِدَّ الطعامُ: فشرَع المدعوون يتوجهون إلى غرفته، وأخذ كل منهم يجلس فى المكان المهيأ له ... " أى: ابتدءوا فى الذهاب إلى الغرفة، وباشروا الانتقال إليها فعلا، كما ابتدءوا فى الجلوس ومارسوه. ومرجع هذا الفهم إلى الفعل: "شرع"، "وأخذ"، فكلاهما يدل على ما سبق، ولهذا يسميه النحاة: "فعل شروع" يريدون: أنه الفعل الذى يدل على أول الدخول فى الشئ2، وبدء التلبس به، وبمباشرته. وأشهر أفعال الشروع: شَرَع - أَنشأ - طفِقَ - أَخذَ - عَلِقَ - هَبّ - قام - هَلْهَل - جَعَل3..... عملها: هذه الأفعال جامدة لأنها مقصورة على الماضى4، إلا "طفِق"5 و"جعل" فلهما مضارعان. وعملها الدائم هورفع المبتدأ ونصب الخبر بشرط

_ 1 يلائم ويوفق. 2 أي: دخول الاسم في الخبر. 3 هذا الفعل قد يكون بمعنى الظن، أو: التحويل، فينصب مفعولين. وقد يكون بمعنى: خلق، وأوجد، فينصب مفعولا به واحدا، كما سيجيء في جـ2 م 60 باب "ظن وأخواتها". 4 لما كانت هذه الأفعال الماضية دالة على الشروع، كانت ماضية في الظاهر فقط، ولكن زمنها للحال، وزمن المضارع الواقع في خبرها مقصور على الحال أيضا، ليتوافقا فيتلاءم معناهما. ويقول النحاة: إن هذا هو السبب في عدم اقتران خبرها "بأن" المصدرية، إذ "أن" المصدرية تخلص زمن المضارع للاستقبال، وأفعال الشروع تدل على الزمن الحالي. فيقع التعارض بين زمنيها 5 من باب: ضرب، وعلم، وفرح.

أن يكون المبتدأ مما يدخل عليه النواسخ1، فلا ترفع فاعلا ولا تنصب مفعولا ما دامت ناسخة؛ فهى من أخوات "كان" الناقصة. ولا تقع تامة2 حين إفادتها معنى: "الشروع" - كما أوضحناه - إلا أنّ خبر أفعال الشروه لا بد أن يكون: 1- جملة مضارعية فاعلها "أو: مرفوعها" ضمير. 2- المضارع فيها غير مسبوق "بأنْ" المصدرية3، كالأمثلة السابقة. 3- تأخير هذه الجملة المضارعية وجوبا عن الناسخ واسمه، فلا يجوز أن تتقدم على عاملها "فعل الشروع" ولا أن تتوسط بينه وبين اسمه 4. 4- جواز حذفها وهي خبر إن دل عليه دليل. أفعال الرجاء 5 - معناها: يتضح معناها من مثل: اشتد الغلاء؛ فعسى اللهُ أنْ يُخفف حدَّته - زاد شوق الغريب إلى أهله، فعسى الأيامُ أن تُقَربَ بينهم - تَطَلَّع الرحالة إلى كشف المجاهل؛ فعسى الحكومة أن تهيئ له الوسائل ... ففى المثال الأول: رجاء وأمل فى الله أن يخفف شدة الغلاء. وفى الثانى: رجاء وأمل أن تُقربَ الأيام بين الغريب وأهله. وفى الثالث كذلك: أن تُعدّ الحكومة للرحالة الوسائل ... ففى كل مثال رجاء وأمل فى تحقيق شئ مطلوب

_ 1 لا يصح أن يكون اسمها شبه جملة - كما أوضحنا - وقد سبق في هامش ص 544 المبتدأ الذي لا يصلح لدخول النواسخ. 2 بعض هذه الأفعال قد يكون للشروع دون أن يكون ناسخا كالفعل "شرع" راجع معناه في: كتاب "لسان العرب". 3 للسبب الموضح في رقم 4 من هامش ص 620. 4 هذا رأي الشلوبين ومن معه، وفيه تضييق. والأنسب الأخذ بالرأي الآخر الذي يبيح التوسط، وهو منسوب للمبرد، والسيرافي والفارسي - كما في رقم 1 و 2 من هامشي ص 619 و 624 - بالرغم من أن الأول هو الأفصح - 5 الرجاء أو الأمل، معناه: الطمع في إدراك شيء محبوب، مرغوب فيه، وانتظار وقوعه، وهو الرجاء المتوقع.

يُفهم من الفعل المضارع مع مرفوعه، والكلمة التى تدل على الرجاء والأمل هى: "عسى"، ولهذا تبعد من أفعال الرجاء التى تدل على الرجاء التى يدل كل فعل منها على: "ترقب الخير، والأمل فى تحققه ووقعه". "والخبر المرتقب هنا هو: ما يتضمنه المضارع مع مرفوعه، كما سبق". ومن أشهرها: عسى - حَرَى1 - اخْلَولَقَ2 ... . عملها: هى أفعال ماضية فى لفظها3، جامدة1، الصيغة والأغلب أنها ترفع الاسم4 وتنصب الخبر - إن كانا صالحين لدخول النواسخ5 - فهى من الأفعال الناقصة "أى: الناسخة" أخوات "كان". وخبرها - فى الأفصح - مضارع مسبوق: بأنْ6، وفاعله ضمير، لكن يجوز فى خبر "عسى" أن يكون مضارعه غير مسبوق بأنْ، نحو: عسَى الأمن يدومُ7..... كما يجوز أن يكون فاعل هذا المضارع سببيًّا، أى: اسماً ظاهراً مضافاً لضمير اسمها؛ نحو: عسى الوطن يدوم عزُّه.

_ "1 و1" في آخر الزيادة والتفصيل - ص 629 - بيان عن "حسري" وعن اشتقاقها وجمودها، ومعانيها و.... 2 قد يدل بعض هذه الأفعال على الإشفاق، وهو: الخوف من أمر مكروه، ومنه، "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" - كما سيجيء في "ب" من ص 627 - وإذا وقعت "عسى ولعل" في كلام الله كان لها معنى آخر، هو المذكور في رقم 1 من هامش ص 636. ولا تقع "ما" الزائدة بعد "عسى" التي معناها: الرجاء مطلقا. كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 628 ورقم 4 من آخر هامش ص 664. 3 هي ماضية في اللفظ ولكن زمنها هنا مستقبل، إذ لا يتحقق معناها إلا في المستقبل ولذلك كان زمن المضارع الواقع في خبرها مستقبلا فقط، ليتوافقا. 4 ولا يصح أن يكون اسمها شبه جملة. 5 طبقا للبيان الذي سبق في رقم 1 من هامش ص 544. 6 صرح الصباح - في آخر باب: التعجب، جـ 3 بأنه لا يصح إحلال "أن" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" محل "أن" ساكنة النون في خبر "عسى". مع أن كلا منهما حرف مصدري. والظاهر أن الأمر يسري على "عسى" وأخواتها. "7 و 7" انظر هامش ص 479 وص 480 حيث الملاحظة الخاصة بصحة أن يكون خبر هذه الأفعال معنى عن جثة. والبيان في رقم 1 من هامش ص 616.

حكمها: يجب تقديم هذه الأفعال على معموليها. كما يجب - فى رأى دون آخر1 - تأخير الخبر المقرون بأن عن الأسم. ويجوز حذف الخبر لدليل وقد تقدم أن والأغلب فى استعمال هذه الأفعال أن تكون ناقصة. لكن يجوز فى "عسى" "واخلولق" أن تكونا تامتين، بشرط إسنادهما إلى "أنْ" والمضاعر الذى مرفوعة ضمير يعود على اسم سابق. دون إسنادهما إلى ضمير مستتر أوبارز؛ فلا بد لتمامهما أن يكون فاعلهما مصدراً مؤولا من "أنْ" وما دخلت عليه من جملة مضارعية، ولا يصح أن يكون ضميراً، نحو: الرجل عسى أن يكون. ونحو: الزرع اخلولق أن يتفتح، فالمصدر المؤول فى المثالين فاعل2 وفى هذه الحالة لا يكون فى "عسى" و"اخلولق" ضمير مستتر3. وفي حالة التمام تلزم "عسى" وأختها صورة واحدة لا تتغير مهما تغير الاسم السابق، فلا تلحقهما علامة تثنية ولا علامة جمع - لأن فاعلهما مذكور بعدهما - ... نحو الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسى أن يقوما - الرجال عسى أن يقوموا.... وهكذا. أما عند النقص فى: "عسى" و"اخلولق"، فلا بد أن يتصل بآخرهما ضمير مطابق للاسم السابق فتكونا ناقصتين. فإن لم يتصل بهما ضمير، وأسْندتا إلى: "أنْ" والمضارع الذى فاعله ضمير، فهما تامتان، - كما سلف - والمصدر المؤول

_ 1 انظر رقم 3 من هامش الصفحة الآتية، وب" من ص 627 2 ويرى بعض النحاة في الثلاثة أن المصدر المؤول سد مسد المعمولين، فهي عنده- دائما - أفعال ناقصة. وفي هذا الرأي تيسير. 3 وهذا التمام خاص بهما، وبأوشك من أفعال المقاربة - كما سبق عند الكلام عليها في ص 617 والثلاثة بعض الأحكام الأخرى العامة وسيجيء في الزيادة، ص 626.

فاعلهما. ففى حالة النقص نقول: الرجل عسى1 أن يقوم - الرجلان عسيا أن يقوما - الرجال عَسْوا أن يقوموا. البنت عست أن تقوم. البنتان عَسَتا أن تقوما - النساء عَسيْن أن يقمن ... و ... 2 فإن كان فاعل المضارع "أومرفوعه" اسماً ظاهراً جاز فى كل منهما أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة؛ فعند التمام يكون المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الظاهر - فاعلا للناسخ، وعند النقص لا يكون الاسم الظاهر المتأخر مرفوعاً للمضارع، بل يصير هواسم الناسخ ويكون الخبر هو: المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه3 الفاعل أوما يغنى عن الفاعل.

_ 1 يعتبر من ضمائر الرفع المتصلة بآخر الناسخ كل ضمير مستتر وقع اسما لذلك الناسخ. - راجع رقم 3 من هامش ص 219 - 2 انظر بعض الصور الجائزة في ص 626 و "هـ" ص 628 ومنها بعض الصور والأحكام الخاصة باستعمالات: "حزى". 3 وهذا الإعراب مبني على رأي المبرد، والسيرافي، والفارسي، وغيرهم من القائلين بجواز توسط الخبر بين فعل الرجاء واسمه وفي الأخذ به توسعة وتيسير، دون رأي الشلوبين وغيره ممن يمنعون التقديم، وإن كان المنع هو الأفصح - وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 و 3 من هامش من هامش صفحتي: "617و 619" وهناك إعرابات أخرى في الحالتين سيجيء بعضها في الزيادة، وفيما سبق يقول ابن مالك: ككان "كاد" و "عسى" لكن ندر ... غير مضارع لهذين خبر وكونه بدون "أن" بعد "عسى" ... نزر، و "كاد" الأمر فيه عكسا أي: "أن كاد" و "عسى" مثل: "كان" في العمل، كلاهما يرفع الاسم وينصب الخبر، لأنهما من الأفعال الناقصة - ومن النزر، "أي: من القليل جدا" أن يكون خبرهما غير جملة مضارعية. ثم بين أن الجملة المضارعية الواقعة خبرا عن "عسى" لا تخلو من "أن" المصدرية - فيكون المصدر المؤول هو الخبر - ولعكس في الجملة المضارعية الواقعة خبرا عن "كاد". فالأكثر عدم اقترانها "بأن"، ثم قال: وكعسي "حري". ولكن جعلا ... خبرها حتما "بأن" متصلا وألزموا اخلولق: "أن" مثل: "حري" ... وبعد: "أوشك" انتفا: "أن" نزرا يريد: أن "حسرى" كعسى، كلاهما من أفعال الرجاء معنى وعملا. غير أن "حري" لا يخلو خبرها من "أن" المصدرية، فمن المحتم أن يتصل بها. وكذلك "اخلولق"، فقد "أوجبوا" اتصالها "بأن" مثل، "حرى". أما "أوشك" فيلزمها "أن" وقد تحذف نادرا، ولا يقاس على هذا النادر، كما لا يقاس على النزر في كل ما سبق "هذا، والألف في آخر الفعل: "جعل - زائدة" =

وكل هذا يصح فى: "اخلولق" أيضاً1.

_ = ثم قال: ومثل "كاد" في الأصح "كربا" ... وترك "أن" مع ذي الشروع" وجبا كأنشأ السائق يحدو، وطفق ... كذا: "جعلت"، و "أخذت" و "علق" يريد: أن "كرب" مثل: "كاد" في معناها، وهو: المقاربة، وفي عملها، وفي عدم اتصال خبرها "بأن" في الأغلب. ثم عرض لترك "أن" مع ذي الشروع- أي: مع الفعل صاحب الشروع-، فأوجب الحذف، وعد من أن أفعال الشروع، أنشأن وطفق: وجعل: وأخذ، وعلق، ومثل للأول بقوله: أنشأ السائق يجدو، أي: يغني. ثم قال: واستعملوا مضارعا "لأوشكا" ... و "كاد" لا غير، وزادوا "موشكا" أي: أفعال هذا الباب كلها جامدة، ليس لها مشتقات، إلا "كاد" فلها مضارع، وإلا "أوشك" فلها مضارع أيضا. وقد ورد لها اسم فاعل قليلا حيث سمع: موشك، ولا مانع من استعماله. 1 وهذا هو ما قصد إليه ابن مالك بقوله: بعد عسى، اخلولق، أوشك، قد يرد ... غني بـ "أن يفعل" عن ثان فقد يريد "بأن يفعل" كل جملة مضارعية، مسبوقة بأن المصدرية، فهو لا يريد "أن يفعل" ذاتها، وإنما يريد ما هو على صياغتها ونمطها، فتستغنى بها تلك الأفعال الثلاثة عن الثاني اللازم لها، وهو الخبر. فالمراد أنها تستغنى بالمصدر المؤول عن الخبر، فلا تحتاج إليه، فهي تكتفي بمرفوعها وتكون تامة لا ناقصة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا وقعت "عسى" ومثلها "اخلولق" و "أوشك" بعد اسم ظاهر مرفوع1، وليس بعدها في الجملة اسم ظاهر ولا ضمير بارز، مثل: الصديق عسى أن يحضر - جاز أمران: ا- أن تخلو"عسى" من ضمير مستتر فيها أوبارز، فتكون تامة. فاعلها هوالمصدر المؤول بعدها من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" ومرفوعها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها وهو: "الصديق". ونحو: المحمدان عسى أن يتقدما. المحمدون عسى أن يتقدموا. البنات عسى أن يتقدمن. ب- وجاز أن تكون ناقصة، فتشتمل على ضمير مستتر أوبارز هواسمها يعود على المبتدأ السابق عليها ويطابقه فى التذكير والتأنيث، وفى الإفراد وفروعه، وخبرها هوالمصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر أوالبارز. والجملة منها ومن اسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ الذى قبلها؛ مثل: محمد عسى أن يحضر - المحمدان عسيا أن يحضُرا - المحمدون عَسوْا أن يحضُروا - النساء عسَين أن يحضُرْن ... - كما تقدم -. أما إذا تأخر ذلك الاسم المرفوع بحيث يقع بعد المضارع المسبوق بأن المصدرية كما فى المثال: عسى أن يحضر الوالد - فيجوز أربعة أوجه. الأول - أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ "وهومع تأخره فى اللفظ متقدم فى الرتبة". "عسى" فعل ماض تام، وفاعله هوالمصدر المؤول من "أنْ" ومن

_ 1 بأن كانت مسندة إليه مع مرفوعها. 2 في ص 623. 3 هي التي يكون فيها اسم الناسخ ضميرا للمفرد الغائب أو المفردة الغائبة. 4 وإلى هذه الحالة ويشير ابن مالك بقوله: وجردان "عسى" أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا 5 ومع أن هذه الأوجه جائزة من الناحية الإعرابية فلكل منها معنى قد يختلف عن الآخر بعض الاختلاف من الناحية البلاغية. والأوجه الأربعة إنما تجوز في غير الحالة: "هـ" الآتية في ص 628.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع مع مرفوعه المستتر، والجملة من "عسى" وفاعلهما فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر. الثانى: أن يكون الاسم المتأخر مبتدأ مع تأخره. "عسى" فعل ماض ناقص، اسمها ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على المبتدأ، المتأخر فى اللفظ، المتقدم فى الرتبة، ويطابقه؛ وخبرها هوالمصدر المؤول من "أن" والمضارع مع مرفوعه المستتر. والجملة من "عسى" واسمها وخبرها فى محل رفع خبر المبتدأ المتأخر. الثالث: أن تكون "عسى" تامة وفاعلها هوالمصدر المؤول بعدها من "أن" والفعل المضارع مع مرفوعه، ومرفوعه هوالاسم الظاهر بعده. "الولد". الرابع: أن تكون "عسى" ناقصة واسمها هو: الاسم الظاهر المتأخر "الوالد". وخبرها هوالمصدر المؤول من أن والفعل المضارع ومرفوعه المستتر. وتشترك "اخلولق" و"أوشك" مع "عسى" فى كل ما سبق من الحالات1 ... "ب" سبق2 أنه لا يجوز فى أفعال الرجاء أن يتقدم خبرها عليها، كما لا يجوز3 - فى رأى - أن يتوسط بينها وبين اسمها إن كان المضارع مقترناً "بأن". ويجوز حذف خبرها للعمل به. كما سبق عند الكلام على الصلة4 أن أفعال الرجاء لا تصلح أن تكون أفعال صلة، إلا "عسى" طبقا لما هو مدون هناك ... والأكثر فى "عسى" أن تكون للرجاء. وقد تكون للإشفاق5 "أى: الخوف من وقوع أمر مكروه" مثل قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم} - كما سبق فى رقم 2 من هامش ص 563 وكما يجئ فى رقم1 من هامش ص 575. "حـ" إذا أسند الفعل: "عسى" لضمير رفع المتكلم أوالمخاطب جاز فتح

_ 1 انظر رقم 2 من هامش ص 623، ورقم 1 من هامش ص 622 خاصا بهذا الإعراب. 2 في ص 623. 3 وهذا على غير الرأي الذي أشرنا إليه في رقم 1 هـ 4 في ص 374 وهامشها. 5 كما سبق في رقم 2 من هامش ص 622 وكما يجيء في رقم 1 من هامش ص 636.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السين وكسرها؛ نحو: عسِيَت1 أن أسْلَمَ من المرض، وعسيَت أن تفوز بالغنى، وعَسِيتما ... وعَسِيتم ... وعَسين ... والفتح أشهر2. "د" فى مثل: عسانَى أزورك - عساك تزورنى، عساه يزورنا من كل تركيب وقع فيه بعد "عسى" الضمير: "الياء" أو"الكاف" أو"الهاء" وهى ضمائر ليست للرفع - تكون: "عسى" حرفاً للرجاء3، بمعنى: "لعل" وتعمل عملها، وهذا أيسر الآراء كما سبق4. ويجوز اعتبار "عسى" من أخوات "كان" وهذا الضمير فى محل رفع اسمها. ولا يكون كذلك فى غير هذا الموضع والأفضل الإعراب الأول، والاقتصار عليه أحسن. "هـ" فى مثل: عسى أن يتلطف الطبيب مع المريض - يوجب النحاة إعراب كلمة: "الطبيب" فاعلا للفعل: "يتلطف". ولا يجيزون أن تكون مبتدأ متأخراً، ولا اسماً لعسى الناقصة، ولا غير ذلك5. وحجتهم فى المنع أن إعرابها بغير الفاعلية للفعل: "يتلطف" يؤدى إلى وجود كلمة أجنبية فى وسط صلة "أنْ" فمن الخطأ إعراب أن "مصدرية" "يتلطف" مضارع منصوب بها، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على "الطبيب" المتأخر فى اللفظ؛ دون الرتبة؛ وعلة الخطا أن كلمة: "الطبيب" سواء أكانت مبتدأ متأخراً، أم اسماً لعسى، قد

_ 1 وإسناده لهذه التاء التي هي ضمير - دليل من الأدلة التي يعتمد عليها أصحاب الرأي القائل بأن "عسى" فعل ماض، وليست حرفا. أما بقية أفعال هذا الباب فلا خلاف في أنها فعل. 2 وفي هذا يقول ابن مالك: والفتح والكسر أجز في السين من ... نحو: عسيت، وانتقا الفتح زكن أي: أن الفتح والكسر جائزان في مثل: "عسيت" حين يتصل بها ضمير رفع لمتكلم، أو لمخاطب كما شرحنا، "زكن" انتقاء الفتح "بمعنى: علم اختياره عن العرب"، وأنه أفضل عندهم من الكسر. 3 وفي هذه الحالة لا تقع بعدها "ما" الزائدة لأن "ما" الزائدة لا تقع بعد عسى - كما سيجيء في آخر رقم 4 من هامش ص 664 وكما سبق في رقم 2 من هامش ص 622 4 في رقم 3 من هامش ص 622 وفي ب من ص 241 وستجيء لها إشارة في رقم 2 من هامش ص 628. 5 وهذه هي الحالة المستثناء التي أشرنا لها في رقم 5 من هامش ص 626.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقعت غريبة بين أجزاء صلة "أنْ" لأنها ليست من تلك الصلة، وفصَلتْ بين تلك الأجزاء. ولا يجوز الفصل بأجنبى فى تلك الصلة. ومثل هذا قالوا: فى إعراب كلمة: "رَبّ"، فى قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} مع إعراب: "مقاماً" ظرف. و من الاستعمالات الصحيحة وقوع اللفظ: "حَرًى" اسماً منوناً مع ملازمته الإفراد والتذكير فى جميع حالاته؛ نحو: الصانع حَرًى أن يُكرَم - الصانعان حرًى أنْ يُكرَما - الصانعون حَرًى أن يكرموا - الصانعة حَرًى أن تكرم - الصانعتان حَرًى أن تكرما - الصانعات حرى أنْ يكرمن ... ولفظ: "حَرًى" فى كل الاستعمالات السابقة مصدر معناه: جدير وحقيق؛ فهومصدر بمعنى الوصف، والأحسن أن يكون مصدراً لفعل تام متصرف ليس فى "أفعال الرجاء" هوالفعل: حَرِىَ - يَحْرَى - حَرًى. وقد يجئ من هذا الفعل التام المتصرف وصف مشتق على: "حَرِىّ" "وزان: غَنِيّ"، وعلى: حَرٍ "وزان: صَدٍ بمعنى: ظمآن" وهذان الوصفان هما صفتان مشبهتان ولا يلتزمان صيغة واحدة، وإنما تلحقهما علامة التثنية والجمع، والتذكير والتأنيث فيقال: المكافح حَرِىّ أوحَرٍ أن يفوز - المكافحات حريَّان، أوحَريَان أن يفوزا - المكافحون حريُّون أوحريُون أن يفوزوا - المكافحة حريَّة أوحَرِيةٌ ... المكافحتان حرِّيتَان أوحَرِيتَان ... المكافحات حَرِيَّات أوحَرِيَات ...

الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

الحروف الناسخة "إن" وأخواتها مدخل ... المسألة الحادية والخمسون: الحروف الناسخة 1 "إن" وأخواتها يراد بالحروف الناسخة هنا - سبعة أحرف2 لا شك فى حرفيتها، وهي:

_ 1 تقدم معنى الناسخ- في أول باب: "كان وأخواتها ص 543- وبيان ما لا يصح دخول الناسخ عليه. 2 يزاد عليها: "عسى" بشرط أن تكون للرجاء "أي: بمعنى: "لعل" وبشرط أن يكون اسمها ضمير لغير الرفع، وقد سبق تفصيل الكلام عليها في أفعال الرجاء ص 621- وعلى حرفيتها في رقم 3 من هامش ص 222 وفي "من ص 628". "3 و 3 و3" يجوز تخفيف النون في الحروف الأربعة: المختومة بالنون المشددة، "وهي: إن - أن - كان - لكن" ويترتب على هذا التخفيف أحكام تنشأ عنه، وسيجيء ذكرها تفصيلا في بحث خاص بها، ص 673. 4 مع اعتبار الأداة كلها كلمة واحدة، ولا التفات لما يقال عن أصلها: "الكاف، وأن" "5 و5" تختص "ليت" و "لعل" دون أخواتهما بأنهما لا يكونان إلا في أسلوب إنشائي - كما سبق في رقم 2 من هامش ص 374، وكما يجيء عند الكلام عليهما في رقم 1 و 3 من هامش 635 ولكن نوع الإنشاء معها مختلف فهو "طلبي" مع: "ليت" و "غير طلبي" مع "لعل". 6 ص 685.

وكل واحد من هذه السبعة يدخل على المبتدأ والخبر بأنواعهما1 وأحوالهما؛ فيتناولهما بالتغيير فى اسمهما، وفى شئ من ضبط آخرهما؛ إذ يصير المبتدأ منصوباً، ويسمى: اسم الناسخ، ويبقى الخبر مرفوعاً، ويسمى؛ خبر الناسخ، كالأمثلة المذكورة2. ولكل واحد من تلك الحروف معنى خاص يغلب فيه؛ فالغالب فى: "إنّ" وأنّ": التوكيد3، وفى "لكنّ"

_ 1 انظر "لملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص 410، وتختص بمنع وقوع "أن" بنوعيها بعد "كان" و "إن" و "لا النافية للجنس" وكذلك لا تقع "ما المصدرية" بعد النواسخ الثلاثة السابقة. وهناك شرط يبيح الوقوع في بعض الصور السابقة.... 2 تختلف هذه النواسخ عن "كان" وأخواتها" في أمور ثلاثة: أولها: أن هذه النواسخ حروف: أما "كان" وأخواتها فمنها الأفعال، مثل: كان، وأصبح، وأضحى.... ومنها الحروف، مثل: ما - لا- لا إن.... ومنها الأسماء، وهي المشتقات التي تعمل عما تلك الأفعال. ثانيها: أن هذه النواسخ تنصب الاسم وترفع الخبر. أما تلك الاسم، وتنصب الخبر. ثاليها: أن هذه الحروف لازمة التصدير، "أي: لا بد أن تكون في صدر جملتها" إلا "أن" المفتوحة الهمزة، المشددة النون"، فيجوز أن يسبقها شيء من جملتها، كما سيجيء في ص 637 وفي "ب" من ص 645 ويجب أن تكون مع معموليها جزءا في الإعراب من جملة أخرى. أما "كان" وأخواتها فليست لازمة التصدير ... 3 المراد: توكيد النسبة، أي: توكيد نسبة الخبر للمبتدأ، وإزالة الشك عنها أو الإنكار، فكلا الحرفين في تحقيق هذا الغرض بمنزلة تكرار الجملة، ويفيد ما يفيده التكرار، ففي مثل: إن المال عماد العمران....، تغني كلمة "إن" عن تكرار جملة: "المال عماد العمران"، ومن الخطأ البلاغي استخدامهما إلا حيث يكون الخبر موضع الشك أو الإنكار. والتأكيد بهما يدل على أن خبرهما محقق عند المتكلم، ويس موضع شك. ولا يستعملان إلا في تأكيد الإثبات "انظر ما يقتضيه معنى التوكيد في "أن" - ص 644 "أ" وقد تكون "أن" مفتوحة الهمزة - للترجي مثل "لعل" في معناها، وسيجيء الكلام على حكمها في رقم 3 من هامش في ص 637ز وقد تكون "إن" - مكسورة الهمزة - بمعنى: "نعم" فتعتبر حرف جواب محض لا يعمل شيئا، كقول الشاعر: قالوا: كبرت. فقلت: "إن"، وربما ... ذكر الكبير شبابه فتطربا أي: فحزن - وقول الآخر: ويقلن شيب قد علاك، ... وقد كبرت. فقلت: إنه الهاء للسكت. ويجوز أن يقع المصدر المنسبك من "أن" "المفتوحة الهمزة، المشددة النون" ومعمولها اسما لأختها مكسورة الهمزة، ولبقية الأحرف الناسخة، بشرط أن يتأخرا، ويتقدم عليه خبرها شبه جملة، نحو: إن عندي أنك مخلص، وكأن في نفسي لذلك تشعر بهذا، ولعل في خاطرك أنك أحب الأصدقاء إلى..... =

الاستدراك1 ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها2. وفى: "كأن": التشبيه3؛

_ 1 هو إبعاد معنى فرعي يخطر على البال عند فهم المعنى الأصلي لكلام مسموع أو مكتوب، ومثال ذلك قولنا: "هذا غني" فيخطر بالبال أنه محسن بسبب غناء. فإن كان غير محسن أسرعنا إلى إزالة الخاطر بمجيء ما يدل على ذلك، مثل كلمة: "لكن" وبعدها المعمولان، فنقول: هذا غني لكنه غير محسن" ومثل: "الكتاب رخيص" فيقع في الخاطر أنه لا نفع فيه. فإن كان غير ذلك بادرنا بمجيء كلمة: "لكن" مع معموليها لإزالة هذا الوهم، فنقول: "الكتاب رخيص، لكنه كبير النفع ... "وهكذا ... فلا بد أن يكون قبلها كلام يتضمن معنى أصليا يوحي بمعنى فرعي ناشيء منه وهذا المعنى الفرعي هو الذي يراد إبعاده بكلمة: "لكن"، ويعبر النحاة عن هذا بقولهم في "الاستدراك" إنه: "تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته، أو إثبات ما يتوهم نفيه". وهذا يقتضي أن يكون المعنى بعدها مخالفا للمعنى الفرعي الذي يفهم مما قبلها، ومغايرا له. وتقع بعد النفي والإثبات. فإن كان المعنى الفرعي الناشئ مما قبلها موجبا كان ما بعدها منفيا في معناه، وإن كان المعنى الفرعي قبلها منفيا في مضمونه كان المعنى بعدها موجبا، فوجودها ينبيء عن المغايرة والمخالفة بين معنى ما بعدها والمعنى الفرعي المفهوم مما قبلها. من غير حاجة إلى أداة نافية في أحدهما. ولا يصح أن تكون الجملة الاسمية بعدها خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ قبلها - ولا غير خبر أيضا - كما سنعرف في رقم 2 -. واستعمال "لكن" في "الاستدراك" هو الأعم الأغلب. ومن الجائز استعمالها في بعض الأحيان لمجرد تأكيد المعنى، كما كان يستعملها الفصحاء، مثل: "لو اعتذر المسيء لتناسيت إساءته، لكنه لم يعتذر" فهي هنا لتأكيد عدم الاعتذار، وهو مفهوم بدونها من كلمة: "لو" التي تفيد في هذا المثال نفي معنى الكلام المثبت بعدها. ومن الآيات المشتملة على "لكن" قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي، وأوضح الآراء فيها أن تقدير الكلام: لكن "بسكون النون" أنا هو الله ربي. فحذفت الهمزة تخفيفا، وأدغمت النون في النون، فصارت: لكنا "بنون مشددة بعدها ألف". و"لكن" مشددة النون - هي التي تعد من أخوات "إن" في العمل. أما: "لكن" مخففة النون "أي: الساكنة النون" فليست من أخوات "إن" ولا من النواسخ. بالرغم من أن معناها: "الاستدراك" أيضا. - كما سيجيء في جـ 3 باب العطف. 2 أي: لا بد أن تتوسط بين جملتين كاملتين، بينها نوع اتصال معنوي، لا إعرابي - بحيث تكون في صدر الثانية منهما، ولا يصح في الجملة الثانية المصدرة بها أن تقع خبرا - أو غيره - عن شيء سابق على "لكن". كما أشرنا - في رقم 1 - أماما ورد في كلام السابقين المولدين من نحو: فلان وإن كثر ماله. لكنه بخيل، أو: إلا أنه بخيل: فقد سبق بيان الرأي فيه "في ص 451". 3 المراد: تشبيه اسمها بخبرها فيما يشتهر به هذا الخبر. والتشبيه بها أقوى من التشبيه بالكاف، فمثل: كأن الجمل فيل في الضخامة، أقوى في التشبيه من: "الجمل كالفيل في الضخامة"، ولا يليها - في الغالب - إلا المشبه. أما "الكاف" و "مثل" ... و.... وأضرابهما فيليها المشبه به في الأكثر، على الصورة التي فصلها البيانيون في كل ذلك. واستعمالها في التشبيه مطرد في سائر أحوالها عند جمهرة النحاة. ولكن فريقا يقول: إنها لا تكون للتشبيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلا حين يكون خرها اسما أرفع من اسمها قدرا أو أحط منها، نحو: كأن الرجل ملك. أو كأن اللص قرد: أما إذا كان خبرها جملة فعلية، أو ظرفا، أو جارا مع مجروره، أو صفة من صفات اسمها -0 فإنها للظن، نحو: كأن محمودا وقف، أو عندك، أو في الدار، أو واقف ... لأن محمودا هو النفس الذي وقف، ونفس المستقر عندك، أو في الدار، ونفس الواقف ... والشيء لا يشبه بنفسه. ويقول الذين يرونها للتشبيه باطراد: إنها في الأمثلة السابقة ونظائرها - جارية على أداء مهمتها الأصلية، وهي: التشبيه باعتبار أن المشبه به محذوف، فالأصل: كأن محمودا شخص وقف، أو شخص عندك، أو شخص في البيت، أو شخص واقف.... أو اعتبار المشبه به هو نفس المشبه، ولكن في حالة أخرى له. ولا مانع عندهم من تشبيه الشخص في حالة معينة - بنفسه في حالة أخرى تخالفها، فيكون المراد، كأن محمودا في حاله وهو غير واقف شبيه بنفسه وهو واقف.... والخلاف شكلي، ولكن هذا الرأي أنسب لأنه عام ينطبق على كل الحالات، ويريحنا من التشتيت، والخلاف، وتشعيب القواعد. والأخذ بهذا الرأي أو ذاك إنما يكون حيث لا توجد القرينة التي تعين المراد. فإن وجدت وجب الأخذ بها. ومن الأساليب الفصيحة المسموعة قولهم: "كأنك بالفرج آت، وبالشتاء مقبل". "وكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل" وقد تعددت الآراء في المراد. ومنها في لأسلوب الأول: التعبير عن قرب مجيء الفرج، وقرب إقبال الشتاء. وفي الثاني خطاب متجه إلى المحتضر: كأن الدنيا لم تكن "أي: لم توجد" أو: كأنك لم تكن بالدنيا، لقصر المدة فيها في الحالتين، وكأنك في الآخرة - تتوهم أنك لم تزل عن الدنيا ولم تبارحها. وتعددت كذلك في إعراب تلك الأساليب إعرابا يساير معنى واضحا، ومما ارتضوه في الأسلوب الأول أن يكون معنى "كأن" هنا: التقريب. والكاف اسمها. وأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج. ثم حذف المضاف، وهو كلمة: "زمان" أما الخبر فهو كلمة: "آت" مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة والجار والمجرور: "بالفرج" متعلق بالخبر: "آت". وبالشتاء الواو حرف عطف، والجار مع مجروره متعلق بكلمة: مقبل، المعطوفة على كلمة "آت" السابقة: فأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج، ومقبل "بالشتاء". وارتضوا في الأسلوب الأخير أن يكون الخبر محذوفا فيهما. وجملة: "لم تكن" وكذلك جملة: "لم تزل" في محل نصب، حال. والأصل: كأنك تبصر بالدنيا حالة كونك لم تكن بها "لأنك تبصرها في لحظة مغادرتها" وكأنك تبصر بالآخرة في حالة كونك لم تزل "أي: في حالة لم تزل فيها عن الدنيا، ولم تغادرها نهائيا". وهناك إعراب أخرى كل منها يساير معنى معينا، فتختلف الإعرابات باختلاف المعاني التي يتضمنها كل أسلوب. "راجع حاشية الصبان جـ1 عند الكلام على: كأن". ولعل الإعراب الواضح الذي يساير معنى واضحا في المثالين الأولين هو افتراض أن أصلها: كأنك أت بالفرج ومقبل بالشتاء، وهذا - مع مسايرته المعنى يفيد القرب الذي سبق الأسلوب شاهدا عليه. لأن المخاطبة دليل القرب. ولا مانع من اعتبار: كأن للقرب أو للتشبيه فإن كانت للقرب فمعناها ظاهر، وإن كانت للتشبيه فالمراد "كأنك شخص أو شيء آت بالفرج، ومقبل بالشتاء. فالمشبه به محذوف. وعلى هذا أو ذاك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ =تعرب "الكاف" اسمها، و "آت" خبرها. والفرج جار ومجرور متعلق بالخبر. و "مقبل" "الواو" حرف عطف "مقبل" معطوف على: "آت" و "بـ الشتاء" جار ومجرور متعلق بكلمة: "مقبل وما يقولونه في تأييد إعرابهم المخالف مردود وضعيف ... "كالذي ورد في المغني والتصريح وحواشيها عند الكلام على: كأن". كما يصح في المثال الأخير: اعتبار كلمة "كأن" للتشبيه "تشبيه المخاطب في هذه الحالة بنفسه في حالة أخرى، فالمشبه والمشبه به شخص واحد، ولكن في حالتين مختلفتين، وهذا أمر جائز عندهم، - كما أسلفنا - أي: كأنك في حالة وجودك بالدنيا شبيه بنفسك في حالة عدم وجودك بها. " "فالكاف اسمها، والجار والمجرور، "بالدنيا" متعلق بالفعل: "تكن" فكلمة: "لم" حرف جزم. "تكن" تامة بمعنى "توجد" فعل مضارع مجزوم بها. والفاعل: أنت، والجملة في محل رفع خبر: "كأن". "فالمراد: كأنك عند الاحتضار" لم توجد بالدنيا، فأنت في حالتك هذه تشبه نفسك في حالة عدم وجودك فيها، فالحالتان سيان". و "بالآخرة" الواو حرف عطف. الجار والمجرور حال مقدم من الضمير فاعل الفعل المضارع: "تزل" المجزوم بالحرف: "لم" "فالمراد: كأنك لم توجد بالدنيا ولم تزل عنها في حالة وجودك بالآخرة، لأنك على بابها. والجملة الفعلية الثانية معطوفة على الجملة الفعلية السابقة". ويرى فريق آخر قصر التشبيه في: "كأن" على الحالة التي يكون فيها خبرها جامدا، مثل: "كأن البخيل حجر". أما في غيره فهي للتحقيق، أو: التقريب، أو الظن.... ومن أمثلة التحقيق عندهم قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، إذ المعنى هنا محقق قطعا. ولا مجال فيه للتشبيه ومثله قول الشاعر المتغزل: كأني حين أمسي لا تكلمني ... متيم أشتهى ما ليس موجودا وهذا رأي حسن ولكن جمهرتهم لا يخرجونها عن التشبيه، وحجتهم ما ذكرنا من أن المشبه به قد يكون محذوفا. وقد يكون هو المشبه أيضا، ولكن في حالة أخرى كما سبقت الإشارة، ففي مثل: "كأن عليا يلعب" يكون المراد: كأن عليا شخص يلعب، أو: كأن عليا في حالة عدم لعبه يشبه عليا في حالة لعبه. أي: كأن هيئته في غير لعبة كهيئته في اللعب "راجع الجزء الأول من الهمع ص 133"، وقد قلنا: إن الأخذ بهذا الرأي أحسن عند عدم القرينة، إبعادا للخلاف، واختصارا نافعا في القواعد. أما مع القرينة فلا، كالآية والتأويل في الآية- ونظائرها - عسير، لأن القرينة تدل على أنها للتحقيق قد يكون أصل المضارع في: "كأنك في الدنيا لم تزل...." هو: "يزول" من "زال" التامة، بمعنى، فمني وذهب. فالزاي مضمومة وقد يكون أصله: "يزال"، من "زال"، يزال" الناسخة مثل: لا يزال الحر مكرما، بمعنى: بقي واستمر، فالزاي مفتوحة. والمعنى منها يخالف ما سبق، وفيه بعد، أي: أن الآخرة باقية خالدة تنتظر.

وفى: "ليت" التمنى1. وفى: "لعل"2 الترجى والتوقع. وقد تكون للإشفاق3.

_ 1 هو الرغبة في تحقق شيء محبوب حصوله، سواء أكان تحققه ممكنا مثل: ليت الجو معتدل، أم غير ممكن، مثل: ليت القتيل يعود حيا. ولا يصح أن يكون في أمر محتوم الوقوع، مثل: ليت غدا يجيء والتمني معنى إنشائي طلبي، ولهذا كان الأسلوب الذي تتصدره "ليت" إنشائيا طلبيا - كما سبق - في رقم 2 من هامش 374-. وتختص "ليت" بأسلوب يلتزم فيه العرب حذف خبرها، هو قولهم: "ليت شعري....." ومع حذفهم الخبر فيه باطراد يلتزمون أن يذكروا اسمها، وأن يكون هذا الاسم كلمة: "شعر" مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها الخبر المحذوف وجوبا، ثم تذكر بعده جملة مصدرة باستفهام، نحو: ليت شعري.... أمقيم أخي أم ظاعن؟ ليت شعري ... أراغب صديقي في الزيارة أم كاره؟...... يريدون، ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال.... أو: مخبر بجوابه.... أما في غير تلك الحالة، وكذا في باقي الأخبار، فيجوز حذف الخبر وحده لدليل، عملا بالقاعدة اللغوية التي تبيح عند أمن اللبس حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه كما سيجيء في "أ" ص 641. وتختص "ليت" كذلك بالاستغناء عن اسمها وخبرها إذا دخلت على "أن" "المفتوحة الهمزة المشددة النون" إذ يسد المصدر المؤول من "أن" ومعموليها مسد معمولي: "ليت"، مثل: ليت أن الصحة دائمنا. وقيل: إن الخبر محذوف، والتقدير: ليت دوام الصحة حاصل.... سواء أكان هذا أم ذلك فالذي يعنينا أنها تدخل على "أن" ومعموليها، فيتم الكلام، ويستقيم من غير حاجة إلى زيادة لفظية أخرى، فلا أهمية للخلاف في الإعراب، إذ الغرض الوصول إلى التعبير السليم الذي يؤدي إلى المعنى المقصود، وهو هنا غير متوقف على طريقة الإعراب. وكذلك تختص - في الرأي الأرجح - بعدم دخول - سوف" على خبرها، فلا يصح: ليت الصحة سوف تدوم، لأن سوف لا تدخل إلا على ما يمكن تحقيقه وادراكه من كل شيء ليس فيه استحالة، ولا بعد، وهذا نقيض ما تفيده "ليت" في الغالب -. "2" في "لعل" المسندة لياء المتكلم لغات كثيرة، ولهجات متعددة - نحن اليوم في غنى عن أكثرها - وقد نقلها صاحب الأمالي "أبو علي القالي في الجزء الثاني - ص 136" - قال ما نصه: "بعض العرب يقول: لعلي، وبعضهم، لعلني، وبعضهم: على، وبعضهم: علني، وبعضهم: لعني، وبعضهم: عني، وبعضهم لعلنا:، وبعضهم: لأنني، وبعضهم لأني، وبعضهم لوني...." أهـ، وفي لسان العرب لغات أخرى. 3 معنى الترجي: انتظار حصول أمر مرغوب فيه، ميسور التحقق. ولا يكون إلا في الممكن. ومثله التوقع. أما الإشفاق فلا يكون إلا في الأمر المكروه المخوف، مثل: لعل النهر يغرق الزرع والبيوت. وخبرها غير مقطوع بوقوعه، ولا متيقن، فهو موضع شك، بخلاف خبر "إن" و. "أن" - كما سبق - وقد تكون للتعليل، كقوله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر....".... وقول الشاعر: تأن، ولا تعجل - بلومك صاحبا ... لعل له عذرا وأنت تلوم وقد تكون للاستفهام، كقوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} وقد تكون للظن..... وجميع هذه المعاني قياسية الاستعمال وإن تفاوتت في الكثرة. وقد تكون للتحقيق "انظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتية". والأسلوب الذي تتصدره "لعل" إنشائي غير طلبي فهي و "ليت" للإنشاء مع اختلاف نعه دون باقي أخواتهما. - كما سبق في رقم 2 هامش ص 374 ورقم 5 هامش من ص 630 -

شروط إعمال هذه الأحرف الناسخة 1: ا- يشترط لعملها ألا تتصل بها: "ما" الزائدة2. فإن اتصلت بها "ما" الزائدة2 - وتسمَّة: "ما" الكافَّة"3 - منعتها من العمل، وأباحت دخولها على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالاسمية. إلا: "ليت" فيجوز إهمالها وإعمالها4 عند اتصالها بكلمة "ما" السالفة؛ فيجب الإهمال فى مثل: إنما الأمين صديقٌ5، ولكنما الخائن عدوّ، وفى مثل قول الشاعر يصف حصاناً ببياض وجهه، وسواد ظهره: وكأنما انفَجر الصباح بوجهه ... حسْنًا، أواحْتَبَسَ الظلامُ بِمَتْنِهِ6

_ 1 يشترط في اسمها وخبرها ما يشترط في اسم كان وخبرها مما تقدم ذكره من شروط عامة في ص 545 مع ملاحظ ما يجيء هنا من فروق قليلة بين النوعين ومن شروط أخرى لا بد منها لإعمال "إن" وأخواتها وينفرد خبر "لعل" بجواز تصديره "بأن" المصدرية، نحو: لعل أحدكم أن يسارع في الخيرات فيلقى خبر الجزاء.... "ولا مانع في هذه الحالة أن يقع المعنى خبرا عن الذات كوقوعه خبرا لعسى ... وقد سبق الكلام عليهما في باب أفعال المقاربة رقم 1 من هامش ص 616". وإذا وقعت "لعل" أو "عسى" في كلام الله تعالى لا يكون معناها الرجاء، أو الإشفاق، لاستحالة ذلك عليه. وإنما يكون معناها التحقيق والقطع حينا، وحينا الرجاء أو الإشفاق منسوبا إلى الذي يدور بصدده الكلام، لا إلى المولى جل شأنه. "ولهذه إشارة في رقم 2 من هامش 622". 2 يشترط أن تكون "ما" حرفا زائدا ليمنع هذه الحروف الناسخة من العمل. فإن لم يكن حرفا زائدا لم يمنعها مثل "ما" الموصولة في نحو: إن ما في القفص بلبل" "أي: إن الذي في القفص بلبل" ومثل "ما" الموصوفة في نحو: إن ما مطيعا نافع، أو إن ما يطيع نافع، "أي: إن شيئا مطيعا أو يطيع - نافع " فكلمة: "ما" في المثالين ليست كافة "أي: ليست مانعة للحرف الناسخ عن العمل"، ويجب فصلها في الكتابة منه. بخلاف الزائدة، فيجب وصلها بآخره في الكتابة. ولا تدخل "ما الزائدة" على "عسى" التي قد تكون حرفا كهذه الأحرف الناسخة. 3 لأنها كفت "أي: منعت" الحرف الناسخ من العمل ولذا يكتفي بعض القدماء في إعراب مثل: "إنما" بقوله: "كافة ومكفوفة" يريد: أن "ما الزائدة" كفت الناسخ عن العمل، وكفت نفسها كذلك عن أن تكون موصولة أو موصوفة...." واقتصرت على أن تكون مهملة زائدة. أو: أنها كفت الحرف الناسخ. وهو قد كفها أيضا أن تكون نوعا آخر غير الزائدة. 4 وفي هذا يقول ابن مالك في بيت سيجيء في ص 664. ووصل "ما" بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يبقى العمل أي: أن اتصال ما" الزائدة بهذه الحروف يبطل عملها. وقد يبقى العمل - اختيارا- في "ليت" وحدها دون أخواتها، في الرأي الأحسن. 5 وقول الشاعر: إنما المرء حديث بعده ... فكن حديثا حسنا لمن وعى وقوله تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها.... إذا اتصلت - ما" الزائدة بأحد الحرفين الناسخين: "إن" أو "إن" منعتهما من العمل، وصار كل واحد منهما بعد هذه الزيادة أداة من أدوات الحصر، تزيد توكيد المعنى قوة ووضوحا.... "وقد سبقت الإشارة الموضحة في رقم 4 من ص 495" مثل: إنما أنت كبير الهمة، أو: عرفت أنما أنت كبير الهمة، فقد قصرنا المخاطب على صفة معينة، هي كبر الهمة، وحصرنا أمره فيها. وتأويل "أن" "المفتوحة الهمزة المشددة النون" مع معمولها بمصدر مؤول تختفي عند ظهوره لا يمنع من إفادتها الحصر عند اتصالها بما الزائدة، لأن إفادة الحصر تتم قبل التأويل وسبك المصدر. 6 بظهره.

ويجوز الأمران مع: "ليت" مثل: ليتما علىّ حاضرٌ، أو: لَيّما عَليَا حاضرٌ، وهى فى الحالتين مختصة بالجمل الاسمية. ب- يشترط فى اسمها شروط، أهمها: ألا يكون من الكلمات التى تلازم استعمالاً واحداً، وضبطا واحداً لا يتغير؛ كالكلمات التى تلازم الرفع على الابتداء، فلا تخرج عنه إلى غيره؛ ككلمة: "طُوبَى" وأشباهها1 - فى مثل: طوبى للمجاهد فى سبيل الله. - فإنها لا تكون إلا مبتدأ. وألا يكون من الكلمات الملازمة للصدارة في جملتها، إما بنفسها مباشرة؛ كأسماء الشرط، و: "كم"....، وإما بسبب غيرها2؛ كالمضاف إلى ما يجب تصديره؛ مثل: صاحِبُ مَنْ أنت؟ فكلاهما لا يصلح أسماً. والسبب: هوأن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فى جملتها "ما عدا "أنّ"3 فإذا كان اسم واحد منها ملازماً للصدارة وقع بينهما التعارض. ولهذا كان من شروط إعمالها - أيضاً - أن يتأخر اسمها وخبرها عنها. وألا يكون اسمها فى الأصل مبتدأ واجب الحذف؛ كالمبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت، ثم انقطع عن النعت إلى الخبر4؛ نحو:

_ 1 لهذه الكلمات بيان في رقم 1 من هامش ص 542 - أول باب: "كان" وأخواتها ومثلها بعض الكلمات التي تلازم النصب على المصدرية، أو على غير المصدرية. 2 مما مربيانة في رقم 1 من هامش ص 544. 3 إذا كانت "أن" للترجي - أي: مثل: "لعل" التي تفيد هذا المعنى - وجب ما يأتي: أن تلازم صدر جملتها، وأن تكون الجملة في هذه الصورة اسمية حتما، ولا يصح اعتبار "أن"، حرفا مصدريا يؤول مع معموليه بمصدر مفرد. كما لا يصح وهي بمعنى: "لعل" أن يتقدم عليها أحد معوليها ولا معمول أحدهما - وقد سبق توضيح هذا في رقم 5 من ص 504 ويجيء له إشارة في "و" من ص" 648 - 4 سبق أن أوضحنا المراد بالنعت المقطوع وسببه.... في ص 510 وسيجيء تفصيل الكلام عليه في الباب الخاص بالنعت حـ3 - ويستثنى من المبتدأ الواجب الحذف ضمير الشأن في مثل: "إن من يرض عن الشريلق سوء الجزاء"، إذا الأصل: إنه من يرض.... أي: إنه الحال والشأن "وقد تقدم الكلام على ضمير الشأن ص 250" فهذه الهاء في الأصل نائبة عن مبتدأ، هو: الحال والشأن. ولا يصح أن تكون كلمة "من" اسم "إن" لأن "من" شرطية، والشرط له الصدارة، فلا يسبقه ناسخ، هذا لى أن المضارعين بعدها مجزومان. ومثله قول الشاعر: إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء أي: إنه من يدخل يلق.... وحذف ضمير الشأن في هذا الباب كثير بقرينة تدل عليه وعلى المراد، "ما هو مشروط عند كل حذف" ومنه الحديث.... إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. أي: إنه.....

عرفت محموداً العالمُ1. حـ- ويشترط فى خبرها ألا يكون إنشائيًّا2، "إلا الإنشاء المشتمل على: "نِعْم" و"بِئْس" وأخواتهما من أفعال المدح والذم" فلا يصح: إن المريض ساعدْهُ. وليت البائسَ لا تُهنْه ... ويصح: إن الأمين نِعْم الرجل، وإن الخائن بئس الإنسان. وكذلك يشترط فى خبرها إذا كان مفرداً أوجملة - أن يتأخر عن اسمها، فيجب مراعاة الترتيب بينهما؛ بتقديم الاسم وتأخير الخبر، نحو: إن الحقَّ غَلاّب - إن العظائم كفؤُها العظماءُ - إن كبارَ النفوسِ ينفرون من صغائر الأمور3، وقول الشاعر: إن الأمينَ - إذا استعان بخائن - ... كان الأمينُ شريكَه فى المأثِم فلوتقدم هذا الخبر لم تعمل، بل لم يكن الأسلوب صحيحاً. وهذا الشرط يقتضى عدم تقدمه على الناسخ من باب أوْلى. أما إذا كان الخبر غير مفرد وغير جملة، بأن كان شبه جملة: "ظرفاً أوجاراً مع مجروره". فيجوز أن يتقدم على الاسم فقط، فيتوسطه بينه وبين الناسخ عند عدم وجود مانع4، نحو؛ إن فى السماء عبرةً5، وإن فى دراستها

_ 1 برفع كلمة: "العالم" على أنخا خبر مبتدأ محذوف. وكانت في الأصل نعتا ثم تركته، وصارت خبرا، إذا الأصل "عرفت محمودا العالم" بنصب العالم على أنها صفة، ثم قطعت عن النعت إلى الخبر للأسباب التي أشرنا إليها في ص 510. 2 سواء أكان الإنشاء طلبا أم غير طلب "راجع رقم 2 من هامش 374 ويجوز في خبر "أن" المخففة أن يكون جملة دعائية - كما سيجيء في ص 678 - كقراءة من قرأ بتخفيف النون "أي: تسكينها"، قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ويقول: "الرضى": "لا أرى مانعا من وقوع الجملة الطلبية خبرا عن "إن" و "لكن" مع قلته. " ولا داعي للأخذ بالرأي القليل هنا. 3 ومثل هذا قول الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا 4 ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى، وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} . وقوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} وجاء في الأشموني ما نصه: "قال في العمدة: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف" أهـ..... المفهوم أن المراد بالظرف ما يشمل الجار ومجروره. فالمراد هنا: شبه الجملة بنوعيه. 5 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه، إن إخواتها: لإن، أن، ليت، لكن، لعل ... كأن - عكس ما لكان من عمل - كإن زيدا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضعن يقول: لإن - وما تبعها من الحروف المذكورة بعدها- عكس ما ثبت من العمل لكان وأخواتها "فكان" ترفع الاسم وتنصب الخبر وهذه الحروف تعمل عكسها: تنصب الاسم وترفع الخبر، ووضح هذا =

عجائبَ. وقول الشاعر: إنّ من الحلْم دلاًّ أنت عارِفُهُ ... والحِلْمُ عن قُدرَةٍ فضلٌ من الكرم ومثل: إن هنا رفاقاً كراماً، وإن معنا إخواناً أبراراً. وقولهم فى وصف رجل: كانَ والله سمْحاً سهْلا، كأنّ بيْنه وبين القلوب نَسَبا، أو: بينه وبين الحياة سبباً. فإن وُجِد مانع لم يجز تقدمه؛ كوجود لام الابتداء فى نحو: إن الشجاعة لفى قول الحق: حيثَ لا يجوز تقديمه وفيه لام الابتداء1 ... وهناك حالة يجب فيها تقديمه؛ هى: أن يكون فى الاسم ضمير يعود على شئ فى الخبر الجار والمجرور؛ مثل: إن فى الحقل رجالَه، وإن فى المصنع عمالَه. فاسم الناسخ "رجال وعمال" مشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر1؛ "أى: على الحقل، والمصنع"؛ ولوتأخر الخبر لعاد ذلك الضمير على متأخر فى اللفظ وفى الرتبة معاً؛ وهوممنوع هنا3.

_ = بأمثلة في البيت الثاني، هي: إن زيدا عالم بأنى كفء، ولكن ابنه ذو ضغن "أي: حقد" فعرض أمثلة لحروف ثلاثة، هي: إن "أن" لكن.... هذا ويتردد في كلام النحاة القدماء - وغيرهم - اسم "زيد" "عمرو" "بكر" "خالد"، وهي أسماء عربية صحيحة، ولكنها شاعت في استعمالاتهم حتى صارت مبتذلة فيحسن العدول عنها في استعمالنا قدر استطاعتنا، كما أشرنا لهذا كثيرا. ثم قال: وراع ذا الترتيب. إلا في الذي ... كليت فيها، أو: هنا - غير البذي يريد: أن مراعاة هذا الترتيب الوارد في أمثلته بين المعمولين أمر واجب، فيتقدم الاسم ويتأخر الخبر وجوبا إلا في مثل: ليت فيها غير الذي "أي: البذيء، وهو: الوقح" ومثل: ليت هنا غير البذيء، من كل تركيب يقع فيه خبر إن وأخواتها ظرفا أو جارا مع مجروره. وقد اقتصر على بيان هذه الحالة التي يجوز فيها التقديم، ولم يذكر تفصيل المواضع التي يجب فيها التقديم والتي يجب فيها التأخي، وقد ذكرناها. 1 ومن الموانع أن يكون الحرف الناسخ هو: "عسى" "التي بمعنى: لعل" أو الحرف: "لا"- كما سيأتي في بابها ص 690 فلا يجوز تقديم خبر هذين الحرفين مطلقا. 2 لأن الخبر هو الجار مع مجروره، والضمير عائد على المجرور وحده، فهو عائد على بعض الحبر كما سبق أن أوضحناه. 3 وهناك حالة أخرى يجب فيها تقديم خبر أن "المفتوحة الهمزة المشددة النون" ستجيء في: "ب" من ص 645. وإذا وقع المصدر المؤول من "أن مع معموليها" مبتدأ، وكان تأخير خبره في هذه الصورة مؤديا إلى اللبس، وجب تقديم هذا الخبر، مثل: عندي أنك فاضل. أما سبب اللبس وما يترتب عليه فقد تقدم في رقم 5 من ص 504 حيث مواضع تقديم خبر المبتدأ وجوبا.

ومما تقدم نعلم أن للخبر - فى هذا الباب - ثلاثة أحوال من ناحية تقديمه، أوتأخيره على الاسم. الأولى: وجوب تأخيره إذا لم يكن شبه جملة. الثانية: وجوب تقديمه إذا كان شبه جملة، وكان الاسم مشتملا على ضمير يعود على بعض شبه الجملة، "أي: على بعض الخبر". الثالثة: جواز الأمرين إذا كان شبه جملة، - غير ما سلف - ولم يمنع من التقدم مانع. أما معمول الخبر "مثل: إن المتعلم قارئ كتابك، وإنه منتفع بعلمك،" فلا يجوز تقديمه على الحرف الناسخ، لكن يجوز تقديمه على الخبر مطلقاً "أى: سواء أكان المعمول شبه جملة، أم غير شبهها، فتقول: إن المتعلم - كتابَك - "قارئُ، وإنه - بعلمك - منتفع. ففى الجملة الأولى تقدم المعمول: "كتابَك" وليس بشبه جملة؛ وفى الثانية تقدم المعمول شبه الجملة، وهوالجار والمجرور: "بعلم. كما يتضح تقديم معمول الخبر على الاسم والتوسط بينه وبين الناسخ فى حالة واحدة، هى: أن يكون المعمول شبه جملة؛ نحو: إن فى المهد الطفلَ نائم - إن بيننا الودَّ راسخ. ويؤخذ من كل ما سبق: 1- أنه لا يجوز أن يفصل بين الحرف الناسخ واسمه فاصل إلا الخبر شبه الجملة الذى يصح تقديمه، أومعمول الخبر إذا كان المعمول شبه جملة أيضا الجملة كذلك، 2- كما لا يجوز أن يتقدم على الحرف الناسخ اسمه، أوخبره، أومعمول أحدهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- قد يحذف الحرف الناسخ مع معموليه أوأحدهما، ويظل ملحوظاً تتجه إليه النية؛ كأنه موجود. وأكثر ما يكون الحذف فى إنّ "المكسورة الهمزة المشدّدة النون"، ومنه قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} بناء على أن التقدير: تزعمون أنهم شركائى. وقد تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وقد تحذف وحدها ويبقى اسمها وخبرها، وقد يحذف أحدهما فقط1، وكل ذلك مع ملاحظة المحذوف ولا يصح شئ مما سبق إذا إذا قامت قرينة تدل على المحذوف مع عدم تأثر المعنى بالحذف، وهذه قاعدة لغوية عامة أشرنا إليها من قبل2"؛ هى جواز حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه. بشرط أن تقوم قرينة تدل عليه". وقد يجب حذف خبر "إن"3 إذا سَدّ مسده واوالمعية، نحو: إنك وخيراً، أى: إنك مع خير، أوسد مسده الحال، نحو: قول الشاعر: إنَّ اختيارك ما تبغيه ذائقةٍ ... بالله مستظهراً بالحزم والجدّ أومصدراً مكرراً؛ نحو: إن الفائدة سيراً سيراً. وتختص: "ليت" بالاستغناء عن معموليها، وبأحكام أخرى سبقت شروطها وتفصيلاتها فى رقم 1 من هامش ص 635. ب- الأنسب الأخذ بالرأى القائل بجواز تعدد الخبر فى هذا الباب على الوجه الذى سبق إيضاحه فى تعدد خبر المبتدأ4، لأن التعدد هنا وهناك أمر تشتد إليه حاجة المعنى أحياناً. حـ- من العرب من ينصب بهذه الحروف المعمولين؛ كما تنطق الشواهد الواردة به. لكن لا يصح القياس عليها فى عصرنا؛ منعاً لفوضى التعبير والإبانة، وإنما نذكر رأيهم - كعادتنا فى نظائره - ليعرفه المتخصصون فيكشفوا به، فى غير حيرة ولا اضطراب - ما يصادفهم من شواهد قديمة وردت مطابقة له مع ابتعادهم عن محاكاتها.

_ 1 راجع الأمثلة في هامش ص 665 وما بعدها وكذا في جـ 8 ص 85 من شرح المفصل. وي حاشية الألوسي على شرح القطر جـ 1 ص 268. 2 في رقم 1 من هامش ص 635. 3 هذا التقييد في الحذف الواجب بأنه خبر إن" لم يذكره صاحب "الهمع" بالرغم من أن الأمثلة التي ذكرها للحذف هي لخبر "إن" والأحسن التقييد. 4 ص 528.

المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها لهمزة "إنّ" ثلاثة أحوال، وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الأمرين. الحالة الأولى: يجب فتحها فى موضع واحد، هو: أن تقع مع معموليها جزءا من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أومنصوب، أومجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ففى مثل: شاع أن المعادنَ كثيرةٌ فى بلادنا. سرنى أنك بارٌّ بأهلك - لا نجد فاعلا للفعل: "شاع" ولا للفعل: "سَرَّ" مع حاجة كل فعل للفاعل، ولا وسيلة للوصول إليه إلا بسبك مصدر مؤول من: "أنّ" مع معموليها؛ فيكون التقدير: شاع كثرةُ المعادِن فى بلادنا - سرنى برُّك بأهلك1 وكذلك الفعل: "زاد" فى قول القائل: لقد زادنى حُبًّا لنفْسِىَ أننى ... بغيضٌ إلىّ كل امرئٍ غير طائلِ وفى مثل: عرفت أن المدن مزدحمة - سمعت أن البحار ممتلئةً بالأحياء ... نجد الفعل: "عرف" محتاجاً لمفعول به، وكذلك الفعل: "سمع". فأين المفعولان؟ لا نتوصل إليهما إلا بسبك مصدر مؤول من: "أن" مع معموليها؛ فيكون التقدير: عرفت ازدحامَ المدنِ - سمعت امتلاءَ البحارِ بالأحياء. وفى مثل: تألمت من أن الصديقَ مريضٌ - فرحت بأن العربىَّ مخلصٌ للعروبة ... ، نجد حرف الجر: "مِنْ" ليس له مجرور، وكذلك حرف الجر: "الباء" وهذا غيرُ جائز فى العربية. فلا مفر من أن يكون المصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها فى الجملة الأولى هوالمجرور بالحرف: "منْ" وفى الجملة الثانية هوالمجرور "بالباء". والتقدير: تألمت من مرضِ الصديقِ - وفرِحتُ بإخلاص

_ 1 المصدر الذي تقدر به "أن" مع معموليها هو المصدر الصريح المأخوذ إما من خبرها إن كان اسما مشتقا، أو فعلا متصرفا، وإما من الاستقرار والوجود إن كان الخبر ظرفا وجارا مع مجروره، وإما هو الكون المضاف لاسمها إن كان الخبر جامدا. وتفصيل هذا وإيضاحه قد سبق في "ب" من باب: الموصول" ص 414. 2 رجل غير طائل: حقير خسيس.

العربىِّ للعروبة ... وهكذا كل جملة تتطلب اسماً لها، ولا سبيل لإيجاده إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ومن الأمثلة غير ما سبق: "حَقا، أنك متعلمٌ رَفْعٌ لقدرك" - "المعروف أن التعلم نافع". فالمصدر المؤول فى الجملة الأولى مبتدأ، والتقدير: تَعَلمُك رفعٌ لقدرك حقا1، أما فى الجملة الثانية فهوخبر، والتقدير: المعروف نَفْعُ التعلم. ومثله المصدر المؤول بعد: "لولا" حيث يحب فتح همزة "أنّ" نحو: لولا أنك مخلص لقاطعتك. والتقدير: لولا إخلاصك حاصل لقاطعتك. ومما سبق نعلم أن المصدر المؤول يجئ لإكمال النقص، فيكون فاعلا، أونائبه، أومفعولا به2، أومبتدأ3، أوخبراً4. وقد يكون غير ذلك5. كما نفهم المراد من قول النحاة: يجب فتح همزة: "أن" إذا تحتم تقديرها مع معموليها بمصدر يقع فى محل رفع، أونصب، أوجر6.

_ 1 انظر ما يختص بكلمة: "حقا" في: "د" من ص 647. 2 بشرط أن يكون المفعول به غير محكي بالقول. 3 انظر "الملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص 410 حيث النص على عدم وقوع "أن المصدرية" بنوعيها "المخففة من الثقيلة، والناصبة للمضارع" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده. 4 عن اسم معنى.... "راجع الزيادة والتفصيل رقم 1 في ص 646". 5 مما سيجيء في "جـ" من ص 645 وما بعدها. إلا في اشياء توضيحها هناك. 6 وفيما سبق يقول ابن مالك: وهمز: "إن" افتح لسد مصدر ... مسدها، وفي سوء ذاك اكسر أي: افتح همزة "إن" لسد المصدر مسدها مع معوليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- "أنّ" - مفتوحة الهمزة، مشددة النون - معناها التوكيد - كما شرحنا - وهى مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له، فمن الواجب أن يكون الفعل - وغيره مما هى معمولة له - مطابقاً لها فى المعنى؛ بأن يكون من الألفاظ الدالة على العلم واليقين؛ لكيلا قع التعارض والتناقض بينهما "أى: بين ما يدل عليه العامل، وما يدل عليه المعمول" وهذا هوما جرت عليه الأساليب الفصيحة حيث يتقدمها ما يدل2 على اليقين والقطع: مثل: اعتقدت، علمت، ووثِقْت، تيقتنت، اعتقادى ... ولا يقع قبلها شئ من ألفاظ الطمع، والإشفاق، والرجاء3 ... مثل: أردت، اشتهيت، وددْتُ ... وغيرها من الألفاظ التى يجوز أن يوجد ما بعدها أولا يوجد؛ والتى لا يقع بعدها إلا "أنْ" الناصبة للمضارع. وهذه لا تأكيد فيها ولا شبه تأكيد؛ فتقول أرجوأن تحسن إلى الضعيف، وأرغب أن تعاون المحتاج. وكالتى فى الآية الكريمة: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} . وما ذكرناه فى "أنّ" المشدّدة يسرى على: "أنّ" المفتوحة الهمزة المخففة من الثقيلة؛ فكلاهما فى الحكم سواء، نحوقوله تعالى {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} . ومن الألفاظ ما لا يدل على اليقين ولا على الطمع والإشفاق ولكن يقع بعده "أنْ" المشددة والمخففة الناسختان كما يقع بعده "أنْ" التى تنصب الفعل المضارع. وذلك النوع من الألفاظ هوما يدل على الظن؛ مثل: ظننت، وحسبت، وخلْت. ومعنى الظن: أن يتعارض الدليلان، ويرجح أحدهما الآخر. وقد يقوى الترجيحُ فيستعمل اللفظ بمعنى اليقين؛ نحوقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم مُلاقو ربهم"

_ 1 راجع هذا في رقم 3 من ص 631 ثم التفصيل في "المصدرية" - ص 678- وقد سبقت سبقت الإشارة إلى "أن المصدرية" مع نظائرها من الحروف المصدرية في ص 407. 2 عند المتكلم. 3 سبق بيان المراد من هذه الألفاظ الثلاثة في رقم 3 من هامش ص 635.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يضعف حتى يصير مشكوكاً فى وجوده: كأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخرى ... ب- لا تكون "أنّ" "المفتوحة الهمزة. المشدة النون" مستقلة بنفسها مع معموليها: فلا بد أن تطون معهما جزءاً من جملة أخرى1 ... غير أنه لا يجوز أن يقع المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" اسماً لأختها المكسورة الهمزة2. فإذا أريد ذلك وجب الفصل بينهما بالخبر، فيتقدم بشرط أن يكون شبه جملة3 نحو: إن عندى أن التجربة خيرُ مرشد. إن فى الكتب السماوية أن الرسل هداةٌ للناس ... وقد سبق4 أنه يجوز وقوع "أنّ" مع معموليها اسماً للأحرف الناسخة - ومنها: أن - "أى: أن يكون المصدر المؤول اسماً للحرف الناسخ" بشرط أن يتقدم عليه الخبر شبه الجملة. حـ - أشرنا5 - فى ص 181 - إلى بعض مواضع المصدر المؤول من "أنّ ومعموليها". وقد يقع فاعلا لفعل ظاهر كما رأينا أومقدر؛ نحو: اسمع ما أنَّ الخطيب يخطب. أى: ما ثبت أن الخطيب يخطب، "مدة ثبوت خطبته" وذلك لأن "ما" المصدرية الظرفية لا تدخل - فى أشهر الآراء - على الجملة الاسمية المبدوءة بحرف مصدرى6. ومثلها العبارة المأثورة: "لا أكلم الظالم ما أنّ فى السماء نجماً. أى: ما ثبت أن فى السماء نجماً ... ". ومن الفعل المقدر أيضاً أن يقع ذلك المصدر المؤول بع: "لو" الشرطية؛ نحو: لوأنك حضرت لأكرمتك: فالمصدر المؤول فاعل محذوف، والتقدير: لوثبت حضورك ... لأن "لو" شرطية لا تدخل إلا على الفعل فى الرأى المشهور. والأخذ به أولى من الرأى القائل: إن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف

_ 1 كما أوضحنا في ص 642. 2 أشرنا لهذا في رقم 3 من هامش ص 631. 3 راجع شرح المفصل جـ 8 ص 71. ويذكرون في سبب المنع أن كل واحدة منهما تفيد التوكيد وحرف التوكيد لا يدخل مباشرة على نظيره. هذا إلى أن دخول إن المكسورة على أختها قد يوقع في الوهم أن المفتوحة الهمزة أضعف في إفادة التوكيد من المكسورة الهمزة، فجيء بهذه لتجبر الضعف، مع أنهما متساويان. وكل هذا تعليل متكلف ومصنوع، وإنما التعليل الحق هو محاكاة العرب الفصحاء. 4 في رقم 3 من هامش ص 631 ثم انظر رقم 4 من هامش ص 410 بعنوان "ملاحظة" 5 في ص 642. 6 إذ الحرف المصري لا يدخل على نظيره لغير توكيد لفظي. "كما سبق في رقم 5 من هامش ص 412".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوباً، أومبتدأ لا يحتاج إلى خبر. لأن فيهما تكلفاً وبعداً1. وقد يقع ذلك المصدر نائب فاعل، نحوقوله تعالى: {قُلْ أوحِيَ إليّ أنَّهُ اسْتَمَع نَفرٌ منَ الجنّ ... } ، وقد يقع خبراً عن مبتدأ الآن، كالأمثلة السالفة، أوبحسب الأصل: نحو: كان عندى أنك مقيم. لكن يشترط فى المبتدأ الذى يقع خبره هذا المصدر المؤول، ثلاثة شروط: 1- أن يكون اسم معنى؛ نحو: الإنصاف أنك تُسَوّى بين أصحاب الحقوق؛ فلا يصح: الأسد أنه ملك الوحوش، بفتح الهمزة. بل يجب كسرها - كما سيجئ2-. 2- وأن يكون غير قول3؛ فلا يجب الفتح فى مثل: قولى: أن البطالة مهلكة. 3- وأن يكون محتاجاً للخبر المؤول من "أنّ" ومعموليها ليكمل معه المعنى الأساسى للجملة، من غير أن يكون المبتدأ داخلا فى معنى الخبر؛ "أى: من غير أن يكون معنى الخبر صادقاً عليه"، نحو: اعتقادى أنك نزيه. فكلمة: اعتقادى. مبتدأ يحتاج إلى خبر يتمم المعنى الأساسي. فجاء المصدر المؤول ليتممه. والتقدير: "اعتقادى نزاهتك"، فالخبر هنا يختلف فى معناه عن المبتدأ اختلافاً واضحاً. فإن كان المصدر المؤول من: "أن مع معموليها" ليس هومحط الفائدة الأصلية، "أى: ليس المقصود بتكملة المعنى الأساسى؛ كأن يكون معناه منطبقاً على المبتدأ وصادقاً عليه" فإنه لا يعرب خبراً، بل الخبر غيره. كما فى المثال السابق وهو: "اعتقادى أنك نزيه" إذا لم يكن القصد الإخبار بنزاهته والحكم عليها بها، وإنما القصد الإخبار بأن ذلك الاعتقاد حاصل واقع؛ فيكون المصدر المؤول مفعولا به للمبتدأ، والخبر محذوف؛ والتقدير - مثلا - اعتقادى نزاهتَك حاصل أوثابت....، والمصدر المؤول فى هذا المثال ينطبق على المبتدأ، ويصدق عليه؛ لأن النزاهة هنا هى: الاعتقاد، والاعتقاد هوالنزاهة ... و ...

_ 1 بيان الأسباب في جـ 2 ص 140 م 69 باب: "الاشتغال" - وفي باب: "لو" من الجزء الرابع. 2 في رقم 6 من ص 651. 3 حكم الواقعة بعد قول موضح في رقم 4 من ص 650 و 5 من ص 655.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقع المصدر المؤول مفعولا لأجله؛ زرتك أنى أحبك، أومفعولا معه، نحو: يسنرى قعودك هنا، وأنك تحدثنا. أومستثنى؛ نحو: ترضينى أحوالك، إلا أنك تخلفَ الميعادَ. ويقع مضافاً إليه بشرط أن يكون المضاف مما يضاف إلى المفرد، لا إلى الجملة؛ مثل: سرنى عملك غير أن خطك ردئ. أى: غير رداءة خطك. فإن كان المضاف مما يضاف إلى الجملة وحدها وجب كسر الهمزة؛ مثل: حضرت حيث إنك دعوتنى، بكسر همزة: "إن" مراعاة للرأى الذى يحتم إضافة "حيث" للجمل، دون الرأى الآخر الذى يبيح إضافتها لغير الجملة فيبيح فتح همزتها. ومثل المواضع السابقة ما عطف عليها؛ نحوقوله تعالى: { ... اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ... } فالمصدر المؤول وهو"تفضيلى" معطوف على المفعول به: "نعمة"، وكذلك ما أبدل منها؛ نحوقوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُم ... } ، فالمصدر المؤول، وهو: استقرارها وكونها ... بدل من إحدى. وهكذا ... ولا يكون هذا المصدر المؤول مفعولا مطلقاً، ولا ظرفاً، ولا حالا، ولا تمييزاً ولا يسدد مسد "مفعول به" أصله خبر عن ذات1، نحو: ظننت القادم إنه عالم. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول من: "أنه عالم"؛ مفعولا ثانياً للفعل: "ظننت" مع أن أصل هذا المفعول خبر عن كلمة: "القادم" فيكون التقدير "القادم علِمْ" فيقع المعنى خبراً عن الجنة2، وهذا مرفوض هنا إلا بتأويل لا يستساغ مع أنّ. د- من الأساليب الفصحية: "أحقًّا أنَّ جيرتَنا استَقَلُّوا3.... يريدون، أفى حق أن جيرتنا استقلوا. فكلمة: "حقًّا" ظرف زمان4 - فى الشائع -، والمصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها مبتدأ مؤخر. ولهذا وجب فتح همزة "أن". أى: أفى حق استقلال جيرتنا.

_ 1 جثة. 2 المانع الحق: هو استعمال العرب الفصحاء، وكراهتهم فتح الهمزة في مثل هذا الموضع. 3 بمعنى: أحقا أن جيراننا ارتحلوا. "والجيرة" جمع: جار. 4 كما في الخضري والتصريح، آخر باب: "الظرف" والظرفية هنا مجازية. وبيان هذا في باب: الظرف" جـ ص 256 "هـ" م 79.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصح أن تكون كلمة؛ "حقًّا"، مفعولا مطلقاً محذوف تقديره: حَقَّ "بمعنى: ثَبَت" والمصدر المنسبك فاعله، أى: أحق حقًّا استقلال جيرتنا؟ وأحياناً يقولون: "أمَا أنّ جيرتنا استقلوا". فكلمة: "أمَا" "بتخفيف الميم"1 بمعنى: حقًّا، ويجب فتح همزة "أن" بعدها. وخير ما ارتضوه فى إعرابها: أنها مركبة من كلمتين؛ فالهمزة للاستفهام. "ما" ظرف، بمعنى: شئ. ويراد بذلك الشئ: "حق" فالمعنى: "أحقًّا" وكلمة: "إما" مبنية على السكون فى محل نصب، وهى خبر مقدم، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخر2. هـ- قد يَسُدّ المصدر المؤول من أنّ ومعموليها مسد المفعولين إن لم يوجد سواه، نحو: ظننت أن بعض الكواكب صالح للسكنى. وكذلك فى كل موضع تحتاج فيه الجملة إلى ما يكمل نقصها فلا جد غيره، مع عدم مانع يمنع منه ... و أشرنا من قبل3 إلى وقوع: "أنَّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجى، فتشارك "لعل" فى تأدية هذا المعنى وتحتاج إلى جملة اسمية بعدها؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أ، يكون لها الصدارة فى جملتها. ولا يصح أن تسبك مع ما بها بمصدر مؤول؛ فهي تخالف "أنَّ" المفتوحة الهمزة، المشددة النون التى معناها التوكيد فى أمور: فى المعنى، وفى وجوب الصدارة، وفى منع السبك بمصدر مؤول.

_ 1 إذا كانت "أما" - مخففة الميم- حرف استفتاح وجب كسر همزة: "إن" بعدها. - كما سيجيء في ص 649 وفي رقم 3 من ص 657 -. 2 الكلام على هذا الأسلوب في جـ2 ص 256 "هـ" م 79. 3 في رقم 5 من ص 504 حيث الإيضاح. وله إشارة في رقم 3 من هامش ص 637.

الحالة الثانية: يجب كسر همزة: "إن" فى كل موضع لا يصح أن تسبك فيه مع معموليها بمصدر؛ يجب الكسر فيما يأتى: "1" أن تكون فى أول جملتها حقيقة، نحو: {إنَّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً} ، وقول الشاعر يمدح محسناً: يُخفِى صنائعَه، واللهُ يُظهرها ... إن الجميل إذا أخفيته ظهرَا وتعتبر فى أول جملتها حكماً إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح1؛ مثل: ألاَ، وأَمَا2، نحو: ألاَ إن إنكار المعروف لؤم - أمَا إن الرشوة جريمة من الراشى والمُرتشى. ومثلهما الواوالتى للاستئناف، كقول الشاعر: وإنى شِقِىٌّ باللئام ولا ترى ... شَقِيًّا بهم إلا كريمَ الشمائِل وكذلك كل واوأخرى تقع بعدها جملة تامة. فإن سبقها شىء من جملتها وجب الفتح، نحو: عندى أن الدّين وقاية من الشرور وهكذا3 ... "2" أن تقع فى جملة الصلة، بحيث لا يسبقها4 شئ منها؛ نحو: أحترم الذى "إنه عزيز النفس عندى."، وكذلك فى أول جملة الصفة التى موصوفها اسم ذات؛ نحو: أحِبُّ رجلا "إنه مفيد". وفى: أول جملة الحال أيضاً؛ نحو: أجِلُّ الرجلَ "إنه يعتمد على نفسه" وأُكْبِرُهُ "وإنه بعيد من الدنايا". "3" أن تقع فى صدر جملة جواب القسم وفى خبرها اللام؛ سواء أكانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب، أم كانت فعلية فعلُها

_ 1 حرف يدل على بدء الكلام، وعرض جملة جديدة، والتنبيه على أن هذا الكلام هام ومؤكد عنه المتكلم. "2" "انظر رقم 3 من ص 657" ثم "ب" من ص 708 وفي رقم 1 من هامش ص 648. 3 ولصدارتها في الجملة صور أخرى كالتي تجيء في ص 652. 4 فإن وقعت حشوا "كأن سبقها شيء من جملة الصلة" لم تكسر، نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل. ومنه: لا أفعله ما أن في السماء نجما. أي: ما ثبت أن في السماء نجما- وقد سبق بيان هذا في "حـ" من ص 645 -.

مذكور؛ نحو: أحلف بالله إن العدلَ لمحبوب. أوغير مذكور، نحو: والله إن الظلم لوخيم العاقبة". فإن لم تقع فى خبرها اللام لم يجب1 كسر الهمزة إلا إذا كانت جملة القسم جملة فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن السياحة مفيدة. يتضح مما سلف أن الكسر واجب فى كل الحالات التى تظهر فيها اللام فى خبر "إنّ". وكذلك فى الحالة التى تحذف فيها تلك اللام من الخبر بشرط أن تكون جملة القسم فعلية، قد حذف فعلها. "4" أن تقع فى صدر جملة محكيَّة بالقول "لأن المحكىّ بالقول لا يكون إلا جملة، - فى الأغلب - بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن1". فتكسر وجوباً فى مثل: قال عليه السلام: "إن الدّين يُسْرٌ". ويقول الحكماء: "إن المبالغة فى التشدد مَدْعاةٌ للنفور"، "فقل للمتشددين: "إن الاعتدال خير""، وكذلك فى الشطر الثانى من بيت الشاعر: تُعَيّرنا أنَّا قليلٌ عَدِيدنا ... فقلتُ لها: إنّ الكرام قليلُ فإن وجد القول ولم تكن محكية به بل كانت معمولة لغيره لم تكسر، نحو: أيها العالمُ، أخُصّك القول؛ إنك فاضل؛ أى: لأنك فاضل؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك لا تكسر إن كان القول بمعنى: الظن، بقرينة تدل على هذا المعنى فيعمل عمله فى نصب مفعولين. - نحو: أتقول المراصدُ أن الجوبارد فى الأسبوع المقبل؟ أى: أتظن3 "فتفتح مع أنها مع معموليها معمولة للقول؛ لأن القول هنا بمعنى "الظن" ينصب مفعولين فيكون المصدر المؤول منها ومن معموليها فى محل نصب يسدُّ مسدَّ المفعولين ... "

_ 1 وإنما يجوز الأمران، طبقا للبيان الذي سيجيء في رقم 2 من مواضع الفتح والكسر ص 653. 2 ولا الاعتقاد أيضا.. فلا بد من أمرين:، أن تكون الجملة معمولة للقول، وأن "القول" ليس بمعنى: "الظن ولا الاعتقاد". ولا بد كذلك ألا يكون مبتدأ داخلا في الحالة الخامسة الآتية في ص 655 3 الدليل على أن القول هنا بمعنى. "الظن" أن المراصد حين تتكهن بما سيقع في المستقبل - ولا سيما المستقبل البعيد - لا تملك الدليل القاطع على صحته، على أنه سيتحقق حتما، فقد يقع أو لا يقع. أما تفصيل الكلام على القول بمعنى الظن وأحكامه. فيجيء في أول جـ 2 باب: "ظن وأخواتها".

"5" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب1 وقد علِّق عن العمل، بسبب وجود لام الابتداء فى خبرها؛ نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. فإن لم يكن فى خبرها اللام2 فتحت أوكسرت. نحو: علمت إن الرياءَ بلاءٌ - بفتح الهمزة، أوكسرها3. "6" أن تقع خبراً عن مبتدأ اسم ذات؛ نحو: الشجرة إنها مثمرة4 وقد يدخل على هذا المبتدأ ناسخ؛ ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا5 وَالصَّابِئِينَ 6 وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ 7 وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ 8 اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 9 ... } .

_ 1 سيجيء في باب: "ظن وأخواتها"، أول الجزء الثاني - تفصيل الكلام على أفعال القلوب التي تنصب مفعولين. والذين يعنينا الآن هو: "الفاعال القلبية. المتصرفة التي يدخلها التعليق، "وهو ترك العمل لفظا دون معنى، لمانع"، فتكون في ظاهرها غير ناصبة المفعولين"، أو لأحدهما، بسبب ذلك المانع ولكنها في الحكم والتقدير ناصبة. نحو: "ظننت لطائر مغرد" فالجملة من: "طائر مغرد" مكونة من مبتدا وخبر، في محل نصب، قد سدت مسد المفعولين للفعل: "ظننت" ولم ينصبهما لفظا، لاعتراض ماله صدر الكلام، وهو هنا: "لام الابتداء". وأشهر أفعال القلوب التي يلحقها التعليق: "رأي - علم - وجد - دري...." وهذه أفعال تدل على اليقين "وخال - ظن - حسب - زعم - عد - حجا - جعل....." وهذه أفعال تدل على الرجحان. 2 يقول النحاة إن السبب في التعليق هو وجود لام الابتداء، لأن لها الصدارةفي جملتها فتمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها. وهنا تأخرت اللام وزحلقت عن مكانها، لوجود "إن" التي لها الصدارة أيضا أنظر البيان رقم 2 من هامش ص 659 والعلة الحقيقية في تأخيرها هي السماع عن العرب. 3 كما سيجيء في رقم 3 من ص 354 فالفتح على اعتبار الفعل غير معلق، والكسر على اعتباره معلقا، أداة التعليق هي: "إن" مكسورة الهمزة، إذ لها الصدارة في جملتها، وكل ما له الصدارة يعد من أدوات التعليق - كما عرفنا - راجع الصبان جـ 2 من في هذا الموضع. 4 لوفتحت لكان المصدر المؤول خبرا عن الجثة، والتقدير، "الشجرة إثمارها" وهو غير المعنى المطلوب، ولا يتحقق هنا إلا بتكلف لا داعي له، أو بتخريجه على المجاز ونحوه ... 5 كانوا يهودا. 6 المتنقلين بين الأديان، أو: هـ عبدة النجوك. 7 الذين يبعدون النار. 8 فكلمة "الذين الأولى، أصلها مبتدأ قبل دخول الناسخ: "إن" ثم صارت اسمه. وجملة إن الله يفصل بينهم، "وهي مكونة من إن ومعموليها" - في محل رفع خبر "إن" الأولى. 9 وفي مواضع كسر همزة "إن" يقول ابن مالك: فاكسر في الابتدا، وفي بدء صلة ... وحيث "إن" ليمين مكمله أي: اكسر همزة "إن" إذا وقعت في ابتداء جملتها، أو حيث تكون مكملة لليمين، بأن تقع في صدر جملة جواب القسم - على التفصيل الذي شرحناه - ثم قال: أو حكيت بالقول، أو حلت محل ... حال، كزرته، وإني لذو أمل وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام، كاعلم إنه لذو تقي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- يَعْدّ بعض النحاة مواضع أخرى للكسر، منها: أن تقع "إنَّ" بعد كلمة "كلاّ" التى تفيد الاستفتاح؛ نحو: قوله تعالى: "كلاَّ، إن الإنسان لَيَطْغَى، أنْ رآه اسْتغنى ... ". أويقع فى خبرها اللام من غير وجود فعل للتعليق؛ نحو: إن ربك لسريع العقاب. أوتقع بعد "حتى" التى تفيد الابتداء نحو: يتحرك الهواء، حتى إن الغصون تتراقص - تفيض الصحراء بالخير، حتى إنها تجود بالمعادن الكثيرة. والتوابع لشئ من ذلك؛ نحو: إن النشاط محمود وإن الخمول داء ... والحق أن هذه المواضع ينطبق عليها الحكم الأول، وهوأنها واقعة فى مصدر جملتها؛ فلا يمنع من الحكم لها بالصدارة أن يكون لجملتها نوع اتصال معنوى - لا إعرابىّ - بجملة قبلها؛ كمثال: "حتى" السابق ... "وكلاَّ"، فى بعض الأحيان. أما اتصالها الإعرابىّ فيمنع كسرها إن كان ما قبلها محتاجاً إلى المصدر المؤول منها مع معموليها احتياجاً لا مناص منه، كما سبق.

الحالة الثالثة: جواز الأمرين "أىْ: فتح همزة "إنّ" وكسرها." وذلك فى مواضع، أشهرها: "1" أن تقع بعد كلمة: "إذا" الدالة على المفاجأة1، نحو: استيقظت فإذا إن الشمس طالعة، وفتحت النافذة، فإذا إن المطر نازل. فالكسر على اعتبار: "إذا" حرف - تبعاً للرأى الأسهل - مع وقوع "إن" فى صدر جملتها الاسمية المصَرّح بطرفيها؛ بأن يُذْكر بعدها اسمها وخبرها. والفتح على اعتبار "إذا" حرف أيضاً والمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها فى محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير: استيقظت فإذا طلوع الشمس حاضر، وفتحت النافذة فإذا نزول المطر حاضر ... ويجوز اعتبار "إذا" الفجائية ظرف زمان أومكان أيضاً، خبراً مقدماً. والمصدر المنسبك من "أنّ" ومعموليها مبتدأ مؤخر، والتقدير ففى المكان أوفى الوقت طلوع الشمس حاضر، أونزول المطر ... "2"أن تقع فى صدر جملة القسم، وليس فى خبرها اللام؛ بشرط أن تكون جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمْرك إن الرياء فاضحٌ أهلَه، أوفعلية فعلها مذكور؛ نحو: أقسم بالله أن الباغىَ هالكٌ ببغيه. بفتح الهمزة وكسرها فيهما، "فإن كان فعل القسم محذوفاً فالكسر واجب - كما سبق2 -؛ نحو: بالله إن الزكاة طهارة للنفس". فالكسر بعد جملة القسم الاسمية فى المثال الأول هوعلى اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة؛ لأنها مع معموليها جملة الجواب لا محل لها من الإعراب. والفتح هوعلى اعتبار المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض3 فهو مجرور بحرف جر محذوف،

_ 1 أي: هجوم الشيء ووقوعه بغتة. والكلام على: "إذا" الفجائية بحرف جر محذوف، من هامش ص 508. 2 في رقم 3 من ص 649. 3 أي: بتقدير حرف جر نزع من مكانه وحذف، فنصب الاسم المجرور بعده - مفعولا به - ليكون نصبه بغير عامل نصب دليلا على المحذوف، هذا تقديرهم الإعرابي الشائع. ولا مانع أن يكون المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف، والجملة جواب القسم مباشرة. وأصل جواز الفتح والكسر هنا راجع - كما جاء في الهمع - إلى الخلاف في جملة القسم والمقسم عليه، أإحداهما معمولة للأخرى فيكون المقسم عليه مفعولا به، أو بمنزلة المفعول به لفعل القسم، أم لا؟ فمن قال: "نعم" فتح، لأن هذا حكم "إن" إذا وقعت مع معموليها مفعولا به. ومن قال: "لا"، وأن جملة القسم تأكيد القسم عليه من غير عمل فيه، كسر، ومن جوز الأمرين أجاز الوجهين.

وشبه الجملة سَد مَسَد جواب القسم، لا محل له. وليس جوابا أصيلا 1 والتقدير: لعمرك قسمى على فضيحة الرياء أهلَه. وكذلك فى المثال الثانى بعد فعل القسم المذكور، فالكسر على اعتبار "إن" مع معموليها جملة الجواب لا محل لها، والفتح على اعتبار المصدر المؤول مجروراً بحرف جرّ محذوف؛ والتقدير: أقسم بالله على هلاك الباغي ببغيه. ويكون الجار مع المجرور قد سد مسد جملة الجواب؛ وأغْنَى عنه - كما سبق -. وليس جوابا أصيلا1، ولم تقع "أن" في صدره. "3" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب، وليس فى خبرها اللام، - طبقاً لما تقدم بيانه2 -؛ نحو: علمت أن الدِّين عاصمٌ من الزلل. "4" أن تقع بعد فاء الجزاء3، نحو: مَن يرضَ عن الجريمة فإنه شريك فى الإساءة. فكسر الهمزة على اعتبار "إنّ" مع معموليها جملة فى محل جزم جواب أداة الشرط: "منْ". وفتح الهمزة على اعتبار المصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، أوخبر مبتدؤه محذوف. والتقدير: من يرض على الجريمة فشركته فى الإساءة حاصلة، أو: فالثابت شركته فى الإساءة ...

_ "1 و1" إنما سد مسد الجواب ولم يكن الجواب مباشرة لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة، ولن يترتب على الخلاف في التسمية أثر في المعنى أو في صياغة الأسلوب، فهو خلاف شكلى محض. 2 في رقم 5 من ص 651. 3 هي الفاء الواقعة في صدر جواب الشرط وجزائه، "أي: في صدر النتيجة المترتبة على تحقق فعل الشرط". وليس من اللازم أن تكون هذه الفاء داخلة في جواب أداة شرط، فقد تكون داخلة على شيء يشبه الجواب لأداة تشبه الشرط في "العموم والإبهام"، كاسم الموصول، وغيره مما سبقت له إشارة في رقم 4 من ص 393 أما البيان ففي م1 4ص 535 ومن الأمصلة قوله تعالى: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ... " فيجوز في أن" الثانية الفتحة أو الكسر. و"ما" موصولة وليست شرطية: لأن الشرطية لها الصدارة فلا تدخل عليها النواسخ، والعائد محذوف، والتقدير: غنمتموه..... فعلى كسر همزة "إن" تكون جملتها هي الخبر، وعلى الفتح يكون المصدر المؤول منها مع معموليها. مبتدأ خبره محذوف، أي: فكون خمسه لله ثابت، أو يكون خبرا لمحذوف، أي: فالواجب كون خمسه لله، والجملة خبر "إن" الأول. "راجع حاشية الخضري في هذا الموضع".

"5" أن تقع1 بعد مبتدأ هوقول، أوفى معنى القول2، وخبرها قول، أوفى معناه أيضاً، والقائل واحد، نحو: قولى: "إنى معترف بالفضل لأصحابه، وكلامى: إنى شاكر صنيع الأصدقاء". فقولى - وهوالمبتدأ - مساوفى مدلوله لخبر "إن" وهو: معترف بالفضل، وخبر "إن" مساوية فى المداول كذلك؛ فهما فى المراد متساويات، وقائلهما واحد، وهو: المتكلم. كذلك: "كلامى"، مبتدأ؛ معناه معنى خبر "إن": "شاكر صنيع الأصدقاء" وخبر "إن" معناه معنى المبتدأ؛ فالمراد منهما واحد، وقائلهما واحد. وهمزة "إنّ" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" مع معموليها جملة. وقعت خبراً3. ومع أنها محكية بالقول نصا تعرب فى محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز فتح الهمزة ذا لم تُقصَد "الحكاية"؛ وأنما يكون المقصود هوالتعبير عن المعنى المصْدرىّ من غير تقيد مطلقاً بنَصّ العبارة الأولى المعينة، ولا بترديد الجملة السابقة بألفاظها الخاصة فيكون المصدر المؤول من أن مع معموليها فى محل رفع خبر المبتدأ، والتقدير: قولى، اعترافى بالفضل لأصحابه، وكلامى، شكرى صنيع الأصدقاء. فإن لم يكن المبتدأ قولا أوما فى معناه وجب الفتح، نحو: عملى أنى أزرع الحقل. والمصدر المنسبك خبر المبتدأ. ويجب الكسر إن لم يكن خبر "إن" قولا أوما فى معناه، مثل كلمة: "مستريح4" فى نحو: قولى إنى مستريح. أولم يكن قائل المبتدأ وخبر "إن" واحداً؛ فلا يتساوى مدلول

_ 1 يراعي الفرق بين هذه الصورة والأخرى "رقم4" السابقة في ص 650. 2 الذي في معنى القول هو ما يدل دلالته من غير لفظه، مثل: كلام.....، حديث.... نطق،...... ولا يراد هنا القول" بمعنى: "الظن" وعمله، فقد سبق حكمه في رقم 4 من ص 650 وأنه الفتح. 3 وكأنك قلت في المثالين السالفين عند كسر الهمزة. "قول هذا اللفظ - كلامي هذا اللفظ" أي: هذا النص بحروفه وهنا يقول الصبان: إن المراد: "حكاية لفظ الجملة - أي: الإتيان بها" بلفظها، وليس المراد أنها مقول القول". 4 خير الصور التي توضح هذا الحكم أن يكون خبر "إن" ليس شاملا بمعناه المبتدأ، ولا منطبقا عليه بمدوله، كالاستراحة في المثال المذكور:، فإن معناها لا يشمل القول ولا يتضمنه ولا ينطبق مدلولها عليه ومثل هذا يقال في الحالة الثانية، لأن صاحب الصراخ ليس هو صاحب الكلام الواقع مبتدأ، 4 ومن أمثلتهم لانتفاء القول الثاني: "قولي إني مؤمن" لا يصح الفتح، لأن الإيمان لا يخبر به عن القول، لأن الإيمان مصدره القلب، والقول مصدره اللسان.

المبتدا والخبر، ولا يتوافقان؛ نحو: كلامى إن المريض يصرخ. ففى هاتين الحالتين يجب كسر الهمزة، وتكون "إنّ" مع معموليها جملة فى محل رفع خبر المبتدأ1. ....

_ 1 أنظر بعض المواضع الأخرى في الصفحة الآتية، ثم "الملاحظة" المفيدة التي في ص 658. ومما سبق نفهم كلام ابن مالك في جواز الأمرين حيث يقول في اختصار: بعد إذا فجاءة، أو قسم ... لا لام بعده - بوجهين نمي "يريد: نعي - أي: نقل عن السابقين، ونسب إليهم - الوجهان، وهما: الفتح والكسر" بعد إذا فجاءة، وبعد قسم لا لام في جملة جوابه، ثم قال: مع تلو "فا" الجزا، وذا يطرد ... في نحو: "خير" القول إني أحمد أي: "ومع تلو فاء الجزاء" فكلمة: "مع" معطوفة على كلمة "بعد"، التي في أول البيت السباق بحرف العطف المحذوف، وهو: الواو: يريد، بعد إذا فجاءة، ومع تلو فاء الجزاء، ثم قال: إن هذا الحكم بجواز الأمرين مطرد في كل أسلوب على شاكلة: "خير القول إني أحمد"، وهذه الحالة الرابعة في كلامه هي الخامسة التي شرحناها. ويلاحظ في مثاله أن المبتدأ كلمة: "خير" ليس قولا، ولكنه مضاف للقول، فهو بمنزلته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- سرد بعض النحاة مواضع أخرى يجوز فيها الأمران، ومن الممكن الاستغناء عن أكثرها؛ لفهمها مما سبق. فمما سردوه. "1" أن تقع "أنّ" مع معموليها معطوفة على مفرد لا يفسدُ المعنى بالعطف عليه. نحو: سرّنى نبوغك، وإنك عالى المنزلة. فيجوز فتح همزة: "أنّ" فيكون المصدر المؤول معطوفاً على نبوغ، والتقدير: سرنى نبوغك وعلومنزلتك. والمعنى هنا لا يفسد بالعطف. ويجوز كسر الهمزة فتكون "إن" فى صدر جملة مستقلة. ومثال ما يفسد فيه المعنى بالعطف فلا يصح فتح الهمزة: لى بيت، وإن أخى كثير الزروع. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول معطوفاً على "بيت" والتقدير: لى بيت وكثرة زروع أخى، وهومعنى فاسد، لأنه غير المراد إذا كان المتكلم لا يملك شيئاً من تلك الزروع. ومثله ما نقله النحاة: "إن لى مالا. وإن عمْراً ناضل" إذ يترتب عليه أن يكون المعنى: إن لى مالا وفضل عمْرو. وهومعنى غير المقصود. "2" أن تقع بعد "حتى"، فتكسر بعد "حتى" الابتدائية - كما سبق1 - فى مثل: تتحرك الريح حتى إن الغصون تتراقص ... لوقوعها فى صدر جملة. وتفتح إذا وقعت بعد "حتى" العاطفة، أوالجارة، نحو: عرفت أمورك حتى أنك مسابق، أى: حتى مسابقتَك، بالنصب على العطف، أوبالجر والأداة فيهما: "حتى". "3" أن تقع بعد "أمّا" "المخففة الميم"، نحو: أمّا إنك فصيح، فتكسر إن كانت "أمَا" حرف استفتاح وتفتح إن كانت بمعنى: "حقًّا" - كما سبق2 -. "4" أن تقع بعد. لا جرم3، نحو: لا جرم أن الله ينتقمُ للمظلوم4.

_ 1 في ص 652. 2 في "د" من 647 وفي رقم 1 هامش ص 649. 3 لها إشارة عابرة في "د" من ص 709 باب. "لا النافية للجنس" أما البيان ففي رقم 4 التالي. 4 فالفتح على اعتبار "لا" زائدة، أو ليست بزائدة، وإنما هي حرف جواب لنفي المعنى السابق عليها إذا كان المتكلم غير موافق عليه، و "جرم" فعل ماض بمعنى: "وجب". والمصدر المؤول من أن مع معموليها فاعل للفعل: "جرم". وهذا إعراب سيبويه، وعليه اقتصر أما الفراء فيقول: معنى: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "5" أن تقع فى موضع التعليل، نحوقوله: "إنَّا كنَّا ندعوه منْ قبلُ، إنه هوالبر الرحيم" قرئ بفتح الهمزة، على تقدير لام التعليل؛ أى: لأنه هوالبر الرحيم. وقرئ بكسر الهمزة على اعتبار: "إن" فى صدر جملة جديدة. ومثله قوله تعالى: {وصَلِّ عليهم إن صلاتكَ سكن لهم} . فالفتح على تقدير لام التعليل، أى: لأن صلاتك سكن لهم، والكسر على اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة جديدة ... "6" وقوعها بعد "أىْ" المفسرة؛ نحو: سرنى ابتداعك المفيد، أى: أنك تبتكر شيئا جديداً نافعاً. "7" أن تقع بعد حيث الظرفية، نحو: أزورك حيث إنك مقيم فى بلدك بفتح الهمزة وبكسرها، فالفتح على اعتبار الظرف: "حيث" داخله على الفرد المضاف إليه وهوالمصدر الأول. والكسر على اعتبارها داخلة على المضاف إليه الجملة، وهذا هوالأفصح؛ إذ الأغلب فى "حيث" أن تضاف للجملة. ملاحظة: سردنا فيما تقدم مواضع الحالة الثالثة التي يجوز فيها فتح همزة "إن" وكسرها. ومن الممكن الاكتفاء بوضع ضابط عام مركز يشملها جميعا، ويغني عنها، كأن يقال: "يجوز فتح همزة "إن" وكسرها في كل موضع يصلح لاعتبار "إن" في صدر جملتها، ولاعتبارها مؤولة مع معموليها بمصدر مسبوك، أي: يصلح للأمرين".

_ = "لا جرم"، هو: "لا بد " فلا نافية للجنس و "جرم" أسمها، مبني على الفتح في محل نصب، والمصدر المنسبك من "أن" ومعموليها مجرور بحرف جر محذوف، والخبر محذوف أيضا - وهو متعلق الجار ومجروره - والتقدير: لا جرم من أن الله.... إلخ وهو يجيز كسر الهمزة، ويقول في سببه: إن بعض العرب يجريها مجرى العين، بدليل وجود اللام في قولهم: "لا جرم لآتينك". والأحسن في هذه الحالة أن نعرب "لا" نافية للجنس و "جرم" اسمها متضمنة القسم، وجملة: "لآتينك" هي: جواب القسم، وأغنت عن الخبر. "راجع حاشية الصبان في هذا الموضع من جواز فتح الهمزة وكسرها"، وستجيء الإشارة لهذا والإفاضة في القسم وجوابه - في موضعه المناسب من الجزء الثاني وهو: "باب "حروف الجر" عند الكلام. على: "حروف القسم".

المسألة الثالثة والخمسون: لام الابتداء، فائدتها، مواضعها

المسألة الثالثة والخمسون: لام الابتداء 1، فائدتها، مواضعها حين نقول: أصل الماس فحم، أو: بعض الحيوانات بَرِّىٌّ بحْرِىٌّ - قد يشك السامع فى صدق الكلام، أوينكره؛ فنلجأ إلى الوسائل التى ترشد إليها اللغة لتقوية معنى الجملة، وتأكيد مضمونها، وإزالة الشك عنها أوالإنكار. ومن هذه الوسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل أخرى لها مزية التكرار فى تأكيد معنى الجملة، كالقسم، أو: "إنّ" فنقول: والله أصل الماس فحم. إن بعض الحيوانات برّى بحْرىّ. أو: لام الابتداء وتدخل على المبتدأ كثيراً "ولهذا سميت: لام الابتداء"، نحو: لرجلٌ فقير يعمل، أنفعُ لبلاده من غنى لا يعمل. ليدٌ كاسبةٌ خيرٌ من يد عاطلة. وتدخل على غيره، كخبر "إنّ"، نحو: إنّ أبطال السلام لخير من أبطال الحرب. وهكذا باقى الوسائل التى تؤكد مضمون الجملة، وتقوى معناها. وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها المثبت؛ ولذلك لا تدخل على حرف النفي، ولا فعل النفي، ولا على المنفي بأحدهما، ولكنها تدخل على الاسم المفيد لمعنى النفي. مثل: إن المنافق لغير مأمون الصداقة وسميت: "لام الابتداء" لأن أكثر دخولها على المبتدأ أو على ما أصله المبتدأ، نحو: لوالدك أشفق الناس عليك، وإن عنده لخبرة ليست لك، فاستعن برأيه. وإذا دخلت هذه اللام على الخبر فقد يسميها بعض النحاة: "اللام المزحلقة2". أما آثارها النحوية فأشهرها: الصدارة في جملتها- غالبا- وأنها إذا دخلت على

_ 1 سبقت الإشارة إليها في رقم 22 من ص 490 ولم تعرض هناك ولم تعرض هناك لآثارها وأحكامها الهامة، محاراة الكثير من النحاة أثروا أن يكون تفصيل ذلك كله هنا. 2 يقولون في سبب التسمية: إن مكانها في الأصل الصدارة في الجملة الاسمية. فلما شغل المكان بكلمة: "إن" وهي التي لها الصدارة أيضا، كلام الابتداء والتي تفيد التوكيد مثلها، والتي تمتاز بأنهاعاملة - تقدمت، وزحلقت اللام من مكانها الذي تكثر فيه إلى مكان بعده - في الغالب - هو الخبر. لكن السبب الحق هو استعمال العرب. لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص 651 -.

المضارع خلصت زمنه للحال، نحو: إن العصفور ليغرد، أي: الآن في وقت الكلام - وهذا إن لم توجد قرينة تدل على غير الحال، كالقرينة الدالة على الاستقبال، في قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة.... " لأن يوم القيامة لم يجيء بعد، فهي تعين المضارع للحال إن كان مبهما خاليا من قرينة لغير الحال. مواضع دخولها: ولها مواضع تدخلها جوازاً، والخلاف فيها شديد، وقد استصفينا منه ما يأتي: "1" المبتدأ، كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر: ولَلْبينُ خيرٌ من مُقام على أذًى ... ولَلمتُ خيرٌ من حياة على ذلِّ "2" الخبر المتقدم على المبتدأ؛ نحو: لصادقٌ أنت. "3" خبر إنَّ "المكسورة الهمزة، المشددة النون" - دون أخبار أخواتها فى فى الرأى الأصح؛ نحو: إن الشتاء لفصل النشاط، وإنه لموسم السياحة فى بلادنا وقول الشاعر: إِنَّا - على البِعادِ والتَّفرُّقِ- ... لَنلْتَقِى بالفكر إن لم نَلْتقِ ولكن يشترط فى خبر "إنّ" الذى تتصدره لام الابتداء ما يأتى: أن يكون متأخراً عن الاسم، فلا يجوز دخولها فى مثل: إن فيك إنصافاً، وإن عندك ميلاً للحق؛ وذلك لتقدم الخبر2. وأن يكون مثبتاً؛ فلا يصح: إن العمل لَمَا طال بالأمس. أو: إن العمل لَمَا نفعُهُ قليل. بل يجب حذفها قبل "ما" النافية وغيرها من أدوات النفى الداخلة على خبر "إن". ....3

_ 1 وقد أشار ابن مالك إلى هذه الموضع بقوله: وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام الابتداء، نحو: إني لوزر يريد "بذات الكسر،" صاحبة الكسر، وهي: "إن" المكسورة الهمزة. و "وزر" أي: ناصر وملجأ لمن يستعين بي. 2 عرفنا "في ص 638" أن الخبر في هذا الباب لا يتقدم على الاسم إلا إن كان شبه جملة. 3 مثل: "لم، لن، لا، لما.... فدخول لام الابتداء عليه غير مسموع. وهذا هو التعليل الصحيح. فوق أن دخولها على هذه الأدوات المبدوءة باللام يثقل النطق بها.

ألا يكون جملة1 فعلية فعلها ماض، متصرف. غير مقرون بكلمة: "قَدْ"؛ فلا يصح: "إن الطيارة لأسرعتْ ... 2" بل يجب حذف لام الابتداء. فإن كان الخبر جملة فعلية فعلها ماض غير متصرف جاز - فى غير ليس - دخول اللام وعدم دخولها؛ نحو: إن القطار لنعم وسيلةُ السفر، أونعم وسيلةُ السفر ... وإن إسراع السائق لبِئْس العملُ، أوبئس العملُ. بإدخال اللام على "نعم"، و"بئس" أوعدم إدخالها ... وكذلك يجوز إن كان الفعل ماضياً متصرفاً، ولكنه مقرون بكلمة: "قد"3 فتصحبها اللام أولا تصحبها؛ نحو: إن العلم لقد رَفع صاحبه، أو: رفع ... د- ألا تكون الجملة الفعلية شرطية، لأن لام الابتداء لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله ولا على جوابه.

_ 1 المشهور بين النحاة أن "لام الابتداء" لا تدخل على جملة فعلية "ماضوية أو مضارعية" إلا إذا كانت هذه الجملة خبر إن "مكسورة الهمزة، مشددة النون" دون غيرها من أخواتها، ودون الجمل الفعلية الأخرى التي ليست خبرا، إذ تكون اللام فيها القسم، أو زائدة، أو غير ذلك، "أنظر رقم 2 التالي". 2 في هذا المثال: "إن الطيارة لأسرعت" يجب حذف اللام على اعتبارها للابتداء - كما سبق في رقم 1 - ويجوز إبقاؤها على أنها في جواب قسم، ويجب أن تقوم قرينة دالة على هذا أو ذاك، لأن بين المعنيين اختلافا واضحا، وإلا كان صياغة الأسلوب غير مسايرة للمعنى، فيقع من الفساد في التعبير ما يجب توقيه. ويقول النحاة في التفرقة بين اللامين: إذا جاءت "إن" وبعدها اللام المصاحبة لمضارع مؤكد بنون التوكيد أو الداخلة على الماضي المتصرف الحالي من: "قد" فإن هذا الكلام تكون لام قسم مقدر، داخلة على جوابه، وليست لام ابتداء، مثل: إن الحازم ليبتعدن عن المساوي - إن الكفء لنال جزاءه. والسبب في الحالة الأولى منع التعارض بين لام الابتداء التي تخلص زمن المضارع للحال ونون التوكيد التي تخلصه للمستقبل. والسبب في الحالة الثانية: أن لام الابتداء - والزمن معها للحال - لا تدخل على الماضي المنصرف الخالي من "قد"، منعا لتعارض الزمنين بينهما. أما المقترن "بقد" فإنها تقرب زمنه من الحال - كما عرفنا في ص 52 - فلا يتعارض مع اللام الابتداء. وهاتان الصورتان يمتنع فيهما كسر همزة: "إن" إذا تقدم عليها عامل يطلب العمل في موضعهما مع معموليها، تقول: علمت أن الحازم ليبتعد عن المساوي. وعلمت أن الكفء لنال جزاءه. لأن هذه اللام - كما سبق القسم وليست للابتداء، فهي في موضعها المتأخر المناسب لها، غير ملحوظ فيها التقديم قبل مجيء: "إن" ذلك التقديم الذي هو أصلها. بخلافها في مثل: علمت أن الحازم لمبتعد عن المساوي، فإنها تكسر معها، لأن هذه اللام للابتداء، وهي من الأدوات التي لها الصدارة، فتعلق الفعل وتوجب كسر همزة "إن" كشأن ماله الصدارة. وهي مقدمة في الأصل والنية، وإنما تأخرت للعلة السابقة، وهي: أنها تفيد توكيد الجملة، و "إن" كذلك، فبقيت هذه، لأصالتها وقوتها بالعمل، وتأخرت تلك، كما يقال، وستأتي هنا فروق أخرى بين اللامين. 3 لأن "قد" تقرب - أحيانا - الماضي من الحال، كما تقرب المستقبل من الحال أيضا.

أما إن كان الخبر جملة فعلية فعلها مضارع مثبت1 فيجوز دخول اللام على المضارع المثبت سواء أكان متصرفاً أم غير متصرف تصرفاً2 كاملا، إلا فى حالة واحدة وقع فيها الخلاف؛ هى التى يكون فيها مبدوءاً بالسين، أوسوف. فلا يصح - فى الرأى الأحق - أن تقول: "إن الطائرة لستحضر، أو: لسوف تحضر" بل يجب حذف اللام من هذا المضارع 4المبدوء بالسين، أوسوف ومن أمثلة دخولها قوله تعالى فى أهل الديانات المختلفة: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، وقوله عليه السلام: "إن الُعجْبَ5 ليَأكل الحسنات كما تَأكلُ النارُ الحطب".، وقول الشاعر: إن الكريم6 ليخفي عنك عسرته7 ... حتى تراه غنيا. وهو مجهود8

_ 1 أما المنفي فالأكثر والأفصح الذي يجب الاقتصار عليه هو عدم دخولها عليه. كقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} . 2 غير متصرف تصرفا كاملا مثل الفعل: يدع ويذر، على الرأي القائل: بأنه لا ماضي لهما، ولا مصدر. أما المضارع الذي لا يتصرف مطلقا فلا وجود له. 3 لو دخلت عليه لوقع تعارض واضح، لأن لام الابتداء تجعل زمن المضارع للحال. أما "السين" أو "سوف" فتجعل زمنه للمستقبل، فلو اجتمعنا في أول المضارع لا جتمع فيه علامتان متعارضتان، إحداهما تدل على أن زمنه للحال، والأخرى تدل - في الوقت نفسه - على أن زمنه للمستقبل. لكن قد يصح تلاقيهما معا أو لسوف تحضر.... يكون المعنى: إن الطائرة والله لستحضر، أو لسوف تحضر. فاللام لا تجعل زمن المضارع هنا للحال، وإنما تجعله للمستقبل بقرينة السياق، فلا تعارض بينها وبين السين أو سوف- وهذا فرق آخر بين اللامين غير ما في آخر الصفحة السابقة. ومن المهم إدراك الفرق بين الأسلوبين، فلكل منهما معنى يخالف الآخر، فليس الأمر مجرد احتيال لإدخال اللام أو عدم إدخالها، وإنما الأمر الذي له الاعتبار الأول هو المعنى وحده، فإن اقتضى أن يتضمن الكلام قسما جاز مع القرينة - إدخال اللام على الجملة المضارعة المبدوءة بالسين أو سوف، الواقعة جوابا، وإن لم يقتض قسما لم يجز إدخال اللام على تلك الجملة، وإلا كانت اللغة عبثا. وفي شروط الموضع الثالث من مواضع "لام الابتداء" يقول ابن مالك باختصار: ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كر ضيا أي: لا يقع بعد هذه اللام الخبر المنفي، سواء أكان جملة فعلية أم اسمية كما مثلنا. وكذلك لا يليها الخبر إذا كان جملة فعلية، فعلها ماض، مثل: "رضي" في أنه ماض، مثبت، متصرف، غير مقرون بكملة: "قد" فإن كان مقرونا بكلمة: "قد" جاز أن يليها، مثل: إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا، أي: غالبا، مستوليا على ما يريد. 4 أشرنا في رقم 1 من هامش ص 659 إلى أنه قد سبقت لمحة عابرة عن "لام الابتداء" "في رقم 22 من ص 490. 5 الكبر والاختيال. 6 الشريف الأصل. 7 فقره واحتياجه. 8 يقاسي تعب الفقر. ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر: وإني لأستحيي - وفي الحق مسمح ... إذا جاء باغي الخير أن أتعذرا مسمح: متسع ومندوحة عن الباطل. أتعذر: أعتذر - عن إجابته.....

وإن كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على مبتدئها - وهوالأنسب - أوعلى خبره؛ نحو: إنّ الكهرَبا لأثرُها عميق فى حياتنا ... أو: إنّ الكهرَبا أثرُها لعميقٌ فى حياتنا. وإن كان الخبر شبه جملة دخلت عليه أيضا، نحو: إن الذخائر الأدمية لعندك، وإن نفائسها لفي بيتك. "4" معمول خبر "إنّ" بشرطين: أن يكون هذا المعمول متوسطاً بين اسمها وخبرها4 أوغيرهما من الكلمات الأخرى التى دخلت عليها "إنّ"، وأن يكون الخبر خالياً من لام الابتداء، ولكنه صالح لقبولها. ففى مثل: إن الشدائد مُظهرةٌ أبطالا، وإن المحن صاقلةٌ نفوساً، يصح تقديم معمول الخبر مقروناً بلام الابتداء؛ فنقول: إن الشدائدَ - لأبطالا- مظهرةٌ، وإن المحن - لنفوساً - صاقلةٌ. فإن تأخر المعمول لم يجز إدخال اللام عليه؛ كما فى المثالين السابقين قبل تقديمه. وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر مشتملا عليها، ففى مثل: إن العزيزَ ليرْفُضُ هواناً - لا يصح: إنّ العزيزّ لهواناً ليرفضُ2. وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر الحالى منها غير صالح لها؛ كأن يكون جملة فعلية، فعلها ماض، متصرف، غير مقورن بكلمة "قد"؛ ففى مثل: إنّ الحرَّ رَضِىَ كفاحاً - لا يصح أن نقول: إن الحُرَّ لَكِفَاحاً رَضِىَ. "5" ضمير الفصل3؛ نحو: إن العظمة لهى الترفع عن الدنايا، وإن

_ 1 سواء أتقدم الاسم كالأمثلة المذكورة، أم تقدم الخبر شبه الجملة نحو: إن عندي لفي البيت ضيوفا. ويجوز أن يتقدم على المعمول المقرون باللام معمول آخر خال منها، نحو: "إن عندي لفي الحديقة ضيفا قاعد". فالمراد: أن يتوسط المعمول المقترن باللام بين الألفاظ الواقعة بعد "إن". 2 ولا يجوز دخولها أيضا على المعمول المتقدم إن كان "حالا"، ففي مثل: إن السائح عاد إلى بلده مسرورا، لا يصح: إن السائح لمسرورا عاد إلى بلده، ومثله، التمييز، والمستثنى، والمفعول معه، دون باقي المعمولات. وكل هذا هو أنسب الآراء. 3 سبق تفصيل الكلام على معناه وحكمه وكل ما يتصل به في "242" باب: "الضمير" وهو هنا يتوسط بين اسم "إن" وخبرها.

العظيم لهوالبعيد عن الأدناس. وإذا دخلت على ضمير الفصل لم تدخل على الخبر. "6" اسم "إن" بشرط أن يتأخر ويتقدم عليه الخبر1 شبه الجملة؛ مثل: إن أمامك لمستقبلا سعيدا، وإن فى العمل الحرّ لمجالا واسعاً، وقول الشاعر يخاطب زوجته: إن من شيمتى لَبذلَ تِلادِى2 ... دون عِرضى. فإن رضيتِ فكونى3 وإذا دخلت على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر4.

_ 1 وقد يبقى الخبر متأخرا ولكن يتقدم معموله على الاسم، نحو: إن في الدار لضيفا منتظر. 2 مالي الأصيل الذي ليس طارئا. 3 فداومي على حياتك معي. 4 وقد أشار ابن مالك إلى الموضع الرابع والخامس والسادس بقوله: وتصحب الواسط: معمول الخبر ... والفصل، واسما حل قبله الخبر يريد: أن لام الابتداء تدخل على الواسط، أي: المتوسط. إذا كان معمولا لخبر "إن" وبعبارة أخرى: تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا كان المعمول متوسطا بين اسم إن وخبرها، وأو بين غيرهما مما يقع بعدها. وكذلك تدخل الفصل أي: ضمير الفصل ... وتدخل اسم "إن " بشرط أن يحل الخبر قبله، بمعنى: يتقدم عليه. ثم أشار بعد ذلك إلى بيت سبق شرحه في مكان أنسب "ص 636" هو: ووصل: "ما" بذي الحروف مبطل ... إعمالها. وقد يبقي العمل يريد: أن اتصال: "ما" التي هي حرف زائد - بهذه الحروف الناسخة، - غير الحرف: ليت - يبطل عملها فقط دون معناها، ومتى بطل عملها صارت غير مختصة بالدخول على الجمل اللاسمية، فتصلح للدخول عليها وعلى الجمل الفعلية أيضا."ولا بد من وصلها في الكتابة بالحرف الذي قبلها". ولكن العمل قد يبقي في: "ليت" وحدها، على القول الأرجح الذي يسحن الاقتصار عليه، فيجوز في "ليت" التي بعدها "ما" الحرفية الزائدة - أن تكون عاملة، وأن تكون مهملة. وهي في الحالتين لا تدخل إلا على الجملة الاسمية - كما سبق - و"ما" الزائدة هذه تسمى "ما" الكافة - لأنها كفت - أي: منعت - تلك الحروف عن العمل. ولا تقع بعد "لا" التي للجنس، ولا "عسى" التي بمعنى: لعل. "كما سبق في رقم 2 من هامش ص 622 ورقم 3 من هامش 628".

المسألة الرابعة والخمسون: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وأخواتها، وحكمه إذا توسط بين المعمولين

المسألة الرابعة والخمسون: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وأخواتها 1، وحكمه إذا توسط بين المعمولين إن الأقمارَ دائراتٌ فى الفضاء، والشموسَ. إنّ الشعر محمودٌ فى مواطنَ - والنثرَ. إنّ الإهمال مفسدٌ للأعمال - والجهلَ.ُ إنّ الحديد دِعامة الصناعة - والنِّفْطَ. كيف نضبط الأسماء التى تحتها خط، وهى: "الشموس - النثر - الجهل - النِّفْط...." وأشباهها من كل اسم تأخر عن "إن" ومعموليها، وكان معطوفاً على اسمها2.....؟ يجوز أمران، النصب والرفع. ويكفى معرفةُ هذا الحكم من غير تعليل3. وبالرغم من جواز الأمرين فالنصب هوالأوضح والأنسب4؛ لموافقته الظاهرية لاسم "إنّ"، أى: للمعطوف عليه؛ فلا عناء معه ولا شبهة. فإن تأخر خبر "إنّ" وتوسط ذلك المعطوف بينه وبين اسمها - فالأحسن اتباع الرأى القائل بجواز الأمرين أيضاً، وبعدم وجوب النصب. ومع عدم وجوبه وأن النصب غير واجب5 مع أنه الأوضح والأنسب؛ كما سبق.

_ 1 لا تسري الأحكام التالية على "لا" النافية للجنس، فلها أحكام خاصة تجيء في ص 697 و 701 كما سنعرف. 2 قد يكون العطف على غير اسمها مع بقاء الحكم الآتي، وهو، جواز النصب والرفع - كما سنعرف - 3 لا داعي للاهتمام بتعليله، وبمعرفة الآراء المختلفة في سبب النصب والرفع، إذ المقصود الأول من النحو ضبط الألفاظ ضبطا صحيحا يوافق المعنى. وهذا الغرض يتحقق هنا بمعرفة الحكم السالف، والاكتفاء به، لأنه مستنبط من الكلام العربي الأصيل. وحسب المتعلمين هذا. 4 وحبذا الاقتصار عليه فيما ننشيء من أساليب، فتساير الضبط الأوضح، الذي يسهل إدراك سببه وتوجيهه. وما يقال في عطف النسق من جواز الأمرين وإيثار النصب، يقال في بقية التوابع "النعت، وعطف البيان، والتوكيد والبدل"، مثل: إن محمودا قائم، الفاضل - أو: إن محمودا قائم أبو البركات، أو: أبا البركات، أو إن محمودا قائم، نفسه، أو: إن الرايتين قد استحسنتهما، ألوانهما - بالنصب والرف في كل التوابع السالفة، متابعة للرأي الأحسن. 5 وقد تعرض ابن مالك للحالة الأولى وحدها، وفي حالة العطف بعد مجيء الخبر، فقال: وجائز رفعك معطوفا علي ... منصوب "أن" بعد أن تستكملا أي: إذا استكملت "إن" معمولها جاز العطف على اسمها - إن اقتضى المعنى ذلك- ويصح في هذا المعطوف إن يكون منصوبا، أو مرفوعا، أما سبب النصب والرفج فيجيء الكلام عليه في هامش الصفحة التالية.

وفيما يلي بعض الأمثلة لتأخر الخبر، وتوسط المعطوف: إن القاهرةَ ودِمَشقَ ُ حاضرتان عظيمتان إن مكة والمدينةَ ُ مكرَّمان إنّ العدالة والنصَفَةَ ُ كفيلتان بالأمن والرخاء إن الظلمَ والاستبدادَ ُ مؤذنان بخراب العُمران من التيسير الحسن إجازة النصب والرفع فى كل كلمة من: "دمشق - المدينة - النصفة - الاستبداد ... " وأشباهها، مع الانتصار، على معرفة هذا الحكم دون تعليله. فيكون الحكم فى الحالتين واحداً والقاعدة مطردة، سواء أكان المعطوف متقدماً على الخبر متوسطا بينه وبين الاسم، كهذه الأمثلة، أم متأخراً عنهما معا، كالأمثلة الأولى.

_ 1 فتنطبق - في يسر ووضوح- على الحالتين السالفتين، وعلى أحوال أخرى أتعبت كثرة النحاة في توجيهها، لعدم أخذهم بهذه القاعدة السليمة، فلو أن هذه الكثرة لم تتشدد بغير داع لاستراحت وأراحتنا من التعقيد المتعب. لم يختلف النحاة في حكم الحالة الأولى التي يقع فيها المعطوف متأخرا عن: "إن" ومعموليها، وإنما اختلفوا في تعليل النصب والرفع، وفي توجيه كل مهما، وهو خلاف تشعبت الأدلة فيه، ولما كانت الغاية المقصودة هي - كما قلنا - معرفة الحكم نفسه مع سلامة المعنى المراد، وقد عرفناه، فلا حاجة بعده لاحتمال مشقة التعليل. وبالرغم من هذا نلخصه في وضوح ودقة للمتخصصين: أ- تعليل النصب عند تأخر المعطوف عل الخبر والاسم معا: في المثال الأول: "إن الأقمار دائرات في الفضاء، والشموس" يجوز أن تكون "الشموس" بالنصب معطوفة على "الأقمار" منصوبة مثلها. و "دائرات" خبر على المعطوف مع المعطوف عليه، فأصل الكلام "إن الأقمار والشموس دائرا في الفضاء" فالعطف من نوع عطف الكلمة الواحدة على الكملة الواحدة، ويسمونه: "عطف المفرد على المفرد" كما في نحو،: "إن الرسم والتصوير لغتان عالميتان" بعطف كلمة: "التصوير" على كلمة الرسم. ويجوز أن يكون أصل الكلام "إن الأقمار دائرات، في الفضاء، وإن الشموس دائرات.... فحذفت "إن" الثانية مع خبرها لدلالة ما قبلها عليها "وقد سبق في ص 641 الإشارة إلى هذا الحذف وصوره وأحواله" وكلمة: "الشموس" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، فتكون الجملة الاسمية الثانية المكونة من "إن" المحذوفة ومن اسمها وخبرها، معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" المذكورة ومعموليها. والعطف هنا عطف جملة اسمية على جملة اسمية "راجع ص 67 من الجزء الثاني من شرح المفصل". وفي المثال الثاني: "إن الشعر محمود في مواطن، والنثر" - يجوز في كلمة: "النثر" النصب ولكن على اعتبار أنها اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، فأصل الكلام، إن الشعر محمود في مواطن وإن النثر محمود في مواطن. ... فحذفت "إن" الثانية مع خبرها، والعطف هنا عطف جملة اسمية "مكونة من "إن" الثانية ومعموليها" على الجملة الاسمية السابقة المكونة من "إن" المذكورة ومعموليها. ولا يصح في هذا المثال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ما صح في سابقه من عطف المفرد على المفرد "بعطف كلمة: "النثر" على كلمة: "الشعر" التي هي اسم "إن"، لأن العطف على اسم "إن" مباشرة يؤدي هنا إلى تقرير مرفوض، إذ يجعل أصل الكلام، إن الشعر والنثر محمود في مواطن، فيقع الخبر غير مطابق، لأنه مفرد، واسم إن مع ما عطف عليه بالواو متعدد في حكم المثنى، فتضيع المطابقة اللفظية الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو: بين ما أصله المبتدأ والخبر، إذ لا يصح أن يقال: "إن الهواء والماء ضروري للحياة بإعراب كلمة: "الماء" معطوفة على: "الهواء" عطف مفردات.... وهذا يقال أيضا في المثال الثالث: "إن الإهمال مفسد للأعمال والجهل" فالنصب جائز على اعتبار عطف الجملة، فيكون التقدير: إن الإهمال مفسد للأعمال وإن الجهل مفسد.... ولا يصح أن يكون عطف مفرد بالواو على مفرد، كي لا يؤد إلى عدم المطابقة اللفظية، يجعل التقدير: إن الإهمال والجهل مفسد للأعمال..... وهكذا كل أسلوب آخر يشبه هذا الأسلوب ... أما حيث لا مانع من عطف المفردات فيجوز مراعاته، أو مراعاة عطف الجمل كما في المثال الأول.... ب- تعليل الرفع عند تأخر المعطوف أيضا عن الخبر والاسم معا. يرى بعضهم: أن سبب الرفع في كلمة: "الشموس - النثر - الجهل - النفط" وأشباهها - هو اعتبار كل واحدة منها، مبتدأ خبره محذوف، يفسره خبر "إن" والجملة الاسمية، المكونة من هذا المبتدأ، وخبره المحذوف معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" ومعمولها. فأصل الكلام إن الأقمار دائرات "والشموس دائرات"- إن الشعر محمود في مواطن "والنثر محمود في مواطن...." وهكذا.... فالعطف عطف جملة اسمية على جملة اسمية. ويرى آخرون: أن هذه الكلمات المرفوعة معطوفة على الضمير المستتر في خير" "إن" وخاصة إن كان الخبر مشتقا وبينه وبين المعطوف فاصل، لأن الخبر المشتق يحوي الضمير المستتر بغير تأويل، ولأن وجود الفاصل يرضي، القائلين بأنه: "لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل- ومنه المستتر - إلا مع فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه "الذي هو: الضمير". فكلمة. "الشموس" يجوز رفعها، لأنها معطوفة على الضمير المستتر في "دائرات" وتقدير الضمير: "هي". والفاصل بينهما موجود. وكلمة "النثر" يجوز رفعها باعتبارها معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "محمود، وتقديره: "هو". والفاصل موجود أيضا. وكلمة: "الجهل" معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "مفسد" وتقديره: "هو"، والفاصل موجود، وهكذا..... فالعطف عطف مفردات. ويرى فريق ثالث: أن العطف إنما هو على اسم "إن" مباشرة، باعتباره في الأصل مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، فيجوز الرفع مراعاة لذلك الأصل بشرط ألا يتعارض مع المطابقة المطلوبة بين معمولي: "إن". ولكل فريق من الثلاثة - وغيرهم - أدلة في تأييد مذهبه، وفي الرد على معارضيه. لكن الحق أن كثيرا من تلك الأدلة جد لي، وأن كثيرا من الأساليب العربية الفصيحة ينطبق عليها بعض الآراء دون بعض. ننتقل بعد ذلك إلى الحالة الثانية التي يتأخر فيها الخبر ويتقدم عليه المعطوف، فيتوسط بينه وبين اسم "إن" وقد قلنا: "إنه يجوز فيها الرفع النصب أيضا. ولو لم نأخذ بهذا الرأي لوقعنا في لجة غامرة من التمحل والجدل، والتأويل الذي لا خير فيه، والذي يمتد إلى القرآن الكريم، والكلام الفصيح من غير داع مستساغ. وتوجيه النصب هنا يحتاج لمزيد من اليقظة والإدراك، كما سيتبين مما يأتي: 1- تعليل النصب: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في مثل: "إن القاهرة ودمشق حاضرتان...." يجوز نصب "دمشق" على اعتبار واحد، هو أنها معطوفة على اسم "إن" المنصوب، والخبر هو: "حاضرتان"، فالعطف عطف مفرد على مفرد، ولا يجوز أن يكون عطف جملة على جملة بإعراب "دمشق" منصوبة، اسم "إن" المحذوفة مع خبرها الذي يدل عليه خبر "إن" الموجودة، إذ يكون التقدير: إن القاهرة حاضرتان - وإن دمشق حاضرة - فتختل المطابقة اللفظية. هذا إلى أننا سنعطف جملة على جملة لم تكل ولم تتم. والأمران ممنوعان. ولو أعربنا كلمة "حاضرتان" خبر "إن" المحذوفة، وخبر المذكورة محذوف لكان التقدير إن القاهرة حاضرة وإن دمشق حاضرتان" وهو فاسد، لاختلال المطابقة اللفظية، كفساده في مثل: محمود وصالح غائبان، على اعتبار كلمة. "صالح" مبتدأ خبره محذوف فيكون التقدير: محمود - وصالح غائب - غائبان.... والفساد واضح هنا، كوضوحه لو أعربنا كلمة: "صالح" مبتدأ، خبره كلمة: "غائبان" والتقدير: محمود غالب وصالح غائبان. والأمر بالعكس لو قلنا: إن القاهرة ودمشق حاضرة، إذ يصح أن يكون "دمشق" منصوبة إما: على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة، وحدها، وكلمة: "حاضرة" المذكورة خبرها. ويكون خبر "إن" المذكورة محذوفة تقديره. عاصمة. مثلا - فالأصل: إن القاهرة عاصمة.... وإن دمشق حاضرة، فالجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. والعطف عطف جمل، ولا يصح أن يكون عطف مفردات، لما يترتب عليه من تقدير يجعل أصل الجملة: "إن القاهرة ودمشق حاضرة" فتختل المطابقة اللفظية - كما تختل في مثل: حامد وأمين قائم - بعطف "أمين" مباشرة - على: "حامد" فيقع المفرد خبرا عن المثنى أو ما في حكمه، وهذا ممنوع. وإما على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة - أيضا - مع خبرها. وأصل الكلام: إن القاهرة حاضرة وإن دمشق "حاضرة" فتقدمت الجملة الثانية، واعترضت بين اسم "إن" الأولى وخبرها، فهي جملة معترضة، وليست معطوفة، إذ لا يصح عطف جملة إلا بعد أن تم الجملة الأولى، وهي المعطوف عليها - كما تقدم. ومما سبق نعرف أن النزول على حكم المطابقة اللفظية أمر محتوم، فحيث تحققت وتحكمت - كالمثال الأول - وجب اعتبار العطف عطف مفردات - وحيث اختلفت - كالمثال الثاني - وجب اعتباره عطف جمل، أو اعتبار الجملة الثانية غير معطوفة، وإنما هي جملة معترضة تقدمت من تأخير تفصلت بين اسم إن وخبرها. وقد تكون مستأنفة إن اقتضى المعنى ذلك. ب- تعليل الرفع: في المثال الأول ونظائره من نحو: إن العالة والنصفة كفيلتان بالأمن والرخاء، يجوز رفع كلمة: "النصفة" على أنها معطوفة على اسم "إن" باعتبار أصله مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، والخبر هو كلمة: "كفيلتان" فالعطف عطف مفردات، لمطابقة الخبر لاسم "إن" مع المعطوف، ولا يصح أن يكون عطف جمل، بإعراب كلمة: "النصفة" مبتدأ خبره محذوف، لما يلزم عليه من فساد الأسلوب لفساد المطابقة، كما شرحنا.... ولما يلزم عليه أيضا من عطف جملة على جملة أخرى لم تكمل. فلو قلنا: إن العدالة والنصفة كفيلة بالأمن والرخاء، لجاز الرفع على اعتبار كلمة: "النصفة" مبتدأ خبره، كلمة: "كفيلة" الموجودة، وخبر "إن" محذوف. - بعد اسمها - تقديره: كفيلة أو ضامنة.... أو....، وتقدير الكلام: إن العدالة كفيلة بالأمن، والنصفة كفيلة بالأمن. فيكون الكلام عطف جملة اسمية لاحقة على نظيرتها السابقة، كما يجوز إعراب كلمة: "كفيلة" الموجودة خبر "إن". أما خبر المبتدأ فمحذوف تقديره: كفيلة - مثلا- فتكون الجملة المكونة من المبتدأ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والخبر جملة اعتراضية بين اسم "إن" خبرها، ولا يجوز أن تكون معطوفة، لما سبق من أنه لا يجوز عطف جملة على جملة إلا بعد أن تتم الأولى وهي التي عطف عليها. ولا اعتداد برأي من يرفض الرفع في الصورة التي لا مطابقة فيها - وغيرها فيمنع أن يقال: إن العدالة والنصفة كفيلة.... كما يمنع أن يقال: إن محمدا وعلى قائم. فلو أخذنا برأيه لاعترضتنا أمثلة ناصعة الفصاحة من القرآن الكريم. والكلام العربي الصحيح، ولم نجد بدا من التمحل الملعيب، والتأويل البغيض. وكيف يوجب كثير من النحاة النصب. وحده - عند العطف بعد الاسم وقبل مجيء خبر "إن" مع مجيء الرفع في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى ... } من آمن بالله...."؟ فكلمة: "الصابئون" وقعت مرفوعة بعد العاطف وقبل مجيء خبر "إن" واسم" إن" هو كلمة: "الذين ومثلها قراءة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ... } برفع كلمة "ملائكة" بعد العاطف وقيل خبر "إن" وكذلك قول الشاعر: فمن يك أمسى في المدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب وكلمة "قيار" "وهي اسم حصان الشاعر" مرفوعة: بعد العاطف وقبل خبر "إن" ومثل قول الشاعر: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق فالضمير "أنتم" ضمير رفع. وغير هذا من الشواهد المتعددة. كيف يقبلون أن تؤول الآية - بغير داع لتطابق القاعدة ولا يتصرفون في القاعدة تصرفا صريحا يساير الآية، مع اعتقادهم أن القرآن أفصح كلام عربي وأعلاه؟ ولم التمحل في الأمثلة العربية الأخرى - وهي كثيرة - وترك القاعدة بغير إصلاح؟ وهل يصير الأسلوب الفاسد صالحا بمجرد التأويل والنية الخفية من غير تغيير يطرأ على ظاهره؟ ثم هم لا يبيحون التأويل إلا في الأمثلة المسموعة التي تخالف قاعدتهم، أما الأمثلة التي هي من كلام المحدثين ففاسدة - في رأيهم - فسادا ذاتيا، فلا يجوز قبولها، ولا التماس التأويل فيها. وهم يؤولون المرفوع في الأمثلة السالفة وأشباهها بما نعتبره حكما عاما صحيحا في ذاته، لا يحتاج لتأويل - وغير مقصور على الوارد المسموع، فيؤولون المرفوع في الآية الأولى وفي البيت بأنه مبتدأ - خبره محذوف، والجملة معترضة - بين اسم إن وخبرها، لتقدم المبتدأ وخبره عن مكانهما، وتوسطهما بين اسم "إن" وخبرها. فأصل الآية - عندهم {إن الذين آمنوا - والصابئون كذلك - من آمن منهم} - وأصل البيت. فإني - وقيار غريب - لغريب، ويفضلون أن تكون الجملة في المثالين اعتراضية لا معطوفة، فرارا من العطف قبل تمام الجملة المعطوف عليها، إن جعل من عطف الجمل، وفرارا من تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير المستتر في الخبر فهم يؤولون البيت بتأويل الآية الأولى وحدها فيجعلون كلمة: "غريب" المشتملة على لام الابتداء خبر "إن" ولا يجعلونها خبرا لكلمة "قيار" لأن دخوول لام الابتداء على خبر المبتدأ ضعيف. فخبره هنا محذوف، والتقدير "قيار غريب" أو "وقيار مثل" والجملة منهما اعتراضية. وكل هذا مقبول، ولكن على أساس أنه حكم عام غير مقصور على السماع - كما تقدم وأنه صحيح ذاتيا. أما في الآية الثانية: "إن الله وملائكته..... فيلتمسون تأويلا آخر، فيجعلون خبر "إن" هو المحذوف، ويجعلون الاسم المرفوع مبتدأ خبره المذكور بعده، والتقدير عندهم: إن الله يصلي على النبي، وملائكته يصلون على النبي، إذ لا يصلح في هذه الآية التقدير الأول الذي صلح لسابقتها، لما يترتب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليه من أن يكون التقدير، إن الله يصلون على النبي، فتختل المطابقة اللفظية بين اسم "إن" وخبرها، وهي لازمة كما قلنا، فإن لم يوجد ما يعين أحد التأويلين فهما - عندهم - جائزان. كل هذا وما سبقه من تأويل عندهم، عناء لا مسوغ لاحتماله، يريحنا منه الأخذ بالرأي الذي يبيح الأمرين: الرفع والنصب بالتوجيه الذي شرحناه، فوق ما فيه من راحة أخرى، إذ يحمل القاعدة، واحدة مطردة، فيسوي بين العطف بعد مجيء خبر "أن" وقبل مجيئه. على أننا نقول: حسب الناس في الصور السابقة كلها أن يحاكوا أساليب القرآن، والكلام العربي الفصيح، فلا نرهقهم بالتأويلات المختلفة، وفهمها، ومن شاء أن يؤول كلامهم بعد قبوله كما أول القرآن، فليفعل، وعلى ضوء ما يق يمكن الوصول إلى حكمين: أولهما: فساد التركيب في مثل: "إن محمدا وإن عليا منطلقان، لاشتماله على خبر واحد لمتعاطفين تكررت فيهما "إن" فيكون معمولا واحدا لعاملين، هما: "إن" الأولى و "إن" الثانية وهو بهذه الصورة غير جائز، لأن كل عامل منهما يحتاج وحده إلى معمول خاص به "راجع الهمع جـ1 ص 135" ثانيهما: توجيه الأساليب الآتية: تطبقا على ما سبق -: "إن رجلا وغلاما حاضران". فكلمة "غلاما" منصوبة على أنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" المنصوب لفظهه. ولو قلنا: إن رجلا وغلام حاضران، لكانت كلمة غلام " مرفوعة، لأنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" باعتبار أصله المبتدأ قبل أن يصير اسم "إن" وكلمة: "حاضران" هي الخبر في الحالتين، لأنها مثنى، فهي مطابقة للمعطوف والمعطوف عليه معا. أما إذا لم تطابق في مثل: إن رجلا وغلاما حاضر. تريد: إن رجلا حاضر، وإن غلاما حاضر، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فالأصول اللغوية العامة لا تنع هذا الأسلوب، فيصح أن تكون كلمة. "حاضر" خبر "إن" المذكورة. وكلمة "غلاما" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، وهذه الجملة معترضة، ولا تصلح أن تكون معطوفة، لما سبق توضيحه - في الرأي الراجح. وكذلك إ ن لم يتطابق في مثل: إن رجل وغلام حاضر. فكلمة "حاضر" خبر "إن" المذكورة "وغلام" مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: إن رجلا حاضر، وغلام حاضر، وتكون الجملة الثانية معترضة أيضا - بين اسم إن وخبرها. ويجوز في المثال الأول: "إن رجلا وغلاما حاضر" اعتبار كلمة "حاضر" خبر "إن" محذوفة وحدها. وخبر المذكورة محذوفة أيضا، والجملة الثانية معطوفة على الأولى عطف جمل.... وهكذا ملاحظة: مما يجب التفطن له أن كل واحد من هذه الاعتبارات - وأشباهها- لا يصح الالتجاء إليه بداعي التمحل المحض في تصحيح كلمة لم يتضح في السياق مرماها المعنوي السليم ولا مهمتها في توضيح المراد، ولا يصح تلمس التصويب لمن نطق بها عفوا على غير هدى لغوي يؤدي إلى المعنى المقصود، وإلا صارت اللغة لعبا ولهوا. وإنما نلجأ إلى التأويل حين يكون هو الوسيلة لتحقيق المعنى المراد الصادر عن قصد، لقيام قرينة تفرضه وتأتي سواه. وبالرغم من الاعتبارات السالفة تقضي الحكمة ألا نلجأ إلى استعمال تلك الأساليب ما وجدنا مندوحة للبعد عنها. ومن الخير أن أن نكتفي في العطف على اسم "إن" بضبط المعطوف منصوبا فقط، سواء. أكان العطق قبل مجيء الخبر أم بعده، لأن هذا هو المسلك الظاهر، المتفق عليه، والنهج الواضح الذي يعد اتباعه عن أهم مقاصد البلغاء. ما لم يوجد مقصد أسمى يدعو للعدول المحتم عنه، كاقتضاء المقام أن يكون العطف عطف جمل، لا عطف مفردات، لأن الأولى يؤدي غرضا غير الذي يؤديه الثاني.

حكم المعطوف مع أخوات "إن"1. وكل ما قيل فى حكم المعطوف بعد استكمال "إن" خبرها، وقبل استكمالها - يقال أيضاً بعد حرفين من أخواتها، هما: أنّ "المفتوحة الهمزة، المشددة النون" و"لكنّ" المشددة النون، سواء أكان العطف قبل استكمالهما الخبر أم بعده، فالحروف الثلاثة الناسخة: "إنّ - أنّ - لكنّ" مشتركة فى الحكم السالف. تقول: علمت أنّ طائرة مسافرةٌ وسيارةً ٌ، أوعلمت أن طائرةً وسيارةً ٌمسافرتان، ينصب كلمة: "سيارة" ورفعها، مع تقدمها على الخبر وحده، أوتأخرها عنه. كما تقول الفواكه كثيرة فى بلادنا، لكنّ التفاحَ قليل. والبُرقوقَ ُ. أولكنّ التفاح والبُرقوقَ ُ قليلان، بنصب كلمة: "البرقوق" أورفعهما مع التقدم على الخبر وحده أوالتأخر عنه. أما "ليت" و"لعل" و"كأن" فلا يجوز معها فى المعطوف إلا النصب؛ سواء أوقع بعد استكمالها الخبر أم قبل استكمالها. مثل: ليت الأخ حاضر والصديقَ، أوليت الأخَ والصديقَ حاضرِان؛ بنصب كلمة: "الصديق" فى الحالتين. ومثل: لعل العلاجَ مفيدٌ والدواءَ، أو: لعل العلاجَ والدواءَ مفيدان. بنصب كلمة: "الدواء" فيهما. ومثل: ليت الصحة دائمة والثروةَ، أو: ليت الصحة "والثروةَ" دائمتان. بنصب كلمة: الثروة فيهما. وهكذا.....2 ونستخلص مما تقدم: ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقاً، "أىْ: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته؛ وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" النافية للجنس"3 فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجئ فى بابها4.

_ 1 في المسألة التالية ما في سابقتها من كثرة الخلاف، والتشعيب، بحيث يصعب استخلاص حكم يساير أصفى الأساليب الفصيحة، وأدق الأحكام اللغوية العامة، وقد أثبتنا في المسألتين ما استصفيناه 2 وفيما سبق يقول ابن مالك: وألحقت بإن "لكن"، و "أن" ... من دون "ليت" و "لعل" وكأن أي: ألحق "بإن" في الحكم السابق الخاص بالعطف - حرفان من أخاتهما، وهما: "أن" "المفتوحة الهمزة، المشددة النون"، و "لكن"، بتشديد النون، وخالفها ثلاثة أخرى، هي: "ليت" و "لعل"، و "كأن" وقد فصلنا ذلك الحكم. ويزاد على هذه الثلاثة "لا الجنسية" لما قررناه من انفرادهما بأحكام خاصة وفي بيت ابن مالك خففت النون في "أن" و "كأن" لضرورة الشعر التي جعلت النون ساكنة فيهما. 3 وهي من أخوات "إن". 4 في ص 697و 701.

ونستخلص من كل ما تقدم أمرين: ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقا، "أي: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته، وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" الجنسية، فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجيء في بابها1. ب- امتياز: إنّ، وأنّ، ولكنّ - دون أخواتها - بجواز شىء آخر هوصحة رفع المعطوف على اسمها؛ سواء أكان المعطوف متوسطاً بين الاسم والخبر أم متأخراً عن الخبر.

_ 1 ص 697 و 701 - كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص 665 -

المسألة الخامسة والخمسون: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة "إن، أن، كأن، لكن"

المسألة الخامسة والخمسون: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة 1 "إن، أن، كأن، لكن" فأما "إنَّ" "المكسورة الهمزة، المشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة. وعندئذ تصلح "إنْ" للدخول على الجمل الاسمية والفعلية، بعد أن كانت مع التشديد مختصة بالنوع الأول. "ا" فإن خففت ودخلت على جملة اسمية جاز إبقاء معناها وعملها وسائر أحكامها التى كانت لها قبل التخفيف2، وجاز إبقاء معناها دون عملها فتصير مهملة ملغاة. مثل: إنْ جريراً لشاعرٌ أمَوِىٌّ كبير، أو: إنْ جريرٌ لشاعر أموى كبير. مثل: إنْ أبا حنيفة لإمام عظيم، أو: إنْ أبوحنيفة لإمام عظيم. بنصب كلمتى. جريراً و"أبا" على الإعمال، وبرفعهما على الإهمال ... وإهمالها أكثر فى كلام العرب، ويحسن - اليوم - الاقتصار عليه. وإذا أهملت - مع دخولها على جملة اسمية - وجب مراعاة ما يأتى: "ا" أن يكون اسمها قبل أهمالها - اسماً ظاهراً لا ضميراً؛ مثل: إنْ بَغدادُ لبلد تاريخى مشهور. "2" أن تشتمل الجملة التى بعدها على لام الابتداء3؛ لتكون رمزاً للتخفيف، ودالة على أنها ليست النافية، ولذا قد تسمى: اللام الفارقة4؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية؛ مثل: إنْ تونُسُ لَرِجالُها عرب. ويجوز تركها والاستغناء عنها متى وجدت قرينة واضحة تقوم مقامها فى تبيين نوع "إنْ"، وأنها المخففة،

_ 1 هذا هو البحث الذي أشرنا إليه في رقم 3 من هامش ص 630. 2 إلا العمل في الضمير، فإن العمل فيه مقصور على المشددة، تقول: إنك عدو الطغيان بتشديد "إن" ولا يجوز التخفيف في اللغة المستحسنة التي هي حسبنا اليوم. 3 تفصيل الكلام عليها في ص 659. 4 هذه لام الابتداء في الرأي الراجح، وتجيء عند التخفيف. ولكن مكانها يختلف باختلاف التراكيب على الوجه التالي: أ- فعند دخول "إن" المخففة على جملة اسمية فإن اللام تدخل على الخبر عند الإهمال. ب- وعند دخول "إن" المخففة على جملة فعلية فإن الإهمال واجب في الأرجح - ويكون =

وليست النافية، لكن عدم تركها أفضل1. ولا فرق فى القرينة بين أن تكون لفظية فى أومعنوية، والمعنوية أقوى. ومن القرائن الفظية أن يكون الخبر فيها منفيًّا مثل: إنْ المجاملةُ لن تضرَّ صاحبها. فكلمة "إنْ" مخففة، وليست نافية؛ لأن إدخال النفى على النفى لإبطال الأول قليل فى الكلام الفصيح: إذ يمكن مجئ الكلام مثبتاً من أول الأمر، من غير حاجة إلى نفى النفى المؤدى للإثبات بعد تطويل. ومثال القرينة المعنوية: إنْ العاقلُ يتبع سبيل الرشاد. إنْ المحسنُ يكون محبوباً. إنّ الاستقامةُ تجلب الغِنى؛ إذ المعنى يفسد على اعتبار "إنْ" للنفى فى هذه الأمثلة ... ومن هذا النوع قول الشاعر: أنا بانُ أبَاةِ الضَّيْمِ من آلِ مالكٍ ... وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ فلوكانت "إنْ" للنفى لكان عجز البيت ذمًّا فى قبيلة مالك، مع أن صدرهُ لمدحها2.

_ = الفعل بعدها ناسخا - كما سيجيء في ب من ص 675 وتدخل اللام على خبره الحالي، أو على خبره بحسب الأصل، فالأول نحو: إن كنت لناصرا المظلوم. والثاني: إن ظننتك لطموحا ... فإن كان غير ناسخ - وهذا قليل لا يصح القياس عليه اليوم - دخلت على فاعله إن كان اسما ظاهرا أو ضميرا بارزا، نحو: إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه، فكلمة: "نفس" اسم ظاهر، فاعل الفعل: "يزين" وكلمة: "هي" ضمير بارز فاعل للفعل: يشين، والهاء التي في آخر الضمير هاء للسكت. والمراد: إ ن نفسك هي اتي تزينك، وهي التي تشينك، أي: تعيبك - انظر "أ" من ص 676. فإن اجتمع الفاعل والمفعول به دخلت على السابق منهما، نحو: إن أحسن لكاتب عمله. أو: إن أحسن لعمله كاتب. وإنما تدخل على السابق منهما، نحو: إ ن أحسن لكاتب عمله. أو: إن أحسن لعمله كاتب. وإنما تدخل على السابق منهما بشرط ألا يكون ضميرا متصلا "ظاهرا أو مستترا" فإن كان ضميرا متصلا لم تدخل عليه اللام ودخلت على المتأخر: مثل: إن عظمت لعالما نافعا، وإن مدحت لإياه، والعاقل إن مدح لعظيما "فقد دخلت اللام على المفعول به مع تأخره" لأن الفاعل في المثالين الأولين ضمير متصل بارز، وفي الأخير ضمير متصل مستتر. 1 إلا لمانع يمنع، كدخولها على حرف نفي. 2 حذف اللا م هنا لعدم الحاجة إليها، لأن المقام للمدح، وهو يقتضي الإثبات لا نفي. وفي هذه الحالة يجوز حذفها وإثباتها. ومما يلاحظ أنا لو أردنا إدخالها في المثال السالف لكان الأنسب إدخالها على كلمة: "كرام" دون الفعل: "كان"، لأنها لا تدخل على ماض، متصرف، خال من طقد" كما سبق - في ص 661 - سواء أكانت "إن" عاملة أم غير عاملة. هذا، وكلمة: "أباة" جمع "آب" بمعنى: كاره. و "ماليك" اسم قبيلة عربية، سميت باسم زعيمها، والشاعر يتباهى في صدر البيت بأنه من أسرة ذلك الزعيم، وأنها تكره الضم، "أي: الذل" وأنها قبيلة كريمة الأصول. فكلمة "مالك" الأولى اسم للزعيم، والثانية اسم القبيلة، ولهذا أنث الفعل معها.

"3" أن يكون الخبر من النوع الذى يصلح لدخول اللام عليه وقد سبق بيانه1. "ب" وإن خُفِّفت ودخلت على جملة فعلية وجب الإهمال2، وأن يكون الفعل بعدها ناسخا3؛ مثل: الحريةُ عزةٌ، وإنْ كانت لأمنيةَ النفوس الكبيرة، وقول أعرابيّ لأحد الفتيان: رَحِم الله أباك، وإنْ كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا، ومثل: إن يكادُ الذليلُ ليألفُ الهوان. ومثل: إنْ وجدْنا المنافق لأبْعَدَ من إكبار الناس وتقديرهم4.

_ 1 راجع ص 660. 2 ولا داعي للأخذ بالرأي القائل بأعمالها، واعتبار اسمها ضمير الشأن المحذوف. وهو رأي مقبول أيضا. 3 مثل كان وأخواتها. "ومن أخواتها: أفعال المقاربة، وما يتصل بها...." ومثل: ظن وأخواتها - ويشترط في هذا الفعل الناسخ ألا يكون نافيا، مثل: "ليس"، ولا منفيا، مثل ما كان، ما زال، ما برح، لن أبرح، لن أفتأ.... وأن يكون غير داخل، في صلة، مثل: ما دام، وتجيء اللام في خبر الناسخ الحالي، أو خبره بحسب الأصل "كما سبق في ب هامش ص 673". 4 وفيما سبق يقول ابن مالك: وخففت: "إن" فقل العمل ... وتلزم اللام إذا ما تهمل وربما استغنى عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا أي: إذا خففت "إن" قل إعمالها. وإذا أهملت لزم مجيء اللام بعدها، وقد شرحنا ما يتعلق بمجيئها. ثم أوضح في البيت الثاني أن هذه اللام قد يمكن تركها، والاستغناء عنها إن بدا. "أي: ظهر" المراد الذي أراده المتكلم، معتمدا، في ظهوره على قرينة توضحه - ومعنى "بدا ما ناطق أراده" ظهر الذي أراده الناطق - ثم قال: والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلقيه - غالبا - بإن ذي موصلا "ذي" بمعنى: هذه يريد: أن الفعل إن لم يكن من الأفعال الناسخة فإنك - غالبا - لا تلفيه "أي: لا تجده" في الكلام الفصيح متصلا بـ "إن" المخففة، فلا يقع بعدها مباشرة "وكلمة: "غالبا" تعرب ظرف زمان أو مكان. فالمعنى: انتفى في غالب الأزمنة، أو في غالب التراكيب وجود الفعل غير الناسخ متصلا مباشرة بالحرف "إن" المخففة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- من الأمثلة العربية المسموعة: إنْ يَزينُك لَنَفسُك، وإنْ يَشينُك لَهِيَهْ. وقد سبق1، ومنها إنْ قَنَّعتَ كاتبك لسَوْطاً2. وقول الشاعر: شَلَّتْ3 يمينُكَ إنْ قتلت لمُسلماً ... حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمد وهى أمثلة يستشهد بها النحاة على وقوع الأفعال غير الناسخة بعد "إنَّ" إذا خففت. ولا داعى لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة. وحسبنا أن نتبين معناها، والغرض الذى نستعملها فيه، دون القياس عليها من هذه الناحية. ب- بمناسبة تخفيف "إنّ" يعرض النحاة للقراءات التى فى قوله تعالى: {وإنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِينَّهم رَبُّك أعمالَهم} ، وتوجيه كل قراءة. وإليك بعض ذلك. "1" "وإنَّ كلاً لَمَا ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم" بتشديد النون، وتخفيف "ما"، فيكون الإعراب: "كلاًّ" اسم إن. "لما"؛ اللام لام ابتداء، "ما" زائدة؛ لتفصل بين اللامين. "ليوفينهم" اللام للابتداء؛ لتوكيد الأولى، والجملة بعدها خبر "إنّ". ويصح إعراب آخر: "كُلاًّ" اسم إن المشددة. "لَمَا" اللام لام الابتداء، "ما": اسم موصول خبر "إنّ" مبنى على السكون فى محل رفع. "لَيُوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب جواب قسم محذوف؛ وجملة القسم وجوابه صلة "ما"، والتقدير: "لَمَا والله لَنوفَّينَّهم4". وجملة القسم وإن كانت إنشائية - هى لمجرد التأكيد. والصلة فى الحقيقة جوابه. أى: "وإنّ كلا لَلّذين والله ليوفينهم" لهذا لا يقال إن جملة القسم هنا إنشائية مع أن جملة الصلة لا تكون إلا خبرية"5.

_ 1 في "ب" من هامش ص 673. 2 أي: إنك قنعت كاتبك سوطا، بمعنى: ضربته على رأسه بالسوط، فأحاط به إحاطة القناع برأس المرأة. 3 يدعو عليه بشلل يمينه، فالجملة دعائية. 4 انظر ص 378 حيث الأشياء التي يجوز الفصل بأحدها بين الموصول وصلته. 5 راجع الصبان في هذا الموضع، ثم ما يتصل بهذا في ص ص 374 و 378 السابقتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "2" "وإنْ كُلاًّ لَمَا ليوفنيهمْ ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" و"ما" مع إعمال "إنْ" كأصلها. والإعراب لا يختلف عما سبق؛ فيصح هنا ما صح هناك. "3" "وإنْ كُلٌّ لَمَا لَيُوَفِّينَّهم...." بتخفيف "إنْ" و"ما". فكلمة "إنْ" مهملة. كل: مبتدأ. وما بعد ذلك يصح فيه الأوجه السالفة فى الصورة الأولى مع ملاحظة أن الأخبار هنا تكون للمبتدأ. "4" "وإنْ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" وتشديد "لمَّا" والإعراب يجرى على اعتبار "إنْ" حرف نفى، و"لما" أداة استثناء بمعنى: "إلا" و"كلاًّ" مفعول به لفعل تقديره: أرى - مثلاً - محذوف، و"ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة، بعدها جوابه؛ أى: ما أرى كلاًّ إلى والله ليوفينهم. "5" "وإنَّ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتشديد "إنّ" و"لمَّا" والأحسن اعتبار "لما" حرف جزم، والمجزوم محذوف، والتقدير: "وإنّ كلاًّ لمَّا يُوَفَّوْا أعمالهم" ... "ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها جوابه، والقسم وجوابه كلام مستأنف. وعلى ضوء ما تقدم نعرب قوله تعالى: "وإنْ كلٌّ لمَّا جميعٌ لديْنا مُحْضَرون" فعند تشديد "لما" تكون بمعنى "إلا"، و"إنْ" المخففة حرف نفى. "كل" مبتدأ، جميع: خبره، "محضرون" نعت للخبر، مرفوع بالواو، "لدى" ظرف متعلق به، مضاف، "نا" مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر. وعند تخفيف "ما" يكون الإعراب، كما يأتى: "إنْ" مهملة "كُلّ" مبتدأ. "لمَا" اللام لام الابتداء، "ما" زائدة، "جميع" مبتدأ ثان1 "محضرون" خبر الثانى، والثانى وخبره خبر الأول. "لدينا" "لدى" ظرف متعلق بكلمة "محضرون". "نا" مضاف إلى الظرف. ويجوز فى هذه الآية وسابقتها إعرابات وتوجيهات أخرى2.

_ 1 وإعرابها هنا مبتدأ أحسن من إعرابها خبرا، لكيلا تدخل "لام الابتداء" على الخبر، مع صحته - لأن دخولها على المبتدأ هو الأكثر. 2 سجلها الصبان والتصريح والخضري في آخر باب "إن" وأخواتها عند الكلام على تخفيف "إن".

الحرف الثاني: أن وأما "أنّ" "مفتوحة الهمزة، مشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وترك الأولى ساكنة؛ نحو: أيقنت أنْ" "علىٌّ شجاعٌ". ويتحتم اعتبار "أنْ" مخفَّفة من الثقيلة متى وجدت علامة مما يأتى: 1- أن تقع بعد ما يدل على اليقين1 والقطع، مثل: أيقَن، تيقَّن، جزَم، عَلِم، اعتَرف التى بمعنى: عَلِمَ، أو: أقَرَّ، اعتقادى، لا شَكَّ. وغيرها من الأفعال أوالألفاظ التى تفيد اليقين2؛ نحو: أيقنت أنْ عدلٌ من الله كلُّ جزائه. وقول الشاعر: أأنت أخى ما لم تكنْ لى حاجةٌ؟ ... فإن عرَضتْ أيقنت أنْ لا أخا ليا 2- أن تدْخل على فعل جامد، أورُبّ، أوحرف تنفيس3؛ نحو: اعتقادى أنْ ليس لشفقة الوالدين مثيل؛ وقول الشاعر: وإنى رأيت الشمسَ زادت محبةً ... إلى الناس أن ليْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ ومثل: أجِدَّكِ ما تَدرينَ أنْ رُبَّ ليلةٍ ... كأن دُجَاها من قُرونِكِ يُنْشَرُ وقول الناصح لسامعيه: فإنْ عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أنْ سوف تَلْقَوْن خِزْيًا ظاهر العار 3- أن يقع بعدها فعل دعاء، نحوأطال الله عمرك، وأن هيَّأ لك المستقبل السعيد.

_ 1 انظر ص 644 ومما يدل على اليقين عند سيبويه، ومن معه - الألفاظ الدالة على الخوف والحذر إذا كان أمرهما متيقنا- كما في الصفحة المشار إليها. 2 أما التي تقع بعد ما يدل على الظن "مثل، زعم، خال،.... والظن معناه: ترجيح أحد الأمرين" فإنها صالحة لأن تكون مخففة، وأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع بعدها. ويعينها لأحدهما وجود قرينة لفظية تقضي بالتعيين. فوجود الفاصل، أو رفع المضارع بعدها- قرينة لفظية على أنها المخففة. ونصب المضارع بعدها قرينة لفظية على أنها المصدرية الناصبة له. فإن لم تكن مسبوقة بما يدل على اليقين أو الظن فهي المصدرية الناصبة للمضارع حتما، كالتي تقع بعد ما يفيد الرغبة أو الإشفاق، أو الطمع أو التوقع "وقد سبق بيان المراد من هذه الألفاظ في رقم 3 من هامش ص 635، نحو: أود أن أشارك في كل عمل نافع - أخشى أن يشتد البرد - أرجو أن أهنيء الزملاء بما يسرهم - يسرني أن يزورني العلماء. "انظر "أوب" من ص 408 وما بعدها و 644، وستجيء الأنواع "أن" المختلفة بيان شامل في باب النواصب "جـ 4 ص 265 و 273 م 148". 3 هو السين، أو: سوف، وقد سبق الكلام على معناهما، والفرق بينهما في ص 60 -.

4- أن تكون داخلة على جملة اسمية مسبوقة بجزء أساسى من جملة - لا بجملة كاملة - بحيث يكون المصدر المؤول من: "أنْ" المخففة والجملة الاسمية التى دخلت عليها - مكملاً أساسياً للجزء السابق. كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . فالمصدر المؤول خبر المبتدأ. "أخِر"1. وقول الشاعر: كفى حزَنًا أنْ لا حياةَ هنيئةٌ ... ولا عملٌ يرضَى به اللهُ - صالحُ فالمصدر المؤول فاعل: "كفى"2. ويترتب على التخفيف أربعة3 أحكام، يوجب أكثر النحاة مراعاتها: أولها: إبقاء معنى: "أنّ" وعملها على حالهما الذى كان قبل التخفيف. ثانيهما: أن يكون اسمها ضميراً4 محذوفاً، ويغلب أن يكون ضمير شأن5 محذوف كالمثال السابق؛ وهو: أيقنت أنْ "علىٌّ شجاعٌ"6. ثالثها: أن يكون خبرها جملة؛ سواء أكانت اسمية أم فعلية؛ نحو: علمتُ أنْ حاتمٌ أشهرُ كرام العرب، وأيقنت أن قد أشْبَههُ كثيرون. رابعها: وجود فاصل - فى الأغلب - بينها وبين خبرها إذا كان جملة فعلية7، فعلها متصرف، لا يقصد به الدعاء. والفاصل أنواع. "ا" إما "قد"8 نحو: ثبت أنْ قد ازدهرت الصناعة فى بلادنا، ونحوقول الشاعر: شَهِدْتُ بأنْ قدْ خُطَّ ما هوكائنٌ ... وأنَّكَ تَمْحُوما تَشَاءُ وتُثْبِتُ "ب" وإما أحد حرفي التنفيس9 مثل: أنت تعلم أن سأكونُ نصير الحق،

_ 1 سيجيء للآية مناسبة أخرى في: "أ" ص 680. 2 راجع ما سبق في ص 644. 3 في رقم 4 من هامش ص 410 بعض أحكام أخرى تقتضي الرجوع إليها. 4 سواء أكان المتكلم، أم مخاطب، أم غائب، ومن الأمثلة قوله تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} التقدير عند سيبويه: أنك يا إبراهيم. 5 سبق الكلام على ضمير الشأن تفصيلا في ص 250 وما بعدها. 6 اسم "أن" ضمير محذوف تقديره "هو" أي: الحال والشأن - والجملة الاسمية بعده في محل رفع، خبر: "أن" المخففة. 7 هذا الفاصل قد يزيد في توضيح نوعها، ويؤكد أنها المخففة من الثقيلة، وليست المصدرية الناصبة للمضارع. 8 تدخل هنا على الماضي فقط. 9 وهما: "السين" و "سوف" ويدخلان على المضارع المثبت فقط. "وقد سبق الكلام عليهما في ص 60".

قول الشاعر: وإذا رأيتَ من الهلال نُمُوّهُ ... أيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملا وقول الآخر: واعلمْ - فَعلُم المرءِ يَنْفَعُهُ - ... أنْ سَوْفَ يأتِى كُل ما قُدِرَا "حـ" وإما حرف نفى من الحروف الثالثة التى استعملها العرب فى هذا الموضع؛ وهى2: "لا - لن - لم". نحو: أيقنت أنْ لا3 يَغْدِرُ الشريفُ، وأنْ لن يحيد عن الحق. ووثقت أنْ لم ينصر الله المبطلين. ومن الأمثلة قوله تعالى: "وحسبوا4 أنْ لا تكونُ فتنةُ" فى قراءة من رفع "تكونُ". وقوله: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد} ، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} . "د" وإما "لو" والنص عليها فى كتب النحاة قليل مع أنها كثيرة فى المسموع؛ نحو: أوقن أنْ لوأخلصنا لبلادنا لم يطمع الأعداء فينا. ومما تقدم5 نعلم أن الفصل غير واجب6 في الحالات الآخرى التي منها: "ا" أن يكون الخبر جملة اسمية نحوقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ7 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ونحو: "الثابت أنْ انتقامٌ من الله يحلّ بالباغى". إلا

_ 1 وفي بعض الروايات: إن الهلال إذا رأيت نموه.... 2 وتدخل "لا" على الماضي والمضارع، وتختص "لم" و "لن" بالمضارع. وزاد الرضى "ما" وجعلها مثل "لا". 3 في هذه الصورة - وأشباههما - يجب فصل "أن"، وإظهار النون قبل "لا" في الكتابة دون النطق وضابط إبرازها خطا لا نطقا ينحصر في أن تكون غير ناصبة للمضارع، سواء أكان بعدها فعل أم اسم، نحو: تيقنت أن لا ينتصر ضعيف ونحو: أشهد أن لا إله إلا الله. 4 بشرط أن تكون بمعنى: اعتقدوا. 5 لخص بعض النحاة الفواصل السابقة ومواضعها فقال: "الفعل إما مثبت وإما منفي، وكل منها إما ماض، وإما مضارع. فالمثبت إن كان ماضيا ففاصله: "قد" وإن كان مضارعا ففاصله أحد حرفي التنفيس. والمنفي: إن كان ماضيا ففاصله: "لا" فقط، وإن كان مضارعا ففاصله أحد حرفي التنفيس. والمنفي: إن كان ماضيا ففاصله: "لا" فقط، وإن كان مضارعا ففاصله: "لا"، أو: "لن" أو: "لم" وأما "لو" فإنها في الامتناع شبيهة بالنفي فتدخل على الماضي والمضارع" اهـ. وقد سبق في رقم 2 من هذا الهامش أن: "الرضى" جعل "ما" مثل "لا". 6 وإنما هو جائز في الأنواع التي ستذكر: إن لم يوجد مانع، إذ لا تدخل "أن" المصدرية الناصبة للمضارع على هذه الأنواع، فلا مجال لخوف اللبس بينها وبين المخففة، ومتى أمن اللبس كان الفصل جائزا لا واجبا. 7 على اعتبارها مخففة، لا مفسرة. وقد سبقت مناسبة أخرى للآية في أول الصفحة السالفة.

عند إرادة النفى نحوَ: عقيدتى أنْ لا كاذبَ محترم؛ ومنه: أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ. "ب" أن يكون الخبر جملة فعلية جامد؛ نحوقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . وثقت أنْ ليس للكرامة مكان فى نفوس الأدنياء. "حـ" أن يكون الخبر جملة فعلية؛ فعلها متصرف، ولكن قصد به الدعاء1 كالذى رواه أعرابى عن أخيه الواقف يدعو: أسأل ربى التوفيق لما يرضيه، ودوام العافية علىّ - ونظر إلىّ وصاح -: وأنْ كتب الله لك الأمن والسلامة ما حييت، وأن أسبْغَ عليك نِعَمه ظاهرة وباطنة فى قابل أيامك، وأنْ أهْلَك كلَّ باغٍ يَتَصَدّى لإيذائكَ. وفى الرسم التالى بيان للصور السالفة:

_ 1 سواء أكان بخير أم شر، كما يتبين من المثال بعد. 2 وفي أحكام "أن" المخففة من الثقيلة يقول ابن مالك. وإن تخفف "أن" فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد "أن" تضمن هذا البيت حكمين من أحكامها الأربعة التي تترتب على التخفيف: أولهما: أن لها اسما استكن، أي: استتر واختفى، لأنه لا يظهر في الكلام، وإنما يكون ضمير محذوفا. ولم يذكر أنه ضمير، لضيق الشعر. كما أنه خفف نون الفعل: "استكن" للضرورة. وثانيهما: أن خبرها يكون جملة، وأوضح بعد ذلك ما يكون في الجملة الفعلية الواقعة خبرا، حيث تكلم عن فعلها قائلا: وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن الفصل بقد، أو: نفي، أو ... تنفيس، أو: لو. وقليل ذكر "لو" أي: إن يكن صدر الجملة فعلا، لا يراد منها الدعاء، ولم يكن جامدا، فالأحسن الفصل بينه وبين "أن" المخففة بفاصل من الفواصل التي سردها في البيت الآخير. "إن يكن فعلا.... يريد: إن يكن الخبر فعلا.... والفعل وحده لا يكون الخبر، وإنما الخبر الجملة المكونة من الفعل والفاعل معا. ففي التعبير تساهل. أو: المراد: إن يكن صدر الجملة فعلا".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ورد فى بعض النصوص القديمة - اسم "أنْ" المخففة من الثقيلة ضميراً بارزاً، لا ضميراً محذوفاً. ومعه الخبر جملة فعلية أومفرد. من ذلك قول الشاعر يخاطب زوجته: فلوأنْكِ فى يوم الرَّخاءِ سألتِْنى ... طلاقَكِ، لم أبخَلْ وأنتِ صَديقُ فقد وقعت "الكاف" اسم: "أنْ" وخبرها جملة: سألتنى. ومثل قول الآخر: لقد علمَ الضيفُ والمرْمِلون1 ... إذا اغبرَّ أفق2 هُناكَ تكون الشِّمالا3 بلأتم ربيع4 وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الشمالا5 ففى البيت الثانى تكررت "أنْ" المخففة مرتين، واسمها ضمير "بارز" فيهما، وخبر الأولى مفرد، وهوكلمة: "ربيع"، وخبر الثانية جملة فعلية هى: "تكون الثمال". وقد وصفت هذه الأمثلة الشعرية بأنها شاذة، أوبأنها لضرورة الشعر، كما وُصفت نظائرها النثرية بأنها شاذة. فالواجب أن نقتصر على الكثير الشائع الذى سردنا قواعده وضوابطه، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، ليعرفها المتخصصون فيستعينوا بها على فهم ما قد يكون لها من نظائرها قديمة. دون أن يحاكوها.

_ 1 الفقراء. المفرد: مرمل. 2 المراد: أسودت الدنيا في عين الإنسان: من شدة بؤسه وحاجته. 3 أي: هبت الريح شمالا. فكلمة: "شمالا" حال منصوبة. وصاحب الحال هو الضمير المستتر، فاعل الفعل: "هب" وهبوب الشمال الباردة العاصفة في بعض المواسم والبقاع قد يكون باعث فزع، ودليل قحط. 4 كالربيع موسم النضرة، والفواكه، ونمو الزروع، ونضجها، فأنت مثله - محبوب نافع: "مربع" خصيب. والغيث الخصيب، هو: المطر الغزير الذي يكون من آثاره إنبات الزرع، والخصب الكثير. 5 الشمال: الذي يغيث المحتاج، ويعين من يستعين به.

الحرف الثالث: كأن وأما "كأنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "بحذف الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة" ويترتب على التخفيف أمور؛ منها: "ا" أن معناها لا يتغير، وإعمالها واجب. "ب" أن اسمها - فى الأغلب - يكون ضميراً للشأن. أولغير الشأن؛ فمثال الأول. كأنْ عصفورٌ سهمٌ فى السرعة1، أى: كأنه "الحال والشأن" عصفورٌ سهمٌ. ومثال الثانى: يَدُقُّ البَرَدُ النافذةَ، وكأنْ حجرٌ، أى: كأنه حجر. ولوقلنا: يَدُق البرَدُ2 النافذة وكأنْ "حجر"3 صغير يَدُق - لجاز الاعتباران4. وقد اجتمعت المشددة والمخففة فى قوله تعالى يصف المُضَلِّل عن سبيله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} 5. "حـ" أن خبرها لا بد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن6. فإن كانت اسمية فلا حاجة لفاصل بينها وبين "كأن" مثل: كأنْ سبَّاحٌ فى سباحته سمكة فى انسيابها. وإن كانت فعلية7، فالأحسن الفصل8 بالحرف

_ 1 فاسم "كأن" ضمير الحال والشأن المحذوف. وخبرها الجملة الاسمية بعدها. ولا يصح هنا أن يكون اسما ضميرا لغير الحال والشأن، لعدم وجود مرجع سابق يعود عليه. "وتفصيل الكلام على ضمير الشأن في ص 250....". 2 ما جمد من قطرات المطر، وصار قطعا ثلجية صغيرة. 3 فاسم "كأن" ضمير محذوف ليس ضمير شأن، لعدم وجود جملة بعده تفسره، وهي جملة لازمة له كما سبق في شرحه - ص 250 وما بعدها - وكما سيجيء في رقم 6 من هذا الهامش. 4 أي: يجوز اعتبار الضمير للشأن، لوجود جملة بعده تفسره، وعدم اعتباره للشأن، لوجود ما يصلح قبله أن يكون مرجعا له. 5 الوقر هنا: ثقل السمع، أو: الصمم. وأول الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا.....} 6 لأن ضمير الشأن - كما قلنا - لا بد له من جملة بعده تفسره. وهذه الحالة وحدها هي التي يجب فيها وقوع خبر: "كأن" المخففة جملة. أما باقي الحالات فيحوز أن يكون جملة أو غير جملة وفي بعض أمثلة مسموعة جاء اسم "كأن" المخففة اسما ظاهرا كقول الشاعر: وصدر مشرق النحر ... كأن ثدييه حقان ولا يقاس على هذا. 7 فعلها غير جامد، وغير دعائي "كما في الصبان". 8 لأن هذا الفصل هو الذي يفرق بين "كان المخففة من الثقيلة "وأن المصدرية" الناصبة المضارع، المسبوقة بحرف الجر الكاف.

"قد" قبل الماضى المثبت، وبالحرف: "لم" قبل المضارع المنفى، نحو: كأنْ قد هَوَى الغريقُ فى البحر؛ كصخرة هَوَتْ فى الماء، وكأنْ لم يكن بين الغرق والنجاة وسيلة للإنقاذ. الحرف الرابع: لكن وأما "لكنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "فتحذف الثانية المفتوحة، وتبقى الأولى ساكنة". ويترتب على التخفيف وجوب إهمالها، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمية؛ فتدخل على الاسمية، وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ويبقى لها معناها بعد التخفيف وهو: الاستدراك1. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولستُ أجازِى المعتدِى باعتدائه ... ولكنْ بصفح2 القادر المتَحِلِم وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها المشددة. ....................... 3

_ 1 قد سبق شرح معناه في رقم 1 من هامش ص 632. 2 الجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: "أجازي" أو "أصافح" فتكون "لكن" داخلة على جملة فعلية. ويصح تعلقهما بمصدر محذوف تقديره: مجازاة - أي: ولكن مجازاته بصفح.... فتكون داخلة على جملة اسمية. والأول أوضح. 3 وفي الأحكام السالفة كلها يقول ابن مالك: وخففت "كأن" فنوي ... مصنوبها وثابتا أيضا روى فقد اقتصر على الإشارة إلى تخفيفها وإلى أن اسمها ينوي، أي: "يطوي في النفس، فيكون ضميرا، ولا يكون ظاهرا - نوي ينوي: طوي يطوي" وقد روى ظاهرا ثابتا في الكلام. وهذا قليل، سبق مثاله.

"لا" النافية للجنس

"لا" النافية للجنس مدخل ... المسألة السادسة والخمسون: "لا النافية للجنس" 1 نسوق بعض الأمثلة لإيضاح معناها: حين نقول: لا كتابٌ فى الحقيبة؛ بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها -، ورفع كلمة: "كتاب" - التى للمفرد" يكون معنى التركيب مُحتَمِلا أمرين: أحدهما: نفى وجود كتاب واحد فى الحقيبة، مع جواز وجود كتابين أوأكثر فيها. والآخر: نفى وجود كتاب واحد، وما زاد على الواحد؛ فليس بها شئ من الكتب مطلقاً. فالتركيب مُحتمِل للأمرين، ولا دليل فيه يعين أحدهما، ويمنع الاحتمال. وكذلك حين نقول: لا مصباحٌ مكسوراً، "بإدخال: "لا" على جملة اسمية - فى أصلها - ورفع كلمة: "مصباح" التى للمفرد" فإن التركيب يحتمل أمرين: أحدهما: نفى وجود مصباح واحد مكسور، ولا مانع من وجود مصباحين مكسورين؛ أوأكثر. والآخر: نفى وجود مصباح واحد مكسور وما زاد على الواحد أيضاً. فلا وجود لشئ من جنس المصابيح المكسورة. فالتركيب يحتمل نفى الواحد المكسور فقط، كما يحتمل نفى الواحد وما زاد عليه. ومثل هذا يقال فى: لا سيارةٌ موجودةً، بإدخال "لا" على جملة اسمية الأصل، ورفع كلمة: "سيارة" - التى للمفردة" حيث يحتمل التركيب الأمرين: نفى وجود سيارة واحدة، دون نفى سيارتين وأكثر، ونفى وجود شىء من جنس السيارات مطلقاًن فلا وجود لواحدة منها؛ ولا لأكثر. مما سبق نعلم: أن، "لا" فى تلك الأمثلة - وأشباهها - تدل على نفى

_ 1 يلاحظ ما لا يصح أن يدخل عليه الناسخ، وقد سبق البيان في رقم 3 من هامش ص 544- وصرحنا في مواضع مختلفة أن اسم الناسخ "ومنه اسم "لا الجنسية" لا يكون شبه جملة مطلقا.

يُحتَمل وقوعُه على فرد واحد فقط، أوعلى فرد واحد وما زاد عليه. ولمّا كان النفى بها صالحاً لوقوعه على الفرد الواحد سماها النحاة: "لا" - التى لنفى الوَحْدة "أى: الواحد" وهى إحدى الحروف الناسخة1 التى تعمل عمل "كان" الناقصة. فإذا أردنا أن تدل الأمثلة السابقة وأشباهها على النفى الصريح2 العام3 ودب أن نضبط تلك الألفاظ ضبطاً آخر؛ يؤدى إلى هذا الغرض؛ فنقول: لا كتابَ فى الحقيبة؛ - لا مصباحَ مكسورٌ - لا سيارةَ موجودةٌ، فضبط تلك الكلمات المفردة بهذا الضبط الجديد - وهوبناء الاسم على الفتح، ورفع الخبر، كما سيجئ - يجعل النفى فى كل جملة صريحاً فى غرض واحد؛ لا احتمال معه لغيره، كما يجعله عامًّا؛ ينصبُّ على كل فرد؛ فيقع على الواحد، وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة، وما فوقها، ولا يسمح لفرد أوأكثر بالخروج من دائرته. ومثل هذا يقال فى نحو: لا مهملاً عملَه فائزٌ - لا راغباً فى المجد مُقصّرٌ ... ونحوهما مما يقع فيه الاسم منصوباً بعد: "لا" وليس مرفوعاً، والخبر هوالمرفوع - على الوجه الذى سنشرحه - فهى تنفى الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشئ الذى دخلت عليه نفيًا صريحًّا وعاماً؛ كما قلنا: وهذا مراد النحاة بقولهم فى معناها: "إنها تدل على نفى الحكم عن جنس اسمها نصًّا"4. أو"إنها لاستغراق5 حكم النفى لجنس اسمها كله نصًّا." ويسمونها لذلك؛ "لا" - النافية للجنس"6. أى: التى قصد بها التنصيص على استغراق النفى لأفراد الجنس

_ 1 سبق تفصيل الكلام عليها مع أخواتها "في ص 601" وقد اقتضى المقام هناك - في رقم 2 من هامش ص 602 الإشارة إلى "لا" النافية للجنس، دون التفصيل الذي مكانه هنا. 2 أي: القاطع في أمر واحد، لا مجال معه للاحتمال السالف بين أمرين. 3 الذي يشمل نفي المعنى عن الفرد الواحد، وعما زاد عليه. 4 أي: بغير احتمال الأكثر من معنى واحد. 5 يراد بالاستغراق: الشمول الكامل الذي يتناول كل فرد من أفراد الجنس، دون أن يترك أحدا ويسميها بعضهم: "لا التي للتبرئة"، لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى الخبر. وبهذا الاسم ترد في بعض الكتب القديمة، وتختص به، لقوة دلالتها على النفي المؤكد أكثر من أدوات النفي الأخرى. والنفي بها قد يكون مطلق الزمن، أي: لا يقع على زمن معين. وإنما يراد منه مجرد نفي النسبة بين معموليها وسلب المعنى بغير تقييد بزمن خاص. نحو: لا حيوان حجر- لا وفاء لغادر ... وقد يراد بها نفي المعنى =

كله. تمييزاً لها من: "لا" التى لنفى الوَحْدَة؛ فليست نصًّا فى نفى الحكم عن أفراد الجنس كله؛ وإنما تحتملِ نفيه عن الواحد فقط، وعن الجنس1 كله؛ على ما عرفنا. ...... - "ملاحظة": سبق2 بيان هام في حكم "لا" النافية المهملة "أي: التي لا عمل لها في الجملة الاسمية ولا في غيرها" فإنها من ناحية أثرها المعنوي في الجملة الاسمية تشبه "لا" العاملة"ليس" فالحرفان متشابهان في المعنى دون العمل، إذ أن أحدهما يعمل، والآخر لا يعمل.

_ = في زمن معين حين تقوم قرينة كلامية أو غير كلامية تدل على نوع الزمن- ويكثر أن يكون الحال - كقوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ... } وكأن يسأل سائل: أفي المزرعة الآن أحد؟ فيجاب: لا أحد فيها: وقد يكون الزمن بالقرينة مستقبلا، كقوله تعالى عن يوم القيامة {لا بشرى يومئذ للمجرمين} أو ماضيا - كقول الشاعر: تعز، فلا إلفين بالعيش متعا ... ولكن لوراد المنون تتابع وغير هذا من الأمثلة التي سيجيء بعض منها. فإن لم توجد قرينة فالغالب الحال. 1 لهذا يصح أن يقال مع "لا التي لنفي الوحدة" حين يكون اسمها مفردا: لا كتاب في الحقيقة، بل كتابان، أو: بل كتب فيها، فيكون القصد نفي المعنى عن الفرد الواحد دون ما عداه. ولا يصح أن يقال هذا مع "لا" النافية للجنس حين يكون اسمها مفردا. وتسوقنا المناسبة إلى بيان أمر هام، وهو: أن المراد من النفي لا يختلف في نوعي "لا" "النافية للجنس، والنافية للوحدة" إذا كان اسمهما مثنى أو جمعا: نحو: "لا صالحين خائنان، أو: لا صالحين خائنون، ونحو: لا صالحان خائنين، ولا صالحون خائنين". فالنفي في هذه الصور لا يختلف من جهة احتماله أن يكون واقعا في كل صورة على الجنس كله فردا فردا، وأن يكون واقعا على القيد الخاص بالاثنينية أو بالجمعية، فالفرق الصحيح بين المراد من النفي في نوعي: "لا" إنما يظهر في موضع واحد، هو الموضع الذي يكون فيه اسمها مفردا، لا مثنى ولا جمعا - فيكون النفي في "لا" النافية للجنس نصا لا يقبل احتمالا، وشاملا كل فرد حتما. ويكون في النافية للوحدة محتملا أمرين. أما عند تثنية اسميهما أو جمعه فالنفي لا يختلف باختلاف نوعهما، فيكون محتملا في كل منهما إما نفي الحكم عن الجنس كله، وإما نفي قيد التثنية فقط، أو قيد الجمع فقط كما قلنا، فمؤداه فيهما واحد عند تثنية الاسم أو جمعه، ولكنه مختلف عند إفراد الاسم. وصفوة القول في هذا المقام. أن "لا" العامة بنوعيها لا يختلف المراد منها إذا كان اسمها مثنى أو جمعا، إذ يكون المراد نفي الحكم عن الجنس كله فردا فردا، أو نفي القيد الخاص بالتثنية أو بالجمع، دون غيرهما، أما إذا كان الاسم مفردا فالفرق بين النوعين يكون كبيرا، فالتي لنفي الجنس تنفي الحكم عن كل فرد من أفراده على سبيل التنصيص والشمول، التي لنفي الوحدة يدور الأمر فيها بين أمرين، نفي الحكم عن أفراد الجنس كله، ونفيه عن فرد واحد منه، فالنفي فيها محتمل الأمرين ... وما سبق موافق رأي" الصبان" هنا، وهو واضح مفيد، مؤيد بما قاله "السعد" في "المطول" وقد ختم "الصبان" الكلام بقوله نصا: "احفظ هذا التحقق ولا تلتفت إلى ما وقع في كلام البعض وغيره مما يخالفه...." اهـ. 2 وفي رقم 1 من هامش ص 601 و 2 من هامش ص 602.

عملها وشروطه: "لا" النافية للجنس حرف ناسخ من أخوات: "إنًَّ"1 ينصب الاسم2: ويرفع الخبر3. ولكنها لا تعمل هذا العمل إلا باجتماع شروط ستة: أولهما: أن تكون نافية. فإن لم تكن نافية لم تعمل4 مطلقاً. ثانيهما: أن يكون الحكم المنفى بها شاملا جنس اسمها كله، "أى: منصبًّا على كل فرد من أفراد ذلك الجنس". فإن لم يكن كذلك لم تعمل عمل "إنّ"5،: نحو: لا كتابٌ واحدٌ كافياً....، إذ أن كلمة: "واحد" قد دلت دلالة قاطعة على أن النفى ليس شاملا أفراد الجنس كله، وإنما هومقصور على فرد واحد. ثالثهما: أن يكون المقصود بها نفى الحكم عن الجنس نصًّا - لا احتمالا - فإن لم يكن على سبيل التنصيص لم تعمل عمل "إنّ"5 كالأمثلة السالفة أول البحث. رابعها: ألا تتوسط بين عامل ومعموله "بأن تكون مسبوقة بعامل قبلها

_ 1 ومن الفوارق بينهما صحة وقوع: "ما" الزائدة بعد: "إن" وأخواتها على الوجه السابق في بابهما، ولا يصح وقوعها بعد: "لا" وقد سبقت الإشارة لهذا في آخر رقم 5 من هامش ص 664 - 2 انظر الملاحظة المدونة في رقم 4 من هامش ص 410 وتختص بعدم وقوع "ما المصدرية" و"أن المصدرية" بنوعيها "المخففة والناصبة للمضارع" مع صلتهما مبتدأ بعد "لا" النافية للجنس غير المكررة -راجع البيان هناك- 3 سبق في أول هامش ص 444 ما يفيد أن خبرها كغيره من أخبار المبتدأ وأخبار النواسخ، قد يتمم المعنى بنفسه - كالأمثلة السالفة - وقد يتممه بنفسه مع تابعه حين لا تتحقق الفائدة به وحده كقول الشاعر: ولا خير في رأي بغير روية ... ولا خير في جهل تعاب به غدا هذا، ويشترط في خبرها ما يشترط في كل أخبار النواسخ مما سبقت إليه الإشارة في ص 546 و 547 وفي المبتدأ والخبر، هامش ص 443. 4 كأن تكون اسما بمعنى، غير، نحو: فعلت الخير بلا تردد، أو: تكون الزائدة، فلا تعمل شيئا في الحالتين، ولا تختص بالدخول على الجمل الاسمية، ومن الأمثلة الزائدة قوله تعلى مخاطبا إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ....} وقوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَاب} ومثل، "لا" الثانية في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَة....} أو تكون ناهية فتختص بجزم المضارع، مثل: لا تتردد في عمل الخير. "5 و5" وعملت عمل ليس، نحو: لا قلم مكسورا، أو أهملت وتكررت، نحو: لا قلم مكسور، ولا كتاب ضائع. "واختيار هذه أو تلك خاضع لما يقتضيه المعنى المراد".

يحتاج لمعمول بعدها" كحرف الجر فى مثل: حضرت بلا تأخير1 وقول الشاعر: مُتارَكةُ السَّفيه بلا جوابٍ ... أشَدُّ على السَّفيه من الجواب خامسها: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين2 فإن لم يكونا كذلك لم تعمل: مطلقاً3 ولا تعد من أخوات "إنّ" ولا "ليس"؛ كالتى فى قول الشاعر:

_ 1 تعرب "لا" اسما بمعنى "غير"، مجرورا بكسرة مقدرة على الألف. و "لا" مضاف و "تأخير" مضاف إليه مجرور، وهذا أوضح إعراب. ويجوز أن تكون "لا" حرف نفي باقية على حرفيتها. وقد تخطاها حرف الجر "الباء" وعمل الجر مباشرة في كلمة: "تأخير" التي بعدها. و "لا" في هذه الصورة ليست زائدة.. بالرغم من أن العامل تخطاها، لأن الحكم بزيادتها يؤدي إلى فساد المعنى. 2 إلا في أمثلة مسموعة يجيء الكلام عليها في الزيادة والتفصيل "ص 695" ويدخل في حكم النكرة أمران: 1 شبة الجملة بوعيه. "الظرف والجار مع مجروره" وذلك على اعتبار شبه الجملة نفسه هو الخبر كما تقدم في ص 475 وما بعدها" أو على اعتبار أن متعلقه نكرة محذوفة، هي الخبر، كقولهم: لا قوة فوق الحق، ولا أمان مع الطغيان. وقولهم: لا راحة لحسود، ولا مروءة لكذوب، ولا خير في لذة تعقب ندما. وقول الشاعر: لا خير في وعد إذا كان كاذبا ... ولا خير في قول إذا لم يحن فعل "ويلاحظ هنا في إعراب:"لا" ومعوليها ما يجيء في رقم 2 من هامش ص 691. وقول الآخر: فلا مجد في الدنيا - لمن قل ماله ... ولا مال -في الدنيا- لمن قل مجده ب الجملة الفعلية "لأنها في معنى النكرة وبمنزلتها، "كما جاء في التصريح في هذا الباب، عند آخر الكلام على شروطها - كما في أبواب أخرى، والبيان في رقم 1 من هامش ص 213" وقد اشتملت الأساليب الفصحى على أمثلة للجملة الفعلية، نقلوا منها البيت السابق "في هامش ص 687" وهو: تعز فلا إلفين بالعيش متعا ... ولكن لوراد المنون تتابع ومنها: يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون فجملة"متعا" في البيت الأول في محل رفع خبر: "لا"، وكذلك جملة: "عنهم شئون" في البيت الثاني. والواو التي قبل هذه الجملة هي التي تزاد في خبر الناسخ. ما لم تأخذ بالرأي الذي يشترط في "لا" العاملة عمل "إن" ألا ينتقض نفيها بإلا. فإن أخذنا به - وهو الأشهر، كما سيجيء في آخر هامش الصفحة الآتية. كانت الواو للحال، والجملة بعدها حالية والخبر محذوف "وقد سبق في ص 550 وهامشها رقم 1 - وفي "أ" من ص 561 أن هذه الواو تدخل في خبر "كان" المنفية إذا سبقته "إلا" الناقضة للنفي، ومثله خر "ليس" المسبوق بالإعلى الوجه الذي أوضحناه هناك. وقيل تدخل في خبر غيرهما كالبيت السابق، وكقول أحد شعراء ديوان الحماسية: "فأمسى وهو عريان " وقولهم: "ما أحد إلا وله نفس إمارة". وقيل إن هذا مقصور على "كان وأخواتها" دون بقية النواسخ ... وهناك التفصيل. 3 لأن التعريف فيه تحديد وتعيين، وهذا يناقض أنها لنفي الجنس كله بغير تحديد ولا تعيين.

لا القومُ قومى، ولا الأعْوان أعْوانى ... إذا وَنا1 يوم تحصيل العُلا وانِى سادسها: عدم وجود فاصل بينها وبين اسمها. فإن وجد فاصل اهْملَتْ "أى: لم تعمل شيئاً" وتكررت؛ نحو: لا فى النبوغ حَظ لكسلان، ولا نصيبٌ2. وهذا الشرط يستلزم الترتيب بين معموليها3 فلا يجوز أن يتقدم الخبر - ولوكان شبه جملة - على الاسم. فإن تقدم مثل: لا لهازلِ هيبةٌ ولا توقير - لم تعمل مطلقاً. وكذلك لا يجوز تقدم معمول الخبر على الاسم؛ ففى مثل: لا جندىَّ تاركٌ ميدانَه ... لا تعمل حين نقول، لا ميدانَه جندىٌّ تاركٌ. فإذا استوفت شروطها وجب إعمالها4: "إن اقتضى المعنى ذلك؛ سواء أكانت واحدة، أم متكررة - على التفصيل الذى سنعرفه".

_ 1 تباطأ وأهمل. فإن لم يكن اسمها نكرة أهملت ووجب تكرارها، نحو: لا على مقصر،، ولا حامد. ومثل: لا البخل محمود، ولا الإسراف مقبول، وإن لم يكن خبرها نكرة وجب إهمالها، والغالب تكرارها أيضا. نحو: لا إنسان هذا ولا حيوان. 2 ومع تكرارها وعدم إعمالها - بسبب وجود فاصل- يظل معناها هو نفي الجنس كله نصا، بشرط وجود النكرتين بعد هذا الفاصل، فعدم إعمالها في هذه الحالة لا يخرجها عن أنها من الناحية المعنوية لنفي الجنس كله. بشرط دخولها على النكرتين بعد الفاصل. 3 لأن تقديم الخبر أو معموله على الاسم يؤدي إلى الفصل بين "لا" واسمها وهو ممنوع. ومن باب أولى لا يصح تقديم الخبر أو معموله عليها، لأن ما يقع في حيز النفي "أي: في مجاله ودائرته" لا يجوز أن يتقدم على أداة النفي، فلها الصدارة حتما. لكن هل يجوز أن يتقدم معمول الخبر على الخبر وحده؟ يجيب بعض النحاة: نعم. 4 الشروط الستة منها أربعة في "لا" مباشرة، هي: "كونها للنفي - لجنس - للتنصيص - عدم توسطها بين عامل ومعموله" واحد في معموليها، هو: "تنكيرهما معا" واحد في اسمها هو: اتصاله بها مباشرة وهذا يستلزم تأخير خبرها عن اسمها". وزاد بعضهم شرطا فيها، هو: ألا ينتقض نفيها بإلا - طبقا للأشهر - كما سبق في "ب" من هامش الصفحة السابقة -.

حكم اسم "لا" المفردة؛ "أى: المنفردة التى لم تتكرر". لهذا الاسم حالتان: الأولى: أن يكون مضافاً1 أوشبيهاً بالمضاف2. وحكمه وجوب إعرابه، مع نصبه بالفتحة، أوبما ينوب عنها. فمن أمثلة المضاف: لا قولَ زُورٍ نافعٌ............................ ... كلمة: "قول" اسم "لا"، منصوبة بالفتحة، لأنها اسم مفرد: ومضاف. لا أنصارَ خيرٍ متنافورن................... ... كلمة: "أنصار" اسم "لا"، منصوبة بالفتحة لأنها جمع تكسير، ومضاف. لا ذا أدبٍ نمامٌ............................. ... كلمة: "ذا" اسم "لا"، منصوبة بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنها من الأسماء الستة، مضافة. لا نصيحتىْ إخلاصٍ أنفعُ من نُصح الوالدين ... كلمة: "نصيحتى ... " اسم "لا"، منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها، مثنى مضاف؟ لا خائِنى وطنٍ سالمون................ ... كلمة: "خائنى ... " اسم "لا" منصوبة بالياء نيابة عن الفتحة، لأنها جمع مذكر؛ مضاف. لا مهملاتِ عملٍ مُكرماتٌ............... ... كلمة: "مهملات" اسم "لا"، منصوبة بالكسرة نيابة عن الفتحة: لأنها جمع مؤنث سالم مضاف.

_ 1 إما لنكرة، وإما لمعرفة بشرط ألا يكتسب منها التعريف، بسبب توغله في الإبهام، ككلمة: "مثل" - نحو: لا مثل محمود مؤدب - ... و "غير" وسواهما مما لا يكتسب التعريف غالبا "كما أوضحنا في رقم 5 من هامش الجدول الذي في ص 80، وكذا في رقم 1 من هامش ص 422" لأن: "لا" لا تعمل في معرفة. 2 هو الذي يجيء بعده شيء يكمل معناه. بشرط أن يكون ذلك الشيء التالي: إما مرفوعا باسم "لا"، نحو: لا مرتفعا شأن خامل، وإما منصوبا به، نحو: لا متعهدا أموره مقصر "ويلحق بهذا النوع: الأسماء المعطوف عليها، وليست علما، نحو لا سبعة وأربعين غائبون، وتمييز العقود وغيرها. نحو: لا عشرين رجلا متكاسلون" وإما جارا ومجرورا متعلقين به، نحو: لا متواكلا في عمله محمود. فإن كان مجرورا بالإضافة فإنه يكون من المضاف لا من الشبيه بالمضاف، كما عرفنا - والشبيه بالمضاف يجب أن يكون معربا ومنونا. إلا أن وجد مانع من التنوين. وأجاز فريق من غير البصريين عدم تنوينه، محتجا بقوله تعالى: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَج} ، لأن المعنى عنده: "ولا جدال في الحج مقبول" فالجار والمجرور من متممات اسم "لا" والخبر محذوف لا تعلق للجار والمجرور به. وكذلك قوله عليه السلام: "لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت" لأن المعنى عنده على حذف الخبر، والجار والمجرور من متممات اسم "لا" فهما متعلقان به، لا بالخبر- وقد أجيب عن هذين وأمثالهما بأن الخبر المحذوف، موضعه قبل الجار والمجرور، والأصل: "ولا جدال حاصل في الحج" ولا مانع مانع لما أعطيت، فالجار والمجرور متمم للخير المحذوف، متعلقان به وهذا تكلف مردود، لتكراره وتقييد موضعه في فصيح الكلام، وبالرغم منه يحسن التزام التنوين - لأنه الأكثر والأشهر الذي تتوحد عنده الألسنة -. ولا يدخل شيء من التوابع الأربعة "كالنعت ما عدا صورة العطف السابقة...." في الأشياء التي تكمل المعنى، وتجعل الاسم بسببها شبيها بالمضاف: لأن الاسم غير عامل فيها - انظر رقم 2 من هامش. ص 703 -.

ومن أمثلة الشبيه بالمضاف: لا مرتفعاً قدرهُ مغمورٌ ... ... كلمة "مرتفعاً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا بائعاً دينَه بدنياه رابحٌ ... ... كلمة "بائعاً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا خمسةً وعشرين غائبون ... ... كلمة "خمسة" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا ساعياً وراء الرزق محرومٌ ... ... كلمة "ساعياً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا قاعداً عن الجهاد معذور ... ... كلمة "قاعداً" اسم "لا" منصوبة بالفتحة لا سائقَيْنٍ طيارةً غافلان ... ... كلمة "سائقين" اسم "لا" منصوبة بالياء لأنها مثنى لا حارسِينَ بالليل نائمون ... ... كلمة "حارسين" اسم "لا" منصوبة لأنها جمع مذكر لا راغباتٍ فى الشهرة مُسْتَريحاتٌ ... كلمة "راغبات" اسم "لا" منصوبة بالكسرة؛ لأنها جمع مؤنث سالم ومن الأمثلة السالفة يتضح الإعراب مع النصب بالفتحة مباشرة فى المفرد1 وفى جمع التكسير، "ومثله: اسم الجمع2، كقوم، ورَهْط3. إذا كانا من الحالة الأولى المذكورة"، وبما ينوب عن الفتحة وهو: الألف، فى الأسماء الستة، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم، والكسرة فى جمع المؤنث السالم. الثانية: أن يكون مفرداً "ويراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، ولوكان مثنى، أومجموعاً" وحكمه: وجوب بنائه على الفتح4 أوما ينوب عن الفتح5 فيبنى على الفتح مباشرة إن كان مفرداً أوجمع تكسير

_ 1 وهو الذي ليس بمثنى ولا جمع. 2 سبق - في رقم 2 من هامش ص 148 - بيان موجز عن "اسم الجمع"، وقلنا: إن البيان الوافي موضعه جـ4 ص 510 م 73 باب جمع التكسير. 3 جماعة. 4 وهناك حالة يبنى فيها على الضم، ستجيء في "ب" من الزيادة - ص 695 - ويعللون سبب البناء على الفتح بأنه تركيب "لا" مع اسمها، بحيث صارا كالكلمة الواحدة، فأشبها الأعداد المركبة كـ "خمسة عشر.... وغيرها". لكن السبب الحق هو استعمال العرب. ومن المعلوم أنه حين بنائه على الفتح لا يدخله التنوين. وأنه يكون دائما في محل نصب: فلفظه مبني على الفتح أو ما ينوب عن الفتحة. ومحله النصب دائما. ولهذا يراعى المحل - أحيانا - في التوابع - كما سيجيء. في ص 694 وفي:"أ" من ص 702. 5 ولا تنوب الألف هنا عن الفتحة، لأن الألف تنوب عنها في نصب الأسماء الستة، حين تكون مضافة، والإضافة - في الأغلب - تتعارض مع حالة البناء التي نحن بصددها. ولهذا اضطربت آراء النحاة أمام الأسلوب الفصيح الوارد عن العرب من قولهم: "لا أبالك".... حيث وقع اسم "لا" منصوبا بالألف مع أنه مفرد "أي: غير مضاف"، فقالوا في تأويله: إن "أبا" مضاف للكاف، =

أواسم جمع؛ مثل: لا عالمَ متكبرٌ1 - لا علماءَ متكبرون - لا قومَ للسفيه. ويبنى على الياء نيابة عن الفتة إن كان مثنى أوجمع مذكر سالماً؛ نحو: لا صديقَيْن متنافران - لا حاسدِينَ متعاونون. ويبنى على الكسرة نيابة على الفتحة إن كان جمع مؤنث سالماً، نحو: لا والداتٍ قاسياتٌ. وبالوجهين روى قول الشاعر: إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذ، ولا لذات للشيب ببناء كلمة: "لذات" على الفتح، أو على الكسر.

_ = منصوب بالألف بغير تنوين، لأنه مضاف، واللام زائدة. والخبر محذوف. والتقدير: لا أباك موجود. ومع أنه مضاف - ليس معرفة، لأن إضافته غير محضة، فهي كالإضافة في قولنا: "غيرك"، و "مثلك".... ونحوهما مما لا يفيد المضاف تعريفا. وذلك القائل لم يقصد نفي أب معين، وإنما يقصد نفيه ومن يشبه، إذ هو - غالبا - دعاء بعدم الناصر، والإضافة غير المحضة ليس مقصورة على إضافة الوصف العامل إلى معمول، فلم تعمل "لا" في المعرفة. وإنما زيدت اللام بين المضاف والمضاف إليه دفعا لكراهية إدخال: "لا" على المضاف إليه الذي يشبه في صورته الظاهرية المعرفة، دون حقيقته المرادة. وهناك آراء أخرى تقتضي الفائدة الإلمام بها "وقد ذكرناها تفصيلا عند الكلام على هذا الأسلوب ومعناه في ص 115" وكل رأي يواجه باعتراض. وانتهى الأمر إلى أن الأفضل اعتبار كلمة: "أبا" اسم "لا" مبنية على فتح مقدر على الألف "كما جاء في الخضري في أول باب "لا"، جريا على لغة العصر التي تلزم الألف فيها آخر الأسماء الستة. وعلى أساسها لا تكون كلمة "أبا" في الأسلوب السالف معربة. أما الخبر فالجار والمجرور بعدها. ومن الأساليب المسموعة - بكثرة - أيضا قولهم: "لا غلمي لك" "بالتثنية" و "لا خادمي لك" "بالجمع" على اعتبار أن نون المثنى ونون الجمع قد حذفت كلتاهما للإضافة- كما سبق في ص 156 - وأن المثنى والجمع منصوبان، لأنهما مضافان. فكيف يعدان من نوع المضاف مع وجود اللام فاصلة بين المضاف والمضاف إليه، وهذا لا يجوز في رأي المعترضين؟ وقد أجيب بأن النون لم تحذف للإضافة، وإنما حذفت للتخفيف، فالكلمتان مبنيتان على الياء، لا معربتان، والجار والمجرور بعدهما خبر. وقيل: إن الكلمتين شبيهتان بالمضاف بسبب اتصال "لك" بهما. والنون محذوفة للتخفيف. وخبرهما محذوف.... إلى غير ذلك من الإجابات. ومن الواجب ألا نحاكي هذا الأسلوب برغم أن بعض النحاة يبيحه، "كما سيأتي في باب الإضافة، جـ 3 ص 10- م 93". لأن الأخذ به - ولا سيما اليوم - يبعد اللغة عن أخص خصائصهما، وهو: الإبانة، والوضوح، والفرار من اللبس. 1 ومن أمثلة المفرد: ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول

ومع أنه مبنى فى الحالات السالفة، هوفى محل نصب دائماً. أى: مبنى لفظاً منصوب محلا1.

_ 1 طبقا للبيان السابق في رقم 4 من هامش ص 692. 2 وبهذه المناسبة نشير إلى ما نسمعه اليوم من بعض الواهمين المتسرعين الذين يطلبون الأخذ برأي قديم ضعيف ملخصه، وضع اسم "لا" بأنواعه الثلاثة "لا المفرد، والمضاف، والشبيه بالمضاف" تحت حكم واحد، هو: "الإعراب والنصب" وأن يقال في إعراب الاسم المفرد: "إنه منصوب بغير تنوين" ويزعمون - خاطئين - أن في هذا تيسيرا واقتصارا على حكم واحد شامل بدل حكمين مختلفين. فكيف غاب عن بالهم ما في هذا الرأي من الخطل والفساد؟ ذلك أن اللغة في مصطلحاتها المشهورة، لا تعرف اسما معربا بغير تنوين، إلا الممنووع من الصرف للأسباب المعروفة، أو لداع آخر، كالإضافة، أو البناء أو بعض صور النداء.... فالأخذ بذلك الرأي يوجد في اصطلاحات اللغة قسما جديدا لا تعرفه من الأسماء المعربة الممنوعة من التنوين. على أن هذا القسم الجديد يحتاج - كما يقولون - إلى التصريح بأنه: "معرب منص ب بغير تنوين". وهذا حكم خاص به يختلف عن حكم النوعين الآخرين - فأين - غذا الاختصار والاقتصار على حكم واحد كما يتوهمون؟ وكيف خفى عليهم أن النصب هنا بغير تنوين معناه: "البناء على الفتح"، أو أن الكلمة ممنوعة من الصرف.... كما أشرنا -؟ وشيء آخر هام لم يفطنوا له، هو أن بناء الاسم المفرد على الفتح في محل نصب يقتضي أن يراعى محله حتما في بعض التوابع، فيؤثر فيها - كما عرفنا هنا، وكما سيجيء في ص 697 فتصير منصوبة منونة عند عدم المانع - تبعا لمحله فقط. وقد غاب عنهم هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" سبق1 أن من شروط إعمال "لا": تنكير معموليها. وقد وردت أمثلة فصيحة وقعت فيها عاملة مع أن اسمها معرفة. من ذلك قوله عليه السلام، إذا هلك كِسْرِى فلا كسرَى بعده، وإذا هَلَك قَيْصَرُ فلا قيصرَ بعده. ومن ذلك قولهم قضية" ولا أبا حسن2 لها. وقولهم: لا أمية3 في البلاد وقولهم: لا هيثم 4 الليلة للمطىّ. وقولهم: يُبْكَى على زيد ولا زيدَ مثلُه ... وغير هذا من الأمثلة المسموعة. وقد تناولها النحاة بالتأويل5 كي يخضعوها لشرط التنكير. وهوتأويل لا داعى لتكلفه مع ورود تلك الأمثلة الصريحة، الدالة على أن فريقاً من العرب لا يلتزم التنكير. فعلينا أن نتقبل تلك النصوص بحالها الظاهر دون محاكاتها، ونقتصر فى استعمالنا على اللغة الشائعة المشهورة التى تشترط الشروط التى عرفناها؛ توحيداً لأداة التفاهم، ومنعًا للتشعيب بين المتخاطبين بلغة واحدة. ب- قلنا إن حكم اسم "لا" المفرد هوالبناء على الفتحة، أوما ينوب عن الفتحة. وقد يصح بناؤه على الضمة العارضة فى حالة واحدة6، هى أن يكون الاسم كلمة: "غير" - ونظيراتها - فتكون كلمة: "غير" مبنية على الضمة الطارئة

_ 1 في ص 689. 2 هي كنية: على بن أبي طالب، والد الحسن والحسين. وهذه عبارة نثرية من كلام عمر بن الخطاب، صارت مثلا في الأمر العسير يتطلب من يحله. 3 علم على الرجل الذي تنسب إليه الدولة الأموية. 4 اسم لص، أو اسم سائق إبل. 5 من ذلك قولهم: "إن المراد من المعرفة هنا - نكرة، فالمراد من: "قيصر، وأبا حسن، وأمية، وهيثم، وزيد - شخص، أي شخص، مسمى بهذا الاسم. فحين تقول: لا كسرى أو: لا قيصر بعده، تريد: لا مسمى بهذا الاسم، وحين نقول "لا أبا حسن لها: أي: لا مسمى بهذا الاسم لها، أو لا فيصل لها، وهكذا..... فالكلمة معرفة في الظاهر، ولكنها نكرة تأويلا. وهذا مسوغ لعمل "لا" عندهم. ومن تأويلاتهم: أن المعرفة كان قبلها مضاف محذوف ملحوظ، وهو نكرة. ثم أقيم المضاف إليه مقامه، فيقدرون في لا كسرى.... أو: لا قيصر بعده.... لا مثل كسرى، ولا مثل قيصر.... ولا مثل أبي حسن.... ولما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه صار الكلام: لا كسرى، لا قيصر، لا أبا حسن.... وعلى كل تأويل اعتراض، أو أكث سجلته المطولات. والحق أن مثل هذا التأويلات افتعال لا خير فيه، لعدم مسايرته الحقيقة الناطقة، بأن بعض العرب قد يعمل: "لا" مع تعريف اسمها. 6 وهي التي سبقت الإشارة إليها في رقم 4 من هامش ص 692.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى محل نصب، بشرط أن تكون مضافة مسبوقة بكلمة: "لا - أو: ليس" - وبشرط أن يكون المضاف إليه محذوفاً قد نُوى معناه على الوجه المفصَّل فى مكانه من باب الإضافة نحو: قطعت ثلاثة أميال لا غيرُ - أوليس غيرُ - أى: لا غيرُها، أوليس غيرُها مقطوعاً. والنحاة يقولون فى إعراب هذا: إنه مبنى على فتح مقدر، منع من ظهوره الضم العارض للبناء أيضاً - فى محل نصب. وفى هذا تكلف وتطويل يدعوهم إليه رغبتهم فى إخضاع هذا النوع الحكم المفرد بحيث يكون الحكم "وهوالبناء على الفتح فى محل نصب" عاماً مطردًا. لكن لا داعى لهذا التكلف، إذ لا مانع من أن يقال: إنه مبنى على الضمّ - مباشرة - فى محل نصب. "كما فى الصبان والخضرى، عند كلامها على أحكام: "غير" فى باب الإضافة وستجئ فى الموضع الذى أشرنا إليه"1.

_ 1 جـ 3 ص 131 م 95.

المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف "1" ... لا خيرَ مرجومن الشِّرير، ولا نفعَ لا خيرَ مَرجومن الشرير، ولا نفعاً لا خيرَ مرجومن الشرير، ولا نفعٌ ... إذا تكرّرت: "لا" وكانت كل واحدة مستوفية شروط العمل، فكيف نضبط الاسم الواقع بعد: "لا" المكررة، وهى التى ليست الأولى؟ 1. لهذا الاسم صور متعددة بتعدد الأساليب التى يوضع فيها. ونبدأ بصورة من أكثر تلك الصور استعمالا؛ هى التي يكون فيها اسم لا الأولى مفرداً، واسم المتكررة مفرداً معطوفاً على اسم على الأولى. كما فى الأمثلة المعروضة2 "2" ... لا تقدمَ ولا رقيَّ مع الجهالة لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة لا تقدمَ ولا رُفيٌّ مع الجهالة "3" ... لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ ولا بحراً - ولا بحرٌ يجوز فى هذا الاسم المفرد المعطوف أحد ثلاثة أشياء3: أولها: البناء4 على الفتح، أوما ينوب عن الفتحة؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجوولا نفعَ. على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس. "نفعَ" اسمها، مبنى على الفتح فى محل نصب - وخبرها محذوف5 تقديره: مرجُو- مثلا -

_ 1 أما الأولى فقد سبق الكلام عليها في ص 685 وما بعدها. 2 عرفنا - في ص 692 - أن المراد بالمفرد هنا. ما ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف، فيدخل في المفرد بهذا المعنى، المثنى والجمع. وإذا تكررت والاسم غير مفرد فالحكم يجيء في رقم 1 من هامش ص 701. 3 ولكل إعراب معنى خاص به. 4 وفي حالة البناء لا يدخله التنوين، كالشأن في كل مبني، ولما سبق في ص 692 ورقم 4 من هامشها. 5 ومما هو جدير بالتنويه أن خبر الكررة قد يكون محذوفا كهذا المثال، وأن العطف فيه من نوع عطف الجملة على الجملة، خضوعا لقاعدة المطابقة. وقد يكون الخبر مذكورا والعطف عطف جملة على جملة كقولنا: لا خير مرجو من الشرير ولا نفع مرجو منه، ومثله: لا كرامة لمنافق، ولا شرف لكذاب، وقولهم: اللهم لا شكاية من قضائك، ولا استبطاء لجزائكن ولا كفران لنعمتك، ولا مناصبة لقدرتك. وقد يكون الخبر صالحا للاثنين معا كالمثال الثاني "لا تقدم ولا رقي مع الجهالة". فالظرف من حيث المطابقة صالح للاثنين، فالعطف عطف مفردات إن جعلنا الظرف خبرا عن المعطوف عليه والمعطوف معا. أما إن جعلناه خبرا لأحدهما فقط، وخبر الثانية محذوفا فالعطف عطف جمل. ومثل هذا يقال في المثال الثالث أيضلا فلا بد قبل الحكمم على نوع العطف "بأنه عطف جمل أو عطف مفردات" من النظر أولا إلى الخبر، ومطابقته، أو عدم مطابقته للمعطوف والمعطوف عليه معا، وأنه صالح للإخبار به عنهما، أو غير صالح. وهذه من الأمور التي تتطلب يقظة وإدراكا تأمين.

مرجو 1. والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى، فعندنا جملتان. ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقىَّ مع الجهالة؛ فتكون كلمة: "رقىّ" اسم، "لا" الثانية على الاعتبار السابق، ولكن خبرها وخبر الأولى هوالظرف: "مع" فإنه يصلح خبراً لهما2. ونقول فى الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحرَ. فيجرى على هذا المثال ما جرى على الثانى2. ثانيهما: الإعراب3 مع نصبه بالفتحة أوما ينوب عنها. فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجُومن الشرير، ولا نفعاً، بإعرابه منصوباً. وهذا على اعتبار: "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. وكلمة. "نفعاً" معطوفة بحرف العطف على محل اسم "لا" الأولى؛ لأن محله النصب. "فهومبنى فى اللفظ، لكنه منصوب المحل، كما سبق4". ونقول فى المثال الثانى: لا تقدمَ ولا رقيًّا مع الجهالة. على الاعتبار السابق أيضاً؛ فتكون "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، "رقياً" معطوفة على محل اسم "لا" الأولى. وخبر "الأولى" هوالظرف: "مع". ونقول فى المثال الثالث: لا نهرَ فى الصحراء ولا بحراً؛ كما قلنا فى الأول تماماً. ثالثها: الإعراب مع رفعه5 بالضمة، أوبما ينوب عنها؛ فنقول فى المثال الأول: لا خيرَ مرجومن الشرير، ولا نفعٌ. برفع كلمة: "نفع" على اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى؛ فلا عمل لها. و"نفع" مبتدأ مرفوع، خبره محذوف، والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. ويصح اعتبار "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" وكلمة: "نفع" اسمها

_ 1 في مثل هذا المثال وأشباهه لا يمكن اعتبار كلمة: "نفع" المبنية معطوفة على كلمة: "خبر" المبينة، واكتسبت منها البناء. لا يمكن ذلك، لأن البناء لا ينتقل إلى التوابع، ولا يراعي فيها إن كان سببه بناء المتبوع- كما في "جـ" من هامش ص 701 وفي "أ" من ص 702 -. "2 و2" انظر رقم 5 من هامش الصفحة السابقة. 3 الإعراب يقتضي تنوينه. إلا إن وجدنا ما يمنع التنوين، كمنع الصرف.... 4 في ص 694 وهامشها. 5 ومع تنوينه أيضا، إلا إن وجد ما يمنع التنوين، كمنع الصرف.

مرفوع، والخبر محذوف، والجملة من "لا" الثانية ومعموليها معطوفة على الجملة الأولى. ويصح اعتبار "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفى، وكلمة: "نفع" معطوفة على "لا" الأولى مع اسمها1، لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع: فالمعطوف عليهما معاً يكون مرفوعاً أيضاً2. ويجرى على المثالين الأخيرين ما جرى على المثال الأول؛ حيث يصح فى كلمتى رقىّ، و"بحر" الرفع على أحد الاعتبارات الثلاثة السابقة3. "ملاحظة": إذا تكررت "لا" وكل واحدة مستوفية الشروط، مفردة الاسم؛ وكانت الأولى لنفى الوَحدة "أى: عاملة عمل ليس" جاز فى اسم المكررة بعد عاطف، أمران: أن يكون معرباً مرفوعاً بالضمة أوبما ينوب عنها، وأن يكون مبنيًّا على الفتح أوما ينوب عن الفتحة؛ مثل: لا قوىٌّ ولا ضعيفٌ أمام القانون. أو: لا قوىٌّ ولا ضعيفَ أمام القانون. "ا" فالرفع - فى هذا المثال - إما على اعتبار "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفى، والاسم بعدها معطوف على اسم الأولى؛ فالمعطوف مرفوع كالمعطوف عليه، والخبر عنهما هوالظرف: "أمام". وإما على اعتبار "لا" المكررة زائدة للنفى أيضاً، والاسم بعدها مبتدأ4. وإما على اعتبار "لا" المكررة عاملة عمل "ليس" والمرفوع بعدها اسمها5. وإنما جاز الرفع على هذين الاعتبارين، ولم يجز النصب لأن النصب إنما يجرى على اعتبار أن "لا" المكررة زائدة، والاسم الذى بعدها معطوف على محل اسم الأولى، المبنى لفظاً المنصوب محلاً، ولما كان اسم الأولى هنا مرفوعاً، وليس مبنيًّا على الفتح

_ 1 أو على اسم "لا" وحده عند بعض النحاة - في هذه الصورة - وأشباهها مما يأتي- باعتباره مبتدأ في الأصل. ولا أثر للخلاف بين الرأيين. 2 إنما يصح هذا الاعتبار على تقدير: "لا خير ولا نفع مرجو من الشرير" بشرط أن يكون العطف هنا "عطف تفسير" لا مغايرة فيه بين معنى المعطوف والمعطوف عليه، كالتفسير في مثل: أخذت العسجد والذهب فصنته وانتفعت به. أما إن كان العطف مقتيا للمغامرة المعنوية - كأكثر حالات العطف - فلا يصح الإعراب السالف، إذ فيه تختل المطابقة حين نقول: لا خير ولا نفع مرجو من الشرير. والصواب: "مرجوان" كما تقول: لا كبير ولا صغير مهملان، لا مهمل. 3 تنطبق الاعتبارات السابقة على كلمة: "مال" في قول شاعرهم: لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال 4 وخبره هو الظرف: "أمام" وخبر الأولى محذوف. أو العكس، فيكون الظرف خبر الأولى وخبر الثانية هو المحذوف. وعلى كلا الاعتبارين تكون الجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. 5 والخبر هنا ونوع العطف كالحالة السابقة.

لفظاً. كان غير منصوب محلا؛ فلا يجوز العطف بالنصب على محل لا وجود له1. ب- والبناء على على الفتح على اعتبار "لا" المكررة نافية للجنس، إلى هنا انتهى الكلام على أحكام اسم "لا" المكررة حين يكون مفرداً بعد كل واحدة. وهى أحكام تسرى على اسم "لا" المكررة2 مرة أو

_ 1 إلى كل الأحكام السابقة يشير ابن مالك إشارة موجزة بقوله: عمل "إن" اجعل للا" في نكره ... مفردة جاءتك، أو: مكرره يريد: اجعل عمل "إن" من اختصاص "لا" النافية للجنس المكررة وغير المكررة، فتعمل النصب في الاسم، والرفع في الخبر، بشرط أن يكون ما تعمل فيه نكرة، فلا يجوز أن يكون اسمها أو خبرها معرفة، ومن باب أولى لا يجوز أن يكون معرفتين، ثم قال: فانصب بها مضافا أو مضارعه ... وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه وركب المفرد اتحا، كلا ... حول ولا قوة. والثان اجعلا: مرفوعا، أو: منصوبا أو مركبا ... وإن رفعت أولا لا تنصبا عرف في هذه الأبيات لأحكام اسم "لا" فقال: انصبه، "لأنها العامل الذي يعمل فيه النصب" وذلك حين يكون مضافا، أو مضارعا له، أي: مشابها للمضاف. وبعد ذلك الاسم المنصوب اذكر الخبر رافعا إياه. ويؤخذ من هذا البيت أمران. أولهما: أن اسم:"لا" يكون معربا منصوبا حين يقع مضافا، أو شبيها بالمضاف. وثانيهما: أن الخبر يرفع بشرط أن يجيء بعد الاسم، غير متقدم عليه، فلا بد من الترتيب بينهما بحيث يتقدم الاسم ويتأخر الخبر. ولم يتعرض لبقية الشروط التي ذكرناها. وأوضح بعد ذلك حكم الاسم الذي ليس مضافا ولا شبيها به، وهو: الاسم المفرد، فقال: "ركب المفرد فاتحا" اي: ركبه مع "لا" فاتحا إياه، بأن تجعله مبنيا على الفتح كلمة واحدة، مثل: خمسة عشر، وغيرها من الأعداد المبنية على الفتح، من أجل تركيبها" ومثال المفرد المبني كلمة: "حول"، وكلمة "قوة" في نحو: "لا حول ولا قوة أمام قدرة الله. وهو مثال أيضا للاسم "لا" المكررة. وبين أن حكم اسمها الرفع، أو النصب، أو التركيب مع "لا" فيكون مبنيا معها على الفتح" أي: أن اسم "لا" المكررة إذا كان مفردا يجوز فيه ثلاثة أشياء: الرفع، أو النصب، أو البناء على الفتح". ثم أوضح أن هذه الثلاثة جائزة بشرط أن يكون أسم "لا" الأولى غير مرفوع فإن كان مرفوعا- لأنها عاملة عملس "ليس، أو مهملة، لعدم استيفائها الشروط- لم يجز في اسم "لا" المكررة إلا الرفع أو البناء على الفتح، ولم يجز فيه النصب، وقد شرحنا ذلك كله، وعرضنا لأسبابه. 2 في مثل: قصدتك يوم لا حر ولا برد.... يجوز جملة إعرابات، منها: رفع كلمتي: "حر" وبرد" على اعتبار "لا" ملغاة، أو عاملة عمل "ليس" ومنها: بناء الكلمتين على الفتح باعتبارها "لا" عاملة عمل "إن" - والخبر في كل الصور السالفة محذوف. ومنها جر الكلمتين باعتبار "لا" اسم بمعنى "غير" وهو مضاف، ونعت، منعوتة كلمة: "يوم" مع تنوين يوم. والمضاف إليه هو الكلمتان المجرورتان - راجع الصبان جـ2 باب الإضافة، عند الكلام على "إذا" ففيه بعض البيان -.

أكثر، بشرط استيقفاء كل واحدة شروط العمل، وإفراد اسمها؛ كما عرفنا1. حكم المعطوف على اسم "لا" بغير تكرارها2. إذا لم تتكرر: "لا" الجنسية وعطف على اسمها جاز فى المعطوف النكرة الرفع

_ 1 أما إذا تكررت "لا" المستوفية الشروط ولم يكن اسم كل واحدة مفردا فإن الحكم يختلف باختلاف الصور الناشئة من ذلك، وأهمها: 1- أن تكون الأسماء كلها مضافة أو شبيهة بالمضاف، نحو: لا زارع حقل، ولا بستاني حديقة هنا، فيجوز في الاسم بعد المكررة إما النصب على اعتبارها نافية الجنس، وهو اسمها منصوب بها، وخبرها محذوفة، أو: هو المذكور، وخبر الأولى محذوف، والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الأولى في الحالتين. وإما النصب أيضا لكن على اعتبارها زائدة لتوكيد النفي، وهو معطوف على اسم الأولى المنصوب. والظرف، "هنا" خبر عنهما "والعطف عطف مفردات، لأن المعطوف ليس جملة، وكذلك المعطوف عليه". وإما الرفع على اعتبار "لا" مهملة: "وبعدها مبتدأ. أو على اعتبارها عامة عمل: "ليس" وهو اسمها، والخبر في الحالتين محذوف أوهو المذكور. والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى "وعند اعتبار المذكور خبرا يكون الخبر الآخر محذوفا". ب- أن يكون الاسم بعد الأولى مضافا أو شبيها بالمضاف، وبعد المكررة مفردا مثل: لا عمل خبر ولا بر أولى من إكرام الوالدين، فيجوز في الاسم المفرد بعد المكررة أن يكون اسمها مبنيا على الفتح، لأنها نافية للجنس وخبرها محذوف أو هو المذكور وخبر الأخرى هو المحذوف، والجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. ويجوز فيه النصب عطفا على اسم الأولى المنصوب "عطف مفردات" ويجوز فيه الرفع على اعتبار "لا" نافية للوحدة وهو اسمها. أو على اعتبارها مهملة وهو مبتدأ، والخبر في الحالتين محذوف أو هو مذكور وخبر الأخرى هو المحذوف، والجملة فيهما معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. حـ- أن يكون الاسم بعد الأولى مفردا وبعد المكررة مضافا أو شبيها، نحو لا برولا عمل خبر أولى من إكرام الوالدين.... فالاسم بعد الأولى مبني وبعد المكررة يجوز فيه النصب عطفا على محل اسم الأولى، وتكون "لا" المكررة زائدة لتوكيد النفي، أو: أن الثانية نافية للجنس والاسم بعدها منصوب بها، والخبر محذوف أو مذكور وهي مع جملتها معطوفة على الأولى مع جملتها. وهنا العف عطف جمل. ويجوز رفعه على أنه اسم لا العاملة عمل "ليس" أو على أنه مبتدأ وهي مهملة، وفي الحالتين يكون الخبر محذوفا أو مذكورا على حسب الجملة، والعطف فيهما عطف جمل. وهذا ولا تراعى حالة البناء في اسم الأولى لأن البناء لا يراعى في التوابع - كما سبق - في رقم 1 من هامش ص 698 ويأتي في "ا" من ص 702. ومن المفيد التنويه مرة أخرى بأن اعتبار العطف عطف جمل أو عطف مفردات، إنما يتوقف على الخبر المذكور، أهو خبر للأولى وحدها فيكون خبر الثانية محذوفا ويكون العطف من نوع عطف الجمل، أم أنه خبر الثانية، فيكون خبر الأولى المحذوف، والعطف عطف جمل أيضا؟ أو أنه صالح لهما معا "كما إذا كان شبه جملة" فيصح أن يكون العطف عطف مفردات، أو جمل، نحو: لا سيارة ولا طيارة هنا. فإن جعلنا الظرف خبرا لأحدهما فقط وجعلنا خبر الأخرى هو المحذوف فالعطف عطف جمل. فمن المهم التنبه لهذا كله، وإلى مطابقة الخبر وعدم مطابقته. 2 وهذا الحكم خاص بالمعطوف على اسم "لا" دون أخواتها من الحروف الناسخة، فلهن أحكام أخرى سبقت في ص 665.

أوالنصب فى جميع الحالات "أى: سواء أكان مفرداً أم غير مفرد، وسواء أكان اسمها - وهوالمعطوف عليه -، مفرداً أم غير مفرد، ومن أمثلة ذلك: "ا" لا كتابَ وقلمٌ فى الحقيبة. أو: لا كتابَ وقلماً فى الحقيبة. فيجوز فى المعطوف أمرانْ: الرفع على اعتبار أن كلمة: "قلم"، معطوفة على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع، فالمعطوف عليهما مرفوع أيضاً. أو: على الاسم وحده باعتباره مبتدأ فى الأصل - وهذا أحسن -. والنصب على اعتبار أن كلمة: "قلم" معطوفة على محل اسم "لا" المبنى، لأنه مبنى فى اللفظ لكنه منْصوب المحل، فيجوز العطف عليه بمراعاة محله، لا لفظه "لأن البناء لا يراعى فى التوابع، كما سبق"1. "ب" لا كتابَ هندسة وقلمُ رصاص فى الحقيبة، يجوز فى المعطوف الأمران، الرفع على الاعتبار السالف، والنصب على العطف على لفظ اسم "لا" المنصوب. "حـ" لا كتابَ حساب وقلمٌ أوقلماً فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أوالنصب على الاعتبارين السالفين فى: "ب". "د" لا كتابَ وقلمَ ُ رصاص، فى الحقيبة. يجوز فى المعطوف الأمران: الرفع أوالنصب على الاعتبارين السالفين فى: "ا". فإن كان المعطوف معرفة لم يجز فيه إلا الرفع على اعتباره مبتدأ2 ... وعلى ضوء الصور والأساليب السالفة - إفراداً وتركيباً - تُضبط الصور الأخر التى لم نعرضها هنا. ويجب مراعاة الخبر بدقة، ليظهر المعنى، وليمكن تمييز نوع العطف إن وجد3. حكم المعطوف على اسم "لا" المكررة. يتَبَع المعطوف عليه، "أى: يتبع اسمها" فى إعرابه رفعاً ونصباً دون أن يتبعه فى البناء كما عرفنا.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص 698 وفي آخر "حـ" من هامش ص 701. 2 لأن اسم: "لا" بنوعيها لا يكون عرفة، وعند عطفه على اسم الأولى يكون بمنزلة الاسم مع عدم صلاحيته لذلك:، بسب تعريفه. هكذا يعللون. والعلة الصحيحة هي نطق العرب، واستعمالهم.

المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا"

المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا" لا تاجرَ خداع ناجحٌ ... كيف نضبط الكلمات التى تحتها خط وهى: "خدّاع - مسرعة - رديئة" وأشباعها من كل كلمة وقعت نعتاً، مفرداً، لاسم: "لا" النافية للجنس، المفرد ولم يفصل بين النعت والمنعوت فاصل؟ لا سيارةً مسرعة مأمونةٌ لا كتابةَ، رديئة ممدوحةٌ يجوز فى ضبط هذا النعت أحد أمور ثلاثة: "ا" بناؤه على الفتح أوبما ينوب عن الفتحة؛ كالشأن فى اسم: لا، فنقول: لا تاجرَ خداعَ ناجحٌ - لا سيارةَ مسرعةَ مأمونةٌ - لا كتابةَ رديئةَ ممدوحةٌ. "حـ" إعرابه مرفوعاً بالضمة أوبما ينوب عنها. على اعتباره نعتاً لكلمة: "لا" مع اسسها؛ وهما معاً بمنزلة المبتدأ المرفوع؛ فنعتهما مرفوع كذلك. أولاسمها وحده3 تقول:

_ 1 فالشرط ثلاثة. أن تكون الكلمة: نعتا مفردا "أي: ليست مضافة، ولا شبيهة بالمضاف" - وأن يكون اسم: "لا" مفردا، وألا يفصل بين النعت والمنعوت فاصل. هذا، والنفي ينصب في الحقيقة على النعت. وسيجيء في الزيادة: - " ص 707 - أسلوب خاص يشتمل على نوع من النعت له حكم يختلف عما سيذكر هنا. 2 على تخيل أنه ركب مع اسم "لا" قبل مجيئها كتركيب خمسة عشر، وغيرها من الأسماء المركبة من كلمتين صارتا بمنزلة كلمة واحدة، وبنيت على فتح الجزأين بسبب التركيب. ولا يصح أن يكون بناء النعت هنا تبعا لبناء اسم "لا" لما تقرر من أن بناء المتبوع لا ينتقل إلى التابع. كما أن وجود نعت لاسم "لا" المفرد لا يخرج الاسم على حالة الإفراد - كما سبق في آخر رقم 3 من هامش ص 691 -، لأنه لا عمل له في النعت. 3 باعتبار أن أصله مبتدأ.

لا تاجرَ خداعٌ ناجحٌ -لا سيارةَ مسرعةٌ مأمونةٌ- لا كتابةَ رديئةٌ ممدوحةٌ. فإن اختل شرط من الشروط السالفة لم يصح بناء النعت على الفتح، وصحّ أن يكون مرفوعاً أومنصوباً. فإذا كان النعت غير مفرد، مثل: لا تاجر خَدّاعَ الناس ناجحٌ، لا يجوز أن يكون النعت "وهو: خداع" مبنيًّا على الفتح1 ويجوز أن يكون مرفوعاً أومنصوباً على الاعتبار الذى أوضحناه سالفاً "فى: "ب وجـ"" وإن كان المنعوت غير مفرد، مثل: لا تاجرَ خشبٍ خداعٌ ناجحٌ، لم يجز البناء على الفتح أيضاً2، وجاز الرفع أوالنصب كسابقه. وكذلك الحكم إن وجد فاصل بين النعت والمنعوت؛ مثل لا تاجرَ وصانعٌ خَدَّاعان ناجحان. فلا يجوز بناء كلمة، "خداعان" بل يجب رفعها أونصبها. ومما يلاحظ أن المنعوت إذا كان غير مفرد بأن كان مضافاً أوشبيهاً بالمضاف" فإنه سيجئ بعده ما يفصل بينه وبين النعت حتماً.

_ 1 وفي هذه الأحكام يقول ابن مالك: ومفردا نعتا لمبني يلي ... فافتح، أو: انصبن، أو: ارفع، تعدل يريد: أن النعت المفرد، الذي يلي اسم "لا" المبني، يجوز فيه الفتح، أو النصب. وإن شئت، فارفعه، تكن عادلا بين الرفع وغيره. أو تكن عادلا بين الثلاثة "والفاء في: "فافتح زائدة لتحسين اللفظ، فلا تمنع من تقدم معمول ما دخلت عليه. مثل كلمة: "مفردا" هنا". 2 لأن بناء على الفتح يقوم على تخيل أنه مركب مع اسم "لا" كتركيب الأسماء التي يقتضي التريب بناءها على فتح الجزأين، كسبعة عشر، وغيرها من الأعداد والأسماء المركبة - كما أوضحناه في رقم 2 من هامش الصفحة 703 - وهذا التركيب لا يكون إلا بين كلمتين فقط. فإذا كان النعت غير مفرد، أو كان المنعوت غير مفرد - ترتب على هذا أن يقع التركيب بين أكثر من كلمتين، وهذا مرفوض. وكذلك الشأن لو وجد فاصل بين النعت والمنعوت، فإنه سيؤدي إلى قيام التركيب بين أكثر من كلمتين. 3 وإلى النعت غير المستوفي للشروط يشير ابن مالك بقوله: وغير ما يلي، وغير المفرد ... لا تبن: وانصبه، أو الرفع اقصد يقول: إذا كان النعت لا يلي المنعوت، لوجود فاصل بينهما، أو كان أحدهما أو كلاهما غير مفرد - فلا تبن النعت، بل انصبه، أو اقصد إلى الرفع، فأنت مخير بين النصب والرفع - دون البناء. ثم أشار بعد ذلك إلى حكم العطف على اسم "لا" التي لم تتكرر، فقال: إن حكم المعطوف هو كحكم النعت المفصول. ذلك الحكم الذي يقضي باختيار النصب أو الرفع دون اختيار البناء. وقد شرحنا حكم ذلك العطف تفصيلا، ويقول فيه ابن مالك: والعطف إن لم تتكرر: "لا" احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى انتمى، أي: انتسب. واحكما، أصلها: احكمن، بنون التوكيد الخفيفة، وقلبت ألفا عند الوقف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: البدل النكرة "وهوالصالح لدخول: "لا"" كالنعت المفصول، نحو؛ لا أحدَ، رجلا، وامرأةً فيها. بالنصب أوالرفع، ولا يجوز بناؤه على توهم تركبه مع المبدل منه، لأن البدل على نية تكرار العامل: "لا"، فيقع بين البدل والمبدل منه فاصل مقدر يمنع من ذلك التركيب الوهمى. وأجازه بعضهم لأن هذا الفاصل - وهو"لا" - يقتضى الفتح1. فإن كان البدل معرفة وجب رفعه2، نحولا أحد محمدٌ وعلىٌّ فيها. وكذا يقال فى عطف البيان. وأما التوكيد فالأفضل فى اللفظىّ منه أن يكون جارياً على لفظ المؤكَّد من ناحية خلوه من التنوين. ويجوز رفعه أونصبه. وأما المعنوى فيمتنع هنا تبعاً للرأى الشائع القائل: إنه لا يَتْبَع نكرة؛ لأن ألفاظه معارف. أما على الرأى القائل إنه يتبعها فيتعين رفعه، لعدم دخول "لا" على المعرفة3.

_ 1 ومن المستحسن هنا عدم الأخذ بهذا الرأي الذي يوقع في لبس. 2 على اعتباره بدلا من "لا" مع اسمها وهما بمنزلة المبتدأ المرفوع....، أو من اسمها بحسب أصله المبتدأ. 3 حاشية الخضري جـ1 باب "لا" عند الكلام على تكرارها ووقوع اسمها بعد عاطف.

المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى ... المسألة التاسعة الخمسون: بعض أحكام أخرى "ا" دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس1. إذا دخلت همزة الاستفهام على: "لا" النافية للجنس صار الأسلوب إنشائيًّا، ولم يتغير شىء من الأحكام السالفة كلها - وهذا أوضح الآراء وأيسرها - يتساوى معه أن تكون "لا" مفردة، ومكررة، وأن يكون الاسم مفرداً وغير مفرد، منعوتاً وغير منعوت، معطوفاً وغير معطوف.... إلى غير ذلك من سائر الأحكام التى أوضحناها. ولا فرق فيما سبق بين أن تكون الهمزة للاستفهام الصريح عن النفى المحض "أىْ: دون قصد توبيخ أوغيره ... "؛ نحو: ألا رجلَ حاضراً2؟ أوللاستفهام المقصود به التوبيخ3؛ نحو: ألا إحسانَ منك وأنت غنى؟. أوللاستفهام المقصود به التمنى4؛ نحوألامالَ5 فأساعدَ المحتاج6؟

_ 1 وكذلك على "لا" التي لنفي "الوحدة" كما تقدم في رقم 1 من هامش ص 604 منقولا عن الخضري ... 2 إذا كان السؤال عن عدم حضور أحد من الرجال. 3 ولا يسمى الآن استفهاما، فقد تحول عنه إلى الغرض الجديد، "من التوبيخ، أو التمنى، أو: غيرهما" وتسميته استفاما إنما هي بحسب أصله قبل أن يتحول. 4 انظر الزيادة والتفصيل ص 707. 5 الخبر محذوف، تقديره، موجود. "راجع ما يأتي في الزيادة والتفصيل - 707 - خاصا بكلمة: "ألا" التي للتمني". 6 وفيما سبق يقول ابن مالك: وأعط "لا" مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "ا" ومن الأساليب الصحيحة فى التمنى: "ألا ماءَ ماءَ بارداً". فكلمة "ماء" الثانية نعت1 للأولى: فهومبنى على الفتح، لأنه بمنزلة المركب المزجىّ مع اسم "لا" ويجوز نصبه، ولكن يمتنع رفعه عند سيبويه ومن معه - على مراعاة محل "لا" مع اسمها، وأنهما بمنزلة المبتدأ، ويجوز عند المازنى ومن وافقه. وعلى هذا، تكون "ألا" التى: للتمنى محتفظة عند بعض النحاة - بجميع الأحكام الخاصة التى كانت لكلمة: "لا" قبل دخول الهمزة. وقبل أن يصبرا كلمة واحدة للتمنى. وإذا لم يكن خبرها مذكوراً فهومحذوف. ويخالف فى هذا فريق آخر كسيبويه فيرى أنها حين تكون للتمنى - لا تعمل إلا فى الاسم؛ فلا خبر لها؛ لأنها صارت بمنزلة: أتمنى. فقولك: "ألا ماء"، كلام تام عنده؛ حملا على معناه، وهو: أتمنى ماء. فلا خبر لها لفظاً ولا تقديراً، واسمها هنا يكون بمنزلة المفعول به. ولا يجوز إلغاء عملها فى الاسم، كما لا يجوز الوصف ولا العطف بالرفع مراعاة للابتداء؛ كما أشرنا. ولا يقع هذا الخلاف فى النعوت الأخرى. التى سبق حكمها2. والرأى الأول -مع عيبه- أفضل؛ لأنه مطرد يساير القواعد العامة؛ فلا داعى للأخذ بالرأى الثانى المنسوب لسيبويه ومن معه. ويتعين تنوين كلمة: "بارداً"، لأن العرب لم تركب أربعة أشياء3 تركيباً مزجياً، ولا يصح إعراب كلمة: "ماء" الثانية توكيداً ولا بدلا؛ إذ يكون مقيداً بالنعت الآتى بعده، والأول مطلق؛ فليس مرادفًا له حتى يؤكده، ولا مساوياً له حتى يبدل منه بدل مطابقة. لكن جوز بعضهم التوكيد فى قوله تعالى: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ

_ 1 لجواز النعت بالجامد الموصوف بالمشتق، مثل: مررت برجل رجل صالح وهو من النعت الذي يسمى نعتا موطئا، أي: ممهدا "إذ يحصل به التمهيد للنعت بالمشتق الذي بعده"، وسيجيء بيان هذا في موضعه الخاص - وهو باب النعت جـ 3 ص 370 م 114. 2 في ص 703. 3 راجع ص 300 و 313 حيث المركب المزجي "تعريفه، وأنواعه، وحكمه".

كَاذِبَة} فكذا هنا. وجوز بعضهم أن يكون عطف بيان"؛ لأنه يجيز أنّ يكون أوضح من متبوعه1. "ب" قد ترد كلمة: "ألا" للاستفتاح والتنبيه "بقصد توجيه الذهن إلى كلام هام مؤكد عند المتكلم؛ يجئ بعدها"2. وهى كلمة واحدة. لا عمل لها، فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية؛ نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} وقوله: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} فقد دخلت على "ليس". كما تجئ وهى كلمة واحدة للعَرْض3، والتحضيض؛ فتَخْتَص بالجملة الفعلية؛ فمثال العَرْض: ألا تشاركنى فى الرحلة الجميلة. ومثال التحضيض ألاَ تقاوم أعداء الوطن. جـ - يجرى على خبر "لا" ما يجرى على سائر الأخبار، من جواز الحذف - وكثرته - إنْ دلَّ دليل. وليس من اللازم لجواز الحذف أن يكون الخبر هنا شبه جملة فقد يكون شبه جملة كقول الشاعر: إذا كان إصلاحى لجسمىَ - واجباً ... فإصلاح نفسى لا محالة أوجب اى: لا محالة فى ذلك. وقول الآخر: لا يصلح الناس فِوْضَى لا سَرَاة4 الهم ... ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سادوا أى: ولا سَرَاة لهم إذا جُهَّالهم سادوا. وقد يكون جملة؛ كان يقال: هل من جاهل يصلح للسيادة؟

_ 1 الخلاف شديد بين النحاة في كل إعراب من هذا الإعرابات "وتراه ملخصا في آخر باب "لا النافية للجنس" في الجزء الأول من "التصريح، والصبان، وموجزا في حاشية الخضري" والذي يمكن استصفاؤه من الجد العنيف وما يتضمنه من اعتراضات هو: صحة الإعرابات السالفة كلها، وأن أحسنها إعراب الكلمة الثانية "نعتا "نعتا موطئا "كما سيجيء في باب النعت من الجزء الثالث ص 370 م 114 طبقا لما أشرنا". 2 كمما في رقم 1 من هامش ص 649. 3 العرض: طلب الشييء برفق. والحض: طلبه بشدة وقوة. وتفصيل الكلام عليهما في الجزء الرابع: باب: ألا، ولولا، ولوما.... م 162 ص 477. 4 جمع سري، وهو: الشريف، كريم الحسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجاب: لا جاهلَ. أى: لا جاهل يصلح للسيادة.... وقد يكون مفرَداً كالأمثلة الآتية بعد: والدليل على الحذف قد يكون مقاليًا؛ كأن يقال: من المسافر؟ فيجاب: لا أحد. أى: لا أحدَ مسافر. وقد يكون الدّليل مفهوماً من المقام والحالة الملابسة؛ كأنْ يقَال للمريض: لا بأسَ، أى: لا بأس عليك. وللسارق: لا نجاة، أى: لا نجاة لك. وبغير الدليل لا يصحّ الحذف....1. ومن الأساليب التى حذف فيها الخبر: "لا سيما" وقد سبق الكلام عليها2. فى ص 363-. ومنها: لا إله إلا الله3؛ ومنها: لا ضَيْرَ4. ومنها: لا ضرر ولا ضِرَار5. ومنها: لا فوْت6.... وقد يحذف الاسم لدليل، نحو: لا عليك. أى: لا بأس عليك. د- بمناسبة الكلام على: "لا" يتعرض بعض النحاة لتفصيل الكلام على

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك: وشاع في هذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر 2 في الجزء الأول: "آخر باب: الموصول" 28 ص 401". 3 يصح في كلمة: "الله" في هذا المثال - كما سيجيء في الصفحة التالية - الرفع إما باعتبار أنها بدل من "لا" مع اسمها، لأنهما في حكم المبتدأ، إذ هما في محل رفع بالابتداء عند سيبويه.... و..... ووإما باعتبار أنها بدل من اسم "لا" قبل دخول الناسخ عليه، فقد كان في أصله مبتدأ قبل مجيء "لا" وإما باعتبارها بدلا من الضمير المستتر في الخبر المحذوف - وهذا هو الرأي الشائع - وتقدير الضمير "هو" فتكون كلمة: "الله" بدلا منه. ويصح نصب كلمة: "الله" على الاستثناء، لأن الكلام تام غير موجب، فيجوز فيه البدلية والنصب - كما هو معروف في أحكام المستثنى - "راجع الصبان حـ2 أول باب الاستثناء. حيث عرض الآراء السالفة" وقالوا لا يجوز في لفظة: "الله" وأشباهها - أن تكون بدلا من لفظ "إله" لأنه مستثنى منه منفي، والمستثنى هنا موجب بسبب وقوعه بعد" "إلا"، والعامل المشترك الذي عمل فيهما معا هو "لا". فيترتب على هذا الإعراب أن تكون "لا" قد عملت في الموجب- لأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، عند أكثرهم -، وه لا تعمل في الموجب. هذا سبب المنع عند أكثرهم. لكن آخرين يقولون بالجواز، بحجة أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل - طبقا للبيان الذي يجيء في باب: "الاستثناء" -. 4 لا ضرر. 5 لا ضرار: لا ضرر ولا معارضة ولا مخالفة بغير حق. 6 لا فوات، ولا ضياع وقت أو غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسلوب الذى يشتمل على: "لا جرمَ" واعتبار "لا" زائدة. أوغير زائدة. وقد سبق1 تفصيل هذا فى رقم 4 من ص 595. هـ- إن جاء بعد "لا" جملة اسمية صدرها معرفة، أوصدرها نكرة لم تعمل فيها - بسبب وجود فاصل، مثلا - أوجاء بعدها فعل ماض لفظاً ومعنى2 لغير الدعاء - وجب تكرارها فى أشهرا الاستعمالات. فمثال الاسمية التى صدرها معرفة قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} 3. والشطر الثاني من قول الشاعر: عليها سلام لا تواصل بعده ... فلا القلب محزون "ولا الدمع سافح4 ومثال النكرة التى لم تعمل فيها قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ5 وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون 6 ... } . ولم تعمل هنا لوجود فاصل. ومثل الماضى قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ... } وفى الحديث: إن المنْبَتَّ7 لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وقولهم: والله لا حاق الشر إلا بأهله، ولا لصق العار إلا بكاسبه. "و" إذا وقعت كلمة "إلاّ" بعد "لا" جاز فى الاسم المذكور بعد "إلا" الرفع والنصب. نحو: لا إلهَ إلا اللهَ، - بالرفع أوالنصب، ولا سيفَ إلا ذوالفَقَار. أوذَا الفقار فالنصب على الاستثناء، والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ والخبر محذوف قبل "إلاّ". والرفع على البدل؛ إما من محل "لا" مع اسمها؛ وإما على البدل من

_ 1 في رقم 4 من ص 657. 2 الماضي لفظا ومعنى هو - كما تقدم في ص 52 "د" - ما كانت صيغته كالماضي وكذلك معناه فإن كان زمنه للحال أو الاستقبال فهو ماضي اللفظ دون المعنى، ومنه: لا غفر الله للقائل: فإنه فعل ماض الدعاء، والدعاء يجعل معناه مستقبلا. وفي هذه الحالة لا يجب تكرار "لا". 3 إن كانت الجملة الاسمية دعائية لم يجب معها تكرار "لا" ولو كانت هذه الجملة مستوفية للشروط، كقولك للمحسن الذي تدعو له: لا فقر يصيبك. 4 ومثله قول الآخر: فلا هجره يبدو - وفي اليأس راحة - ولا وده يصفو لنا فنكارمه 5 صداع وضرر، أو سكر. 6 تسلب عقولهم. 7 الذي انقطع عن رفاقه في السفر، بسبب إرهاقه دابته في الإسراع حتى عجزت، فسبقه الوفاق.

الضمير المستتر فى الخبر المحذوف، وإما من محل اسم "لا" بحسب أصله الأول؛ فقد كان مبتدأ، وقد أوضحنا هذا قريباً1. "ز" إذا لم تعمل: "لا" بسبب دخولها على معرفة، أولوجود فاصل بينها وبين اسمها - فالواجب عند الجمهور تكرارها - كما تقدم -. ويلزم تكرارها2 مع اقترانها بالواوالعاطفة إذا وليها مفرد منفى بها وقع خبراً أونعتًا، أوحالا؛ نحو: علىٌّ لا قائمٌ ولا قاعدٌ، ومررت برجلٍ لا قائمٍ ولا قاعدٍ، ونظرت إليه لا قائماً ولا قاعداً. وتتكرر أيضاً إذا دخلت على الماضى لفظاً ومعنًى، وكان لغير الدعاء -كما سلف- نحو: محمود لا قام ولا قعد. وقد يغنى عن تكرارها حرف نفى آخر؛ وهذا قليل؛ مثل لا أنت أبديت رأيك ولم تظهر غرضك. ومنه وقول الشاعر: " ... فلا هوأبداها ولم يتجمجم"3، وبمناسبة صحة هذا على قلته ننقل هنا ما قاله الصبان، في باب: الاشتغال - جـ1 وحكم الاسم السابق، وكيف يضبط عند شرح بيت ابن مالك: "واختبر نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إملاؤه الفعل غلب....." حيث قال الأشموني: إن النصب يختار في مواضع، منها.... و.... ومنها النفي بما، أو: لا، أو: إن، وضرب الأمثلة الآتية الحرفي هو: "ما زيدا رأيته، ولا عمرا كلمته، وإن بكرا ضربته ... " وهنا قال الصبان ما نصه: "قوله: ولا عمرا كلمته.... مقتطع من كلام، أي: لا زيدا رأيته، ولا عمرا كلمته، لأن "لا" الداخلة على الماضي غير الدعائية، يجب تكرارها. كذا نقله شيخنا عن الدنوشري وأقره هو والبعض. وعندي أنه يقوم مقام تكرار لا الإتيان بدل "لا" الأولى بما "النافية" كما في المثال، لأنها مثلها في الدلالة على النفي وفي الصورة، إذ كل منهما فقط ثنائي آخره ألف لينة" اهـ.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 709. 2 راجع الصبان أيضا جـ2 آخر باب: "النعت". 3 من كلام زهير في معلقته التي أولها:

ولم تتكرر فى نحو: لا نَوْلُك أن تفعل كذا ... لأنه بمعنى: لا ينبغى1.... فلم يبق شيء لا تتكرر فيه وجوباً سوى المضارع؛ نحو: حامد لا يقوم ... تم الكتاب ولله الحمد والمنة

_ أمن أم أوفى دمنة لم تكلم........................... 1 فكأنها دخلت على المضارع، فلا يجب تكرارها، وقد سبق الكللام على هذا الأسلوب ومعناه في ص 7 وسيجيء أيضا في الرقم التالي: 2 قال الرضي: "يجب تكرير "لا" المهملة الداخلة على غير لفظ الفعل إلا في موضعين، أحدهما: أن تكون داخلة على الفعل تقديرا. وذلك إذا دخلت على منصوب بفعل مقدر، نحو: لا مرحبا، أي: لا لقيت مرحبا. أو لا رحب موضعك مرحبا. أو على جملة اسمية بمعنى الدعاء، نحو: لا سلام على الخائن، لأن الدعاء بالفعل أولى، فكأنه قيل "لا" لا سلم سلاما، ولذا دخلت على "قولك" كما مر- في "ز" وفي ص 450 - قولهم: لا نولك أن تفعل كذا، بمعنى: لا ينبغي لك،.... والنول العطية، وهو مبتدأ، وما بعده مصدر مؤول خبره. وقيل فاعل أو نائب فاعل سد مسد الخبر على اعتبار أن "النول" بمنزله الوصف الذي له مرفوع يسد مسد الخير - وإنما لم تتكرر "لا" في هذه المواضع لأنها إذا دخلت على الفعل لم يجب تكرارها إلا إذا كان الفعل ماضيا غير دعاء، نحو قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} . وثانيهما: أن تكون بمعنى "غير" مع أحد ثلاثة شروط: 1- أن تدخل على لفظة: "شيء" سواء انجر بالإضافة نحو: هو ابن لا شيء أو بحرف الجر - أي حرف كان - نحو: كنت بلا شيء، وغضبت من لا شيء، أو انتصب، نحو: إنك ولا شيئا، أو ارتفع، نحو أنت ولا شيء. 2 أن ينجر ما بعد "لا" بباء الجر قبلها، نحو: كنت بلا مال، ولا ينجر إذا لم يكن لفظ شيء" إلا بها من بين حروف الجر. 3- أن يعطف ما بعد "لا" على المجرور بكلمة "غير" كقوله تعالى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ... } أهـ راجع التصريح هنا.

الفهرس

الفهرس: "1" المقدمة: وتتضمن الأسباب الداعية لتأليف هذا الكتاب، وتوضح منهج تأليفه، وتبيين قيمة النحو، ومزاياه. "ب" بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء. رقم الصفحة عنوان الباب 13 الكلام وما يتألف منه. 72 الإعراب والبناء، والمعرب والمبني. 206 النكرة والمعرفة. 217 الضمير. 286 العلم. 321 اسم الإشارة. 340 الموصول. 421 المعرف بأداة التعريف وهي أل" 441 الابتداء. المبتدأ والخبر. 543 نواسخ الابتداء: "كان وأخواتها.. وهي: "ما - لا - لات - إن" 614 أفعال المقاربة. أفعال الشروع. أفعال الرجاء 630 الحروف الناسخة "إن" وأخواتها" 685 "لا" النافية للجنس. تفصيل المسائل والموضوعات التي تشتمل عليها الأبواب العامة السابقة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الواردة في: "الزيادة، والتفصيل"، والهوامش. 1- مقدمة الكتاب، ودستور تأليفه. بيان هام باب الكلام وما يتألف منه المسألة الأولى 13 الكلمة. الكلام "الجملة". الكلم. القول الكلمة والمعنى الجزئي والمعنى المركب. أول حروف الهجاء: "الهمزة" لا "الألف". حروف المباني، حروف الربط، ومنها حروف المعاني. عدد الأحرف في الكلمة العربية. 14 الكلمة قبل إدخالها في التركيب لا توصف بإعراب ولا بناء

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 15 الكلام الجملة، جمل زال عنها اسم الجملة، كجملة النعت، وجملة الشرط ... اللفظ. 16 الكلم - القول- إشارة لبعض أنواع المركب. 17 استعمال "الكلمة" بمعنى: "الكلام". 17 أقسام الكلمة. من أي أقسامها "اسم الفعل؟ " 18 موازنة بين الأنواع السابقة. 21 إشارة إلى اسم الجنس، وأنواعه. 22 ما يجوز في اسم الجنس الجمعي، وفي ضميره، وخيره، والإشارة إليه. 23 تكلمة في معناه، والمراد منه. 24 أنواعه. 25 تعريف القاعدة. المسألة الثانية. 26 أقسام الكلمة: "اسم - فعل - حرف". الاسم وعلاماته. الجر - والتنوين. 27 المناداة "النداء". 28 حكم حرف النداء إذا دخل على مالا ينادي. العلامة الرابعة والخامسة: "أل" و "الإسناد". 29 سبب تعدد علامات الاسم. علامات أخرى. 30 طريقة الإسناد إلى اسم يراد لفظه. 31 فائدة حكاية اللفظ. 32 أقسام الاسم. المسألة الثالثة 33 أقسام التنوين وأحكامه. الأول: تنوين الأمكنية، توضيحه. متى ينون الممنوع من الصرف؟ 34 مناقشة أسباب منع الصرف، رفضها. 37 الثاني: تنوين التنكير. 38 الثالث: تنوين التعويض. 39 إعراب المموع من الصرف المحذوف آخره. رفض آراء النحاة في بعض صيغ منتهى الجموع. 40 تنوين: "كل وبعض" وحكم إدخال "أل" عليهما. 41 تنوين المقابلة. تثنية العلم أو جمعه مما يزيل علميته. 43 تحريك التنوين. مواضع حذف التنوين. مواضع حذف التنوين، ومنها آخر الكلمات الموصوفة بكلمة: "ابن" 44 متى تحذف همزة الوصل من كلمتي: ابن وابنة. المسألة الرابعة 46 الفعل وأقسامه، علامة كل. للزمن ملغي في التعريفات العلمية، وفي بعض الأفعال الأخرى "مثل: كان الزائدة - نعم - بئس ... ".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 47 لا يصح اعتبار اللفظ زائدا إذا أمكن اعتباره أصيلا الفعل والجملة الفعلية والاسمية في حكم النكرة. أحرف المضارعة، واستعمالها. 48 علامات الماضي. 49 كلمة عن اسم الفعل. 50 كلمة عن تاء التأنيث وهائه. مكان تاء التأنيث من الفعل متى نستعملها هي أو نون النسوة؟ تحريكها أحيانا. حركة أول الساكنين. التقاء الساكنين. إشارة إلى جواز التقاء الساكنين في مواضع نوع الزمن في الماضي. 52 أثر "قد" في تقريبه من الحال. 53 وكذلك "ما" النافية. لا يصح تقديم شيء من مدخول "قد" عليها. دخول "قد" على الفعل الماضي المنفي. حكم دخولها على المضارع المنفي: "لا". 56 علامات المضارع السين وسوف. لا يصح أن يدخل عليهما نفي. بعض أحكام خاصة بهما "وانظر ص 60". 57 نوع الزمن في المضارع. 60 عودة إلى السين وسوف، معناهما. الفرق بينهما. 62 نوع الزمن عند عطف فعل على فعل. 64 علامة الأمر. علامتان مشركتان بين المضارع والأمر. 65 نوع الزمن في الأمر. المسألة 5 66 الحرف، معناه. معنى أدوات الربط. حروف المباني، وحروف المعاني، وحروف التوكيد. معنى زيادة اللفظ. 68 قد يراد بالحرف الكلمة مطلقا. 69 إذا وقع بعد المبتدأ أداة شرط، فأين الخبر؟ وأين الجواب؟ 70 وقوع معنى الحرف الأصلي على ما بعده. الحروف الزائدة، الغرض منها. أثرها. عدم تعلقها بعامل. متى يكون اللفظ زائدا؟ صحة زيادة الباء في مثل: كيف بك، وخرجت فإذا بالأصدقاء ... 71 الحروف نوعان: عامل، ومهمل. حروف الجر قد تسمى: "حروف الإضافة". الحروف الآحادية وغيرها.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب الإعراب والبناء - المعرب والمبني. رقم الصفحة الموضوع المسألة 6 72 معنى كل، وسببه. 73 حقيقة العامل. الرأي فيما يوجه للعامل من مطاعن 74 فائدة الإعراب. 75 كلمات لا توصف بإعراب ولا بناء. 76 المعرب والمبني من الأسماء، والأفعال، والحروف. المبني لا تراعي ناحيته اللفظية في توابعه. أولا - الحروف ثانيا - الأسماء - المبني منها وجوبا، والمبني جوازا. 79 إذا سمي بالاسم المفرد أعرب ونون. - ما لم يمنع من الصرف. 80 ثالثا - الأفعال. أحوال بناء الماضي. أحوال بناء الأمر. الفعل المؤكد بالنون لا يتقدم عليه معموله إلا في الضرورة، أو أن يكون المعمول شبه جملة. 81 أحوال بناء المضارع. 82 اتصال نون النسوة بالفعل مباشرة دون نون التوكيد. 82 المضارع المبني لفظا المعرب محلا. 84 "أ" الإعراب المحلي والتقديري، وأثرهما. 84 جدول لأشهر المبنيات، وعلامة بنائها 87 علامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء. "وانظر ص 106". 88 "ب" "الرأي في أسباب البناء والإعراب 91 زيف كثير من التعليلات ولا سيما: "أنواع الشبه الوضعي والمعنوي" 94 "ح" إعراب أمثلة معقدة يكون المضارع فيها مفصولا من نون التوكيد. توالي الأمثال الممنوع، وغير الممنوع. 96 متى يجوز التقاء الساكنين؟ 97 مواضع تتحرك واو الجماعة؟ ما نوع حركتها؟ ضابط عام في تحريكهما- إيضاح لما سبق 99 "هـ" رأي في السكون في آخر الماضي "و" أنواع معدودة من المبني بناء عارضا، وأخرى لا تعد مبنية. المسألة 7 100 أنواع البناء والإعراب. "أو: ألقا بهما" علامة كل منهما. علامات البناء الأصلية. منها: السكون، وقد يسمي: "الوقف". الفتح. الضم. الكسر. 101 العلامات الفرعية. 102 جدول يشمل علامات البناء الأصلية والفرعية، ومواضعها.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 103 أنواع الإعراب. علاماتها الأصلية. 104 علاماتها الفرعية مفصلة عودة إلى المؤكد بنون التوكيد. وأن معموله لا يتقدم عليه 106 السبب في أن لكل واحد من الإعراب والبناء علامات خاصة به. نوع من نيابة الحرف عن الحركة. علامات لا توصف بأنها علامة إعراب، ولا بناء "انظر ص 87". الكلام على: "الأتباع". 107 الإشارة إلى نوع آخر من حركة الإتباع. المسألة 8 108 "أ" الأسماء الستة. طريقة إعرابها. اللغات التي فيها. 109 "ذو" وتفصيل الكلام على استعمالها. 110 - فائدتها. متى تجمع وجوبا جمع مؤنث سالم "ذوات"؟ وكذلك ابن آوي وبنات آوي ... ؟ 111 ما يحسن الاقتصار عليه من لغات الأسماء الستة. 112 متى يرجع الحرف الأصلي المحذوف من الثلاثي؟ 114 ما فائدة دراسة تلك اللغات؟ إعراب ما سمي بواحد من هذه الأسماء 115 متى يحذف حرف إعرابها؟ معنى: "لا أبا لفلان" وإعرابه. المسألة 9 117 "ب" المثني - تعريفه. الحقيقي منه والمجازي. 118 التغليب. معناه. تقسيمه، حكمه. العرب قد تغلب المؤنث. 119 المراد من المثني في اللغة والنحو. المراد من الملحق بالمثني، ومن الجمع واسم الجمع. المثنى في المعنى يجوز إفراده، وتثنيته، وجمعه، إذا أضيف إلى ما يتضمنه. اسم المثنى. 120 ملحقات المثنى: كلا وكلتا اثنان واثنتان. إضافتهما. 123 اللغات المختلفة في إعراب المثنى. 124 عود إلى: "كلا وكلتا". الضمير العائد عليهما، وعلى كلمات أخرى تشبههما. "مثل: كم - من - ما أي - بعض.." 125 بعض حالات إعرابية تصلح للتوكيد أو لا تصلح. ما سمى بالمثنى، الغرض من التسمية. طريقة إعرابه. 126 حروف العلم لا يدخل عليهما نقص ولا زيادة. 126 طريقة تثنية المسمى بالمثنى. 128 شروط المثنى. 129 من شروط تثنية القلم تنكيره قبل التثنية، ثم تعريفه بعدها، السبب في ذلك. الطريقة لإعادة التعريف إلى العلم بعد تثنيته. 130 طريقة إعراب الاسم المركب. 133 متى تهمل التثنية استغناء بالعطف.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 134 الرأي في: "أنتما قائمان" وفي بعض الملحقات "اثنان واثنتان" إعراب كلمة: "عشر" بعدهما 135 متى تحذف نون المثنى؟ تثنية بعض كلمات محذوفة الآخر "مثل: أب - يد ... ". 136 إشارة إلى بعض أحكام هامة أخرى تتعلق بالمثنى ونونه ودلالته على أكثر من اثنين. المسألة 10 137 "ح" جمع المذكر والسالم. تعريفه. سبب تسميته هو وجمع المؤنث السالم بجمعي التصحيح. العدد الذي يدل عليه كل منهما. ضبط كلمة: "السالم" فيهما. إطلاق الجمع لغة على الاثنين "المثنى". 138 حكم الاستغناء بالعطف عن الجمع. 139 دلالة الجامد والمشتق، نوع دلالة الوصف "أي: المشتق" إذا صار علما. زوال العلمية عند الجمع. الطريقة لإعادة التعريف للجمع. العلم جامد ولو كان في الأصل مشتقا. عودة إلى: "التغلب". 140 شروطه 141 المراد من خلوه من تاء التأنيث. كيفية جمع أنواع المركب جمع مذكر سالم 143 نوع تاء التأنيث في الصفة "أي: في المشتق". 146 كيف يجمع المبني جمع مذكر سالم؟ المسألة 11 148 الملحق بجمع المذكر. أنواع الستة السماعية. كلمة عن اسم الجمع. 149 العموم الشمولي والعموم البدلي. 151 التسمية بجمع المذكر السالم. 153 إعراب ما سمي به. 155 طريقة جمع المسمى به، وبملحقاته. 156 عودة للكلام على "نون" المثنى وجمع المذكر من جهة حركتها، وفائدتهما، وحذفها، وما يترتب على الحذف. زيادة الفاء للتحسين. 157 إعراب كلمة "عشر" بعد اثنى ... واثنتي.... 158 قد يدل المثنى على معنى الجمع. 159 حالات تقدير الواو. زيادة موضع لالتقاء الساكنين. 160 ما يتبع في تثنية أعضاء الجسم، وجمعها. التثنية جمع لغوي. 161 هل يثني جمع التكسير ويجمع؟ المسألة 12 162 د جمع المؤنث السالم، تعريفه، شروطه، سبب تسميته هو وجمع المذكر السالم بجمعي التصحيح - كما سبق - ضبط كلمة: "السالم".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 162 الاستغناء عنه بالعطف أحيانا. هل الأفضل تسميته بالجمع المزيد بالألف والتاء؟ أنواع المؤنث. 163 العدد الذي يدل عليه هذا الجمع. 164 حكمه. 165 ملحقاته. حركة "الكاف" في "كن" وأصل "كان". 166 إشارة إلى السبب في التسمية بالجمع. حكم التنوين في آخر ما سمي به. 167 حكم في ضبط حروف الهجاء عند قصرها. 168 الأشياء التي ينقاس فيها هذا الجمع. 170 حركة عين الثلاثي. 171 تثنية المركب الإضافي وجمعه هذا الجمع. طريقة جمع أسماء الأجناس التي في صدرها كلمة "ذو" أو ابن، أو أخ.... 172 طريقة تثنية المسمى بهذا الجمع، وجمعه. المفرد الذي لا يجمع جمع المذكر سالم لا يجمع جمع مؤنث سالم، الرأي في هذا المسألة 13 174 "هـ" إعراب مالا ينصرف، والأحكام المتصلة بهذا. 175 قاعدة لغوية في ضبط الفعل: "جر" وأشباهه. 176 قد يعرب جمع المؤنث إعراب ما لا ينصرف. بعض المبنيات يعرب إعراب الممنوع من الصرف. بعض القبائل يجعل "أم" مكان: "أل". المسألة 14 177 "و" الأفعال الخمسة، وأحكامها. 179 الفرق بين "النساء لن يسعفون - النساء يعفون - الرجال يعفون." حذف نون الرفع لغير ناصب أو جازم. حالات نون الرفع مع نون الوقاية 180 ملخق حالات نون الرفع. 181 الرأي في مثل: "هما يفعلان"، وتفعلان "للمؤنثتين، وهن يفعلن وتفعلن. المسألة 15 182 "ز" المضارع المعتل الآخر: أقسامه الثلاثة، وحكم كل قسم، ومعنى تقدير الإعراب فيه. 185 بعض اللغات لا يحذف منه حرف العلة مطلقا. حكم المعتل إن كان حرف العلة مبدلا من الهمزة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 186 المضارع المعتل الآخر بالياء قد تحذف ياؤه جوازا قد تحذف ياء المتكلم جوازا من آخر الأفعال المسألة 16 187 الاسم المعتل الآخر، أنواعه الثلاثة، ومنها: المقصور والمنقوص. أحكام كل نوع، وحكم صحيح الآخر، وما يشبه صحيح الآخر "أو: المعتل الجاري مجري الصحيح". معنى المعتل عند النحاة وعند الصرفيين، حرف العلة، وحرف اللين، وحرف المد. المعتل والمعل. 188 تفصيل الكلام على المقصور معنى قولهم: "ألف المقصور موجودة دائما". معنى المقصور والممدود عند اللغويين والنحاة والقراء. 189 نوع من نيابة حرف عن حركة 189 كيف تكتب ألف المقصور؟ 190 تفصيل الكلام على المنقوص 193 نوع ثالث معتل الآخر بالواو 196 المنقوص الواقع صدر مركب. 197 حكم الظرف: "لدى" عند إضافته للضمير. 198 الإعراب التقديري وأثره، والحاجة إليه. حصر مواضع الإعراب التقديري. 199 الكلام على سكون التخفيف ومنه سكون التخفيف مع الوصل على نية الوقف. 200 أنواع من حركة الإتباع". 201 نوعا الإضافة لياء المتكلم، حالات الياء. 203 الأصل في التخلص من التقاء الساكنين الكسر 204 أشهر المواضع التي تقدر فيها الحروف النائبة عن الحركات. 205 إعراب: "إنه من يتق ويصبر..... " باب النكرة والمعرفة وفروعهما المسألة 17 206 معناهما: معنى الشيوع والإبهام. معنى الحقيقة الذاتية والتشابه فيها. 209 الجمل والأفعال في حكم النكرات. علامة النكرة. الهمزة في كلمة: "أل" ذاتها للقطع. متى تتحول همزة الوصل إلى القطع. إذا صار المشتق علما دخل في عداد الجامد. 210 حكمة كلمة: "أحد" الملازمة للنفي، وغير الملازمة. 211 أنواع المعارف. معنى اللفظ المتوغل في الإبهام.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل والهامش. رقم الصفحة الموضوع 212 اختلاف درجة المعارف في التعيين. بيان درجاتها وترتيبها. 213 حكم الجمل وأشباهها بعد المحض وغير المحض من المعارف والنكرات. معنى المحض، درجاته. النكرة التامة، والناقصة، والمعرفة كذلك. 215 حكم عام في شبه الجملة بعد المعرفة والنكرة. نكرات في اللفظ دون المعنى، والعكس. ما يصلح للأمرين. باب الضمير المسألة 18 217 تعريفه. - أمثلة منه. الكلام على أصل الضمير: "أنا" وألفه، وأثر ذلك في النطق وفي الكتابة. إذا رفع المشتق ضميرا مستترا وجب أن يكون للغائب. الضمير جامد، لا يكون نعتا ولا منعوتا. "الكاف" التي هي حرف محض الخطاب، أمثلة منها ومن بعض أخواتها ... 218 حكم الضمير. 219 يقال: كتبت الرسالة لسبع خلو، أو دخلت من الشهر. "أقسام الضمير بحسب مدلوله "تكلم - خطاب - غيبة.: " تقسيمه بحسب ظهوره، وعدم ظهوره إلى: "بارز مستتر- متصل- منفصل ... وأقسام كل". الفرق بين المستتر والمحذوف. 221 أقسام المتصل بحسب مواقعه من الإعراب.. إشارة إلى موضع حكم الضمائر. حركة الهاء التي للغائب في مثل: سليه.... متى تشبع حركتها؟ المنفصل. الضمائر مبنية لفظا معربة محلا. اتصال التاء ببعض الحروف، "مثل ما، وميم الجمع، ونون النسوة"، ونوع حركة التاء. 222 حركة "ميم الجمع" إذا وليها ضمير متصل. حذف واو الجماعة في بعض الهجات، مع الاكتفاء بالضمة قبلها، متى تكون الألف والواو من الضمائر. إعراب الضمير في نحو: لولاي - عساي - عساك - عساه. 223 الفرق بين الياء في مثل: قومي، ومثل أكرمني. يصح حذف ياء المتكلم من آخر الفعل. الفرق بين كتابة الهاء للغائب والغائبة. ومتى يزاد بعدها. ما - ميم الميم- النون المشددة للنسوة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 225 حكم دخول "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المتصل المنفصل الذي خبره اسم إشارة؛ مثل: ها أنا: 226 أقسام المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب. يقال للغائبات: تسافرون، أو: يسافرن ... ولمثنى الغائبتين؛: هما تسافران – هما يسافران. معنى الضمير الأصل والفرعي. حركة الهاء في: "هو – هي" متى تسكن؟ 227 تقسيم المستتر إلى واجب الاستتارة، وجائزه. هل تستعمل ضمائر الرفع المنفصلة في غيره؟ 228 مواضع المستتر وجوبا. 231 إعراب المرفوع المستتر جوازا. متى يستغنى الفعل واسم الفعل عن الفاعل؟ 233 تلخيص ما سبق من أقسام البارز والمستتر المسألة 19 235 الضمير المفرد "البسيط" والمركب. 236 كيفية إعراب الضمير بنوعيه 238 عودة إلى "الكاف" التي هي حرف خطاب فقط، ومواضع لها. 239 إعراب مثل قوله تعالى: {أرايتك هذا الذي كرمت علي} . 241 عودة إلى إعراب الضمير بعد"لولا" و"عسى". 242 ضمير الفصل وشروطه، وإعرابه. تسميته "عمادا" أو "دعامة". 250 ضمير الشأن، أو القصة، أو الضمير المجهول، أو ... 255 مرجع الضمير. الفرق الاصطلاحي بين الضمير والمبهم. عودة الضمير على متقدم 257 معنى التقدم في اللفظ وفي الرتبة التقدم المعنوي. 256 عودة الضمير على المضاف لا المضاف إليه عند عدم القرينة – والعكس. 258 عودة الضمير على متأخر "وهي مواضع التقدم الحكمي". 259 إعراب مثل: "ربه صديقا" – الضمير المجهول. 261 تعدد مرجع الضمير، الضمير العائد على المضاف، ومتى يعود على المضاف إليه؟ 262 التطابق بين الضمير ومرجعه. 263 عودة الضمير على أحد الأمرين السابقين ... ، أو عليهما معا. 266 حكم مطابقة الضمير العائد على: "كم - كلا – كلتا – من – ما – كل – بعض – أي ... " 268 تفاوت المرجع في القوة. 271 اختلاف نوع الضمير مع مرجعه.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 20 272 حكم اتصال الضمير بعامله. 273 تقديم الضمير الأخص. جواز مجيئه متصلا أو منفصلا. 276 حالات واجبة الانفصال. المسألة 21 280 نون الوقاية، وأحكامها، وفائدتها. وقوعها في غير آخر فعل. 282 الكلام على: "قدني، قطني، حسبي". ملخص ما تقدم. 284 الحكم عند اجتماعها مع نون الأفعال الخمسة، أمثلة مسموعة وقعت فيها آخر المشتق. 285 حكمها مع نون النسوة. باب العلم. المسألة 22 286 علم الشخص، وعلم الجنس، 287 العلم الذهني. 288 عودة إلى اسم الجنس، والنكرة، وعلم الجنس، وعلم الشخص، وأحكامه المسألة 23 292 أقسام العلم 293 علم الشخص وأحكامه. 294 تنكير العلم، وسببه، إضافة العلم. 295 معنى: "إيضاح المعرفة وتخصيصها" عند إضافتها، وكذا النكرة. 296 علم الجنس وأحكامه، واستعمالاته. 299 استعمالات أخرى لعلم الجنس. 300 أقسام العلم باعتبار لفظه إلى: مفرد، ومركب- أقسام المركب "إضافي- إسنادي- مزجي" وتعريف كل وملحقاته. الكنية مركب إضافي- إسنادي - مزجي" وتعريف كل وملحقاته". الكنية مركب إضافي ولكن معناه إفرادي302 أقسامه باعتبار الأصالة إلى: "مرتجل" ومنقول". 303 حكم المرتجل إذا انتقل لنوع آخر. وضع العلم المرتجل ليس مقصورا على العرب. 304 الفرق بين النقل من جملة فعلية والنقل من فعل فقط. 305 العلم اسم "جامد" ولو كان منقولا من مشتق. صغية العلم لا تزيد ولا تنقص. 306 قد تتحول همزة الوصل إلى القطع.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 307 انقسامه إلى: اسم، وكنية، ولقب، الفوارق بينها في الدلالة والمعنى. 308 عودة إلى أن الكنية مركب إضافي ولكن معناه إفرادي، أثر ذلك. الأحكام الخاصة بالأقسام السالفة. أولها: الأحكام الخاصة بإعراب المفرد والمركب. 310 معنى حكاية الأعلام، الملحق بالمركب الإسنادي. المركب الوصفي. 312 طريقة تثنية أنواع المركب وجمعها. 313 إعراب المركبات العددية، "ومنها اثنا عشر، واثنتا عشرة" والظرفية، والحالية، وهي من أنواع المركب المزجي. 314 إشارة إلى الإعراب المحلي. "انظر ص 84، 198". 316 الترتيب بين قسمين أو أكثر - من أقسام العلم. 319 الترتيب والإعراب عند اجتماع الأقسام الثلاثة. 320 بقية الأحكام المعنوية واللفظية باب اسم الإشارة المسألة 24 321 معنى اسم الإشارة. أقسامه بحسب الإفراد والقرب وفروعهما. 322 الإفراد الحقيقي والحكمي. الإشباع. 324 معنى المد والقصر عند النحاة، وغيرهم. 324 الكلام على "لام البعد". "وكاف الخطاب" وبيان حكمها، و "ها، التنبيه" 326 ضبط لام البعد. 327 سبب تسميتها. 331 جدول لكل ما سبق من أسماء الإشارة. المسألة 25 333 كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها. 336 إشارة إلى إعراب "كاف الخطاب" فيها. 337 الفصل بين "ها التنبيه" واسم الإشارة. مواضع "ها". 338 "هنا" قد تكون اسم إشارة للزمان. اسم الإشارة مبهم. وكذا اسم الموصول: معنى الإبهام هنا. 339 إعراب الاسم الذي بعد اسم الإشارة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. باب الموصول رقم الصفحة الموضوع المسألة 26 340 تقسيم الموصول، وتعريفه. الأسماء المبهمة، ومعنى الإبهام في الموصول، وغيره. عودة إلى الفرق بين المضمر والمبهم، وإلى إعراب الاسم الذي بعد اسم الإشارة. 341 سبب التسمية بالموصول. 342 ألفاظ الموصول الاسمى الخاصة والعامة. 345 المراد من المقصور والممدود عند النحاة، وغيرهم. 346 معنى الجمع اللغوي. 347 "أل" الداخلة على أسماء الموصول زائدة لوصف المعارف بالجمل. ألفاظ القسم العام "المشترك". 348 استعمالات: "من" الموصولة 351 استعمالات "ما" الموصولة. 352 ما يصلحان له. ومنه النكرة التامة. 353 ما تنفرد به "ما" اللفظ الزائد "اسما كان، أو فعلا، أو حرفا". يسمى أيضا: صلة 356 استعمال "أل" صلتها 357 نوع جديد من شبه الجملة - إعراب "أل" الموصولة. ذو 358 ذا. 360 إلغاء "ذا" وعدم إلغائها أثر كل من الأمرين. 363 أي: أحوال إعرابها وبنائها. 365 باقي أنواعها. 368 متى تكون بمعنى: "كل" أو "بعض" 369 جدول يشتمل على الموصولات الخاصة ثم العامة. 371 كيفية إعراب أسماء الموصول. المسألة 27 373 صلة الموصول والرابط تعريفها شروطها للصلة معان اصطلاحية. أنواعها 374 الجملة الخيرية، والجملة الإنشائية. أنواعهما. متى يبقى للجملة اسمها، ومتى يزول؟ 377 الاستغناء باسم ظاهر عن الضمير العائد "الرابط". قد تخلو الصلة من الرابط. 378 شروط أخرى للصلة. حكم تقديم بعض أجزاء الصلة. 379 الفصل بين الموصول وصلته. 380 الرابط، ومطابقته، وعدم مطابقته، وخاصة في التكلم، والخطاب، والغيبة. 383 جزم المضارع بعد جملة الصلة. الظرف من جهة حذف المتعلق وذكره 384 النوع الثاني: شبة الجملة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 385 شبه الجملة المستقر واللغو. المشتق وأنواعه. 387 وقوع الصفة الصريحة صلة. متى تكون في قوة الجملة؟ 388 إدغام "أل" في تاء المضارع الداخلة عليه. 390 تعدد الموصول دون الصلة، أو مع تعددها، حذف الصلة. 392 حذف الموصول. 393 خبر المبتدأ الموصول قد يقترن بالفاء، وكذلك المبتدأ الذي له اتصال بالموصول. المسألة 28 394 حكم حذف الرابط "العائد". حذف الرابط "العائد" المرفوع. معنى الإفراد في الصلة، وفي الخبر، وفي غيرهما. 396 حذف الرابط "العائد" المنصوب 398 حذف العائد المجرور. 401 قد يستغنى الموصول عن العائد. 401 الكلام على: "ولا سيما". 404 النكرة التامة - أيضا. المسألة 29 407 "ب" الموصولات الحرفية بيانها، الفرق بينها وبين الاسمية. 408 الكلام على كل واحد منها. أن: 409 هل تكون صلتها طلبية؟ إشارة إلى "أن" المفسرة والزائدة 410 أن - كي. 411 ما 313 لو. 414 من حروف السبك همزة التسوية. كيف يصاغ المصدر المؤول؟ 417 لماذا نلجأ له؟ الفرق بينه وبين الصريح. 419 نوع الزمن في المصدر المؤول. باب المعرفة بأل المسألة 30 421 أنواعها، إشارة أخرى إلى تحول همزة الوصل للقطع. 422 النكرات المتوغلة في الإبهام. إعراب ومعنى كلمتي: "فقط" و "حسب". 423 "أل" المعرفة والتي للعهد، وأنواع العهد. "أل" التي للتعريف غير الموصولة التي سبق الكلام عليها وعلى إعرابها "في ص 356 و357".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 31 429 "أل" الزائدة بنوعيها إعراب كلمة: "الأول" فالأول" والآن. 431 "أل" التي للمح الأصل المسألة 32 433 العلم بالغلبة، تعريفة، 435 أحكامه: درجته في التعريف تلغي الدرجة التي سبقتها. 438 تعريف العدد "بأل". 440 الاسم النكرة المضاف إلى معرفة. 440 المنادي النكرة المقصودة. باب المبتدأ والخبر، وما يتصل بهما المسألة 33 441 تعريفها. معنى العامل، أنواعه. إشارة عابرة إلى حكم مجيء الحال من المبتدأ. 442 تقسيم المبتدأ، المراد "بالوصف". 442 الفعل - كالجملة - كلاهما في حكم النكرة. 443 تمييز المبتدأ من الخبر، وطريقة ذلك. الخبر يتم الفائدة بنفسه، أو مع مساعده. 444 مبتدأ خبره الجملة الشرطية. إشارة إلى أنواع من المبتدأ لا يكون خبرها إلا جملة. المبتدأ الناسخ قد يستغنى عن الخبر. 445 أوجه التشابه بين الفعل والوصف. 446 الجملة وتقسيمها. 447 رافع المبتدأ والخبر 448 دخول العوامل الزائدة "دون الأصلية" على المبتدأ. إعراب "بحسبك كذا". - كافيك - ناهيك. دخول الباء الزائدة في مثل: كيف بك - إذا بالرجل.... 449 أشياء تجري مجرى الوصف. أنواع النفي - مرفوع يغني عن المنصوب. 450 أساليب سماعية تجري مجرى الوصف. 451 أين الخبر في مثل: فلان وإن كثر ماله لكنه بخيل؟. 452 الكلام المولد. المسألة 34 453 تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه. أنواع من المطابقة. 454 صور للتطابق وعدمه. 455 مناقشة التقسيم القديم. 457 صور أخرى من التطابق، وأحكامها. ومنها مراعاة معطوف محذوف. 460 متى يراعى البدل؟

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 35 أقسام الخبر. 461 الكلام على الخبر المفرد. 462 الخبر المفرد وتحمله الضمير. نوع ذلك الضمير. مشتقات تتحمل الضمير، وأخرى لا تتحمل وجوب إبرازه أحيانا. 463 جريان الخبر على من هو له وعلى غيره أحيانا. 465 مسائل أخرى يجب فيها إبراز الضمير. 466 الخبر الجملة، شروطها- متى تفقد الجملة اسمها. الحرف لا يخرج الكلمة عن الصدارة. معنى: "الجملة في محل كذا" أو: "نائبة عن الفرد". 467 أنواع الروابط. رأي في إعراب "إن هذان لساحران" 471 وقوع الجملة الإنشائية خبرا. 471 إعراب الجملة الواقعة خبرا وحكايتها 473 وكذا المبتدأ الجملة. مبتدأ لا يكون خبره إلا جملة، أو شبهها. 474 إعراب: "طوبى". 475 الخبر شبه الجملة، وغيره. 478 شبه الجملة التام وغير التام. 479 نوع الظرف الذي يقع خبرا. معنى إفادة الظرف. الغرض من الكلام الإفادة 480 وقوع المعنى خبرا عن الجثة. 481 عودة للكلام على: "طوبي" ونوع خبرها. تعلق الظرف بالإسناع وقوع ظرف الزمان خبرا عن الجثة. 482 كيف يضبط ويعرب الظرف. 485 المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة الفعل في حكم النكرة- مسوغات الابتداء بالنكرة. 487 معنى الخبر المختص 489 تتمة المسوغات. مالا فائدة منه لا خير في ذكره. 490 إشارة إلى لام الابتداء. وأرقام الصفحات المشتملة على أحكامها "أنظر م 53 ص 659". المسألة 37 492 تأخير الخبر جوازا وجوبا وهي أيضا تقديم حالة المبتدأ" حالة الوجوب - كملة عن التساوي والتقارب في درجة التعريف والتنكير. 493 عودة إلى المبتدأ، وأنه محكوم عليه، والخبر محكوم به. معنى القرينة. تقسيمها. 495 معنى القصر "الحصر" أركانه الثلاثة 497 مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر. الرأي في مطابقة الخبر للمبتدأ المضاف والمضاف إليه معا. 499 تقديم أحدهما عند تساويهما أو تقاربهما في درجة التعريف والتنكير، والجدل حول ذلك. المعول عليه في تقديم المبتدأ والخبر المسألة 38 501 تقديم الخبر وجوبا "وهي الحالة - الثالثة له".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 504 مواضع أخرى يجب فيها تقديمه. الأمثال لا تتغير. المسألة 339 507 حذف المبتدأ والخبر. قاعدة عامة في كل ما يحذف. إشارة إخرى. 508 الكلام على: "إذا" الفجائية 509 الكلام على: "كيف". معناها، وإعرابها. 510 حذف المبتدأ وجوبا. قد يراد بالظرف الجامع مجروره الكلام على النعت المقطوع، والغرض منه وإعرابه، وسبب القطع. 515 مواضع أخرى يجب فيها حذف المبتدأ تلخيص موجز لما سبق في معنى: "لاسيما"، وإعرابها. إعراب: سقيا ورعيا" وأساليب أخرى. ألفاظ أخرى مسموعة وغير مسموعة 519 حذف الخبر وجوبا. 524 إعراب: "حسب". وبعض أساليب في الحذف. عودة إلى المبتدأ الذي يليه أداة شرط. المسألة 40 528 تعدد الخبر، وأنواعه، وحكم كل نوع 533 تعدد المبتدأ. الخبر الذي يصله نعتا للخبر الأول. والذي لا يصلح. الخبر في التعريفات العلمية. تعدد المبتدأ وما فيه من عيب. المسألة 41 535 مواضع اقتران الخبر بالفاء- فائدتها نواسخ الابتداء المسألة 42 543 معنى الناسخ، ونوعه، ومعنى اسمه وخبره 544 أشياء لا يدخل عليها. 544 الكلام على "طوبى" أيضا، نوع الزمن في خبر الناسخ. 546 شروط عمل "كان" وأخواتها. نوع الزمن في خبر "كان" الماضية وأخواتها إذا كان الخبر جملة مضارعية 547 حكم دخول: "قد" إذا كان جملة فعلية 550 إشارة إلى زيادة "الواو" في خبر الناسخ. 551 إشارة إلى زيادة "الواو" في خبر الناسخ. 551 معنى: كائنا ما كان"، أو: "من كان" وإعرابها، وقولهم: "كان مما يفعل كذا". 554 ظل - أصبح- 555 أضحى. أمسي - بات -

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موصوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع 556 صار. 557 أفعال بمعنى: "صار". إعراب قولهم: "ما جاءت حاجتك". 559 "ليس". حكم دخولها على الماضي. حكم دخول الفعل على الفعل الذي من نوعه 561 عودة إلى زيادة الواو في خبر الناسخ. إشارة إلى حكم المعطوف المشتق بعد خبرها. 562 زال- نفي النفي إثبات، وكذلك نفي النهي والدعاء. إشارة إلى المبتدأ الناسخ الذي لا يحتاج إلى خبر. 563 شروط إعمالها وإعمال المشتقات. متى يحذف حرف النفي قبل الناسخ؟ 564 فتيء - برح- 565 انفك - دام. "ما" المصدرية الظرفية، وغير الظرفية. 567 مجمل تقسيم الأفعال الناسخة. 568 مدخول "قد" لا يتقدم عليها. عودة إلى المبتدأ الناسخ الذي يستغني باسمه على خبر المبتدأ. المسألة 43 569 الترتيب هذا الباب بين الناسخ ومعموليه. حكم أخبار النواسخ هنا من ناحية التقديم والتأخير. 570 "أن" المصدرية لا يتقدم عليها شيء من مدخولها - لا يجوز الفصل بينهما وبين فعلها. 571 كل ماله الصدارة كالاستفهام وغيره لا يتقدم عليه شيء من مدخوله. 572 ملخص الأحوال السابقة. 573 بعض صور ممنوعة. "ما" النافية لا يتقدم عليها شيء من مدخولها، وكذلك، "إن" النافية. 574 الفرق بين "أن" و "ما" المصدرتين من جهة العمل. كذلك "ما" المصدرية الظرفية. 576 حكم تقدم معمول الخير وتوسطه. لا يقع بعد العامل معمول لغيره. المسألة 44 579 زيادة "كان" وبعض أخواتها. 580 قد يكون فعل التعجب مجردا من الزمن 581 متى يصح الحكم بزيادة الكلمة. المسألة 45. 582 حذف "كان"، وحذف معموليها. هل يقع ذلك في غيرها. المسألة 46. 588 حذف النون من مضارع: "كان". 589 متى تحذف الألف والواو من "كان" ويكون؟ متى تضم كاف الماضي، مثل: كن المسألة 47. 590 نفي الأخبار في هذا الباب. 591 زيادة باء الجر في أحد المعمولين "الخبر، أو: الاسم".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب الحروف التي تشبه "ليس" في المعنى والعمل: ما لا - لات - إن رقم الصفحة الموضوع المسألة 48 593 "ما". 594 شروط إعمالها. 597 حكم المعطوف على خبرها. 601 "لا" العاملة عمل "ليس". 602 الفرق بينها وبين "لا" النافية للجنس. 604 "إن" العاملة عمل "ليس" "لات". 606 قد تهمل "لات". 606 حكم العطف على خبرها. وقوع "هسنا بعدها. المسألة 49 607 زيادة "باء الجر" في خبر هذه الأحرف 609 كلمة في: "العطف على التوهم". 610 إشارة إلى الجز بالمجاورة. 611 عطف المشتق بعد خبر "ما" و "ليس". باب أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء. المسألة 50 614 أفعال المقاربة، معناها. نوع الزمن فيها وفي أخبارها. 615 عملها. وقوع المعنى خبرا عن الجثة. 618 "كاد" كغيرها في النفي. 620 أفعال الشروع، معناها، عملها. 621 أفعال الرجاء، معناها، 622 عملها. 623 حكممها. بعض أفعال هذا الباب يستعمل تاما وناقصا. 627 بعض شروط في أفعال الرجاء. ضبط "السين" في "عسى" عند الإسناد للتاء التي هي ضمير. 628 إعراب: "عساني - عساك". عدم الفصل بأجنبي بين ما دخلت عليه "أن" التي في خبر: "عسى" وغيره. 629 الكلام على: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". استعمال: "حسري" بالتنوين.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. باب الحروف الناسخة: "إن وأخواتها". رقم الصفحة الموضوع المسألة 51 630 إشارة إلى أشياء لا يدخل عليها الناسخ. 631 أوجه الاختلاف بينها وبين "كان" وأخواتها معاني هذه الأحرف. متى نستخدمها؟ دخول هذه الأحرف على "أن". 632 إعراب قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي. 633 الكلام م على بعض أساليب مسموعة: "كأنك بالفرج آت". 635 ما تختص به: "ليت". 636 شروط إعمال هذه الأحرف تصدير خبر: "لعل" "بأن" المصدرية. معنى "لعل" و "عسى في كلام الله تعالى. "ما" الكافية. فصل. "ما" ووصلها. معنى قولهم: "كافة ومكفوفة". 638 متى يتقدم الخبر، ومتى يمتنع تقدمه؟ 640 متى يتقدم معموله؟ 641 حذف الحرف الناسخ والمعمولين. تعدد أخبار هذه الأحرف. نصب المعمولين عند بعض العرب. المسألة 52 642 فتح همزة "إن" وكسرها الحالة الأولى: وجوب الفتح 644 نوع العامل في "أن" المفتوحة الهمزة مع معموليها. مواضع "أن" المخففة، والمصدرية الناصبة للمضارع، والصالحة للاثنين مواضع المصدر المؤول من "أن" ومعموليها، ومواضع المخففة. 647 الكلام على: "أحقا كذا"؟ 648 قد يسد المصدر المؤول مسد المفعولين، وغيرهما. 649 الحالة الثانية: كسر همزة "إن" وجوبا. 652 مواضع أخرى للكسر. 653 الحالة الثالثة: جواز الفتح والكسر. إعراب "إذا" الفجائية. 654 جواب القسم قد يكون شبه جملة. معنى فاء الجزء - مواضعها. جملة جواب القسم قد تغني عن الخبر. 657 مواضع أخرى لجواز الأمرين. معنى: "لا جرم" وإعرابها. المسألة 53 659 لام الابتداء، سبب التسمية، فائدتها، مواضعها، اللام المزحلقة. أنواع من اللام. 661 نوع من الفرق بين لام الابتداء ولام القسم 662 حكم الجمع بين اللام، والسين، وسوف".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 54 665 حكم المعطوف بعد خبر "إن" وحكمه إذا توسط بين معموليها 666 مناقشة رأي الاقدمين في ذلك. المسألة 55 673 تخفيف "النون" في هذه الأحرف الناسخة. تخفيف "إن". 676 بعض أمثال مسموعة في "إن" المخففة من الثقيلة. إعراب بعض آيات قرآنية تشتمل على المخففة، كقوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} 678 تخفيف "أن" مفتوحة الهمزة عودة إلى تعيين نوع "أن". 680 متى تظهر نون "أن" كتابة.... 683 تخفيف: "كأن". 684 تخفيف: لكن، ولعل. باب: "لا" النافية للجنس المسألة 56 685 معناها، معنى التي لنفي الوحدة. اتفاق معناهما في غير المفرد. صدارتها. 686 عمل النافية للجنس، وتسمى: "لا" التي للتبرئة - شروطه 689 العامل قد يتخطى الكلمة، ولا يعمل فيها مع أنها أصلية. عودة إلى "الواو" الداخلة في خبر الناسخ. 690 الحرف: "لا" - يتصدر جملته، لأن الذي في حيز النفي لا يتقدم على النافي. 691 حكم اسمها إذا لم تتكرر. تعريف الشبيه بالمضاف. 692 عودة إلى الكلام على: "لا أباله". 693 أمثلة سماعية أخرى، منها: لا غلامي لك. 695 حكم أمثلة مسموعة ليست نكرة. يصح بناء "اسم لا" على الضمة العارضة. المسألة 57. 697 اسم "لا" المتكررة مع العطف 701 حكم المعطوف على اسم لا" بغير تكرارها. المسألة 58 703 حكم نعت اسم "لا". 704 قد تكون "الفاء" زائدة لتحسين اللفظ 705 حكم بقية التوابع بعد اسم "لا".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش. رقم الصفحة الموضوع المسألة 59 706 بعض أحكام أخرى. دخول همزة الاستفهام على: "لا". 707 حكم "ألا" التي للتمني في مثل "ألا ماء ماء باردا". النعت الموطيء، أو: النعت بالجامد أحيانا. 708 "ألا" التي للأستفتاح والتنبيه. حذف خبر "لا". 709 حذف اسمها إشارة إلى: "ولا سيما" 710 عودة إلى الكلام على: "لا جرم" متى تتكرر: "لا". حكم "لا" عند وقوع "إلا" بعدها.

المجلد الثاني

المجلد الثاني ظن وأخواتها المسألة 60: ظن وأخواتها ... ظن وأخواتها: المسألة 60: ظن وأخواتها 1 أمثلة: الكلام عنوان على صاحبه ... علمت الكلام عنوانًا على صاحبه المجاملة حارسة للصداقة ... ظننت المجاملة حارسة للصداقة الوفاء دليل على النبل ... اعتقدت الوفاء دليلًا على النبل الماء الجامد ثلج ... صبر البرد الماء ثلجًا الجلد أسود ... ردت2 الثمن المجلد أسود الخشب مشتعل ... تركت النار الخشب رمادًا من النواسخ ما يدخل -في الغالب3- على المبتدأ والخبر فينصبهما معًا، ويُغير اسمهما؛ إذا يصير اسم كل منهما: "مفعولًا به"4 للناسخ. "مثل: علم، ظن - أعتقد - صبر ... ، وغيرها من الكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة". وهذا هو: "القسم الثالث" من النواسخ، ويشتهر باسم:

_ 1 هما من النواسخ. ويلاحظ ما لا يصلح أن يدخل عليه الناسخ، "وقد سبق بيانه وباين معنى الناسخ، وعمله، وأقسامه، وما يتصل بهذا - في جـ 1 ص 543 م42 - باب: "كان وأخواتها". وتأتي له إشارة في ص 21". 2 صيرت. 3 كان دخول هذا النوع من النواسخ على المبتدأ والخبر أمرًا غالبًا؛ لأن منه ما قد يدخل عليهما، وعلى غيرهما، كالفعل: "حسب"، ومنه ما لا يدخل إلا على غيرهما؛ كأفعال التحويل الآتية - في ص8- وللنجاة تعليل يسوغ الدخول على غيرهما، سيجيء في "أ" من ص11. 4-وبالرغم من اعتبارهما مفعولين، هما "عمدتان"، لا "فضلتان" كبقية المفعولات، "كما سيجئ في رقم1 هامش ص179", لأن أصلهما المبتدأ والخبر؛ فيكون الثاني في المعنى هو الأول، ولو تأويلًا، والأول هو الثاني في المعنى أيضًا؛ كالشأن في المبتدأ والخبر دائما وقد يدخل هذا الناسخ على غيرهما، كما سنعرف في "أ" من ص 11- والمفعول الثاني هنا هو الذي تتم به الفائدة الأساسية؛ لأنه الخبر في الأصل، فهو أهم. لاحظ ما يأتي في "ج" من ص12، لأهميته.

"ظن وأخواتها" وليس يه حروف؛ فكله أفعال، أو أسماء تعمل عملها. وتنحصر هذه الأسماء في مصادر تلك الأفعال، وفي بعض المشتقات العاملة عملها. فالفعل الماضي المتصرف1 هنا، لا ينفرد وحده بالعمل السالف؛ وإنما يشابهه فيه ما قد يكون له من مضارع، وأمر، ومصدر، واسم فاعل، واسم مفعول، دون بقية المشتقات2 الأخرى. أما غير المتصرف فعمله مقصور على صبغته الخاصة به، إذا ليس لها فروع، ولا صيغ أخرى تتصل بها. وقد ارتضى بعض النحاة تقسيم الأفعال العاملة هنا قسمين؛ مراعيًا الأغلب في استعمالها3؛ هما: "أفعال قلوب"4 و "أفعال تحويل"5. ولا بد لكل

_ 1 الفعل الماضي المتصرف إما إن يكون تصرفه كاملًا إما أن يكون تصرفه كاملًا؛ فيكون له المضارع، والأمر، والمصدر، واسم الفاعل ... وبقية المشتقات المعروفة، كالفعل: "سمع" إما أن يكون تصرفه ناقصًا؛ فيكون له بعض تلك المشتقات فقط؛ كالفعل: "كاد"؛ من أفعال المقاربة، وكالفعل: "يدع". أما غير التصرف مطلقًا فهو الجامد الذي يلازم صيغة واحدة لا يفارقها؛ كالفعل: "تعلم" بمعنى: "اعلم"، والفعلِ: "هب"، بمعنى: ظن وهما من أفعال هذا الباب القلبية، وكالفعل "عسى" و "اليس" وهما من أخوات "كان" والأنواع المشتقات إشارة عابرة في رقم 2 التالي. 2 رددنا في مناسبات مختلفة، أسماء المشتقات الاصطلاحية من المصدر؛ وهي: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعل التفضيل، المصدر الميمين اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة. "ويدخل في عداد المشتقات أكثر الأفعال بأنواعها الثلاثة". وهذه المشتقات قسمان: قسم يعمل عمل فله بشروط؛ فبرفع الفاعل مثله، أو نائب الفاعل، وقد ينصب المفعول به، كفعله أحيانًا، وهو: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعل التفضيل، المصدر الميمي. ويدخل في هذا القسم العامل: المصدر الأصلي أيضًا "بالرغم من جموده، في الرأي الشائع". وقسم لا يعمل شيئًا من عمل الفهل؛ ويسمى: "المهمل" وهو: اسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة. ولا دخل للقسم المهمل في أحكام هذا الباب. بل إن بعض المشتقات العاملة لا يدخل في أحكامه؛ فالصفة المشبهة الأصيلة خارجة من أحكامه؛ لأنها تجئ من الفعل اللازم وحده؛ فلا تنصب مفعولًا به. أما غير الأصيلة فقد تنصب بالشروط والطريقة المذكورة في بابها "جـ3 ص282 م104" وأفعل التفضيل خارج؛ لأنه لا ينصب مفعولًا به. والفعل الماضي الذي للتعجب خارج؛ لأنه ينصب مفعولًا واحدًا فالثلاثة لا تصلح لأحكام هذا الباب -كما سيجئ في ص26 م61-. 3 راجع "ج" من ص12 حيث تقسيم آخر، وبيان عن سبب التقسيمين. 4 سميت بذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، متصلة بهِ، وهي المعاني النفسية التي تعرف اليوم: بالأمور النفسية؛ ويسميها القدماء: الأمور القليلة، لاعتقادهم أن مركزها القلب. ومنها: الفرح - الحزن - الفهم - الذكاء - اليقين - الإنكار.... 5 تدل على انتقال الشيء في حالة إلى حالة أخرى تخالفها. وتسمى أيضًا: "أفعال التصيير"؛ لأن كل فعل منها بمعنى: "صبر"، أي: حول الشيء من حالته القائمة إلى أخرى تغايرها.

فعل من القسمين من فاعل1, ولا يغني عنه وجود المفعولين أو أحدهما: أ- فأما أفعال القلوب2 فمنها ما قد يكون معناه العلم. "أي: الدلالة على اليقين3 والقطع"، ومنها ما قد يكون معناه الرجحان4 والنوعان صالحان للدخول - مباشرة - على المبتدأ الصريح، وعلى المصدر المؤول من "أن مع معموليها"، أو: "أن والفعل مع مرفوعة"5. ويشتهر من الأفعال الأول6 سبعة: 1- علم7؛ مثل: علمت البر سبيل المحبة، وعملت المحبة سبيل القوة. 2- رأى8؛ مثل: رأيت الأمل داعي العمل، ورأيت اليأس رائد الإخفاق، وقول الشاعر:

_ 1 بخلاف "كان" وأخواتها من أفعال الناسخة؛ فإنها لا ترفع الفاعل - وهذا أحد وجوه الاختلاف بين النوعين. 2 أفعال القلوب ثلاثة أنواع: نوع لازم "لا ينصب المفعول به" مثل: فكر - تفكر - حزن - جبن ... ونوع ينصب مفعولًا به واحدًا؛ مثل: أخب - كره ... ونوع ينصب مفعولين؛ كأفعال هذا الباب المذكورة هنا، بشرط أن تؤدي معنى معينًا؛ كما سنعرف. 3 هو: الاعتقاد الجازم الذي لا يعارضه دليل آخر يسلم به المتكلم. وقد يكون هذا الاعتقاد صحيحًا في الواقع أو غير صحيح. 4 الشك: ما ينشأ في النفس من تعارض دليلين في أمر واحد؛ بحيث تساوى قوتهما في التعارض والاستدلال؛ فلا يستطيع المرء ترجيح أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود مرجح. أما الجرحان أو الظن، فهو ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر، بحيث يصير أقرب إلى اليقين. فالأمر الراجح محتمل للشك واليقين، لكنه أقرب إلى اليقين إلى الشك، وفي هذه الحالة يسمى المرجوح: "وهما". 5 فاعله أو نائب الفاعل. وانظر "ب" من ص11. 6 وهي الدالة على العلم، وقد يستعمل كل منها في معان أخرى عبر "اليقين" فينصب مفعولًا واحدًا، أو لا ينصب. "وسنعرض لبعض هذا في "جـ" ص 12". 7، 8 يستعمل الفعل: "علم" أحيانًا في القسم غير الصريح؛ فيحتاج لجواب، ونكسر بعده همزة "إن". "وقد أشرنا لهذا في آخر الجزء الأول؛ وله إشارة تجئ في ص500 وسيجئ في الباب التالي: "اعلم وأرى" ص59 حكم الفعلين: "علم" و "رأى" إذا سبقتهما همزة النقل؛ "أي: همزة التعدية". ومما يتصل بمعنى الفعل "رأى" وباستعماله ماضيًا وروده في الأساليب العالية بمعنى: "أخبروني"؛ نحو: أرأيتك هذا الكتاب، هل عرفت قيمته؟ ... وقد أوضحنا هذا الأسلوب ونوع الكاف وحكمها، بتفصيل واف يشمل معناه، وصياغته، وطريقة استعماله. "في باب الضمير شص 238، م19 من الجزء الأول- الطبعة الرابعة" وسيجئ له إشارة في ص16.

رأيت لسان المرء وافد1 عقله ... وعنوانه؛ فأنظر بماذا تعنون؟ 2 3- وجد؛ مثل: وجدت ضعاف الأمم تهبًا لأقوياتها، ووجدت العلم أعظم أسباب القوة3. 4- دري؛ مثل: دريت المجد قريبًا من الدائب في طلبه، ودريت لذة إدراكه ماحية تعب السعي إليه. 5- ألفي4, مثل: ألفيت الشدائد صاقلة للنفوس، وألفيت إحتمالتها سهلًا على كبار العزائم. 6- جعل؛ مثل: جعلت5 الإله واحدَا، لا شك فيه. 7- تعلم6, مثل: "اعلم": مثل: تعلم وطنك شركة بين أبنائه، وتعلم نجاح الشركة رهنًا بالإخلاص والعمل.

_ 1 رسول عقله ودليله، وبعد هذا البيت: ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن 2 وكذلك قول الآخر: = قد جعلنا الوداد حتمًا علينا ... ورأينا الوفاء بالعهد فرضًا 3 ومثل قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} ، {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ... 4 لا يستعمل هذا الفعل هنا إلا مزيدًا بالهمزة. 5 أي: اعتقدت. ومن هذا- في بعض الآراء- قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي: اعتقدوا - انظر رقم 4 ي هامش ص8: ولهذا الفعل معان أخرى سيجئ بعضها "وقد أشرنا لها في رقم 3 من هامش ص9". 6 الفعل: "تعلم" بمعنى: "اعلم"، فعل أمر جامد -عند فريق من النحاة- لا يجيئ من صيغته الأصلية غير الأمر، مع كثرة دخوله على مصدر مؤول، أداته: "أن" المشددة أو المخففة الناسختين، أو "أن" الداخلة على الفعل؛ ومتصرف عند فريق آخر يجري عله أحكام الفعل المتصرف. وقد شاع الرأي الأول - ويسد فيه المصدر مسد المفعولين - فيحسن أتباعه؛ توحيدًا للتفاهم "وسيجيئ إيضاح هام لمعناه في رقم 1من هامش ص19".

ويشتهر من الأفعال الثانية1 ثمانية، هي: 1- ظن؛ مثل: ظن الطيار النهر قناة، وطن البيوت الكبيرة أكواخًا. 2- خال2, مثل: خال المسافر الطيارة أنفع له، وهو يحال الركوب فيها متعة. 3- حسب؛ مثل: أحسب السهر الطويل إرهاقًا، وأحسب الإرهاق سبيل المرض، وقول الشاعر: لا تحسبن الموت موت المبلي ... وإنما الموت سؤال الرجال3 4- زعم4؛ مثل: زعمت الملاينة مرغوبة في مواطن، وزعمت التشدد مرغوبًا في أخرى.

_ 1 وهي الدالة على الرجحان. وقد يستعمل كل منها في معان أخرى؛ فينصب مفعولًا واحدًا، أو لا ينصبه. "كما سيجئ قريبًا في جـ من ص12 وما بعدها". 2 ومضارعها المسموع كثيرًا للمتكلم هو: إخال - بكسر الهمزة غالبًا. وهذا السماعي الغالب مخالف للقياس، = وفتح الهمزة لغة قليلة مسموعة أيضًا. والمستحسن الاقتصار على الكثير الغالب - كما سبق في جـ1 م4 عند الكلام على: "أحرف المضارعة" ص47. فإن كان الفعل "خال" بمعنى: تكبر" أو طلع التي بمعنى: عرج ... فهو لازم. 3 بعد هذا البيت: كلاهما موت. ولكن ذا ... أفظع من ذاك، لذل السؤال 4 كثر الكلام في معنى: "زعم". وصفوة ما يقال: إنها قد تكون بمعنى اليقين أحيانًا عند المخاطب؛ كقول أبي طالب يخاطب الرسول: ودعوتني وزعمت أنك ناصح ... ولقد صدقت، وكنت ثم أمينا وقد تكون بمعنى الاعتقاد من غير دليل؛ كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} ... إلخ. وقد تدل على الرجحان. وقد تستعمل للدلالة على الشك، وهو الغالب في استعمالها. وقد تستعمل في القول الكاذب؛ فإذا قلت: "زعم فلان كذا" فكأنك قلت: كذب، وردد كلامًا غير صحيح. والقرئية هي التي تحدد المعنى المناسب لمقام من بين المعاني السالفة. وقد تكون بمعنى: "كفل" أو بمعنى رأس "أي: ساد وشرف" أو بمعنى: سمن أو هزل: فيتغير حكمها في التعدي واللزوم -تبعًا للغير المعنى- على الوجه المبين في رقم5 من هامش ص20. وزعم- كغيرها من الأفعال القلبية الناصبة للمفعولين. قد تنصب المفعولين مباشرة، وقد تدخل على "أن" مع الفعل ومرفوعه، أو "أن" مع معموليها؛ فيكون المصدر المؤول في الحالتين سادًا مسد المفعولين، ومغنيًا عنهما، وهذا هو الأغلب في "زعم" كما سيجئ في رقم 4 من هامش ص11 - وإليه تميل أكثر الأساليب الأدبية؛ كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} ... وقول الشاعر: وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي - يا عز - لا يتغير؟

(5) عَدَّ؛ مثل: عدَّدت الصديق أخاً. وقول الشاعر: فلا تَعْدُد المولَى (1) شريكَك في الغنى ... ولكنما المولَى شريكُكَ في العُدمِ (2) (6) حَجَا (3) ؛ مثل: حَجَا السائحُ المِئذنة بُرْجَ مراقبة. وقول الشاعر: قد كنت أحْجُو أبا عمْروٍ أخاً ثقةً ... حتى ألَمَّتْ بنا يوماًَ مُلِمَّاتُ (7) جَعَلَ؛ مثل: جعل الصياد السمكةَ الكبيرةَ حوتاً. وقوله تعالى في المشركين: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} ... (4) [الزخرف: 19] (8) هَبْ؛ ": هبْ مالَك سلاحاً في يدك؛ فلا تعتمد عليه وحده (5) ... وهذا الفعل دون بقية أفعال الرجحان السّالفة -جامد، ملازم صيغة الأمر (6) *** (ب) وأما أفعال التحويل (أو: التَّصيير) فأشهرها سبعة، ولا تدخل على مصدر مؤول من "أنَّ" مع معموليها، أو: من "أنْ" الفعل مع مرفوعه (7) - وهي: (1) صَيَّر؛ مثل: صَيَّر (8) الصائغُ الذهب سبيكةً، وصَيَّر السبيكةَ سوَاراً.

_ (1) الناصر، أو الصديق. (2) الفقر الشديد. (3) لهذا الفعل معان أخرى يتغير بسببها حكمه، طبقاً للبيان الذي في رقم 5 من هامش ص20. (4) وقيل: إن "جعل" هنا بمعنى: اعتقد -كما في رقم 5 من هامش ص6. (5) لهذا الفعل الجامد معنى واستعمال يخالف فيهما المتصرف الذي على صورته الآتية في ص20. (6) هو فعل أمر، بمعنى: "ظُنّ" وهو بهذا المعنى فعل جامد، لا يكون منه غير الأمر، ودخوله محل نصب، سد مسد المفعولين. وهذا استعمال نادر في الأساليب الرفيعة، بالرغم من إجازته (انظر الخضري والتصريح. ثم رقم 4 من هامش ص11 الآتية) . (7) كما سيجيء في آخر. "ب" من ص11. (8) "صَيَّر"، و"أصار"، فعلا، أصلهما قبل التعدية بالتضعيف والهمزة: "صار" الذي هو من أخوات "كان، نحو: صار الخشب باباً. وبعد تعديهما ابتعدا عن عمل "كان"، وانتقلا منه إلى نصب المفعولين؛ نحو: صيَّر الجوهري الدرّ فصوصاً، وأصار الفصوص عقداً. أما "صيَّر" بمعنى: "نقل" فينصب مفعولاً واحداً، نحو: صيرت السائح إلى دار الآثار، أي. نقلته.

(2) جَعَلَ؛ مثل: جعل الغازلُ القطنَ خيوطاً، وجعل الحائك الخيوط نسيجاً (1) ... وقول الشاعر: اجعلْ شعارك رحمةً ومودةً ... إن القلوب مع المودة تُكْسَبُ (3) اتَّخذَ؛ مثل: اتخذ المهندسون الحديدَ والخشبَ باخرةً، واتخذ المسافرون الباخرةَ فُنْدُقاً. (4) تَخٍِذَ؛ مثل: تَخِذَت الحرارةُ الثلجَ ماءً، وتَخِذَت الماءَ بخاراً. (5) تَرَك؛ مثل: ترك الموجُ الصخورَ حصىً، وتركت الشمس الحصَى رمالا. (6) رَدَّ؛ مثل: ردّ الأمل الوجوهَ الشاحبةَ مُشْرقةً، وردّ النفوس اليائسة مستبشرةً. (7) وَهَبَ؛ مثل: وهَبَت الحَبَّ دقيقاً، ووهبت الدقيقَ عجيناً (2) . *** وفيما يلي بيان موجزَ للأفعال السابقة (3) ، وأنواعها المختلفة:

_ (1) ومثل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] خِلْفة: يجيء كل منهما بعد الآخر. (2) وهبَ، بمعنى: "صير" -فعل ماض جامد، ولا يستعمل في معنى التحويل إلا بصيغة الماضي. ومنه قولهم: "وهبني الله فداء الحق"، أي: صيرني. (3) إلى ما سبق يشير ابن مالك باختصار، قائلاً: اِنْصِبْ بِفِعْل القلْبِ جُزْأَيِ ابتِدا ... أَعْني: رأَى -خَالَ - عَلمْتُ - وَجَدَا ظَنَّ - حَسِبْت - وزَعَمْتُ - مَعَ عَدْ ... حجَا - دَرَى - وجَعَل: اللَّذْ كاعْتَقَدْ وهَبْ - تَعَلَّمْ - والَّتِي كَصَيَّرَا ... أَيْضاً - بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وخَبَرا=

ظن وأخواتها أ- أفعال قلْبية - أفعال يقين، وأشهرها سبعة: (1) علِمَ 1 (2) رأى (3) وجَد (4) دَرَى (5) ألفَى (6) جَعَل (7) تعلَّم، بمعنى: اعلم - أفعال رجحان، وأشهرها ثمانية: (1) ظنّ (2) خال (3) حسِبَ (4) زعم (5) عَدَّ (6) حَجَا (7) جعل (8) هبْ ب- أفعال تحويل أشهرها سبعة: (1) صَيَّر (2) جَعَل (3) اتخذَ (4) تَخِذَ (5) تركَ (6) ردّ (7) وهبَ

_ =أي: انصب بفعل القلب جملة ذات ابتداء -وهي الجمل الاسمية الخالصة- وسرد في الأبياد كثيراً من أفعال القلوب التي شرحناها؛ منها ما يدل على اليقين، ومنها ما يدل على الرجحان. وقبل سردها صرح بكلمة: "أعني" ليدل على أن المقصود أفعال معينة، دون غيرها؛ فليس كل فعل قلبي ينصب مفعولين -كما أوضحنا في رقم 2 من هامش ص5- وطالب أن تنصب هذه الأفعال جزأي ابتداء (وهما: المبتدأ والخبر) كما أشار إلى أن "جعل" إذا كان من أفعال القلوب -أي: بمعنى الفعل: "اعتقد" فإنه ينصب مفعولين مثله. وهو يختلف في المعنى والعمل عن "جعل" الذي سبق الكلام عليه في باب: "أفعال المقاربة والشروع" من الجزء الأول، كما يختلف في معناه عن "جعل" الذي هو من أفعال الرجحان، والذي من أفعال التحويل والتصيير؛ كما عرفنا في الشرح. والفعل: "اعتقد" معدود من أفعال كثيرة قد تنصب مفعولين ولم تذكر في هذا الباب. منها: تيقن - تمنى - توهم - تبين - شعر - أصاب ... إلى غير هذا مما سرده صاحب الهمع في هذا الباب (ج1 ص151) ونقل بعضه الصبان هنا. أما أفعال التحويل والتصيير فلم يذكرها ابن مالك، واكتفى بأن يشير إليها بقوله: ...... والَّتِي كَصَيَّرا ... أَيضاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وخَبَراً أي: انصب -أيضاً- مبتدأ وخبراً بالنواسخ التي مثل "صير" في إفادة التحويل. وقضت ضرورة الشعر على الناظم بزيادة الألف في آخر الفعلين: "وجد"، "صير"، وبتخفيف الدال في الفعل: عدّ. أما كلمة: "اللذ" في أبياته فهي لغة صحيحة في "الذي". 1 انظر ما له صلة بهذا الفعل في رقم 7، 8 من هامش ص5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (1) ليس من اللازم -كما أشرنا (1) - أن يكون المفعولان أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة، بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك ولو بشيء من التأويل المقبول، كالشأن في أفعال التحويل، وكالشأن في: "حسب"؛ مثل: صيرُ الفضة خاتَماً؛ إذ لا يصح المعنى بقولنا: الفضةُ خَاتَمٌ؛ لأن الخبر هنا لس هو المبتدأ في المعنى الحقيقي؛ فليست الفضة هي الخاتم، وليس الخاتم هو الفضة؛ إلا على تقدير هذه الفضة ستئُول (2) إلى خاتم. ومثل: حسبت المِرِّيخَ الزُّهَرَة؛ إذ لا يقال على سبيل الحقيقة المحضة: المِرِّيخُ الزُّهَرة؛ لفساد المعنى كذلك؛ فليس أحدهما هو الآخَر، إلا على ضرب من التشبيه. أو نحو من التأويل السائغ، المناسب للتعبير. فالأول (أي: التشبيه) قد جعل المفعول الثاني بمنزلة ما أصله الخبر. وإن لم يكن خبراً حقيقياً في أصله. هذا كلامهم. والواقع أنه لا داعي لهذا التمحل، والتماس التأويل؛ إذ يكفي أن يكون فصحاء العرب قد أدخلوا النواسخ على ما أصله المبتدأ والخبر حقيقة، وعلى ما ليس أصله الحقيقي المبتدأ والخبر، مما يستقيم معه المعنى المراد بغير غموض. (ب) ليس من اللازم أن تدخل أفعال هذا الباب القلبية على المبتدأ والخبر لتنصب كلاًّ منهما مباشرة (3) فقد تدخل على "أنّ" مع معموليها، أو: على "أنْ" مع الفعل؛ فيكون المصدر سادّاً مسد المفعولين (4) ، مغنياً عنهما.

_ (1) في رقم 4 من هامش ص3. (2) أي: ستتحول وينتهي أمرها في المستقبل إليه. (3) أي: نصباً صريحاً لا تأويل فيه، ولا سبك، ولا تقدير. (4) وسنعود للكلام على هذا المصدر عند بحث الحكم الثالث من الأحكام التي تختص بها الأفعال القلبية (في ص43) ، والأغلب في "زعم" وفي "تعلمْ" بمعنى: "اعلمْ" دخولهما على "أنَّ" مع معموليها، أو على "أنْ"، والفعل مع مرفوعه - كما في رقم 6 من هامش ص6 وفي 4 من هامش ص7- والأغلب في "هب" الأمر الجامد بمعنى "ظن" عدم دخوله عليهما، برغم صحة دخوله: كما سبق (في رقم 6 من هامش ص8. أما الأمر المتصرف فله حكم في ص20) . والأحسن الأخذ بالرأي السهل القائل: إن المصدر المؤول في هذا الباب يسد مسد المفعولين، دون=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل: علمت أن السباحة أسْلمُ من الملاكمة، وأظن أن العاقل يختار الأسلم وقول الشاعر: يرى الجبناء أن الجبن حزمٌ ... وتلك خديعة الطبع اللئيم ومثل: دَرَيت أن الكِبْرُ بغيض إلى النفوس الكبيرة، ووجدت أن صغائر الأمور محببة إلى النفوس الصغيرة. ومثل: من زعم أن يَخْدعَ الناسَ فهو المخدوع ومن حسب أن يدرك غايته بالتمني فهو مخبول (1) . أما أفعال التحويل فلا تدخل على "أنّ" ومعمليها، ولا على "أنْ" والفعل مع فاعله (2) ... (ج) جرى بعض النحاة على تقسيم الأفعال القلبية السابقة أربعة أقسام، بدلاً من اثنين: فلليقين وحده خمسة: وجد - تَعلمْ، بمعنى: اعلم - دَرى - ألْفَى - جعل. وللرجحان وحده خمسة: جعل - حجا - عدّ - زعم - هبْ، بمعنى: ظُنّ. وللأمرين والغالب اليقين، اثنان: رأى - علِم. وللأمرين والغالب الرجحان، ثلاثة: ظنّ - خال - حَسِب.

_ =الرأي القائل: إنه يسد مسد المفعول الأول، وأن المفعول الثاني محذوف، وتقديره: "ثابتاً"، أو ما يشبهه؛ ففي نحو: وجدت أن الصب أنفع في الشدائد -يقدرون: وجدت نفع الصبر في الشدائد ثابتاً ... وهذا نوع من التضييق والإطالة لا داعي له. (1) في مثل قولهم: "غبت"، وما حسبتك أن تغيب" تكون "الكاف" حرفاً محضاً لمجرد الخطاب ومتصرفاً. وليس اسماً ضميراً؛ إذ لو كان ضميراً لكان هو المفعول الأول للفعل "حسب" ومفعوله الثاني هو المصدر المؤول: (أن تغيب) . ويترتب على هذا أن يكون ذلك. المصدر المؤول خبراً عن "الكاف"، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأن مفعولي "حسب" أصلهما -في الغالب- المبتدأ والخبر. وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبراً عن الكاف أدّى إلى الإخبار بالمعنى عن الجثة. وهو ممنوع عندهم في أغلب الحالات إذا كان المراد الإخبار من طريق الحقيقة، لا من طريق المجاز. أما من طريق المجاز فصحيح -كما سبق البيان في الجزء الأول ص241 م19. باب: "الضمير" عند الكلام على "كاف الخطاب"- (2) كما سبق في: "ب" من ص8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن التقسيم الثنائي أنسب، لأنه أدمج القسم الثالث فى الأول، والرابع في الثاني؛ نظراً للغلب عليهما، وتقليلاً للأقسام (1) ، واكتفاء بالإشارة إلى أن كل فعل يستعمل في معنىً آخر غير ما ذكر له، مع ضرب أمثلة لذلك: 1- فمن أفعال اليقين وألفاظه ما يستعمل في الرجحان؛ فينصب مفعولين أيضاً، وقد يستعمل في بعض المعاني الأخرى، فينصب مفعولاً به واحداً، أو لا ينصب؛ فيكون لازماً. كل ذلك على حسب معناه اللغوي الذي تدل عليه المراجع اللغويَّة الخاصة، وليس هنا موضع استقصاء تلك المعاني؛ وإنما نسوق بعضها: فمن الأمثلة: الفعل "عَلِمَ"؛ فإنه ينصب المفعولين حين يكون بمعنى: اعتقد وتيقن -كما سبق-؛ مثل: علمت الكواكبَ متحركةً. وقد يكتفي بمفعول به واحد في هذه الحالة؛ بأن نأتي بمصدر المفعول الثاني، وننصبه مفعولاً به، ونكتفي به، بعد أن نجعله مضافاً أيضاً، ونجعل المفعول الأول هو المضاف إليه. فنقول: علمت تَحَرّكَ الكواكب، فيستغني عن المفعول الثاني وعن تقديره. ومن النحاة من لا يقصر هذا الحكم على "عَلِمَ"؛ بل يجعله عامًّا في جميع أفعال هذا الباب؛ فيحيز إضافة مصدر المفعول الثاني إلى المفعول الأول، والاكتفاء بهذا المصدر مفعولاً به واحداً (2) . وقد يكون بمعنى: "ظن" فينصب مفعولين أيضاً؛ مثل أعْلَمُ الجوَّ بارداً في الغد. فإن كان بمعنى: "عرف" نصب مفعولاً به واحداً (3) ؛ مثل:

_ (1) راجع الخضري أول هذا الباب. (2) وهذا الرأي فيه اختصار محمود، ولا ضرر في الأخذ به أحياناً. وتفضيل أحدهما متروك للمتكلم؛ ليختار منهما ما يناسب كلامه على حسب الدواعي البلاغية. ومن تلك الدواعي أن الإبانة قد تقتضينا أحياناً- أن نصرح بالمفعولين منصوبين- ... فإن لم يكن في التصريح بهما زيادة إيضاح، أو إزالة لبس عند السامع، أو إتمام فائدة -فالاختصار أحسن. (3) في بعض كتب اللغة -دون بعض- ما يدل على أن "المعرفة" مقصورة على العلم المكتسب بحاسة من الحواس؛ جاء في "المصباح المنير"، مادة "عرف" ما نصه: (عرفته عِرفة -بالكسر- وعرفاناً، علمته بحاسة من الحواس الخمس) . وأيضاً يرى كثير من النحاة فرقاً بين "علم" التي بمعنى: "عرف" و"علم" التي بمعنى: "اعتقد" وأنهما غير متساويين في المعنى ولا في العمل، وحجته: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت الخبر، أي عرفته (1) . وإن كان بمعنى: "انشَقّ" فهو لازم لا ينصب المفعول المفعول به؛ مثل عَلِم البعيرُ (2) ، أي: انشقت شفته العليا ... والفعل: "رأى" ينصب المفعولين إذا كان بمعنى: اعتقدَ وتيقَّن، أو:

_ =أن "العلم" الذي بمعنى: "المعرفة" يتعلق بنفس الشيء وذاته المادية؛ تقول: "علمت القمر"، كما تقول "عرفت القمر" كلاهما معناه منصب على ذاته المحسوسة وجرمه، (أي: حقيقته المادية) وعلى هذا تكون "علم التي بمعنى: "عرف" مختصة عندهم بما يسميه المناطقة: "الذات" أو: "الشيء المفرد" أي: "البسيط" وكلا الفعلين بهذا المعنى يتعدى لواحد. أما "علم" الناصبة للمفعولين فمختصة -عند تلك الكثرة- بوصف الذات بصفة ما، ولا شأن لها بالذات وحدها مباشرة، مثل: علمت القمر متنقلاً. أي: علمت اتصاف ذات القمر بالتنقل، وليس المراد علمت ذات القمر وجرمه. فالفعل "علم" بهذا المعنى مختص بما يسميه المناطقة: "الكليات". على أساس ما سبق كله يكون القائل: "عرفت قدوم الضيف" مريداً عرفت القدوم ذاته، دون زيادة أخرى عليه، فهو لا يريد وصف الضيف بالقدوم بخلاف من يقول: علمت من الرسالة الضيف قادماً، فإنه يريد اتصاف الضيف بالقدوم، ولا يريد أنه علم حقيقته القدوم المنسوب إلى الضيف، بشرط أن يكون الفعل "علم" في هذا المثال ناصباً مفعولين. وقال الرضى: لا فرق بين الفعلين في المعنى، وإنما الفرق في العمل؛ فالفعل: علم "بمعنى: عرف" ينصب مفعولاً واحداً، والآخر ينصب مفعولين، بالرغم من تساويهما معنى؛ لأن العرب هي التي فرقت بينهما في العمل دون المعنى، فلا اعتراض عليها. غير أن كلامه هذا -مع قبوله والارتياح له- مناقض لما قرره في هذا الشأن في باب: "كان" -كما نصوا على ذلك- والحق أن الخلاف بين الآراء السابقة يسير، يكاد يكون شكليًّا، ذلك أن بين الفعلين (المتعدي لواحد والمتعدي لاثنين) فرقاً في المعنى الحقيقيّ لا المجازي، وأنه لا مانع من استعمال أحدهما مكان الآخر مجازاً لسبب بلاغي. (1) وإلى هذا يشير ابن مالك في بيت متأخر، نصه: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وظَنٍّ تهَمَهْ ... تَعْدِيَةٌ لِواحِد مُلْتَزَمَهْ ("لعلم عرفان"؛ أي للعلم المنسوب للعرفان، ولمعنى العرفان.. "ظن تهمه"؛ أي: الظن المنسوب معناه للتهمة ... ) يريد: أن "علم" بمعنى - والمصدر: العلم؛ بمعنى: العرفان - يتعدي لمفعول واحد. ومثله: الفعل: "ظن" بمعنى: اتهم - والمصدر: الظن؛ بمعنى: الاتهام - ومثال الأول: اقترب الشبح فعلمت صاحبه؛ أي عرفته. ومثال الثاني: اختفى القلم، فظننت اللص، أي: اتهمته. (2) فهو أَعلَم. والناقة عَلْماء. (والفعل من بابي: فرح وضرب، وهو لازم في الحالتين) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى: "ظَنّ". وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى عن منكري البعث ويوم القيامة: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (1) [المعارج: 6، 7] فالفعل الأول بمعنى: "الظن" والثاني بمعنى: اليقين (2) . وكلاهما نصب مفعولين. وكذلك إن كان معناه مأخوذاً من: "الحُلمُ" (أي: دالاًّ على الرؤيا المنامية) ، نحو: كنت نائماً؛ فرأيت الصديق مسرعاً إلى القطار (3) . فإن كان معناه الفهم وإبداء الرأي في أمر عقليّ فقد ينصب مفعولاً به واحداً، أو مفعولين، على حسب مقتضيات المعنى؛ مثل: يختلف الأطباء في أمر القهوة؛ فواحد يراها ضارَّةً، وآخر يراها مفيدةً إذا خلت من الإفراط. أو: واحد يرى ضررها، وآخرُ يرى إفادتها. فإذا نظرت رأيت قوماً سادة ... وشجاعة، ومهابة، وكمالا وقول الآخر: إنّ العرانين تلقاها محسَّدة ... ولن ترى للئام الناس حسَّادا

_ (1) المراد بالبعد هنا: عدم حصول الشيء، ونفى وقوعه. وبالقرب: حصوله ووقوعه. وعلى هذا جرت ألسنة العرب وأساليبهم الفصيحة. (2) كاليقين في الفعل "رأى" من قول الشاعر: وإذا الكريم رأّى الخمول نزيله ... في موطن فالحزم أن يترحّلا (3) وفي هذا يقول ابن مالك: ولِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا ... طِالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ انْتَمَى (انم: انسب. انتمى. انتمى: انتسب. والتقدير: انم للفعل: "رأى" الذي مصدر "الرؤيا" أي: انسب للفعل: "رأى" الذي مصدره: "الرؤيا" هي المصدر الغالب لرأى الحُلُمية) أي: انسب للفعل: "رأى" الذي مصدره: "الرؤيا" المنامية -ما انتسب وثبت من قبل للفعل: ص43 أن "رأى" الحلمية لا يدخلها تعليق ولا إلغاء، بخلاف: "علم") .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ْوكذلك أن كان معناه أصاب: الرئة؛ مثل انطلق السهم فرأى الغزَالَ؛ أي: أصاب رئتهُ. وقد أشرنا قريباً (1) إلى أن الأساليب العالية يتردد فيها الماضي: "رأى" -دون المضارع، والأمر، والمشتقات الأخرى- مسبوقاً بأداة استفهام. ومعناه: "أخْبِرني"؛ نحو: أرأيتَكَ هذا القمر، أمسكون هو؟ وينصب مفعولاً به، أو مفعولين، على حسب المراد من الأسلوب، وأوضحنا الأمر بإسهاب فيما سبق (2) كذلك يتردد في تلك الأساليب وقوع المضارع: "أُرَى" مبنيّاً للمجهول -غالباً- على حسب السماع، وناصباً للمفعولين (3) ؛ لأن معناه: "أظنُّ"

_ (1) في رقم 8 من هامش ص5. (2) هذا الأسلوب يتطلب بياناً شافياً، جليا، يتعرض لنواحيه المختلفة، كصياغته، وتركيبه، وإعرابه، ومعناه ... وقد وفيناه حقه في موضعه من الجزء الأول، ص238 م19. -من الطبعة الرابعة- عند الكلام على الضمير وأنواعه ... (3) إذا كان المضارع "أُرى" بمعنى: "أَظن"، ويعمل عمله -فكيف ينصب مفعولين مع رفعه نائب فاعل، هو في الأصلب مفعول به أيضاً؟ أليس معنى هذا أنه كان قبل بنائه للمجهول ينصب من المفاعيل ثلاثة، مع أن الفعل: "أظن" ينصب اثنين فقط؟ يجيب النحاة بإجابتين؛ كل واحدة منهما وافية في تقديرهم. وفي الأولى من التعارض والتكلف ما سنعرفه. الأولى: أن هذا المضارع: "أُرى" المبني للمجهول -غالباً، طبقاً للسماع- قد يكون ماضيه هو "أَرى" مفتوح الهمزة، الناصب لثلاثة من المفاعيل، والذي معناه: "أَعلم" الدال على اليقين -وسيجيء الكلام عليه في الباب التالي ص58-؛ مثل: أَرى العالمُ الناس السفر للكواكب سهلاً؛ أي: أعلمهم السفر سهلا ... ومقتضى هذا أن يكون مضارعه ناصباً ثلاثة أيضاً، وليس ناصباً اثنين فقط. لكن السبب في نصبه اثنين أنه ترك معنى ماضيه، وانتقل إلى معنى آخر جديد؛ إذ صار بمعنى: الفعل المضارع: "أَظنُّ" لا بمعنى الفعل المضارع: "أعلم ويعلم" وغيرهما مما فعله الماضي: "أَعلم" الدال على اليقين. فلما ترك معناه الأصلي إلى معنى فعل آخر، كان من الضروري أن يترك عمله الأصلي ليعمل العمل المناسب للمعنى الجديد، فينصب مفعولين لا ثلاثة، وعلى هذا يتعين أن يكون ضمير المتكلم في المضارع المبني للمجهول فاعلاً، ولا يصح أن يكون نائب فاعل؛ لأن اعتباره نائب فاعل يؤدي إلى اعتباره مفعولاً به في الأصل قبل أن ينوب عن الفاعل؛ فينتهي الأمر إلى أن ذلك المضارع قد نصب من المفاعيل ثلاثة. وهذا مرفوض عندهم حتماً. فالسبب في تعدية المضارع المبني للمجهول -سماعاً- إلى مفعولين مع أن ماضيه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدال على الرجحان؛ نحو: كنت أُرى الرحلة مُتْعبة، فإذا هي سارّة. ولا يكون معناه في الفصيح الوارد: "أعْلَمُ"؛ الدّال على اليقين، بالرغم

_ "أَرى" الدال على العلم واليقين، ينصب ثلاثة، هو استعماله بمعنى الفعل: "أظن" المتعدي لاثنين، من باب الاستعمال في اللازم؛ لأن معنى: "أَرى العالمُ الناسَ السفر سَهلا" هو: "جعل العالم الناس ظانين السفر سهلا" وصحة هذا المعنى تستلزم صحة قولنا: ظن الناس السفر للكواكب سهلا. أما إن كان الفعل "أَرى" مفتوح الهمزة (أي: غير مبتي للمجهول، وهذا جائز) ومعناه: "أظن" فينصب مفعولين بغير حاجة لتأويل واضح التكلف والالتواء، كالذي سبق. الثانية: أن الفعل: "أُرى" المضارع المبني للمجهول سماعاً، ينصب ثلاثة من المفاعيل برغم أنه بمعنى أنه بمعنى: الظن، وأن ماضيع بمعنى: "أُظْننْت" وأول المفاعيل الثلاثة هو الذي صار نائب فاعل، ويليه المفعولان المنصوبان. ويقولون: إن الفعل "أُرى" المبني للمجهول هو المضارع للفعل الماضي: "أُريت" المبني للمجهول أيضاً، بمعنى: "أُظْننْتُ" كما سبق، وإن العرب لم تنطق بالماضي "أُريت" إلا مبنيّاً" للمجهول، ولم يعرف عنهم بناؤه للفاعل، كما لم يعرف عنهم أنهم قالوا: "أٌظْننْت" ببناء الماضي "أظننت" للمجهول مع أنه بمعنى الماضي "أُريت". وفي هذه الإجابة بعض اليسر ومسايرة القواعد العامة، وإن كانت -كالأولى- لا تخلو من تكلف، والتواء. وخير منها أن نقول: (إذا كان المضارع "أُرى" المبني للمجهول بمعنى: "أظن" فإنه يرفع نائب فاعل، وينصب بعده مفعولين فقط) وبهذا نستريح من الإطالة والإعانات والتأويل، ولن يترتب على هذا الرأي ضرر لفظي أو معني. وقد اتفق النجاة على أن نائب فاعله لابد أن يكون ضميراً للمتكلم الواحد أو الأكثر، نحو: شاع الحديث عن الحياة في الكواكب، وأُرَى المرِّيخ مأهولا. أو نُسري المريخ مأهولا. وقد يكن للمخاطب؛ كقراءة من قرأ الآية الكريمة: (وتُرَ الناسَ سكارى) بنصب كلمة: "الناس". مما تقدم نعلم أنه لابد للمضارع: "أُرى" الذي سبق الكلام عليه -من نائب فاعل يكون ضميراً للمتكلم- في الأغلب -ومن مفعولين منصوبين. أما الفعل: "أُريت" الذي يتردد في الأساليب الصحيحة أيضاً بصيغة الماضي المبني للمجهول- فقد يكون بمعنى: "أُظنْنْتُ"، لكن الغالب في استعماله أن يكون بمعنى: "أُعْلمت" أي: من مادة "العلم" لا من مادة الظن. (راجع في كل ما سبق: حاشية الخضري، والصبان، والتصريح، في باب "إن وأخواتها" عند الكلام على المواضع التي يجوز فيها فتح همزة "أن" وكسرها، ومنها: "إذا الفجائية". وبيت الشاعر: وكنت أُرى زيداً كما قيل سيداً ... الخ، ثم راجع بعد ذلك المراجع السالفة في باب "ظن" عند الكلام على "رأى" وأنواعها. بقي بعد ذلك -بهذه المناسبة- سؤال؛ هو: أهناك فعل مبني للمجهول دائماً؟ الجواب: لا؛ طبقاً لما سيجيء في ص108.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من أنّ الماضي: "أُريتُ" المبني للمجهول والمسند للضمير: "التاء" -لا يستعمل في الأكثر إلا بمعنى: "أُعْلِمْتُ" المفيد لليقين؛ مثل: أُرِيتُ الخير في مقاومة الباطل. وكذلك يتردد في بعض الأساليب المسموعة وقوع المضارع: "تَرَى" قد حذف آخره، وقبله الحرف: "لا"، أو: "لو"، وبعده "ما" الموصولة في الحالتين. ومعناه فيهما: "لا سيَّما"، مثل: كرّمت الضيوف، لا تر ما عليّ -أو: كرّمت الضيوف لو ترما عليّ. والمعنى ولا سيّما عليّ (1) ... والفعل: "وجَد" قد يكون بمعنى: "لقِيَ، وصادف"، فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: وجدت القلم. وقد يكون بمعنى "استغنَى"، فلا يحتاج لمفعول؛ نحو: وَجَد الأبيُّ بعمله. والفعل: "دَرَى" قد ينصب المفعولين كما سبق، والأكثر استعماله لازماً مع تعديته إلى مفعوله بحرف الجر: "الباء"؛ نحو: "دَرَيتُ بالخبر السارّ. فإن سبقته همزة التعدية نصب بنفسه مفعولاً آخر مع المجرور؛ نحو: قد أدريتك بالحبر السارّ (2) . وكذلك يتعدى لواحد إن كان بمعنى: "ختلَ" (أي: خدَع) نحو: دَرَيت الصيد؛ بمعنى: ختلتهُ وخدعتهُ. والفعل: "تعلَّمْ" ينصب المفعولين حين يكون جامداً بمعنى: "اعْلَمْ". فإن كان مشتقًّا بمعنى: "تَعَلَّمْ" نصب مفعولاً به واحداً؛ مثل: تَعَلَّمْ

_ (1) سبق الكلام على معنى هذين الأسلوبين المسموعين، وتفصيل إعرابهما، وأحكامهما في الموضع المناسب. وهو الجزء الأول، باب الموصول، -م28 ص363 من الطبعة الثالثة التي بعدها- عند الكلام على "لا سيما" والاقتصار في الاستعمال على هذه أحسن. (2) فإن وقعت همزة التعدية بعد أداة استفهام، كما في قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ؟} [القارعة: 1 - 3] فقيل إن الفعل في الآية نصب ثلاثة مفاعيل؛ أولها: الضمير "الكاف"، وثانيها وثالثها معاً الجملة الاسمية التي بعد الضمير، فقد سدت مسد المفعولين الأخيرين، وقيل إن الفعل نصب بنفسه مفعولاً واحداً هو الضمير، وإن الجملة سدت مسد المفعول الآخر الذي يتعدى إليه الفعل "أدري" بحرف الجر: "الباء" فالجملة في محل نصب بإسقاط حرف الجر، كما في قولنا: فكرت.، أهذا صحيح أم لا؟ وأصله: فكرت، في هذا، أصحح أم لا ... (راجع الخضري في هذا الموضع وراجع أيضاً" "ح" من ص37.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنون الآداب (1) . والفعل: "ألفَى" قد يكون بمعنى: "وَجَدَ" و"لَقِيَ" فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: غاب عصفوري، ثم ألفيتُهُ. 2- ومن أفعال الرجحان ما قد يستعمل في اليقين؛ فينصب المفعولين أيضاً. وقد يستعمل في بعض المعاني اللغوية الأخرى؛ فينصب بنفسه مفعولاً واحداً؛ أوْ لا ينصبه؛ وذلك على حسب ما ترشد إليه اللغة. ومن أمثلة ذلك الفعل: "خال" فمعناه اليقين في نحو: إخالُ الظلمَ بغيضاً إلى النفوس الكريمة. وكذلك في نحو: حَسِبت المالَ وقايةً من ذل السؤال. فإن كان "حَسِبَ" (2) بمعنَى: "عَدّ" نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: حَسَبت النقود التي معي. أي: عددتها. وإن كان معناه صار ذا بياض، وحمرة، وشقرة -كان لازماً؛ نحو: حَسِب الغلام ... و ... والفعل: "جعل" إن كان بمعنى: "أوْجَد" أو بمعنى: "فَرَض وأوجب" -نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: جعل الله الشمس، والقمر، والنجوم، وسائر

_ (1) بين الفعلين فرق في اللفظ والمعنى والاستعمال؛ فالفعل الأول: تعلمْ: بمعنى: "اعلمْ" فعل أمر جامد؛ لا ماضي له، ولا مضارع، ولا مصدر، ولا شيء من المشتقات في الرأي الأقوى (كما أسلفنا في رقم6 من هامش ص6) . والغالب في استعماله دخوله على "أنّ" مع معموليها، أو "أنْ" والفعل مع مرفوعه؛ نحو: تعلمْ أن احتمال الأذى في سبيل الله لذة ... فالمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها سد مسد المفعولين. ومعناه مطلوب تحقيقه سريعاً، وتحصيل المراد منه في المستقبل القريب الذي يشبه الحال؛ وذلك بالإصغاء للمتكلم، واستيعاب ما يريده فوراً، وتنفيذ ما يجيء بعد فعل الأمر بغير تمهل. أما الفعل الثاني فلفظه أمر أيضاً، ولكنه غير جامد، فله ماض هو: "تَسَلَّمَ" وله مضارع هو: "يتعلَّمُ" وله مصدر ... وباقي المشتقات ... والغالب في استعماله دخوله مباشرة على مفعوله الصريح. ومعناه مطلوب تحقيقه وتحصيله في المستقبل، ولكن مع تمهل وامتداد، واتخاذ للوسائل المختلفة. الكفيلة بالوصول. (2) الغالب في الفعل: "حسب" بمعنى: "عَدَّ"، فتح "السين" في الماضي، وضمها مضارعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المخلوقات، أى: أوجدها وخلقها (1) ..، ونحو: جعلت للحارس أجراً (2) ، بمعنى فرضت له، وأوجبت عليّ ... والفعل؛ "هبْ" ينصب مفعولاً به واحداً إن كان متصرفاً (3) أمراً من الهبة؛ نحو: هبْ بعض المال لأعمال البرّ (4) . أو أمراً من الهيبة؛ نحو: هبْ ربَّك في كل ما تقدم عليه من عمل. وهكذا (5)

_ (1) ومن هذا قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] . (2) قد يكون الفعل: "جعل". بمعنى: شرع. (وقد سبق الكلام عليه مع أفعال الشروع في باب أفعال المقاربة ج1 ص464 م50) وقد يكون بمعنى: اعتقد، أو ظن، أو "صيَّر" -كما عرفناه فيما سبق. (3) وهذا "الأمر" المتصرف مخالف في معناه واستعماله لفعل الأمر الجامد الذي على صورته وسبق الكلام عليه في ص8. (4) وردت أمثلة صحيحة نصب فيها مفعولين بنفسه؛ منها: انطلق معي؛ أهبْك نبلا. (المخصص ج12 ص227) . ولا مانع من محاكاتها وإن كانت قليلة؛ إذ الكثير أن ينصب بنفسه مفعولاً واحداً، ويتعدى للآخر بحرف الجر. وقد صرح المغني بأن هذا الفعل نصب المفعول الثاني بعد إسقاط حرف الجر: "اللام" ومن المستحسن هنا تسجيل النصوص الواردة في المراجع المختلفة للدلالة على صحة استعمال هذا الفعل: (وَهَب) متعديا بنفسه إلى مفعولين مباشرة، أو إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بمعونة حرف الجر؛ كي ينقطع الجدل حول صحة تعديته إلى المفعولين مباشرة. جاء في المخصص -ج12 ص227- ما نصه: ("قال سيبويه: وهبت لك، ولا يقال: وهبتك. قال أبو علي: وقد حكاها غيره؛ ذكر أبو عمرو: أنه سمع أعرابياً يقول لآخر: "انطلق معي أهبك نبلا". حكاه أبو سعيد السيرافي") اهـ. وجاء في "المغني" عند الكلام على اللام المفردة -ج1 ص184- ما نصه ("تنبيه: زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها -كما تقدم- وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها؛ كقوله تعالى: "تبغونها عوجاً" وقوله تعالى: "والقمر قدرناه منازل" وقوله: "وإذا كالوهم أو وزنوهم ... " وقالوا: وهبتك ديناراً، وصدتك ظبياً، وجنيتك ثمرة ... ") اهـ وجاء في الصبان -ج2 ص216 باب: حروف الجر، عند التمثيل للام الملك بقول الأشموني: وهبت لزيد ديناراً- ما نصه: ("التمليك مستفاد من الفعل، لا من اللام؛ بدليل أنك لو أسقطت اللام، وقلت: وهبت زيداً ديناراً لكان الكلام صحيحاً دالاًّ على التمليك. ولو مثل: بجعلت لزيد ديناراً لكان أحسن") . اهـ. (5) إن كان الفعل: "زعم" بمعنى: "كفل"، أو: "رأس (أي: شرُف وساد) تعدى لواحد بنفسه، أو بحرف الجر، والمصدر: "الزعامة". وإن كان بمعنى: سمِن أو هزُل (أي: أصابه الهزال) لم ينصب بنفسه مفعولاً. (راجع ما يتصل بهذا ويتممه في رقم 4 من هامش ص7) . وإن كان الفعل "حجا" بمعنى: قصد، أو: رد، أو: ساق، أو: حفظ، أو: كتم، أو غلب في المحاجة (وهي إقامة الحجة، وإظهار البرعة وحدة الذكاء في تقديمها) نصب مفعولاً به واحداً- ...

شروط إعمالها:

شروط إعمالها: يشترط لإعمال هذه النواسخ بنوعيها القلْبيّ والتحويليّ، أن يكون المبتدأ الذي تدخل عليه صالحاً للنسخ على الوجه الذي سبق تفصيله وتوضيحه عند بدء الكلام على النواسخ (1) . وملخصه: أن النواسخ بأنواعها المختلفة لا تدخل على شيء مما يأتي: (1) المبتدأ الذي له الصدارة الدائمة في جملته؛ بحيث لا يصح أن يسبقه منها شيء. ومن أمثلته: أسماء الشرط -أسماء الاستفهام - كَم الخبرية - المبتدأ المقرون بلام الابتداء ... (نحو: من يكثُر مزحُه تَضعْ هيبته. من ذا الذي ما ساء قط؟ كَمْ من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله!!. لَكلمةُ حقّ في وجه حاكم ظالم أفضلُ عند الله من اعتكاف صاحبها يوما في المسجد) . ويستثنى من هذا النوع الذي له الصدار في جملته -ضمير الشأن (2) فيجوز أن تدخل عليه النواسخ بأقسامها المختلفة؛ نحو حَسِبته "الحقُّ واضح". لكن تختص النواسخ في هذا الباب -دون غيرها من النواسخ- بجواز دخولها على المبتدأ الذي هو اسم استفهام، أو المضاف إلى اسم استفهام. وإذا دخلت على أحدهما وجب تقديمه عليها؛ نحو: أيًّا ظننتَ أحسنَ؟ وغلامَ أيٍّ حسبتَ أنشطّ؟. ولا تدخل على أحدهما "كان" ولا "إن" ولا أخواتهما؛ منعاً للتعارض؛ إذ الاسم في بابي "كان" و"إنَّ" وأخواتهما لا يصح تقديمه على الناسخ. فلو وقع الاسم أحدهما لامتنع تقديمه على الناسخ؛ تطبيقاً لهذا الحكم، مع أن الاستفهاك لابد أن يتقدم (3) .

_ (1) راجع ج1 ص402 م42 من هذا الكتاب؛ حيث التفصيل والبيان الذي لا غنى عنه. (2) سبق شرحه، في ج1 ص177 باب: الضمير وأنواعه. (3) أما الخبر فيجوز أن يكون اسم استفهام، أو مضافاً إلى اسم استفهام في البابين، ولا يجوز هنا أن يكون جملة إنشائية؛ ويجوز تقديمه في بابي: "ظن" و"كان" بشرط ألا يوجد مانع يمنع من=

(ب) المبتدأ الملازم للابتداء بسبب غيره؛ كالاسم الواقع بعد "لولا"؛ الامتناعية، أو بعد "إذا" الفجائية؛ فإنه لا يكون إلا مبتدأ؛ إذ لا يصح -في الرأي الأشهر- دخول أحدهما على غير المبتدأ؛ نحو: لولا العقوبةُ لزادت الجرائم. ونحو؛ فتحت الكتاب؛ فإذا الصّوَرُ فاتنة. (ج) المبتدأ الذي يجب حذفه بشرط أن يكون أصلُ خَبَرِه نعتاً مقطوعاً (1) نحو: شكراً للمتعلم، النافعُ العزيزُ (أي: هو النافعُ العزيزُ) . (د) كلمات معينة لم ترد عن العرب إلا مبتدأ. ومنها: "ما" التعجبية، وكلمة: "طُوبى"؛ (بمعنى: الجنة) وكلمة: دَرّ (2) ، وكلمة: أقلّ ... وذلك في نحو: ما أجملَ الهواء سَحَراً!!، وما أطيب الرياضة عصراً!! طوبى للشهداء، ولله دَرُّهم (2) !! وأقَلُّ (3) رجل يُسْكِر فضلهم.

_ =تقديمه، كوجود "ما النافية" قبل الناسخ، أو غيرها من الموانع التي ذكرناها في أحوال خبر "كان" (ج1 ص420 م43) ، مثل: أين كنت؟ وأين ظننت الكتاب؟ أما خبر "إن" وأخواتها فلا يتقدم عليها -كما سبق في باباها ج1- وقد قلنا إن الخبر هنا لا يكون جملة إنشائية برغم ورود صور منها مسموعة، نقل النحاة واحدة منها ثقيلة في نطقها، ولا أدري لماذا تخيروها دون غيرها مع ما فيها من ثقل وإن كانت صادقة المعنى؟ هي قولهم: "رأيت الناس، أخْبُرْ تَقْلَِهُ". أي: اختبر كل واحد منهم تبغضه وتكرهه؛ لما تكشفه من عيوبه. فهذا -وأمثاله- على إضمار قول مقدر؛ أي: رأيت الناس مقولا فيهم: اختبر كل واحد منهم تبغضه وتكرهه. ويرى كثير من النحاة عدم القياس على هذا. والحق أن القياس عليه جائز بشرط وجود قرينة كاشفة تمنع الغموض؛ وتهدي للمقصود؛ لأن هذا هو الموافق للأصول اللغوية العامة. وفيه تيسير وتوسيع في ميدان الكلام والتعبير بغير ضرر، كما يتبين هذا من الباب الخاص بأحكام "الحكاية". (1) سبق تفصيل الكلام على النعت المقطوع في الجزء الأول ص375 م39. وله تفصيل أشمل في باب النعت ج3 ص357 م115. (2 و2) الدر: اللبن. "ولله در البطل" ... أسلوب يتقدم فيه الخب وجوباً، (لأن العرب التزمت فيه التقديم) ويقصد به المدح والتعجب من بطولته، معاً ... والسبب: هو ما يدعيه القائل من أن اللبن الذي ارتضعه البطل في صغره، ونشأ عليه، وترعرع -لم يكن لبناً عادياً كالمألوف لنا، وإنما هو لبن خاص أعده الله لهذا البطل في طفولته؛ لينشأ نشأة ممتازة، ويشب عظيماً. فنسب اللبن لله -ادعاه- ليكون من وراء ذلك إظهار الممدوح في صفات تفوق صفات البشر، وكأنه ليس منهم، فهو أسمى وأرقى، للعناية الإلهية التي خصته برعايتها. (راجع رقم1 من هامش ص424 و"ج" من ص427" من هذا الجزء، وص504 ج1 م38 من الطبعة الرابعة) . (3) أي: قَلّ رجل يقول ذلك، بمعنى: صغُر وحقُر. (راجع ج1 ص328 م33) .

ومثل بعض ألفاظ الدعاء؛ ومنها (1) : سلامٌ - ويلٌ؛ في نحو: سلام على الأحرار، وويل للجبناء. *** حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير: لا ترتيب في هذا الباب بين الناسخ ومعموليه؛ فيجوز -لغرض بلاغي- أن يتقدم عليهما معاً، ويتأخر عنهما، ويتوسط بينهما. لكن يترتب على كل حالة أحكام سيجيء تفصيلها قريباً (2) . فمثال تقدُّم الناسخ عليهما: يظنّ الجاهلُ السرابَ ماء. ومثال تأخره عنهما: السرابَ ماءً يظن الجاهل السرابَ. أما الترتيب بين المفعولين وتقديم أحدهما على الآخر دون الناسخ فحكمه حكم الترتيب بين أصلهما المبتدأ والخبر قبل دخول الناسخ عليهما؛ فما ثبت لأصلهما يثبت لهما من غير اعتبار لوجود الناسخ. ويترتب على هذا أن يكون المفعول الأول واجب التقديم على المفعول الثاني في كل موضع يجب فيه تقديم المبتدأ على الخبر، وأن يكون المفعول الثاني واجب التقديم على المفعول الأول في كل موضع يجب فيه تقديم الخبر على المبتدأ، وأن يكون تقديم أحدهما على الآخر جائزاً في كل موضع يجوز فيه تقديم المبتدأ أو الخبر بغير ترجيح. فلا بد من مراعاة الأصل (3) في ناحية التقديم والتأخير، وتطبيقه على الفرع تطبيقاً مماثلاً. ففي مثل: حسبت أخي شريكي، يجب الترتيب، بتقديم المفعول الأول وتأخير الثاني؛ منعاً لوقوع لَبْس لا يمكن معه تمييز الأول من الثاني؛ فيلتبس المعنى تبعاً لذلك. وفي مثل: علمت الكلب حارساً أميناً إلا الكلب. أي: أنه لا حارس أميناً سواه. وفي مثل: ظننت القِطّ البَرَِّّ (4) ثعلباً، يجوز تقديم المفعول الثاني؛

_ (1) الكثير في اللفظين الآتيين الرفع على الابتداء، ولا مانع من النصب على اعتبار آخر؛ كما سيجيء البيان في ص230. (2) في ص38. (3) سبق إيضاحه في الجزء الأول (ص361 م37) عند الكلام على مواضع تأخير الخبر. (4) الصحراوي غير الأليف.

فتقول: ظننت ثعلباً القِطّ البَرّيّ؛ إذ لا مانع يمنع تقديم أحدهما على الآخر ... وهكذا تجب مراعاة الأحكام الخاصة بالترتيب بين المبتدأ والخبر، وتطبيقها هنا، عند النظر في الترتيب بين المفعولين (1) . *** ما تنفرد به الأفعال القلبية الناسخة، هي وما يعمل عملها: تنفرد النواسخ القلبية بخمسة أحكام، منها حكم واحد مشترك بينها جميعاً، سواء أكانت متصرفة أم جامدة، وهذا الحكم هو: تنوّع مفعولها الثاني. أما الأحكام الأربعة الأخرى فمقصورة على النواسخ القلبية المتصرفة، دون الجامدة، وسيجيء لهذه الأربعة بحث مستقل (2) . (1) فأما تنوع المفعول الثاني الذي أشرنا إليه فلأنه إليه فلأنه خبر في الأصل، فهو ينقسم إني مثل ما ينقسم إليه الخبر؛ من مفرد (ة3) ، وجملة (4) ، وشبه جملة (5) ؛ فليس من اللازم في المفعول الثاني أن يكون مفرداً، وإنما اللازم أن يكون الناسخ قلبيّاً متصرفاً أو غير متصرف (6) ؛ كما في الأمثلة الآتية، ومن المهم التنبه لإعراب كل قسم، ولا سيما الجملة وشبهها.

_ (1) ستجيء إشارة موجزة لهذا الترتيب في 2176 م72. (2) في ص26 المسألة: 61. (3) المراد بالمفرد هنا وفي الخبر: ما ليس جملة ولا شبهها. (4) بشرط ألا تكون إنشائية.. لأن الإنشائية لا تصلح هنا (انظر رقم 3 من هامش ص21) . (5) طبقاً لما جاء في بعض المراجع الوثيقة وتؤيده النصوص الفصيحة التي تكفي لإباحة القياس عليه. (6) قد سبقت أمثلة المفرد. ومثال الجملة الاسمية قول الشاعر: حَذَارِ، حذارِ من جَشعٍ؛ فإِني ... رأَيت الناس أَجشعُها اللئامُ ومثال الجملة الفعلية المضارعية قول الشاعر: فَهبْك عدوى لا صديقي فربما ... رأيت الأَعادِي يرحمون الأَعاديا ومثال الماضوية: وإني رأيت الشمس زادت محبةً ... إلى الناس أَن ليست عليهم بسرمد فكل واحدة من الجمل (أجشعها اللئام - يرحمون - زادت محبة) . سدت مسد المفعول الثاني الذي يحتاج إليه الفعل الناسخ. ومثال شبه الجملة -قول بعضهم: رأيت قدرة الله في كل شيء، وألفيت سلطانه فوق كل سلطان. وقول الشاعر يفتخر: إني -إذا خفى الرجال- وجدتني ... كالشمس؛ لا تخفى بكل مكان فشبه الجملة (الجار مع مجروره، أو الظرف) سد مسد الثاني.

جدول

المسألة 61:

المسألة 61: ب- الأحكام الأربعة الخاصة بالأفعال القلبية المتصرفة (1) . عرفنا (2) أن الأفعال القلبية متصرفة، إلا فعلين؛ هما: "تعَلَّمْ" (3) بمعنى "اعلَمْ"، و"هَبْ" بمعنى: "ظُنَّ"؛ نحو: تعلمْ داءَ الصمت خيراً من داء الكلام. وهبْ كلامَك محموداً؛ فتَخَيرْ له أنسب الأوقات. والفعل القلبيُّ المتَصرف قد يكون له الماضي، والمضارع، والأمر، والمصدر واسم الفاعل، واسم المفعول، وبقية المشتقات المعروفة، لكن الناسخ الذي يعمل في هذا الباب هو الماضي وما جاء بعده مما صرّحْناه باسمه هنا، دون بقية المشتقات المعروفة (4) التي اكتفينا بالإشارة الموجزة إليها، ولم نصرح بأسمائها. وبديهٌ أن النواسخ المتصرفة التي سردنا أسماءها - متساوية في العمل؛ لا فرق بين ماض وغيره، ولا بين فعل واسم مما سردناه (5) . أما الناسخ الجامد فيعمل وهو على صورته

_ (1) هذا البحث هو الذي سبقت الإشارة إليه في ص24 عند بيان ما تنفرد به الأفعال القلبية من خمسة أمور سبق منها واحد -في ص24- قبل هذه الأربعة الآتية. (2) في رقم 1 من هامش ص4 وفي رقم 6 من هامشي ص6، 8. (3) على الرأي ال قائل بأنه جامد. وهو الرأي الشائع الذي يحسن الاقتصار عليه (كما سبق في رقم 6 من هامش ص6 ورقم 1 من هامش ص19) . أما على الرأي القائل بأنه متصرف فيجري عليه ما يجري على الأفعال القلبية المتصرفة. (4) أوضحنا -في رقم 1 و2 من هامش ص4- معنى المتصرف وقسميه، وبيان المشتقات المختلفة، والعامل منها وغير العامل، وما العامل، وما يعمل في غير هذا الباب ولكنه لا يصلح للعمل هنا، وأسباب ذلك ... (5) ومن الأمثلة، الفعل: "علم"، وما يتصرف له؛ نحو: علم العاقل الحياةَ جهاداً -يعلم العاقل الحياةَ جهاداً- اعلمْ الحياةَ جهاداً، فمارسه - عِلْم العاقل الحياةَ جهاداً دافع له إلى الصبر والدأب- العاقل عالمُ الحياة جهاداً- أمعلوم الحياةُ جهاداً. (الحياة: هي المفعول الأول؛ لكنه صار نائب فاعل لاسم المفعول من نائب فاعل حتما. لا فاعل) . اسما ظاهراً، أو ضميراً. غير أن الضمير لا بد أن يكون للغائب دائماً، ولهذا قالوا في مثل: أنا صائم.. ومثل أنا مخلص..، إن فاعل اسم الفاعل ضمير مستر تقديره: "هو". على تأويل: أنا رجل صائم ... =

القائمة، لا يفارقها، ولا يَدْخُل عليها تغيير. وتختص الأفعال القلبية المتصرفة، هي وما تتصرف له مما ذكرنا اسمع صريحاً بأحكام تنفرد بها؛ فلا يدخل -في الأغلب- حكم منها على المشتقات القلبية التي لا تعمل هنا (1) ، ولا على الأفعال القلبية الجامدة، ولا على أفعال التحويل وما يتصرف منها. وأشهر تلك الأحكام أربعة (2) . الحكم الأول -التعليق: ومعناه: "منع الناسخ من العمل الظاهر في لفظ المفعولين معاً، أو لفظ أحدهما، دون منعه من العمل في المحلّ" (3) . فهو في الظاهر ليس عاملاً النصب، ولكنه في التقدير عامل. وهذا ما يعبر عنه النحاة بأنه: "إبطال العمل لفظاً، لا محلاً". سواء أكان أثر الإبطال واقعاً على المفعولين معاً، أم على أحدهما. هذا المنع والإبطال واجب إلا في صورة واحدة (4) . وسببه أمر واحد، هو: وجود لفظ له الصدارة (5) يَلِي الناسخ؛ فيفصل بينه وبين المفعولين معاً،

_ =أنا رجل مخلص ... فالضمير المستتر تقديره: "هو" للغائب، وعائد على محذوف؛ ليكون عائداً على الغائب؛ إذ لا يصح أن يعود إلا عليه. فمن الخطأ إرجاعه إلى متكلم أو مخاطب. (راجع الخضري ج1 "باب ظن" عند الكلام على بيت ابن مالك: "وخص بالتعليق والإلغاء ... ". - وستجيء الإشارة لهذا في باب اسم الفاعل ج3 ص191 م102 كما سبق البيان في ج1 م19 ص243 من الطبعة الثالثة، عند الكلام على اختلاف نوع الضمير مع مرجعه) . والظاهر أن هذا الحكم ليس مقصوراً على اسم الفاعل وحده، بل يشاركه فيه كل مشتق يتحمل ضميراً مستتراً؛ فيجب أن يكون الضمير المستتر للغائب، ويعود على غائب دائماً. (1) وهي المشتقات التي لم نصرح فيما سبق باسمها. إلا التعليق بالاستفهام فإنه عام شامل، وسيجيء الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص32 أما البيان المفصل ففي 36. (2) وهي غير الحكم المشترك: "ا" الذي يدخل النواسخ القلبية المتصرفة والجامدة، وغيرها. وقد سبق بيانه في ص24. (3) تفصيل الكلام على الإعراب المحلي في ج1 م6 في الزيادة والتفصيل التي في آخر: "المعرب والمبني" -كما أشرنا- (4) جائزة، وتجيء في رقم 4 من هامش ص30. (5) تردد هذا في المراجع النحوية المختلفة ومنها: حاشية الصبان على الأشموني، في هذا الموضع=

أو أحدهما، ويَحُول بينه وبين العمل الظاهر، ويسمى هذا اللفظ الفاصل: "بالمانع" ويقع بعده جملة (1) -في الغالب-؛ ففي مثل: علمت البلاغة إيجازاً، ورأيت الإطالة عجزاً. نجد: "عَلِم" قد نصب مفعولين مباشرة. وكذلك الفعل؛ "رأى" -لم يَنصب كل من الفعلين شيئاً في الظاهر، بسبب وجود "لام الابتداء" التي فصلت بين كل فعل ناسخ ومفعوليه- وهي من ألفاظ التعليق، أي: من الموانع -، ولكن هذا الفعل يَنْصِب المحلّ؛ فنقول عند الإعراب: "البلاغة": مبتدأ- "إيجازٌ": خبره. والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب؛ سدّت مَسدّ مفعولي "عَلم" (وهذه الجملة هي التي تَلِي -في الغالب- اللفظ المانع من العمل) . وكذلك نقول: "الإطالةُ": مبتدأ -"عجزٌ": خبره. والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب؛ سدّت مسد مفعولَيْ: "رأى". فقد وقع التعليق بسبب وجود المانع من العمل، ووقع بعد المانع جملة محلها النصب؛ لتسدّ مسد المفعولين. أما في مثل: علمت البلاغةَ لَهِي الإيجازُ، ورأيت الإطالةَ لَهِيَ العجزُ، فاللفظ المانع من العمل -وهو لام الابتداء- قد وقع في المثالين بعد المفعول به الأول، ووقع بعد المانع جملة سدت مَسَدّ المفعول به الثاني الذي لا يظهر في الكلام، وحلَّت محله وحده. فعند الإعراب يَحْتَفظ المفعول به الأول باسمه وبإعرابه؛ (مفعولاً به أول، منصوباً) (2) . وتعرب الجملة التي بعد المانع إعرابها التفصيلي، ويزاد عليه: "أنها في محل نصب؛ سدّت مسد المفعول به الثانين (3) الذي وقع عليه التعليق".

_ =من الباب حيث يتكلم على أدوات "التعليق"، ومنها: "كم" بنوعيها؛ فقال ما نصه: ("كل ما له الصدر يُعلق") اهـ. (1) إلا إن كان المانع هو أحد المفعولين بحسب أصله: نحو؛ علمت من أنت، أو وقع المصدر المؤول ساداً مسد المفعولين، أو ثانيهما وحده. (2) ستجيء حالة يجوز فيها رفعه -في رقم4 من هامش ص30-. (3) إذا سدت جملة مسد المفعول الثاني -أو مسد غيره مما يكون مفرداً لا جملة- فهي مفرد في=

نعلم مما تقدم أن أثر التعليق في منع العمل لفظي ظاهريّ فقط، لا حقيقيّ، محليّ، وأن سببه الوحيد وجود فاصل لفظي له الصدارة، يسمى: "المانع"؛ يفصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو أحدهما (1) ، وبعد "المانع" جملة (2) تسدّ مسدّ المفعولين معاً، أو أحدهما على حسب التركيب ... ولما كان أثر التعليق مقصوراً على ظاهر الألفاظ دون محلها كان اختفاء النصب عن المفعولين معاً أو أحدهما، هو اختلفا شكليّ محض؛ لا حقيقيّ محليّ -كما قدمنا- ولهذا يصح في التوابع (كالعطف ... ) مراعاة الناحية الشكلية الظاهرة، أو مراعاة الناحية المحلية؛ فنقول: علمت لَلبلاغةُ إيجازٌ والفصاحةُ اختصارٌ- ورأيت لَلإطالةُ عجزٌ والحشوُ عيبٌ؛ برفع المعطوف، تبعاً للفظ المعطوف عليه، وحركته الظاهرة (3) . أو نقول: علمت لَلبلاغة إيجازٌ، والفصاحةَ اختصاراً -ورأيت لَلإطالةُ عجزٌ والحشوَ عيباً؛ بنصب المعطوف؛ تبعاً للحكم المحليّ في المعطوف عليه. فمراعاة إحدى الناحيتين جائزة (3) . أما سبب التعليق في هذه الأمثلة وأشباهها، فيرتكز في الأمر الواحد الذي

_ =المعنى؛ ففي مثل: أظن محمداً أبوه قائم، تعرف الجملة -"أبوه قائم"- مبتدأ وخبر، في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني؛ فهي مفرد في المعنى؛ لأن المعنى: أظن محمداً قائم الأب. وقد نص النحاة على هذا، وتضمنته كتبهم، = (ومنها: الصبان في الجزء الأول عند الكلام على علامات الأسماء، وأوضحنا هذا وبسطنا الكلام على الإعراب المحلي في الموضع الذي أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص25) . (1) فلابد من تقدم الناسخ على "المانع"، ولابد من تقدم "المانع" على المفعولين معاً، أو على الثاني فقط؛ إذ ليس من اللازم -كما كان عرفنا- أن يقع أثر التعليق. على المفعولين معاً، فقد يقع على الثاني وحده، ويبقى الأول منصوباً كما قبل التعليق. أما وقعه على الأول دون الثاني فغير ممكن؛ لأن أداة التعليق التي تفصل بين الناسخ ومفعوله الأول ستكون فاصلة كذلك بين الناسخ ومفعوله الثاني في الوقت نفسه. (2) إلا في الحالة التي سبق استثناؤها في رقم 4 من هامش ص27. وتجيء في رقم 4 ص30.. (3) يجب عند العطف بالنصب على محل الجملة التي عُلق عنها الناسخ -أن يكون المعطوف إما جملة اسمية في الأصل؛ كالأمثلة السابقة؛ فيعطف كل جزء من جزأيها على ما يقابله، في الجملة المتبوعة. وإما مفرداً فيه معنى الجملة؛ نحو: علمت لمحمودٌ "أديبٌ" و"غيرَ" ذلك من أموره. فلا يصح: علمت ولمحمودٌ أديب" وحامداً، ولا: علمت لمحمود "أديبٌ" وشاعراً -إلا على تأويل وتقدير محذوف في كل صورة، أما كلمة "غير" في المثال السالف فإنها منصوبة جوازاً؛ لأنها بمنزلة الجملة كما قلنا-. فهي معطوفة بالنصب على محل الجملة الاسمية التي هي المعطوف عليها؛ فلفظ "غير" -وهو مفرد- قد=

ذكارناه، وهو: وجود فاصل لفظيّ بعد الناسخ؛ يفصل بينه وبين مفعوليه أو أحدهما، بشرط أن يكون هذا الفاصل اللفظي من الألفاظ التي لها الصدارة (1) في جملتها، مثل: لام الابتداء، وأدوات الاستفهام (2) ، وغيرها من كل ما له الصدارة في جملته (3) . وبعبارة أخرى: (يحدُث التعليق بكل لفظ له الصدارة إذا فصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو توسط بين المفعولين) . وإليك مثالاً آخر للمانع يفصل بين الناسخ ومفعوليه معاً، أو يَفصل بين الناسخ ومفعوليه الثاني فقط: أعلَمُ، أمحمودٌ حاضرٌ أم غائبٌ؟ أعلَمُ محموداً، أحاضر هو أم غائب؟ فمتى وقع بعد الناسخ مانع بإحدى الصورتين السالفتين مَنع العمل الظاهر حتماً، دون العمل التقديريّ (المحليّ) كما رأينا، وأوجب التعليق (4) . وأشهر الموانع الألفاظ الآتية التي لها الصدارة، وكل واحد منها يوجب (4) التعليق:

_ =ساغ عطفه على محل الجملة؛ لأنه بمعناها؛ إذ معناه: علمت لمحمودٌ "أديبٌ" ومحموداً غيرَ ذلك، أي متصفاً بغير ذلك. (أي: علمت محموداً متصفاً بغير ذلك) . - راجع ج3 ص478 م121 باب العطف. وعطف المفرد على الجملة، والعكس-. (1) تقدم الناسخ على "المانع" واجب. وهو مع تقدمه لا يعمل النصب في "المانع"، ولا فيما بعده، إذ لو عمل فيه أو فيما بعده النصب لفقد المانع صدارته في جملته، وصار حشواً لا يصلح سبباً للتعليق؛ ووقوعه حشواً مع بقاء أثره غير جائز. (2) انظر ما يختص بالاستفهام في ص36. (3) انظر رقم 5 من هامش ص27. (4 و4) إلا في حالة يكون فيها جائزاً، وستجيء هنا. وعند إعراب المثال الأول الوارد هنا نقول: "محمود حاضر"، مبتدأ وخبر. وجملتها في محل نصب سدت مسد مفعولي: "أعلم". وفي المثال الثاني نقول: "محموداً"، مفعول أول. "حاضر": خبر مقدم، "هو": مبتدأ مؤخر، والجملة منهما في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني وحده. ومن المثالين يتضح أن الجملة الواقعة بعد "المانع" وجوباً قد تسد مسد المفعولين معاً أو مسد الثاني عند وجود الأول منصوباً لفظاً. أما الحالة التي يكون فيها التعليق جائزاً -لا واجباً- فحين تكون أداة التعليق مسلطة على الثاني وحده (كأن يكون المفعول الثاني قد صدر -في الغالب- بكلمة استفهام، أو مضافاً إليها وقد سبقها المفعول الأول، في الصورتين؛ نحو: علمت الأديب من هو؟ وظننت الشاعر أخو من هو؟) ففي هاتين الصورتين يجوز نصب الكلمة السابقة التي هي المقعول الأول؟ لأن الناسخ سلط عليها من غير مانع، =

(أ) لام الاربتداء، كالأمثلة السالفة. (ب) لام القسم: نحو: علمت لَيُحَاسَبَنَّ (1) المرء على عمله. (ج) حرف من حروف النفي الثلاثة (2) : (ما - إنْ - لا) دون غيرها من

_ =ويجوز رفعها؛ لأنها هي وما بعدها الاستفهام شيء واحد في المعنى؛ فكأنها واقعة بعد الاستفهام فلا يؤثر فيها الناسخ. فالتعليق جائز هنا. (1) يقولون في مثل هذا: إن اللام داخلة على جواب القسم المقدر. وأصل الجملة: "علمت - أقسم والله - ليحاسبن المرء على عمله". فجواب القسم -وهو جملة: "يحاسبن المرء"- مع جملة القسم المقدرة وهي: (أقسم×) في محل نصب سدّاً معاً مسد المفعولين. أي: أن مجموع الجملتين هو الذي سد مسد المفعولين، وأنه في محل نصب. وما يترتب على هذا الإعراب من عدم وقوع أداة التعليق في صدر جملتها يدفعونه بأن وقوعها في الصدارة ليس واجباً مطرداً؛ وإنما هو الغالب. وبفرض أنه واجب حتماً فالمقصود بالقسم وجملته هو تأكيد جملة جوابه؛ فهما معاً كالشيء الواحد؛ فإذا تقدمت أداة التعليق على جواب القسم وحده فكأنها في الوقت نفسه قد تقدمت على جملة القسم واحتلت مكان الصدارة اللازم لها؛ فلا تعتبر متخلية عنه. فوجودها في صدر الثانية يعد بمنزلة التصدر في الأولى. لكن سيترتب على قولهم هذا محظور آخر؛ هو: وقوع جملة جواب القسم في محل نصب، والشائع أنها لا محل لها من الإعراب. وقد أجابوا: بأنها لا محل لها باعتبارها: "جواب قسم"- ولا مانع أن يكون لها محل باعتبار آخر؛ هو: "التعليق" ومعنى هذا أن جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب إذا لم يوجد عامل يحتاج إليها حتماً؛ فإنوجد عامل يحتاج إليها حتماً كانت معمولة له. وقيل إن "العلم" في المثال السالف منصب على مضمون جملة الجواب فقط، بدون نظر إلى أنها جواب قسم؛ فجملة الجواب وحدها على هذا الاعتبار في محل نصب سدت مسد المفعولين. (راجع الصبان ج2 عند الكلام على أدوات التعليق) . وفي هذا الرأي راحة وتيسير؛ لأنه واقعي؛ لا يلتفت إلى الجملة القسمية المستترة، ولا يتناسى أن جواب القسم هنا ليس مجلوباً للقسم: وإنما الغرض الأساسي الأول هو إيفاء الناسخ ما يريده، ولا ضرر في أن يستفيد القسم منه بعد ذلك. (وسيجيء الكلام على جملة القسم وجوابه في باب: حروف الجر (ص500 وفي ص506 النص الخاص بأن جملة جواب القسم قد يكون لها محل إعرابي مع جملة القسم) . (2) سواء أكان واحد منها ناسخاً أم مهملاً، فالأولان قد يعملان عمل "ليس"، والأخير قد يعمل عمل "إنّ" أو: "ليس" فالثلاثة مع الإعمال أو الإهمال صالحة لأن تكون أداة تعليق. ولا داعي لاشتراط بعضهم القسم قبل كل أداة من الثلاثة؛ لأن هذا الاشتراط -فوق ما فيه من تضييق- لا سند له من النصوص الفصيحة الكثيرة، فالوارد منها يدعو إلى إغفاله. ويزيد التمسك بإغفاله قوة ما يقوله أصحابه من أن القَسم قبل هذه الأدوات الثلاثة يجب تقديره إن لم يكن ظاهراً في الجملة؛ مثل: "علمت ما محمد جبان" إذ يقدرونه: علمت والله ما محمد جبان. فما الحاجة إلى التقدير والتأويل بغير داع، ولا سيما التأويل القائم على مجرد التخيل المذكور؟ وإنه لتخيل مستطاع في كل صورة خالية من القسم، =

أدوات النفى الأخرى. فمثال "ما" النافية: علمت ما التهوّر شجاعة. ومثال "إنْ" النافية: زعمت إنْ الصفحُ الجميلُ ضارٌّ (أي: ما الصفح الجميل ضارّ) ومثال "لا" النافية: ألفيتُ لا الإفراطُ محمودٌ ولا التفريط (1) . (د) الاستفهام (2) ؛ وله صور ثلاث: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام

_ =فتصير به صحيحة إلا أنه يدفعنا إلى الدخول في الجدل المرهق الذي مر في المسألة السابقة -في رقم 1 من هامش الصفحة الماضية- الخاصة بجواب القسم ومحله من الإعراب، كما سيفتح علينا أبواباً أخرى للاعتراض والجدل، نحن في غنى عنها، ولا حاجة للبيان اللغوي الناصع بها. وزيادة في البيان نقول: إن اشتراط القسم مقصور عند جمهرة النحاة على: "لا - إن"- النافيتين، ولا يكاد يوجد خلاف في صدارة "ما" النافية غير الزائدة؛ عاملة وغير عاملة. فقد جاء في الجزء الأول من "المغني" عند الكلام على "لا" ما نصه: (تنبيه - اعتراض لا" بين الجار والمجرور في محو: غضبت من لا شيء، وبين الناصب والمنصوب في نحو قوله تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" ... وبين الجازم والمجزوم في نحو: إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض ... " وتقدم معمول ما بعدها عليها في نحو قوله تعالى: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ... "- دليل على أنها ليس لها الصدر. بخلاف "ما" ... "اللهم إلا أن تقع في جواب القسم فإن الحروف التي يتلقى بها القسم كلها لها الصدر. ولهذا قال سيبويه في قوله: "آليت حَسب العراق الدخر أطعمه ... " أن التقدير: على حب العراق، فحذف الخافض، ونصب ما بعده، بوصول الفعل إليه، ولم يجعله من باب: "زيداً ضربته"؛ لأن التقدير "لا أطعمه" وهذه الجملة جواب: لآليت؛ فإن معناه: حلفت. وقيل: لها الصدر مطلقاً، وقيل "لا" مطلقاً. والصواب الأول) اهـ. وإنما قال سيبويه ذلك لأن "لا" هنا لها الصدارة؛ لوقوعها في جواب القسم؛ فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولا يفسر عاملاً أيضاً ... وقال الأشموني عند سرد الأدوات التي لها الصدارة، ويحدث التعليق بسببها ما نصه: (التزم التعليق عن العمل في اللفظ إذا وقع الفعل قبل شيء له الصدر؛ كما إذا وقع قبل "ما" النافية؛ نحو قوله تعالى "لقد علمت ما هؤلاء ينطقون" وقيل "إنْ - ولا" النافيتين في جواب ق سم ملفوظ أو مقدر ... ) اهـ. وقد استدرك الصبان فقال ما نصه: (قوله في جواب قسم..، قيل الصحيح أنه ليس بقيد. لكن في "المغني" ما يظهر به وجه التقييد؛ حيث نقل فيه أن الذي اعتمد سيبويه أن "لا" النافية إنما يكون لها الصدارة حيث وقعت في صدر جواب القسم. وقال في محل آخر: "لا" النافية في جواب القسم لها الصدر؛ لحلولها محل ذوات الصدر؛ كلام الابتداء و"ما" النافية.. اهـ و"إن" مثل: "لا" اهـ كلام الصبان. (1) الإفراط: المبالغة في إعداد الشيء حتى يتجاوز حدوده المحمودة. والتفريط: الإهمال فيه. فهما نقيضان. (2) لأن الاستفهام له الصدارة، فلا يعمل ما قبله فيه، إلا إن كان ما قبله حرف جر؛ نحو: ممن علمت الخبر؟. - بم جئت؟ - عن يتساءلون؟ - على أي حال كنت؟..=

نحو: علمت أيُّهم بطلٌ؟ أو يكون مضافاً إلى اسم استفهام؛ نحو: علمت صاحبُ أيِّهم البطلُ؟ أو يكون قد دخلت عليه أداة استفهام؛ نحو: علمت أعليٌّ مسافرٌ أم مقيمٌ؟ وأعلمُ على الشتاء أنسبُ للعمل من الصيف (1) ؟ وقولهم لظريف: لا ندري أجِدُّك أبلغُ وألطف، أم هزلُك أحبُّ وأظرف؟. (هـ) الألفاظ الأخرى التي لها الصدارة في جملتها؛ مثل "كم" (2) . الخبرية؛ في نحو: دريْت كم كتاب اشتريته. ومثل: "إنّ" وأخواتها، ما عدا "أنّ" مفتوحة الهمزة؛ فليس لها الصدارة؛ نحو: علمت إنك لمُنصف (3) ،

_ =أو كان ما قبله مضافاً واسم الاستفهام مضاف إليه، نحو: صديق من أنت؟ ... ) وجدير بالتنويه أن التعليق بالاستفهام عامٌّ ليس مقصوراً على أفعال هذا الباب القلبية -كما أشرنا في رقم: 1 من هامش ص27؛ وسيجيء البيان في ص36-. (1) عرض بعض النحاة لهذه الصورة الثلاث بشيء من التفصيل، فقال: إن الاستفهام قد يكون بالحرف؛ نحو قوله تعالى: "وإن أدري أقريب أم بعد ما توعدون". أو بالاسم الواقع مبتدأ مباشرة، نحو: ستعلم أيُّ الرأيين أفضل؟ أو يكون المبتدأ مضافاً إلى اسم الاستفهام؛ نحو: علمت أبو منْ صالح. أو يكون اسم الاستفهام خبراً؛ نحو علمت متى السّفر. أو يكون الخبر مضافاً إلى اسم الاستفهام نحو: علمت صباح أي يوم قدومك. أو يكون اسم الاستفهام فضلة؛ نحو: علمت أيّ كتاب تقرأ. وقول الشاعر: حُشَاشَة نفسٍ ودّعتْ يومَ ودّعوا ... فلم أدرِ أَيَّ الظاعنَيْنِ أُشَيَّعُ ومما سلف يتبين أن الاستفهام قد يكون حرفاً فاصلاً بين العامل والجملة، وقد يكون اسماً فضلة، وقد يكون اسماً عمدة، سواء أكان العمدة مبتدأ مباشرة للاستفهام، أم خبراً مباشرة كذلك. وسواء أكان العمدة مبتدأ مضافاً والاستفهام هو المضاف إليه أم خبراً مضافاً والاستفهام هو المضاف إليه. (2) "كم" نوعان: "استفهامية"؛ وهي: اسم يسأل به عن عدد شيء. وتحتاج لتمييز منصوب في الغالب؛ نحو: كم درهماً تبرعت به؟ وتدخل في أدوات التعليق الاستفهامية. "وخبرية"؛ وهي: اسم يدل على كثرة الشيء ووفرته، ولها تمييز مجرور في الغالب؛ نحو: كم ظالمٍ أهلكه الله بظلمه. و"كم" بنوعيها لها باب خاص في الجزء الرابع يضم أحكامها المختلفة (2425 م168) . (3) في هذا المثال يصح أن تكون أداة التعليق هي: "إنّ"، أو "لام الابتداء"؛ فكلاهما له الصدارة؛ فيصلح للتعليق. ولا يقال: "لام الابتداء فيه ليس بعدها جملة". ففي هذا القول إغفال لما قرروه من أن موضعها الأصيل هو أول الجملة. فلما شغلته "إنّ" -ولها الصدارة أيضاً- تخلت عنه اللام، وتأخرت إلى الخبر؛ منعاً إلى الخبر؛ منعاً للتعارض. على أن هذا من التعليلات المصنوعة التي لا خير في ترديدها. وحسبنا أن نهتدي إلى ما في الكلام المأثور من تعليق، سببه "إن" أو "لام=

ونحو: لا أدرى لعل الله يريد بكم خيراً. والأغلب الفصيح في: "لعل" هذه أن تكون أداة تعليق للفعل: "أدْرِي" المبدوء بالهمزة، أو بحرف آخر من حروف المضارعة (نَدْري - تَدْري - يدرِي (1) ... ) . ومثل: أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة في نحو: لا أعلم إن كان الغد ملائماً للسفر أو غير ملائم. ونحو أحْسَب لو ائتلف العامل وصاحب العمل لَسَعِدا. *** فيما يلي أمثلة تزيد التعليق وضوحاً (2) ، وتبيّن موضع "المانع"، وأن موضعه بعد الناسخ حتماً ويليه المفعولان، أو بعد الناسخ مع توسط هذا المانع بين المفعولين:

_ =الابتداء"، أو: هما معاً؛ فكل هذا صحيح ومريح. وما يقال في لام الابتداء الداخلة على خبر "إن" يقال في لام الابتداء الداخلة على اسم "إنّ" المتأخر، أو على معمول خبرها؛ نحو: "حسبت إن في الصحراء لمناجم، وعلمت إن المناجم لكنوزاً ممتلئةٌ". ويجب كسر همزة "إن" في الأمثلة السابقة وأشباهها من كل جملة تجمع بين "إن" و"لام الابتداء". كما سبق في مواضع كسرها. وسبب ذلك في رأيهم: أن "لام الابتداء" تصيب الفعل القلبي بالتعليق، وهذا التعليق يقتضي أن تقع بعده في الغالب جملة -كما سبق في ص28-. فلما وقعت "إن" في صدر هذه الجملة كسرت وجوباً. فلام الابتداء كانت السبب في التعليق، وفي كسر همزة "إنّ". فإذا لم توجد "لام الابتداء" فلن يكون هناك داع للتعليق، ولا لكسر همزة "إن" فتفتح. لكن أيتفق هذا مع إدخالهم "إن" في عداد الأدوات التي لها الصدارة، وتحدث التعليق؟ لا. ومن أجله قال بعض النحاة بحق: يجوز كسر همزة "إن" وفتحها في المثال السابق عند خلوه من لام الابتداء. فمن اختار الكسر لسبب عنده فله اختياره. ولكن يحب مع الكسر تعليق الفعل القلبي، لما سبق تقريره من اعتبار "إن" مكسورة الهمزة في عداد أدوات التعليق. ومن اختار الفتح لسبب آخر فله اختياره، ولا يصح تعليق الفعل القلبي في هذه الحالة؛ لعدم وجود أداة التعليق؛ إذ ليست "أن" مفتوحة الهمزة من أدواته. (راجع ج1 ص488 م51) . وراجع الصبان ج2 باب ظن وأخواتها عند الكلام على أدوات التعليق. (1) ومن الأمثلة قول الشاعر: ولا تحْرم المرء الكريم فإنه ... أخوك ولا تدري لعلك سائله (2) من الممكن البدء بهذه الأمثلة، وتفهمها قبل الدخول في تعريق التعليق وما يتصل به.

جدول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - زيادة وتفصيل: (أ) تقدم (1) أن الفعل القلبي الناصب لمفعولين يصيبه التعليق إذا وُجدت إحدى أدوات التعليق، ومنها: "الاستفهام". والتعليق بالاستفهام ليس مقصوراً على الأفعال القلبية المتصرفة الخاصة بها الباب -كما أشرنا من قبل (1) -، وإنما يصيبها غيره، طبقاً للبيان الآتي: 1- الفعل القلبي الناصب لمفعول به واحد؛ مثل: نسى - عرف ... ومنه قول الشاعر: ومن أنتمو؟ إنا نسينا من انتمو ... وريحكموا من أي ريح الأعاصر 2- الفعل القلبي اللازم، مثل: تفكَّر؛ كقوله تعالى: "أولم يتفكروا؟ ما بصاحبهم من جنة؟ "؛ فالتعليق هنا عن الجار والمجرور (2) ؛ لأن المجرور بالحرف بمنزل المفعول به (3) . 2- ما ليس قَلبيّاً، وينطبق على أفعال كثيرة لا تكاد تدخل تحت حصر؛ مثل: نظر - أبصر - سأل - استنبأ- ... و..، ومن الأمثلة قوله تعالى: (فَلْيَنظُرْ أَيُّها أزكَى طعاماً) ، وقوله تعالى: (فستُبصر ويُبصرون؛ بأيِّكم المفتون؟) ، وقول تعالى: (يَسألون: أيَّانَ يومُ الدين؟) ، وقوله تعالى: (ويستنبئونكَ: أحَقٌّ هُو؟ ... ) ، فهذه الأفعال ونَظائرها قد يصيبها التعليق بأداة الاستفهام، ولهذا يوقف في الآية الأولى على قوله: (يتفكروا) ، والكلام بعدها مستأنف، وهو: (ما بصاحبكم من جنة؟) ، وما الستفهامية بمعنى النفي، إذ المراد: أي شيء بصاحبكم من الجنون؟ ليس به شيء منه (4) .

_ (1 و1) وفي رقم 1 من هامش ص27 وفي "د" من ص32. (2) انظر "ج" الآتية. (3) كما سيجيء في ص159. (4) ما نوع "ما" في الآية؟ يقول الصبان إن بعض النحاة يراها على حسب الظاهر نافية؛ ويكون الوقف على قوله: "أولم يتفكروا ... " فما بعده استئناف. ويراها آخرون: "استفهامية" بمعنى "النفي" - أيْ: أيّ بصاحبكم من الجنون؟ أي: ليس به شيء منه ... ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ب) عرفنا (1) أن التعليق لا يكون في الأفعال القلبية الجامدة، ولا في بعض النواسخ الأخرى؛ كأفعال التحويل ... و ... فما المراد من هذا؟ أيراد أن ألفاظ التعليق لا تقع بعد تلك الأفعال الجامدة ولا بعد تلك النواسخ؛ فلا يحدث التعليق؟ أم يراد أن هذه الألفاظ مع وقوعها بعدها لا تقوى على منعها من العمل الظاهري فكأنها غير موجودة؟ يرتضي النحاة الرأي الأول. والاقتصار عليه حسن. (ج) سبق (2) أن الجملة بعد أداة التعليق تسدّ مسدّ المفعولين إن كان الناسخ إليهما، ولم يَنصب المفعول به الأول مباشرة، فإن نصبه سدت مسدّ الثاني فقط ... فإن كان الفعل ليس ناسخاً ولا يتعدى لمفعولين، ووقعت بعده جملة مسبوقة بأداة التعليق -فإن كان يتعدى بحرف جر، فالجملة في محل نصب بإسقاط الجار؛ نحو: فكرت أصحيح هذا أم غير صحيح؟ أي: فكرت في ذلك (3) . وإن كان الفعل يتعدى بنفسه إلى واحد غير مذكور سدت مسدّه؛ نحو: عرفت البارع أبو مَنْ هو؟ فقيل الجملة بدل كل من كل، على تقدير مضاف؛ أي: عرفت شأن البارع، وقيل بدل اشتمال من غير حاجة إلى تقدير، أو هي مفعول ثان لعرفت بعد تضمينه معنى: "علمت". والرأيان الأخيران أوضح وأيسر استعمالاً، ولكل منهما مزية قد يتطلبها المقام، ويقتضيها المعنى. (د) إذا كانت "رأى" حُلُمِيَّة لم يدخل عليها التعليق (4) . ***

_ (1) في ص27. (2) في ص28 وما بعدها. (3) سبقت إشارة لهذا ولإعراب آخر في رقم2 من هامش ص18. (4) كما سيجيء في "ج" من ص42.

الحكم الثاني - الإلغاء: وهو: "منع الناسخ من نصب المفعولين معاً، لفظاً ومحلا، منعاً جائزاً، -في الأغلب- لا واجباً) . أو هو: "إبطال عمله في المفعولين معاً لفظاً ومحلاًّ، على سبيل الجواز لا الوجوب". ولا يصح أن يقع المنع على أحد المفعولين دون الآخر. وسببه: إمَّا توسط الناسخ بين مفعوليه مباشرة بغير فاصل آخر بعده يوجب التعليق (1) ، وإما تأخره عنهما. فإذا تحقق السبب جاز -في الأغلب (2) - الإعمال أو الإهمال، وإن لم يتحقق وجب الإعمال. فللناسخ ثلاث حالات من ناحية موقعه في الجملة، وأثر ذلك: الأولى: أن يتقدم على المفعولين. وفي هذه الحالة يجب إعماله -عند عدم المانع-؛ فينصبهما مفعولين به، نحو: رأيت النزاهةً وسيلةً لتكريم صاحبها. الثانية: أن يتوسط بين مفعوليه مباشرة. وفي هذه الحالة يجوز -في الأغلب (2) - إعماله؛ فينصبهما مفعولين (3) به؛ نحو: النزاهةَ - رأيت - وسيلةً لتكريم صاحبها. ويجوز إهماله (4) ؛ فلا يعمل النصْبَ فيهما معاً، ولا في أحدهما؛

_ (1) إذ يجب التعليق لوجود سببه، ويجوز في صورة واحدة - وبيانها في رقم 4 من هامش ص30-. (2 و2) إلا في مسائل ستذكر في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية. ثم انظر رقم 1 من هامش ص40. (3) في حالة توسط العامل بين مفعوليه يجوز أن يكون المفعول الثاني هو المتقدم عليه، ويجوز في حالة - تقدم هذا المفعول الثاني أن يكون جملة، أو شبه جملة، أو مفرداً، وهي الأنواع الثلاثة التي ينقسم إليها -كما سبق في: "ا" من ص24- ومن الأمثلة لتقدمه وهو جملة ما نقلوه من نحو: (شجاك - أظن - رَبع الظاعنين ... ) فكلمة "ربع" يجوز ضبطها بالنصب مفعولاً أول للفعل: "أظن". والجملة الفعلية "شجاك" (أي: أحزنك) في محل نصب تسد مسد المفعول الثاني. ويصح في كلمة: ربع" الرفع على أنها فاعل للفعل: "شجا" ويكون الفعل "أظن" مهملا. ويجوز أيضاً رفع كلمة: "ربع" على أنها خبر للكلمة: "شجا" المبتدأ، ومعناها: "حزن" ولا تكون في هذه الصورة فعلا، ويكون الفعل: "أظن" متوسطاً بينهما، مهملا. (4) وفي هذه الصورة تكون جملة: "رأيت"، معترضة، لا محل لها من الإعراب.

وإنما يرتفعان باعتبارهما جملة اسمية: (مبتدأ وخبراً) ، ونحو: النزاعةُ - رأيت - وسيلةٌ لتكريم صاحبها. الثالثة: أن يتأخر عن مفعوليه؛ والحكم هنا كالحكم في الحالة السابقة؛ فيجوز إعماله فينصب المفعولين؛ نحو: النزاهةَ وسيلةً لتكريم صاحبها - رأيت. ويجوز إهماله فلا يعمل النصب (1) ويرتفع الاسمان باعتبارهما جملة اسمية، مركبة من مبتدأ وخبره؛ نحو: النزاهةُ وسيلةٌ لتكريم صاحبها - رأيت. مما تقدم ندرك أوجع الفرق بين التعليق والإلغاء؛ وأهمها: (أ) أن التعليق واجب (2) عند وجود سببه. أما الإلغاء فجائز - في الأغلب (3) - عند وجود سببه.

_ (1) والجملة من الفعل وفاعله استئنافية، كما كانت قبل التأخر عن المفعول ين. (2) إلا في الحالة التي يكون فيها جائزاً، (وقد سبق بيانها في رقم 4 من هامش ص30) . (3) الإلغاء جائز في أغلب الأحوال. لكن هناك بعض حالات أخرى يجب فيها الإعمال فقط، أو الإهمال فقط. فيجب الإعمال إذا كان الناسخ منفياً، سواء أكان متأخراً عن المفعولين، أم متوسطاً بينهما، نحو: "مطراً نازلاً لم أظن". أو: "مطراً لم أظن نازلاً"؛ لأنه لا يجوز أن يبني الكلام على المبتدأ والخبر ثم نأتي بالظن المنفي، إذ إلغاء الفعل المنفي -في الصورتين- قد يوهم أن ما سوى الفعل مثبت. مع أن نفي الفعل يعم الجملة كلها، ويتجه في المعنى إلى المفعولين المنصوبين عند تقدمهما، أو تأخر أحدهما. فلمنع هذا الاحتمال والوهم يجب الإعمال؛ مبالغة في الاحتراس؛ كما يقولون. وهذا التعليل -دون الحكم- لا ترتاح له النفس إلا إن أيدته النصوص الفصيحة التي لم يعرضوها فيما وقع في يدي من المراجع. ويجب الإهمال إذا كان العامل مصدراً؛ نحو: (المطر قليل - ظني غالب) ؛ لأن المصدر المتأخر لا يعمل -غالباً- في شيء متقدم عليه، فلا يصح تقديم مفعوله عليه أو مفعوليه (عند كثير من النحاة ويخالفهم آخرون، كما سيجيء في باب، ج3) . وكذلك يجب الإهمال إذا كان في المفعول المتقدم لام ابتداء، أو غيرها من ألفاظ التعليق؛ نحو: لَخالدٌ مكافح ظننت؛ لأن لام الابتداء وألفاظ التعليق تقدم الناسخ. ولا قيمة لهذا الخلاف في التسمية؛ لأن الأثر واحد -إلا في التوابع كما سيجيء في "د"- لا يتغير باختلاف الرأيين؛ فكلاهما يوجب الإهمال، وهذا حسبنا. وكذلك يجب الإهمال إذا وقع الناسخ بين اسم إن وخبرها؛ مثل: إن التردد - حسبت - مضيعة. أو بين "سوف" وما دخلت عليه؛ نحو: سوف - إخال - أكافح الشر. أو بين معطوف ومعطوف عليه؛ نحو: دعاك الخير - أحسب - والبر.

(ب) أن أثر التعليق يصيب المفعولين معاً أو أحدهما. أما الإلغاء فيصيبهما معاً. (ج) ان أثر التعليق لفظي ظاهري، لا يمتد إلى الحقيقة والمحل. وأثر الإلغاء لفظيّ ومحليّ معاً. (د) أن التعليق يجوز في توابعه مراعاة ناحيته اللفظية الظاهرية، أو مراعاة ناحيته المحلية. والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الواحدة التي هو عليها؛ وهي الناحية الظاهرة المحضة. (هـ) أن التعليق لابد فيه من تقدم الناسخ على معموليه؛ ومن وجود فاصل بعده له الصدارة. أما الإلغاء فلا بد فيه من توسط (1) الناسخ بينهما، أو تأخره عنهما؛

_ (1) يذكر النحاة بعض أمثلة يستدلون بها على أن الإلغاء قد يقع والفعل الناسخ متقدم على مفعوليه، وليس متوسطاً ولا متأخراً. ثم يؤولون تلك الأمثلة تأويلاً يخرجها من حكم الإلغاء، ويدخلها في أحكام أخرى مطردة تنطبق عليها بعد ذلك التأويل. وهذا تكلف مردود، وتصنع يجب البعد عنه، منعاً للفوضى في التعبير، والخلط في الأصول العامة. وفي تلك الأمثلة قول الشاعر: أَرجو وآملُ أن تدْنو مودتها ... وما إِخالُ لدينا منكِ تنويلُ فالفعل: "إخال" قد ألغى؛ فلم ينصب المفعولين: "لدى" و"تنويل" مع أنه مقدم عليها، ومع تقدمه فكلمة "لدى" ظرف، خبر متقدم، وكلمة: "تنويل" مبتدأ مؤخر. أي: أنه لم ينصبهما؛ بدليل رفع الثانية. فما السبب في الإلغاء؟ لا سبب. لهذا ينتحلون ما يجعل الأسلوب صحيحاً. فيتخيلون وجود "ضمير شأن" مستتر بعد الفعل: "إخال"؛ فالتقدير: "إخاله. فيكون ضمير الشأن المستتر هو المفعول به الأول، وتكون الجملة الاسمية بعده: (لدينا تنويل) في محل نصب، تسد مسد المفعول الثاني، إذ يصح في الأفعال القلبية -كما سبق، في "أ" ص24- أن يكون مفعولها الثاني جملة أو غيرها. وبهذا التأويل الخيالي لا يوجد في الكلام ناسخ متقدم لم يعمل. أي: لا يوجد في الكلام إلغاء، ولا مخالفة للقاعدة التي توجب عمل الناسخ المتقدم..، فلم هذا؟ ما فائدته؟ إن واقع الأمر صريح في مخالفة التعبير للقاعدة. والسبب هو الضرورة الشعرية، أو المسايرة للغة ضعيفة، أو ما إلى ذلك مما يخالف اللغة الشائعة في البيان الرفيع الذي يدعونا لهجر تلك التأويلات، والفرار منها؛ حرصاً على سلامة اللغة، وإيثاراً للراحة من غير ضرر، والاقتصار في القياس على ما لا ضعف فيه، ولا شذوذ، ولا تأويل ... ومن الأمثلة أيضاً قول الشاعر: كذاك أُدِّبتُ حتى صار من خُلُقي ... أَني وجدتُ مِلاكُ الشيمة الأَدبُ=

وليس في حاجة بعد هذا إلى فاصل، أو غيره (1) .

_ =ففي البيت فعل قلبي (هو: وجد) لم ينصب المفعولين: مع أنه متقدم. فلماذا أصابه الإلغاء مع تقدمه؟ ويجيبون بمثل الإجابة السابقة؛ فيتأولون. ويتخيلون وجود "ضمير شأن" مستتر بعد ذلك الفعل، ويعربون هذا الضمير مفعوله الأول، والجملة الاسمية: "ملاك الشيمة الأدب" في محل نصب سدت مسد المفعول به الثاني. أو: يقول: إن الفعل أصابه "التعليق" بسبب وقوع لام ابتداء مقدرة بعده، واصل الكلام كما يتخيلون: "أني وجدت لملاك الشيمة الأدب" ... وفي هذا ما في سابقه مما يوجب عدم الأخذ بمثل هذا التخيل، والتأويل، واتقاء ضرره بالاقتصار على ما لا حاجة فيه إلى تصيد وتحايل. (1) فيما سبق يقول ابن مالك بإيجازه المعروف: وخُصَّ بالتَّعْلِيقِ وَالإِلْغاءِ ما ... مِنْ قَبْل: "هَبْ" والأَمْرُ: "هَبْ" قَدْ أُلْزِما كَذَا: "تَعَلَّمْ". ولِغَيْرِ الماضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَا لَهُ زُكِنْ. ("خص": فعل أمر. ويصح أن يكون فعلا ماضياً مبنياً للمجهول. "الأمر": مبتدأ مرفوع. "هب": مبتدأ ثان. "ألزم" فعل ماض للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: هو، يعود على "هب" والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول الذي هو: "الأمر". والرابط محذوف، والتقدير: أُلزمه، أي: أُلزِم صورة الأمر وصيغته. والألف التي في آخر: "ألزما: زائدة لأجل الشعر، وتسمى: "ألف الإطلاق". أي: الألف الناشئة من إطلاق الصوت بالفتحة، ومدّه بها حتى ينشأ من المد: "ألف". "زكن": علم) . ومعنى البيتين: التعليق والإلغاء مختصان ببعض الأفعال التي سبقت أول الباب دون بعض. ولم يبين الأفعال المقصودة، مكتفياً بأن قال: إنها الأفعال التي ورد ذكرها قبل: "هبْ" و"تعلمْ" في الأبيات الثلاثة الأولى من الباب. وبالرجوع إليها يتبين أنها الأفعال القلبية المتصرفة، دون فعلين منها أخرجهما صراحة؛ هما: "هبْ" بمعنى: "ظُنّ"، وتعلَّمْ بمعنى: "اعلمْ"، -ويزاد عليهما أفعال التحويل أيضاً- ثم قال: إذا كان الناسخ هنا غير ماض فإنه يعمل عمل الماضي، ويدخل عليه من الأحكام ما يدخل على الماضي. ولم يذكر تفصيل شيء من هذا المجمل. ثم انتقل بعد ذلك إلى الكلام على بعض أحكام التعليق والإلغاء؛ فقال: وجَوَّزِ الإِلْغاءَ لاَ فِي الاِبْتِدَا ... وانْوِ ضَمِيرَ الشَّانِ أَوْ لاَمَ ابْتِدا: فِي مُوهِمٍ إِلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا ... والْتَزِم التَّعْلِيقَ قَبْلَ: نَفْي "مَا" و"إنْ"، و"لا" "لاَمُ ابتِدَاءٍ"، أَوْ قَسَمْ ... كَذَا، و"الاِسْتِفْهَامُ" ذَا لَهُ انْحَتَمْ يريد: أن الإلغاء أمر جائز؛ لا واجب، وأنه لا يقع حين يكون الناسخ في ابتداء جملته، أي: متقدماً على مفعوليه. فإذا كان في ابندائها لم يصح إلغاء عمله -أما إذا لم يكن فيب ابتدائها- بأن وقع بين المفعولين أو بعدهما فإن الإلغاء والإعمال جائزان -في الأغلب- ثم أشار بتقدير "ضمير للشأن"، أو تقدير "لام ابتداء" إذا وردت أمثلة قديمة توهم أن الناسخ المتقدم قد ألفى عمله. وقد شرحنا هذا وأبدينا الرأي فيه. ثم سرد بعض الموانع التي تكون سبباً في التعليق؛ فعرض منهما ثلاثة أدوات للنفي (ما - إنْ - لا) وعرض ثلاثة تغايرها؛ هي: لام الابتداء - القسم - الاستفهام. وقال في الاستفهام: انحتم له ذا". "لِعِلْمِ" عِرْفَانٍ، وَ"ظَنِّ" تُهَمَهْ ... تَعْدِيةٌ لِوَاحِدٍ مْلْتَزَمَهْ=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (أ) إذا تقدم الناسخ على مفعوليه فلن يخرجه من حكم هذا التقدم -في الرأي الأصح- أن يسبقه معمول آخر له، أو لأحدهما؛ نحو: متى علمت الضيفَ قادماً؟ باعتبار: "متى" ظرفاً للناسخ، أو لمفعوله الثاني. وكذلك لن يخرجه من حكم التقدم أن يسبقه شيء آخر ليس معمولاً له، ولا لأحدهما، مثل: إني علمت الحذرَ واقياً الضرر. (ب) يختلف النحاة في بيان الأفضل عند توسط العامل أو تأخيره. ولهم في هذا جدل طويل، لا يعنينا منه إلا أن الأنسب هو تساوي الإلغاء والإعمال عند توسط العامل. أما عند تأخره فالأمران جائزان ولكن الإلغاء أعلى، لشيوعه في الأساليب البليغة المأثورة. وإذا توسط الناسخ أو تأخر وكان مؤكداً بمصدر فإن الإلغاء يَقْبُح؛ نحو: الكتابَ -زعمت زعماً- خيرَ صديق؛ لأن التوكيد دليل الاهتمام بالعامل، والإلغاء دليل على عدم الاهتمام به؛ فيقع بينهما شبه التخالف والتنافي. فإن أكَّد الناسخ بضمير يعود على مصدره المفهوم في الكلام بقرينة، أو باسم إشارة يعود على ذلك المصدر -كان الإلغاء ضعيفاً أيضاً؛ نحو: السفينةَ - ظننتُه - قصراً. أي: ظننت الظن -و: السفينةَ ظننت - ذاك - قصراً. أي ذاك الظن ... (ج) رأي الحُلُمية لا يصيبها الإلغاء، وقد سبق (1) أنها لا يصيبها تعليق. ***

_ =وَلِرَأَى الرُّؤْيَا، انْم مَا لِعَلِمَا ... طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبلُ انْتَمَى وقد سبق شرح هذين البيتين في مناسبة قريبة -ص14 و15- بما ملخصه: أن "عَلِم" إذا كان منسوباً للعرفان (بأن كان معناه: "عرف" الذي مصدره: "العرفان") . وأيضاً: "ظن" إذا كان مصدره "الظن" المنسوب للتهمة (بأن يكون الفعل: "ظن" بمعنى: "اتَهم". ومصدره: "الظن" بمعنى الاتهام؛ ومنه التهمة) -فإن كل فعل منهما يتعدى لمفعول واحد لزوماً؛ أي: حتماً. ما دام معناه ما سبق. ثم قال: إن الفعل "رأى" المنسوب للرؤيا (بأن كان مصدره "الرؤيا" المنامية) ينصب مفعولين. (1) في "د" من ص37.

الحكم الثالث- الاستغناء عن المفعولين بالمصدر المؤول: يجوز أن يَسُدّ المصدر المؤول من ("أنّ" الناسخة (1) وما دخلت عليه، أو: "أنْ" المصدرية الناصبة وما دخلت عليه من جملة فعلية - مسدّ المفعولين، ويغني عنهما (2) . ويجب أن يراعى فى معنى المصدر بعد تأويله أن يكون مثبتاً أو ِمنفيّاًَ على حسب ما كان عليه المعنى قبل التأويل. فمن أمثلة المثبت ما جاء فى خطبة لقائد مشهور: (عَلِمْنا أن السيفَ ينفع حيث لا ينفع الكلام، ورأينا أنّ كلمة القَوِيّ مسموعة، فن زعم أنْ يفوز وهو ِضعيف فقد أخطأ، ومن ظن أن يَسْلمَ بالاستسلام فقد قضى على نفسه ... ) . وتقدير المصادر المؤولة (3) : (علمنا نفعَ السيف ... -رأينا سماعَ كلمة القويّ- من عم فوّزه ... - من ظنّ سلامته ... ) فَكل مصدر من المصادر التى نشأت من التأويل سدّ مسدّ المفعولين المطلوبين للفعل القلبي الذي قبله. فالمصدر "نفَعْ"، أغْني عن مفعولى الفعل "عَلمَ ". والمصدر: "سماع"، أغنى عن مفعولى الفعل: "رأى". والمصدر: "فوز"، أغنى عن مفعولى الفعل: "زعم" والمصدر: سلامة" أغنى عن مفعولى الفعل "ظن" (4) ... ويقاس على هذا أشباهه (5)

_ (1) سواء أكانت مشددة النون أم مخففة. (2) سبق (فى رقم 6 و4 و6 من هامش 6 و7 و8 وفي1 من هامش ص 19) أن هذا كثير في الفعلين "زعم" و"تعلم" بمعنى، "اعلمْ". قليل في: "هبْ" بمعنى: ظُنّ. وأن المصدر المؤول سد مسد المفعولين معاً طبقاً للرأى المختار هناك، وفي رقم 4 من هامش ص11. (3) سبق (في ج1 ص299 م29 من هذا الكتاب، باب: الموصول) إيضاً شامل لطريقة صوغ المصدر المؤول بصوره المختلفة، وبيان الدافع لاستعمال الحرف المصدري، وصلته، دون الالتجاء إلى المصدر الصريح ابتداء. (4) وكذلك المصدر المؤول بعد فعل الأمر الذي في آخر الآية الكريمة: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. واعلموا أن الله شديد العقاب) . (5) يكون الفعل القلبي في الأمثلة السابقة وأشباهها عاملاً في لفظ المصدر المتصيد (أي، المستخرج) من "أنّ" و"أنْ" وصلتهما، وليس عاملاً في الجملة التي دخلت عليها "أنْ" أو "أنّ" إذ لو كان عاملاً في الجملة نفسها لوجب تعليق الفعل عن العمل، بسبب الفاصل (طبقاً لما عرفناه في "التعليق") ولوجب أيضاً كسر همزة "إن" لوقوعها في صدر جملة جديدة. فالذي حل محل المفعولين هو المصدر المؤول وهو مفرد. وكل هذا بشرط خلو خبر "إن" من لام الابتداء؛ لأن وجودها يوجب كسر همزة "إن" ويوجب " التعليق (راجع رقم 3 من هامش ص33 ورقم 4 ةمن هامش ص48. وكذلك ج1 ص489 م51) .

من مثل قول الشاعر (1) : توَد عدوى ثم تَزعُم أنني ... صديقك؛ إن الرأي عنك لعازب فالمصدر المؤول من "أنّ مع معموليها" يسدّ مسدّ مفعولي الفعل: "تزعمُ" ومن أمثلة المعنى المنفي قول الشاعر: الله يعلم أني لم أقل كَذبا ... والحق عند جميع الناس مقبول وتأويل المصدر مع زيادة ما يدل على النفي هو: "الله يعلم عدم كذب قولي". - وقد سبق (2) تفصيل الكلام على طريقة صوغ المصدر المؤول. الحكم الرابع (3) - جواز وقوع فعلها ومفعولها الأول ضميرين معينين: وذلك بأن يكونا ضميرين متصلين، متحدين في المعنى (4) ، مختلفين في النوع؛ نحو: عَلِمتُني راغباً في مودة الأصدقاء، ورَأيتُني حريصاً عليها. فالتاء والياء في المثالين ضميران. متصلان، ومدلولهما شيء واحد؛ فهما للمتكلم، مع اختلف نوعهما: فالتاء ضمير رفع فاعل، والياء ضمير نصب، مفعول به. ونحو: علِمتَك زاهداً في الشهرة الزائفة، وحسِبْتَك نافراً من أسابها. فالتاء والكاف في المثالين ضميران، متصلان، ومعناهما واحد؛ لأن مدلولهما هو المخاطب، مع اختلاف نوعهما كذلك؛ فالتاء ضمير رفع فاعل، والكاف ضمير نصب، مفعول به (5) .

_ (1) وقول الآخر: إذا القوم قالوا: من فتى؟ خِلت أنني ... دُعيتُ فلم أكسَل، ولم أتبلّدِ (2) سبق في (ج1 ص299 م29 من هذا الكتاب، باب: الموصول) . (3) انظر تكملته الهامة في الزيادة والتفصيل. (4) بأن يكون مدلولهما واحداً (أي: أن صاحب كل منهما هو صاحب الآخر، فكلاهما يدل على ما يدل عليه الثاني) . (5) ومن الأمثلة أيضاً قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} فالفعل: "رأى" فاعله ضمير مستتر، تقديره: "هو" -والضمير المستتر نوع من المتصل- ومفعوله الأول: "الهاء" -فقد وقع الفاعل والمفعول هنا ضميرين، متصلين، متحدين في المعنى؛ لأن مدلولهما واحد؛ هو: الغائب، مع اختلاف نوعهما، فالضمير المستتر: "هو" ضمير رفع، فاعل والضمير "الهاء" المذكور ضمير نصب، مفعول به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: الحكم الرابع غير خاص بالأفعال القلبية وحدها؛ فهناك بعض أفعال أخرى تشاركها فيه؛ مِثل: "رأى" البصرية والحلُمية، وهو كثير فيهما، ومثل: "وجَد" (بمعنى: لَقِيّ) ، وفَقَد. وعَدِم. وهو قليل في هذه الثلاثة، ولكنه قياسي في الخمسة، وفي غيرها مما نصّت عليه المراجع؛ وليس عامّاً في الأفعال؛ نحو: اسْتيقظتُ فرأيتُني منفرداً --أخذني النوم فرأيتُني جالساً في حفل أدبيّ-. ساءلت نفسي في غمرة الحوادث: أين أنا؟ ثم وجَدْتُني (أي: لقيتُ نفسي، وعرفتُ مكانها) -فقدتُني إن جنحت إلى خيانة، أو عدمتني. ولا يجوز هذا في غير ما سبق إلا ما له سند لغوي يؤيده. فلا يصح: كرمتُني، ولا سمعتُني، ولا قرأتُني، وأشباهها مما لم يرد في المراجع. إلا إن كان أحد الضميرين منفصلاً، فيجوز في جميع الأفعال، نحو: ما لمستُ إلا إياي- ما راقبتُ إلا إياي (1) . ويمتنع في باب: "ظن وأخواتها"، وفي جميع الأفعال الأخرى -اتحاد الفاعل والمفعول اتحاداً معنويّاً إن كان الفاعل ضميراً، متصلاً، مستتراً، مفسَّراً بالمفعول به، فلا يصح محمداً ظَن قائماً- ولا عليا نَظر؛ بمعنى: محمداً ظنَّ نفسه..، وعليّاً نظر نفسه ... لأن مفسر الضمير هنا: (أي مرجعه) هو المفعول به. فإن كان الضمير الفاعل منفصلاً بارزاً صَحّ؛ فيقال: ما ظن محمداً قائماً إلا هو. وما نظر عليّاًَ إلا وهو ...

_ (1) "ملاحظة": المفهوم من كلام النحاة أنهم يمنعون ما سبق من اجتماع الفاعل والمفعول به إذا كان ضميرين، متصلين، متحدين معنى -بأن يكونا لمتكلم واحد، أو لمخاطب واحد- مختلفين نوعاً، ولا فرق في هذا بين المفعول به الحقيقي، والمفعول به التقديري، وهو الذي يتعدى إليه العامل بحرف جر، إذا المجرور في هذه الصورة مفعول به تقديراً، فيمتنع عندهم أن يقال: "أَحضرتني، أو أَحضرتُ بي" إذا كان الضميران للمتكلم. كما يمتنع أن يقال: أَوثقتك، وأوثقتَ بك إذا كان الضميران لمخاطب واحد. لكن يعترض رأيهم في المفعول التقديري آيات كريمة متعددة، منها قوله تعالى: (وهزّي إليك بجذع النخلة ... ) وقوله تعالى: (واضمم إليك جناحك ... ) قوله تعالى: (أَمسك عليك زوجك) ولا عبرة بما يقوله "الصبان" نقلا عن "المغني" من أن الآيات مؤولة على تقدير حذف مضاف، وكلمة التأويل أن توافق الآيات رأيهم، مع أن الواجب أن يغيروا رأيهم ليوافق أفصح كلام عرفوه؛ فلا عليها من اتباعه، ومن شاء فليتأوله.

المسألة 62:

المسألة 62: الْقَوْل معناه، متى ينصب مفعولا واحداً؟ ومتى ينصب مفعولين؟ يعرض النحاة فى هذا الباب للقول ومشتقاته، لتشابهٍ بينه وبين "الظن" فى بعض المعاني والأحكام. وصفوة كلامهم: أن "القوْل" متعدد المعاني، وأنّ الذى يتصل منها بموضوعنا مَعْنيان؛ أحدهما: "التلفظ المحض، ومجرد النطق" والآخر: "الظن". (1) فإن كان معناه: "التلفظ المحض، ومجرد النطق" فإنه ينصب مفعولاً به واحداً، تكون دلالته المعنوية مقصودة غير مهملة (1) ، سواء أكان الذى جرى به التلفظ، ووقع عليه القول -كلمة مفردة (2) ، أم جملة. فمثال المفردة ما جاء على لسان حكيم: (تسألني عن العظَمة الحقة، فأقول: "الكرامةَ"، وعن رأس الرذائل، فأقول: "الكذبَ") فمعنى "أقول" هنا: "أنطقُ، وأتلفظُ". والكلمة التى وقع عليها القول (أى: التي قيلت) ، هى: "الكرامة"- "الكذب". وكلتاهما مفعول به منصوب مباشرة. ومن الأمثلة للكلمة المفردة أيضاً: سألت والدي عن مكان نقضى فيه وم العُطلة، فقال: "الريفَ". وعن شىء نعمله هناك، فقال: "التنقلَ"، فمعنى قال: "تلفظَ ونَطق"، والكلمة التي وقع عليها القول هي: "الريفَ" -"التنقلَ" وتعرب كل واحدة منهما مفعولاً به منصوباً مباشرة. ومثل هذا قول الشاعر: جَدَّ الرحيل، وحَثَّني صحْبي ... قالوا: "الضباحَ"؛ فطيَّروا لُبِّي (3)

_ (1) المراد من أنها مقصودة غير مهملة: ألا تكون مجرد تصويت لا اعتبار فيه للمعنى مطلقاً ولا التفات للمدلول على الوجه المشار إليه في رقم 7 من هامش الصفحة الآتية. (2) أي: ليست جملة، ولا شبه جملة. (3) وقول الآخر: بلدٌ يكاد يقول جِيـ ... نَ تزروه: "أهلا وسهلا"

ومن أمثلة الجملة بنوعيها (1) : (قلتُ: الشعرُ غذاءُ العاطفة (2) ... - (أقول: تصفو النفسُ بسماع الغناء الرفيع) - (قال شوقي: "آيةُ هذا الزمانِ الصحفُ") -ويقولُ: "تسيرُ" مَسِيرَ الضحا فى البلاد " ... ) . ومثل: (يقولون: "طالَ الليل") ، والليلُ لم يُطلْ ... ولكنّ من يشكو من الهمّ يسهرُ فمعنى "القول" في هذه الأمثلة كسَابقه. وبعده جملة اسمية، أو فعلية، يزاد على إعرابها: أنها في محل نصب (3) سدّت مسدّ المفعول به للقول، وليست مفعولاً به (4) مباشرة. بخلاف الكلمة المفردة، فإنها هي المفعول به مباشرة -كما تقدم- سواء أكان الناطق بالكلمة قد نطقها ابتداء؛ دون أن يسمعها من غيره فيرددها بعده؛ كالتي في المثال الأول (5) . أم كان نطقه تالياً لنطق آخر، وترديداً لما سمعه؛ كثرة النحاة (6) . ولو كان النطق بها ترديداً ومحاكاة لنطق سابق؛ لأن الحكاية في هذا الباب لا تكون عندهم للكلمة المفردة (7) .

_ (1) وقعت الجملة الاسمية والفعلية بعد القول في البيت التالي: قالوا: نراك بلا سُقْم. فقلت لهم: السُّقْم في القلب. ليس السّقْم في البدن. (2) ومن الجملة الاسمية أيضاً قوله تعالى: (قلْ: متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى) . (3) وهذا هو الأعم الأغلب في محلها -انظر "ا" من ص53-. (4) لأن أصل المفعول به لا يكون جملة، فهي تسد مسد، ولا تكون مفعولاً به أصيلاً. (5 و5) من "ا". (6) انظر "ا" من ص53. (7) إلا إذا كانت الكلمة المفردة لا تدل على جملة، ولا تعبر عنها، ولا عن مفرد؛ وإنما يراد نص لفظها المنطوق من قبل (دون نظر لمعناه مطلقاً، ولا لمدلول؛ فالمراد هو ترديد الكلمة ترديداً صوتياً مجرداً. (انظر ما يوضح هذا في رقم 1 من هامش الصفحة السابقة) . فيجب حكايته ورعايته إعرابه بضبطه المنطوق السابق، نحو: "قال على بابٌ"، إذا تكلم بكلمة: "باب" مرفوعة، ومثل كلمة "نعمْ" في قول الشاعر: إذا قلت في شيء "نَعمْ" فأتمَّهُ ... فإنَّ "نعَمْ" دينٌ على الحُرّ واجب هذا، ولا يخرج الكلمة عن وصفها بالإفراد أن يكون في المقصود منها: الجملة أو الجمل؛ أي: أن تكون في ظاهرها لفظة مفردة يراد بها مضمون جملة أو جمل، مثل: (سمعت المؤذن يصيح: "الله أكبر"، لقد قال: كلمة رائعة) . فالكلمة هنا مفردة في معنى الجملة؛ لأنها تقوم مقامها في المضمون. ومثل: كنت في ندوة أدبية؛ فسمعت من يقول حديثاً، وأصغيت لشاعر يقول قصيدة، والخطيب يقول خطبة، فكل كلمة من الكلمات الثلاث: (حديثاً - قصيدة - خطبة) مفردة في ظاهرها، ولكنها في مقام جمل=

أما الجملة التى تسُدّ- في الأغلب (1) - مسدّ مفعول "القول" والتى محلها النصب فيسمونها: "مَحْكيَّةً بالقول" بشرط أن تكون قد جرَتْ من قبل على لسان، ثم أعادها المتكلم، وردّ ما سبق أن جرى على لسانه أو على لسان غيره. فلابد في الجملة التي تسمى: "مَحْكِيَّة" أن تكون قد ذُكرَتْ مرة سابقة قبل حكايتها بالقول. وإلا فلا يصح تسميتها: "مَحْكِيَّة" على الصحيح. والأغلب أنها في الحالتين في محل نصب، سادة مسدّ المفعول به. وتشتهر بين المعرْبين بأنها: "مقُول القول" (2) ؛ أي: الجملة التي جرى بها القول، وهي المرادة منه. *** (ب) وإن كان معنى "القول" -ومشتقاته هو: "الظنّ" (أي: الرجحان (3) -) فإنه ينصب مفعولين مثله -بالشرط التي سنعرفها- ويجرى عليه ما يجري على "الظن" (4) (بمعنى الرجحان) من التعليق، والإلغاء، وسائر الأحكام السابقة الخاصة بالأفعال القلبية؛ فهو والظن سواء. إلا في اختلاف

_ =كثرة؛ لأن الحديث الذي في الندوة لا يكون إلا جملة متعددة، وكذلك القصيدة، والخطبة؛ فالكلمة هنا مفردة ولكنها في معنى الجملة، كما يقول النحاة. وقد يراد بالكلمة المفردة، لا نصها؛ وإنما الرمز والكناية إلى لفظة أخرى؛ مثل: قلت "كلمة". أريد: لفظة معينة نطقت بها قبل نطقي الآن؛ مثل لفظة: عصفور، أو بلبل، أو خديجة، أو كتاب، أو غير ذلك مما أشير إليه، ولا أريد إعادة النطق به لداع يمنعني. فالكلمة المفردة التي لا تحكي، ثلاثة أنواع هنا: كلمة مفردة لا يراد التمسك بنصها الحرفي بضبطه الأول المنطوق، وكلمة مفردة في لفظها ولكنها في معنى الجملة، وكلمة هي رمز لأخرى مفردة. والثلاثة مفعول به مباشرة للقول-. ثم انظر "ا" من ص53؛ لأهميتها. (1 و1) وقد تكون فاعلاً أو نائب فاعل، طبقاً للبيان الذي في ص66 وفي3 هامش ص113. (2) وهذا التعبير أحسن؛ إذ يصدق على الجملة التي سبق النطق بها والتي لم يسبق، فهو تعبير عام يشمل الحالتين وقد اجتمعتا في قول جميل: بثينة قالت -يا جميل- أَرَبْتَنِي ... فقلت: كلانا -يا بُثَيْنُ- مُريب أما التعبير هنا بكلمة: "المحكية" فيؤدي إلى أن يشمل ما سبق النطق به، وما لم يسبق، مع أن الشائع قصر "الحكاية" على الذي يعاد، إلا عند إرادة المجاز. (3) سبق معنى الرجحان في رقم (4) من هامش ص5. (4) ولهذا تفتح همزة "أن" الواقعة بعد "القول" الذي معناه "الظن"؛ لأن القول بهذا المعنى ينصب مفعولين؛ فيكون المصدر المؤول من "أن" مع معموليها سادّاً مسدّ المفعولين. (كما سبق في ج1 في موضع الكسر ص488 م51، ولما تقدم هنا في رقم5 من هامش ص43 ويجيء في رقم 5 من هامش ص52) .

الحروف الهجائية. ومن الأمثلة: أتقول السماءَ صحْواً (1) فى الغد-؟ أتقولان الكتابَ نفيسًا إنْ تَمّ إعداده؟ - أتقولون السفرَ المنتظَر مفيداً؟ ... فلا بد من مفعولين منصوبين بعده (2) - إلا عند التعليق أو الإلغاء (3) - فإن لم يتحقق له المفعولان المنصوبان لم يكن معناه "الظن" وإنما يكون معناه: "التلفظ المحض، ومجرد النطق"، وفي هذه الصورة يكون من النوع الأول "ا" الذي ينصب مفعولاً به واحداً، ولا ينصب مفعولين؛ فمدلوله إن كان كلمة مفردة وقع عليها القول وجب اعتبارها مفعوله المنصوب مباشرة؛ مثل: أتقول: الجَوَّ؟؛ أي: أتنطق بكلمة: "الجَوّ" وإن كان مدلوله جملة اسمية أو فعلية فهي في محل نصب تسدّ مسدّ ذلك المفعول به الواحد، مثل: أتقول: الحروبُ خادمةٌ للعلوم؟ -أتقول: السَّلمُ الطويلة داءٌ؟ -. ومثل: أتقول: قد يجمع الله الشتيتين بعد اليأس من التلاقي؟ -أنقول: لا يضيع العُرف (4) بين الله والناس؟ فمعنى "تقول" في هذه الجمل هو: تنطق، ومعنى "القول" في كل ما تقدم هو "النطق" لا الظن، والجملة بعده في الأمثلة المذكور: "مَقُولُ القول" ولا تُسمى محْكية بالقول إلا إذا سبق النطق بها قبل هذه المرة -كما أوضحما-. وملخص ما تقدم: أن القول المستوفي للشروط (5) إذا وقع له مفعولان منصوبان به كان بمعنى: "الظن" حتماً، وتجري عليه أحكام "الظن" ولا وجود للحكاية هنا أو غيرها، -على الأرجح-. وإذا وقع له كلمة واحدة (هي التي قيلت) كان معناه: "مجرد النطق"، ونَصَبها مفعولاً به واحداً، ولا تسمى هذه الكلمة محكية (6) ، مع أنها هي مفعوله المباشر. وكذلك إذا وقع له جملة اسمية أو فعلية كان معناه مجرد النطق أيضاً، ولكنه ينصب مفعولاً به واحداً نصباً غير مباشر؛ لأن الجملة التي بعده تكون في محل نصب؛ فتسدّ مسدّ المفعول به، وتسمى:

_ (1) لا غيم ولا مطر فيها. (2) ويجوز أن يحل محل المفعول به الثاني جملة، أو شبه جملة، (كما أسلفنا في أحكام الأفعال القلبية -"ا" ص24- ومنها: القول بمعنى الظن) . وتكون الجملة في محلة نصب. (3) أو: عند قيام قرينة تدل على حذفهما، أو حذف أحدهما -كما سيجيء في ص56 م63. (4) المعروف والخير. (5) وهي موضحة في الصفحة الآتية. (6) إلا في الصورة التي تقدمت في رقم 7 من هامش ص47.

"مًقُول القول" دائماً، ولا تسمى "محكية بالقول" إلا إذا سبق النطق بها. فالقول بمعنى "الظن" لا حكاية معه -كما عرفنا- إذا وقع له مفعولاه المنصوبان. فإذا تغير ضبطهما وصارا مرفوعين أصاله (1) فإن معناه وعمله يتغيران تبعاً لذلك؛ إذ يصير معناه: النطق المجرد، ويقتصر عمله على نصب مفعول واحد فتكون الجملة الجديد اسمية في محل نصب، تسدّ مسدّ مفعوله. *** شروط القول بمعنى الظن: يشترط النحاة ما يأتي لإجراء القول مجرى الظن معنى وعملاً، طبقاً لما استنبطوه من أفصح اللغات العربية، وأكثرها شيوعاً: (1) أن يكون فعلاً مضارعاً. (2) وأن يكون للمخاطب بأنواعه المختلفة (2) . (3) وأن يكون مسبوقاً باستفهام (3) . (4) وألا يَفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. لكنْ يجوز الفصل بالظرف، أو بالجار (4) مع مجروره، أو بمعمول آخر للفعل، أو بمعمول معموله (5) . وكثير من النحاة لا يشترط عدم الفصل، ورأيه قوي، والأخذ به أيسر. (5) ألا يتعدى بلام الجر، وإلا وجب الرفع على الحكاية (6) ، نحو: أتقول للوالد فضلُك مشكورٌ؟. فمثال المستوفي للشروط الخمسة: أتقول المنافقَ أخطرَ من العدو؟ أتقول الاستحمامَ ضارّاً بعد الأكل مباشرة؟.

_ (1) أي: بغير سبب إلغاء العامل. (2) المفرد وغير المفرد، والمذكر والمؤنث ... (3) سواء أكانت أداة الاستفهام اسماً أم حرفاً، وسواء أكان المستفهم عنه الفعل أم بعض معمولاته ... (4) بشرط ألا يكون الجار هو اللام المعدية للمضارع، كما سيأتي في الشرط الخامس. (5) لا مانع من الفصل بأكثر من واحد مما ذكر. (6) ويكون القول بمعنى النطق، والجملة بعده في محل النصب سادة مسد مفعوله.

ومثال الفصل بالظرف: أفوق السحاب - تقول الطائرَ مرتفعاً؟. وقوك الشاعر: أبَعْدَ بُعْدٍ تقول الدارَ جامعةً ... شملي بهم، أم تقول البعدَ محتوماً وبالجار مع مجروره: -أفي أعماق البحر- تقول الغواصةَ مقيمةً؟. وبمعمول الفعل مباشرة: -أواثقاً- تقول الكيمياءَ دِعامةَ الصناعة؟ ومن هذا أن يفصل أحد المفعولين بين الاستفهام والفعل المضارع، كقول الشاعر: أجُهَّالا تقول: بَنِي لُؤَيّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا والأصل: أتقول بني لؤي جهالا ... وبمعمول معموله: -أللأمن- تقول: العدلَ ناشراً. والأصل: ناشراً للأمن. فإذا اختل شرط من الشروط السابقة لم يكن "القول" بمعنى: "الظن" فلا يكون بمعنى: "النطق والتلفظ"؛ فينصب مفعولاً به واحداً لا محالة. أما إذا استوفى شروطه مجتمعة فيجوز أن يكون كالظن معنى وعملا، على التفصيل الذي شرحناه. ويجوز -مع استيفائه تلك الشروط كاملة- أن يكون بمعنى: "النطق والتلفظ" فينصب مفعولاً به واحداً فقط، وعندئذ يتعين أن يكون الاسمان بعده مرفوعين حتماً -كما سلف- ويتعين إعرابهما مبتدأ وخبراً في محل نصب، لتسد جملتُهما مسد المفعول به. فالأمران جائزان عند استيفائه الشروط (1) . ولكن لكل منهما معنى وإعراب يخالف الآخر. والمتكلم يختار منهما ما يناسب المراد. فيصح: أتقول: الطائرَ مرتفعاً؟ كما يصح: أتقول: الطائرُ مرتفعٌ؟ ينصب الاسمين معاً، أو برفعهما على الاعتبارين السالفين المختلفين (1) ؛ طبقاً للمعنى المقصود. وهناك رأي آخر مستمَدّ من لغة قبيلة عربية اسمها: سُلَيْمٌ، وملخصه:

_ (1 و1) فليس استيفاؤه الشروط موجباً تنزيله منزلة "الظن". وإنما يجيز ذلك فقط. أما إجراؤه مجرى الظن فيوجب أولاً تحقيق الشروط كلها ...

أن القول -ومشتقاته- إذا كان معناه: "الظن" فإنه ينصب مفعولين مثله. وتجري عليه بقية أحكام "الظن" بغير اشتراط شيء من تلك الشروط الخمسة أو غيرها، فالشرط الوحيد عندهم أن يكون معناه: "الظن" (1) فإن لم يتحقق هذا الشرط يكن معناه -في الغالب- "النطق المجرد والتلفظ"، وينصب مفعولاً به واحداً، ولهذا يجب رفع الاسمين بعده، واعتبار جملتها الاسمية في محل نصب تسدّ مسدّ مفعوله.

_ (1) ويروي بعض النحاة: أن "سُلما" لا يشترطون أن يكون معناه "الظن" فعندهم القول قد ينصب مفعولين دائماً. وفي هذا الرأي ضعف. وقد أشرنا (في رقم 4 من هامش ص48) إلى وجوب فتح همزة "أن" الواقعة بعد "القول" إةذا كان معناه الظن، لأنه يحتاج إلى مفعولين؛ فيكون المصدر المؤول من "أن" مع معموليها في محل نصب سادّاً مسدّ المفعولين، ونشير هنا إلى أن الرأي السالف يساير لغة سليم وغيرها ما دام القول بمعنى الظن؛ لحاجته إلى ما بعده، فتفقد "إن" الصدارة في جملتها؛ فتفتح همزتها وجوباً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: (1) تضطرب أقوال النحاة فى اللفظ المحْكيّ بالقول، أيكون مفرداً وجلمة؛ أم يقتصر على الجملة فقط؟ أيكون ترديداً ومحاكاة لنطق سابق به، أم يكون ابتداء كما يكون ترديداً ومحاكاة؟ أيكون حكاية للقول بمعنى النطق والتلفظ فقط، أم يكون حكاية له بهذا المعنى، وبمعنى الظن أيضاً؟ ... إلى غير ذلك من صنوف التفريع؛ والخلف، والاضطراب الذي يخفي الحقيقة، ويُغَشَّى على وضوحها، ويكدّ الذهن في استخلاصها. وقد تخيرنا أصفى الآراء فيها، وقدمناه فيما سبق (1) . وللحكاية تفصيلات وأحكام أخرى في بابها الخاص، وأشرنا في الجزء الأول (2) إلى بعض أحكامها. (ب) الأصل (3) في الجملة المحكية بالقول أن يذكر لفظها نصّاً كما سُمع من غير تغيير، وكما جرى على لسان الناطق بها أول مرى. لكن يجوز أن تحكَى بمعناها، لا بألفاظها (4) فإذا نطق الناطق الأول، وقال حكمةً؛ هي: الأممُ الأخلاقُ "جاز لمن يحكيها بعده أن يرددها بنصها الحرفي، وبضطبها وترتيبها، فيرددها بالعبارة التالية: قال الحكيم: الأممُ الأخلاقُ". وجاز أن يرددها بمعناه مع مراعاة الدقة في المعنى؛ كما يأتي: قال الحكيم: الأمم ليست شيئاً إلا الأخلاق". أو: الأمم بأخلاقها". أو: ما الأمم إلا أخلاقها" ... وعلى هذا لو سمعنا شخصاً يقول: البرد قارس". لجاز في الحكاية أن نذكر النصّ بحروفه وضبطه وترتيبه: قال فلان: البرد قارس"، أو بمعناه: قال فلان: البرد شديد" ... وإذا قالت فاطمة أنا كاتبة" -مثلاً- وقلتَ: لزينب أنت شاعرة"؛ فلك في الحكاية أن تذكر النصّ: (قالت فاطمة "أنا كاتبة"، وقلت لزينب "أنت شاعرة") ، مراعاة لنَصّ اللفظ المحليّ فيهما، ولك أن تذكر المعنى: (قالت فاطمة "هي كاتبة"، وقلت لزينب "هي شاعرة"، أو: إنها شاعرة") مراعاة لذلك المعنى

_ (1) في ص46 وما بعدها. (2) م2 ص31. (3) ومراعاته أحسن. (4) إن لم يكن هناك ما يقتضي التمسك بالنص الحرفي لداع ديني، أو علمي، أو قضائي، أو نحو ذلك ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى حالة الحكاية؛ حيث تكون فيها فاطمة وزينب غائبتين وقت الكلام (1) . فالحكاية بالمعنى لا تقتضى المحافظة على اسمية الجملة، أو فعليتها، أو نصّ كلماتها، أو إعراب بعض كلماتها إعراباً معيناً؛ وإنما تقتضى المحافظة على سلامة المعنى، ودقته، وصحة الألفاظ، وصياغة التركيب، فيكفي فى الجملة المحكية أن تكون صحيحة في مطابقة المعنى الأصلي، وسليمة من الخطأ اللفظي. فإن كانت الجملة المحكية مشتملة فى أصلها على خطأ لغويّ أو نحويّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما فيها من خطأ. إلا إن كان المراد إظهار هذا الخطأ، وإبرازه لسبب مقصود؛ وعندئذ يجب حكايتها بما اشتملت عليه. (ج) هل يُلحق "بالقول" الذى معناه النطق والتلفظ، ما يؤدى معناه من كلمات أخرى؛ مثل:. ناديت، دعوت، أوحيت، قرأت - أوصيت - نصحت ... وغيرها من كل ما يراد به: "النطق المجرد، والتلفظ المحض" فتنصب مفعولاً به أو مفعولين (2) ، على التفصيل الذي سبق؟. الأنسب الأخذ بالرأي القائل: إنها تُلحق به في نصب المفعول والمفعولين، ما دامت واضحة الدلالة على معناه. ومن الأمثلة قوله تعالى: (ونادَوْا يا مالكُ: لِيَقْضِ علينا ربك) ، وقوله تعالى: ( {فَدَعَا رَبَّهُ: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} بَكَسر الهمزة في قراءة الكسر. وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} ... ولا داعي للتأويل في هذه الآيات وغيرها بتقدير "قوْل" ... إذ لا حاجة للتقدير مع الدلالة الواضحة، وعدم فساد المعنى أو التركيب ... أما إذا اقتضى المقام التقدير فلا مانع منه لسبب قوي، ومن ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ... أيْ: فيقال لهم: أكفرتم؟ فهنا القول

_ (1) لأن ذكر اسميهما دليل -في الغالب- على غيابهما وقت حكاية الكلام، ولولا غيابهما لاتجه إليهما الخطاب: "قلت لك"- ... بدلاً من "قلت لفاطمة.. وقلت لزينب ... ". (راجع حاشية الصبان ج2 آخر باب "ظن" وكذلك الخضري -وغيره- في هذا الوضع) . (2) طبقاً للرأي الذي يفيد أن سُليماً -كما نقل بعض النحاة- تنصب بالقول مفعولين مطلقاً، (أي: ولو لم يكن بمعنى: الظن.، كما سبق في رقم 1 من هامش ص52) .

محذوف (1) ولا بد من تقديره لصحة المعنى والأسلوب.

_ (1) هذا موضح من كل واضع حذفه جوازاً، لوجود كلام قبله يدل عليه وعلى مكانه، وهو قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه ... إلخ) . ومثله قراءة من قرأ قوله تعالى فى سورة الشعراء: ( {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} ... بالتاءين - لا بالياء فالتاء، وهذه قراءة أخرى -قال ابن جني في كتابه: "المحتسب - ج2 ص127- عن هذه قال القراءة ما نصه: ("هو عندنا على إضماء القول فيه. وإيضاحه: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} . وقد كثر حذف القول عندهم، من ذلك قول الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} ، ... سلام عليكم ... ". أي: يقولون سلامٌ "عليكم") "اهـ". هذا، ومما سبق يظهر أن ابن جني من أصحاب الرأي الذي لا يلحق بالقول الذي معناه النطق والتلفظ ما يؤدي معناه؛ مثل: ناديت ...

المسألة 63:

المسألة 63: حذف المفعولين، أو أحدهما، وحذف الناسخ الاختصار أصل بلاغيّ، لا يختص بباب، ولا يقتصر على مسألة، ويراد به: حذف ما يمكن الاستغناء عنه من الألفاظ لداع يقتضيه. وهو جائز بشرطين: (1) أن يوجد دليل يدل على المحذوف، ومكانه (1) . (ب) وألا يرتب على حذفه إساءة للمعنى، أو إفسادٌ فى الصياغة اللفظية (2) . واستناداً إلى هذا الأصل القويم يصح الاختصار هنا بحذف المفعولين معاً أو أحدهما. فمثال حذفهما معاً: - هل علمتَ الطيارةَ سابحةً فى ماء الأنهار؟. فتجيب: نعم، علمتُ ... - هل حسبت الإنسان واصلا إلى الكواكب الأخرى؟. نعم، حسبت ... ، أى: علمت الطيارَةَ سابحةً ... -وحسبت الإنسانَ واصلاً ... ومثال حذف الثانى وحده (وهو كثير) : أيّ الكلامين أشدُّ تأثيراً في الجماهير؛ آلشعرُ أم الخَطابة؟ فتقول: أظن الخطابة ... أي: أظن الخطابة أشدَّ ... ومثال حذف الأول وحدع، (وحذفه أقل من الثاني) : ما مبلغ علمك بخالد بن الوليد؟ فتقول: أعلم ... بطلا صحابيّاً من أبطال التاريخ. أيْ: أعلم خالداًَ بطلا.. فقد صَحّ الحذف في الأمثلة السابقة؛ لتحقق الشرطين معاً. فإن لم يتحقق

_ (1) لأن عدم معرفة المحذوف يفسد المعنى فساداً كاملاً، وعدم معرفة مكانه يؤثر في المعنى قليلاً أو كثيراً؛ فلوضع الكلمة في الجملة أثر في المعنى. ولا فرق في الدليل (القرينة) بين أن يكون مَقَاليّاً؛ (أي: قولاً يدل على المحذوف) وأن يكون حالياً: (أي: أمراً آخر مفهوماً من الحال والمقام، بغير نطق ولا كلام. ولهذا إشارة في رقم 1 من هامش ص219 م76، وراجع ج1 ص362 م37) . (2) يرى بعض النحاة الاقتصار على هذا الشرط؛ لأنه يتضمن معنى الشرط الأول. ولكنا ذكرناهما معاً مبالغة في الإيضاح والإبانة.

الشرطان معاً لم يجز الحذف (1) ؛ فلا يصح فى تلك الأمثلة وأشباهها: علمت فقط، ولا حسبت فقط؟ بحذف المفعولين فيهما. ولا يصح علمت الطيارة ... ولا حسبت الإنسان ... بحذف المفعول الثانى فقط، ولا علمت ... سابحةً، ولا حسبت ... واصلا؟ بحذف الأول. وهكذا امن كل ما فقد الشرطين معًا؟ أو أحدهما. واعتماداً عك الأصل البلاغي السابق أيضًا يصح حذف الناسخ مع مرفوعه؛ نحو: ماذا تزعم؟ فتجيب: ... الأخَ منتظراً فى الحقل. أى: أزعم (2)

_ (1) ولا التفات لمن أباح: "الاقتصار"؛ وهو الحذف بغير دليل. لأن هذه الإباحة مفسدة. (2) في المسألتين الأخيرتين؛ (مسألة 62: "القول" ومسألة 63: "الحذف") يقول ابن مالك في الحذف: وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَليلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ، أَوْ مَفعُولِ. يريد: ليس من الجائز في هذا الباب سقوط مفعول (أي: حذفه) أو مفعولين. إلا بوجود دليل يدل على المحذوف. وكلامه مختصر، وقد وفيناه. ويذكر في القول: و"كَتَظُنُّ" اجْعَلْ: "تقُولُ" إنْ وَلِي ... مُسْتَفْهَماً بِهِ. وَلَمْ يَنْفَصِل بغَيْرِ ظَرْفٍ، أَوْ كَظَرْفٍ، أَوْ عَمَلْ ... وإِنْ ببَعْضِ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ المعنى: اجعل "تقول" -وهي مضارع للمخاطب- مثل "تظن" في المعنى والعمل إن وليت: "تقول" مستفهماً به، أي: إن جاءت "تقول" بعد أداة يُستفهم بها. (فوقوع الفعل "تقول" بعد الاستفهام شرط) . وشرط آخر؛ هو: ألا ينفصل الفعل المضارع: "تقول" عن أداة الاستفهام بفاصل غير الظرف. أما الظرف فيجوز أن يقع فاصلاً بينهما، كذا ما يشبه الظرف؛ وهو الجار مع مجروره. -وقد يطلق "الظرف" -أحياناً- على شبه الجملة بنوعيه- وكذا كل شيء آخر وقع عليه عمل الفعل: "ظن" أو عَسَلُ معمول الفعل؛ كالأمثلة التي سبقت في الشرح. ثم بين الرأي الآخر في: "القول" بالبيت التالي: وأُجْريَ "القوْلُ"، "كَظَنٍّ" مُطْلَقَا ... عِنْدَ "سُلَيم"؛ نَحْو؛ قُلْ ذَا مُشْفِقَا أي: قبيلة "سليم" تجري القول مجرى الظن في المعنى، والعمل والأحكام المختلفة، من غير اشتراط شيء مطلقاً. إلا اشتراط أن يكون "القول" بمعنى "الظن" ... مثل: قل هذا مشفقاً. وقد سبق رأي آخر لهم. في رقم 1 من هامش ص52.

المسألة 64: أعلم ... أرى ...

المسألة 64: أعلم ... أرى ... أ ... فرح ... الحزين. ... ... أفرحت الحزين. زهق ... الباطل. ... ... أزهق الحق الباطل. لان ... المتشدد. ... ... ألانت الحوادث المتشدد. ب ... سمع ... الصديق الخبر السار. ... ... أسمعت الصديق الخبر السار. ورد ... الغائب أهله. ... ... أوردت الغائب أهله. قرأ ... الأديب القصيدة. ... ... أقرأت الأديب القصيدة. جـ ... علمت ... الحرفة وسيلة الرزق. ... ... أعلمت الغلام الحرفة وسيلة الرزق. علم ... الشباب الاستقامة طريق السلامة. ... ... أعلمت الشباب الاستقامة طريق السلامة. رأيت ... الفهم رائد النبوغ. ... ... أريت المتعلم الفهم رائد النبوغ. رأى ... الخبراء الآثار كنوزًا. ... ... أريت الخبراء الآثار كنوزا. الفعل نوعان: "لازم"؛ "أي: قاصر؛ لا ينصب بنفسه المفعول به" و"متعد"؛ينصب بنفسه مفعولًا به، أو مفعولين، أو ثلاثة، ولا يزيد عليها. ولتعدية الفعل اللازم وسائل معرفة في بابه1، منها: وقوعه بعد "همزة النقل". "أي همزة التعدية"، فإذا دخلت همزة النقل على الفعل الثلاثي اللازم، أو الثلاثي المتعدي لواحد أو لاثنين غيرت حاله، وجعلت الثلاثي اللازم متعديًا لواحد - كأمثلة: "أ"- وصيرت الثلاثي المتعدي لواحد متعديًا لاثنين -كأمثلة "ب"- وصيرت الثلاثي المتعدي لاثنين متعديًا لثلاثة -كأمثلة: "ج"- فشأنها أن تجعل فاعل الفعل الثلاثي مفعولًا به2؛ فتنقله من حالة إلى أخرى تخالفها3؛ فتسكب الجملة مفعولًا به جديدًا لم يكن له وجود قبل دخول همزة النقل

_ 1 هو باب "تعدي الفعل ولزومه"، وسيأتي في ص150م 70. 2 كما سيجيء في ص158م 71، وفي رقم2 من ص165. 3 ولهذا سميت أيضًا: "همزة النقل".

على الفعل أما غير الثلاثي، فلا تدخل عليه هذه الهمزة. ولا يكاد يوجد خلاف هام في أن التعدية بهمزة النقل على الوجه السالف قياسية في الثلاثي اللازم، وفي الثلاثي المتعدي بأصله لواحد1، إنما الخلاف في الثلاثي المتعدي بأصله لاثنين؛ أتكون تعديته بهمزة النقل مقصورة على فعلين من الأفعال القلبية؛ هما: علم -ورأى 2- دون غيرهما من باقي الأفعال القلبية التي تنصب مفعولين، والتي سبق الكلام عليها3 -أم ليست مقصورة على الفعلين المذكورين؛ فتشملهما، وتشمل أخواتهما القلبية التي مرت في الباب السالف؟ رأيان: وتميل إلى أولهما جمهرة النحاة، فتقصر التعدية على الفعلين المعينين "علم" و"رأى" ولا تبيح قياس شيء عليهما من أفعال اليقين، والرجحان وغيرهما، فلا يصح عندها أن تقول: أظننت الرجل السيارة قادمة، وأحسبته السفر فيها مريحًا، في حين يصح هذا عند بعض آخر يبيح القياس على الفعلين السالفين، ولا يرى وجهًا للتفرقة بينهما وبين نظائرهما من أفعال اليقين والرجحان التي تنصب مفعولين بحسب أصلها4. سواء أخذنا برأي الجمهرة أم بالرأي الآخر، فالفعل القلبي الناصب للمفعولين بحسب أصله، وبحسب رأي كل منهما في نوعه5 ... سينصب ثلاثة بعد دخول

_ 1 راجع الأشموني والصبان -ج1 أول باب: "تعدي الفعل ولزومه". 2 سواء أكانت علمية كالأمثلة المذكورة، أم حلمية؛ وهي التي مصدرها "الرؤيا" المنامية، كقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ ... } . 3 في ص5، ثم راجع رقم2 من ص 165 ورقم 1 من هامشها. 4 وهذا رأي حسن اليوم؛ فإنه مع خلوه من التشدد والتضييق، يساير الأصول اللغوية العامة، ويلائم التعبير الموجز المطلوب في بعض الأحيان، فتقول: أظننت الرجل السيارة قادمة؛ بدلًا من جعلت الرجل يظن السيارة قادمة، إذ من الدواعي البلاغية، والاستعمالات اللازمة في العلوم الحديثة ما قد يجعل له التفضيل، فمن الخير إباحة الرأيين، وترك الاختيار للمتكلم يراعى فيه الملابسات. 5 من ناحية أنه محصور في الفعلين السالفين دون غيرهما من أفعال القلوب، أو غير محصور فيهما، وإنما يشمل كل أفعال القلوب التي سبق شرحها.

همزة التعدية عليه، ومفعوله الثاني والثالث أصلهما المبتدأ والخبر، ويجري عليهما في حالتهما الجديدة ما كان يجري عليهما قبل مجيء همزة التعدية، فتطبق عليهما وعلى أفعالهما -وباقي المشتقات- والأحكام والآثار الخاصة بالأفعال القلبية التي سبق شرحها، ومنها: التعليق، والإلغاء، والحذف اختصارًا لدليل ... فمن أمثلة التعليق: أعلمت الشاهد لأداء الشهادة واجب، وأريته إن1 كتمانها لإثم كبير، ومن أمثلة الإلغاء أو عدمه: النخيل أعلمت البدوي أنسب للصحراء -أو: أنسب للصحراء أعلمت البدوي النخيل- أو: النخيل أنسب للصحراء أعلمت البدوي، وأصل الجملة: أعلمت البدوي النخيل أنسب للصحراء، أما المفعول به الأول من الثلاثة فقد كان في أصله فاعلًا كما عرفنا، فلا علاقة له بهذه الأحكام والآثار الخاصة بالأفعال القلبية السالفة. ومن أمثلة حذف المفعول به الثاني لدليل أن يقال: عرفت حالة المزرعة؟ فتجب: أعلمني الخبير ... جيدةً، أي: أعلمني الخبير المزرعة جيدة، ومثال حذف الثالث لدليل؛ أن يقال: هل علم الوالد أحدًا قادمًا لزيارتك؟ فتجيب: أعلمته زميلًا، أي: زميلًا قادمًا2 لزيارتي ومثال حذف الثاني والثالث معًا أن تقول: أعلمته. فإن كان الفعل: "علم" بمعنى: "عرف" أو كان الفعل: "رأى" بمعنى "أبصر" - لم ينصب كلاهما في أصله إلا مفعولًا به واحدًا كما سبق3، نحو: علمت الطريق إلى النهر -رأيت الشهب المتساقطة، فإذا دخلت على أحدهما همزة التعدية صيرته ينصب مفعولين، نحو: أعلمت الرجل الطريق إلى النهر، وأريت4 الغلام الشهب المتساقطة، وهذان المفعولان ليسا في الأصل مبتدأ وخبرًا؛ إذ لا يصح: الرجل الطريق -الغلام الشهب، ولهذا لا يصح

_ 1 يوضح هذ المثال مع كسر همزة "إن" ما سبق في رقم3 من هامش ص33. 2 المعنى الأساسي لا يتم إلا بهذه الكلمة، فلا تعرب حالا؛ لأن الحال فضلة. 3 في ص13، 14. 4 سبقت أحكام خاصة ببعض حالات هذا الفعل عند بنائه للمجهول، وطريقة إعرابه -في رقم3 من هامش ص16 م60.

تطبيق الأحكام وآثار الخاصة بالأفعال القلبية عليهما، إلا التعليق فجائز؛ ومنه قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي 1 كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} . وقد نصت كتب اللغة على أفعال أخرى -قلبية وغير قلبية- قد ينصب كل فعل منها بذاته ثلاثة من المفاعيل، دون وجود همزة التعدية قبله، وأشهر تلك الأفعال خمسة: نبأ - أنبأ - حدث - أخبر - خبر ... مثل: نبات الطيار الجو مناسبًا للطيران - أنبأت البحار الميناء مستعدًا - حدثت الصديق الرحلة طيبة - أخبرت المريض الراحة لازمة - خبرت البائع الأمانة أنفع له، والكثير من الأساليب المأثورة أن يكون فيها تلك الأفعال الخمسة مبنية للمجهول، وأن يقع أول المفاعيل الثلاثة نائب فاعل مرفوعًا، ويبقى الثاني والثالث مفعولين صريحين، ومن الأمثلة قول الشاعر: نبت نعمى على الهجران عاتبة ... سقيًا ورعيًا2 لذاك العاتب الزاري وقد جاء في القرآن "نبأ" ناصبًا مفعولًا واحدًا صريحًا، وسد مسد المفعولين الآخرين جملة "إن" مع معموليها، بعد أن علقت الفعل عنها باللام في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 3.

_ 1 فالآية تشتمل على فعل الأمر "أر"، وهو من "أرى" البصرية التي تنصب مفعولين بشرط وجود همزة التعدية قبلها، و"ياء المتكلم" هي مفعوله الأول، وجملة "كيف تحيي الموتى" في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، في الرأي الراجح، باعتبار "كيف: استفهامية معمولة للفعل: "تحي" "وقد سبق الكلام على إعراب "كيف" في ج1 ص 462 م 39، وسيجيء في رقم 3 من هامش ص113. 2 في رقم 3 من هامش ص 222 بيان عن كلمتي "سقي ورعي"، وفي ج1 م39 ص 468 بيان أكمل. 3 فيما سبق يقول ابن مالك في باب مستقل، عنوانه: "أعلم وأرى". إلى ثلاثة "رأى و"علما" ... عدوًا، إذا صارا: أرى وأعلما وما لمفعولي: "علمت مطلقًا" ... للثان والثالث: أيضًا حققا التقدير -وهو شرح أيضًا-: النحاة عدوا الفعل: "رأى" والفعل: "علم" إلى ثلاثة من المفاعيل إذا صار كل من الفعلين في صيغة جديدة؛ هي: "أرى، وأعلم"؛ حيث سبقتهما "همزة التعدية"، ثم بين أن ما ثبت لمفعولي "علم" من الأحكام المختلفة باعتبارهما في الأصل مبتدأ وخبرًا -يثبت للثاني والثالث هنا، فليس الثاني والثالث مع وجود همزة التعدية إلا الأول، والثاني قبل دخولها على فعلهما، "والألف في "علماء" وأعلما -وحققا- ألف الإطلاق الزائدة لوزن الشعر، ثم قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الأساليب الفصيحة: أحب العلوم، ولا تر ما العلوم الكونية، أو: أحب العلوم، ولو تر ما العلوم الكونية ... بمعنى: ولا سيما العلوم الكونية. وقد سبق الكلام مفصلًا على: "لا سيما" وعلى هذه الأساليب التي بمعناها 1- وسيجيء هنا لمناسبة أخرى2.

_ = وإن تعديا لواحد بلا ... همز، فلاثنين به توصلا والثان منهما كثاني اثني كسا ... فهو به في كل حكم ذو ائتسا يريد: إذا تعدى كل من "علم" و"رأى" إلى مفعول واحد قبل مجيء حرف التعدية "وهو: الهمزة"، فإن الفعل يتوصل بحرف الهمزة إلى مفعولين يتعدى لهما"، ليس أصلهما المبتدأ والخبر، الثاني منهما كالثاني للفعل: "كسا" في مثل: كسوت المحتاج ثوبًا؛ حيث لا يصلح الثاني في هذا المثال، وأشباهه أن يقع خبرًا للأول: إذ لا يصح: المحتاج ثوب ... ولما كان المفعول الثاني للفعل: "كسا" ليس خبرًا في الأصل -كان هو وفعله غير قابلين للأحكام الخاصة بالأفعال القلبية وآثارها، ومنها أن يكون جملة، وشبه جملة، والإلغاء ... و ... إلا التعليق فيجوز على الوجه الذي سبق في ص60، ومثله المفعول الثاني للفعل: "علم" بمعنى "عرف" والفعل "رأى" بمعنى: "أبصر" كلاهما يشبهه في هذا الحكم، فالمفعول الثاني للفعل "علم" و"رأى" بالمعنيين المذكورين "ذو ائتسا" بالمفعول الثاني للفعل: "كسا" أي: ذو محاكاة ومتابعة واقتداء به فيما سبق، ثم قال ابن مالك: وكأرى السابق: نبا، أخبرا ... حدث، أنبأ، كذاك خبرا أي: مثل الفعل: "أرى" السابق أول الباب، في نصب ثلاثة من المفاعيل بضعة أفعال أخرى، سرد منها في البيت خمسة، وإنما قال "أرى" السابق ليبتعد عن "أرى" الذي بعده وهو الذي ينصب مفعولين بعد دخول همز التعدية، وماضيه هو: رأى، بمعنى: نظر. 1 في ج 1 م 28 ص 363 -الطبعة الثالثة. 2 في "هـ" من ص 361.

المسألة 65: الفاعل

المسألة 65: الفاعل 1 تعريفه: اسم، مرفوع، قبله فعل تام2، أو ما يشبهه 3، وهذا الاسم هو الذي فعل 4 الفعل، أو قام به 5.

_ 1 للنحاة فيه تعريفات كثيرة، راعوا في أكثرها جانب اللفظية المنطقية، ولا بأس بهذا؛ لولا أنهم بالغوا حتى انتهوا إلى إطالة مذمومة لا تناسب التعريف، أو اختصار معيب؛ يحوي الغموض والإبهام، وقد اخترنا من تعريفاتهم ما خلا من العيبين السالفين، ومال إلى الوضوح، واليسر، وإن اشتمل على بعض أجزاء يعدها المناطقة من أحكام الفاعل، لا من تعريفه؛ مثل: الرفع، ولكن هذا لا أهمية له قديمًا وحديثًا. 2 أي: ليس من الأفعال الناقصة -وهي النواسخ التي تحتاج إلى اسم وخبر، لا إلى فاعل؛ مثل: الفعل "كان" وأخواتها الفعلية- ويشترط في الفعل أيضًا أن يكون مبنيًا للمعلوم؛ لأن المبني للمجهول يحتاج إلى نائب فاعل في الأغلب، ولا يحتاج إلى فاعل، وإنما قلنا في "الأغلب" لتخرج الأفعال الملازمة للبناء للمجهول -فيما يقال- فإنها قد تحتاج لفاعل أحيانًا -وسيجيء البيان، والتفصيل في ص 108. 3 من كل ما يعمل عمل الفعل؛ كالمصدر، واسم الفاعل، والصفة المشبهة، وباقي المشتقات العاملة التي سبق الكلام عليها "في الباب الأول، هامش ص4، وغيره" وكاسم الفعل أيضًا، فالمصدر نحو عجبت من إتلاف المال محمد، واسم الفاعل؛ مثل: أصانع الثوب فتاة؟ والصفة المشبهة مثل: سحرنا الخطيب بكلام جميل أساليبه، قوي براهينه، وأفعل التفضيل؛ نحو: هذا الإكمال خلقه ... وهكذا، ما اسم المفعول فحكمه حكم المبني للمجهول، كلاهما يرفع نائب فاعل، "كما سيجيء"، ومثل الجامد المؤول بالمشتق؛ نحو: العدو نمر، أي: هو؛ لأنه بمعنى: غادر فهو جامد مؤول بالمشتق وفاعله ضمير مستتر فيه، وقد يكون ظاهرًا نحو: القائد، أسد هجماته، أي: القائد جريئة هجماته. "وقد سبق بيان الجامد المؤول بالمشتق في ج 1ص 326 م33 باب المبتدأ ". 4 أو يفعله الآن، أو في المستقبل؛ ليشمل المضارع الذي يقع مدلوله الآن أو في المستقبل؛ ويشمل الأمر الذي يقع مدلوله في المستقبل؛ وكذا الفعل الذي قبله أداة تعليق؛ مثل: إن يحضر الغائب نستقبله، والفعل هنا قد يكون داخلًا في جملة إنشائية للمدح؛ مثل: نعم المحسن؛ لأن الفعل في بعض الجمل، ومنها الجمل الإنشائية التي للمدح، وفي التعريفات العلمية لا يدل على زمان -كما قرره المحققون، وأشرنا إليه هامش ج1 ص 31 م 4- ولا فرق بين أن يكون معنى الفعل موجبًا أو منفيا؛ نحو: انتصر الشجاع، ولم ينتصر الجبان. 5 يرد على البال السؤال عن الفرق المعنوي بين الفاعل الذي قام به الفعل، والمفعول به الذي وقع عليه الفعل؛ لأن المعنى اللغوي للعبارتين واحد، بحيث لو وضعت إحداهما مكان الأخرى ما تغير المعنى اللغوي ... =

فمثال الاسم، صريحًا، أو مؤولًا: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} ، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1، "شاع أن البغي وخيم العاقبة"، "اشتهر أن تنتقل العدوى من المريض للسليم". ومثال ما يشبه الفعل: أواقف على الشجرة عصفورة - ما فرج أعداؤنا بوحدتنا وقوتنا، فكلمة: "عصفورة" فاعل للوصف؛ "وهو" واقف، اسم الفاعل" وكلمة: "أعداؤنا" فاعل للوصف: "فرح - الصفة المشبهة". ومن أمثلة الفاعل الذي قام به الفعل أيضًا: اتسعت ميادين العمل في بلادنا، وتنوعت أسبابه؛ فلن يضيق الرزق بطالبيه ما داموا جادين.

_ = إن الفرق اللفظي بين الفاعل والمفعول به معروف للنحاة؛ فالفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، وهذا الفرق اللفظي يستتبع عندهم فرقا اصطلاحيًا في معنى كل جملة، يوضحه ما يأتي: "تحرك الشجر"، كلمة: "الشجر" تعرب فاعلا نحويًا، لكن هذا الإعراب لا يوافق المعنى اللغوي الواقعي لكلمة: "فاعل"، وهو: "من أوجد الفعل حقيقة، وباشر بنفسه إبرازه في الوجود"؛ لأن الشجر لم يفعل شيئًا؛ إذ لا دخل له في إيجاد هذا التحرك، ولا في خلقه، وجعله حقيقة واقعة بعد أن لم تكن، فليس للشجر عمل إيجابي -مطلقا- في إحداث التحرك، وكل علاقته به أنه استجاب له، وتفاعل معه؛ فقامت الحركة به؛ وخالطته، ولابسته، من غير أن يكون له اختيار أو دخل في إيجادها، كما سبق، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التحرك من العدم، وكان السبب الحقيقي في إبرازه للوجود؟ ليس في الجملة ما يدل عليه، أو على شيء ينوب عنه، فإذا قلنا: حرك الهواء الشجر -تغير الأمر؛ فظهر الفاعل الحقيقي المنشئ للتحرك، وبان الموجد له، الذي أوقع أثره على المفعول به. مثال آخر: تمزقت الورقة، تعرب كلمة: "الورقة" فاعلًا نحويًا، وهذا الإعراب لا يوافق ولا يساير المعنى اللغوي لكلمة؛ "فاعل"، ولا يوافق الأمر الواقع؛ لأن الورقة في الحقيقة لم تفعل شيئًا؛ فلم تمزق نفسها، ولا دخل لها في تمزقها، ولا تشترك فيه بعمل إيجابي يحدثه؛ ولكنها تأثرت به حين أصابها، فأين الفاعل الحقيقي -لا النحوي- الذي أوجد التمزق، وجعله حقيقة قائمة بالورق؟ لا وجود له في الجملة، ولا دليل يدل عليه أو على شيء ينوب عنه، لكن إذا قلنا: مزق الطفل الورقة -ظهر الفاعل الحقيقي، واتضح من أوجد الفعل بمعناه اللغوي الدقيق. ومما سبق يتبين الفرق المعنوي بينهما، وأنه ينحصر في: أ- أن الفاعل النحوي -على الوجه السالف- ليس هو الفاعل الحقيقي، وإنما هو المتأثر بالفعل، وليس في الجملة ما يدل على ذلك الفاعل الحقيقي، أو على شيء ينوب عنه. ب- وأن المفعول به ليس فاعلًا نحويًا ولا حقيقيًا، وإنما هو المتأثر بالفعل، أيضًا، ولكن مع اشتمال جملته على الفاعل الحقيقي، أو ما ينوب عنه. 1 المراد بالاسم الصريح هنا: ما يشمل الضمير، كما في الآية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يكون الفاعل مؤولًا إذا وقع مصدرًا منسبكًا من حرف مصدري وصلته. وحروف المصادر خمسة1، لكن الذي يصلح منها للسبك في باب الفاعل ثلاثة2؛ هي: "أن" - "أن" - "ما"، المصدرية بنوعيها، مثل: يسعدك أن تعمل الخير، ويسعدني أنك حريص عليه، "أي: يسعدك عمل الخير ويسعدني حرصك عليه" ... ومثل: ينفعك ما أخلصت في عملك - يسرني ما طالت ساعات الصفر، "أي: ينفعك إخلاصك في عملك -يسرني مدة 3 إطالة ساعات الصفو"، فلا يوجد المصدر المؤول إلا من اجتماع أمرين مذكورين - غالبًا 1 في الكلام، هما: حرف سابك وصلته، ولا يجوز حذف أحدهما إلا "أن" الناصبة للمضارع

_ 1 و 1 حروف المصادر وتسمى: "حروف السبك"، خمسة، وهي: "أن الناصبة للمضارع أن مشددة ومخففة - ما - كي - لو "، وقد سبق الكلام على معناها، وصلتها، وكل ما يتعلق بها في ج 1 - آخر باب: الموصول - ص 368 م 29 من هذا الكتاب، وزاد عليها بعضهم همزة التسوية؛ فإنها من أدوات السبك عندهم، وهي التي تقع بعد كلمة: "سواء" ويليها صلتها مشتملة على لفظة "أم" الخاصة بهما. كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ... } فالهمزة تسبك - بغير سابك - مع الجملة بعدها بمصدر يعرب هنا فاعلًا. والتقدير: إن الذين كفروا سواء - بمعنى: متساو - إنذارك وعدمه عليهم، فهم يعربون كلمة: "سواء" خبر "إن" والمصدر المؤول - من غير سابك - فاعل لكلمة "سواء" التي هي بمعنى اسم الفاعل. "وتفصيل الكلام على هذا في مكانه الخاص ج3 باب العطف عند بيان أحوال "أم"، ص 431 م 118 -وسبقت الإشارة له في ج 1 بآخر "باب الموصول" م 29، كما قلنا. 2 أما: "كي" المصدرية فلا تصلح للسبك في باب الفاعل؛ لأنها - في الغالب - تكون مسبوقة بلام الجر لفظًا، أو تقديرًا، فالمصدر المؤول منها ومن صلتها مجرور باللام؛ فلا يكون فاعلًا وكذلك: "لو" المصدرية؛ لأنها - في الغالب مسبوقة بجملة فعلية، فعلها "ود" أو "يود" - أو ما في معناهما، فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها يعرب مفعولًا للفعل الذي قبلها ... 3 بشرط أن يكون المراد: أن مدة الإطالة هي التي تسر، وليست الإطالة نفسها؛ وإلا كانت "ما" مصدرية فقط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنها قد تحذف وحدها وجوبا أو جوازا في مواضع معينة، وتبقى صلتها -كما سيجيء1- ومع حذفها في تلك المواضع تسبك مع صلتها الباقية مصدرا يعرب على حسب حالة الجملة، وقد حذفت سماعا في غير تلك المواضع، وبقيت صلتها أيضا، وهو حذف شاذ لا يصح القياس عليه، ومنه قولهم: وما راعني إلا يسير الركب، أي: إلا أن يسير الركب، والتقدير ... ما راعني إلا سير الركب، فالمصدر المؤول فاعل، ومثله: يفرحني يبرأ المريض، أي: أن يبرأ المريض والتقدير: يفرحني برء المريض، فالمصدر المنسبك فاعل، وهو نظير المسموع، وكلاهما لا يجوز القياس عليه، وإنما يذكر هنا لفهم المسموع الوارد في الكلام العربي القديم، دون محاكاته. وقد دعاهم إلى تقدير "أن" حاجة الفعل الذي قبلها إلى فاعل، فيكون المصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعلًا، ولولا هذا لكان الفاعل محذوفًا أو جملة: "يسير الركب - يبرأ المريض"، وكلاهما لا يرضى عنه النحاة، لمخالفته الأعم الأغلب. وبهذه المناسبة نشير إلى أن الراجح الذي يلزمنا أتباعه اليوم يرفض أن تقع الجملة الفعلية أو الاسمية فاعلًا، وأما قوله تعالى في قصة يوسف: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّه} ، فالفاعل ضمير مستتر تقديره، "هو" عائد على المصدر المفهوم من الفعل، أي: بدا لهم بداء، أي: ظهور رأي، وهذا أحد المواضع التي يستتر فيها الضمير - كما سبق2. وهناك رأي يجيز وقوعها فاعلًا مطلقًا، ورأى ثالث يجيز وقوعها فاعلًا بشرط أن تكون فعلية معلقة3 بفعل قلبي، وأداة التعليق الاستفهام؛ كقوله

_ 1 في الجزء الرابع، باب "إعراب الفعل" حيث الكلام على النواصب ثم الجوازم ... 2 جـ1 ص181 م20 عند الكلام على "مرجع الضمير". 3 شرحنا في الباب الأول: "ظن وأخواتها" التعليق وأدواته، ص27.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} 1، والرأي الأول أكثر مسايرة للأصول اللغوية، وأعبد من التشتيت والتفريق، وأثارهما السيئة في الإبانة والتعبير، فالاقتصار عليه أولى. نعم إن كانت الجملة مقصودًا لفظها وحكايتها بحروفها وضبطها جاز وقوعها فاعلًا؛ لأنها -بسبب قصد لفظها- تعتبر بمنزلة الفرد؛ كأن تسمع صوتًا يقول: "رأيت البشير"، فتقول: "سرني رأيت البشير"؛ فتكون الجملة كلها باعتبارها كتلة واحدة متماسكة، فاعلًا، مرفوعًا بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهروها حركة الحكاية2.

_ 1 تفصيل الكلام على حالات: "كيف الإعرابية والبنائية" في جـ1 م39 ص509. 2 انظر رقم 3 من هامش ص119 حيث البيان الخاص بنوع الجملة التي تصلح نائب فاعل.

المسألة 66: أحكام الفاعل للفاعل أحكام تسعة، لا بد أن تتحقق فيه مجتمعة: أولها: أن يكون مرفوعًا، كالأمثلة المتقدمة، ويجوز أن يكون الفاعل مجرورًا في لفظه، ولكنه في محل رفع، ومن أمثلته إضافة المصدر إلى فاعله؛ في نحو: يسرني إخراج الغني الزكاة؛ فكلمة: "الغني" مضاف إليه مجرور، وهي فاعل المصدر؛ إذ المصدر هنا يعمل عمل فعله1، "أخرج" فيرفع مثله فاعلًا، وينصب مفعولًا به، وأصل الكلام: يعجبني إخراج الغني الزكاة؛ ثم صار المصدر مضافًا، وصار فاعله مضافًا إليه مجرورًا في اللفظ، ولكنه مرفوع في المحل بحسب أصله2، كما قلنا؛ فيجوز في تابعه "كالنعت، أو غيره من التوابع الأربعة3"، أن يكون مجرورًا؛ مراعاة للفظه، أو مرفوعًا مراعاة للمحل، تقول: يعجبني إخراج الغني المقتدر الزكاة؛ برفع كلمة: "المقتدر" أو جرها. ومن أمثلة ذلك أيضًا الفاعل المجرور بحروف جر زائد، ويغلب أن يكون حرف الجر الزائد هو: "من"، أو: "الباء"، أو: "اللام"، نحو: ما بقي من أنصار للظالمين -كفى4 بالحق ناصرًا ومعينًا- هيهات لتحقيق الأمل بغير الجهد الصادق. فكلمة: "أنصار" مجرورة في اللفظ بحرف الجر الزائد: "من"، ولكنها في محل رفع فاعل، وكلمة: "الحق" مجرورة بحرف الجر الزائد: "الباء" في محل رفع؛ لأنها "فاعل"، وكذلك: كلمة: "تحقيق" مجرورة بلام الزائدة في محل رفع؛ لأنها فاعل لاسم الفعل: "هيهات".

_ 1 في أول الجزء الثالث باب خاص بإعمال المصدر، وأحكامه المختلفة، وكذا اسم المصدر. 2 ومثل المصدر المضاف لفاعله اسم المصدر في نحو: يسرني عطاء الغني الفقير. فكلمة "عطاء" اسم مصدر الفعل: "أعطى" الذي مصدره: إعطاء، وقد أضيف اسم المصدر لفاعله، ونصب مفعوله، ففاعله مجرور اللفظ، مرفوع المحل. 3 في آخر الجزء الثالث باب مستقل لكل واحد منها. 4 فعل ماض، معناه: وفي وأغنى: "حصل به الاستغناء"....

فالفاعل في الأمثلة الثلاثة وأشباهها مجرور اللفظ، مرفوع المحل؛ بحيث لو جاء بعده تابع "كالعطف، أو غيره من التوابع الأربعة" لجاز في تابعه الرفع والجر؛ كما أسلفنا- ففي المثال الأول نقول: ما بقي من أنصار وأعوان1 للظالمين؛ بالجر والرفع في كلمة: "أعوان" المعطوفة، وفي المثال الثاني نقول: كفى بالحق والأخلاق ... يجر كلمة: "الأخلاق" ورفعها، وفي الثالث هيهات لتحقيق الأمل والفوز ... بجر كلمة: "الفوز" ورفعها2. ثانيها: أن يكون موجودًا -ظاهرًا، أو مستترًا- لأنه جزء أساسي 3 في

_ 1 إذا كان المعطوف معرفة والمعطوف عليه مجرورًا بمن الزائدة؛ مثل: ما بقي من أنصار والجنود ... ، وجب في المعطوف الرفع فقط - كما يقول النحاة - لأن "من" الزائدة لا تكون جارة زائدة - في الرأي الأغلب - إلا بشرطين - كما سيجيء في ص 462 - أن تكون مسبوقة بنفي أو شبهه، وأن يكون المجرور بها نكرة، ولما كان المعطوف في حكم المعطوف عليه، ويعد معمولًا مثله لحرف الجر الزائد: "من" وجب عندهم أن يكون نكرة كالمعطوف عليه، فإن لم يكن مثله لم يصح أن يكون معمولا للحرف "من" فلا يصح فيه الجر، ويجب فيه الاقتصار على الرفع، وكذا إن كان المعطوف عليه نكرة وأداة العطف: "لكن" أو: "بل"؛ لأن المعطوف بهما بعد النفي والنهي يكون مثبتًا؛ فلا يصح جره؛ لأنه بمنزلة المجرور بالحرف "من" والمجرور به لابد أن يكون نكرة منفية. "راجع إيضاح الكلام على: "بل" و"لكن" في ج1 ص 443 م 43، وفي باب العطف جزء 3". هذا تلخيص كلامهم، وهو مناقض لما يقولونه في مواضع مختلفة؛ من أنه يغتفر في الثواني "أي في التوابع وأشباهها" ما لا يغتفر في الأوائل -راجع البيان ص 338 م 81، وله إشارة 632- وبنوا على هذا أحكامًا كثيرة؛ فلا داعي هنا لخروجهم على ما قرره، وتشددهم وتضييقهم. والرأي -عندي- تطبيق قاعدتهم السابقة على توابع الفاعل المجرور؛ فيجوز في توابعه الجر مطلقًا؛ مراعاة للفظ المجرور، والرفع مراعاة لمحله، وليس في هذا ضرر لفظي أو معنوي بل فيه تيسير، وتخفف، وتقليل للتفريغ. 2 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: الفاعل الذي كمرفوعي: أتى ... زيد منيرًا وجهه، نعم الفتى وقد اكتفى في تعريف الفاعل بذكر أمثلة مستوفية للشروط هي: أتى زيد ... فكلمة "زيد" فاعل للفعل المتصرف: "أتى" وكلمة: "وجه" فاعل للوصف المشبه للفعل؛ وهو: "منير" اسم فاعل، و"الفتى" فاعل للفعل الجامد: "نعم"؛ فقد عدد الفاعل تبعًا لأنواع العامل. 3 الجزء الأساسي في الجملة، أو الأصيل، هو: الذي لا يمكن الاستغناء عنه في أداء معناها الأصلي، ويسميه النحاة: عمدة، ومنه: المبتدأ - الخبر - الفاعل - كثير من أنواع الفعل ...

جملته؛ لا بد منه، ولا تستغني الجمة عنه لتكملة معناه الأصيل مع عامله؛ ولهذا لا يصح حذفه. ويستثنى من هذا الحكم أربعة أشياء1 كل منها يحتاج للفاعل، ولكنه قد يحذف -وجوبًا، أو جوازًا- لداع يقتضي الحذف؛ وهي: أ- أن يكون عامله مبينًا للمجهول؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، ومثل: إن القوي يخاف بأسه. وأصل الكلام: كتب الله عليكم الصيام إن القوي يخاف الناس بأسه ... ثم بني الفعل للمجهول، فحذف الفاعل وجوبًا: وحل مكانه نائب له. ب- أن يكون الفاعل واو جماعة أو ياء مخاطبة، وفعله مؤكد بنون التوكيد؛ كالذي في خطبة أحد القواد ... " أيها الأبطال، لتهزمن أعداءكم، ولترفعن راية بلادكم خفاقة بين رايات الأمم الحرة العظيمة ... فأبشري يا بلادي "فوالله لستمعن أخبار النصر المؤزر2، ولتفرحن بما كتب الله لك من عزة، وقوة، وارتقاء". "وأصل الكلام: تهزمونن - ترفعونن - تسمعينن - تفرحينن - حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، ثم حذفت وجوبًا واو الجامعة وياء المخاطبة، لالتقاء الساكنين"3. جـ- أن يكون عامله مصدرًا؛ مثل: إكرام الوالد4 مطلوب، والحذف هنا جائز.

_ 1 زاد عليها بعض النحاة، ولكن الزيادة لم تثبت على التمحيص، ولم يرض عنها المحققون "راجع الخضري ج 1، والصبان ج2 أول باب الفاعل عند الكلام على مواضع حذفه" بل إنهم لم يرضوا عن هذه الأربعة، وقالوا هناك: إن الحذف فيها ظاهري فقط، وليس بحقيقي، ولهم أدلتهم المقبولة القوية، وإن كنا قد وقفنا وسطًا. 2 البالغ الشديد. 3 الكلام على هذا الحذف من نواحيه المختلفة مدون بالجزء الأول ص 2 المسألة السادسة، أما التفصيل الأكمل ففي ج 4 ص 129 م 143، بابي: نون التوكيد، ثم الإعلال والإبدال. 4 يرى بعض النحاة: أن المصدر جامد، فلا يتحمل ضميرًا مستترًا فاعلًًا، إن حذف فاعله الظاهر، إلا أن كان نائبًا من عامله المحذوف فيتحمل ضميره "راجع ص 221"، ويرى بعض آخر أنه جامد مؤول بمشتق فهو محتمل للضمير، ففاعله مستتر فيه "راجع: رقم 2 ص 113 ورقم 2 من هامش ص 221".

د- أن يحذف جوازًا مع عامله لداع بلاغي، بشرط وجود دليل يدل عليهما مثل: من قابلت؟ فتقول: صديقًا1، أي: قابلت صديقًا. وفي بعض الأساليب القديمة التي نحاكيها اليوم ما قد يوهم أن الفاعل محذوف في غير المواضع السالفة، لكن الحقيقة أنه ليس بمحذوف، ومن الأمثلة لهذا: أن يتكلم اثنان في مسألة، يختلفان في تقديرها، والحكم عليها، ثم ينتهي بهما الكلام إلى أن يقول أحدهما لصاحبه: إن كان لا يناسبك فافعل ما تشاء، ففاعل الفعل المضارع: "يناسب" ليس محذوفًا، ولكنه ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود إلى شيء مفهوم من المقام، أي: إن كان لا يناسبك رأيي، أو نصحي، أو الحال الذي أنت فيه2. ومنها: أن يعلن أحدهما رأيه بقوة وتشدد؛ فيقول أحد السامعين: ظهر -أو: تبين- أو: تكشف ... يريد: ظهر الحق.... أو تبين الحق ... أو: تكشف الحق. وقصارى القول: لا بد -في أكثر3 الحالات- من وجود الفاعل اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا مستترًا أو بارزًا، وقد يحذف أحيانًا؛ كما في تلك المسائل الأربعة. وحذفه في المسألتين الأوليين واجب، أما في الأخيرتين فجائز.

_ 1 ليس من اللازم في هذه الصورة، وأشباهها من كل اسم مذكور وحده -أن يعرب مفعولًا به بل يصح إعرابه شيئًا آخر يناسب الغرض والمقام؛ كأن يكون مبتدأ خبره محذوف، أو العكس ... أو ... أو ... أو ... أو ... 2 سبق الكلام على هذا الوضع عند الكلام على مرجع الضمير ج1 ص 230 م19. 3 انظر ص 72.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مذكور أو محذوف؛ منها: "كان"1 الزائدة؛ مثل: المال - كان - عماد للمشروعات العمرانية. ومنها الفعل التالي لفعل آخر؛ ليؤكده توكيدًا لفظيًا؛ مثل: "اقترب - اقترب - القطار"؛ "فتهيأ - تهيأ - له"، فالفعل الثاني منهما مؤكد للأول توكيدًا لفظيًا، فلا يحتاج لفاعل2 مع وجود الفاعل السابق. ومنها أفعال اتصلت بآخرها: "ما" الكافة: "أي: التي تكف غيرها عن العمل، وتمنع ما اتصلت به أن يؤثر في معمول" مثل: طالما - كثر ما - قلما، نحو: "طالما أوفيت بوعدك، وكثر ما حمدت لك الوفاء، وقلما3 يخلف النبيل وعده"، ويعرب كل واحد فعلًا ماضيًا مكفوفًا عن العمل "أي: ممنوعًا" بسبب وجود "ما" التي كفته، وقد يقال في الإعراب: طالما - أو كثر ما - أو: قلما - "كافة ومكفوفة" بمعنى: أن كل كلمة من الاثنتين كفت الأخرى، ومنعتها من العمل، فهي كافة لغيرها، ومكفوفة بغيرها. وهناك رأي أفضل؛ يعرب الفعل ماضيًا، ويعرب "ما" مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعل الفعل الماضي؛ فالتقدير: طال إيفاؤك بوعدك - وكثر حمدي لك الوفاء - وقل إخلاف النبيل وعده، وإنما كان هذا الرأي أفضل؛ لأنه يوافق الأصل العام الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل؛ فلا داعي لإخراج هذه الأفعال من نطاق ذلك الأصل4. هذا ويقول اللغويون: إن تلك الأفعال - هي - في الرأي الأحسن الجدير بالاتباع - لا يليها إلا جملة فعلية؛ كالأمثلة السابقة.

_ 1 تفصيل الكلام على زيادتها، وفائدتها وإعرابها ... في ج 1 ص 428 المسألة: 44. 2 ولا لشيء آخر من المعمولات "طبقا للبيان التفصيلي الآتي في باب التوكيد"، ج 3 - م 116 ص 510. 3 نستعمل: "قلما" في أغلب الأساليب لإثبات الشيء القليل؛ كهذا المثال المذكور بعد، وقد تستعمل في بعض الأساليب للنفي المحض؛ فتكون حرفا نافيًا -لا فعلًا- مثل: "ما" النافية، و"لا" النافية نحو: قلما يسلم السفيه من المكاره. أي: ما يسلم ... ولا بد في استعمالها حرف نفي من وجود قرينة تدل على هذا والأحسن ترك هذا الاستعمال القليل -بالرغم من جوازه- قراره من اللبس. 4 ولأن العلة التي يذكرونها لكف الفعل في مثل: "قلما" وعدم احتياجه للفاعل -وهي كما جاء في المعنى -شبهه في معناه للحرف: "رب" علة واهية. وعلى اعتبار "ما" كافة، يجب وصلها بالفعل الذي قبلها في الكتابة؛ فتشبك بآخره، أما على اعتبارها مصدرية فيجب فصلها في الكتابة.

ثالثها: وجوب تأخيره عن عامله، كالأمثلة السالفة، وقد يوجد في بعض الأساليب الفصحى ما يوهم أن الفاعل متقدم، والواقع أنه ليس بفاعل في الرأي الأرجح؛ ففي مثل: "الخير زاد"، لا نعرب كلمة: "الخير" فاعلًا مقدمًا، وإنما هي مبتدأ، وفاعل الفعل بعده ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الخير، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، وفي مثل: إن ملهوف استعان بك فعاونه، تعرب كلمة: "ملهوف" فاعلًا1 بفعل محذوف يفسره الفعل بعدها؛ والتقدير: إن استعان بك ملهوف -استعان بك- فعاونه، ومثله: إن أحد استغاث بك فأغثه ... وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، فالفاعل لا يكون متقدمًا، ما الاسم التقدم على الفعل في تلك الأمثلة وأشباهها فقد يعرب حينًا، مبتدأ، وفاعل الفعل الذي بعده ضمير مستتر يعود على ذلك الاسم، وقد يعرب في حالات أخرى فاعلًا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده2، أو غير هذا من الأوجه الإعرابية الصحيحة التي تبعده عن أن يكون فاعلًا متقدمًا. رابعها: الشائع أن يتجرد عامله "فعلًا كان، أو شبه فعل" من علامة في آخره تدل على التثنية، أو على الجمع حين يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مثنى أو جمعًا، نحو: طلع النيران -أقبل المهنئون- برعت الفتيات في الحرف المنزلية، فلا

_ 1 بيان السبب في ص 144. 2 هذا رأي فريق كبير من النحاة، وخاصة البصريين ويرى غيرهم -ولا سيما الكوفيين- جواز تقدم الفاعل على عامله، وهم يعربون الاسم الظاهر المرفوع من الأمثلة المذكورة فاعلًا. وبالرغم من الميل للتيسير وتقليل الأقسام يبدو رأي البصريين هنا أقرب مسايرة للأًصول اللغوية؛ ذلك أن مهمة "المبتدأ" البلاغية تختلف عن مهمة "الفاعل"، فلا معنى للخلط بينهما، وإزالة الفوارق التي لها آثارها في المعنى -كما سيجيء إيضاحه مفصلًا في مكانه المناسب ص 144 من باب "الاشتغال". وفي الحكم الثاني والثالث يقول ابن مالك: وبعد فعل فاعل، فإن ظهر ... فهو، وإلا فضمير استتر أي: أن الفعل لا بد له -في الأغلب- من فاعل بعده، فإن ظهر فهو المطلوب، ولا استتار ولا حذف، وإلا فهو ضمير مستتر ... أو محذوف إن كان الموضع موضع حذفه.

يصح في الأمثلة السابقة وأشباهها -طبقًا، للرأي الشائع- أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية، ولا واو جماعة، ولا نون نسوة؛ فلا يقال: طلعًا النيران -أقبلوا المهنئون- برعن الفتيات1 ... إلا على لغة تزيد هذه العلامات مع وجود الفاعل الظاهر بعدها، وهي لغة فصيحة2، ولكنها لم تبلغ من درجة الشيوع والجري على ألسنة الفصحاء ما بلغته الأولى التي يحسن الاكتفاء بها اليوم، والاقتصار عليها؛ إيثارًا للأشهر -وتوحيدًا للبيان- مع صحة الأخرى. ومثل الفعل في الحكم السابق ما يشبهه في العمل، فلا يقال في اللغة الشائعة: هل المتكلمان غريبان؟ هل المتكلمون غريبون، بإعراب كلمتي: "غريبان" و"غريبون" فاعلًا للوصف، ويجوز على اللغة الأخرى3.

_ 1 لا يقال هذا ولو كانت التثنية والجمع من طريق التفريق والعطف بالواو؛ مثل: طلعا الشمس والقمر ... حضروا محمود، وصالح؛ وحامد ... تعلمن فاطمة، ومية وبثينة ... 2 لأن الوارد المسموع بها كثير في ذاته، وإن كان قليلًا بالنسبة للوارد من اللغة الأخرى، ولا معنى لما يتكلفه بعض النحاة من تأويل ذلك الوارد المشتمل على علامة التثنة، أو الجمع مع وجود الفاعل الظاهر بعد تلك العلامة؛ قاصدًا بالتأويل إدخال تلك الأمثلة تحت حكم آخر لا يمنع اجتماع الضمير مع ذلك الاسم المرفوع في جملة فعلية واحدة؛ فهذا خطأ منهم؛ إذ المقرر أن القلة النسبية لا تمنع، القياس، وأنه لا يصح إخضاع لغة قبلية للغة أخرى ما دامت كلتاهما عربية صحيحة. ويستدل الذين يجيزون الجمع من الأمرين بأمثلة كثيرة: منها قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ... وقوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بإعراب كلمة: "الذين" وكلمة "كثير" هي "الفاعل" والواو حرف محض وللدلالة على الجمع، وعليها قول الشاعر: جاد بالأوال حتى ... حسبوه الناس حمقا وقول الآخر: لو يرزقون الناس حسب عقولهم ... ألفيت أكثر من ترى يتكفف ولا داعي عندهم لإعراب الواو فاعلًا، مع إعراب الاسم الظاهر بدلًا، أو غيره من ضروب التأويل التي منها إعراب الاسم الظاهر مبتدأ متأخرًا، وتكون الجملة الفعلية قبله خبرًا متقدمًا ... ومن البديه أن محاكاة القرآن في ألفاظه المفردة والمركبة محكاة دقيقة أمر سائغ بل مطلوب، فإذا حاكيناه في مثل الآيتين السابقتين -وغيرهما- كانت المحاكاة الدقيقة صحيحة قطعًا، ولا يجرؤ أحد أن يصف التركب بالخطأ، ومن شاء بعد ذلك أن يؤول تعبيراتنا بمثل ما أول من الآيتين فليفعل، فليس يعنينا إلا صحة التركيب المساير للقرآن وسلامته من الخطأ، سواء أكانت صحته وليدة التأويل أم غيره، فالمهم الصحة لأنوع التعليل. 3 لعل الأخذ باللغة الأخرى التي تزيد هذه الحروف في آخر الفعل -أحسن في حالة الوصف؛ =

خامسها: أن عامله قد يكون مضمرًا "أي: محذوف اللفظ" جوازًا أو وجوبًا: أ- فيكون العامل مضمرًا "أي: محذوف لفظه" جوازًا إذا وقع جواب استفهام ظاهر الأداة، تشتمل جملته على نظير العامل المحذوف، نحو: من انتصر؟ فتجيب: الشجاع، أي: انتصر الشجاع ... ونحو: أحضر اليوم أحد؟ فتجيب: الضيف، أي: حضر الضيف ... أو يكون في جواب استفهام ضمني مفهوم من السياق من غير تصريح بأدائه ودلالته؛ نحو: ظهر المصلح فاشتد الفرح به ... ؛ العلماء - القادة - الجنود - أي: فرح العلماء - فرح القادة - فرح الجنود فكان سائلًا سألك من فرح به؟ فكان الجواب: العلماء ... و؛ فالاستفهام غير صريح، ولكنه مفهوم من مضمون الكلام، ومثل: ازدحم الطريق؛ الأولاد، السيارات، الدراجات ... أي: زحمه الأولاد، زحمته السيارات ... زحمته الدراجات فليس في الكلام استفهام صريح، وإنما فيه استفهام ضمني، أو مقدر يفهم من السياق؛ فكأن أصل الكلام: من زحمه؟ فأجيب: الأولاد، أي: زحمه الأولاد، ومثل: العيد بهجة مأمولة، وفرحة مشتركة: الكبار، الأطفال، الرجال، النساء ... ففي الكلام سؤال ضمني أو مقدر؛ هو: من يشترك فيها؟ فأجيب: الكبار.. و. أي: يشترك فيه الكبار. .. و..، ومثل: لم يدخل الحزن قلبك لموت فلان، فتقول: بل أعظم الحزن. فكأن أصل الكلام: هذا أصحيح؟ فأجبت أعظم الحزن، أي بل دخله أعظم الحزن ...

_ = لأنه أيسر وأوضح -كما سبق أن قلنا في باب المبتدأ والخبر عند الكلام على الوصف- ج 1 ص 330 م 34، وفي الحكم الرابع يقول ابن مالك: وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين، أو جمع كفاز الشهدا وقد يقال: سعيدا وسعدوا ... والفعل للظاهر بعيد مسند يقول: لا تلحق بآخر الفعل الذي فاعله اسم ظاهر -مثنى أو جمع- علامة تثنية أو جمع، وساق مثالًا لذلك: "فاز الشهداء" فالفاعل جمع تكسير للرجال، وفعله مجرد من علامة جمع الرجال؛ فلم يقل: فازوا الشهداء، ثم عاد فقال: إنه قد يصح في بعض اللغات زيادة علامة التثنية والجمع على اعتبارها مجرد علامة حرفية، وليست ضميرًا فاعلًا؛ لأن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعدها، والفعل قلبه؛ فنقول: سعدا الرجلان، وسعدوا الرجال.

وهكذا1. ب- ويكون العامل مضمرًا وجوبًا إذا وقع مفسرًا بما بعد فاعله من فعل آخر "أو ما يشبهه" يعمل في ضمير يعود على الفاعل الظاهر السابق، أو: في اسم مضاف إلى ضمر2 يعود على ذلك الفاعل؛ نحو: إن ضعيف استنصرك فانصره - إن صديق حضر والده فأحسن استقباله، فالفعل: "استنصر" و"حضر" هو المفسر للفعل المحذوف، وأصل الكلام: إن استنصرك ضعيف استنصرك، وفاعل الفعل المفسر ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على فاعل الفعل المحذوف. وكذلك فاعل الفعل: "حضر" فإنه مفسر لفعل محذوف، والتقدير: إن لابس صديق؛ حضر والده فأحسن استقباله3، فالضمير في كلمة: "والده" مضاف إليه، والمضاف هو كلمة: "الوالد" المعمولة للفعل المفسر: "حضر" وفي هذين المثالين وأشباههما لا يجوز الجمع بين المفسر والمفسر؛ لأن المفسر هنا يدل على الأول، ويغني عنه؛ فهو كالعوض، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه4. سادسها: أن يتصل بعامله علامة تأنيث تدل على تأنيثه "أي: على تأنيث الفاعل حين يكون مؤنثًا، هو، أو نائبه"5، وزيادتها على الوجه الآتي:

_ 1 يجوز في الأسماء التي أعريناها فاعلًا لفعل محذوف إعرابات أخرى لغير ما نحن فيه. 2 هذا الاسم المضاف يسمى: "الملابس للفاعل، أي: الذي يجمعه به صلة أي صلة؛ كقرابة، أو صداقة، أو عمل، أو تملك ... 3 سيجيء في باب: "الاشتغال" تفصيل المسألة، وتوضيحها، وسبب اختيارهم هذا الإعراب -ص 140 م69 و 145 وما بعدهما. 4 وفي الحكم الخامس يقول ابن مالك: ويرفع الفاعل فعل أضمرا ... كمثل: زيد، في جواب: من قرا؟ يريد أن الفاعل قد يكون مرفوعًا بفعل مضمر، "أي: غير مذكور مع فاعله"، وضرب لهذا مثالًا هو: أن يسأل سائل: من قرأ؟ فيجاب: زيد: أي: قرأ زيد. واكتفى بهذا عن سرد التفصيل الخاص بهذا الحكم وقد ذكرناه. 5 وكذلك تدل على تأنيث اسم الناسخ إن كان العالم من النواسخ، وتمتنع التاء، في مواضع سنذكر في "هـ" من ص 84.

أ- إن كان العامل فعلًا ماضيًا لحقت آخره تاء التأنيث الساكنة1، مثل قول شوقي في سكينة بنت الحسين بن علي: رضي الله عنهما: كانت سكينة تملأ الدنيا ... وتهزأ بالرواة روت الحديث، وفسرت ... آي الكتاب البينات ب- إن كان العامل مضارعًا فاعله المؤنث اسم ظاهر، للمفردة، أو لمثناها أو جمعها، لحقت أوله تاء متحركة: مثل: تتعلم عائشة، تتعلم العائشتان -تتعلم العائشات، وكذلك إن كان فاعله ضميرًا متصلًا للغائية المفردة أو لمثناها2، مثل: عائشة تتعلم3- العائشتان تتعلمان، ومثل قولهم: عجبت للباغي كيف تهدأ نفسه، وتنام عيناه، وهو يعلم أن عين الله لا تنام؟ وكالمضارع تملأ" و"تهزأ" في البيت السالف. فإن كان فاعله ضميرًا متصلًا لجمع الغائبات "أي: نون النسوة"، فالأحسن - وليس بالواجب4- تصديره بالياء، لا بالتاء؛ استغناء بنون النسوة في آخره؛ نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، ويسهرن الليالي في رعايتهم. ويصح: تبذلن، تسهرن ... ولكن الياء أحسن -كما تقدم. ج- إن كان العامل وصفًا5 لحقت آخره تاء التأنيث المربوطة6؛ مثل:

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك: وتاء تأنيث تلي الماضي إذا ... كان لأنثى؛ كأبت هند الأذى والفاعل في مثاله مؤنث حقيقي، وقد يكون مؤنثًا - مجازيًا؛ "كالعين؛ والطلول" في قول الشاعر: وتلفتت عيني؛ فمذ خفيت ... عني الطلول، تلفت القلب ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر - وفيه الفاعل مؤنث لفظي مجازي: إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر 2 أما تاء المخاطبة للمفردة، ومثناها، وجمعها؛ فليست تاء تأنيث؛ وإنما هي للدلالة على الخطاب لا على التأنيث؛ نحو: أنت يا زميلتي لا تعرفين العبث - أنتما يا زميلتي لا تعرفان العبث- أنتن يا زميلاتي لا تعرفن العبث. 3 الضمير المستتر نوع من المتصف -كما سبق في ج 1 م 18 ص 198 باب الضمير. 4 كما سبق تفصيل هذا في باب الفعل "ج1 م4 رقم 2 من هامش ص 46 عند الكلام على: المضارع وكذا في "ج" ص 181 م14 عند الكلام على الأفعال الخمسة. 5 أي: اسمًا مشتقًا. 6 انظر "ج" من ص 84 حيث التكملة.

أساهرة والدة الطفل؟. وحكم زيادة تاء التأنيث عام ينطبق على المواضع الثلاثة السالفة " أ - ب - ج " غير أن زيادتها قد تكون واجبة، وقد تكون جائزة، فتجب في حالتين. الحالة الأولى: أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقي التأنيث1، متصلًا

_ 1 المؤنث أنواع اصطلاحية، فمنه: "المؤنث الحقيقي" وهو الذي يلد ويتناسل. وقد يكون تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ كالطيور. ومنه: " المؤنث المجازي"، وهو الذي لا يلد ولا يتناسل، ولكنه يجري في أغلب استعمالاته اللفظية على حكم المؤنث الحقيقي فيؤنث له الفعل أحيانًا، وكذلك الصفة والخبر، ومن أمثلته: شمس، أرض، سماء ... ومن الأنواع: "المؤنث اللفظي" وهو الذي يشتمل لفظه على علامة تأنيث؛ سواء أكان مؤنثًا حقيقي، أم مجازيًا، أم دالًا على مذكر، فمن أمثلة المؤنث اللفظي والحقيقي معًا: عائشة - فاطمة - ليلى - سعدى - نجلاء، ومن أمثلة المؤنث اللفظي والمجازي معًا: ورقة، صحيفة، صحراء، ومن أمثلة المؤنث اللفظي ومعناه مذكر: طلحة، معاوية ... وهناك نوع من المؤنث يسمونه "المؤنث المعنوي" فقط هو: ما كان دالًا على مؤنث مطلقًا، مع خلو لفظه من علامة تأنيث. ونوع آخر يسمونه: "المؤنث تأويلًا"؛ كالكتاب، مرادًا به: الصحيفة: وكاللسان، مرادًا به الرسالة. ونوع آخر؛ يقال له: "المؤنث حكمًا" وهو المذكر المضاف لمؤنث؛ نحو كلمة: "كل" في قوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ، ونحو كلمة: "صدر" في قول الشاعر: "وتحطمت صدرا لفتاة على العدا" فكلمة: "كل" مذكرة، وكذا كلمة: "صدر"، ولكنهما في المثالين مؤنثتين؛ فقد اكتسبتا التأنيث من المضاف إليه وأنث الفعل لتأنيثهما، وهذا النوع وكذا المؤنث تأويلًا مع جواز استعماله وصحة محاكاته يقتضينا أن نقتصد في استعماله، منعًا للشبهة اللغوية: وحيرة السامع والقارئ، فإن خيف اللبس باستعماله وجب العدول عنه، نزولًا على الصالح اللغوي. وليس من اللازم أن توجد لأمة لفظية للتأنيث في المؤنث الحقيقي، أو المجازي: فقد توجد كبعض الأمثلة السابقة: أو لا توجد مثل: زينب، سعاد، مي ... ومثل: عين، أذن، يد ... " وفي الجزء الرابع -ص 437 م169- الباب الشامل الخاص بالتأنيث، وأقسامه المتعددة، وعلاماته، وأحكامه المختلفة". وقد أشار ابن مالك إلى حالتي الوجوب بقوله: وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهم ذات حر يريد: أن علامة التأنيث تكون لازمة في الفعل فاعله ضمير متصل مستتر، أو بارز - يعود على مؤنث مطلقًا، وكذلك في الفعل الذي فاعله اسم ظاهر متصل به ما يفهم، ويدل على مؤنثة حقيقية ...

بعامله مباشرة1، غير مراد منه الجنس، وغير جمع2 وما يجري مجراه كقولهم: سعدت امرأة عرفت ربها حق المعرفة؛ فأطاعته: وشقيت امرأة لم تراقبه في السر والعلن، ويلاحظ التفصيل الآتي: 1- إن كان الفاعل اسمًا ظاهرًا مؤنثًا حقيقيًا، ولكنه مفصول من عامله بفاصل جاز تأنيث العامل وعدم تأنيثه3؛ نحو: نسق الزهر مهندسة بارعة، أو نسقت ... ومثل: ما صاح إلا طفلة صغيرة، أو: صاحت، وعدم التأنيث هو الأفصح حين يكون الفاصل كلمة: "إلا" 4 والأفصح مع غيرها التأنيث5.

_ 1 لزم التأنيث في هذه الحالة باق إذا عطف على الفاعل مذكر؛ نحو: قامت عائشة ومحمد، كما يلزم التذكير في عكسه؛ مثل: قام محمد وعائشة، أما قولهم يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع فخاص بنحو: عائشة ومحمد قائمان. "راجع الصبان" وانظر ما يتصل بهذا في رقم 4 من هامش ص 83. 2 بأن يكون مفرد، أو مثنى؛ لأن للمجموع حكمًا سيجيء هنا. 3 سواء أكان الفاصل ضميرًا كالذي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} ... أم غير ضمير كالأمثلة التي ستجيء. 4 أو: غير، أو سوى ... مع ملاحظة أن كلمة: "غير" أو: "سوى" هي التي تعرب فاعلًا، ولكنها مضافة إلى المؤنث. 5 وفي هذا يقول ابن مالك: وقد يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو: أتى القاضي بنت الواقف يريد: أن الفصل بين الفعل وفاعله الظاهر المؤنث الحقيقي الذي وصفناه -يبيح تجريد الفعل من علامة التأنيث، وضرب لذلك مثلًا هو: أتى - القاضي - بنت الواقف، ويصح أتت القاضي، ولولا الفصل لوجب تأنيث الفعل، ثم قال: والحذف مع فضل بإلا فضلا ... كما زكا إلا فتاء ابن العلا وفي رأي ابن مالك أن عدم التأنيث مفضل على التأنيث حين يكون الفاصل كلمة: "إلا" مثل: ما زكا إلا فتاة ابن العلا؛ ما صلحت إلا فتاة الرجل المعروف بابن العلا، ثم قال: والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعر وقع أي: أن العامل الذي فاعله مؤنث ظاهر حقيقي قد يتجرد من علامة التأنيث مع عدم وجود فاصل؛ نحو: قال فتاة، وكذلك قد تحذف علامة التأنيث من العامل الذي فاعله ضمير متصل -مستتر، أو بارز- يعود على مؤنث مجازي "ذي مجاز، أي: صاحب مجاز" نحو الأرض اهتز بالأمس اهتزازًا شديدًا، ثم انشق بعد ذلك وهذا الحذف شاذ لا يصح محاكاته، ولا القياس عليه.

2- وكذلك يصح الأمران إن كان الفاعل ظاهرًا، ومؤنثًا حقيقيًا غير مفصول، ولكن لا يراد به فرد معين، وإنما يراد به الجنس كله ممثلًا في الفاعل: فكأن الفاعل رمز لجنس معناه، أو مرادٌ به ذلك الجنس كله، ومنه "الفاعل" الذي فعله: "نعم" أو"بئس" أو أخواتهما1، فيجوز إثبات علامة التأنيث في العامل وحذفها: نحو: نعم الأم، ترعى أولادها، وتشرف على شئون بيتها ... فكلمة "الأم" هنا لا يراد بها واحدة معينة، وإنما يرمز بها إلى جنس الأم من غير تحديد ولا تخصيص، وهذا على اعتبار "أل" جنسية2؛ فيجوز أن يقال: نعم الأم، ونعمت الأم3. 3- وكذلك إن كان الفاعل ظاهرًا ولكنه جمع تكسير للإناث، أو الذكور فيصح تأنيث العامل، وعدم تأنيثه؛ نحو: عرفت الفواطم طريق السداد، واتبعت الهنود سبل الرشاد، ويصح: عرف ... واتبع ... ؛ فالتأنيث على قصد تأويل الفاعل بالجماعة، أو الفئة، وعدم التأنيث على قصد تأويله بالجمع أو الفريق؛ فكأنك في الحالة الأولى تقول: عرفت جماعة الفواطم طريق السداد، واتبعت جماعة الهنود سبل الرشاد، وكأن: في الحالة الثانية تقول: عرف جميع الفواطم 4 ... واتبع جمع الهنود 4 ... فالتأنيث ملاحظ فيه معنى "الجماعة"، والتذكير ملاحظز فيه معنى " الجمع"، وكأن العامل مسند إلى هذه أو تلك؛ ويجري التأنيث أو التذكير على أحد الاعتبارين. ومثل قولهم؛ إذا دعا البدوي استجاب سكان الحي لدعوته؛ فأسرع الرجال

_ 1 في الجزء الثالث باب خاص بهما، وبألفاظ المدح والذم الأخرى. 2 وليست للعهد، ومقتضى ذلك -كما قالوا، ونصوا على أنه لا بعد فيه- جواز الأمرين في مؤنث قصد به الجنس؛ نحو: صار المرأة متعلمة كالرجل. ومثل هذا: ما قام من امرأة؛ فيصح زيادة تاء التأنيث وعدم زيادتها؛ لأن "من" أفادت الجنسية، بخلاف ما قامت امرأة؛ لكون المراد بها الفرد، وإنما جاء العموم من النفي ... 3 ليس من اللازم في هذه الصورة أن يكون الفاعل ظاهرًا، فقد يكون ضميرًا مفسرًا بنكرة بعده، نحو: نعم فتاة عائشة؟ 4-4 وإنما صح حذف التاء من الفعل مع أن فاعله اسم ظاهر حقيقي التأنيث؛ لأن تأويله بمعنى " الجمع" جعله بمنزلة المذكر مجازًا؛ فأزال المجازي الطارئ ما كان يلاحظ لأجل التأنيث الحقيقي كما أزال التذكير الحقيقي في "رجال " في الصورة التالية.

إليه، وبادر الفتيان لنجدته ... ويجوز: استجابت - أسرعت - بادرت؛ فيجري التأنيث أو التذكير هنا - كما في سابقتها - على أحد الاعتبارين. ويجري على اسم الجمع1 واسم الجنس الجمعي2 المعرب3، ما يجري على جمع التكسير؛ نحو: قالت طائفة لا تسالموا العدو، ونحو: شربت البقر ... ويجوز: "قال، وشرب"4 ... 4- وإن كان الفاعل الظاهر جمع مؤنث ساملًا - مستوفيا للشروط 5- فحكمه كحكم مفرده؛ فيجب تأنيث عامله - في الرأي الأقوى- كقولهم: بلغت الأعرابيات في قوة البيان وبلاغة القول مبلغ الرجال، وكانت الشاعرات تجيد

_ 1 هو ما يدل على ما يدل عليه الجمع، ولكن ليس له مفرد من لفظه، مثل: قوم - رهط - طائفة، أو: هو ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معًا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه - فيدخل فيه اسم الجمع ماله مفرد من معناه فقط، مثل: إبل وقوم، وجماعة؛ فلهذه الكلمات - وأشباهها - مفرد من معناها فقط، فمفرد إبل هو: جمل أو ناقة: ومفرد قوم وجماعة هو: رجل أو امرأة، وليس لها مفرد من لفظها ومعناها معًا، وبرغم دلالتها على أكثر من اثنين، وسنعيد هذا البيان مفصلًا في ج 4 باب "جمع التكسير"، م 174 ص 625 وباب "التأنيث" م169 - حيث الكلام في: "ج" على تذكير أسماء الجمع وتأنيثها ... و ... لمناسبة تقتضيه هناك. 2 سبق تعريفه وكل ما يتصل به في ج 1 م 1 ص 20، وانظر حكم مفرده في: "أ" ص 84. 3 بخلاف المبني مثل "اللذين" في رأي من يعتبرها اسم جنس جميعًا "وانظر" "أ" في ص 84 حيث تتمة الحكم الخاص بعامل اسم الجنس الجمعي. 4 وفي جمع التكسير وفي فاعل "نعم" وأخواتها، "وهي التي سبق الكلام عليها قبل جمع التكسير -ص 81" يقول ابن مالك: والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللبن أي: تاء التأنيث التي تزاد في العامل على تأنيث الفاعل - حكمها من ناحية وجودها أو الاستغناء عنها، كحكمها في العامل الذي يكون فاعله هو كلمة: "اللبن" "بمعنى: الطوب الذي لم يطبخ بالنار ولم يدخلها" حيث يقال: تكاثر اللبن، أو تكاثرت اللبن؛ بزيادة تاء التأنيث أو بحذفها؛ فكذلك الشأن في كل جمع سوى جمع المذكر السالم المستوفي للشروط -وجمع المؤنث السالم المستوفي أيضًا- فلم يبق جمع سواهما إلا جمع التكسير، فكأنه يريد أن يقول: إذا كان الفاعل جمع تكسير جاز في عامله التأنيث؛ نحو: قام الرجال، وقامت الرجال، على نحو ما شرحناه، ثم قال: والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين 5 سبقت شروطه في جـ1 ص100 المسألة 12.

القريض كالشعراء، وربما سبقت شاعرة كثيرًا من الفحول ... فإن لم يكن مستوفيًا للشروط جاز الأمران؛ نحو: أعلنت الطلحات السفر، أو أعلن ... "جمع: طلحة، اسم رجل"، وكقول بعض المؤرخين: "لما تمت "أذرعات" 1 نباء وعمرانًا هيأ واليها طعامًا للفقراء، ونظر فإذا جمع من النساء مقبل؛ فقال: الحمد لله، أقبل أولات الفضل من عملن بأنفسهن، وساعدن بأولادهن؛ ابتغاء مرضاة الله " فيصح في الفعلين: "تم ... " "أقبل ... " زيادة تاء التأنيث في آخرهما، أو عدم زيادتها. وبديه أن الفاعل إذا كان جمع مذكر سالمًا مستوفيًا للشروط، لا يجوز -في الرأي الأصح- تأنيث عامله وإنما يحكم له بحكم مفرده، كقولهم: "أسرع المحاربون إلى لقاء العدو، فرحين، ولم يتزحزح الواقفون في الصفوف الأمامية، ولم يتقهقر الواقفون في الصفوف الخلفية؛ حتى كتب الله لهم النصر، وفاز المخلصون بما يبتغون". فإن كان غير مستوف للشروط2 جاز الأمران على الاعتبارين السالفين - "معنى الجمع أو معنى الجماعة" نحو: أظهر أولو العلم في السنوات الأخيرة عجائب؛ لم يشهد الأرضون مثلها من بدء الخليقة، وشاهد العالمون من آثار العبقرية ما جعلهم يرفعون العلم والعلماء إلى أعلى الدرجات؛ فيصح في الأفعال المذكورة عدم إلحاق علامة التأنيث بها كما هنا، أو زيادتها فيقال: أظهرت - تشهد - شاهدت ... 5 وإن كان الفاعل الظاهر مؤنثًا غير حقيقي "وهو: المؤنث المجازي" صح تأنيث عامله وعدم تأنيثه؛ نحو: امتلأت الحديقة بالأزهار -تمتلئ الحديقة بالأزهار، ويصح: امتلأ، ويمتلئ. 6- هناك صور للفاعل المؤنث الحقيقي لا يصح أن يؤنث فيها عامله، منها: أن يكون الفعل هو التاء التي للمفردة؛ مثل: كتبت - أو لمثناها؛ نحو كتبتما،

_ 1 اسم بلد بالشام. 2 ومن هذا أن يدخل على صيغة المفرد عند الجمع تغيير -أي تغيير- في عدد الحروف، أو في ضبطها.

أو التي معها نون النسوة؛ مثل كتبتن1 ... أو يكون الفاعل هو: "نا" التي لجماعة المتكلمات؛ نحو: كتبنا، أو نون النسوة، نحو: كتبن. ومنها: أن يكون الفاعل المؤنث الحقيقي مجرورًا في اللفظ بالباء التي هي حرف جر زائد، وفعله هو: كلمة؛ "كفى" مثل: "كفى بهند شاعرة"2. الحالة الثانية3: أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا عائدَا على مؤنث مجازي، أو حقيقي؟ كقولهم: بلادك أحسنت إليك طفلًا، وأفاءت عليك الخبر يافعًا؛ فمن حقها أن تسترد جزاءها منك شابًا وكهلًا، وكقولهم: الأم المتعلمة تحسن رعاية أبنائها؛ فترفع شأن بلادها4، ففاعل الأفعال "وهي: أحسن - أفاء - تسترد" ضمير مستتر تقديره: "هي" يعود على مؤنث مجازي، وأما فاعل الفعلين: "تحسن - ترفع ... "، فضمير مستتر تقدير: "هي" يعود على مؤنث حقيقي ... فإن كان الفاعل ضميرًا بارزًا منفصلًا كان الأفصح الشائع في الأساليب العالية عدم تأنيث عامله: نحو: " ما فاز إلا أنت يا فتاة الحي" - "الفتاة ما فاز إلا هي" - "إنما فاز أنت - إنما فاز هي"، ووأشباه هذه الصور مما يقال عند إرادة الحصر، ومع أن التأنيث جائز فإن الفصحاء يفرون منه.

_ 1 طريقة إعراب هذا الضمير ونظائره موضحة تفصيلًا في موضعها الأنسب وهو "كيفية إعراب الضمير" ج 1 م 19 ص 213. 2 نص النحاة على أن يكون الفعل هو: "كفى" الذي يكون فاعله مجرورًا بحرف الباء الزائدة، ويفهم من هذا أن غيره من الأفعال التي فاعلها مجرور بحرف جر زائد - قد يتصل بها علامة تدل على تأنيث ذلك الفاعل، بل إنهم ذكروا أمثلة للتأنيث بمناسبة عارضة في باب النائب عن الفاعل، ومن تلك الأمثلة قوله تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} ... وقوله تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} وقوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} . 3 سبقت الأولى من حالتي التأنيث في ص 87. 4 ملاحظة: التأنيث في صور الحالة الثانية واجب ولو عطف على الفاعل مذكر؛ نحو: البنت قامت - هي - والوالد؛ كوجوبه في نحو: قامت البنت والوالد- كما يلزم التذكير في عكسه؛ نحو: الوالد قام هو والبنت؛ كوجوبه في نحو: قام الوالد والبنت، أما قولهم: "يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع فخاص بنحو: البنت والوالد قائمان، الوالد "ولهذا إشارة موضحة سبقت في رقم 1 من هامش ص 79.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اسم الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة - إذا وقع مفرده هذا فاعلًا وجب تأنيث عامله مطلقًا؛ "أي: سواء أكان من الممكن تمييز مذكره من مؤنثه: كبقرة وشاة، أم لم يمكن؛ كنملة ودودة"؛ فيقال: سارت بقرة - أكلت شاة - دأبت نملة على العمل - ماتت دودة. أم اسم الجنس المفرد الخالي من التاء الذي لا يمكن تمييز مذكره من مؤنثه فيجب تذكير عامله، ولو أريد به مؤنث؛ مثل: صاح هدهد - غرد بلبل، ... فإن أمكن تمييز مذكره من مؤنثه روعي في تأنيث العامل، وعدم تأنيثه ما يدل عليه التمييز، فالمعمول عليه في تأنيث عامل اسم الجنس المفرد الخالي من التاء، أو عدم تأنيثه - هو مراعاة اللفظ عند عدم التمييز. ب - إذا كان الفاعل جمعًا يجوز في عامله التذكير والتأنيث "كجمع التكسير"، فإن الضمير العائد على ذلك الفاعل يجوز فيه أيضًا التذكير والتأنيث؛ نحو: قامت الرجال كلهم -أو قام الرجال كلها، والأحسن لدى البلغاء موافقة الضمير للعامل في التذكير وعدمه؛ نحو: قامت الرجال كلها، أو قام الرجال كلهم، ونحو: حضرت الأبطال كلها، أو: حضر الأبطال كلهم، وذلك ليسير الكلام على نسق متماثل. ج- كما تلحق تاء التأنيث الفعل في المواضع السابقة تلحق أيضًا الوصف - كما سبق1- إلا إذا كان الوصف مما يغلب عليه ألا تلحقه التاء في بعض حالاته، مثل: "فعول" بمعنى: "فاعل"؛ كصبور، وجحود ... ومثل: "فعيل" بمعنى: مفعول؛ كطريح وطريد، بمعنى: مطروح، ومطرود2، ومثل: "أفعل التفضيل"3 في بعض صوره، وكذلك لا تلحق آخر اسم الفعل4، كهيهات. ولا العامل

_ 1 في "جـ" من ص77. 2 بيان هذا وتفصيله في الباب الخص بالتأنيث جـ4 م169 ص437. 3 له باب مستقل في جـ3 م112 ص322. 4 له باب مستقل في جـ4 م141 ص108.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كانت شبه جملة على الرأي الذي يجعل شبه الجملة رافعًا فاعلًا بشروط اشترطها، وهو رأي يحسن إغفاله اليوم. د- إذا قصد لفظ كلمة ما؛ "اسمًا كانت، أو فعلًا، أو حرفًا" جاز اعتبارها مذكرة على نية: "لفظ" أو مؤنثة على نية: "كلمة"، وكذلك حروف الهجاء في الرأي الأشهر؛ تقول في كلمة سمعتها مثل: "هواء" أعجبني الهواء، أو: أعجبتني الهواء، فالأولى على إرادة: أعجبني لفظ: "الهواء" والثانية على إرادة: أعجبتني كلمة: "الهواء"، وتقول في إعراب: "أعجب" إنه فعل ماض، أو إنها فعل ماض. وتقول "أل" هو: حرف يفيد التعريف أحيانًا: أو: هي حرف تفيد التعريف أحيانًا، وهكذا. وتنظر للحروف الهجائي "الميم" مثلًا فتقول: إنه جميل المنظر، أو إنها جميلة المنظر ... وعلى حسب التذكير أو التأنيث في كل ما سبق، ونظائره - يذكر أو يؤنث العامل والضمائر وغيرها من كل ما يتصل بالمطابقة. هـ- الأحكام الخاصة بالتذكير والتأنيث المترتبين على وقوع الفاعل مفردا مؤنثًا، تطبق أيضًا حين وقوعه مثنى مؤنثًا، فيجري على عامل الفاعل المؤنث المثنى، وعلى الضمائر العادة عليه من التذكير والتأنيث، ما يجري عليهما مع الفاعل المفرد المؤنث -كما يفهم مما سبق- كما سبق حكم العامل مع الفاعل المجموع1.

_ 1 في ص80.

سابعها: أن يتقدم - أحيانًا - على المفعول به؛ كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر: وإذا أراد الله امرًا لم تجد ... لقضائه ردًّا ولا تحويلًا ولهذا التقدم أحوال ثلاث؛ فقد يكون واجبًا، وقد يكون ممنوعًا، وقد يكون جائزًا. أ- فيجب الترتيب بتقديم الفاعل وتأخير مفعوله في مواضع، أشهرها: 1- خوف اللبس الذي لا يمكن معه تمييز الفاعل من المفعول به؛ كأن يكون كل منهما اسمًا مقصورًا؛ نحو: ساعد عيسى يحيى، أو مضافًا لياء المتكلم؛ نحو: كرم صديقي أبي1، فلو تقدم المفعول به على الفاعل لخفيت حقيقة كل منهما، وفسد المراد بسبب خفائها؛ لعدم وجود قرينة تزيل هذا الغموض2، واللبس. فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية تزيله لم يكن الترتيب واجبًا، فمثال اللفظية: أكرمت يحيى سعدى، فوجود تاء التأنيث في الفعل دليل على أن الفاعل هو المؤنث "سعدى"، ومثل: كلم فتاه يحيى؛ لأن عودة الضمير على "يحيى" دليل على أنه الفاعل، وأنه متقدم في الرتبة3، برغم تأخره في اللفظ، "ولهذا يسمى المتقدم حكمًا، ولم يكن معولًا به لكيلا يعود الضمير على شيء متأخر في اللفظ والرتبة؛ وهذا أمر لا يساير الأساليب الصحيحة التي تقضي بأن الضمير لا بد أن يعود على متقدم في الرتبة، إلا في بعض مواضع 4 معينة، ليس منها هذا الموضع. ومثال المعنوية: أتعبت نعمى الحمى، فالمعنى يقتضي أن تكون "الحمى" هي الفاعل؛ لأنها هي التي تتعب "نعمى"، لا العكس.

_ 1 يقع اللبس في صور كثيرة؛ فيشمل كل الأسماء التي يقدر على آخرها الإعراب، كالمقصور، وكالمضاف إلى ياء المتكلم، وكالأسماء التي تعرب إعرابًا محليًا، ومنها "المبنيات"ح كأسماء الإشارة، وأسماء الموصول ... 2 لا التفات لما يقال من أن مخالفة الترتيب جائزة مع اللبس، فهذا كلام لا يساير الأصول اللغوية العامة، ولا يوافق القصد من التفاهم الصريح بالكلام. 3 بيان الرتبة والدرجة ملخص في رقم 1 من هامش ص 88. 4 سبقت في باب الضمير ج 1 ص 184 م 10.

2- أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا والمفعول به اسمًا ظاهرًا؛ نحو: أتقنت العمل، وأحكمت أمره، ولا مانع في مثل هذه الصورة من تقدم المفعول به على الفعل والفاعل معًا؛ لأن الممنوع أن يتقدم على الفاعل وحده؛ فيتوسط بينه وبين الفعل. 3- أن يكون كل منهما ضميرًا متصلًا ولا حصر1 في أحدهما؛ نحو عاونتك كما عاونتني. 4- أن يكون المفعول به قد وقع عليه الحصر، "والغالب أن تكون أداة الحصر هي: "إنما" أو"إلا" المسبوقة بالنفي"، نحو: إنما يفيد الدواء المريض، أو: ما أفاد الدواء إلا المريض. وقد يجوز تقديم المفعول به على فاعله إذا كان المفعول محصورا بإلا المسبوقة بالنفي، بشرط أن تتقدم معه "إلا"؛ نحو: ما أفاد -إلا المريض- الدواء2. ومع جواز هذا التقديم لا يميل أهل المقدرة البلاغية إلى اصطناعه؛ لمخالفته الشائع بن كبار الأدباء. ب- ويبج إهمال الترتيب: وتقديم المفعول به على الفاعل فيما يأتي: 1- أن يكون الفاعل مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: صان الثوب لابسه -قرأ الكتاب صاحبه3 ... ففي الفاعل "وهو: لابس- صاحب" ضمير يعود على المفعول به السابق4، فلو تأخر المفعول به لعاد ذلك

_ 1 سبق في الجزء الأول -ص 346 م 37- الإشارة إلى معنى الحصر "القصر" والغرض منه. 2 لما كان المحصور بإلا هو الواقع بعدها مباشرة كان تقدمه معها لا لبس فيه؛ لأن وجودها قبله مباشرة يدل على أنه المحصور بغير غموض، أما المحصور "بإنما" فإنه المتأخر عنها، الذي لا يليها مباشرة، فإذا تقدم ضاع -في بعض الحالات، الغرض البلاغي من الحصر، ولا قرينة في الجملة تدل على التقديم وموضعه، فيقع اللبس الذي يفسد الغرض. 3 ومثل الشطر الثاني من قول الشاعر: حديث ذوي الألباب أهوى وأشتهي ... كما يشتهي الماء المبرد شاربه 4 يتساوى في هذا الحكم اتصال الضمير بالفاعل مباشرة، كالمثالين المذكورين -واتصاله بشيء ملازم للفاعل، لا يمكن أن يستغني عنه الفاعل، كصلة الموصول إذا كان الفاعل -أو نائبه- اسم موصول كالذي في قول الشاعر: سمرت فأدركت العلاء وإنما ... يلقى عليات العلا من سما لها ففي الصلة: "سمالها" ضمير يعود على المفعول به، "وهو: عليات"، فوجب تقدم المفعول لهذا.

الضمير على متأخر لفظًا ورتبة1؛ وهو مرفوض في هذا الموضع، أما عوده على المتأخر لفظًا دون رتبة -وهو المسمى بالمتقدم حكمًا- فجائز، ومن أمثلته: عود الضمير من مفعول به متقدم على فاعله المتأخر؛ نحو؛ حملت ثمارها الشجرة - فالضمير "ها" في المفعول عائد على "الشجرة" التي هي الفاعل المتأخر في اللفظ، دون الرتبة؛ لأن ترتيب الفاعل في تكون الجملة العربية يسبق المفعول به. ونحو: أفادت صاحبها الرياضة - أروى حقله الزارع ... أما عودة الضمير على المتأخر لفظًا ورتبة فكما عرفنا - ممنوعة إلا في بعض مواضع محددة، وقد وردت أمثلة قديمة عاد الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة في غير تلك المواضع؛ فحكم عليها بالشذوذ وبعدم صحة محاكاتها، إلا في الضرورة الشعرية، بشرط وضوح المعنى، وتمييز الفاعل من المفعول به؛ فمن الخطأ أن تقول: أطاع ولدها الأم - أرضى ابنه أباه. 2- أن يكون الفاعل قد وقع عليه الحصر "بأداة يغلب أن تكون إلا" المسبوقة بالنفي، أو"إنما" نحو: لا ينفع المرء إلا العمل الحميد - إنما ينفع المرء العمل الحميد، وقد يجوز تقديم المحصور "بإلا" على مفعوله إذا هي تقدمت معه وسبقته؛ نحو: لا ينفع إلا العمل الحميد المرء ... "ملاحظة": ستأتي2 مواضع يجب أن يتقدم فيها المفعول به على عامله، فيكون متقدمًا على فاعله تبعًا لذلك.

_ 1 شرحنا "في باب الضمير ج 1 ص 182" معنى التقدم في اللفظ مع التقدم في الرتبة، ومعنى التقدم في اللفظ دون الرتبة، وملخصه: أن بناء الجملة العربية قائم على ترتيب يجب مراعاته بين كلماتها؛ فتتقدم واحدة على الأخرى وجوبًا أو جوازًا؛ فإن كان تقدم اللفظ واجبًا بحسب الأصل الغالب عليه سمي تقدمًا في الرتبة، أو في الدرجة، فالأصل في المبتدأ وجوب تقدمه على الخبر، والأصل في الفعل وجوب تقدمه على فاعله ومفعوله: والأصل في الفاعل أن يتقدم على المفعول ... فإذا تحقق هذا الأصل ووضع كل لفظ ي مكانه وفي درجته قيل: إنه متقدم في اللفظ وفي الرتبة؛ كالمبتدأ حين يتقدم على خبره، وكالفاعل حين يتقدم على مفعوله، فإذا تأخر المبتدأ عن خبره، أو الفاعل عن مفعوله، لم يفقد درجته؛ ولم تزل عن رتبته، برغم تأخره اللفظي؛ فيقال عنه: إنه متأخر لفظًا لا رتبة. وهناك مواضع يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة شرحناها -كما قلنا- في مكانها الأنسب لها، وهو باب الضمير ج 1 ص 234 م 20 برغم أن بعض المطولات النحوية تذكرها في آخر باب الفاعل لمناسبة طارئة. 2 في الصفحة التالية.

جـ- في غير ما سبق "في: أ، ب" يجوز الترتيب وعدمه، ومن أمثلة تقديم الفاعل على المفعول جوازًا1 قول الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود ومن أمثلة تقديم المفعول به -جوازًا- على فاعله وحده: الجهل لا يلد الضياء ظلامه ... ، والشطر الأول من قول الشاعر: أبت لي حمل الضيم نفس أبية ... وقلب إذا سيم الأذى شب وقده2 ويفهم من الأقسام السالفة أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبًا -هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول به وجوبًا، فيمتنع تقديمه على فاعله، والعكس صحيح كذلك؛ فالمواضع التي يتقدم فيها المفعول به على فاعله وجوبًا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبًا، ويمتنع تقديمه عليه، حيث لا وجوب في التقديم أو التأخير يجوز الأمران، ولا يمتنع تقديم هذا أو ذاك. بقيت مسألة الترتيب بينهما وبين عاملهما، وملخص القول فيها: أن الفاعل لا يجوز تقديمه على عامله -كما سبق3 وأن المفعول به يجب تقديمه على عامله في صور4، ويمتنع في أخرى؛ ويجوز في غيرهما. أ- فيجب تقديمه: 1- إن كان اسمًا له الصدارة في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط؛ نحو؛ من قابلت؟ أي نبيل تكرم أكرم ... وكذلك إن كان مضافًا لاسم له الصدارة؛ نحو: صديق من قابلت؟ - صاحب أي نبيل تكرم أكرم ...

_ 1 إلا إذا أوجب الوزن الشعري أحدهما. 2 ناره، ومن أمثلة التقديم الجائز قول الشاعر: ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول 3 في ص 73. 4 وفي هذه الصور يكون متقدمًا على فاعله أيضًا -كما أشرنا؛ إذ لا يمكن أن يتقدم على عامله دون أن يتقدم على فاعله.

2- كذلك يجب تقديمه إن كان ضميرًا مفصلًا لو تأخر عن عامله لوجب اتصاله1 به؛ كقولهم: "أيها الأحرار: إياكم نخاطب، وإياكم ترقب البلاد ... "، فلو تأخر المفعول به: "إيا" لا تصل بالفعل، وصار الكلام: نخاطبكم ... ترقبكم ... ؛ فيضيع الغرض البلاغي من التقديم "وهو: الحصر". 3- وكذلك يجب تقدميه إذا كان عامله مقرونًا بفاء الجزاء2 في جواب "أما" الشرطية الظاهرة أو المقدرة، ولا اسم يفصل بين هذا العامل وأما، فيجب تقديم المفعول به ليكون فاصلًا؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" الشرطية3، ومن الأمثلة قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} ، وقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 4 بخلاف: أما اليوم فساعد نفسك، حيث لا يجب تقديم المفعول به، لوجود الفاصل؛ وهو هنا: الظرف5. ب- ويمتنع تقديم المفعول به على عامله في الصور الآتية6: وقد سبقت الإشارة لبعضها. 1- جمع الصور التي يمتنع فيها تقدمه على فاعله، وقد سبقت 7؛ "ومنها أن يكون تقدمه موقعًا في لبس، نحو: ساعد يحيى عيسى، فلو تقدم المفعول به -من غير قرينة- لالتبس بالمبتدأ، ومهمة المبتدأ المعنوية تخالف مهمة الفاعل.

_ 1 وذلك في غير باب: "سلنيه" و"خلتنيه" حيث يجوز الاتصال والانفصال مع تأخر المفعول عن عامله؛ "كما تقدم في ج 1 ص 172 باب الضمير. م 20". 2 في هذا الموضع يصح أن يعمل ما بعد فاء الجزاء فيما قبلها. 3 كما سيجيء في ص 139. 4 هذا الموضع يعبر عنه بعض النحاة بأنه ما يكون العامل فيه جوابًا للأداة " أما" الشرطية المقدرة، ويعبر عنه بعض آخر بما يكون العامل فيه أمر مقرونًا بالفاء، والمعمول به منصوبًا بفعل الأمر، ولم يشترط وجود "أما" المقدرة، فعند الإعراب قد يلاحظ وجودها، فتكون الفاء في الأمثلة السابقة داخلة على جوابها، أولا يلاحظ وجودها فتكون الفاء زائدة، والمفعول المتقدم معمولًا لفعل الأمر المتأخر عنه، وهذا الإعراب أيسر وأوضح لخلوه من التقدير، "ثم انظر الأمر الثالث ص 139". 5 ترده ص 139. 6 مع ملاحظة ما هو مذكور منها في الزيادة، ص 93. 7 في ص 86.

وكذلك بقية الصور الأخرى، ما عدا الثانية؛ فيجوز فيها الأمران. 2- أنه يكون مفعولًا لفعل التعجب "أفعل" في مثل: ما أعجب قدرة الله التي خلقت هذا الكون. 3- أن يكون محصورًا بأداة حصر، هي: "إلا" المسبوقة بالنفي، أو "إنما" نحو: لا يقول الشريف إلا الصدق - إنما يقول الشريف الصدق. 4- أن يكون مصدرًا مؤولًا من "أن المشددة أو المخففة" مع معموليها؛ نحو: عرف الناس أن الكواكب تفوق الحصر، وأيقن العلماء أن بعض منها قريب الشبه بالأرض، إلا أن كانت "أن" مع معموليها مسبوقة بأداة الشرط: "أما"؛ نحو: أما أنك فاضل فعرفت؛ لأن "أما" لا تدخل إلا على الاسم. 5- أن يكون واقعًا في صلة حرف مصدري1 ينصب الفعل "وهو: أن - كي" في نحو: "سرني أن تقرن القول الحسن بالعمل الأحسن؛ لكي يرفع الناس قدرك"، فإن كان واقعًا في صلة حرف مصدري غير ناصب جاز -في رأي- تقديمه على عامله، لا على الحرف المصدري؛ نحو: أبتهج ما الكبير احترم الصغير، والأصل: ابتهج ما احترم الصغير الكبير، وامتنع -في رأي آخر 2 تقديمه على عامله، وهذا الرأي أقوى وأنسب في غير صلة " ما" المصدرية 3. 6- أن يكون مفعولًا لعامل مجزوم بحرف جزم يجزم فعلًا واحدًا 4، فيجوز تقدمه على عامله وعلى الجازم معًا، ولا يجوز تقدمه على العامل دون الجازم؛ تقول: وعدًا لم أخلف، وإساءة لم أفعل، ولا يصح: لم وعدًا أخلف، ولم إساة أفعل. 7- أن يكون مفعولًا به لفعل منصوب بالحرف: "لن"، فلا يجوز أن يتقدم

_ 1 بيان الحروف المصدرية، وتفصيل الكلام على أحكامها مدون في ج 1 ص 294 م 29. 2 لهذا بيان في ج 1 م 29. 3 راجع " الصبان" في هذا الموضع، ثم "التصريح" في باب "الحال"، عند الكلام على تأخر الحال عن عاملها وجوبًا. 4 فخرج حرف الشرط الذي يجزم فعلين مثل: إن، فلا يجوز التقدم عليه.

على عامله فقط، وإنما يجوز أن يتقدم عليه، وعلى "لن" معًا، نحو، ظلمًا لن أحاول، وعدوانًا لن أبدأ1. وفي غير مواضع التقديم الواجب، والتأخير الواجب2، يجوز الأمران.

_ 1 وقد عرض ابن مالك عرضًا سريعًا موجزًا لأحوال الترتيب السابقة، واكتفى فيها بالإشارة المختصرة التي لا توفي الموضوع حقه من الإيضاح، والتفصيل النافعين، قال: والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا وقد يجاء بخلاف الأصل ... وقد يجي المفعول قبل الفعل يريد: أن الأصل في تكوين الجملة العربية، وترتيب كلماتها، يقتضي اتصال الفاعل بعامله، وانفصال المفعول عن ذلك العامل بسبب وقوع الفاعل فاصلًا بينهما؛ إذ مرتبة الفاعل مقدمة على مرتبة المفعول به، ومراعاة هذه المرتبة تجعل الفاعل هو الذي يلي العامل، وتجعل المفعول به مفصولا منه بالفاعل، ثم بين أن هذا الأصل لا يراعى أحيانا، فيتقدم المفعول به على الفاعل، ويفصله عن فعله وعامله، وانتقل بعد ذلك إلى حالتين من الحالات التي يجب فيها تأخير المفعول به، وهما حالة خوف اللبس، وحالة الفاعل الضمير، غير المحصور، الواجب اتصاله بعامله، فقال فيهما: وأخر المفعول إن لبس حذر ... أو أضمر الفاعل غير منحصر وأوضح بعد ذلك أن المحصور "بإلا" أو"إنما" يجب تأخيره؛ فاعلًا كان أو مفعولًا به، وأنه يجوز تقديمه. ولم يذكر النوع الذي يصح تقديمه، ولا شرطه، مكتفيًا بأن يقول: إن تقديم المنحصر يصح إذا ظهر المقصود، ولم يخف المعنى، أو يتأثر بالتقديم، وفي هذا يقول: وما بإلا أو بإنما انحصر ... أخر، وقد يسبق إن قصد ظهر وختم كلامه بأن بين أن عود الضمير من المفعول به المتقدم على فاعله المتأخر شائع في أفصح الأساليب لا عيب فيه؛ لأنه عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة، وهذا كثير سائغ، كما قلنا: وساق مثالًا لذلك هو: خاف ربه عمر. أما عود الضمير من الفاعل المتقدم على مفعوله المتأخر فوصفه بأن شاذ، لا يصح القياس عليه: ومثل له بنحو: زان نوره الشجر، فيقول: وشاع نحو: "خاف ربه عمر" ... وشذ نحو: "زان نوره الشجر" وكلامه مجمل، بل مبتور. 2 ومن مواضع التأخير الواجب ما يأتي في الزيارة -ص 93.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك مواضع أخرى لا يجوز فيها تقدم المفعول به على عامله، منها1: أن يكون مفعولصا به لفعل مؤكد بالنون، نحو: حاربن هواك. أو مفعولًا به لفعل مسبوق بلام الابتداء؛ وليس قبلها "إن"؛ ففي مثل: لينصر2 الشريف أهل الحق ... لا يصح أن يقال: أهل الحق لينصر الشريف، ويصح أن يقال: إن الشريف أهل الحق لينصر. أو يكون فعله مسبوقًا بلام القسم؛ نحو: والله لفي غد أقضى حق الأهل. أو مسبوقًا بالحرف: "قد" نحو: قد يدرك المتأني غايته؛ أو: "سوف"؛ نحو: سوف أعمل الخير جهدي. أو مسبوقًا باللفظ: "قلما"؛ نحو: قلما أخرت زيارة واجبة. أو: "ربما"، نحو: ربما أهلكت البعوضة الفيل.

_ 1 راجع المواضع التالية في الصبان، وكذا الهمع جـ1 ص166. 2 على اعتبار هذه اللام للابتداء.

ثامنها: عدم تعدده؛ فلا يصح أن يكون للفعل وشبهه إلا فاعل واحد، أما مثل: تصافح علي وأمين، ومثل تسابق حليم، ومحمود، وسليم، و ... فإن الفاعل هو الأول، وما بعده معطوف عليه، ولا يصح في الاصطلاح النحوي إعراب ما بعده فاعلًا، برغم أن أثر الفعل ومعناه متساو بين الأول وغيره1. تاسعها: إغناؤه عن الخبر حين يكون المبتدأ وصفًا مستوفيًا الشروط 2؛ مثل: أمتقن الصانعان؟

_ 1 يقول النحاة: إن مجموع المعطوف والمعطوف عليه في المثالين السابقين، وأشباههما هو الفاعل الذي أسند إليه الفعل؛ فلا تعدد إلا في أجزائه، لكن هذا المجموع من حيث هو مجموع لا يقبل الإعراب، فجعل الإعراب في أجزائه. 2 للوصف المستغني بفاعله عن الخبر أحكام وتفصيلات سبق بيانها في بابها المناسب لها "باب المبتدأ والخبر ج 1 ص 322 م 33".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: مسألة أخيرة: عرض بعض1 النحاة لما سماه: "الاشتباه بين الفاعل والمفعول به"، وصعوبة التمييز بينهما في بعض الأساليب، وأن ذلك يكثر حين يكون أحدهما اسمًا ناقصًا "أي: محتاجًا لتكملة بعده تبين معناه؛ كاسم الموصول، و"ما الموصوفة" والآخر اسمًا تامًا؛ أي: لا يحتاج للتكملة، وضرب لذلك مثلًا؛ هو: "أعجب الرجل ما كره الأخ"، فما الفعل في الجملة السابقة؟ أهو كلمة: "الرجل"، أم كلمة: "ما" التي بعده؟ وما "المفعول به" في الحالتين؟ وقد وضع ضابطًا مستقلًا لإزالة الاشتباه؛ ملخصه: أ- أن نفرض الاسم التام هو الفاعل؛ فضع مكانه ضميرًا مرفوعًا للمتكلم، ونفرض الاسم الناقص هو المفعول به؛ ونضع مكانه اسمًا ظاهرًا، منصوبًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه2؛ "حيوانًا مثله إن كان المراد من الاسم الناقص حيوانًا، وغير حيوان إن كان الناقص كذلك، فإن استقام المعنى مع هذا الفرض فالضبط الأول صحيح، على اعتبار أن الاسم التام هو الفاعل، وأن الناقص هو المفعول به، وإن لم يستقم المعنى لم يصح الضبط السابق، نقول في المثال السالف أعجبت الثوب، فالتاء ضمير للفاعل المتكلم، جاءت بدلًا من الاسم التام "الرجل" وكلمة: "الثوب" جاءت بدلًا من الاسم الناقص: "ما" وهي من جنسه، باعتباره من جنس غير حيواني، وقد ظهر أن المعنى على هذا الفرض غير مستقيم؛ وهذا ينتهي إلى أن الضبط الذي كان قبله غير صحيح أيضًا. فإن كان المقصود من: "ما"، إنسانًا مثلًا، فوضعنا مكانها فردًا من أفراد الإنسان فقلنا: أعجب محمدًا ... صح الفرض وصح الضبط الذي كان قبله. ب- نفرض الاسم التام: "الرجل" في المثال السابق هو المفعول به، "وما" هي الفاعل؛ فنضع مكان المفعول به ضميرا منصوبًا للمتكلم، ونضع مكان الناقص اسمًا ظاهرًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه؛ فإن استقام المعنى صح الضبط السابق وإلا فلا يصح؛ نقول: أعجبني الثوب؛ إن كان المراد من "ما" شيئًا غير حيواني، فيستقيم المعنى ويصح الضبط الأول.

_ 1 منهم الأشموني في آخر باب الفاعل. 2 عاقلا كان الجنس أم غير عاقل.

جـ- إذا لم يصلح المعنى على اعتبار الاسم التام فاعلًا أجريت التجربة على اعتباره مفعولًا به، وكذلك العكس إلى أن يستقيم. وكالمثال السالف: أمكن المسافر السفر1، بنصب: "المسافر"، كما يدل على هذا الضابط السالف؛ لأنك تقول: أمكنني السفر؛ بمعنى: مكنني فاستطعته، ولا تقول: أمكنت السفر ... والحق أن هذه المسالة التي عرض لها بعض النحاة لا تفهم بضابطهم2، ولا يزول ما فيها من اشتباه إلا بفهم مفرداتها اللغوية، وقيام قرينة تدل على الفاعل والمفعول به، وتفرق بيانهما، أما ذلك الضابط وما يحتويه من فروض فلا يزيل شبهة، ولا يكشفها؛ لأنه قائم على أساس وضع اسم ظاهر مكان الناقص بشرط أن يكون من جنسه "حيوانًا عاقلًا، وغير عاقل - أو غير حيوان"، فكيف نختار هذا البديل من جنس الأصيل إذا كنا لا نعرف حقيقة ذلك الأصيل وجنسه؟ فمعرفة البديل متوقفة على معرفة الأصيل أولًا، ونحن إذا اهتدينا إلى معرفة الأصيل لم نكن بعده في حاجة إلى ذلك الضابط، وما يتطلبه من فروض لا تجدي شيئًا؛ ذلك أن الأصيل سيدل بمعناه في جملته على من فعل الفعل، فيعرف من وقع عليه الفعل تبعًا لذلك، ويزول الاشتباه، وإذًا لا حاجة إلى الضابط، ولا فائدة من استخدامه؛ لأن الغرض من استخدامه الكشف عن حقيقة الاسم الناقص، وهذا الكشف يتطلب اختيار اسم من جنسه ليحل محله. فكيف يمكن الاهتداء إلى اسم آخر من جنسه إذا كان الاسم الناقص مجهول الجنس لنا؟. فمن الخير إهمال تلك المسألة بضابطها، وفروضه، والرجوع في فهم المثالين السابقين وأشباهما إلى فهم المعاني الصحيحة لمفرداتها اللغوية، والاعتماد بعد ذلك على القرائن، مع الفرار -جهد الطاقة- من استعمال تلك الأساليب الغامضة، هذا هو الطريق السديد، وعليه المعول.

_ 1 الاسمان هنا تامان -وهي حالة قليلة بالنسبة للأولى. 2 عبارة الضابط كما وردت عنهم هي: "أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع، وإن كان منصوب ضميره المنصوب، وتبدل من الناقص اسما بمعناه في العقل وعدمه".

المسألة 67: النائب عن الفاعل

المسألة 67: النائب عن الفاعل 1 من الدواعي2 ما يقتضي حذف الفاعل دون فعله، ويترتب على حذفه أمران محتومان؛ أحدهما: تغيير يطرأ على فعله3، والآخر: إقامة نائب عنه يحل محله، ويجري عليه كثير من أحكامه التي أسلفناها4؛ كأن يصير جزءًا أساسيًا في الجملة؛ لا يمكن الاستغناء عنه، ويرفع مثله؛ وكتأخره عن عامله5، وتأنيث عامله له أحيانًا، وتجرد العامل من علامة تثنية أو جمع؛ وكعدم

_ 1 يسميه كثير من القدماء: المفعول الذي لم يسم فاعله، والأول أحسن؛ لأنه أخصر؛ ولأن النائب عن الفاعل قد يكون مفعولًا به في أصله وغير مفعول به؛ كالمصدر، والظرف، والجار مع مجروره -كما سيجيء في ص 113 م 68. هذا، والذي يحتاج لنائب فاعل ويرفعه شيئان، أحدهما: "الفعل المبني للمجهول"، وقد يسمى أيضًا: "الفعل المبني للمفعول"، والتسمية الأولى أحسن -طبقا لما سبق في رقم 1- والآخر: "اسم المفعول"؛ فلا بد لكل منهما من نائب فاعل، ويزاد عليها المصدر المؤول في رأي سيجيء في "ب" من ص 110، أما اسم المفعول، وأحكامه، وكل ما يتعلق به، فله باب خاص مستقل في الجزء الثالث. 2 بعضها لفظي؛ كالرغبة في الاختصار في مثل: لما فاز السابق كوفي، أي: كافأت الحكومة السباق، مثلا ... وكالمماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع؛ نحو: من حسن عمله عرف فضله، فلو قيل: عرف الناس فضله، لتغيرت حركة اللام الثانية، ولم تكن مماثلة للأولى، وكالضرورة الشعرية ... وبعضها معنوي؛ كالجهل بالفاعل، وكالخوف منه، أو عليه ... "ومما يصلح لكل واحد من الثلاثة قولنا: قتل فلان، من غير ذكر اسم القاتل" وكإبهامه، أو تعظيمه بعدم ذكر اسمه على الألسنة صيانة له، أو تحقيره بإهماله، وكعدم تعلق الغرض بذكره، حين يكون الغرض المهم هو الفعل، وكشيوعه ومعرفته في مثل: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ... أي: جبلها الله وخلقها. 3 ولا بد أن يكون فعله غير جامد، وغير أمر -كما سيجيء في رقم 8 من ص 107. 4 في ص 68. 5 يرى بعض النحاة أنه يجوز تقديم نائب الفاعل إذا كان شبه جملة؛ لأن علة منع التقديم -وهي خوف التباس الجملة الاسمية بالفعلية- غير موجودة هنا " راجع الصبان ج 3 باب، "أفعل التفضيل" عند قول ابن مالك: "وما به إلى تعجب وصل ... "، ولهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص 111.

تعدده، وكإغناء هذا النائب عن الخبر أحيانًا في مثل: أمزروع الحقلان؟ " فالحلقلان، نائب فاعل للمبتدأ اسم المفعول، واسم المفعول لا يرفع إلا نائب فاعل؛ كما عرفنا من قبل" إلى غير هذا من الأحكام الخاصة بالفاعل؛ والتي قد تنتقل بعد حذفه إلى نائبه1. ولكل واحد من الأمرين تفصيلات وأحكام تخصه. أ- إليك ما يتعلق بالأمر الأول: 1- إن كان الفعل ماضيًا، صحيح العين2، خاليًا من التضعيف - وجب ضم أوله، وكسر الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مكسورًا من قبل، فالفعل في مثل: "فتح العمل باب الرزق - أكرم الناس الغريب"، يتغير بعد حذف الفاعل؛ فيصير في الجملة: "فتح باب الرزق3 أكرم الغيب 4"، "وهناك بعض حالات يجوز فيها كسر أوله،

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك: ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له - كنيل خير نائل وأصل الكلام: ناب المستحق خير نائل؛ أي: خير عطاء، فحذف الفاعل، وتعتبر الفعل بعد حذفه تغيرًا سنعرفه، ونائب عنه المفعول به، وليس من اللازم أن يكون النائب مفعولًا به، كما قلنا ... 2 من الاصطلاحات اللغوية الشائعة: "فاء" الكلمة، "عين" الكلمة، "لام" الكلمة، يريدون بالفاء: الحرف الأول من الكلمة الثلاثية، أصيلة الأحرف، وبالعين: الحرف الثاني منها، "أي: الأوسط" وباللام الحرف الثالث؛ "أي: الأخير" ويقولون عنها لذلك: أنها على وزن: "فعل"ح مثل: كتب - قعد - فتح ... فكل واحدة على وزن "فعل". 3 ومثل الفعل: "جمع" في قول الشاعر: إذا جمع الأشراف من كل بلدة ... فأفضلهم من كان للخير صانعًا 4 أين الكسر في نحو: صيم الشهر - بيع القطن؟ أصلهما: صوم - بيع، وخضوعًا لأحكام عامة في: "الإعلال" طرأ عليهما تغير معروف؛ بقلب الضمة فيهما كسرة، فقلب الواو ياء، وحذف الكسرة من ياء: "بيع" - وانظر رقم 5 الآتي ص 102 - فالكسر مقدر كتقديره في المضعف؛ "مثلك عد، فأصله: عدد قبل الإدغام". وأين الكسر أيضًا قبل الآخر في الفعل: "أصيب" - ونحوه - من قول الشاعر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا الكسر مقدر؛ إذ الأصل: "أصوب"؛ نقلت حركة: الواو للحرف الصحيح قبلها بعد حذف السكون؛ ثم قلبت الواو عبد الكسرة ياء.

وستجيء ... 1". 2- إن كان الفعل مضارعًا وجب -في كل حالاته- ضم أوله أيضًا، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا من قبل؛ فالمضارع في مثل: "يرسم المهندس البيت - يحرك الهواء الغصن ... " يصير في الجملة بعد حذف الفاعل: يرسم البيت - يحرك الغصن2، ومثل قول الشاعر: أعندي وقد مارست3 كل خفية ... يصدق واش، أو يخيب سائل وقد يكون الفتح قبل الآخر مقدارًا لعلة تمنع ظهوره؛ مثل: يصام، "أصله: يصوم، ثم صار "يصام" لسبب صرفي معروف"4، ومثل: "تصاب وتنال"، في قول الشاعر: يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول وفي قول الآخر: إن الكبار من الأمور ... تنال بالهمم الكبار والأصل قبل التغيير الصرفي: تصوب وتنيل ...

_ 1 في رقم 5 من ص 102. 2 وفي الحالتين السابقتين يقول ابن مالك: فأول الفعل اضممن، والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي؛ كوصل واجعله من مضارع منفتحًا ... كينتحي؛ المقول فيه: ينتحي أي: أن أول الفعل المبني للمجهول ويضم في الماضي والمضارع، وأن الحرف المتصل بالآخر يكسر في الماضي؛ مثل: وصل؛ فأصله: وصل، ويصير مفتوحًا في المضارع، مثل: ينتحي، فإن الحرف الذي قبل آخره يفتح البناء للمجهول؛ فيصير: "ينتحى"، "ينتحي الرجل إلى الشجرة، أي: يميل بها، ويتجه نحوها". وقد قلنا: إن هناك بعض حالات يكسر فيها أول الماضي، كالحالة الخامسة والسادسة، والسابعة - وستجيء. 3 جربت وعرفت. 4 هو: نقل فتحة "الواو" و"الياء" إلى الساكن الصحيح قبلهما؛ فتكون "الواو" وكذا "الياء" متحركة بحسب أصلها -قبل نقل فتحتها- ويكون ما قبلها متحركًا بحسب الحالة الجديدة التي طرأت عليه بعد أن كان ساكنًا؛ فيقلب حرف العلة "ألفًا".

3- إن كان الماضي مبدوءًا بتاء تكثير زيادتها عادة - سواء أكانت للمطاوعة1

_ 1 حين نسمع شخصًا يقول: "علمت الغلام الزراعة" يتردد على الذهن سؤال؛ هو: هل استجاب الغلام للتعلم واستفاد؟ ويظل السؤال قائمًا حتى يجد جوابًا. فإذا قال المتكلم: علمت الغلام الزراعة فتعلمها - دل الفعل الثاني على أن الغلام تعلم، واستفاد واستجاب للتعلم، وحقق معناه، وهذا هو ما يسمى: "المطاوعة"، وحين يقول شخص: "كسرت الحديد"، وقد يرد على الذهن: كيف تستطيع تكسير الحديد؟ هل استطعت تكسيره حقًا؟ فإذا قال المتكلم: كسرت الحديد فتكسر، كان الفعل: "تكسر" هو الجواب عن المطلوب، الماحي للشبهة السالفة، الدال على أن الحديد تأثر بالكسر واستجاب له، وحقق معنى الفعل الأول، ولهذا يسمى الفعل الثاني: "مطاوعًا"، ومثله: حطمت الصخر. فتحطم، بريت الخشب، فانبرى ... مع وجود الفاء العاطفة في كل لك، ولا يصح العطف هنا بغيرها -طبقًا لما نص عليه ابن الأثير في كتابه: الجامع الكبير ج 1 ص 202 عند كلامه على حرف العطف- فالمطاوعة فعل هي: " قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل فعل ذي علاج محسوس إلى فاعل فعل آخر يلاقيه اشتقاقًا، بحيث يحقق التأثر معنى ذلك الفعل". والتعريف السابق للمطاوعة هو أوضح التعريفات وأشملها، وهو ملخص الذي ارتضاه "الخضري" -وكذا الصبان- في باب: "تعدي الفعل ولزومه" ج 1. ونصًا على اشتراط العلاج الحسي، وعلى تلاقي الفعلين في الاشتقاق؛ فلا يقال: علمت الرجل المسألة فانعلمت؛ لعدم المعالجة الحسية، ولا يقال: ضربته فتألم لعدم التلاقي في الاشتقاق. وحصول الأثر وتحققه لي بالواجب، وإنما هو الغالب الكثير؛ طبقًا لما جاء في حاشية التصريح، ج 1، باب: "التعدي واللزوم"، نقلًا عن البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّه} حيث صرح بأنه: يقال: كسرته فلم ينكسر، وعلمته فلم يتعلم، وقال: إن حصول الأثر غالب لازم". ا. هـ. وهذا الرأي يساير المسموع كثيرًا، ويلاحظ أنه جعل الفعل: "علم" من أفعال المعالجة الحسية، خلافًا لسابقه. وللمطاوعة أحكام وصيغ قياسية تشتمل كل صيغة منها على بعض حروف خاصة ترمز للمطاوعة، وتدل عليها، منها التاء في أول الماضي، ويسمونها لذلك: تاء المطاوعة؛ مثل: دربت الصانع؛ فتدرب، همدت الحائط؛ فتهدم. فجرت الماء فتفجر - كسرت الغصن فتكسر، وسيجيء بعض الأحكام والصيغ - في هامش ص 167 - وهو بضع هام. وقد عقد صاحب "المخصص" "ابن سيده" بحثًا لطيفًا " "في الجزء 14 ص 175 وما حولها" عرف فيه لكثير من أوزان المطاوعة القياسية، ومنها: أن كل ماضي ذي أربعة أحرف على وزن "فعل" يكون له مضارع على وزن "تفعل"، وهذا جزء من قواعد عامة هناك تفيد أعظم الفائدة، وتتسع لكثير مما نظنه محذورًا، وفي الجزء الأول من مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة شيء "قليل من تلك الأوزان، مستخلص من المرجع السابق الأصيل. ومن بين قرارات هذا المجمع قياسية جمع أفعال المطاوعة، وقد سجل هذا القرار في الصفحة الثامنة من المجلد الذي أصدره بعنوان: "البحوث والمحاضرات" في مؤتمر الدورة الخاصة بسنة 1963 - 1964. ومن قراراته أيضًا ما جاء في ص 39 من كتابه: "مجموعة القرارات العلمية من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين" خاصًا بمطاوع "فعل" الثلاثي المتعدي ونصه: "وسيعاد للمناسبة في ص 168" "كل فعل ثلاثي متعد، دال على معالجة حسية فمطاوعة القياسي هو: "الفعل"، ما لم تكن فاء الفعل واوًا، أو لامًا، أو نونًا، أو ميمًا، أو راء، ويجمعهما قولك: "ولنمر" فالقياس فيه: "افتعل". ا. هـ.

أما لغيرها - "مثل الماضي: تعلم، تفضل - تعاون - تناشد، تجاهل" وجب ضم الحرف الثاني مع الأول؛ ففي مثل: تعلم الصبي حرفة - تفضل الصديق بالزيارة - ... يصير الماضي: تعلمت حرفة - تفضل بالزيارة1 وفي مثل قولهم: "تعلم البحار في الملاحة، وتعاون مع رفاقه فأمن الخطر" يصير الكلام بعد بناء الفعل الماضي للمجهول: تعلم2 فن الملاحة، وتعوون مع الرفاق؛ فأمن الخطر وهكذا. 4- إن كان الماضي مبدوءًا بهمزة وصل فإن ثالثة يضم مع أوله؛ ففي مثل: "اعتمد العاقل على كفاحه - انتصر المكافح بعمله" - يقال في بناء الفعلين للمجهول: اعتمد على الكفاح - انتصر بالعمل3.

_ 1 يقول ابن مالك: والثاني التالي "تا" المطاوعة ... كالأول اجعله بلا منازغه أي: اجعل الحرف الثاني في الماضي مضمومًا كالأول، إن كان الأول تاء المطاوعة، إذ لا نزاع - أي لا خلاف في هذا. 2 إذا كانت التاء في أول الماضي لا تكثر زيادتها فلا يضم الحرف الذي يليها؛ مثل: ترمس الزارع الحب، "أي: رمسه، بمعنى: دفنه"، وإنما كانت زيادة التاء غير معتادة في هذه الكلمة -وأشباهها- لأنها جاءت للتوصل إلى النطق بالساكن، وهو الراء، وهذا اختصاص همزة الوصل. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه كاستحلي أي: أن الحرف الثالث من الفعل المبدوء بهمزة الوصل بضم كالأول، ومثل له بالفعل "استحلي" المبني للمجهول، وأصله: "استحلى" مبدوءًا بهمزة وصل. فلما بني للمجهول ضم الحرف الأول والثالث منه. ومما يلاحظ في البيت أن كلمة: "ثالث" ... بالنصب تعرف مفعولًا به لفعل محذوف يفسره الفعل الآتي بعده؛ وهو: "اجعل" المؤكد بالنون، مع أن الفعل المؤكد بالنون لا يصلح أن يعمل فيما قبله، ولا أن يفسر عاملًا محذوفًا قبله. وكذلك إعراب "كالأول" جار ومجور متعلق بالفعل المتأخر عنه المؤكد بالنون، وهو: "اجعل" والفعل المؤكد بالنون لا يصح أن يتعلق به شبه جملة قبله، وهذا هو الرأي الأقوى والأفصح، ويخالفه رأي آخر أقل شيوعًا وقوة يراه مقبولًا في شبه الجملة وحدها، لكن ابن مالك يقع في هذه المخالفة كثيرًا لضرورة النظم، وقد سبق لها نظائر في الجزء الأول "انظر فهرس الجزء الأول م7 هامش ص 96 طبعة 3 ورقم 1 هامش ص75 قبلها"، والمعربون يلتمسون تأويلات وتقديرات لتصحيح مخالفته، ولا داعي لشيء من هذا، لما فيه من تكلف وتعسف، ويكفي التصريح بأن النظم قهره على ارتكاب المخالفة؛ وهذا هو السبب الحق.

5- إن كان الماضي الثلاثي معل العين1؛ واويًا كان أو يائيًا -مثل: صام، باع - وبني للمجهول، جاز في فائه عند النطق أو الكتابة، إما الكسر الخالص؛ فينقلب حرف العلة ياء؛ نحو: صيم، بيع، وإما الضم الخالص، فينقلب حرف العلة واوًا، نحو: صوم، بوع، وإما الإشمام2 وهذا لا يكون إلا في النطق. والكسر أعلاها، فالإشمام، فالضم، وكل واحد من الثلاثة جاز بشرط ألا يوقع في لبس، وإلا وجب العدول عنه إلى ضبط آخر لا لبس فيه؛ فكثير من الماضي المعل الوسط قد يوقع في اللبس إذا بني للمجهول، وأسند لضمير تكلم، أو خطاب؛ سواء أكان الضمير فيهما للمفرد المذكر أم لغيره، وكذلك

_ 1 معل العين "ما يكون وسطه حرف علة"، ويخضع لأحكام "الإعلال" المعروفة في الباب الخاص بهذا "ج4"، ومنها: قلب حرف العلة الواو أو الياء ألفًا، في نحو: صام - هام - فأصلهما صوم - هيم ... ومنها: نقل حركة حرف العلة الواقع عين الكلمة إلى ساكن صحيح قبله بالشروط المذكورة هناك؛ نحو: يقوم، وأصله: يقوم ... إلى غير ذلك من أحكام "الإعلال" التي تدخل على حرف العلة؛ فتحدث به تغييرًا. فإذا كان حرف العلة الواقع عين الفعل لا يخضع للأحكام السابقة، فإنه لا يسمى: "معلًا" إنما يسمى: "معتلًا" وجاز في فائه من الحركات الثلاث ما يجوز في فاء الفعل الصحيح؛ مثل: عور - هيف - اعتور ... وغيرها من الأفعال المتشابهة لها؛ فإنها تسلك مسلك الفعل الصحيح عند بنائها للمجهول - كما قلنا. والشائع بين النحاة أن حروف العلة الثلاث "و - أ - ي" إذا سكنت وكان قبلها حركة مجانسة لها سميت: حروف علة، ومد، ولين، فإن لم تجانسها الحركة التي قبلها سميت: حروف علة ولين، فإن تحركت فهي حروف علة فقط "راجع حاشية الخضري ج2 أول باب: الإعلال بالنقل". ومن النحاة من يطلق اللين على حرف العلة المتحرك، وهذا مخالف للشائع، كما قال الخضري في المرجع السالف - "وقد سبقت لهذا إشارة في ج 1 م 16 هامش ص 169 من الطبعة الثالثة - وسيجيء التفصيل الأوضح في ج 4 في بابي "الترخيم" و"الإعلال والإبدال". 2 الإشمام -عند النحاة- هو: النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة على التوالي السريع، بغير مزج بينهما؛ فينطق المتكلم أولًا بجزء قليل من الضمة، يعقبه جزء كبير من السكرة؛ يجلب بعده ياء، فالجمع بين الحركتين ليس معناه الخلط بينهما في وقت واحد خلال النطق؛ وإنما معناه مجيئهما على التعاقب السريع بالطريقة التي أسلفناها.

إذا أسند لنون النسورة الدالة على الغائبات، فالفعل: "ساد" - وأشباهه - في نحو "ساد الرجل قومه بالفضل" ... إذا أسندناه لضمير متكلم أو مخاطب من غير أن يبنى للمجهول، قلنا عند الضم: "سدت"، ولو بنينا الفعل للمجهول، وقلنا: "سدت" أيضًا 1؛ لوقع اللبس حتمًا بين هذه الصورة التي بني فيها للمجهول، والصورة السالفة التي لم يبن فيها للمجهول، وفرارًا من اللبس الذي ليس معه قرينة تزيله، ويجب البعد عن ضم الحرف الأول2 في هذه الصورة المبنية للمجهول، ولنا بعد ذلك استعمال الكسر، أو: الإشمام. ومثل: الفعل: "ساد" غيره ن كل فعل ماض ثلاثي، إما معل الوسط بألف أصلها واو؛ "وليس من باب: "فَعِلَ يَفْعَلُ"؛ كخاف يخاف.3 مثل: شاق، يشوق، رام، يروم ... وإما معقل الوسط بألف أصلها ياء أيضًا، فليس اللبس مقصورًا على الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها واو، وليس من باب فعل يفعل، بل يمتد إلى الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها ياء؛ مثل الفعل: "زاد" في نحو: قد زادك الصديق ودًا،

_ 1 لإيضاح هذا المثال وأشباهه نقول في: "ساد الرجل قومه بالفضل" إذا أسند الماضي المبني للمعلوم إلى ضمير المخاطب مثلًا؛ صارت الجملة سدت قومك بالفضل - بضم السين - فإذا صارت الجملة: يا مهمل سادت النابغ ... وأردنا بناء الفعل للمجهول مع إسناده للمخاطب أيضًا، فإننا نحذف الفاعل "النابغ"، ونقيم المفعول به "وهو: كاف الخطاب" مقامه، ولما كان الضمير "الكاف" لا يقع في محل رفع وجب استبداله ووضع ضمير آخر بمعناه في مكانه؛ بحيث يصلح الضمير الجديد أن يكون في محل رفع نائب فاعل، لهذا نجيء بدله بضمير الخطاب التاء، فنقول عند بنائه للمجهول: يا مهمل سدت، أي: صرت مسودا، لا سيدا، بمعنى أن غيرك صار سيدك، فالصورة الشكلية للفعل واحدة عند الضم، في حالتي بنائه للمعلوم والمجهول، وفيها يقع اللبس، وللفرار منه منعوا في المبني للمجهول ضم أوله إن كانت عينة ألفًا أصلها واو ... إلا نحو: خاف - كما سيجيء هنا. 2 لا يجوز الضم في الواوي إلا إذا كان ماضيه فعل "بكسر العين"، ومضارعه على وزن: يفعل "بفتح العين" نحو: خاف - يخاف "وأصله: خوف - يخوف"، ذلك أن الفعل: "خاف" وأشباهه - إذا أسند وهو مبني للمعلوم لمخاطب - مثلًا يصير: خفت، بكسر أوله، وحذف وسطه، طبقًا لقواعد الإسناد، فلو بني للمجهول وكسر أوله لأوقع في لبس؛ بسبب تشابه صورتي الفعل في حالتي بنائه للمعلوم وللمجهول، والفرار من هذا اللبس يوجب ضم أوله عند بنائه للمجهول أو الإشمام. 3 للسبب الذي تقدم في رقم 3 والذي يمنح الكسر في مثل: "خاف يخاف" عند بناء الماضي للمجهول ويوجب الضم.

فإنه إذ أسند لضمير المخاطب -مثلا- من غير بناء للمجهول يصير: قد زدت الصديق ودا، بكسر أول الماضي، وإذا أسند للمخاطب أيضا مع البناء للمجهول، فإن كسر أوله صار: زدت ودا1 كذلك، فصورته في الحالتين واحدة مع اختلاف الإسناد والمعنى، وهذا هو اللبس الواجب توقيه، ومن أجله لا يصح الكسر هنا عند بنائه للمجهول؛ فيجب العدول عنه؛ إما إلى ضم أوله نطقًا وكتابة، فنقول: "زدت"، وإما إلى الإشمام "وهذا لا يكون إلا في حالة النطق -كما عرفنا"-. ومثل الفعل "زاد" كثير من الأفعال الماضية المعلة الوسط بالألف التي أصلها الياء؛ ومنها: دان، يدين - قاس، يقيس - عاب، يعيب - باع - يبيع. وخلاصة ما سبق: أن الواجب يقتضي العدول عن ضم فاء الثلاثي المعل العين بالواو، عند خوف اللبس "لا ما كان مثل: "خاف"". والعدول عن كسر فاء الثلاثي المعل العين بالياء عند خوف اللبس أيضًا. وكذلك إن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول عنه إلى النطق بالكسرة الصريحة الواضحة، أو بالضمة الصريحة الواضحة. ومن أجل اللبس والعمل على اجتنابه وضح النحاة القاعدة التالية: "يجوز في فاء الفعل الماضي، الثلاثي، المعتل الوسط، عند بنائه للمجهول ثلاثة أشياء: الضم، أو: الكسر، أو: الإشمام، بشرط أمن اللبس في كل حالة، فإن أوقع الضم في لبس وجب تركه إلى الكسر أو الإشمام، وأن أوقع الكسر في لبس وجب تركه إلى الضم أو الإشمام، وإن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول

_ 1 وذلك بعد حذف الفاعل وإقامة المفعول به "وهو: الكاف" مقامه، ولما كانت "الكاف" -كما أوضحنا في رقم1 من هامش ص 103- من الضمائر التي لا تقع في محل رفع أتينا مكانها بضمير للمتكلم مثلها مع صلاحيته، لأن يكون نائب فاعل في محل رفع، هو: تاء المخاطب، والمعنى المقصود في المثال الثاني المبني للمجهول هو الدلالة على وقع الزيادة على المخاطب، أما في المثال الأول فهو الدلالة على وقوع الزيادة من المخاطب "الفاعل"، على الصديق "المفعول به"، والفرق كبير بين الدلالتين مع اتفاق الصورة الشكلية للفعلين. ومن هنا يقع اللبس الذي يجب الفرار منه؛ بتغيير الشكل في المبني للمجهول ...

عنه إلى النطق بحركة صريحة واضحة، وهي: الضمة أو الكسرة، بحيث يمتنع اللبس معها، وعند صحة الأمور الثلاثة، يكون الكسر أحسنها1، فالإشمام، ثم الضم وهو أقلها استعمالًا. 6- وإن كان الماضي الثلاثي المبني للمجهول مضعفًا2 مدغمًا؛ مثل الفعل: "عد" في: "عد الصيرفي المال"3 ... جاز في فائه الأوجه الثلاثة، "الضم الخالص، وهو الأكثر هنا، فالإشمام، فالكسر الخالص"، تقول وتكتب: عرفت أن المال قد عد -بضم العين أو كسرها- كما يجوز الإشمام في حركتها عند النطق، وإذا خيف اللبس في وجه من الثلاثة وجب تركه إلى غيره؛ كالفعل: "عد" - "رد"، وأشباههما، فإن فعل الأمر منهما يكون مضموم الأول: فيلتبس به الماضي المبني للمجهول إذا كانت حركة فائه الضمة؛ إذ يقال: عد المال، رد العدو، فلا تتضح حقيقة الفعل؛ أهو فعل ماضي مبني للمجهول أم فعل أمر؟ وفي مثل هذه الحالة يجب العدول عن الضم إلى الكسر، أو الإشمام؛ لأن الكسر والإشمام لا يدخلان أول هذين الفعلين إذا كانا للأمر4.

_ 1 وبالكسر جاء قول الشاعر: إذا قيس إحسان امرئ بإساءة ... فأربى عليها فالإساءة تغفر 2 مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد؛ نحو: عد - مد - شق - صب. 3 وفي قول الشاعر: ولم أر أمثال الرجال تفاوتًا ... إلى المجد؛ حتى عد ألف بواحد 4 وإنما قرئ: "ردوا" بالضم قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} ... لوجود قرينة تمنع اللبس، هي: أن فعل الأمر لا يكون فعل شرط للأداة "لو" أو غيرها. وفي الأوجه الثلاثة الجائزة في الثلاثي معل العين، وفي الثلاثي المضعف، ومنع ما يوقع منها في لبس، يقول ابن مالك: واكسر أو اشمم "فاء" ثلاثي أعل ... عينًا، وضم جا، كبوع: فاحتمل أي: اكسر أو أشمم فاء الماضي الثلاثي المعل العين، وقد جاء فيه الضم عن العرب؛ فيجوز القياس عليه؛ واحتمل قبوله؛ لمجيئه عنهم، "فا" هي مقصور الحرف: "فاء"، و"جا" هي: مقصور الفعل: "جاء"، وعند قراءة كلمة "أو" في البيت تتحرك الواو بالفتحة التي انتقلت إليها من الهمزة التي بعدها، والأصل: أو اشمم؛ لأنه أمر من الفعل: "أشم" الرباعي، وقد انتقلت حركة الهمزة إلى الواو الساكنة بعد حذف الهمزة للوزن الشعري، ثم يقول: =

7- وتجوز الأوجه الثلاثة أيضًا في الحرف الثالث الأصلي من الماضي المعل العين؛ إذا كان على وزن؛ انفعل، أو: افتعل؛ مثل: "انقاد - انهال - انهار"، ومثل: "اختار - اجتاز - احتال ... ". ويلاحظ هنا أن حركة الحروف الأول "وهو: همزة الوصل" لا تلزم صورة واحدة في ضبطها، فلا تقتصر على حركة معينة، وإنما تماثل وتساير حركة الحرف الثالث، وأن ضمة الثالث ستؤدي إلى قلب الألف التي بعده واوًا، وأن كسرته ستؤدي إلى قلبها ياء؛ فلا بد في حركة الحرف الأول -وهو همزة الوصل- من أن تكون مناسبة لحركة الثالث في الضم، أو الكسرة، أو الإشمام، كما سبق؛ فيقال ويكتب فيهما: انقود، أو: انقيد، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا باقي الأفعال التي تشبه: "انقاد". كذلك يقال ويكتب: اختور، أو: اختير، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا يقال في باقي الأفعال التي تشبه: "اختار". ويشبههما في الحكم السابق: "انفعل" و"افتعل" إذا كانا صحيحين مضعفي اللام؛ نحو: انصب - انسد - انجر - ... ومثل: امتد - اشتد - ابتل، فإذا بني فعل للمجهول من هذه الأفعال ونظائرها - جاز في حرفه الثالث - عند أمن اللبس - الضم، الخالص نطقًا وكتابة، أو: الكسر الخالص كذلك، أو الإشمام نطقًا، وفي كل حالة من الثلاث يتحرك الحرف الأول؛ - وهو همزة الوصل - بمصل حركة الحرف الثالث، نحو: انصب - أو انصب، امتد - امتد1.

_ = وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يرى لنحو حب يريد: أن أدى وجه من الأوجه الثلاثة السالفة إلى اللبس الذي لا يمكن معه تمييز الفعل المبني للمجهول من غيره، وإلى اختلاط المعاني -وجب اجتناب ذلك الوجه إلى آخر ليس فيه لبس. ثم بين أن ما ثبت من الأحكام لفاء الفعل: "باع" - وغيره من الماضي الثلاثي المعل الوسط - عند البناء للمجهول، قد يثبت لنحو: "حب" من كل فعل ماضي ثلاثي مضاعف، حيث يجوز في فائه الأمور الثلاثة، بشرط أمن اللبس؛ فإن خيف اللبس في أحدها وجب تركه. 1 وفي هذا يقول ابن مالك: =

8- إن كان الفعل جامدًا أو فعل أمر لم يصح بناؤه للمجهول مطلقًا ... 9- إن كان الفعل ناقصًا "مثل: كان، وكاد، وأخواتهما"، فالصحيح أنه يبنى للمجهول، وتجري عليه أحكام المبني للمجهول1 بشرط الإفادة، وعدم اللبس -إلا الناقص الجامد؛ مثل: ليس، وعسى؛ لأن الجامد لا يبنى للمجهول- كما سبق.

_ = وما لفا باع لما العين تلي ... في اختار، وانقاد، وشبه ينجلي وفي هذا البيت شيء من التعقيد بسبب التقديم، والتأخير، والحذف، والأصل الذي يريده: الذي يثبت لفاء: "باع" يثبت كذلك للحرف الذي تليه عين الفعل من نحو: "اختار" و"انقاد" أو شبه لهما ينجلي، "أي: يتضح" والمشابهة تكون في الوزن والإعلال، وهناك ما يشبههما من جهة انطباق الحكم عليه؛ كافعل وافتعل؛ الصحيحين مشددي اللام، تلي العين؛ أي: تليه، فالهاء محذوفة. والمعنى: ما تقرر من الأوجه الثلاثة في حركة الفاء من الفعل المعل العين، "مثل: باع، صام" يتقرر مثله للحرف السابق لعين الفعل المعلة، إذا كان الفعل على وزن: "افتعل" أو"انفعل" وأشباههما وما يلحق بهما. 1 بالرغم من صحة بناء هذه الأفعال للمجهول، فمن المستحسن عدم بنائها للمجهول؛ مسايرة للأساليب العليا، وأحكام البلاغة التي ترى فيها ثقلًا في النطق، وقبحًا في الجرس، وسيأتي في "ب" من ص 122 كلام خاص بخبر "كان" وحدها يتصل بما نحن فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ورد عن العرب أفعال ماضية تشتهر بأنها ملازمة للبناء للمجهول، سماعًا عن أكثر قبائلهم، وهي الأفعال التي يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول في الصورة اللفظية، لا في الحقيقة المعنوية1؛ ولذلك يعربون المرفوع بها فاعلًا؛ وليس نائب2 فاعل، ومن أشهرها: هزل - دهش وشده، وهما بمعنى واحد -؛ ومنها: "شغف بكذا، وأولع به، وأهتر به، استهتر به، وأغري به، وأغرم به ... ، وكلها بمعنى واحد؛ هو: التعلق القوي بالشيء"، ومنها: أهرع، بمعنى: أسرع، ومنها: نتج، ومنها: عني بكذا؛ أي: اهتم به، ومنها: حم فلان "بمعنى أصابته الحمى" - أغمي عليه - فلج - امتقع لونه "بمعنى تغير" - زهي "بمعنى تكبر" ... و ... 3. لكن ما حكم مضارع هذه الأفعال؟ أيجب بناؤه للمجهول مثلها، أم يتوقف أمره -كماضيه- على السامع الوارد من العرب في كل فعل؟ الصحيح أنه مقصور على السماع الوارد في كل فعل4، ومنه في الشائع: "يهرع، يعني، يولع، يستهتر ... ". بقي توضيح المراد من أن تلك الأفعال الماضية ملازمة للبناء للمجهول سماعًا عن أكثر القبائل:

_ 1 لأن الفاعل -في الأغلب- هو الذي فعل الفعل، أو قام به الفعل" ... وهذا ينطبق على الاسم المرفوع بعد هذه الأفعال. 2 وهذا في الرأي الشائع الذي ورد صريحًا في كثير من المراجع؛ كالقاموس المحيط، في مقدمته تحت عنوان "المقصد، في بيان الأمور التي اختص بالقاموس"، وهو المقصود بعنوان: "مسألة"، وكالخضري في مواضع متفرقة، منها: باب "أبنية المصادر" عند الكلام على مصدر: "فعل" ... إلا إن كان المبني للمجهول لزومًا غير رافع الاسم بعده؛ نحو: سقط في يد المتسرع، "بمعنى: ندم"، فشبه الجملة نائب فاعل، وليس بفاعل: لأن الفاعل لا يكون شبه جملة. 3 عقد "ابن سيده" في كتابه، "المخصص" "ج 15 ص 72" بابًا سماه: ما جاء من الأفعال على صيغة ما لم يسم فاعله. 4 جاء النص على هذا في مقدمة "القاموس" في "بيان الأمور التي اختص بها القاموس" تحت عنوان "مسألة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرى أكثر النحاة أن المراد هو عدم استعمالها في معانيها السالفة مبنية للمعلوم؛ تقول: شدهت من الأمر، بالبناء للمجهول، ولا يصح عند هؤلاء شدهني الأمر، بالبناء للفاعل، لاعتمادهم على ما جاء في كتاب: "فصيح ثعلب"، ونحوه من التصريح القاطع بأنها لا تبنى للمعلوم. وأنكر بعض المحققين -كابن بري1- ما قاله ثعلب وغيره من اللغويين والنحاة، وحجة ابن بري في الإنكار أن "ثعلبًا"، ومن معه لم يعلموا ما سجله ابن درستويه وردده؛ ونصه2: "عامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول، ولم يقولوا: إنه إذا سمي فاعله جاز بغير ضم، وهذا غلط منهم؛ لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي؛ فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها مضمومة الأوائل، ولم نخص بذلك بعضها دون بعض، وقد بينا ذلك بعلته وقياسه؛ فيجوز: عنيت بأمرك، وعناني أمرك - وشغلت بأمرك، وشغلي أمرك - وشدهت بأمرك، وشدهني أمرك". ا. هـ، هذا ما نقله "ابن بري"1 وختمه بقوله: "وفي ذلك كفاية تغني عن زيادة إيضاح وبيان". ا. هـ. ورأيه هو السديد الذي تؤيده النصوص الصحيحة التي تحمل الباحث على أن يسأل: كيف خفيت هذه النصوص على كثير من اللغويين والنحاة القدامى؟ وكيف رتبوا على وجود نوع وهمي من الأفعال يلازم البناء للمجهول -في رأيهم- أحكامًا خاصة؛ كمنع مجيء "صيغتي التعجب" من الثلاثي مباشرة، وعدم صحته إلا بوسيط، وكمنع صوغ "أفعل التفضيل" من مصادرها إلا بوسيط كذلك ... و ... و ... ولا شك أن رأي "ابن بري"، ومن معه من المحققين هو السديد -كما تقدم- والأخذ به يؤدي إلى إلغاء تلك الأحكام الخاصة، ويبيح في الثلاثي "التعجب" المباشر، وكذا "التفضيل" بغير وسيط، ويرد لتلك الأفعال اعتبارها وحقها، ويجعل شأنها شأن غيرها من باقي الأفعال التي يصح أن تبنى للمعلوم حينًا، وللمجهول حينًا آخر، على حسب مقتضيات المعنى.

_ 1 و 1 ضبط القاموس الياء مشددة بالشكل. 2 ما يأتي منقول مما يسمى بالاسم الآتي نصه: "الرسالة المشتملة على انتقاد "ابن الخشاب البغدادي" على العلامة "أبي محمد الحريري" في مقاماته، وانتصار الشيخ الإمام العلامة أبي محمد عبد الله بن بري للإمام الحريري في الرد على " ابن الخشاب". ا. هـ. وهذه الرسالة مطبوعة في ختام بعض طبعات "مقمات الحريري".

ب- عرفنا1 أن نائب الفاعل يكون مرفوعًا بأحد شيئين؛ الفعل المبني للمجهول، واسم المفعول، فهل يرتفع بالمصدر المؤول المسبوك في أصله من "أن"، والفعل المبني للمجهول؟ انتهى النحاة إلى أن الأصح جوازه بشرط أمن اللبس، ومن أمثلتهم: عجبت من أكل الطعام؛ بتنوين المصدر "أكل" ورفع كلمة: "الطعام" على اعتبارها نائب فاعل له، والأصل عندهم: عجبت من أن أكل الطعام، فلما سبك المصدر المؤول صارت كلمة: "الطعام" نائب فاعل له بعد سبكه. فإن أوقع في السبك لبس لم يصح؛ نحو؛ عجبت من إهانة علي، إذا كان علي هو المهان، "والأصل: من أن أهين علي"، فيتعين أن يكون المصدر مضافًا و"علي"، هو المضاف إليه المجرور، وهو في محل نصب مفعول به، ولا يصح الرفع؛ لوقوع اللبس بسببه. وكما صح رفع نائب الفاعل بالمصدر المؤول يصح أن يكون مجرورًا باعتباره مضافًا إليه، والمصدر هو المضاف، فيكون نائب الفاعل مجرورًا لفظًا -مرفوعًا محلًا؛ كما يجوز جعل ما أضيف إليه المصدر في محل نصب على المفعولية. والفاعل محذوف من غير نيابة شيء عنه. أما على الرأي الذي يمنع المصدر المؤول من رفع نائب فاعل يتعين إضافة المصدر لما بعده ويكون ما بعده -وهو المضاف إليه- في محل نصب على المفعولية2. بالرغم من أن الأصح -عندهم- جوازه، فالأنسب اليوم عدم الالتجاء إليه؛ لأنه لا يكاد يخلو من غموض وثقل ينافيان الأساليب الناصعة العالية، وأسس البلاغة، وهذان أمران لهما اعتبارهما، ويزيدهما قوة ورجاحة خلو المراجع المتداولة من أمثلة مسموعة من فصحاء العرب تؤيده. ج- في الفعل الثلاثي المعل العين، وفي غيره من الأفعال الماضية المبنية للمجهول لغات أخرى، أعرضنا عنها؛ لأنها لهجات متعددة، لقبائل متباينة لا نرى خيرًا في استعمالها اليوم؛ حرصًا على الإبانة والتوحد المفيد قدر الاستطاعة، ومنعًا للتشتت والتعدد في أهم وسيلة للتفاهم والإيضاح، وهي: اللغة.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص97. 2راجع: " الخضري، والصبان".

المسألة 68: ب- الأشياء التي تنوب عن الفاعل بعد حذفه. ننتقل إلى الأمر الثاني1 الذي يترتب على حذف الفاعل؛ وهو: إقامة نائب عنه يحل محله، ويخضع لكثير من أحكامه، -كما قلنا-. والذي يصلح للنيابة عن الفاعل واحد من أربعة أشياء؛ المفعول به، والمصدر والظرف، والجار مع مجروره 2، وقد تلحق بها -أحيانًا- حالة خامسة، ستيجيء3. 1- فأما المفعول به فقد سبقت له أمثلة كثيرة، غير أن فعله قد يكون متعديًا لواحد؛ كالأمثلة المشار إليها، وقد يكون متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر؛ كمفعولي: "ظن" وأخواتها4 -في مثل ظن الغلام الندى مطرا، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر، كمفعولي: "أعطى"، وأخواتها، ومنها: "كسا"، في مثل: أعطى الغني الفقير مالًا، وكسا المحتاج ثوبًا 5، وقد يكون متعديًا لثلاثة؛ "كأعلم" و"أرى" 6، نحو: أعلم الطبيب المريض الدواء شافيًا. فإن كان الفعل متعديًا لمفعول به واحد، مذكور في الكلام أقيم هذا الواحد مقام الفاعل ... وإن كان متعديًا لاثنين مذكورين، فقد يكون أصلهما المبتدأ والخبر أو ليس أصلهما كذلك، فأي المفعولين ينوب؟

_ 1 أما الأول فقد سبق في ص 98. 2 راجع ما قلناه أول الباب " في رقم 5 من هامش ص 97" من أن بعض النحاة يجيز تقديم نائب الفاعل إذا كان شبه جملة، وبيان السبب. 3 في ص 119، أما غير هذه الخمسة فسيجيء عنه كلام في الزيادة والتفصيل ص 122 أ- ومنه يعلم وجود أشياء أخرى. 4 سبق بابها في ص 3. 5 ليس أصل المفعولين هنا المبتدأ والخبر، إذ لا يقال على سبيل الحقيقية اللغوية، لا المجاز: الفقير مال -المحتاج ثوب؛ لفساد المعنى الحقيقي على هذا. 6 سبق بابهما في ص 58.

وإن كان متعديا لثلاثة مذكورة فأيها ينوب كذلك1. خير الآراء وأنسبها: اختيار الأول للنيابة إذا كان هو الأظهر والأبين للقصد مهما كان نوع فعله، لكن لا مانع من تركه، واختيار غيره؛ فيكون في هذا اختيار لغير الأفضل، فإن كان غير الأول هو الأقدر على إيضاح المراد، وإبراز الغرض من لجلمة فنيابته مقدمة على نيابة الأول، ولا بد في كل الحالات من أمن اللبس؛ وإلا وجب العدول عما يحدثه إلى ما لا يحدثه، وفيما يلي أمثلة لأنواع الفعل المتعدي قبل بنائه للمجهول، وبعد بنائه، وما يحدث اللبس وما لا يحدثه. فما لا يحدثه؛ "عرف المسترشد الصواب - عرف الصواب". "ظن الجاهل الخفاش طائرًا - ظن الخفاش طائرًا - ظن طائر الخفاش". " أعطى الوالد الطفل كتابًا - أعطى الطفل كتابا - أعطى كتاب الطفل". "أعلمت التاجر الأمانة نافعة - أعلم التاجر الأمانة نافعة - أعلم الأمانة التاجر نافعة - أعلم نافعة التاجر الأمانة". ولا يصح إنابة غير الأول في مثل: "أعطيت محمدًا فريقًا من الأعوان"، "منحت الشركة مهندسًا"؛ لأن كلا من الأول والثاني يصلح أن يكون أخذًا ومأخوذًا؛ فلا يمكن التمييز بينهما عند بناء الفعل للمجهول إلا باختيار أولهما ليكون نائب فاعل؛ لأن اختياره يجعله بمنزلة الفاعل في المعنى؛ فيتضح من تقدمه أنه الآخذ؛ وغيره المأخوذ، ومثل هذا يقال في: ظننت الولد الوالد، حيث يجب اختيار الأول للنيابة؛ لأن كلا منهما صالح أن يكون هو المظنون الشبيه بالآخر. ولا يمنع هذا اللبس إلا اختبار الأول وذلك للسبب السالف، ولا سيما أن الأول هنا

_ 1 الخلاف بين النحاة عنيف متشعب فيما يصلح للنيابة عند تعدد المفعول به، وتباين أوصافه؛ أهو الأول وحده، فلا يصح إنابة غيره، أم الأول وغيره؛ فيختار واحد بغير تعيين؟ وهل الأول وغيره سواء عند الاختيار، مزية لأحدهما على الآخر؟ وهل بين المفعولين أو الثلاثة ما لا يصلح للنيابة؟ ... و ... و ... ولا نريد الإرهاق بسرد أوجه الخلاف، وأسبابه، وأدلته كما وردت في المطولات فليس في السرد ما يناسبنا اليوم، وحسبنا أن نستقصي الآراء، ونستصفي مال خير لتقدمه هنا.

هنا أصله مبتدأ، والمبتدأ متقدم بحسب أصل رتبته على الخبر، ومثل هذا يقال في: "أعلم السائق المهندس زميله مهملًا"، حيث يجب اختيار الأول؛ لما سلف. وإذا وقع الاختيار على واحد وجب ترك ما عداه على حاله -كما كان- مفعولًا به منصوبًا 1. ومما يجب التنبه له أن المفعول الثاني "لظن"، وأخواتها قد يكون جملة -كما سبق في بابها2- فإن كان جملة لم يصح اختياره نائب للفاعل؛ لأن الفاعل ونائبه لا يقعان جملة3 في الراجح، وينطبق هذا على غير "ظن" أيضًا؛ فهو حكم عام فيها وفي غيرها ... 2 وأما المصدر -ومثله اسم المصدر- فيصلح للنيابة عن الفاعل بشرطين؛ أن يكون متصرفًا، ومختصًا، والمراد بالتصرف: ألا يلازم النصب على المصدرية،

_ 1 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله: باتفاق قد ينوب الثان من ... باب: "كسا" فيما التباسه أمن في باب: "ظن" و"أرى" المنع اشتهر ... ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر يريد: أن النحاة اتفقوا - بناء على ما استنبطوه من كلام العرب - على جواز إنابة المفعول الثاني الذي فعله "كسا" وشبهه، - وهو الفعل الذي ينصب مفعولين، ليس أصلها المبتدأ والخبر - إذا أمن الالتباس، أما إنابة الثاني مما فعله "ظن" أو"رأى" - وأخواتهما فقد بين أن المشهور المنع، وهو لا يوافق على المنع إذا كان القصد ويتضح بالثاني، ولم يتعرض للمفعول الثالث الذي فعله ينصب ثلاثة، وقد ذكرنا أن حكمه كغيره. وسيعاد البيتان لمناسبة أخرى في هامش ص 120. 2 ص 24. 3 قد تقع الجملة نائب فاعل إذا حكيت بالقول، وقصد لفظها بحروفها وضبطها - بالتفصيل المبين "في ب" من ص 53؛ لأنها تكون حينئذ بمنزلة المفرد؛ بسبب قصد لفظها - مثل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض} ، فيجوز أن تكون جملة: "لا تفسدوا" هي نائب الفاعل مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها، منع من ظهورها الحكاية ... ومثل المحكية أيضًا المؤول بالمفرد؛ نحو: عرف كيف جاء علي، أي: عرف كيفية مجيء علي. "راجع ج1 م 39 - هامش ص 509 - حيث تفصيل الكلام على حالات إعراب: "كيف"، وبنائها وقد أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص 61 و 1 من هامش ص 67، وهذا يشمل المفعول الثاني لظن وغيرها. أما وقوع الجملة فاعلًا فقد سبق فيه في ص 66 وأن الأرجح المنع.

وإنما ينتقل بين حركات الإعراب المختلفة؛ فتارة يكون مرفوعًا، وأخرى يكون منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب حالة الجملة؛ مثل: فهم، جلوس، تعلم ... ؛ نحو: الفهم ضروري للمتعلم - إن الفهم ضروري ... - اعتمدت على الفهم ... و ... كذا الباقي ونظائره مما لا يلازم النصب على المصدرية؛ لأن ملازمته النصب على المصدرية تمنع أن يكون مرفوعًا مطلقًا؛ فلا يصلح نائب فاعل أو غيره من المرفوعات. فإن كان المصدر - أو اسمه 1 - ملازمًا النصب على المصدرية لم يكن متصرفًا، ولم يصح اختياره للنيابة عن الفاعل؛ مثل: "معاذ"؛ فإنه مصدر ميمي لم يشتهر استعماله عن العرب إلا منصوبًا مضافًا2 في نحو: معاذ الله أن يغدر الأمين، ومثل: "سبحان" 3؛ فإنه اسم مصدر لم يشتهر استعماله عن العرب كذلك إلا منصوبًا مضافًا - في الأغلب - فلو وقع أحدهما نائب فاعل لصار مرفوعًا، ولخرج عن النصب الواجب له، وهو ضبط لا يصح مخالفته، ولا الخروج عليه؛ حرصًا على اللغة، ومحافظة على طرائقها المشهورة. والمراد بالاختصاص: أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائدًا على معناه المبهم، المقصور على الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، فالمعاني المبهمة المجردة "مثل؛ قراءة - أكل - سفر ... و ... وأمثالها"؛ يدل كل منها على معناه الذي يفهم من لفظه نصًا، دون زيادة شيء عليه؛ فكلمة: "قراءة" ليس في معناها الحرفي ما يدل على أنها قراءة سهلة أو صعبة، نافعة أو ضارة، و"الأكل" ليس في معناه الحرفي ما يدل على أنه لذيذ أو بغيض، قليل أو كثير، حار أو بارد ... و"السفر" ليس في معنى نصه الحرفي

_ 1و 1 اسم المصدر في جميع ألفاظه وصيغه مقصور على السامع، "كما سيجيء في الباب الخاص بتعريفه وبأحكامه -ج 3 م 99 ص 201- ستأتي لهذه إشارة في رقم 3 من هامش ص 214. 2 "معاذ" في نحو: معاذ الله أن أنس الفضل، مصدر ميمي نائب عن اللفظ بفعله، "أي: يغني عن التلفظ بفعله"، والأصيل أعوذ بالله معاذًا، ثم حذف الفعل، وقام المصدر نائبًا عن لفظه، وأضيف، فصار: معاذ الله ويعرب مفعولًا مطلقًا، وستجيء إشارة له في ص 236 م 76، ولاستعماله غير مضاف، لضرورة الشعر". 3 اسم مصدر معناه: التسبيح، وفعله: سبح، وستجيء إشارة له في ص 234 م 76؛ ولاستعماله في ضرورة الشعر غير مضاف.

ما يدل على أنه سفر قريب أو بعيد، سهل أو شاق، مرغوب فيه أو مرغوب عنه.. وهكذا يدل المصدر وحده -وكذا اسمه- على المعنى المجرد، أي: على ما يسمونه: "الحدث المحض" فمثل هذا المصدر، أو اسمه لا يصلح أن يكون نائب فاعل؛ لأن الإسناد إليه لا يفيد معنى جديد أكثر من معنى فعله، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وتوكيد المعنى الموجود ليس هو المقصود الأساسي من الإسناد، ولا يوصف بأنه معنى جديد، فلا يصح أن يقال: علم علم، فهم فهم ... إذ لا بد مع المصدر من زيادة معنى جديد على معناه الأصلي، ليكون صالحا للنيابة عن الفاعل، وهذه الزيادة تأتيه من خارج لفظه، وهي التي تجعله مختصا. وتحدث بواحد أو أكثر من أمور متعددة؛ منها: وصفه؛ نحو: علم علم نافع - فهم فهم عميق، ومنها: إضافته؛ نحو: علم علم المخترعين، وفهم فهم العباقرة. ومنها: دلالته على العدد؛ نحو: قرئ عشرون قراءة ... وغير هذا من كل ما يزيل إبهام المصدر، واسمه، ويزيد معناهما على مجرد تأكيد معنى الفعل، ويجعل الإسناد إليهما مفيدًا فائدة جديدة أساسية. ومما سبق نعلم لمراد من قولهم المختصر: "إن المصدر يصلح للنيابة إذا كان مفيدًا"، ويكتفون بهذه الجملة؛ لأن الإفادة لا تحقق إلا بالشرطين السالفين وهما: "التصرف والاختصاص". 3 وأما الظرف بنوعيه فيصلح للنيابة عن الفاعل إذا كان مفيدًا أيضًا، وهذه الفائدة تتحقق بشرطين، أن يكون الظرف متصرفًا كامل التصرف، وأن يكون مختصًا. والمراد بالتصرف الكامل: صحة التنقل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من "رفع، إلى نصب، إلى جر؛ على حسب حالة الجملة"، وعدم التزامه النصب على الظرفية وحدها دائمًا، أو النصب على الظرفية مع الخروج عنها أحيانًا إلى شبه الظرفية، وهو الجر بالحرف "من" 1 - في الغالب؛ لأن عدم تصرفه

_ 1 ينقسم الظرف -باعتبار التصرف وعدمه- إلى ثلاثة أقسام: ظرف كامل التصرف، وظرف ناقص التصرف، ويسمى أيضًا التشبيه بالمتصرف -وظرف غير متصرف مطلقًا، وسيجيء هنا موجز عنها، أما تفصيل الكلام على الأقسام كلها ففي باب الظرف ص 242 م 78.

الكامل يمنع وقوعه مرفوعًا - نائب فاعل أو غيره من المرفوعات، كما سبق - فمثال الظرف الكامل التصرف: يوم - زمان - قدام - خلف؛ لأنك تقول: اليوم يوم طيب - قضيت يومًا طيبًا - تطلعت إلى يوم طيب ... وتقول: قدامك فسيح - إن قدامك فسيح - سأتجه إلى قدامك، فهذه الظروف المتصرفة يصح وقوعها نائب فاعل إن كانت مختصة1. ومثال الظرف غير المتصرف مطلقا، "وهو يلازم النصف على الظرفية وحدها": قط2 - عوض 3 - إذا - سحر؛ "بشرط أن يراد به سحر يوم معين دون غيره؛ ليكون ظرفصا ملازمًا للنصب"، فلا يصح أن يقع واحد من هذه الظروف - وأشباهها - نائب فاعل؛ فلا يقال عنه نائب فاعل في مثل: ما كتب قط - لن يكتب عوض - مما يجاء إذا جاء الصديق - مدح سحر. لا يقال ذلك4 لعدم تحقق الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولئلا يخرج الظرف عن الظرفية إلى غيرها، وهي الحكم الدائم الثابت له في الكلام العربي الأصيل الذي لا تجوز مخالفة طريقته. ومثال الظروف الشبيه بالمتصرف "أي: الظرف ناقص التصرف، وهو الذي لا يترك النصب على الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ وهو الجر بالحرف "من" -غالبًا-

_ 1 "ملاحظة": إذا صار الظرف نائب فاعل، أو شيئًا آخر غير النصب على الظرفية، فإنه لا يسمى ظرفًا -كما سيجيء في بابه، ص 244. 2 ستجيء له إشارة أخرى في "ب" من ص 261، والأشهر في ضبطه أن يكون بفتح القاف مع تشديد الطاء المضمومة، وأن يفيد استغراق الزمن الماضي كله منفيًا؛ لأنه -في الأشهر- لا بد أن يسبقه النفي أو شبهه؛ نحو: ما تأخرت قط، أي: ما تأخرت فيما انقضى من عمري إلى الآن، وهو ظرف مبني على الضم، "وفيه لغات أخرى أقل شيوعًا". و"قط" هذه غير التي في مثل: تصدق بدرهمين أو ثلاثة فقط، فإن هذه بمعنى: حسب"، والفاء زائدة لتزيين اللفظ. "وتفصيل المسألة وإيضاحها في ج 1 م 30 ص 382 عند بيت مالك في باب: " المعرف بأل": "أل" حرف تعريف أو اللام فقط ... ". 3 هو ظرف لاستغراق الزمن المنفي؛ لأنه -في الغالب- يكون مسبوقًا بالنفي. وحكمه عند عدم إضافته: البناء على الضم أو الفتح أو الكسر، فإن أضيف كان معربًا؛ نحو: لن أنافق عوض العائضين -كما سيجيء في "ب" من ص 261. 4 لا يقال ذلك؛ سواء اعتبرنا كلا منهما نائب فاعل، مرفوعًا مباشرة، أو اعتبرناه غير معرب، أي: نائبًا مبنيًا في محل رفع.

كما سبق " عند - ثم - مع ... وهذا النوع لا يصلح للنيابة عن الفاعل؛ لأنه كسابقه - لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد؛ ولأنه لا يصح إخراجه عن الحكم والضبط الذي استقر له وثبت في الكلام العربي المأثور؛ وهو النصب أو الجر الغالب بمن، فلا يقال: قرئ عند، ولا كتب ثم؛ ولا عرف مع1. والمراد بالاختصاص هنا: أن يزاد على معنى الظرف معنى جديد آخر يكتسبه من كلمة تتصل به اتصالًا قويًا؛ ليزول الغموض والإبهام عن معناه، كأن يكون الظرف مضافًا؛ نحو: أذن وقت الصلاة - نودي ساعة البيع ... أو يكون موصوفًا؛ نحو: قضي شهر جميل في المصايف - قطع يوم كامل في السفر - أو يكون معرفًا2؛ نحو: يحب اليوم؛ لأنه معتدل، أو غير ذلك مما يزيد معنى جديدا على الظرف، ويخرج معناه السابق من الإبهام والتجرد. 4 وأما الجار مع مجروره فإن كان حرف الجر زائدًا - نحو: ما صودر من شيء - فلا خلاف أن النائب هو المجرور وحده - "وأنه مجرور لفظًا، مرفوع محلًا، فيجوز في التوابع مراعاة لفظه أو محله. أما حرف الجر الأصلي مع مجروره - نحو: قعد في الحديقة الناضرة، فالصحيح أن الذي ينوب منهما عن الفاعل هو المجرور وحده 3 "برغم أن الشائع

_ 1 بعض النحاة يجير في مثل: جلس عندك - بإضافة الظرف إلى الضمير - أن يكون الظرف منصوبًا على الظرفية مع كونه في الوقت نفسه في محل رفع بالنيابة عن الفاع، ويجيز في قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ... وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أن يكون الظرف في الآية الأولى منصوبًا على الظرفية في محل رفع فاعلًا، وأن يكون في الآية الثانية منصوبًا على الظرفية في محل رفع مبتدأ. وهذا غريب، والمشهور في الآيتين ونظائرهما مما يضاف فيه الظرف إلى المبني أن يبنى على الفتح جوازًا؛ فيكتسب البناء من المضاف إليه. وفي هذه الحالة التي يبنى فيها على الفتح جوازًا تكون فتحته فتحة بناء، لا فتحة إعراب، فيكون مبنيا على الفتح في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب حاجة الجملة. 2 ومنه التعريف بالعلمية؛ مثل: رمضان، للشهر المعروف، ومثل: "سحر" - في رأي - إذا جعل علمًا على سحر يوم معين عند القائلين بعلميته. 3 فهو مجرور في الظاهر، ولكنه في المعنى والتقدير مرفوع، ولا يصح - في الرأي القوي - مراعاة هذا المعنى والتقدير في التوابع أو غيرها؛ فهو أمر ملاحظ عقليا فقط، ولا يجوز مراعاته أو تطبيق حكمه على غيره، شأنه في ذلك شأن المجرور بحرف جر أصلي بعد فعل لازم مبني للمعلوم؛ نحو: قعد الرجل في البيت، فإن كلمة: "البيت" مجرورة في اللفظ؛ لكنها في المعنى والتقدير منصوبة؛ لأنها بمنزلة المفعول به للفعل اللازم، ولا يصح في الرأي الأحسن مراعاة هذا النصب في التوابع أو غيرها؛ فنصبها التقديري أمر ملاحظ فيها عقليا، مقصور عليها وحدها؛ فالمجرور بحرف جر أصلي مع الفعل المبني للمجهول مرفوع "محلًا"، ورفعه هذا مقصور عليه، والمنصوب حمًا مع الفعل المبني للمعلوم منصوب محلًا، ونصبه هذا مقصور عليه؛ فكلاهما يشبه الآخر في حركة معنوية عقلية، مقصورة عليه وحده؛ لا يظهر لها أثر في غيره، "انظر رقم 1 من هامش ص 126 ثم رقم 3 من هامش 151 لأهميته حيث تجد رأيا آخر، وتعليقًا عليه".

على الألسنة هو: الجار مع مجروره، ولا مانع من قبوله تيسيرًا وتخفيفًا"1. ويشترط لإنابتهما أن يكون الإسناد إليهما مفيدًا، وتتحقق الفائدة بأمرين؛ أن يكون حرف الجر متصرفًا، وأن يكون مجروره مختصًا. والمراد من التصرف في حرف الجر ألا يلتزم طريقة واحدة لا يخرج عنها إلى غيرها. كأن يلتزم جر الأسماء الظاهرة فقط؛ "ومن أمثلته: مذ - منذ - حتى "، أو جر النكرات فقط؛ "ومن أمثلته: رب" أو يلتزم جر نوع آخر معين من الأسماء؛ "كحروف القسم؛ فإنها لا تجر إلا مقسمًا به، وكحروف الجر التي للاستثناء "وهي: خلا - عدا - حاشًا"، فإنها لا تجر إلا المستثنى، ومثل: مذ ومنذ: فإنهما لا يجران إلا الأسماء الظاهرة الدالة على الزمان"، فلا يصح وقوع شيء من تلك الحروف مع مجروراتها نائب فاعل؛ فلا يقال نائب فاعل في مثل: صنع منذ الصبح، ولا زرع حتى الشاطئ، ولا قوتل رب رجل عنيد ... و ... 2. والمراد بالاختصاص: أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائدًا فوق معناهما

_ 1 وفوق ذلك يريحنا من أنواع مرهقة من الجدل الثقيل حول إثبات أن النائب هو حرف الجر وحده، أو مجروره وحده ... و ... 2 وكذلك يشترط ألا يكون معنى حرف الجر هو: "التعليل" كالذي يفهم من "اللام" و"الياء" وقد يفهم من حرف الجر "من" أحيانًا، والداعي لهذا الاشتراط عنهم أن حرف الجر حين يكون معناه التعليل يكون مجروره مبينًا على سؤال مقدر، أي: يكون بمنزلة جواب عن سؤال مقدر؛ فكأن المجرور من جملة أخرى، ويمثلون له بأمثلة منها قول الشاعر: يغضي حياء، ويغضي من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم أي: يغضي هو، أي الطرف؛ لأن الإغضاء خاص بالطرف؛ فيدل عليه، ولا يصح عندهم أن يكون الجار والمجرور نائب فاعل؛ لأن معنى حرف الجر هنا: "التعليل"، فالمجرور مبني على سؤال مقدر، هو: لماذا يغضى؟ فأجيب: من مهابته، فكأن الجواب من جملة أخرى في رأيهم -كما سبق- لكن كيف نوفق بين هذا الرأي، وما يخالفه مما يأتي في: "أ" ص 122 الإجابة هناك.

الخاص بهما، ويجيئهما هذا المعنى الزائد من لفظ آخر يتصل بهما؛ كالوصف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، مما يكسبهما معنى جديدًا؛ فتحصل الفائدة المطلوبة من الإسناد. ومن أمثلة الجار والمجرور المستوفيين للشروط: أخذ من حقل ناضج - قطع في طريق الماء، فلا يصح: أخذ من حقل - قطع في طريق. من كل ما سبق نعرف أن "الإفادة" هي الشرط الذي يجب تحققه فيما ينوب عن الفاعل من مصدر، أو ظرف، أو جار مع مجروره، وأن هذه الإفادة تنحصر في التصرف والاختصاص معًا. 5- يلحق بما تقدم الجملة المحكية بالقول، وكذا المؤولة بالمفرد، طبقًا للبيان الذي سلف1 عنهما. إلى هنا انتهى الكلام على الأشياء التي يصلح كل واحد منها أن يكون نائب فاعل إذا لم يوجد غيره في الجملة، فإذا وجد أكثر من واحد صالح للإنابة لم يجز أن ينوب عن الفاعل إلا واحد فقط؛ لأن نائب الفاعل -كالفاعل- لا يتعدد لكن ما الحق بالنيابة عند وجود نوعين مختلفين، صالحين، أو أكثر؟ يميل كثير من النحاة إلى الرأي القائل باختيار المفعول به2 دائمًا، "أي في كل الحالات"؛ ليكون هو النائب؛ ويفضلونه على غيره، وهم -مع ذلك- يجيزون ترك الأفضل؛ ففي مثل: أنشد الشاعر القصيدة إنشادًا بارعًا في الحفل أمام الحاضرين، يكون الأفضل عندهم -حين بناء الفعل للمجهول- اختيار المفعول به نائبًا؛ فيقال: أنشدت القصيدة، إنشادًا بارعًا، في الحفل أمام الحاضرين، ولا مانع من ترك الأفضل واختيار غيره، كما قالوا.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 113. 2 ويبالغون، فيفضلونه، ولو كان من نوع المفعول به المنصوب على نزع الخافض، ويترتب على هذا الاختيار بعض صور لها أحكام خاصة، منها ما سيجيء في "ج" من ص 122.

والحق أن الرأي السديد الأنسب هو أن نختار من تلك الأنواع ما له الأهمية في إيضاح الغرض، وإبراز المعنى المراد، من غير تقيد بأنه مفعول به أو غير مفعول به، وأنه أول أو غير أول، متقدم على البقية أو غير متقدم، ففي مثل: "خطف اللص الحقيبة من يد صاحبتها أمام الراكبين في السيارة" - تكون نيابة الظرف: "أمام" أولى من نيابة غيره؛ فيقال خطف أمام الراكبين في السيارة الحقيبة من يد صاحبتها؛ لأن أهم شيء في الخبر وأعجبه أن تقع الحادثة أمام الراكبين، ويحورهم؛ وهم جمع كبير يشاهد الحادث فلا يدفعه، ولا يبالي بهم اللص ... وقد تكون الأهمية في مثال آخر: للجار والمجرور؛ نحو: سرف في ديوان الشرطة سلاح جنودها ... وهكذا1.

_ 1 وفيما سبق يقول ابن مالك: قابل من ظرف أو من مصدر ... أو حرف جر بنيابة حري يريد: أن اللفظ القابل للنيابة حر "أي: حقيق وجدير بها" إذا كان ذلك اللفظ ظرفًا أو مصدرًا؛ أو حرف جر، ولعل ابن مالك يريد: أو مجرور الحرف "فكلمة "قابل" مبتدأ خبره: "حر" وقد حذف التنوين ورجعت الياء عند الوقف؛ فصارت "حرى"، وقوله: "من ظرف" جار ومجرور، حال من الضمير في "قابل" أو صفة لقابل؛ فتقدير البيت نحويًا هو: ولفظ قابل للنيابة حر بنيابة؛ حالة كون هذا اللفظ ظرفًا، أو مصدرًا، أو حرف جر - أو هذا اللفظ موصوف بأنه من ظرف، أو من مصدر، أو حرف جر، ثم قال بعد ذلك: ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد يريد أنه لا يصح -في الغالب- إنابة شيء مما ذكره في البيت السابق مع وجود المفعول به، ثم عاد فقرر أنه قد يرد في الكلام الصحيح إنابة غير المفعول به مع وجوده، ثم سرد بعد ذلك بيتين سبق شرحهما في مكانهما الأنسب من هذا الباب ص 113 - وهما: وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب "كسا" فيما التباسة أمن في باب: "ظن وأرى" المنع اشتهر ... ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر ثم ختم الباب بالبيت التالي: وما سوى النائب مما علقًا ... بالرافع، النصب له، محققًا يريد: أن النائب عن الفاعل سيصير مرفوعًا؛ لتعلق معناه بالفعل الرافع له؛ فلأن معناه علق =

ومثل هذا يقال عند حذف الفاعل، وعدم وجود مفعول به في الجملة ينوب عنه، مع وجود أنواع أخرى تصلح للنيابة: فإن اختيار بعض هذه الأنواع دون بعض يقوم على أساس الأهمية ودرجتها؛ فما كان أكبر أهمية وأعظم تحقيقًا للمراد من الجملة، فهو الأحق بالاختيار، والأولى بالنيابة.

_ = برافعه "وثبت أنه رافعه" لا بد أن يرتفع، وما سوى هذا النائب فالنصب له، أي: حكمه النصب "وكلمة محققًا، حال من الضمير، الهاء في: "له"، فإذا وجد في الكلام مفعول به أو أكثر، ومعه شيء آخر يصلح للنيابة عن الفاعل -فالذي وقع عليه الاختيار للإنابة يرتفع، وما عداه ينصب لفظًا، إلا الجملة المحكية، والمؤولة بالمفرد، وقد سبق حكمها في رقم 3 من هامش ص 113، وإلا المجرورة، فيبقى جزء على حاله لفظًا، وينصب محلًا، بالتفصيل الذي عرضناه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في الإنابة عن الفاعل لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، والتمييز الملازم للنصب، والمفعول لأجله؛ فكل واحد من هذه الخمسة لا يصلح للإنابة؛ لأنها تخرجه من مهمته الخاصة، وتنقله إلى غيرها، وقد تتغير حركته الملازمة له. لكن فريقًا من النحاة يرى -بحق- جواز نيابة التمييز المجرور بالحرف "من"، وكذا نيابة المفعول لأجله المجرور، بشرط أن يحقق كل منهما الفائدة المطلوبة منه، والغرض من وجوده؛ نحو: يقام لإجلال العلماء النافعين، ويفاض من سرور رؤيتهم، ويسمى كل منهما: نائب فاعل، ويزول عنه الاسم السابق، ورأي هذا الفريق حسن1. ب- الصحيح أنه لا يجوز إنابة خبر "كان"2 ولا سيما المفرد؛ لعدم الإفادة؛ فلا يصح؛ كين قائم، "على فرض استساغته"؛ إذ معناه كما يقولون: حصل كون لقائم، ومن المعلوم أن الدنيا لا تخلو من حصول كون لقائم. جـ- عرفنا3 أن جمهرة النحاة تختار المفعول به -دون غيره- لإقامته نائبًا عن الفاعل المحذوف عند تعدد الأنواع الصالحة للنيابة، وقد شرحنا رأيهم، وأوضحنا ما فيه، ويترتب على الأخذ برأيهم ما يأتي: إذا قلت: زيد في أجر الصانع عشرون - كانت "عشرون" باعتبارها مرفوعة النائب عنه الفاعل، ولا يكون الفعل متحملًا ضميرًا، ولا يلحق بآخره علامة تثنية أو جمع. أما إذا قدمت: "الصانع" فقلت: الصانع زيد في أجره عشرون -فيجوز أحد أمرين: 1- أن تكون: "عشرون" مرفوعة على أنها نائب الفاعل، والفعل معها خال

_ 1 لكن كيف نوفق بين هذا الرأي، وما يخالفه مما سبق في رقم 2 من هامش ص 118؟ في الرأي الآخر تضييق بغير داع. 2 هذا الحكم خاص بخبر كان -دون أخواتها "انظر رقم 1 من هامش ص 107". 3 في ص 119.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الضمير، فلا يتصل بآخره علامة تثنية أو جمع، وفي هذه الصورة يجب بقاء الحال والمجرور، واشتماله على ضمير مطابق للاسم السابق - المبتدأ - ويكون هو الرابط، مثل: الصانعان زيد في أجرهما عشرون - الصانعون زيد في أجرهم عشرون ... وهكذا. 2- نصب كلمة: "عشرين" على أنها ليست نائب فاعل1، وإنما النائب ضمير مصتل بالفعل؛ لأن الفعل في هذه الصورة يتحمل الضمير مستترًا أو بارزًا، يعود على المبتدأ ويطابقه ويكون هو الرابط، وفي هذه الحالة يمكن الاستغناء عن الجار ومجروره، أو عدم الاستغناء مع بقاء الضمير الذي في آخر المجرور، ومطابقته أيضًا للمبتدأ: "تقول: الصانعان زيدًا عشرين أو: الصانعان زيدًا في أجرهما عشرين" - "الصانعون زيدوا عشرين، أو الصانعون زيدوا في أجرهم عشرين ... " وهكذا.

_ 1 والأحسن في هذه الصورة أن تعرب مفعولا مطلقا "أي: نائبة عن المصدر".

المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول

المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول أ- في مثل: "شاورت الخبير" - يتعدى الفعل المتصرف: "شاور" بنفسه إلى مفعول به واحد؛ فينصبه؛ ككلمة: "الخبير" هنا، ويجوز - لسبب بلاغي، أو غيره - أن يتقدم هذا المفعول به الواحد على فعله1، ويحل في مكانه بعد تقدمه أحد شيئين: إما ضمير عائد إليه، يعمل فيه الفعل الموجود النصب مباشرة، ويستغنى به عن ذلك المفعول المتقدم، فنقول: الخبير شاروته "فالهاء ضمير حل محل المفعول السابق، واكتفى به الفعل". وإما لفظ ظاهر آخر، يعمل فيه الفعل المنصرف النصب أيضًا؛ بشرط أن يكون هذا اللفظ الظاهر سببًا2 للمفعول به المتقدم الذي استغنى عنه الفعل، وأن يكون مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: الخبير شاورت زميله، فاللفظ الظاهر: "زميل" هو الذي حل محل المفعول به السابق، وهو سببي له ومضاف، والضمير في آخره مضاف إليه، عاد على المفعول به المتقدم. والسببي في هذا المثال مضاف، ولكنه في مثال آخر قد يكون متبوعًا بنعت، ونعته هو المشتمل على الضمير المطلوب؛ نحو: التجارة عرفت رجلًا يتقنها؛ فجملة "يتقنها" نعت، وفيها الضمير العائد، وقد يكون متبوعًا بعطف بيان مشتمل على ذلك الضمير أيضًا؛ نحو: الصديق أكرمت الولد أباه، وقد يكون متبوعًا

_ 1 بشرط ألا يفصل بين الفعل والمفعول به المتقدم فاصل، غير توابع الاسم المتقدم "من: النعت والتوكيد والعطف البياني، أو العطف بالواو، والبدل"، وغير المضاف إليه، وغير الظرف، وغير الجار ومجروره، ويصح الفصل بالأمرين؛ الظرف والجار ومجروره معًا، كما يجوز الفصل بما لا بد منه مما يقتضيه المقام، وذكر الضمير، فإن كان العامل وصفًا صالحًا للعمل جاز الفصل - كما سيجيء في ص 129. 2 المراد بالسببي للاسم: كل شيء له صلة وعلاقة بذلك الاسم، سواء أكانت صلة قرابة، أم صدقة، أم عمل أم غير هذا معًا يكون فيه جمع، وارتباط بين الاسمين بنوع من أنواع الجمع والارتباط.

بعطف نسق بالواو -دون غيرها- مشتملًا على الضمير المذكور، نحو: الزميلة أكرمت الوالد وأهلها، ولا يصلح من التوابع سببي غير أحد هذه الثلاثة. ومن الممكن حذف ما حل محل المفعول به السابق من ضميره العائد إليه مباشرة، أو سببية المشتمل على ضميره يعود عليه كذلك، ومتى وقع هذا الحذف صار الاسم المتقدم مفعولًا به للفعل المتأخر عنه كما كان، وتفرغ هذا الفعل لنصبه. وكالأمثلة السابقة نظائرها؛ نحو: يصاحب العاقل الأخيار ... أنجز الوعد ... وأشباههما؛ حيث ينصب الفعل المتصرف مفعولًا به واحدًا1؛ يجوز أن يتقدم على عامله، ويحل محله أحد الشيئين؛ إما ضميره العائد عليه مباشرة، والذي يعمل فيه الفعل الموجود النصب، ويستغنى به عن المفعول السابق؛ فنقول: الأخيار يصاحبهم العاقل - الوعد أنجزه - وإما لفظ ظاهر سببي يشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم، ويشتغل الفعل الموجود بنصبه، ويكتفي به عن ذلك المفعول؛ فنقول: الأخيار يصاحب العاقل زملاءهم - الوعد أنجز صاحبه ... وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يكون مضافًا، أو منعوتًا، أو عطف بيان، أو عطف نسف بالواو، مع اشتمال كل واحد على الضمير العائد إلى الاسم السابق. ويصح - كما سبق - حذف الضمير العائد على ذلك الاسم المتقدم، كما يصح حذف السببي وما فيه من ضمير عائد عليه أيضًا؛ فيصير الاسم المتقدم في الحالتين مفعولًا به للفعل المتأخر، ويتفرغ هذا الفعل لنصبه بعد أن كان قد انصرف عنه إلى الضمير المباشر، أو إلى السببي. ب- وليس من اللازم أن يكون الفعل المتصرف متعديًا بنفسه مباشرة إلى المفعول به الواحد؛ وإنما يجوز أن يكون هذا الفعل قاصرًا لا يتعدى إلى المفعول به إلا بمساعدة حرف جر أصلي؛ نحو: فرحت بالنصر؛ فالفعل: "فرح" لازم لم ينصب مفعوله "وهو: النصر" بنفسه مباشرة؛ وإنما نصبه بمعونة حرف الجر:

_ 1 وقد ينصب أكثر من واحد، ولكن الذي يتقدم عليه واحد فقط - كما سيأتي في رقم 2 من هامش ص127.

"الباء"، فكلمة "النصر" في ظاهرها مجرورة بالباء، ولكنها في المعنى والحكم بمنزلة المفعول به1، ويصح في هذه الكلمة المجرورة التي تعتبر بمنزلة المفعول به في المعنى والحكم، أن تتقدم وحدها -دون حرف الجر- على فعلها؛ بشرط أن يحل محلها بعد حرف الجر مباشرة أحد الشيئين: إما الضمير الذي يعمل فيه الفعل معًا وحكمًا، والذي يعود على المفعول به المعنوي السابق؛ نحو: النصر فرحت به، وإما لفظ آخر سببي، يعمل فيه الفعل، ويشتمل على ضمير يعود على المفعول به المعنوي "المحكمي" السابق، نحو: النصر فرحت بأبطاله2. ومثل هذا يقال في النظائر: من نحو؛ ينتصر الحق على الباطل - سر في طريق الخير ... ، حيث يصح: الباطل ينتصر الحق عليه - الباطل ينتصر الحق على أعوانه - طريق الخير سر فيه - طريق الخير سر في جوانبه، وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يصح أن يكون واحدًا من التوابع الثلاثة التي ذكرناها. ومن الممكن حذف الضمير أو السببي، فيرجع الاسم السابق إلى مكانه القديم فيعمل فيه عامله الجر. جـ- وليس من اللازم أيضًا أن يكون العامل فعلًا، فقد يكون3 اسم

_ 1 ومع أنها بمنزلة المفعول به معنى وحكمًا لا يجوز نصبها مع وجود حرف الجر قبلها، كما لا يجوز -في الرأي الأنسب- اعتبارها في محل نصب: ولهذا لا يصح في توابعها إلا الجر فقط. "راجع رقم 3 من هامش ص 117 ثم رقم 3 من هامش ص 151 م 70 - حيث الرأي الآخر، والتعليق عليه". 2 إذا كان الاسم المشتغل عنه ظرفًا وجب في الضمير العائد عليه أن يجر بالحرف "في" نحو: يوم الخميس سافرت فيه، وهذا هو المشهور، ويجوز حذف حرف الجر؛ توسعًا، فيقال: سافرته؛ طبقًا للبيان المفصل الذي سيجيء في رقم 3 من هامش ص 247، ورقم 1 من هامش ص 252. 3 لا يكون العامل هنا إلا فعلًا متصرفًا، أو اسم فاعل، أو صيغة مبالغة، أو اسم مفعول، ولا يكون صفة مشبهة، ولا تفضيلًا، ولا وصف آخر؛ لأن ما بعد هذه الثلاثة من معمولاتها لا يكون مفعولًا به، ويشترط في هذا الوصف العامل ألا يوجد ما يمنعه من العمل في المتقدم؛ كاسم الفاعل المبدوء بكلمة "أل"، وكذلك إذا كان مجردًا منها ومعناه المضي المحض، فإنه لا ينصب مفعولًا به بعده، فلا يصلح أن يوضح عاملًا قبله، أو يرشد إليه إن كان محذوفًا، فلا اشتغال في مثل: المخترع أنا المادحه، ولا المخترع أنا مادحه أمس، ولا اشتغال إذا كان اسم المفعول للماضي، أو مقرونًا بأل، أو كان العامل اسم فعل؛ لأن اسم الفعل لا يتقدم معموله عليه؛ فهو لا يعمل فيما قبله؛ والذي لا يتقدمه مفعوله لا يصلح أن يكون موضحًا ولا دالًا على عامل قبله محذوف، لهذا السبب نفسه لا يصح الاشتغال إذا كان العامل مصدرًا، ... أو فعلا جامدًا، كفعل التعجب، وعسى، وليس، وغيرها من كل ما ليس له مفعول به، أو لا يصلح أن يتقدم عليه مفعوله، هذا إلى أن العامل في الاشتغال لا بد أن يكون مشتقًا والمصدر وما بعده مما ذكرناه هنا - ليس مشتقًا، نعم يجوز الاشتغال في المصدر، وفي اسم الفعل، وفي ليس، عند من يجيز تقديم معمول الأولين، وخير ليس، نحو: محمودًا لست مثله، أي: باينت محمودًا لست مثله، وهو رأي - على قلة أنصاره - مقبول، وفيه توسعة.

فاعل، أو: اسم مفعول، فنحو: أنا مشارك الأمين، نقول فيه: الأمين أنا مشاركة1 - الأمين أنا مشارك رفاقه، ونحو: الحق منصور على الباطل، نقول فيه: الباطل الحق منصور عليه - الباطل الحق منصور على شياطينه. فمتى تقدم المفعول به على عامله، وحل محله ما يشغل مكانه، ويغني العامل عن ذلك المفعول به المتقدم، فقد تحقق ما يسميه النحاة: "اشتغال العامل عن المعمول"، ويقولون في تعريف الاشتغال. أن يتقدم اسم واحد2، ويتأخر عنه عامل يعمل في ضميره مباشرة، أو يعمل في سببي للمتقدم، مشتمل على ضمير يعود على المتقدم، بحيث لو خلا الكلام من الضمير الذي يباشره العامل، ومن السببي، وتفرغ العامل للمتقدم - لعمل فيه النصب لفظا، أو معنى "حكما" حكما كما كان قبل التقدم. فلا بد في الاشتغال من ثلاثة أمور مجتمعة، "مشغول"، وهو: العامل، ويسمى أيضا: "المشتغل"، وله شروط عرفناها3، "ومشغول به": وينطبق على الضمير العائد على الاسم السابق مباشرة، كما ينطبق على اللفظ السببي الذي له ضمير يعود على ذلك المتقدم، و"مشغول عنه"، وهو: الاسم المتقدم الذي

_ 1 سيأتي في الجزء الثالث "باب اسم الفاعل، م 102 ص 214 - الهامش رقم 1" ما نصه: "في هذا المثال - وأشباهه - نجد الاسم السابق منصوبًا مع أن الضمير الراجع إليه مجرور، لكنه مجرور في حكم المنصوب: لأن كلمة: مشارك"، أو"مساعد" - ونظائرهما في مثل هذا التركيب في حكم الفعل، وتنوينها ملحوظ، وإن لم يكن ملفوظًا، فالضمير هنا كالضمير في مثل: "أعليا مررت به" مجرور في حكم المنصوب "راجع شرح المفصل ج 6 ص 69"، وانظر "ب" السابقة ص 125. 2 التقييد بواحد هو الرأي الصحيح عند عدم تعدد العامل المقدر، ولا مانع أن يكون العامل متعديا إلى أكثر من واحد، ولكن الذي يتقدم عليه هو معمول واحد له - كما سبق في رقم1 من هامش ص125. 3 في الصفحات السابقة، وفي رقم3 من هامش ص126، وانظر رقم1 من ص138.

كان في الأصل متأخرا، مفعولا به حقيقيا أو معنويا "حكميا"، ثم تقدم على عامله، وترك مكانه للضمير المباشر، أو للسببي، فانصرف العامل عن المفعول، واشتغل بما حل محله. ولا بد في هذا الاسم المتقدم أن يتصل بعامله بغير فاصل ممنوع بينهما1 إذا

_ 1 وقد سبق في رقم1 من هامش ص124 ما يجوز الفصل به. وفي بيان "الاشتغال" وتوضيح أمره يقول ابن مالك: إن مضمر اسم سابق فعلا شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل-1 فالسابق انصبه بفعل أضمرا ... حتما موافق لما قد أظهرا-2 "أي: إن شغل ضمير اسم سابق فعلا، عن نصب الاسم السابق لفظا أو محلا، مثل: البيت قعدت فيه - فانصب الاسم السابق بفعل مضمر "أي: غير ظاهر؛ لأنه محذوف" حتما، أي: إضمارا حتما، لا مفر منه في حالة النصب؛ لأنه محذوف، ويكون ذلك الفعل المحذوف موافقا للفعل الظاهر في الجملة من ناحية اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط -كما سيأتي-" ذلك تقدير البيتين ومعناهما، مع ما فيهما من التواء النظم، بسبب التقديم والتخير، والحذف. يريد: حين يوجد اسم متقدم على فعله، ولهذا الاسم المتقدم ضمير يعود عليه، ويشغل فعله بدلا من نصب السابق لفظا أو محلا -فإن ذلك الاسم السابق يجوز نصبه، ولكن بفعل غير ظاهر حتما، فلا يجوز إظهاره، ويكون هذا الفعل المحذوف موافقا للفعل المذكور "فكلمة حتما: صفة لمصدر محذوف، أي: إضمارا حتما، فتعرب مفعولا مطلقا، و"بنصب" بمعنى عن: نصب، فالباء بمعنى: "عن" ثم بين بعد أبيات: أن العامل قد يتعدى إلى مفعوله بمساعدة حرف جر، فينصبه محلا، "أي: حكما" حين لا يتعدى إليه مباشرة، وعندئذ يفصل حرف الجر بينهما، وقد يفصل بينهما المضاف حين يكون المضاف إليه هو الضمير العائد للاسم السابق، والحكم في حالة فصل العامل المشغول كالحكم في حالة وصله المباشر بالمعمول، فيقول: وفصل مشغول بحرف جر ... أو بإضافة كوصل يجري-1 وصرح بعد ذلك بأن العامل هنا قد يكون فعلا أو وصفا عاملا، فالوصف العامل يساوي الفعل فيما تقدم، بشرط ألا يوجد مانع يمنع الوصف من العمل ونصب مفعوله إذا تقدم، فيقول: وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل، إن لم يك مانع حصل-11 وقد شرحنا من قبل -في رقم3 من هامش ص126- نوع الوصف الذي يصلح للعمل هنا، والمانع الذي يعوقه عن العمل، وسبب ذلك ثم ختم الباب بالبيت التالي: وعلقة حاصلة بتابع ... كعلقة بنفس الاسم الواقع-12 ومضمونه: أن السبي الخالي من الضمير إذا كان له تابع يشمل على ضمير عائد على الاسم السابق فإن العلقة "أي: العلاقة" تحصل وتتم بين العامل والتابع كما تحصل وتتم بالاسم الواقع بعد العامل مباشرة، وهذا الاسم هو ضمير المتقدم، أو سببيه المشتمل على ضميره.

كان العامل فعلا1، أما إن كان وصفا فيجوز الفصل. حكم الاسم السابق في الاشتغال: يجوز في هذا الاسم السابق من ناحية إعرابه وضبط آخره، أمران -بشرط ألا يوجد ما يحتم أحدهما مما سنعرفه. أولهما: إعرابه مبتدأ، والجملة بعده خبره2. وثانيهما: إعرابه مفعولا به لعامل محذوف وجوبا، يدل عليه ويرشد إليه العامل المذكور بعده في الجملة، فيكون العامل المحذوف وجوبا مشاركا للمذكور إما في لفظه ومعناه معا، وإما في معناه، فقط، ولا يصح الجمع بين العاملين ما داما مشتركين3، إذ المذكور عوض عن المحذوف، فمثال الأول: الأمين شاركته، فالتقدير: شاركت الأمين شاركته، ومثال الثاني: البيت قعدت فيه، التقدير: لابست البيت، قعدت فيه: أو: لازمت البيت، قعدت فيه، ومثل: الحديقة مررت بها، أي: جاوزت الحديقة مررت بها، وهكذا نستأنس بالعامل المذكور في الوصول إلى العامل المحذوف وجوبا من غير أن نتقيد أحيانا بلفظ العامل المذكور أما معناه، فنحن مقيدون به في كل حالات الاشتغال. مع جواز الأمرين السالفين فالأول "وهو إعرابه مبتدأ" أحسن؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف، ولا إلى التفكير في اختياره، وفي موافقته للعامل المذكور، وقد تكون موافقته معنوية فقط؛ فتحتاج -أحيانًا- إلى كد الفكر4.

_ 1 يجوز الفصل بتوابع الاسم السابق، -إلا العطف بحرف غير الواو- وبالمضاف إليه، وشبه الجملة، وغير هذا مما سبق تفصيله كاملا في رقم1 من هامش ص124. 2 في هذه الصورة التي يرفع فيها الاسم السابق - تخرج المسألة من باب: "الاشتغال" كما تخرج صور أخرى ستجيء "انظر رقم1 من هامش ص130". 3 فإن لم يكونا مشتركين جاز أن يكون الأول مذكورا، ومعنى هذا جواز نصب الاسم السابق بفعل مخالف للمذكور، فلا اشتغال معه، -كما سنوضحه في الزيادة والتفصيل في رقم 2 من ص138. 4 والبلاغيون يفرقون بين الأمرين، إذ يترتب على أحدهما أن تكون الجملة اسمية، وعلى الآخر أن تكون فعلية، وفرق بلاغي بين المدلولين، مع صحتهما؛ لهذا يقولون: إن أحسن الأمرين هو ما يتفق مدلوله مع غرض المتكلم، فإن لم يعرف غرضه فهما سيان.

والنحاة يتخيرون هذا الموضع للكلام على حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها وينتهزون فرصة: "الاشتغال" ليعرضوا أحكام تلك الأسماء؛ سواء منها ما يدخل في باب: "الاشتغال" وتنطبق عليه أوصافه التي عرفناها، وما لا يدخل فيه، ولا تنطبق عليه صفاته1: وهم يقسمونها ثلاثة أقسام2: ما يجب نصبه، وما يجب رفعه، وما يجوز فيه الأمران.

_ 1 كالحالة التي يجب فيها رفع الاسم السابق؛ إذ لا ينطبق عليها في الصحيح تعريف "الاشتغال" الأصيل، ومثلها حالات الرفع الأخرى التي يكون الرفع فيها جائزًا، فحالة الرفع بنوعيه لا ينطبق عليها -في الصحيح- الاشتغال الحقيقي ما دام الاسم مرفوعًا. كما سيجيء في "ب" من ص 132 ثم انظر رقم 2 من ص 138. 2 الواقع أنهم يقسمونها خمسة أقسام، "قسم يجب فيه النصب"، وقسم يجب فيه الرفع، وقسم يجوز فيه الأمران والنصب أرجح، وقسم يجوز فيه الأمران والرفع أرجح، وقسم يجوز فيه الأمران على السواء"، وواضح أن هذا التقسيم يوجب النصب وحده في بعض حالات، ويوجب أخرى كذلك، ويجيز الأمرين في كل حالة من الأحوال الثلاثة الباقية، ولكن هذه الإجازة قد تكون مع الترجيح أحيانًا؛ كأن يكون النصب هو الأرجح؛ فيكون الرفع هو الراجح؛ أو العكس؛ "بأن يكون النصب هو الراجح، والرفع هو الأرجح"، واستعمال الراجح ليس معيبًا ولا ضعيفًا من الوجهة اللغوية، نعم هو -مع كثرته وقوته- لا يبلغ "درجة" الأرجح فيهما، لكن كلاهما عربي فصيح، وهذه الأرجحية مزية يسيرة إذا كان الداعي لها أمرًا بلاغيًا مما يطأ ويتغير بحسب الدواعي، فهي ليست أرجحية ذاتية دائمة؛ إنما هي خاضعة لأذواق البلغاء في العصور اللغوية المختلفة، متفاوتة بتفاوت تلك الأزمان والدواعي؛ -لكيلا تتجر البلاغة وتجمد عند حد لا تتجاوزه كما يصرح علماؤها - فالراجح قد يشيع ويكثر استعماله في عصر لغوي؛ فيكون هو الأرجح، وعندئذ ينزل الأرجح إلى "درجة" الراجح، ثم يبدل الحالة مرة أخرى في عصر لغوي جديد، فيذيع استعمال بلاغي لم يكن ذائعًا من قبل، بل في بيئة أخرى مع اتحاد العصر، فيقع التغيير في "الدرجة" كما وصفنا؛ وهكذا دواليك ... = فالتفاوت بينهما منشؤه الأرجحية التي قد تتغير، ولا تثبت -كما قلنا - ولو كان منشؤه القلة الذاتية المعيبة والضعف، أو الحسن والقبح اللغويين، لوجب الاقتصار على القوي دون الضعيف، وعلى الحسن دون القبيح، لهذا لا داعي لكثرة الأقسام، والأحكام، وتعدد الآراء في كل حكم، وما يتبعه من عناء لا طائل وراءه. على أنا سنشير إلى أقسامهم الخمسة "في ص 137"، ونصف منها بالقلة ما وصفوه، علمًا بأن هذه القلة -كما سبق- ليست المعيبة في الاستعمال، ولا المانعة من القياس على نظائرها؛ لأنها نسبية لا ذاتية، أي: أنها قلة عددية راجحة، بالنسبة للكثرة العددية التي للأرجح، ولو كانت القلة معيبة هنا ما وصفوا الضبط الوارد بها بأنه "راجح"، وأن غيره أرجح؛ إذ المعيب الذي لا يصلح استعماله لا يوصف بأنه راجح ولا حسن، وفوق هذا فالخلاف محتدم في أمر هذي الوصفين وانطباقهما، أو عدم انطباقهما على بعض أقسامهم.

1 فيجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأداة الشرط، وأداة التحضيض1، وأداة العرض1، وأداة الاستفهام2، إلا الهمزة 3؛ نحو: "إن ضعيفًا تصادفه4 فترفق به - حيثما أديبا تجالسه يؤنسك" - "هلًا حلمًا تصطنعه - ألا زيارة واجبة تؤديها" - "متى عملًا تباشره؟ أين الكتاب وضعته؟ "فلا يجوز الرفع في هذه الأمثلة ونظائرها على الابتداء، أما الرفع على أنه فاعل، أو نائب فاعل لفعل محذوف، أو أنه اسم لكان المحذوفة - فجائز5. ومن الأمثلة للرفع قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، وقول الشاعر:

_ 1 و 1 التحضيض هو: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة تظهر في نبرات الصوت وكلماته، والعرض: طلب الشيء برفق وملاينة، تعرف من نبرات الصوت، وصياغة كلماته أيضًا، وكثير من أدواتهما مشترك بينهما؛ مثل: - هلًا - ألا - ألا - لولا - لوما ... "، ولهذه الأدوات باب خاص - في ج 4 م 162 - بفصل أحكامها المختلفة التي منها: اختصاصها بالفعل إذا كانت للتحضيض أو العرض". 2 إنما تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل وحده إذا وقع بعدها في جملتها؛ كالمثالين المذكورين؛ بخلافها في نحو: متى العمل؟ - أين الكتاب؟ لخلو كل جملة من فعل بعد أداة الاستفهام، أي: أن وجود الفعل بعد أداة الاستفهام - غير الهمزة؛ لأنها ليست مختصة بالأفعال، بل تدخل عليها كما تدخل على الأسماء ووقوعه متأخرًا عنها في جملتها، يجعل هذه الأداة مختصة بالدخول على الفعل. 3 لما تقدم من أنها غير مختصة بالأفعال، وفي هذا الموضع الذي يجب فيه النصب يقول ابن مالك: والنصب حتم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل؛ كإن، وحيثما-3 "تلا السابق: أي: وقع الاسم السابق بعد ما يختص بالفعل". 4 المضارع هنا مرفوع لا يصح جزمه؛ لأنه ليس فعلًا للشرط؛ لأن الشرط المجزوم هو الفعل المحذوف مع فاعله، وموضعهما؛ بعد اداة الشرط مباشرة - بغير فاصل - أما هذا الفعل المذكور فهو مع فاعله جملة مضارعية مفسرة يتحتم رفع مضارعها، وهي تفسر الجملة الفعلية التي حذفت، وبقي معمولها المنصوب والتي بعد أداة الشرط مباشرة، فالمفسر جملة، وكذلك المفسر، ولا يصح أن يكون الفعل المذكور هو المفسر وحده، بالرغم من أنه للفعل المحذوف، والدال عليه، وسيجيء في الزيادة والتفصيل في رقم 4 من ص 139 وما بعدها" بيان مناسب عن الفعل إذ كان هو المفسر وحده، وأنه يكون كذلك عند رفع الاسم الواقع بعد أداة الشرط، باعتباره مرفوعًا لفعله المحذوف، وعن الجملة الفعلية إذا كانت بتمامها هي المفسرة، وليس الفعل وحده. 5 سيجيء في الزيادة والتفصيل "ص 138 رقم 3 و 4 وما بعدهما" إيضاح واف عن النصب الواجب ومكانه، ثم عن هذا الرفع وما يقال فيه، ثم تعقيبه بعرض للرأي السديد.

وليس بعامر بنيان قوم ... إذا أخلاقهم كانت خرابا وقول الآخر: وإذا مطلب كسا حلة العار ... فبعدا1 لمن يروم نجازه2 التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ... وإذا كانت أخلاقهم كانت 3 وإذا كسا مطلب كسا حلة العار ... وهكذا 4. ب- ويجب 5 رفع الاسم السابق: 1- إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الاسم؛ فلا يجوز أن يقع بعدها فعل؛ مثل: إذا "الفجائية"6 نحو: خرجت فإذا الرفاق أشاهدهم؛ فيجب رفع كلمة: "الرفاق"، ولا يجوز نصبها على الاشتغال بفعل محذوف؛ لأن "إذا الفجائية" لا يقع بعدها الفعل مطلقًا؛ لا ظاهرًا ولا مقدرًا.

_ 1 فهلاكًا "دعاء بالهلاك". 2 إنجازه، والحصول عليه. 3 ومثله قول الشاعر: وما استعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركابا 4 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر: إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد الأصل: أعطيت الغنى فحذف الفعل: "أعطي الأول"، وبقي نائب فاعله: "التاء، وهو ضمير واجب الاتصال، لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانه بضمير منفصل له معناه وحكمه، وهو: أنت. ومثل هذا يقال في كلمة: "حن" من قول الشاعر: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا الأصل: وإن أومأنا أومأنا، حذف الفعل الأول، وبقي فاعله: "نا" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانه بما يصلح محله، وهو: "نحن". وكذلك الضمير: "نحن" في قول الآخر: إذا نحن ناصرنا امرأ ساد قومه ... وإن لم يكن من قبل ذلك يذكر "انظر ما يوضح هذا في ص 141 وما بعدها". 5 وهذه الحالة -كغيرها من حالات الرفع الواجب والجاز- ليست داخلة في الاشتغال الأصيل "انظر رقم 1 من هامش ص 130". 6 سبق إيضاح لها في ج 1 ص 482.

ومثل "إذا" الفجائية أدوات أخرى؛ منها: "لام" الابتداء في نحو: إني للوالد أطيعه؛ فلا يجوز نصب كلمة: "الوالد" على الاشتغال، ولا اعتبارها مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على المفعول به. ومنها: واو الحال الداخلة على الاسم الذي يليه المضارع المثبت، في مثل: أسرع والصارخ أغيثه، فلا يصح نصب "الصارخ" على اعتباره مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله، وتقديرهما: "أغيث" والجملة من الفعل المحذوف مع فاعله في محل نصب على الحال لا يصح هذا؛ لأن الجملة المضارعية التي مضارعها مثبت، غير مسبوق بلفظ: "قد" ... لا تقع حالًا -على الأرجح- إذا كان الرابط هو: "الواو" فقط1، كهذا المثال وأشباهه. ومنها: "ليست" المتصلة "بما" الزائدة؛ فلا نصب على الاشتغال في مثل: ليتما وفي أصادفه؛ لأن "ما" الزائدة لا تخرج "ليت" من اختصاصها بالأسماء؛ إذ يجوز إعمال "ليت" وإهمالها؛ فالمنصوب بعدها اسم لها، ولا يصح أن يقع بعدها فعل مطلقًا. 2- وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا وقع قبل أداة لها الصدارة في جملتها؛ فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وبعد تلك الأداة العامل، مثل أداة الشرط، والاستفهام2 وما النافية ولا النافية الواقعة في جواب قسم3؛ فلا يصح نصب الاسم السابق في نحو: الكتاب إن استعرته فحافظ عليه - المريض هل زرته؟ الحديقة ما أتلف زروعها - والله الذنوب لا أرتكبها؛ لأن هذه الأدوات لها الصدارة، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ "أيك لا يجوز أن يتقدم

_ 1 كما سيجيء في ص398 من باب الحال. 2 انظر رقم2 من هامش ص131. 3 ومما لا يعمل ما بعده فيما قبله: أدوات التحضيض والعرض، ولام الابتداء، وكم الخبرية، والحروف الناسخة، "ما عدا أن"، والموصول، والموصوف، وحروف الاستثناء، فكل هذا لا يعمل ما بعده فيما قبله، فلا يصلح دالا على المحذوف، فلا يصح النصب في الأسماء التي في أول الجمل التالية: التائة هلا أرشدته - الضال ألا هديته -الخائف لأنا مؤمنه - الهرم كم مرة زرته!! - الخير إني أحببته - النزيه الذي أصطفيه - الغناء فن أهواه - شاع ما المال إلا ينفقه العاقل في النافع، أما حرفا التنفيس فالشائع جواز النصب والرفع في الاسم الذي يسبقهما، نحو الرسالة سأكتبها - القصيدة سوف أحفظها.

معمولها عليها، ولا معمول لعامل بعدها"، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون دالًا على عامل محذوف يماثله، ولا مرشدًا إليه1 ومثلها: أدوات الاستثناء؛ فلا نصب في نحو: ما السفر إلا يحبه الرحالون1. ج ويجوز الأمران2، في غير القسمين السالفين، فيشمل ما يأتي: 1 - الاسم - المشتغل عنه - الذي بعده فعل دال على طلب؛ كالأمر3، والنهي، والدعاء؛ نحو: الحيوان ارحمه - الطيور لا تعذبها - اللهم

_ 1 و 1 لأن ما لا يصلح أن يكون عاملًا بنفسه لا يصلح أن يكون مفسرًا لعامل محذوف، وفي وجوب الرفع يقول ابن مالك: وإن تلا السابق ما بالابتداء ... يختص فالرفع التزمه أبدا-4 كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولًا لما بعد، وجد-5 ومعنى البيتين: إن تلا الاسم السابق ما يختص بالابتداء ... - أي: أن وقع الاسم السابق بعد لفظ مختص بالدخول على المبتدأ - فالتزم رفع ذلك الاسم السابق. كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا كان الفعل المشتغل قد وقع بعد لفظ لا يرد ما قبله معمولًا لعامل بعده، "الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولًا لما بعد وجد"، أي: تلا الفعل شيئًا، لم يرد ما قبل ذلك الشيء معمولًا لما وجد بعده، وفي هذا البيت شيء من التعقيد. 2 مع ملاحظة أن المسألة لا تكون من باب: "الاشتغال" في حالة ضبط الاسم السابق بالرفع - كما سبق في رقم 1 من هامش ص 130. 3 سواء أكان الأمر بصيغة فعل الأمر؛ نحو: التردد اجتنبه، أم بلام الأمر الداخلة على المضارع؛ نحو: التردد لتجتنبه. "ملاحظة" هذا من المواضع التي بعدها النحاة جائزة النصب والرفع، ولكن النصب عندهم أرجح؛ بحجة "أن الإخبار بالطلب عن المبتدأ قليل، وخلاف القياس؛ لعدم احتمال الصدق والكذب إلا بتأويل ... بل قيل بمنعه، وإنما اتفقت السبعة على الرفع في آية السرقة وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ؛ لأنه ليس مما نحن فيه؛ لتقديره عند سيبويه: "مما يتلى عليكم حكم السارق ... " فخبره -وهو الجار والمجرور- محذوف، والفعل "اقتلوا" بعده مستأنف لبيان الحكم؛ فالكلام جملتان؛ لأن هذا ليس من مواضع دخول الفاء في الخبر عنده، أما عند المبرد فالجملة الفعلية خبر ودخلته الفاء لما في المبتدأ في معنى الشرط؛ ولذا امتنع النصب؛ لأن ما بعد فاء الجزاء وشبهها لا يعمل فيما قبلها". ا. هـ كلام الخضري، ومثله في الصبان وغيره.

الشهيد ارحم، أو: الشهيد رحمه الله. وكذلك إن وقع الاسم السابق بعد أداة يغلب أن يليها فعل، كهمزة الاستفهام، نحو: أطائرة ركبتها؟ وكأدوات النفي الثلاثة: "ما - لا إن"؛ نحو: ما السفه نطقته - لا الوعد أخلفته، ولا الواجب أهملته - إن السوء فعلته، ومثل: "حيث" المجردة من "ما"، نحو: اجلس حيث الضيف أجلسته. وكذلك إن وقع الاسم السابق عد عاطف تقدمته جملة فعلية، ولم تفصل كلمة: "أما"1 بين الاسم والعاطف؛ نحو: خرج زائر والقادم استقبلته، فلو فصلت "أما" بينهما كان الاسم "المشتغل عنه" في حكم الذي لي يسبقه شيء؛ نحو: خرج زائر، وأما المقيم فأكرمته. فالأمثلة في كل الصور السابقة وأشباهها، يجوز فيها الأمران، النصب والرفع. وجمهرة النحاة تدخلها في النوع الذي يجوز فيه الأمران قياسًا، والنصب أرجح1 عندهم، وحجتهم: أن الرفع يجعل الاسم السابق مبتدأ، والجملة الطلبية بعده خبر، ووقوع الطلبية خبرًا -مع جوازه- قليل بالنسبة لغير الطلبية، أو يجعل الاسم السابق مبتدأ بعد همزة الاستفهام ونحوها، ووقوع المبتدأ بعدها - مع جوازه- قليل أيضًا، لكثرة دخولها على الأفعال دون الأسماء، أو يجعل الجملة الاسمية بعده إذا كانت غير مفصولة بأما2، معطوفة على الجملة الفعلية قبله؛

_ 1 كان الفاصل المراد هنا -غالبا- هو: "أما"؛ لأن ما ما بعدها مستأنف، ومنقطع في إعرابه عما قبلها: فلا أثر للفصل بغيرها "راجع الأمر الثالث ص138". 2 وإلى الأمور التي مرت في القسم الأول يشير ابن مالك، ويبين أن المختار النصب فيقول: واختير نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب-6 وبعد عاطف -بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أولا ... -7 يريد: أن النصب والرفع جائزان في أمور، ولكن النصب هو المختار فيها، وذلك حين يقع الاسم السابق قبل فعل دال على الطلب، "انظر رقم 3 من هامش الصفحة السابقة لأهميته" أو: بعد شيء غلب إيلاؤه الفعل، "أي: غلب أن يليه ويقع بعده الفعل، كهمزة الاستفهام"، وكذلك بعد عاطف يعطف الاسم السابق على معمول لفعل آخر مذكور أول جملته بغير فصل بين العاطف والمعطوف، وصياغة البيت الثاني عاجزة عن تأدية المراد منه، إذ المراد أن الاسم المشتغل عنه =

والعطف عل جملتين مختلفتين في الاسمية والفعلية -مع صحته- قليل. 2- الاسم السابق "أي: المشتغل عنه" الواقع بعد عاطف غير مفصول بالأداة: "أما" وقبله جملة ذات وجهين1، مع اشتمال التي بعده في حالة نصبه على رابط يربطها بالمبتدأ السابق2، -كالضمير العائد عليه، أوالفاء المفيدة للربط به-، نحو: "النهر فاض ماؤه صيفا، والحقول سقيناها من جداوله" - "العلم الحديث نجح في غزو الكون السماوي، فالعلوم الرياضية، استلهمها الغزاة قبل الشروع"، فيصح رفع كلمتي: "الحقول - والعلوم" على اعتبار كل منهما مبتدأ، خبره الجملة الفعلية بعده، وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الاسمية التي قبلها، ويجوز نصب الكلمتين على أنهما مفعولان لفعل محذوف، والجملة من هذا الفعل المحذوف وفاعله معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرا قبلهما، وفي الحالتين تتفق الجملتان المعطوفتان مع الجملتين، المعطوف عليهما في ناحية الاسمية أو الفعلية، فيجري الكلام على نسق واحد، ولهذا يتساوى3 الأمران.

_ = يجوز فيه الأمران، والنصب أرجح إذا كان ذلك الاسم واقعًا -مباشرة- بعد عاطف يعطف جعلته التي تحتويه، على الجملة الفعلية قبله والتي استقر مكان فعلها في أولها، سواء أكان المعمول في الجملة الفعلية السابقة مرفوعًا؛ مثل: غاب حارس وحارسًا أحضرته "فكلمة حارس" الأولى فاعل وهو معمول للفعل: غاب" أم معمولًا منصوبًا، نحو: صافحت رجلًا، وجنديًا كلمته "فكلمة: رجلًا" مفعول، وهو معمول للفعل: معمولًا منصوبًا، نحو: صافحت رجلًا، وجنديًا كلمته، "فكلمة: رجلًا" مفعول، وهو معمول للفعل: صافح" فنصب الاسم المشتغل عنه يقتضي أن يكون مفعولًا لفعل محذوف يوضحه المذكور بعده، والجملة عن الفعل المحذوف وفاعله معطوف على الجملة التي قبلها، فالعطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية وليس عطف مفردات، فلا معنى لقول ابن مالك: إن العطف على معمول فعل مستقر في أول جملته التي قبل العاطف، ذلك أن المعمول في الجملة السابقة ليس معطوفًا عليه كما أوضحنا، ولكن ضيق الوزن وضرورة الشعر أوقعاه في التعبير القاصر، وقد تأوله النحاة بأن التقدير: وبعد عاطف - فلا فصل - على جملة معمول فعل مستقر أولًا ... ومهما كان العذر فإن الخبر هو في اختيار الأسلوب الناصع الوافي الذي لا يحوي عيبًا، ولا يتطلب تأويلًا أو تقديرًا. 1 وهي الجملة الاسمية التي يكون المبتدأ فيها اسمًا خبره جملة فعلية؛ مثل: الشجرة ظهر ثمرها - الفاكهة طاب طعمها - ومنها: الجملة التعجبية، ولكن التعجبية لا تصلح في هذا الموضع أو: هي جملة اسمية صدرها مبتدأ، وعجزها جملة فعلية، كقولهم: النبيل زادته النعمة نبلًا وشرفًا، واللئيم زادته النعمة لؤمًا وبطرًا - الحر ينتصر لكرامته - والذليل يمتهنها. 2 لأنها حينئذ تكون معطوفة على الخبر، فلا بد فيها من رابط كالخبر "راجع الأشموني والصبان". 3 وفي هذا يقول ابن مالك:

3- الاسم السابق "المشتغل عنه" الواقع في غير ما سبق، نحو الرياحين زرعتها. والنحاة يجيزون الأمرين ويرجحون الرفع؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف1. "ملاحظة" بانضمام هذا الأقسام الثلاثة "1، 2، 3" إلى القسم الذي يجب فيه النصب فقط، والقسم الذي يجب فيه الرفع فقط، تنشأ الأقسام الخمسة التي عرضها النحاة فيه هذا الباب، وارتضوها وجعلوا لكل منها حكمًا، وقد أشرنا 2 إلى أنه يمكن إدماج بعضها في بعض وجعلها ثلاثة، اختصارًا وتيسيرًا.

_ وإن تلا المعطوف فلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا-8 يريد: إن وقع الاسم السابق بعد حرف عطف قبله فعل، وهذا الفعل -مع فاعله- خبر عن مبتدأ قبلهما وقيل: حرف العطف، فلك الخيار في هذه الحالة أن تعطف ما بعد حرف العطف على ما قبله مباشرة، عطف جملة فعلية على الجملة الفعلية السابقة، وأن تعطف ما بعد حرف العطف على كل ما قبله، عطف جملة اسمية على نظيرتها الاسمية، وقد شرحنا توجيه كل حالة من هاتين الحالتين المتساويتين في الصحة، شرحًا يوضح هذا البيت الغامض المبتور. 1 وفي حالة الرفع لا تكون المسألة من باب "الاشتغال" -كما كررنا في كل حالات الرفع الواجب والجائز- وفي هذا يقول ابن مالك: والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أبيح افعل، ودع ما لم يبح-9 2 في رقم 2 من هامش ص 130.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- زاد فريق من النحاة شروطًا أخرى للاشتغال رفضها سواه، بحجة أنها لا تثبت على التمحيص، وهذا رأي سديد حملنا على إهمالها؛ ادخارًا للجهد، وإبعادًا لنوع من الجدل لا خير فيه للنحو. 2- أشرنا قريبًا1: إلى صحة أن يكون الاسم السابق المنصوب مفعولًا به لفعل محذوف، يخالف الفعل المذكور بعده في جملته، ولا يكون له صلة بلفظه ولا بمعناه؛ وذلك حين تقوم قرينة تدل على هذه المخالفة: كأن يقال: ماذا اشتريت؟ فتجيب: كتابًا أقرؤه، "فكتابًا" مفعول به لفعل محذوف تقديره: اشتريت كتابًا أقرؤه؛ فالفعل المحذوف مخالف للمذكور في لفظه ومعناه؛ فلا تكون المسالة من باب "الاشتغال"، ولا يكون العامل الثاني صالحًا للعمل في المفعول به السابق، ولا مفسرًا لعامله المحذوف، وفي هذه الحالة التي يختلف فيها الفعلان: المحذوف والمذكور، لا يكون الحذف واجبًا، وإنما يكون جائزًا 2، فيصح في الفعل المحذوف أن يذكر، أما الحذف الواجب ففي: "الاشتغال"؛ فلا يصح الجمع بينهما؛ لأن الثاني بمنزلة العوض عن الأول؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه3. 3- إنما يقع "الاشتغال" بمعناه العام الذي يشمل الاسم السابق المرفوع بعد أدوات الشرط، والتحضيض والاستفهام، غير الهمزة، كما سبق في الشعر؛ فقط؛ للضرورة، وأما في النثر فلا يحسن بعد تلك الأدوات إلا صريح الفعل4

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 129. 2 ما لم يوجد سبب آخر غير الاشتغال يوجبه. 3 لا يصح الجمع بين العوض والمعوض عنه، وهذا أسلم من قولهم: لا يصح الجمع بين التفسير والمفسر، "أي: المفسر والمفسر"؛ لأنه يصح أحيانًا الجمع بين هذين كما في التفسير بما بعد الحرف: "أي" وكالتفسير بعطف البيان، وبواو العطف التي تفيد التفسير ... كما سيجيء في ص 143 - ومن كان التعبير بعدم جواز الجمع بين العوض والمعوض عنه هو الأسلم والأدق. 4 يقول النحاة: إن قوعه في النثر مستقبح، ولو وقع فيه لجاز مع القبح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستثنى من أدوات الشروط ثلاثة أشياء؛ يقع بعدها الاشتغال نثرًا ونظمًا. أولها: أدوات الشرط التي لا تجزم؛ ومنها: إذا - ولو - مثل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} إلخ، ومثل: لو الحرب امتنعت لطابت الحياة. وثانيهما: "إن"، بشرط أن يكون الفعل في التفسير ماضيًا لفظًا، نحو: إن علمًا تعلمته فاعمل به، أو ماضيًا معنى1 فقط، نحو: إن علمًا لم تتعلمه فاتتك فائدته. فإن كان فعل التفسير مضارعَا مجزومًا 2 لم يقع الاشتغال بعده إلا في الشعر، دون النثر. وثالثها: "أما" الشرطية، ولكن لا يجب نصب الاسم بعدها؛ لأن الاسم يليها حتمًا3 ولو كان الفعل مذكورًا بعده؛ نحو: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} ، فقد قرئ "ثمود" بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاشتغال، وفي حالة النصب يجب تقدير العامل بعد الاسم المنصوب، وبعد الفاء معًا؛ لأن "أما" لا يليها إلا الاسم4 ولا يفصل بينها وبين الفاء إلا اسم واحد، والتقدير -كما يقولون- وأما ثمود فهديناهم5 هديناهم، وللبحث تحقيق. 4- من الأصول النحوية أن المحذوف قد يحتاج -أحيانًا- إلى شيء مذكور يفسره، ويدل عليه، وقد يكون التفسير واجبًا، كما في باب: "الاشتغال" وفي هذا الباب إن كان المحذوف جملة فعلية، فتفسيره لا يكون إلا بجملة مذكورة في الكلام، مشاركة للمحذوفة في لفظها ومعناها معًا، أو في المعنى فقط؛ نحو:

_ 1 كالمضارع الداخلة عليه "لم" فإنها، في الأغلب -تقلب زمنه للمضي. 2 انظر سبب الجزم في رقم 2 من هامش ص 141. 3 كما تقدم هنا، وفي رقم 1 ص 90. 4 وقد عرفنا أن شرط وجوب النصب وحده أن تكون الأداة الشرطية مختصة بالدخول على الأفعال دون الأسماء، وليست "أما" كذلك؛ لأنها لا تدخل إلا على الاسم. لهذا كان الاقتصار على نصب الاسم السابق غير واجب، بل يجوز فيه الأمران. 5 للآية السالفة بيان هام يجيء في الجزء الرابع -آخر باب: "أما الشرطية" م 161 ص 474- عند الكلام على حذف "أما" كالذي في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ... } .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العظيم نافسته - المصنع وقفت فيه - التقدير: نافست العظيم نافسته - لابست المصنع وقفت فيه، أو نحو ذلك مما يؤدي إلى الغرض في الحدود المرسومة، ولا يصح هنا تفسير الجملة بغير جملة مثلها على الوجه السابق. وإن كان المحذوف فعلًا فقط أو وصفًا عاملًا يشبهه، ويحل محله، جاز أن يفسر كل منهما بفعل أو بما يشبهه، تفسيرًا لفظيًا ومعنويًا معًا، أو معنويًا فقط والأفضل التماثل عند عدم المانع بأن يفسر الفعل نظيره الفعل، ويفسر الوصف نظيره الوصف، نحو: إن أحد دعاك لخير فاستجب - ما الصلح أنت كارهه. التقدير: إن دعاك أحد، دعاك لخير فاستجب - ما أنت كاره الصلح - أنت كارهه. ويدور بين النحاة جدل طويل في موضع الجملة المفسرة؛ أيكون لها محل من الإعراب، أو ليس لها محل؟ وقد يكون الأنسب الأخذ بالرأي القائل: إنها تساير الجملة المحذوفة، "المفسرة" وتماثلها في محلها الإعرابي وعدمه، كما تمثلها في لفظها ومعناها على الوجه السالف، وعلى هذا إن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لا محل لها من الإعراب فالمفسرة كذلك لا محل لها من الإعراب؛ نحو: البحر أحببته، أي: أحببت البحر أحببته؛ فالجملة التفسيرية لا محل لها من الإعراب؛ لأن الأصلية المحذوفة كذلك، وإن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لها محل من الإعراب؛ فالتي تفسرها تسايرها وتماثلها فيه؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، أي: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر؛ فالجملة المحذوفة " المفسرة" في محل رفع خبر "إن"، فالتي تفسرها: كذلك في محل رفع خبر، ونحو: العقلاء الواجب يؤدونه؛ أي: العقلاء يؤدون الواجب يؤدونه، فالجملة المحذوفة "المفسرة" في محل رفع خبر المبتدأ والمفسرة في محل رفع خبر المبتدأ كذلك، وفي قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} تقع الجملة الاسمية "المفسرة" مفعولًا به في محل نصب؛ لأن المحذوف المفسر مفعول به منصوب؛ إذ التقدير: "الجزاء، أو الجنة وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات، لهم مغفرة"، فجملة: "لهم مغفرة" هي المفسرة المفعول به المحذوف1.

_ 1 ولا يصح أن تكون هي المفعول الثاني للفعل: "وعد"؛ لأنه من باب "كسا"، أي: من الأفعال التي لا يقع فيها المفعول الثاني جملة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تكون الجملة هي المفسرة في باب الاشتغال إلى حين يكون الاسم السابق منصوبًا كالأمثلة السالفة؛ فإن كان مرفوعًا للمحذوف فالمحذوف هو فعله وحده1، ويتعين أن يكون مفسره هو الفعل المذكور وليس الجملة، ولا بد -عند المحققين- أن يكون هذا الفعل المذكور "المفسر" مسايرا للمحذوف " المفسر" في حكمه وإعرابه اللفظي، والتقديري، والمحلي ... مثل إن العتاب يكثر يؤد إلى القطيعة، التقدير: إن يكثر العتاب - يكثر - يؤد إلى القطيعة، فالمفسر هو الفعل: "يكثر" الثاني، وهو مضارع مجزوم كالأول المحذوف2، إذا العناية تلاحظك عيونها فلا تخف شيئًا، التقدير: إذا تلاحظك العناية تلاحظك عيونها، فالمفسر في المثال هو الفعل: "تلاحظ" وحده، وهو كالأول في حكمه

_ 1 كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص 132 وفي ص 140، سواء أكان الفعل مبنيًا للمعلوم أم للمجهول، تامًا أم ناقصًا؛ مثل كان، كل هذا على حسب السياق، وعلى مقتضاه يعرب الاسم المرفوع فاعلًا، أو نائب فاعل، أو اسمًا لكان ... مثل: إن يرد اشتد فاحترس -إن عمل أتقن فلازمه- وقول الشاعر: وليس بعامر بنيان قوم ... إذا أخلاقهم كانت خرابًا ومثل هذا: المرء مجزي بعمله إن خير كان فجزاؤه خير ... التقدير: "إن اشتد برد - اشتد - فاحترس" - "إن أتقن عمل - أتقن - فلازمه" - "المرء مجزي بعمله" إن كان في عمله خير - كان - فجزاؤه خير" إذا كانت أخلاقهم كانت. 2 ما سبب الجزم؟ خلاف فيه، وجاء في الصبان ما نصه: "قال أبو علي: الفعل المذكور والفعل المحذوف في نحو قوله: " لا تجزعي إن منفسًا أهلكته"، مجزومان محلًا؛ وجزم الثاني ليس على البدلية؛ إذ لم يثبت حذف المبدل منه، بل على تكرير "إن"، أي: إن أهلكت منفسًا إن أهلكته، وساغ إضمار "إن" أي: وإن لم يسغ إضمار لام اأمر إلا في ضرورة، لاتساعهم فيها، ولقوة الدلالة عليها بتقديم مثلًا، واستغنى بجواب "إن" = الأولى "عن جواب الثانية. ا. هـ. لكن ما ورد في كلامه من أن حذف المبدل منه لم يثبت، هو مخالف لما قالوه من أنه قد يحذف في بعض الصور، وسيجيء في الجزء الرابع -باب البدل، م 123 ص 652- أحكام متفرقة، منها الحكم: "د" ونصه: "قد يحذف المبدل منه، ويستغنى عنه بالبدل بشرط أن يكون المبدل منه في جملة وقعت صلة موصول؛ نحو أحسن إلى الذي عرفت المحتاج، أي: الذي عرفته المحتاج؛ فكلمة: "المحتاج" يصح أن تكون بدلًا من الضمير المحذوف". ا. هـ، ويصح فيها إعرابات أخرى ذكرت هناك.

الإعرابي، ومثل: إذا الملك الجبار صعر خده1 ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه أي: إذا صعر الملك خده، صعره، فالمفسر هو الفعل الماضي وحد "صعر"، ومثل: فمن نحن نؤمنه2 يبت وهو آمن ... ومن لا نجره يمس منا مفزعًا التقدير: فمن نؤمنه يبت وهو آمن، فالمفسر هو الفعل "نؤمن" وحده، وهو مجزوم كالفعل المفسر المحذوف، وكلمة: "نحن" في البيت ضمير فاعل للفعل المحذوف، وقد برز هذا الضيمر -بعد استتاره الواجب- بسبب حذف فعله وحده؛ إذ لا يبقى الفاعل مستترًا بعد حذف عامله، فإذا رجع العامل وظهر، عاد الضمير الفاعل إلى الاستتار كما كان، فإن ظهر مع ظهور عامله لم يعرب -في الرأي الشائع- فاعلًا؛ وإنما يعرب توكيد لفظيًا للضمير المستتر المماثل له. وينطبق هذا الكلام على البيت التالي: فإن أنت لم ينفعك علمك3 فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل التقدير: فإن لم تنتفع لم ينفعك علمك ... وأشباه هذا، فالفعل "ينفع" هو وحده المفسر للفعل المحذوف، وهو مساير لذلك المحذوف في الجزم والنفي معًا. والضمير البارز "أنت" فاعل الفعل المحذوف، وكان مستترًا وجوبًا فيه، فلما حذف الفعل برز في الكلام فاعله المستتر، ولما رجع الفعل إلى الظهور في الجملة الأخيرة عاد فاعله الضمير إلى الاستتار، كما كان أولًا، ومثله قول الشاعر:

_ 1 صعر خده: حوله إلى جهة لا يرى فيها الناس؛ تكبرا منه وترفعًا. 2 بمعنى: نؤمنه، أي: نمنحه الأمان. 3 يريد: إن لم يكن لك علم بحوادث الموت المحيطة بك بحيث يعظك فارجع. إلى أصولك الأوائل الذاهبين، لعل لك عظة في موتهم.

إذا أنت 1 فضلت امرأ ذا براعة ... على ناقص كان المديح من النقص وقول الآخر: بليغ إذا يشكو إلى غيرها الهوى ... وإن هو لاقاها فغير بليغ وفي مثل: لا تجزعي إن منفس أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي يكون التقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته ... والمحذوف هنا مطاوع للمذكور، فهو من مادته اللفظة ومن معناه، وإن كانت المشاركة اللفظية ليست كاملة. أما تفضيل الرأي القائل بمسايرة الجملة المفسرة للجملة المفسرة في حكمها، ومحلها الأعرابي فراجع إلى أمرين: أولهما: أن الجملة المفسرة قد يكون لها محل من الإعراب -بالاتفاق- في بعض مواضع، كالجملة المفسرة لضمير الشأن2 في نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فإن جملة "الله أحد" مبتدأ وخبر في محل رفع؛ لأنها خبر لضمير الشأن: "هو"، وفي نحو: ظننته: "الصديق نافع"؛ الجملة الاسمية في محل نصب؛ لأنها المفعول الثاني لظن ... وليس في هذا خلاف. وثانيهما3: أن هناك كلمات تفسر غيرها وقد تسايرها في حركة إعرابها؛ كالكلمات الواقعة بعد "أي" التي هي حرف تفسير في مثل: هذا سوار من عسجد؛ أي: ذهب، فكلمة: "أي" حرف تفسير؛ يدل على أن ما بعده يفسر شيئًا قبله، وكلمة: "ذهب" هي التفسير لكلمة: "عسجد" ويجب أن تضبط مثلها في حركات الإعراب، نعم إنهم يعربون كلمة "ذهب"، وأمثالها

_ 1 فالأصل: إذا فضلت ... فلما حذف الفعل بقيت التاء، وهي هنا ضمير متصل فاعل لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانها بضمير مرفوع منفصل بمعناها؛ هو الضمير: "أنت" - كما سبق مثل هذا في رقم 4 من هامش ص 132 - فإذا رجع الفعل المحذوف رجع فاعله السابق، وهو "التاء" واتصل به. 2 راجع ضمير الشأن ج 1 ص 226 م 198 - باب الضمير. 3 لهذا إشارة في رقم 3 من هامش 138.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مما يقع بعد "أي" التفسيرية بدلًا أو عطف بيان؛ لكن هذا لا يخرجها عن أنها مماثلة للمفسر في حركة إعرابه؛ إذ كل من البدل وعطف البيان تابع هو بمنزلة متبوعه. ومن الكلمات التي تفسر غيرها، ويتحتم أن تسايره في حركة إعرابه ما يقع بعد حرف العطف: "الواو" الذي يدل أحيانًا على أن ما بعده مفسر لما قبله، كما في مثل: الماء الصافي يشبه اللجين والفضة، فالواو وحرف عطف للتفسير؛ لأن ما بعدها يفسر ما قبلها، وهو مساير له - وجوبًا - في حركات إعرابه؛ إذا المعطوف كالمعطوف عليه في كثير من أحكامه التي منها حركات الإعراب. فالرأي القائل باعتبار الجملة التفسيرية مسايرة لما تفسره يجعلها كنظائرها من الجمل التي لها محل من الإعراب، وكغيرها من المفردات التي تؤدي مهمة التفسير، ولا معنى للتفرقة في الحكم بين ألفاظ تؤدي مهمة واحدة، إلا إن كان هناك سبب قوي، ولم يتبين هنا السبب القوي؛ بل الذي تبين أن الكلام المأثور الفصيح يؤيد أصحاب هذا الرأي الواضح الذي يمنع تعدد الأقسام والأحكام، ويؤدي إلى التيسير بغير ضرر. وقد أشرنا1 إلى أن الجملة لا تكون مفسرة في باب "الاشتغال" إلا حين يكون الاسم السابق منصوبًا، فإن كان مرفوعًا لعامله المحذوف فالمحذوف هو فعله وحده، ويتعين أن يكون التفسير بفعل فقط، كما قلنا: إن الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل وجب نصبه، ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ، وإنما يجوز رفعه على أنه مرفوع فعل محذوف؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْه} ، فكلمة: "أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ... إلى آخر ما أوضحنا ... والذي نريد بسطه الآن أن بعض القدامى والمحدثين لا يروقهم هذا التقدير، ويسخرون منه، مطالبين بإعراب الاسم المرفوع -في الآية السالفة وأشباهها- إما مبتدأ مباشرة، وإما فاعلًا مقدمًا للفعل الذي بعده "أي: للمفسر"، وبإهمال التعليل الذي يحول دون هذا الأعراب؛ لأنه -كما يقولون- تعليل نظري محض،

_ 1 في رقم4 من هامش ص132 وفي ص140.

ساسه التخيل والتوهم، وتعارضه النصوص الكثيرة الواردة بالرفع الصريح ... ولا حاجة إلى عرض أدلة كل فريق ممن يبيح، أو يمنع فقد فاضت بها المطولات والكبت التي تتصدى لمثل هذا الخلاف، وسرد تفاصيله وأدلته التي تضيق بها الصدور -أحيانًا- حين تقوم على مجرد الجدل، وتعتمد على التسابق في إظهار البراعة الكلامية، ومنها: كتاب: "الإنصاف في أسباب الخلاف"، لابن الأنباري ... والحق يقتضينا أن نحكم على كل وجه من أوجه الإعراب الثلاثة بالضعف. ولكن الضعف في حالة تقدير عامل محذوف، أخف وأيسر، ويما يلي البيان بإيجاز، ولعل فيه -مع إيجازه- ما يرد بالأمر مورده الحق، ويضعه في نصابه الصحيح، هذا، وفي الاستئناس والاسترشاد بما يقال في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط -كالآية السابقة، وأمثالها- ما يكفي ويوصل لتأييد النحاة، ودعم رأيهم في باقي حالات رفعه. أ- في مثل: إن عاقل ينصحك ينفعك، لو أعربنا الاسم السابق: "عاقل" مبتدأ لكانت الجملة الفعلية بعده "وهي: ينصحك" في محل رفع، خبره - ويترب على هذا أن تكون أداة الشرط، وهي تفيد - دائمًا - التعليق 1 قد دخلت على جملة اسمية، مع أن الجملة الاسمية تفيد الثبوت2 في أكثر الصور، وهو من أضداد التعليق، وهنا يقع في الجملة الواحدة التعارض الواسع بين مدلول الأداة، ومدلول المبتدأ مع خبره؛ وهو تعارض واقعي3 لا خيالي؛

_ 1 توقف حصول شيء، أو عدم حصوله، على آمر آخر؛ فيكون الثاني -في الأغلب- مترتبًا على الأول وجودًا وعدمًا، فإن كانت أداة الشرط جازمة، فالتعلق والتوقف لا يتحقق إلا في المستقبل. 2 ثبوت الحكيم إيجابًا أو سلبًا، أي: تحقق وقوعه والقطع بحصوله؛ سواء أكان موجبًا أو منفيًا. 3 لإيضاح هذا التعارض نقول: الأصل في الجملة الاسمية - كما هو مقرر مقطوع به - أنها تدل - في الأغلب - على الثبوت إذا كانت اسمية محضة؛ "أي خالية من فعل"، ومن أمثلتها: الوالد رحيم - الولدان نفعهما عميم ... وقد تقيد مع الثبوت الدوام بقرينة، هذا شأن الجملة الاسمية المحضة، فإن كانت غير محضة، "وهي التي يكون فيها الخير جملة فعلية" نحو: الوالد زاد فضله، فإنه تقيد مع الثبوت التجدد، وقد تفيد الاستمرار التجددي، وكل ما سبق موضح بتفصيلاته في لوم البلاغة وغيرها. ومنه يتبين أن الدلالة التي تؤديها الجملة الاسمية بنوعيها "المحضة، وغير المحضة" تعارض وتناقص "التعليق"، فكيف يجتمعان في جملة واحدة؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ مرده الاستقراء المنتزع من الأساليب العربية الصحيحة التي لا يسوغ مخالفتها، ولا سيما في النواحي المتعلقة بالمعنى، وإلا اضطربت المعاني، وتناقضت، ولم تؤد اللغة مهمتها - بخلاف الجملة الفعلية؛ فإنها تقبل التعليق، ولا تعارضه. وشيء آخر يؤيد ما سلف؛ هو أن بعض النصوص الفصيحة الواردة تدل على وجود لغات أو لهجات ترفع المضارع "ينصح" في ذلك المثال وأشباهه، فإذا ورد مرفوعًا فأين فعل الشرط؟ أيكون هو فعل الشرط مع رفعه، فنتكلف أقبح التأول والتمحل في إعرابه؟ أم نتركه على حاله مرفوعًا، ونقدر فعلًا آخر للشرط مجزومًا مباشرة؟ الأمران معيبان، ولكن الثاني أقرب إلى القبول؛ لأنه - بسبب جزمه المباشر الخالي من التأول - ينخرط في عداد أفعال الشرط؛ إذ الأصل في أفعال الشرط أن تكون مجزومة، وهذا دليل آخر يدفعنا إلى رفض الوجه الإعرابي السابق "المبتدأ"، كما تحمل على رفضه أمور نحوية، وبلاغية دقيقة وفي مقدمتها الفصل بالمبتدأ بين أداة الشرط الجازمة وفعلها، وهذا ممنوع1؛ لمخالفته المأثور الشائع، ومنها: أن دخول النواسخ على المبتدأ مطرد، مع أن كثير من النواسخ لا يصح دخوله هنا على المبتدأ، ومن هذا الكثير الحرف: "إن" إذ له الصدارة في جملته، فلا يصح وقوعه بعد أداة الشرط ... و ... و ... ب- ولو أعربنا الاسم السابق وهو: "عاقل" وأشباهه، فاعلًا - أو شيئًا آخر مرفوعًا بالعامل الذي بعده - كما يرى فريق من الكوفيين لكان هذا أخذًا برأي ضعيف أيضًا، فوق ما فيه من الفصل الممنوع عند أكثر النحاة - كما أوضحنا-، ومن اختلاط الأمر في كثير من الأساليب بين المبتدأ والفاعل

_ 1 عند جمهور البصريين "راجع شرح العكبري، للديوان المتنبي وبيته التالي: لو الفلك الدوار أبغضت سعيه ... لعوقه شيء عن الدوران من القصيدة التي مطلعها: عدوك مذموم بكل لسان ... ولو كان من أعدائك: القمران

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدم كما في المثال المعروض ونظائره -وما أكثرها- فيوجد من يعرب كلمة؛ "عاقل" مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره، ومن يعربها فاعلًا مقدمًا للفعل بعده. وعلى الإعراب الأول تكون الجملة اسمية، وقد سبق ما فيها من عيب، إما على الإعراب الثاني فالجملة فعلية؛ ودلالتها مختلفة عن سابقتها، فشتان بين مدلولي الجملتين في لغتنا، هذا إلى مشكلات أخرى تتعلق بوجود فاعل مذكور - أحيانًا- بعد الفعل المتأخر، كالتاء في قول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فهل يمكن إعراب الضمير "أنت" في كل شطر فاعلًا مع وجود التاء بعده، ومشكلات تتعلق بالضمائر: المستترة المتصلة بالفعل المتأخر، كموقع الضمير "أنت" في مثل قول الشاعر: إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه فما إعراب "أنت"؟ أتكون فاعلًا مقدمًا للفعل "تشرب" مع أن فاعله ضمير مستتر وجوبًا، لا يجوز إظهاره؟ أم تكون توكيدًا متقدمًا لذلك الفاعل المستتر مع أن التوكيد لا يصح تقديمه على المؤكد؟ إلى غير هذا من مشكلات تتصل بالضمائر - وسواها - كمشكلة الفاعل المتقدم في مثل: "محمد" قام، بإعراب "محمد" فاعلًا عند من يجيزونه، فما إعرابه إن سبقه ناسخ مثل: كان محمد قام؟ أين الفاعل؟ وأين اسم الناسخ؟ وكذلك مشكلة عودة الضمائر، ومطابقتها للفاعل المتقدم أو عدم مطابقتها، واعتبارها حروفًا أو أسماء مهملة حينًا وغير مهملة حينًا آخر بغير ضابط سليم يعتمد عليه في كل ذلك. ج- فلم يبق إلا اختيار الإعراب الثالث القائم على تقدير فعل محذوف، "تحقيقًا لما اشترطه جمهور النحاة من دخول أداة الشرط على فعل ظاهر، أو مقدر ومنع دخولها على الاسم واعتباره أفضلها، وأن العيب فيه أخف وأيسر، كما قلنا، ولن يترتب على هذا "التقدير" خلط بين المعاني والمدلولات اللغوية، ولا تداخل بين القواعد النحوية، على أن "التقدير" باب واسع وأصيل في لغتنا، ولكنه محكم، وسائغ ممن يحسن استخدامه - عند مسيس الحاجة الشديدة - على النط الوارد الفصيح الذي يحتج به، والذي لا يؤدي إلى خلط أو اضطراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- أجرى بعض النحاة الذين لا يقصرون الاشتغال على النصب - أحكامًا أربعة على الاسم السابق إذا كان مرفوعًا، وبعده فعل قد عمل الرفع في ضميره أو في ملابسه: فيجب رفع هذا الاسم السابق إما بالابتداء إذا وقع بعد أداة لا يليها فعل؛ كإذا الفجائية، وليتما "المختومة بما الزائدة"، نحو: خرجت فإذا النسيم ينعش - ليتما الجو يعتدل، وإما على الفاعلية يفعل محذوف إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل -كأداة الشرط- نحو: إن سيارة أقبلت فاحترس منها، وقول الشاعر: إذا أنت لم تحم القديم بحادث ... من المجد لم ينفعك ما كان من قبل ويكون الرفع بالابتداء راجحًا في مثل: الزارع يكافح: حيث لا يحتاج إلى تقدير شيء محذوف، أما إعرابه فاعلًا بفعل محذوف فيحتاج إلى تقدير ذلك الفعل، والتقدير هنا ردئ ما دام الاسم غير واقع بعد أداة تطلب فعلًا؛ كأداة الاستفهام، ونحوها ... وقد يكون الرفع بالفعل المحذوف راجحًا على الرفع بالابتداء في مثل: العاملة لتجتهد؛ لأن وقوع الجملة الطلبية خيرًا قليل بالنسبة لغير الطلبية. وقد يتسويان في مثل كلمة: "الزروع" من نحو: المطر نزل، "والزروع ارتوت منه؛ لأن الجملة الأولى ذات وجهين فإذا أعربت كلمة "الزروع" مبتدأ والجملة بعدها الخبر كانت هذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة الاسمية التي قبلها. وإذا أعربت كلمة: "الزروع" فاعلًا لفعل محذوف كانت هذه الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرًا قبلها. 5- أبيات ابن مالك في هذا الباب ليست مرتبة ترتيبًا متماسكًا يساير المعاني ويؤالف بعضه بعضًا، فقد يذكر بيتًا أو بيتين في أول الباب يشرح بهما قاعدة معينة، ثم يأتي ببيت أو أكثر ليشرح قاعدة ثانية، فثالثة ... ثم يذكر بيتًا آخر يتمم القاعدة الأولى، فآخر يتمم الثالثة، وهكذا تتفرق أجزاء القاعدة الواحدة في بيتين أو أكثر ليس بينهما توال، أو اتصال مباشر، فلم يكن يد من استيفاء كل قاعدة على حدة استيفاء كاملًا، ثم الإشارة في الهامش إلى أبيات ابن مالك

المتعلقة بتلك القاعدة، وتدوينها على حسب ما يقتضيه تماسك القاعدة وتكاملها، لا على حسب ورودها في ألفيته؛ وإلا جاءت القاعدة مفككة، متناثرة هنا وهناك، متداخلة في غيرها، على أنا وضعنا بجانب كل بيت من أبيات ابن مالك رقمه الخاص به الذي يدل على ترتيبه الحقيقي بين أبيات هذا الباب كما وردت في ألفيته. 6- أسلوب: "الاشتغال" بمعناه العام دقيق، يتطلب براعة في تأليفه وضبطه، كي يسلم من الخطأ، والالتواء، والتفكك؛ فحيذا الاقتصاد في استعماله.

المسألة 70: تعديل الفعل ولزومه الكلام على المفعول به وأحكامه المختلفة

المسألة 70: تعديل الفعل ولزومه الكلام على المفعول به وأحكامه المختلفة مدخل ... المسألة 70: تعدية الفعل ولزومه الكلام على المفعول به، وأحكامه المختلفة الفعل التام1 ثلاثة أنواع: أ- نوع يسمى: "المتعدي2"؛ وهو: "الذي ينصب بنفسه مفعولًا به3 أو اثنين، أو ثلاثة؛ من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم4" مثل، سمع - ظن - أعلم، في نحو: لما سمعت الخبر ظننت الراوي مخطئا، لكن الصحف أعلمتنا الخبر صحيحا.

_ 1 الفعل التام، هو: ما يكتفي بمرفوعه في تأدية المعنى الأساسي للجملة؛ مثل: ساد - أضاء - تحرك - وأشباهها؛ حيث يقول: ساد الهدوء - أضاء النجم - تحرك الكوكب، أما الناقص فهو الذي لا يكتفي بمرفوعه في ذلك، وإنما يحتاج معه لمنصوب حتمًا؛ مثل: "كان وأخواتها" من الأفعال الناسخة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر - كما سبق في ج 1 ص 403 م 42 - وهذه الأفعال الناقصة "الناسخة" لا توصف بأنها متعدية أو لازمة، وإنما هي قسم مستقل، ومثلها الأفعال المسموعة التي تصلح للأمرين؛ فنستعمل في المعنى الواحد لازمة ومتعدية، مثل: شكرت لله على ما أنعم، ونصحت للعاقل بشكره، أو شكرت الله على ما أنعم، ونصحت العاقل بشكره، فهذه الأفعال وأشباهها قسم قائم بذاته أيضًا. وعلى هذا تكون أنواع الفعل من ناحية التعدي، واللزوم أو عدمها - أربعة نوع متعد فقط، ونوع لازم فقط، ونوع صالح للأمرين، ونوع ناقص لا يوصف بأحدهما، والثلاثة الأولى أقسام للتام وحده. 2 يسميه بغض القدماء "المجاوز" أو"الواقع": لأن أثره لم يقتصر على الفاعل وإنما جاوزه إلى المفعول به، فوقع مدلوله عليه، "وفي ص 86 بعض الأحكام الخاصة بالمفعول به من ناحية تقدمه وتأخره في الجملة وترتيبه فيها". 3 "المفعول به" هو: ما وقع عليه فعل الفاعل إيجابًا أو سلبًا؛ نحو: بطلب العاقل السعادة، ولا ينسى السعي الحميد لها، وقد سبق - في رقم 5 من هامش ص 36 بيان الفرق الكبير بين الذي يقع عليه الفعل، وهو المفعول به، والذي يقوم به الفعل، وهو الفاعل. والمفعول به يعد -في الأغلب- من الفضلات؛ طبقًا للبيان الذي في ص 179 - ولا ينصبه إلا الفعل المتعدي وفروعه، أما غيره من أنواع المفاعيل فينصبها الفعل المتعدي واللازم، وكذا بقية المنصوبات، ويجوز الاقتصار على كلمة: "مفعول" وحدها، دون تقيدها بالجار والمجرور بعدها؛ لأن كلمة: "مفعول" إذا ذكرت مطلقة بغير قيد لا يراد منها إلا "المفعول به"، وهو غير "المفعول المطلق" الذي سيجيء في ص 204، ويختلف عنه اختلافًا واسعًا. 4 اللازم أنواع ثلاثة، يجيء بيانها في ص 157، وسيجيء في ص 158 بيان الوسائل التي تؤدي إلى تعدية الفعل اللازم.

ب- نوع يسمى "اللازم"1 أو: "القاصر"، وهو: "الذي لا ينصب بنفسه مفعولًا به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيرها مما يؤدي إلى التعدية" مثل: أسرف - انتهى - قعد - في نحو: إذا أسرف الأحمق في ماله انتهى أمره إلى الفقر، وقعد في بيته ملومًا محسورًا2، فكل كلمة من: مال، فقر، بيت ... هي في المعنى - لا في الاصطلاح - مفعول به للفعل قبلها، ولكن الفعل لم يوقع معناه وأثره عليها مباشرة من غير وسيط؛ وغنما أوصله ونقله بمساعدة حرف جر؛ كان هو الوسيط في ذلك؛ فهي في الظاهر مجرورة به، وهي في المعنى في حكم المفعول به لذلك الفعل3. جـ- نوع مسموع، يستعمل متعديًا ولازمًا، مثل: شكر، ونصح4.

_ 1 وقد يسمى: غير المتعدي، أو: المتعدي بحرف الجر. 2 منقطعًا من أسباب الخير، ووسائل القوة. 3 وإذا كانت في حكم المفعول به المعنى، فهل يجوز في توابع هذا المفعول الحكمي "أي: المعنوي" النصب مراعاة لحكمه، كما يجوز الجر مراعاة للفظه؟ تؤخذ الإجابة من شرح كتاب: "المفصل" - في ج 7 ص 65 - ونصها: "لفظه مجرور وموضعه نصب؛ لأنه مفعول؛ ولذلك يجوز فيما عطف عليه وجهان، الجر والنصب؛ نحو قولك: مررت بزيد وعمرو – وعمرًا؛ فالجر على اللفظ، والنصب على الموضع؛ وذلك من قبل أن الحرف يتنزل منزلة الجزء من الفعل؛ من جهة أنه به وصل إلى الاسم؛ فكأنه كالهمزة في: أذهبته، والتضعيف في: فرحته، وتارة يتنزل منزلة الجزء من الاسم المجرور به؛ ولذلك جاز أن يعطف عليها بالنصب: فالجر على الاسم وحده، والنصب على موضع الحرف والاسم معًا. ا. هـ. والرأي صريح في جواز الأمرين، ولا شك أن ما يجري في العطف يجري في غيره من باقي التوابع، ثم عاد فردد هذا - في ج 8 ص 10 - من غير أن يقتصر من النواسخ على العطف، بل نص على الصفة أيضًا، ولا ريب أن بقية التوابع يجري عليها ما يجري على العطف والنعت. ولعل الخير اليوم في إهمال ها الرأي، والاقتصار على الرأي الآخر السديد الذي يوجب الجر وحده في التوابع، وترك النصب لما قد يكون مسموعًا من الكلام القديم دون محاكاته؛ حرصًا على الضبط في أداء المعاني بدقة وإحكام، ومنعًا للخلط الذي يؤدي إليه إباحة النصب، إذ يترتب على جواز النصب أن يكون لكل اسم مجرور بحرف جر أصلي إعراب محل غير إعرابه اللفظي، وهذا الحكم العام الشامل - الذي يقضي بإعراب جميع الأسماء المجرورة بحرف جر أصلي إعرابًا محليا بعد إعرابها اللفظي، وبإدخالها في أنواع الألفاظ التي لها إعراب محلي - يوقع في اللبس بين أصالة حرف الجر، وزيادته فوق أن ذلك الحكم غير معروف من المعربات المحلية -، ولم يذكره أحد بين أنواعها المعروضة في المراجع المتداولة - فيما تعرف اللهم إلا المنادي المستغاث المجرور باللام، بالتفصيل الخاص به في باب الاستغاثة ج 4 م 133 ص 61. "راجع ما سبق في رقم 3 من هامش ص 117 و: "ب" ص 125 وما يتبعها في رقم: 1 من هامش ص 127، وص 159 ثم ص 441. 4 انظر "ب" من هامش ص162.

وقد أراد النحاة تيسير التمييز بين الفعل المتعدي بنفسه والفعل اللازم، وسهولة تعيين كليهما؛ فوضعوا لذلك ضابطين يصلح كل منهما لأداء هذه المهمة - في رأيهم1. أولهما: أن يتصل بالفعل ضمير؛ كالهاء2، أو: ها - يعود على اسم سابق غير ظرف وغير مصدر. وطريقة ذلك: أن يوضع الفعل في جملة تامة، وقبله اسم جامد، أو مشتق؛ بشرط أن يكون هذا الاسم غير مصدر وغير ظرف، وبعد الفعل ضمير يعود على ذلك الاسم المتقدم، وإن صح التركيب واستقام المعنى فالفعل متعد بنفسه، وإلا فهو لازم، فإذا أردنا أن نبين حقيقة الفعل: "أخذ" من ناحية التعدي واللزوم وضعنا قبله اسمًا غير مصدر وغير ظرف، وجعلنا بعد الفعل ضميرًا يعود على ذلك الاسم؛ فنقول: الصحف أخذتها، فنرى المعنى سليمًا، والتركيب صحيحًا "لموافقته الأصول والضوابط اللغوية"؛ فنحكم بأن هذا الفعل متعد؛ ينصب المفعول به بنفسه، إلا إن صار المفعول به نائب فاعل فيرفع3. ومثل هذا يتبع في الفعل "قعد" حيث نقول: الغرفة قعدتها؛ فندرك سريعًا فساد الأسلوب والمعنى، ولا سبب لهذا الفساد اللغوي إلا تعدية الفعل، "قعد" تعدية مباشرة، لهذا نحكم بأنه لازم. ومثل الفعلين "أخذ" و"قعد" غيرهما من الأفعال؛ حيث يمكن التوصل إلى معرفة المتعدي واللازم باستخدام الضابط السالف. وإنما اشترطوا في الاسم السابق أن يكون غير مصدر وغير ظرف؛ لأن الضمير يعود عليهما من الفعل المتعدي واللازم على السواء؛ فلا يصلح الضمير العائد على المصدر أو الظرف أن يكون أداة للتمييز، بين المتعدي واللازم؛ ففي مثل: طلبت

_ 1 انظر الحكم على هذا في رقم 3 من هامش الصفحة التالية. 2 وتسمى: "هاء المفعول به"؛ لأنها تعود عليه. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: علامة الفعل المعدى أن تصل ... "ها" غير مصدر به؛ نحو: عمل فانصب به مفعوله، إن لم ينب ... عن فاعل، نحو: تدبرت الكتب أي: تأملتها.

منك أن تمشي في الصباح المبكر طويلا، ثم تستريح ساعة، تذهب بعدها إلى مزاولة عملك فماذا فعلت؟ قد يكون الجواب: "المشي مشيته، والساعة استرحتها1، والذهاب ذهبته، والعمل زاولته"، ففي الإجابة ضمائر عاد بعضها على المصدر أو على الظروف، مع أن أفعالها لازمة، كما في الثلاثة الأولى، وعاد بعضها على المصدر أيضًا مع أن الفعل: "زوال" متعد بنفسه. ثانيهما: صياغة اسم مفعول تام2 من الفعل الذي معرفة تعديته أو لزومه؛ فإن أدى اسم المفعول معناه بغير حاجة إلى جار ومجرور كان فعله متعديًا بنفسه، وإلا كان لازمًا، في مثل: فتح - أكل - أعلن ... نقول: الباب مفتوح - الفاكهة مأكولة - الخبر معلن ... فنرى اسم المفعول مستغنيًا عن الجار والمجرور في أداء لمراد منه، بخلافه عند صياغته في مثل: قعد - يئس - هتف ... حيث نقول: الحجرة مقعود فيها - القضاء على أسباب الحرب ميئوس منه - العظيم مهتوف باسمه ... فاسم المفعول هنا لم يستغن في أداء معناه عن الجار مع مجروره ... فالوسيلة إلى معرفة التعددية واللزوم تكون باستخدام أحد الضابطين السالفين، أو باستخدامهما معًا؛ كما يقول النحاة3.

_ 1 انظر نيابة العدد عن الظرف - في ص 265. 2 أي: لا يحتاج في تأدية المعنى المراد منه إلى جار مع مجروره. 3 الحق أن تلك الوسيلة ليست ناجحة، ولا سليمة، وأن الضابط الصحيح هو حكم اللغة بمفرداتها، وتراكيبها الواردة عن أهلها العرب، وقد حوت النصوص والمراجع الوثيقة كثيرًا من هذه المفردات والتراكيب، وأبانت الكتب اللغوية - في عناية تامة - ما تعدى من الأفعال وما لزم، مع سرد معانيها؛ نشهد هذا في كتاب: المصباح المنير، وفي القاموس المحيط، وشرحه تاج العروس وفي لسان العرب، وفي أساس البلاغة ... وغيرها من المطولات اللغوية، أما الضابطان السالفان فلا يصلح أحدهما أو كلاهما للإبانة دون الرجوع إلى تلك المراجع الوثيقة، وإلا فمن أين نعلم ويعلم المستعرب أن الفعل: "فتح - أكل - أعلن" واسم المفعول منه مستغنيان عن الجار والمجرور، وأن الفعل: "قعد - يئس - هتف"، واسم مفعوله لا يستغنيان؟ من أين نعلم أن هذا الأسلوب صحيح في تركيبه بعد التعدية؛ أو غير صحيح؟ وأن مثل: "الحجرة قعدتها" خطأ؟ لا سبيل لذلك إلا بالرجوع إلى تلك المصادر اللغوية الأمينة، ولا دخل للذوق الشخصي في الصحة أو الفساد؛ لأنه غير مأمون، ومعنى ما تقدم أننا -ولا سيما المستعربون- لا نستطيع الانتفاع بأحد الضابطين السالفين أو =

وبالرغم من هذه الوسيلة لجئوا إلى أخرى أدق منها وأصح؛ فقد بذلوا الجهد -قدر استطاعتهم- في استقصاء كلام العرب، وحصر الأفعال اللازمة الواردة فيه، وتقسيمها أقسامًا تقريبية متعددة، لكل قسم عنوان معين ينطبق - إلى حد كبير - على عدد كثير من الأفعال اللازمة الداخلة تحته؛ فيكتفي الراغب بمعرفة هذا العنوان، وتطبيق معناه على الفعل الذي يريد الحكم عليه بالتعدية أو باللزوم؛ فيصل - غالبًا - إلى ما يريد، فمنزلة هذا العنوان العام منزلة القاعدة التي تطبق على أفراد متعددة؛ فتغني عن المراجع اللغوية، وتوصل إلى الغاية المرجوة بغير جهد مبذول، ولا وقت ضائع، وقد نجحوا في وضع هذه العناوين أو القواعد التقريبية نجاحًا كبيرًا يمكن الاعتماد عليه، والاكتفاء به، بالرغم من أنها لم تنطبق على قليل من الأفعال وصف بالشذوذ، ونحوه، وأشهر تلك العناوين والقواعد التقريبية الدالة -في الغالب- على الأفعال اللازمة ما يأتي: 1- الأفعال الدالة على صفة تلازم صاحبها، ولا تكاد تفارقه إلا لسبب قاهر، وهي الأفعال الدالة على السجايا، والأوصاف الفطرية: مثل: شرف فلان؛ نبل - ظرف - قصر - طال - سمن - نحف ... والأغلب في هذه الأفعال أن تكون على وزن: "فعل" - بفتح فضم - وهذه صيغة تكاد تقتصر على الفعل 1 اللازم. ويتصل بها ما لا يدوم ولكن ومنه يطول، أو يتكرر؛ مثل: جبن - شجع - نهم 2 - جشع.

_ = بهما معًا دون تحكيم اللغة أولًا، والاعتماد على ما تشير به، ولها وحدها القول الفصل، أما الضابطان أو أحدهما فيستطيع من عرف أولًا، من اللغة تعدية هذا الفعل أو لزومه - أن يلجأ إليهما، لمجرد الاستئناس، لا لمعرفة أمر مجهول، بل إنه لا يحتاج إلى مثل هذا الاستئناس؛ لاستغنائه عنه بالمعرفة اللغوية السابقة. وهناك سبب آخر هام، هو أن هذه "الهاء" - ونحوها- قد تتصل بآخر الفعل اللازم وتعرب مع لزومه مفعولًا به، طبقًا للبيان والتفصيل في رقم 3 من هامش ص 247، فكيف تصلح علامة المتعدي؟ 1 ويقول صاحب المغني ج 2 الباب الرابع: الأمور التي لا يكون الفعل معها إلا قاصرًا: إنه لم يرد منها متعديًا سماعًا إلا اثنان؛ هما: رحب، طلع - بفتح أولهما - وضم ثانيهما؛ في مثل رحبتكم الدار، طلع القمر اليمن - كما سيجيء في ص 170، وفي رقم 3 من هامش ص 183 - وكلام صاحب المغني وتحديده منوض بمثل الفعل: "بصر"، فإنه يتعدى في الأكثر بالباء، وقد يتعدى بنفس مباشرة، طبقًا لما في بعض المراجع اللغوية ومنها: "المصباح المنير". ولهذا صلة بما يجيء في رقم 1 من هامش ص 170. 2 فهم الرجل: اشتدت رغبته في الطعام ولازمته.

2- الأفعال الدالة على أمر عرضي1 طارئ، يزول بزوال سببه المؤقت؛ كالأفعال في مثل: مرض المتعرض للعدوى - أحمر وجهه - ارتعشت يده ... وكالأفعال الدالة على فرح أو حزن؛ "هنئ - سعد - حزن - جزع - فزع - رجف"، أو على نظافة ودنس؛ مثل: نظف الثوب أو غيره - طهر - وضؤ - دنس - وسخ - قذر - نجس. 3- الأفعال الدالية على لون، أو حلية، أو عيب، مثل: خمر - احمر - احمار - سود، أسود - ابيض ... ومثل: دعج2، كجل - عور - عمي ... 4-الأفعال التي على وزن "افعلل" نحو: اقشعر - ابذعر3 - اشمأز - وما ألحق بهذا الوزن من مثل: افوعلّ "بسكون الفاء، وفتح الواو والعين، وتشديد اللازم"، نحو: أكوهد4 وأكوأل ... 5- الأفعال التي على وزن "افعنلل"؛ من كل فعل في وسطه نون بعدها حرفان أصليان، نحو: رنجم5. وكالأفعال التي تضاهي "افعنلل" من كل فعل في وسطه نون بعدها حرفان أحدهما زائد للإلحاق، نحو: اقعنسس6؛ فإن السين الثانية زائدة للإلحاق 7؛ باحرنجم.

_ 1 يراد بالعرض هنا، المعنى الطارئ الذي ليس له طول ثبات، ولا دوام، وليس حركة جسم، أما الفعل الدال على الحركة فقد يكون لازمًا؛ مثل: مشي، وقد يكون متعديًا مثل: مد. 2 دعجت العين: اشتد سوادها وبياضها - أو اتسعت مع شدة سواد المقلة. 3 ابذعر القطيع: تفرق هربًا. 4 أكوهد الفرخ: ارتعش؛ ليشعر أمه بجوعه، وأكوأل الرجل، بمعنى: قصر. 5 احرنجم الرجل: أراد شيئًا ثم عدل عنه، واحرنجمت الخيل أو الإبل، اجتمعت متزاحمة. 6 اقعنسس الجمل: أبى أن ينقاد، أو: رجع إلى الخلف. 7 كانت العرب تزيد على الكلمة الشائعة حرفًا؛ لتجعلها مساوية في عدد حروفها وفي وزنها لكلمة أخرى، وتجري مجراها في التصغير، والنسب، والجمع، وغيرها والذي يدعوها لذلك دواع في مقدمتها ضرورة الشر، والتلميح، أو التهكم ... وليس من حق أحد -سوى العرب القدامى- أن يزيد في بنية الكلمة الواردة شيئًا للإلحاق؛ فتلك الزيادة مقصورة عليهم، وقد انتهى زمنها بانتهاء عصورهم التي حددت للاستشهاد بكلامهم، والتي حددها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، بنهاية القرن الثاني الهجري في الحواضر، ونهاية القرن الرابع الهجري في البوادي. "راجع ص 18 من كتابنا: "رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية"، وص 202 من الجزء الأول من مجلة المجمع اللغوي القاهري، و 294، 303 من محاضر انعقاده الأول.

ويلحق بهما ما كان على وزن "افعنلى" نحو اسلنقى1 واحرنبى2. 6- الأفعال التي على وزن "فعل" -بكسر العين أو فتحها- إذا كان الوصف منها على "فعيل"؛ نحو: قوي الرجل، فهو قوي، وذل3 الضعيف فهو ذليل. 7- الأفعال التي على وزن: انفعل؛ نحو: انبعث وانطلق، والتي على وزن "أفعل"، ومعناها: صار صاحب شيء معين، مثل: أغد البعير؛ بمعنى: صار ذا غدة4. أو التي على وزن: "استفعل" وتفيد الصيرورة5 أيضَا؛ نحو: استنوق الجمل، أي: صار كالناقة، واستأسد القط؛ أي: صار كالأسد في صورته. 8- الأفعال الدالة على مطاوعة 6 فعل لفعل آخر متعد بنفسه لواحد؛ مثل: "امتد" في نحو: مددت الحديد الساخن فامتد، ومثل: "توفر" في نحو: وفرت المال فتوفر، ومثل: انكسر في نحو: كسرت الخشبة فانكسرت. 9- الأفعال الرباعية الأصول التي يزاد عليها حرف أو حرفان؛ مثل: تدحرج، واحرنجم. تلك هي أشهر أنواع الأفعال التي يغلب عليها اللزوم7.

_ 1 اسلنقى المريض: نام على ظهره. 2 احرنبى الديك: نفش ريشه؛ استعدادًا للقتال. 3 من باب: ضرب، يضرب. 4 يريدون بها: ورمًا ناتئا يظهر في بعض أعضائه. 5 التحول والانتقال من حالة إلى حالة. 6 سبق شرح المطاوعة شرحًا وافيًا وإيضاحها بالأمثلة في رقم 1 من هامش ص 100"، وأشرنا هناك إلى أن صاحب كتاب "المخصص" "ابن سيده" عقد بحثًا وافيًا للمطاوعة ضمنه كثيرًا من شئونها "في الجزء 14 ص 175"، كما أشرنا إلى قرار المجمع اللغوي القاهري بقياسية أفعال المطاوعة كلها، وقرار الخاص بمطاوع "فعل" الثلاثي ... و ... 7 وفيما سبق يقول ابن مالك: ولازم غير المعدى، وحتم ... لزوم أفعال السجايا؛ كنهم =

"ملاحظة": للفعل اللازم ثلاثة أنواع يتردد ذكرها في مناسبات مختلفة1. أولها: اللازم أصالة؛ ويراد به الفعل الموضوع في أصله اللغوي لازمًا؛ مثل: نام - قعد - تحرك. ثانيها: اللازم تنزيلًا؛ ويراد به الفعل المتعدي لواحد، ولكن مفعوله هذا يحذف - غالبًا - في بعض الاستعمالات؛ كأن يشق من مصدر هذا الفعل اسم فاعل يضاف إلى فاعله، فيصير اسم الفاعل بسبب هذه الإضافة دالًا على الثبوت بعد أن كان قبل الإضافة دالًا على الحدوث، ويصير في حالته الجديدة: "صفة مشبهة" ويسمى باسمها، وتجري عليه كل أحكامها مع بقائه على صورته الأولى، دون بقاء اسمه السابق، وهو في حالته الجديدة لا ينصب "مفعولًا به"؛ لأنه صار - كما قلنا - صفة مشبهة، والصفة المشبهة لا تشتق أصالة إلا من فعل لازم، فحق ما هو بمنزلتها أن يكون كذلك، فيحذف - في الغالب - مفعوله؛ مجاراة لها، ففي مثل: رحم قلب المؤمن الضعفاء، يقال فيه: فلان راحم القلب. ثالثها: اللازم تحويلًا، وهذا يكون بتحويل الفعل المتعدي لواحد إلى صيغة: "فعل" بقصد المدح أو الذم2 وهذه الصيغة لا تكون إلا لازمة؛ مثل: جهل الأمي، في ذم الأمي، والأصل المتعدي قبل التحويل هو: جهله ... ؛ فصار بعد التحويل لازمًا.

_ = يريد: اللازم هو الذي ليس متعديًا، وشرع يبين أنواع الأفعال اللازمة، فقال: حتم لزوم أفعال السجايا وعدم تعديتها، أي: أن لزومها محتوم: وسرد أنواعًا أخرى في الأبيات التالية: كذا: "افعلل" والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نطافه أو دنسا أو عرضا، أو طاوع المعدى ... لواحد؛ كمده فامتدا أي: ما كان على وزان "افعلل" فهو لازم، وكذا الفعل الذي على وزن يضاهي ويشابه في أحكامه الفعل: "اقعنسس"، فإنه يشابه الفعل "افعنلل" مثل: "احرنجم" - كما أوضحنا في الشرح - وكذلك من اللازم أيضًا ما دل على نظافة، أو دنس، أو عرض، أو مطاوعة لفعل متعد لواحد ... 1 ولا سيما باب "الصفة المشبهة" ج 3 م 104 و 105 ص 16 و 250 حيث البيان. 2 لهذا التحويل أحكام وضوابط مكان تفصيلها ج 3 م 111 ص 370 بعنوان: "الأفعال التي تجري مجرى "نعم وبئس".

المسألة 71

المسألة 71: طريقة تعدية الفعل اللازم الثلاثي: من الممكن جعل الفعل الثلاثي اللازم متعديًا إلى مفعول به واحد، أو في حكم المتعدي إليه1؛ وذلك بإحدى الوسائل التي ستذكرها، وكلها قياسي؛ إلا الأخيرة2 ... وقبل أن نسردها نشير إلى أمر هام، هو: أن هذه الوسائل كلها تشابه في أمر واحد، يتركز في صلاحية كل منها لتعدية الفعل اللازم، وتختلف بعد ذلك بينهما اختلافًا واضحًا، وناحية الخلاف تتركز أيضًا في أن كل وسيلة منها تؤدي مع التعدية معنى خاصًا لا تكاد تؤديه وسيلة أخرى؛ فواحدة تفيد - مثلًا - مع التعدية جعل الفاعل مفعولًا به؛ كهمزة النقل3، ولهذا أثره في تغيير المعنى الأول4، وواحدة تفيد التكرار والتمهل؛ كالتضعيف، وهذا تغيير طارئ على المعنى السابق، وثالثة تفيد المشاركة، ولم تكن موجودة، كتحويل الفعل اللازم إلى صيغة فاعل ... وهكذا ... ، مما سيتضح عند الكلام على كل واحدة، وما تجلبه من المعنى الطارئ مع التعدية، فإن كان أثر الوسائل من ناحية التعدية واحدًا، فإن أثرها مختلف من ناحية المعنى لهذا لا تختار وسيلة منها إلا على أساس أنها - مع تعديتها

_ 1 الذي في حكم المتعدي هو ما يبدو متعديًا بحسب المظهر الشكلي اللفظي دون الواقع الحقيقي المعنوي، ويتضح هذا جليًا في الوسيلتين الأخيرتين "7، 8" كما سيجيء عند الكلام عليهما، في ص 169 و 171 هذا، وما يسري على الفعل يسري على شبهة. 2 الأخيرة المقصورة على السماع هي: إسقاط حرف الجر وحده -دون مجروره- كما سيجيء في ص 171 - وتلك الوسائل القياسية مستنبطة من الكلام العربي الأصلي الشائع؛ لاستخدامها كسائر القواعد العامة المستنبطة منه ولا يلتفت إلى الرأي القائل: إن استخدامها أو بعضها مقصور على السماع؛ إذ لو كان كذلك ما كان هناك داع لتدوين هذه الوسائل، ولوجب الاقتصار على المسموع، وهذا غير مقبول إلا في الحالة الأخيرة؛ حالة إسقاط حرف الجر وحده - كما سيأتي في ص 171 "انظر رقم 4 من هامش ص 163"، أما جعل المتعدي لازمًا أو في حكمه، فيجيء الكلام عليه في ص 182. 3 إيضاحها في ص 165 ولها إشارة في "ج" ص 178. 4 كما سيجيء في رقم 2 من ص 165.

الفعل - تجلب معها معنى جديدًا يساير الجملة، ويناسب الغرض، وعلى هذا الأساس وحده يقع الاختيار على وسيلة دون أختها؛ فالتي تصلح لمعنى لا تصلح لغيره في الغالب إلا إذا عرف عنها أنها قد تشابه غيرها في تأدية معناه، كحرف الجر الأصلي فإنه يؤدي ما تؤديه همزة النقل أحيانًا؛ نحو: أذهبت العصفور، وذهبت به ... وإليك الوسائل: 1- إدخال حرف الجر الأصلي المناسب للمعنى، على الاسم الذي يعتبر في الحكم - لا في "الاصطلاح" كما شرحنا أول هذا الباب، وكما يأتي هنا1 - مفعولا به معنويًا للفعل اللازم 2، ليكون حرف الجر الأصلي مساعدًا على توصيل أثر الفعل إلى مفعوله المعنوي؛ فمثل: قعد - صاح - خرج - يقال في تعديته بحرف الجر: قعد المريض على السرير - صاح الجندي بالبوق - خرجت من القرية، فكلمة: السرير - البوق - القرية ... هي من الناحية المعنوية في حكم المفعول به، لوقوع أثر الفعل عليها، وإن كانت لا تسمى في "اصطلاح" النحاة مفعولًا به حقيقيًا 3، ولا يجوز -في الرأي الأنسب- نصب شيء من توابعها ما دام حرف الجر الأصلي مذكورًا قبلها في الكلام "كما سبق وكما سيجيء"4. وقد وردت أمثلة قليلة مسموعة عن العرب، حذف فيها حرف الجر، ونصب مجروره بعد حذفه؛ منها: "تمرون الديار" بدلًا من: تمرون بالديار، ومنها: "توجهت مكة، وذهبت الشام"، بدلًا من: توجهت إلى مكة، وذهبت إلى الشام ... ، فهذه كلمات منصوبة على نزع الخافض5، كما يقول

_ 1 التعدية بحرف الجر ليست مقصورة على الثلاثي اللازم؛ وإنما تشمله وتشمل المتعدي لواحد أو أكثر؛ فإنه يتعدى لغيره بالجار أيضًا -كما أشار إليه "الصبان"، ونص عليه "الخضري" صراحة في أول هذا الباب. 2، 3؛ لأن "المفعول به" الحقيقي عندهم؛ هو الذي يقع عليه الأثر مباشرة بدون مساعدة، لذا يسمون التعدية بحرف الجر: "تعدية غير مباشرة"؛ لأنها جاءت نتيجة معاونة قدمت للفعل اللازم، ولم يستطع التعدية إلا بهذه المعاونة. 4 راجع رقم 3 من هامش ص 117؛ ثم "ب" ص 125 م 69 ثم 3 من هامش ص 151، ثم في ص 439 ورقم 2 من هامشها. 5 أي: عند نزعه من مكانه، والمراد: عند حذفه، وفي هذه الحالة تسمى أفعالها: متعدية مما يسمى: "الحذف والإيصال" أو: "بنزع الخافض"، -وهذا نوع من الأول- أما مع وجود حرف الجر فتسمى: متعدية بالحرف؛ كما سبق. ولزع الخافض بيان مجيء في "أ" من رقم 5 من بهامش ص 161، وإشارة في رقم 3 من هامش ص 492، عند الكلام على حذف حرف الجر. هذا، ويلاحظ أن الكلام هنا وفي ص 191 على حذف الجار مع بقاء مجروره يختلف في حكمه عن حكم حذف الجار مع مجروره، وسيجيء في ص 532.

النحويون، والنصب به سماعي1 - على الأرجح المعول عليه؛ مقصور على ما ورد منها منصوبًا مع فعله2 الوارد نفسه؛ فلا يجوز -في الرأي الصائب- أن ينصب فعل3 من تلك الأفعال المحددة المعينة كلمة على نزع الخافض إلا التي وردت معه مسموعة عن العرب، كما لا يجوز في كلمة من تلك الكلمات المعدودة المحدودة أن تكون منصوبة على نزع الخافض إلا مع الفعل4 الذي وردت معه مسموعة، أي: أن هذه الكلمات القليلة المنصوبة على نزع الخافض لا يجوز القياس عليها، فهي، مقصورة على أفعالها الخاصة بها، وأفعالها مقصورة

_ 1، 2 راجع حاشية الأمير على "المغني" -جـ 1- عند الكلام على: "لكن" مشددة النون. والحكم بأنه مقصور على السماع هو الأنسب؛ لأنه يمنع اللبس والاضطراب اللغوي، وهو رأي أكثر أئمة اللغة؛ كابن هشام، وابن مالك، والرضي، وابن حيان، وآراؤهم مسجلة في المراجع المختلفة؛ ومنها ما جاء في حاشية "ياسين" في هذا الباب منقولًا عن ابن هشام في "التوضيح" وشرحه، عند كلامه على السبب الأول، والثاني من أسباب: "التعدية" حيث يقول ما نصه على سبب التعدية بنزع الخافض: "لكن المصنف سيذكر أنه سماعي" وفعلًا صرح به المصنف في "التوضيح" بعد ذلك آخر الباب: وسجلت تلك الحاشية في آخر صفحة من صفحات الجزء الثاني - باب: الإدغام" ما نصه: "إن النصب على نزع الخافض لا يصار إليه مع تيسير غيره ... "، وجاء في "حاشية الأمير على المغني" "ج 1 مبحث الحرف "علي" الجار، وبيان الأفعال التي حذف بعدها حرف الجر سماعًا ونصب المجرور بعد حذفه" ما نصه بعد تلك الأفعال المسموعة" " ... إنما جاز ذلك في هذه لتعين الحرف، وتعين محله، ولا يجوز القياس عليها وإن تعين الحرف، وتعين محله، فلا يجوز بريت القلم السكين، خلافًا لعلي بن سليمان". ا. هـ. ويقول الرضي -ج 1 ص 75 من شرح الشافية- ما نصه: "إن باب الحذف والإيصال شاذ عند النحاة". وانظر رقم 4 من هامش ص 171 الآتية. ويقول ابن مالك في تعدية الفعل اللازم بحرف الجر: يصح نصب الاسم المجرور بشرط حذف حرف الجر، وهذا مقصود على "النقل؛ أي: على السماع. ونص كلامه في "ألفيته" هو: وعد لازمًا بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر ... نقلا ... وسيجيء الكلام على هذا البيت في هامش ص 164. 3 أو ما يشبه الفعل. 4 وشبهه.

عليها1، ولولا هذا لكثر الخلط بين الفعل اللازم2 والفعل المتعدي، وانتشر اللبس والإفساد المعنوي، وفقدت اللغة أوضح خصائصها؛ وهو: التبيين؛ وأساسه الضوابط السليمة المتميزة التي لا تداخل فيها، ولا اختلاط. وليس للتعدية بحرف الجر الأصلي -وشبهه 3- حرف معين يجب الاقتصار عليه وحده، وإنما يختار للتعدية الحرف الذي يحقق المعنى المراد، ويناسب السياق؛ فقد يكون الحرف: من، أو، إلى، أو الباء، أو غيرها ... ؛ كالأمثلة السابقة، وكقولنا: انصرف الصانع إلى مصنعة - وانصرف من المصنع إلى بيته - انصرف العالم عن الهزل - انصرف في سيارته ... وهكذا تتغير أحرف الجر، وتتنوع مع العامل اللازم بتنوع4 المعاني المطلوبة. وحرف الجر إذا كان وسيلة للتعدية، "وهي التعدية غير المباشرة"، لا يجوز حذفه مع بقاء معموله مجرورًا، إلا في بضعة مواضع قياسية5.

_ 1، 2 إلا الكلمة المنصوبة على ما يسمي: "الحذف والإيصال" أو: "نزع الخافض" في مثل "أرأيتك الحديقة، هل راقك جمالها" على اعتبار أن "أرأيتك" بمعنى: أخبرني، والحديقة: منصوبة على نزع الخافض، والأصل عن الحديقة. ولهذه المسألة تفصيل هام، وإيضاح مفيد في ج 1 ص 216 م 19 - باب: "الضمير". 3 توضيح حرف الجر الأصلي وشبهه - مدون في ص 434، وفي رقم 2 من هامش ص 436 حيث البيان المفيد عن تقسيم حروف الجر من ناحية الأصالة وعدمها، وفائدة كل قسم ... و ... 4 هذا أمر يجب التنبيه له، فإذا رأينا لغويًا -أو غيره- ينص صراحة أو تمثيلًا على أن فعلًا - مثل: قعد، أو نام يتعدى بحرف الجر "في"، أو بحرف جر آخر ينص عليه، فليس مراده أن هذا الفعل لا يتعدى إلا بوسيلة واحدة هي: المجيء بجار مع مجروره، وأن حرف الجر الذي يجيء هو "في" أو غيره مما نص عليه. وإنما مراده أمران معًا، هما: أن هذا الفعل لازم، وأنه يجوز تعديته بإحدى وسائل التعدية التي ستذكر هنا، والتي منها الإتيان بحرف جر مناسب للمعنى وللسياق مع مجروره، دون الاقتصار على حرف جر واحد في الأساليب والمعاني المختلفة، فإذا اقتضى الأمر تعديته بالوسيلة القياسية وكانت حرف الجر جاز لنا أن نختار من بين حروف الجر حرفًا يناسب المقام والغرض المراد، من غير التزام حرف واحد في كل المواقف المعنوية المتباينة، وعلى هذا يقول: قعدت على الكرسي -قعدت منذ ساعة- من قعدت به همته لم تنهض به عشيرته ... وهكذا. ويزيد الأمر وضوحًا ما سيجيء في ص 436 خاصًا ببيان المراد من تعلق الجار والمجرور بالعامل. 5 سيجيء كثير منها في باب حروف الجر ص 532 م 91 - وقد استفاض الخلاف، والجدل في جواز حذف الحروف الجارة حذفًا قياسيًا، أو عدم جوازه، وفي حكم المجرور بعد الحذف، أيبقى مجرور كما كان أم ينصب على "نزع الخافض"؟ وهو نوع يسمى: "الحذف والإيصال" =

ويعنينا الآن من تلك المواضع ما يكون فيه المجرور مصدرا مؤولا من حرف

_ = وعند نصبه أيجوز أن يكون مفعولًا به لعامله المذكور، أم لا يجوز؟ وما حكم المصدر المؤول إذا كان مجررًا بالحرف المحذوف؟ أيكون في محل جر أم في محل نصب على: "نزع الخافض" أو على أنه مفعول به العامل الجديد؟ ... و ... و ... ، بحوث جدلية، وتفريعات متشعبة، وصفوة ما يقال: هو أن حذف الجار على أربعة أنواع: أ- نوع يحذف وينصب بعده المجرور بما يسمى: "النصب على الحذف والإيصال" - أين نزع الخافض -؛ مثل قولهم: تمرون الديار - توجهت مكة - ذهبت الشام، وهذا نوع قليل جدًا - فهو غير مطرد، وقد أوضحنا بإفاضة - في ص 159 - حكمه بأنه سماعي محض؛ فلا يجوز في الفعل - وشبهه - الذي ورد معه أن ينصب على نزع الخافض لفظًا غير مسموع، ولا يجوز في الاسم المنصوب على نزع الخافض أن ينصب على هذه الصورة إلا مع الفعل الوارد معه؛ فلا يجوز تمرون الحقول، ولا: توجهت الحديقة، ولا ذهبت النهر، ولا أشباه هذا؛ لأن تعدية هذه الأفعال لم ترد عن العرب -فما يقال- إلا في: "الديار" و"مكة" و"الشام" على التوزيع السالف، وكان ورودهما فيها قليلًا جدًا فلا يسمح بالقياس، ومثلهما: مطرنا السهل والجبل، وضربت الخائن الظهر والبطن، أي: في السهل والجبل - وعلى الظهر والبطن. والقول بأن هذه الأسماء منصوبة على نزع الخافض أولى من القول بأنها مفعول به، وأن الفعل قبلها نصبها شذوذًا؛ لأن نصبها على المفعولية مباشرة ولو على وجه الشذوذ - قد يوحي - خطأ - أن الفعل قبلها متعد بنفسه؛ وأن المعنى لا يحتاج إلى المحذوف؛ فيقع في الوهم إباحة تعديته مباشرة في غيرها، لكن إذا قلنا: "منصوبة على نزع الخافض" سماعًا كان هذا إعلانًا صريحًا عن حرف جر محذوف، نصب بعده المجرور؛ فيكون النصب دليلا على ذلك لا يستقيم المعنى إلا بملاحظته، وتقدير وجوده. ومن هذا النوع المنصوب سماعًا ما نصب على نزع الخافض للضرورة. والنصب على نزع الخافض -في السعة أو في الضرورة- هو النوع الأشهر مما يتردد في كثر من المراجع اللغوية باسم: "الحذف والإيصال" ويراد به هنا: حذف حرف الجر، ونصب مجروره، وإيصاله بالعامل المحتاج للتعدية بعد حذف الجار، وقد تردد كذلك في عديد من المراجع اللغوية - ورد اسم كثير منها في كتاب: "السماع والقياس" ص 74 لأحمد تيمور - النص الصريح على أن الحذف والإيصال، مقصور على السماع، ولا يجوز استخدامه قياسًا، وهذا الرأي هو الذي ارتضاه الصبان كذلك، ونقلنا كلامه في رقم 4 من هامش ص 171 ومن الواجب الاقتصار عليه؛ منعًا للإفساد اللغوي الذي يترتب على رأي ضعيف آخر يعارضه، ومن بعض صوره ما أشرنا إليه في رقم 3 من هامش ص 171. ب- نوع يحذف وينصب بعده المجرور أيضًا، ولكن على اعتباره مفعولًا به مباشرة - العامل الذي يطلبه؛ كالحرف التي يكثر استخدامها في تعدية بعض الأفعال المسموعة، فتجر الأسماء بعدها، وكذلك يكثر حذفها بعد تلك الأفعال المعنية؛ فتنصب الأسماء بعد حذفها؛ مثل الفعل: "دخل" فقد استعملته العرب كثيرًا متعديًا بالحرف: "في" مثل: دخلت في الدار، وكذلك استعملته بغير "في" ونصبت ما بعده فقالت: دخلت الدار، ولم تقتصر في حالة وجوده أو حذفه على كلمة "الدار" بل أكثرت من غيرهما، مثل: المسجد - الغرفة - الخيمة - القصر - الكوخ ... ، فكثرة استعمال الفعل بغير حرف الجر، ووقوع تلك الأسماء المختلفة بعده منصوبة مع عدم وجود عامل آخر - كل ذلك يدعو إلى الاطمئنان =

مصدري من الحروف الثلاثة مع صلته، "وهي: أن، وأن المختصة بالفعل1

_ = أن تلك الأسماء المنصوبة هي مفعولات للفعل الموجود، وأن هذا الفعل نصبها مباشرة؛ فلا حاجة إلى اعتبارها منصوبة على نزع الخافض - كما يرى بعض النحاة دون بعض - لما في هذا من العدول عن الإعراب الواضح، المساير لظواهر الألفاظ، ومعانيها - إلى الإعراب؛ والتعقيد من غير داع. ومعنى ما سبق أن الفعل: "دخل" بعد من الأفعال المسموعة التي تتعدي بنفسها تارة وبحرف الجر أخرى، فهو: مثل: شكر - نصح - حيث تقول فيها: شكرت لله على ما أنعم، ونصحت الغافل بأن يشكره، أو شكرت الله على ما أنعم، ونصحت الغافل بأن يشكره، وهذا النوع هو "ج" الذي وصفناه أول هذا الباب - عند تقسيم الفعل التام إلى متعد ولازم، ص 151 - بأنه قسم مستقل بنفسه يسمى: "الفعل الذي يستعمل لازمًا ومتعديًا، وهذا النوع يطرد فيه النصب مع حذف حرف الجر كما يطرد الجر مع ذكر الحرف. ج- نوع يحذف فيه الحرف قليلًا مع بقاء مجروره على حالة من الجر؛ كما كان قبل حذف الجار، وهذا النوع القليل منصور على السماع لا محالة؛ فلا يجوز التوسع فيه بجر كلمات غير الكلمات التي وردت عن العرب كقولهم: "لاه ابن عمك" ... " أي: لله ابن عمك"، قد حذفت اللام وبقي مجرورها؛ فلا يجوز عند حذفها وضع مجرور آخر؛ كأن يقال: المجد أنت - العمل النافع أخوك - تريد: للمجد أنت - للعمل النافع أخوك، فهذا - وأشباهه - مما لا يصح. ومن هذا المسموع القليل حذف "الباء" أو"على"، مع بقاء مجرورها في قول أعرابي سئل: كيف أصبحت؟ فأجاب: "خير والحمد لله" أي: بخير، أو: على خير، وحذف "إلى" في قول آخر: إذا قيل أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع أي: أشارت إلى كليب الأصابع مع الأكف ... وهكذا من كل ما حذف فيه حرف الجر وبقي مجروره على حالة، وهذا النوع لا يطرد فيه الجر، وإنما يقتصر على المسموع، كما قلنا. د- نوع يكثر فيه حذف الجار مع إبقاء مجروره على حالة من الجر، وهذا النوع قياسي يطرد في جملة أشياء؛ أشهرها: حرف الجر الذي مجروره المصدر المؤول من أحد الحروف المصدرية الثلاثة مع صلته1، وهذه الحروف الثلاثة هي: "أن - أن - كي"، وقد تكلمنا عليها هنا - أما بقية الأشياء ومناقشتها، فموضوع الكلام عليها: آخر باب حروف الجر عند الكلام على حذف حرف الجر، وإبقاء عمله - ص 535 م 91 - والكثير منها غير داخل في موضوع التعدية بحرف الجر الذي نحن فيه. ومما تقدم نعلم أن حرف الجر إذا حذف، ينصب الاسم بعده في حالتين؛ إحداهما: قليلة غير مطردة، فالنصب فيها مقصور على السماع، والأخرى كثيرة مطردة؛ فالنصب فيها قياسي، ويجر في حالتين؛ إحداهما: قليلة غير مطردة؛ فالجر فيها سماعي، والأخرى: كثيرة مطردة فالجر فيها قياسي فالحالات الأربع؛ منها اثنتان قياسيتان واثنتان سماعيتان. 1 إذا وقعت "أن وأن" بعد حرف الجر الباء في صيغة: "أفعل" - بفتح فسكون فكسر - الخاصة بالتعجب جاز حذف الباء مع "أن" قياسا دون "أن" المشددة في رأي قوي، بحجة أن السماع لم يرد بحذفها؛ وهذه التفرقة بينهما في مسألة واحدة غير مقبلة؛ لأن حذف الباء قبلهما جائز في كل المسائل الأخرى، فلم تخرج هذه المسألة - كما سنشير في ص 495 وفي رقم 3 من هامش ص 534 لكن إذا حذفت الباء في التعجب بعد الصيغة السالفة أتلاحظ في التقدير أم لا؟ رأيان، كما سيجيء في باب التعجب ج 3 - ص 272 م 109.

وكي1"، مثل: "سررت من أن الناشئ راغب في العلم، حريص على أن يزداد منه، لكي يبني مجده، ويرفع شأن بلاده"، فيصح حذف الجار قبل كل حرف من الثلاثة، فتصير الجملة: "سررت أن الناشئ ... حريص أن يزداد ... كي يبني ... " فالمصادر التي تؤول في العبارات السالفة من الحرف المصدري وصلته، تكون مجرورة على التوالي بالحرف: "من" فالحرف: "على"، فالحرف: "اللام" ولا داعي لأن يكون المصدر المؤول في محل نصب على نزع الخافض - كما يرى فريق - لأن حرف الجر المحذوف ملاحظ هنا بعد حذفه، والمعنى قائم على اعتباره كالموجود، فهو محذوف بمنزلة المذكور؛ ولأن النصب على نزع الخافض خروج على الأصل السائد الغالب، فلا نلجأ إليه مختارين. وهذا الحذف القياسي لا يصح إلا عند أمن اللبس2 كما في الأمثلة السالفة، وفي قول الشاعر: ولا عار أن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارًا أن يزول التجمل والأصل: "في أن زالت ... - في أن يزول ... " فإن خيف اللبس لا يصح الحذف؛ ففي مثل: "رغبت في أن يفيض النهر"، لا يصح حذف حرف الجر: "في" فلا يقال: رغبت أن يفيض النهر؛ إذ لا يتضح المراد بعد الحذف؛ أهو: رغبت في أن يفيض النهر، إذ لا يتضح المراد بعد الحذف، أهو: رغبت في أن يفيض النهر، أم رغبت عن أن يفيض ... ، والمعنيان متعارضان متناقضان، لعدم معرفة الحرف المحذوف المعين، وخلو الكلام من قرينة تزيل اللبس، ومثل هذا: انصرفت عن أن أقرأ المجلة، فلا يجوز حذف الجار؛ لأن حذفه يؤدي إلى أن تصير الجملة: انصرفت أن أقرأ المجلة، فلا ندري المقصود، أهو: انصرفت إلى أن أقرأ ... ، أم انصرفت عن أن أقرأ....، والمعنيان متناقضان، ولا قرينة تزيل اللبس3.....

_ 1 كي المصدرية لا بد أن يسبقها - لفظا وتقديرا - لام الجر التي تفيد التعليل. 2 طبقًا لما سيجيء في رقم 2 من ص 532. 3 وفيما سبق يقول ابن مالك مقتصرا على بعض الحالات: وعد لازما بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر =

2- إدخال همزة النقل على أول الفعل الثلاثي1 "وهي همزة تنقل معنى الفعل إلى مفعوله، ويصير بها الفاعل مفعولًا، ولا تقتضي -في الغالب- تكرارا، ولا تمهلًا" نحو: خفي القمر -وأخفى السحاب القمر- ومثل: جزعنا وأجزعنا، في قول الشاعر: فإن جزعنا فإن الشر أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر2 3- تضعيف عين الفعل اللازم، بشرط ألا تكون همزة3، ففي نحو:

_ نقلًا - وفي "أن" و"أن" يطرد ... مع أمن لبس، كعجبت أن يدوا "عجبت أن يدوا": أي أن يعطوا الدية، وهي التعويض المالي الذي يدفعه من ارتكب نوعًا معينًا من الجرائم؛ ليأخذه المظلوم الذي وقعت عليه الجريمة. يقول: إن تعدية اللازم تكون بإدخال حرف الجر على مفعوله المعنوي - كما شرحا - وعند حرف الجر ينصب الاسم المجرور، بشرط أن يكون هذا النصب نقلًا عن العرب؛ أي: مسموعًا في كلمات واردة عنهم؛ فليس النصب قياسًا ولا مباحًا في غير المنقول عنهم، ثم بين أن حذف الجار قياسي مطرد قبل "أن" و"أن". 1 التعدية القياسية بهمزة النقل ليست مقصورة على الفعل الثلاثي اللازم؛ فقد صرح "الأشموني" في أول هذا الباب - وتبعه "الصبان" - أن همزة النقل تدخل أيضًا على الثلاثي المتعدي للواحد؛ فتجعله متعديًا لاثنين. أما دخولها على المتعدي لاثنين فإن لم يكن من أفعال اليقين والرجحان، فلا يصح تعديته بها لثلاثة، وإن كان منهما جاز تعديته بها للثالث - بشرط أن يكون الفعل هو: "أعلم" أو: "أرى" دون أخواتهما من أفعال اليقين والرجحان، فإن في تعدية أخواتها الخلاف الذي سبق في ص 59. ويقول صاحب الهمع - ج 3 ص 81 باب " العوامل" وأولها: "الفعل" - ما نصه عن همزة النقل إنها: "لا تعدي ذا الاثنين إلى ثلاثة في غير باب: "علم "بإجماع". ا. هـ، فكيف وصف الحكم بالإجماع مع وجود الخلاف فيه، كما أشرنا.؟ 2 جمع صبور، والبيت لأعشى باهلة. 3 لأنه غير مسموع فيها، هذا، والتضعيف يقتضي -غالبا- التكرار والتمهل، بخلاف همزة النقل، بشرط ألا توجد قرينة تعارض كالتي في قوله: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} فإن: "جملة واحدة" تعارض التكرار والتمهل في الفعل: "نزل"، "انظر "و" في هامش ص169". وقد جعل مجمع اللغة العربية بالقاهرة تعدية الفعل الثلاثي اللازم قياسية بالتضعيف لإفادة التكثير والمبالغة، مصرحا بهذا في مواضع مختلفة من بحوثه اللغوية، ومنها بحثه الخاص بصحة استعمال: "برر" بمعنى: "سوغ" حيث قال "في ص224 من كتابه الذي عنوانه: "في أصول اللغة" مشتملا على مجموعة القرارات المجمعية التي أصدرها من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين" ما نصه الموافقة والتأييد لما عرضته عليه لجنة الأصول وهو: "ترى اللجنة إجارة ما شاع من استعمال "التبرير" في معنى " التسويغ" - استنادًا إلى قرار المجمع في قياسية تضعيف الفعل للتكثير، والمبالغة". ا. هـ. وفريق من النحاة يرى أن تعدية الثلاثي بالتضعيف ليست مقصورة على اللازم بل تشمله وتشمل المتعدي لواحد، أيضًا فيتعدى لاثنين - راجع الصبان والخضري وغيرهما.

فرح المنتصر - نام الطفل، نقول: فرحت المنتصر - نومت الأم طفلها. 4- تحويل الثلاثي اللازم إلى صيغة: "فاعل" الدالة على المشاركة؛ نقول في: جلس الكاتب، ثم مشى، وسار - جالست الكاتب، وماشيته، وسايرته. 5- تحويل الفعل الثلاثي اللازم إلى صيغة: "استفعل" التي تدل على الطلب1، أو على النسبة لشيء آخر، فمثال الأول: حضر - عان "بمعنى: عاون" تقول: استحضرت الغائب - استعنت الله؛ أي: طلبت حضور الغائب، وعون الله. ومثال الثاني: حسن - قبح ... تقول: استحسنت الهجرة - استقبحت الظلم: أي: نسبت الحسن للهجرة، ونسبت القبح للظلم. وقد تؤدي صيغة استفعل إلى التعدية لمفعولين إذا كان الفعل قبلها متعديًا لواحد؛ نحو: كتبت الرسالة - استكتبت الأديب الرسالة، وربما لا تؤدي، نحو: استفهمت الخبير، والأحسن قصر هاتين الحالتين الأخيرتين على السماع2...............

_ 1، 2 أما صيغة: "استفعل" الدالية على الصيرورة فلازمة - غالبًا، نحو: استأسد اللقظ - استرجل الغلام ... أي: صار القط أسدًا - صار الغلام رجلًا، وقد أباح المجمع اللغوي القاهري قياسية صوغها، وجاء قراره صريحًا "في ص 364 من محاضر جلسات دور الانعقاد الأول"، ونصه: "يرى المجمع أن صيغة استفعل" قياسية لإفادة الطلب أو الصيرورة". ا. هـ. وجاء في ص 40 من الكتاب الذي أخرجه المجمع اللغوي في سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على القرارات التي أصدرها المجمع من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين ما نصه تحت عنوان: "السين والتاء" للاتخاد, و"الجعل". "سبق للمجمع أن أقر قياسية دخول السين والتاء للطلب، أو الصيرورة لكثرة ما ورد من أمثلة، وترى اللجنة أن زيادة السين والتاء للاتخاذ والجعل وردت في أمثلة كثيرة؛ نحو: استعبد عبدًا، واستأجر أجيرًا، واستأتى أبًا، واستأمى أمة، واستفحل فحلًا - واستخلف فلانًا، واستعمره في أرضه واستشعر الرجل إذا لبس شعارًا، و ... و ... وفي اعتبار هذه الصيغة قياسية تيسير للاصطلاح العلمي، "والاستعمال الكتابي - لهذا ترى اللجنة أن للمجمع قبول ما يصاغ من الكلمات على هذه الصيغة للدلالة على الجمل أو الاتخاذ". ا. هـ. وقد وافق المجمع ومؤتمره على رأي اللجنة، وصدر قرار الموافقة في الجلسة الثامنة لمؤتمر الدورة الواحدة والثلاثين في سنة 1965، هذا، وفي ص 41 وص 203 من الكتاب المجمعي السالف بحوث ومذكرات مفيدة تتصل بالقرار، وربما اعتمد عليه المجمع والمؤتمر في الأخذ به وتأييده.

6- تحويل الفعل الثلاثي إلى فعل "مفتوح العين" الذي مضارعه "يفعل" "بضمها"، بقصد إفادة المغالبة1؛ نحو: كرمت الفارس أكرمه؛ بمعنى: غلبته في الكرم - شرفت النبيل أشرفه؛ بمعنى: غلبته في الشرف2 ...

_ 1 تسابق اثنين أو أكثر - إلى أمر؛ وتزاحمهما عليه، رغبة في انتصار كل فريق على الآخر؛ وتغلبه في ذلك الأمر، ولأهمية المغلبة سنعود للكلام عليها في الزيادة والتفصيل، ص 173. 2 فيما يلي بعض صيغ فعلية، كثيرة التداول، أصلها ثلاثية مجردة، ثم اشتملت على شيء من حرف الزيادة، فكان لزيادة هذه الحروف المختلفة أثر في إيجاد معان مختلفة تتضح فيما يأتي - دون أن تفيد حصرًا ولا تحتيمًا -وإليك البيان: "منقولا من الصبان - ج 4 - باب: التصريف عند الحاشية المتصلة بقول ابن مالك: ومنتهاه أربع إن جردا ... وإن يزد فيه فما ستا عدا أ- "أفعل"، يجيء لمعان، منها: "التعدية" كأخرج محمد عليًا - و"الكثرة"، كأضب المكان، أي: كثر ضبابه، وأعال الرجل: كثرت عياله. "وللصيرورة"؛ كأغد البعير؛ صار ذا غدة. و"الإعانة" على ما اشتق الفعل منه؛ كأحلبت فلانًا، أي: أعنته على الحلب. و"التعويض له" كأبعت العبد، أي: عرضته للبيع. و"لسلبه" كأقسط محمد، أي: أزال عن نفسه القسوط، وهو الجور، وأشكيت فلانًا، أي: أزلت شكايته. و"ووجدان المفعول به متصفًا به"؛ كأبخلت الرجل، أي: وجدته بخيلًا. و"بلوغه" كأومأت الدراهم، أي بلغت مائة، وأنجد فلان، بلغ نجدًا. و"المطاوعة" ككببته فأكب - وقد سبق بيان معنى "المطاوعة"، وبضع أحكامها الهامة في رقم 1 من هامش ص 100، وتجيء تكملة لها هنا في " د - هـ - ز ": ب- "فاعل" هو: "لأقسام الفاعلية والمفعولية لفظًا والاشتراك فيهما معنى"؛ فمحمد وعلي من: "ضارب محمد عليًا" قد اقتسما الفاعلية والمفعولية بحسب اللفظ؛ فإن أحدهما فاعل والآخر مفعول، واشتركًا فيهما بحسب المعنى؛ إذ كل منهما ضارب لصاحبه، ومضروب له ... وقد جاء "أصل الفعل" كباعدته، أي: أبعدته، وسافر فلان، وقاتله الله، وبارك فيه. جـ- "تفاعل" نحو: تضارب - هو: "للاشتراك في الفاعلية لفظًا، وفيها وفي المفعولية معنى"، وقد جا "الأصل الفعل"؛ كتعالى الله، و"تخييل الاتصاف به" كتجاهل، و"المطاوعة" كباعدته فتباعد ... ، - وقد سبق إيضاح "المطاوعة" وحكمها في رقم 1 من ص 100 -كما أشرنا- ثم انظر "د" التالية فيها أن: "افتعل" تكون بمعنى تفاعل. د- "افتعل" يجيء لمعان، منها: التسبب في الشيء والسعي فيه، تقول: اكتسبت المال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إذا حصلته بسعي وقصد، وتقول: كسبته، إن لم يكن بسعى وقصد، كالمال الموروث. "ولأصل الفعل"، كالتحى، أي: طلعت لحيته، و"المطاوعة" كأوقدت النار فاتقدت: و"معنى تفاعل" نحو: اقتتلوا واختصموا. "ملاحظة": ومما يختص بصيغة: "افتعل وتفاعل" الدالتين على الاشتراك ما قرره مؤتمر مجمع اللغة العربية "في دورته السابعة والثلاثين" من جواز إسناد الصيغتين إلى معموليهما، باستعمال "مع" أو"الباء" في الصيغة الأولى، واستعمال "مع" في الصيغة الثانية؛ "كقولهم: اتفق معه، والتحم معه، والتقى به، واتصل به، واجتمع معه، واجتمع به، وتجاوب معه ... و ... ". ومما يتصل بصيغة "افتعل" قرار المجمع اللغوي القاهري "طبقًا لما جاء في ص 39 من كتابه المسمى: "مجموعة القرارات العلمية" الصادرة في الدورة الأولى والدورات التي تليها إلى نهاية الثامنة والعشرين"، ونص القرار الخاص بمطاوع: "فعل" المتعدي - وقد سبقت الإشارة إليه من هامش ص 100 - هو: "كل فعل ثلاثي، متعد، دال على معالجة حسية، فمطاوعة القياسي هو: "انفعل"، ما لم تكن فاء الفعل واوًا، أو: لامًا، أو: نونًا، أو: ميمًا، أو: راء، ويجمعها قولك: "ولنمر" فالقياس فيه: "افتعل". ا. هـ - وسيجيء هذا في "هـ" ومعه الأمثلة. وجاء في كتاب: "الجامع الكبير" لابن الأثير - ج1 ص 48 - ما نصه بهامشها: "قال الحريري في درة الغواص: يقولون: انضاف الشيء إليه، وانفسد الأمر عليه، وكلا اللفظين معيرة لكتاب، والمتلفظ به، لمخالفته السماع والقياس. والوجه: أضيف إليه، وسد عليه؛ فقد تقرر أن مطاوع "فعل" الثلاثي هو: "انفعل وافتعل" ومطاوع "أفعل" الرباعي هو: "فعل" ويشترط في ذلك التعدي. وما ورد مما يخالف ما ذكر - نحو: انزعج مطاوع "أزعج"، وانطلق مطاوع "أطلق" وانفحم مطاوع "أفحم"، ونحو: انسرب مطاوع "سرب"، وهو لازم - شاذ لا يقاس عليه، ونقل العلامة شهاب الدين الألوسي "في كشف الطرة ص 48" أنا أبا علي الفارسي صحيح قياس "انفعل" من "أفعل" الرباعي، وأن ابن عصفور اختاره، وأن ظاهر قول ابن بري قياسية "انفعل" من "أفعل" الرباعي. قلنا: والسبب في ذلك كله اضطراب النحويين في فهم "المطاوعة". ا. هـ، ما جاء في كتاب: الجامع الكبير، لكن القاموس يقول في مادة: "فسد" إن القياس لا يأتي انفسد. وفيما يلي مباشرة الكلام على صيغة: "انفعل". "هـ" "انفعل" يقول الصبان ما نصه: هو: "المطاوعة الفعل ذي العلاج "أي: التأثير" المحسوس؟؛ كقسمته فانقسم؛ فلا يقال: علمت المسألة فانعلمت، ولا ظننت ذلك حاصلًا فانظن؛ لأن العلم والظن مما يتعلق بالباطن، وليس أثرهما محسوسًا، وأما نحو: فلان منقطع إلى الله تعالى، وانكشفت لي حقيقة المسألة، وحديث: "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" - فمن باب: "التجوز"، سلمنا أنه حقيقة، لكن لا نسلم أنه مطاوع، بل هو من باب انطلق علي". ا. هـ. "وجاء لأصل الفعل" كانطلق؛ أي: ذهب "لبلوغ الشيء" كانحجز؛ بلغ الحجاز، واستغنوا عن انفعل بافتعل - كما سبق في "د" - فيما فاؤه لام كلويته فالتوى، أو راء، كرفعته ارتفع، أو واو كوصلته فاتصل، أو نون كنقلته فانتقل، وكذا الميم غالبًا؛ كملأته فامتلأ

7 - التضمين - "وهو أن يؤدي فعل - أو ما في معناه - مؤدى فعل آخر

_ = وسمع محوته فامحى، ومزته فاماز، والأصل: انمحى وانماز؛ فقبلت النون ميما وأدغمت، وقد يستغنون عنه به في غير ذلك، كاستتر واستد، "وقد يشاركان في غير ذلك"؛ كحجبت الشيء فانحجب واحتجب. "انظر ما يتصل بهذا في الملاحظة السالفة". "و" "فعل" - بتشديد العين، بشرط ألا تكون همزة - ويجيء لمعان؛ منها: "تعدية اللازم، أو: ذي الواحد" "يريد: أو: المتعدي لمفعول واحد"؛ كفرحت عليًا، وخوفته صالحًا. و"التكثير في الفعل"ح كطوف محمود؛ أي كثر طوافه ومنه قولهم: يهدم الصدر الضيق ما شيده العقل - أو: في الفاعل: كبركت الإبل، أو: في المفعول، كغلقت الأبواب. و"السلب"؛ كقردت البعير؛ أي: أزلت قراده, "التوجه"؛ كشرق وغرب، أي: توجه إلى الشرق والغرب، و"نسبة المفعول إلى ما اشتق الفعل منه"؛ كفسقته، أي: نسبته إلى الفسق, "الصيرورة" كعجزت الناقة؛ أي: صارت عجوزًا، و"لأصل لفعل" مثل: فكر، أي: تفكر". ومن "فعل" ما صيغ من المركب لاختصار حكايته؛ نحو: "هلل"، إذا قال: لا إله إلا الله، و"أمن" إذا قال: آمين، و"أيه" إذا قال: أيها الرجل؛ ونحوه. وتشديد العين على الوجه السالف يفيد أحيانًا "التكرار والتمهل"؛ نحو: علمت الطالب، وبصرته بالحقائق ... وتقدم البيان في رقم 3 من ص 165، وهامشه. ومما يلاحظ أن "الصبان" قرر هنا أن صيغة "فعل" تجيء لتعدية: "اللازم، أو ذي الواحد" مع أنه قرار "في ج2 آخر باب: تعدي الفعل ولزومه قرارًا آخر نصه: "قال في المغني: التضعيف سماعي في اللازم وفي المتعدي لواحد، ولم يسمع في المتعدي لاثنين، وقيل: قياسي في الأولين". ا. هـ، فبأي الرأيين تأخذ؟ الأنسب الأخذ بالرأي الذي يشمل اللازم والمتعدي لواحد - كما سبق؛ لأنه يتضمن تيسيرًا بغير ضرر لغوي ولا فساد. "انظر ما يتصل بهذا البحث، في جـ 4 باب: "التصريف" م 180 ص 694 "ب" معاني أحرف الزيادة....". "ز" "استفعل" يجيء لمعان، منها: "الطلب؛ كاستغفرت الله - أي: طلبت منه المغفرة - و"عد الشيء متصفًا بالفعل"؛ كاستسمنت فلانًا؛ أي: عددته سمينًا. "والصيرورة"؛ كاستحجر الطين، أي: صار حجرًا، و"لوجدان الشيء متصفًا بالفعل"؛ كاستوبأت الأرض، وجدتها وبيئة، و"المطاوعة"؛ كأرحته فاستراح - "وقد أشرنا إلى أن إيضاح "المطاوعة" مدون في رقم 4 من هامش ص 100، ثم انظر رقم 2 من هامش ص 166. ح - "افعل وافعال" - بتشديد اللام فيهما - وأكثر مجيئهما للألوان ثم العيوب الحسية، وقد يجيئان لغيرهما؛ كانقض الطائر، أي: سقط؛ واملاس الشيء من الملامسة، والأكثر في ذي الألف العروض، "أي: أن الأكثر في المشتمل على الألف بعد العين أن يكون أمرًا عارضًا غير ملازم. وفي ساقطها اللزوم، وقد يكون الأول لازمًا كقوله تعالى في وصف الجنتين: {مُدْهَامَّتَانِ} والثاني عارضًا؛ كاحمر وجهه خجلًا. ط "افعوعل" يجيء لمعان فيها: "المبالغة " نحو اخشوش الشعر، أي: عظمت خشونته واعشوشب المكان كثر عشبه، و"الصيرورة" نحو: احلولى، الشيء، أي صار رحلوا.

أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم"1، ومن أمثلته في التعدية: لا تعزموا السفر، فقد عدي الفعل، "تعزم" إلى المفعول به مباشرة؛ مع أن هذا الفعل لازم لا يتعدى إلا بحرف الجر1؛ فيقال: أنت تعزم على السفر، وإنما وقعت التعدية بسبب تضمين الفعل اللازم: "تعزم" معنى الفعل المتعدي: تنوي، فنصب المفعول بنفسه مثله؛ فمعنى: "لا تعزموا السفر" لا تنووا السفر ... ومثل: رحبتكم الدار – وهو مسموع – فإن الفعل: "رحب" لازم؛ لا يتعدى بنفسه إلى مفعول به1 ولكنه تضمن معنى: "وسع فنصب المفعول به "الكاف" مثله؛ إذ يقال: وسعتكم الدار؛ بمعنى: اتسعت لكم، ومثل: طلع القمر اليمن، وهو من الأمثلة المسموعة أيضًا – والفعل: "طلع"2

_ 1 عرفه كثير من النحاة بأنه: "إشراب اللفظ معنى لفظ آخر، وإعطاؤه حكمه؛ لتؤدي الكلمة معنى كلمتين"، لكن التعريف الذي ذكرناها هو الذي ارتضاه المجمع اللغوي القاهري من بين تعريفات كثيرة؛ كما ورد في الجزء الأول من مجلته ص 180 وما حولها، وكما في ص 202 من محاضر جلساته في دور الانعقاد الأول، وفي المرجعين السالفين بحوث لطيفة وافية في أمر "التضمين" من نواحيه المختلفة، وقرار المجمع في ص 180 المشار إليها صريح في أن "التضمين" قياسي بشروط ثلاثة، "أولها: تحقق المناسبة بين الفعلين، ثانيها: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس ثالثًا: ملاءمة التضمين للذوق العربي، ويوصي المجمع بعدم الالتجاء إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". لكن أيكون التضمين في الفعل وما شابهه – نوعًا من المجاز، أم من الحقيقة، أم مركبًا منها؟ وهل يتلف التضمين بمعناه السالف النحوي عن: "التضمين البياني" وهو الذي يقضي بتقدير حال محذوفة موضعها قبل المجار والمجرور، مناسبة في معناها لهما، ويتعلق بها الجار والمجرور من غير حاجة إلى إعطاء كلمة معنى كلمة أخرى لتؤدي المعنيين، كما يقول النحاة؟ وهل يمكن وجود التضمين السماعي؟ كل هذا وأكثر منه وأوفى وأوضح، مدون في المرجعين السالفين وقليل منه مدون في حاشية الصبان قبيل آخر الباب، وكذلك عرض له "ياسين" في حاشيته على "التصريح" – أول الجزء الثاني، باب "حرف والجر هذا" تحت عنوان: "فصل – في ذكر معاني الحروف الجارة" عرضًا محمود الإسهاب، في نحو أربع صفحات كبيرة، وقرر أن المختار أنه سماعي. وقد سجلنا في آخر هذا الجزء الثاني –ص 556– بحثًا نفيسًا خاصًا به؛ لا يستغني عنه المتخصصون، ثم أبدينا فيه رأينا بإيجاز، وهو بحث لأحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري ألقاه صاحبه على زملائه، ثم تبعه في الجلسة نفسها بحث لعضو آخر، وقد سجلتهما – مع المناقشات التي دارت حولهما – مجلة المجمع، ونقلنا ذلك كله في ص 566 وما يليها، مختومًا برأينا الخاص في "التضمين". 2و 2 هذا كلامهم، كيف وقد ورد متعديًا صراحة ي القرآن أو في الكلام العربي؟ ففيم التأويل؟

– بضم اللام1 – لازم، ولكنه نصب المفعول به بنفسه بعد أن ضمن معنى: "بلغ". ومن أمثلة جعل المتعدي لازمًا: "سمع الله لمن حمده"، فالفعل: "سمع" في أصله متعد بنفسه، ولكنه هنا تضمن 2 معنى: "استجاب" فتعدى مثله باللام، وهكذا ... والصحيح عندهم أن التضمين قياسي؛ والأخذ بهذا الرأي يفيد اللغة تيسيرًا وإتساعًا3، ولما كان الفعل في التضمين لا يتعدى إلا بعد أن يستمد القوة من فعل آخر، فقد وصف بعد هذه التقوية بأنه في حكم المتعدي، وليس بالمتعدي حقيقة؛ لأن المتعدي الحقيقي لا تتوقف تعديته على حالة واحدة تجيئه فيها المعونة من غيره. 8– إسقاط حرف الجر توسعًا، ونصب المجرور على ما يسمى: "نزع الخافض"4، وهذا – مقصور على السماع الوارد فيه نفسه، دون استعمال آخر5 ... كقوله تعالى: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} ، أي: عن أمره، وهذا

_ 1 كشأن جميع الأفعال التي على وزن: "فعل" –بفتح فضم– وقد نقلنا في رقم 1 من هامش ص 154 من صاحب المغني أنه لم يرد من هذه الصيغة متعديًا إلا رحب وطلع – بضم ثانيهما، فيما يعرف، ولكن هذا التحديد والحصر مدفوعان بمثل: "بصر" كما قلنا هناك، وذكرنا مرجعه، وكما سيجيء أيضًا في رقم 3 من هامش ص 183. 2 قد ورد في كلام عربي أصيل، ففيم التضمين؟ 3 ويمتاز التضمين من بقية وسائل التعدية بأنه قد ينقل الفعل اللازم طفرة إلى أكثر من مفعول واحد؛ ولذلك عدي: "آلوت" بمعنى: "قصرت" إلى مفعولين بعد أن كان الفعل قاصرًا، ذلك في نحو قولهم: لا آلوك نصحًا؛ لأنه تضمن معنى: "لا أمنعك" الذي ينصب مفعولين، وعدي: "أخبر، وخبر، وحدث، ونبأ" إلى الثلاثة، بعد أن تضمنت معنى: "أعلم" وبعد ما كانت متعدية إلى واحد بنفسها وإلى آخر بحرف الجر، نحو قوله تعالى: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} – {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} – {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ} . 4 وهو نوع مما يسمى: "الحذف والإيصال" وهذا النوع من نصب المجرور على "نزع الخافض" غير حذف حرف الجر حذفًا قياسيا مع بقاء الجر – طبقًا لما سيجيء في ص 534. 5 قال الصبان في هذا الوضع ما نصه في حكم الصب على نزع الخافض: "إنه مخصوص بالضرورة؛ فلا يجوز لنا استعماله نثرًا – أي: في غير الضرورة: الشعرية ولو في منصوبه المسموع". ا. هـ. وقال في أول باب المفعول له – ج 2: "إن النصب به سماعي على الأرجح". ا. هـ. وقد سبقت الإشارة الوافية لهذه المسألة في ص 159، "وفي ج 1 في رقم 3 من هامش ص 103 – م 7 عند شرح بيت ابن مالك الذي أوله –وسيأتي هنا– فارفع بضم وانصبن فتحًا ... ".

-كسابقه1- يكون فيه الفعل في حكم المتعدي وليس بالمتعدي حقيقه، مراعاة؛ لأنه العامل في المجرور معنى، ولكن لا دخل له في نصبه. إلى هنا انتهى الكلام على أشهر الوسائل لتعدية الفعل اللازم، ومنها يتضح ما أشرنا إليه2 قبل سردها، وهو: أن كل وسيلة تؤدي مع تعدية الفعل اللازم معنى خاصا لا تؤديه أختها -في الغالب- وأن تلك الوسائل قياسية مطردة، ما عدا: إسقاط حرف الجر توسعا، مع نصب المجرور على نزع الخافض، فإن إسقاطه بهذه الصورة3 مقصور على السماع.

_ ولا داعي للأخذ بالرأي القائل إنه قياسي إذا وجد حرف جر سابق نظير للحرف المحذوف، ولو فصل بينهما فاصل، كبيت ابن مالك: فارفع بضم، وانصبن فتحًا وجر ... كسرًا، كذكر الله عبده يسر أي: انصب بفتح، وجر بكسر، لا داعي للأخذ بهذا الرأي؛ منعًا للخلط، ودفعًا للإلباس؛ إذ قد يقع في وهم كثيرين أن الفعل متعد بنفسه. انظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من هامش ص 162. 1 كما سبقت لهما الإشارة في رقم 1 من هامش ص 158، لكن كيف يكون منصوبًا على نزع الخافض مع وروده منصوبًا صريحًا في القرآن الكريم؟ فلم التقدير؟ 2 في ص 158. 3 كما سيجيء في ص 535 – ويلاحظ الفرق بينهما، وبين حذف الجار قياسًا مع بقاء معموله مجرورًا، على الوجه الذي سيجيء في ص 534 كما يلاحظ ما سبق "في رقم 5 من هامش ص 161" من أنواع حذف الجار، وحكم كل نوع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: سبق تعريف "المغالبة"1، ووعدنا أن نتكلم عليها هنا، ملخصين آراء الباحثين فيها: جاء في مقدمة "القاموس" – في المقصد الأول الخاص ببيان الأمور التي امتاز بها القاموس، عند تعليق المصحح على الأمر الخامس، والكلام على الأمور التي توجب ضم العين في المضارع ضمًا قياسيًا، ومنها أن يكون دالًا على المغالبة – التعليق التالي: "قوله: أو دالًا على المغالبة ... " يقتضي أن باب المغالبة قياسي؛ وليس كذلك، كما يدل عليه عبارة الرضي؛ حيث قال: "واعلم أن باب المغالبة ليس قياسيًا بحيث يجوز نقل كل لغة إلى هذا الباب، قال: س2. "وليس في كل شيء يكون هذا ألا ترى أنك لا تقول: نازعني فنزعته أنزعه بضم العين "وهي الزاي"، للاستغناء عنه بغلبته، وكذا غيره، بل نقول: هذا الباب مسموع كثير". ا. هـ. وقال صاحب القاموس في الجزء الرابع مادة: الخصومة: ما نصه: "الخصومة: الجدل – خاصمه مخاصمة، وخصومة؛ فخصمه يخصمه: غلبه، وهو شاذ؛ لأن فاعلته ففعلته يرد "يفعل" منه "أي: المضارع منه" إلى الضم، إن لم تكن عينه حرف حلق فإنه بالفتح؛ كفاخره ففخره يفخره، وأما المعتل كوجدت وببعت فيرد إلى الكسر إلا ذوات الواو؛ فإنها ترد إلى الضم؛ كراضيته فرضوته أرضوه – وخاوفني فخفته أخوفه، وليس في كل شيء3؛ فلا يقال: نازعته أنزعه؛ لأنهم استغنوا عنه بغلبته". وقال الجاربردي في شرح الكافية4: "معنى المغالبة: ما يذكر بعد المفاعلة مسندًا إلى الغالب"، أي: المقصود

_ 1 في رقم1 من هامش ص167. 2 يريد: سيبويه. 3 أي: لا يقال هذا في كل شيء، وإنما يقال في بعض الحالات دون بعض. 4 وقد نقلنا كلامه عن ص68 جـ1 من المواهب الفتحية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان الغلبة في الفعل الذي جاء بعد المفاعلة، على الآخر، فإذا قلت: كارمني، اقتضى أن يكون من غيرك إليك كرم، مثل ما كان منك إليه؛ فإذا غلبته في الكرم فإنك تبينه على "فعل" بفتح العين؛ لكثرة معانيه، ثم خصوا من أبوابه بالرد إليه ما كان عين مضارعه مضمومة، وإن كان من غير هذا الباب، نحو كارمني فكرمته، يكارمني فأكرمه، وضاربني فضربته، يضاربني فأضربه "بضم الراء في المضارع"، فهذا قد ضربته وضربك، ولكنك قد غلبته في الضرب. ويجوز ألا يكون قد ضربك، وإنما ضربتما غيركما؛ لتغلبه في ذلك أو لتغلبك؛ كذا البواقي. وإنما فعلوا ذلك؛ لأن "الفعل" بمعنى المغالبة قد جاء كثيرًا من هذا الباب؛ نحو الكبر؛ وهو: الغلبة في الكبر: والكثر، وهو الغلبة في الكثرة، والقمر، وهو الغلبة في القمار، فنقلوا من غير ذلك الباب أيضًا إليه، ليدل على المراد الموضوع؛ ثم استثنوا من هذه القاعدة معتل الفاء؛ واويًا كان نحو: وعد، أو يائيًا نحو: يسر؛ فإنه لا ينقل إلى "يفعل" بضم العين، لئلا يلزم خلاف لغتهم؛ إذ لم يجئ "مثال"1 مضموم العين، فيقال: واعدني فوعدته أعده، وياسرني فيسرته، ومعتل العين أو اللام، اليائي؛ فإنه لا ينقل إلى "يفعل" بالضم، بل يبقى على الكسر؛ فيقول بايعني فبعته أبيعه، وراماني فرميته أرميه؛ إذ لم يجئ أجوف ولا ناقص يأتي من: "يفعل" بالضم؛ لأنك لو ضممت عينه لانقلب حرف الباء واو، فيلتبس بذوات الواو، ومثل هذا قاله الرضي وغيره من شراح الكافية". ا. هـ. وجاء في الهمع "ج 2 ص 163" في فعل يفعل ما نصه: "لزموا الضم في باب المغالبة، على الصحيح؛ نحو: ضاربني فضربته أضربه – وكابرني فكبرته أكبره، وفاضلني ففضلته أفضله، وجوز الكسائي فتح عين مضارع هذا النوع إذا كان عينه أو لامه حرف حلق؛ قياسًا؛ نحو: فاهمني ففهمته أفهمه، وفاقهني ففقهته أفقهه، وحكى الجوهري: واضأني فوضأته، أوضؤه؛ قال: وذلك بسبب الحرف الحلقي، وروى غيره: وشاعرته فشعرته، أشعره.

_ 1 المثال: ما كانت فاؤه حرف علة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاخرته ففخرته أفخره، بالفتح، ورواية أبي ذر بالضم ... ". ا. هـ. ورأى الكسائي –مع قلته– حسن؛ لأن فيه تيسيرًا باستعمال ضبطين في بعض الصور والأساليب، والعجيب أن اللغتين شائعتان –حتى اليوم– في كثير من نواحي الإقليم الجنوبي "الصعيد" المصري. مما تقدم – عن باب: المغالبة – يعلم أنه مسموع كثير عند سيبويه، والوصف بأنه مسموع كثير يؤدي إلى الحكم بأنه قياسي، وكذلك يعلم من قول شارح الكافية السابق – وهو: "أنك تبنيه على كذا – أن هذا من عملك؛ فهو مقيس لك؛ لكثرته، وهذا رأي ابن جني أيضًا في كتابه: "الخصائص" ج1 عند الكلام على المغالبة". وخير ما يلخص به الموضوع تلخيصًا وافيًا حكيمًا هو ما جاء في الجزء الثاني من مجلة المجمع اللغوي القاهري ص 226، ونصه1: ذهب بعض إلى أن المغالبة ليست قياسًا؛ وإنما هي مسموعة كثيرًا، وذهب بعض إلى أن استعمالها مطرد في كل ثلاثي متصرف تام خال مما يلزم الكسر. وإنه يكفي أنه مسموع كثير لنقيس عليه، كما قرر المجمع، وكما قال ابن جني". ا. هـ. وهذا هو الحكم الموفق الذي يحسن الاقتصار عليه.

_ 1 بقلم شيخ الجامع الأزهر - الخضر حسين، وكان -رحمه الله- أحد أعضاء المجمع اللغوي الأجلاء.

المسألة 72

المسألة 72: تعدد المفعول به، وما يتبع هذا من ترتيب1، وحذف عرفنا أن الفعل المتعدي قد يتعدى -مباشرة- إلى مفعول به واحد2؛ نحو: عدل الحاكم يكفل السعادة للمحكومين، أو إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، نحو: رأيت الظلم أقرب طريق للخراب، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر؛ نحو: منعت النفس التسرع في الرأي، وقد ينصب ثلاثة؛ نحو علمني العقل: الاعتدال وافيًا من البلاء ... ولا يتعدى الفعل لأكثر من ثلاثة. أ- فإن كان الفعل متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر جاز مراعاة هذا الأصل في ترتيبهما، فيتقدم المفعول به الذي أصله المبتدأ على المفعول به الذي أصله الخبر؛ - ففي مثل "الصبر أنفع في الشدائد ... " يجوز: حسبت الصبر أنفع في الشديد، كما يجوز: حسبت أنفع في الشدائد الصبر، لكن مراعاة الأصل أحسن. وقد تجب مراعاة الأصل في المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر3، كأن يؤدي عدم الترتيب إلى الوقوع في اللبس؛ ففي نحو: خالد محمود ... "والمراد: خالد كمحمود" نقول: ظننت خالدًا محمودًا؛ فلو تقدم الثاني لاختلط الأمر والتبس؛ إذ لا يمكن تميز المشبه من المشبه به؛ لعدم وجود قرينة تساعد على هذا؛ فيكون التقديم بمراعاة الأصل هو القرينة. وقد تجب مخالفة الأصل؛ فيتقدم المفعول الثاني في المواضع التي يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ4؛ كأن يكون في المفعول الأول ضمير يعود على الثاني؛ نحو: ظننت في البيت5 صاحبه.

_ 1و 2 سبق -في ص86- حكم "المفعول به" الواحد من ناحيتي تقدمه وتأخره في الجملة "أي: من ناحية ترتيبيه فيها". 3 و4 وقد سبق البيان في بابهما بالجزء الأول م37 ص61. 5 سبق في "ص24 من باب "ظن وأخواتها"" أن المفعول الثاني للأفعال القلبية يجوز أن يكون جملة، وأن يكون شبه جملة، كالمثال المذكور هنا، وقد وجب فيه التقديم على المفعول الأول كي لا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهذا ممنوع إلا في مواضع أخرى محدودة، ليس منها هذا الموضع.

فأحوال الترتيب بين المفعولين ثلاثة: حالة يجب فيها مراعاة الأصل بتقديم ما أصله المبتدأ وتأخير ما أصله الخبر، وحالة يجب فيها مخالفة هذا الأصل، وثالثة يجوز فيها الأمران، وقد تقدم هذا مفصلًا في موضعه الأنسب من باب: "ظن وأخواتها"1. ب– إن لم يكن أصلهما المبتدأ والخبر، فالأحسن تقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ نحو: أعطيت الزائر وردة من الحديقة: "فالزائر" هو الآخذ، و"الوردة" هي المأخوذة؛ فهو في المعنى بمنزلة الفاعل؛ وهي بمنزلة المفعول به؛ وإن كانت هذه التسمية المعنوية لا يلتفت إليها في الإعراب. ويجوز مخالفة الأصل؛ فيقال: أعطيت وردة من الحديقة الزائر، لكن الترتيب أحسن. وقد يجب التزام الترتيب بتقديم الأول حتما وتأخير الثاني في مواضع، أشهرها ثلاثة: 1- خوف اللبس؛ نحو أعطيت محمودًا زميلًا في السفر، فلا يجوز تقديم الثاني؛ إذ لو تقدم لم يتبين الآخذ من المأخوذ، ولا قرينة تزيل هذا اللبس، ولا وسيلة لإزالته إلا بتقديم ما هو فاعل في المعنى على غيره؛ ليكون التقديم هو الدليل على أنه الفاعل المعنوي. وفي هذه الصورة يجوز تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول وعلى الفعل معًا؛ لعدم اللبس في هذه الحالة؛ نحو زميلًا في السفر أعطيت محمودًا. 2- أن يكون الثاني واقعًا عليه الحصر2؛ نحو: لا أكسو الأولاد إلا المناسب. فلو تقدم الثاني لفسد الحصر، ولزال الغرض منه. ولا مانع من تقديمه مع "إلا" على المفعول الأول؛ إذ لا ضرر من هذا؛ لأن المحصور فيه هو الواقع بعد "إلا" مباشرة؛ نحو: لا أكسو إلا المناسب الأولاد. 3- أن يكون الأول ضميرًا متصلًا والثاني اسمًا ظاهرًا؛ نحو: منحتك الود، "لكن لا مانع من تقديم المفعول الثاني على الأول والفعل معًا، نحو الود منحتك". وتجب مخالفة الترتيب في مسائل، أشهرها ثلاثة أيضًا: 1- أن يكون المفعول الأول "أي: الفاعل في المعنى" محصورًا نحو: ما أعطيت

_ 1 ص23 م60. 2 تقدم في جـ1 ص364 م37 إيضاح للحصر "معناه وطريقته".

المكافأة إلا المستحق، ويجوز تقديمه مع "إلا " على المفعول الأول وحده، دون عامله. 2- أن يكون المفعول الأول –الذي هو فاعل معنوي– مشتملًا على ضمير يعود على المفعول الثاني؛ نحو: أسكنت البيت صاحبه، فإن كان الثاني هو المشتمل على ضمير يعود على الأول جاز الأمران، نحو: أسكنت محمدًا بيته، أو: أسكنت بيته محمدًا. 3- أن يكون المفعول الثاني ضميرًا متصلًا، والأول "أي: الفاعل المعنوي" اسمًا ظاهرًا؛ نحو: القلم أعطيته كاتبًا ... فأحوال الترتيب ثلاث ي هذا القسم "ب"؛ هي: وجوب التزامه في ثلاثة مواضع، ووجوب مخالفته في ثلاثة أخرى، وجواز الأمرين في غير المواضع السالفة1. جـ- إن كان الفعل متعديًا لثلاثة، فالأول منها كان فاعلًا، وقد صيرته همزة النقل مفعولًا به2، فالأصل الذي يراعى فهي أن يقدم على المفعول الثاني والثالث، وأصلهما الأرجح مبتدأ وخبر؛ فيراعى في الترتيب بينهما ما يراعى بين المبتدأ والخبر؛ طبقًا للبيان الذي سبق 3 "عند الكلام على حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير".

_ 1 ترك ابن مالك الكلام على أحوال القسم الأول: " أ " – واقتصر على أحوال هذا القسم: "ب" فقال: بإيجاز: والأصل سبق فاعل معنى؛ "كمن" ... من "ألبسن من زراكم نسج اليمن" ويلزم الأصل لموجب عرى ... وترك ذاك الأصل حتمًا، قد يرى يريد: إذا تعدى الفعل لمفعولين: أحدهما فاعل في المعنى، فالأصل المستحسن أن يتقدم هذا المفعول على غيره، وساق مثالًا هو: "ألبسن من زاركم نسج اليمن"، فكلمة: "من" مفعول به، وهي من ناحية المعنى – لا الاصطلاح النحوي – بمنزلة الفاعل؛ لأن مدلولها هو: اللابس، "ونسج اليمن"، هو الملبوس، وفي هذه الحالة يراعى الأصل بتقديم المفعول الذي هو فاعل معنوي، ويجوز عدم مراعاته؛ فنقول: ألبسن نسج اليمن من زاركم والمراعاة أحسن، ثم صرح بعد ذلك بأن مراعاة هذا الأصل قد تلزم بسبب موجب لمراعاتها قد عرا، – أي: حل ووجد – كما صرح بأن ترك مراعاة الأصل قد يرى حتمًا، أي: قد يرى أمرًا محتومًا، واجبًا، "حتمًا: مفعول يرى". 2 راجع رقم 2 من ص 165. 3 في ص 23 و 176.

حذف المفعول به: الأغلب أن يؤدي المفعول به معنى ليس أساسيًا 1 في الجملة؛ فيمكن الاستغناء عن المفعول به من غير أن يفسد تركيبها، أو يختل معناها الأساسي، ولهذا يسمونه: "فضلة" "وهي اسم يطلقه النحاة على كل لفظ معناه غير أساسي في جملته". بخلاف المبتدأ، أو الخبر، أو الفاعل، أو نائبه ... أو غير هذا من كل جزء أصيل في الجملة لا يمكن أن تتكون ولا أن يتم معناها الأساسي إلا به، مما يسميه النحاة "عمدة". بالرغم من أن المفعول به فضلة – فقد تشتد الحاجة إليه أحيانًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنه في بعض المواضع، ولا يصح حذفه بها: كما سنرى، أما في غيرها فيجوز حذفه –واحدًا أو أكثر– لغرض لفظي، أو معنوي. 1- فمن اللفظي: المحافظة على وزن الشعر، كقول شوقي: ما في الحياة لأن تعا ... تب أو تحاسب متسع "أي: تعاتب المخطئ أو تحاسبه2"....، ومنها: المحافظة على تناسب الفواصل 3 نحو قوله تعالى مخاطبًا رسوله الكريم: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} وقوله: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى 4، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 5 فحذف مفعول الفعل: "يخشى" ولم يقل: "يخشاه" أو: يخشى الله؛ لكي تنتهي الجملة الثانية بكلمة مناسبة في وزنها لكلمة: "تشقى" التي انتهت بها الجملة الأولى، وكذلك الفعل: "قلا" الذي حذف مفعوله؛ فلم يقل: "قلاك" ليكون مناسبًا في وزنه للفعل: "سجا".

_ 1 هذا في غير مفعولي "ظن" وأخواتها؛ لأن أصلهما المبتدأ والخبر –غالبًا– فهما عمدتان بحسب أصلهما، كما سبق في رقم 4 من هامش ص 3، وقد سبق الكلام على حذفهما في ص 56 م 63. 2 ومثل قول الشاعر: شكرتك؛ إن الشكر نوع من التقى ... وما كل من أوليته نعمة يقضي يريد: يقضي حقها من الشكر ... ، أو يقضي شكرها. 3 الكلمات التي في نهاية الجمل المتصلة اتصالًا معنويًا. 4 هدأ وسكن، وخلا من الرياح والعواصف، وأشباهها. 5 كره.

ومنها: الرغبة في الإيجاز؛ نحو: دعوت البخيل للبذل، فلم يقبل، ولن يقبل – أي: لم يقبل الدعوة، أو البذل، ولن يقبل الدعوة أو البذل ... ب– ومن المعنوي: عدم تعلق الغرض به، كقول البخيل لمن يعيبه بالبخل: طالما أنفقت، وساعدت، وعاونت؛ أي: طالما أنفقت المال، وساعدت فلانًا. وعاونت فلانًا1. أو: الترفع عن النطق به؛ لاستهجانه، أو: لاحتقار صاحبه، أو نحو هذا من الدواعي البلاغية وغير البلاغية. فإذا اشتدت حاجة المعنى إلى ذكر المفعول به بحيث يختل المعنى أو يفسد بحذفه لم يجز الحذف؛ كأن يكون المفعول به هو الجواب المقصود من سؤال معين؛ مثل: ماذا أكلت؟ فيجاب: أكلت فاكهة، فلا يجوز حذف المفعول به: "فاكهة" لأنه المقصود من الإجابة. أو: يكون المفعول به محصورًا؛ نحو: ما أكلت إلا الفاكهة. أو: يكون مفعولًا به متعجبًا منه بعد صيغة: "ما أفعل" التعجبية، نحو: ما أحسن الحرية. أو: يكون عامله محذوفًا: نحو: قول القائل عند نزول المطر: خيرًا لنا، وشرًا لعدونا، أي: يجلب خيرًا. وليس هذا الحذف مقصورًا على مفعول الفعل المتعدي لواحد؛ بل يشمله ويشمل المفعول الأول وحده، أو الثاني وحده، أو هما معًا للفعل الذي ينصب مفعولين؛ مثل: "ظن" وأخواتها، وكذلك يشمل المفعول الثاني والثالث – دون الأول 2 – للأفعال التي تنصب ثلاثة؛ مثل: "أعلم وأرى" كما سبق الكلام على

_ 1 وقد حذفت المفعولات؛ لأن الغرض الهام من الجملة ليس فلانا وفلانا من الأشخاص المعينة، إنما الغرض هو: البذل والإعطاء لهذا أو لذاك بغير تعيين. ومن هذا قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ... } أي: أعطى المال واتقى الله ... وقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} ، يعطيك الخير، فترضاه. 2 لأنه في الأصل فاعل، وقد صيرته همزة النقل مفعولا به "راجع البيان الخاص بهذا ص58 ثم في ص60".

هذا وإيضاحه بالأمثلة1. حذف عامل المفعول به: بمناسبة الكلام على حذف المفعول به الواحد أو المتعدد يعرض النحاة إلى حذف عامله جوازًا أو وجوبًا. أفيجيزون حذفه إن كان معلومًا بقرينة تدل عليه، مثل؛ ماذا حصدت فتقول: قمحًا: أي: حصدت قمحًا, وماذا صنعت؟ فتجيب: خيرًا. أي: صنعت خيرًا 2.... ب- ويوجبون حذفه في أبواب معينة؛ منها: الاشتغال؛ وقد سبق3، ومنها: النداء4، ومنها: التحذير والإغراء5، ومنها: الاختصاص6....، بالشروط

_ 1 في ص 60. وقد اقتصر ابن مالك على بعض مواضع الحذف؛ فقال: وحذف فضله أجز إن لم يضر ... كحذف ما سبق جوابًا أو حصر يقول: أجز حذف الفضلة "والمراد هنا: المفعول به" بشرط ألا يضر حذفها. وبين التي يضر حذفها بأنها ما سيقت جوابًا، أو وقعت محصورة على الوجه الذي شرحناه فيهما. هذا والفعل: "يضر" هو مضارع مجزوم، ماضيه، "ضار" بمعنى: ضر، تقول ضارني البرد يضيرني، بمعنى: ضرني، يضرني. 2 من القرائن ما يدل عليه سياق الكلام؛ كقول الشاعر: أمجدا بلا سعي؟ لقد كذبتكمو ... نفوس ثناها الذل أن تترفعا يريد: أتحبون مجدًا ... ؟ أو نحو هذا ... 3 في ص 124. 4 فإن المنادى منصوب بعامل محذوف وجوبًا، تقديره، أنادي، أو أدعو، وحرف النداء عوض عنه "طبقًا للبيان الآتي في باب "النداء" أول الجزء الرابع". 5 يشترط في حذف العامل في التحذير أن يكون التحذير بكلمة: "إياك"؛ نحو: إياك والكذب، أو: مع العطف؛ نحو: الكذب والنفاق، أو مع التكرار؛ نحو: النار النار ... ويشترط في الإغراء: العطف؛ نحو الكرامة والشهامة، أو التكرار؛ نحو الحياء الحياء ... وسيجيء البيان والتفصيل في الباب الخاص بالإغراء والتحذير، ج 4 م 140. 6 إيضاحه وتفصيل الكلام عليه في بابه الخاص "ج 4 م 139".

المدونة في باب1 كل ومنها: الأمثال المسموعة عن العرب بالنصب؛ نحو: أحشفا وسوء كيلة2؟ وكذلك ما يشبه الأمثال؛ كقوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} ، أي: واعملوا خيرًا لكم. الاشتباه بين الفاعل والمفعول به: سبق تفصيل الكلام عليه، وعلى طريقة كشفه، في آخر باب "الفاعل"3. جعل الفعل الثلاثي المتعدي لازمًا أو في حكم اللازم4، قياسًا. يصير الثلاثي المتعدي لواحد لازمًا –قياسًا– أو في حكم اللازم لسبب مما يأتي5.

_ 1 بالجزء الرابع.... وفي حذف العامل الناصب للفضلة يقول ابن مالك: ويحذف الناصبها إن علما ... وقد يكون حذفه ملتزمًا أيك يجوز حذف ناصب الفضلة "والمراد بها هنا: المفعول به" إن كان الناصب معلومًا بقرينة، وقد يكون الحذف أحيانًا لازمًا لا بد منه. 2 هذا مثل قاله في الأصل أعرابي آخر يبيع التمر رديئًا، ولا يوفي الكيل، وقد اشتهر المثل حتى صار يقال لمن يسيء إلى غيره إساءتين في وقت واحد."الحشف: أردأ التمر". والمثل: الكلام يشبه مضربه بمورده؛ أي: يشبه ما يستعمل فيه أخيرًا بما وضع له في الأصل، أما ما يشبه المثل؛ "أي: يجري مجراه"، فكلام مستعمل فيما وضع له من الأصل، واستعماله شائع ودورانه على الألسنة كثير. 3 ص 95. 4 يصير لازمًا بأن ينسلخ عن التعدية، ويتركها نهائيًا؛ بحسب الظاهر، وبحسب الحقيقة الواقعة والمعنى؛ كما في السبب الثاني والثالث، ويصير في حكم اللازم بأن يكون بحسب المظهر الشكلي اللفظي لازمًا؛ لا بحسب المعنى والواقع الحقيقي؛ كما في الأول، والرابعن والخامس؛ لأن "المضمن"، متعد باعتبار دلالته الأصلية على معنى الفعل المتعدي؛ ولأن الضعيف عن العمل، المحتاج إلى مساعدة حرف الجر، متعد في المعنى وفي أصله للمفعول به، وطالب له. وكذلك الفعل في الضرورة ... هكذا قالوا. أما جعل الفعل الثلاثي اللازم متعديًا، فقد سبق الكلام عليه "في ص 158". 5 ليس من المناسب الأخذ بالرأي القائل: إن كل الأسباب الآتية أو بعضها مقصور على السماع؛ إذ لو كان كذلك ما كانت هناك حاجة إلى ذكر هذه الضوابط، ولوجب قصر الأمر على العرب، وفي هذا تضييق وإفساد يجافي طبيعة اللغة، وينفي أصولها، كما سبق في الحالة الأخرى "رقم 2 من هامش ص 158"، ويلاحظ أن الثلاثة الأولى تجلب مع منع التعدية معنى جديدًا، على الوجه الذي سبق شرح نظيره في طريقه تعدية الفعل اللازم "ص 158 م 71".

1- التضمين1 لمعنى فعل لازم؛ نحو: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، فإن الفعل: "يحذر" متعد في الأصل بنفسه، تقول حذرت عواقب الغضب، ولكنه حين تضمن معنى الفعل المضارع: "يخرج" صار متعديًا مثله بحرف الجر: "عن"، فالمراد: فليحذر الذين يخرجون عن أمره، ومثله قوله تعالى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، فالفعل "تعدو" بمعنى "تتجاوز" متعد بنفسه؛ كما في مثل: أنت لا تعدو الحق؛ أي: لا تتجاوز الحق، ولكنه هنا متعد بحرف الجر: "عن"؛ بسبب تضمنه معنى فعل آخر، هو: "تنصرف" الذي يتعدى بحرف الجر: "عن". ومثله قول القائل: "قد قتل الله زيادًا عني" فالفعل: "قتل" في أصله متعد بنفسه مباشرة إلى مفعول واحد، مستغن بعد ذلك –غالبًا– عن التعدية بالحرف الجار إلى مفعول ثان، ولكنه هنا تضمن معنى الفعل: "صرف" المتعدي بنفسه إلى المفعول الأول، وإلى الثاني بحرف الجر: "عن"؛ فصار مثله متعديًا بنفسه إلى الأول، وبهذا الحرف الجار إلى الثاني، فالمراد: قد صرف الله بالقتل زيادًا عني. والتضمين من الوسائل التي تجعل المتعدي في حكم اللازم، ولا تجعله لازما حقيقيا، لما بيناه من قبل2. 2- تحويل الفعل الثلاثي المتعدي لواحد إلى صيغة: "فعل" "بفتح أوله وضح عينه"3بشرط أن يكون القصد من التحويل إما المبالغة في معنى الفعل، والتعجب منه4، نحو: نظر القط، وإما المدح أو الذم5 مع التعجب فيهما؛ نحو:

_ 1 سبق الكلام على معناه، والغرض منه، وحكمه "في ص 169 وما بعدها م 71"، وقلنا: إن في آخر هذا الجزء بحثًا نفسيًا خاصًا به، لا يستغني عنه المتخصصون، ويليه رأينا فيه بإيجاز. 2 في رقم 1 من هامش ص 158 وفي ص 171. 3 وإنما كان تحويل الفعل الثلاثي المتعدي، إلى هذه الصيغة مؤديًا إلى لزومه؛ لأنها صيغة لا تكاد تستعمل إلا لازمة، إذ لم يرد منها في المسموع متعديًا إلا فعلان –فيما يقول ابن هشام– هما: رحب، وطلع "بفتح أولهما وضم ثانيهما" على الوجه الذي سبق بيانه ورفضه في رقم 1 من هامش ص 154. 4 بشرط استيفاء الفعل لشروط التعجب المدونة في بابه الخاص –ج 3 ص 204 وص 293. 5 يجوز تحويل الفعل الثلاثي إلى: "فعل" –بضم العين– ليكون المدح أو الذم كنعم، وبئس على الوجه المشروح في بابهما ج3 مع أوجه اختلاف بينهما؛ أشهرها: =

سبق الفيلسوف وفهم، وذلك في مدحه بالسبق والفهم، ومنع القادر وحبس؛ عند ذمه بمنع المعونة وحبسها. 3- الإتيان بمطاوع1 للفعل الثلاثي المتعدي لواحد؛ نحو: هدمت الحائط المائل؛ فانهدم، ثم بنيته؛ فانبنى. 4– ضعف الفعل الثلاثي عن العمل بسبب تأخيره عن معموله؛ نحو، قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} . ومثله العامل الوصف الذي يعتوره الضعف بسبب أنه من المشتقات؛ مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وقوله: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، والأصل: إن كنتم تعبرون الرؤيا – الذين يرهبون ربهم – فعال لما يريد – مصدقًا ما بين يديه ... وفي كل ما سبق تجيء قبل المعمول لام الجر، وتسمى: "لام التقوية"؛ لأنها تساعد العامل على الوصول إلى مفعوله المعنوي الحالي الذي كان في الأصل مفعوله الحقيقي. والضعف على الوجه السابق يجعل المتعدي في حكم اللازم، وليس لازمًا حقيقة2.

_ = أمران في معنى: "فعل"؛ وهما: إشرابه التعجب مع عدم الاقتصار على المدح الخالص أو الذم الخالص، وأنه للمدح الخاص بمعنى الفعل، أو الذم الخاص كذلك، لا العام الشامل الذي لا يقتصر فيهما على معنى الفعل. وأمران في فاعله الظاهر؛ وهما: جواز خلوه من "أل" المباشرة وغير المباشرة؛ نحو قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} وجواز جره بالباء الزائدة؛ نحو حب بزيارة المخلص. واثنان في فاعله المضمر؛ وهما: جواز عوده إلى ما قبله، مع مطابقته له، نحو: محمد شرف رجلًا؛ فيصح أن يكون الفاعل ضميرًا عائدًا على "محمد" المتقدم أو عائدًا على: "رجلًا" المتأخر، فإن عاد على المتقدم كان مطابقًا له في الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث، وإن كن عائدًا على المتأخر لزم الإفراد؛ تقول: المحمدان شرفًا رجلين، المحمود شرفوا رجالًا، فاطمة شرفت امرأة، وهكذا. 1 سبق شرح المطاوعة في ص 100، م 76. 2 لأن العامل متعد في المعنى إلى ما بعد لام التقوية؛ لكنه بحسب الشكل اللفظي الظاهر لازم، فمجيء اللام للتقوية يجعل العامل لازمًا بحسب المظهر. ونعود فنشير إلى ضعف كلام النحاة في هذه الوسيلة الرابعة –كما سيجيء البيان المفيد عنها في حروف =

5- ضرورة الشعر، كقول القائل: تبلت فؤادك1 في المنام خريدة2 ... تسقي الضجيع ببارد بسام فإن الفعل "تسقى" ينصب مفعولين بنفسه، ولكنه تعدى إلى الثاني هنا: "بالباء" نزولا على حكم الضرورة الشعرية، وهذه الوسيلة أيضا مما يجعل الفعل في حكم اللازم، وليس باللازم حقيقة، لما أوضحناه من قبل3.

_ = الجر، "ص 475" – إذ من المعروف أن الفعل المتعدي لواحد يجوز تقديم مفعوله عليه "إلا في بعض صور قليلة واجبة التقديم أو التأخير"، وأنه لا يترتب على ذلك التقديم إبعاد الفعل عن التعدية إلى اللزوم إبعادًا حتميًا، وإذا كان بقاؤه متعديًا مع التقديم أمرًا جائزًا، فمن أين يأتيه الضعف الذي يعالج بلام التقوية؟ وما سبب هذا الضعف؟ وإذا عرفنا أنه يجوز حذف هذه اللام فيعود الاسم بعدها مفعولًا منصوبًا كما كان قبل مجيئها من غير أن يترتب على هذا فساد في صياغة الأسلوب، أو في معناه فما الحاجة الحقيقية إليها؟ وأين الضعف الذي تزيله؟ كذلك المشتقات العاملة التي يصفونها بالضعف، من أين يأتيها الضعف؟ وما سببه وهو التي جوز –أحيانًا– أن تنصب مفعولها الخالي من لام التقوية مع تقدمه أو تأخره؛ كما يجوز حذف لام التقوية إن وجدت، فتنصبه المشتقات مباشرة، من غير أن يترتب على حذفها ضرر؟ والأول بالنحاة أن يقولوا: أ- إذا تعدى الفعل إلى "مفعول به" واحد، وجاز تقدم هذا المفعول على فعله، فقد يبقى على حاله من النصب، وقد يجر باللام؛ فالأمران صحيحان. ب إذا كان المشتق ناصيبًا مفعولًا به واحدًا جاز في مفعوله النصب مباشرة أو جره باللام، سواء أكان المفعول متقدمًا أم متأخرًا عن عامله. 1 أصابته بالمرض سبب الحب. 2 امرأة حسناء. 3 في رقم 1 من هامش ص 158 وفي ص 171.

المسألة 73: التنازع في العمل

المسألة 73: التنازع في العمل 1 أ– في مثل: وقف وتكلم الخطيب – نجد فعلين لا بد لكل منهما من فاعل، وليس في الكلام إلا اسم ظاهر واحد، يصلح أن يكون فاعلًا لأحدها، وهذا الاسم الظاهر هو: "الخطيب"، فأي الفعلين أحق بالفاعل؟ وإذا فاز به أحدهما، فأين فاعل الفعل الثاني؟. ب- وفي مثل: سمعت وأبصرت القارئ – نجد فعلين أيضًا، يحتاج كل منهما إلى مفعول به منصوب، وليس في الكلام ما يصلح أن يكون مفعولًا به إلا شيئًا واحدًا؛ وهو: "القارئ" فأيهما أحق به؟ وإذا فاز به أحدهما فأين مفعول الفعل الثاني؟. جـ– وفي مثل: أنشد وسمعت الأديب، نجد فعلين يحتاج أحدهما إلى مرفوع يكون فاعلًا، ويحتاج الآخر إلى منصوب، يكون مفعولًا به، فمطلب كل منهما يخالف الآخر –على غير ما في الحالتين السالفتين– وليس في الكلام إلا لفظة: "الأديب" وهي تصلح لأحدهما، فأي الفعلين أولى بها؟ وما نصيب الآخر بعده؟ د– وفي مثل: أنست وسعدت بالزائر الأديب، نجد كلا من الفعلين محتاجًا إلى الجار مع مجروره2؛ ليكمل المعنى، فأي الفعلين أولى؟ وما نصيب الآخر بعد ذلك؟.

_ 1 لنا في هذا الباب المضطرب المائج، وفي أحكامه، رأي خاص، نراه أنسب، وقد سجلناه في آخره، 201. 2 أوضحنا في باب: "تعدي الفعل ولزومه" ص 151 –وفي حروف الجر– ص 439" أن المجرور للتعدية في هذا المثال وأشباهه يعد في المعنى بمنزلة المفعول به، فهو في حكم المنصوب محلًا، برغم أنه مجرور لفظًا، ولا يجوز في الرأي الأحسن مراعاة المحل إذا جاء تابع بعده. وفي باب التنازع قد يتكلم النحاة أحيانًا على العامل الذي ينصب المفعول به لفظًا، والذي ينصبه محلًا، يريدون بالأول ما يصل إليه العامل بنفسه، وبالثاني: ما يصل إليه بحرف الجر.

ومن الأمثلة السالفة –وأشباهها– نعرف أن الأفعال1 قد تتعدد في الأسلوب الواحد، ويحتاج كل منها إلى معمول خاص به، ولكن لا يوجد في الكلام إلا بعض معمولات ظاهرة، تكفي بعض الأفعال دون بعض، مع حاجة كل فعل إلى معمول خاص به؛ فتتزاحم تلك العوامل الكثيرة على المعمولات القلية، وكأنها تتنازع ليظهر كل منها وحده بالمعمول، ولهذا يسمى الأسلوب: "أسلوب التنازع"2، يعرفه النحاة بأنه: "ما يشتمل على فعلين – غالبًا3، متصرفين 4، مذكورين، أو على اسمين يشبهانهما في العمل، أو على فعل واسم يشبهه في العمل، وبعد الفعلين وما يشبههما معمول مطلوب 5 لكل من الاثنين السابقين. والفعلان أو ما يشبههما يسميان: "عاملي التنازع"، والمعمول يسمى: "المتنازع فيه". فلا بد في التنازع من أمرين: أولهما: تقدم فعلين أو ما يشبههما في العمل، وكلاهما يريد المعمول. ثانيهما: تأخير المعمول عنهما. فمثال تقدم العاملين وهما فعلان متصرفان: تصدق وأخلص الصالح، ومثال تقدم العاملين وهما اسمان مشتقان يعملان عمل الفعل: المؤمن ناصر ومساعد الضعيف، ومثال المختلفين: دراك وساعد الملهوف، بمعنى أدرك وساعد، وهكذا الصور6 الأخرى التي تدخل في التعريف.

_ 1 مثل الأفعال ما يشبهها مما يعمل عملها – كما سيجيء هنا. 2 يسميه بعض النحاة القدامى: "الإعمال". 3 سنعرف –في ص 189– أنه يجوز أن تزيد العوامل على اثنين مع زيادة المعمولات أو عدم زيادتها، ويشترط في كل الحالات أن يزيد عدد العوامل على المعمولات في الكلام؛ لكي ينشأ "التنازع". 4 إلا "فعلي التعجب"، فيجوز أن يكونا عاملين في "التنازع" مع أنهما جامدان – كما في الصفحة التالية. 5 من حيث المعنى والعمل معًا، ولو كان عملهما مختلفًا، وسيجيء في الزيادة والتفصيل نوع المعمول. 6 كأن يكون الفعلان معًا من نوع واحد "للماضي، أو المضارع، أو للأمر" وقد يكونان مختلفين في بعض الصور، وقد يكون أحد العاملين فعلًا والآخر اسمًا يشبهه، وقد يكون الفعل هو المقدم على الاسم الذي يشبه, أو العكس ...

على هذا لا يصح أن يكون من عوامل التنازع الحرف، ولا العامل المتأخر في مثل: أي الرجال قابلت وصافحت، ولا العامل الذي توسط المعمول بينه وبين العامل الآخر، نحو: اشتريت الكتاب وقرأت، ولا العامل الجامد؛ مثل: "عسى" أو"ليس"، كما في قول الشاعر: من كان فوق محل الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع إلا فعلي التعجب1 فإنهما مع جمودهما يصح أن يكونا العاملين في أسلوب التنازع؛ نحو ما أحسن وأنفع صفاء النفوس، وأحسن وأنفع بصفاء النفوس.

_ 1 كما أشرنا في رقم4 من الهامش السالف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– ليس من اللازم – كما أشرنا1 – الاقتصار في أسلوب "التنازع" على عاملين متقدمين، ولا على معمول واحد ظاهر2 بعدهما، فقد يقتضي الأمر أن يكون العوامل ثلاثة3 متقدمة من غير أن يتعدد المعمول؛ نحو: يجلس ويسمع ويكتب المتعلم، وقد تتعدد العوامل والمعمولات الظاهرة؛ نحو: تكتبون وتقرءون وتحفظون النصوص الأدبية كل أسبوع، ففي صدر الكلام ثلاثة عوامل تتنازع العمل في معمولين بعدها؛ "أي: في المفعول به، وهو: النصوص"، وفي الظرف4، وهو: "كل ... "، والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد. ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة على أربعة عوامل، ولكن لا مانع من الزيادة عند وجود ما يقتضيها، ويشترط -في كل الحالات- أن تقوم القرينة على أن الأسلوب أسلوب تنازع؛ لتجري عليه أحكام التنازع، وأنه ليس من باب اللف والنشر: مثل: غرد وزأر العصفور والأسد؟ أي غرد العصفور، وزأر الأسد....

_ 1 في رقم 3 من هامش الصفحة 187. 2 لا فرق في المفعول بين أن يكون اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا بشرط أن يكون الضمير منفصلًا مروعًا، أو منصوبًا، أو متصلًا مجرورًا، نحو: على إنما قام وقعد هو، وما زرت وصافحت إلا إياه، ووثقت وتقويت بك. كذلك لا فرق بين اختيار الأول وغيره للعمل ما لم يكن لأحدهما مرجح؛ كوجود "لا" أو: "بل" العاطفين، فيجب إعمال الأول في مثل: أهنت لا أكرمت النمام، ويجب إعمال الثاني في مثل: ضربت بل أكرمت الرجل؛ لأن "بل" –هنا– تجعل الحكم لما بعدها – فما قبلها مسكوت عه، فلا يطلب المعمول، و"لا" – هنا – تجعل الحكم لمال قبلها مثبتًا، فما بعدها منفي لا يطلب المفعول. 3 ومنه قول القاطمي: صريع غوان راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب سود الذوائب فقد تنازع العمل في الظرف: "لدن" عوامل ثلاثة؛ هي: صريع، وراق – وراق، الثاني أيضًا، المسند إلى نون النسوة. 4 انظر "ج" ص 190.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب– لا بد أن يكون بين العاملين –أو العوامل– نوع ارتباط؛ كالعطف في مثل: أعيد وأخاف الله، أو أن يكون العامل المتأخر جوابًا معنويًا عن السابق؛ نحو قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} 1، أي: يستفتونك في الكلالة، قل الله يفتيكم في الكلالة ... أو جوابًا نحويًا، كجواب الأمر وغيره مما يحتاج لجواب؛ نحو: أنشد، أسمع القصيدة، أو يكون المتأخر معمولًا للسابق؛ نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطا} ، أو أن يكون العاملان خبرين عن اسم؛ نحو: الحاكم مكافئ معاقب المستحق. ج– يقع التنازع في أكثر المعمولات، ومنها: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله، وشبه الجملة، دون الحال والتمييز -على الأصح-. د– ليس من التنازع "التوكيد اللفظي" كالذي في قولهم: "هيهات هيهات العقيق ومن به ... "؛ لأن شرط التنازع: أن يكون المعمول مطلوبًا لكل واحد من العاملين من حيث المعنى، وأن يوجد الضمير -إذا كان مرفوعًا– في العامل المهمل، وهو غير موجود في هذا التوكيد؛ إذ الطالب للمعمول إنما هو كلمة: "هيهات الأولى؛ فهي وحدها المحتاجة للعقيق؛ لتكون فاعلها، والإسناد بينهما، أما كلمة: "هيهات" الثانية فلم تجئ للإسناد إلى العقيق؛ وهي خالية من المضير المرفوع؛ وإنما جاءت لمجرد تأكيد الأولى وتقويتها؛ فالأولى هي المحتاجة للفاعل، أما الثانية فلا تحتاج لفاعل؛ ولا لغيره، فليست عاملة، ولا معمولة؛ شأن نظائرها التي تجيء للتوكيد اللفظي: ومثل هذا: جاءك جاءك الراغبون في معرفتك2.

_ 1 الكلالة: الميت الذي ليس له والد ولا ولد، أو: الوارث الذي ليس بوالد ولا بولد للميت. 2 فريق من النحاة يدخل هذين المثالين وأشباهما في باب التنازع، ويجري عليهما أحكامه، بأن يكون العامل هو الأول، وفي الثاني ضمير مستتر، أو العكس مع مراعاة التفصيل الخاص بأحكام =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمير في باب التنازع، في هذه الحالة لا يكون العامل الثاني في باب التوكيد اللفظي؛ لأن العامل الثاني في بابه زائد للتوكيد اللفظي؛ فلا فاعل له – في الرأي الشائع – فلا يتحمل ضميرًا – كما سيجيء في باب: "التوكيد" من الجزء الثالث، ص 510 م 116. والذين يقولون: إن التوكيد اللفظي لا يصلح للتنازع يستدلون بأمثلة مسموعة: منها قول الشاعر يخاطب نفسه: فأين إلى أين النجاة ببغلتي؟ ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس فلو كان في الكلام تنازع لقال – أتاك أتوك اللاحقون، أو: أتوك أتاك اللاحقون، تطبيقًا لأحكام التنازع. والحق أن كلا الرأيين لا يصلح للأخذ المطلق أو الرفض المطلق؛ لمجرد أنه منسوب لذا أو لذاك، وإنما الذي يعول عليه عند عدم الضمير البارز هو الأخذ بما يساير المعنى ويحقق الغرض؛ فيجب أن أن تكون المسألة من باب التوكيد اللفظي وحده – ولا دخل للتنازع فيها – حين يقتضي المقام تحقيق غرض من أغراض التوكيد اللفظي، وفي مقدمتها إزالة شك يحيط بالعامل وحده؛ كأن يجري الحديث عن سقوط المطر عدة أيام متوالية؛ فيقول أحد الحاضرين: لم يسقط المطر أمس ... فيرد آخر: سقط سقط المطر أمس، ففي هذه الصورة يدور الشك حول الفعل: "سقط" وحده دون فاعله؛ إذ ليس هناك شك في أن الذي سقط هو: المطر، وليس حجرًا، ولا حديدًا، ولا خشبًا ... و ... أما في صورة أخرى يدور الشك فيها حول العامل ومعموله معًا، فإن إزالة الشك عنها قد تكون بتكرار الجملة كلها، وتكرارها قد يدخلها في باب التنازع، ولا سيما منع وجود الضمير البارز، مثال ذلك: أن يدور حول عدم حضور أحد من الغائبين؛ بأن يقول قائل: لم يحضر أحد من الغائبين، فيرد آخر: حضر حضر أخي، أو: حضر حضر المجاهدان، أو: حضرا حضر المجاهدان ... فالمقام هنا يقتضي أن يكون المسألة من باب: "التنازع" وليست من توكيد الجملة الفعلية بأختها؛ لأن توكيد الجملة الفعلية بنظيرتها الفعلية يقتضي تكرار لفظي الفعل والفاعل في كل واحدة منها كما هو مدون في باب: "التوكيد" جـ 3 م 116ص 510-

الأحكام الخاصة بالتنازع 1: تتلخص هذه الأحكام يما يأتي: 1- لا مزية لعامل على نظيره من ناحية استحقاقه للمعمول "أي: للمتنازع فيه"؛ فكل عامل يجوز اختياره للعمل من غير ترجيح في الأغلب2؛ فيجوز اختيار الأول السابق مع إهمال الأخير، ويجوز العكس3، وإذا كانت العوامل ثلاثة أو أكثر فإن الحكم لا يتغير بالنسبة للأول والأخير، أما المتوسط بينهما – ثالثًا أو أكثر – فيصح أن يساير الأول أو الأخير؛ فالأمران متساويان بالنسبة لإعمال الثالث المتوسط، وما زاد عليه من كل عامل بين الأول والأخير. 2– إذا وقع الاختيار على الأول ليكون هو العامل المستحق للمعمول وجب تعويض العامل الأخير المهمل تعويضًا يغنيه عن المعمول، وذلك بإلحاق ضمير4 به يطابق ذلك المعمول مطابقة تامة في الإفراد والتثنية، والجمع، والتذكير،

_ 1 سنذكر أشهر الآراء، ثم نردفه – آخر الباب في الزيادة والتفصيل ص 201 و 203 – برأي لنا خاص قد يكون يه يسر ونفع خالصان من الشوائب – كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص 186. 2 إلا في الحالتين المذكورتين في رقم 2 من هامش ص 189. 3 الكوفيون يعملون الأول لسبقه، والبصريون يعملون الثاني لقربه، وهذا خلاف يجب إهماله؛ إذ لا قيمة له في الترجيح، وفي تفضيل أحد العاملين على الآخر إلا ما سبقت الإشارة إليه –في رقم 2– ويقول ابن مالك في الإشارة للتنازع ما نصه: إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل، فللواحد منهما العمل والثان أولى عند أهل البصره ... واختار عكسا غيرهم ذا أسره يقول: إن وجد عاملان يتطلبان عملًا في اسم ظاهر، وكانا قبله، فلواحد منهما العمل دون نظيره، وهذا الواحد ليس معينًا مقصورًا على أحدهما، وإنما يجوز أن يعمل هذا أو ذاك؛ ولا يصح أن يكون العمل لهما معًا في ذلك الاسم: وإعمال الثاني أولى عند البصريين، لقربه، واختار غيرهم العكس، أي: إعمال الأول، لسبقه، ومعنى: "ذا أسرة"، صاحب رابطة قوية، يريد بها الرابطة العلمية، وأصحاب هذا الرأي هم الكوفيون، "التقدير: اختار غيرهم العكس حالة كون غيرهم ذا أسرة". 4 إلا في الحالة التي في ص 195 والأخرى التي في ص 198 حيث يجب إحلال اسم ظاهر يدل ذلك الضمير، طبقًا للتفصيل الموضح هناك.

والتأنيث، لأن المعمول، "المتنازع فيه" هو المرجع للضمير، ويعتبر هذا المرجع متقدمًا برغم تأخر لفظه عن الضمير، ولا بد من المطابقة بين الضمير ومرجعه في الأشياء السالفة. والأفضل وجود الضمير في جمع الحالات؛ سواء أكان ضمير رفع، أم نصب، أم جر؛ فمن إعمال الأول في المعمول المرفوع مع إعمال الأخير في ضميره: المثال الوارد في "أ"، وهو1: "وقف – وتكلم – الخطيب"، فنقول: "وقف – وتكلما – الخطيبان"، "وقف – وتكلموا – الخطيبون"، "وقفت – وتكلمت – الخطيبة"، "وقفت – وتكلمتا – الخطيبتان" – "وقفت – وتكلمن – الخطيبات". فكأن الأصل: "وقف الخطيب، وتكلم"، "وقف الخطيبان وتكلما"، "وقف الخطيبون، وتكلموا"، "وقفت الخطيبة، وتكلمت"، "وقفت الخطيبتان، وتكلمتا"، "وقفت الخطيبات وتكلمن"، وهكذا. والوسيلة المضبوطة لاستعمال الضمير على الوجه الصحيح أن نتخيل العامل الأول، وهو في صدر الجملة، ثم يليه مباشرة المعمول: "المتنازع فيه"، وقد تقدم من مكانه حتى صار بعد العامل الأول بغير فاصل بينهما، ثم يليهما كل عامل مهمل، وبعده الضمير المناسب لهذا التركيب القائم على التخيل المحض؛ كما في الأمثلة السالفة؛ وكما في الآتية: "أوقد واستدفأ الحارس"؛ فكل من الفعلين: "أوقد" و"استدفأ" يحتاج إلى كلمة: "الحارس" لتكون فاعلًا له، فإذا أعملنا الأول وجب تعويض الأخير بإلحاق ضمير مناسب بآخره، ولكي يكون الضمير مناسبًا صحيح الاستعمال نتخيل أن الاسم الظاهر "المتنازع فيه"، وهو كلمة: "الحارس" قد تقدم حتى صار بعد العامل الأول مباشرة "أي: بغير فاصل بينهما"، وهذا يقتضي أن يتأخر عنهما كل عامل مهمل، فكأن أصل الأسلوب: "أوقد الحارس واستدفأ"، "فالحارس" هو الفاعل للفعل: "أوقد" أما الفعل المهمل"استدفأ"، فقد لحق

_ 1 ص186.

بآخره ضمير مستتر، مرفوع، يعرب فاعلًا، ويغني عن الاسم الظاهر "المتنازع فيه"، وهذا الضمير هنا مفرد مذكر؛ ليطابق مرجعه "المتنازع فيه"، فلو كان المرجع مفردًا مؤنثًا أو مثنى أو جمعًا بنوعيهما، لوجب أن يطابقه الضمير، فتقول: "أوقدت – واستدفأت – الحارسة"، "أوقد – واستدفأ – الحارسان". "أوقدت – واستدفأتا – الحارستان"، "أوقد – واستدفئوا – الحارسون"، "أوقدت – واستدفأن - الحارسات" ... و ... وهكذا، فكأن الأصل: "أوقدت الحارسة، واستدفأت"، "أوقد الحارسان، واستدفأا"، "أوقدت الحارستان، واستدفأتا"، "أوقد الحارسان، واستدفئوا"، "أوقدت الحارسان، واستدفأن....". هذا حكم "التنازع" عند إعمال الأول حين تتعدد العوامل، ولا يتعدد المعمول المرفوع؛ وهو هنا الفاعل الظاهري الذي يطلبه كل منهما. وما سبق يقال في مثال: "ب"1 وهو: "سمعت وأبصرت القارئ" عند إعمال الأول أيضًا؛ حيث تعددت العوامل التي يحتاج كل منها إلى المفعول به؛ وليس في الكلام إلا مفعول به واحد؛ فنقول: "سمعت – وأبصرته – القارئ"، "سمعت – وأبصرتها القارئة"، "سمعت – وأبصرتهما – القارئين"، "سمعت – وأبصرتهما – القارئتين"، "سمعت – وأبصرتهم – القارئين" "سمعت – وأبصرتهن – القارئات". فكأن أصل الكلام عند التخيل: "سمعت القارئ وأبصرته"، "سمعت القارئة وأبصرتها" "سمعت القارئتين، وأبصرتهما"، "سمعت القارئتين، وأبصرتهما"، "سمعت القارئين وأبصرتهم"، "سمعت القارئات وأبصرتهن". وكذلك يقال في مثال: "ج"2 وهو: "أنشد وسمعت الأديب"، برغم اختلاف المطلب بني العاملين، فأحدهما يريد المعمول فاعلًا له، والآخر يريد مفعولًا به؛ فنقول؛ عند إعمال الأول3؛ و"أنشد – وسمعته – الأديب"4، "أنشدت - وسمعتها - الأديبة"، "أنشد - وسمعتهما - الأديبان"، "أنشدت -

_ 1، 2 ص 186. 3 أما عند إعمال الأخير المحتاج للمفعول به، فيجيء حكمه في ص 199. 4 ومثله قول أبي الأسود – كما رواه صاحب أساس البلاغة: كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ لي يعطيني الجزيل، وناصر

وسمعتهما – الأديبتان"، "أنشد – وسمعتهما – الأديبون"، "أنشدت – وسمعتهن – الأديبات". فكأن الأصل مع التخيل: "أنشد الأديب، وسمعته"، "أنشدت الأديبة، وسمعتها". "أنشد الأديبان، وسمعتهما"، "أنشد الأديبون وسمعتهم"، "أنشدت الأديبات وسمعتهن ... ". ومثل هذا يقال عند إعمال الأول أيضًا في مثال: "د"1 وهو: "أنست وسعدت بالزائر الأديب" حيث يحتاج كل من العاملين في تكملة معناه إلى الجار مع المجرور؛ نحو: "أنست – وسعدت – بالزائر الأديب، به2"، "أنست- وسعدت – بالزائرة الأديبة، بها"، "أنست – وسعدت - بالزائرين الأديبين، بهما"، "أنست – وسعدت بالزائرتين الأديبتين، بهما"، "أنست – وسعدت – بالزائرين الأديبين، بهم"، "أنست - وسعدت - بالزائرات الأديبات، بهن". وكأن الأصل مع التخيل: "أنت بالزائر الأديب، وسعدت به"، "أنست بالزائرة الأديبة، وسعدت بها"، "أنست بالزائرين الأديبين، وسعدت بهما"، "أنست بالزائرتين الأديبتين، وسعدت بهما"، "أنت بالزائرين الأديبين، وسعدت بهم"، "أنت بالزائرات الأدبيات، وسعدت بهن ... "... و ... وهكذا نرى أن إعمال الأول يقتضي أمرين محتومين: ألا يعمل الأخير مباشرة في ذلك المعمول الظاهر، وأن يعمل هذا الأخير في ضمير مطابق للمعمول الظاهر، في الإفراد والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث. ويعتبر مرجع الضمير في كل الصور السالفة متقدمًا عليه، بالرغم من تأخر لفظ المرجع – كما أسلفنا. وهناك حالة واحدة لا يصح فيها مجيء الضمير لتعويض الأخير المهمل، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، تلك الحالة تتحقق بأن يكون هذا الفعل المهمل محتاجًا إلى مفعول به لا يصح حذفه؛ لأنه عمدة في الأصل، ولا يصح إضماره، إذ لو أضمرناه لترتب على إضماره عدم مطابقته لمرجعه الاسم الظاهر؛ مثل: "أظن – ويظناني أخا – محمودًا وعليًا، أخوين"، فكلمة: "محمودا" هي المفعول به الأول

_ 1 ص186. 2 يجيز فريق من النحاة تقديم هذا المعمول بعد عامله، وسيجيء في الزيادة والتفصيل رأى مستقل.

للعامل، وهو الفعل: "أظن"، وكلمة: "عليًا" معطوفة عليها، و"أخوين" هي المفعول به الثاني للفعل: "أظن"، وإلى هنا استوفى الفعل – العامل: "أظن" مفعوليه، ويبقى الفعل الأخير المهمل: "يظنان" وهو محتاج لمفعولين كذلك. فأين هما؟ أو أين ما يغني عنهما؟. إن "الياء" ضمير، وهي مفعوله الأول، وبقي مفعوله الثاني، فلو أتينا به ضميرًا أيضًا، فقلنا: أظن –ويظناني إياه– محمودًا وعليًا أخوين، أي: أظن محمودًا وعليا أخوين، ويظناني إياه - لكان "إياه" مطابقا في الإفراد "للياء" التي هي المفعول الأول، فتتحقق المطابقة بينهما، على اعتبار أن أصلهما مبتدأ وخبر، كما هو الشأن في مفعولي: "ظن وأخواتها"، ولكنها لا تتحقق بين الضمير "إياء"، وما يعود عليه؛ وهو: "أخوين"؛ إذ "إياه" ضمير للمفرد، ومرجعه دال على اثنين؛ فتفوت المطابقة بين الضمير ومرجعه، وهذا غير جائز. ولو أتينا بالضمير الثاني مثنى فقلنا: أظن – ويظناني إياهما – محمودًا وعليًا، أخوين – لتحققت المطابقة بين الضمير ومرجعه؛ فكلاهما لاثنين، ولكن تفوت المطابقة بين المفعول الثاني، والمفعول الأول، مع أن الثاني أصله خبر عن الأول، ولا بد من المطابقة هنا بين المبتدأ والخبر، أو ما أصلهما المبتدأ أو الخبر، – كما أشرنا. فلما كان الإضمار هنا يوقع في الخطأ وجب العدول عنه إلى الإظهار الذي يحقق الغرض، ولا يوقع في الخطأ، فنقول: أظن – ويظناني أخًا – محمودًا وعليصا أخوين، أي: أظن محمودًا وعليًا أخوين، ويظناني أخا، وفي هذه الصورة لا تكون المسألة من باب التنازع1. 3- إذا أعملنا الأخير، وأهملنا الأول، وجب الاستغناء عن تعويض الأول المهمل؛ فلا نلحق به ضمير المعمول "المتنازع فيه"، ولا ما ينوب عن ذلك الضمير، إلا في ثلاث حالات، لا بد في كل واحدة من الإتيان بضمير مطابق للمعمول، المتأخر عن هذا الضمير "وفي الحالات الثلاث يجوز عودة الضمير على متأخر لفظًا ورتبة"2.

_ 1 لهذه الحالة نظير "في ص198"، ولكن عند إعمال الأخير وإهمال الأول. 2 كما سبق في بابي: الضمير، والفاعل، جـ1 ص184م 20.

الأولى: أن يكون المعمول المتأخر مرفوعًا، كأن يكون فاعلًا مطلوبًا لعاملين قبله –أو أكثر– وكل عامل يريده لنفسه؛ نحو: شرب وتمهل العاطش، فإذا أعملنا الأخير وأهملنا الأول وجب إلحاق الضمير المناسب بالأول1؛ فنقول: "شربت، وتمهلت العاطشة"، "شربا، وتمهل العاطشان"، "شربتا، وتمهلت العاطشتان" "شربوا وتمهل العاطشون"، "شربن وتمهلت العاطشات". الثانية: أن يكون المعمول "المتنازع فيه" اسمًا منصوبًا أصله عمدة؛ كمفعولي "ظن" وأخواتها؛ فأصلهما المبتدأ والخبر؛ وكخبر "كان" وأخواتها2، وفي هذه الحالة لا يحذف الضمير المناسب، وإنما يبقى ويوضع متأخرًا من المعمول "المتنازع فيه"، نحو: أظنهما – ويظن محمد حامدًا ومحمودًا، مخلصين – إياهما، فالفعلان تنازعا كلمة: "مخلصين" لتكون المفعول الثاني ... فجلعناها للأخير، وأعلمنا الأول في الضمير العائد إليهما وجعلناه ومتأخرًا. والمراد: يظن محمد حامدًا ومحمودًا مخلصين، وأظنهما إياهما، أي: أظن حامدًا ومحمودًا مخلصين، "فحامدًا"؛ مفعول أول للفعل: "يظن"، و"محمودًا" معطوف عليه، "مخلصين" مفعول ثان للفعل: "يظن"، و"أظنهما": "أظن" مضارع، فاعله مستتر تقديره: "أنا"، "هما" ضمير، مفعول أول، وقد تقدم ليتصل بفعله؛ لأن الاتصال ممكن؛ وهذا يقتضي التقديم فلا داعي للانفصال3، "إياهما": المفعول الثاني الذي جاء متأخرًا4. ومثل: كنت وكان الصديق أخا إياه، فالفعلان تنازعا كلمة: "أخا" لتكون خبرا، فجعلناها للمتأخر منهما، وأعملنا السابق في ضمير هذا الخبر وجعلنا

_ 1 ولكي يقع الضمير موقعا صحيحا نتخيل -كما سبق- أن الفعل المهمل قد تأخر عن مكانه إلى آخر الجملة، وقد سبقته واو العطف وقبلها الفعل العامل وفاعله، وعلى أساس هذا التخيل نجيء بالضمير مطابقا لمرجعه المتقدم عليه، فكأن أصل الكلام: تمهلت العاطشة، وشربت، تمهل العاطشان وشربا، تمهلت العاطشتان وشربتا، تمهل العاطشون وشربوا، تمهلت العاطشات وشربن.... 2 إلا خبر الجامد منها، مثل: "ليس" و"عسى" إذ لا يصلح الجامد الذي ليس فعل تعجب قياسي أن يكون عاملا في "التنازع" -كما أوضحنا في ص187 و188-. 3 طبقا لما سبق في باب الضمير من الجزء الأول م20. 4 هناك رأي حسن، يجيز حذفه، وارتضاه كثير من النحاة.

الضمير متأخرا بعد الخبر، فالمراد: كان الصديق أخا، وكنت إياه، أي: كنت أخا، ويصح: كنته؛ لأن الاتصال ممكن وجائز، فلا داعي لوجوب الانفصال1. بقي أن نذكر حالة2 لا يصح فيها حذف ضمير الاسم المتنازع فيه، ولا إعمال الأول المهمل فيه، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر، وهذه الحالة هي التي يكون فيها الفعل الأول المهمل محتاجا إلى مفعول به، أصله عمدة، فلا يحذف3 ولو أضمرناه لترتب على إضماره عدم مطابقه لمرجعه الاسم الظاهرة، نحو: "يظناني، وأظن الزميلين أخوين -أخا"، فكلمة: "أظن" مضارع، فاعله مستتر، تقديره: "أنا" وهذا المضارع محتاج إلى مفعولين، أصلهما: المبتدأ والخبر، فلا يحذف واحد منهما، "الزميلين" مفعوله الأول، "أخوين": مفعوله الثاني، إلى هنا استوفى العامل الأخير مفعوليه، بقي أن يستوفي المتقدم المهمل "وهو: "يظنان""، مفعوليه، فالفعل "يظنان" مضارع، فاعله: "ألف الاثنين" و"الياء"، مفعوله الأول، فأين مفعوله الثاني؟. لو جئنا به ضميرا مطابقا للمفعول الأول فقلنا: يظناني -وأظن الزميلين أخوين إياه- لتحققت المطابقة بين المفعول الثاني "إياه" والمفعول الأول: "الياء" وهي المطابقة الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو ما أصلهما المبتدأ والخبر، ولكن تفوت المطابقة بين الضمير: "إياه" الذي للمفرد، ومرجعه المثنى، وهو: "أخوين". ولو جئنا به مثنى، فقلنا: يظناني -وأظن الزميلين أخوين- إياهما، لتحققت المطابقة الواجبة بين الضمير ومرجعه، فكلاهما للتثنية، وضاعت بين المفعول الثاني، الدال على التثنية، والمفعول الأول وهو "الياء" الدالة على المفرد، مع أن المطابقة بينهما لازمة؛ لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر. فللخروج من هذا الحرج نأتي بالمفعول الثاني اسما ظاهرا، فنقول: يظناني وأظن الزميلين أخوين -أخا، ولا تكون المسألة من باب "التنازع"4. فإن كان المفعول: "المتنازع فيه" ليس عمدة في أصله، وكان العامل هو

_ "1، 2" وهي التي أشرنا إليها في رقم1 من هامش ص196 عند إعمال الأول، وإهمال الأخير. 3 بالرغم من جواز الحذف في غير التنازع -انظر "ا" من ص201. 4 فهي في هذا كالتي سبقت في ص196.

المتأخر، فالأحسن حذف المعمول، نحو: عاونت وعاونني الجار، وليس من الأحسن أن يقال: عاونته وعاونني الجار. الثالثة: أن يكون الضمير مجرورا1، ولو حذف لأوقع حذفه في لبس، فيبقى ويوضع متأخرا عن المعمول، نحو: استعنت -واستعان علي الزميل- به، فالفعل الأول يطلب كلمة: "الزميل" لتكون مجرورة بالباء: "أي: استعنت بالزميل" والفعل الأخير يطلبها لتكون فاعلا؛ لأنه استوفى معموله المجرور بالحرف، "على"، فأعملنا الفعل المتأخر في الاسم الظاهر، وأضمرنا بعده ضميره مجرورا بالباء، فقلنا: "به"، ولو تقدم بحيث يقع بعد عامله المهمل، ويتوسط بين الفعلين لترتب على هذا تقدم الضمير الفضلة، المجرور على مرجعه، وهو غير مستحسن في هذه الصورة، ولو حذفناه وقلنا: استعنت -واستعان على الزميل لأدى حذفه إلى لبس، إذ لا ندري: آلزميل مستعان به، أم مستعان عليه ... فإن أمن اللبس فالأحسن الحذف مع ملاحظة المحذوف في النية، فكأنه موجود، نحو: مررت ومر بي الصديق2.

_ 1 يعد المجرور بحرف جر للتعدية بمنزلة المفعول به المنصوب حكما، "كما سبقت الإشارة في رقم2 من هامش ص186". 2 عرض ابن مالك أحكام التنازع مجملة، موجزة، متداخلة، وساقها في الأبيات القليلة التالية: وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه، والتزم ما التزما يريد: إذا أعمل واحد وأهمل الآخر، فإن المهمل يعمل في ضمير الاسم المتنازع فيه، مع التزام الطريقة التي أشار النحاة بالتزامها في الإعمال، أو: مع التزام الطريقة التي التزمها العرب في مثل هذه الأساليب، ولم يوضح هذه الطريقة، ولم يتعرض لتفصيلها إلا بذكر مثالين في البيت الآتي، يوضح أولهما إعمال العامل الأخير في الاسم الظاهر المتنازع فيه، مع إعمال المتقدم في ضميره. ويوضح ثانيهما إعمال الأول في ذلك الاسم الظاهر المتنازع فيه مع إعمال الأخير في ضميره، وكلا الفعلين يحتاج للاسم الظاهر، ليكون فاعلا له، يقول: كيحسنان ويسيء ابناكا ... وقد بغى واعتديا عبداكا فالاسم المتنازع فيه هو: "ابناك"، وقد أعمل فيه مباشرة الفعل المتأخر: "يسيء" أما الفعل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المتقدم: "يحسن" فقد أعمل في ضميره، فصار: "يحسنان" والمثال الذي في الشطر الثاني يشتمل على الاسم المتنازع فيه، وهو: "عبداك"، وقد أعمل فيه الأول: "بغى" وأهمل المتأخر وهو، "اعتدى"، ولكنه أعمل في ضميره، فصار: "اعتديا"، ولم يحذف الضمير في المثالين؛ لأنه ضمير رفع، فلا يحذف ... ثم انتقل إلى بيان حكم خاص بالعامل الأول المهمل، يتلخص في أنه لا يعمل في ضمير الاسم المتنازع فيه، إلا إذا كان ذلك الضمير للرفع، فإن كان للنصب، أو للجر لم يذكر مع الأول، وإنما يحذف إن كان ضميرا ليس عمدة في الأصل، ويؤخر إن كان أصله عمدة، "وقد شرحنا هذا تفصيلا، وأوضحناه بالأمثلة". ويقول فيه: ولا تجئ مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذف الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر "أوهل: أهل، أي: صار أهلا، بمعنى: أعد، واستعمل في غير الرفع"، ثم بين الحالة التي يحل فيها الظاهر محل الضمير، فقال: وأظهران يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا نحو: أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا "الرخا = الرخاء، وهو سعة الرزق".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يعد باب "التنازع" من أكثر الأبواب النحوية اضطرابا، وتعقيدًا، وخضوعًا لفلسفة عقلية خيالية، ليست قوية السند بالكلام المأثور الفصيح، بل ربما كانت مناقضة له. أ– فأما الاضطراب فيبدو في كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيل للتوفيق بينها، أو التقريب، وقد أهملنا أكثرها. يتجلى هذا في أن بعضها يجيز حذف المرفوع؛ كالفاعل، وبعضها لا يجيز. وفريق يجيز أن يشترك فعلان أو أكثر في فاعل واحد، وفريق يمنع، وطائفة تبيح الاستغناء عن المعمولات المنصوبة، وعن ضمائرها ... ، وطائفة تبيح حذف ما ليس عمدة الآن أو في الأصل، وفئة تحتم تقدير ضمير المعمول متأخرًا في بعض الصور، وفئة لا تحتم ... و ... فليس بين أحكام "التنازع" حكم متفق عليه، أو قريب من الاتفاق، حتى ما اخترناه هنا، وقد يبدوا الخلاف واضحًا في كثير من المسائل النحوية الأخرى، ولكنه في مسائل "التنازع" أوضح وأفدح، كما يبدو في المراجع المطولة1، حيث يدور الرأس، وتضيق النفس. ومن مظاهر الاضطراب أيضًا أن يحرموا هنا ما أباحوه في أبواب أخرى، فقد منعوا حذف ضمير الاسم المتنازع فيه إن كان أصله عمدة؛ كأحد مفعولي "ظن" وأخواتها، مع أنهم أباحوا ذلك في باب "ظن"2، ومنعوا حذف المعمول إن كان فضله، والمهمل هو المتأخر، مع أنهم أجازوه في الأساليب الأخرى التي ليست للتنازع، ومنعوا هنا الإضمار قبل الذكر في بضع الحالات، مع أنهم أباحوه في مكان آخر ... و ... وكأن اسم هذا الباب قد سرى إلى كل حكم من أحكامه. ب– وأما التعقيد فلما أوجبوه مما ليس بواجب، ولا شبه واجب؛ فقد حتموا أن يكون ضمير الاسم المتنازع فيه واجب التأخير عنه حينًا – في رأي كثرتهم؛

_ 1 كالأشموني وحاشيته، والتوضيح وشروحه وحواشيه، والجزء الثاني من الهمع و ... و ... 2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 3 من هامش ص 198.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرارًا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه، وربما استغنوا عن الضمير، وأحلوا محله اسمًا ظاهرًا مناسبًا إذا أدى الإضمار إلى الوقوع في مخالفة نحوية عندهم. ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم ما نصه الحرفي: "استعنت واستعان علي زيد به"، "وطننت منطلقة وظننتي منطلقًا هند إياها"، "وأعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرًا قائمًا"، "وأعلمت واعلمنى زيدًا عمرا قائمًا إياه إياه ... و ... و ... "1، وهذا قليل من الأمثلة البغيضة، التي لا يطمئن المرء إلى أن لها نظائر في الأساليب المأثورة، ومن شاء زيادة عجيبة منها فليرجع إلى مظانها في المطولات. ج– وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب؛ منها: تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمد؛ حيث يوجبون أن يكون الفاعل: "محمد" لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ: "محمد" فاعلًا لهما؛ بحجة "أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملين على معمول واحد"2، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: "قيام محمد وذهب"، فإن فاعل الفعل: "ذهب" ضمير يعود على محمد، فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلين؛ ولا يقبل العقل غير هذا ... من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب؛ والتعقيد، والتخيل الذي لا يؤيده –في ظننا– الفصيح المأثور. ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار "من محاكاة الصور البيانية، وأساليب التعبير الواردة بهذا الباب - ولو كان لها نظائر مسموعة – لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة ...

_ 1 الأشموني – في هذا الباب – عند شرح بيت ابن مالك الذي شطره الأخير: وأخرنه إن يكن هو الخبر وكذا في المطولات الأخرى. 2 حاشية الصبان وغيره، وقد أجاز الاجتماع فريق آخر ودفع الإجازة فريق ثالث! وهكذا دواليك.

ولتدارك هذا كله، والوصول إلى أحكام واضحة، سهلة، لا غبار عليها من ناحية السلامة اللغوية، وقوة مشابهتها للكلام البليغ، وتناسقها مع الأحكام النحوية الأخرى – نرى أن تكون أحكام التنازع مقصورة على ما يأتي، "وكلها مستمد من آراء ومذاهب لبعض النحاة، تضمنتها الكتب المتداولة، وهذا ما نود التنويه به". 1- تعريف التنازع: هو ما سبق أن ارتضيناه من مذاهب النحاة، ونقلناه أول هذا الباب1. 2- تتعدد العوامل؛ فتكون اثنين، أو أكثر، وقد تتعدد المعمولات، أو لا تتعدد، ويشترط عند تعددها أن تكون أقل عددًا من عواملها المتنازعة. 3 كل عامل من العوامل المتعددة يجوز اختياره وحده للعمل في المعمول المذكور في الكلام، ولا ترجيح من هذه الناحية، لعامل على آخر. 4- إذا تعددت العوامل وكان كل واحد منها محتاجًا إلى معمول مرفوع؛ "كاحتياجه إلى الفاعل في مثل: جلس وكتب المتعلم"، فالمرفوع الظاهر في الكلام يكون لأحدها، أما غيره من العوامل فمرفوعه ضمير يعود على ذلك الاسم المرفوع، ولا مانع ها من عودة الضمير على متأخر في الرتبة. ويجوز أن يكون المرفوع الظاهر مشتركًا بين العوامل المتعدد كلها2؛ إذا كان متأخرًا عنها؛ فيكون فاعلًا –مثلًا– لها جميعًا، ولا يحتاج واحد منها للعمل في ضميره. 5- إذا تعددت العوامل وكان وكان كل منها محتاجًا إلى معمول غير مرفوع جاز اختبار أحدهما للعمل، وترك الباقي من غير عمل، لا في ضمير المعمول، ولا في اسم ظاهر ينوب عنه؛ لأن الاستغناء عن هذا الضمير أو ما يحل محله من اسم ظاهر، وجائز في الأساليب الفصيحة الخالية من التنازع، فلا بأس أن يجري في التنازع أيضًا، وبضع المأثور من أمثلة التنازع يطابق هذا ويسايره، ولا فرق بين ما أصله عمدة، وما أصله فضلة، وإذا أوقع الحذف في لبس وجب إزالته بإحدى الوسائل التي لا تعقيد فيها، ولا تهوى بقوة الأسلوب، وحسن تركيبه.

_ 1 ص187. 2 وتعدد العوامل مع وجود معمول واحد لها، وأي يبيحه ويصرح به بعض أئمة النحو، كالفراء -ومكانته بين كبار النحاة معروفة، وقد أوضحناها في جـ3 م98 ص158 باب: "أبنية المصادر".

المسألة 74: المفعول المطلق

المسألة 74: المفعول المطلق مدخل ... المسألة 74: المفعول المطلق 1 معناه: الفعل -بعد إدخاله في جملة- يدل على أمرين معًا؛ أحدهما: "المعنى المجرد"2، ويسمى: "الحدث"، والآخر: "الزمان"، ففي مثل: "رجع المجاهد؛ فأسرع الناس لاستقباله، وفرحوا بقدومه ... نجد ثلاثة أفعال، هي: رجع - أسرع - فرح"، وكل فعل منها يدل بنفسه مباشرة؛ أي: من غير حاجة إلى كلمة أخرى، - على أمرين معًا. أولهما: معنى محض نفهمه بالعقل؛ هو: الرجوع - الإسراع - الفرح ... وهذا المعنى المجرد هو ما يسمى أيضًا: "الحدث". وثانيهما: زمن وقع فيه ذلك المعنى المجرد "الحدث"، وانتهى قبل النطق بالفعل؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام، وهذا الفعل يسمى: "الفعل الماضي". ولو غيرنا صيغة الفعل؛ فقلنا: "يرجع المجاهد؛ فيسرع الناس لاستقباله، ويفرحون بقدومه" - لظل كل فعل بعد التغيير دالًا على الأمرين معًا؛ وهما: "المعنى المجرد، والزمن"، ولكن الزمن هنا صالح للحال والاستقبال، ويسمى الفعل في هذه الصورة الجديدة: "الفعل المضارع".

_ 1 المطلق، أي: الذي ليس مقيدًا تقييد باقي المفاعيل بذكر شيء بعده، كحرف جر مع مجروره، أو غيره من القيود؛ كالمفعول به - المفعول لأجله - المفعول معه ... ويقولون في سبب إطلاقه: إنه المفعول الحقيقي لفاعل الفعل؛ إذ لا يوجد من الفاعل إلا ذلك الحدث؛ نحو: قام المريض قيامًا؛ فالمريض قد أوجد القيام بنفسه، وأحدثه حقًا بعد أن لم يكن؛ بخلاف باقي المفعولات فإنه لم يوجدها، وإنما سميت باسمها باعتبار إلصاق الفعل بها، أو وقوعه لأجلها، أو معها، أو فيها؛ فلذلك لا تسمى مفعولًا إلا مقيدة بشيء بعدها. هذا، وقد لازمته كلمة: "المطلق" حتى صارت قيدًا. 2 أي: العقلي المحض الذي لا يقع تحت إحدى الحواس؛ إذ لا كيان ولا وجود له إلا في العقل؛ فهو صورة عقلية بحتة؛ فلا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، ولا يدل على صاحبه الذي يقوم به، ولا على إفراد ولا تثنيه، ولا جمع، ولا تذكير، ولا تأنيث، هذا هو المراد من "التجريد البحت".

ولو غيرنا الصيغة مرة ثالثة فقلنا: "ارجع ... أسرع ... افرح ... " – لدل الفعل في صورته الجديدة على الأمرين معًا؛ وهما: "المعنى المجرد، والزمن" لكن الزمن هنا مستقبل فقط، وينشأ ما يسمى: "فعل الأمر". فالفعل المتصرف –بأنواعه الثلاثة السالفة– يدل على: "المعنى المجرد" "الحديث"، والزمان1 معًا. ولو أتينا بمصدر صريح 2 لتلك الأفعال – أو نظائرها – لوجدناه وحده يدل في جملته على أمر واحد معين، هو المعنى المجرد "أي: الحدث" فقط؛ كالمصدر وحده في مثل: الرجوع حسن – الإسراع نافع – الفرح كثير؛ فهو يدل على أحد الشيئين اللذين يدل عليهما معًا الفعل، ولا يدل على الثاني ... وهذا معنى قولهم: "المصدر الصريح3 يدل – في الغالب4 – على الحدث، ولا يدل على الزمان5. والمصدر الصريح أصل المشتقات – في الرأي الشائع6 – ويصلح لأنواع الإعراب المختلفة؛ فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، ومفعولًا به ... و ... و

_ 1 وهذا هو الغالب؛ لأن هناك أفعالًا لا تدل – في الرأي الأرجح – على الزمان؛ كنعم وبئس في المدح والذم، وكالأفعال التي في التعريفات العلمية، وغيرها – مما أوضحناه وفصلناه – فيما يتعلق بمعنى الفعل، وأقسامه، والزمان، وغيره، بالجزء الأول م 4 ص 29. 2 أي: غير مؤول، وإذا أطلق المصدر كان المراد: الصريح. 3 لأن المؤول يدل على زمن معين، "على الوجه الذي بسطناه في مكانه من الجزء الأول، م 29 ص 302". 4 لأن المصدر الصريح قد يدل مع الحدث على: "المرة، أو الهيئة"، وإيضاح هذا وتفصيله في موضعه الخاص من بابهما "ج 3 م 100". 5 وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله: المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل، كأمن، من أمن-1 يقول في تعريف المصدر: إنه اسم يطلق على شيء غير الزمان من المدلولين اللذين يدل عليهما الفعل، ولما كان المدلولان هما: "الحدث، والزمان"، وقد صرح بأنه يدل على غير الزمان – اتجهت الدلالة بعد ذلك إلى المعنى المجرد وحده، ومثل للمصدر بكلمة: "أمن" وقال عنه: نه من الفعل الماضي: "أمن"، يريد بذلك: أن معنى هذا المصدر هو بعض مما يحويه الفعل "أمن" إذ الأمن يدل على المعنى المجرد الذي هو أحد شيئين يدل عليهما الفعل: أمن. 6 راجع هذا الرأي في ج 3 باب: "أبنية المصادر"، م 98 وفي م 99 باب: "إعمال المصدر، واسمه".

.. و ... وقد يكون منصوبًا في جملته باعتباره مصدرًا صريحًا جاء لغرض معنوي خاص؛ كتأكيد معنى عامله المشارك له في المادة اللفظية، "أو غير هذا مما سيجيء هنا" مثل: حطم التمساح السفينة تحطيمًا، وفي هذه الحالة الخاصة وأشبهها يسمى: "مفعولًا مطلقًا"1، ويقال في إعرابه: إنه منصوب على المصدرية، أو: منصوب؛ لأنه مفعول مطلق. وإذا كان منصوبًا على هذه الصورة الخاصة، فناصبه قد يكون مصدرًا آخر من لفظه ومعناه معًا، أو من معناه فقط، وقد يكون فعلًا2 من مادته ومعناه معًا، أو من معناه فقط، وقد يكون الناصب له وصفًا متصرفًا يعمل عمل فعله – إلا أفعل التفضيل؛ كقولهم: "إن الترفع عن الناس ترفعًا أساسه الغطرسة، يدفع بصاحبه إلى الشقاء دفعًا لا يستطيع منه خلاصًا"، وقولهم: "المخلص لنفسه إخلاص العقلاء يصدها عن الغي؛ فيسعد، والمعجب بهما إعجاب الحمقى يطلق لها العنان فيهلك" ... 3. فالمصدر: "ترفعًا" – قد نصب بمصدر مثله؛ هو: ترفع. والمصدر: "دفعًا" – قد نصب بالفعل المضارع قبله؛ وهو: يدفع. والمصادر: "إخلاص ... " قد نصب باسم الفاعل قبله؛ وهو: المخلص.

_ 1 سيجيء تعريفه في رقم 1 من هامش ص 210. 2 بشرط أن يكون متصرفًا، وتامًا، وغير ملغي عن العمل، فخرج الفعل الجامد؛ كفعل التعجب، والناقص مثل: كان، والملغي، مثل "ظن" عند إلغائها بالطريقة السابقة – في ص 38. 3 وفي ناصب المصدر يقول ابن مالك: بمثله: أو فعل، أو وصف نصب ... وكونه أصلا لهذين انتخب-2 بين في هذا البيت حكم المصدر، وأنه قد ينصب بمصدر مثله، أو يفعل، أو يوصف، وانتخب كونه أصلًا للفعل والوصف؛ أي: وقع الاختيار والتفضيل على الرأي القائل بهذا، ثم بين أقسام المصدر بحسب فائدته المعنوية؛ فقال: توكيدًا، أو نوعًا يبين، أو عدد ... كسرت سيرتين؛ سير ذي رشد-3 أي: أن المصدر قد يفيد التوكيد، أو يبين النوع، أو يبين العدد، وساق مثالًا يجمع الأقسام الثلاثة؛ فإن: "سيرتين" هي لبيان العدد مع التوكيد أيضًا، و"سير ذي رشد" لبيان النوع مع التوكيد أيضًا، وترك القسم الرابع النائب عن عامله، وسيجيء في ص 219.

والمصدر: "إعجاب" – قد نصب باسم المفعول قبله؛ هو: المعجب. وكقولهم: الفرح فرحًا مسرفًا، كالحزين حزنًا مفرطًا؛ كلاهما مسيء لنفسه، بعيد عن الحكمة والسداد. فالمصدر: "فرحًا" – منصوب بالصفة المشبهة قبله وهي: "الفرح". وكذلك المصدر: "حزنًا" – فإنه منصوب بالصفة المشبهة قبله، وهي: "الحزين"1. تقسيم المصدر بحسب فائدته المعنوية: أ- قد يكون الغرض من المصدر المنصوب أمرًا واحدًا؛ هو: أن يؤكد – توكيدًا لفظيًا – معنى عامله المذكور قبله2، ويقويه، ويقرره؛ "أي: يبعد عنه الشك واحتمال المجاز"، ويتحقق هذا الغرض بالمصدر المنصوب المبهم3، نحو: بلع الحوت الرجل بلعا – طارت السمكة في الجو طيرانًا. ب– وقد يكون الغرض من المصدر المنصوب أمرين معًا – فهما متلازمان: توكيد معنى عاملة المذكور، وبيان نوعه4، ويكون بيان النوع هو

_ 1 والصفة المشبهة تنصب المصدر في الرأي الأنسب: لأن فيه تيسيرًا – كما سيجيء في بابها ج 3 م 105. "ملاحظة": قد يكون العامل في المنادى هو العامل في نصب المصدر، ومن الأمثلة قول الشاعر: يا هند دعوة صب هائم دنف ... مني بوصل، وإلا مات أو كربا "راجع الهمع ج 1 ص 173، وستجيء لهذا إشارة في ج 4 باب النداء، م 127 ص 6". 2 في ص 211و 212 الكلام على تقدم عامله عليه. 3 و4 المصدر المبهم هو الذي يقتصر على معناه المجرد دون أن تجيء له زيادة معنوية من ناحية أخرى؛ كإضافة أو وصف، أو عدد، أو "أل" التي للعهد. والمصدر المختص: ما يؤدي معناه المجرد مع زيادة أخرى تجيء لمعناه من خارج لفظه؛ كالتي تجيء له بسبب إضافته، أو وصفه، أو "أل العهدية" في أوله، أو ... وفي هذا يقول الخضري في المبين للنوع ما نصه: "يقع مبينًا للنوع لكونه مضافًا، أو موصوفًا؛ كما مثله الناظم بقوله: سرت سيرتين سير ذي رشد – أو محلي، بأل العهدية؛ كسرت السير، أي: المعهود بينك وبين مخاطبك، فهو ثلاثة أقسام، ويسمى: "المختص" أيضًا؛ لاختصاصه بما ذكر، والتحقيق أن المعدود مختص أيضًا لتحديده بالعدد المخصوص؛ لذا جعل في التسهيل المفعول المطلق قسمين، "مبهم" وهو المؤكد، =

الأهم1؛ نحو: نظرت للعالم نظر الإعجاب والتقدير، وأثنيت عليه ثناء مستطابًا. وقوله تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} ، وليس من الممكن بيان النوع2 وحده من غير توكيده لمعنى العامل. جـ– وقد يكون الغرض منه أمرين متلازمين أيضًا؛ هما: توكيد معنى عامله

_ = "ومختص"، وهو قسمان: معدود، ونوعي ... ثم قال ما نصه: إن النوعي إن كان مضافًا كان من باب النيابة على التحقيق – طبقًا للبيان الذي في رقم 2 من هامش هذه الصفحة – وأما "ذو أل"، فالظاهر أنه قد يكون كذلك؛ كما إذا قصدت تشبيه سيرك الآن يسير سابق معهود للمخاطب سواء أكان منك أو من غيرك، وقد يكون أصليًا؛ كأن قصدت الإخبار عن ذلك السير المعهود الذي وقع منك بعينه استحضارًا لصورته. ا. هـ كلام الخضري. والبلاغة تقتضي أن يكون استعمال المصدر المبهم مقصورًا على الحالة التي يكون فيها معنى عامله موضع غرابة أو شك؛ فيزيل المصدر المبهم تلك الغرابة، وهذا الشك؛ كالأمثلة التي عرضناها، فليس من البلاغة أن يقال: قعدت قعودا - أكلت أكلا ... وأشباه هذا، ما دام الفعل: "قعد" أو": "أكل"، ليس موضع غرابة أو شك، نعم التعبير صحيح لغويًا، ولكنه ركيك بلاغيًا، أما مثل: طارت السمكة طيرانًا، فالبلاغة ترضي عن مجيء المصدر المبهم؛ لغرابة معنى عامله، وتشكك السامع في صحته ... وهكذا. وتوكيد المصدر لعامله هو من نوع التوكيد اللفظي – الذي سيجيء في الجزء الثالث م 116 ص 434 –، فيؤكد نفس عامله إن كان مصدرًا مثله، ويؤكد صدر عامله الذي ليس بمصدر ليتحد المؤكد والمؤكد معًا في نوع الصيغة؛ "تطبيقًا لشرط التوكيد اللفظي، ومنه التوكيد بالمصدر الذي نحن فيه"، فمعنى قولك: عبرت النهر عبرًا – أوجدت عبرًا عبرًا، وهذا رأي المحققين، ولكن سيترتب على الأخذ برأيهم حذف المؤكد في التوكيد اللفظي، وهذا الحذف – عند أكثرهم – ينافي الغرض من التوكيد اللفظي، وفوق هذا عامله الحقيقي محذوف أيضًا؛ ففي الكلام حذف كثير. هل يجاب بأن المؤكد مع حذفه ملاحظة يدل عليه اللفظ المذكور الذي يشاركه في الاشتقاق، وهو: "عبرت" فهو محذوف كالمذكور؟ 1 يدخل في هذا القسم المصدر المصوغ للدلالة على الهيئة، "وسيجيء الكلام عليه في ج 3 م 100". 2 يقولون بحق: إن المصدر النوعي كان مضافًا فالأصح اعتباره نائب مصدر؛ لاستحالة أن يفعل الإنسان فعل غيره؛ وإنما يفعل فعله الصادر منه؛ فالأصل في مثل: سرت سير ذي رشد؛ هو: سرت سيرًا مثل سير ذي رشد؛ فحذف المصدر، ثم صفته، وأنيب المضاف إليه منابه، ولولا ذلك لكان المعنى: أن سير ذي الرشد قد سرته هو نفسه؛ وهذا فاسد، إذ كيف أسير السير المنسوب لذي الرشد؟ كيف يكون ذو الرشد هو الذي ساره وأوجده في حين أقول: أنا الذي سرته وأوجدته؟ ففي الكلام تناقض وفساد لا يزيلهما إلا اعتبار النوعي المضاف نائب مصدر، وهذا كلام دقيق، ويتجه إليه غرض المعربين، وإن لم يتقيدوا به في إعرابهم الشائع المقبول أيضًا؛ تيسيرًا وتخفيفًا، "راجع رقم 1 هامش ص 216".

المذكور مع بيان1 عدده، ويكون الثاني هو الأهم، ولا يتحقق الثاني وحده بغير توكيده معنى العامل؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين وزرت الآثار الرائعة ثلاث زورات. د– وقد يكون الغرض منه الأمور الثلاثة مجتمعة2؛ نحو: قرأت الكتاب قراءتين نافعتين – وزرت الآثار الرائعة ثلاث زورات طويلات. ولا بد من اعتبار المصدر مختصًا في هذه الحالات الثلاث الأخيرة: "ب – ج – د"؛ لأن المصدر المبهم مقصور على التوكيد المحض؛ لا يزيد عليه شيئًا، فإذا دل مع التوكيد على بيان النوع، أو بيان العدد، أو عليهما معًا – وجب اعتباره مصدرًا مختصًا3. ومما تقدم نعلم أن فائدة المصدر المعنوية قد تقتصر على التوكيد وحده، ولكنها لا تقتصر على بيان النوع وحده، ولا بيان العدد وحده، ولا على هذين الآخيرين معًا؛ إذ لا بد من إفادة التوكيد في كل حالة من هذه الحالات الثلاث، ومن ثم قسم بعض النحاة المصدر قسمين؛ "مبهمًا"؛ ويراد به: المؤكد لمعنى عامله المذكور، و"مختصًا"؛ ويراد به المؤكد أيضًا مع زيادة بيان النوع، أو زيادة بيان العدد، أو بيانهما معًا. وقسمه بعض آخر ثلاثة أقسام؛ هي: المؤكد لعامله المذكور، والمؤكد المبين لنوعه، والمؤكد المبين لعدده، وسكت عن المؤكد المبين للنوع والعدد معًا؛ لأنه مركب من الأخيرين؛ فهو مفهوم ومقبول بداهة، ونتيجة التقسيم واحدة4.

_ 1 ويدخل في هذا القسم المصدر المصوغ للدلالة على المرة، وهو – في الغالب – لا يعمل، كسائر المصادر العددية. "وسنشير لهذا في رقم 4 من هامش ص 211، وكما في ص 212، أما تفصيل الكلام عليه، ففي بابه الخاص من ج 3 م 100". 2 هي: توكيد المعنى، وبيان النوع، وبيان العدد. 3 انظر رقم 3 من هامش ص 207 – حيث البيان. 4 وهناك قسم آخر – سيجيء في ص 220 – هو المصدر النائب عن عامله المحذوف، وهو مستقل بنفسه في رأي حسن؛ ولذا يقول المحققون: إن أقسام المصدر أربع، والأخذ بهذا الرأي أنفع؛ لأنه يذلل صعوبات لا يمكن تذليلها إلا بالتأويل والتقدير والتكلف من غير داع، ومن أمثلة هذا: أن المصدر المؤكد لعامله لا يجوز في الغالب حذف عامله – كما سيجيء في ص 211 و 219 وفي رقم 2 من هامش ص 220 – ولا أن يعمل، مع أن هناك أنواعًا من المصادر قد تؤكد عاملها، وتعمل عمله مع وجوب حذفه؛ كالمصدر النائب عن عامله المحذوف؛ فهذا تناقض يمنعه أن يكون هذا قسمًا مستقلًا.

أمثلة لما سبق: أمثلة للتوكيد وحده: كلم الله موسى تكليمًا – غزا العلم الكواكب غزوًا – نزل الطيارون فوق سطح القمر نزولًا، ومشوا عليه مشيًا، صافح الفيل صاحبه مصافحة. أمثلة للتوكيد مع بيان النوع: ترنم المغني ترنم البلبل – رسم الخبير رسمًا بديعًا – أجاد المطرب إجادة الموسيقى. أمثلة للتوكيد مع بيان العدد: قرأت رسالة الأديب قراءة واحدة، وقرأها أخي قراءتين، وقرأها غيرنا ثلاث قراءات. أمثلة للتوكيد مع بيان الأمرين: ترنمت ترنيمي البلبل والمغني الساحرين – رحلت لبلاد الشام ثلاث رحلات جميلات. العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق: النحاة يسمون المصدر المنصوب الدال بنفسه على قسم مما سبق: "المفعول المطلق"1. فالمفعول المطلق تسمية يراد منها: المصدر المنصوب المبهم، أو المختص"، وقد يراد منها: "النائب عن ذلك المصدر"، فهي تسمية صالحة لكل واحد منهما، تنطبق عليه، كما سنعرف2.

_ 1 يقول ابن هشام في تعريف المفعول المطلق: "إنه اسم يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده، وليس خبرًا عن مبتدأ "كقولنا: علمك علم نافع" ولا حالًا "نحو: ولى مدبرًا". ا. هـ. لا داعي لقوله: "ليس خبرًا عن مبتدأ"؛ لأن هذا الخبر مرفوع وعمدة، كما أن خبر النواسخ عمدة، ولا لقوله: "ليس حالًا"؛ لأن الحال مشتق – في الغالب – أمال المفعول المطلق فليس مرفوعًا ولا عمدة، وليس بمشتق في الغالب هذا، والحال في المثال مؤكدة لعاملها. 2 سنعلم مما سيجيء في ص 213 أن هناك أشياء تنوب عن المصدر الأصيل عند حذفه؛ فتعرب مفعولًا مطلقًا، أو نائب مصدر، ولا تعرب مصدرًا، وعلى هذا قد يكون المصدر مفعولًا مطلقًا كالأمثلة السابقة، وقد يكون المصدر غير المفعول المطلق؛ وذلك إذا كان المصدر مرفوعًا، أو مجرورًا أو كان منصوبًا لا يبين توكيدًا، ولا نوعًا، ولا عددًا، نحو: القتل أشنع الجرائم، والفتنة أشد من القتل، إن القتل أشنع الجرائم، وقد يكون المفعول المطلق غير مصدر؛ كالأشياء التي أشرنا إليها؛ وهي التي تنوب عن المصدر عند حذفه، فالمصدر والمفعول المطلق يجتمعان معًا في بضع الحالات فقط، وينفرد كل منهما بحالات لا يوجد فيها الآخر. "وهذا يسمى عند المناطقة، بالعموم الوجهي بين شيئين؛ فيجتمعان معًا في جهة معينة، وينفرد كل منهما في جهة أخرى تجعله أعم، وأشمل، وأكثر أفرادًا من نظيره ... ".

حكم المصدر 1: 1– إذا كان المصدر مؤكدًا لعامله المذكور في الجملة تأكيدًا محضًا2، فإنه لا يرفع فاعلًا3، ولا ينصب مفعولًا به – إلا إن كان مؤكدًا نائبا عن فعله المحذوف4. كما لا يجوز –في الرأي الشائع– تثنيته، ولا جمعه، ما دام المراد منه في كل حالة هو المعنى المجرد، دون تقييده بشيء يزيد عليه، "أي: ما دام المصدر مبهمًا"؛ فلا يقال: صفحت عن المخطئ صفحين، ولا وعدتك وعودًا، إلا إن كان المصدر المبهم مختومًا بالتاء؛ مثل التلاوة؛ فيقال: التلاوتان، والتلاوات. وسبب امتناع التثنية والجمع أن المصدر المؤكد به معنى الجنس5 لا الأفراد؛ فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في المفرد، والتثنية، والجمع؛ لأن دلالته تتضمنها: ومثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه. ولا يجوز أيضًا –في الغالب– حذف عامل المصدر المؤكد ولا تأخيره؛ عن معموله المصدر؛ لأن المصدر جاء لتقوية معنى عامله، وتقريره بإزالة الشك عنه، وإثبات أنه معنى حقيقي، لا مجازي، والحذف مناف للتقوية والتقرير، كما أن التأخير ينافي الاهتمام6، لكن هناك مواضع بحذف فيها عامل المصدر المؤكد وجوبًا بشرط إنابة المصدر عنه، وستجيء 7.

_ 1 أفرد النحاة لإعمال المصدر بابًا خاصًا بهذا العنوان، يشمل شروط إعماله، مختلف أحكامه، "وسيجيء في ج 3 ص 201 م 99". 2 أي: مجردًا من كل زيادة أخرى تنضم إلى التوكيد؛ كالزيادة الدالة على النوع أو على العدد، أو عليهما. 3 لأنه نوع من التوكيد اللفظي – كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص 207 – والتوكيد اللفظي لا يكون عاملًا ولا معمولًا، إلا فيما نص عليه البيان المدون هنا، وفي بابه الخاص "ج3". 4 هذه الحالة الفريدة التي يعمل فيها المصدر المؤكد عمل فعله، وستجيء مواضع نيابته عنه في ص 221 م 76، أما المبين – بنوعيه – فلا يعمل في الغالب، كما سنذكره. 5 المراد: الجنس الإفرادي، وهو ما يصدق على القليل والكثير، مثل: ماء – هواء – ضوء "راجع ج 1 ص 15 م 1". 6 هذا تعليل النحاة، أما التعليل الأنسب فهو "المحاكاة" للوارد عن فصحاء العرب. 7 في ص 221 م 76.

2- أما المصدر المبين للنوع – إذا اختلفت أنواعه – أو المبين للعدد، فيجوز تثنيتهما وجمعهما جمعًا مناسبًا1 وتقدمهما على العامل، وهما في حالة الإفراد أو التثنية أو الجمع، ولا يعملان شيئًا – في الغالب 2؛ فليس لهما فاعل ولا مفعول ... ؛ فمثال تثنية الأول وجمعه: سلكت مع الناس سلوكي العاقل؛ الشدة حينًا، والملاينة حينًا آخر – سرت سير الخلفاء الراشدين؛ أي: سلكت مع الناس نوعين من السلوك، وسرت معهم أنواعًا من السير، "وليس المراد ببيان عدد مرات السلوك، وأنه كان مرتين، ولا بيان مرات السير، وأنه كان متعددًا3، وإنما المراد بيان اختلاف الأنواع في كل حالة، بغير نظر للعدد3. ومثال الثاني: خطرت في الحديقة عشر خطوات، ودرت في جوانبها أربع دورات4.

_ 1 المراد بالجمع المناسب هنا: ما تحققت شروط صحته؛ ذلك أن الجمع ثلاثة أنواع؛ "جمع مذكر – جمع مؤنث سالم – جمع تكسير"، ولكل جمع من الثلاثة شروط خاصة به، لا بد من تحققها في مفرده قبل جمعه قياسيًا، وتلك الشروط تختلف باختلاف المفرد لكل نوع. 2 وقد يعمل المبين للنوع أحيانًا، كأن يكون مضافًا لفاعله، ناصبًا مفعوله أو غير ناصب؛ تألمت من إيذاء القوي الضعيف – حزنت حزن المريض، وهذا العمل – على قلته – قياسي، "كما سيجيء لبيان في ج 3 م 99". 3و 3 لأن دلالة المصدر على العدد هي من اختصاص القسم التالي العددي، وليست من القسم النوعي. 4 وإلى هذا يشير ابن مالك ببيت ذكره متأخرًا عن هذا المكان المناسب له – وسيجيء في هامش ص 218: وما لتوكيد فوحد أبدًا ... وثن، واجمع غيره، وأفردا أي: أن المصدر الدال على التوكيد يجب توحديه؛ أي: إفراده فلا يترك الإفراد إلى التثنية أو إلى الجمع، أما غيره فثنه إن شئت، أو اجمعه جمعًا مناسبًا، أو أفرده، أي: اجعله مفردًا، وقد أوضحنا في الصحة الآتية أن النائب عن المصدر المؤكد، أو: المبين، يجري على حكمه.

المسألة 75

المسألة 75: حذف المصدر الصريح، وبيان ما ينوب عنه: يجوز حذف المصدر الصريح بشرطين: أن يكون صيغته "أي: مادته اللفظية" من مادة عاملة اللفظية1، وأن يوجد في الكلام ما ينوب عنه بعد حذفه. وحكم هذا النائب: النصب دائمًا2، ويذكر في إعرابه: أنه منصوب لنيابته عن المصدر المحذوف، أو: منصوب؛ لأنه مفعول مطلق، ولا يصح في الإعراب الدقيقي أن يقال: "منصوب؛ لأنه مصدر"؛ ذلك؛ لأنه ليس مصدرًا للعامل المذكور؛ إذ مصدر العامل المذكور قد حذف، وهذا نائب عنه ... فمن الواجب عدم الخلط بين المصطلحات، والتحرز من الخطأ في مدلولاتها؛ فعند إعراب المصدر الأصلي المنصوب نقول: إنه "مصدر منصوب" أو: "مفعول مطلق" منصوب كذلك: أما عند حذف المصدر الأصلي، ووجود نائب عنه فنقول في إعرابه: "إنه نائب عن المصدر المحذوف، منصوب"، أو: "مفعول مطلق، منصوب"، ولا يصح أن يقال: مصدر ...

_ 1 يشترط النحاة أن يكون المصدر متأصلًا في المصدرية، ويفسرونها بأنها التي تكون من لفظ عامله وحروفه، لا مطلق المصدر، ففي مثل: سررت فرحًا – أو فرحت جذلا – لا تعد كلمة "فرحًا" ولا كلمة: "جدلًا" مصدرًا متأصلًا للفعل المذكور؛ لعدم الاشتراك اللفظي في الصيغة، وإنما هما نائبتان عن المصدرين الأصليين المحذوفين، والأصل: "سررت سرورًا" و"فرحت فرحًا"، ثم حذف المصدر الأصيل، وناب عنه مصدر آخر من غير لفظه، ولكنه يرادفه من جهة المعنى، لهذا يعربون المصدر المرادف السالف "نائبًا عن المصدر الأصيل" أو: "مفعولًا مطلقًا" كما قلنا، وكما عرفنا في رقم 2 من هامش ص 210 أن المفعول المطلق يطلق –أحيانًا– على المصدر الأصيل المنصوب على المصدرية. وقد يطلق على ما ينوب عنه أحيانًا أخرى، كما في هذا المرادف. والمترادفان هما اللفظان المشتركان في المعنى تمام الاشتراك – بحيث يؤدي أحدهما المعنى الذي يؤديه الآخر – مع اختلاف صيغتهما في الحروف؛ مثل: "فرح، وجذل" ومثل: "شنآن، وكره" ومثل: "حب، ومقة". 2 مع خضوعه لبقية الأحكام التي كان يخضع لها المصدر المحذوف؛ كما أشرنا قريبًا في آخر الهامش ص 212.

والأشياء التي تصلح للإنابة عن المصدر كثيرة 1؛ منها: ما يصلح للإنابة عن المصدر المؤكد، قد ينوب عن المصدر المبين أيضًا إذا وجدت قرينة تعين المصدر المبين المحذوف، ومنها ما لا ينوب عن المصدر المؤكد، ولكنه ينوب عن غيره من باقي أنواع المصدر، فمما يصلح للإنابة عن المصدر المؤكد: 1- مرادفه2؛ مثل: أحببت عزيز النفس مقة، وأبغضت الوضيع كرهًا. 2- اسم المصدر3, بشرط أن يكون غير علم4: نحو: توضأ المصلي وضوءًا – اغتسل – الصانع غسلًا، فالوضوء والغسل اسما مصدرين للفعلين قبلهما، نائبين عن المحذوف، ومثل: فرقة، وحرمة، في قولهم: افترق الأصدقاء فرقة، ولكني أحترم عهودهم حرمة، فالكلمتان اسما مصدرين للفعلين "افترق، واحترم" قبلهما، ونائبين عن المصدرين المحذوفين5؛ كالشأن في كل ما يلاقي المصدر في أصول مادة الاشتقاق6؛ بأن يشاركه في حروف مادته

_ 1 يتبين مما يأتي أن أربعة أشياء تصلح للنيابة عن كل مصدر أصيل محذوف هي: "المرادف" – "ملاقيه في الاشتقاق ومن هذا اسم المصدر غير العلم" – "الضمير" – "اسم الإشارة". 2 راجع رقم 1 من هامش الصفحة الماضية. 3 هو: ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه من ناحية الاشتقاق. بنقص بعض حروفه عن حروف المصدر – وهذا هو الغالب – كما في الأمثلة المعروضة، فهما يتلاقيان في الاشتقاق، ولكن الغالب أن اسم المصدر تقل حروفه عن حروف المصدر الذي يلاقيه في مادة الاشتقاق. وقد عرضوا للفرق بين المصدر واسم المصدر من الناحية اللفظية السابقة، ومن الناحية المعنوية؛ فقالوا فيهما: إن لفظ المصدر يجمع في صيغته جميع حروف فعله فهو يجري عليه في أمرها، واسم المصدر لا يجري على فعله، وإنما ينقص عن حروفه – غالبًا – وإن معنى المصدر ومدلوله هو: الحدث، أما اسم المصدر فمعناه ومدلوله المصدر لا الحدث، فهو يدل على الحدث بواسطة، أي: أن المصدر يدل على الحدث مباشرة وبالإصالة، واسم المصدر بمنزلة النائب عنه في ذلك، على أن تفصيل الكلام على تعريفهما، وإيضاح الفروق الدقيقة بينهما وسدر أحكامهما – سيجيء في الباب الخاص بهما؛ هو: باب: "إعمال المصدر، واسمه" "ج 3 ص 201 م 99"، ومن الفوارق اللفظية المدونة هناك أن اسم المصدر مقصور على السماع، أما المصدر فمنه السماعي، ومنه القياسي. 4 وحجتهم أن العملية معنى زائد على المصدر؛ لأن المصدر يدل على الحدث فقط، كما عرفنا فإذا كان النائب اسم مصدر وعلمًا معًا، فقد اجتمع فيه أمران هما: "العلمية، والدلالة على الحدث" ... واجتماعهما بجعله غير صالح للنيابة عن المصدر المحذوف؛ لأن المصدر المحذوف لا يدل على العلمية؛ فكيف يدل عليها اسم المصدر وهو نائب عنه في لفظه وفي معناه؟ أي: كيف يدل النائب على شيء ليس في الأصيل؟ 5 انظر المصباح المنير، مادة: "حرم". 6 يدخل في هذا المصدر الميمي.

الأصلية؛ إما مع كونه مصدر فعل آخر؛ كالمثالين الأولين، ونحو: "التبتيل" في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ 1 إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} ، فإنه مصدر2 للفعل: "بَتَّل" وقد تاب عن "التبتل"، الذي هو مصدر الفعل: "تبتل" وإما مع كونه اسم3 عين؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} ، فكلمة: "نباتًا" اسم للشيء الثابت من زرع أو غيره، وقد ناب عن: "إنباتًا" الذي هو المصدر القياسي للفعل: "أنبت"4. 3- بعض أشياء أخرى؛ كالضمير العائد عليه بعد الحذف؛ وكالإشارة له بعد الحذف أيضًا: كقولهم لمن يتكلم عن الإخلاص: "أخلصته لمن أوده"، وعن الإقبال: "أقبلت هذا"، والأصل: أخلصت الإخلاص، وأقبلت الإقبال، فالضمير عائد على المصدر المؤكد الذي حذف، ونائب عنه، وهو: "الإخلاص" واسم الإشارة يشير إلى المصدر المؤكد الذي حذف وينوب عنه؛ وهو "الإقبال". والذي يصلح للإنابة في الأنواع الأخرى: 1- لفظ كل أو بعض، بشرط الإضافة لمثل المصدر المحذوف؛ نحو: لا تنفق كل الإنفاق، ولا تبخل كل البخل؛ وابتغ بين ذلك قوامًا5 إذا سنحت الفرصة لغاية كريمة فلا تتمهل في اقتناصها بعض تمهل، ولا تتردد بعض تردد؛ فإنها قد تفلت، ولا تعود. ومثل كل وبعض ما يؤدي معناهما من الألفاظ الدالة على العموم، أو على

_ 1 تفرغ وانقطع لعبادته وطاعته. 2 لم يعتبروا: "التبتيل" اسم مصدر للفعل: "تبتل"؛ لأن حروفه تزيد على حروف مصدر هذا الفعل، واسم المصدر -في الرأي عندهم- لا بد أن تقل حروفه عن حروف مصدر الفعل الذي يجري على مقتضاه في الاشتقاق، أما الرأي الذي لا يشترط أن يقل عن حروف المصدر، ويبيح أن تزيد، فيجعل "تبتيلا" اسم مصدر. 3 ذات مجسمة، وليس – كالمصدر – واسمه معنى مجردًا. 4 يرى بعض النحاة أن كلمة "نبات" في الآية مصدر جرى على غير فعله؛ لأنه في الأصل مصدر للفعل: "نبت" – ثم سمي به الثابت؛ فيكون داخلًا في قسم الملاقي للمصدر في الاشتقاق مع كونه مصدر فعل آخر، ولا مانع أن تكون "نبات" اسم مصدر للفعل: "أنبت". 5 اطلب طريقًا وسطًا معتدلًا بين الأمرين.

البعضية، مثل: جميع، عامة، بعض، نصب، شطر ... 2– صفة المصدر المحذوف1؛ نحو: تكلمت أحسن التكلم وتكلمت أي تكلم2، إذ الأصل: تكلمت تكلمًا أحسن التكلم – وتكلمت تكلمًا أي تكلم، بمعنى: تكلمت تكلمًا عظيمًا – مثلًا. 3– مرادف المحذوف؛ نحو: وقوفًا وجلوسًا في مثل: قمت وقوفًا سريعًا للقادم العظيم، وقعدت جلوسًا حسنًا بعد قعوده، ومثل: لما اشتعلت النار صرخ الحارس صياحًا عاليًا؛ لينبه الغافلين، ولم يتباطأ توانيًا معيبًا في مقاومتها. 4– اسم الإشارة؛ والغالب أن يكون بعده مصدر كالمحذوف؛ كأن تسمع من يقول: "راقني عدل عمر"، فتقول: سأعدل ذاك العدل العمري، ويصح مع القرينة: سأعدك ذاك. ومثل أن تسمع: أعجبني إلقاؤك الجميل، وسألقي ذاك الإلقاء أو سألقي ذاك، فقد حذف المصدر بعد اسم الإشارة: لوجود القرينة الدالة عليه بعد حذفه، وهي اسم الإشارة – في المثالين – فإنه يدل دلالة المصدر هنا بالإشارة إليه، ويغني عنه3. 5- الضمير العائد على المصدر المحذوف؛ كأن تقول لمن يتحدث عن الإكرام التام والإساءة البالغة: "أكرمه من يستحقه، وأسيئها من يستحقها" تريد: أكرم الإكرام التام من يستحقه ... ، وأسيء الإساءة البالغة من يستحقها4.

_ 1 ويدخل في صفة المصدر المحذوف المصدر النوعي المضاف الذي سبق أن أشرنا إليه في رقم 2 من هامش ص 208، وأوضحنا الرأي والسبب في اعتباره نائبًا عن المصدر. والكثير في الصفة النائبة عن المصدر أن تكون مضافة إليه؛ كالأمثلة المذكورة. وقول الشاعر: الغنى في يد اللئيم قبيح ... قدر قبح الكريم في الإملاق أي: قبيح قبحًا قدر قبح الكريم في الإملاق. 2 هذا التركيب فصيح بالاعتبار الذي يليه، والذي يبين أصله، وما طرأ عليه من حذف، "وبسط الكلام على صحته مدون في ج 3 – باب الإضافة، م 95 ص 110، 112 وما بعدها حيث الرأي الحاسم في موضوع "أي"، ولها إشارة في باب النعت – ج 3 م 114 ص 452. 3 لا بد من هذه القرينة التي تجعل المحذوف بمنزلة المذكور، وإلا كان اسم لإشارة نائبًا عن مصدر مؤكد، لا عن مصدر نوعي. 4 مثل هذا الأسلوب قد يبدوا غريبًا، لكن إذا عرفنا أن معناه: الإكرام، أكرم إكرامًا من يستحقه، والإساءة، أسيء إساءة إلى من يستحقها – ذهبت الغرابة – وهو أسلوب عربي صحيح له نظائر كثيرة في القرآن؛ وغيره مثل قوله تعالى: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} أي: لا أعذب العذاب – لا أعذب عذابًا – أحدًا من العالمين ...

6– العدد الدال على المصدر المحذوف: نحو: يدور عقرب الساعات في اليوم والليلة أربعًا وعشرين1دورة، ويدور عقرب الدقائق في الساعة ستين1 دورة. 7- الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى ذلك المصدر المحذوف، وتحقيق دلالته؛ نحو: سقيت العاطش كوبًا – ضرب اللاعب الكرة رأسًا، أو رجلًا، أي: سقيت العاطش سقي كوب – ضرب اللاعب الكرة ضرب رأس، أو ضرب رجل، بمعنى: سقيت العاطش بأداة تؤدي مهمة السقي: تسمى: "الكوب" وضرب اللاعب الكرة بأداة معروفة بهذا الضرب تسمى: الرأس، أو: الرجل2 ولا بد من الآلة أن تكون معروفة بأنها تستخدم في إحداث معنى المصدر؛ فلا يصح سقيت الرجل العاطش دلوًا – ولا ضرب اللاعب الكرة بطنًا؛ لأن الدلو لا يسقي بها الرجل، والبطن لا يضرب به الكرة. 8– نوع من أنواعه؛ نحو؛ قعد الطفل القرفصاء 3 – مشي العدو القهقري 4. أو: التقهقر – سرت وراءه الجري – نام الآمن ملء جفونه5 ... أي: قعد قعود القرفصاء – مشى مشي القهقري، وسرت سير الجري – نام الآمن نومًا ملء جفونه ...

_ 1و 1 والأصل: دورانًا أربعًا وعشرين دورة – دورانًا ستين دورة، ثم حذف المصدر، وباب عنه عدده. 2 في مثل هذه الأمثلة ونحوها حذف المضاف – وهو المصدر المنصوب – وأقيم المضاف إليه مقامه؛ فصار منصوبًا مثله؛ إذ الأصل كما قلنا: سقيت العاطش سقي كوب – ضرب اللاعب الكرة ضرب رأس، أو ضرب رجل. 3 نوع من القعود – يستقر فيه الجالس – وفخذاه ملتصقتان ببطنه، يحيط بهما ذراعاه، أو ينكب على ركبتيه، لاصقًا فخذيه ببطنه، وكفاه تحت إبطيه ... والقرفصاء والقهقري معدودان هنا نائبين للمصدر؛ لأنهما من غير لفظ العامل؛ بالرغم من أنهما مصدرين أصليين للفعلين: "قرفص" و"قهقر" فهما مع فعليهما المشاركين لهما في المادة – مصدران، أما مع عامل آخر لا يشاركهما في المادة اللفظية – كالذي هنا – فنائبان عن المصدر – كما سلف في رقم 1 من هامش ص 213. 4 هي الرجوع إلى الخلف. 5 ومن هذا قول المتنبي عن قصائده، ومشكلاتها المعنوية: أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جرها ويختصم "جراها = من جرائها، أي: من أجلها ... "، ومما يصلح للنو قول الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا والأصل: تؤخذ الدنيا أخذ غلاب، ثم حذف المصدر المضاف رجل المضاف إليه محله، ونصب.

9– اللفظ الدال على هيئة المصدر المحذوف؛ كصيغة: "فعله"؛ نحو: مشى القط مشية الأسد، ووثب وثبة النمر، فكلمة: مشية – وثبة – تدل على نوع من الهيئة يكون عليه المصدر؛ فهي هنا نائبة عنه. 10– وقته؛ نحو: فلان يلهو ويمرح؛ لأنه لم يحي ليلة المريض، ولم يعش ساعة الجريح، أي: لم يحي حياة ليلة المريض، ولم يعش عيشة ساعة الجريح، "تريد: لم يحي في ليلة كليلة المريض، ولم يعش في ساعة كساعة الجريح؛ يذوق ما فيهما من آلام"، ومن هذا كلمة: "ليلة" في قول الشاعر: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم1 مسهدا 11– "ما" الاستفهامية؛ نحو: ما تكتب خطك؟ بمعنى: أي كتابة تكتب خطك؟ أرقعة، أم ثلثًا أم نسخًا ... ؟ ومثله: ما تزرع حقلك؟ بمعنى: أي زرع تزرع حقلك؟ أزرع قمح، أم ذرة، أم قطن ... ؟ 12– "ما" الشرطية؛ نحو: ما شئت فاجلس، بمعنى: أي جلوس شئته فاجلس. تلك هي أشهر الأشياء التي تنوب عن المصدر غير المؤكد عند حذفه2.وتتخلص كلها في أمر واحد، هو: وجود ما يدل عليه عند حذفه3، ويغني عنه من غير لبس.

_ 1 الملدوغ. 2 ومنها: ملاقيه في الاشتقاق؛ نحو قوله تعالى في مريم: {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَنا} واسم المصدر غير العلم؛ نحو تكلم المتعلم كلام النبلاء – انظر رقم 2 ص 214، ورقم 1 من هامشها. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد، وافرح الجذل-6 فسجل في هذا البيت أن المصدر ينوب عنه عند حذفه كل شيء يدل عليه، واقتصر في التمثيل على نائبين؛ هما: لفظ "كل" وقد أضافها للمصدر؛ حيث قال: "جد كل الجد"، ولفظ المرادف، وهو: الجذل، بمعنى الفرح، في "افرح الجذل". ثم ساق بعد هذا البيت بيتًا آخر سبق تدوينه، وشرحه في مكانه المناسب له – بهامش ص 212 – من مسائل الباب، هو: وما لتوكيد فوحد أبدًا ... وثن واجمع غيره وأفردا-5

المسألة 76

المسألة 76: حذف عامل المصدر: إقامة المصدر المؤكد نائبًا عن عامله في بعض المواضع. أ– يجوز حذف عامل، المصدر المبين للنوع أو للعدد بشرط وجود دليل1 مقالي، أو حالي يدل على المحذوف، فمثال حذف عامل النوعي لدليل مقالي، أن يقال: هل جلس الزائر عندك؟ فيجاب: جلوسًا طويلًا؛ أي: جلس جلوسًا طويلًا، ومثال حذفه لدليل حالي أن ترى صيادًا أصاب فريسته؛ فتقول: إصابة سريعة؛ أي: أصاب إصابة سريعة، ومن هذا قولهم للمتهيئ للسفر: "سفرًا حميدًا، ورجوعًا سعيدًا"، أي: تسافر سفرًا حميدًا، وترجع رجوعًا سعيدًا. ومثال حذف عامل العددي لدليل مقالي: هل رجعت إلى بيتك اليوم؟ فيجاب: رجعتين، أي: رجعت رجعتين، ولدليل حالي أن ترى خيل السباق وهي تدور: في الملعب؛ فتقول: دورتين؛ أي: دارت دورتين ... وهكذا. والمصدر في الحالات السالفة منصوب بعامله المحذوف جوازًا، وليس نائبًا عنه. ب– أما المصدر المؤكد لعامله فالأصل عدم حذف عامله؛ لما عرفنا2 من أن هذا المصدر مسوق لتأكيد معنى عامله في النفس، وتقويته، ولتقرير المراد منه، - أي: لإزالة الشك عنه – ولبيان أن معناه حقيقي لا مجازي – وهذه هي دواعي المجيء بالمصدر المؤكد، ومن أجلها لا يصح تثنيته، ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلًا أو ينصب مفعولًا، ولا أن يتقدم على عامله، ولا أن يحذف عامله3 ... لأن هذا الحذف مناف لتلك الدواعي، معارض للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد4.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص 56 أن الدليل "ويسمى: القرينة أيضًا" قد يكون مقاليًا، أي: مرجعه إلى القول والكلام – وقد يكون حاليًا، لا شأن له بالقول أو الكلام؛ وإنما الشأن فيه للمشاهدة، أو نحوها مما يحيط بالشخص، ويجعله يفهم أمرًا مستنبطًا مما حوله، دون أن يسمع لفظًا مطلقًا. 2 في ص 211 و"أ" من ص 207. 3 سبقت أحكامه في ص 211. 4 فيما سبق يقول ابن مالك: وحذف عامل المؤكد امتنع ... ومن سواه لدليل متسع-6 يريد: أن هناك للحذف في غير المؤكد، عند وجود دليل على المحذوف.

لكن العرب التزموا حذف عامله باطراد في بعض مواضع معينة، وأنابوا عنه المصدر المؤكد؛ فعل محله، وعميل عمله في رفع الفاعل، ونصب المفعول، وأغنى عن التلفظ بالعامل، وعن النطق بصيغته؛ وصار ذكر العامل ممنوعًا معه؛ لأن المصدر بدل عنه، وعوض عن لفظه ومعناه1؛ ولا يجتمع العوض والمعوض عنه2. ولما كان العرب قد التزموا الحذف "والإنابة – معًا - باطراد في تلك المواضع، لم يكن بد من أن نحاكيهم، ونلتزم طريقتهم الحتمية في حذف العامل في تلك المواضع، وفي إنابة المصدر المؤكد عنه، ولهذا قال النحاة: إن عامل المصدر المؤكد لا يحذف جوازًا –في الصحيح– وإنما يحذف وجوبًا في المواضع التي التزم فيها العرب حذفه لحكمه مقصودة، مع إقامة المصدر المؤكد مقامه، والأمران متلازمان. ومع أن العامل محذوف وجوبًا، فإنه هو الذي ينصب المصدر النائب عنه "أي: أن المصدر نائب عن عامله المحذوف، ومنصوب به معًا". أما المواضع التي ينوب فيها هذا المصدر عن عامله3 المحذوف وجوبًا، فبعضها خاص بالأساليب الإنشائية الطلبية، وبعض آخر خاص بالأساليب الإنشائية غير الطلبية، أو بالأساليب الخبرية المحضة4.

_ 1 هذا المصدر النائب أساسه المبالغة، فهو أبلغ وأقوى في تأدية المعنى من عامله. 2 سبقت الإشارة "في رقم 4 من هامش ص 209، وفي رقم 1 من هامش ص 225 إشارة أيضًا" إلى أن الأفضل اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا مستقلًا بذاته يزاد على الأقسام الثلاثة المشهورة، والسبب أن كثيرًا من المصادر النائبة عن عاملها المحذوف قد يكون مؤكدًا لعامله، والأصل في المؤكد ألا يعمل، وألا يحذف عامله ... و ... مع أن المؤكد هنا يعمل ويحذف عامله، فيقع التعارض والتناقص بين حكم المؤكد هنا وحكمه في ناحية أخرى، ولا سبيل للتغلب على هذا التعارض والتناقض إلا بالتأويل والتقدير؛ وهذا معيب أو باعتبار المؤكد هنا، والمحذوف عامله وجوبًا، قسمًا مستقلًا، ولا ضرر في هذا بل فيه تغلب على الصعوبة السالفة. 3 بعض المصادر المؤكدة قد تنوب عن عوامل مهملة، أو ليست من لفظها؛ فتكون مقصورة على السماع، كما يجيء في ص 223 مثل: ويح، ويل ... وسيجيء الكلام عنها في الزيادة، ص 230. 4 سبق في جـ1 ص374 م27 إيضاح للجملة الخبرية، والجملة الإنشائية. وملخصه: أن الجملة الخبرية هي التي يكون معناها صالحا للحكم عليه بأن صدق أو كذب، من غير نظر لقائلها من ناحية أنه معروف بهذ أو بذاك، مثل: نزل المطر أمس، فهي جملة صالحة، لأن توصف بأنها - في حد ذاتها - صادقة أو كاذبة ... والجملة الإنشائية هي التي يطلب بها إما حصول شيء، أو عدم حصوله، وإما إقراره والموافقة عليه، أو عدم إقراره، فلا دخل للصدق أو الكذب فيها. =

1– فيراد بالأساليب الإنشائية الطلبية هنا: ما يكون فيها المصدر المؤكد النائب دالًا على أمر، أو نهي أو دعاء، أو توبيخ والكثير أن يكون التوبيخ مقرونًا بالاستفهام1؛ فمثال الأمر أن تقول للحاضرين عند دخول زعيم: قيامًا، بمعنى: قوموا، وأن تقول لهم بعد دخوله واستقراره: جلوسًا، بمعنى: اجلسوا: فكلمة: "قيامًا" مصدر "أو: مفعول مطلق" منصوب بفعل الأمر المحذوف وجوبًا. والمصدر نائب عنه في الدلالة على معناه، وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلًا2 له؛ فصار بعد حذف فعله فاعلًا للمصدر النائب، ومثل هذا يقال في: "جلوسًا" وأشباههما، والأصل قبل حذف العامل وجوبًا: قوموا قيامًا – أجلسوا جلوسًا 3 ... ومثال النهي أن تقول لجارك وقت سماع محاضرة، أو خطبة ... سكوتًا، لا تكلمًا؛ أي: اسكت، لا تتكلم، فكلمة: "سكوتًا" مصدر – أو مفعول مطلق – منصوب بفعل الأمر المحذوف وجوبًا، والذي ينوب عنه هذا المصدر في أداء معناه, وفاعل المصدر النائب مستتر وجوبًا تقديره: أنت؛ وقد انتقل إليه هذا الفاعل بعد حذف فعل الأمر على الوجه السالف2، وكلمة: "لا" ناهية،

_ = وهي قسمان: إنشائية طلبية، أي: يراد بها طلب حصول الشيء أو عدم حصوله، وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والتمني، والعرض، والتحضيض ... ، كما هو مدون في المصادر الخاصة بالبلاغة، وإنشائية غير طلبية وهي التي يريد بها المتكلم: إعلان شيء والتسليم به، وتقرير مدلوله، من غير أن يصحب هذا الإعلان والتسليم طلب أمر آخر، كما سيجيء في ص 223، وتشمل جملة التعجب –في الرأي الشائع– وجملة المدح والذم بنعم وبئس ونظائرهما، وجملة القسم نفسه، لا جملة جوابه ... ، وصيغ العقود التي يراد إقرارها؛ مثل: بعت؛ وهبت ... إلى غير هذا مما في المرجع السابق. 1 انظر رقم 4 من هامش الصفحة الآتية. 2 و 2 ذلك أن فعل الأمر المحذوف وحده، له فاعل لم يحذف، فلما ناب المصدر عن فعل الأمر المحذوف وحده انتقل فاعله إلى المصدر النائب، وصار فاعلًا له بعد أن كان فاعلًا لفعل الأمر المحذوف؛ فالمصدر متحمل لضمير عامله، وقيل: إن المصدر ناب عن الفعل المحذوف ومن فاعله معًا؛ فلا يحتاج لفاعل.... وقيل ... و ... والرأي الأول أحسن؛ لأنه يساير القواعد النحوية العامة، والثاني أخف وأيسر. ولا تأثير لاختلافهما في الاستعمال الكلامي والكتابي. 3 ومثل قول الشاعر: أكابرنا عطفًا علينا فإننا ... بنا ظمأ برح، وأنتم مناهل يريد: يا أكابرنا، أعطفوا علينا ... ، والبرح: الشديد: المناهل: جمع منهل، وهو مورد الماء العذب الصافي.

و"تكلما": مصدر منصوب بالمضارع المحذوف، المجزوم بلا الناهية1، ونائب عنه في تأدية معناه، وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه، تقديره: أنت، وهذا الضمير انتقل للمصدر النائب من المضارع المحذوف -كما تقدم. ومثال الدعاء بنوعيه2 قول زعيم: "ربنا إنا قادمون على معركة فاصلة مع طاغية جبار؛ فنصرًا عبادك المخلصين، وهلاكًا وسحقًا للباغي الأثيم"، أي: فانصر –بارب– عبادك المخلصين، وأهلك واسحق الباغي الأثيم ... ومنه "سقيًا" و"رعيًا" 3 لك، "وجدعًا وليًا" لأعدائك، وإعراب المصادر في هذه الأمثلة كإعرابها في نظائرها السابقة. ومثال الاستفهام التوبيخي4: أبخلًا وأنت واسع الغنى؟ أسفاهة وأنت

_ 1 والأصل قبل الحذف فيهما: اسكت سكوتًا، لا تتكلم تكلمًا، ولا يكون حذف المضارع المجزوم "بلا" الناهية واجبًا إلا في هذه الصورة – كما سيجيء هذا في موضعه من باب: "الجوازم"، ج 4 م 153 عند الكلام على "لا الناهية". 2 الخير والشر. 3 يوجب أكثر النحاة حذف العامل هنا؛ مراعاة للسماع، ويكون التقدير: "اسق يا رب، ارع يا رب، الدعاء لك أيها المخاطب"، فالجار والمجرور في الصورتين خبر لمحذوف؛ تقديره: الدعاء –مثلًا– ولا يصح أن يكون الجار والمجرور متعلقين بالمصدر قبلهما؛ لئلا يفسد المعنى؛ إذ يكون: اسق يا رب لك – ارع يا رب لك وهذا فاسد؛ لأن السقي ليس مطلوبًا لله، وكذلك الرعي. من أجل هذا قالوا بحق في مثل: سقيا لك – إن الكلام جملتان وليس جملة واحدة. على أن لهذا البحث تفصيلات واسعة وتفريعات دقيقة؛ لا غنى عن الإلمام بها لتعدد أحكامها بتعدد استعمالاتها – وقد سجلناها في ج 1 ص 372 م 39. ويجيز فريق من النحاة عدم التقيد بوجوب حذف العامل في مثل هذه الصورة المسموعة، ورأيه سائغ، والأول هو الأفصح والأقوى - كما سيجيء ي "ح" من ص 232. 4 قد يكون التوبيخ للمتكلم، بأن يوجه صيغة التوبيخ مشتملة على الخطاب يريد بها نفسه، بقرينة، كقول القائل لنفسه: أتركا للعمل وأنا فقير؟ وقد يكون التوبيخ للمخاطب، نحو: أسرقة وأنت غني؟ وقد يكون للغائب: نحو: أخوفًا وهو جندي؟ وقد يكون التوبيخ مسبوقًا بأداة استفهام، إما مذكورة صراحة، أو ملحوظة في حكم المذكورة، وإما غير مذكورة ولا ملحوظة، فمثال المذكورة وما في حكمها قول الشاعر: أذلا إذا شب العدا نار حربهم؟ ... وزهوًا إذا ما يجنحون إلى السلم؟ والأصل: أتذل ذلًا؟ وتزهو زهوًا"، فالأول مسبوق بهمزة الاستفهام المذكورة، والثاني مسبوق بها ملاحظة وتقديرًا، ومثال غير المذكورة وغير المقدرة قول الشاعر: خمولًا، وإهمالا، وغيرك مولع ... بتثبيت أسباب السيادة والمجد أي: تخمل خمولًا، وتهمل إهمالًا ...

مثقف؟ أي: أتبخل بخلًا ... . أتسفه سفاهة.... وإعراب المصدر هنا كسابقه. ونيابة المصدر عن عامله المحذوف في الأساليب الإنشائية الطلبية –قياسية– بشرط أن يكون العامل المحذوف فعلًا من لفظ المصدر ومادته، وأن يكون المصدر مفردًا منكرًا، وإلا كان سماعيًا؛ مثل: ويحه، ويله1 ... – كما تقدم 2. 2– ويراد – هنا – بالأساليب الإنشائية غير الطلبية: المصادر الدالة على معنى يريد المتكلم إعلانه وإقراره، والتسليم به، من غير طلب شيء3، أو عدم إقراره، كما سبق4، والكثير من هذه المصادر مسمع عن العرب جار مجرى الأمثال، والأمثال لا تغير؛ كقولهم عند تذكر النعمة: "حمدًا، وشكرًا، لا كفرًا"؛ أي: أحمد الله وأشكره – ولا أكفر به، وكانوا يردون الكلمات الثلاث مجتمعة لهذا الغرض وهو إنشاء المدح، والشكر، وإعلان عدم الكفر, ووجوب حذف العامل متوقف على اجتماعها؛ مراعاة للمأثور؛ وإلا لم يكن الحذف واجبًا. وكقولهم عند تذكر الشدة: "صبرًا، لا جزعًا"، بمعنى "أصبر5،

_ 1 المصادر الدالة على الطلب لا تصلح أن تكون نعتًا، ولا منعوتًا - كما سيجيء في باب النعت – ج 3 م 114 ص 445. 2 في رقم 3 من هامش ص 220. 3 المقصود في الأساليب الآتية: الإنشاء غير الطلبي – وقد شرحناه في رقم 4 من هامش ص 220 – ولكنهم جعلوها من قسم الخبر نظرًا لصورة العامل ولفظه، ويرى بعض النحاة أنها أساليب خبرية لفظًا ومعنى، وهذا رأي حسن، لوضوحه، والمسألة رهن، بالاصطلاح. 4 في رقم 4 من هامش ص 220. 5 أما كلمة: صبرًا في مثل قول الشاعر: فصبرًا في مجال الصوت صبرًا ... فما نيل الخلود بمستطاع فتصح أن تكون مصدرًا نائبًا عن الفعل المضارع: "أصبر" يكون هذا المصدر من نوع الإنشاء غير الطلبي، وتصح أن تكون مصدرا نائبًا عن فعل الأمر – أي عن: "أصبر" – فيكون المصدر من نوع الإنشاء الطلبي الذي سبق بيانه.

لا أجزع، يريد إنشاء هذا المعنى، وعند ظهور ما يعجب: "عجبًا" بمعنى أعجب، وعند الحث على أمر: "افعل وكرامة"، أي: وأكرمك, وعند إظهار الموافقة والامتثال: "سمعًا وطاعة"، بمعنى: أسمع وأطيع. والمصادر في كل ما سبق – أو: المفعول المطلق – منصوب بالعامل المحذوف وجوبًا، وهو الذي ناب عنه المصدر في أداء المعنى، وفي تحمل الضمير الفاعل، وتقديره للمتكلم: أنا. ونيابة هذا النوع من المصادر عن عامله تكاد تكون مقصورة على الألفاظ المحددة الواردة سماعًا عن العرب، ويرى بعض المحققين جواز القياس عليها في كل مصدر يشيع استعماله في معنى معين، ويشتهر تداوله فيه، وله فعل من لفظه، من غير اقتصار على ألفاظ المصادر المسموعة, وهذا رأي عملي مفيد1. 3- ويراد بالأساليب الخبرية المحضة أنواع، كلها قياسي، بشرط أن يكون العامل المحذوف وجوبًا فعلًا من لفظ المصدر ومادته. منها: الأسلوب المشتمل على مصدر يوضح أمرًا مبهمًا مجملًا، تتضمنه جملة قبل هذا المصدر، ويفصل عاقبتها؛ أي: يبين الغاية منها، "فالشروط ثلاثة في المصدر: تفصيله عاقبه، وأنها عاقبة أمر مبهم تتضمنه جملة، وهذه الجملة قبله" مثل: "إن أساء إليك الصديق فاسلك مسلك العقلاء؛ فإما عتابًا كريمًا، وإما صفحًا جميلًا2"؛ فسلوك مسلك العقلاء أمر مبهم، مجمل، لا يعرف المقصود منه؛ فهو مضمون جملة محتاجة إلى إيضاح، وتفصيل، وإبانة عن المراد، فجاء بعدها الإيضاح والتفصيل البيان من المصدرين: "عتابًا" و"صفحًا" المسبوقين بالحرف الدال على التفصيل؛ وهو: "إما". وهما منصوبان بالفعلين المحذوفين وجوبًا، وقد ناب كل مصدر عن فعله في بيان معناه، والتقدير: فإما أن تعتب عتابًا كريمًا، وإما أن تصفح صفحًا جميلًا.

_ 1 لأنه يساير الأصول اللغوية العامة، ولا تضار اللغة باتباعه، وقد أشرنا لهذا في "ج" من ص 232. 2 وتغني "أو" عن "إما" الثانية؛ كقول الشاعر: وقد شفني ألا يزال يروعني ... خيالك إما طارقًا أو معاديًا

ومثله: "إذا تعبت من القراءة فاتركها لأشياء أخرى؛ فإما مشيًا في الحدائق، وإما استماعًا للإذاعة، وإما عملًا يدويًا مناسبًا"، فالمصادر "مشيًا" – "استماعًا" – "عملًا" ... موضحه ومفصله لأمر غامض مجمل في جملة قبلها، يحتاج لبيان، هو: "الترك لأشياء أخرى" فعامل كل منها محذوف وجوبًا، والتقدير: تمشي مشيًا – تستمع استماعًا – تعمل عملًا ... فهي مصادر منصوبة بفعلها المحذوف الذي نابت عنه في تأدية معناه ... وانتقل إليه الفاعل بعد حذف العامل؛ فصار فاعلًا مستترًا للمصدر النائب، والتقدير: "أنت"، ومثل قول الشاعر: لأجهدن؛ فإما درء واقعة ... تخشى، وإما بلوغ السؤل والأمل والتقدير: فإما أدرأ درء واقعة، وإما أبلغ بلوغ السؤال ... ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مكررًا أو محصورًا، ومعناه مستمرًا إلى وقت الكلام، وعامل المصدر واقعًا في خبر مبتدأ اسم ذات1، فمثال المكرر: المطر سحا سحا – الخيل الفارهة2 صهيلًا 3 صهيلًا، وقول الشاعر: أنا جدًا جدًا ولهوك يزدا ... د إذا ما إلى اتفاق سبيل

_ 1 الشروط أربعة: أن يكون المصدر مكررًا أو محصورًا، وأن يكون عامله خبرًا لمبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وأن يكون هذا المبتدأ اسم عين؛ "أي: اسم ذات مجسمة"، فلا يراد به أمر معنوي "عقلي" كالعلم – الفهم – النيل - البراعة ... ، وأن يكون معنى المصدر مستمرًا إلى زمن الحال؛ لا منقطعًا ولا مستقبلًا محضًا، فإن فقد شرط من الشروط لم يكن الحذف واجبًا، وإنما يكون جائزًا - في رأي. ويقوم مقام التكرار والحصر لسالفين بشرط استيفاء باقي الشروط – دخول الهمزة على المبتدأ نحو: أأنت طيرانًا، والعف على المصدر؛ نحو أنت طيرانًا وعومًا. ويلاحظ هنا ما سبق أن أشرنا إليه "في ب من ص 219" من أن حذف عامل المؤكد ممنوع –على الصحيح– إلا حين يكون المصدر نائبًا عن فعله في المواضع التي ينوب فيها عنه، "ومنها هذه الصورة التي ينوب فيها وجوبًا عند استيفاء الشروط، وجوازًا –في رأي– عند فقد شرط أو أكثر"، وأن الأحسن اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا رابعًا مستقلًا بنفسه؛ لأنه قد يؤكد عامله المحذوف، والأصل في المؤكد ألا يحذف عامله، فلدفع هذا التعارض يعتبر قسمًا مستقلًا؛ كي لا يدخل في قسم المؤكد غير النائب، فيقع تعارض واضح بين حكم المؤكد، وهو يقتضي عدم حذف عامله، وحكم هذه الأنواع التي يكون فيها المصدر نائبًا عن عامله ومؤكدًا له، مع أن هذا العامل محذوف "كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص 209، وفي رقم 2 من هامش ص 220. 2 النشيطة القوية. 3 الصهيل: صوت الخيل.

ومثال المحصور: "ما الأسد مع فريسته إلا فتكا – ما النمر عند لقاء الفيل إلا غدرًا"؛ التقدير: يسح سحًا سحًا – تسهل صهيلًا صهيلًا – أجد جدًا جدًا – إلا يفتك فتكًا – إلا يغدر غدرًا – فهذه المصادر وأشباهها؛ تقتضي – بسب التكرار، أو الحصر – حذف فعلها، وهي منصوبة بفعلها المحذوف وجوبًا، ونائبة عنه في بيان معناه، ومتحملة لضميره المستتر الذي صار فاعلًا لها، وتقديره: "هو"، أو: "هي" على حسب نوع الضمير المستتر. ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مؤكدا لنفسه، بأن يكون واقعا بعد جملة مضمونها كمضمونه، ومعناها الحقيقي -لا المجازي1- كمعناه، ولا تحتمل مرادا غير ما يراد منه، فهي نص في معناه2 الحقيقي، نحو: "أنت تعرف لوالديك فضلهما يقينا"، أي: توقن يقينا، فجملة: "تعرف لوالديك فضلهما" هي في المعنى: "اليقين" المذكور بعدها؛ لأن الأمر الذي توقنه هذا هو: الاعتراف بفضل والديك، والاعتراف بفضل والديك هو الأمر الذي توقنه، فكلاهما مساو للآخر من حيث المضمون. ومثلها: سرتني رؤيتك حقا، بمعنى: أحق حقا، أي: أقرر حقا، فالمراد من: سرتني رؤيتك، هو المراد من: "حقا"، إذ السرور بالرؤية هو: "الحق" هنا، والحق هنا هو: السرور بالرؤية"، فمضمون الجملة هو مضمون المصدر، والعكس صحيح. فكلمة: "يقينا"، و"حقا" وأشباههما من المصادر المؤكدة لنفسها، منصوبة بالفعل المحذوف وجوبا، النائبة عن في الدلالة على معناه، أما فاعله فقد صار بعد حذف الفعل فاعلا للمصدر، وهذا الفاعل ضمير مستتر تقديره في المثالين: أنا. ولا يصح في هذا النوع3 من الأساليب تقديم المصدر على الجملة التي يؤكد معناها، ولا التوسط بين جزأيها.

_ 1 لأن المجازي قد يراد منه ما لا يراد من المعنى الحقيقي للمصدر، فقد يراد في الأمثلة الآتية السخرية أو التهكم ... 2 ولذلك سمي المؤكد لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي تتضمن معناه نصًا؛ فكأنه نفس الجملة التي أعيدت؛ وكأنها ذاته. 3 من هذا النوع: لا أفعل الأمر ألبتة، فكلمة: "ألبتة"، مصدر حذف عامله وجوبا. والتاء فيه ليست للتأنيث، وإنما هي للوحدة، ومعنى "البت" القطع، أي: أقطع في هذا الأمر القطعة الواحدة، لا ثانية لها، فلا أتردد، ثم أجزم بعد التردد، وقد تكون "أل" هنا للعهد، أي: القطعة المعهودة بيننا؛ وهي التي لا أتردد معها. فألبتة: تفيد استمرار النفي الذي قبلها، ولو لم توجد لكان انقطاعه محتملًا. والأفصح ملازمة: "أل" لكلمة: "ألبتة" في الاستعمال السالف، وأن تكون همزتها للقطع.

ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر مؤكدا لغيره، بأن يكون المصدر واقعا بعد جملة معناها ليس نصا في أمر واحد يقتصر عليه، ولا يحتمل غيره، وإنما يحتمل عدة معان مختلفة، منها المعنى الذي يدل على المصدر عليه قبل مجيئه، فإذا جاء بعدها منع عنها الاحتمال، وأزال التوهم، وصار المعنى نصا في شيء واحد، نحو: هذا بيتي قطعا أي: أقطع برأيي قطعا، فلولا مجيء المصدر: "قطعا" لجاز فهم المعنى على أوجه متعددة بعضها حقيقي، والآخر مجازي......، أقربها: أنه بيتي حقا، أو: أنه ليس بيتي حقيقة، ولكنه بمنزلة بيتي، لكثرة ترددي عليه، أو: ليس بيتي ولكنه يضم أكثر أهلي ... أو: ... ، فمجيء المصدر بعد الجملة قد أزال أوجه الاحتمال والشك، والمجاز، وجعل معناها نصا في أمر واحد1 بعد أن لم يكن نصا. وهو منصوب بعامله المحذوف وجوبا، وقد ناب عنه بعد حذفه لتأدية معناه. وفاعل المصدر ضمير مستتر فيه، تقديره: أنا، انتقل إليه بعد حذف ذلك العامل ولا يصح -أيضا- في هذا النوع من الأساليب تقديم المصدر "المؤكد" لغيره على تلك الجملة، ولا التوسط بين جزأيها. ومنها: الأسلوب الذي يكون فيه المصدر دالا على التشبيه بعد جملة مشتملة -إجمالا- على معناه وعلى فاعله المعنوي2، وليس فيا ما يصلح عاملا غير المحذوف3

_ 1 ولهذا سمي المؤكد لغيره، أي: للجملة التي قبله، والتي لا تتضمن معناه نصًا؛ لأنه أثر فيها، وجعل معناها نصًا، فصار به مؤكدًا قويًا، لا ضعف فيه ولا احتمال، وقد كان ذلك المعنى ضعيفًا قبل مجيء المصدر. 2 يراد به الفاعل اللغوي –لا النحوي– وذلك من فعل الشيء حقيقة، ولو لم تنطبق عليه الشروط النحوية للفاعل، كالمغني في المثال الآتي ... ، فهل فاعل معنى للغناء والتصويت، كذلك: "الشجاع" هو فاعل الزئير معنى، لا نحويًا. 3 جملة الشروط في الحقيقة سبعة: كونه مصدرًا – مشعرًا بأن معناه مما يحدث ويطرأ، وليس أمرًا ثابتًا دائمًا أو كالدائم "أي: أنه ليس من السجايا الثابتة، ولا الأمور الفطرية الملازمة، كالذكاء – الطول – السمنة، فلا يكون مما نحن فيه: لفلان ذكاء ذكاء العبقري: بنصب كلمة: "ذكاء" الثانية؛ لأنها من السجايا – كونه دالًا على التشبيه – بعد جملة – هذه الجملة مشتملة على فاعله المعنوي، وعلى معناه – ليس فيها ما يصلح للعمل. قال الخضري في هذا المكان: "هذه الشروط لوجوب حذف الناصب إذا نصب، ويجوز معها رفعه؛ بدلًا مما قبله، أو: صفة له؛ بتقدير: "مثل" أو خبرًا لمحذوف، وهل النصب حينئذ أرجح، أو هما سواء؟ قولان ... ا. هـ.

نحو: "للمعنى صوت صوت البلبل"، أي: للمغني صوت، يصوت صوت البلبل، بمعنى: صوتا يشبهه، ومنه: "للشجاع المقاتل زئير زئير الأسد"، أي: يزأر زئير الأسد، أي: زئيرا يشبه زئيره، ومنه: "للمهموم أنين، أنين الجريح"، أي: يئن أنين الجريح، "أنينا شبيها بأنين الجريح" ... وهكذا، والمصدر منصوب في هذه الأمثلة على الوجه الذي شرحناه1.

_ 1 عرض ابن مالك –بإيجاز– لمواضع حذف عامل المصدر وجوبًا، فقال: والحذف حتم مع آت بدلًا ... من فعله: كندلًا اللذ كاندلا أي: الحذف واجب في عامل المصدر الآتي بدلًا وعوضًا عن فعله، ومغنيًا عن التلفظ به؛ مثل: المصدر: "ندلًا" ومعناه: "خطفًا"؛ وهو بمعنى "اندل" في الدلالة على طلب الندل، أي: الخطف، فالمصدر "ندلًا" منصوب بعامله المحذوف "اندل"، ونائب عنه في تأدية معناه، ومتحمل لضميره الفاعل الذي تقديره: أنت، "واللذ: الذي". ثم قال: وما لتفصيل: كإما منا ... عامله يحذف حيث عنا "عنا، أصله: عن، بمعنى: عرض، والألف لوزن الشعر، ويسمونها: ألف الإطلاق؛ لأن الصوت ينطلق من غير حبس، ويمتد؛ فيجيء بها". يريد: أن عامل المصدر بحذف حيث عرض هذا العامل بشرط أن يدل المصدر على تفصيل أمر مبهم مجمل قبله، وساق لهذا بعض آية تصلح للتمثيل؛ هي قوله تعالى يخاطب المسلمين، في أمر أسرى الكفار المهزومين: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . الوثاق – القيد، ومعنى شدة: إحكام ربطه وتمكينه، وموضع الشاهد هو: "منا، وفداء" – التقدير: تمنون منا بإطلاق الأسرى أحرارًا بغير مقابل، أو يفدون أنفسهم فداء، أي: يدفعون الفدية – وهي: التعويض المال أو غيره – في نظير إطلاق سراحهم, ثم قال: كذا مكرر، وذو حصر، ورد ... نائب فعل لاسم عين استند أي: يحذف عامل المصدر وجوبًا إذا وقع المصدر نائبا عن فعل محذوف استند لمبتدأ اسم عين. =

هذا، وقد اشترطنا أن تكون الجملة السابقة مشتملة على معناه، فهل يشترط أن تكون مشتملة على لفظه أيضًا؟. الجواب: لا؛ فإنها قد تشتمل على لفظه كالأمثلة السابقة، وربما لا تشتمل؛ مثل قول القائل يصف النخيل: "رأيت شجرًا محتجبًا في الفضاء، ارتفاع المآذن"، فكلمة: "ارتفاع" مصدر منصوب بعامل محذوف وجوبًا، تقديره: يرتفع ارتفاع المآذن، وإنما حذف وجوبًا لتحقق الشروط، التي منها؛ وقوع المصدر بعد جملة مشتملة على معناه، وإن كانت غير مشتملة على لفظه؛ لأن معنى: "رأيت شجرًا محتجبًا في الفضاء" – هو رأيت شجرًا مرتفعًا، ومثله: رأيت رجلًا يزحم الباب، ضخامة الجمل، أي: يضخم ضخامة الجمل.

_ أي: كان مسندًا هو وفاعله، والمسند إليه مبتدأ، دال على اسم عين "أي: على ذات"، وقد شرحناه، ثم انتقل إلى = المؤكد لنفسه أو لغيره: ومنه ما يدعونه مؤكدًا ... لنفسه، أو غيره، فالمبتدا نحو: له علي ألف عرفا ... والثان كابني أنت حقًا صرفا يريد بالمبتدأ: النوع الأول، وهو المؤكد لنفسه، "عرفًا"، أي: اعترافًا، وهو المصدر المؤكد لنفسه، والأصل اعترف اعترافًا، فحذف الفعل وجوبًا وناب عنه مصدره، و"صرفًا"، أي: خالصًا، وهي نعت لكلمة: "حقًا" أي: حقًا خالصًا لا شبهة فيه، و"حقًا" هي المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا، ثم قال: كذاك ذو التشبيه بعد جمله ... كلي بكًا، بكاء ذات عضله يريد: المصدر المقصود به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعله المعنوي – كما أوضحنا في الشرح –، ومثل له بمثال هو: "لي بكا بكاء ذات عضلة"، أي: لي بكًا، أبكي بكاء ذات عضلة؛ "فبكاء" هي المصدر الدال على التشبيه، وعامله محذوف وجوبًا ... ولا يصح أن يكون عامله المصدر الذي قبله، وهو كلمة: "بكًا" المقصورة؛ لأن المصدر لا يعمل هنا؛ لأنه ليس نائبًا عن فعله، ولا مؤولًا بالحرف المصدري، وهذان هما الموضوعان اللذان يعمل في كل منهما المصدر الصريح. و"العضلة" الداهية, و"بكاء ذات عضلة"، أي بكاء من أصابتها داهية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– كررنا أن الأفضل اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا مستقلًا بنفسه، ينضم إلى الأقسام الأخرى الشائعة، وأوضحنا1 سبب استقلاله، أما عامله المحذوف فلا بد أن يكون في جميع المواضع القياسية فعلًا مشتركًا معه في المادة اللفظية، وفي حروف صيغتها، كالأمثلة الكثيرة التي مرت، وأما الأمثلة السماعية، فمنها الخالي من هذا الاشتراك اللفظي؛ مثل: ويح – ويل – ويس - ويب ... وأمثالها من الألفاظ التي كانت بحسب أصلها كنايات عن العذاب والهلاك، وتقال عند الشتم والتوبيخ، ثم كثر استعمالها حتى صارت كالتعجب؛ يقولها الإنسان لمن يحب ومن يكره، ثم غلب استعمال: "ويس" و"ويح" في الترحم وإظهار الشفقة، كما غلب استعمال: "ويل" و"ويب" في العذاب. وإذا نصبت الألفاظ الأربعة – وأشباهها – كانت مفعولات مطلقة لعامل مهمل2،

_ 1 في رقم 4 من هامش ص 209، و 2 من هامش ص 220، ورقم 1 من ص 225. 2 أي: لفعل من لفظها؛ كان يستعمله العرب قديمًا، ثم تركوا استعماله اختيار؛ فصار مهملًا مستغنى عنه؛ شأن كل شيء مهمل، لكن أيجوز استعمال اللفظ الذي أهمله العرب – سواء أكان فعلًا أم غير فعل؟. الرأي السديد أنه لا مانع من استعماله ما دام معروفًا بنصه وصيغته، ومما يؤيد استعمال الفعل المهمل، ما جاء في المزهر: "ج 2 ص 30 باب: ذكر نوادر من التأليف" ونصه: "قال ابن درستويه في شرح: "الفصيح" إنما أهمل استعمال "ودع، ووذر" – واللذين مضارعهما: يدع ويذر – لأن في أولهما واوًا، وهو حرف مستثقل؛ فاستغني عنهما بما خلا منه، وهو "ترك"، قال: واستعمال ما أهملوا من هذا جائز صواب، وهو الأصل، بل هو في القياس الوجه، وهو في الشعر أحسن منه في الكلام لقلة اعتياده؛ لأن الشعر أقل استعمالًا من الكلام". ا. هـ. فإن لم يكن معروف الصيغة نصًا، وكان المعروف مصدرًا أو مشتقًا، فقد انطبق عليه رأي بعض اللغويين – كابن جني – وهو يقضي بصحة استعماله، وبإباحة تكملة مادته اللغوية الناقصة بما يجعلها على غرار نظائرها، فالمصدر تشتق منه فروع تساير الفروع التي تشتق من نظيره في الدلالة العامة، وفي الوزن ... ، والمشتق – كاسم الفاعل – وغيره – تكمل له الأنواع، والفروع، ومصدره بما يساير نظائره في كل ذلك، وقد ارتضى مجمع اللغة بالقاهرة هذا المذهب، وسار عليه في بعض قراراته. وفيما يلي كلام ابن جني: قال في كتابه الخصائص "ج1 ص362 باب: في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، ما نصه: =

أو لفعل من معناها؛ فالأصل: "رحمه الله ويحًا وويسًا بمعنى: رحمة الله رحمة" - أو: "رحمة الله ويحه وويسه، بمعنى رحمه الله رحمته ... " وكذا: "أهلكه الله ويلًا، وويبًا، أو أهلكه الله ويله، وويبه؛ بمعنى أهلكه الله إهلاكًا، وأهلكه الله إهلاكه"، فالفعل مقدر في الأمثلة بما ذكرناه، أو بما يشبهه أداء المعنى من غير تقيد بنص الأفعال السالفة التي قدرناها. وقيل: إن الكلمات السالفة: "ويح – ويس – ويل – ويب ... " عند نصبها تكون منصوبة على أنها مفعول به؛ وليست مفعولًا مطلقًا؛ فالأصل مثل: ألزمه الله ويحه، أو ويله ... أو ... ، وهذا رأي حسن لوضوحه ويسره، وإن كان الأول هو الشائع، ومثله: بله الأكف "في حالة الكسر" بمعنى: ترك الأكف، أي: اترك ترك الأكف ... ب– من المصادر المسموعة التي ليس لها فعل من لفظها، ما يستعمل مضافًا وغير مضاف، كالكلمات الخمسة السابقة، فإن كانت مضافة فالأحسن نصبها على اعتبارها مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف، أو مفعولًا به، كما شرحنا. والنصف هو الأعلى، ولم يعرف –سماعًا– في كلمة: "بله" المضافة سواه، أما الكلمات الأربع التي قبلها، فيجوز فيها الرفع على اعتبارها مبتدأ خبره محذوف,

_ = "حكى لنا أبو علي عن ابن الأعرابي أظنه قال: يقال: درهمت الخبازي، أي: صارت كالدرهم؛ فاشتق من الدرهم، وهو اسم عجمي، وحكى أبو زيد – رجل مدرهم، قالوا ولم يقولوا منه درهم؛ إلا أنه إذا جاء اسم المفعول فالفعل نفسه حاصل في الكف، ولهذا أشباه". ا. هـ. ثم قال بعد ذلك في ص 367 من الفصل نفسه ما نصه: "ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع؛ فإذا أخذ إنسان على مثلهم، وأم مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية ... ". وفي ص 127 – باب تعارض السماع والقياس – ما نصه: "إذا ثبت أمر المصدر الذي هو الأصل لم يتخالج شك في الفعل الذي هو الفرع، قال لي أبو علي في الشام: إذا صحت الصفة "المشتق" فالفعل في الكف. وإذا كان هذا حكم الصفة "المشتق" كان في المصدر أجدر؛ لأن المصدر أشد ملابسة للفعل من الصفة ... "، ثم ضرب أمثلة تحتاج إلى حسن تفهم وأناة ... وله فصل آخر جليل الشأن، عظيم النفع، عنوانه: فصل في اللغة المأخوذة قياسًا "ج 1 ص 439" – يؤيد ما سبق – وستذكر هنا في آخر الجزء – هذا الفصل كاملًا؛ لأهميته، ونفيس مضمونه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو خبرا والمبتدأ محذوف، وتقدير الخبر المحذوف: ويحه مطلوب – مثلًا – ويله مطلوب – مثلًا – وهكذا الباقي ... وتقدير المبتدأ المحذوف: المطلوب ويحه ... المطلوب ويله ... وهكذا ... فإذا كانت الكلمات الأربع مقرونة "بأل"، فالأحسن الرفع على الابتداء – وهو الشائع؛ نحو: الويح للحليف، والويل للعدو، ولا مانع أن تكون خبرًا؛ نحو: المطلوب الويح – المطلوب الويل، ويجوز النصب على أنها مفعول مطلق للفعل المحذوف، أو مفعول به لفعل محذوف أيضًا. وإن كانت تلك الكلمات خالية من "أل ومن الإضافة" جاز النصب والرفع على السواء؛ كقولهم: "الوعد دين، فويل لمن وعد ثم أخلف" – "ويحًا للضعيف المظلوم"، بالنصب أو الرفع في كل واحدة من الكلمتين. وملخص الحكم: أن الرفع والنصب جائزان في كل حالات الألفاظ الأربعة غير أن أحد الأمرين قد يكون أفضل من الآخر أحيانًا، طبقًا للبيان السالف1. جـ– أشرنا2 إلى أن فريقًا من النحاة يجيز عدم التقييد بالسماع، وعدم وجوب حذف العامل في المصادر المسموعة بالنصب على المصدرية لنيابتها من عاملها، مثل: "سقيًا" و"رعيًا" ... كما يجيز في التي ليست مضافة،

_ 1 ويجوز في حالتي الرفع والنصب المذكورتين أن يكون الاسم المفعول لهما مجرورًا باللام؛ نحو: ويح للمحسنين، وويل للظالمين ... أو: ويحًا وويلًا، ومن هذا قول جرير: كسا اللؤم تيمًا خضرة في جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الخضر ومن الرفع قولهم: "ويل للشجي من الخلي"، وتفصيل الكلام على ذا المثل العربي من حيث معناه، وتشديد يائه، وتخفيفها ... مدون في مكانه الأنسب – باب: "الصفة المشبهة"، ج 3 ص 274 – ومعه مثل آخر هو: "ما أهون على النائم القرير سهر المسهد المكروب". أما كلمة: "تعسًا" ... و"بعدًا" – و"تبا"، فأفصح الاستعمالات فيها النصب مع جر معمولها باللام، فيقال: تعسًا للخائن، وبعدًا له "أي: هلاكًا" وتبا له – "راجع كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن ج 1 ص 290"؛ وهناك استعمالات أخرى جائزة. 2 في رقم 3 من هامش ص 222.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا مقرونة بأل، أن تضاف، وأن تقترن بأل؛ فتجري عليها الأحكام السالفة في كل حالة، وهذا هو الأنسب اليوم؛ ليسره مع صحته وإن كان الأول هو الأقوى. د– هناك مصادر أخرى مسموعة بالنصب، وعاملها محذوف وجوبًا، وهي نائبة عنه1. 1- منها: ما هو مسموع بصيغة التثنية مع الإضافة؛ مثل: "لبيك وسعديك"، لمن يناديك أو يدعوك لأمر، والأصل: ألبى لبيك، وأسعد سعديك؛ بمعنى: أجيبك إجابة بعد إجابة، وأساعدك مساعدة بعد مساعدة، أي: كلما دعوتني وأمرتني أجبتك، وساعدتك.، المسموع في الأساليب الواردة استعمال: "سعديك" بعد "لبيك"، واتباع هذه الطريقة الواردة أفضل، لكن يجوز استعمال "سعديك" بدون "لبيك" إن دعت حكمة بلاغية، أما "لبيك"، فالمسموع فيها الاستعمالان. ومثل: حنانيك في قولهم: "حنانيك، بعض الشر أهون من بعض" بمعنى: حن علي حنانيك؛ "أي: تحنن واعطف" حنانًا بعد حنان، ومرة بعد أخرى – فهي هنا كلمة: "استعطاف". ومثل: دواليك، في نحو: تقرأ بعض الكتاب، ثم ترده إلي، فأقرأ بعضه، وأرده إليك، فتقرأ وترد ... وهكذا دواليك ... بمعنى أداول دواليك، أي: أجعل الأمر متداولا ومتنقلا بيني وبينك، مرة بعد مرة. ومثل: هذا ذيك، في نحو: هذا ذيك في غصون الشجر، أي: تهذ هذا ذيك، بمعنى: تقطع مرة بعد مرة، ومثل: حجازيك، في نحو: حجازيك عن إيذاء اليتامى: أي: تحجز حجازيك، بمعنى: تمنع مرة بعد أخرى. ومثل: حذاريك، في نحو: حذاريك الخائن، أي: احذر حذاريك بمعنى: احذر الخائن، حذرا بعد حذر ...

_ 1 كثير من هذه المصادر متفرق في النصوص الأدبية القديمة وفي المراجع اللغوية، وقد جمع طائفة كبيرة منها شارح المفصل جـ1 ص109 وما بعدها، وكذلك صاحب الهمع، جـ1 ص188 وما بعدها. وسيجئ تفصيل الكلام عليها من جهة إضافتها في أول الجزء الثالث م94 ص65.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصادر السالفة كلها منصوبة، وعاملها محذوف وجوبًا وهي نائبة عنه، وكلها غير متصرف – في الأغلب -، أي: أنها ملازمة في الأكثر حالة واحدة سمعت بها، وهي حالة النصب والتثنية مع الإضافة إلى كاف الخطاب – التي هي ضمير مضاف إليه – وقد ورد بعضها بغير التثنية، أو بغير الإضافة مطلقًا، أو: بالإضافة مع غير كاف الخطاب، أو: له عامل مذكور ... لكن لا داعي لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة؛ فلا خير في محاكاتها، وترك الأكثر الأغلب. بقي أن نسأل: ما معنى التثنية في الأمثلة السابقة وأشباهها؟ أهي تثنية حقيقية يصير بها الواحد اثنين ليس غير، فيكون معنى: "لبيك"، و"سعديك" و"حنانيك" ... تلبية موصولة بأخرى واحدة، ومساعدة موصولة بمساعدة واحدة، وحنانًا موصلًا بمثله واحد؟ أيكون هذا الاقتصار المعنوي على اثنين هو المراد، أم يكون المراد هو مجرد التكثير الذي يشمل اثنين، وما زاد عليهما؟ رأيان قويان ... ، ولا داعي للاقتصار على أحدهما دون الآخر؛ لأن بعض المناسبات والمواقف المختلفة قد يصلح له هذا ولا يصلح له ذاك، وبعض آخر يخالفه؛ فالأمر موقوف على ما يقتضيه المقام. 2- ومنها ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة –إلا في ضرورة الشعر– مثل: "سبحان1 الله" أي: براءة من السوء، ومثله: معاذ2 الله؛ أي: عياذًا بالله، واستعانة به، ومثل ريحان الله؛ أي: استرزاق الله، ولا يعرف لهذا فعل من لفظه؛ فيقدر من معناه؛ أي: أسترزقه، والكثير استعماله بعد سبحان الله، والثلاثة السالفة غير متصرفة، ومثلها: حاش 3الله؛ بمعنى تنزيه الله.

_ 1 "سبحان" اسم مصدر؛ فهو في حكم المصدر "وقد سبقت الإشارة إليه في: ص 114 م 68"، ومن استعماله غير مضاف لضرورة الشعر قول الأعشى: أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر 2 سبقت الإشارة الموضحة إليه في ص 114 م 68. 3 تفصيل الكلام عليها وعلى لغاتها وأوجه إعرابها موضح في باب "الاستثناء" ص 354، وفي "ب" من ص 360 عند بيان أنواع: "حاشا".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- أمثلة أخرى أكثرها ملازم النصب بغير تثنية ولا إضافة؛ مثل: "سلامًا" من الأعداء، بمعنى: براءة منهم، لا صلة بيننا وبينهم، بخلاف "سلام" بمعنى: "تحية"؛ فإنه متصرف. ومثل: "حجرًا" في نحو قولك لمن يسألك: أتصاحب المنافق؟ فتجيب: "حجرًا"، أي: أحجر حجرًا؛ بمعنى أمنع نفسي، وأبعده عني، وأبرأ منه1 ... ومثل قولك لمن يطالب إنجاز أمره: "سأفعله، وكرامة ومسرة – أو: نعمة، أو: ونعام عين – وهذه مضافة" أي: سأفعله وأكرمك كرامة، وأسرك مسرة، وأنعم نفسك نعمة، وأنعم نعام عين، أي: إنعام عين ... بمعنى أمتعك تمتع عين. 4- أمثلة أخرى تختلف عن كل ما سبق في أنها ليست مصادر، ولكنها أسماء منصوبة تدل على أعيان، أي: على أشياء مجسمة محسوسة: "ذوات"، كقولهم في الدعاء على من يكرهونه: "تربًا2 وجندلًا 3"، والأحسن أن تكون هذه الكلمات وأشباهها مفعولًا به لفعل محذوف، والتقدير: ألزمه الله تربًا وجندلًا. أو: لقي تربًا وجندلًا، أو: أصاب، أو: أصاب، أو: صادف ... أو: نحو هذه الأفعال المناسبة لمعنى الدعاء المطلوب ...

_ 1 في الجزء الأول من تفسير القرطبي ص 78 ما نصه: "العرب تقول عند الأمر تنكره: "حجرًا له" – بضم الحاء – وسكون الجيم – أي: دفعًا له، وهو استعاذة من الأمر". ا. هـ. وجاء في بعض كتب التفسير الأخرى ما نصه "الحجر – بالكسر وبفتح – الحرام، وأصله: المنع". ا. هـ، وفي كتب اللغة ما يأتي: جاء في الأساس: "هذا حجر عليك": حرام، "والحاء هناك مضبوطة بالحركات الثلاث، ضبط قلم، "أي بالشكل". وفي القاموس ما نصه: "الحجر – مثلثه – المنع فصرح بتثليث الحاء". 2 ترابًا. 3 صخرًا.

المسألة 77: المفعول له، أو المفعول لأجله

المسألة 77: المفعول له، أو: المفعول لأجله أ ... لازمت البيت؛ استجمامًا ... - أو: للاستجمام. زرت المريض؛ اطمئنانًا عليه ... - أو: للاطمئنان. أتغاضى عن هفوات الزميل؛ استبقاء لمودته ... - أو: لاستبقاء مودته. أحترم القانون؛ دفعًا للضرر ... - أو: لدفع الضرر. ب ... تنزهت؛ طلب الراحة ... - أو: لطلب الراحة. تحفظت في كلامي؛ خشية الزلل ... - أو: لخشية الزلل. ألتزم الاعتدال؛ رغبة السلامة ... - أو: لرغبة السلامة. أسال الخبير؛ قصد الاسترشاد ... - أو: لقصد الاسترشاد. جـ ... أجلس بين الأصدقاء؛ الصلح ... - أو: للصلح. أطلت المشي بين الزروع؛ التمع بها ... - أو: للتمتع بها. أسعى بين المتخاصمين؛ التوفق ... - أو: للتوفيق. هجرت الصحف الهزلية؛ النفور منها ... - أو: للنفور. كل جملة من الجمل المعروصة تصلح أن تكون سؤالًا معه جوابه على النحو الآتي: ما الداعي أو: ما السبب في أنك لازمت البيت؟ الجواب: الاستجمام. ما العلة، أو: ما السبب في أنك زرت المريض؟ ... الاطمئنان. ما السبب في تغاضيك عن هفوات زميلك؟ استبقاء المودة ... وهكذا باقي الأمثلة؛ حيث يدل كل مثال على أنه يصلح سؤالًا عن السبب1، جوابه كلمة معه في جملته.

_ 1 والغالب أن تكون أداة الاستفهام هي: "لماذا"؟ أو: "ليم"؟، أو: "ما"؟، أو نحوها من كل ما يسأل به عن السبب.

ولو لحظنا الكلمة الواقعة جوابًا لوجدناها – مصدرًا، يبين سبب ما قبله "أي: علته ... "، ويشارك عامله في الوقت، وفي الفاعل1؛ لأن زمن الاستجمام وفاعل الاستجمام هو زمن ملازمة البيت وفاعلها، وزمن الاطمئنان وفاعله، هو زمن زيادة المريض وفاعلها.... وكذا الباقي ... فكل كلمة اجتمعت فيها الأمور – أو الشروط – الأربعة السالفة تسمى: "المفعول له"، أو: "المفعول لأجله"2 فهو: المصدر3 الذي يدل على سبب ما قبله "أي: على بيان علته"4، ويشارك عامله في وقته، وفاعله ... أقسامه: المفعول لأجله ثلاثة أقسام 5 قياسية، مجرد من "أل" والإضافة؛ كالقسم الأول: "أ" ومضاف؛ كالقسم الثاني: "ب" ومقترن بأل؛ كالقسم الثالث "جـ"، وهذا القسم دقيق في استعماله وفهمه، قليل التداول قديمًا وحديثًا –مع أنه قياسي– ومن المستحسن لذلك أن نتخفف من استعماله. أحكامه: 1- إذا استوفى شروطه جاز نصبه مباشرة، وجاز جره بحرف من حروف

_ 1 وهذا هو الأعم الأغلب الذي يجب الاقتصار عليه. 2 أي: لأجل شيء آخر، بسببه حصل هذا المفعول، فالمراد: ما فعل لأجله فعل. 3 أي الصريح، ومثله: المصدر الميمي، واسم المصدر، وكذلك المصدر المنسبك؛ "وأمثلته في رقم 1 من هامش ص 240"، ومن المصدر الميمي قول الشاعر: وأمر تشتهيه النفس، حلو ... تركت مخافة سوء السماع أي: تركته خوف السوء السمعة، وقول الأحنف بن قيس: "رب حلم قد تجرعته؛ مخافة ما هو أشد منه"، أي: خوف الذي هو أشد منه. 4 ولأنه يبين علة ما قبله وسببه لا يكون من لفظ عامله؛ لكيلا يصير مصدرًا مؤكدًا لعامله، والشيء لا يكون علة نفسه، كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 239 ولا من معناه، ولا يبين نوعه، أو عدده؛ لأن هذا كله مناقض للتعليل الذي هو شرط أساسي في المفعول لأجله، ومن أظهر أمثلة التعليل في المصدر كلمة: "شرف" في قول الشاعر: إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفًا ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا 5 إذا كان المفعول لأجله مضافًا لمعرفة، أو مقترنًا "بأل" التي تفيد التعريف – فإنه يكون معرفة، وإذا كان مجردًا منهما فإنه يكون نكرة.

الجر التي تفيد التعليل؛ وأوضحها1: "اللام – ثم: في، والباء، ومن"، والأمثلة السالفة توضح أمر النصب والجر باللام، ومن الممكن حذف اللام من تلك الأمثلة، ووضع حرف جر آخر من حروف التعليل مكانها – لكنه في جميع حالات جره لا يعرب – اصطلاحًا – مفعولًا لأجله، وإنما يعرب جارًا ومجرورًا متعلقًا بعامله، وهذا برغم استيفائه الشروط، وبرغم أن معناه في حالتي نصبه وجره لا يختلف1. ومع أن النصب والجر جائزان، والمعنى فيهما لا يختلف – هما ليسا في درجة واحدة من القوة والحسن؛ فإن نصب المجرد أفضل من جره، لشيوع النصب فيه، ولتوجيهه الذهن مباشرة إلى أن الكلمة: "مفعول لأجله"، وجر المقترن "بأل" أكثر من نصبه، أما المضاف فالنصب والجر فيه سيان، "وقد تقدمت الأمثلة للأنواع الثلاثة". فإن فقط شرط من الأربعة2 لم يجز تسميته مفعولًا لأجله، ولا نصبه على هذا الاعتبار؛ وإنما يجب جره بحرف من حروف التعليل السابقة، إلا عند فقد التعليل؛ فإنه لا يجوز جره بحرف من هذه الحروف الدالة على التعليل؛ منعًا للتناقض.

_ 1 من أمثلة "في" التي لبيان السبب "أي: للتعليل" قوله عليه السلام: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها" ... أي: بسبب هرة، ومن أمثلة الباء التي لبيان السبب قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُم} ، أي: بسبب ظلم. ومن أمثلة "من" الدالة على بيان السبب قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} أي: بسبب إملاق: "فقر". وسيجيء البيان التام عن هذه الأحرف مع نظائرها من حروف الجر، في الباب الخاص بها، آخر هذا الجزء ص 458. 2 و 2 يرى بعض النحاة أن المفعول لأجله حين يكون منصوبًا، لا يكون منصوبًا بالعامل الذي قبله؛ وإنما يكون منصوبًا على نزع الخافض "أي: عند نزعه من مكانه، وحذفه؛ كما تقدم في رقم 4 من هامش ص 171 من باب: تعدي الفعل ولزومه"، ولا داعي للأخذ بهذا الرأي؛ لما فيه من تكلف وتعقيد بغير فائدة، وحمل على مذهب ضعيف، مردود – طبقًا للبيان السابق في ص 159 و 171 وما بعدهما، ومثله الآراء الأخرى التي تزيد بعض الشروط أو تنقص، ومن الزيادة أن يكون المفعول لأجله "قلبيًا"؛ لأن هذا الشرط مفهوم من شرط آخر، "هو: التعليل؛ إذ التعليل –غالبًا– يكون بأمور قلبية معنوية، لا بأمور حسية من أفعال الجوارح، ويفهم أيضًا من باقي الشروط ...

فمثال ما فقد المصدرية: "أعجبتني الحديقة: لأشجارها، وسرتني أشجارها؛ لثمارها"؛ فالأشجار والثمار ليستا مصدرين، ولهذا لم يصح نصبهما مفعولين لأجله، وصارتا مجرورتين. ومثال ما فقد التعليل: "بعدت الله عبادة، وأطعت الرسول إطاعة1" ... ولا يجوز في هذين، وأمثالهما الجر بحرف جر يفيد التعليل – كما سبق. ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت: "ساعدتني اليوم، لمساعدتي إياك غدا"2". ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل: "أجبت الصارخ؛ لاستغاثته"؛ لأن فاعل الإجابة غير فاعل الاستغاثة3.

_ 1 نصب المصدران: "عبادة" و"إطاعة" على المصدرية؛ لأن كلا منهما مصدر مؤكد لعامله، ولا يصلح مفعولًا لأجله؛ لأن الشيء لا يكون علة نفسه، كما سبق في المفعول المطلق المؤكد، فكلاهما فقد شرط التعليل. 2 المراد من اتحاد المصدر مع عامله في الوقت أن يقع، ويتحقق حدث العامل في أثناء ومن تحقق معنى المصدر، فيتحقق المعنيان معًا في وقت واحد؛ مثل: هرب اللص جبنًا، أو: يقع أول زمن العامل في آخر زمن تحقيق المصدر: نحو: حبست المتهم خوفًا من فراره، أو العكس، نحو: جئتك حرصًا على إفادتك. 3 وفيما سبق يقول ابن مالك: ينصب "مفعولًا له" المصدر، إن ... أبان تعليلًا؛ كجد شكرًا، ودن أي: ينصب المصدر على اعتباره، مفعولًا له إن أبان تعليل ما قبله؛ أي: إن بين سبب ما قبله، وضرب لهذا مثلًا هو: جد شكرًا، بمعنى: جد لأجل الشكر، فكلمة: "شكرًا" مصدر بين سبب الجود، ومعنى: "دن"، داين الناس بجودك وفضلك: ليشكروك، فهو فعل أمر من دان الرجل غيره بمعنى: صار دائنًا له. ويصح أن يكون فعل أمر من: "دان" بمعنى: صار صاحب دين "بكسر الدال" وعلى المعنيين يصح أن يكون للفعل مفعول لأجله محذوف؛ تقديره، شكرًا. ويكون أصل الكلام: جد شكرًا، ودن شكرًا، ثم قال في بيان بقية الشروط: وهو –بما يعمل في– متحد ... وقتًا، وفاعلًا، وإن شرط فقد: فاجرره بالحرف، وليس يمتنع ... مع الشروط، كلزهد ذا قنع يريد: أنه يكون مفعولًا لأجله بشرط أن يكون متحدًا مع عامله في الوقت والفاعل، وهذا مراده من قوله: "بما يعمل فيه متحد"، أي: وهو متحد بالذي يعمل فيه النصب، والضمير عائد على المفعول له، فإن عقد شرط فاجرر بالحرف، ولا تنصب: ثم بين أن الجر بالحرف ليس ممتنعًا مع استبقاء الشروط؛ مثل =

2- ومن أحكامه أنه يجوز حذفه لدليل يدل عليه عند الحذف؛ كأن يقال: "إن الله أهل للشكر الدائم؛ فاعبده شكرًا، وأطعه"، والتقدير: أطعه شكرًا؛ فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، ومثل: "إن الضيف الذي سيزورنا جدير أن نظهر له التكريم في كل حركاتنا؛ فنقف تكريمًا، ونتقدم عند قدومه تكريمًا، ونصافحه ... "، أي: نصافحه تكريمًا، ومثل هذا ما سبق من قول ابن مالك: "جد شكرًا ودن ... ".

_ = هذا قنع زهدًا؛ فيصح: هذا قنع لزهد، وانتقل بعد ذلك لبيان درجة النصب والجر من القوة البلاغية عند دخولهما في أقسام المفعول لأجله، فقال: وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب "أل" وأنشدوا: لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء "قل أن يصحبها: أي: يصحب الحرف، وأنثه باعتباره: كلمة، ويجوز التذكير باعتبار أنه حرف"، فدخول حرف الجر على المجرد من "أل والإضافة" قليل، ودخوله كثير على المقرون بأل؛ مثل قول الشاعر القديم: لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... " أي: لا أقعد عن الهيجاء الجبن، يريد: للجبن، أي: بسبب الجبن". ولم يتعرض ابن مالك للمضاف، وكلامه السابق بشعر بالحكم، وهو أن النصب والجر سيان، إذ بين أن أحد الثلاثة يكثر فيه النصب دون الجر، وأن واحدًا آخر يكثر فيه الجر دون النصب، وسكت عن الثالث، فالسكوت في هذه الحالة قد يوحي بجواز الأمرين على التساوي. 1 من أمثلة حذفه – قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} . والأصل: كراهة أن تضلوا، أي: كراهة ضلاكم؛ فالمصدر المؤول مفعول له – كما نص على ذلك صاحب: "المغني" عند الكلام على الحرف: لا. والمفهوم أن المفعول لأجله "وهو كلمة: كراهة" مضاف إلى المصدر المؤول بعدها، ثم حذف المضاف؛ فقام المضاف إليه مقامه، وأعرب إعرابه –ومثل هذا يقال في المصدر المؤول في الآية الكريمة التالية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} . أي: كراهة حبوط أعمالكم – في فسادها وضياع قيمتها – وكالذي في الآية التالية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .

3- ومنها: أنه – وهو منصوب أو مجرور – يجوز تقدمه على عامله؛ نحو: "طلبًا للنزهة – ركبت الباخرة"، "انتفاعًا – شاهدت تمثيل المسرحية"، والأصل: ركبت الباخرة؛ طلبًا للنزهة – شاهدت تمثيل المسرحية؛ انتفاعًا، وقول الشاعر: فما جزعًا – ورب الناس – أبكي ... ولا حرصًا على الدنيا اعتراني والأصل: فما أبكي جزعًا1. 4– ومنها: جواز حذف عامله؛ لوجود قرينة تدل عليه؛ نحو: بعدًا عن الضوضاء؛ في إجابة من سأل: لم قصدت الضواحي؟ ... 5– ومنها: أنه لا يتعدد 2؛ سواء أكان منصوبًا أم مجرورًا؛ فيجب الاقتصار على واحد للعامل الواحد، ولا مانع من العطف عليه أو البدل منه 3 – لهذا قالوا في الآية الكريمة: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} ، أن كلمة: "ضرارًا" مفعول لأجله، والجار والمجرور: "لتعتدوا" متعلقان بها، ولا يصلح أن يكون التعلق في الآية بالفعل إلا عند إعراب: "ضرارًا" حالًا مؤولة؛ بمعنى: مضارين.

_ 1 ومثل هذا كلمة: "شوقًا" في بيت الكميت: طربت، وما شوقًا إلى البيض أطرب ... ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب؟ يريد: وما أطرب شوقًا إلى البيض، كما يريد: وأذو الشيب يلعب؟ فحذف همزة الاستفهام؛ لأن حذفها كثير للخفة عند أمن اللبس – كما جاء في المحتسب ج 2 ص 205. 2 لأن العلة في وجود الشيء لا تكون إلا واحدة، والسبب الواحد لا يوجد إلا مسببًا عنه واحدًا. 3 ومن أمثلة العطف عليه قول علي رضي الله عنه في بعض الأشرار: "لا تلتقي بذمهم الشفتان؛ استصغارًا لقدرهم، وذهابًا عن ذكرهم"، وكذلك: "لعبًا" في الشطر الثاني من البيت السابق. ومن أمثلة البدل قول أحد الباحثين: "ما تأملت الكون إلا تجلت لي عظمة الله، وعجائب قدرته؛ فأطأطئ الرأي إخباتًا، خشوعًا، وتواضعًا ... "، فالخشوع هو الإخبات، بدل كل من كل.

المسألة 78: ظرف الزمان وظرف المكان

المسألة 78: ظرف الزمان، وظرف المكان 1 في مثل: "جاءت السيارة صباحًا، ووقفت يمين الطريق؛ ليركب الراغبون" تدل كلمة: "صباحًا" على زمن معروف؛ هو أول النهار وتتضمن في ثناياها معنى الحرف: "في" الدال على الظرفية2، بحيث نستطيع أن نضع قبلها هذا الحرف، ونقول: "جاءت السيارة في صباح، ووقفت يمين الطريق"؛ فلا يتغير المعنى مع وجود "في"، ولا يفسد صوغ التركيب، فهو حرف عند حذفه هنا ملاحظ كالموجود، يراعى عند تأدية المعنى؛ ولأن كلمة: "صباحًا" ترشد إليه، وتوجه الذهن لمكانه؛ وهذا هو المقصود من أن كلمة "صباحًا" تتضمنه 3. ولو غيرنا الفعل: "جاء"، ووضعنا مكانه فعلًا آخر؛ مثل: وقف – ذهب – تحرك ... – لبقيت كلمة: "صباحًا" على حالها من الدلالة على الزمن المعروف، ومن تضمنها معنى: "في"، وهذا يدل على أن تضمنها معنى: "في" مطرد4 مع أفعال كثيرة متغيرة المعنى.

_ 1 يسمى الظرف بنوعيه: "المفعول فيه"، وهو نوع من: "شبه الجملة"، وكذا من "شبه الوصف" كما سيجيء في رقم 1 من هامش الصفة الآتية. 2 أي: "على أن شيئًا في داخل شيء آخر"؛ فالغلاف الخارجي هو الظرف، وما في داخله هو: المظروف؛ نحو: الماء في الكوب، وفي مثل: "السفر اليوم"، يكون الظرف هو اليوم، والمظروف هو السفر. 3 فالمراد من تضمنها: أنها تشير إلى معنى "في" من غير أن تتضمن لفظه، أو تنوب عنه في أداء معناه، أو عمله، أو تكتسب شيئًا بهذا التضمن، ولولا ذلك لوجب بناء هذه الظروف؛ "لما يسميه النحاة: "السبب التضمني، أو المعنوي" وهو يمنع غالبًا، ظهور الحرف وقد سبق بيانه في الجزء الأول، ص 60 م 7، وهو يزيد الأمر هنا وضوحا" مع أن أكثر الظروف معرب، برغم تضمنه معنى: "في". 4 أي: مستمر في مختلف الأحوال، ومع كل الأفعال ومشتقاتها العاملة، غير مقصور على نوع معين منها، لكن يجب ملاحظة أمور ثلاثة. أولها: أن كلمة: "في" لا يصح التصريح بها مع الظروف التي لا تتصرف كما سيجيء في رقم 4 من ص 236 و"د" من ص 270 بخلاف المتصرفة. =

بخلاف ما لو قلنا: الصباح مشرق – صباح الخميس معتدل، ... فإن كلمة: "الصباح" في المثالين، وأشباهما تدل على الزمن المعروف، ولكنها لا تتضمن معنى "في"، فلو وضعنا هذا الحرف قبلها لفسد الأسلوب والمعنى المراد منه؛ إذ لا يصح أن يقال: في الصباح مشرق – ولا في صباح الخميس معتدل؛ ومن أجل هذا لا يصح اصطلاحًا تسمية كلمة: "الصباح" في هذين المثالين ظرف زمان؛ لعدم وجود شيء مظرف فيها، بالرغم من أنها تدل على الزمان فيهما. وتدل كلمة: "يمين" في المثال الأول على المكان؛ لأن معناها وقفت السيارة في مكان؛ هو: "جهة اليمين"، وهي متضمنة معنى: "في"، إذ نستطيع أن نقول: وقفت في اليمين، أو: في جهة اليمين؛ فلا يتغير المعنى. ولو غيرنا الفعل، وجئنا بآخر، فآخر ... لظلت كلمة: "يمين" على حالها من الدلالة على المكان، ومن تضمنها معنى "في" باطراد. بخلاف قولنا: اليمين مأمونة – إن اليمين مأمونة – خلت اليمين ... فإنها في هذه الأمثلة وأشباهها – لا تتضمن معنى الحرف: "في"، ويفسد الأسلوب والمعنى بمجيئه؛ إذ لا يقال: في اليمين مأمونة، وكذا الحال في باقي الأمثلة وأشباهها؛ لهذا لا يصح تسميتها في هذه الأمثلة ظرف مكان، لعدم وجود شيء مظرف فيها ... فكلمة: "صباحًا" في المثال الأول ونظائرها تسمى: ظرف "زمان". وكلمة "يمين" ونظائرها، تسمى: "ظرف مكان". فالظرف1 هو: "اسم منصوب يدل على زمان أو مكان، ويتضمن معنى:

_ = وثانيها: أن نوعين من الظروف المكانية لا ينصبهما إلا أفعال معينة خاصة، أو مشتقاتها؛ فلا يتضمنان في الأعم الأغلب معنى: "في" باطراد كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 235 فالظروف الدالة على المقادير لا تنصبها إلا أفعال السير ومشتقاتها، والظروف التي تلاقي فعلها في الاشتقاق إنما ينصبها ما تجتمع معه في حروف مادته من فعل، أو وصف بعمل عمله. ثالثها: أن أسماء الزمان التي تلاقي فلها في الاشتقاق، ينصبها ما تجتمع معه في حروف مادته من قل: أو وصف يعمل عمله ... "انظر "ج" من ص 254". 1 يسمى الظرف بنوعيه: "المفعول فيه" كما سبق في رقم 1 من هامش الصفحة الماضية، وقد يطلق الظرف في كلام الأقدمين أحيانًا مرادًا منه الجار مع مجروره؛ لأن كلمة: "الظرف" عندهم قد تشمل "شبه الجملة" بنوعيه، وتطلق على كل منهما، صرح بهذا: "المغني" جـ 1 في مبحث: "كيف" والهمع =

"في" باطراد1 ... "، وينقسم إلى ظرف زمان، وظرف مكان2. أحكام الظرف بنوعيه: أشهرها سبعة: 1– أنه منصوب3 على الظرفية4، فلو كان مرفوعًا، أو كان منصوبًا لداع آخر غير الظرفية، أو مجرورًا 4ولو كان الجار هو: "في" الدالة على الظرفية فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان5. وناصبه ويسمى: عامله إما مصدر؛ نحو: المشي يمين الطريق أسلم. والجري وراء السيارات يعرض للأخطار. وإما فعل6 لازم أو متعد، نحو: أنجزت عملي مساءً، ثم قعدت أمام المذياع، أتمتع به.

_ = ج 1 في باب الظرف" – في المبحث المستقل الذي عنوانه "كيف" ص 214، وكذا الخضري – وغيره، في ج 1 باب: "المبتدأ والخبر" عند بيت ابن مالك الذي نصه: "وفي" جواب كيف زيد؟ قل دنف ... ". وانظر النحو الوافي "ج1 م 39 ص362 من الطبعة الثالثة. وشبه الجملة يسمى أيضًا: "شبه المشتق"، أو: شبه الوصف" للسبب المدون في رقم 3 من هامش ص 373". أما حكم شبه الجملة بنوعيه: "الظرف، والجار مع مجروره" بعد المعارف والنكرات فيجيء في ص 446. 1 أي: بأن يتعدى إليه كل الأفعال مع بقاء تضمنه في المعنى لذلك الحرف الدال على احتواء الظرف لمعنى عامله، إلا الظروف التي أشرنا إليها "في رقم 4 من هامش ص 242"، ومنها نوعان لا يتضمنان معنى "في" إلا في حالات معينة يكون فيها الفعل العامل أو مشتقاته من نوع معين؛ فهما بسبب هذا التعين لا يتضمنان معنى "في" باطراد. 2 وفي هذا يقول ابن مالك: الظرف وقت أو مكان ضمنًا: ... "في" باطراد؛ "كهنا" أمكث "أزمنا" والأحسن في: "ضمنا" أن تكون ألفه للتثنية المراد منها الوقت والمكان، وكلمة: "أو" للتنويع، بمعنى الواو. 3 إما مباشرة؛ لأنه معرب مثل: يوم وراء ... ، وإما مبني في محل نصب. مثل: حيث – منذ. 4 و 4 انظر "أ" من ص 259 حيث الكلام على الظرف المتصرف. 5 كالصور التي يجب فيها جزء بالحرف: "في" وإعرابهما بعد ذلك خبرًا لمبتدأ، وقد سبقت في باب المبتدأ والخبر، ج 1 م 35. 6 تام أو ناقص، جامد أو متصرف ... ، أو غير ذلك ... إلا الفعل: "ليس" ففي التعلق به، خلاف "وسيجيء الكلام على سبب التعلق في ص 249، وفي باب حروف الجر، ص 436 ب".

وإما وصف1 حقيقي عامل، "اسم فاعل، اسم مفعول ... " نحو الطيارة مرتفعة فوق السحاب، والسحاب مركوم تحتها لا يعوقها. إما وصف تأويلًا؛ ويزاد به الاسم الجامد المقصود منه الوصف بإحدى الصفات المعنوية، مثل: أنا عمر عند الفصل في قضايا الناس، وأنت معاوية ساعة الغضب، فالظرف: "عند" منصوب بكلمة: "عمر", والمراد منها: "العادل". وكلمة: "ساعة" منصوبة بكلمة: "معاوية" والمراد منها: الحليم2 ... 2- ولا بد أن يتعلق3 الظرف بناصبه "أي: بعامله"، وليس من اللازم أن يكون عامله متقدمًا عليه؛ كالأمثلة السالفة، فقد يكون متأخرًا عنه؛ كقولهم: "الجر عند الحمية لا يصطاد، ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد"، والمشهور أنه لا يتعلق بعامله المباشر إن كان هذا العامل حرفًا من "حروف المعاني"4.

_ 1 أي: مشتق، والحقيقي: غير التأويل الآتي. 2 وقد يكون ناصبه هو العامل في المنادى؛ كالطرف: "بين" في قول الشاعر: يا دار بين النقا والحزن ما صنعت ... يد النوى بالألى كانوا أهاليك؟ وسيجيء بيان هنا، وفي باب: "المنادى"، ج 4 م 127. 3 معنى التعلق موضح في "ب" ص 267، وفيها أن التعلق قد يكون بعامل معنوي، وهو: "الإسناد". 4 المراد من: "حروف المعاني" موضح، في صدر الجزء الأول "م 5" عند الكلام على موضوع: "الحرف" ومن أنواعها: حروف العطف، وحروف الاستفهام، وحروف النفي ... و ... ونزيد هنا ما يقول صاحب " المفصل" في ج 8 ص 7 من أنها حروف جاءت عوضًا عن الجمل، ومفيدة معناها، بأوجز لفظ، فكل حرف منها يفيد فائدتها المعنوية مع الإيجاز والاختصار؛ فحروف العطف جيء معناها، بأوجز لفظ، فكل حرف منها يفيد فائدتها المعنوية مع الإيجاز والاختصار؛ فحروف العطف جيء بها عوضًا عن: "أعطف"، وحروف الاستفهام جيء بها عوضًا عن: "أستفهم" وحروف النفي إنما جاءت عوضًا عن "أجحد"، أو: "أنفى"، وحروف الاستثناء جاءت عوضًا عن: "أستثني"، أو: "لا أقصد"، وكذلك لام التعريف نابت عن: "أعرف"، وحروف الجر جاءت لتنوب عن الأفعال التي بمعناها؛ فالباء نابت عن: ألصق مثلًا والكاف ثابت عن أشبه، وكذلك سائر حروف المعاني: كأحرف النداء والتمني ... وقد عقد صاحب المغني في الجزء الثان من كتابه فضلًا من شبه الجملة بنوعيه "الظرف، والجار مع مجروره"، عنوانه: "هل يتعلقان بأحرف المعاني"؟ ملخصة: أن هناك ثلاثة آراء: =

3- أن عامله قد يحذف جوازًا، أو وجوبا، فيحذف جوازا حين يدل عليه دليل؛ كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: يوم الجمعة؛ أي: حضرت يوم الجمعة، ومتى وصلت يوم الجمعة؟ فيجاب: مساءً، أي: وصلت مساءً، ومثل: كم ميلًا مشيت؟ فيجاب: ميلين؛ أي: مشيت ميلين، ويسمى الظرف الذي ذكر عامله أو حذف جوازًا لوجود قرينة تدل عليه: "الظرف اللغو"1، أما الذي حذف عامله وجوبًا فيسمى: "الظرف المستقر"1.

_ = أولها: المنع مطلقًا، وهو المشهور، ثانيها: الجواز مطلقًا، ثالثها: التفصيل؛ فإن كان حرف المعنى نائبًا عن فعل حذف جار ذلك على طريق النيابة، لا الأصالة، وإلا فلا؛ فنحو "يا لمحمد" يكون الجار والمجرور متعلقين بالحرف: "يا"، لنيابته عن "أدعو"، أو: "أنادي". وأما الذين قالوا بالجواز مطلقًا، فمثلوا له بقول الشاعر: وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن عضيض الطرف مكحول فالظرف: "غداة" ظرف للنفي، أي: انتفى كونها في هذا الوقت إلا كأغن، ولا يصح تعلقه بما بعد "إلا"؛ لأن معمول المستثنى لا يتقدم عليهما كما سيجيء في بابه ص 328 م 81، ومثل: ما ضربت الغلام للتأديب، فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فالجار والمجرور متعلقان بالفعل، والمنفي ضرب مخصوص، وللتأديب تعليل للضرب المنفي، أما إذا قصدت نفي الضرب على كل حال فالجار والمجرور متعلقان بالنفي، والتعليل له، أي: أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب؛ لأنه قد يؤدب بعض الناس بالصفح عنه، وتركك إياه دون أن تضربه. ومثله في التعلق بحرف النفي عندهم: ما أكرمت المسيء لتأديبه، وما أهنت المحسن لمكافأته؛ إذ لو علق هذا بالفعل لفسد المعنى المراد، ومثل هذا قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ؛ فالباء متعلقة بالنفي؛ إذ لو علق الجار والمجرور بكلمة: "مجنون" ولم يتعلقا بالنفي لأفاد نفي جنون خاص؛ هو الجنون الذي يكون من نعمة الله، وليس في الوجود جنون هو نعمة، ولا المراد نفي جنون خاص ... و ... ثم قال صاحب المغني تعليقًا على هذا الرأي ما نصه: "هذا كلام بديع، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف، فينبغي على قولهم أن يقدر التعلق بفعل دل عليه النافي ... و ... ". ا. هـ. وإذا كان الكلام السالف بديعًا "كما يقول بحق صاحب المغني"، فكيف لا يوافق عليه جمهرة النحاة بعد ما بدا له من تلك الآثار المعنوية الهامة التي كشفها أصحابه، وأبانوا جليل قدرها؟ ولم التقدير والتأويل من غير داع؟ لهذا لم يكن بد من الاطمئنان إلى ذلك الكلام والاقتصار عليه، وإن خالفه الجمهور بغير حجة واضحة، اللهم إلا إن كان القصد أن التعلق بالفعل الذي يدل عليه النافي أظهر وأبين، فهذا صحيح. 1 و 1 تكلمنا بإسهاب على الظرف "اللغو" والظرف "المستقر" بفتح القاف، وعن =

ويجب حذف هذا العامل في ستة مواضع: أن يقع خبرًا، أو حالًا، أو صفة، أو صلة، أو مشتغلًا1 عنه، أو لفظًا مسموعًا عن العرب محذوفًا في أكثر استعمالهم، فمثال الخبر: الأزهار أمامنا، والزروع حولنا، ومثال الحال: هذا الأسد أمام مروضه كالفأر، ومثال الصفة: إن شهادة زور أمام القضاء قد تحفر هوة سحيقة تحت أقدام شاهدها، ومثال الصلة: احتفيت بالصديق الذي معك، ومثال الاشتغال: يوم الأحد سافرت فيه2. ومثال المسموع: حينئذ الآن.

_ = سبب التسمية؛ وما يصحبها من أحكام مختلفة؛ في الجزء الأول "في ص 271 م 27 و 246 م 35"، وهي أحكام هامة "منها: أن الظرف اللغو لا يقع بنفسه خبرًا، ولا صلة ... و ... وإنما الذي يقع هو عامله المذكور، أو المحذوف جوازا لقرينة -كما سيجيء في، في ص249- وبعضها يؤدي إلى تيسير محمود، ثم عدنا إلى الكلام المفصل مرة أخرى في هذا الجزء الثاني بمناسبة الكلام على حروف الجر، وتعلقها بعامل محذوف – وغيره – وآثاره من النواحي المختلفة "في رقم 3 من هامش ص 245"، والموضوع كله جدير بالاطلاع عليه. 1 تقدم باب الاشتغال في هذا الجزء ص 124. 2 القياس في الاشتغال بمعناه العام أن نقول: سافرته، إلا أن الضمير العائد على الظرف يغلب جزء بفي، وقد تحذف تيسيرًا وتوسعًا؛ - كما قالوا – على تخيل أن الفعل اللازم متعد بنفسه، وبناء على هذا التخيل يكون الضمير المتصل به مباشرة، مفعولًا به، لا ظرفًا – بالرغم من أنه عائد على الظرف، ويصير الفعل متعديًا بنفسه، "راجع الصبان في هذا الموضع، ثم المفصل ج 2 ص 46"، وهذا التخيل يؤدي إلى اللبس والخلط بين المتعدي واللازم، فالخير في إبقاء حرف الجر وجوبًا كما يرى كثرة النحاة، أما عند حذفه فالأنسب إعراب الضمير ظرفًا؛ لأنه راجع إلى الظرف – "انظر رقم 2 من هامش ص 126 ثم من ص 252". ومما فيه إشارة إلى التخيل السالف كلام "أبي علي القالي" في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" – ص 3 – عند عرضه قصيدة الأبيرد الرياحي في رثاء أخيه، ومطلعها: تطاول ليلي لم أنمه تقلبًا ... كأن فراشي حال من دونه الجمر قال: أبو علي، بعد الفراغ منها ما نصه: "قال أبو الحسن – يريد: أبا الحسن علي بن سليمان الأخفش – من روى: "لم أنمه" جعله مفعولًا به على السعة، كما قالوا: "اليوم صمته"، والمعنى: لم أنم فيه، وصمت في اليوم، جعله مثل: زيد ضربته". ا. هـ. ومثل هذا في كتاب: "الكامل للمبرد" – ص 27 – فقد نقل في باب عنوانه: "من كلام العرب: الاختصار" حذف كلمة "في" من قول العرب: "أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا"، وقول الراجز: "في اسعة يحبها الطعام" – ببناء المضارع للمجهول – ثم قال بعد ذلك: "يريد في اسعة يحب فيها الطعام. وكذلك الأول معناه ما أذوق فيهن ... ، وذلك أنه ضمير الظرف تجعله العرب مفعولًا به على السعة؛ كقولهم يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته ... ؛ فهذا يشبه في السعة بقولك: "زيد ضربته" وما شابهه، فهذا بين". ا. هـ.

والعامل المحذوف في الثلاثة الأولى يصح أن يكون وصفًا أو فعلًا؛ فالتقدير على اعتباره وصفًا هو: "مستقر، أو موجود، أو كائن، أو حاصل ... ، وأشباه هذا مما يناسب"، وعلى اعتباره فعلًا هو: "استقر – وجد – كان التي بمعنى: وجد – حصل ... وأشباه هذا مما يناسب". أما مع الصلة فيجب أن يكون فعلًا1؛ لأن الصلة لغير "أل" لا بد أن تكون جملة فعلية، والوصف مع مرفوعه ليس جملة2. والأحسن في "المشغول عنه" هنا، وفي "المسموع" أيضًا أن يكون فعلًا، فأصل المشغول عنه: سافرت يوم الأحد سافرت فيه، وأصل المسموع في قولهم: حينئذ الآن، هو: "كان ذلك حينئذ، واسمع الآن3".

_ 1 وكذلك العامل المحذوف في – القسم؛ لأن القسم والصلة – لغير أل –، لا يكونان إلا جملتين، ولن يتحقق هذا إلا بتقدير العامل المحذوف فعلًا، وليس اسمًا مشتقًا يشبهه – كما سيجيء في باب حروف الجر ص 500 – أما صلة "أل" فصفة صريحة؛ فيجب أن يكون المحذوف اسمًا مشتقًا يصلح أن يكون صلة لها على الوجه الذي تقدم بيانه عند الكلام عليها في باب الموصول والصلة "ج1 ص 253 م 26 و 271 م 27". 2 إذا كان المحذوف في الصلة وغيرها هو متعلق الظرف، فهل يجوز أن نقول: إن الظرف نفسه هو الصفة، أو الصلة، أو الحال، أو الخير، ونستريح من التقدير؟. الجواب؛ نعم، "وتفاصيل هذا وأدلته قد سبقت في ج 1 ص 272، م 27 وفي باب المبتدأ والخبر شبه الجملة، م 35 وسيجيء تلخيصها في الزيادة "ص 249"، وفي: "باب حروف الجر" "رقم 3 من هامش ص 445". 3 هذا مثل يقال لمن ذكر أمرًا تقادم عهده، أي: "حصل ووقع ما تقوله حين إذ كان كذا وكذا، واسمع الآن كلامي"، فهما جملتان، والمقصود منعه من ذكر ما سبق، وأمره بسماع ما يقال له الآن. وفي نصب الظرف وحذفه عامله جوازًا أو وجوبًا يشير ابن مالك بقوله: فأنصبه بالواقع فيه مظهرًا ... كان، وإلا فانوه مقدرًا وكل وقت قابل ذاك، وما ... يقبله المكان إلا مبهمًا نحو: الجهات، والمقادير وما ... صيغ من الفعل؛ كمرمى من رمى الظرف يقع فيه المعنى إما من المصدر المجرد، أو من الفعل، أو من الوصف العامل – وهو هنا يقول: انصب الظرف بالعامل الذي معناه يقع في هذا الظرف، فالمراد: انصبه بواحد من الأشياء السالفة إن كان موجودًا، وإلا فقدره، ثم بين أن كل وقت، - أي: ظرف للزمان – يقبل النصب على الظرفية، مبهمًا كان أم مختصًا، أم ظرف المكان فلا ينصب منه إلا ما ذكره من الجهات، والمقادير، وما صيغ من الفعل. "وسيأتي شرح هذا في ص 252".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا كان عامل الظرف محذوفًا وجوبًا بعض المواضع1، فما الداعي إلى ملاحظته عند الإعراب، ووجوب تقديره في تلك المواضع، واعتباره هو الخبر أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو ... ، دون الظرف نفسه؟ لم لا يكون الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو ... في تلك المواضع ما دام متعلقة المحذوف واجب الحذف، ولا يصح ذكره بحال؟ وإذا كان كلام العرب خاليا منه دائمًا فكيف عرفنا أنه محذوف؟ إن الحكم بالحذف يقتضي علمًا سابقًا ومعرفة من اللغة بأن هذا المحذوف أو نظائره قد وجد حقيقة في الكلام العربي، ثم حذف لسبب طارئ، وهذه المعرفة لم توجد حقًا، فكيف حكمنا إذا بأنه محذوف؟ ... إلى غير هذا مما يحتج به المعارضون، وينتهون منه إلى أن الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو ... أو ... ، وليس من اللازم في رأيهم أن يكون هذا الظرف منصوبًا بالعامل المحذوف، فقد يكون منصوبا بشيء آخر في الجملة، أو بعامل معنوي كالحذف ... أو بغير عامل ... ، ولا ضرر في هذا عندهم. وفريق منهم يقول: إن خصائص العامل ومنها: معناه، وتحمله للضمير قد انتقلت للظرف؛ فلا مانع أن يكون الظرف نفسه بعد هذا هو الخبر، أو: الصفة ... أو ... "وقد أشرنا لهذا الرأي في ص 447، وسبق إيضاحه في الجزء الأول، هامش ص 271 م 27 وص 346 م 35"، وأنه رأي مقبول عند بعض القدامى المحققين". أما الذين يحتمون أن يكون العامل المحذوف هو الخبر، أو الصفة ... أو ... دون الظرف، ويشترطون أن يكون للظرف في تلك المواضع متعلقًا هو الخبر أو الصفة ... أو ... ، فلهم حجة منطقية قوية، ولكنها على قوتها تتسع للتيسير والتخفيف بغير ضرر، وتنتهي إلى ما يقوله المعارضون؛ هي: أن الزمان المجرد لا وجود له؛ فمن المستيحل أن يوجد زمان لا يقع فيه حادث جديد، أو لا يستمر فيه حادث موجود، فخلو الزمان من أحداث جديدة، أو مستمرة محال. وبتعبير

_ 1 سبق بيانها في ص 247.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أدق: لا بد من اقتران كل حادث بزمان، ويستحيل أن يوجد حادث في غير زمان، ولهذا سمي الزمان ظرفًا؛ تشبيهًا بالظرف الحسي كالأواني والأوعية التي توضع في داخلها الأشياء، وإذا كان الأمر هكذا فكل زمان مقرون حتمًا بالحادث المتصل به الواقع فيه، وكثير من هذه الحوادث أمر عام يدل على مجرد "الوجود المطلق" من غير زيادة معنوية عليه، فهو معروف، فلا داعي لذكره؛ إذ لا فرق في المعنى بين: قولنا: "السفر حاصل غدًا"، وقولنا: "السفر غدًا"؛ لأنه هو والزمان متلازمان كما سلف؛ فذكر الثاني كاف في الدلالة على وجود المحذوف؛ فهو مع حذفه ملاحظ وكأنه موجود، هذا من الناحية العقلية المحضة1. وهناك شيء آخر يقولونه في شبه الجمة الواقع خبرًا أو غير خبر من الأشياء التي سلفت؛ هو: أن اللفظ الدال على الزمان لا يكمل وحده بغير متعلقه المعنى الأساسي للجملة، ولا يستقل بنفسه في تحقيق فائدة تامة، وإنما يجيء لتكملة معنى آخر فيما يسمى: "العامل"؛ فليس من شأن اللفظ الزماني أن يتمم المعنى الأساسي المراد بغير ملاحظة العامل المحذوف؛ فلولا ملاحظته في مثل: "السفر يوم الخيمس" لكان المعنى: السفر زمان، وهذا الزمان يوم الخميس، وبعبارة أخرى: السفر هو يوم الخميس نفسه، ويوم الخميس هو السفر، والمعنى لا شك فاسد، مع أن الثابت المقرر من استقراء كلام العرب يوجب أن يكون الخبر هو المبتدأ في المعنى، والمبتدأ هو الخبر في المعنى كذلك، ولا فساد في ذلك مطلقًا. ومثل هذا يقولون في ظرف المكان؛ فالمكان المجرد لا وجود له؛ فمن المستحيل أن يوجد مكان لا تقع فيه أحداث جديدة، أو تستمر يه أحداث قديمة؛ فالحوادث والأماكن مقترنان متلازمان على الدوام، فذكر الثاني في الكلام كاف في الدلالة على وجود المحذوف الملاحظ حتمًا، فيتساوى المعنى بين: "علي موجود في البيت" و"علي في البيت، وكذلك بين" "علي موجود أمامك"، و"علي

_ 1 بل إن الظرف بنوعيه لا بد أن يدل في أصله على: "الوجود المطلق"، ثم يمتاز "اللغو" بدلالته فوق هذا على معنى خاص آخر، كالأكل، أو الشرب، أو غيرهما مما يزاد عليه فيجعله خاصًا مقيدًا بعد أن كان عامًا مطلقًا، وسيجيء الموضوع بيان في باب: "حروف الجر"، عند الكلام على شبه الجملة رقم 3 من هامش ص 445.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمامك"، هذا إلى أن ظرف المكان وحده بغير ملاحظة عامله المحذوف لا يتمم المعنى الأساسي المراد، ولا يكمل القصد؛ فالمكان إنما يجيء لتكملة معنى، ولا يمكن أن يستقل بإيجاد معنى أساسي جديد، وإذا ثبت أن لكل حادثة زمنًا فلا بد لها من مكان أيضًا، وإذا استحال أن يخلو زمان من حادثة استحال أن يخلو مكان من حادثة أيضًا. ولولا ملاحظة المحذوف لكان المبتدأ في مثل: "الجلوس فوق" هو نفس الخبر، أي: أن: الجلوس هو "فوق"، "وفوق" هو الجلوس ذاته1، وهذا معنى فاسد، ومثل هذا يقولون في الجار مع مجروره؟ تلك هي الأدلة القوية، ولا حاجة لغير المتخصصين بمعاناتها، وحسبنا أن نحكم بقوة الرأي القائل بأن شبه الجملة هو الخبر، أو الحال، أو ... ، وأنه رأي سديد لا مانع من مسايرته، على الوجه المدون في الجزء الأول في الصفحات المشار إليها.

_ 1 لما تقرر من أن المبتدأ هو الخبر في المعنى، والخبر هو المبتدأ في المعنى في غير هذه المواضع.

4– أن أسماء الزمان الظاهرة1 كلها تصلح للمنصب على الظرفية، يتساوى في هذا ما يدل على الزمان المبهم2، وما يدل على الزمان المختص4 فمثال الأول: عملت حينًا، واسترحت حينًا، ومثال الثاني: قضيت يومًا سعيدًا في الضواحي، وأمضيت يوم الخميس في الريف، كما يتساوى في هذا ما كان منها جامدًا؛ مثل: يوم، وساعة ... وما كان مشتقًا مرادًا به الزمان؛ كصيغتي: "مفعل، ومفعل" بفتح العين وكسرها القياسيتين الدالتين على "الزمان"، بشرط أن تكون الصيغ القياسية المشتقة جارية على عاملها "أي: مشتركة معه في مثل

_ 1 بخلاف المضمرة كضمير الظرف في مثل: يوم الجمعة سرت فيه فإنه ظرف يجر بالحرف: "في" وجوبًا؛ فلا يقال: سرته، إلا على رأي يبيح التوسع بحذف حرف الجر قبله، وإعرابه مفعولًا به، "وقد سبق البيان والتفصيل في رقم 2 من هامش ص 247 وله إشارة في رقم 2 من هامش ص 126". 2و2 اسم الزمان المبهم هو: النكرة التي تدل على زمن غير محدود، "أي: غير مقدر بابتداء معين، ونهاية معروفة"؛ مثل: حين، وقت، مدة، زمن، أو: تدل على وجه من الزمان دون وجه، مثل: صباح، عشية، غداة، "كما سيجيء في ص 301م 79 أما الإيضاح الأنسب فهو في باب الإضافة ج3م 94". والمختص: عكسه؛ ومنه المقدر المعلوم؛ لتعريفه بالعملية؛ كرمضان، أو بالإضافة مثل: زمن الشتاء، أو بأل، مثل: اليوم ... ، ومنه أيضًا: المقدر غير المعلوم؛ كالنكرة المعدودة غير المعينة، نحو: سرت يومًا أو يومين، والنكرة الموصوفة كسرت زمنًا طويلًا. وهناك فرق آخر يترتب على ما سبق؛ هو: أن الظرف الزماني المبهم بمنزلة التأكيد المعنوي لزمن عامله؛ لأن معنى: سار الرجل، هو: حصول سير من الرجل في زمن فات، فإذا قلنا: "سار الرجل زمنًا" كان المعنى أيضًا: حصول سير الرجل في زمن فات، فالظرف الزماني لم يفد إلا التأكيد العنوي للزمن؛ كما قلنا، ومنه "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا"، فكلمة: "ليلا" ظرف زمان يؤكد زمن الفعل، "أسرى"؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلًا. أما الظرف المختص فيفيد التأكيد المعنوي مع الزيادة الدالة على الاختصاص. وعلى هذا يكون من الظروف الزمانية ما يؤكد عامله كما يقع تأكيد العامل بالمصدر والحال، ومنها ما يؤكده مع زيادة أخرى؛ كالشأن في المصدر المبين للنوع أو للعدد، وقد سبق. وسيجيء الكلام على الظرف المؤكد والمؤسس في "ب" من ص 257. وظرف الزمان المبهم غير الأسماء المبهمة التي سبق الكلام عليها في ج 1 ص 305 "ج" م 25، وفي رقم 3 من هامش ص 306 م 26". وبمناسبة الكلام على الظرف الزماني المضاف تردد كتب اللغة "أن العرب لم تضف كلمة: "شهر" إلا إلى "رمضان، والربيعين" لكن لا مانع من إضافتها إلى الشهور الأخرى، ولا مانع كذلك من ترك الإضافة إلى: "رمضان والربيعين" وغيرهما؛ كما نص على ذلك النحاة. "راجع الصبان ج 1 عند الكلام على الظرف "المبهم والمختص"، وكذلك الهمع ج1 باب "الظرف" ص 199 حيث البيان أوسع.

حروفه الأصلية"، مثل: قعدت مقعد الضيف، أي: زمن قعود الضيف1. أما أسماء المكان فلا يصح منها للنصب على الظرفية إلا بعض أنواع: أ- منها: المبهم2 وملحقاته؛ نحو: الجهات الست، في مثل: وقف الحارس أمام البيت وطار العصفور فوقه ... ، فإن كان المكان مختصًا لم يصح نصبه على الظرفية، ووجب جره بالحرف: "في" إلا في حالتين: الأولى: أن يكون عامل الظرف المكاني المختص هو الفعل: "دخل" أو: "سكن" أو: "نزل"، فقد نصب العرب كل ظرف مختص مع هذه الثلاثة؛ نحو: دخلت الدار، وسكنت البيت ... ، ونزلت البلد ... ، والأحسن في إعراب هذه الصور وأشباهها أن يكون كل من " الدار"، و"البيت"، "والبلد" مفعولًا به لا ظرفًا ويكون الفعل قبلها متعديًا3 إليها بنفسه مباشرة. الثانية: أن يكون الظرف المكاني المختص هو كلمة: "الشام" وعامله هو الفعل: "ذهب"، فقد قال العرب: "ذهبت الشام" وتعرب هنا ظرفًا ومثله الظرف المختص: "مكة" مع عامله الفعل: "توجه" فقد قال العرب أيضًا: توجهت مكة. فنصب ظرفًا مع هذا الفعل وحده، و"الشام" و"مكة" ضرفان مكانيان على معنى: "إلى". ب– ومنها: المقادير4، نحو: غلوة – ميل – فرسخ –

_ 1 انظر رقم 3 من هامش ص 254 "راجع أول "باب الظرف" في ج 1 من حاشيتي الخضري والصبان". 2 المراد به: ما ليس له هيئة ولا شكل محسوس، ولا حدود تحصره بين نهايات مضبوطة، تحدد جوانبه؛ ومنه: الجهات الست، وما يشبهها في الشيوع وهي "أمام – خلف – يمين – شمال – فوق – تحت"، والمختص: عكسه؛ مثل: بيت – دار – غرفة ... وقد ألحق بالجهات الست ألفاظ ستجيء؛ في "أ" من ص 257 منها: عند، ولدي ... و ... وهناك تفصيل آخر في باب الإضافة ج 3 م 94. 3 لنستريح من النصب على نزع الخافض، ومن اعتراضات أخرى على إعرابه ظرفًا منصوبًا. 4 ويلاحظ ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 4 من هامش ص 242 ورقم 1 من هامش ص 244"، وهو ان الظروف الدالة على ضمير لا تتضمن معنى: "في" باطراد، وإنما تتضمنها أحيانًا قليلة؛ لأن ناصبها لا بد أن يكون من أفعال السير، أو مشتقاتها؛ فلا توجد: "في" مع ناصب آخر: كذلك النوع الآتي: وهو ما صيغ من مادة فعله وحوى حروفه، فإن هذا الظرف لا يتضمن معنى =

بريد1 ... و ... و ... مثل: مشيت غلوة، ثم ركبت ميلًا، ثم سرت فرسخًا. ج– ومنها: ما صبغ، على وزن2: "مفعل"، أو"مفعل" للدلالة على المكان، بشرط أن يكون الوزن جاريًا على عامله، "أي: مشتركًا معه في مثل حروفه الأصيلة ومشتملًا عليها"3، مثل: وقفت موقف الخطيب، وجلست مجلس المتعلم صنعت مصنع الورق، وبنيت مبناه ... ، فلو كان عامله من غير لفظه لوجب الجر بالحرف: "في"، نحو: جلست في مرمى الكرة4.

_ = "في" باطراد؛ لأن ناصبه من فعل أو وصف يعمل عمله، لا بد أن يكون مشتركًا معه في حروف صيغته، فلا توجد "في" مع غيره، ففي هذين النوعين لا تطرد "في"؛ إذ توجد مع بعض الأفعال المعينة، ومشتقاتها دون بعض آخر لا يمكن أن يتضمنها معنويًا؛ لأنه غير صالح للعمل في النوعين السالفين. هذا، وقد اختلف النحاة في المقادير؛ أهي من المبهم، أم شبيهة بالمبهم، أم قسم قائم بذاته ... ولسنا في حاجة إلى العناء؛ فاعتبارها قسمًا مستقلًا أنسب، وليست من المبهم؛ لأنها معلومة المقدار، ولكنها مختلفة الابتداء، والانتهاء، والبقعة، بحسب الاعتبار؛ فليس لها جهة ثابتة مستقرة فيها، فالميل قد يكون في بلد؛ وقد يكون في غيرها ... ، يكون في صحراء، وقد يكون في حضر، وقد يكون في الشرق بالنسبة لشيء آخر، أو في الغرب، وهكذا. 1 الغلوة: مائة باع تقريبًا، أو: هي أبعد مسافة يقطعها السهم، والميل: ألف باع، والفرسخ: ثلاثة أمثال، وللبريد: أربعة فراسخ ... 2 كما سبق في ص 252 ويكون اسم الزمان والمكان من الثلاثي على وزن: مفعل "بفتح العين" إن كان مضارع فعله مفتوح العين، أو مضمومها "مثل: يلعب يقعد"، أو: كان مضارعه معتل اللام؛ نحو: يرمي، ويكون على وزن مفعل "بكسر العين" إن كان مضارع فعله مكسور العين، مثل: يجلس، أو: معتل الفاء في أصلها الماضي، مع سلامة اللام، بشرط أن تكون الفاء واوًا تحذف في مضارعه؛ مثل: يعد، من: وعد. أما من غير الثلاثي فيكون على وزن مضارعه، مع إبدال أوله ميمًا مضمومة وفتح ما قبل الآخر؛ مثل: "مستخرج" ومضارعه: "يستخرج". "وفي ج 3 ص 242 م 106 تفصيل الكلام عليها وعلى أحكامها". 3 وكذلك ما سبقت إليه الإشارة "في رقم 4 ص 252"، وهو المشتق من مصدر الفعل للدلالة على الزمان وتحقق فيه هذا الشرط وكان منصوبًا؛ فإنه يصلح أن يعرب ظر زمان؛ كالمثال: قعدت مقعد الضيف؛ أي: زمن قعود الضيف. 4 وردت ألفاظ مسموعة بالنصب لا يصح القياس عليها، مثل قولهم: فلان يجلس من الباب مقعد القابلة "أي: المولدة" كناية عن قربه من الباب، وفلان مزجر الكلب، ومناط الثريا، كناية عن البعد فيهما.

ومن ثم كان هذا النوع غير متضمن معنى "في" باطراد، ومستثنى من التضمن1 المطرد. وهذا القسم يكون مختصا كالأمثلة السالفة، ومبهما، نحو: وقفت موقفا، جلست مجلسا2. ومما يلاحظ أن هذه الصيغة: "مفعل -مفعل" صلحة للزمان والمكان ويكون التمييز بينهما بالقرائن، كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر القطار، أي: زمن حضور القطار؛ لأن "متى" للاستفهام عن الزمن، بخلاف: أين حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر المجتمعين حول الخطيب، أي: مكان حضور المجتمعين ... لأن "أين" أداة استفهام عن المكان. 5- أنه يجوز تعدد الظروف المنصوبة على الظرفية لعامل واحد بغير اتباع3، بشرط اختلافها في جنسها: "أي: اختلافها زمانا ومكانا"، مثل: استرح هنا ساعة أقم عندنا يوما، أما إذا اتفقت في جنسها فلا تتعدد إلا في صورتين، إحداهما: الاتباع، يجعل الظرف الثاني بدلا4 من الأول، نحو: أقابلك يوم

_ 1 كما سبق في رقم4 من هامش ص242، وفي رقم 3 من هامش ص253. هذا والظروف المكانية الثلاثة: "المبهم - المقدار - ما صيغ من الفعل" هي التي أشار إليه ابن مالك فيما سبق رقم 3 من هامش ص248 بقوله: ........................ ما ... يقبله المكان إلا مبهما 2 وإلى هذا أشار ابن مالك "وهو يسرد الأشياء التي تصلح للنصب على الظرفية المكانية، ومنه ما صيغ من الفعل كمرمى من رمى، " بقوله: وشرط كون ذا مقيسا أن يقع ... ظرفا لما في أصله معه اجتمع 3 أي: بغير أن يكون واحد مها تابعا للآخر، "نعتا له، أو عطفا، أو توكيدا، أو بدلا". 4 ولا يبدل الأكثر من الأقل على الصحيح ففي نحو: كتبت الرسالة يوم الخميس سنة كذا ... يعرب الظرف الثاني "سنة" حالا من الأول، وليس بدلا "راجع أول الباب السادس من المغني". وهذا رأي البصريين، لكن جاء في "الهمع"، ما يرده بقوة حيث قال في جـ2 ص127 باب البدل ما نصه: "المختار - خلافا للجمهور - إثبات بدل الكل من البعض، لوروده في الفصيح ... ". ا. هـ، وسرد أمثلة من القرآن والشعر تؤيد رأيه، وقد ذكرناها في باب البدل جـ3 م123.

الجمعة ظهرًا، فكلمة "ظهرا" بدل بعض من كلمة: يوم1. والأخرى، أن يكون العامل اسم تفضيل؛ نحو: المريض اليوم أحسن منه أمس. "فاليوم وأمس؛ ظرفان عاملها أفعل التفضيل وهو: أحسن"، وقد تقدم عليه واحد، وتأخر واحد ... 6- أنه يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؛ مسايرة للرأي القائل بذلك، توسعًا وتيسيرًا؛ نحو: أعطيت السائل أمامك ويوم العيد قرأت الكتاب هنا، ويوم السبت الماضي2. 7– إذا وقع الظرف خبرًا فإنه يستحق أحكامًا خاصة يستقل بها، وقد سبق تسجيلها في مكانها الأنسب، وهو باب: "المبتدأ والخبر"3، ومن تلك الأحكام أن يكون في مواضع معينة باقيًا على حالته من النصب، وفي مواضع أخرى يكون مرفوعًا أو مجروًا، ولا يسمى في هاتين الحالتين ظرفًا ... إلى غير هذا من الأحكام الهامة المدونة في الموضع المشار إليه.

_ 1 ملاحظة: في ضوء ما سبق نفهم ما جاء في حاشية الخضري، جـ2، أول باب: "البدل" ونصه: ".... بدل كل من بعض كلقيته غدوة يوم الجمعة، بنصب" "يوم"، إذ لا يصح جعله ظرفا ثانيا؛ لأن ظرف الزمان لا يتعدد بلا عطف.". ا. هـ، هذا، وإن تعدد بعطف فإن ما بعد العاطف لا يسمى ظرفا، وإنما يسمى: "معطوفا". 2 لهذا الحكم تفصيل في المكان الأنسب "ج 3 آخر باب: "العطف" م 122". 3 ج 1 م 35 ص 475.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 "المبهم" من ظروف المكان، وأنه يشمل أنواعًا منها: "الجهات الست"، وقد ألحقوا بهذه الجهات ألفاظًا أخرى، منها: "عند – لدى – وسط – بين – إزاء – حذاء ... "، واختلفوا في مثل2: "داخل – خارج – ظاهر – باطن – جوف الدار – جانب"، وما بمعناه "مثل: جهة – وجه – كنف" في مثل: قابلته داخل المدينة أو خارجها، أو ظاهرها ... ؛ فكثير من النحاة يمنع نصب هذه الكلمات على الظرفية المكانية؛ لعدم إبهامها، ويوجب جرها بالحرف: "في"، وفريق يجيز، ويرى أن هذا هو الأوجه3، لما فيه من تيسير؛ لأن تلك الكلمات الدالة على المكان لا تخلو من إبهام، فهي شبيهة بالمبهم، وملحقة به. وكان الجدير بكل فريق أن يستند في تأييد رأيه على موقفه من كثرة المسموع المأثور، ويعتمد عليه وحده في الاستدلال، واستنباط الحكم، فمن نصره السماع الكثير فرأيه هو الأقوى، دون غيره، ولكنهم لم يفعلوا، ومن ثم يكون الرأي المجيز أولى بالاتباع، وإن كانت المبالغة في الدقة والحرص على سلامة الأسلوب وسموه تقتضي البعد عن الخلاف باستعمال الحرف "في"؛ لاتفاق الفريقين على صحة مجيئه؛ فيجري التعبير اللغوي على سنن موحد. ب- من أنواع الظرف ما يكون مؤسسًا، وما يكون مؤكدًا، فالمؤسس هو الذي يفيد زمانًا أو مكانًا جديدًا لا يفهم من عامله؛ نحو: صفًا الجو اليوم، فقضيته حول المياه المتدفقة، وبين الأزاهر والرياحين، فكل واحد من الظروف: "اليوم – حول – بين ... " يسمى: "ظرفًا مؤسسا، أو تأسيسيًا"؛ لأنه أسس أي: أنشأ معنى جديدًا لا يفهم من الجملة بغير وجود هذا الظرف.

_ 1 في ص 253. 2 من كل خما لا يدل على حقيقته بنفسه، وإنما تعرف حقيقته بما تضاف إليه؛ مثل: مكان – ناحية – أمام – وراء – جهة ... فيقال مثلًا: مكان علي – ناحية محمود ... 3 راجع حاشية الخضري، باب: "الظرف" ج1، ففيها تلخيص الرأيين، وبيان الأوجه منهما، وأنه المفهوم من كلام صاحب "الهمع" في هذا الباب.

والمؤكد: هو الذي لا يأتي بزمن جديد، ولا مكان جديد، وإنما يؤكد زمنًا أو مكانًا مفهومًا من عامله، ومن الأمثلة قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، فالظرف: "ليلًا" لا جديد معه إلا التوكيد لزمن الإسراء؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلًا، ومثل: صعد الخطيب فوق المنبر؛ فالظرف: "فوق" لم يأت بجديد إلا توكيد معنى عامله الدال على الصعود، أي: الارتفاع والفوقية. لما سبق كان الظرف في مثل قول القائل: سرت حينًا ومدة لم يزد زمنًا جديدًا غير الزمن الذي دل عليه الفعل 1 ...

_ 1 انظر رقم 2 من هامش ص252.

المسألة 79: الظرف المتصرف وغير المتصرف، وأقسام كل الظرف بنوعيه قد يكون متصرفًا، وقد يكون غير متصرف. أ- فالمتصرف هو الذي لا يلازم النصب على الظرفية، وإنما يتركها إلى كل حالات الإعراب الأخرى التي لا يكون فيها ظرفًا؛ كأن يقع مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا به، أو مجرورًا بالحرف: "في" المذكور قبله أو بغيره ... أو ... فمثال الزمان المتصرف كلمة: "يوم" في العبارات التالية: يومكم مبارك، ونهاركم سعيد، إن يومكم مبارك، وإن نهاركم سعيد، جاء اليوم المبارك ... إنا نرقب مجيء اليوم المبارك في يوم العيد يتزاور الأهل، والأصدقاء ... و ... ومثال المكان المتصرف: يمينك أوسع من شمالك العاقل لا ينظر إلى الخلف إلا للعبرة؛ وإنما وجهته الأمام، ومثل: الفرسخ ثلاثة أميال، ونعرف أن الميل ألف باع1. وقد سبق2 أن الظرف بنوعيه إذا ترك النصب على الظرفية إلى حالة أخرى غير النصب على الظرفية ولو إلى الجر "بفي" أو بغيرها، فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان3 ...

_ 1 وفي الظرف المتصرف يقول ابن مالك: وما يرى ظرفًا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف أي: في عرف النحاة واصطلاحهم. 2 في ص 244. 3 من أمثلة هذا كلمة: "اليوم" و"عام" في قول الشاعر: يطول اليوم لا ألقاك فيه ... وعام نلتقي فيه قصير ومثل كلمة: "غد" في قول الشاعر: لا مرحبا بغد، ولا أهلًا به ... إن كان تفريق الأحبة في غد

حكم الظرف المتصرف: 1- إما معرب منصرف؛ مثل: يوم – شهر – يمين – مكان1. 2- وإما معرب غير منصرف مثل: غدوة2؛ وبكره3, وضحوة؛ بشرط أن تكون كل واحد "علم جنس"4، على وقتها المعين المعروف؛ سواء أكان هذا الوقت مقصودًا ومحددًا من يوم خاص بعينه، أم غير مقصود ولا محدد من يوم معين، فهذه الثلاثة وأشباهها متصرفة؛ تستعمل ظرفًا وغير ظرف، وفي الحالتين تمنع من الصرف، وسبب منعها من الصرف: "العلمية الجنسية والتأنيث اللفظي"، فإن فقدت العلمية لم تمنع من الصرف، وذلك لعدم التعيين؛ "لأنها فقدت تعيين الزمن وتحديده؛ وصارت دالة على مجرد الوقت المحض الخالي من كل أنواع التخصيص إلا بقرينة أخرى للتعيين"؛ مثل: غدوة وقت نشاط، يسرني السفر غدوة والقودم ضحوة، بشرط أن يراد بهما مطلق زمن بغير تعيينه، ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} 5.

_ 1 انظر ما يختص بهذه الكلمة في ص 265. 2 الوقت في طلوع الفجر إلى شروق الشمس، وفي ص 553 كلام يختص بهذه الكلمة. 3 الوقت من طلوع الشمس إلى الضحوة، أي: الضحا، وهو وقت ارتفاع الشمس في الأفق. 4 سبق إيضاحه في مكانه المناسب "ج 1 ص 261 م 22 و 266 م23". 5 لزيادة الإيضاح نسوق ما قاله الصبان في هذا الموضع من الجزء الثاني آخر باب الظرف، قال: عن "غدوة وبكرة" ومثلهما: ضحوة ما نصه: "إنهما علمان جنسيان؛ بمعنى أن الواضح وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين؛ أعم من أن يكونا من يوم بعينه، أو لا، وهذا معنى قولهم: قصد بهما التعيين أو لم يقصد، كما ضع لفظ: "أسامة" علمًا للحقيقة الأسدية، أعم من أن يقصد به واحد بعينه أو لا، فالتعيين المنفي قصده هو التعيين الشخصي، لا النوعي؛ إذ هو لا بد منه، فلا اعتراض "بأن عدم قصد التعيين يصيرهما نكرتين منصرفتين"، ويؤيد ما ذكرناه قول الدماميني: "كما يقال عند قصد التعميم: أسامة شر السباع، وعند التعيين هذا أسامة فاحذره يقال عند قصد التعميم غدوة أو بكرة وقت نشاط، وعند قصد التعيين لأسيرن الليلة إلى غدوة أو بكرة"، قال: "وقد يخلوان من العلمية فينصرفان، ومنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ، وحكى الخليل: جئتك اليوم غدوة، وجئتني أمس بكرة، والتعيين في هذا لا يقتضي العلمية حتى يمنع الصرف؛ لأن التعيين أعم من العلمية، فلا يلزم من استعمالهما في يوم معين أن يكونا علمين؛ لجواز أن يشار بهما إلى معين مع بقائهما على كونهما من أسماء الأجناس النكرات بحسب الوضع، كما تقول: رأيت رجلا وأنت تريد شخصًا معينًا، فيحمل على ما أردته من المعين، ولا يكون علمًا". ا. هـ، ما نقله الصبان. ثم انظر الكلام عليهما في جـ 1 ص 110 م 22.

3– وإما مبني، والمبني قد يكون مبنيا على السكون، مثل: "إذ" الواقعة "مضافًا إليه"، والمضاف زمان، نحو: لاح النصر ساعة إذا أخلص المجاهدون كان النصر يوم إذ جاهد المخلصون، أو مبنيًا على الكسر، مثل الظرف: "أمس" عند الحجازيين؛ في نحو: اعتدل الجو أمس. ب– أما غير المتصرف1: فمنه الذي لا يستعمل إلا ظرفًا، ومنه ما يستعمل ظرفًا، وقد يترك الظرفية ولا يسمى ظرفًا إلى شبهها، وهو الجر بالحرف: "من" غالبًا2، فمثال الذي لا يستعمل إلا ظرفًا: "قط"3، و"عوض"4 و"بدل" بمعنى: مكان "مثل: خذ هذا بدل ذلك"، و"مكان" بمعنى: "بدل"، "أما "مكان" بمعناه الأصلي فظرف متصرف". "وسحر"5؛ إذا أريد به سحر يوم معين محدد؛ نحو: أزورك سحر يوم السبت المقبل؛ وإلا فهو ظرف متصرف؛ نحو: تمتعت بسحر منعش؛ فهل يساعفني سحرا مثله؟. ومثال ما يلازم النصب على الظرفية، وقد يتركها إلى شبهها: "عند، ولدن

_ 1 ستجيء له امثلة أخرى في "الزيادة والتفصيل"، ص 266 وما بعدها. 2 قلنا: "غالبًا"؛ لأن الظرف: "أين" قد يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بالحرف: "من" أو: "إلى". وكذلك الظرفان: "ثم" و "هنا" بلغاتهما المخلتفة وهما في الوقت نفسه من أسماء الإشارة؛ فيخرجان إلى الجر بأحد الحرفين: "من" أو"إلى" "راجع الصبان ج 1 باب اسم الإشارة عند الكلام على: ثم وسبق لذا بيان في ج 1 باب اسم الإشارة م 25". وكذلك الظرف: "متى" قد يخرج إلى الجر بالحرف: "إلى" أو: حتى. 3 و4 سبق الكلام عليهما في هذا الجزء ص 116 م 68 وملخصه: أن "قط" ظرف زمان لاستغراق الماضي، ولا يستعمل في الغالب إلا بعد نفي أو شبهة. والأصح في ضبطه: فتح القاف وضم الطاء مع تشديدها، وفيها لغات أخرى وهو ظرف مبني على الضم، مثل: ما خدعت أحدًا قط "وقط" غير: "فقط" التي سبق الكلام عليها في رقم 2 من هامش ص 116، وقلنا هناك: إن إيضاحها، وبيان حكمها في ج 2 م 30 ص 382 عند بيت ابن مالك في المعرف، بأل": "أل" حرف تعريف" وأنها بمعنى: "حسب" واالفاء زائدة لتزيين اللفظ" ... وعرض: ظرف لاستغراق الزمان المستقبل، غالبًا ولا يكاد يستعمل إلا بعد نفي أو شبهه: وهو مبني على الضم، أو الفتح، أو الكسر، إن لم يضف فإن أضيف أعرب؛ نحو: لن أخادع عوض العائضين. 5 الثلث الأخير من الليل.

وقبل، وبعد، وحول1، و ... "، مثل: مكثت عندك ساعة، ثم خرجت من عندك إلى بيتي سأقصد الحدائق لدن الصبح حتى الضحا، ثم أعود من لدنها حضرت قبل الميعاد ولم أحضر بعده، أو: حضرت من قبل الميعاد، ولم أحضر من بعده2. حكم الظرف غير المتصرف: 1– إما معرب ممنوع من الصرف؛ مثل: عتمة3 عشية4 سحر5 بشرط أن يقصد بكل واحدة التعيين الدال على وقت خاص، فتكون علم جنس عليه؛ لدلالتها على زمن معين محدد دون غيره من الأزمان المبهمة الخالية من التعيين، نحو: استيقظت: ليلة الخميس سحر، حضرت يوم الجمعة عشية، سهرت يوم السبت عتمة. فإن فقدت هذه العلمية صارت نكرة لا تدل على وقت مخصص من يوم بذاته، وخرجت من نوع الظرف غير المتصرف، ودخلت في نوع المتصرف المنصرف؛ فتصير مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا ... و ... وغير ذلك، مع التنوين في كل حالة؛ نحو سحر خير من عيشة، ورب عتمة خير من سحر5.

_ 1 من ظروف المكان غير المتصرفة: "حول" بلغاته المختلفة التي منها: حول ... ، وحوال ... ، وحوالي ... وحولى وأحوال ... وأحوالى ... مع إضافته في كل الصور، ومعناه الجهات المحيطة بالمضاف إليه راجع الصبان واللسان، ولهذا إشارة وبيان، في ص 272. 2 لهذه الظروف وملازمتهما النصب على الظرفية أحكام تفصيلية موضع الكلام عليها باب: "الإضافة" ج 3 ص 114 وما بعدها، وفي هذا يقول ابن مالك: وغير ذي التصرف: الذي لزم ... ظرفية، أو شبهها من الكلم يريد: أن الظرف غير المتصرف من الكلمات، هو: الذي لزم الظرفية وحدها، أو: لزم الظرفية وقد يتركها إلى شبهها أحيانًا، وفي البيت قصور في صياغته؛ لقوله: وغير صاحب التصرف، بدل قوله: غير المتصرف، وكالحذف في الشطر الأخير حيث الواجب: ظرفية فقط، أو: ظرفية وشبهها. 3 الثلث الأول من الليل، "وهي ممنوعة من الصرف، على رأي راجح". 4 آخر النهار. 5و 5 فتمنع كلمة: "سحر" للعلمية والعدل عن السحر؛ لأنها تدل على معين كما تدل عليه الكلمة المقرونة بأل التي للتعريف؛ فكان حقها التصدير بكلمة "أل" التي للتعريف، ولكن العرب عدلوا عن هذا؛ فاجتمع في الكلمة العلمية والعدل، وبسبب اجتماعهما تحقق ما يوجب منع الصرف كما يقول النحاة. وتمنع كلمتا: "عتمة وعشية" للعلمية والتأنيث اللفظي، "وقد يوضح العلمية هنا ما سبق في رقم 5 من هامش ص 260"، ويشترط لمنع الثلاثة من الصرف الخلو من "أل"، ومن الإضافة فغن نكرت نونت وتصرفت؛ كقوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، وكذلك مع أل أو الإضافة؛ نحو: سافر الرجل يوم الجمعة السحر منه، أو في سحره، "ولهذا الكلام صلة بما سيجيء عنها في ص 553" وما بعدها.

2– وإما معرب مصروف مثل: "بدل" و"مكان" السالفين1. 3– وإما مبني على السكون أو غيره في مثل: لدن، ومتى2، ومد، ومنذ3 وقط، ... وغيرها "مما سيجيء 4". 4- جميع الظروف غير المتصرفة لا يصح التصريح قبلها بالحرف: "في" بخلاف المتصرفة، وإذا ظهرت "في" قبل الظرف مطلقًا، فإنه يصير اسمًا محضا مجرورًا بها، ولا يصح تسميته ظرف زمان، أو ظرف5 مكان. ما ينوب عن الظرف: أ– يكثر حذف الظرف الزماني المضاف إلى مصدر، وإقامة المصدر مقامه6. فنيصب مثله باعتباره نائبا عنه، وذلك بشرط أن يعين المصدر الوقت ويوضحه، أو يبين مقداره، وإن لم يعينه؛ فمثال الأول: أخرج من البيت شروق الشمس، وأعود إليه غروبها أزوركم في العام الآتي قدوم الراجعين من الحج، "تريد: أخرج من البيت وقت طلوع الشمس، وأعود إليه وقت غروبها، ووقت قدوم الراجعين"، فحذف الظرف الزماني: "وقت" وقام مقامه المصدر، وهو: "شروق، غروب، قدوم"، فأعرب طرفًا بالنيابة.

_ 1 في ص 261. 2 "له إشارة في رقم 2 من هامش ص 261"، وهو ظرف غير منصرف، مبني على السكون المقدر دائمًا، ويسأل به عن الزمان وقد يكون مع ظرفيته هذه اسم شرط جازم طبقًا لما سيجيء في ج 4 باب الجوازم التي تجزم فعلين. 3 لا يكون "مذ ومنذ" غير متصرفين إلا على الرأي الذي يمنع وقوعهما مبتدأ، أو شيئًا آخر غير الظرفية، "كما يجيء في رقم 3 هامش ص 270". 4 في الزيادة والتفصيل، ص 268. 5 كما سبق في ص 259 و 1 من ص 244. 6 والمصدر قد يقع أحيانًا ظرفًا دون تقدير مضاف؛ مثل: أحقًا أنك مكافح، أي: أفي حق ... ، "وسيجيء في من ص 273" ...

ومثال الثاني: أمكث عندك كتابة صفحة؛ "أي: مدة كتابة صفحة"، وأنتظرك لبس الثياب، "أي: مدة لبسها"، وأغيب غمضة عين، "أي: مدة غمضها"، ففي هذه الصور ونحوها بيان للمقدار الزمني الذي يدل عليه المصدر في كل صورة، دون أن يعين ذلك الوقت، ويحدده: "أهو الصبح، أم الظهر، أم الغروب، أم غيرهما ... ؟ ". وقد يحذف الظرف وينوب عنه مصدر مضاف إلى اسم عين1، ثم يحذف هذا المصدر المضاف أيضًا، ويحل محله اسم العين، باعتباره نائبًا عن النائب عن الظرف الزماني، ويعرف ظرفًا بالإنابة، نحو: لا أكلم السفية النيرين أي: مدة طلوع النيرين؛ "وهما: الشمس والقمر": فحذف الظرف الزماني؛ وهو "مدة"، وقام مقامه المصدر المضاف: "طلوع"، ثم حذف المصدر المضاف وحل محله المضاف إليه؛ وهو: كلمة: "النيرين" وتعرب ظرفًا بالإنابة كما قلنا ومن أمثلتهم: لا أجالس لمحدًا الفرقدين2، ولا أماشيه القارظين3 يريدون: مدة ظهور الفرقدين، ومدة غياب القارظين. هذا، والإنابة فيكل ما سبق قياسية إذا تحقق ما شرحناه. ب– أما نيابة المصدر عن ظرف المكان، فقليلة حتى قصروها على المسموع دون غيره مثل كلمة: قرب نحو: جلست قرب المدفأة، أي: مكان قرب المدفأة، فكلمة: "قرب" مصدر بالنيابة. ج– وهناك أشياء أخرى غير المصدر تصلح للإنابة قياسًا عن الظرف بنوعيه بعد حذفه، وتعرب ظرفًا بالنيابة. منها: صفته؛ نحو: صبرت طويلًا من الدهر جلست شرقي المنزل؛ أي: صبرت زمنًا طويلًا ... جلست مجلسًا شرقي المنزل، أو جلست مكانًا شرقي المنزل.

_ 1 أي: اسم ذات، أي: شيء حسي مجسم. 2 اسم نجمين. 3 رجلان خرجا يجمعان القوظ، "وهو: ثمر شجر السنط، ويستخدم في الدباغة"، فلم يرجعا.

ومنها: عدده، بشرط أن يوجد ما يدل على أنه عدده: كالإضافة إلى زمان، أو مكان؛ نحو: مشيت خمس ساعات قطعت فيها ثلاثة فراسخ. ومنها: كل أو بعض، وغيرهما مما يدل على الكلية والجزئية، بشرط الإضافة إلى زمان أو مكان1؛ نحو: نمت كل الليل، وقول الشاعر: أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي علي، وما يقيني؟ ومثل: استمخر الحفل بعض الليل ... مشت القافلة كل الأميال أو بعض الأميال2 ...

_ 1 كما سيجيء في باب الإضافة ج 3 ص 58 م 94. 2 وفيما سبق يقول ابن مالك: وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– الظروف من حيث التصرف وعدمه، ودرجته، أربعة أقسام: قسم يمتنع تصرفه أصلًا؛ مثل: "قط"، "عوض" وقد سبقا، ومثل: "بين" إذا اتصلت بها "الألف" أو"ما" فصارت: "بينا أو بينما"، فإنها عندئذ تلازم الظرفية تمامًا كالتي في ص 277، و 278 أيضًا. ويلحق بهذا القسم: "عند، وفوق، وتحت"1، وأشباهها مما لا يخرج عن الظرفية إلا إلى الجر بالحرف: "من" غالبًا 2. وقسم ثان: يتصرف كثيرًا، كيوم، شهر، يمين3، شمال، ذات اليمين ذات الشمال4. وثالث: متوسط في تصرفه؛ وهو: أسماء الجهات "إلا ما سبق حكمه في القسمين السالفين؛ من مثل: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وذات اليمين، وذات الشمال ... ". ومن هذا القسم المتوسط: "بين" التي لم يتصل بآخرها: "الألف" أو"ما"، فإن اتصلت بها: "الألف" أو: "ما" وصارت: "بينا، بينما" ... فهي ممنوعة التصرف 5، كما أسلفنا.

_ 1 هناك رأي يقول: "فوق، وتحت" يتصرفان نادرًا، ولا داعي للأخذ به، وسيجيء في ص 283 الكلام على حالات بنائهما وإعرابهما. 2 انظر رقم 2 من هامش ص 261. 3 كل من الظرفين: "يمين" و"شمال" قد يكون معربًا كما في ص 259، وقد يكون مبنيًا، بالتفصيل الذي في رقم 5 من ص 283 أما تفصيل الكلام على معناها، وإضافتهما ففي ج 3 ص 36 م 93. 4 بشرط إضافة: "ذات" إلى: "اليمين" أو: "الشمال". "كما سيأتي في ص 272 من هذا الجزء، وفي ج 3 ص 36 م 39، هذا، إلى أن لكلمة: "ذو" و"ذات" أحكامًا أخرى في ج 1 ص 70 م 8، باب: "الأسماء الستة"، ص 254 م 26 باب: "الموصول". 5 وفي الحالتين يجب تصديرها وإضفاتها للجملة؛ طبقًا للبيان التفصيلي، الآتي في ص 287.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورابع: تصرفه نادر في السماع، لا يقاس عليه، مثل: الآن، وحيث، ودون، التي ليست بمعنى رديء ووسط؛ بسكون السين في الغالب، أما بفتحها فاسم متصرف في الغالب أيضًا، وفي غير الغالب يجوز في كليهما التسكين والفتح، والأفضل اتباع الغالب؛ ليقع التفاهم بغير تردد، وقد وضعوا علامة للتميز المعنوي بين الكلمتين؛ فقالوا: إن أمكن وضع كلمة: "بين" مكان: "وسط" واستقام المعنى فهي ظرف؛ نحو: جلست وسط القوم، أي: بينهم، وفي هذه الحالة يحسن تسكين السين؛ مراعاة للغالب، وإن لم تصلح كانت اسمًا، نحو: احمر وسط وجهه، وفي هذه الصورة يحسن تحريك السين بالفتح، مراعاة للغالب. ب– إذا كان الظرف منصوب اللفظ أو المحل على الظرفية، وجب عند الأكثرين أن يكون متعلقًا بالعامل الذي عمل فيه النصب1، وهذا العامل يكون في الغالب فعلًا2، أو مصدرًا، أو شيئًا يعمل عمل الفعل3 كالوصف؛ نحو: سافرت يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، أو: أنا مسافر يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، فالظرفان "يوم" و"فوق" متعلقان بعاملهما "سافر" أو: "مسافر" ... و ... ومعنى أنهما متعلقان به: مرتبطان ومستمسكان به، كأنهما جزءان منه لا يظهر معناهما إلا بالتعلق به، فاستمساكهما بالعامل كاستمساك الجزء بأصله، ثم هما في الوقت نفسه يكملان معناه. بيان هذا: أن العامل يؤدي معناه في جملته، ولكن هذا المعنى لا يتم ولا يكمل إلا بالظرف الذي هو جزء متمم ومكمل له؛ ففي مثل: جلس المريض ... قد نحس في المعنى نقصًا يتمثل في الأسئلة التي تدور في النفس عند سماع هذه

_ 1 سبق "في رقم 4 من هامش ص 245، ثم في ص 249 م 78" كلام هام يتصل بهذا الموضوع، وبتممه؛ من ناحية التعلق بحروف المعاني، والحكمة في وجوب التعلق، وسيجيء في ص 445، رقم 3 من هامش، باب حروف الجر، عند الكلام على شبه الجملة م 89 ما يزيده توفية واكتمالًا. 2 والرأي الشائع القوي أن شبه الجملة بنوعيه "وهما الظرف، وحرف الجر الأصلي مع مجروره" لا يجوز أن يتقدم على عامله الفعل المؤكد بالنون طبقًا للبيان الذي سبق في رقم 3 من هامش ص 101. 3 وقد يكون تعلقهما بعامل معنوي، إذا لم يوجد عامل آخر يصح التعلق به وهذا العامل المعنوي هو: الإسناد "أي: النسبة" على الوجه المشروح في هامش ص 357 ورقم 2 من ص 441 أما تعلقه بأحرف المعاني، فقد سبق بيانه في رقم 4 من هامش ص 245 م 78.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألفاظ؛ ومن الأسئلة: أين جلس؟ أكان فوق السرير، أم أمامه، أو وراء النافذة، ... أيمين الداخل ... أم شمال الخارج....؟ متى جلس؟ أصباحًا، أم ظهرًا، أم مساء ... ؟ وهكذا ... فإذا جاء الظرف الزماني أو المكاني، فقد أقبل ومعه جزء من الفائدة ينضم إلى الفائدة المتحققة من العامل؛ فيزداد المعنى العام اكتمالًا بقدر الزيادة التي جلبها معه؛ فمجيئه إنما هو لسبب معين، ولتحقيق غاية مقصودة دعت إلى استحضاره، هي عرض معناه، مع تكملة معنى عامله، فلهذا وجب أن يتلعق به. والاهتداء إلى هذا العامل قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى فطنة ويقظة، ولا سيما إذا تعددت في الجملة الواحدة الأفعال أو لا يعمل عملها؛ حيث يتطلب استخلاص العامل الحقيقي من بينها أناة وتفهمًا؛ خذ مثلًا لذلك: "أسرعت الطائرة التي تخيرتها بين السحب" ... فقد يتسرع من لا دراية له فيجعل الظرف "بين" متعلقًا بالفعل القريب منه، وهو الفعل: "تخير" فيفسد المعنى؛ إذ يصير الكلام: تخيرت الطيارة بين السحب، إنما الصحيح: أسرعت بين السحب، وهذا يقتضي أن يكون الظرف متعلقًا بالفعل "أسرع"، فيزداد معناه، ويكمل بعض نقصه، كما لو قلنا: تخيرت الطيارة فأسرعت بين السحب. مثال آخر: "قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها تحت لسانه"، فلا يصح أن يكون الظرف "تحت" متعلقًا بالفعل "كتب"؛ لئلا يؤدي التعلق إلى أن الكتابة كانت تحت اللسان؛ وهذا معنى فاسد لا يقع، أما إذا تعلق الظرف "تحت" بالفعل: "قاس" فإن المعنى يستقيم، وتزداد به الفائدة، أي: قاس الطبيب حرارة المريض تحت لسانه، فالقياس تحت اللسان، وهكذا يجب الالتفات لسلامة المعنى وحدها دون اعتبار لقرب العامل أو بعده من الظرف1.

_ 1 ومن الأمثلة أيضًا الشطر الثاني قول الشاعر يخاطب الإمام عليًا رضي الله عنه: يخبرنا الناس عن فضلكم ... وفضلكم اليوم فوق الخبر حيث يتعين تعليق الطرفين "اليوم، فوق" بالخبر المحذوف، طبقًا لأقوى الآراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جـ- الزمان أربعة أقسام 1: أولها: المعين2 المعدود3 معًا، مثل: رمضان، المحرم من غير أن يذكر قبلهما كلمة: شهر"، الصيف، الشتاء، وهذا القسم يصلح جوابًا لأداتي الاستفهام: "كم، ومتى"، نحو: كم شهرًا صمت؟ متى رجعت من سفرك؟ والجواب: صمت رمضان، رجعت الصيف ... ثانيًا: غير المعين وغير المعدود؛ فلا يصلح جوابًا لواحد منهما؛ مثل: حين، وقت. ثالثها: المعين غير المعدود؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "متى" فقط؛ نحو: يوم الخميس، وكلمة: "شهر" المضاف إلى اسم بعده من أسماء الشهور، مثل: شهر صفر، شهر رجب ... وذلك جوابًا فيهما عن قول القائل: متى حضرت؟ متى تغيبت؟. رابعها: المعدود غير المعين؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" فقط، نحو: يومين، ثلاثة أيام، أسبوع، شهر، حول. 1– فالذي يصلح جوابًا للأداتين: "كم"، و"متى" "وهو القسم الأول" أو يصلح جوابًا للأداة: "كم" وهو القسم الرابع يستغرقه الحدث "المعنى"، الذي تضمنه ناصبه سواء أكان الجواب نكرة أم معرفة بشرط ألا يوجد ما يدل على أن الحدث مختص ببعض أجزاء ذلك الزمان، فإذا قيل: كم سرت؟ فأجبت: "شهرًا"، وجب أن يقع السير في جميع الشهر كله، ليله ونهاره إلا إن قامت قرينة تدل على أن المقصود المبالغة والتجوز وكذا إن كان الجواب: المحرم، مثلًا. وكذا يقال في الأبد والدهر، مقرونين بكلمة: "أل" فالحدث الواقع من ناصبهما يستغرقها ليلًا ونهارًا 4.

_ 1 من ناحية استغراق المعنى: "راجع الهمع ج 1 ص 197، والصبان ج 2 ص 95، وبينهما اضطراب ظاهر تداركناه بمعونة مراجع أخرى". 2 أي: المعين بالعلمية. 3 الدال بلفظه على عدد محدود. 4 أما كلمة؛ "أبدًا" بغير "أل" فلاستغراق الزمن المستقبل وحده؛ فإذا قلت: صام الرجل الأبد، كان معناه: صام كل زمن من أزمنة عمره، القابلة للصوم، عادة إلى حين وفاته، ولا تقول صام أبدًا؛ وإنما تقول إذا أردت المستقبل وحده: لأصومن أبدًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان حدث الناصب "أي: معناه" مختصًا ببعض أجزاء الزمان، استغرق بعضها الذي يختص به، وانصب عليه وحده دون غيره من الأجزاء الأخرى. فإذا قيل: كم صمت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب الصوم على الأيام دون الليالي؛ لأن الصوم لا يكون إلا نهارًا، وإذا قيل: كم سريت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب السرى على الليالي دون الأيام؛ لأن السرى لا يكون إلا ليلًا. وكذا يقال: ي الليل والنهار معرفين، فالحدث الواقع على كل منهما مقصور على زمنه الخاص. 2– وغير ما سبق يجوز فيه التعميم والتبعيض؛ كيوم، وليلة، وأسماء أيام الأسبوع، وأسماء الشهور؛ بشرط أن يذكر قبلها المضاف وهو كلمة: شهر؛ كشهر رمضان، شهر المحرم. وهناك رأي آخر من عدة آراء في هذا البحث؛ هو: أن ما صلح جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" أو: "متى" يكون الحدث "المعنى" في جميعه تعميمًا أو تقسيطًا، فإذا قلت: سرت يومين؛ فالسير واقع في كل منهما من أوله إلى آخره، وقد يكون في كل واحد من اليومين، وإن لم يشمل اليوم كله من أوله إلى آخره. ولا يجوز أن يكون في أحدهما فقط، ومن التعميم: صمت ثلاثة أيام، ومن التقسيط أذنت ثلاثة أيام، ومن الصالح لهما: تهجدث ثلاث ليال. وعلى كل فهذه كما قالوا ضوابط تقريبية، والقول الفصل للقرائن الحاسمة، ولا سيما العرف الشائع؛ فتلك القرائن هي التي توضح أن المراد التعميم أو التبعيض. د– قلنا1: إن الظرف غير المتصرف إما معرب منصرف، وإما معرب غير منصرف، وإما مبني، وقد تدمت الأمثلة، وهو في حالالته الثلاث لا يجوز أن تسبقه "في" 2، فالمبنى قد يكون مبنيًا على السكون مثل: مذ3، ولدن ... أو على الضم مثل: منذ3، أو على فتح الجزأين؛ مثل ظروف الزمان أو المكان

_ 1 في 262 م 79. 2 كما سبق في: "أ" رقم4 من هامش ص 242، وفي رقم 4 من ص 263. 3 و 3 لا يكون "مذ ومنذ" غير متصرفين إلا في الرأي الذي يقصرهما على الظرفية وحدها، ويمنع وقوعهما مبتدأ، "كما سبق في رقم 3 من هامش ص 263".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المركبة تركيب مزج1؛ "نحو: صباح مساء – يوم يوم – صباح صباح. والمعنى: كل صباح ومساء "أي: كل صباح، وكل مساء"، وكل يوم، وكل صباح". "ومثل: بين بين وستأتي" 2، فإن فقدت الظروف التركيب، أو أضيف أحد الجزأين للآخر، أو عطف عليه امتنع البناء، ووجب إعرابها وتصرفها ... لكن أيبقى المعنى في الجميع مع فقد التركيب بسبب وجود العطف، أو الإضافة كما كان مع التركيب أم يختلف؟ اتفقوا على أنه باق في الجميع، إلا صباح مساء عند الإضافة، مثل: أنت تزورنا صباح مساءٍ، ففريق يرى أنها كغيرها من الظروف المركبة التي تتخلى عن التركيب وتضاف، فيظل المعنى الأول باقيًا بعد الإضافة "وهو هنا: كل صباح وكل مساء"، وفريق يرى أن المعنى مع الإضافة يختلف؛ فيقتصر على الصباح وحده كما في المثال السالف، حيث تقتصر الزيارة فيه على الصباح فقط؛ اعتمادًا على أن المعنى منصب على المضاف، "وهو الصباح"، أما المضاف إليه فهو مجرد قيد له؛ أي: صباحًا لمساء3. والحق أن الأمرين محتملان في المثال، إلا عند وجود قرينة تحتم هذا وحده، أو ذاك، فوجودها ضروري لمنع هذا الاحتمال. ومن الظروف المركبة مزجًا، المبنية لهذا على فتح الجزأين، والتي لا تتصرف، "بين بين"4 بمعنى: التوسط بين شيئين: مثل: درجة حرارة الجو أو الماء: بين بين، أي: متوسطة بين المرتفعة والمنخفضة، ثروة فلان بين بين، أي: بين الكثرة والقليلة ... فإن فقد الظرف: "بين" التركيب جاز أن يكون معربًا

_ 1 تفصيل الكلام على المركب المزجي تعريفه، وتقسيمه، وحكمه مدون في الجزء الأول "م 23 ص 270 و 279، وما بعدهما في أقسام العلم ... ". 2 الكلام على بعض استعمالات: "بين" في ص 277 و 286. 3 هذا رأي الحريري ومن تابعه، وقد دفعه آخرون، منهم ابن بري، والرأيان معروضان في الهمع ج 1 ص 197. 4 ستجيء إشارة إليها في ص 277 بمناسبة الكلام على: "إذ" كما سيجيء بعض أحكامها الهامة في ص 286، وبيان "عن تركيبها المزجي" في ص 289.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متصرفًا ومنه قوله تعالى: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} ، وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من قرأه مرفوعًا، أما من قرأه بالنصب يدل الرفع فقد جرى على أغلب أحواله1 ومثله الظرف: "دون" في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} . ومن الظروف غير المتصرفة2: "ذا"، و"ذات"، بشرط إضافتها إلى الزمان دون غيره، فيلتزمان النصب على الظرفية الزمانية فلا يجوز جرهما بـ"في" ولا وقوعهما في موقع إعرابي آخر، إلا على لغة ضعيفة لقبيلة "خثعم" تبيح فيهما التصرف، وقد رفضها جمهرة النحاة3؛ نحو: قابلت الأخ ذا صباح، أو ذا مساء، أو ذات يوم، أو ذات ليلة، أي: وقتًا ذا صباح، ووقتًا ذا مساء، ومدة ذات يوم، ومدة ذات ليلة، أي: وقتًا صاحبًا لهذا الاسم، ومدة صاحبة لهذا الاسم4. وقد تضاف "ذات"، إلى كلمة: "اليمين" أو: "الشمال" وهما من الظروف المكانية كما سبق5 فتصير ظرف مكان متصرفًا؛ نحو: تتحرك الشجرة ذات اليمين وذات الشمال، ونحو: دارك ذات اليمين والحدائق ذات الشمال، "وقد سبقت الإشارة إلى "ذا" و"ذات" من ناحية إفرادهما وجمعهما في الجزء الأول، باب الأسماء الستة م 8 ص 699، وفي آخر هامش ص 321 منه إشارة إلى استعمال: "ذات" استعمال الأسماء المحضة المستقلة، وأن النسب إليها هو: "ذووي، أو ذاتي" طبقًا للبيان التفصيلي في باب النسب ج 2 م 178، وص 544". ومن غير المتصرف أيضًا: حوال – حوالى – حول – حولى ... – أحوال – أحوالى6 ... وليس المراد في الغالب حقيقة التثنية والجمع، وإنما

_ 1 يجوز إعرابه ظرفًا منصوبًا مباشرة، والفاعل محذوف، ويجوز اعتباره اسمًا مبنيا على الفتح في محل رفع فاعل ... وهناك إعرابات أخرى ... وانظر كلامًا يختص به في ص 277 و 286. 2 لهذا الظرف أمثلة أيضًا في ص 261 و 266 م 79. 3 راجع الهمع ج 1 ص 168. 4 سبقت الإشارة لهذه الظروف في ص 266 أما إيضاح معناها وحكم إضافتها مفصلة، فيجيء في ج 3 ص 36 م 93. 5 في ص 266. 6 لهذه الألفاظ إشارة في رقم 1 من هامش ص 262.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد المعنى المفهوم من الكلمة المفردة، وهو: الإحاطة والالتفاف وقد يستعمل "حواليك" مصدرًا: مثل: لبيك1؛ لأن الحول، والحوال يكونان بمعنى "جانب الشيء المحيط به"، كما يكونان بمعنى: "القوة". ومن الظروف التي لا تصرف "شطر" بمعنى: ناحية أو جهة؛ كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، ومنها: زنة الجبل، أي: إزاءه، ومثله: وزن الجبل، أي: الناحية التي تقابله؛ سواء أكانت قريبة أم بعيدة. ومنها في أي: صددك وصقبك، تقول: بيني صدد بيتك، بنصبه على الظرفية؛ أي: قربه وقبالته، وبيتي صفت بيتك، أي: قربه كذلك، والصحيح أن هذين الظرفين يتصرفان؛ فيستعملان اسمين. هـ- هناك ألفاظ مسموعة بالنصب، جرت مجرى ظرف الزمان والمكان، كانت مجرورة بحرف الجر: "في" فأسقطوه توسعًا، ونصبوها على اعتبارها متضمنة معناه، فمن أمثلة الزمان كلمة "حقًا" في مثل: أحقًا أنك مسرور؟ فحقًا ظرف زمان ومنصوب خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ والأصل: أفي حق سرورك2؟ وقد نطقوا بالحرف "في" أحيانًا فقالوا: "أفي حق مواساتي أخاكم ... "، وقالوا: "أفي الحق أني مغرم بك هائم ... " وهذا الاستشهاد قد يصلح دليلًا على أن كلمة: "حقًا" السالفة ظرف زمان ... ومثلها: "غير شك أنك مسرور"، أو: "جهد رأيي أنك محسن"، أو: "ظنا مني أنك أديب"، فغير، وجهد، وظنا كلمات منصوبة هنا على الظرفية الزمانية3 توسعًا بإسقاط حرف الجر: "في" والأصل: في غير شك في

_ 1 سبق الكلام عليه في ص 233 م 76. 2 والظرفية هنا زمانية مجازية كما في الخضري والتصريح آخر باب: "الظرف"، وقد سبق الكلام عليه مفصلًا في ج 1 ص 586 "د" م 52 عند الكلام على فتح همزة "أن"، وسبقت الإشارة إليه في رقم 6 هامش ص 263. 3 والمعنى: سرورك حاصل في زمن لا شك في وقوع السرور فيه، وإحسانك متحقق في زمن سجلت فيه هذا قدر جهدي واستطاعتي، وأدبك حاصل في زمن أظن وقوعه فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهد رأيي في ظني والظرف فيها جميعًا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ مؤخر. ومن أمثلة ظروف المكان السماعية: مطرنا السهل والجبل، وضربت الجاسوس الظهر والبطن، وإنما كانت هذه الظروف سماعية مقصورة عليه؛ لأنها لا تدخل في أنواع الظروف المكانية القياسية1. و– قد ينزل بعض الظروف منزلة أداة الشراط؛ فيحتاج لجملة بعدها جملة بمثابة الجواب، وقد تقترن هذه بالفاء؛ كقوله تعالى: في منكري القرآن: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} . وعلى هذا قول ابن مالك في حكم "خلا وعدا"، في باب "الاستثناء". "وحيث جرًا فهما حرفان ... "2 ز- هل يجو عطف الزمان على المكان وعكسه؟ سيجيء الجواب في مكانه الأنسب، من باب العطف آخر الجزء الثالث3. ح– الظروف الزمانية والمكانية متعددة الأنواع، والأحكام، جديرة أن تستقل برسالة توفيها حقها من البسط، والإيضاح، والتهذيب، وجمع شتاتها المتناثر في المطولات، والمراجع الكبيرة، واستصفاء ما يجدر الأخذ به، واستبعاد ما يغشيه مما لا يناسب، وتحقيق هذا كله غرض جليل هام يقتضي بحثًا مستقلًا؛ لا تزحمه البحوث الأخرى، فتضغطه، أو تطغى عليه. على أن هذا لا يحول دون استخلاص موجز، مركز، دقيق؛ قد يفيد القانع؛ أو يسعف المضطر، ولكنه لا يغني المستقصي، الذي لن يرضى بغير التوفية بديلًا. ومثل هذا لا يجد طلبته إلا في بطون المراجع الواسعة؛ كالمعنى، وشرح

_ 1 ظرف المكان القياسية مدونة في ص 253 وما بعدها. 2 راجع الصبان والخضري عند شرح البيت، ويجيء الإيضاح في هامش ص 357، وانظر الكلام على الظرف "بين" في ص 286 وما يليها من رقم 4 هامش ص 287" وهامشها؛ لصلته بالموضوع. 3 ج 3 م 122 ص 524 وقد عرض الصبان لهذا البحث في آخر باب الظرف من الجزء الثاني من حاشيته على الأشموني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المفصل، والجزء الأول1 من همع الهوامع: للسيوطي؛ فقد حوى أو كاد من شأن "الظرف" بنوعيه، ولا سيما الظرف المبني، ما لم يهيأ لسواه، وجمع في فصل: "الظروف المبنية" ما وصفه صادقًا بقوله1: "إني أوردت في هذا الفصل ما لم أسبق إلى جمعه واستيفائه من مبني ظروف الزمان والمكان، مرتبا على حروف المعجم ... ". وفيما يلي الموجز: الذي استخلصناه من تلك المراجع، ورتبناه على حسب الحروف الهجائية، مع ترك ما سبق الكلام عليه2. 1- إذ3 ظرف للزمن الماضي في أكثر استعمالاتها، وقد تكون للمستقبل بقرينة4، وهي مبنية على السكون، غير متصرفة5 في الأغلب وتكون أحيانًا

_ 1 و 1 في ص 204. 2 مما يمكن الاكتفاء به. 3 سبق كلام موجز عن "إذ" لمناسبة في "ج1 م 3". وسيجيء الكلام على "إذ" و"إذا " بمناسبة أخرى في ج 3 باب: "الإضافة" " ص 77 و 79 و 84 و 92 م94"، وفي ذلك الكلام بعض المسائل والأحكام الهامة ومن دواعي الاستفادة الكاملة الرجوع إليها، وربط المشترك منها بين هذا الباب، وذاك وسيجيء كلام آخر مفيد على "إذا" في ج 4 باب: "عوامل الجزم"، ص 333 م 56. 4 بيان هذا في رقم 5 الآتي. 5 جاء في المغني ج 1 عند الكلام عليها ما يفيد أنها: متصرفة؛ حيث يقول في الوجه الثاني من أوجه استعمالها ما نصه: "أن تكون مفعولًا به، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} ، والغالب على المذكورة في أوائل القصص في التنزيل أن تكون مفعولًا به بتقدير، "اذكر"، نحو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} ، وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ} ، وقوله: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} – وبعض المعربين يقول يذلك إنه ظرف للفعل: "اذكر" محذوفًا وليس مفعوًا به وهذا وهم فاحش؛ لاقتضائه حينئذ الأمر بالذكر في ذلك لوقت، مع أن الأمر للاستقبال، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منا، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه أي: تذكره لا الذكر فيه". ا. هـ. كلام المغني. وقال صاحب الهمع "ج 1 ص 204" في دلالتها الزمنية، وفي تصرفها، ما نصه: "أصل وضعها أن تكون ظرفًا للوقت الماضي، وهل تقع للاستقبال؟ قال الجمهور: لا، وقال جماعة منهم ابن مالك: نعم، واستدلوا بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، والجمهور جعلوا الآية ونحوها من باب قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} أي: من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مضافًا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: حيئذ، يومئذ.... فتتحرك "الذال" بالكسر عند التنوين. وإذا كانت ظرفًا التزمت الإضافة إلى جملة1؛ إما اسمية ليس عجزها فعلًا ماضيًا2، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} ، وإمال فعليه نحو: جئتك إذ دعوتني، ويشترط في الجملة الفعلية أن تكون ماضوية لفظًا ومعنى فقط كأن يكون فعلها مضارعًا قصد به حكاية الحال الماضية3، وألا تكون شرطية، ولا مشتملة على ضمير يعود على المضاف، فلا

_ = وقع، قال ابن هاشم: ويحتج لغيرهم أي: لغير الجمهور بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} ؛ فإن: "يعلمون" مستقبل لفظًا ومعنى: لدخول حرف "التنفيس" عليه، وقد عمل في "إذ"، فيلزم أن يكون بمنزلة "إذا"؛ لأن "إذا" للمتسقبل. "وتلزم "إذ" الظرفية؛ فلا تتصرف بأن تكون فاعله أو مبتدأة، أو غيرهما ... إلا أن يضاف اسم الزمان إليها؛ نحو: "حينئذ"، "يومئذ" ... وجوز الأخفش، الزجاج، وابن مالك وقوعها مفعولًا به، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} وبدللًا منه؛ نحو: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} ، والجمهور لا يثبتون ذلك، ووافقهم أبو حيان، فقال: "لأنه لا يوجد في كلام العرب: "أحببت إذ قدم زيد، ولا كرهت إذ قدم"، وإنما ذكروا ذلك مع الفعل: "اذكر" لما اعتاض أي: التوى، وصعب عليهم ما ورد من ذلك في القرآن وتخريجه سهل، وهو أن تكون "إذ" معمولة لمحذوف يدل عليه المعنى، أي: اذكروا حالتكم، أو: قضيتكم "أو أمركم ... وقد جاء بعض ذلك مصرحًا به؛ قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} ، "فإذا" ظرف معمول لقوله: "نعمة الله"، وهذا أولى من إثبات حكم كل بمحتمل، بل مرجوح". ا. هـ. كلام أبو حبان. ا. هـ، ما دونه الهمع. 1 وفي هذه الحالة يشترط في "إذ" الظرفية المحضة ألا تكون مختومة بما الزائدة – نص على هذا المبرد في كتابه المقتضب، ج 2 ص 54. 2 والسبب كما يقولون أن "إذ" للزمان الماضي في أغلب استعمالاتها، والفعل الماضي مناسب لها في الزمان، فلا يسوغ الفصل بينهما بالمبتدأ أو غيره، وهما في جملة واحدة، أما إذا كان الفعل بعدها مضارعًا، ولا بد أن يكون بمعنى الماضي ولو تأويلا ففصله وعدم فصله سواء؛ كلاهما حسن ... وسيجيء البيان مفصلًا في موضعه الأنسب. "ج 3 م 94 ص 79 و 84 باب: الإضافة ... ". 3 وقد اجتمع أنواع الجمل الثلاث في قوله تعالى عن رسوله الكريم: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَن} ، فقد أضيفت "إذ" لجملة ماضوية، ثم لجملة اسمية، ثم لجملة مضارعية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح: أتذكر إذ إن تأتنا نكرمك ... وقد يحذف شطر الجملة الاسمية أحيانًا مع ملاحظة وجوده؛ كقول الشاعر: هل ترجعن ليال قد مضين لنا ... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانًا والتقدير عندهم: العيش منقلب أفنانًا إذ ذاك كذلك؛ لأنها لا تضاف في الأغلب1 إلى مفرد2، ومثله قول الآخر: كانت منازل آلاف عهدتهموا ... إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانًا أي: إذ ذاك كذلك. وقد تحذف الجملة التي تضاف إليها، ويعوض عنها التنوين3؛ نحو: أقبل الغائب وكنتم حينئذ مجتمعين، أي: حين إذ أقبل ... وقد تزاد للتعليل؛ كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ؛ أي: لأجل ظلمكم في الدنيا ... ولا تصلح للظرفية هنا؛ لأن الظلم لا يقع يوم القيامة، وإنما يقع قبله في الدنيا ... وهي حرف بمنزلة لام التعليل وهذا أسهل وقيل: ظرف، والتعليل مستفاد من قوة الكلام، لا من اللفظ. وقد تكون حرفًا للمفاجأة، أو زائدة لتأكيد معنى الجملة كلها؛ وذلك بعد كلمة: "بين"4 المختومة "بالألف" الزائدة، أو"ما" الزائدة؛ نحو: بينا نحن جلوس إذ أقبل صديق ... ومثل: "فبينما العسر إذا دارت مياسير5".

_ 1 راجع الخضري والصبان "باب: "إن" مواضع كسرل الهمزة وجوبًا، وهل منها: "حيث"؟. 2 قد يبدو هذا التقدير غريبًا، ولكن نزول غرابته كما يجيء في ج 3 ص 65 م 94 بأمثلة أخرى توضحه وتؤيده، كأن نقول: المنافق منقلب أحوالًا إذ هذا المنافقان منقلبان أحوالًا إذ هذان، المنافقون منقلبون أحوالًا إذ هؤلاء، ففي كل هذه التراكيب وأشباهها وما أكثرها لا يتم المعنى إلا بالتقدير السالف. 3 كما سبق في ج 1 ص 26 م 3. 4 لها بيان في ص 286 وما يليها، ومنه يعلم أنها واجبة الصدارة، والإضافة للجملة إذا كانت مختومة بالألف الزائدة، أو"ما" الزائدة. 5 ولا بشرط فيها غير هذا، بخلاف "إذا" الفجائية التي ستجيء الكلام عليها في ص 280.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا، واستعمال "إذ" قياسي في جميع الصور، والحالات المختلفة التي سردناها في الكلام عليها. 2– إذا1 الصحيح أنها اسم؛ بدليل وقوعها خبرًا مع مباشرتها الفعل؛ نحو: الهناء إذا تسود المحبة الأهل، ووقوعها بدلًا من الاسم الصريح، نحو: المقابلة غدًا إذا تطلع الشمس. أ– وهي ظرف للمستقبل في أكثر استعمالاتها، وتكون للماضي بقرينة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ؛ لأن الآية نزلت بعد انفضاضهم. وقد تكون ظرفًا للحال بعد القسم؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؛ لأن الليل والغشيان مقترنان، وهل "إذا" في الآية متعلقة بفعل القسم، وفعل القسم للحال2؟ ومثل قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} . ب- والغالب ي استعمالها أن تتضمن مع الظرفية معنى الشرط بغير أن تجزم إلا في ضرورة الشعر، وتحتاج بعدها إلى جملتين، الأولى تحتوى على فعل الشرط، والثانية الجواب: نحو قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} . وقد تتجرد للظرفية المحضة الخالية من الشرط3؛ كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ

_ 1 لبعض أنواعها بيان يجيء في ج 3 م 94 ص 92 باب: "الإضافة"، وكذا في ج 4 ص 405 م 155، الأمور التي تختلف فيها الأدوات الشرطية، وص 413 م 156: النوع الثالث. 2 هذا رأي فريق من النحاة، ولم يوافق عليه آخرون؛ لما يلزم عليه من أن يكون القسم في وت غشيان الليل، وأنهما يحصلان معًا في زمن واحد. وارتضى هؤلاء أن تكون "إذا" ظرفًا متعلقًا بمضاف يدل عليه القسم؛ إذ لا يقسم بشيء إلا لعظمته، والتقدير: وعظمة الليل إذا يغشى، "راجع الصبان، جـ 2 باب الإضافة عند الكلام على "إذا". 3 جمهرة النحاة في هذه الحالة توجب نصبها على الظرفية دون غيرها، فلا تكون فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا غيرهما، أما قوله عليه السلام لعائشة: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية" ... فيؤولونه بأن المراد: إني لأعلم شأنك إذا كنت عني راضية، ولا يوافقون على أن تكون مفعولًا به، لئلا يفسد المعنى؛ إذ المراد ليس العلم بالزمن، وإنما المراد العلم بالحال والشأن. وهذا صحيح في الحديث السالف أما في غيره، فقد يكون المراد وقوع الأثر على الزمن نفسه، وعندئذ لا يمنع مانع من أن تكون "إذا" مفعولًا به، نزولا على ما يقتضيه المعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} ، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} 1، وقد اجتمع النوعان الظرفية المحضة، والظرفية الشرطية، مع حذف فعل الشرط في قول الشاعر: إذا أنت لم تترك أخاك وزلة2 ... إذا زلها أوشكتما3 أن تفرقا4 وإذا كانت للشرط فإنها لا تدل على التكرار؛ في مثل: إذا خرجت أخرج معك، يتحقق المراد بالخروج مرة واحدة، وهي أيضًا لا تفيد الشمول والتعميم في الرأي الشائع، فلو حلف رجل على أن يتصدق بمائة مثلًا إذا رجع ابن من أبنائه الغائبين؛ فرجع ثلاثة، لم يجب عليه إلا مائة، وتسقط عنه اليمين بعدها. وتستعمل "إذا" الظرفية الشرطية في التعليق إذا كان الشرط محقق الوقوع5، نحو: إذا أقبل الشتاء أقيم عندكم، أو مرجع الوقوع، نحو: إذا دعوتموني أيها الإخوان أحضر. ج "وإذا" الظرفية الشرطية تضاف دائمًا إلى جملة فعلية خبرية، غير مشتملة على ضمير يعود على المضاف، والأكثر أن تكون ماضوية، وقد اجتمع

_ 1 لو كانت "إذا" في الآية شرطية لاشتمل جوابها "هم يغفرون" على الفاء الرابطة أو ما ينوب عنها في الربط؛ لأن هذا الجواب جملة اسمية تحتاج للرابط، ولا داعي للتمحل بأن الرابط قد يحذف أحيانًا. "انظر ج 4 ص 413 م 156 لأهيمته، واشتماله على بعض أوجه مفيدة". 2 هفوة. 3 اقتربتما. 4 الأصل: تتفرقا، حذفت إحدى التاءين تخفيفًا. 5 وهي بهذا تختلف عن "إن" الشرطية وأخواتها؛ مما يكثر في الأمر المحتمل، أو المشكوك في تحقيقه، وقد تدخل على المستحيل، كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} . وقد تدخل على الأمر المحقق إن كان غير متيقن الزمان: كقوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ؟ فالموت محقق، ولكن زمنه مبهم. "وفي الجزء الرابع ص 327 م 155 وص 333 م 156 باب الجوازم البيان الشامل لهذه الأدوات كلها".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النوعان في قول الشاعر: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع والماضي في شرطها أو جوابها مستقبل الزمن1؛ فإن وليها اسم مرفوع بعده فعل فالاسم في الغالب فاعل لفعل محذوف2 مثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وحين تقع شرطية ظرفية تكون مضافة إلى الجملة الشرطية المكونة من فعل الشرط ومرفوعه، ومنصوبة بما يكون في جملة الجواب من فعل أو شبهة3. د– وقد تكون "إذا" للمفاجأة4، والأحسن في هذه الحالة اعتبارها حرفًا5؛ فتدخل وجوبًا؛ إما على الجمل الاسمية، نحو: اشتدت الريح، فإذا البحر هائج، وإما على الجمل الفعلية المقرونة بقد؛ لأن "قد" تقرب زمن الفعل من الحال نحو: اشتدت الرياح، فإذا قد لجأت السفن إلى المواني يضطرب البحر، فإذا قد يتألم ركاب البواخر، كما يجب في كل حالاتها أن يسبقها

_ 1 سواء أكان ماضي اللفظ والمعنى معًا، "وهو الماضي الحقيقي بصيغته وزمنه"، أم كان ماضيًا معنى وحكمًا دون لفظ، وهو المضارع المسبوق بحرف الجزم: "لم"، فإن هذا الجازم يقلب في الغالب زمنه للمضي كما هو موضح في باب "الجوازم"، ج4 فإذا وقع الماضي الحقيقي، أو المعنوي وهو المضارع المسبوق بالحرف "لم" فعل شرط للأداة: "إذا" الشرطية أو لأداة شرطية جازمة أخرى تخلص زمنه للمستقبل المحض؛ كقول الشاعر: إن السماء إذا لم تبك مقلتها ... لم تضحك الأرض عن دان من الثمر 2 أو نائب فاعل أحيانًا، ولهذا الرأي توضيح واف سبق في باب: "الانشغال" من هذا الجزء رقم 1 هامش ص 133 وفي ص 142. 3 ولا يمنع من هذا العمل أن يكون الجواب مشتملًا أحيانًا على الفاء الرابطة، أو ما ينوب عنها؛ لأن هذه الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها في غير هذا الموضع الذي يكون فيه العامل واقعًا في جواب الشرط. 4 أي: مفاجأة ما بعدها، بمعنى: هجومه. 5 ويجوز اعتبارها ظرف زمان أو مكان أيضًا، بمعنى: "ففي الوقت أو ففي المكان" راجع ج ص 492 م 52.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام قبلها تقع عليه المفاجأة، وأن تكون المفاجأة في الزمن الحالي1 حتمًا لا المستقبل، ولا الماضي وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد2، وأن تخلو من جواب بعدها، وقد تليها الباء الزائدة التي تدخل سماعًا في مواضع؛ ومنها بعض أنواع معينة من المبتدأ، كالمبتدأ الذي بعدها، نحو نظرت فإذا بالطيور مهاجرة3. 3– الآن وهو اسم للوقت الحاضر جميعه، وهو الوقت الذي يستغرقه نطق الإنسان بهذه الكلمة نحو: أنارت الشمس الآن، أو الحاضر بعضه فقط، مثل: الملآح يحرك سفينته الآن، فإن تحريكه السفينة لا يعم ولا يشمل كل وقته الحاضر عند النطق، وقد يقع على الماضي القريب من زمن النطق، أو على المستقبل القريب منه: تنزيلًا للقريب في الحالتين منزلة الحاضر. وهو ظرف، مبني على الفتح تلازمه "أل"، وظرفيته غالبة، لازمة أي: لا يخرج عنها إلا في القليل المسموع الذي لا يقاس عليه، ويرى بعض النحاة أنه معرب منصوب على الظرفية، وليس مبنيًا، وله أدلة تدعو إلى الاطمئنان والاستراحة لرأيه الأسهل4.

_ 1 المقصود بالزمن الحالي: الزمن الذي يتحقق فيه المعنيان في وقت واحد؛ المعنى الذي بعدها والمعنى الذي قبلها؛ بحيث يقترنان معًا في زمن تحقيقها، ولو كان زمن ماضيًا؛ كالذي في نحو: خرجت أمس فإذا المطر فياض. 2 وقد سبقت الإشارة لهذا في ج 1 ص 492. 3 راجع المغني ج1 عند الكلام على "الباء"، وص 493 الآتية و495 حيث الكلام على حرف الجر الباء، والبيان الأنسب من حيث الأصالة والزيادة. 4 في الجزء الأول من: "همع الهوامع" "باب: الظرف ص 207" عرض واف للآراء المختلفة المتعددة التي تدور حول الظرف: "الآن" من ناحية الحكم عليه بالبناء، أو بالإعراب، وأدلة كل رأي، وجميعها أدلة جدلية محضة لا قيمة لها في إثبات المراد؛ لأن إثباته القاطع إنما يكون بعرض الأمثلة الصحيحة الواردة عن العرب التي تكفي في تأييد هذا أو ذاك، لا في مجرد الجدل المحض الذي لا تسايره الشواهد الكثيرة. على أن صاحب الهمع بعد فراعه من عرض الآراء أدلى برأيه، فقال ما نصه: المختار عندي القول بإعرابه؛ لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة؛ فهو منصوب على الظرفية، وإن دخلته "من" جر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4– أمس، اسم، معرفة، متصرف، وهو اسم زمان لليوم الذي قبل يومك مباشرة، أو ما في حكمه عند إرادة القرب ويستعمل مقرونًا بأل لزيادة التعريف، أو غير مقترن بها فلا يفقد التعريف. وللعرب فيه لهجات ولغات مختلفة، تعددت بسببها آراء النحاة في استنباط حكمه، وخير ما يستصفى منها أنه: إذا كان مقرونًا بأل فإعرابه وتصرفه هو الغالب، ولا يكون ظرفًا؛ نحو كان المس طيبا، إن الأمس طيب، أسفت على انقضاء الأمس. وإذا لم يكن مقترنًا بأل فالأحسن عند استعماله ظرفًا أن يكون مبنيًا على الكسر دائمًا في محل نصب، نحو: أتممت الكتابة أمس ... وإن لم يستعمل ظرفًا، فالأحسن بناؤه على الكسر أيضًا في جمع أحواله، نحو: انقضى أمس بخير، إن أمس كان حسنًا، لم أشعر بانقضاء أمس. ومما يتصل باستعمال "أمس" ما جاء في كتاب: "لسان العرب" وغيره، وهو أنك تقول: ما رأيت الصديق مذ أمس؛ إذا كان ابتداء عدم الرؤية هو

_ = وخروجه عن الظرفية غير ثابت، ولا يصلح الاستدلال له بالحديث السابق لما تقرر غير مرة". ا. هـ، ثم قال بعد ذلك ما نصه: وفي شرح الألفية لابن الصائغ: إن الذي قال بأنه أصله "أوان" يقول بإعرابه، كما أن "أوانًا" معرب. ا. هـ. أما الحديث المشار إليه فقد ذكره قبل رأيه هذا قائلًا ما نصه: "وقال ابن مالك: ظرفيته "أي: الآن" غالبة لازمة؛ فقد يخرج عنها إلى الاسمية، كحديث: "فهو يهوي في النار، الآن حين انتهى إلى قعرها ... " فـ"الآن" في موضع رفع بالابتداء، "وحين انتهى" خبره، و"حين" مبني لإضافته إلى جملة صدرها ماض". ا. هـ. وإنما كان الحديث السالف غير صالح عنده للاستدلال به؛ لأن صاحب الهمع من طائفة ترى أن الحديث النبوي لا يستشهد به في اللغويات، لاحتمال أن يكون مرويًا بالمعنى دون حرص على النص اللفظي الذي نعلق به الرسول، ولأن بعض رواة الحديث أجنبي لا يحسن النطق بالكلام العربي الصحيح. وهذا رأي له معارضون لا يوافقون عليه، وللفريقين أدلة وبحوث طويلة في هذا الشأن عرضها مختصرة صاحب: "خزانة الأدب" في أولها، وكذلك عرض لها بشيء من البسط صاحب كتاب: "المواهب الفتحية" في الجزء الثاني.

اليوم الذي قبل يومك الحالي مباشرة، فإن لم تره يومًا قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أمس1، فإن لم تره مذ يومين قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أول من أمس، ولا يقال إلا ليومين قبل أمس، أي: لا يصح ذكر "أمس" لما قبلهما2. 5- بعد، أول، قبل، أمام، قدام، وراء، خلف، أسفل، يمين، شمال، فوق، تحت، عل3، دون ... 4. من الظروف المبنية حينًا، والمعربة حينًا آخر: "بعد" وهو ظرف5 زمان أو مكان6، ملازم للإضافة في الحالتين.

_ 1 هذا التركيب مثل قولهم: ما رأيته أول من أمس، "راجع ما يتصل به في ص 285". 2 راجع الكلام على كلمة "أول" في ص 285، ثم إيضاح آخر عنها في ج 3 ص 623، 125، م 94 باب: الإضافة. 3 في الظرف "عل" لغات مختلفة، أوضحناها في باب الإضافة ج 3، منها: "علا" "على وزن: عصا"، وبعض العرب يجيز إضافته، ولكنه يوجب قلب ألفه ياء عند إضافته لياء المتكلم طبقًا للبيان الخاص به في باب: الإضافة. 4 في باب الإضافة من ج 3 ص 155 م 95 تفصيل الكلام على هذه الظروف، وعرض أحكامها مستوفاة. 5 معناه الغالب: الدلالة على تأخر شيء عن شيء في زمانه، أو مكانه، ومن أمثلة دلالته على التأخر في الزمان ما قيل في رثاء زعيم سادات العرب: كأن الناس بعدك نظم سلك ... تقطع: لا يقوم له نظام وقد يكون معناه: "مع"؛ كقوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} أي: مع ذلك: "العتل: جافي الطبع: فاحش الزنيم: الشرير، دنيء الأصل ... ". 6 صرح صاحب "الهمع" ج 1 ص 209 باب: الظرف بما نصه: "بعد" ظرف زمان لازم الإضافة". ا. هـ، ولم يذكر شيئًا يدل على أنه يكون للمكان، وكذلك صاحب "المصباح المنير" حيث قال في مادة: "بعد" ما نصه: "بعد" ظرف" مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره، وهو زمان متراخ عن السابق، فإن قرب منه قيل: "بعيده" بالتصغير كما يقال: "قبل العصر"؛ فإذا قرب قيل: "قبيل العصر"، بالتصغير، أي: قريبًا منه، ويسمى هذا: "تصغير التقريب". ا. هـ. غير أن صاحب التصريح ج 1 ص 50 باب: "الإضافة" نص في وضوح وجلاء على أن يكون للزمان والمكان؛ فقد قال في معرض الكلام عن الظرفية: "قبل وبعد" ما يلي: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أ- غير أن المضاف إليه قد يذكر، نحو: صفا الجو بعد المطر، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون الظرف معربًا منصوبًا بغير تنوين؛ لأنه مضاف، ويجوز جرء بالحرف: "من". ب– وقد يحذف المضاف إليه وينوي وجود لفظه بنصه الحرفي؛ فيبقى المضاف على حاله معربًا منصوبا غير منون؛ كما كان قبل حذف المضاف إليه؛ نحو: لما انقطع المطر صفا الجو بعد، أي: بعد المطر، وحكم الظرف هنا كسابقه. جـ– وقد يحذف المضاف إليه، ويستغنى عنه نهائيًا كأن لم يكن؛ مثل: صفا الجو بعدًا ... والظرف في هذه الحالة معرب، منصوب، نون ... د– وقد يحذف المضاف إليه وينوى معناه، "أي: ينوى وجود كلمة أخرى تؤدي معنى المحذوف في غير أن تشاركه في نصه وحروفه"، وفي هذه الصورة يلتزم الظرف المضاف: البناء على الضم؛ مثل: لما انقطع المطر صفًا الجو بعد، أي: بعد انقطاعه، أو: بعد ذلك1 ...

_ = لا يختصان بالزمان فقد يكونان للمكان كقولك: داري قبل دارك أو بعدها ... ". ا. هـ، بل بالغ بعضهم فجعل الأولى في استعمال: "بعد" أن يكون ظرف مكان، يدل على هذا ما سجله ياسين في تعقبه على ما جاء بالتصريح "ج 2 باب: "حروف الجر"، عند الكلام على الحرف من، ص 8". والحق أن "بعد" تكون للزمان تارة وللمكان أخرى، ولا داعي للتأويل الذي يراد منه قصرها على أحدهما. ثم انظر في رقم 1 التالي بعض الاستعمالات الأدبية. 1 يكثر وقوع الظرف: "بعد" تاليًا "أما الشرطية" التي ستجيء أحكامها مفصلة في باب خاص بها ج4 م161 ص 470 كقولهم: " ... أما بعد، فإن شر الكلام الكذب ... "، وقد تحل "الواو" محل "أما الشرطية"، فيقال: "وبعد، فإن ... "، فمن أي الصور والحالات السالفة ما يكثر في بدء الخطب والرسائل الأدبية، ونحوها من مثل: تحية الله وسلامة عليكم: "وبعد"، فإدراك الغايات رهن باتخاذ الوسائل الناجعة ... " وقول صاحب: "القاموس المحيط" في ديباجة قاموسه: ما نصه: "الحمد لله منطق البلغاء ... وبعد فإن للعلم رياضًا ... ". ا. هـ. قال شارع الديباجة حين عرض لهذه العبارة قبل ذلك في تقييداته الأولى التي سماها: شرح ديباجة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأحوال أربعة 2 تعرب في ثلاثة منها، وتبنى في حالة واحدة هي: التي يحذف فيها المضاف وينوى معناه. وتلك الأحوال الأربعة تنطبق على باقي الظروف التي وليت: "بعد". غير أن هناك بعض الأمور تتصل بلفظ: "أول" الذي ليس ظرفًا1، منها: اعتباره اسمًا مصروفًا معناه ابتداء الشيء المقابل لنهايته، ولا يستلزم أن يكون له ثان؛ فقد يكون له ثان، وربما لا يكون؛ تقول: هذا أول ما اكتسبته: فقد تكتسب بعده شيئًا، أولا تكتسب، وقيل: يستلزم كما أن الآخر يستلزم أولًا، والحق الرأي الأول، وللقرائن دخل كبير في توجيه المعنى إلى أحد الرأيين، ومنه قولهم: "ما له أول ولا آخر2. ومنها: أن يكون وصفًا مؤولًا، أي: افعل تفضيل بمعنى: "أسبق"، فيجري عليه حكمه؛ من منع الصرف وعدم التأنيث بالتاء، ووجوب إدخال "من" على المفصل عليه؛ ... نحو: هذا أول من هذين، ولقيته عام أول من عامنا3.

_ = القاموس، للهوريني قال ما نصه: "بعد، كلمة يفصل بها بين الكلامين عند إرادة الانتقال من كلام إلى غيره وهي من الظروف، قيل: زمانية، وقيل: مكانية وعامله محذوف، قال الدماميني، والتقدير: أقول بعد ما تقدم من الحمد، والصلاة والتسليم على نبيه العظيم، "فإن" بالفاء، إما على توهم "أما" أو على تقديرها في نظم الكلام، وقيل: إنها لإجراء الظرف مجرى الشرط، وقيل: "إنها عاطفة وقيل: زائدة ... ". ا. هـ، والذي يعنينا هو فهم هذا الأسلوب، وأنه فصيح بالفاء. لاحظ البيان الذي في رقم 6 من هامش ص 283؛ لأهميته. 1 تفصيل أحكامها وأحوالها في ج 3 ص 53 م 59 باب الإضافة. 2 تقدم له بيان آخر في ص 283، وكذلك في جـ1 ص 194 م17 باب النكرة والمعرفة، وستجيء إضارة مهمة إليه في جـ 3 باب الإضافة. 3 راجع الكلام عليه مع الظرف "أمس" في ص 283، وله بيان آخر في جـ 3 باب الإضافة ص 125. 4 ويصح لقيته عامًا أول من عامنا، جاء في الهمع "ج 1 ص 54 باب: "النكرة والمعرفة" ما نصه: "من الأسماء ما هو معرفة معنى، نكرة لفظًا، نحو: كان عامًا أول، وأول من أمس؛ فمدلولهما معين لا شيوع فيه بوجه، ولا يستعملا إلا نكرتين ... ". ا. هـ. وقد سبق بيان هذا في جـ 1 م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن يكون اسمًا معناه: "السابق"؛ فيكون مصروفًا؛ نحو لقيه عامًا أولًا، أي: سابقًا. أما "أول" الظرف الزماني فمعناه: "قبل" نحو: رأيت الهلال أول الناس. هذا، وأصل أول في الأرجح، بنوعيه: الظرف، والاسم، هو "أو أل" بوزن: أفعل؛ قلبت الهمزة الثانية واوًا، ثم أدغمت الواو في الواو، بدليل جمعه على أوائل1. 6- بين2 بدل فأما: "بين" فأصله ظرف للمكان، وقد يكون للزمان أيضًا. والكلمة في الحالتين مضافة إلا عند التركيب كما سبق2 وتتخلل شيئين3، أو ما في تقدير شيئين4، أو أشياء5، وتصرفها متوسط، وكذلك وقوعها معربة، مثل قوله تعالى في الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَ} ، فقد وقعت اسمًا معربَا مضافًا إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة؛ كشأنها في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من رفع الظرف، وقوله: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} .

_ 1 انظر ما يتعلق به في ص 563 وفي ج 3 باب الإضافة. 2و2 سبقت الإشارة إلى بعض أحكامها، "وهو: التركيب المزجي"، في ص 271، ولها إشارة أخرى في ص 277 بمناسبة الكلام على: "إذ". 3 كقوله تعالى: ... {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . 4 كقوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} ، أي: بين الجهر والمخافتة. 5 كقول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل أي: بين مواضع الدخول، ومما يصلح لتقدير شيئين، أو أشياء قول الشاعر: قدر الهجر بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تضاف إلا إلى متعدد؛ كقولهم: مقتل المرء بين فكيه، وقول الشاعر: شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي ... فارقتني فأقام بين ضلوعي فإن أضيفت لمفرد وكان ضميرًا لا يدل على تعدد، وجب تكرارها مع عطف المكررة بالواو، كالآية السابقة؛ وهي: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وإن كان اسمًا ظاهرًا فالكثير أنها لا تتكرر, إذ يكتفى بالعطف بالواو على الاسم الظاهر المضاف إليه، مع جواز التكرار، وإن كان الأول هو الأكثر1؛ مثل: تضيع الغاية بين التردد واليأس، وقولهم: شتان بين روية وتسرع. وقد يتصل بآخرها "الألف" الزائدة أو"ما"2 الزائدة، فتصير في الحالتين زمانية غير متصرفة، واجبة3 الصدارة والإضافة إلى جملة "اسمية، أو فعلية"، وبعدها كلام مرتب على هذه الجملة، يعتبر منزلة الجواب4

_ 1 تكرارها بين المتعاطفين الضميرين واجب، أما بين المتعاطفين الظاهرين فجائز للتوكيد؛ فيصح أن يقال: المال بين محمود وبين علي، بزيادة: "بين" الثانية، للتأكيد؛ كما قاله ابن بري وغيره، وبذلك يرد على منع الحريري تكرارها. راجع حاشية ياسين على شرح التصريح ج 2، وكذا "الصبان" أول باب: "عطف النسق" فيها عند الكلام على واو العطف. ويؤيد ما سبق ورودها مكررة في بعض الأحاديث الشريفة التي نقلها، وشرحها صاحب المواهب الفتحية ج2، وفي كلام آخر لعلي بن أبي طالب نقلناه في ج 3 م 118 باب: عطف النسق، عند الكلام على "الواو" وما تنفرد به ص 544، وفي كلام لعمر بن عبد العزيز، وهو ممن يحتج بكلامهم. وكذلك وردت في شعر يحتج به نقله "الطبرسي في كتابه مجمع البيان ج 1 ص 45"، ونصه: قال عدي بن زيد: وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به ... بين النهار، وبين الليل قد فضلا المصر: الحاجز وقول أعشى همدان: بين الأشح وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود 2 وقوع "ما" الزائدة بعد الظرف: "بين" يوجب وصلهما في الكتابة، وتصديرهما في الجملة، وكذلك مع الألف الزائدة كما تقدم في ص 268 و 279. 3 كما في القاموس وغيره. 4 يكون الظرف مضافًا للجملة التي بعده مباشرة، ومنصوبًا لعامل في الكلام المتأخر عنها، المترتب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليها، كأنه جواب لها، معلق عليها كتعليق الجواب على الشرط، وقد يقترن هذا الجواب بالفاء ... على الوجه الذي سبق في "و" ص 276، وكما يجيء في هامش ص 359"، وما سبق هو رأي الجمهور، وهناك آراء أخرى أيسرها أنها بعد اتصال "ما" الزائدة، أو: الألف الزائدة بها، تصير ظرف زمان غير مضاف؛ لأن الحرف الزائد قد كفها عن العمل، ويصير الظرف "بين" منصوبًا بالعامل الذي في الجملة التي تليه مباشرة، والجملة التي تليها بمنزلة الجواب، وهذا رأي حسن، وفيه تيسير. ومن المفيد الذي يوضح ما سبق أن نسجل هنا ما جاء في حاشية الأمير على المغني، وما جاء في الصبان عن هذه المسألة بالرغم مما في كلامهما من تحليل لا يعرفه العربي القديم: "أ" جاء في المغنى؛ ج في الكلام على "إذا" وأنواعها، ما نصه: "تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد "بينا"، أو"بينما" ... و ... "، وقد علق على هذا: الأمير في حاشيته، قائلًا ما نصه: أصل: "بين" مصدر "بان"، إذا تفرق، ثم استعملت الظروف؛ زمانية ومكانية، ولا تضاف إلا لمتعدد؛ فأصل قولك: جلست بين زيد وعمرو، وأتيت بين الظهر والعصر، جلست مكان تفرق زيد وعمرو، أي: المكان الواقع بينهما، وأتيت زمن تفرق الظهر والعصر، أي: الذي يفصل بينهنما، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم لما أرادوا أن يضيفوها إلى الجملة مع كونها لازمة للإضافة للمفرد أي: لغير الجملة وكانت الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، لعدم تأثيرها في لفظ المضاف إليه وصلوها بأحد الأمرين، "ما" التي شأنها الكف، فكأنها كفتها عن الإضافة، أو"الألف" مشبعة عن الفتحة؛ لأنها أيضًا تفيد قطع ما قبلها في الوقف، مبدلة عن تنوين إثر فتح، كالظنونا في قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ، ثم هي بعد ظرف زمان فقط؛ لأنه ليس لنا مكان يضاف للجملة غير "حيث"، وإن تأملت ما سبق أغناك عن إضمار "أزمان" بعدها إذا أضيفت للجملة كما قيل"". ا. هـ، وهذا الرأي أحسن من التالي. "ب" وقال الصبان في الجزء الثاني باب الإضافة عند الكلام على قول ابن مالك: وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ......................... ما نصه: "اعلم أن أصل: "بين" أن تكون مصدرًا بمعنى: الفراق، فمعنى جلست بينكما: جلست مكان فراقكما، ومعنى أقبلت بين خروجك ودخولك: أقبلت زمان فراق خروجك ودخولك، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فتبين أن: "بين" المضافة إلى المفرد أي: الذي ليس جملة تستعمل في الزمان والمكان. فلما قصدوا إضافتها إلى الجملة، اسمية أو فعلية والإضافة إلى الجملة كلا إضافة زادوا عليها تارة: "ما" الكافة: لأنها تكف المقتضى عن اقتضائه، وأشبعوا تارة أخرى الفتحة، فتولدت "ألف" لتكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه؛ لأنه حينئذ كالموقوف عليه؛ لأن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للظرف1 فمثال الفعلية: بينما أنصفتني بالود ظلمتني بالمن، وقول الشاعر: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف2 ومثال الاسمية: استقدر الله خيرا3، وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبطًا ... إذ صار في الرمس4 تعفوه الأعاصير وقد ورد في السماع الذي لا يقاس عليه إضافة "بينا" للمصدر دون: "بنيما" على الصحيح ... وقد تركب تركيب مزج "كخمسة عشر"، فتبنى مثلها على فتح الجزأين كقول الشاعر:

_ = الألف قد يؤتى بها للوقوف، كما في: "أنا" والظنونا يشير إلى أن الأصل في "نا" خلوها من الألف، وإلى قوله تعالى: "وتظنون بالله الظنونا"، وتعين حينئذ ألا تكون إلا للزمان، لما تقرر أنه لا يضاف إلى الجمل من المكان إلا حيث. وإضافة: "بينما" أو "بينا" في الحقيقة إلى زمان مضاف إلى الجملة، فحذف الزمان المضاف، والتقدير: بين أوقات زيد قائم، أي بين أوقات قيام زيد كذا قرره الرضي. "وقد يضاف "بينا" إلى مفرد مصدر دون "بينما" على الصحيح، كذا في الدماميني والهمع، وتقدير: "أوقات"؛ لأن "بين" إنما تضاف لمتعدد، وناقش أبو حين بأن: "بين" قد تضاف للمصدر المتجزئ، كالقيام، مع أنهم لا يحذفون المضاف إلى الجملة في مثل هذا. "قال في الهمع: وما ذكر من أن الجملة بعد: "بينا" و"بينما" مضاف إليها هو قول الجمهور، وقيل: "ما" و"الألف" كافتان؛ فلا محل للجملة بعدها، وقيل: "ما" كافة دون الألف بل هي مجرد إشباع". وعلى عدم إضافتهما يكون عاملها ما في الجملة التي تليها كما في المغني". ا. هـ، كلام الصبان. 1 ومن النادر المسموع أن يتحقق لها هذا دون أن يتصل بآخرها "الألف الزائدة"، أو: "ما الائدة" كالوارد في كلام الحارث بن حلزة اليشكري حيث يقول: بين الفتى يسعى ويسعى له ... تاح له من أمره خالج الخالج: الذي يقتلع الشيء وينتزعه. 2 فطلب الإنصاف. 3 أسأله أن يقدره ويهيئه لك. 4 القبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحمي حقيقتنا وبعض ... القوم يسقط بين بين الأصل: بيننا وبين الأعداء، أي: بين المقاتلين، فأزيلت الإضافة من الظرفين، وركب الأسمان تركيب خمسة عشر. فإن أضيف صدر: "بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية في الصدر، وجاز زوالها. فمن الأول قولهم: المنافق بين بين، ينصب الأولى على الظرفية مباشرة، ومن الثانية قولهم: المنافق بين بين، أما إذا وقعت مضافًا إليه، فيتعين زوال الظرفية. وأما: "بدل" قد سبق الكلام عليه في ص 261. 7– حيث من الظروف المكانية الملازمة للبناء، برغم أنها مضافة1، والأكثر أن تبنى على الضم، وتضاف للجمل2 الاسمية والفعلية، وإضافتها للفعلية أكثر نحو: قعدت حيث الجو معتدل، وبقيت حيث طاب المقام؛ وقول الشاعر: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل ومن القليل إضافتها للمفرد، ومع قلته جائز، ولكن لا داعي لترك الكثير إلى القليل، ومثله دلالتها على الزمان3.

_ 1 سيجيء الكلام عليها من ناحية إضافتها للجملة أو المفرد "في باب: الإضافة، ج 3 م 93 ص 77"، وبناء الظروف مع إضافتها شائع، كما ترى في هذا الباب. 2 بشرط أن تكون "حيث" غير مختومة بما الزائدة عند إضافتها إلى الجملة. وقد نص على هذا الشرط فيها، وفي "إذ" الظرفية المحضة المبرد في كتابه: "المقتضب" ج2 ص 54. 3 فقد قالوا: إن الأصل فيها أن تكون للمكان، وقد تكون للزمان؛ كقول الشاعر: للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه " أي: حين تهدي ... " كما قالا: إنها لا تستعمل في الغالب إلا ظرفًا، وندر جرها بالباء، نحو: تلاقينا بحيث صافح أحدنا الآخر، وكذلك جرها بالحرف "إلى"، كقول الشاعر: إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم و"في" نحو: أصبحنا في حيث التقينا، ونص ابن مالك على أن تصرفها نادر. وقال ابن هشام في المغني: الغالب كونها في محل نصب على الظرفية، أو خفض بمن، وقد تخفض بغيرها، كقول الشاعر: إلى حيث ... إلخ، والأحسن الأخذ برأي ابن هشام؛ لما فيه من تيسير وإن كان الجر قليلًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 8– حول.... سبق عنه بيان مناسب 1. 9– ريث أصله: مصدر راث، يريث، إذا أبطأ، ويجوز أن يترك المصدرية ويستعمل في معنى ظرف الزمان، فيكون مبينًا على الفتح، ومضافًا إلى جملة فعلية؛ نحو: بقيت معك ريث حضر زميلك، أي: قدر بطء حضور زميلك. وقد تقع بعدها "ما" الزائدة أو المصدرية فاصلة بينها وبين الجملة الفعلية، نحو: فلان يمنح المحتاج ريث ما2 يسمع. 10- عند، ظرف يبين أن مظروفه إما حاضر حسًا، أو؛ معنى، وإما قريب حسًا، أو: معنى، فالأول، نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} 3، والثاني: نحو قوله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، والثالث: نحو قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} ، والرابع: نحو قوله تعالى: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ، وقوله: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} . وهي ظرف مكان معرب، لا يكاد يستعمل إلا منصوبًا على الظرفية المكانية، كالأمثلة السابقة، أو مجرورًا بالحرف: "من" دون غيره من حروف الجر مثل: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ، وقد وردت للزمان قليلًا في مثل: أزورك عند شروق الشمس وقولهم: الصبر عند الصدمة الأولى، ويجوز محاكاته عند قيام قرينة، بشرط إضافة "عند" للزمان4.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص 262، وفي ص 272. 2 إن كانت "ما" زائدة فالأحسن في الكتابة وصلها بالظرف: "ريث"، وإن كانت مصدرية فالأحسن فصلها، وبالصورتين تصلح في البيت الثاني من قول الشاعر: ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لدي، ومأكل ولكن نفسًا حرة لا تقيم بي ... على الضيم إلا ريثما أتحول 3 ومثل قول الشاعر: إذا الشعر لم يطربك عند سماعه ... فليس خليقًا أن يقال له شعر 4 جاء في المصباح المنير في مادة: "عند" ما نصه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتشترك: "عند"1 مع "لدى" – و"لدن"1 في أمور، أهمها: الدلالة على ابتداء غاية مكانية أو زمانية 2، وتخالفهما في أمور أخرى يجيء الكلام عليها مع الكلام عليهما.

_ = "والأصل في استعمال هذا الظرف أن يكون فيما حضرك من أي قطر "ناحية" كان من أقطارك، أو دنا منك، وقد استعمل في غيره؛ فتقول: عندي مال؛ لما هو بحضرتك، ولما غالب عنك؛ فقد ضمن معنى الملك والسلطان على الشيء، ومن هنا استعمل في المعاني فيقال: عنده خير، وما عنده شر؛ لأن المعاني ليس لها جهات ... ". ا. هـ. ويقول أيضًا: "عند" ظرف مكان، ويكون ظرف زمان إذا ضيف إلى الزمان؛ نحو: عند الصبح، وعند طلوع الشمس، ويدخل عليه من حروف الجر "من" لا غير؛ تقول: جئت من عنده، وكسر العين هو اللغة الفصحى وتكلم بها أهل الفصاحة.... وحكى الفتح والضم". ا. هـ. 1 و 1 سيجيء الكلام على: "لدن ولدي في ص 294 و 295"، وأيضًا على "عند، ولدن" في باب الإضافة، ج 3 ص 101 م 95. 2 قال صاحب المفصل ج 4 ص 85 ما نصه في معنى ظروف الغايات: "قيل لهذا الضرب من الظروف غايات؛ لأن غاية كل شيء ما ينتهى به ذلك الشيء، وهذه الظروف إذا أضيفت كانت غايتها آخر المضاف إليه؛ لأن به يتم الكلام، وهو نهايته، فإذا قطعت عن الإضافة وأريد معنى الإضافة صارت هي غايات ذلك الكلام؛ فلذلك من المعنى، قيل لها: غايات". ا. هـ. وهذا يوافق ما يقوله بعض الشراح في تعريف ظروف الغايات، ونصه: "هي الظروف المبنية على الضم لحذف المضاف إليه، فتصير غاية وظرفًا بعد حذفه". ا. هـ. راجع حاشية المغني للعلامة الأمير أول ج 2 فصل لكلام على "ما". وتوضيحًا لما سلف نسوق بعض الأمثلة التي تجلي المراد، منبهين إلى أن الغاية لها معان أخرى تختلف باختلاف الموضوعات، والمناسبات "منها: ما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 459 ورقم 2 من هامش ص 468، ومنها: ما سيجيء كاملًا في ص 101 و 121 م 95 من الجزء الثالث، وفيه الأمثلة التي نسوقها لمناسبة دغت إليها هناك": أ- في مثل: سافرت من لدن بيتنا إلى الضاحية تشتمل هذه الجملة على الفعل: "سافر"، والسفر يقتضي الانتقال من مكان إلى آخر، فلا بد لتحققه من نقطة معينة يبتدئ منها، وأخرى ينتهي إليها، أي: لا بد له من مكان ابتداء، ومكان انتهاء، محددين، مضبوطين؛ كالذين هنا، وهما: البيت والضاحية، وبين نقطتي الابتداء والانتهاء مسافة محصورة بينهما، لا محالة، ويطلق على مجموع الثلاثة اسم اصطلاحي، هو: "الغاية المكانية" أي: "المسافة المكانية" أو: المقدار المكاني، وهي تشتمل كما ترى مكانا محدودا، محصورا، له بداية ونهاية معينتان، ومسافة تصل هذه بتلك، وقد دخل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 11، 12- عوض، قط، سبق الكلام عليهما في ص116 و261

_ = لفظ "لدن" على كلمة هي بداية الغاية؛ فدخوله على هذه الكلمة وعلى نظائرها يرشد إلى أنها أول جزء من أجزاء الغاية المكانية، أو أنها نقطة البداية. ولو قلت: سافرت من لدن الصبح إلى العصر، لدل الفعل: "سافر" على أنه استغرق زمنًا محددًا معينًا، له بداية زمنية معروفة، ونهاية زمنية معروفة كذلك؛ فله نقطتا ابتداء وانتهاء، زمنيتان مضبوطتان، وينحصر بينهما مقدار زمني يصلهما، ويتكون من مجموع الثلاثة "أي: من نقطة البداية، ونقطة النهاية، وما بينهما" ما يسمى في الاصطلاح: "الغاية الزمانية" بمعنى: "المقدار الزماني"، ودخول لفظ "لدن" على الكلمة التي بعده يرشد إلى أن هذه الكلمة نفسها هي نقطة البداية، أي أول: جزء من أجزاء الغاية الزمانية. ويفهم مما سبق أن "لدن"، و"عند" اسمان يدلان على ما بعدهما من بدء الغاية ... فسمى كل منهما "نقطة البداية" نفسها، وليس الابتداء الذي هو أمر معنوي، ولهذا كانا اسمين عند النحاة دون "من"، "ومنذ" الحرفين اللذين معناهما الابتداء المعنوي، فإضافة "لدن"، و"عند" إنما هي من إضافة الاسم إلى مسماه. "هذا وقد أطلنا الكلام في ج 1 ص 56 م 6 عن سبب تفريقهم بين كلمة: "ابتداء" واعتبرها اسما، وكلمة: "من" الجارة المقيدة للابتداء، واعتبارها حرفًا". لكن قد يخطر على البال السؤال الآتي: إذا ان لفظ "لدن" للدلالة على بداية الغاية، فما الداعي لمجيء الحرف "من" قبله، ومعناه الابتداء أيضًا؟ أجاب النحاة عن هذا إجابة غير مقنعة؛ فقالوا: إن دلالة "لدن" على بداية الغاية ليست مألوفة في الأسماء؛ فجاء الحرف "من" ليكون بمنزلة الدال على ذلك، ولهذا يكون في الأعلم الأغلب موجودًا. "راجع حاشية ياسين على شرح التصريح في هذا الموضع". والسبب الحق هو استعمال العرب القدامى لهما مجتمعين، دون تعليل آخر: ب– ما سبق يقال في الظرف: "عند"؛ فلو وضعناه مكان "لدن" في الأمثلة السالفة وأشباهها لم يتغير الأمر؛ ففي مثل: قرأت الكتاب من عند المقدمة إلى الخاتمة، تجد الفعل: "قرأ" لا يتحقق كاملًا إلا بنقطة مكانية معينة تبتدئ منها القراءة؛ هي: "المقدمة"، ونقطة أخرى محددة تنتهي إليها؛ هي: "الخاتمة"، وبين النقطتين المكانيتين مسافة مكانية تصل بينهما هي المسافة الأخرى المكتوبة، ومن اجتماع الثلاثة: "أي نقطة البداية المكانية، ونقطة النهاية المكانية، وما بينهما" يتكون ما يسمونه: "الغاية المكانية" التي يجيء الظرف "عند" ليدل على أن المضاف إليه هو نقطة البداية فيها: وإذا قلت: قرأت الكتاب من عند العصر إلى المغرب نشأت: "الغاية الزمانية" التي تتكون من اجتماع تلك الثلاثة، والتي يدخل الظرف "عند" على أول جزء منها؛ فيكون وجوده دليلًا على أن ما بعده "وهو المضاف إليه" نقطة البداية الزمانية ... مما تقدم يتضح الفرق بين "الغاية"، ومبدأ الغاية الذي يدل عليه "لدن" أو"عند"؛ فالغاية =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 13– كلما ظرف مركب من كلمتين هما: "كل" و"ما"، وهو بهذا التركيب اللفظي يفيد تكرار المعنى؛ نحو: كلما رأى الناس المصلح أكبروه، ويقول النحاة: إن كلمة "كل" فيه منصوبة باتفاق، وأنها مضافة إلى كلمة "ما" المصدرية؛ أو التي تعتبر نكرة بمعنى: "شيء"، وهذا الشيء "وقت" فكلمة: "ما" هنا محتملة لوجهين. أحدهما: أن تكون حرفًا مصدريًا والجملة بعد هذا الحرف المصدري صلة له؛ لا محل لها من الإعراب، والأصل: كل رؤية الناس ... ، ثم عبرنا عن معنى المصدر بكلمتي: "ما والفعل" ثم أنيبا عن الزمان، أي: كل وقت رؤية ... كما أنيب عنه المصدر الصريح في مثل: جئتك خفوق النجم. والآخر: أن تكون "ما" اسمًا نكرة بمعنى: "وقت"، فلا تحتاج على هذا إلى تقدير: "وقت" والجملة بعده في محل جر صفة؛ فتحتاج إلى تقدير ضمير عائد منها، أي: كل وقت رأى الناس فيه ... وقد سبق أن هذا الظرف مركب من كلمتين، وأن كلمة: "كل" منصوبة حتمًا، وبقي أنه يحتاج إلى جملتين ماضيتين بعده، والثانية منهما بمنزلة الجواب له مع أنه ليس أداة شرط، والماضي فيها هو عامل نصبه ويجب تأخيرها. "راجع المغني والهمع". 14– لدن، يكون ظرفًا دالًا على مبدأ الغايات، "أي: أنه لابتداء غاية زمان أو مكان بالمعنى الذي سبق1 شرحه في "عند"، ويلازم البناء، وبناؤه

_ = تشمل الأجزاء الثلاثة، أما مبدأ الغاية فهو الجزء الأول منها، دون الجزأين الآخرين، وكذلك يتضح المراد من قولهم: "إن معنى: "لدن"، و"عند" هو الدلالة على مبدأ الغايات الزمانية أو المكانية"، وأنه يصح وضع أحدهما مكان الآخر، فيقال: جئت من عند الصديق، أو: من لدن الصديق، وفي القرآن الكريم: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} ، فلو وضع أحد الظرفين مكان الآخر لجاز، ولم يمنع منه مانع إلا كره التكرار اللفظي بغير داع بلاغي. جـ- إذا دخل "لدن"، أو: "عند" على بداية الغاية فليس من اللازم أن يذكر معها اللفظ الدال على النهاية، إذ يكفي أن يشتمل الكلام على البداية وحدها ما دام المقام يكتفي به. د– ليس الأمر في كل ما سبق مقصورًا على الأفعال التي تعمل في الظرف، وتحتاج في تحقيق معناها إلى غاية زمانية أو مكانية، وإنما الأمر يشمل كل عامل آخر لا يتحقق معناه كاملًا إلا بذكر الغاية؛ يتساوى في هذا أن يكون العامل فعلًا، أو شبه فعل، أو اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو غير ذلك مما يعمل ... 1 في رقم 2 من هامش ص 292.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على السكون هو الأغلب، مثل: تذكر فضل والديك لدن أنت صغير. والكثير في استعماله أن يكون مسبوقًا "بمن الجارة"1 مثل: هذا فضل من لدن الله الكريم، ومثل: بقي هنا من لدن الظهر إلى الغروب، وأن يكون مضافًا لمفرد كهذين المثالين2، أو مضافًا للجملة؛ نحو: فلان مولع بالعلم لدن شب إلى أن شاب أو؛ مولع بالعلم لدن هو يافع، وقد يستغني عن الإضافة في حالة ستجيء ويكون بمعنى: "عند" كثيرًا، ولكن يخالفها في أمور؛ منها: أن "لدن" ظرف ملازم للإضافة للمفرد، أو للجملة، ويجوز استغناؤه عن الإضافة إذا وقعت بعده كلمة: "غدوة"؛ منصوبة3 مثل قضيت الوقت لدن غدوة حتى غروب الشمس، أما "عند" فيصح أن تترك الإضافة، وتصير اسمًا مجردًا؛ كأن يقول شخص: عندي مال؛ فيجاب: وهل لك عند؟ "فعند" هنا مبتدأ، أو يقال: الكتاب عندي، فيجاب: أين عندك؟: ومنها: أنه لا يكون إلا فضلة ولو ترك الظرفية؛ ففي مثل السفر من عند البيت لا يصح: السفر من لدن البيت، فكلمة: "عند" مجرورة، والجار والمجرور خبر، والخبر عمدة، وقد اشتركت "عند" في تكوينه؛ فهي عمدة بسبب اشتراكها، ولذا لا يصح: "السفر من لدن البيت" لكيلا تشترك: "لدن" في تكوين العمدة، وهي لا تكون إلا فضلة خالصة دائمًا. 15– لدى، ظرف معرب ملازم للنصب على الظرفية، ومعناه: "عند" ويخالفها في أمور: منها: أن "لدى" لا تجر أصلًا، أما "عند" فتجر بالحرف "من".

_ 1 وفي حالة جره لا يكون ظرفًا، وكذلك كل حالة أخرى لا يكون فيها منصوبا على الظرفية. 2 ومثل قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} . 3 على اعتبار: "غدوة" تمييزًا، أو: اعتبارها خبرًا لكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت الساعة غدوة، ويجوز في "غدوة" الرفع عند الكوفيين، على اعتبارها فاعلًا لكان التامة المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة، أي: ظهرت ووجدت غدوة، ويجوز في "غدوة" الجر بالإضافة؛ وهو القياس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن "عند" تكون ظرفًا للأعيان "أي: للأشياء المجسمة" وللمعاني، أما "لدى" فلا تكون إلا للأعيان في الصحيح؛ تقول: هذا الرأي عندي صائب، ولا تقول: لدي. ومنها: أنك تقول: عندي مال، وإن كان غائبًا، ولا تقول: لدي مال، إلا إذا كان حاضرًا. هذا، وبإضافة "لدى" للضمير تنقلب ألفها ياء، نحو: لديك، لديه ... 1 أما حين إضافتها للاسم الظاهر فلا تنقلب. 16– لما2 تكون ظرف زمان3، بمعنى: حين، فتفيد وجود شيء لوجود آخر. والثاني منهما مترتب على الأول؛ فهو بمنزلة الجواب المعلق وقوعه على وقوع شيء آخر، نحو: لما جرى الماء شرب الزرع، ولهذا لا بد لها من جملتين، بعدها، تضاف وجوبًا إلى الأولى منهما؛ لأنها من الأسماء الواجبة الإضافة لجملة وتكون ثانيتهما متوقفة التحقق على الأولى، وعامل النصب في: "لما" هو الفعل أو ما يشبهه في الجملة الثانية. والأغلب الأكثر شيوعًا في الجملتين ولا سيما 4 الثانية أن تكون معًا

_ 1 ويراعي في الإعراب ما سبق تفصيله في ج 1 م 16 ص 178، "آخر الكلام على الاسم المعتل الآخر". 2 "لما" أنواع متعددة، منها: "لما، الظرفية"، والكلام عليها هنا، "ولها إشارة في ج 3 ص 92 م 94، من باب: "الإضافة". ومنها: التي بمعنى "إلا" الاستثنائية وستجيء في "د" من ص 361 ومنها: "لما" الجازمة، "وستجيء في ج 4 م 153 ص 388". 3 على المشهور؛ "لأن بعض النحاة يعتبرها حرفًا بمعنى: حين". وتسمى: "لما الحينية" ويسميها بعض النحاة: "لما الوجودية"؛ لأنها الرابطة لوجود شيء بوجود غيره؛ أو: "لما التوقيتية"؛ لأنها بمعنى وقت. 4 قال الأشموني في الجزء الثالث، أو باب: "إعراب الفعل" عند الكلام على أنواع: "أن" ومنها الزائدة، ما نصه: "الزائدة هي التالية لما"، نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . ا. هـ، كلام الأشموني، وهنا قال الصبان: "قوله: نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} ... وتقول: "أكرمك لما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماضيتين لفظًا ومعنى؛ نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} ، أو معنى فقط1 كقول المعري يصف خيلًا سريعة: ولما لم يسابقهن شيء ... من الحيوان سابقن الظلالا وقول المتنبي: عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ... فلما دهتني لم تزدني بها علما وقد ورد في القرآن الكريم وقوع الجملة الثانية مضارعية في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} كما ورد فيه وقوعها جملة اسمية مقترنة بالفاء، أو إذا، حيث يقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ

_ = أن يقوم زيد، برفع المضارع، فارضى". ا. هـ، كلام الصبان نقلًا عن الفارضي، وهذا النص صريح في أنها قد تدخل على المضارع قياسًا إذا كان مسبوقًا بأن الزائدة، والعجيب أن الصبان يأتي به هنا جلبًا واضحًا، ليكمل ما فات الأشموني ثم ينسى هذا في الجزء الرابع أو باب الجوازم عند الكلام على: "لما" الجازمة حيث يصرح "الأشموني" بأنه استغنى كبعض من سبقوه بقوله: "لما" أخت "لم" عن أن يقول: "لما" الجازمة، وأنه احترز بكلمة: "أختها" من "لما" الحينية، ومن "لما" الاستثنائية؛ لأن هاتين لا يليهما المضارع، فيقول "الصبان" تعليقًا على هذا، وتأييدًا لما ما نصه: "أي: كلامه فيما يليه المضارع، فلا حاجة إلى الاحتراز منهما". ا. هـ، فهو يكتفي بهذا ساكتا عما قيل من أن المضارع لا يجيء بعد "لما" الحينية، و "لما" الاستثنائية، وكما نسي هذا في "باب الجوازم" نسيه أيضًا في باب "جمع التكسير" جـ 4 عند الكلام على صيغة: "فعول" واطرادها، حيث قال الأشموني عنها في ذلك الباب: "ظاهر كلام المصنف هنا موافقة التسهيل فإنه لا يذكر في هذا النظم غالبًا إلا المطرد، ولما يذكر غيره يشير إلى عدم اطراده غالبًا بقد، أو نحو: قل، أو ندر ... ". ا. هـ، وهنا قال الصبان ما نصه: قوله: ولما يذكر غيره ... إلخ تركيب فاسد؛ لأن "لما" الحينية لا تدخل إلا على ماض ... ا. هـ، كلام الصبان. فما المراد في كل ما سبق في أن المضارع لا يجيء بعد "لما"؟ أيكون المراد أنه لا يجيء بعدها مباشرة بغير فاصل بينهما؟ لا دليل يوضح المراد. فبأي الرأيين نأخذ؟ بالأول؛ لأنه نص صريح، فيه تيسير، ولكن حظه من القوة والسمو البلاغي أقل كثيرًا من الآخر الذي منعه أكثر النحاة حتى الصبان في بعض تصريحاته. وستأتي إشارة أخرى للظرف "لما" في ج 4 ص 314 م 53، ونص الكلام السالف في جـ 4، وفي النواصب م 148 ص 122"، ومن الخير ترك الأول الضعيف. 1 بأن يكون الفعل مضارعًا مجزومًا بالحرف "لم" الذي يخلصه للماضي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، ويقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 1، وقد تأول النحاة هذه الآيات؛ بتقدير حذف الجواب أو بغير هذا، ولا داعي للتأول في القرآن بغير حاجة شديدة، وإذا كنا نقبل التأول في القرآن فلم لا نقبله في كلام من يحاكي القرآن؟ نعم نقبل محاكاته، وندع التأول لمن يتخذه شرطًا للقبول؛ فالنتيجة الأخيرة واحدة، هي صحة الاستعمال، وصحة تأليف الأسلوب على نسق القرآن، وقد جاء في كتاب: "مجمع البيان لعلوم القرآن" للطبرسي ج 3 ص 155 في إعرابه قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّه} ما نصه: إذا، بمنزلة "الفاء" في تعليقه الجملة بالشرط. ا. هـ، يريد: ربط جملة جواب "لما" بشرطها، وهذا يؤيد ما قلناه. وقد رأيت الجواب ماضيًا مقترنًا بالفاء أو أنه محذوف إن أخذنا بالرأي السالف في خطبة عائشة تدافع على أبيها، وتذكر مناقبه بعد موته وهي الخطبة الرائعة التي نقلها، وشرحها العلامة اللغوي محمد بن القاسم الأنباري " المتوفى سنة 327 هـ"، وقد جاء فيها قولها: " ... أبى، والله لا تعطوه2 الأيدي، وذاك طود منيف3، وظل مديد ... فتى قريش ناشئًا، وكهفها كهلًا ... فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم اضطرب حبل الدين، ومرج4 عهده، وماج أهله ... وأنى والصديق بين أظهرهم؛ فقام حاسرًا مشمرًا ... فلما انتاش5 الدين، فنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرر الرءوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، فلما حضرته منيته ففسد ثلمته بنظيره في المعدلة، وشقيقه في السيرة والمرحمة؛ ذاك ابن الخطاب ... " ففي المنقول هنا من الخطبة ووقع جواب "لما" ماضيًا مقرونًا بالفاء في موضعين هما: "فنعشه" و"فسد" ... إلا على الرأي القائل إنه محذوف. والخطبة كاملة مشروحة في الجزء الثالث من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عدد تموز "يوليو" سنة 1962 م المحرم سنة 1382 هـ ص 414. هذا "ولا مانع أن يتقدم جواب لما" عليها ما ورد في بعض المراجع اللغوية6.

_ 1 وكذلك قوله تعالى في قوم موسى: {َلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} . 2 لا تعطوه: لا تصل إليه. 3 مرتفع. 4 اضطرب. 5 انتشل وانتزع. 6 فقد جاء في: "تاج العروس، شرح القاموس" عند الكلام عليها ما نصه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 17– مذ ومنذ 1 قد يكونان ظرفين للزمان2 متصرفين، مبنيين، وقد

_ = "قد يتقدم الجواب عليها فيقال: استعد القوم للقاء العدو لما أحسوا بهم، أي: حين أحسوا بهم". ا. هـ، ومن هذا قول حافظ إبراهيم في قصيدته العمرية: أمنت لما أقمت العدل بينهمو ... فنمت نوم قرير العين هانيها والتقدير: لما أقمت العدل بينهم أمنت ... وكذلك قول ذي الرمة: تعرفته لما وقفت بربعه ... كأن بقاياه تماثيل أعجما أي: لما وقفت بربعه تعرفته ... لكن إذا تقدم جوابها عليها أيظل محتفظًا باسمه وبعمله، فيسمى جوابها، ويعمل فيها النصب، مع مخالفة هذا للحكم العام الذي يمنع تقدم الجواب على كل أداة من أدوات التعليق ... ، أم هي مستثناة من هذا الحكم العام؟. المفهوم من كلام "تاج العروس" هو احتفاظ جوابها باسمه، وبعمله بالرغم من تقدمه عليها مع أنها أداة تعليق، غير أن المفهوم من كلام الصبان في مسألة أخرى كهذه يخالف ما هنا؛ فقال في "لما" التي تقدم عليها عاملها إنها ظرف بمعنى "حين" متعلقة بالعامل الملفوظ المتقدم عليها، ثم قال ما نصه: "والظاهر أنها على هذا القول خالية من معنى الشرط". ا. هـ، راجع الصبان ج 2 باب الإضافة عند بيت ابن مالك: والزموا "إذا" إضافة إلى ... جمل الأفعال......... إلخ وهو يريد بخلوها من منى الشرط أنها ظرف محض لا يفيد تعليقًا: فلا يصح تسمية عامله جوابًا إذا تقدم عليه، وعلى هذا لا يكون في الكلام أداة شرط. سواء أبقيت "لما" مفيدة للتعليق مع تقدم الجواب أم غير مفيدة، وسواء أكان هذا الرأي هو الأوضح أم ذاك، فالخلاف لفظي شكلي؛ لا يعنينا منه إلا أن الاستعمال صحيح على الرأيين، وأن الأسلوب خال من العيب اللفظي والمعنوي. 1 سبق الكلام عليهما في ج 1 ص 266 م 37 وص 370 م 38، وسيجيء في حروف الجر ص 518 م 90 مناسبة أخرى لهما، والكلام عليهما متشعب النواحي، متعدد الأحكام، ولقد خصهما ببحث واف مستقل أحد أعضاء مجمع اللغة العربية القاهري، ودون بحثه المستفيض بمجلة المجمع "ج 3 ص 254"، واستطاع أن يعرض فيه كل ما يختص بهما عرضًا مقيدًا كاملًا، وقد أثبتناه آخر الكتاب ص 544. 2 معناهما: زمن، أو: أمد. ومن الظروف الزمانية: "متى" وهو اسم استفهام عن الزمان، وقد سبق الكلام على حكمه في رقم 2 من هامش ص 263.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكونان اسمين مجردين من الظرفية، وقد يكونان حرفي جر. فيصلحان للظرفية إذا وقع بعدهما جملة اسمية، أو فعلية ماضوية؛ فيعربان ظرفين مبنيين في محل نصب، مع إضافة كل منهما إلى الجملة التي بعده، وعامل النصب فيهما لا بد أن يكون فعلًا ماضيًا؛ وكذلك الفعل في الجملة الفعلية التي يضافان إليهما لا بد أن يكون ماضيًا، نحو: جئت مذ أو منذ الوالد حاضر مذ أو منذ حضر الوالد. ويتجردان للاسمية الخالصة1 إذا لم تقع بعدهما جملة، ووقع بعدهما اسم مرفوع2 نحو: غادرت البلد مذ، أو: منذ يومان، "فمنذ" أو"منذ" مبتدأ و"يومان" خبره. أو العكس3، ولا بد من تقدمها في الحالتين "أي: عند إعرابها مبتدأ وخبرًا". والمعنى: غادرت البلد، أمد المغادرة يومان. ويكونان حرفي جر إذا وقع الاسم بعدهما مجرورًا. 18– مع، ظرف لا يتصرف، وهو معرب منصوب على الظرفية في الرأي الشائع ويدل على زمان اجتماع اثنين غالبًا أو مكانهما4، وإضافته هي الكثيرة، فإن انقطع عن الإضافة نون، وصار حالًا، وقد يصير خبرًا طبقًا لما سيجيء5 من كلام وتفصيل هام عليه، وعلى ظروف تقدمت في المكان المناسب من باب: "الإضافة". بناء أسماء الزمان المبهمة، وشبيهتها الأسماء الأخرى المبهمة التي ليست بزمان. تبنى على الفتح أسماء الزمان المبهمة كلها6، ظروفًا وغير ظروف، جوازًا لا وجوبًا في حالتين:

_ 1 أي: بغير ظرفية. 2 فإن كان مجرورًا فهما حرفًا جر، كما سيجيء هنا، أما التفصيل ففي ص 299، 90، مبحث حرف الجر، وفي البحث المستقبل الخاص بهما ص 544. 3 فيكون "مذ ومنذ" ظرفين متعلقين بمحذوف هو الخبر، "انظر رقم 3 من هامش ص 520". 4 كالذي في قول الشاعر: من جاور الشر لا يأمن بوائقه ... كيف الحياة مع الحيات في سفط 5 ج 3 ص126 م 95. 6 سبقت الإشارة إليها في ص 252 وما بعدها، ويجيء تفصيل الكلام على أحكامها في ج 3 باب الإضافة ص 21 و 54 و 70 و 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: إذا أضيفت إلى الجمل جوازًا ولا وجوبًا1، والمراد بالمبهمة هنا: النكرة التي تدل على الزمان دلالة غير محدودة بمبدأ ولا نهاية، مثل: حين، زمان وقت، أو تدل على وجه من الزمان دون وجه؛ مثل: نهار، صباح، عشية، غداة، بخلاف أسماء الزمان المختصة بتعريف أو غيره، مما سبق بيانه في رقم 2 من هامش ص252، فإن المختصة لا تضاف إلى الجمل، ومثلها: الزمان المحدود، كأمس، وغد، والمعدودة كيومين، ليلتين، أسبوع، شهر، سنة؛ فكل هذه الأزمنة2 لا يضاف منها شيء للجمل. فإذا أضيفت تلك الأسماء الزمانية المبهمة إلى الجمل فإنها تبنى جوازًا كما أسلفنا ويكون بناؤها على الفتح3، ويجوز فيها الإعراب؛ ولكن البناء على الفتح أفضل إذا أضيفت لجملة فعلية، فلها مبني ولو كان مضارعًا مبنيا مثل: عاد المسرف فقيرًا كيوم جاء إلى الدنيا، ومثل: أشرف أيام الأمهات حين يحرص، على تربية أولادهن4 ... والإعراب أفضل إذا أضيفت لجملة مضارعية مضارعها معرب، أو لجملة اسمية 5؛ مثل قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 6 ... ومثل: أن تسمع من يقول: "الشجاعة مطلوبة"، فنقول: هذا يوم الشجاعة مطلوبة.

_ 1 لأن الإضافة الواجبة إلى الجمل تحتم البناء كما سيجيء في جـ 3 ص 63، 65، 67 م 94 وإذا أضيفت أسماء الزمان إلى جملة وجب أن تكون جملة خبرية، ولا تصلح الجملة الشرطية المقترنة "بإن" أو بغيرها من أدوات التعليق، ولا الجملة الإنشائية على اختلاف أنواعها ... إلى غير هذا من بقية الشروط التي ستذكر في الموضع السالف. 2 سبق الكلام عليها أيضًا في ص 252 م 78. 3 راجع الخضري وغيره في باب: "الإضافة" حيث عقد "تنبيهًا" مستقلًا للنص على البناء على الفتح فقط. 4 ومن أمثلة المضاف لجملة ماضوية قول الشاعر: إن شر الناس من يبسم لي ... حين ألقاه، وإن غبت شتم فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا مبنية على الفتح. 5 سواء أكانت الجملة الاسمية مصدرة بما الحجازية، أو: "لا" أختها، أو: "لا" العاملة عمل: "إن" أم غير مصدرة. 6 ومثل قول الشاعر: ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا معربة "منصوبة مباشرة"، وليست مبنية على الفتح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: إذا أضيفت لمبني مفرد "أي: غير جملة"، نحو: يومئذ، حينئذ ... وألحق النحاة بأسماء الزمان المبهمة، ما ليس زمانًا من كل اسم معرب ناقص الدلالة بسبب توغله1 في الإبهام؛ مثل: غير – دون – بين – مثل ... ونحوها ما يسمونه: "التوغل في الإبهام2، ومن الأمثلة: "ما قام أحد غيرك" والآيات الكريمة: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} ، في قراءة من قرأ: مثل بفتح اللام {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالبناء على الفتح

_ ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا معربة "منصوبة مباشرة"، وليست مبنية على الفتح. 1 أي: تعمقه وتغلغله في داخله. 2 المراد به: اللفظ الذي لا يتضح معناه إلا بما يضاف إليه، وستجيء إشارة له " في الجزء الثالث باب: الإضافة ص 21 ص 45 م 93 ومنها نعلم: أن اللفظ المتوغل في الإبهام قد يكتسب البناء من المضاف إليه مع إيضاح هذا مفصلًا وأنه في أكثر أحواله لا يقع نعتًا، ولا منعوتًا، إلا "غير، وسوى"، فيصلحان للنعت، ومن ألفاظه: قبل وبعد ... و ... كما سيجيء في باب لنعت ص 346 م 144 من الجزء الثالث. وأنه في أكثر أحواله لا يستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة إلا بأمر خارج عن الإضافة؛ كوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين كما نص على هذا " العكبري" في صدر كتابه المسمى: "إملاء ما من به الرحمن ... " أول سورة البقرة في مثل: رأيت: العلم غير الجهل، وعرفت العالم غير الجاهل، وكقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين أزال إبهامها؛ لأن جهة المغايرة تتعين، بخلاف خلوها من ذلك في مثل: أبصرت رجلًا غيرك، وكذلك الشأن في كلمة: "مثل" إذا أضيفت إلى معرفة بغير وجود قرينة تشعر بمماثلة خاصة، فإن الإضافة لا تعرفها، ولا تزيل إبهامها، إما إن أضيفت لمعرفة وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة فإنها تتعرف؛ نحو: راقني هذا الخط وسأكتب مثله؛ وهذا معنى قولهم: إذا أريد بكلمة: "غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقعت بين متضادين؛ أما قوله تعالى: {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} حيث وقعت كلمة: "غير" المضافة للمعرفة صفة للنكرة، فالحقيقة أنها لا تعرب هنا صفة ولكن تعرب بدلًا؛ لعدم مطابقتها. "ثم انظر رقم 3 من هامش ص 346، ففيه تكملة للموضوع مفيدة" أما تفصيله على وجه مناسب ففي ج 3 باب الإضافة م 93 ص 25 عند الكلام على الحكم السادس من أحكام الإضافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جوازًا في هذه الأمثلة، وأشباهها، فالإضافة تجوز البناء على الفتح وحده في الأنواع الثلاثة السالفة. وذهب ابن مالك إلى أنه لا يبني مضاف بسبب إضافته إلى مبني أصلًا، لا ظرفًا ولا غيره؛ وأن الفتحة في الأمثلة السابقة حركة إعراب لا بناء؛ إما على الحالية، أو على المصدرية، أو ... أو1.... وهذا الرأي قد يكون أنسب للأخذ به اليوم والاقتصار عليه، بالرغم من صحة الأول وقوته، شيوعه قديمًا، منعًا للاضطراب، وتحديدًا للغرض.

_ 1 راجع في كل ما سبق الهمع "جـ 1 ص 218"، والأشموني والصبان أول باب: "الإضافة"، عند الكلام على الإضافة غير المحضة؛ وبيت ابن مالك: وذي الإضافة اسمها لفظية...... بقي أن نذكر ما قرره النحاة بشأن تلك الألفاظ إذا لم تستفد التعريف من المضاف إليه، فسيبويه والمبرد يقولان: إن الإضافة غير المحضة: فائدتها التخفيف، وما يتبعه من مزايا تلك الإضافة. وغيرهما يقول: إنها محضة ومعنوية تفيد "التخصيص"، وإن كانت لا تفيد "التعيين" كما سيجيء في باب الإضافة، جـ 3.

المسألة 80: المفعول معه

المسألة 80: المفعول معه 1 أ- إذا سأل مسترشد: أين دار الآثار القديمة؟ فقد يكون الجواب: تسير مع طريقك هذا؛ فينتهى بك إليها. ليس المراد أنه يسير، والطريق يسير معه حقيقة، وإلا كان المعنى فاسدًا؛ لأن الطريق لا يمشي، وإنما المراد أن يباشر السير في هذا الطريق، ويقرن المشي به حتى يصل. ولو كان الجواب: تسير وطريقك هذا ... لكان التعبير سليمًا، والمراد واحدًا في الجوابين. فإن كان السؤال: أين محطة2 القطر؟ فالجواب قد يكون: تمشي مع الأبنية التي أمامك؛ فتنتهى بك إلى ميدان فسيح، فيه المحطة2، ليس المراد أن يمشي، وتمشي معه الأبنية فعلًا: وإلا فسد المعنى؛ إذ الأبنية لا تمشي، وإنما المراد أن يلتزم المشي الذي يقارنها، ويلابسها حتى يصل إلى غايته. ولو كان الجواب تمشي والأبينة التي أمامك ... لصح الأسلوب، وما تغير المراد. ب– وإذا قلنا: أكل الوالد مع الأبناء ... فإن الجملة تفيد أن الأبناء شاركوا والدهم فعلًا في الأكل حين يأكل؛ بسبب وجود كلمة تفيد المشاركة الحقيقية في معنى الفعل، وهي كلمة: "مع" ولا يفسد المعنى بهذا الاشتراك الحقيقي. وكذلك لو قلنا: أكل الوالد والأبناء؛ فإن المعنى يبقى على حاله، ولا فساد في التركيب. ومثل هذا: جلس الأب مع الأسرة؛ فإن هذه الجملة تفيد اشتراك الأسرة في الجلوس اشتراكًا واقعًا في زمن واحد؛ بسبب وجود كلمة تفيد هذا؛ وهي: "مع"، ولا شيء يحول دون هذا المعنى، أو يؤدي إلى فساد الصياغة لو قلنا: جلس الأب والأسرة.

_ 1 أي: المفعول الذي وقع معه فعل الفاعل. 2 و 2 كلمة: "محطة" عربية صحيحة.

نعود إلى الجمل التي فيها: "الواو" بدلًا من كلمة: "مع" وهي: تسير وطريقك، تمشي والأبنية، أكل الوالد والأبناء، جلس الأب والأسرة ... فنلحظ أن كل كلمة وقعت بعد الواو مباشرة هي: اسم، مسبوق بواو بمعنى: "مع"، وهذه الواو تدل على أن ما بعدها قد لازم اسمًا قبلها، وصاحبه زمن وقوع الحدث1، وقد يشاركه، في الحدث كالمثالين الأخيرين في "ب" أولًا يشاركه؛ كالمثالين الأولين، وهذا الاسم الذي بعدها هو ما يسمى: "المفعول معه"، ويقولون في تعريفه: إنه: اسم مفرد2، فضلة، قبله واو بمعنى: "مع"، مسبوقة بجملة فيها فعل أو ما يشبهه في العمل وتلك الواو تدل نصًا3 على اقتران الاسم الذي بعدها باسم آخر قبلها 4 في زمن حصول الحدث، مع مشاركة الثاني للأول في الحدث، أو عدم مشاركته5.

_ 1 معنى الفعل، أو ما يشبهه. 2 المراد بالمفرد هنا: ما ليس جملة، ولا شبهها. 3 إن لم يمكن التنصيص بها على المصاحبة بسبب أن الاسم السابق منصوب، وأن العامل يصح أن يتسلط على الاسم الذي بعدها مباشرة، فهي للعطف وحده قطعًا؛ نحو: قرأت المجلة والصحيفة، "كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص 310". أما إذا كان الاسم السابق مرفوعًا، أو مجرورًا والاسم بعد الواو منصوبًا منطبقًا عليه تعريف المفعول معه، فإن نصبه يقطع بان المراد هو المعية نصًا، إذ لو كان المراد العطف لوجب جر المعطوف أو رفعه تبعًا للمعطوف عليه. 4 قد يكون الاسم السابق ظاهرًا أو ضميران. 5 أي: أن المشاركة في الزمن محتومة، أما المشاركة في المعنى فقد تتحقق أو لا تتحقق، وإنما هي متوقفة على القرائن التي تدل على هذا، أو ذاك انظر "أ" من ص 314.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من التعريف السابق نعلم أن كل جملة مما يأتي لا تشتمل على المفعول معه: أقبل القطار والناس منتظرون؛ لأن الذي وقع بعد الواو1 جملة، وليس اسمًا مفردًا. اشترك محمود وحامد؛ لأن الذي بعد الواو عمدة، لا فضلة، إذ الفعل: "اشترك" يقتضي أن يكون فاعله متعددًا، أي: مثنى أو جمعًا؛ لأنه فعل لا يقع إلا من اثنين أو أكثر؛ فلا بد من التعدد، ولو بطريق العطف كالمثال المذكور؛ "فحامد" معطوف على الفاعل: "محمود" فهو في حكم الفاعل، وعمدة مثله. خلطت القمح والشعير؛ لأن الواو لم تفد: "معية" وإنما فهمت المعية من الفعل: "خلط". نظرت عليًا وحليمًا قبله، أو بعده شاهدت الليل والنهار؛ لأن الواو فيهما ليست للمعية وإلا فسد المعنى. شاهدت الرجل مع زميله اشتريت الحقيقة بكتبها؛ فالمعية هنا مفهومة واضحة، ولكن لا توجد الواو. كل زارع وحقله، بشرط أن يكون خبر المبتدأ: "كل" محذوفًا في آخر الجملة؛ والتقدير: كل زارع وحقله مقترنان؛ فلا تكون الواو للمعية؛ لعدم وقوعها بعد جملة، أما إذا كان الخبر مقدرًا قبل الواو "أي: كل زارع موجود وحقله" فالواو للمعية. لا تتناول الطعام وتقرأ؛ لأن الذي وقع بعد الواو فعل2.

_ 1 هذه الواو تسمى: "واوا الحال"، وهي في الوقت نفسه للاستئناف؛ لوجوب دخولها على جملة، وهي من جهة المعنى تفيد المعية؛ لأنها تفيد في الغالب المقارنة الاقتران والمقارنة نوع من المعية، لكن لا تسمى اصطلاحًا "واو المعية" "انظر رقم 5 من هامش 395". 2 يصح في هذا الفعل أن يكون مجزومًا بالعطف، أو مرفوعًا على الاستئناف فلا تكون الواو للمعية، ويجوز أن يكون منصوبًا بأن مضمرة وجوبًا بعد واو المعية؛ فيكون المصدر المؤول مفعولًا معه "في رأي راجح" كما صرح بهذا الخضري وغيره في هذا الباب، ولهذا الرأي ما يعارضه. وتفصيلهما في مكانهما من الجزء الرابع في باب: "النواصب"، عند الكلام على نصب المضارع بعد واو المعية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا المال لك وأباك ما الرجل فرح والشريك، لعدم وجود ناصب يعمل النصب فيهما1؛ فلا يصح النصب؛ إذ لا مفعول معه.

_ 1 مع ملاحظة أن "الصفة المشبهة" مثل: فرح، السالفة لا تصلح عاملًا. وسيجيء النص على هذا، وسببه في رقم 1 من هامش الصفحة التالية. وفيها عند الكلام على الحكم الأول من أحكام "المفعول معه"، بعض أمثلة مشموعة، خالية من عامل ظاهر؛ فيقدر لها عامل مناسب.

أحكامه: له عدة أحكام، منها: 1 النصب، والناصب له: إما الفعل الذي قبله كالأمثلة السالفة أول الباب، وإما ما يشبه الفعل في العمل1؛ كاسم الفاعل، في نحو: الرجل سائر والحدائق وكاسم المفعول؛ في نحو: السيارة متروكة والسائق، وكالمصدر، في نحو: يعجبني سيرك والطوار2، واسم الفعل في مثل: رويدك والغاضب3 بمعنى: أمهل نفسك مع الغاضب. وقد وردت أمثلة مسموعة لا يصح القياس عليها لقلتها وقع فيها المفعول معه منصوبًا بعد: "ما"، أو"كيف" الاستفهاميتين، ولم يسبقه فعل أو ما يشبهه في العمل، مثل: ما أنت والبحر؟ كيف أنت والبرد؟ فالبحر والبرد وأشباههما مفعولان معه، منصوبان بأداة الاستفهام. وقد تأول النحاة هذه الأمثلة، وقدروا لها أفعالًا مشتقة من الكون وغيره4، مثل: ما تكون والبحر؟ كيف تكون والبرد؟ فالكلمتان مفعولان معه؛ منصوبان بالفعل المقدر5 عندهم.

_ 1 إن كان الشبيه من المشتقات وجب أن يكون مما ينصب المفعول به، ولهذا لا تصلح الصفة المشبهة، ولا أفعل التفضيل؛ ولا ما لا ينصب المفعول به من سائر المشتقات. 2 الرصيف، "والرصيف": كلمة صحيحة. 3 بشرط أن تكون الواو للمعية، وبعدها المفعول معه، وليست للعطف وبعدها معطوف؛ لأن هناك حالات تصلح فيها للمعية والعطف كما سيجيء في ص 310. 4 مثل: تصنع، تفعل ... وكل ما يصلح له الكلام كالمثالين لبيان مضمون المعنى ... 5 والحق: أنه لا داعي لهذا التقدير؛ فقد كان بعض العرب ينصب المفعول معه بعد الأداتين السالفتين، ولن نقيس عليهما أدوات استفهام أخرى؛ إذ التقدير في مثل هذه الحالات معناه إخضاع لغة ولهجة، للغة ولهجة أخرى، من غير علم أصحابهما، وليس هذا من حقنا "كما يرى بعض المحققين، ومنهم "ابن جني" في بحثه الذي عنوانه: "باب، اختلاف اللهجات" بكتابه: "الخصائص" وكذلك غيره ممن نقل صاحب الزهر، ج ص 153، وبعض النحاة يجيز أن يقيس عليهما الأدوات الاستفهامية الأخرى. أ- وإذا كان أصل الكلام: ما تكون والبحر؟ وكيف تكون والبرد؟ فإن "تكون" المحذوفة في المثالين ناقصة، وأداة الاستفهام خبرها متقدمًا، أما اسمها، أنت، فضمير المخاطب، كأن مستترًا فيها، فلما حذفت برز، وصار منفصلًا. ب– ويجوز اعتبار "تكون" تامة، وفاعلها الضمير المستتر، ويصير بعد حذفها بارزًا منفصلًا، =

2– لا يجوز أن يتقدم على عامله مطلقًا، ولا أن يتوسط بينه وبين الاسم

_ = و"كيف" الاستفهامية حال مقدم و"ما" الاستفهامية مفعول مطلق متقدم، بمعنى: أي وجود توجد مع البحر ... و ... وهذا أسهل كسهولة: تصنع، أو تعمل، بدلًا من "كان" الناقصة. ج– للمبرد رأي آخر لا بأس به في إعراب تلك الأمثلة، وما شابهها، فقد جاء في كتابه: "الكامل" جـ 6 ص 235 عند ذكره لكتاب علي بن أبي طالب إلى معاوية المطالب بدم عثمان رضي الله عنه، يقول علي: "وبعد، فما أنت وعثمان؟ " قال المبرد ما نصه: "ما أنت وعثمان؟ فالرفع فيه الوجهين؛ لأنه عطف اسمًا ظاهرًا على اسم مضمر منفصل، وأجراه مجراه، "وليس هنا فعل، فيحمل على المفعول "أي: فلا يحمل ... "؛ فكأنه قال: فما أنت؟ وما عثمان؟ هذا تقديره في العربية. "ومعناه: لست منه في شيء، وقد ذكر سيبويه -رحمه الله- النصب، وجوزه جوازًا حسنًا، وجعله مفعولًا معه، وأضمر: "كان" من أجل الاستفهام؛ فتقديره عنده "ما كنت وفلانًا؟ ". ا. هـ. ثم سرد المبرد أمثلة أخرى قال بعدها ما نصه: "فإن كان الأول مضمرًا متصلًا كان النصب ... و ... تقول مالك وزيدًا؛ فكأنه في التقدير: وملابستك زيدًا، وفي النحو تقديره: مع زيد". ا. هـ، كلام المبرد. وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله: ينصب تالي الواو مفعولًا معه ... في نحو: سيري والطريق مسرعه "أي: سيرى مع الطريق" يقول: ما يجيء بعد الواو في مثل: سيري والطريق مسرعة ينصب على اعتباره مفعولًا معه، ولم يوضح هذا المفعول بيان أوصافه، وشروطه؛ مكتفيًا بالمثال، والتعريف بالمثال نوع من أنواع التعريف المنطقي، ولكنه لا يناسب ما نحن فيه مما يحتاج إلى شروط وقيود ... ثم قال: بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحق يريد: هذا النصب للمفعول معه يكون بشيء سبق؛ كالفعل وشبهه، ولا يكون بالواو في الرأي الأحق بالمتابعة فكلمة: "ما" بمعنى: شيء، والجار والمجرور بما خبر متقدم للمبتدأ المتأخر: "ذا" والجملة من الفعل: "سبق"، وفاعله في محل نصب حال من كلمة؛ الفعل ... والتقدير: هذا النصب بشيء من الفعل وشبهه حالة كون الشيء سبق، وتقدم على المفعول معه وعلى الواو، ويصح أن تكون "ما" موصولة، والجملة الفعلية صلة ... ثم أشار بعد ذلك إلى المفعول معه المنصوب بعد "ما" و"كيف الاستفهاميتين" فقال: وبعد "ما" استفهام أو"كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب وقد نسب النصب بعد الأدلتين السالفتين لبعض العرب للدلالة على أنه سماعي فقط وهذا صحيح، ولكن العرب لا دخل لها بفعل الكون المقدر وغيره من المصلطحات النحوية المحضة.

المشارك له والمقارن ... ففي مثل: مشي الرجل والحديقة؛ لا يصح أن يقال: والحديقة مشي الرجل، ولا: مشي والحديقة الرجل. 3– لا يجوز أن يفصل بينه وبين واو المعية فاصل، ولو كان الفاصل شبه جملة1. 4- لا يجوز حذف هذه الواو مطلقًا1. 5– إذا جاء بعده تابع أو ضمير أو ما يحتاج إلى المطابقة وجب أن يراعى عند المطابقة الاسم الذي قبل الواو وحده؛ نحو: كنت أنا وزميلًا كالأخ، أحبه وأعطف عليه، ولا يصح كالأخوين ... حالات الاسم الذي بعد الواو: له حالات أربع: أولها: جواز عطفة على الاسم السابق، أو نصبه مفعولًا معه2، والعطف أحسن، مثل: بالغ الرجل والابن في الحفاوة بالضيف، فكلمة: "الابن"، يجوز رفعها بالعطف على الرجل، أو نصبها مفعولًا معه، ولكن العطف أحسن من النصب على المعية؛ لأنه أقوى في الدلالة المعنوية على المشاركة والاقتران3، ولا شيء يعيبه هنا، ومثله: أشفق الأب والجد على الوليد أضاء القمر والنجوم. ثانيها: جواز الأمرين، والنصب على المعية أحسن؛ للفرار من عيب لفظي أو معنوي، فمثال اللفظي: أسرعت والصديق؛ فكلمة: "الصديق" يجوز فيها الرفع عطفًا على الضمير المرفوع المتصل4، ويجوز فيها النصب على المعية، وهذا أحسن؛ لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل يشوبه بعض الضعف إذا كان

_ 1 و 1 راجع حاشية الصبان في هذا الموضع. 2 إلا في الحالة المشار إليها في رقم 3 من هامش ص 305، وهي للعطف فقط. 3 لأن العطف يقتضي إعادة العامل تقديرًا قبل المعطوف، فكأن العامل مكرر. فيقع به التأكيد اللفظي الذي يقوي المعنى. "انظر ما يتصل بها في "أ" من ص 314". 4 وهو: التاء.

بغير فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ كهذا المثال1 والفرار من الضعف أفضل من الإقبال عليه بغير داع2. ومثال العيب المعنوي قولهم: "لو تركت الناقة وفصيلهما3 لرضعها"، فلو عطفنا كلمة: "فصيل" على كلمة: "الناقة" لكان المعنى: لو تركت الناقة وتركت4 فصيلها لرضعها، وهذا معنى غير دقيق، يحتاج تصحيحه إلى تأويل وتقدير لا داعي لهما. وعيبه آت من أن تركهما لا يستلزم تلاقيهما المؤدي إلى حصول الرضاعة، وقد نتركهما؛ لا نحول بينهما، ولكن الأم تنفر منه، ولا تمكنه من الرضاعة، أو ينفر منها ... ثالثها: وجوب العطف، وامتناع المعية5: وذلك حين يكون الفعل أو ما يشبهه مستلزمًا تعدد الأفراد التي تشترك في معناه اشتراكًا حقيقيًا، وكذلك حين يوجد ما يفسد المعنى مع المعية، فمثال الأول: تقاتل النمر والفيل، اختصم العادل والظالم، اتفق التاجر والصانع ... فكل فعل من هذه الأفعال: "تقاتل، اختصم، اتفق 6 وأشباهها7 ... لا يتحقق معناه إلا بالفاعل المتعدد فيشترك الأفراد في معنى العامل؛ فلا بد من وجود اثنين أو أكثر يشتركان حقيقة

_ 1 كما هو موضح في مكانه من باب العطف ج 3 عند الكلام على العطف على الضمير المرفوع المتصل. 2 وفي الحالتين السابقتين يقول ابن مالك: والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق النسق هو العطف بالحرف؛ كالعطف بالواو، أو الفاء، أو ثم ... 3 الفصيل: ابن الناقة الذي يفصل عنها. 4 لأن العطف على نية تكرار العامل، انظر رقم 3 من هامش الصفحة السالفة ... 5 من هذا القسم المسألة المشار إليها في رقم 3 من هامش ص 305. 6 إذا كان الفعل وشبهه يقتضي التعدد مثل: اتفق الوالد والابن، و.... فهل يصح مجيء كلمة: "مع" بدلًا من واو المعية؛ فيقال: اتفق الوالد مع الابن؟ الجواب نعم، طبقًا للبيان السابق في الملاحظة ص 168. 7 كالفعل: "استوى" في قول الشاعر: ولا يستوي عند كشف الأمور ... باذل معروفه والبخيل

في التقاتل، والاختصام، والاتفاق ... وهذا يتحقق بالعطف دائمًا؛ لأنه يقتضي الاشتراك المعنوي الحقيقي1، بخلاف المعية؛ فإنها تقتضي الاشتراك الزمني؛ أما المعنوي فقد تقتضيه حينًا، ولا تقتضيه أحيانًا؛ كما عرفنا2. ومثال الثاني: أشرق القمر وسهيل قبله أو بعده.... فتفسد المعية بسبب وجود: "قبل"، أو"بعد". رابعها: امتناع العطف ووجوب النصب في الأصح إما على المعية، إن استقام المعنى عليها، وإما على غيرها إن لم يستقم؛ "كنصب الكلمة مفعولًا به لفعل محذوف"؛ وذلك منعًا لفساد لفظي أو معنوي، فمثال وجوب النصب على المعية لمانع لفظي يمنع العطف: نظرت لك وطائرًا؛ لأن الأصل الغالب في العطف على الضمير المجرور أن يعاد حرف الجر مع المعطوف؛ كما في قول الشاعر: فما لي وللأيام لا در درها ... تشرق بي طورًا، وطورًا تغرب فقد أعاد اللام مع المعطوف3 ومثال النصب لمانع معنوي يمنع العطف: مشى المسافر، والصحراء، بنصب كلمة: "الصحراء" على المعية؛ إذ لو رفعت بالعطف على كلمة: "المسافر" لكان المعنى: مشت الصحراء، وهذا فاسد4. ومثال النصب على غير المعية بتقدير فعل محذوف ينصب الكلمة مفعولًا به: دعينا لحفل ساهر فأكلنا لحمًا، وفاكهة، وخضرًا، وماء عذبًا، وغناء ساحرًا فيجب نصب كلمة: "ماء" وكلمة: "غناء" بفعل محذوف يناسب كلا منهما. والتقدير: وشربنا ماء عذبًا، وسمعنا غناء ساحرًا ... ولا يصح النصب على المعية، ولا على العطف5 وإلا فسد المعنى، ومثله قول الشاعر:

_ 1 أما الاشتراك في الزمن فقد يقتضيه أو لا يقتضيه؛ فمثل: أكلت خالدة وأختها، قد يقع أكلهما في زمن واحد، أو مختلف كما يتضح في "أ" من ص 314". 2 في ص 304، 305، وكما يجيء البيان الموضح في "أ" من ص 314. 3 سيذكر هذا البيت لمناسبة أخرى في باب العطف ج 3 م 116. 4 كما سيجيء في ص 314. 5 لأن الماء لا يؤكل، وكذا الغناء؛ ولأن سماع الغناء في الحقل الساهر يكون بعد الأكل عادة لا معه في زمنه. وعند تقدير فعل محذوف مناسب، تنشأ جملة فعلية تكون معطوفة بالواو على الجملة الفعلية الأولى، فالعطف على الأصح عطف جمل، والممنوع عطف المفردات؛ إذ لا يجوز عطف "ماء"، ولا غناء علي: لحمًا، لكن يصح عطف جملة: "شربنا" وجملة: "سمعنا" على الجملة الأولى وهي: "أكلنا"، "وستجيء مناسبة أخرى لهذا في ج 3 باب العطف عند الكلام على العطف بالواو".

تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه كان له وفر1 يريد: ويفقأ عينيه؛ لأن الجدع في اللغة خاص بالأنف، فلا يكون للعينين2 ...

_ 1 الوفر الزيادة، والبيت يذم حقودًا بأنه يحزن لنعمة تبدو على جاره أو صاحبه، ويتألم كمن جدع أنفه، أو فقئت عيناه. 2 وإلى شطر من هذه الحالة يشير ابن مالك قائلًا: والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في كل حالة يجوز فيها الأمران؛ "العطف والمعية"، لا بد أن يختلف المعنى فيكل أمر منهما؛ ذلك أن العطف يقتضي المشاركة الحتمية بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، من غير أن يقتضي المشاركة الزمنية الحتمية؛ فقد يقتضيها أو لا يقتضيها، في مثل: "آنسني محمود وصالح في السفر" لا بد أن يشترك الاثنان في معنى الفعل، وهو مؤانسة المتكلم، وأن تتناولهما المؤانسة؛ لأن العطف على نية تكرار العامل؛ فكأنك قلت: آنسني محمود، وآنسني صالح. لكن ليس من اللازم أن تكون هذه المؤانسة قد شملتهما، وشملت معهما المتكلم في زمن واحد؛ فقد تكون في وقت واحد أو لا تكون1، والأمر في هذه المشاركة الزمنية وعدمها، متروك للقرائن والدلائل. أما المفعول معه فلا بد فيه من المشاركة الزمنية الحتمية، أما المشاركة في معنى الفعل فقد يقتضيها أو لا يقتضيها2؛ ففي مثل: سافر الرحالة والصحراء، تتعين المشاركة الزمنية وحدها دون المعنوية؛ فإنها تفسد المعنى؛ لأن الصحراء لا تسافر ... كما سبق 3 وفي مثل: سار القائد والجنود، تصح المشاركة المعنوية مع المشاركة الزمنية المحتومة، فجواز الأمرين في كل حالة يجوز فيها أمران ليس معناه أن المراد منهما واحد، وإنما معناه أن هذا الضبط صحيح إن أردت المعنى المعين المختص به، وأن ذاك الضبط صحيح أيضا إن أردت المعنى المختص به كذلك: وإن شئت فقل: إن كل ضبط صحيح منهما لا بد أن يؤدي إلى معنى يخالف ما يؤديه الضبط الآخر. ب– قد يقتضي المقام ذكر أنواع مختلفة من المفاعيل، وفي هذه الحالة يحسن ترتيبها بتقديم المفعول المطلق، فالمفعول به الذي تعدى إليه العامل مباشرة. فالمفعول به الذي تعدى إليه العامل بمعونة حرف جر، فالظرف الزماني، فالمكاني، فالمفعول له، فالمفعول معه، وهذا الترتيب هو ما ارتضاء كثير من النحاة، والحق أن الذي يجب مراعاته عند الترتيب هو تقديم ما له الأهمية.

_ 1 كما سبق في رقم 1 من هامش ص 312. 2 كما سبق في ص 305. 3 في ص 312.

المسألة 81: الاستثناء

المسألة 81: الاستثناء مدخل ... المسألة 81: الاستثناء 1 تمهيد: يتردد في هذا الباب كثير من المصطلحات الخاصة به، والتي لا بد من معرفة مدلولاتها قبل الدخول في مسائله وأحكامه؛ ليمكن فهم المراد، ومن تلك المصطلحات: المستثنى منه، المستثنى، أداة الاستثناء، التام، الموجب، المفرغ، المتصل، المنقطع، ... وفيما يلي بيانها. أ- "المستثنى منه - المستثنى - أداة الاستثناء". هذه الثلاثة تنكشف مدلولاتها على أكمل وجه إذا عرفنا أن أسلوب الاستثناء في أكثر حالاته، هو أسلوب أهل الحساب في عملية: "الطرح"، فالذي يقول: أنفقت من المال مائة إلا عشرة، إنما يعبر عما يقول أهل الحساب: "أنفقت" 100-10"، والذي يقول: اشتريت تسعة كتب إلا اثنين؛ إنما يعبر عن قولهم: اشتريت "9-2" ... وهكذا ... والتعبير الحسابي السالف وأمثاله يشتمل على ثلاثة أركان مهمة؛ هي: "المطروح منه"؛ "مثل 100 ومثل 9 ... وأشباههما ... " "المطروح"؛ "مثل 10 ومثل 2 ... " و "علامة الطرح"، ويرمزون لها بشرطة أفقية قصيرة: "_". ولهذه المصطلحات الحسابية الثلاثة ما يقابلها تمامًا في الأسلوب الاستثنائي؛ ولكن بأسماء أخرى اصطلاحية، فالمطروح منه يقابله: "المستثنى منه"، والمطروح يقابله: "المستثنى"، وعلامة الطرح يقابلها أداة الاستثناء وهي: "إلا"، أو إحدى أخواتها، أي ثلاثة إزاء ثلاثة. ولما كانت عملية الطرح بمصلطحاتها شائعة واضحة، بل أولية كان ربط

_ 1 المراد به هنا الاستثناء في اصطلاح النحاة؛ فله تعريف خاص عندهم، وأدوات وأحكام نحوية يتميز بها، ومن الممكن تأدية المعنى الاستثنائي بوسائل متنوعة، تخالف الاستثناء النحوي الاصطلاحي، ولكنها لا تسمى: "استثناء" في اصطلاحهم، لعدم انطباق تعريفه وأحكامه عليها.

أسلوب الاستثناء بها عند شرحه وتبيينه كفيلًا بإيضاح مصطلحاته الثلاثة السالفة، ومعرفة مدلولاتها في سهولة، واستقرار1، معرفة توصلنا إلى المعنى المقصود من الجملة كلها. وفي ضوء هذا نستطيع أن نفهم قول النحاة في تعريف الاستثناء الاصطلاحي: "إنه الإخراج "بإلا" أو إحدى أخواتها لما كان داخلًا في الحكم السابق عليها"2، فليس هذا الإخراج إلا "الطرح"؛ بإسقاط ما بعدها من المعنى الذي قبلها، ومخالفته للمتقدم عليها فيما تقرر من أمر مثبت أو منفي ... ب– الاستثناء التام: ما كان فيه المستثنى منه مذكورًا؛ كالأمثلة السالفة، ومثل: ركب الطائرة عشرين ساعة إلا خمسة، وكان معي زملائي إلا ثلاثة، فكلمة "عشرين" هي المستثنى منه، وكذا كلمة: "زملاء" وبسبب وجود كل منهما في الكلام سمي الاستثناء: "تامًا". ج- الاستثناء الموجب، وغير الموجب: فالأول: ما كانت جملته خالية من النفي3؛ وشبهه "وشبه النفي هنا: النهي؛ والاستفهام الذي يتضمن معنى النفي4" كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر:

_ 1 أي: بقائه مفهومًا. 2 وهذا يشمل "الدخول الحقيقي"؛ كالأمثلة السالفة، "والدخول التقديري" الملاحظ في النفس كالمفرغ؛ وكالمستثنى المنقطع، وسيجيء إيضاحهما في ص 317 و 318 و 322 و 334؛ فإنهما لا يدخلان في الحكم السابق حقيقة، وإنما يندمجان فيه تقديرًا. 3 النفي الصريح: ما كان بإحدى الكلمات الخاصة الموضوعة له "مثل: ما، لا، ليس ... و ... "، وإلا فهو غير صريح، كالأنواع التالية. 4 وهذا يشمل أنواعًا؛ منها الاستفهام الإنكاري: "ويسمى أيضًا: الإبطالي" ويعرفونه بأنه الذي يسأل به عن شيء غير واقع، ولا يمكن أن يحصل، فمدعيه كاذب، وهذا النوع يتضمن معنى النفي؛ لأن أداة الاستفهام فيه بمنزلة أداة النفي في أن الكلام الذي تدخل عليه منفي المعنى؛ نحو قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} ؟. راجع المغني ج 1 عند الكلام على الهمزة، وكذلك حاشية الأمير عليه عند الكلام على: "أم". ومنها: الاستفهام التوبيخي؛ وهو: ما يسأل به عن أمر حاصل واقع، ومن يدعي وجوده يكون صادقًا في إخباره عن أمر موجود ذميم، وفاعله ملوم يستحق التوبيخ بسببه؛ مل قولنا للأوصياء: أتأكلون أموال اليتامى بالباطل؟ وفي الجزء الثاني من "المغني" عند الكلام على: "هل" أن أنواع الإنكار ثلاثة؛ منها النوعان السالفان، أما الثالث فمعناه النفي المجرد، والسلب المحض، بحيث يمكن وضع أداة النفي مكان أداة الاستفهام فلا يتغير المعنى، والأكثر أن تكون أداة الاستفهام هي: "هل" نحو: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

قد يهون العمر إلا ساعة ... وتهون الأرض إلا موضعًا والثاني: ما كانت جملته مشتملة على نفي أو شبهة؛ نحو: ما تأخر المدعوون للحقل إلا واحدًا هل تأخر المدعون إلا واحدًا1؟. ومن النفي ما هو معنوي "يفهم من المعنى اللغوي للكلمة، دون وجود لفظ من ألفاظ النفي"، مثل: "يأبى الله إلا أن يتم نوره"، فمعنى "يأبى": لا يريد، ومثل: "قل رجل يقول ذلك"، معنى: "قل" في هذا الأسلوب المسموع، هو: النفي: أي: لا رجل يقول ذلك. أما "لو" في مثل: لو حضر الضيوف إلا واحدًا، لأكرمتهم فإنه نفي ضمني غير مقصود، فلا ينظر إليه من هذه الناحية، فكأنه غير موجود. د – الاستثناء المفرغ2، هو: ما حذف من جملته المستثنى منه، والكلام غير موجب، فلا بد من الأمرين معًا3 نحو: ما تكلم ... إلا واحد ما شاهدت ... إلا واحدًا، ما ذهبت ... إلا لواحد، والأصل مثلًا قبل الحذف: ما تكلم الناس إلا واحدًا ما شاهدت الناس إلا واحدًا، ما ذهبت للناس إلا واحدًا4، ثم حذف المستثنى منه؛ فوقع لتغيير بسبب حذفه كالذي في قول الشاعر: لا يكتم السر إلا كل ذي شرف ... والسر عند كرام الناس مكتوم والأصل: لا يكتم الناس السر إلا كل ذي شرف ... و ...

_ 1 من النحاة من يرى أن هذا النوع لا تستخدم فيه أدوات الاستثناء الفعلية، إذا كان تامًا، متفصلًا، ورأيه ضعيف يجب إهماله؛ أخذًا بصريح ما جاء في المفصل ج 2 ص 77 و78، وفي الخضري والصبان، وسيجيء هذا في رقم 1 من هامش ص 353. 2 انظر رقم 2 من هامش ص 316 أما سبب التسمية ففي ص 322. 3 و3 ومن القليل الذي لا يلتفت إليه وقوع التفريغ في الإيجاب، إذا كان المحذوف فضلة حصلت مع حذفه فائدة، لكن هذه القلة لا اعتبار لها، ويجب إهمالها كما نصوا على ذلك راجع الصبان. 4 يوضح هذا المثال ما يجيء في رقم 4 من هامش ص 322.

فالاستثناء المفرغ يقتضي أمرين مجتمعين حتمًا: أن يكون الكلام غير تام وغير موجب، وهذا أمر يجب التنبه له، وإلى أن أداة الاستثناء الفعلية لا يصح استخدامها فيه؛ لأنها لا تستخدم إلا في الاستثناء التام المتصل1. هـ الاستثناء المتصل والمنقطع: فالأول: ما كان فيه المستثنى بعضًا 2 من المستثنى منه؛ نحو: سقيت الأشجار إلا شجرة فحص الطبيب الجسم إلا اليد. والثاني: ما لم يكن فيه المستثنى بعضًا من المستثنى منه؛ نحو: حضر الضيوف إلا سياراتهم، اكتمل الطلاب إلا الكتب، ومثل قوله تعالى عن أهل الجنة: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلامًا} فاللغو هو: رديء الكلام وقبيحه، والسلام ليس بعضًا منه، وكذلك قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً} . وليس معنى انقطاعه أنه لا صلة له بالمستثنى منه، ولا علاقة تربطهما ارتباطًا معنويًا؛ فهذا خطأ بالغ لا يكون في أسالب الاستثناء مطلقًا؛ وإنما معناه انقطاع صلة "البعضية" بينهما؛ الصلة على الوجه السالف لا بد أن يكون هناك نوع اتصال معنوي يربط بينهما، ولهذا تؤدي أداة الاستثناء فيه معنى الحرف: "لكن"، "ساكن النون أو مشددها" الذي يفيد الابتداء والاستدراك معًا3؛ وبالرغم من إفادته الابتداء والاستدراك معًا لا يقطع الصلة

_ 1 انظر ص 353 ورقم 1 من هامشها وقد ورد النص الخاص بمنع استخدام أداة الاستثناء الفعلية في غير التام المتصل في حاشية الخضري، والجزء الثاني من الصبان عند الكلام على الأدوات الفعلية، وكذا المفصل ج 2 ص 77. 2 لهذا صورتان؛ الأولى: أن يكون المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد المتماثلة؛ نحو: تناولت الكتب إلا كتابًا، فالمستثنى منه وهو الكتب متعدد الأفراد، والمستثنى واحد منها. الثانية: أن يكون المستثنى منه فردًا واحدًا ولكنه ذو أجزاء، والمستثنى جزء من تلك الأجزاء؛ مثل: غطيت الجسم إلا الوجه، وفي الحالتين يكون ما بعد "إلا" مخالفًا فيا لمعنى لما قبلها. ولا مانع في الرأي الأحسن أن يكون المستثنى المتصل جملة، وسيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص 330، ورقم 3 من هامش ص 332. 3 راجع "و" من ص 332 الزيادة والتفصيل.

المعنوية بين ما بعده وما قبله، ومن ثم كان من المحتوم في كل "استثناء منقطع" صحة وقوع الحرف: "لكن" الساكن النون، أو مشددها موقع أداة الاستثناء فيه مع استقامة المعنى1. ولا يجوز في الاستثناء المنقطع أن تكون أداته فعلًا؛ لأن هذه الأداة الفعلية لا تستخدم إلا في التام المتصل، كما تقدم في "الصفحة السالفة". والآن نبدأ الكلام في أحوال الاستثناء، وأحكامه، وهي متعددة2 بتعدد أنواعه، وأدواته الثمانية التي منها الحرف المحض، والاسم المحض، والفعل المحض، وما يصلح فعلًا وحرفًا. الكلام على أحكام المستثنى الذي أداته حرف خالص، وهي: "إلا"3: أ- إذا كانت أداة الاستثناء هي "إلا"، ولم تكرر4 فللمستثنى بها ثلاثة أحكام: الأول: وجوب النصب في الأغلب5، بشرط أن يكون الكلام تامًا موجبًا6؛ سواء أكان "المستثنى" متأخرًا بعد "المستثنى منه"، أم متقدمًا7 عليه، وسواء أكان "متصلًا"، أم "منقطعًا"، فمتى تحقق الشرط كان النصب واجبًا في الأغلب5 وعامًا يشمل كل الأحوال، وعند الإعراب يقال: "إلا" حرف

_ 1 طبقًا للبيان الآتي في: "و" من ص 332. 2 هذا الباب من أكثر الأبواب تعدادًا في الأحكام، واختلافًا فيها، ومنها المردود والضعيف، وقد حاولنا جاهدين تصفيته مما يشوه الحقائق الناصعة. 3 ومثلها: "لما" التي تشبهها في الحرفية، وفي الدلالة على الاستثناء، وإفادته؛ "طبقًا للبيان الخالص بها في "أ" من "الزيادة" ص 327 وفي "د" من ص 361"، وهي غير "لما" الظرفية التي سبق الكلام عليها في ص 296، وتجيء لها إشارة في باب الإضافة، جـ 3 م 94 ص 81، وهما كذلك غير لما الجازمة التي سيجيء الكلام عليها في جـ 4 م 154 ص 314. و"إلا" التي للاستثناء كلمة واحدة، وليست مركبة، وهي حرف، وقد نترك الحرفية والاستثناء وتصير اسما محضا "كما سيجيء البيان في "ج" من ص 350" بخلاف: "إلا" التي في مثل: إلا تجامل زملاءك يكرهوك، فإنها مركبة من "إن" الشرطية المدغمة في: "لا" النافية. 4 أما المكررة فيجيء حكمها في ص 338. 5و 5 وهذا هو الشائع، وهناك رأي آخر لا يوجب النصب، سيجيء بيانه في "د" من ص 329. 6 سيجيء في شرط آخر في "هـ" من ص 331 هو ألا يكون المستثنى نكرة محضة ... و ... 7 في ص 327 و 328 أحكام خاصة بتقديم المستثنى، وبيان العامل الذي يعمل فيه النصب ...

استثناء، والمستثنى: منصوب على الاستثناء كالأمثلة الآتية، ولا بد أن تتقدم "إلا" على المستثنى في كل الحالات1، سواء أكان متقدمًا على المستثنى منه أم متأخرًا عنه: ... "امتلأت الجداول إلا جدولا كبيرا" ... ، "امتلأت - إلا جدولا كبيرًا - الجداول" ... "كتبت الرسائل إلا رسالة واحدة" ... ، "كتبت - إلا رسالة واحدة - الرسائل" ... "تمتعت بالصحف إلا صحيفة تافهة" ... ، "تمتعت - إلا صحيفة تافهة - بالصحف" ... "أعدت ملابس الرحلة إلا الحقائب" ... ، "أعدت - إلا الحقائق - ملابس الرحلة" ... "تناولت الطعام إلا الماء" ... ، " تناولت - إلا الماء - الطعام" ... "أضأت المصابيح إلا غرفة" ... ، "أضأت - إلا غرفة - المصابيح" الثاني: إما نصب "المستثنى" "والإعراب كالحالة السابقة"، وإما ضبطه على حسب حركة "المستثنى منه"، "فيكون مثله؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا"، ويعرف: "بدلًا"2، ولا بد من الحالتين أن يكون الكلام تامًا غير موجب3. ولا فرق بين المتصل والمنقطع 4، ومن الأمثلة: ما تخلف السابقون إلا واحدًا ... - أو: واحد. ما جهلت السباقين إلا واحدًا ... - أو: واحدًا5. هل تأخرت عن السياقين إلا واحدًا ... - أو: واحد.

_ 1 انظر ما يختص بهذا في "ب" من ص 327. 2 بدل بعض من كل، والمبدل منه هو المستثنى منه، والبدل هنا لا يحتاج لرابط؛ لأن وجود "إلا" يغني عنه؛ لدلالتها على أن ما بعدها بعض مما قبلها. كما صرح الصبان وغيره؛ وستجيء إشارة لهذا في البدل ج 3 ص 644. 3 إذا انتقض النفي بسبب وجود "إلا" المكررة لم يجز البدل، واقتصر الأمر على النصب وحده؛ نحو: ما شرب أحد شيئًا إلا الماء إلا محمودًا؛ لأن الكلام هنا بمنزلة المثبت؛ إذ معناه شربوا الماء إلا محمودًا. وفي "د" من ص 329 أمثلة مسموعة للبدل في كلام تام موجب، وفي "ز" من ص 334 الرأي في تعريفات البدل التي يعرضها النحاة. 4 في "و" من ص 332 أحوال وأحكام هامة تختص بالمقطع. 5 في هذا المثال نصبت كلمة: "واحدًا" في الصورتين، ولكن النصب في إحداهما على البدلية، وفي الأخرى على الاستثناء.

ويجوز أن يتقدم "المستثنى"1 وهو منصوب، على المستثنى منه مباشرة، ويبقى كل شيء كما كان، فلا يتغير الإعراب كالأمثلة الآتية: ما تخلف – إلا واحدًا – السابقون. ما جهلت إلا واحدًا – السابقين2. هل تأخرت إلا واحدًا – عن السباقين. أما لو تقدم وهو بدل في الأصل؛ فإن الأمر يتغير تغيرًا كليًا3، فيعرب "المستثنى" المتقدم على حسب حاجة الكلام قبله، ويزول عنه اسم المستثنى، كما يزول عن "المستثنى منه" المتأخر، اسمه ويعرف بدلًا من الاسم الذي تقدم، وتابعًا له في حركة إعرابه، تصير "إلا" ملغاة4، ومن الأمثلة: ما تخلف إلا واحد – السباقون. ما جهلت إلا واحدًا – السابقين5. هل تأخرت إلا عن واحد6 – السباقين. ففي مثل: ما تخلف – إلا واحد – السباقون ... تعرب كلمة "إلا" ملغاة. وتعرب كلمة: "واحد" فاعلًا للفعل: "تخلف" وتعرب كلمة: "السباقون" بدلًا منها7، بدل كل من كل، وهذا إعرابها في باقي الأمثلة المعروضة8.

_ 1 بشرط أن تتقدم معه "إلا" وتسبقه؛ لأن تقدمها عليه شرط عام في كل الحالات التي يتقدم فيها على المستثنى منه أو يتأخر عنه، كما أسلفنا، وكما يجيء في "ب" من الزيادة والتفصيل" ص 327. 2 سيذكر هذا المثال في الحالة التالية التي يتقدم فيها البدل؛ لأنه وأشباهه صالح للحالتين. 3 في هذه الحالة سيعتبر من القسم الثالث الآتي، وهو قسم: "المفرغ". 4 لأن ما بعدها يكون خاضعًا في إعرابه لحاجة ما قبلها؛ فكأنها غير موجودة لكنها من ناحية المعنى تفيد استثناء ما بعدها من حكم ما قبلها. 5 هذا المثال لا يتعين فيه التفريغ عند تقديم البدل المنصوب؛ إذ يصح كما قلنا في رقم 2 من هذا الهامش اعتبار الكلام تامًا غير موجب تقدم فيه المستثنى المنصوب الذي ليس بدلًا؛ ويكون حكمه حكم الأمثلة التي قبل هذا مباشرة. 6 ما يأتي في رقم 4 من هامش ص 322 يوضح أصل هذا المثال، وما جرى فيه. 7 البدل هنا: بدل كل من كل؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص؛ فصح لذلك أبداله من المستثنى الذي تقدم، وكان قبل تقدمه بدل بعض كما سبق في رقم 2 من هامش ص 320، فانقلب المتبوع تابعًا، كما في قولهم: ما مررت بمثلك أحد. 8 إلا المثال الثاني فلا يتعين فيه التفريغ لما سبق في رقم 5.

الثالث: أن يعرف ما بعد "إلا" على حسب العوامل قبلها؛ بشرط أن يكون الكلام "مفرغًا"1، وهذه الصورة لا تعد من صور الاستثناء؛ لعدم وجود المستثنى منه2، لهذا تعرب "إلا" ملغاة، ويعرب ما بعدها فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولًا، أو خبرًا، أو غير ذلك على حسب السياق ... فكأن كلمة: "إلا" غير موجودة من هذه الناحية الإعرابية3 فقط، دون المعنوية ويسمون الكلام: "مفرغًا"؛ لأن ما قبل "إلا" تفرغ للعمل الإعرابي فيما بعدها، ولم يشتغل بالعمل في غيره، ومن الأمثلة: ما أخطأ إلا واحد متسرع ... - ما العدل إلا دعامة الحكم الصالح. ما سمعت إلا بلبلًا صداحًا ... - ليس العمل إلا سلاح الشريف. ما ذهبت إلا للنابغ4 ... - ما سعيت إلا في الخير. ونحو: يأبى الحر إلا العزة ... - يأبى الله إلا أن يتم نوره5.

_ 1 من التفريغ النوع الآتي من ص 326، وهو نوع دقيق يشبع في الأساليب العالية. 2 انظر البيان في رقم 2 من هامش ص 316. 3 لأن ما بعدها يكون خاضعًا في إعرابه لحاجة ما قبلها؛ فكأنها غير موجودة. لكنها من ناحية المعنى تفيد استثناء ما بعدها من حكم ما قبلها. 4 أصل الكلام: ما ذهبت لأحد إلا النابغ فلما حذف المستثنى منه وهو: أحد، بقيت لام الجر منفردة تحتاج لشيء بعدها تتصل به، وتجره؛ إذ لا يمكن أن تستقل بنفسها؛ فتأخرت إلى ما بعد "إلا" ولتجره؛ لأنه خاضع في إعرابه لما قبلها، ولا يمكن تقديمه وحده دون "إلا". وهذا التفسير هو الذي أحلنا عليه في رقم 6 من هامش الصفحة السابقة رقم 2 من هامش ص 217". ومثل هذا في التفريغ قول الشاعر: لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء، أو من قلة الأدب يريد: لا يكذب المرء من شيء إلا من مهانته ... 5 الكلام هنا مفرغ؛ لأن المستثنى منه محذوف، ولوجود نفي معنوي في كلمة "يأبى"؛ لأن معناها دائمًا هو: لا يريد كما سبق، في ص 317 "هذا تأويلهم، وفيه مجال للتوقف والرفض". وجاء في المغنى ج 2 الباب الثامن ما نصه في القاعدة السادسة: وقع الاستثناء المفرغ في الإيجاب في نحو قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} وقوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ... لما كان المعنى: وأنها لا تسهل إلا على الخاشعين ... ولا يريد الله إلا أن يتم نوره". ا. هـ.

وأصل الكلام مثلًا قبل حذف المستثنى منه: ... ما أخطأ المتكلمون إلا واحدًا متسرعًا ... - أو: واحد متسرع. ... ما العدل دعامة الحكم الصالح ... - أو: دعامة الحكم الصالح. ... ما سمعت طيورًا مغردة إلا بلبلًا صداحًا ... - أو: بلبلًا صداحًا. ... ليس العمل سلاحًا إلا سلاح الشريف ... - أو: سلاح الشريف. ... ما ذهبت لحد إلا النابغ ... - أو: النابغ. ... ما سعيت في أمر إلا الخير ... - أو: الخير. ... يأبى الحر كل شيء، إلا العزة ... - أو: العزة. ... يأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره ... - أو: إتمام ... فالكلام في أصله كلام تام غير موجب، يجوز فيه الأمران السالفان؛ إما النصب على الاستثناء، وإما الاتباع على البدلية، فلما حذف المستثنى منه صار الكلام نوعًا جديدًا؛ هو: المفرغ1، وصار له حكم جديد خاص، تبعًا لذلك ...

_ 1 يجوز التفريغ لجميع المعمولات، إلا المفعول معه، والمصدر المؤكد لعامله. وكذا الحال المؤكد لعامله؛ فلا يقال: ما سرت إلا والأشجار، ما زرعت إلا زرعًا، لا تعمل إلا عاملا. وسبب المنع وقوع التناقض بذكر المعنى مثبتًا أو منفيًا قبل: "إلا" ثم مخالفته بعد: "إلا" وأما قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً} ، فالقرائن تدل على أن المراد: إن نظن إلا ظننًا عظيمًا، فهو بسبب القرينة مصدر مبين للنوع، وليس مؤكدّا. ويجوز أن يقع "التفريغ" في غير ما سبق منعه؛ فمن التفريغ للمبتدأ قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} ، ومن التفريغ للفاعل قول الشاعر: ما المجد زخرف أقوال تطالعه ... لا يدرك المجد إلا كل فعال وللظرف قول الشاعر: لم يضحك الورد إلا حين أعجبه ... حين الرياض، وصوت الطائر الغرد وللجار مع مجروره قول الشاعر: يمدح الخليفة باحتمال التعب لراحة الرعية: بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلا على جسر من التعب وقول الآخر: ما القرب إلا لمن صحت مودته ... ولم يخنك، وليس القرب للنسب وللنعت بالجملة قول الشاعر: وافيت منزله: فلم أر صاحبًا ... إلا تلقاني بوجه ضاحك ثم انظر "أ" الآتية في "الزيادة والتفصيل" ص 326 حيث النوع من التفريغ المشتمل على جملة فعلية قسمية ... ويشبع في الأساليب الأدبية المسموعة، وهو نوع يخالف ما سبق.

ويمكن تلخيص كل ما تقدم من أحكام المستثنى بـ"إلا" الواحدة1 فيما يأتي: أ- النصب صحيح في جميع أحوال المستثنى "بإلا" التي لم تتكرر، ما عدا حالة: "التفريغ"؛ فإن المستثنى يعرب فيها على حسب حاجة الجملة، وتعرف "إلا" ملغاة. ب– يزاد على النصب "البدلية" حين يكون الكلام "تامًا" غير موجب، بشرط ألا يتقدم المستثنى على المستثنى منه مباشرة؛ فإن تقدم وهو منصوب بقي على حاله منصوبًا على الاستثناء، وإن تقدم وهو "بدل" تغير الأمر؛ فزال اسم المستثنى عنه، وصار معربًا على حسب حاجة الجملة؛ لأن الكلام يصير: "مفرغًا" أما المستثنى منه الذي تأخر فيزول عنه اسمه أيضًا، ويعرب "بدل كل من كل" من المستثنى الذي تقدم وتغير حاله2.

_ ثم انظر "أ" الآتية في "الزيادة والتفصيل" ص 326 حيث النوع من التفريغ المشتمل على جملة فعلية قسمية ... ويشبع في الأساليب الأدبية المسموعة، وهو نوع يخالف ما سبق. 1 أي: التي لم تتكرر. 2 وفيما سبق من الأحوال الثلاثة وأحكامها يقول ابن مالك: ما استثنت "ألا" مع تمام ينتصب ... وبعد نفي أو كنفي انتخب: اتباع ما اتصل، وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع يريد: ما استثنته "إلا" أي: كانت أداة استثنائية وكان تمامًا، فإنه ينصب، ولم يذكر الإيجاب مع شرط التمام؛ لأنه مفهوم من المقابلة الواردة في الشطر الثاني من البيت، حيث نص على أنه بعد النفي وشبه النفي يكون المختار هو الاتباع مع المستثنى المتصل، والنصب وحده مع المنقطع، إلا عند تميم فإنهم يجوزون في المنقطع الإبدال أيضًا، ففهم من هذا أن الأول لا بد أن يكون موجبًا، وهذه تفريعات لا داعي لها؛ والحكم المستصفى يتلخص فيما قلناه من أن المستثنى التام في الكلام الموجب ينصب في جميع صوره، وأن المستثنى في الكلام التام غير الموجب يجوز فيه أمران: النصب، والإبدال، ولا أهمية لكثرة أحد الأمرين على الآخر كثرة نسبية "أي: بالنسبة لذلك الآخر، بحيث لا تنزل القلة إلى حد القلة الذاتية" أو لاستعمال قبيلة دون الأخرى، ما دام الضبط صحيحًا وكثيرًا في نفسه، دون أن تكون قلته ذاتية. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم عرض بعد ذلك لحالة المستثنى المتقدم حين يكون الكلام تامًا غير موجب، فبين أن غير النصب هو: "البدل" قد يجوز، ولكن النصب هو المختار، فالأمران جائزان قياسيان، ولكن أحدهما أكثر في الاستعمال في الآخر كثرة نسبية؛ يقول: وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي، ولكن نصبه اختر إن ورد ثم انتقل الكلام على الاستثناء المفرغ، فقال: وإن يفرغ سابق "إلا" لما ... بعد يكن كما لو ألا عدما أي: إذا كان الكلام قبل إلا مفرغًا "متجهًا للعمل فيما بعدها"، فإن تأثيره فيما بعدها يقوم على افتراض أنها غير موجودة، وعلى هذا الفرض نضبط ما بعدها؛ فقد يكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبر أو غيره ... على حسب حاجة ما قبلها. لكن ما إعراب عراب: " كما لو ألا...." في البيت الأخير؟ وكذا في البيت الآتي في ص 342 حيث يقول هناك: كما لو كان دون زائد"؟ قال الصبان في الموضعين، وكذا الخضري فيهما: "إن: "ما" مصدرية، و"لو" زائدة، أو العكس". ا. هـ. وهذا يؤيد المذهب الكوفي الذي لا يرى في الأسماء حرجًا، وجاء في الصبان ج 3، باب: "الترخيم" عند بيت ابن مالك: واجعله إن لم تنو محذوفًا كما ... لو كان بالآخر وضعًا تممًا.... ما نصه: "الظاهر: أن: "ما" في قوله: "كما" زائدة، و"لو" مصدرية، والتقدير: ككونه متممًا بالآخر في الوضع، إنما كان هذا هو الظاهر مع أن الحقيقي يجعله مزيدًا هو الثاني دون الأول، لوقوعه في مركزه، لكثرة زيادة "ما" بخلاف: "لو". ا. هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يتردد في فصيح الأساليب الواردة أسلوب مطرد1، يحوي نوعًا آخر من التفريغ، يخالف ما سبق ... وضابط هذا النوع: أن يكون الكلام مشتملًا على جملة قسمية، ظاهرها مثبت، لكن معناها منفي، وجواب القسم جملة فعلية ماضوية لفظًا، مستقبلة معنى، مصدرة "بإلا" نحو: سألتك بالله إلا نصرت المظلوم، ناشدتك الله إلا تركت الإساءة، حلفت بربي إلا عاونت الضعيف، وقول الشاعر: بالله ربك إلا قلت صادقة ... هل في لقائك للمشغوف من طمع فالاستثناء في الأمثلة السابقة ونظائرها مفرغ يقتضي أن يكون الكلام في معناه غير تام، وغير موجب، فالمراد: "ما سأتلك بالله ... إلا نصرك المظلوم" "ما ناشدتك الله ... إلا تركك الإساءة ... " "ما حلفت بربي ... إلا على معاونتك الضعيف"، "ما حلفت بالله ربك ... إلا على قولك صادقة ... " فقد اجتمع في الكلام الأمران معًا تقديرًا؛ "وهما عدم التمام، وعدم الإيجاب" واجتمع معهما أمر ثالث؛ هو: أن الفعل مع فاعله بعد "إلا" مؤول بمصدر منسبك بغير سابك، ليمكن إعراب هذا المصدر على حسب ما تحتاج إليه الجملة قبل "إلا" أي: على حسب ما يقتضيه "التفريغ"؛ تطبيقًا لحكم "الاستثناء المفرغ"، فيكون مفعولًا به في المثال الأول، "وهو: سأتلك بالله إلا نصرت المظلوم"، أي: ما سألتك بالله إلا نصرك المظلوم، ويكون شيئًا آخر غير مفعول به إذا اقتضى الكلام غيره؛ لعدم صلاحية المفعول به، ويجري هذا التأويل والسبك في بقية الأمثلة، وأشباهها مما يطرد صوغه على النمط الوارد الموافق للمأثور2.

_ 1 وهو الذي أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص 322، وانظر ما هو وثيق الصلة بهذا في: "د" من ص 361. 2 جاء في الدرر اللوامع، شرح همع الهوامع ج 2 ص 46 بمناسبة البيت السالف، وهو: "بالله ربك إلا قلت صادقة ... إلخ" ما ملخصه: أن البيت المذكور يذكر شاهدًا على تصدير جواب القسم بالحرف "إلا"، وأن التقدير فيه: أسألك بالله إلا قلت، والاستثناء مفرغ، والمعنى: ما أسألك إلا قولك، فالمثبت لفظًا، منفي معنى، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبهذه المناسبة تذكر "لما" التي سبقت الإشارة إليها1، وهي التي تماثل "إلا" في الحرفية، وفي الدلالة على الاستثناء، ولكنها لا تدخل إلا على جملة اسمية؛ كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، في قراءة من شدد الميم، واعتبر "إن" التي في صدر الجملة، نافية أو على جملة فعلية ماضوية لفظًا لا معنى؛ "بأن يكون الفعل ماضيًا في لفظه، مستقبلًا في معناه"، نحو: أنشدك الله لما فعلت، أي: أنشدك بالله، وأستحلفك به إلا فعلت، والمعنى: ما أسألك إلا فعلك؛ على تقدير: إلا أن تفعل كذا ... ؛ ليكون الفعل الماضي مستقبل الزمن؛ تطبيقًا لما تقرر من أن الماضي الذي يليها يكون ماضيًا في لفظه، مستقبلًا في معناه2 وسيجيء3 تفصيل الكلام على جواب القسم، وأنواعه، وأحكامه. ب نعود لذكر ما قرره النحاة خاصًا بتقديم المستثنى بالإ، قالوا: لا يصح مطلقًا تقديمه وحده عليها4، ولا يجوز أن يتقدم على المستثنى منه، وعلى عامله

_ = ليتأتى التفريغ، والفعل مع فاعله مؤول بالمصدر ليأتي فيه المفعولية ... فإن قام الاعتراض بأن تأويل الفعل مع فاعله بالمصدر من غير سابك هو تأويل شاذ غير قياسي، وأنه مقصور على ما ورد السماع به من مثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، كان دفع الاعتراض بأن تأويل الفعل بالمصدر من غير سابك أمر قياسي في بعض الحالات، كالتي نحن فيها، دون بعض؛ فيحكم عليه بالشذوذ في كل باب لم يطرد فيه السبك عن العرب، إما إذا اطرد السبك في باب واستمر فيه؛ فإنه لا يكون شاذًا؛ كالأساليب التي نحن بصددها حيث التزمت فيها العرب ذلك النسق، وكإضافة بعض أسماء الزمان إلى الجملة في مثل: جئت حين ركب الأمير، أي: في حين ركوب الأمير، وفي مثل قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ، أي: يوم نفع الصادقين ... فهذا وأمثاله مطرد، ومثل: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فإنك إذا نصبت "تشرب"، فإنما تنصبه بأن مضمرة؛ فيصير اسمًا معطوفًا في الظاهر على فعل، وهذا العطف ممتنع إلا عند التأويل؛ فيحتاج إلى أن تتصيد من الفعل "يأكل" مصدرًا من غير سابك كأن تقول مثلًا: لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن، ولا يعد هذا شاذًا، لاطراده في بابه، وكذلك مثل: سواء علي أقمت أم قعدت، أي: قيامك وقعودك، فهذا مؤول بالمصدر بدون أداة سبك؛ لاطراده في باب التسوية ... ا. هـ، الملخص. 1 في رقم 3 من هامش ص 319، وتجيء لها إشارة أيضًا في: "د" من ص 361. 2 راجع الأشموني والصبان ج 4 أول باب: "الجوازم" عند الكلام على: "لما" الجازمة. 3 في ص 498. 4 كما سبق في رقم 1 من هامش ص 321.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معًا؛ فلا يصح: إلا التفاح أكلت الفواكه، أما تقدمه على أحدهما وحده فجائز؛ وقد تقدمت1 الأمثلة لتقدمه على المستثنى منه دون العامل، وأما تقدمه على العامل وحده فنحو: الفواكه إلا التفاح أكلت، حيث تقدم المستثنى على عامله بعد أن سبقهما معًا المستثنى منه. وإذا كان المستثنى منه اسم موصول لم يجز تقديم المستثنى على الصلة؛ لأنه لا يصح الفصل بين الموصول وصلته بالمستثنى. وإذا كان للاسم الواقع بعد إلا مباشرة أو لغيره مما بعدها في جملتها معمول؛ فإنه لا يجوز تقديمه عليها؛ ففي مثل: ما أنا طالب علمًا لا يصح: ما أنا علمًا إلا طالب. وإذا كان قبلها عامل له معمول؛ فإنه لا يجوز تأخير هذا المعمول عنها؛ ففي مثل ما يجيد الناشئون الخطابة إلا الأديب أول مثل: ما يحرص على الأدب إلا الأديب ... لا يصح أن يقال: ما يجيد الناشئون إلا الأديب الخطابة ولا ما يحرص إلا الأديب على الأدب، وبعض النحاة يجيز تأخير هذا المعمول إذا كان شبه جملة، أو حالًا، ويؤيد رأيه بأمثلة كثيرة فصيحة تجعله مقبولًا؛ فيصح أن يقال: "يتكلم الخطباء، إلا المريض، واقفين ... " "يعترف الأجانب، إلا بعضهم، بعظمة العرب ... " "تتضافى النفوس، إلا الخبيثة، أمام الخطر". ويصح تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه؛ ففي مثل: ما كرمت الأمة المتحضرة إلا النابغين ... يصح أن يقال: ما كرمت الأمة إلا النابغين المتحضرة. جـ– تعددت الآراء في الناصب للمستثنى؛ "إلا" وقيل: العامل الذي قبلها بمساعدتها، وقيل: فعل محذوف تقديره: استثنى ... و ... ولا أثر لهذا الخلاف النظري في أحكام المستثنى، وضبطه: فالخير في إغفاله؛ اكتفاء بأن تقول في الإعراب: المستثنى منصوب على الاستثناء، ولعل أقوى الآراء أنه منصوب بالفعل قبلها، أو بغيره مما يعمل عمل الفعل2، إلا المستثنى المنقطع

_ 1 في ص 320 و 321. 2 فإن لم يوجد قبلها فعل أو غيره مما يعمل نحو: الزملاء أخوة إلا الغادر أمكن تأويله بما يعمل، أي: الزملاء منتسبون للأخوة إلا الغادر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعامله هو: "إلا" ونحن في غنى عن التعرض لأقواها وغيره إلا حين يعرض أمر يختص بالعامل وهذا قليل وعندئذ يرجع الفعل، أو ما يعمل عمله كالحالات السالفة التي يجوز فيها تقدم المستثنى على عامله أو عدم تقدمه. د– وردت أمثلة مسموعة وقع فيها المستثنى غير منصوب، مع أن الكلام تام موجب؛ ومنها قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُم} في قراءة كلمة: "قليل" بالرفع، ومنها: تغير المنزل إلا باب1 ومنها قوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة، إلا امرأة، أو مسافر، أو مريض"، وقوله أيضًا: "فتفرقوا كلهم إلا قتادة ... " ... و ... و ... وقد كلف النحاة أنفسهم عناء التأويل والتقدير؛ ليجلعوا الكلام تامًا غير موجب، فيصلوا من هذا إلى جواز البدل، وإلى أن الأمثلة مسايرة للقاعدة عندهم، فمما قالوه في الآية: إن نصها على لسان طالوت هو: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} ... {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} فمعنى: "شربوا منه": لم يكونوا مني ولا من أنصاري، فهي في تأويل كلام منفي في تقديرهم. وقالوا: في المثال الثاني وأشبابه: إن: "تغير" معناها لم يبق على حاله، فالكلام يتضمن نفيًا في المعنى ... كما عرضوا تأويلات أخرى لبقية الأمثلة الواردة. ولا شك أن كلامهم مردود، وتأويلهم بعيد، لسببين: أولهما: أن كل كلام مثبت لا بد له من نقيض غير مثبت، ويستحيل الحكم على شيء بالإثبات دون أن يتصور العقل له ضدًا منفيًا؛ فمعنى "سكت الفتى: لم يتكلم، ومعنى لم يتكلم: سكت، ومعنى: "نام الرجل" لم يتيقظ، ومعنى "تيقظ": ليس بنائم، ومعنى "تحرك الطفل": لم يسكن، ومعنى "سكن": لم يتحرك ... ومعنى "شرب": لم يفقد الماء ويظمأ، ومعنى "فقد الماء": ما شرب ...

_ 1 نص المثال المسموع، الوارد في "التصريح" هو: وبالصريمة منهم منزل خلق ... عاف تغير إلا النؤي والوتد وفي حاشية ياسين أمثلة متنوعة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و ... و ... ، وهكذا، فلو أخذنا برأيهم، وفتحنا باب التأويل على هذا النمط لم يبق في الكلام العربي أسلوب مقصور على "التمام مع الإيجاب" دون أن يصلح للنوع الثاني "وهو: التام غير الموجب"، وهذا غير مقبول. وثانيهما: وهو الأهم أن الآية والمثال وغيرها مما وقع فيه المستثنى غير منصوب في الكلام التام الموجب إنما ورد صحيحًا مطابقًا للغة بعض القبائل العربية، التي تجهل السلقية الكلام "التام الموجب، والتام غير الموجب" متماثلين في الحكم1؛ ويجوز فيهما: إما النصب على الاستثناء، وإما البدل من المستثنى منه، وإما الرفع على الابتداء 2 ... و ... فلا معنى للتأويل بقصد إخضاع لغة قبيلة للغة نظيرتها3.

_ 1 وقد ورد النص على هذا في كثير من المراجع النحوية، ومنها: حاشية ياسين على "التصريح، شرح التوضيح"، ففيها البيان والأمثلة من القرآن والحديث وغيرهما مما سرده في أول "الاستثناء"، وكذا الصبان. 2 من يرفع الاسم بعد: "إلا" في الكلام التام الموجب فعلى اعتبار ذلك الاسم عنده مبتدأ، خبره مذكور أو محذوف، ويجعل المستثنى حينئذ هو الجملة في محل نصب على الاستثناء، ويجري هذا في المتصل والمنقطع. راجع الصبان، أول باب الاستثناء، وكذلك حاشية "الأمير" على المغني ج2، بعد الجملة السابعة من باب الجمل التي لها محل من الإعراب؛ حيث الأمثلة المتعددة الواردة برفع المستثنى في الكلام التام الموجب والتي لا تحتمل تأويلًا، وحيث النص الصريح من كلام ابن مالك وغيره بأن النصب جائز لا واجب، مؤيدًا رأيه بالشواهد الفصيحة المتنوعة التي سردها، "وانظر رقم 3 من هامش ص 332". والخير في ترك هذه اللغات القليلة؛ بالرغم من أنها صحيحة قياسية. 3 ومما يتصل بهذا ويفيد عرضه هنا ما جاء في تفسير البحر المحيط" ج 2 ص 266 لأبي حيان: "للآية الكريمة: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُم} .... ونص كلامه: " ... وقرأ عبد الله، وأبي، والأعمش، "إلا قليلٌ" بالرفع، قال: الزمخشري: " وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض من اللفظ جانبًا، وهو باب جليل من علم العربية، فلما كان معنى: فشربوا منه" في معنى: فلم يطيعوه، حمل عليه؛ كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا "قليل"، ونحوه قول الفرزدق: "وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتًا أو مجلف - المسحت: القليل، والمجلف: من ذهبت الشدائد والسنون بماله، أو من تركت له بقية ضئيلة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان التأويل على هذا النمط معيبا، وواجبنا الفرار منه جهد استطاعتنا، فإن الأنسب لنا اليوم أن نتخير عند الضبط اللغة الضاربة في الفصاحة، الشائعة بين اللغات المتعددة؛ لنقتصر عليها في استعمالنا تاركين غيرها من اللغات واللهجات القليلة، توحيدًا للتفاهم، وفرارًا من البلبلة الناشئة من تعدد اللهجات واللغات بغير حاجة ماسة؛ فعلينا أن نعرف تلك اللغات في مناسباتها، ويستعين بها المتخصصون على فهم النصوص الواردة بها، دون محاكاتها في الضبط، أو القياس عليها كما أشرنا لهذا كثيرًا على الرغم من أنها صحيحة يجوز محاكاتها1. هـ- إذا كان الكلام تامًًا موجبًا 2، فلا يكون المستثنى منه في الفصيح

_ = "كأنه قال: لم يسبق من المال إلا مسحت أو مجلف". ا. هـ، كلام الزمخشري. "والمعنى: أن هذا الموجب الذي هو "فشربوا منه" هو في معنى النفي؛ كأنه "قيل: فلم يطيعوه؛ إلا قليل فارتفع "قليل" على هذا المعنى؛ ولو لم يحفظ فيه معنى النفي لم يكن ليرتفع ما بعد إلا، فيظهر أن ارتفاعه هو على أنه بدل من جهة" المعنى، فالموجب فيه كالنفي. وما ذهب إليه الزمخشري من أنه ارتفع ما بعد "إلا" على التأويل هنا دليل على أنه لم يحفظ الاتباع بعد الموجب؛ فلذلك تأوله. "ونقول: إذا تقدم موجب جاز في الذي بعد إلا وجهان، أحدهما: النصب على الاستثناء، وهو الأفصح والثاني: أن يكون ما بعد إلا تابعًا لإعراب المستثنى منه؛ إن رفعا فرفع، أو نصبًا فنصب، أو جرا فجر؛ فنقول: قام القوم إلا زيد، ورأيت القوم إلا زيدًا، ومررت بالقوم إلا زيد، وسواء أكان ما قبل إلا مظهر أو مضمرًا، واختلفوا في إعرابه؛ "فقيل: هو كذا ... أو كذا ... وسرد آراء مختلفة ... "، ثم قال بعدها: "ومن الاتباع بعد الموجب قوله: "وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان ا. هـ، النص المنقول حرفيًا من تفسير أبي حيان. 1 لأن كل قراءة صحيحة قرئ بها القرآن يصح محاكاتها في غيره، والقياس عليها، وكذلك كل لغة سليمة لإحدى القبائل؛ كما نص على هذا الأئمة، وعرضنا له بأدلته وتفاصيله في بحث مستفيض؛ عنوانه "القياس"، بكتابنا المسمى: "اللغة والنحو بين القديم والحديث". 2 راجع في الحكم الآتي كتاب: همع الهوامع ج 1 ص 323 أول باب الاستثناء، "وفي رقم 6 من هامش ص 321، إشارة لما يأتي. ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكرة، إلا إن أفادت 1 فلا يقال: جاء قوم إلا رجلًا، ولا قام رجال إلا محمدًا، لعدم الفائدة، بسبب أن النكرة محضة، فإن أفادت جاز؛ نحو قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} ، وقام رجال كانوا في بيتك إلا واحدًا منهم، أما الكلام التام غير الموجب فالفائدة تحقق فيه بالنفي وشبهه؛ لدلالة النكرة معه غالبًا على العموم نحو: ما جاءنا أحد إلا رجلًا، أو إلا عليًا ... كذلك لا يكون المستثنى منه معرفة، والمستثنى نكرة لم تخصص؛ فلا يقال: قام القوم إلا رجلًا: فإن تخصصت جاز؛ نحو: خرج القوم إلا رجلًا منهم، أو: إلا رجلًا حارسًا.... و– عرفنا 2 أن المستثنى المنقطع ليس بعضا من المستثنى منه، فليس فردًا من أفراد نوعه، وليس جزءًا من أجزاء الفرد؛ كما سبق 2 فكيف يكون مستثنى وبينه وبين المستثنى منه هذا التخالف والتباين؟ كيف يكون المطروح مباينًا جنس المطروح منه؟. قال النحاة: 1– إن كان المستثنى المنقطع جملة 3؛ مثل قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} ، {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ، {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ

_ 1 إفادتها تكون بزيادة تطرأ عليها؛ كوصف، أو إضافة، أو غيرها مما يفيدها تخصيصًا، ولا يتركها على حالها محضة التنكير. 2و 2 في "هـ" من ص 318، ورقم 2 من هامشها. 3 يجوز وقوع المستثنى المنقطع جملة بنوعيها، ويكون لها محل من الإعراب كما سبق في رقم 2 من هامش ص 330، ولا داعي لاشتراط: "أن يكون الاستثناء مفرغًا، وأن يكون الفعل إما مضارعًا، وأما ماضيًا مسبوقًا بقد، أو بماض قبل "إلا"، فهذا الذي نص عليه "ياسين" في حاشيته على "التصريح" عند الكلام على: "غير" التي للاستثناء خالفه فيه الأكثرون، ولعله غالب، لا شرط لازم؛ كما سيجيء في "ب" من ص 349"، فإن كان المستثنى متصلًا جاز في القول الصحيح وقوعه جملة، برغم ما في حاشية ياسين جـ 1، الباب الخامس من أبواب النيابة، عند الكلام على جر الممنوع من الصرف بالكسرة لإضافته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ... } أعربت هذه الجملة 1، في موضع نصب على الاستثناء، و"إلا" أداة استثناء حرف؛ بمعنى: "لكن" الساكنة النون، التي تفيد الاستدراك والابتداء 2 معًا، وتقتضي أن تسبقها جملة، وتدخل على جملة جديدة اسمية أو فعلية3، فهي متوسطة بين جملتين؛ فكأن التقدير؛ لست عليهم بمسيطر، لكن من تولى وكفر فيعذبه الله ... 2– إن كان المستثنى المنقطع مفردًا منصوبًا فأداة الاستثناء: "إلا" تكون عند أكثر النحاة بمعنى: لكن "المشددة النون" التي تفيد الابتداء2، والاستدراك، وتعمل عمل: "إن"، نحو: نام أصحاب البيت إلا عصفورًا مغردًا، فكلمة؛ "إلا" بمعنى: "لكن" المذكورة، التي تقتضي بعدها جملة اسمية الأصل تنصب فيها المبتدأ وترفع الخبر؛ سواء أكان خبرها مذكورًا أم محذوفًا، ولا بد على هذا الرأي من جملة اسمية بعدها، ولا بد من ذكر جملة أخرى قبلها، فكأن التقدير: نام أصحاب البيت لكن عصفورًا مغردًا يقظ، أو: لم ينم ... ويرى سيبويه أن المستثنى المنقطع المنصوب بعد "إلا" إنما هو منصوب بعامل قبلها، شأنه في هذا شأن المستثنى المتصل، فما بعد "إلا" عند سيبويه مفرد سواء أكان متصلًا أم منقطعًا، وهي بمعنى: "لكن" العاطفة التي لا يقع المعطوف بها إلا مفردًا، غير أن "إلا" ليست حرف عطف. والأخذ برأي سيبويه هنا في اعتبار عامل المستثنى المنقطع، أسهل وأيسر. 3– وإن كان المستثنى المنقطع مفردًا مرفوعًا؛ كما في حالة البدلية ...

_ 1 هي جملة اسمية، المبتدأ "من" اسم موصول بمعنى الذي، مبنى على السكون في محل رفع "تولى"، فعل ماض، الفاعل، ضمير مستتر تقدير: هو، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ... "فيعذبه"؛ الفاء، زائدة، داخلة على جملة الخبر، "يعذبه الله" جملة من مضارع وفاعله ومفعوله في محل رفع؛ خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب على الاستثناء. وقد سبق بيان المواضع التي تزاد فيها الفاء في الخبر، جـ 1 م 41 ص 487 آخر باب المبتدأ والخبر. 2و2 أي: الصدارة في الجملة التي تدخل عليها. 3 فهي تقتضي بعد الجملة السابقة عليها الدخول على جملة جديدة، زيادة على ما تفيده من الاستدراك، "وقد مر شرح الاستدراك وتفصيل أحكامه في جـ 1 ص 472 م 51".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند من يجيزها، والابتداء عند من لا يجيزها1 في نحو؛ ما سهر أصحاب البيت إلا عصفور مغرد كانت أداة الاستثناء "إلا" بمعنى: لكن "ساكنة النون"، فأصل التقدير، ما سهر أصحاب البيت لكن عصفور مغرد سهر. والسبب في تعدد هذه التقديرات كما يبدو هو إدخال كل ضبط من تلك الضبوط تحت قاعدة نحوية عامة، أما المعنى فلن يتغير في المستثنى، ولا المستثنى منه، ولا غيرهما، وسيظل المستثنى منصوبًا على الاستثناء إن كان جملة أو مفردًا منصوبًا، فإن كان مفردًا غير منصوب فهو بدل، ويجوز في الاسم المرفوع اعتباره مبتدأ خبره مذكور أو محذوف، كما تقدم والجملة منصوبة على الاستثناء. بالرغم من أن المنقطع ليس بعضًا من المستثنى منه، فإنه لا يجوز أن يكون منقطع المناسبة والعلاقة بينه، وبين المستثنى منه انقطاعًا كليًا في المعتاد كما سبق 2، فلا يصح: أقبل الضيوف إلا ثعبانا، كذلك لا يصح أن يسبقه ما هو نص صريح في خروجه وفقد تلك العلاقة، فلا يجوز: صهلت الخيل إلا الإبل؛ لأن الصهيل نص قاطع في صوت الخيل وحدها؛ فلا صلة بين المستثنى والمستثنى منه مطلقًا؛ فيصير الكلام خلطًا وبترًا، بخلاف صوتت الخيل إلا الإبل. ز– تقدم، في الحكم الثاني3 أن المستثنى في الاكلام التام غير الموجب يجوز فيه النصب والبدل، ويقول النحاة في تفريع هذا البدل كلامًا مرهقًا غير مقبول، والخبر في إهماله؛ ومنه: إذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع، فمثل: ما جاءني من أحد إلا البائع ... لا يجوز إعراب "البائع" بدلًا مجرورًا من لفظ: "أحد"، لزعمهم أن كلمة: "أحد" مجرورة اللفظ بالحرف الزائد: "من" وهو حرف لا يزاد غالبًا إلا في كلام منفي؛ كالمثال السالف، وأن كلمة: "البائع" معناها مثبت؛ لأن الكلام الذي بعد "إلا" مناقض لما قبلها في النفي والإثبات، كما هو معروف فإذا كان معناها مثبتًا، فكيف تكون بدلًا من كلمة: "أحد" المنفية،

_ 1 راجع رقم2 من هامش ص 330. 2 في ص 318 "هـ". 3 ص320.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المجرورة لفظًا بالحرف الزائد، والبدل على نية تكرار العامل الذي يعمل في المبدل منه؟ فكأنهم يقولون: إن كلمة: "البائع" المجرورة ملحوظ قبلها في التقدير الحرف "من" الزائد الذي عمل الجر في المبدل منه "أحد"، ويترتب على هذا عندهم دخول "من" الزائدة الجارة في كلام مثبت بعد "إلا" وهي في الغالب لا تكون إلا في كلام منفي، كما سبق، وقرارًا من هذا الذي يرونه محظورًا منعوا البدل الجر من لفظة: "أحد"، وأجازوا البدل بالرفع من محلها: لأنها مجرورة بمن "لفظًا" وفي محل رفع فاعل للفعل: جاء، فالتقدير: جاء البائع. ومثل: ليس اللص بشيء إلا رجلًا تافهًا، فقالوا لا يجوز ضبط كلمة: "رجلًا" بالجر على اعتبارها بدلًا من كلمة: "شيء" المجرور لفظها؛ وإنما يجوز النصب على اعتبارها بدلًا من محل كلمة: "شيء"، وذلك للوهم السالف أيضًا؛ وهو أن المبدل منه، "وهو كلمة: شيء" مجرور بالباء الزائدة، وهذه الباء لا تزاد إلا في جملة منفية، والمستثنى "بإلا" مثبت بعد الكلام المنفي، فلو أبدلنا كلمة: "رجلًا" في كلمة: "شيء" المجرورة لكان هذا البدل مستلزمًا في التقدير وقوع الباء وهي العامل في المبدل منه قبل البدل أيضًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل؛ فيترتب على هذا دخول "باء" الجر الزائدة على مثبت؛ وهو عندهم ممنوع، فللفرار من هذا أبدلوا كلمة: "رجلًا" من كلمة: "شيء" مع مراعاة محلها، لا لفظها؛ لأن محلها النصب؛ فهي مجرورة لفظًا، منصوبة محلًا، باعتبارها خبر: "ليس"!!. ومثل: لا ساهر هنا إلا حارس، لا يجوز عندهم أن تكون كلمة: "حارس" بدلًا منصوبًا من محل كلمة: "ساهر" المبنية على الفتح لفظًا في محل نصب، وحجتهم أن كلمة: "ساهر" ... اسم "لا" واسم "لا" منفي، أما المستثنى هنا فموجب، لوقوعه بعد "إلا"، "وما بعدها مخالف لما قبلها نفيًا وإثباتًا، كما تقدم"، ولما كان العامل في المستثنى منه: هو "لا" النافية للجنس وجب عندهم أن تكون عاملة أيضًا في المستثنى؛ لأن العامل في الاثنين لا بد في الرأي المشهور أن يكون واحدًا، ثم يقولون: كيف تعمل "لا" في المستثنى الموجب، وهي لا تعمل إلا في منفي؟ وللفرار من هذا قالوا: إن البدل هو من محل اسم "لا"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل دخولها، وليس من محل اسمها بعد دخولها، فاسمها قبل دخولها كان مبتدأ1، فالبدل مرفوع مثله، ولا عمل للناسخ فيه إذ ذاك. ومثل: ما الخائن شيئًا إلا رجل حقير؛ فقد منعوا أن تكون كلمة: "رجل" بدلًا منصوبًا من كلمة: "شيئًا" المنصوبة، وحتموا أن تكون بدلًا مرفوعًا من كلمة: "شيئًا" باعتبار أصلها؛ فقد كانت خبرًا مرفوعًا للمبتدأ قبل مجيء "ما" الحجازية التي تعمل عمل: "ليس"، وسبب المنع أن المستثنى منه منفي، والمستثنى موجب، والعامل في الاثنين واحد؛ هو: "ما" الحجازية، فتكون "ما" الحجازية قد عملت في الموجب، وهي لا تعمل إلا في المنفي. ذلك رأيهم ودليلهم 2 في كل ما سبق من الأمثلة الممنوعة، وهو رأي غريب "إذا ما الحكمة كما قال بعض آخر من النحاة في ارتكاب هذا التكلف 3؟ مع أن القاعدة: "أنه يغتفر فيا لتابع ما لا يغتفر في المتبوع 4".

_ 1 يجوز في هذا المثال من الأوجه الإعرابية ما يجوز في أشباهه التي عرضوها في باب "لا" النافية للجنس آخر الجزء الأول ومنها: "لا إله إلا الله"، فقد جوزوا في كلمة: "الله" ما يأتي. أ– الرف على البدلية؛ مراعاة لمحل "لا مع اسمها؛ لأن محلهما رفع على الابتداء عند سيبويه. ب– أو: الرفع على البدلية مراعاة لمحل اسم "لا" باعتباره في الأصل مبتدأ مرفوعًا قبل دخول الناسخ. جـ– أو: الرفع على البدلية من الضمير المستتر في خبر "لا" المحذوف؛ فأصل الكلام لا إله موجود؛ أي: هو. د– أو: النصب على الاستثناء من هذا الضمير المستتر؛ لأن الجملة تامة غير موجبة؛ فيجوز في المستنثى أمران كما عرفنا: البدلية، أو: النصب على الاستثناء. 2 و2 راجع الأشموني، وحاشية الصبان ج 2 أول باب: "الاستثناء"، عند الكلام على البدل، في الكلام التام غير الموجب. 3 عرضنا صورًا من تطبيقه في آخر الجزء الثالث عند الموازنة بين عطف البيان وبدل الكل. 4 وقد يعبرون عن هذه القاعدة بتعبيرات مختلفة الألفاظ متحدة المعاني؛ منها: "يغتفر كثيرًا من الثواني ما لا يغتفر في الأوائل" كما في جاء في الصبان ج 2 في باب الإضافة، عند الكلام على: "أي"، ومنها: "يغتفر في الثواني ما لا يجوز في الأوائل" كما اء في الهمع ج 1 ص 215 عند الكلام على الظرف: "لدن" ومنها: "أنهم يتسامحون في الثواني، ويغتفرون في التوابع" كما جاء في حاشية الأمير على المغني، ج 1 عند الكلام على الحرف، "رب" وتنكير مجروره. انظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من هامش ص 69 وص 531.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثلوا له بقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، حيث لا يمكن تسليط العامل على المعطوف 1 فهلا جاز هنا في البدل الجر، أو النصب تبعًا للفظ المبدل منه على هذه القاعدة 2. وشيء آخر له الأهمية الأولى، ولا أعرف أنهم ذكروه؛ هو كلام العرب في مثل ما سبق، والمأثور من أساليبهم، أجاء خاليًا من اتباع المستثنى للفظ المستثنى منه، أم لم يجئ؟ وفي الحالتين لا يقوم دليل على المنع؛ لأن عدم المجيء ليس معناه التحريم، فالأمر السلبي لا يكفي في انتزاع حكم قاطع مخالف للمألوف في نظرائه التي يتبع فيها البدل حركة المبدل منه اللفظية، كما أن المجيء قاطع في الصحة. الحق أن هذا كله وأشباهه هو الجانب المعيب في: "نظرية العامل"؛ إذ يمنحه سلطانًا قويًا يتحكم به في صياغة الأسلوب، أو ضبطه، بغير سند يؤيده من فصيح الكلام، وقد سبق أن امتدحنا هذه النظرية البارعة التي لا تصدر إلا عن عبقرية، وذكاء لماح، وقلنا3: إنها لا عيب فيها إلا ما قد يشوبها في قليل من الأحيان من مثل هذه الهنوات. ح– في مثل: ما أحد يقول الباطل إلا الدنيء، يجوز في كلمة: "الدنيء" أن يكون بدلًا مرفوعًا من كلمة: "أحد" أو: من ضميره المستتر الواقع فاعلًا للمضارع، ويجوز نصبه على الاستثناء، فللرفع ناحيتان، وللنصب واحدة. أما في مثل: ما رأيت أحد يقول الباطل إلا الدنيء، فيجوز في كلمة: "الدنيء" النصب على الاستثناء، أو: على البدلية من كلمة: "أحدًا" المنصوبة ويجوز فيها الرفع على البدلية من الفاعل المستتر في الفعل المضارع؛ فللنصب ناحيتان وللرفع ناحية.

_ 1 لأن فعل الأمر لا يرفع اسمًا ظاهرًا، ومثل هذا ما يقال في الحرف: "رب" من صحة عطف المعرفة على الاسم المجرور به، مع أن "رب" حرف لا يجر إلا النكرة كما سيجيء في حروف الجر ص 523. 2 وقد ردوا هذا الكلام بأن الأخذ بتلك القاعدة إنما يكون في بعض المواضع دون بعض وليست مطردة: وهذا غريب أيضًا. 3 جـ 1 ص 45 م6.

ب– الحكم إذا كانت أداة الاستثناء هي "إلا" المكررة 1: أ- قد يكون تكرارها بقصد التوكيد اللفظي المحض، وتقوية "إلا" الأولى الاستثنائية، بغير إفادة استثناء جديد، ولهذه حالة صورتان: الأولى: أن تقع "إلا" التي تكررت للتوكيد اللفظي المحض، بعد "الواو" العاطفة لا يصح أن تقع بعد غيرها من حروف العطف نحو: أحب ركوب السفن إلا الشراعية، وإلا الصغيرة، فالواو حرف عطف، "إلا" الثانية: للتوكيد اللفظي، ولا تفيد استثناء، و"الصغيرة" معطوفة على "الشراعية"؛ فهي مستثنى، بسبب العطف، لا بسبب "إلا" المكررة 2؛ ولهذا يكون المستثنى المعطوف تابعًا للمعطوف عليه في ضبطه، ولا تأثير لوجود "إلا" المكررة في ضبطه، أو ضبط غيره، وإنما تأثيرها مقصور على ما تتضمنه من فائدة معنوية يحققها التوكيد اللفظي بها. الثانية: ألا تقع "إلا" التي جاءت للتكرار المحض بعد حرف عطف، ولكن يكون اللفظ الواقع بعدها مباشرة متفقًا مع المستثنى الذي قبلها في المعنى والمدلول، برغم اختلاف اللفظين في الحروف الهجائية، ويكون ضبط اللفظ بعد المكررة جاريًا على افتراض أنها غير موجودة؛ فوجودها وعدمها سواء من ناحية الحكم الإعرابي الذي يخصه، مثال ذلك رجل يقال له: هارون الرشيد، أو: محمد الأمين ... أو ... ، نحو: جاء القوم إلا هارون إلا الرشيد، اشتهر الخلفاء إلا محمدًا إلا الأمين، فكلمة: "إلا" الثانية في المثالين لا تفيد استثناء جديدًا؛ لأن "الرشيد" المقصود هو: "هارون"، و"الأمين" المقصود هو: "محمد"، وإنما أفادت الثانية توكيدًا لفظيًا

_ 1 سبق الكلام على: "إلا" غير المكررة في ص 319. 2 وهذا الحكم ينطبق على جميع أنواع المستثنى الثلاثة إذا تكررت "إلا"، وقد سبق مثال "التام الموجب"، أما مثال "التام غير الموجب"، فنحو: لا أحب ركوب السفن إلا البواخر، وإلا الكبيرة، وإما مثال "المفرغ"، فقول الشاعر: لا يمنح النفس ما ترجوه من أرب ... إلا الطموح، وإلا الجد، والعمل وقول الآخر: وما الفضل إلا أن تجود بنائل ... وإلا لقاء الخل ذي الخلق العالي فالمصدر المؤول بعد "إلا" الأولى خبر، أما الثانية فلمجرد التوكيد اللفظي، والمصدر الصيح بعدها معطوف بالواو على المصدر المؤول.

لكلمة: "إلا" الأولى، ولا تأثير للثانية في ضبط كلمتي: "الرشيد، والأمين"، فكل واحدة منهما تعرب هنا بدل كل من كل 1، أو: عطف بيان من المستثنى الأول، ولو حذفنا كلمة: "إلا" التي جاءت للتكرار ما تغير الضبط ولا الإعراب، فوجودها لا أثر له من هذه الناحية الإعرابية، على الرغم من أثرها المعنوي الذي يكون للتوكيد اللفظي المحض. ولو قلنا: ما جاء القوم إلا هارون إلا الرشيد لصح في كلمة: "الرشيد" الرفع أو النصب، تبعًا لكلمة: "هارون" التي يجوز فيها الأمران، بسبب أن الاستثناء تام غير موجب، وكذلك ما جاء القوم إلا محمدًا، أو محمد، إلا الأمين، فيجوز في كلمة: "الأمين" المران للسبب السابق، فكأن "إلا" المكررة غير موجودة: إذ لا أثر لها في الحكم الإعرابي. ولو قلنا: ما أشتهر إلا هارون إلا الرشيد، لوجب رفع كلمة "الرشيد" اتباعًا لكلمة: "هارون" التي يجب رفعها؛ بسبب أن الاستثناء مفرغ، وكذلك الحال في: ما جاء إلا محمد إلا الأمين2. ب– وقد يكون تكرار "إلا" لغير التوكيد اللفظي المحض، وإنما الغرض استثناء جديد: بحيث لو حذفت لم يفهم الاستثناء الجديد، ولم يتحقق المراد منه، فهي في هذا الغرض كالأولى تمامًا؛ كلتاهما تفيد استثناء مستقلًا؛ وفي هذه الحالة تتعدد الأحكام على الوجه الآتي:

_ 1 البدل في هذا المثال بدل كل من كل، وفي غيره قد يكون بدل بعض، أو: اشتمال، أو: إضراب؛ مثل: ما أعجبني أحد، لا الطبيب الرحيم، إلا وجهه، أو: إلا عطفه، أو: ما أعجبني أحد، إلا الطبيب الرحيم، إلا المهندس المبتكر. 2 وفي "إلا" المكررة للتوكيد المحض يقول ابن مالك: وألغ إلا ذات توكيد: كلا ... تمرر بهم، إلا الفتى إلا العلا يريد: اعتبر "إلا" ملغاة، أي: غير موجودة، إذا كانت للتوكيد، وأردت أن تضبط ما بعدها، ومثل لها بمثال هو: لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا، والعلا أو العلاء، هو اسم الفتى، فالفتى هو: العلاء، والعلاء هو الفتى، وهو بدل كل، أو عطف بيان من كلمة: "الفتى" ولو حذفت "إلا" المكررة ما تغير الإعراب فوجودها، وعدمها سيان من هذه الوجهة الإعرابية وحدها كما شرحنا.

1- إن كان تكرارها لغير التوكيد في كلام تام موجب، فالمستثنيات كلها منصوبة في كل الأحوال؛ نحو: "ظهرت النجوم إلا الشمس، إلا القمر، إلا المريخ". 2– إن كان الكلام تامًا غير موجب والمستثنيات متقدمة على المستثنى منه نصبت جميعًا؛ نحو: "ما غاب إلا الشمس، إلا القمر، إلا المريخ، النجوم". فإن تأخرت نصبت أيضًا، ما عدا واحدًا منها أي واحد فيجوز فيه أمران؛ إما النصب على الاستثناء كغيره، وإما البدل من المستثنى منه؛ مثل: ما غابت النجوم، إلا الشمس بالرفع أو النصب إلا القمر إلا المريخ. 3– إن كان الكلام مفرعًا وجب إخضاع أحد المستثنيات 1 لحاجة العامل الذي قبل "إلا"، "الأولى" ونصب باقي المستثنيات، نحو: "ما نبت إلا قمح جيد إلا شعيرًا غزيرًا إلا قصبًا قويًا ... ". وإذا كانت "إلا" التي جاءت للتكرار تفيد استثناء جديدًا كما سبق، فلا بد أن يجيء بعدها مستثنى، ولا بد أن يكون له مستثنى منه، فأين هذا المستثنى منه؟ أهو المستثنى منه الأول السابق، أم هو المستثنى الذي قبل "إلا" المكررة مباشرة، فيكون المستثنى الذي بعدها خارجًا، ومطروحًا من المستثنى الذي قبلها مباشرة؟ وبعبارة أخرى: أين "المستثنى منه" بعد "إلا" المكررة لغير توكيد في مثل: بكر العاملون إلا صالحًا، إلا محمودًا، إلا حسينًا؟ فكلمة: "محمودًا" مستثنى ثان، فأين المستثنى منه؟ أهو: "العاملون" منه الأول، أم هو "صالحًا" المستثنى الذي قبله مباشرة؟. وكذلك: "حسينًا" مستثنى ثالث ... فأين المستثنى منه؟ أهو العاملون "محمودًا"، أم ماذا؟. إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض كهذا المثال كان المستثنى منه هو الأول حتمًا، وهو هنا: العاملون: أما إذا أمكن استثناء كل واحد مما

_ 1 ليس من اللازم أن يكون الأول، وإن كان هو المستحسن.

قبله مباشرة كالأعداد فيجوز الأمران، أي استثناء كل واحد مما قبله مباشرة، أو استثناء المجموع من المستثنى منه الأول؛ ففي مثل: أنفقت عشرة، إلا أربعة، إلا اثنين، إلا واحدًا، يجوز إسقاط المستثنيات كلها من العشرة، فنجمع أربعة، واثنين، وواحدًا، ونطرح المجموع من العشرة؛ فيكون الباقي الذي أنفق هو ثلاثة، "أي: 10 – "4 + 2 + 1" = 3" كما يجوز إسقاط المستثنى الأخير مما قبله مباشرة، ثم نسقط الباقي من المستثنى الذي قبله مباشرة ... وهكذا، فما بقي آخر الأمر يكون هو المطلوب، ففي المثال السابق: نطرح 1 من 2 فيكون الباقي: 1 ثم نطرح 1 من 4 فيكون الباقي: 3 ثم نطرح 3 من 10 فيكون الباقي: 7 وهو المبلغ الذي أنفق. والأحسن في الطريقة الثانية جمع الأعداد التي في المراتب الفردية، ومنها المستثنى منه الأول، ثم جمع الأعداد التي في المراتب الزوجية، وطرح مجموعها من مجموع الفردية، فباقي الطرح هو المطلوب. ويلاحظ أن الطريقتين جائزتان ولكن نتيجتهما مختلفة، ولهذا كان اختيار إحداهما خاضعًا للقرائن؛ فهي التي تعين إحداهما فقط مراعاة للمعنى. على الرغم من صحة استعمال الطريقتين، فالأنسب العدول عنها في كل مقام يقتضي وضوحًا في الأداء، وسموًا في التعبير. ولو أردنا تلخيص كل ما تقدم من الأحكام الخاصة بكلمة: "إلا" المكررة 1

_ 1 وفي أحكام "إلا" المكررة لغير التوكيد يقول ابن مالك: وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع في واحد مما بإلا استثني ... وليس عن نصب سواه مغني "التقدير: إن تكررت "إلا" لا لتوكيد فدع التأثير بالعامل في واحد مما استثني بإلا مع التفريغ، أي: في حالة التفريغ ... " يريد: إذا تكررت "إلا" لغير التوكيد، فإن كان الكلام "مفرغًا"، فاترك واحدًا من المستثنيات ليخضع لتأثير العامل الذي في الجملة السابقة، وانصب باقي المستثنيات، فليس عن نصبها غنى، أي: مفر، ثم انتقل إلى إحالات الأخرى التي ليس فيها تفريغ؛ فقال: ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم يريد: في الحالات التي يس فيها تفريغ وهي حالة التام الموجب، وحالة التام غير الموجب إن =

المفيدة لاستثناء جديد أي: التي ليست للتوكيد المحض لكان التلخيص الموجز هو: 1– إذا تكررت "إلا" لغير التوكيد المحض نصبت بعدها المستثنيات في جمع الأحوال، وفي مختلف الأساليب، إلا في حالة: "التفريغ" فيجب حتمًا تخصيص مستثنى واحد يخضع في إعرابه لحاجة العامل، ونصب ما عداه. 2– ويجوز في حالة الكلام التام غير الموجب إذا تأخرت المستثنيات اختيار واحد منها ليكون بدلًا من المستثنى منه الأول، ويجوز نصبه مع باقيها.

_ = تقدمت المستثنيات وجب نصبها جميعًا في مختلف أحوالها، أما إن تأخرت فقال فيها: وانصب لتأخير، وجئ بواحد ... منها؛ كما لو كان دون زائد كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأول أي: تنصب المستثنيات كلها في حالة التأخير؛ فإن كان الكلام تامًا غير موجب، صح اختيار واحد منها، وضبطه بما كان يستحقه من الضبط لو لم تتكرر إلا، وهذا الضبط هو البدلية أو النصب كما وضحه مثاله؛ وهو: "لم يفوا إلا امرؤ إلا علي"، فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من "امرؤ"، أو النصب، ثم بين أن المستثنيات كلها مقصودة كالمستثنى الأول، فما تكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم الأول؛ فيثبت له ما يثبت للأول من الخروج مما قبله إثباتًا أو نفيًا. بقي أن نعرف إعراب: "كما لو كان ... "، وقد سبق البيان في آخر هامش ص 325.

المسألة 82

المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء 1: "غير، وسوى، بلغاتها المختلفة" من أدوات الاستثناء ما هو اسم صريح؛ أشهره: غير، وسوى "وفيها لغات مختلفة: سوى، سوى، سواء، سواء"، وهذه الأسماء الصريحة عند استعمالها أداة استثناء تشترك في المعنى وفي الحكم. فأما "غير" ومثلها نظيراتها، فمعناها إفادة المغايرة ... أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير ومخالف لما قبلها في المعنى الذي ثبت له، إيجابًا أو نفيًا؛ فمعنى: "أسرع المتسابقون غير سعيد"، أنهم أسرعوا مغايرين ومخالفين في هذا الأمر سعيدًا؛ فهو لم يسرع، فكان مخالفًا ومغايرًا لهم أيضًا، وكذلك: "ما ضحك الحاضرون غير صالح"، فالمعنى: أنهم لم يضحكوا، مغايرين ومخالفين صالحًا في هذا، أي: في عدم الضحك؛ لأنه ضحك دونهم، فكان مخالفًا ومغايرًا أيضًا. ومثل هذا يقال في بقية أسماء الاستثناء. وأما حكم تلك الأسماء فينحصر في أمرين2؛ أولهما: ضبط المستثنى الواقع بعد كل اسم منها، وطريقة إعرابه. وثانيهما: ضبط أداة الاستثناء الاسمية، وطريقة إعرابها؛ "لأنها اسم لا بد له من موقع إعرابي؛ فيكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب موقعه من الجملة؛ كشأن جميع الأسماء".

_ 1 من هذه الأسماء: بيد، وسيجيء الكلام عليها وعلى الفرق بينها وبين "غير" وأخواتها في: "أ" "من" الزيادة، ص 349. 2 لا بد قبل النظر في تحقيق هذين الأمرين معًا، من أن يكون الكلام جاريًا على ما يقتضيه، ويتطلبه أسلوب الاستثناء؛ بحيث لا يستقيم المعنى إلا على أساس الاستثناء، والسبب في هذا الشرط أن كل اسم من أدوات الاستثناء الاسمية يصلح في ذاته لأشياء كثيرة، منها الاستثناء، وغيره؛ فلا يتعين للاستثناء إلا إذا اقتضى السياق ذلك؛ وتحققت أركان الاستثناء بوجود المستثنى منه، أو بعدم وجوده إن كان الكلام "مفرغًا"، فلا بد من النظر لحاجة السياق أولًا.

أ– فأما ضبط المستثنى وإعرابه فليس له إلا ضبط واحد، وإعراب واحد، هو: ضبطه بالجر، ويعرب "مضافًا إليه"، إليه دائمًا، ولا بد أن يكون مفردًا 3 والأداة الاسمية هي المضاف، كما في الأمثلة الآتية: "أ" ... أسرع ... المتسابقون ... غير ... سعيد. فرح ... الفائزون ... غير ... واحد. ظهرت ... النجوم ... غير ... نجم. "ب" ... ما أسرع المتسابقون غير سعيد، أو: غير سعيد. ما رأيت الفائزين غير سعيد، أو: غير سعيد. ما نظرت للنجوم غير نجم، أو: غير نجم. "جـ" ... ما أسرع ... غير سعيد. ما رأيت ... غير سعيد. ما نظرت ... لغير سعيد. ففي كل هذه الأمثلة وأشباهها لا يكون المستثنى إلا مضافًا إليه مجرورًا، مفردًا1، وأداة الاستثناء الاسمية هي: المضاف. ب– وأما ضبط أداة الاستثناء وإعرابها، فيختلف باختلاف حالة الكلام، فحين يكون الكلام تامًا موجبًا، تنصب على الاستثناء2 كما في "أ" من الأمثلة السالفة، وكقول الشاعر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد وحين يكون الكلام تامًا غير موجب يجوز نصبها على "الاستثناء"، ويجوز اتباعها للمستثنى منه؛ كما في "ب" من الأمثلة السالفة، وكما في قولهم: "أين الأقوال من الأفعال، فلن تتحقق بالكلام الغايات الجليلة غير بعض منها، وما أقلة؟ ". وحين يكون الكلام مفرغًا تضبط وتعرب على حسب حاجة الجملة، فقد

_ 1 و 1 أي: ليس جملة ولا شبهها. 2 في الأخذ بهذا الرأي راحة وسهولة؛ لأنه يساير في إعرابه إعراب المنصوب من المستثنيات الأخرى؛ ولأن الاعتراض عليه أخف من الاعتراض على الرأي القائل بإعرابها حالًا مؤولة، بمعنى: "مغاير"، وعلى الرأي القائل إنها منصوبة على التشبيه بظرف المكان في الإبهام "انظر الحالة الثانية التي تشتمل على ما ألحق بأسماء الزمان المبهمة ص 303"، ولسنا بحاجة إلى الإثقال بعض الأدلة؛ لأنها جدلية محضة؛ ولا أثر لها في الأمر الهام، وهو: ضبط الكلمة.

تكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو غيرهما، كما في "ج" من الأمثلة السالفة، وكقولهم: لا ينفع المرء غير عمله. يفهم من كل ما تقدم: "أنه يطبق على كلمة: "غير" عند ضبط صيغتها الخاصة كل الأحكام التي تجري على المستثنى بإلا عند إرادة ضبطه1 بالتفصيلات المختلفة التي سبقت هناك، ولا فرق في هذا التطبيق بين: "غير" وباقي أخواتها الأسماء 2. لكن بينها وبين أخواتها 3 بضع فروق من نواح أخرى؛ منها: أن المضاف إليه بعد الأداة "غير" 4 قد يحذف إذا دلت عليه قرينة: مثل: "عرفت خمسين ليس غير"5، أي: ليس غير الخميس، ولا يصح: عرفت خمسين ليس سوى؛ لأن "سوى بلغاتها المختلفة واجبة الإضافة لفظًا ومعنى، ولا يصح قطعها عن هذه الإضافة اللفظية6.

_ 1 ويجوز بناؤه على الفتح في كل الحالات بشرط أن تكون مضافة إلى مبني. شأنها في ذلك شأن الأسماء المتوغلة في الإبهام، "وقد سبقت الإشارة إلى المراد منها في باب الظرف ص 302 ومنها: غير، ومثل، وبعض الظروف التي عرضناها ... ". 2 وفيما سبق يقول ابن مالك: واستثن مجرورًا بغير، معربا ... بما لمستثنى بإلا نسبا ولسوى، سوى، سواء اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا "التقدير: استثن بكلمة: غير، مجرورًا، أي: مستثنى مجرورًا، حالة كون لفظ: "غير" معربًا بمثل ما نسب للمستثنى بإلا، أي: معربًا مثل إعرابه في الحالات المختلفة، يريد: أن المستثنى "بغير" مجرور دائمًا، وأن كلمة "غير" نفسها تضبط بالضبط الذي يكون للمستثنى "بإلا" فيما لو حذفت "غير"، وحلت محلها: "إلا" وجاء بعد "إلا"مستثناها كما شرحنا. ثم بين أن مثل "غير" في ذلك كلمات أخرى؛ منها: سوى سواء، وأن الأصح أنها تشبهها في الاستثناء. وليست ظرفًا إلا عند فريق. 3 أما الفرق بين "غير" و"إلا" و"بيد" فيجيء في "ب" من ص 349. 4 وبعض أدوات سيجيء ذكرها في مكانها الخاص من باب الإضافة ج 3. 5 يصح ضبط "غير" هنا بأوجه متعددة؛ منها: البناء على الضم؛ باعتبارها اسم "ليس" والخبر محذوف، ويكون المضاف إليه محذوفًا مع نية معناه، والتقدير مثلًا: ليس غير الخمسين معروفًا، ويجوز في: "غير" أن تكون مبنية على الفتح لإضافتها إلى مبني "وهو: الضمير" في محل رفع اسم "ليس" أيضًا والتقدير: ليس غيرها، والخبر محذوف كالسابق، ويجوز أن تكون مرفوعة منونة باعتبارها اسم "ليس"، والمضاف إليه محذوف، ولم ينو لفظه ولا معناه، والخبر محذوف أيضًا، أي: ليس غير ... ، والتقدير: ليس غير الخمسين معروفًا، ويجوز نصبها مع تنوينها باعتبارها خبر "ليس" واسمها محذوف: والتقدير: عرفت خمسين ليس المعروف غيرًا، أي: غيرها وسيجيء الكلام على: "غير" في باب الإضافة ج 3 م 95. 6 بيان هذا في مكانه المناسب من باب الإضافة "ج 3" عند الكلام على: "غير".

ومنها: أن "غير" لا تكون ظرفًا، أما "سوى" فتقع ظرف مكان في مثل: "جاء الذي سواك"، عند من يرى ذلك، ويجعلها صلة الموصول؛ "لأن الصلة لا تكون إلا جملة أو شبه جملة"، والتقدير عنده: جاء الذي استقر في مكانك عوضًا عنك، ثم توسعوا في استعمال "سواك" ومكانك، فجعلوهما مجازًا بمعنى: "عوضك" من غير ملاحظة حلول بالمكان. ومنها: أن استعمال "غير" في الاستثناء ليس هو الأكثر، وإنما الأكثر أن تكون: 1– نعتًا لنكرة؛ فتفيد مغايرة مجرورها للمنعوت، أما في ذاته المادية؛ نحو: "أقبلت على رجل غير1 علي"، وإما في وصف طارئ على ذاته المادية، نحو: "خرج البريء من المحكمة بوجه غير الذي دخل به"، ذلك أن وصف الوجه مختلف في الحالتين ... ، أما ذات الوجه، ومادته التي يتكون منها، فلم تتغير. وكقول الشاعر: تحاول مني شيمة غير شيمتي ... وتطلب مني مذهبًا غير مذهبي "فالشيمة، أو المذهب، وصف طارئ على الذات، وأمر عرضي لاحق بها، وليس جزءًا أساسيًا في تكوينها المادي الأصيل. 2– أو نعتًا لشبه النكرة: وهو المعرفة المراد منها الجنس2، نحو قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة "غير" مجرورة، وهي لذلك نعت لكلمة: "الذين" المراد بها جنس لأقوام معينين 3، وليست للاستثناء؛ إذ لو كانت للاستثناء لوجب نصبها.

_ 1 ليست هنا أداة استثناء لما هو مقرر من وجوب أن يكون المستثنى منه في الأغلب أعم من المستثنى، بحيث يشمله. 2 كاسم الموصول؛ فإنه مبهم باعتبار عينه، من غير اعتبار صلته معه؛ فإنها تزيل إبهامه، وتجعله مغنيًا، كما سيجيء في "ج" من ص 350. 3 كيف تقع "غير" نعتًا لاسم الموصول وأشباهه مع أنها نكرة وهو معرفة؟ والجواب: أن منعوتها وحده من غير الصلة بمنزلة النكرة؛ فهي مطابقة له في التنكير، أو: أن إبهامها وتنكيرها ضعيفان بسبب وقوعها بين ضدين، فهي قريبة من المعرفة؛ فتقع نعتًا للمعرفة بالإيضاح الوارد عنها في ج 3 باب الإضافة. والرأي الحق هو أن العرب استعملت في كلامها "غير" نعتًا للنكرة أحيانًا، وللمعرفة التي تشبهها حينًا؛ كما في الآية المعروضة، وتفصيل هذا كله على وجه =

وإذا وقعت نعتًا كما في الحالتين السالفتين، فإنها تكون مؤولة بالمشتق؛ بمعنى: مغاير1. 3– يلي هاتين في الكثرة أن تقع موقعًا إعرابيًا آخر مما تصلح له الأسماء الجامدة؛ كالمبتدأ في قول الشاعر: وغير تقي بأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض وكالخير ومنه خبر النواسخ في قول الشاعر: وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعمال غير حسان وكالفاعل ونائبه، والمفعول به ... و ... ، وكل هذا قياسي فصيح. أما "سوى" فالأكثر فيها أن تكون للاستثناء؛ كالأمثلة السالفة؛ ولغير الاستثناء في نحو: سواك متسرع رأيت سواك متسرعًا القوة بسوى الحق مهزومة ... لا ينفع سوى الصبر عند معالجة المشكلات، وكقول الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها، وأنت المشتري وقول الآخر: أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة؟ إني إذا لصبور وقد تكون نعتًا لنكرة، أو لشبه نكرة كما تكون "غير" ... وهكذا 2. حكم تابع المستثنى "بغير" وأخواتها. مما يلاحظ أن المستثنى "بغير وأخواتها الأسماء" مجرور دائمًا؛ لأنه "مضاف إليه". لكن إذا جاء بعده تابع 3 له جاز في التابع أمران:

_ 1 لأن النعت لا يكون في الأغلب إلا مشتقًا، أو مؤولًا به. 2 سيجيء في: هـ من ص 361 أن "سوى" قد تكون أحيانًا بمعنى: "ولا سيما"؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سبق تفصيله في ج 1 م 28 ص 366 باب: "الموصول". 3 سبق أن التوابع أربعة: النعت – العطف – التوكيد – البدل، "وفي الجزء الثالث باب خاص بكل واحد".

أحدهما: الجر مراعاة للفظ المستثنى المجرور؛ نحو: قدمت المنح للفائزين غير محمود وحسن. ثانيهما: ضبطه بمثل ضبط المستثنى "بإلا"، لو حذفت "غير" وحل محلها: "إلا". وذلك بأن نتخيل حذف كلمة: "غير" ووقوع "إلا" موقعها، وضبط المستثنى بغير على حسب ما تقتضيه الحالة الجديدة بسبب مجيء "إلا"، في مكان "غير"، ثم نضبط تابعه بمثل حركته الجديدة، في المثال السابق: "قدمت المنح للفائزين غير محمود" يصير: قدمت المنح للفائزين إلا محمودًا، فصار المستثنى منصوبًا مع "إلا" بعد أن كان مجرورًا مع الأداة: "غير"، فيصح في تابعه أن يكون منصوبًا مع كلمة "غير" أيضًا، على تخيل "إلا" المقدرة والملحوظة، وأن المستثنى بها على فرض وجودها في الكلام منصوب؛ فنقول: قدمت المنح للفائزين غير محمود، وحسن أو: غير محمود وحسنًا؛ بافتراض أن كلمة: "محمود" مجرورة في ظاهرها؛ لأنها مستثنى للأداة "غير"، ومنصوبة في التقدير والتوهم؛ لأنها مستثنى للأداة: "إلا" المقدرة، ولهذا يصح النصب والجر في كلمة: "ضرب" من قول الشاعر: ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى، وضرب الرقاب ومثل: ما جاء الفائزون غير محمود وحسن، أو: حسنًا، أو: حسن؛ لأننا لو وضعنا الأداة: "إلا" مكان الأداة "غير" لجاز في المستثنى، الذي كان مجرورا بعد "غير" أمران بعد مجيء "إلا" هما النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية، هكذا: ما جاء الفائزون إلا محمودًا أو محمود، فيجوز في تابعه الأمران: النصب والرفع؛ وهذا يجري أيضًا في تابع المستثنى بكلمة: "غير" التي تجيء في مكان: "إلا" فيجوز فيه الأمران زيادة على جره، ومعنى هذا أن كلمة "حسن"، وهي المعطوفة في المثال السالف، يجوز فيها الجر، والنصب، والرفع. والنحاة يسمون الضبط الناشئ من التخيل السالف: "الإعراب على التوهم"1 أو: "على المحل"، وهو مقصور في باب الاستثناء على المستثنى "بغير"، وأخواتها الأسماء، ولا يجوز في غيرها، ومع جوازه المشار إليه يحسن البعد عنه، وعن التوهم عامة؛ حرصًا على أهم خصائص اللغة، وتمسكًا بسلامة البيان.

_ 1 انظر البيان في رقم 3 من هامش ص 431، وله إشارة في رقم من ص 534.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من أخوات "غير" الاستثنائية كلمة بمعناها، هي: "بيد"1 "وقد يقال فيها: "ميد"، ولكنها تختلف عن "غير" في أمور: منها: ملازمة "بيد" للنصب دائمًا، على اعتبارها حالًا مؤولة، بمعنى: "مغاير"، أو على اعتبارها منصوبة على الاستثناء؛ فلا يكون صفة، ولا تكون مرفوعة، ولا مجرورة، ولا تكون منصوبة إلا على الاعتبار السابق. ومنها: أنها لا تكون أداة استثناء إلا في الاستثناء المنقطع. ومنها: أنها مضافة دائمًا إلى مصدر مؤول من: "أن ومعموليها"، ولا يجوز قطعها عن الإضافة. ومن الأمثلة: فلان غني، بيد أنه جشع، وأخوه فقير بيد أنه عزيز النفس. ب– تختلف الأداتان "غير" و"إلا" في أمور2؛ أهمها: 1– أن كلمة "غير" لا يقع بعدها الجمل؛ لأنها اسم لا يضاف إلا للمفرد. أما "إلا" فيقع بعدها المفرد والجمل بنوعيها الاسمية والفعلية، وقد سبق3 القول بأنه لا داعي للأخذ بما اشترطه بعض النحاة لوقوع الجمل بعدها، وهو: ألا يكون الاستثناء متصلًا، وأن يكون الكلام مفرغًا وأن يكون الفعل في الجمل الفعلية إما مضارعًا، نحو: ما النبيل إلا يعمل الخير، وإما ماضيًا مقترنًا لحرف "قد" نحو: ما النبيل إلا قد قام بالواجب، وإما ماضيًا مسبوقًا بماض آخر قبل "إلا"، نحو: ما أرسلت رسالة إلا تمنيت أن ترضي صاحبها، وقول الشاعر:

_ 1 هي التي سبقت لها الإشارة في رقم 1 من هامش ص 343. 2 سبق في ص 345 بيان الفوارق بين "غير" وأخواتها الأخرى. 3 في رقم 3 من هامش ص 332 البيان والإيضاح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بطور سيناء، كرم، ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء فالظاهر أن ما سبق ليس بالشروط المحتومة، وإنما هو البادي في الصور الكثيرة 1. 2– يجوز أن يقال: عندي درهم غير جيد، على النعت، ولا يجوز: عندي درهم إلا جيد؛ لأن الكثير في وقوع "إلا" نعتًا أن يكون ذلك في أسلوب يصح فيه الاستثناء، وهنا لا يصح الاستثناء؛ لمخالفته الكثيرة 2 ... 3– يجوز أن يقال: قام غير واحد، ولا يجوز: قام إلا واحد؛ لأن حذف المستثنى منه لا يكون في الكلام الموجب. 4– يجوز أن يقال: أقبل الإخوان غير واحد وزميلة، أو زميلة، يجر "زميلة" مراعاة للفظ المعطوف عليه، أو نصبها حملًا على المعنى المتخيل كما شرحناه، وأبدينا فيه رأينا من قبل 3 ولا يجوز مع "إلا" تخيل سقوطها، وإحلال "غير" محلها ... 5– يجوز أن يقال: ما جئتك إلا ابتغاء علمك، ولا يجوز مع الأداة: "غير" إلا الجر، أي: ما جئتك لغير ابتغاء معروفك؛ لأن المفعول لأجله يجب أن يكون مصدرًا، و"غير" ليست مصدرًا. جـ– قد يقتضى المعنى أن تخرج "إلا" عن الحرفية، وعن أن تكون أداة استثناء، لتكون اسمًا بمعنى: "غير" وتعرب صفة بشرطين 4. أولهما: أن يكون الموصوف نكرة أو ما يشبهها من معرفة يراد بها الجنس كما سبق 5 مثل المعرف بأل الجنسية ...

_ 1 في رقم 3 من هامش ص 332 البيان والإيضاح. 2 يوضح هذا ما سبق في رقم 2 من هامش ص 343، وما سيجيء في "ج". 3 ص 347 و 348 عند الكلام على تابع المستثنى بـ"غير". 4 زاد بعض النحاة شرطًا ثالثًا؛ هو: أن تكون في الأسلوب الذي تقع فيه نعتًا صالحة، لأن تكون للاستثناء، والتحقيق أن هذا الشرط مردود بدليل أن سيبويه يمثل لها بقوله: "لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا" بل إن المبرد يصرح في أحد رأييه بأنه سيبويه يشترط ألا تكون صالحة للاستثناء، ويذكر مثاله السالف. فالصحيح أن هذا الشرط مرفوض كما تقدم. 5 انظر رقم 1 و 2 من ص 346.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثانيهما: أن يكون جمعًا أو شبه جمع، والمراد يشبه الجمع: ما كان مفردًا في اللفظ، دالًا على متعدد في المعنى؛ مثل: كلمة: "غير" ... في نحو: جاء غير الغريب، فغير الغريب وأشباهه متعدد حتمًا 1. فمثال إلا الواقعة صفة لجمع حقيقي هو نكرة حقيقية: "سينهزم الأعداء، فقد خرج لملاقاتهم جيش كبير، إلا القواد والرماة"، فلا يصح أن تكون "إلا" هنا حرف استثناء؛ خشية أن يفسد المعنى؛ إذ الاستثناء كما شرحنا أول الباب يقتضي أن يكون المعنى هنا: خرج لملاقاتهم جيش كبير طرحنا، ونقصنا منه القواعد والرماة، ولا يعقل أن يخرج جيش كبير دون قواده ورماته. ومثل: "تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة إلا المحاضر"، فهي هنا كما في المثال السابق بمعنى: غير، ولا يصح أن تكون بمعنى "إلا" الاستثنائية؛ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المعنى: تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة طرحنا ونقصنا منهم المحاضر، إذا لا يعقل أن تتسع قاعة المحاضرة للسامعين، ولا تتسع للمحاضرة، فلا يمكن أن يجتمعوا لسماع محاضرة من ليس له مكان عندهم، ومثل هذا قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا 2 آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فلو كانت "إلا" حرف استثناء لكان المعنى: لو كان فيهما آلهة، ليس من ضمنها الله لفسدتا، أي: لو كان فيهما آلهة أخرجنا وطرحنا منها الله، لفسدتا"، وهذا معنى باطل؛ إذ يوحي بأنهما لا تفسدان إذا كان الله من ضمن الآلهة ولم يخرج ولم يطرح، وهذا واضح البطلان، بخلاف ما لو كانت "إلا" اسمًا بمعنى: "غير"، نعتًا للنكرة قبلها، فإن المعنى يصح ويستقيم. ومثال: "إلا" الاسمية الواقعة نعتًا لشبه الجمع الذي هو نكرة حقيقية أن تقول للخائن: غيرك إلا الخائن يستحق الصفح، فكلمة "إلا" اسم بمعنى: "غير" ولا تصلح أن تكون استثناء؛ لئلا يكون المعنى: غيرك من الخائنين يستحق

_ 1 ومن الشرطين السالفين تنشأ صور أربع: "أن يكون الموصوف جمعًا حقيقيًا ونكرة حقيقية"، "وأن يكون شبيهًا بالجمع ونكرة حقيقية"، "وأن يكون جمعًا حقيقيًا وشبيهًا بالنكرة الحقيقية"، والصور الثلاثة السالفة أمثلة معروضة، "أما الرباعة: فأن يكون شبيهًا بالجمع، شبيهًا بالنكرة، كالمفرد المعروف بأل الجنسية". 2 في السماء والأرض.

الصفح إلا الخائن، وفي هذا تناقض ظاهر، أو غيرك من الأمناء مطروحًا وخارجًا منهم الخائن يستحقون الصفح، والخائن ليس من الأمناء، ولا علاقة له بهم حتى يستثنى منهم1، فإذا جعلنا: "إلا" بمعنى: "غير" صح المعنى واستقام وتعرب صفة لكلمة "غير" الأولى، ولا يصح أن تكون حرف استثناء لفساد المعنى وتناقضه ... ومثالها نعتًا للجمع الحقيقي الشبيه بالنكرة: يخشى عقاب الله العصاة إلا الصالحون، فالعصاة شبه نكرة لوجود "أل" 2 الجنسية، و"إلا" بمعنى "غير" صفة، ولو كان حرفًا لفسد المعنى؛ إذ يكون: يخشى عقاب الله العصاة، والصالحون لا يخشونه. أما شبه الجمع الشبيه بالنكرة، فكالمفرد المعروف "بأل الجنسية" نحو: الرجل إلا المريض يحتمل الأثقال. وإذا كانت "إلا" الاسمية نعتًا، فكيف نعربها؟ أتكون هي وحدها النعت: مباشرة؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، بحركات مقدرة على آخره، على حسب المنعوت، وبعدها ما أضيفت إليه مجرورًا؟ أم تكون هي النعت أيضًا مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، على حسب المنعوت، ولكن صورتها كصورة الحرف، فالحركات لا تقدر عليها، وإنما تنتقل إلى المضاف إليه الذي بعدها مباشرة؛ فتكون "إلا" نعتًا مضافًا، واللفظ بعدها هو المضاف إليه، وهو مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الحركة المنقولة إليه من "إلا"؟. رأيان، كلاهما معيب، معترض عليه، ولكن أولهما: أقرب إلى القبول، ومن الخير ألا نلجأ في أساليبنا إلى استعمال "إلا" الاسمية ما استطعنا لذلك سبيلًا.

_ 1 ولا يصح هنا جعل الاستثناء منقطعًا؛ لعدم وجود نوع من العلاقة أو الارتباط بين المستثنى والمستثنى منه، "طبقًا لما يقتضيه الاستثناء المنقطع، كما سبق في ص 318، 334". 2 سبقت أحكامها مفصلة ولا سيما من ناحية أثرها في التعريف والتنكير في جـ 1 ص 308 م 3.

المسألة 83

المسألة 83: أحكام المستثنى الذي أدواته أفعال خالصة 1، والذي أدواته تصلح أن تكون أفعالًا وحروفًا1 ... أ– فأما الأدوات التي هي أفعال خالصة، فتنحصر في فعلين ناسخين 2 جامدين؛ هما: "ليس" و"لا يكون"، بشرط وجود "لا" النافية قبل هذا الفعل المضارع، الذي للغائب، دون غيرها من أدوات النفي، ولا يصلح من أفعال "الكون" أداة للاستثناء إلا هذا المضارع الجامد، الدال على الغائب المنفي بالأداة: "لا"؛ مثل: زرعت الحقول ليس حقلًا، أو: زرعت الحقول لا يكون 3 حقلًا، ومثل: ما تركت الكتب ليس كتابًا، أو لا يكون كتابًا ... وحكم المستثنى بهما وجوب النصب باعتباره خبرًا لهما؛ لأنهما فعلان ناسخان جامدان، من أخوات: "كان" 4 كما سبق أما الاسم فضمير مستتر وجوبًا

_ 1 و 1 المراد بالأفعال الخالصة هنا: الكلمات التي لا تستعمل إلا فعلًا، وإذا كانت أداة الاستثناء فعلًا خالصًا، أو غير خالص وجب أن يكون جامدًا، وأن يكون الكلام تامًا متصلًا؛ موجبًا أو غير موجب؛ فلا تصلح الفعلية للاستثناء المنقطع، ولا المفرغ كما سيجيء هنا وقد نص "الصبان، والخضري" على هذا عند الكلام على الاستثناء بالأدوات الفعلية، وكذلك صاحب "المفصل" ص 77 ج 2، وسبقت الإشارة له في رقم 1 من هامش ص 317. 2 أحكامها الخاصة بالنسخ مدونة في باب "النواسخ" ج 1 م 42. 3 الفعل هنا مضارع زمنه للحال، أو للاستقبال؛ فيبدو غريبًا متناقضًا مع الفعل الماضي قبله في هذا المثال أو ما يشبهه، وقد قالوا: إن المراد: لا تعد ولا تحسب حقلًا؛ فلا منافاة بين زمن المضارع والماضي على هذا التفسير، ومثل هذا يقال في الفعل: "ليس" إذا سبقته الماضي الصريح، مع أن "ليس" لنفي المعنى في الزمن الحالي، أو يقال: إنه لنفي المعنى في الزمن الحالي عند عدم قرينة تعينه للماضي الخالص كالتي هنا أو تعينه للمستقبل؛ على الوجه المبين في مكانه المناسب ج 1 ص 441 م 42 باب "كان" وأخواتها. 4 إذا كان المستثنى ضميرًا منصوبًا وجب فصله؛ نحو: الرجل قام القوم ليس إياه، أو لا يكون إياه، لما تقدم في ج 1 م 20 ص 247 باب: الضمير من أن "ليس ولا يكون" فعلين للاستثناء، ناسخين أيضًا؛ فلا يجوز: "ليسه ولا يكونه" كما لا يجوز: "إلاه"، فكما لا يقع الضمير المتصل بعد "إلا" لا يقع بعد ما هو بمعناها، لكن انظر رقم 5 من هامش ص 358.

تقديره: هو؛ يعود على "بعض" مفهوم من "كل" يرشد إليه السياق، ويدل عليه المقام ضمنًا1؛ فمعنى "زرعت الحقول ليس حقلًا": ليس هو من المزروع؛ أي: ليس بعض الحقول المزروعة حقلًا، فالمزروع "كل" استثنى 2بعضه. وإذا كانت أداة الاستثناء فعلًا خالصًا وجب أن يكون الاستثناء تامًا متصلًا، موجبًا أو غير موجب؛ فلا بد في هذا النوع من الاستثناء أن يجمع أمرين؛ وهما: "التمام والاتصال" كما في الأمثلة المذكورة ... وتعرب الجملة المشتملة على الناسخ واسمه وخبره في محل نصب حالًا 3، أو تعتبر جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب، ولا علاقة لها بما قبلها من الناحية الإعرابية فقط؛ أما من الناحية المعنوية فبينهما ارتباط4. ب– وأما الأدوات التي تكون أفعالًا تارة، وحروفًا تارة أخرى فهي ثلاثة: عدا – خلا – حاشًا وفي الأخيرة لغات5 أشهرها: حاشا – حشا – حاش ... " ومعنى كل أداة من هذه الأدوات الفعلية: "جاوز"، ويتعين عند استعمالها أفعالًا أن يكون الاستثناء بها تامًا متصلًا، موجبًا أو غير موجب؛ كالشأن في جميع أدوات الاستثناء إذا كانت أفعالًا؛ فإنها لا تصلح للمفرغ، ولا المنقطع. 1– فإن تقدمت على كل منها "ما" المصدرية وجب اعتبارها أفعالًا ماضية خالصة، ولا تكون هنا إلا ماضية جامدة؛ "فهي جامدة في حالة استعمالها أدوات استثناء"، مثل: أحب الأدباء ما عدا الخداع وأقرأ الصحف ما خلا

_ 1 الكلام على مرجع الضمير في ج 1 ص 181 م 19. 2 إذا لم يكن في الكلام فعل ملفوظ أو مشتق يشبهه في الإرشاد إلى ما يرجع إليه الضمير، أمكن تصيده من فحوى العبارة؛ ففي مثل: القوم إخوتك ليس عليًا يكون التقدير: ليس هو عليًا؛ أي: ليس المنتسب إليك بالإخوة عليًا. 3 ولا تجيء "قد" المشروطة عند كثير من النحاة في الجملة الماضوية المثبتة الواقعة حالًا؛ لأن هذا الشرط في غير الجمل الماضوية التي أفعالها جامدة، ومنها الأفعال الواقعة في الاستثناء، مثل: ليس خلا – عدا – حاشا – كما سيجيء في آخر رقم 2 من هامش ص 399 لهذا لا يصح مجيء "قد" هنا. 4 يصح إعراب آخر على اعتبار مخالف لما سبق، والبيان يجيء في الزيادة والتفصيل ص 358. 5 ولهذا أنواع تجيء في ص 360.

التافهة، وأشاهد تمثيل المسرحيات ما حاشا السوقية، غير أن تقدم "ما" المصدرية على "حاشا" قليل؛ حتى قيل: إنه ممنوع، ويحسن الأخذ بهذا الرأي. وحكم المستثنى في الصور السالفة التي تتقدم فيها "ما" المصدرية وجوب النصب، باعتباره مفعولًا به لفعل الاستثناء المذكور في الجملة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "هو" يعود على "بعض"، مفهوم من "كل" يدل عليه المقام كما سبق أما المصدر المؤول من "ما" المصدرية، والجملة الفعلية التي بعدها1؛ فهو في محل نصب حال2 مؤولة بالمشتق، أو ظرف زمان، والتقدير على الأول: أحب الأدباء مجاوزين الخداع ... مجاوزة التافهة ... مجاوزة السوقية. والتقدير على الثاني: وقت مجاوزتهم الخداع ... وقت مجاوزتها التافهة ... وقت مجاوزتها السوقية3 ... وكلا التقديرين حسن، ولا يكاد يختلف في الدلالة على الآخر. 2– أما إذا لم تتقدم "ما" المصدرية على الكلمات الثلاث السابقة، فيجوز اعتبارها أفعالًا ماضية جامدة تنصب المستثنى، مفعولًا لها، وفاعلها ضمير مستتر وجوبًا تقدير: "هو" كما سلف والجملة في محل نصب حال، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. ويجوز اعتبار الكلمات الثلاث حروف جر أصلية، والمستثنى مجرور بها، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما أو بما يشبه، أو أنهما ليسا في حاجة إلى تعلق. على اعتبار الثلاثة حروف جر شبيهة بالزائد4،

_ 1 فعل الاستثناء جامد لا يدخل بنفسه في صياغة المصدر المنبسك؛ وإنما يدخل الفعل الذي بمعناه؛ وهو جاوز، هذا، والحرف المصدري لا يدخل على فعل جامد إلا على هذه الأفعال؛ لأنها مستثناة من القاعدة السالفة، أو؛ لأنها متصرفة في أصلها وقد أشرنا لهذا في جـ 1 م 29. 2 الحال هنا جائزة، بالرغم من أن الحال لا تكون مصدرًا مؤولًا، لاشتماله على ضمير يجعلها معرفة، ولكنها هنا معرفة مؤولة بالنكرة، أي: مجاوزين مثلًا "كما سيجيء في: "هـ" من ص 371 ورقم 5 من هامشها". 3 طريقة صوغ للمصدر المؤول من "ما" وصلتها وكل ما يتصل بها مدونة في جـ 1 ص 296 م 29 آخر باب الموصول. 4 كما سيجيء في ص 452 ولا داعي للأخذ بهذا الرأي؛ لأنه معقد، وحجة صحابة واهية.

"وحروف الجر الشبيه بالزائد لا يحتاج إلى تعليق"، ففي الأمثلة السابقة يجوز: أحب الأدباء عدا الخداع، أو: الخداع، وأقرأ الصحف خلا التافهة، أو التافهة، وأشاهد تمثيل المسرحيات حاشًا السوقية أو السوقية، فكلمات: "الخداع، التافهة، السوقية" يجوز في كل منها النصب، فيكون مستثنى مفعولًا به، والعامل فعلًا ماضيًا جامدًا، ويجوز فيها الجر والعامل حرف جر1 ... وقد وردت أمثلة مسموعة وقعت فيها "ما" قبل الكلمات الثلاث: "خلا – عدا – حاشا"، ووقع فيها المستثنى مجرورًا؛ وهي أمثلة شاذة لا يصح

_ 1 "ملاحظة": قالوا: إنما يجوز الأمران النصب والجر بعد تلك الأفعال الثلاثة في غير الحالة التي يكون المستثنى بها ياء المتكلم، فإن كان المستثنى بها ضميرًا للمتكلم "الياء"، ولم توجد "ما" المصدرية تعين اعتبار الأداة حرف جر إن لم يوجد قبل ياء المتكلم نون الوقاية؛ نحو: أطال الخطباء، حاشاي، أو: عداي، أو خلاي، والمستثنى مبني على الفتح في محل جر، ولا يصح هذا اعتبار الأداة، فعلًا ينصب المستثنى "الياء" إذ لو كانت الأداة فعلًا لوجب على المشهور الإتيان بنون الوقاية قبل ضمير المتكلم "الياء" تطبيقًا لما سبق في باب الضمير، ج 1 ص 192 م 21، بخلاف ما لو قلنا: حاشاني، أو عداني، أو خلاني؛ حيث يجب اعتبار الأداة فعلًا محضًا، والياء مفعول به، بسبب وجود نون الرقابة التي تلزم آخر الفعل عند اتصاله بياء المتكلم؛ طبقًا للرأي الغالب. هذا كلامهم، وهو مدفوع بان نون الوقاية إنما تجيء في آخر الفعل عند اتصاله بباء المتكلم لتقيه، وتحفظه من الكسر الذي يجيء في آخره لمناسبة الياء التي تلحق بآخره، ولما كانت هذه الأدوات لا يلحقها الكسر عند اتصالها بالياء امتنع الداعي لمجيء نون الوقاية مجيئًا حتميًا، وصار الاستغناء عنها جائزًا؛ فيصح أن يقال: حاشاي، أو عداي، أو خلاي ... وفي هذه الصور يصح اعتبار الأداة فعلًا أو حرفًا، لعدم وجود ما يعينها لأحدهما دون الآخر. نعم، لو قلنا: حاشاني، أو عداني، أو: خلاني ... لكان وجود نون الوقاية وجودها هنا جائز لا واجب، كما أسلفنا مرجحًا قويًا لاعتبار الأداة فعلًا، لكثرة هذه النون في الأفعال ... وقلتها في الحروف؛ مثل: مني وعني ... وفيما سبق من أدوات الاستثناء التي تكون أفعالًا فقط، أو: التي تصلح لأن تكون أفعالًا، وحروفًا يقول ابن مالك، وقد خلطها: واستثن ناصبًا "بليس وخلا" ... "وبعدا"، "وسيكون" بعد: "لا" أي: استثن بالأدوات التي ذكرها، "وهي: ليس – خلا – عدا – يكون؛ بشرط وقوع "يكون" بعد "لا" النافية، ناصبًا المستثنى بها، وفي هذه الحالة التي تنصب فيها المستثنى يتعين أن تكون أفعالًا خالصة، ثم أردف قائلًا: واجرر بسابقي "يكون" إن ترد ... وبعد: "ما" انصب، وانجرار قد يرد =

القياس عليها، وقد أولها النحاة ليصححوها؛ فقالوا: إن "ما" التي وقعت قبلها ليست مصدرية، ولكنها زائدة. ولا خير في هذا التأويل؛ لأن العربي الذي نطبق بتلك الأمثلة لا يعرف "ما" المصدرية، ولا الزائدة، ولا شيئًا من هذه المصطلحات النحوية التي ظهرت أيام تدوين العلوم، وجمعها، وتأليفها ولا شأن له بها، هذا إلى أن التأويل السابق كشأن كثير من نظائره قد يخضع لغة قبيلة، ولهجتها لأخرى تخالفها من غير علم أصحابها، وهذا غير سائغ؛ كما أشرنا مرارًا.

_ = يقول: جر المستثنى بالأداتين السابقتين على "يكون"، إن شئت؛ وهما: "خلا وعدا"، وإن شئت فانصبه بعدها ويكون النصب واجبًا حين تسبقهما "ما"، ولم يذكر نوع "ما" قبلهما على اعتبارها زائدة، وأوضح بعد ذلك أنهما في حالة جرهما المستثنى يعتبران حرفي جر، وأنهما في حالة نصبه يعتبران فعلين: وحيث جرًا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان ويلاحظ أنه أدخل "الفاء" على جملة: "هما حرفان" تنزيلًا للظرف: "حيث" منزلة الشرط على الوجه الذي شرحناه في موضعه المناسب ص 274 "و" و287 وهاشمها، أو على اعتبار: "حيث" شرطية بغير اتصالها "بما" الزائدة، تبعًا لرأي الكوفيين. أما الظرف: "حيث" فمتعلق بعامل معنوي، هو: الإسناد أي: بالنسبة الواقعة بين ركني جملة تطبيقًا لما دونوه من أن شبه الجملة يتعلق بما في الجملة من فعل أو غيره مما يصح التعلق به، فإن لم يوجد ما يصلح فقد يتعلق بالنسبة "الإسناد"، وذلك كالنسبة المأخوذة من قول ابن مالك: "فهما حرفان" فالظرف "حيث" متعلق بالنسبة، أي تثبت حرفيتهما حيث جرا ... وسيجيء إشارة لهذا في باب حروف الجر عند الكلام على التعلق في رقم 2 من هامش ص 441 كما سيجيء في ج 4 م 157 ص 351 إشارة لإجراء الظرف مجرى الشرط ثم بين أن الأداة: "حاشا" شبيهة بالأداة: "خلا" في كل أحكامها، لكن لا تجيء: "ما" قيل: "حاشًا"، وأن فيها لغات أشهرها "حاش"، "حشا" حيث يقول: وكخلا: حاشا، ولا تصحب "ما" ... وقيل: "حاش"، و"حشا"؛ فاحفظهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– هل تقع الجملة المكونة من فعل الاستثناء وفاعله نعتًا؟ ننقل هنا رأيين مفيدين، وإن كان بينهما نوع تعارض ... أولهما: ما جاء في الهمع 1 ونصه2: "من أدوات الاستثناء: "ليس"، "ولا يكون" وهذه هو الناقصة، وليست أخرى ارتجلت للاستثناء وينصبان المستثنى على أنه خبر لهما، والاسم ضمير مستتر. لازم الاستار كما تقدم هنا3، وكذلك في مبحث الضمير4 نحو: قام القوم ليس محمدًا؛ وخرج الناس لا يكون عليًا، ولفظ: "لا" قيد في كلمة: "يكون" فلو نفيت بما، أو: لم، أو: لما، أو: لن ... لم تقع في الاستثناء، ومن شواهد "ليس" قول الشاعر: عددت قومي كعديد الطيس ... إذا ذهب القوم الكرام ليسي5 وقوله عليه السلام: "يطبع المؤمن على كل خلق، وليس الخيانة والكذب". "وقد يوصف بـ"ليس، ولا يكون"، حيث يصح الاستثناء، بأن يكون أي: المستثنى منه نكرة منفية6، قال ابن مالك: أو معرفًا بلام الجنس، نحو: ما جاءني أحد ليس محمدًا، وما جاءني رجل لا يكون بشرًا، وجاءني القوم ليسوا إخوتك، قال أبو حيان: ولا أعلم في ذلك خلافًا، إلا أن المنقول هو اختصاصه بالنكرة، دون المعرف بلام الجنس. "ولا يجوز في النكرة المؤنثة: نحو: أتتني امرأة لا تكون فلانة، إذ لا يصح الاستثناء منها، ولا في المعرفة؛ نحو جاء القوم ليسوا إخوتك، بل يكونان في موضع نصب على الحال".

_ 1 ج 1 ص 233. 2 مع بعض تيسير في بضع كلمات. 3 في ص 353. 4 ج 1 م 18 ص 207. 5 قد وقع المستثنى هنا ضميرًا متصلًا يخالف الأكثر الذي سبق حكمه في رقم 4 من هامش 353. 6 ولا بد أن تكون أعم من المستثنى؛ ليمكن استثناؤه منها كما هو معلوم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وإذا وصف بهما رفعا ضمير الموصوف المطابق له؛ فيبرز1؛ نحو: ما جاءتني امرأة ليست أو لا تكون فلانة، وما جاءني رجال ليسوا زيدًا، أو نساء لسن الهندات. "قال السيرافي: أجازوا الوصف "بليس، ولا يكون"؛ لأنهما نص في نفي المعنى عن الثاني، وهذا معنى الاستثناء، وليس ذلك في "عدا وخلا"، إلا بالتضمن، فلم يوصف بهما؛ لأنهما ليسا موضعي جحد؛ فلا يقال: ما أتتني امرأة عدت هندًا، أو: خلت دعدًا. ا. هـ، همع بتيسير بعض الألفاظ. ثانيهما: ما جاء في المفصل 2 ونصه: "قد يكون: ليس، ولا يكون" وصفين لما قبلهما من النكرات، تقول: أتتني امرأة لا تكون هندًا، فموضع "لا تكون" رفع؛ بأنه وصف لامرأة، وكذلك تقول في النصب والجر: رأيت امرأة ليست هندًا، ولا تكون هندًا، ومررت بامرأة ليست هندًا، ولا تكون هندًا. "ولا يوصف" "بخلا وعدا" كما وصف بـ"ليس، ولا يكون"، فلا تقول: أتتني امرأة خلت هندًا، وعدت جملًا، وذلك أن "ليس ولا يكون" لفظهما جحد، فخالف ما بعدهما ما قبلهما؛ فجريا في ذلك مجرى "غير"، فوصف بهما كما يوصف "بغير"، وأما "خلا وعدا" فليس كذلك، وإنما يستثنى بهما على التأويل، لا؛ لأنهما جحد، ولما كان معناهما المجاوزة والخروج عن الشيء فهم منهما مفارقة الأول، فاستثنى بهما لهذا المعنى، ولم يوصف بهما؛ لأن لفظهما ليس جحدًا؛ فليس جاريًا مجرى "غير". ا. هـ. ويلاحظ: أن صاحب "المفصل" لم يقيد وقوعهما نعتًا بالموضع الذي يصلحان فيه للاستثناء، كما قيده صاحب الهمع، وأن الأمثلة التي ذكرها صاحب المفصل صالحة للنعت هي التي نصب صاحب الهمع على عدم صلاحها نعتًا. فكيف ذلك؟. لا مفر من إعراب الجملة الفعلية في هذه الأمثلة نعتًا خالصًا لا يصلح للاستثناء؛ لأن النكرة التي قبل الفعلين ليست عامة؛ فلا تصلح "مستثنى منه" يتسع لإخراج المستثنى، فالجملة نعت محض –كالشأن في كل الجمل الواقعة بعد

_ 1 إلا عند ابن مالك كما سبق. 2 جـ 2 ص 78.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النكرات المحضة، وبهذا يتلاقى الرأيان ويتفقان. ب– ليست: "حاشًا" مقصورة على الاستثناء؛ وإنما هي ثلاثة أنواع: أولها: الاستثنائية؛ وهي فعل ماض جامد، وقد سبق ما يختص بها1. وثانيها: أن تكون فعلًا ماضيًا متعديًا متصرفًا؛ بمعنى "استثنى"، مثل: "حاشيت مال غيري أن تمتد له يدي حين نتخير موضوعات الكلام نحاشي الموضوعات الضارة إذا دعوت لحفل فحاش من لا يحسن أدب الاجتماع"2. ثالثها: أن تكون للتنزيه وحده3 أي: للدلالة على تنزيه ما بعدها من العيب 4 وهي اسم مرادف لكلمة: "تنزيه" التي هي مصدر: نزه، وتنصب "حاشا" هنا على اعتبارها مصدرًا قائمًا مقام فعل من معناه، محذوف وجوبًا، ويغني هذا المصدر عن النطق بفعله المحذوف 5؛ نحو: حاشًا لله، أي: تنزيهًا لله أن يقترب منه السوء، فكلمة: "حاشًا" – بالتنوين – مفعول مطلق، منصوب بالفعل المحذوف وجوبًا، الذي من معناه، وبتقديره: "أنزه"، والجار والمجرور متعلقان بها، ويصح أن يقال فيها: حاش لله، بغير تنوين؛ فتكون "حاش" مفعولًا مطلقًا، ولكنه مضاف، واللام بعده زائدة 6، وكلمة "الله" مضاف

_ 1 في ص 354. 2 إذا كانت فعلًا ماضيًا متصرفًا كهذا النوع، فإن ألفها الأخيرة تكتب ياء، هكذا: "حاشى"، بخلافها في النوعين الآخرين؛ فتكتب ألفًا. 3 أي: التنزيه الخالص الذي لا يشوبه معنى آخر؛ كالاستثناء أو غيره، ذلك أن "حاشا" الاستثنائية والمتصرفة لا تخلوان من تنزيه؛ ولكنه مختلط بمعنى آخر. 4 وهذا يشمل ما يكثر الآن حين يريدون تنزيه شخص من العيب، فيبتدئون بتنزيه الله تعالى: ثم ينزهون من أرادوا، يريدون أن الله منزه عن ألا يطهر ذلك الشخص من العيب. 5 سبق في باب المفعول المطلق تفصيل لكلام على المصدر القائم بدلًا من التلفظ بفعله ص 219، وفي ص 234 إشارة إليها. 6 كزيادتها في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ، ولهذا قال بعض النحاة: إن "حاش" اسم فعل بمعنى: برئ، أو تنزه، فتكون اسم فعل ماض مبني على الفتح واللام بعدها زائدة و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل رفع، فاعل اسم الفعل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه مجرور، كما يصح أن يقال فيها: حاش الله، بغير اللام الزائدة بين المضاف والمضاف إليه. ج– هل يحذف المستثنى؟ وهل تحذف أداة الاستثناء؟. أما حذف الأداة فالأصح أنها لا تحذف، وأما حذف المستثنى فيجوز بشروط ثلاثة: فهم المعنى، وأن تكون الأداة هي: "إلا" أو: "غير" وأن تسبقهما كلمة: "ليس"1، نحو: قبضت عشرة ليس إلا، أو: ليس غير، أي ليس المقبوض إلا العشرة، وليس المقبوض غير العشرة ... ومن القليل أن يحذف المستثنى بعد: "لا يكون"، بشرط فهم المعنى أيضًا، نحو: قبضت عشرة، لا يكون ... أي لا يكون غيرها ... لا يكون المقبوض غيرها. د– من أدوات الاستثناء "لما" بمعنى "إلا"، وقد وردت في أمثلة مسموعة إما في كلام منفي؛ مثل قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2، وإما في كلام مثبت ولكنه مقصور على بضعة أساليب سماعية؛ أشهرها: نشدتك الله لما فعلت كذا، وعمرك الله لما فعلت كذا. وإذا كانت للاستثناء وجب إدخالها على الجملة الاسمية، أو على الماضي لفظًا لا معنى كالمثالين السالفين3 إذا المعنى فيهما "إلا أن تفعل كذا"، ويستحسن كثير من النحاة الاقتصار على المسموع ... هـ- يذكر بعض النحاة في آخر باب الاستثناء تفصيل الكلام على

_ 1 أجاز بعضهم أن يكون النافي هو: "لا" إذا كانت أداة الاستثناء هي: "غير"؛ كما سيجيء في الجزء الثالث باب الإضافة عند الكلام على: "غير". 2 "إن" حرف نفي، مثلها في قوله تعالى: { ... وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} ، أو غير هذا من أنواع الإعراب المختلفة في الآية ونظائرها مما سبق تفصيله في ج 1 م 55 ص 676 في موضع تخفيف "النون" من "إن"، وأخواتها المختومة بالنون المشددة. 3 نص على هذا "الأشموني" في الجزء الرابع باب الجوازم؛ عند الكلام على "لما" الجازمة، انظر ما يتصل بالمسألة ويوضحها في: "أ" من الزيادة، ص 327".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "لا سيما" من ناحة تركيبها، ومعناها، وعلاقاتها بالاستثناء، وضبط الاسم الذي بعدها، وإعرابهما ... ويذكرها فريق آخر من باب الموصول، بحجة أن "ما" المتصلة بها تكون موصولة ... وقد آثرنا ذكرها في باب الموصول 1؛ لأنه أسبق، وصلتها به أقوى. ونزيد هنا أن بعض الرواة نقل لها أخوات مسموعة، منها: لا مثل ما ... لا سوى ما 2 ... فهذان يشاركان: "لا سيما" في معناها وفي أحكامها الإعرابية التي فصلناها فيما سبق3. ومنها: "لا تر ما ... "، و"لو تر ما"2 ... ، وهما بمعناها كما قلنا في الوضع المشار إليه، ولكنهما يخالفانها في الإعراب؛ فهذان فعلان لا بد من رفع الاسم بعدهما؛ ولا يمكن اعتبار "ما" زائدة مع جر الاسم بعدها بالإضافة؛ لأن الأفعال لا تضاف، والأحسن أن تكون "ما" موصولة وهي مفعول للفعل: "تر" وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت، والاسم بعدها مرفوع على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة. وإنما كان الفعل مجزومًا بعد "لا"؛ لأنها للنهي، والتقدير في "قام القوم لا تر ما علي": لا تبصر "أيها المخاطب الشخص" الذي هو علي، فإنه في القيام أولى منهم، أو تكون "لا" للنفي، وحذفت الألف من آخر الفعل سماعًا، وشذوذًا. وكذلك بعد "لو" سماعًا، والتقدير: لو تبصر الذي هو علي لرأيته أولى بالقيام. والجدير بنا أن نقتصر في استعمالنا، على: "ولا سيما" لشيوعها، ووضوحها قديمًا حديثًا.

_ 1 جـ 1 ص 366 م 29. 2 و 2 أشرنا لهذه في ص 62، وفي رقم 2 من هامش ص 347، أما البيان الكامل، ففي جـ 1 م 28 ص 366. 3 جـ 1 ص 366 م 28.

المسألة 84: الحال

المسألة 84: الحال مدخل ... المسألة 84: الحال 1 ظهر البدر كاملًا ... ـــ ... نجا الغريق شاحبًا أبصرت النجوم متوهجة ... ـــ ... أرسل التاجر البضاعة ملفوفة فحص الطبيب مريضه جالسين ... ـــ ... صافح المضيف ضيفه واقفين البرد قارسًا ضار ... ـــ ... الشمس شديدة مؤذية النزول من القطار متحركًا خطر ... ـــ ... ركوب السيارة ماشية وخيم العاقبة تعريفه: وصف2، منصوب3، فضلة4، يبين هيئة ما قبله؛ من فاعل، أو مفعول به،

_ 1 أبيات ابن مالك كما وردت في هذا الباب من "ألفيته" لا تساير تسلسل المسائل، ولا ترتيبها المنهجي على الوجه الذي ارتضيناه، لهذه وضعنا كل بيت عقب القاعدة التي يناسبها، ويتصل بها اتصالًا منطقيًا، وفي الوقت نفسه وضعنا بجانب كل بيت رقمًا يميزه، ويدل على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها ابن مالك. وكلمة: الحال بغير تاء التأنيث في آخرها صالحة، لأن تكون مذكرة أو مؤنثة، نحو: الحال طيب، أو: طيبة، إن هذا الحال حسن، وهذه الحال حسنة، أما إذ ختمت بتاء التأنيث فهي مؤنثة فقط، نحو: الحالة طيبة، إن هذه الحال حسنة. والكثير في اللفظ التذكير؛ بخلو آخره من التاء، والكثير في المعنى التأنيث. 2 اسم مشتق، وقد تكرر تعريف المشتق وأنواعه، ولكل منها باب خاص في الجزء الثالث. 3 في بعض المراجع المطولة كهامش التصريح معركة جدلية بسبب أن "النصب " ليس جزءًا من التعريف؛ وإنما هو حكم، والدفاع عن هذا، أو مقاومته، ولا يعنينا مثل هذا الجدل الذي لا خير فيه. والنصب قد يكون ظاهرًا، كما في الأمثلة المعروضة، أو: مقدرًا مثل: تغدو الطيور شتى، أو: محليًا، كقولهم: جاءت الخيل بداد، فكلمة: "بداد" علم جنس، وهي حال، مبنية عل الكسر في محل نصب. 4 الفضلة: ما يمكن أن يستغنى عنه في الأغلب المعنى الأساسي للجملة، وهي خلاف العمدة.

أو منهما معًا1، أو من غيرهما 2 وقت وقوع الفعل3 كالكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة. وتعرف دلالته على الهيئة بوضع سؤال كهذا: كيف كان شكل البدر حين ظهر؟ أو: كيف كانت صورته؟ فيكون الجواب: هو لفظ الحال السابقة؛ أي: كاملًا، أو: مستديرًا ... و ... و ... وكذا الباقي. وليس من اللازم أن تكون الحال في كل الاستعمالات وصفًا، وإنما هذا هو الغالب4، ولا أن تكون فضلة؛ فهذا غالب أيضًا؛ فقد تكون بمنزلة العمدة

_ 1 مثل الكلمتين: "جالسين" "واقفين" في الأمثلة السابقة. 2 أي: يبين هيئة صاحبه، كالفاعل، وكالمبتدأ، أو الخبر، أو اسم النواسخ، وسيجيء الكلام على صاحب الحال في ص 402 ولا قيمة للاعتراض على مجيء الحال من المبتدأ، أو من اسم الناسخ، أو مما ليس فاعلًا، أو مفعولًا به، أو نحوهما؛ ذلك؛ لأن من يرفضونه لا يرفضونه للسبب القويم الصحيح، وهو: عدم الاستعمال العربي الأصيل، وإنما يرفضونه؛ لأنه لا يتفق مع مظهر من مظاهر السلطان الذي وهبوه للعامل، كأن يقولوا في منع مجيء الحال من المبتدأ: إن العامل في المبتدأ معنوي؛ هو: "الابتداء"، فلو جاءت الحال من المبتدأ لكان المبتدأ هو عاملها؛ فينشأ من هذا عاملان مختلفان، أحدهما عامل في الحال، والآخر عامل في صاحبها، مع أن العامل عندهم في الحال لا بد أن يكون هو نفسه العامل في صاحبها أيضًا طبقًا للبيان الآتي في رقم 3 من هامش ص 380، والغريب أن المأثور الكثير من كلام العرب الخلص لا يوافقهم، ولا يؤيدهم، مع كثرته بدليل صحة قولهم: أعجبني عطاء المحسن مبتسمًا، وسرني صوت القارئ خاشعًا، ولهذا يخالفهم بحق "سيبويه" وفريق معه، للسبب المدون في رقم 3 ص 405. وإن ما يرفضونه ظاهرًا صريحًا، يقبلونه على نية التأويل؛ فكأن مجرد النية يبيح الأمر المحظور المخالف لها، بالرغم من أن اللفظ الذي يؤولونه لن يتغير في ظاهره، وصريح الأسلوب لن يطرأ عليه تبديل، وهذا موضع من مواضع الشكوى، ولعله السبب الذي حمل بعض النحاة المحققين؛ كارضي على رفض اعتراضهم، ونبذ رأيهم المخالف رأي سيبويه كما جاء في الخضري جـ 1 والصبان وغيرهما في باب الحال عند بيت ابن مالك: "وعامل ضمن معنى الفعل، لا ... "، وعلى أن يقول: "إن رأي سيبويه هو الحق، ولا ضرورة تدعو للرأي المخالف". وإذا كان المحظور يباح بمثل هذه النية وجب ترك الناس أحرارًا في محاكاة الكثير المأثور من الكلام العربي الصحيح، وفي القياس عليه، ومن شاء بعد ذلك أن يتأول فليفعل، فالمهم هو ترك اللفظ على حاله الظاهر المواقف للوارد، ومن حمل نفسه بعد ذلك مشقة التأويل، فهو حر وإن كانت المشقة بغير فائدة. 3 هذا هو الغالب، وقد يكون زمن الحال مقدرًا "أي: مستقبلًا، وسيجيء البيان في ص 390". 4 كما سيجيء في ص 368، عند تفصيل الكلام على اشتقاقها وجمودها.

أحيانًا في إتمام المعنى الأساسي للجملة، أو في منع فساده؛ فالأولى كالحال التي تسد مسد الخير1، في مثل: امتداحي الغلام مؤدبًا؛ فإن المعنى الأساسي هنا لم يتم إلا بذكر الحال، وكالحال في قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} وقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} ، وقول الشاعر: ولست ممن إذا يسعى لمكرمة ... يسعى وأنفاسه بالخوف تضطرب فالمعنى الأساسي لا يتم لو حذفت الحال: "كسالى" أو: "جبارين" أو: "أنفاسه تضطرب؟ والثانية: "وهي الحال التي يفسد معنى الجملة بحذفها"؛ مثل: ليس الميت من فارق الحياة، إنما الميت من يحيا خاملًا لا نفع له؛ فلو حذفنا الحال: "خاملًا" وقلنا: الميت من يحيا لوقع التناقض الذي يفسد المعنى، ومثل كلمة: "لاعبين" في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} ، فلو حذفت الحال "لاعبين" لفسد المعنى أشد الفساد2 ... هذا، وما يبين الحال هيئته من فاعل، أو مفعول به، أو منهما معًا؛ أو من غيرهما، يسمى: "صاحب الحال3". والتعريف السابق مقصور على الحال "المؤسسة" دون "المؤكدة"؛ لأن المؤسسة هي التي تبين هيئة صاحبها، أما المؤكدة فلا تبين هيئة، ومثال الأولى: ارتمى السارق صارخًا، ومثال الثانية: ولى الحزين منصرفًا، وسيجيء بيانهما وتفصيل الكلام عليهما قريبًا 4. أقسام 5 الحال، والكلام على كل قسم: تتعدد أقسام الحال بتعدد الاعتبارات المختلفة التي ينبني عليها التقسيم، وفيما يلي

_ 1 سبق شرحه في ج 1 ص 385 م 39 باب: المبتدأ والخبر. 2 انظر رقم 3 من ص 408. 3 يجيء الكلام عليه مفصلًا في ص 402 م 85. 4 في ص 391. 5 يسميها بعض النحاة أقسامًا، ويسميها آخرون أوصافًا، ويسميها فريق ثالث: نواحي الحال ... و ... ولا أهمية لاختلاف التسمية ما دام المراد واحدًا؛ وهو الكلام على الحال بحسب الاعتبارات المتصلة بها.

أشهر هذه الاعتبارات، وما تؤدي إليه. الأول: انقسام الحال باعتبار ثبات معناها وملازمته1 شيئًا 2 آخر، أو عدم ذلك إلى "منتقلة"، وهي الأكثر، "وثابتة"، وهي الأقل. فالمنتقلة: هي التي تبين هيئة شيء2مدة مؤقتة، ثم تفارقه بعدها، فليست دائمة الملازمة له: مثل: أقبل الرابح ضاحكًا، أسرع البرق مشتعلًا، شاهدت كتائب النمل مهاجرة ... و ... ، فكل حال من الثلاثة: "ضاحكًا، مشتعلًا، مهاجرة" يدل على معنى ينقطع، "فالضحك" لا يلازم صاحبه إلا مدة محددة يزول بعدها، وكذلك: "الاشتعال"، أو "المهاجرة". والثابتة: هي التي تبين هيئة شيء تلازمه غالبًا ولا تكاد تفارقه، وتتحقق الملازمة في إحدى صور ثلاث. أ- أن يكون معناها التأكيد، وهذا يشمل: 1– أن يكون معناها مؤكدًا مضمون جملة قبلها، بشرط أن يكون هذا المضمون أمرًا ثابتًا ملازمًا في الغالب، فيتفق معنى الحال ومضمون الجملة؛ ويترتب على هذا أن تكون الحال ثابتة ملازمة صاحبها تبعًا لذلك؛ نحو: خليل أبوك رحيمًا، "فرحيما" حال من "أب" الذي هو صاحبها الملازمة له، ومعنى هذا الحال وهو: "الرحمة" يوافق المعنى الضمني للجملة التي قبلها، وهو: "أبوة خليل"؛ لأن هذه الأبوة لا تتجرد من الرحمة، كما أن المعنى الضمني للجملة هو معنى الحال، إذ مضمون: "خليل أبوك" أنه رحيم، بداعي الأبوة التي تقتضي الرحمة والشفقة كما سلف، فلهذا كان معنى الحال مؤكدًا مضمون الجملة التي قبلها، والحال فيها ملازمة صاحبها. ويشترط في هذه الجملة التي قبلها أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها "وهما: المبتدأ والخبر" معرفتين، جامدتين3، ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا وعن

_ 1 وسبب هذه الملازمة وجود علاقة مبعثها العقل، أو الطبع، أو العادة، ولو لم تكن الملازمة دائمة في بعض الأحيان، كما جاء في حاشية ياسين في هذا الموضع. 2و2 وهو: صاحبها. 3 اشترط بعض النحاة أن يكون هذا الجمود محضًا، بحيث لا يتأول الجامد بالمشتق؛ احترازًا من =

عاملها، وأن يحذف عاملها وصاحبها1 وجوبًا؛ طبقًا للتفصيل الذي سيأتي ... 2– وكذلك يشمل أن تكون مؤكدة لعاملها؛ إما في اللفظ والمعنى معًا، نحو، قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، وإما في المعنى فقط، نحو، قوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} ، فكلمة: "حيا" حال من نائب فاعل المضارع: أبعث، أي: من الضمير المستتر "أنا"، ومعناها: الحياة، وهو معنى الفعل: أبعث؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فمعناها مؤكد لمعنى عاملها، والرسالة صفة ملازمة للرسول، وكذا حياة المبعوث؛ فكلاهما وصف حل بصاحبه لا يفارقه. 3– ويشمل أيضًا أن تكون مؤكدة بمعناها معنى صاحبها مع ملازمتها صاحبها؛ نحو: اختلف كل الشعوب جميعًا، فكلمة "جميعًا" حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو: "كل"؛ لأن معنى الجمعية هو معنى الكلية، لا يفترقان. وسنعود للكلام على أنواع من المؤكدة بمناسبة أخرى2. ب– أن يكون عاملها دالًا على تجدد صاحبها؛ بأن يكون صاحبها فردًا من نوع يستمر فيه خلق الأفراد وإيجادها على مر الأيام، أي: أن لذلك الفرد أشباهًا ونظراء توجد وتخلق بعد أن لم تكن، ويتكرر هذا الخلق والإيجاد طول الحياة؛ نحو: "خلق الله جلد النمر منقطًا، وجلد الحمار الوحشي مخططًا"، فكلمة "منقطًا" حال، وكذا كلمة "مخططًا"، وعاملهما: "خلق" وهو يدل على تجدد هذا المخلوق، أي: إيجاد أمثاله، واستمرار الإيجاد ي الأزمنة المقبلة.

_ = مثل: "علي الأسد مقدامًا"؛ لأن "الأسد" مؤول بالشجاع؛ فيكون الجامد المؤول بالمشتق هو العامل في الحال، وتصير الحال مؤكدة لعاملها، لا لمضمون الجملة، أما الجامد الذي لا يتأول عندهم فمثل: "علي أخوك رحيمًا"، بزعم أن الأخوة لا تستلزم الرحمة، بخلاف الأبوة، هذا رأيهم وتحقيقه عسير؛ إذ لا يكاد يوجد جامد لا يمكن تأويله، كما يقول كثير من النحاة، انظر رقم 2 من هامش ص 373 حتى المثال الذي عرضوه؛ ونظائره ولعل هذا كان السبب في أن شرطهم، ورأيهم لم يذكره بل لم يوافق عليه فريق آخر من النحاة، كصاحب التوضيح، كما يدل عليه مثاله وهو: "زيد أبوك عطوفًا" وكما يصرح شارحه بأنه مخالف للرأي السالف، "راجع التوضيح وشرحه عند تقسيمه الحال إلى مؤسسة ومؤكدة" وقد ذكر الأشموني وغيره مثال التوضيح أيضًا في أول باب الحال، ثم في الحال المؤكدة. 1 وهذا على اعتبار أنها حال من الضمير المحذوف مع العامل كما سيجيء في ص 383 و 391. 2 في ص 383 و 391.

جـ– أحوال مرجعها السماع، وتدل على الدوام بقرائن خارجية؛ مثل: "قائمًا" في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} ، فكلمة "قائمًا" حال، وعاملها الفعل: "شهد"، وصاحبها: "الله". ودوام القيام بالقسط معروف من أمر خارجي عن الجملة؛ هو: صفات الخالق. ومثل: "مفصلًا" في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} 1. الثاني: انقسامها بحسب الاشتقاق والجمود إلى: "مشتقة" وهي الغالبة؛ كالأمثلة السالفة وإلى "جامدة" وهي القليلة، ولكنها مع قلتها قياسية في عدة مواضع 2؛ سواء أكانت جامدة مؤولة بالمشتق، أم غير مؤولة 3. وأشهر مواضع المؤولة بالمشتق أربعة: أ- أن تقع الحال "مشبهًا به" في جملة تفيد التشبيه إفادة تبعية غير

_ 1 مبينًا فيه الحق والباطل بحيث لا يلتبس أحدهما بالآخر، ولا يختلط به. وفيما سبق من تعريف الحال، وبيان المنتقل منها والثابت، والجامد والمشتق، وأن المنتقل غالب ولكنه ليس مستحقًا، أي: ليس واجبًا يقول ابن مالك: الحال: وصف، فضلة، منتصب ... مفهم في حال: "كفردًا أذهب" أراد: مفهم في حال كذا ... فكلمة: "حال" هنا لا تنون؛ لأنها مضاف، والمضاف إليه محذوف على نية الثبوت، أي: في حال كذا كما سبق ذلك أن قولك: جاء محمودًا راكبًا، يفيد المعنى الذي في: جاء محمود في حال الركوب، وهو بيان هيئة صاحبه، وهذا معنى قولهم: الحال على معنى: "في"، ثم قال بعد ذلك: وكونه منتقلًا، مشتقًا ... يغلب، لكن ليس مستحقًا أي: هذا الكون الذي سرده ووصفه بالانتقال والاشتقاق ليس مستحقًا. فهو كثير لا واجب. 2 لأنها ليست قلة ذاتية مرادها قلة استعمال العرب لها، وإنما مرادها أنها قلة بانسبة للمشتقة، فهي كثيرة في ذاتها بغير نظر لقسيمتها. انظر معنى "القلة" في الأشموني ج 2 "باب الإضافة" عند بيت ابن مالك، "وربما أكسب ثان أولًا ... "، وستجيء إشارة لها في ص 456، ويجيء الإيضاح في ج 3 رقم 1 من هامش ص 74 م 94، وهذا، وفي الجزء الرابع باب جمع التكسير، م 172 ص 185 معنى المطرد وغير المطرد، والكثير، والغالب، والقياسي، وغير القياسي، وتحديد القلة والكثرة. 3 الأهمية الأولى إنما هي لصحة وقوع الحال جامدة في هذه المواضع، أما التأويل وعدمه فلا أهمية له.

مقصودة لذاتها، نحو: ترنم المغني بلبلا سارت الطيارة برقا هجم القط أسدا. فالكلمات الثلاث: "بلبلا، برقا، أسدا" أحوال منصوبة مُئَوَّلَة بالمشتق، "أي: سارا، سريعة، جريئا"، وكل حال من الثاث يعد بمنزلة المشبه به، "أي: كالبلبل، كالبرق، كالأسد"، ولا يعتبر مشبها به مقصودا حقيقة؛ لأن التشبيه المقصود الأول هنا، إنما المقصود الأول هو المعنى الحادث عند التأويل بالمشتق. ب- أن تكون الحال دالة على مفاعلة: "بأن يكون لفظها أو معناها جاريا على صيغة "المفاعلة"، وهي صيغة تقتضي في الأغلب المشاركة من جانبين أو فريقين في أمر"، نحو، سلمت البائع نقوده مقابضة، أو: سلمت البائع النقود يدا بيد، فكلمة: "مقابضة"، حال جامدة، ولفظها على صيغة: "المفاعلة" مباشرة ومعناها: "مقابضين"، وهذا يستلزم اشتراك البائع والمتكلم في عملية القبض. ولهذا كانت الحال هنا مبنية هيئة الفاعل والمفعول به معا، أي: أن صاحب الحال هو الأمران. ومثلها: يدا بيد1، إذ معنى الكلمتين لا لفظهما جاريا على صيغة: "المفاعلة" غير المباشرة؛ لأن معناهما: "مقابضة" وتأويلها: "مقابضين" أيضا، والأسهل عند الإعراب أن نقول: "يدا" حال من الفاعل والمفعول به معا، و: "بيد" جار ومجرور متعلقان بمحذوف، صفة للحال، والتقدير: ملتصقة بيد مثلا فمن مجموع هذه الصفة والموصوف ينشأ معنى الحال، وهو: "المفاعلة" المقتضية للمشاركة، فهذه المشاركة لا تتحقق إلا باجتماع الصفة والموصوف في المعنى. أما في الإعراب فكلمة: "يدا" وحدها هي الحال، وهي أيضا الموصوف، و"بيد" ... صفة ... ومثل هذا يقال في: "كلمت المنكر عينه إلى عيني1 أي: مواجهة أو مقابلة، بمعنى مواجهين ... فكلمة "عين" حال2 من الفاعل والمفعول به

_ 1و1 من الحال الجامدة المسموعة بنصها بعض أمثلة، منها قولهم ... يدًا بيد وقولهم: كلمته فاه إلى في، فهل يجوز القياس على تلك الأمثلة فنقول مثلًا: كلمت المنكر عينه إلى عيني؟ قالوا: لا يجوز القياس إلا عند بعض الكوفيين، وحجة المانعين جدلية لا تثبت على الفحص، والأنسب الرأي الكوفي. 2 يصح فيها وفي أمثالها الرفع؛ فتكون مبتدأ، والجار مع مجروره خبرها، والجملة في محل نصب، حال، ولا يحسن في كلمة: "عين" أن تكون بدلًا؛ لأن البدل في القول الشائع يكون على نية تكرار العامل، لا يستقيم المعنى هنا على تكراره، إذ لا يقال: كلمت عينه.

معًا، وهي مضاف، "والهاء" مضاف إليه، و"إلى عيني" جار ومجرور، ومضاف إليه، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة؛ والتقدير؛ عينه المتجهة إلى عيني ... ومجموع الصفة والموصوف هو الذي يوجد صيغة: "المفاعلة" برغم أن الإعراب يقتضي التوزيع على الطريقة السالفة؛ فتكون: "عين" الأولى وحدها هي الحال والموصوف معًا، وما بعدها صفة ... ومثل هذا أيضًا: كلمت الصديق فاه إلى في "أي: فمه إلى فمي"، بمعنى مشافهة؛ المؤولة بكلمة: مشافهين. ومثل: ساكنته غرفته إلى غرفتي؛ بمعنى: ملاصقة، التي تؤول بكلمة: ملاصقين، وجالسته جنبه إلى جنبي، كذلك ... ، وكل هذا قياس في الرأي الأحسن. ج– أن تكون دالة على سعر؛ نحو: بع القمح كيله بثلاثين، أي: مسعرًا فكلمة "كيلة" حال منصوبة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف، هو صفتها، والتقدير: كائنة مثلًا ومن مجموع الصفة والموصوف يكون المشتق المؤول. د– أن تكون الحال دالة على ترتيب: نحو: ادخلوا الغرفة واحدًا واحدًا 1أو: اثنين اثنين، أو: ثلاثًا ثلاثًا ... والمعنى: ادخلوها: مترتبين. وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولًا مجملًا، مشتملًا ضمنًا على جزأيه المكررين، ثم يأتي بعده تفصيله مشتملًا صراحة على بيان الجزأين المكررين. ومن أمثلته: يمشي الجنود ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة ... ، ينقضي

_ 1 يكثر اليوم أمثال هذه الأساليب المشتملة على التكرار العددي المفيد للترتيب، وقد منعها بعض النحاة، تبعًا للحريري في كتابه: "درة الغواص" حيث صرح بأنه لا يجوز: جاءوا واحدًا واحدًا، ولا اثنين اثنين؛ لأن العرب في رأيه عدلوا عن ذلك إلى: "أحاد، ومثنى وأخواتهما"، وهجروا المعدول عنه. وقد تعقبه الشهاب الخفاجي، وعلق على ذلك الرأي، مثبتًا بالأدلة والشواهد ابتعاده عن الصواب، وأن رأي الحريري هو الخطأ الذي لا سند يؤيده، وأن ذلك التكرير كثير في كلام العرب، فهو قياسي، وكذلك صرح بعض شراح "الكافية" بأن أسماء العدد المستعملة للتكرير المعنوي بلفظها مطردة. مما سبق يتبين أنه لا داعي لمنع تلك الأساليب، ولا للجدل حول قياستها. "كما ستجيء الإشارة في ج 4 ص 172 م 146".

الأسبوع يومًا يومًا، وينقضي الشهر أسبوعًا أسبوعًا، وتنقضي السنة السنة شهرًا شهرًا، وهكذا 3، ومن مجموع الكلمتين المكررتين تنشأ الحال المؤولة؛ الدالة على الترتيب ولا يحدث الترتيب من واحد فقط، لكن الأمر عند الإعراب يختلف؛ إذ يجب إعراب الكلمة الأولى وحدها هي الحال من الفاعل كما في الأمثلة السالفة أو من المفعول به، أو من غيره على حسب الجمل الأخرى التي تكون فيها. أما الكلمة الثانية المكررة فيجوز إعرابها توكيدًا لفظيًا للأولى، كما يجوز وهذا أحسن أن تكون معطوفة على الأولى بحرف العطف المحذوف "الفاء" أو: "ثم" دون غيرهما من حروف العطف1، فالأصل: ادخلوا الغرفة واحدًا فواحدًا، أو: ثم واحدًا يمشي الجنود ثلاثة فثلاثة، أو: ثم ثلاثة ... 2، ويصح أن يقال: ادخلوا الأول فالأول 3 ... و ... و ... فيكون حرف العطف ظاهرًا، وما بعده معطوف على الحال التي قبله، ولكن الحال هنا مع صحتها فقدت الاشتقاق والتنكير معًا. هـ- أن تكون مصدرًا صريحًا 4 متضمنًا معنى الوصف "أي: معنى المشتق"؛

_ 1 فالمجموع المجمل هو: "واو الجماعة، الجنود، الأسبوع، الشهر، السنة ... " ولهذه الأساليب صلة بما يشبهها من نحو: ثناء ومثنى، وثلاث ومثلث و ... و ... ، مما سيجيء بيانه في ج 4 ص 171 م 146 عند الكلام على منع الصرف للوصفية والعدل. 2 لأن هذين الحرفين هما اللذان يدلان على الترتيب، دون باقي حروف العطف. 3 وقد يكون الغرض من التكرار الاستيعاب لا الترتيب؛ فقد جاء في كتاب الإقليد: "إن العرب تكرر الشيء مرتين فتستوعب جميع جنسه"؛ مثل: ستمر بك أبواب الكتاب مفصلة بابًا بابًا، راجع ص 80 من حاشية الألوسي على شرح القطر. 4 "الأول" السابقة "حال" منصوبة، والثانية معطوفة عليها بالفاء التي تفيد الترتيب، وزيدت، سماعًا، فيهما "أل" شذوذًا، كما تزاد في النظم للضرورة. والأصل: ادخلوا أول فأول؛ أي: ادخلوا مترتبين. وقد سبق هذا عند الكلام على "أل" الزائدة ج 1 م 31 ص 98 "ب" انظر ما يتصل بها في ص 376. 5 أما المصدر المؤول فلا يكون حالًا؛ لأنه يشتمل على ضمير يجعل الحال معرفة، فتخالف الأغلب فيها: وهو؛ التنكير، وبالرغم من هذا يصح وقوع الحال مصدرًا مؤولًا بشرط أن تكون أداة السبك هي: "ما" المصدرية، وبعدها فعل من أفعال الاستثناء الثلاثة "خلا" أو: "عدا" أو: "حاشا"؛ لأن المصدر المؤول هنا يؤول بنكرة، "انظر رقم 2 من هامش ص 355، وفي ج 1 ص 21 م 29 إشارة لبعض ما تقدم".

بحيث تقوم قرينة تدل على هذا؛ نحو: اذهب جريًا لإحضار البريد، أي: جاريًا تكلم الخطيب ارتجالًا، أي: مرتجلًا1 حضرالوالد بغتة، أي مفاجئًا لا تثق بالكذوب، واعلم يقينا ... أن شر الرجال فينا الكذوب أي: متيقنًا. وقد ورد بكثرة في الكلام الفصيح وقوع المصدر الصريح المنكر حالًا؛ ولكثرته كان القياس عليه مباحًا في رأي بعض المحققين 2، وهو رأي فوق صحته فيه تيسير، وتوسعة، وشمول لأنواع من المصادر أجازها فريق، ومنعها فريق، ولا معنى لتأويل المصادر الكثيرة المسموعة تأويلًا يبعدها عن المصدر، كما فعل بعض النحاة من ابتكار عدة أنواع من التأويل بغير داع 3؛

_ 1 أي: من غير إعداد سابق للخطبة. 2 انظر البيان وقرار مؤتمر المجمع اللغوي، في هذا الشأن، رقم 2 التالي:. 3 غريب كما يقول بعض النحاة أن يكثر ورود الحال مصدرًا منكرًا، في فصيح الكلام المأثور، بل في أفصحه؛ وهو: القرآن، ثم نسمع ونقرأ من يقول: إنه بالرغم من تلك الكثيرة مقصور على السماع، راجع آخر صفحة من الحاشية على شرح "التصريح" باب "الإدغام". فما جاء في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} ، وقوله: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً} ، وقوله: {إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} ، وقوله: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، فالكلمات: سعيًا، سرًا، جهارًا، خوفًا، ظلمًا، هي مصادر لا شك فيها، وهي أيضًا بعض ما جاء في الكتاب العزيز من الأحوال، وما أكثر ما جاء في غيره مما يستشهد به، وتأويلها بالمفعول المطلق الذي حذف عامله ضعيف؛ لأن حذف عامل المؤكد في مثل هذا معيب كما سبق في ص 211 وكذا كل تأويل آخر يشبه، فما الذي يقاس عليه إن لم تكن هذه الشواهد كلها داعية للقياس عليها؟ ولماذا يوافق بعضهم على القياس في المصدر المنكر الصريح إذا كان نوعًا لعامله؛ نحو جاء السائق سرعة، أي: سريعًا؟ ولماذا يقصره كثير منهم على أنواع ثلاثة من المصدر الصريح النكرة؟ هي: أ– المصدر الدال على بلوغ نهاية الشيء؛ نحو: أنت الرجل شجاعة، وأخوك الرجل علمًا، وأمثال هذا المصدر الذي قبله خبر مقرون "بأل" الدالة على الوصول إلى نهاية الشيء؛ حسنًا أو قبحًا. ب– والمصدر الذي قبله مبتدأ وخبر، والمبتدأ شبه بالخبر، أنت عمر عدلًا، وهي الخنساء شعرًا. جـ– والمصدر الواقع بعد: "أما" في نحو: أما بلاغة فيبلغ، من كل صدر وقع بعد "أما" في مقام قصد في الرد على من وصف شخصًا بوصفين، أو سلبه أحدهما، وأنت تعتقد اتصافه بواحد منهما. والحق أنه لا داعي لشيء من التقييد والحصر في هذا كله، فالقياس مباح على كل ما سلف، وبالقياس أخذ مؤتمر المجمع اللغوي الذي انعقد بالقاهرة خلال شهر فبراير سنة 1971، وسجله بين قراراته النهاية التي أصدرها بعد تمحيص وطول بحث.

إذ لم يراعوا للكثرة حقها الذي يبيح القياس 1. وأشهر مواضع الحال الجامدة التي لا تتأول بالمشتق سبعة: أ– أن تكون الحال الجامدة موصوفة بمشتق2 أو بشبه 3 المشتق؛ نحو: "ارتفع السعر قدرًا كبيرًا، وقفت القلعة سدًا حائلًا، تخيل العدو القلعة جبلًا في طريقه، عرفت جبل المقطم حصنًا حول القاهرة. والنحاة يسمون هذا الحال الموصوفة: "بالحال الموطئة"، "أي: الممهدة" لما بعدها؛ لأنها تمهد الذهن، وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة التي لها الأهمية الأولى دون الحال، فإن الحال غير مقصودة؛ وإنما هي مجرد وسيلة وطريق إلى النعت الذي بعدها، ولهذا يقسم النحاة الحال قسمين: أحدهما: "الموطئة"، وتسمى أيضًا: "غير المقصودة"، وهي التي شرحناها. وثانيهما: "المقصودة مباشرة"؛ وهي المخالفة للسالفة.

_ 1 يقول ابن مالك: ومصدر منكر حالًا يقع ... بكثرة؛ كبغتة زيد طلع-6 وسيعاد هذا البيت لمناسبة اخرى في ص 376. 2 يرى كثير من النحاة أن هذه مؤولة بالمشتق أيضًا، وأنه لا وجود لحال جامدة لا تؤول بالمشتق كما سبق في رقم 3 من هامش ص 366، والخلاف شكلي لا أثر له. 3 شبه المشتق "أو: شبه الوصف" هو الظرف والجار مع مجروره، وإنما كان شبه الجملة شبيها بالمشتق لإمكان تعلق كل منهما بمحذوف مشتق، تقديره: كائن، أو: موجود، أو: حاصل ... ولأن الضمير قد انتقل من المشتق بعد حذفه إلى شبه الجملة "كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 282، وفي هامش ص 448 م 89". ويلحق بشبه المشتق هنا ما يسمونه "المؤول بالمشتق" يريدون به: الاسم المختوم بياء النسب كعربي، ومصري و ... إذ يؤولونه بالمنصوب إلى العرب، وإلى مصر ... ، ومن أمثلته هنا قوله تعالى عن القرآن الكريم: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ... ، فكلمه: "قرآنًا" حال، و"عربيًا" صفة لها.

ب– أن تكون دالة على شيء له سعر؛ نحو: اشتريت الأرض قيراطًا بألف قرش، وبعتها قصبة بدينار رضيت بالعسل رطلًا بعشرة قروش، وبعته أقة بثلاثين ... فالكلمات؛ "قيراطًا، قصبة، رطلًا، أقة" حال جامدة، وهي من الأشياء التي تسعر؛ كالمكيلات، والموزونات، والمساحات ... جـ– أن تكون دالة على عدد؛ نحو: اكتمل العمل عشرين يومًا، وتم عدد العاملين فيه ثلاثين عاملًا، فكلمة: "عشرين" و"ثلاثين"، ... حال. د– أن تكون إحدى حالين ينصبهما "أفعل التفصيل"، متحدتين في مدلولهما، وتدل على أن صاحبها في طور من أطواره مفضل1 على نفسه أو على غيره، في الحال الأخرى، نحو: هذا الخادم شبابًا أنشط منه كهولة، فللخادم أطوار مختلفة؛ منها طور الشباب، وطور الكهولة، وهو في طور الشباب مفضل على نفسه في طور الكهولة، وناحية التفضيل هي: النشاط. ومثل: الشتاء بردًا أشد منه دفئًا، فللشتاء أطوار، منها طور البرودة، وطور الدفء، وهو في ناحية البرد أشد منه في ناحية الدفء، ومثل: الحقل قصبًا أنفع منه قمحًا. ومن الأمثلة للمفضل على غيره: الولد غلامًا أقوى من الفتاة غلامة2 المنزل سكنًا أحسن من الفندق إقامة ... وكلتا الحالين في جميع ما تقدم منصوبة بأفعل التفضيل، والأكثر أن تتقدم إحداهما عليه، وهي المفضلة، وتتأخر الثانية 3. هـ- أن تكون نوعًا من أنواع صاحبها المتعددة؛ نحو: هذه أموالك4 بيوتًا؛ فكلمة: "بيوتًا" حال، وصاحبها وهو: أموال له أنواع متعددة

_ 1 ليس المراد بالتفضيل: الحسن، أو عدم العيب، أو قلته ... وإنما المراد: الزيادة في الشيء مطلقًا؛ حسنًا: وقبحًا، كما سيجيء في باب التفضيل، جـ3. 2 مؤنث غلام. 3 كما يجيء في رقم 2 من هامش 381، وفي "د" من ص 384، ثم انظر الملاحظة التي في ص 385؛ حيث يجوز تأخرهما. 4 المال: كل شيء يمكن امتلاكه، من عقار، ونقود، وغيرهما.

"منها: البيوت، والزروع والمتاجر، والثياب ... "، ونحو: هذه ثروتك كتبًا، وهذه كتبك هندسية ... و– أن يكون صاحبها نوعًا معينًا وهي فرع منه؛ نحو، رغبت في الذهب خاتمًا، انتفعت بالفضة سوارًا، تمتعت بالحرير قميصًا ... و ... فكل من الذهب؛ والفضة، والحرير، نوع، والحال فرع منه1. ز– أن كون هي النوع وصاحبها هو الفرع المعين؛ نحو: رغبت في الخاتم ذهبًا انتفعت بالسوار فضة، تمتعت بالقميص حريرًا 2 ... الثالث: انقسامها من ناحية التنكير والتعريف: لا تكون الحال إلا نكرة 3، كالأمثلة السالفة، وقد وردت معرفة في ألفاظ مسموعة لا يقاس عليها، ولا يجوز الزيادة فيها، ومنها كلمة "وحد" في قولهم: جاء الضيف وحده سايرت الزميل وحده، فكلمة: "وحد" حال، معرفة؛ بسبب إضافتها للضمير؛ وهي جامدة مؤولة بمشتق من معناها، أي: منفردًا، أو متوحدًا 4.

_ 1 ضابط هذا القسم: أن يكون الفرع جزءًا من أصله، وحين يتفرع منه يكتسب اسمًا جديدًا، وهذا الاسم الجديد لا يمنع من إطلاق اسم الأصل عليه. 2 وفي الحال الجامدة يقول ابن مالك: ويكثر الجمود في سعر، وفي ... مبدي تأول بلا تكلف-3 أي: في الأشياء التي تسعر، وفي كل ما يظهر قبول التأويل السهل: كبعه مدًا بكذا، يدًا بيد ... وكر زيدًا أسدًا، أي: كأسد-4 المد: مكيال يختلف باختلاف الجهات: فهو في بضعها مقدار وطل وثلث، وفي بعض آخر مقدار رطلين ... و ... وقد يكون ملء الكفين المعتدلتين مع امتدادهما. 3 أو ما هو بمنزلة النكرة، كالجملة الواقعة حالًا؛ لما رددناه من أن الجملة نكرة أو بمنزلة النكرة، راجع رقم 4 من هامش ص 394. 4 كلمة: "وحد" ملازمة للإضافة دائمًا، ويدر الجدل حول إعرابها وإضافتها؛ أهي ملازمة للنصب دائمًا، أم تتركه إلى غيره؟ أهي مضافة للضمير وجوبًا، أم يجوز إضافتها إلى غيره؟ بيان هذا كله مسجل في "باب الإضافة" ج 3 م 94 ص 66.

ومنها: "رجع المسافر عوده على بدئه"، فكلمة: "عود" حال، وهي معرفة، لإضافتها للضمير، ومؤولة بالمشتق، على إرادة: رجع عائدًا، أو راجعًا على بدئه، والمعنى: رجع عائدًا فورًا، أي: في الحال: أو: رجع على الطريق نفسه. ومنها: "ادخلوا الأول فالأولى1"، أي: مترتبين، ومنها: جاء الوافدون الجماء الغفير 2، أي: جميعًا. ومنها: قولهم في رجل أرسل إبله أو حمره الوحشية إلى الماء، مزاحمة غيرها ومعاركة: أرسلها العراك، أي: معاركة، مقاتلة3.

_ 1 انظر ما يوضح هذا في رقم 4 من هامش ص 371. 2 "الجماء": مؤنث الأجم، بمعنى: الكثير، و"الغفير": الكثير الذي يغفر وجه الأرض، أي: يغطيه بكثرته. والغفير، في المثال صفة للجماء، مع أن كلمة: "الغفير" هنا مذكرة، والجماء مؤنثة فلم تطابق الصفة موصوفها الحقيقي، وقد تلمس النحاة لهذا تأويلات؛ منها: أن "فعيلًا" هذا وإن كان بمعنى فاعل، قد حمل على "فعيل" بمعنى "مفعول" حيث تحذف التاء منه غالبًا عند ذكر الموصوف، وهذا وأشباهه مردود. والسبب الذي لا يرد هو: أن العرب نطقوا بها هكذا من غير تعليل.. 3 يقول بعض النحاة: إن الأحوال المذكورة ليست معارف؛ لأن "وحد" و"عود" ألفاظ مبهمة لا تكتسب التعريف؛ ولأن "أل" زائدة في الأحوال الباقية المبدوءة بها وهذا رأي فيه تكلف وضعف. يقول ابن مالك: والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنى، كوحدك اجتهد-5 ومصدر منكر حالًا يقع ... بكثرة؛ كبغتة زيد طلع-6 وقد سبق هذا البيت في رقم 1 من هامش ص 373 لمناسبة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الألفاظ التي وقعت حالًا مع أنها معرفة بالإضافة، قولهم: تفرق المهزومون أيادي سبأ، على تأويل: متبددين، لا بقاء لهم، أو على تأويل "مثل أيادي سبأ"1، وحذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه؛ فأعرب حالًا مثله2. ومنها: طلبت الأمر جهدي، أو طاقتي، على تأويل، جاهدًا، ومطيقًا 3. ومنها: العدد من ثلاثة إلى عشرة، مضافًا إلى ضمير المعدود؛ نحو: مررت بالإخوان ثلاثتهم ... أو خمستهم ... أو سبعتهم ... على تأويل مثلثًا إياهم، أو مخمسًا، أو مسبعًا ... ويجوز اتباعه لما قبله؛ فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًا: بمعنى جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد. والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد؛ بل يسري على المركب؛ نحو: جاء القوم خمسة عشرهم؛ بالبناء على الفتح 4 في محل نصب، أو محل غيره على حسب حاجة الجملة.

_ 1 يلاحظ أن كلمة: "مثل" هي من الألفاظ المبهمة في أغلب استعمالاتها كما سبق في ص 302، ولهذا لا تكتسب التعريف إذا أضيفت لمعرفة. 2 سيجيء هذا في جـ 3 م 96 ص 136. 3 ستجيء الإشارة لهذه الألفاظ في باب الإضافة جـ 3 ص 24 م 93. 4 بالرغم من أن العدد المركب مبني هنا فهو مضاف للضمير، وستجيء إشارة لهذا في باب "التوكيد" جـ 3 م 116 ص 413، وكذلك في جـ 4 باب: "العدد" عند الكلام على تمييز العدد م 164 ص 379.

الرابع: انقسامها من ناحية انها هي نفس صاحبها في المعنى أو ليست كذلك. الغالب أنها هي نفسه؛ كالحال المشتقة في نحو: صاح المتألم صارخًا، شاهدت الطيور مبكرة ... فالصارخ في الجملة، هو المتألم، والمتألم هو الصارخ؛ والمبكرة هي الطيور، والطيور هي المبكرة. وغير الغالب أن تكون مخالفة له، كالحال الواقعة مصدرًا صريحًا في نحو: خرج الولد جريًا، وجاء القادم بغتة، وأشباههما؛ فإن الجري ليس هو الولد، والولد ليس هو الجري، والبغتة ليست هي القادم، والقادم ليس هو البغتة، وقد سبق 1 الكلام على صحة وقوع المصدر حالًا، وهذه المخالفة لصاحبها لا تؤثر في المعنى مع القرينة. الخامس: انقسامها بحسب تأخيرها عن صاحبها، أو تقديمها عليه، وبحسب تأخيرها عن عاملها أو تقديمها عليه إلى ثلاثة أقسام في كل2 هي: وجوب تأخيرها، ووجوب تقديمها، وجواز الأمرين. ترتيبها مع صاحبها: أ– يجب تأخيرها عن صاحبها إذا كانت محصورة 3، نحو قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} ، فلا يصح تقديم الحال وحدها؛ لأن تقديمها يفسد سلامة التركيب، ويزيل الحصر والغرض البلاغي منه،. ولو تقدمت معها "إلا" فالأحسن المنع أيضًا، مع مجاراة لنهج الصحيح الشائع. وكذلك يجب تأخيرها إن كان صاحبها مجرورًا بالإضافة "أي: أنه مضاف إليه" 4، نحو: أعجبني شكل النجوم واضحة؛ فلا يجوز تقديم الحال: "واضحة" على صاحبها المضاف: "النجوم" لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف

_ 1 في: "هـ" من ص 371. 2 أحكام التقديم والتأخير الآتية مقصورة على الحال المؤسسة، أما المؤكدة فالرأي الأنسب عدم تقديمها. 3 سبقت الإشارة إلى الحصر ومعناه، وطريقته في الجزء الأول ص 364 م 37. 4 بشرط أن يصلح لمجيء الحال منه، وسيجيء بيان ذلك في ص 404.

إليه، والفضل بها لا يصح، كما لا يصح في الرأي الأنسب تقديمها على المضاف، "ولا فرق في الحالين بين الإضافة المحضة وغيرها". أما إذا كان صاحبها مجرورًا بحرف جر أصلي؛ نحو: جلست في الحديقة، ناضرة، فالأحسن الأخذ بالرأي القائل بجواز تقديمها؛ لورود أمثلة كثيرة منها في القرآن وغيره تؤيده 1، ولا داعي لتكلف التأويل والتقدير2 والتقديم، فإن كانت مجرورة بحرف جر زائد جاز التقديم؛ نحو: ما جاء متأخرًا من

_ 1 ومنها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أي: ما أرسلناك إلا للناس كافة وقول الشاعر: تسليت طر عنكمو بعد بينكم ... بذكراكمو حتى كأنكموا عندي البين: الفراق: طرا: جميعًا، أي: تسليت عنكم طرا. وبمناسبة الكلام على: "كافة" يذكر أكثر اللغويين والنحاة ألفاظًا لا تستعمل إلا منصوبة على "الحال"، ومنها: "كافة" و"قاطبة" غير أن "الصبان" سجل في باب: "الحال" جـ 3 عند الكلام على الآية السابقة استعمال "كافة" مجرورة ومضافة في كلام عمر بن الخطاب ونصه: "قد جعلت لآل بني كاكلة على كافة المسلمين لكل عام مثنى مثقال ذهبًا إبريزًا". وعرض الصبان بعد ذلك لتفصيلات أخرى تختص بهذه الكلمة، وباستعمالها. وعلى هامش القاموس المحيط جـ 3 مادة: "كف" نص منقول عن شرح القاموس يجيز استعمال هذه الكلمة مرونة بأل، أو مضافة، وأن رفض هذين الاستعمالين لا مسوغ له، ونص كلامه: "ما رفضوه رده الشهاب في شرح الدرة، وصحح أنه يقال، وإن كان قليلًا". ا. هـ. أما: "قاطبة" فقد استعملها "الجاحظ" غير حال في أول رسالته التي موضوعها: "تفضيل النطق على الصمت" حيث يقول: "وإن حجته قد لزمت جميع الأنام، ودحضت حجة قاطبة أهل الأديان". وتردد الأدباء في محاكاته، ولكن هذا التردد يزول بما جاء في كتاب: "الأمالي، للقالي" جـ 1 ص 170 طبعة المطبعة الأميرية بالقاهرة، فقد قال مؤلفه عند الكلام على مادة: "قطب" ومعناها ما نصه: "قال يعقوب بن السكيت: يقال: قطب، يقطب، قطوبًا، وهو قاطب ... إذا جمع ما بين عينيه، واسم ذلك الموضع: "المقطب"، ومنه قيل: الناس قاطبة، أي: الناس جمع". ا. هـ، فقد استعملها خبرًا، ومن كل ما سبق يتبين أن الكلمتين ليستا ملازمتين للحال. 2 ولا شك أن محاكاة القرآن في هذه الصيغة، وفي جميع الصيغ الواردة به جائزة بليغة، ما دامت المحاكاة تامة فليس لأحد أن يرفضها، ومن شاء تأويلها كما أول الآية فليفعل ... وفي هذه الصورة يقول ابن مالك: وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا، ولا أمنعه فقد ورد-9 أي: أن النحاة أبوا أن يوافقوا على تقديم حال صاحبها فقد جر بحرف جر "أي: أصل"، ثم أوضح رأيه الخاص قائلًا: إنه لا يوافقهم، ولا يمنع تقديم الحال وسبقها على صاحبها المجرور بالحرف؛ الأصلي؛ لأن هذا ورد في الكلام الفصيح، وإذا كان واردًا فيه بقدر كاف فكيف يمنع؟ لكنه لا يذكر التفصيل.

أحد، وهذا بشرط أن يكون حرف الجر الزائد مما لا يمتنع حذفه، أو مما لا يقل حذفه؛ فالذي يمتنع كالباء الداخلة على صيغة: "أفعل" الخاصة بأسلوب التعجب؛ نحو: أحمل بالنجوم1 طالعة، والذي يقل كالباء في فاعل: "كفى" بمعنى: "يكفي"، مثل: كفى بالزمان مرشدًا، فإن كان حرف الجر الزائد مما يمتنع حذفه، أو يقل لم يجز تقديم الحال عليه. وزاد بعض النحاة مواضع أخرى يمتنع فيها تقديم الحال على صاحبها، منها: أن يكون صاحبها منصوبًا بالحرف الناسخ: "كأن" أو: "ليت"، أو: "لعل" أو بفعل تعجب، أو بصلة الحرف المصدري في نحو: أعجبني أن ساعدت الفقيرة عاجزة أو أن يكون ضميرًا متصلًا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقة صافيًا2. ب– ويجب تقديمها على صاحبها إذا كان محصورًا؛ نحو: ما فاز خطيبًا إلا البليغ، ولا انتصر مدافعًا إلا الصادق. أو كان صاحبها مضافًا إلى ضمير يعود على شيء له صلة وعلامة بالحال، نحو: جاء زائرًا هندًا أخوها، جاء منقادًا للوالد ولده. ج– ويجوز التقديم والتأخير في غير حالتي الوجوب السالفتين، نحو دخل الصديق مبتسمًا، أو: دخل، مبتسمًا، الصديق. ترتيبها مع عاملها3: أ– يجب أن تتأخر عنه إن كان فعلًا جامدًا كفعل التعجب؛ نحو:

_ 1 تفصيل الكلام على هذه "الباء" في باب التعجب، ج 3 م 108، ص 279. 2 على اعتبار أن صاحب الحال: "هاء" الضمير، لا المبتدأ. 3 "ملاحظة هامة" تختص بالعامل في الحال، وفي صاحبها: الحال منصوبة، وعامل النصب إما لفظي؛ كالمصدر، وكالفعل المشتق، وكالوصف الذي يعمل عمله، وكاسم الفعل. .. وإما معنوي كأسماء الإشارة، وألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيجيء ذكرها هنا، ومنها شبه الجملة، والعامل في الحال هو في أكثر الصور العامل في صاحبها فعاملها واحد، ولو اختلف نوع عمله في كل منهما، وهناك صور أخرى يختلف فيه العاملان عامل الحال، وعامل صاحبها كالحال التي صاحبها المبتدأ، حيث يكون المبتدأ هو العامل في الحال، ويكون الابتداء هو العامل في المبتدأ وكالحال التي صاحبها اسم لناسخ ... وكثرة النحاة تشترط أن يكون العامل في الحال، وفي صاحبها واحدًا في كل الصور، إلا سيبويه وفريق معه، فإنه يرفض هذا الشرط كما سبق البيان المفيد في رقم 2 من هامش ص 364 ورأيه هو الحق؛ لما سلف هناك مفصلًا، ولما يجيء في رقم 3 من هامش ص 405 حيث بيان السبب عند سيبويه.

ما أحسن الصديق وفيًا، أو كان مشتقًا يشبه الجامد، كأفعل التفضيل1؛ نحو: أنت أفصح الناس متكلمًا 2. أو كان عاملها مصدرًا صريحًا يمكن تقديره بأن والفعل والفاعل، نحو: من الخير إنجازك العمل سريعًا، فكلمة: "سريعًا" حال من الكاف، والعامل هو المصدر الصريح3: "إنجاز" ومن الممكن أن يحل محله مصدر مؤول من أن والفعل والفاعل فتكون الجملة: من الخير أن تنجز العمل سريعًا، ومثله أن تقول: يعجبني إنجاز الصانع عمله سريعًا؛ فكلمة: "سريعًا" حال من "الصانع"، والعامل هو: "نجاز" أيضًا. فإن كان المصدر الصريح غير مقدر بهما جاز تقديم الحال وتأخيره؛ نحو: معتذرًا لك صفحًا عن المسيء ... أو: صفحًا عن المسيء معتذرًا لك. أو كان العالم اسم فعل؛ نحو: نزال مسرعًا؛ أي: انزل مسرعًا؛ لأن معمول اسم الفعل لا يتقدم عليه.

_ 1 كان شبيهًا بالجامد؛ لأنه في كثير من أحواله لا يقبل علامة التأنيث، ولا علامة التثنية، أو الجمع؛ فخالف بهذا المشتقات الأصيلة؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، واقترب من الجامد الذي لا تتغير صورته. 2 يستثنى من أفعل التفضيل صورتان؛ إحداهما: أن يكون عاملًا في حالين لاسمين، متحدين في مسماهما، وإحداهما مفضلة على الأخرى، فالأحسن تقديم المفضلة عليه، وتأخير الأخرى عنه، نحو: هذا الأديب نائرًا أبرع منه شاعرًا. فكلمة: "أبرع" أفعل تفضيل، نصبت حالين؛ هما: "ناثرًا" و"شاعرًا" والاسمان لمسمى والصورة وإحداهما مفضلة، وهي: "ناثر" فتقدمت على العامل؛ وتأخرت الثانية. والصورة الثانية كالسابقة؛ إلا أن الحالين لشيئين مختلفين في مسماهما، نحو؛ المتعلم منفردًا أنفع من الجاهل مستعينا بغيره. "راجع د من ص 374 ود من ص 384، وانظر الملاحظة التي بعدها حيث يجوز تأخير الحالين معًا. 3 إذا كان العامل مصدرًا نائبًا عن فعله المحذوف وجوبًا جاز تقديم الحال، نحو: إكرامًا هندًا متعلمة، فيصح: متعلمة إكرامًا هندًا "كما في ج من ص 384"، وقد سبقت مواضع المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبا في ص 220 م 76.

أو كان العامل معنويًا؛ "وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروف الفعل كألفاظ الإشارة، والاستفهام، وأحرف التمني والتشبيه، وكشبه الجملة الظرف، أو الجار مع مجروره الواقع خبرًا، أو نعتًا كذلك"1، نحو: هذا كتابك جميلًا، فكلمة: "جميلًا" حال من الخبر: "كتاب" والعامل هو اسم الإشارة، ومعناه: أشير؛ فهو يتضمن معنى الفعل، دون أن يشتمل على حروفه. ومثل: ليت الصانع، متعلمًا، حريص على الإتقان، فكلمة: "متعلما" حال من الصانع، والعامل "هو: ليت"، وحرف معناه: "أتمنى"، فيتضمن معي الفعل دون حروفه ... ومثل: كأن الباخرة، واسعة، فندق كبير، ومثل: الزروع أمامك ناضرة، أو: الزروع في حديقتك، ناضرة ... والاستفهام المقصود به التعظيم؛ نحو: يا جارتا، ما أنت، جارة؟ وهكذا كل ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه غير ما سبق، كأدوات التنبيه، والترجي، والنداء ... لكن بعض النحاة يستثني من العامل الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه، شبه الجملة بنوعيه "الظرف والجار مع مجروره"، فيجيز أن يتقدم عليها الحال أو يتأخر، نحو: "الحارس عند الباب واقفًا، و: الحارس، واقفًا، عند الباب"، نحو: القط في الحديقة قابعًا، أو: القط، قابعًا، في الحديقة، وإنما يجيز تقدم هذه الحال بشرط أن تتوسط بين مبتدأ متقدم وخبره شبه الجملة المتأخر عنه، وعن الحال معًا، ولا يصح تقدم الحال عليهما معًا، فلا يقال: "واقفًا، الحارس عند الباب، ولا قابعًا القط في الحديقة"، فإن تقدمت الحال والخبر معًا، وكانت الحال هي الأسبق جاز؛ نحو: واقفًا عند الباب الحارس، وهذا رأي مقبول2.

_ 1 لأن شبه الجملة قد يكون متعلقًا بفعل محذوف، أو بوصف محذوف، وينتقل إلى شبه الجملة الضمير الذي يكون في المتعلق بعد حذفه، وبهذا يصير شبه الجملة متضمنًا معنى الفعل، لاشتماله على المتعلق المحذوف، فوق اشتماله على ضميره "على الوجه المفصل في جـ 1 ص 346 م 35، ورقم 3 من هامش ص 373 في هذا الباب وهامش من وص 448 م 89". 2 برغم قلته بالنسبة إلى الأول "فالقلة نسبية لا تمنع القياس"، وحجة أصحابه ورود أمثلة فصيحة تكفي للحكم بقياسيته؛ منها قراءة من قرأ قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، بنصب، "مطويات" وقول الشاعر: رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم، ورهط ربيعة من حذار فكلمة: "محقبي" حال، تقدمت على عاملها شبه الجملة: "فيهم" ... والمخالفون لهذا الرأي يؤلونه بغير داع مقبول.

ويصح عند أكثر النحاة تقديم الحال على عاملها "شبه الجملة" إن كانت هي شبه جملة أيضًا؛ نحو: الخير عندك أمامك، أو الخير في الدار أمامك ... على اعتبار الظرف "عند"، والجار مع مجروره "في الدار" حالين من الضمير المستكن في شبه الجملة بعدهما1. أو كانت الحال مؤكدة معنى الجملة2؛ نحو: على جدك شفيقًا، وتقدير العامل: علي جدك أعرفه، "أو: أعلمه، أو: أحقه ... " شفيقًا، فعامل الحال وصاحبها "باعتباره الضمير" محذوفان وجوبًا قبل الحال. أو كان العامل قد عرض له ما يمنع من تقدم معموله عليه، كالماضي المبدوء بلام الابتداء 3، أو بلام جواب القسم 4؛ فإن المعمول لا يتقدم على هذه اللام نحو: إني لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب، أو: والله لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب. وكالعامل الواقع في صلة حرف مصدري مطلقًا؛ نحو: لك أن تنتقل راكبًا: أو الواقع صلة "أل"5، نحو: أنت السائق بارعًا؛ لأن معمولهما لا يتقدم عليهما في الرأي الراجح. أو كانت الحال جملة مقترنة بالواو؛ نحو: اقر الكتاب والنفس صافية6.

_ 1 ومما يصلح مثالًا لهذا شبه الجملة "من الله" في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، "راجع الصبان، وكذا حاشية الأمير على "المغني" أو المقدمة". 2 سبق الكلام عليها في ص 366، وسيجيء بمناسبة أخرى في ص 391 و396. 3 سبق الكلام عليها في ج 1 ص 497 م 53. 4 الكلام عليها سيأتي 419 في حروف القسم، باب: حروف الجر. 5 بخلاف صلة غيرها، فيجوز: من الذي راكبًا جاء، لجواز تقديم معمول الصلة عليها لا على الموصول. 6 يحسن الاقتصار على هذا الرأي، دون الرأي الذي يجيز التقديم والتأخير بتأول.

ب– يجب أن تتقدم عليه إذا كان لها الصدارة، نحو: كيف أنقذت الغريق؟ فكلمة: "كيف" اسم على الأرجح مبني على التفح في محل نصب، حال1. ج– يجوز الأمران في غير الحالتين السالفتين، مثل: واقفًا أنشد الشاعر القصيدة. وأشباه هذا مما يكون فيه عامل الحال فعلًا متصرفًا، أو مشتقًا يشبه الفعل المتصرف، أو مصدرًا نائبًا عن فعله المحذوف وجوبًا "كما سبقت الإشارة إليه"2، والمراد بالذي يشبه الفعل ما يتضمن معنى الفعل وحروفه، ويقبل عاملات التأنيث، والتثنية، والجمع3، فمثال الحال المتقدمة على عاملها الفعل المتصرف غير ما سبق راغبًا أقبلك على زيارتك، ومثال المتقدمة على اسم فاعل: مسرعة الطائرة مسافرة، ومثال المتقدمة على صفة مشبهة: الإنسان، قانعًا، غني، ومثال اسم المفعول: الحاكم، ظالمًا، محطم ... ومثال المتقدمة على المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا: متعلمة إكرامًا هندًا4. د– إذا كان العامل هو أفعل التفضيل الذي يقتضي حالين5 إحداهما تدل على أن صاحبها في طور من أطواره أفضل من نفسه، أو غيره في الحال الأخرى، فالأحسن أن تتقدم إحداهما على أفعل التفضيل، وتتأخر الثانية كما سبق 6 نحو: الحقل قطنًا أنفع منه قمحًا الفدان عنبا أحسن منه قطنًا المتعلم تاجرًا أقدر منه زارعًا، المصباح الكهربي منفردًا أقوى من عشرات الشموع

_ 1 تقدم في ج 1 ص 462 م 39 إعراب "كيف" في صورتها المختلفة. وأشرنا لهذا في رقم 1 من هامش ص 61، وفي 1 من هامش ص 67 و 3 من هامش ص 133. 2 في رقم 3 من هامش ص 381. 3 خرج اسم الفعل؛ فإنه قد يتضمن معنى الفعل وحروفه ولكنه غير مشتق، ولا يقبل تلك العلامات؛ كاسم الفعل: "نزال" بمعنى: انزل، وخرج أفعل التفضيل كذلك؛ لأنه مشتق، ولكن لا يقبل تلك العلامات في حالات كثيرة كما سبق في رقم 1 من هامش ص 381. 4 كما سبقت الإشارة في رقم 3 من هامش ص 381. 5 ولا مانع أن تكون الحالان أو إحداهما جامدة، غير مؤولة بالمشتق؛ طبقًا لما سبق في: "د" من ص 374 عند سرد مواضع الحال الحامدة غير المؤولة بالمشتق. 6 في "د" من ص 374، وكما في رقم 2 من هامش 381.

مجتمعة1، ومثل قول علي -رضي الله عنه- لأنصاره، وهم يعرضون عليه الخلافة أول الأمر: "أنا لكم وزيرًا، خير لكم من أميرًا ... ". ملاحظة: أجاز فريق من النحاة ما يشيع اليوم في بعض الأساليب، من تأخر الحالين معًا عن أفعل التفضيل، بشرط أن تقع بعده الحال الأولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه؛ نحو: المتعلم أقدر تاجرًا منه زراعًا المصباح الكهربي أقوى منفردًا من عشرات الشموع مجتمعة هذه الفاكهة أطيب ناضجة منها فجة. السادس: انقسامها بحسب التعدد الجائز والواجب وعدمه، إلى واحدة وإلى أكثر: قد يكون الحال واحدة لواحد؛ نحو: يقف الشرطين متيقظًا، وهذه تطابق:

_ 1 وإلى مواضع تقديم الحال على عاملها، وعلى صاحبها يشير ابن مالك بإيجاز ومزج بين مواضعهما، فيقول: والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا-12 فجائز تقديمه كمسرعا ... ذ راحل، ومخلصًا زيد دعا-13 يريد: أن الحال المنصوبة بفعل متصرف أو وصف يشبه يجوز تقديمها وتأخيرها عن عاملها؛ وذكر مثالين: أحدهما لحال تقدمت على عاملها الفعل المصرف، "وهو مخلصًا زيد دعا"، والآخر لحال تقدمت على عاملها الوصف الذي يشبه الفعل المتصرف، وهو: مسرعًا ذا راحل، ثم انتقل إلى الكلام على الحال التي لا يجوز تقديمها على عاملها المعنوي فقال: وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرًا لن يعملا-14 كتلك، ليت، وكأن، وندر ... نحو: سعيد مستقر في هجر-15 أي: أن العامل المعنوي "وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه"، ولا يعمل النصب إذا كان متأخرًا عن الحال، وبين أمثلة من العامل المعنوي، هي: تلك؛ ليت، كأن ... وأوضح أن تقديم الحال على عاملها المعنوي شبه الجملة نادر عنده، وضرب له مثلًا هو: سعيد مستقرًا في هجر، "بلد باليمن"، ثم تكلم على جواز تقديم أحد الحالين المنصوبين بأفعل التفضيل: ونحو: زيد مفردًا أنفع من ... عمرو معانًا، مستجاز، لن يهن-16 مستجاز: أجازه النحاة، لن يهن: لن يضعف مثل هذا الأسلوب في نظر العارفين. النحو الوافي -ثان.

صاحبها الحقيقي في الإفراد وفروعه، وفي التأنيث والتذكير1 نحو: هبط الطيار هادئًا، هبط الطياران هادئين، هبط الطيارون هادئين، هبطت الطيارة هادئة ... و ... وقد تكون الحال واحدة ولكن يتعدد ما تصلح له، من غير أن توجد قرينة تعين واحدًا مما يصلح؛ نحو: قابلت الأخ راكبًا، والأنسب من هذا النوع أن تكون للأقرب، ومنع بعض النحاة هذا الأسلوب، لإبهامه، وخفاء الصاحب الحقيقي، ورأيه سديد. والمتعددة 2 قد تكون متعددة لواحد، فتطابقه في الأمور السالفة، نحو: هبط الطيار هادئًا، مبتسمًا، لابسًا ثياب الطيران، ونزل مساعده نشيطًا مبتهجًا حاملًا بعض معداته، وخرجت المضيفة مسرعة قاصدة حجرتها ... ، ولا يجوز وجود حرف عطف بين الأحوال المتعددة ما دامت أحوالًا، فإن وجد حرف العطف صح، وكأن ما بعده معطوفًا، ولا يصح أن يعرف حالًا 3. وقد تكون متعددة لأكثر من واحد؛ فإن كان معنى الأحوال ولفظها واحدًا وجب تثنيتها، أو جمعها على حسب أصحابها من غير نظر للعوامل، أهي متحدة في عملها وألفاظها، ومعانيها، أم غير متحدة في شيء من ذلك؟ نحو: عرفت النحل والنمل دائبين على العمل، والأصل: عرفت النحل دائبًا ... والنمل دائبًا ... والحالان متفقان لفظًا ومعنى4، وهما يبينان هيئة شيئين؛ فوجب تثبيتهما تبعًا لذلك، فرارًا من التكرار، ونحو: أبصرت في الباخرة الربان،

_ 1 كل هذا يشترط أن تكون الحال حقيقية، "وهي: الدالة لى هيئة صاحبها مباشرة؛ لا هيئة شيء آخر يتصل به. فالدالة على هيئة صاحبها الحقيقي نحو: يقف الشرطي متيقظًا، والدالة على هيئة شيء آخر يتصل به بسبب. وتسمى: "الحال السببية"، ولا تشترط فيها المطابقة التامة لصاحبها، وسيجيء حكمها في ص 400 نحو: يقف الشرطي مفتحة عيناه طول الليل. 2 وتسمى: المترادفة، وقد تسمى: المتداخلة، طبقًا للبيان الموضح في "أ" من ص 389. 3 كما في رقم 4 من ص 429. 4 ولا يضر الاختلاف تذكيرًا، وتأنيثًا؛ نحو قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} : سخر لكم الشمس دائبة والقمر دائبًا.

والبحار والمهندس منهمكين في إدارتها، والأصل: أبصرت الربان منهمكًا، والبحار منهمكًا، والمهندس منهمكًا، فالحال هنا متعددة، وهي متفقة الألفاظ والمعاني، وأصحابها ثلاثة؛ فجمعت وجوبًا تبعًا لذلك، استغناء عن التكرار. ونحو: بنيت البيت وأصلحت السور جميلين، ووقفت سعاد وشاهدت أمها متكلمتين1. هذا، والتكرار الممنوع في التثنية والجمع هو تعدد الأحوال متوالية، كل واحدة وراء الأخرى مباشرة 2، أما وقوع كل واحدة بعد صاحبها مباشرة، فليس بممنوع، وإن تعددت لمتعدد وكانت مختلفة الألفاظ والمعاني وجب التفريق بغير عطف؛ بحيث تكون كل حال بعد صاحبها مباشرة، وهو الأحسن؛ منعًا للغموض، ويجوز تأخير الأحوال المتعددة كلها وتكون الأولى منا للاسم الأخير 4 والحال الثانية للاسم الذي قبله 2، والحال الثالثة للاسم الذي قبل هذا3 ... وهكذا ترتب الأحوال مع أصحابها ترتيبًا عكسيًا، فأول الأحوال لآخر الأصحاب، وثاني الأحوال للصاحب الذي قبل الأخير ... ومراعاة هذا واجبة. إلا إن قامت قرينة تدل على غيره، فمثال مراعاة الترتيب السابق: كنت أسوق السيارة فأبصرت زميلي في سيارته قاصدًا الريف، مقبلًا من الريف، فكلمة: "قاصدًا" حال من "زميل" بإعطاء أول الحالين لآخر الاسمين، وكلمة: "مقبلًا" حال من التاء في: "أبصرت"، بإعطاء ثاني الحالين للاسم الذي قبل السابق ... و ... ومثال مخالفة هذا الترتيب لقرينة تدعو للمخالفة: لقي الترجمان جماعة السياح باحثًا عنهم، سائله عنه، فكلمة: "باحثًا" حال من: "الترجمان"، وكلمة: "سائلة" حال من "جماعة" ولو روعي الترتيب هنا لاختلت المطابقة الواجبة بين الحال وصاحبها في التذكير والتأنيث، فالذي ربط بين الحال وصاحبها، وعين لكل حال صاحبها هو قرينة التذكير فيهما معًا، أو التأنيث فيهما معًا، ومثل: حدث المحاضر طلابه وافقًا جالسين؛ فكلمة: "واقفا" حال من: "المحاضر"

_ 1 من الكلام النظري المحض ما يقوله النحاة: "إن العامل في الحال عند تعدد العامل هو مجموع العوامل، لا كل واحد مستقلًا، لئلا يجتمع عاملان على معمول واحد! ! وانظر "أ" "من" 389، ولا فائدة من تناسي الأمر الواقع من غير داع؛ فالواقع أن كل عامل قد اشترك في العمل برغم ما سبق. 2و 2 فلا يصح: أبصرت المسافرة في الباخرة الريان، والبحار، والمندس منهمكًا، منهمكًا، منهمكًا. 3و3 وهو صاحبها.

و"جالسين" حال من: "الطلاب"، ولم يراع الترتيب؛ لأن اللبس مأمون؛ سبب وجود المطابقة التي تقضي بأن يكون صاحب المال المفردة مفردًا، وصاحب الحال المجموعة جمعًا1. والجدير في هذه المسألة وفي غيرها الاعتماد على القرينة؛ فلها الاعتبار الأول دائمًا. وإذا وقعت الحال بعد: "إما" التي للتفصيل، أو بعد: "لا" النافية وجب تعدد الحال، نحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، ونحو: يقفز الطيار؛ لا خائفًا، ولا مترددًا، أما في غير هذين الموضعين، فالتعدد جائز على حسب الدواعي المعنوية.

_ 1 اقتصر ابن مالك الكلام في الحال المتعددة على البيت الآتي: والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد فاعلم وغير مفرد-17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– إذا تعددت الحال لواحد سميت: "مترادفة"؛ أي: متوالية، "تتلو الواحدة الأخرى"، ويجوز أن تكون الحال الثانية حالًا من الضمير المستتر في الأولى؛ وعندئذ تسمى الثانية: "متداخلة"، وهذا يجري فيكل حال متعددة، فيجوز أن تكون حالًا من ضمير التي قبلها مباشرة. ويمنع جماعة من النحاة ترادف الحالين؛ بزعم أن العامل الواحد لا ينصب إلا حالًا واحدة، وله حجة جدلية مردودة؛ لأنها من نوع الجدليات التي تسيء إلى النحو من غير أن تفيده1. ب– عرفنا أن يجوز أن تتعدد الحال من غير أن يتعدد صاحبها؛ نحو: مشيت بين الرياحين هانئًا، مستنشقًا أريجها، متمليًا جمالها ... ، ولكن لا يجوز أن تتعارض الأحوال، فلا يقال: حضر القطار سريعًا بطيئًا، ولا وقف الحارس متيقظًا غافلًا، نعم يجوز هذا عند إرادة الوصول إلى معنى واحد يؤخذ من الحالين معًا، ولا يؤديه أحدهما دون الآخر؛ نحو: أكلت الطعام ساخنًا باردًا، أي: معتدلًا في حرارته، ونحو: ركبت السيارة مسرعة بطيئة؛ أي: متوسطة في سرعتها، ومثل: لا تأكل الفاكهة ناضجة فجة، أي: متوسطة النضج، ونحو: اترك الطعام ممتلئًا جائعًا، أي: متوسطًا في الشبع، ونحو: تخير ثيابك واسعة ضيقة، أي: معتدلة السعة، وهكذا. بالرغم من أن المعنى المقصود لا يتحقق إلا من اللفظين معًا، فإن الإعراب يقتضي أن يكون كل لفظ منهما حالًا.

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص 387.

السابع: انقسامها بحسب الزمان إلى: مقارنة، ومقدرة 1 "مستقبلة" ... فالمقارنة هي التي يتحقق معناها في زمن تحقق معنى عاملها، وحصول مضمونه؛ بحيث لا يتخلف وقوع معنى أحدهما عن الآخر، نحو: "أقبل البريء فرحًا، هذا يسوق السيارة الآن محترسًا" فزمن الفرح، والاحتراس، وهو زمن وقوع معنى الفعلين: أقبل، يسوق ... 2. والمقدرة، أو المستقبلة3: هي التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها، أي: بعد تحقق معناه بزمن يطول أو يقصر؛ فحصول معنى الحال هنا متأخر عن حصول مضمون عاملها؛ نحو: سيسافر بعض الطلاب غدًا إلى البلاد الغربية؛ موزعين فيها، متدربين في مصانعها، ثم يعودون عاملين في مصانعنا؛ فزمن التوزع والتدرب متأخر عن السفر، الذي هو زمن حصول العامل، ومستقبل بالنسبة له، وكذلك العمل متأخر عن العودة. وكقوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، فكلمة "شاكرًا" حال، وزمن وقوعه متأخر حتمًا عن زمن عامله "وهو الفعل: هدى"، وكلمة: "كفورًا" معطوف عليه، وهو حال مثله، وكذلك قوله تعالى للصالحين أهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} ، وقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، فكل من الأمن والخلود متأخر في زمنه عن زمن الدخول لا محالة ... 4

_ 1 سيجيء في رقم 4 من هذا الهامش نوع ثالث يذكره، بعض النحاة، ويعارض فيه آخرون. 2 ومن أمثلة الحال "المقارنة"، والتي هي جملة، قول الشاعر يصف من نال الولاية ثم تركته: تولاها وليس له عدو ... وغادرها وليس له صديق فالزمن الذي خلا من الأعداء هو نفسه زمن التولي، والزمن الذي خلا من الأصدقاء هو نفسه زمن المغادرة. 3 وهي التي أشرنا إليها في رقم 3 من ص 364. 4 أما النوع الثالث الذي يسميه بعض النحاة: "الحال المحكية"، فحال وقع معناها وتحقق قبل النطق بها؛ نحو: نزل المطر أمس فياضًا، واندفع في طريقه جارفًا، وقد عارض بحق كثرة النحاة في هذا القسم وفي أمثلته بحجة قوية؛ هي أن العبرة إنما تكون بمقارنة الحال وقت تحقق معناها وحين وقوعها ووجودها لزمن العامل وتحقق معناه؛ كالتي هنا، وليست لزمن المتكلم، هذا إلى أن الأمثلة المعروضة "وأشباهها"، وقد جاءت فيها "الأحوال" مشتقات نوعها اسم فاعل، واسم الفاعل حقيقة في الزمن الحالي، عند عدم القرينة التي توجهه لزمن غير الحال، فالتعبير به عن الماضي، يعتبر مجازًا ويسمى: "حكاية حال ماضية". وهذه الحجة صحيحة، وبرغم صحتها لا أهمية للخلاف؛ لأن الغرض المطلوب هو الحكم على مثل تلك "الأحوال" بالصحة والبعد عن الخطأ، وقد ثبت أن ذلك الاستعمال صحيح والأسلوب سليم، فلا أهمية بعد ذلك لأن يمكن الاستعمال الصحيح حقيقًا أو مجازيًا، وإن كانت قلة الأقسام من غير ضرر أمرًا محمودًا.

والحال المقارنة أكثر استعمالًا وورودًا في الكلام، ولا تحتاج إلى قرينة كالتي يحتاج إليها غيرها. الثامن: انقسامها بحسب التأسيس والتأكيد على مؤسسة ومؤكده، فالمؤسسة، وتسمى المبينة1: هي التي تفيد معنى جديدًا لا يستفاد من الكلام إلا بذكرها، نحو: وقف الأسد في قفصه غاضبًا، ثم هدأ حين رأى حارسه مقبلًا"، فكلمة، "غاضبًا" حال مؤسسة: لأنها أفادت الجملة معنى جديدًا لا يفهم عند حذفها. وكذلك كلمة: "مقبلًا" وأشباههما من الأحوال التي لا يستفاد معناها من سياق الكلام بدون ذكرها. والمؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديدًا, وإنما تقوي معنى تحتويه الجملة قبل مجيء الحال 2، ولو حذفت الحال لفهم معناها مما بقي من الجملة، نحو: لا تظلم الناس باغيًا، ولا تتكبر عليهم مستعليًا، "فالبغي"هو الظلم، و"الاستعلاء" هو الكبر، ولو حذف كل من الحالين في المثال "وهما يؤكدان عاملهما" ما نقص المعنى، ولا تغير، ولفهم معناها من بقية الكلام، ومثلهما باقي الأحوال التي يستفاد معناها بغير وجودها. وقد سبق في مناسبة أخرى 3 الإشارة إلى المؤكدة، وأنها قد تكون مؤكدة لمضمون الجملة؛ نحو: خليل أبوك عطوفًا، أو مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى؛ نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، أو معنى فقط: نحو: {.... وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً....} ؛ لأن البعث يقتضي الحياة، أو مؤكدة لصاحبها؛ نحو قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} ، فكلمة: "جميعًا" حال من الفاعل "من"، وهذا الفاعل اسم موصول يفيد العموم، والحال هنا تفيد العموم، وهي مؤكدة له.

_ 1 لأنها تبين هيئة صاحبها أما المؤكدة، فلا تبين هيئة كما في ص 366 و 367. 2 سواء أكان المعنى الذي تؤكده هو معنى عاملها أم معنى صاحبها، أم معنى الجملة التي قبلها كما سبق في ص 367 وما بعدها، وله إشارة في ص 396. 3 ص 367 وما بعدها.

وأشرنا هناك إلى أن الجملة التي تؤكد الحال مضمونها لا بد أن تكون جملة اسمية، طرفاها معرفتان، جامدتان1؛ ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا، وعن عاملها أيضًا، وأن العامل في هذه الحال محذوف وجوبًا، وكذلك صاحبها. ففي المثال السابق: "خليل أبوك عطوفًا"، يكون التقدير: أحقه، أو: أعرفه، أعلمه، أو نحو ذلك، وهذا التقدير حين يكون المبتدأ كلمة غير ضمير المتكلم، فإن كان ضميرًا للمتكلم وجب اختيار الفعل أو العامل المقدر مناسبًا له، أي: أحقني أعرفني أعلم أني ... ولا بد أن تكون هذه الحال متأخرة عنه أيضًا. أما الغرض2 من التوكيد بالحال فقد يكون بيان اليقين، نحو: أنت الرجل معلومًا، أو الفخر، نحو: أنا فلان بطلًا، أو التعظيم؛ نحو: أنت العالم مهيبًا، أو: التحقير: نحو: هو الجاني مقهورًا؛ أو: التصاغر، نحو: رب أنا عبدك فقيرًا إليك؛ أو التهديد والوعيد، نحو: فلان قاهر للأبطال قادرًا على الفتك بك 3 ... التاسع: انقسامها بحسب الإفراد وعدمه إلى: مفردة، وجملة، وشبه جملة، ثم الكلام على ما تحتاج إليه الجملة الحالية من رابط.

_ 1 إذا كان في الجملة فعل أو ما يعمل عمله كان عاملًا في الحال: فلا يعتبر العامل مضمرًا، ولا تكون الحال مؤكدة لمضمون الجملة، وقد قلنا في رقم 3 من هامش 366: إن بعض النحاة اشترط الجمود المحض؛ ليخرج: هو الأسد مقدامًا؛ فإنها مؤكدة لعاملها؛ وهو: "الأسد"، لتأوله بالشجاع وليست مؤكدة لمضمون الجملة؛ لأن هذه الحال ليست جامدة محضة، كما يشترط، وقد آثرنا هناك إهمال رأيه، والأخذ بالرأي الذي يكتفي بمجرد الجمود للأسباب التي أوضحناها. 2 يتبين هذا الغرض بالقرائن المتضمة للكلام. 3 فيما سبق يقول ابن مالك: وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو: لا تعث في الأرض مفسدا-18 "بها": أي: الحال، ثم قال في الحال المؤكدة لمضمون الجملة: وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها ولفظها يؤخر-19 أي: أن العامل مضمر "أي: محذوف" إذا كانت الحال مؤكدة للجملة، وأن لفظ الحال يؤخر وجوبًا عن الجملة، وعن عاملها المحذوف، وهو صاحبها.

أ– فالمفردة: ما ليست جملة ولا شبهها، نحو: أشرب الماء صافيًا 1 سر في الطريق حذرًا 2، ... ومثل كلمة: "جاهدًا" في قول الشاعر: ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة ... يجدها، ولا يسلم له الدهر صاحب ب– وشبه الجملة هو: "الظرف، والجار مع مجروره"، نحو: كنت في الطائرة فأبصرت البيوت الكبيرة فوق الأرض صغيرة، والسفن الضخمة بين الأمواج محتجبة إن دار الآثار في القاهرة مليئة بالنفائس تشكلت الثلوج على الغصون أشكالًا بديعة ... ولا بد في شبه الجملة أن يكون تامًا؛ أي: مفيدًا، وإفادته قد تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك مما يكون مناسبًا له، ويجعله مقيدًا على الوجه الذي تكرر شرحه من قبل3 فلا يصح: هذا إبراهيم عنك، ولا هذا إبراهيم اليوم ...

_ 1 ومن الحال المفردة بعض ألفاظ مركبة تركيب مزج سماعًا، "فلا يجوز القياس عليها"، وهي ألفاظ وردت عن العرب مركبة مزجًا، ومبنية: على الأصح على فتح الجزأين في محل نصب، باعتبارها حالًا، ومها: هرب الأعداء شغر بغر، أي: متفرقين، وكذلك شذر مذر، بمعنى: متفرقين أيضًا، ومثل: تركت الصحراء حيث بيث، أي: مبحوثًا عن أهلها، مطلوبًا إخراجهم منها ومثل: فلان جاري بيث بيث، أي: مقاربًا، أو ملاصقًا ومثل: لاقيتهم كفية كفية، أي: مواجهًا.... وهكذا ... ويلاحظ أن الجزء الثاني، في كثير من تلك المركبات ونظائرها مثل: بغر، مذر، بيث، إلخ، هو في الرأي الأقوى مجرد لفظ عرضي، أي: صوت ليس له معنى مستقل، ولا كيان ذاتي يستقل به عن الكلمة التي يتبعها، ولا يجلب زيادة معنى. ولا يوصف وحده بإعراب ولا بناء ... كما سيجيء بالتفصيل في باب النعت ج 3 م 114 ص 452، وإنما يجيء عرضًا بعد الأول، ولهذا يذكر في إعرابه في الصور التي ليست حالًا مركبة أنه "تبع للأول"؛ فهو مفرد وجمعه: "الأتباع" "بفتح الهمزة"، وليس من التوابع الأربعة المشهورة "النعت، التوكيد، العطف، البدل"، ولا يعرب أعرابها ما لم يؤد معنى جديدًا، وإنما يكتفى في إعرابه بأن يقال في غير تلك الصور الحالية المركبة إنه: "تبع للأول"، أو إنه من: "الأتباع"؛ فمثله مثل الثاني من قولهم: "محمد حسن بسن" و"اللص شيطان نيطان" أو عفريت نعفريت ... ولا شيء في هذه الثواني، وأشباهها داخل "في التوابع الأربعة المذكورة؛ لأنه لا يأتي بمعنى من معانيها، هذا، وتفصيل الكلام على المركب المزجي في جـ 1 م 23 باب أقسام العلم. 2 قد يجب اقتران الحال المفردة "بالفاء" أو: "ثم" العاطفتين في صورة واحدة هي الصورة الثالثة التي تجيء في ص 410، والكوفيون يجيزون: "واو العطف" أيضًا كما سيجيء. 3 في باب الموصول "جـ 1 ص 347 م 27"، والمبتدأ والخبر "جـ 1 ص 431 م 35، وجـ 2 م 68 ص 155 و 177"، وفي المواضع السالفة بيان عن شبه الجملة من ناحية تعلقه.

وإذا كانت الحال جملة وستأتي أو شبه جملة، فلا بد أن يكون صاحبها معرفة1 محضة؛ "أي: معرفة لفظًا ومعنى"؛ مثل: وقف جاري يكلمني، فإن لم يكن معرفة خالصة؛ بأن كان معرفة في اللفظ دون المعنى؛ كالمبدوء "بأل الجنسية"، أو كان نكرة مختصة، بسبب نعت أو غيره2، جاز في الجملة وشبهها أن تكون حالًا، وأن تكون نعتًا؛ نحو: أعرف الطائرات تفوق غيرها في السرعة. وقد عرفنا طائرات سريعة تطوف بالكرة الأرضية في دقائق3 ... ونحو: في الجو تهدر الطائرات كقصف الرعود ... وهذه طائرة كبيرة أمامنا تهدر كالرعد. ج– والجملة4 قد تكون اسمية أو فعلية؛ نحو: لازمت البيت والمطر هاطل5 لازمت البيت، وقد هطل المطر6 ... وقد اجتمعت الجملتان في قول الشاعر:

_ 1 يصح أن يكون صاحب الحال نكرة في بضعة مواضع تجيء في ص 402. عند الكلام عليه. 2 كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 403، وقد سبق بيان النكرة المحضة وغير المحضة بإسهاب، وكذا المعرفة بنوعيها في الجزء الأول، باب النكرة والمعرفة، ص 194 م 17 ويجيء في الجزء الثالث باب النعت م 114 ص 460 إشارة له أيضًا. 3 ومثل قول الشاعر: لنا في الدهر آمال طوال ... نرجيها، وأعمال قصار 4 إذا وقعت الجملة حالًا، فإنها تسمى جملة باعتبار أصلها السابق قبل الحالية حين كانت تؤدي فيه معنى مفيدًا مستقلًا، أما بعد وقوعها حالًا، فإنها تؤدي معنى غير مستقل، وهي لذلك لا تسمى جملة ولا كلامًا، شأنها في هذا كشأن الجملة الواقعة خبرًا ونعتًا وغيرها؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سبق في ج 1 هامش ص 15 م 1، وفي رقم 3 من هامش ص 377 م 27. وإذا وقعت الجملة حالًا أو نعتًا أو موقعًا إعرابيًا آخر، فهي نكرة، وقيل: في حكم النكرة، كما سبق في رقم 3 من هامش ص 375 وقد تردد هذا في كثير من المراجع النحوية، ومنها حاشية ياسين على شرح التوضيح أول باب النكرة والمعرفة حيث قال: "وأما الجمل والأفعال فليست نكرات، وإن حكم لها بحكم النكرات، وما يوجد في عبارة بعضهم أنها نكرات فهو تجوز. وهذا الخلاف لا أهمية له؛ إذ الأهمية في أنها تقع في كل موقع لا يصلح فيه إلا النكرة، كوقوعها خبر "لا" النافية للجنس، ونعتًا للنكرة المحضة. 5 ومن أمثلة الاسمية أيضًا قول الشاعر: عش عزيزًا، أو مت وأنت كريم ... بين طعن القنا، وخفق البنود وقولهم: من صحب الأشرار وهو يعلم حالهم كان شقاؤه من نفسه. 6 ومن أمثلة الفعلية أيضًا ما تضمنه الشطر الثاني من قول شاعرهم: العلم يدرك أقوامًا فيقذهم ... كالغيث يدرك عيدانًا فيحييها

كأن سواد الليل والفجر ضاحك ... يلوح ويخفى، أسود يتبسم ويشترط في الجملة الواقعة حالًا أن تكون خبرية، غير تعجبية "وعلى القول بأن الجملة التعجبية خبرية، فلا تصح الإنشائية بنوعيها1 الطلبي، وغير الطلبي، وأن تكون مجردة من علامة تدل على الاستقبال2كالسين وسوف، ولن، وأداة الشرط.... و.... وأن تكون مشتملة على رابط يربطها بصاحبها ليكون المعنى متصلًا بين الجملتين؛ فيحقق الغرض من مجيء الحال جملة، ولولا الرابط3 2لكانت الجملتان منفصلتين لا صلة بينهما، والكلام مفككًا4. والرابط قد يكون واوًا مجردة تسمى: واو5 الحال، نحو: احترست من الشمس والحرارة شديدة، وقد يكون الضمير6 وحده؛ نحو: تركت البحر أمواجه

_ 1 سبق توضيح المراد من الجملة الإنشائية ملخصًا في رقم 4 من هامش ص 220، وفي ج 1 ص 268 م 72. 2 في هذا الشرط وفي تعليله خلاف، وجدل كلامي ... أما مثل: لأمدحن المخلص؛ إن حضر وإن غاب حيث وقعت الجملة الشرطية حالًا مع أنها إنشائية، ومشتملة على علامة استقبال؛ وهي حرف الشرط: "إن" فالمسوغ عندهم أنها شرطية لفظًا لا معنى: إذ التقدير: لأمدحته على كل حال. ونشير إلى ما جاء في "المغني"، و"الهمع" خاصًا بأن: "لا" النافية تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته، خلافًا لابن مالك ومن معه محتجًا بإجماع النحاة على صحة "جاء محمد لا يتكلم" مع الإجماع أيضًا على أن الجملة الحالية لا تصدر بعلامة استقبال. وتقول: الرأي الأنسب هو أن "لا" تخلصه للاستقبال عند عدم قرينة تمنع، وقد سجلنا كلام المغني والهمع في ج 1 م 4 ص 56. 3 وقد يكون الرابط محذوفًا، كما سيجيء في ص 441. 4 يقول ابن مالك في الحال التي تقع جملة من غير تفصيل لأنواعها، ولا بيان لشروطها الكاملة: وموضع الحال تجيء جمله ... كجاء زيد، وهو نار رحله-20 أي: تجيء الجملة موضع الحال المفردة؛ بمعنى أنها تكون حالًا مثلها مع اختلافهما نوعًا وعرض لها مثالًا جملة اسمية في قوله: "وهو ناو رحلة". 5 وهي في الوقت نفسه للاستئناف؛ لوجوب دخولها على جملة، كما أنها تفيد الاقتران والمعية، ولكنها لا تسمى اصطلاحًا واو معية انظر رقم 1 من هامش ص 306، ومن الأمثلة لذلك أيضًا البيت التالي الذى وصفوه بأنه أبلغ بيت في الوفاء وكتمان السر، وهو: لأخرجن من الدنيا وسركمو ... بين الجوانح لم يعلم به أحد 6 إذا كان المبتدأ ضميرًا للمتكلم، والحال جملة فعلية ربطها الضمير جاز في الضمير الرابط أن يكون للمتكلم أو للغائب؛ نحو: أنا الصادق أحب الحق، أو بحب الحق، وكذلك إن كان المبتدأ ضميرًا للمخاطب جاز في الضمير الرابط أن يكون للمخاطب أو للغائب؛ نحو: أنت الصادق تحب الحق، أو يحب الحق، ومراعاة التكلم والخطاب أحسن في الصورتين؟ "كما سبق في ج 1 م 35 ص 245 هامشها.

عنيفة، وقد يكون الواو والضمير معًا، نحو: لا أكل الطعام وأنا شبعان، ولا أشرب الماء وهو غير نقي، وكقول الشاعر: إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيًا وهو مجهود .............................1 ... ............................... وقد يستغنى عن الرابط أحيانًا كما سيجيء2. لكن هناك موضعان تجب فيهما الواو، ومواضع أخرى تمتنع؛ فتجب الواو في الجملة الحالية الخالية من الضمير لفظًا وتقديرًا3؛ نحو: تيقظت وما طلعت الشمس، وفي الجملة المضارعية المثبتة، المسبوقة بالحرف: "قد؛ نحو قوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} . والمواضع التي تمتنع فيها الواو هي: 1- أن تكون جملة الحال اسمية واقعة بعد عاطف يعطفها على حال قبلها، نحو: سيجيء المتسابقون مشاة، أو هم راكبون 4السيارات؛ فلا يصح أن يكون الرابط هنا واو الحال؛ لوجود حرف العطف: "أو" وواو الحال لا تلاقي حرف عطف. 2- أن تكون جملة الحال مؤكدة لمضمون جملة قبلها5؛ كالقول عن القرآن هو الحق لا شك فيه، وقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه} ، وليس من اللازم أن تكون جملة الحال المؤكدة اسمية، فقد تكون فعلية أيضًا؛ نحو: هو الحق لا يشك فيه أحد ...

_ 1 وقول الآخر: يخفي العداوة وهي خفية ... نظر العدو بما أسر يبوح 2 في ص 411. 3 ذلك أن الضمير قد يجوز حذفه لفظًا لا تقديرًا إذا عرف من السياق كما سيجيء في "د" ص 411 نحو: ارتفع سعر القمح؛ كعيلة بخمسين قرشًا. أي: كيلة منه. 4 الأحسن في إعراب مثل هذا المثال: أن تكون: "أو" حرف عطف، والجملة بعدها في محل نصب حال، وهذه الحال المنصوبة معطوفة على "مشاة". 5 سبق تفصيل الكلام عليها في ص 366 و 383 و 391 و 396.

أما المؤكدة لعاملها فقد تقترن بالواو؛ نحو: قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} . 3– الجملة الفعلية الماضوية بعد "إلا" التي تفيد الإيجاب "أي: المسبوقة بكلام غير موجب فيكون المعنى بعدها موجبًا؛ نحو: ما تكلم العظيم إلا قال حقًا. ويرى بعض النحاة: أنه يجوز في هذا الموضع الربط بالواو، محتجًا بأمثلة فصيحة متعددة1، وحجته مقبولة، ولكن من يريد الاقتصار على الأعم الأفصح لا يساير هذا الرأي، ويجيز بعض آخر صحة الربط بالواو بشرط أن تقع بعدها "قد" مباشرة2، وهذا رأي حسن وفيه تيسير. 4– الجملة الماضوية المعطوفة على حال، بالحرف العاطف: "أو"؛ نحو: أخلص للصديق؛ حضر3 أو غاب.

_ 1 منها قول الشاعر: نعم امرأ هرم؛ لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع بها وزرًا وهنا قال الخضري ما نصه: "وشذ قول الشاعر: نعم امرأ هرم ... إلخ ... وقيل: غير شاذ". ا. هـ، كلام الخضري. وجاء في الأشموني ما نصه: "وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو تمسكًا بقوله: نعم امرأ هرم ... إلخ. وحكم الأول "أي: الفريق صاحب الرأي الأول بشذوذه. ا. هـ. وجاء في التصريح ما نصه عند الكلام على الصور التي تمتنع فيها "واو الحال": الثالثة؛ الماضي التالي "إلا" الإيجابية؛ نحو: "ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون"، فجملة: "كانوا به يستهزئون" حال من الهاء والميم في: "يأتيهم" ولا تقترن بالواو عند ابن مالك. وصرح شارح "اللب" بجواز الواو وتركها فيما إذا كان الماضي تاليًا "إلا كقول الشاعر: نعم امرأ هرم ... ". ا. هـ. وجاء في الحاشية ما نصه، "قوله: بجواز الواو وتركها ... جوازها هو القياس على جوازها مع الأمية الواقعة بعد "إلا"؛ نحو: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم". ا. هـ. ملاحظة: الجملة الواقعة بعد "إلا" في هذه الآية الكريمة "نعت"، والواو التي في صدرها هي واو زائدة تلتصق بأول الجملة النعتية لتقوى دلالتها على النعت، وتزيد التصاقها بالمنعوت، ويسمونها لذلك "واو اللصوق" طبقًا للبيان الخاص بها المعروض في مكانه الأنسب "باب النعت ج 3 م 114 ص 462. 2 قال "الصبان" قرب آخر الباب ما نصه: "في الرضي أنهما قد يجتمعان بعد "إلا" نحو: ما لقيته إلا وقد أكرمني". ا. هـ. 3 الجملة من الفعل: "حضر"، وفاعله في محل نصب حال من الصديق، وبعدها: "أو" فلا يجوز أن يكون الرابط في الجملة السابقة الواو؛ لأن الكلام العربي خال من الواو في مثل هذا الأسلوب، أما التعليلات الأخرى للمنع فمردودة.

5– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "لا"؛ نحو: ما أنتم؟ لا تعملون1. وقول الشاعر: فلا مرحبًا بالدار لا تسكنونها ... ولو أنها الفردوس أو جنة الخلد ومن القليل الذي لا يقاس عليه أن تقع الواو رابطة في الجملة الفعلية مضارعية، أو ماضوية إذا كانت مسبوقة بالحرف النافي "لا". 6– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "ما"2؛ نحو: عرفتك ما تحب العبث، وعهدتك ما تسعى للإيذاء. 7– الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد"؛ نحو: شهدت الطالب الحريص يسرع إلى المحاضرة, يتفرغ لها، وقد وردت أمثلة مسموعة من هذا النوع، وكان الرابط فيها الواو، منها قولهم: قمت وأصك عين العدو، ومنها: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت، وأرهنهم مالكا ومنها: "علقتها"3 عرضًا وأقتل قومها" ... وأمثلة أخرى. وقد تأول النحاة هذه الأمثلة ليدخلوها في نطاق القاعدة، ويخرجوها في مجال الشذوذ، ولا داعي لهذا التأول4 الذي لم يعرفه، ولم يقصد إليه الناطقون بتلك

_ 1 مثل هذا التركيب يتضح معناه، ويزول ما قد يكون فيه من غموض إذا عرفنا أن "لا" النافية تقدر فيه بكلمة: "غير" المنصوبة على الحال، المضافة، وأن المضارع بعدها يقدر اسم فاعل، هو: "المضاف إليه"، أي: ما أنتم غير عاملين؟ أي: ما أنتم وما أمركم في الحالة التي لا تعملون فيها؟ وهو مثل الآية الكريمة: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} التقدير: ما لنا غير مؤمنين؟ ما أمرنا، وما شأننا في الحالة التي تكون فيها غير مؤمنين؟ 2 "إن": النافية، مثل: "ما" فيقال في حرف النفي: "ما" وفي المضارع بعده ما قيل في سابقه مما هو مدون قبل هذا مباشرة في رقم1. 3 أحببتها. 4 قالوا من التأويل: إن الواو واو الحال حقيقة، ولكنها لم تدخل على الجملة المضارعية مباشرة،=

الأمثلة، والخير أن نحكم عليها بما تستحقه من القلة والندرة التي لا تحاكى، ولا يقاس عليها. في غير هذه المواضع التي تمتنع فيها الواو يكون الربط بالواو وحدها، أو بالضمير وحده، أو بهما معًا، وقد سبقت الأمثلة لكل هذا1. وإذا كانت جملة الحال ماضوية مثبتة وفعلها متصرف، ورابطها الواو وحدها وجب مجيء "قد" بعد الواو مباشرة2؛ نحو: انصرفت وقد انتهى ميعاد العمل،

_ = وإنما دخلت على مبتدأ محذوف؛ خبره الجملة المضارعية المذكورة بعده، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال، فالحال هو الجملة الاسمية لا الفعلية، والواو داخلة على جملة اسمية عندهم. فما الداعي لهذا؟ إن كان دخول الواو على الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد" غير مقبول، وغير صحيح وجب التصريح بهذا، والحكم على ما يخالفه بأنه سماعي؛ يحفظ ولا يقاس عليه، وإن كان دخول الواو صحيحًا وجب التصريح بهذا أيضًا من غير تأويل، وإن كان التأويل يبيح الممنوع وجب السماع بالواو لكل من شاء، ومن أراد بعد ذلك أن يحمل نفسه مشقة التأويل، فهو حر فيما يرتضيه لها. ولا شك أن التأول على هذه الصورة لا خير فيه، وأن الخير في منع الواو في مثل هذا المواضع. 1 اقتصر ابن مالك على حالة واحدة من الحالات التي تمتنع فيها الواو، سجلها بقوله: وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرًا، ومن الواو خلت-21 يريد: أن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالًا تحوي الضمير الرابط، وتخلو من الواو المستعملة في الربط؛ لأن هذه الواو لا تصلح للربط هنا، ثم بين أن الجملة المضارعية الحالية المسبوقة بالواو ينوى ويقدر لها بعد هذه الواو مبتدأ محذوف، خبره الجملة المضارعية؛ فتكون مسندة له، يقول: وذات واو بعدها انوا مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندا-22 وما عدا هذه الحالة التي اقتصر عليها يجوز فيها الربط بالواو فقط، أو بالضمير فقط، أو بهما معًا؛ فيقول: وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو، أو بمضمر، أو بهما-23 2 لتقرب زمنها من الحال، وهذا هو الرأي المختار، ويرى فريق آخر من النحاة لزوم: "قد" مع الماضي لكن يقول "أبو حيان" ما نصه: "الصحيح جواز وقوع الماضي حالًا بدون "قد"، ولا يحتاج لتقديرها؛ للكثرة. ورد ذلك، وتأويل الكثير، ضعيف جدًا؛ لأنا إنما تبني المقاييس العربية على وجود الكثرة. ا. هـ، راجع "الهمع" ج 1 ص 247 آخر باب الحال. وهذا الرأي حسن، وفي الأخذ به تيسير تؤيده النصوص الكثيرة المسموعة كما يقول أبو حيان، ومن وافقه ومن تلك النصوص قوله تعالى: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، وقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ، وآخر الشطر الثاني من قول الشاعر: وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر هذا، ولا تدخل "قد" على الجملة الماضوية التي فعلها جامد؛ كأفعال الاستثناء "ليس، خلا، عدا، حاشًا" كما سبق في رقم 3 من هامش ص 354.

كان الرابط هو الضمير وحده، أو الواو أو الضمير معًا فالأحسن مجيء "قد". وتمتنع "قد" مع الماضي الممتنع ربطه بالواو، وقد سبق بيانه كالماضي التالي "إلا" الاستثنائية التي تفيد الإيجاب عند من يمنع ربطه بالواو1، أو الذي بعده: "أو". العاشر: انقسامها باعتبار جريانها على صاحبها أو عدم جريانها إلى قسمين؛ حقيقية وسببية2. فالحقيقية: هي التي تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ كالأمثلة التي مرت في أكثر الموضوعات السالفة، ومثل: فزع العصفور من المطر مبتلًا، فكلمة "مبتلًا" حال. تبين هيئة صاحبها نفسه؛ وهو: "العصفور" وقت فزعه، ولا تبين هيئة شيء آخر غير العصفور نفسه، كعشه، أو شجرته، أو صاحبه، أو طيور أخرى ومثل: وقف المصلي خاشعًا، فكلمة: "خاشعًا" حال تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ وهو: المصلي، ولا شأن لها بغيره ... ولا بد أن تطابق الحال الحقيقية3 صاحبها في التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية والجمع. والسببية: هي التي تبين هيئة شيء له اتصال وعلاقة بصاحبها الحقيقي، أي علاقة، دون أن تبين هيئة صاحبها الحقيقي مباشرة؛ مثل: فزع العصفور من

_ 1 انظر ما يختص بهذا في رقم 23 من هامش ص 397. 2 وهذا الموضوع هو الذي سبقت له الإشارة العابرة في رقم1 من هامش ص 386، وتفصيل الكلام على صاحب الحال يجيء في ص 402. 3 ما لم يمنع من وجوب المطابقة مانع لغوي، مما سيجيء في موضعه ص 406؛ "ولمطابقة الحال لصاحبها موضوع مستقل؛ في ص 406".

المطر مبتلًا عشه، ومثل: وقف المصلي خاشعًا قلبه، فكلمة: "مبتلًا" حال، كما كانت، وصاحبها هو: "العصفور" كما كان، أيضًا، ولكن الحال هنا لا تبين هيئة صاحبها الحقيقي: "العصفور"، وإنما تبين هيئة: "العش"، وللعش صلة وعلاقة بصاحبها؛ فهو مسكن العصفور ومأواه. كذلك المثال الثاني، فكلمة: "خاشعًا" حال، وصاحبها الحقيقي هو: المصلي. ولكنها لا تبين هيئته، وإنما تبين شيئًا له صلة وعلاقة به؛ هو قلبه؛ فإن قلبه جزء منه. ومن أمثلة السببية: كتبت الصفحة مستقيمة خطوطها، سمعت المغنية عذبًا صوتها، وسمعت القارئ واضحة نبراته. ولا بد في الحال السببية أن ترفع اسمًا ظاهرًا مضافًا لضمير يعود على صاحب الحال كالأمثلة السالفة، وأن تكون مطابقة لهذا الاسم المرفوع بها، في التذكير والتأنيث، والإفراد، دون التثنية والجمع، إذا الأحسن أن تلتزم معها الإفراد؛ نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مدخلاه، نظيفة مسالكه ... 1

_ 1 وكما في "ب" من ص 407.

المسألة 85

المسألة 85: صاحب الحال: عرفنا1 أن الحال قد تبين هيئة الفاعل في مثل: ينفع الصانع متقنًا، أو هيئة المفعول به في مثل: يحترم الناس العامل مخلصًا2 ... أو هيئة الفاعل والمفعول به معًا في نحو: استقبل الأخ أخاه مسرورين، أو هيئة المبتدأ3 في نحو: "الصحف، ماجنة، ضارة" ... أو غير ذلك مما تبين الحال هيئته؛ كالمضاف والمضاف إليه4 ... وهذا الذي تبين الحال هيئته يسمى: صاحب الحال؛ كالذي في الأمثلة السالفة: "الصانع، العامل، الأخ، أخاه، الصحف ... والأكثر في صاحب الحال أن يكون معرفة، وقد يكون نكرة بمسوغ من المسوغات الآتية: 1– أن تكون النكرة متأخرة والحال متقدمة عليها؛ نحو: "يمشي، حزينًا، مدين"، "يدعو، متألمًا، مظلوم"5.

_ 1 في ص 363 م 84. 2 وفي مثل قول الشاعر حيث المفعول به ضميرًا لجماعة الذكور، والحال جملة اسمية: وتفقدهم عيني، وهم في سوادها ... ويشتقاهم قلبي وهم بين أضلعي 3 مجيء الحال من المبتدأ صحيح، "طبقًا للبيان المدون في رقم 2 من هامش ص 364 ورقم 3 من هامش ص 380". 4 لمجيء الحال من المضاف إليه شروط ذكرناها في ص 404. 5 من الجائز أن يكون أصل الجملتين السالفتين هو: يمشي مدين حزين، يدعو مظلوم متألم ... ومن المقرر أن نعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالًا؛ كالمثالين المذكورين، ما لم يمنع مانع من إعرابه حالًا؛ ذلك أن المنعوت النكرة قد يكون أحيانًا كالمنعوت المعرفة، من جهة أن النعت المتقدم عليه يعرب على حسب العوامل، والمنعوت المتأخر يعرب بدلًا منه أو عطف بيان، نحو: مررت بقائم رجل، واستمعت إلى خطيب غلام وأصلهما قبل التقديم: مررت برجل قائم، استمعت إلى غلام خطيب، ومما تقدم نعلم أن نصب نعت النكرة المتقدم عليه باعتباره حالًا هو أمر غالب، لا واجب على الأصح؛ لتخرج الصور السالفة، ويخرج النعت في مثل: جاءني رجل أحمر، ونحوه مما ليس منتقلًا؛ لأنه من الصفات الثابتة "راجع جـ 3 من حاشية الصبان آخر باب النعت". ولهذا إشارة في جـ 3 م 115 باب النعت عند الكلام على تقدم النعت على المنعوت، ص 481.

2- أن تكون النكرة متخصصة1؛ إما بنعت بعدها؛ نحو: أشفقت على طفلة صغيرة تائهة، وإما بإضافة؛ نحو: حافظ على أثاث الغرفة منسقًا، وإما بعمل؛ نحو: أفرح بناظم شعرًا مبتدئًا، وإما بعطف معرفة عليها، نحو: ذهب فريق ومحمود مسرعين. 3– أن تكون النكرة مسبوقة بنفي، أو شبهة "وهو هنا: النهي والاستفهام"؛ نحو: ما خاب عامل مخلصًا، لا تشرب في كوب مكسورًا، هل ترضى عن أم قاسيًا قلبها؟. 4– أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ نحو: استقبلت صديقًا وهو راجع من سفر ... 2 5– أن تكون الحال جامدة، نحو: هذا خاتم ذهبًا3. وقد وردت أمثلة مسموعة من فصحاء العرب وقع فيها صاحب الحال نكرة بغير مسوغ؛ منها: صلى رجال قيامًا، ومنها: فلان يستعين بمائة أبطالًا ... وللنحاة في هذا المسموع كلام وجدل، والذي يعنينا أن فريقًا منهم يبيح مجيء صاحب الحال نكرة بغير مسوغ4 وفريقًا آخر5 يمنعه، ويقصره على السماع، ويؤول الأمثلة القديمة، أو يحكم عليها بالشذوذ الذي لا يصح القياس عليه، وفي الأخذ بالرأي الأول توسعه ومحاكاة نافعة، ولكن يحسن ألا نسارع إليه قدر الاستطاعة، ذلك

_ 1 ولهذا يصح أن تكون الجملة وشبهها بعد النكرة المتخصصة حالًا إذا لاحظنا تخصصها، كما سبق في ص 394 عند الكلام على الحكم التاسع، ويصح أن تكون نعتًا إذا لم نلاحظه، وقد أوضحنا هذا في مواضع متعددة؛ منها: باب النكرة والمعرفة في الجزء الأول، م 17 ص 194. 2 وقول الشاعر: ولا خير في عيش امرئ وهو خامل ... وذكر الفتى بالخير عمر مجدد 3 في هذا المثال حين يكون صاحب الحال نكرة، وفرعًا من الحال يرتضي النحاة إعراب الأصل تمييزًا. 4 من هؤلاء سيبويه، وحجته: أن الحال جاءت لتقييد العامل؛ فلا معنى لاشتراط المسوغ، وهذه الحجة يؤديها ويقويها السماع الذي يكفي للقياس عليه. 5 كالخليل ويونس.

أن صاحب الحال النكرة بغير مسوغ قليل في فصيح الكلام المأثور، نعم هذه القلة ليست مطلقة؛ وإنما هي نسبية "أي: بالنسبة لصاحب الحال المعرفة أو النكرة المختصة"1 لكن هذا لا يمنعنا أن نختار الأكثر استعمالًا في المأثور الفصيح، وإن كان غيره مقبولًا2. صاحب الحال الحال إذا كان مضافًا إليه: يصح أن يكون صاحب الحال مضافًا إليه، نحو: تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر متفتحًا ناضرًا، وأكلت نادر الفاكهة ناضجة، ويشرط أكثر النحاة3 في صاحب الحال إذا كان مضافًا إليه أن يكون المضاف: أ– إما جزءًا حقيقيًا من المضاف إليه؛ نحو: أعجبتني أسنان الرجل نظيفًا، وراقتني أظفاره باسطًا أنامله، "فالأسنان" مضاف وهي جزء حقيقي من المضاف إليه؛ أي: من صاحب الحال؛ "وهو: الرجل" و"الأظفار" مضاف، وهي جزء حقيقي من المضاف إليه صاحب الحال؛ "وهو: الضمير العائد: على الرجل، ويعتبر في حكم الرجل"، ومن هذا قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} ؛ فكلمة: "إخوانًا" حال من الضمير: "هم" المضاف إليه، والمضاف بعض حقيقي منه. ومن الأمثلة قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} ، فكلمة: "ميتًا" حال من المضاف إليه "وهو: أخ"، والمضاف "وهو: لحم" بعض منه.

_ 1 فهي قلة نسبية "كالتي شرحناها في رقم 2 من هامش ص 368 و 456 والبيان في ج3 رقم1 من هامش ص 74 م 94. 2 وفي صاحب الحال النكرة يقول ابن مالك: ولم ينكر –غالبًا– ذو الحال إن ... لم يتأخر، أو يخصص، أو يبن:-7 من بعد نفي، أو مضاهية: كلا ... يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا-8 يريد: أن الغالب على صاحب الحال ألا يكون نكرة، إلا إذا تأخر عنها صاحب الحال، أو: خصص أو: بأن "أي: ظهر" بعد نفي، أو ما يضاهي النفي "يشابهه، وهو هنا: النهي والاستفهام"، وساق مثالًا هو: لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلًا، والمسوغ فيه النهي. 3 ويخالفهم سيبويه بحق، وإن كان رأيه –مع صحته– ليس الأفصح فيما اشترطوه كما، سيجيء البيان في رقم3 من هامش الصفحة التالية: "405".

ب– وإما بمنزلة الجزء الحقيقي "حيث يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ فلا يتغير المعنى العام" كما في الأمثلة الأولى: "تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر، متفتحًا ناضرًا ... و ... "، فيصح أن يقال: تمتعت بالحديقة واسعة، ونعمت بالزهر متفتحًا ... و ... ومن هذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ؛ حيث يصح: أن اتبع إبراهيم حنيفًا ... جـ– وإما عاملًا في المضاف إليه، كأن يكون المضاف مصدرًا عاملًا فيه؛ نحو: عند الله تقدير العاملين مسرورين، ونحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} 1، أو أن يكون وصفًا عاملًا فيه2، نحو: هذا رافع الراية عالية في الغد3 ... 4

_ 1 "مرجع"، مصدر ميمي، أي: رجوعكم. 2 كاسمي الفاعل والمفعول بالشروط الواجبة لإعمالهما، ومنها: أن يكونا بمعنى الحال أو الاستقبال ... و ... 3 جاء في "الخضري" في هذا الموضع خاصًا بالأمور الثلاثة ما نصه: "وإنما اشترط أحد الأمور الثلاثة أ، ب، ج لوجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها عند الجمهور: كالنعت والمنعوت، وصاحبها إذا كان مضافًا إليه هو معمول للمضاف، وهو أي: المضاف لا يعمل في الحال إلا إذا أشبه الفعل: بأن كان مصدرًا، أو صفة "أي: وصفًا مشتقًا"، وحينئذ فالقاعدة موفاة، فإن كان المضاف جزءًا أو كالجزء من المضاف إليه، صار هو كأنه صاحب الحال؛ لشدة اتصال الجزء بكله؛ فيصح توجه عامله للحال، بخلاف غير ذلك. وذهب سيبويه إلى جواز اختلاف الحال وصاحبها في العامل؛ لأنه أشبه بالخبر من النعت، وعامل الخبر غير عامل صاحبه، وهو: المبتدأ على الصحيح. ومقتضى ذلك صحة مجيئه من المضاف إليه مطلقًا، ليحرر، ثم رأيت في الصبان التصريح به". ا. هـ. انظر البيان المفيد المتصل بهذا في رقم2 من هامش ص364. 4 وفي مجيء الحال من المضاف إليه بقول ابن مالك: ولا تجز حالًا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله-10 أي: إلا إذا استوفى المضاف عمله في الحال، وهذا يدل على اشتراط أن يكون المضاف مما يعمل. أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه؛ فلا تحيفا-11 يريد: أن الحال يجيء من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءًا مما أضيف إليه، "أي: إذا كان المضاف جزءًا من المضاف إليه"، أو مثل الجزء كما شرحناه، أما قوله: "فلا تحيفا"، فأصله: تحيفن، بنون التوكيد الخفيفة التي تنقلب ألفًا عند الوقف، والجملة معناها: لا تظلم نفسك، أو اللغة بمخالفة هذا، وهو حشو لم يذكر إلا لتكملة البيت.

مطابقة الحال بنوعيها 1 لصاحبها: أ– الأصل أن تطابق الحال "الحقيقية" صاحبها وجوبًا في التذكير والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، كالأمثلة السالفة2، لكن يستثنى من هذا الأصل بعض حالات لها أحكام أخرى تتلخص فيما يلي: 1– إذا كان صاحب الحال الحقيقية جمعًا مفردة مذكر لغير العاقل3، جاز في الحال أن تكون مفردة مؤنثة، وجمع مؤنث سالمًا، وجمع تكسير4؛ نحو: سرتني الكتب نافعة، أو: نافعات، أو: نوافع. 2– إذا كان لفظ الحال الحقيقية من الألفاظ التي يغلب استعمالها بصورة واحدة للمذكر والمؤنث ككلمة: صبور، بقي على صورته؛ نحو: عرفت المؤمن صبورًا عند الشدائد، وعرفت المؤمنة صبورًا كذلك5. 3– إذا كان لفظ الحال الحقيقية أفعل التفضيل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة، لزم الإفراد والتذكير على الأرجح، كما سيجيء في بابه6 نحو: عرفت العصامي أنشط وأنفع، أو: أنشط عامل، وأنفع رجل.

_ 1 انظر ص400 حيث الكلام: على الحال "الحقيقية"، وعلى قسيمتها: "السببية". 2 ومن أمثلة المطابقة في الجمع مع التذكير كلمة: "سالمين" في قول الشاعر يدعو لمن يخاطبهم: بقيتم، وعشتم سالمين من الأذى ... ومنية قلبي أن تعيشوا وتسلموا 3 يدخل في هذا الجمع نوعان، أحدهما: جمع التكسير الذي مفرده مذكر غير عاقل، والآخر: ما ألحق بجمع المذكر السالم، وكان مفرده مذكرًا غير عاقل أيضًا: مثل: "وابلون"، جمع: وابل؛ للمطر الغزير، و"عليون"، جمع: علي؛ للمكان المرتفع, ولا يدخل جمع المذكر السالم الأصيل؛ لأن مفرده -في الأغلب– مذكر عاقل. 4 يصح في جمع التكسير هذا أن يكون للمؤنث، وأن يكون للمذكر، بملاحظة مفرد، المذكر غير العاقل مثل قرأت الكتب نوافع، سرتني الكتب أحاسن "جمع: أحسن"، "راجع رقم 1 من هامش ص 362 م 114 جـ 3 ثم حاشية ياسين جـ 2 أول باب النعت حيث النص الشامل. 5 لهذه الصورة فروع تتضح من نظائرها في النعت جـ 3 ص 337. 6 جـ 3 م 112 ص 327 و 338.

4– إذا كانت الحال الحقيقية مصدرًا فإنه يلازم صورة واحدة؛ نحو: حضر القطار سرعة، وإذا اشتهر المصدر صح تثنيته وجمعه كالنعت؛ نحو: عرفت الوالي عدلًا، والواليين عدلين، والولاة عدولًا. 5– إذا كانت الحال كلمة: "أي"1 فإنها –في الغالب– تقع حالًا من معرفة مع إضافتها إلى نكرة؛ نحو: استعمت إلى علي أي خطيب. ب– أما الحال "السببية"، فتطابق الاسم المرفوع بها –وجوبًا– في التذكير والتأنيث والإفراد، دون التثنية والجمع، إذ الأحسن أن تلتزم معهما الإفراد كما سبق2 نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مداخله، نظيفة مسالكه.

_ 1 الكلام على: "أي" وأنواعها، وأحكامها المختلفة، مفرق في أجزاء الكتاب المختلفة على حسب الأبواب التي تستعمل فيها؛ كصفحة216 السابقة، والصفحة 262 م 26 جـ1 باب الموصول، وكبابي الإضافة والنعت في جـ3. 2 انظر ص401.

المسألة 86

المسألة 86: حكم الحال، وعاملها، وصاحبها، ورابطها، من ناحية الذكر والحذف. أ– الأصل في الحال أن تكون مذكورة؛ لتؤدي مهمتهما المعنوية؛ وهي بيان هيئة الفاعل، أو المفعول به، أو غيرهما، مما سبق تفصيله1 لهذا يجب ذكرها في كثير من المواضع، ويجوز حذفها في أخرى. فمن المواضع التي يجب أن تذكر فيها ما يأتي: 1– أن تكون محصورة؛ نحو: ما أحب العالم إلا نافعًا بعلمه. 2– أن تكون نائبة عن عاملها المحذوف سماعًا؛ نحو: هنيئًا لك2، بمعنى: ثبت لك الخير هنيئًَا، أو: هناك الأمر هنيئًا3، أو نحو هذا التقدير الدال على الدعاء بالهناءة. 3– أن يتوقف على ذكرها المعنى المراد، أو يفسد يحذفها ... كما أشرنا أول الباب4؛ فالأول نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، والثاني نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} . ومن هذا الموضع أن تكون سادة مسد الخبر5 في مثل: سهري على المزرعة نافعة. 4– أن تكون جوابًا، مثل: كيف حضرت؟ فيجاب: راكبًا. ويجوز حذف الحال إذا دل عليها دليل، وأكثر حذفها حين يكون لفظها مشتقًا من مادة "القول"، ويكون الدليل عليها بعد الحذف هو: "المقول"6؛

_ 1 في ص 363. 2 ونحو قولهم: "هنيئًا لأرباب البيان بينهم ... ". 3 ستجيء إشارة لهذا في ص411، والحال في هذا المثال مؤكدة لعاملها كنظائرها التي سبقت: في ص 367 و ... و ... ومنها: ولا تعث في الأرض مفسدًا: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا} ، {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} . 4 ص 364. 5 في جـ 1 ص 385 م 39 تفصيل الكلام على الحال التي تسد مسد الخبر. 6 الشيء الذي قيل.

نحو جلست في حجرتي، فإذا صديقي الغائب يدخل: "السلام عليكم"، أي: يدخل قائلًا: السلام عليكم، فكلمة: "قائلًا" هي الحال المحذوفة، وهي مشتقة من مادة: "القول"، وقد دل عليها الكلام الذي قيل؛ وهو: "السلام عليكم". ومثل: هل دار بينك وبين المسافر كلام؟ نعم، لما قابلني في الصباح حياني: "صباح الخير"، وحدثني عن رحلته المنتظرة: ثم أسرع إلى القطار بعد أن صافحني ومد يده: "الوداع"، أي: قائلًا صباح الخير؛ قائلًا: الوداع. ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} ، أي: قائلين: سلام عليكم، وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} ، أي: قائلين ربنا تقبل منا. ب– والأصل في عامل الحال –وغيرها– أن يكون مذكورًا؛ ليحقق غرضًا معينًا، وهو: إيجاد معنى جديد، أو تقوية معنى وجود، وقد يحذف جوازًا أو وجوبًا؛ لدواع تقتضى الحذف، أي: أن عامل الحال قد يذكر وجوبًا، وقد يحذف وجوبًا، وقد يجوز ذكره وحذفه. فيجب ذكره إن كان عاملًا معنويًا "وقد سبق شرحه"1 كأسماء الإشارة؛ وحروف التنبيه، والتمني؛ وكشبه الجملة ... و ... و ... ويجوز حذفه إذا كان عاملًا غير معنوي، ودال عليه دليل مقالي2، أو حالي فمثال المقالي أن يقال: أتستطيع الصعود إلى قمة الجبل؟ فيجيب المسؤول: مسرعًا، أي: أصعد مسرعًا –أتعتني بخط رسائلك؟ فيجاب: واضحًا جميلًا أي: أعتني به واضحًا جميلًا. ومثال الحالي: أن ترى مسافرًا فتقول له: "سالمًا"، أي: سافر سالمًا،

_ 1 ص 382. 2 سبق في رقم1 من هامش ص 56 م 63، وفي ج 1 ص 362 م 47 أن الدليل المقالي هو: ما يكون قائمًا على كلام مذكور صريح، وأن الدليل الحالي، هو: ما يكون أساسه القرائن والمناسبات المحيطة بالمتكلم من غير استعانة بكلام أو ألفاظ ...

وأن ترى من يشرب الدواء، فتقول: "شافيًا"، أي: تشرب الدواء شافيًا، وأن تقول لمن يبني بيتًا: "معمورًا"، أي: تبني البيت معمورًا، أو تسكن البيت معمورًا. ويجب حذفه في مواضع، أهمها: 1– أن تكون الحال سادة مسد الخبر1، نحو: إنشادي القصيدة محفوظة، فكلمة: "محفوظة" حال سدت مسد خبر المبتدأ المحذوف وجوبًا؛ والأصل: إنشادي القصيدة إذ كانت، أو: إذا كانت محفوظة. 2– أن تكون الحال مفردة مؤكدة مضمون جملة2 قبلها نحو: الجد أب راحمًا. 3– أن تكون الحال مفردة دالة بلفظها على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي نحو: تصدق على المحتاج بدرهم؛ فصاعدًا لا تتعرض للشمس عند شروقها إلا عشرين دقيقة؛ فنازلًا ... فكلمة: "صاعدًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان. والتقدير: فاذهب بالعدد صاعدًا. والجملة المحذوفة هنا إنشائية، معطوفة بالفاء على نظيرتها الفعلية الإنشائية3، وكلمة: "نازلًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان: والجملة منهما إنشائية معطوفة بالفاء على نظيرتها، ولا بد من من اقتران هذه الحال المفردة "بالفاء" العاطفة، أو"ثم" العاطفة4. ومن الأمثلة التي تحوي الحالين: "صاعدًا ونازلًا": تدرب على الحفظ خمسة أسطر، فستة، فسبعة، فصاعدًا، لا تتناول في اليوم أكثر من ثلاث وجبات؛ فنازلًا ... 4– أن تكون الحال مسبوقة باستفهام يراد به التوبيخ؛ نحو: أنائمًا وقد أشرقت الشمس؟ أعاطلًا والعمل يطلبك؟ أسفيهًا وهو كريم النشأة؟ أي:

_ 1 سبق إيضاحها وتفصيل الكلام عليها في ج 1 ص 385 م 39 آخر باب المبتدأ والخبر. 2 ورد ذكرها في مواضع، منها: "ص 366 و 391 و 396". 3 ليس من اللازم أن تكون الجملتان إنشائيتين، إنما الأحسن في رأي جمهرة النحاة اتحادهما خبرًا أو إنشاء. 4 كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 393، والكوفيون يجيزون واو العطف أيضًا، "كما جاء في مجالس ثعلب، ج 4 ص 215 من القسم الأول".

أتوجد نائمًا؟ أتوجد عاطلًا؟ أيوجد سفيهًا؟ ... 5– عوامل حذفت سماعًا، من ذلك قولهم لمن ظفر بشيء؛ هنيئًا لك ما أدركت، أي: ثبت هنيئًا1. والحذف في المواضع الأربعة الأولى قياسي2. جـ والأصل في صاحب الحال أن يكون مذكورًا في الكلام: لتتحقق الفائدة من ذكره، وقد يحذف جوازًا في مثل قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} ، أي: بعثه الله. ويجب حذفه في الصورة التي يحذف فيها عامله وجوبًا حين تؤكد الحال مضمون جملة قبلها، على الوجه الذي سبق3 شرحه، وكذلك يجب حذفه مع عامله حين تدل الحال على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي وهي الصورة الثالثة من الصور التي في الصفحة المتقدمة. د– والأصل في الرابط أن يكون مذكورًا؛ ليعقد الصلة المعنوية بين جملة الحال والجملة التي قبلها المشتملة على صاحب الحال، فيمنع التفكك، لكن يجوز حذف الرابط لفظًا، لا تقديرًا4، إذا كان ضميرًا مفهومًا من السياق، نحو: ارتفع سعر القمح، كيلة بخمسين قرشًا، أي؛ كيلة منه ... وكذلك يصح حذفه إن كان الحال جملة خالية من الرابط لكن عطف عليها

_ 1 سائغًا مقبولًا، والفعل هنئ، "وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 ص 408". 2 وفي حذف العامل يقول ابن مالك: والحال قد يحذف ما فيها عمل ... وبعض ما يحذف، ذكره حظل-24 يريد: أن الحال قد يحذف ما يعمل فيها النصب "أي: يحذف عاملها"، وأن بعض ما يحذف من هذه العوامل محظول ذكره، أي: ممنوع "حظل: منع"؛ لأنه واجب الحذف. 3 ص 366 و 383 و 391 و 396. 4 كما سبق في 366 و 388 و 391 و 396.

"بالفاء"، أو: "الواو"، أو: "ثم" جملة تصلح أن تكون حالًا مع اشتمالها على الرابط؛ نحو: عرفت الوالي العادل تشكو الرعية، فيزيل أسباب الشكوى1 أقبل الفائز، يصفق الناس، ويشرق وجهه تداوى المريض يشير الأطباء، ثم يستجيب للمشورة. "ملاحظة": يتفق الحال والتمييز2 في أمور: ويختلفان في أخرى. وسيجيء البيان في: "هـ" ص 429.

_ 1 راجع الصبان، ج1 باب المبتدأ، عند الكلام على الخبر الجملة، ورابطه. وكذا التصريح ج1 باب العطف عند الكلام على الفاء العاطفة، وقد اقتصر في الرابط عليها؛ لأنها الأصل، وخالفه الصبان وغيره ... 2 سيجيء باب: "التمييز" بعد هذا مباشرة.

المسألة 87: التمييز

المسألة 87: التمييز

هـ- نسبة، أو: جملة1 ... ازداد المتعلم ... ... - ازداد المتعلم أدبًا. أعجبني الخطيب ... ... - أعجبني الخطيب كلامًا. فاضت البئر.... ... - فاضت البئر نفطًا2.

_ أ- في جملة مثل: "عندي إردب" من أمثلة "أ" نجد كلمة غامضة مبهمة هي: "إردب"؛ لأن مدلولها يحتمل عدة أنواع مختلفة، لا نستطيع تخصيص واحد منها بالقصد دون غيره، فقد يكون هذا الإردب: قمحًا، أو: شعيرًا، أو: فولًا، أو: غيرها، ولا ندري النوع المراد من تلك الأشياء الكثيرة، إذ لا دليل عليه وحده لهذا كانت كلمة: "إردب" مبهمة، أي: غامضة المدلول؛ لعدم تحديد المراد منها وتعيينه. لكن إذا قلنا: عندي إردب شعيرًا زال الغموض والإبهام، وتعين المراد بسبب اللفظ الذي جاء؛ وهو: "شعيرًا". كذلك الشأن في كلمة: "كيلة"، فإنها غامضة المدلول، مبهمة، لا تعيين فيها؛ لاحتمال أن تكون الكيلة: قمحًا، أو: ذرة، أو: فولًا، أو: عدسًا ... ، فإذا قلنا: كيلة قمحًا، تعين المراد، وزال الاحتمال، ومثل هذا يقال في كلمة: "قدح" في المثال الأخير من قسم "أ"، وفي غيرها من كل كلمة عربية تدل على العرف الشائع على شيء يقع به الكيل؛ مثل: ويبة، ربع، ملوة3 ... ب– وفي جملة مثل: اشتريت أوقية "من أمثلة القسم: "ب""، نصادف هذا الإبهام والغموض في كلمة: "أوقية"؛ لاحتمالها عدة أنواع، لا نستطيع تخصيص واحد منها بالمراد دون غيره، فقد تكون الأوقية ذهبًا، أو: فضة، أو عنصرًا آخر من العناصر التي توزن ... لكن إذا قلنا: أوقية ذهبًا اختفى الإبهام، وحل محله التعيين الموضح

للمطلوب، ومثل هذا يقال في كلمة: رطل، وأقة، في المثال الثاني والثالث من أمثلة: قسم ب وفي نظائرها من الكلمات العربية التي يجري في العرف اعتبارها من الموازين، ومنها: قنطار، ودرهم، وحبة ... جـ– وفي جملة مثل: جنيت محصول فدان "من أمثلة: "ج"" نجد الكلمة الغامضة المبهمة هي كلمة: "فدان" فإنها تحتمل أن يكون مدلولها فدان قصب، أو فدان عنب، أو قمح، أو غيره، فإذا قلنا: ... "فدان قطن"، انقطع الاحتمال، وزال الغموض والإبهام، وتحدد القصد. ومثل هذا يقال في كلمة: "قيراط"، وقصبة "من أمثلة القسم: "ج""، وغيرها من الألفاظ العربية التي تستعمل في المساحات1، ومنها: السهم2، والذراع، والباع والشبر، والفتر ... " د– ومثل هذا يقال في كل عدد من جمل القسم: "د" أو ما شابهها مما يشتمل على أحد الأعداد؛ نحو: عندي خمسة، فإن كلمة: "خمسة" وهي عدد حسابي غامضة، مبهمة؛ لا يزول غموضها وإبهامها إلا بلفظ آخر يحدد المراد منها؛ مثل: أقلام، أو غيرها مما ورد في هذا القسم وفي نظائره. هـ- ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الغموض والإبهام يختلف عما سبق؛ ففي مثل: "ازداد المتعلم"، لا يقع الغموض على كلمة واحدة كالتي سلفت، وإنما ينصب على الجملة كلها؛ أي: على المعنى جزأيها الأساسيين معًا، فقد نسبنا الازدياد للمتعلم، فأي ازدياد هذا الذي نسبناه له، أهو في علمه؟ أم في أدبه، أم في ماله؟ أم في جسمه، أم في حسن معاملته ... ؟ فالأمر المنسوب للمتعلم غامض مبهم، وهذا الأمر الغامض ليس منصبًا على كلمة واحدة كما قلنا؛ وإنما يشمل معنى جملة كاملة؛ لأن الجملة هي التي تحوي في طرفيها نسبة شيء3 لشيء آخر، فإذا قلنا: ازداد المتعلم أدبًا ارتفع

_ 1 هي الأشياء التي يجري تقديرها بالقياس، ويدخلها العرف الشائع في المقاييس. 2 في مصر يقسم الفدان إلى أربعة وعشرين قيراطًا، والقيراط أربعة وعشرون سهمًا. 3 في هامش الصفحة الأولى من صفحات الجزء الثالث، بيان مستفيض عن معنى: "النسبة" وأنواعها، وما يتصل بها.

الغموض عن النسبة؛ بسبب الكلمة التي جاءت لإزالته، واتضح المراد من الجملة بعد مجيء هذه الكلمة. ومثل هذا يقال ي المثالين الأخيرين من أمثلة القسم: "هـ" وفي غيرهما من كل جملة يقع فيها الغموض على النسبة الناشئة من طرفيها. ومن كل ما تقدم يتضح ما يأتي: أ– أن في اللغة ألفاظًا مبهمة، غامضة، تحتاج إلى تبيين وتوضيح. ب– وأن هذه الألفاظ قد تكون كلمات منفردة، كالكلمات المستعملة في العدد، أو في المقادير الثلاثة الشائعة، وهي: الكيل، والوزن1، والمساحة وقد يكون جملًا كاملة تقع النسبة في كل واحدة منها موقع الغموض، والإبهام المحتاج إلى تفسير وإيضاح2. جـ– وإذا تأملنا الكلمات التي أزالت الغموض والإبهام في الأمثلة السالفة وأشباهها وجدنا كل كلمة منها: نكرة3، منصوبة في الأكثر4، فضلة، تبين جنس ما قبلها أو نوعه، أو: توضح النسبة فيه، فهي كما يقولون بمعنى: "من"5 البيانية غالبًا، والكلمة التي تجتمع فيها هذه الأوصاف

_ 1 وكذلك بعض الضمائر "كما سيجيء في "جـ" من الزيادة ص 427"، ثم انظر المراد من "المقادير" في رقم4 من هامش الصفحة الآتية. 2 وقد يكون تمييز النسبة لمجرد التوكيد؛ كقول أبي طالب عم النبي عليه السلام: ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا "راجع الصبان والخضري في باب: "نعم، وبئس" عند الكلام على اجتماع فاعلهما، وتمييزهما"، وهذا يختلف عما في رقم4 من هامش ص 430. 3 النكرة هنا: لا بد أن تكون اسمًا صريحًا؛ لأن التمييز لا يكون جملة ولا لفظًا مؤولًا. 4 إذا كانت الكلمة التي تزيل الإبهام مجرورة بالإضافة أو بالحرف كما في بعض الأمثلة المعروضة هنا، فإنها لا تسمى في "الاصطلاح": تمييزًا إلا مع التقييد بأنه مجرور؛ لأن كلمة: "تمييز" عند إطلاقها بغير تقييد لا تتصرف إلا للنوع المنصوب، أما غيره مما يفيد فائدته في هذا الباب فلا يسمى تمييزًا "اصطلاحًا"، وقد يسمى تمييزًا ولكن مع تقييده بأنه مجرور: لكيلا يتصرف الذهن إلى النوع المنصوب، والأحسن مراعاة الاصطلاح. "كما في رقم2 من هامش ص 420". 5 أي: "من" التي تبين جنس ما قبلها، أو نوعه، والمجرور بها هو عين الشيء الذي تبينه وستجيء معانيها في ص458 وليس المراد في الكلمة التي تعرب تمييزا أنه يمكن دائما تقدير "من" قبلها، فإن هذا لا يمكن في بعض الأساليب، "وانظر رقم2 من ص459".

تسمى: "التمييز"1، كما يسمى ما تفسره وتزيل الإبهام عنه: "المميز"، أي: أن التمييز: "نكرة، منصوبة في الأغلب فضلة، بمعنى "من" التي للبيان"2. أقسام التمييز: ينقسم التمييز بحسب المميز إلى قسمين: أولهما: تمييز المفرد، أو: الذات3 وهو الذي يكون مميزه لفظًا دالًا على العدد، أو على شيء من المقادير4 الثلاثة: "الكيل، الوزن، المساحة"، أي:

_ 1 ويسمى أحيانًا: التبيين، أو: التفسير، أو: المفسر، أو: المميز، أو: المبين. 2 غالبًا كما سبق، ويقول ابن مالك في تعريف التمييز، وبيان عامله، والتمثيل لبعض أقسامه ما يأتي: اسم بمعنى: "من" مبين، نكره ... ينصب تمييزًا بما قد فسره كشبر أرضًا، وقفيز برًا، ... ومنوين عسلًا وتمرَا يريد بالمبين: أن التمييز يبين إبهام ما قبله، أي: يوضحه ويزيل غموضه، ثم يقول: إن التمييز منصوب، وناصبه هو الشيء المبهم الذي جاء التمييز لتفسيره وإيضاحه، ومعنى هذا عنده أن تمييز النسبة منصوب في رأيه بالجملة التي يوضح النسبة فيها، وسيجيء الرأي في كل ذلك. "رقم 2 من ص422 و3 من ص 424". "البر": القمح، "القفيز" إذا كان مكيلًا فإنه يختلف باختلاف الأقطار؛ فهو في بعضها نحو: 2 / 3 18 قدحًا، وفي بعض آخر نحو: ثمان وأربعين قدحًا "منوين" تثنية: "منًا" وهو بعض الأقطار من مقادير الوزن المقدرة برطلين. 3 سمي تمييز مفرد: لأنه يزيل الإبهام عن كلمة واحدة، أو ما هو بمنزلتها، ويسمى أيضًا: تمييز "ذات"؛ لأن الغالب في تلك الكلمة التي يزيل إبهامها أن تكون شيئًا محسوسًا مجسمًا، فمعنى ذات: أنها جسم، وليس في هذا النوع من التمييز تحويل كما سيجيء في الصفحة التالية عند الكلام على تمييز الجملة. هذا، والكثير في تمييز المفرد أن يكون جامدًا، وقد يكون مشتقًا على الصورة الموضحة في: "ج" من ص 427، ولها إشارة في رقم6 من ص 430. 4 المقادير هنا: جمع مقدار، وهو: ما يقدر به غيره، ويشمل كل شيء يستعمل في تقدير الكيل، أو الوزن، أو المساحة، من غير تقيد بلفظ خاص، أو بزمن معين. وبهذا يدخل كل لفظ عربي عرف العمل به في تقدي واحد من الثلاثة المذكورة، ولا يدخل العدد في التقدير -على المشهور- لأن العدد في المعنى هو المعدود؛ كما في مثل: هنا خمسة رجال؛ فالخمسة التي هنا هي الرجال، والرجال هي الخمسة، بخلاف المقادير.

"أنه الذي يزيل إبهام لفظ من ألفاظ الكيل، أو: الوزن، أو: المساحة، أو: العدد" 1، فتمييز المفرد أو الذات أربعة أنواع غالبًا2. ثانيهما: تمييز الجملة، وهو الذي يزيل الغموض والإبهام عن المعنى العام بين طرفيها، وهو المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء، ولذلك يسمى أيضًا: "تمييز النسبة"، وقد سبقت الأمثلة للنوعين. تقسيم تمييز الجملة "أي: النسبة" بحسب أصله: ينقسم تمييز الجملة "دون تمييز المفرد" إلى ما أصله فاعل في الصناعة3 وإلى

_ 1 العدد المقصود في هذا الباب هو العدد الصريح؛ أي: العدد الحسابي: مثل3، 4، 5، 6 ... و ... أما العدد المبهم "أي: الكنائي" مثل: "كم"، ... فله، في الجزء الرابع باب خاص بأحكامه المختلفة، هو: باب: كنايات العدد. 2 قلنا: غالبًا؛ لأن هناك نوعًا خامسًا كما أشرنا في رقم1 من هامش ص 416 هو تمييز الضمير "المبهم"، وسيجيء تفصيل الكلام عليه في "جـ" من الزيادة، ص 427. 3 أي: فاعل لفعل، أو ما يشبه الفعل مما يحتاج لفاعل يقتضي الأصول النحوية وصناعتها، والتقييد بأن الفاعل المعنوي أصله فاعل في الصناعة تقييد ضروري؛ لإبعاد ما هو فاعل في المعنى دون الصناعة؛ نحو: لله درك فارسًا، وأبرحت جارًا "أي: أعجبت؛ يقال: أبرح الرجل، إذا جاء بالبرح بسكون الراء أي: بالعجب"، فإن معناهما: عظمت فارسًا، وعظمت جارًا، ولكنهما غير محولين أصلًا عن الفاعل الصناعي، ولهذا يجوز جرهما بالحرف: "من" نحو: لله درك من فارس. ونحو: أبرحت من جار، في حين التمييز المحول عن الفاعل الصناعي يجب نصبه، ولا يجوز جره بمن. انظر "ج" من ص 427 وكذلك: ما أحسن المهذب رجلًا، فإنه مفعول في المعنى، لكنه غير محول؛ لأنه عين ما قبله، ولهذا يصح جزء أيضًا بمن. انظر ما يتصل بفعل التعجب في رقم 4 من هامش ص423، وكذلك البيان المفيد الخاص بمثل: "لله دره فارسًا" ... في "جـ" من ص 427. أما نحو: نعم رجالًا الزراع، فقد رأى بعض النحاة في التمييز أنه محول عن الفاعل الصناعي؛ فيجب نصبه، ورأى آخرون أنه غير محول فيجوز فيه النصب أو الجر بمن، والرأي الأول أقوى. وكما يكون الفاعل محولًا عن الفاعل الصناعي في الأصل، يكون محولًا أحيانًا عما أصله نائب فاعل؛ ككلمة: "شكلًا" في قول الشاعر: يصنع الصانعون وردًا، ولكن ... وردة الروض لا تضارع شكلًا ولأصل: لا يضارع شكلها.

ما أصله مفعول به كذلك، ويرى أكثر النحاة أن تمييز الجملة لا يخرج في الغالب عن واحد من هذين، "ولو تأويلًا"1؛ مثل: زادت البلاد سكانًا، اختلف الناس طباعًا، قوي الرجل احتمالًا، ومثل: أعددت الطعام ألوانًا، وفيت العمال أجورًا، نسقت الحديقة أزهارًا ... فالأصل: "زاد سكان البلاد، اختلفت طباع الناس، قوي احتمال الرجل". فتغير الأسلوب؛ بتحويل الفاعل تمييزًا، وقد كان الفاعل مضافًا؛ فأتينا بالمضاف إليه، وجعلناه فاعلًا، بعد أن صار الفاعل فاعلًا، بعد أن صار الفاعل تمييزًا بالصورة السالفة2 ... والأصل في الأمثلة الباقية: "أعددت ألوان الطعام، وفيت أجور العمال، نسقت أزهار الحديقة"؛ فتغير الأسلوب؛ بتحويل المفعول به تمييزًا، وقد كان هذا المفعول مضافًا، فأتينا بالمضاف إليه، وجعلناه مفعولًا به، بعد أن صار المفعول به السابق تمييزًا. أما تمييز المفرد فلا تحويل فيه مطلقًا.

_ 1 راجع "أ" و: "ب" من الزيادة والتفصيل "ص426" حيث الكلام على التأويل ونوع من التفضيل. 2 ومن هذا النوع كلمة "مقتًا" وهي تمييز في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} ، كبر، عظم، المقت: أشد الكراهة: والبغض، والأصل: كبر مقت قولكم ما لا تفعلون ... أي: المقت المترتب على قولكم ...

المسألة 88: أحكام التمييز أ– يختص تمييز المفرد "أو: الذات" بالأحكام التالية: أ– إن كان تمييزًا للكيل، أو: الوزن، أو: المساحة، جاز فيه ثلاثة أشياء، إما نصبه على أنه التمييز مباشرة وهذا هو الأحسن1، وإما جره2 على أنه مضاف إليه، والمميز هو المضاف، وإما جره بالحرف "من"، ومن الأمثلة غير ما سبق: "اشتريت كيلة أرزًا، اشتريت كيلة أرز، اشتريت كيلة من أرز"، "اشتريت درهمًا ذهبًا، اشتريت درهم ذهب، اشتريت درهمًا من ذهب"، "بعت محصول فدان قصبًا، بعت محصول فدان قصبٍ، بعت محصول فدانٍ من قصبٍ". وإما يجب جر التمييز على اعتباره مضافًا إليه بشرط ألا يكون المقدار، وهو المميز قد أضيف لغيره؛ فإن أضيف المقدار لغير التمييز وجب نصب التمييز، أو: جره "بمن"، نحو: ما في الإناء قدر راحة دقيقًا3، أو: من دقيق.

_ 1 لأنه يدل على المقصود نصًا من غير احتمال شيء آخر معه؛ ففي مثل: "اشتريت رطلًا عسلًا"؛ ... يدل النصب على أن المتكلم يريد أن الإناء المسمى بالرطل مملوء بالعسل، أو أن عنده ما يملأ الإناء المذكور من هذا الصنف المذكور، ولا يريد في هذا المثال الوعاء نفسه، أما الجر فيؤدي إلى احتمال أن يكون المراد ذلك، وأن يكون المراد بيان أن عنده الوعاء الصالح في هذا المثال أو الصنجة الموزون بها، أو المكيال الذي يكال به، أو المقياس الذي يمسح به "أي: يقاس به". راجع الأشموني والصبان. 2 ومع جره يسمى: "تمييزًا" "مجرورًا" أيضًا: فالجر لا يمنع من هذه التسمية المقيدة "انظر رقم 4 من هامش ص 416"، والإضافة هنا على معنى "من" البيانية التي سبق الكلام عليها "في رقم5 من هامش ص416"، وهذا هو الشأن في إضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة، نحو: بعت فدان قصب، وفي إضافة الأعداد إلى معدوداتها؛ نحو: خمسة أقلام، وفي إضافة العدد إلى عدد آخر، نحو عندي من الكتب أربعمائة، "وسيجيء البيان في جـ 3 م 93 ص 18 حيث الأوجه الإعرابية المختلفة فيما سبق". 3 في هذا يقول ابن مالك: وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... أضفتها؛ كمد حنطة، غذا =

وإن كان تمييز المفرد خاصًا بالعدد الصريح، والعدد ثلاثة، أو عشرة، أو ما بينهما ... ، وجب جر التمييز، بإعرابه مضافًا إليه، والمضاف هو العدد "أي: المميز"، والغالب في هذا التمييز المجرور أن يكون جمع تكسير للقلة. فإن كان العدد لفظًا دالًا على المائة أو المئات، أو الألف أو الألوف وجب أن يكون التمييز مفردًا مجرورًا؛ لأنه يعرب مضافًا إليه، والمضاف هو العدد1. وإن كان العدد غير ما سبق وجب نصب التمييز مباشرة، وأن يكون مفردًا، وفيما يلي أمثلة لكل ما سبق: "قرأت في العطلة ثلاثة كتب، كل كتاب مائة صفحة، وعدد السطور ألف سطر".

_ = يريد: "بذي" ... الأشياء التي سبق أن عرض لها أمثلة في البيت السابق؛ "وهي ثلاثة: المساحة، الكيل، الوزن"، فإن التمييز بعدها مجرور بالإضافة، أما "شبهها" فهو: كل لفظ عربي جرى العرف على استعماله في واحد من الثلاثة. و"المد": يقدر في بعض الأقاليم بنحو 7/ 12 من القدح، وفي بعض آخر بنحو: رطل وثلث رطل، "حنطة": قمح، غذا: غذاء. ثم قال: إن الجر بالإضافة إنما يكون حين إضافة المميز مباشرة، أما إذا أضيف المميز لغير التمييز، فيجب نصب التمييز: والنصب بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل: "ملء الأرض ذهبًا" وسيذكر بعد بيتين أنه يجوز جر التمييز بالحرف "من" بشرط ألا يكون التمييز لعدد ولا للنسبة، فيقول البيت التالي: واجرر "بمن" إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المغني؛ كطب نفسًا تفد "ذي العدد" أي: صاحب العدد، يريد التمييز الذي للعد الصريح، فإنه لا يجوز جره بالحرف "من" أما العدد غير الصريح؛ مثل: "كم"، فيجوز جر تمييزه بالتفصيل الوارد في بابه، ج 4 نحو: كم من كتاب عندك، كما أن التمييز الذي كان أصله فاعلًا؛ لأن أساس الكلام: لتطب نفسك؛ ثم حول الكلام فصار الفاعل تمييزًا، ومثله: طاب الورع نفسًا؛ أصله: طابت نفس الورع؛ ثم حول الكلام على الوجه السالف، "وقد وفينا الكلام على أصل التمييز، وستجيء الإشارة لبيت السالف لمناسبة أخرى في ص 424". 1 والإضافة على معنى: "من" طبقًا للبيان الذي سلف في رقم2 من هامش ص 420، ورقم5 من هامش ص416.

"قضينا في الرحلة خمسة أيام، قطعنا فيها مائة ميل مشيًا، وأنفق كل منا ألف قرش"، "الأسبوع سبعة أيام بلياليها، كل منها أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة"، "السنة اثنا عشر شهرًا، والشهر ثلاثون يومًا –غالبًا– السنة ثلاثمائة يوم وأربعة وستون يومًا، في الغالب"1. 2- وعامل النصب أو الجر بالإضافة في "التمييز المفرد"، وهو اللفظ المبهم، أي: المميز، أما عند الجر بالحرف: "من"، فإن هذا الحرف يكون هو العامل. 3- ولا بد من تقدم العامل على التمييز في جميع الأنواع الخاصة بتمييز الذات "المفرد"1. 4- وإذا تعدد تمييز المفرد، فالأحسن العطف بين المتعدد2، وإذا كان التمييز مخلوطًا من شيئين جاز تعدده بعطف وغير عطف، نحو: عندي رطل سمنًا عسلًا، أو: سمنًا وعسلًا. ب- يختص تمييز "الجملة" أي: تمييز "النسبة" بالأحكام الآتية: 1– يجب نصبه إن كان محولًا عن الفاعل أو المفعول الصناعيين3؛ نحو: "ارتفع المخلص درجة، وعلا الأمين منزلة"، ومثل: "رتبت الحجرة أثاثًا، نظمت الكتب صفوفًا"، والأصل: ارتفعت درجة المخلص، علت منزلة الأمين، رتبت أثاث الحجرة، نظمت صفوف الكتب. ومن تمييز الجملة الواجب النصب ما يكون واقعًا بعد أفعل التفضيل، نحو: المتعلم أكثر إجادة، وإنما يجب نصبه بشرط أن يكون سببًا4؛ أي: فاعلًا

_ 1و1 لتمييز العدد أحكام كثيرة، متشعبة، وتفصيلات متعددة، ولا سيما تقدمه، مكانها: "باب العدد" في الجزء الرابع، "م 94 ص 394"، وقد اقتصرنا هنا على ما يناسب موضوعنا. 2 والذي بعد العاطف لا يسمى تمييزًا، وإنما يعرب معطوفًا، برغم أنه يؤدي معنى التمييز، كما سيجيء في رقم5 من هامش ص424. 3 انظر رقم3 من هامش ص418، و"ب" من ص426. 4 معناه الأصيل في رقم2 من هامش ص426.

في المعنى، كالمثال المذكور، وإلا وجب جره بالإضافة، وعلامة التمييز الذي هو فاعل في المعنى ألا يكون من جنس المفضل الذي قبله، وأن يستقيم المعنى بعد جعله فاعلًا مع جعل أفعل التفضيل فعلًا1؛ ففي المثال السابق نقول: المتعلم كثرت إجادته، وفي مثل: أنت أحسن خلقًا، نقول: أنت حسن خلقك ... وهكذا، ومثال التمييز الذي ليس بفاعل في المعنى: "على أفضل جندي، ومية أفضل شاعرة"، وضابط هذا النوع أن يكون أفعل التفضيل بعضًا من جنس التمييز؛ فيصح أن يوضع مكان أفعل التفضيل كلمة: "بعض" مضافة، والمضاف إليه جمع يقوم مقام التمييز ويحل في مكانه؛ فلا يفسد المعنى، ففي المثال السابق نقول: علي بعض الجنود، ومية بعض الشاعرات، وإذا لم يصح أن يكون فاعلًا في المعنى وجب جره بالإضافة كما قلنا، لوجوب إضافة أفعل التفضيل إلى ما هو بعضه2 "متابعة للرأي الأشهر". وإنما يجب الجر بالإضافة هنا بشرط أن يكون أفعل التفضيل غير مضاف لشيء آخر غير التمييز، فإن كان مضافًا وجب نصب التمييز؛ نحو: علي أفضل الناس إخوة، ومية أفضل النساء أشعارًا. ومما تقدم نعلم أن تمييز أفعل التفضيل يجب نصبه في حالتين وجره في واحدة. ومن تمييز الجملة الذي يجب نصبه، ولا تصح إضافته3: ما يقع بعد التعجب القياسي، أو السماعي4؛ فالأول، نحو: ما أحسن الغني مشاركة في الخير

_ 1 لهذا إيضاح يجيء في "ب" من الزيادة والتفصيل ص426، وبيان مفيد آخر في باب: "أفعل التفضيل" ج3 م 112 ص 338. 2 كما سيجيء في بابه بالجزء الثالث م 112 ص 338، وفي هذه الصورة يقول ابن مالك: والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفصلًا: كأنت أعلى منزلا 3 فيمتنع جزء بالإضافة حتمًا، دون جره بمن في بعض الصور كما سيجيء في رقم1 من هامش ص424. 4 القياسي يكون بإحدى الصيغتين المخصصتين له، وهما: ما أفعله، وأفعل به. "وسيجيء الكلام المفصل عليهما في مكانه من الجزء الثالث، باب: "التعجب". أما التعجب بغيرهما فمقصور على السماع، ويقال له: التعجب العرضي، وفي هذه الصورة يقول ابن مالك: وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز، كأكرم بأبي بكر أبا وذكر بعد هذا البيت بيتا سبق أن نقلناه، وشرحناه بمناسبة أخرى في هامش ص421، هو: واجرر "بمن" إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المغني: كطب نفسًا تفد

أحسن بالغني مشاركة في الخير، والثاني نحو: لله در العالم مخترعًا1 حسبك به رجلًا كفى به نافعًا، يا جارتا ما أنت جارة2 حسبك بالصادق رجلًا، وقول الشاعر: وحسبك داء أن تبيت ببطنة3 ... وحولك أكباد تحن إلى القد4 2– لا يجوز تعدده بغير عطف؛ نحو: نما الغلام جسمًا وعقلًا5 ... 3– عامل النصب في هذا التمييز هو ما في الجملة من فعل، أو: شبهه6. 4– لا يجوز تقديم هذا التمييز على عامله إذا كان العامل جامدًا، كأفعل في التعجب؛ وكنعم وبئس7، وأخواتهما من أفعال المدح والذم، نحو: "ما أنفع

_ 1 يجوز فيه وفيما بعده جره بمن بملاحظة ما سبق في رقم3 من هامش ص418، وما سيجيء في "ج" من الزيادة ص427 والدر: اللبن، أي: أن اللبن الذي ارتضعه هذا الرجل ونشأ عليه، لبن غير معتاد ولا مألوف، إنما هو لبن موضع العجب، إذ أنشأ هذا الرجل الذي لا مثيل له؛ فهو لبن خاص من عند منشئ العجائب، ومبدعها الأول؛ وهو: الله، "راجع رقم2 من هامش ش 22 وجـ من ص 427 من هذا الجزء، ثم الجزر الأول ص 504 م 38. من الطبعة الرابعة". 2 "يا جارتا": أصلها: يا جارتي، منادى منصوب؛ لأنه مضاف لياء المتكلم، المنقلبة ألفًا، وهذا الأسلوب تتعدد فيه الصور الإعرابية بتعدد المعاني، فقد تكون "ما" حرف نفي خرج من معناه للتعجب، والجملة بعدا اسمية؛ "مبتدأ وخبر" خالية من التمييز، ويكون المعنى: لست جارة، وإنما أنت شيء أكثر منها: فأنت أم، أو أخت، أو إحدى القريبات الحميمات، أي: بمنزلة واحدة من هؤلاء؛ إعلانًا للتعجب من عملها الذي لا يصدر من جارة، وإنما يصدر من واحدة ممن سبقن. وقد تكون "ما" استفهامية، خبر مقدمًا، و"الضمير" مبتدأ مؤخر، و"جارة": تمييز، والجملة تفيد التعجب بسبب أداة الاستفهام الدالة على الاستعظام؛ فقد خرج عن معناه الحقيقي إلى التعجب، ويصح في هذه الصورة أيضًا أن تكون: "جارة" حال مؤولة، بمعنى: ملاصقة ... ويصح أن تكون "ما" نافية، والجملة بعدها منفية، أي: أنت لست أهلًا أن تكوني جارة ... و ... 3 شدة امتلاء المعدة بالطعام. 4 القطعة من الجلد الجاف غير المدبوغ. 5 وما بعد العاطف يعرب معطوفًا، ولا يسمى في الاصطلاح تمييزًا؛ ع أنه يؤدي معنى التمييز، كما سبق في رقم 2 من هامش ص422. 6 وهذا عند غير ابن مالك، وقد سجلنا رأيه في رقم2 من هامش ص417. 7 انظر رقم1 من هامش ص 301 م 110 جـ3 باب "نعم وبئس"، ففيه أحكام خاصة بتمييزها، ومنها: أنه لا يصح تأخيره عن المخصوص بالمدح أو الذم.

الطبيب إنسانًا، ونعم الأمين رفيقًا، وبئس القاسي رجلًا"، أو كان فعلًا متصرفًا يؤدي معنى الجامد؛ نحو: كفى بالطبيب إنسانًا، فإن الفعل: "كفى" متصرف ولكنه بمعنى فعل غير متصرف، وهو فعل التعجب، فمعنى قولنا: كفى بالطبيب إنسانًا: ما أكفاه إنسانًا: أما في غير هاتين الصورتين الممنوعتين، فالأحسن عد تقديم التمييز1على عامله. وأما توسط هذا التمييز بين عامله ومعموله، فجائز بشرط أن يكون العامل فعلًا أو وصفًا يشبهه؛ نحو: صفا نفسًا الورع، وقول المتنبي: فهن أسلن دما مقلتي ... وعذبن قلبي بطول الصدود

_ 1 في حكم تقديم التمييز على عامله، وعدم تقديمه يقول ابن مالك: وعامل التمييز قدم مطلقًا ... والفعل ذو التصريف نزرًا سبقًا يريد: أن عامل التمييز يجب تقديمه؛ سواء أكان التمييز مفرد أم تمييز نسبة، ثم بين أن التمييز إن كان عامله فعلًا متصرفًا، وهذا لا يكون إلا في تمييز الجملة، فقد يتأخر هذا العامل ويتقدم التمييز عليه في حالات نادرة، والأحسن عدم القياس هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– تمييز النسبة قد يكون غير محول إلا بتأويل لا داعي له، نحو: امتلأ الإناء ماء؛ إذ لا يقال: امتلأ الماء. ب– عرفنا1 أن التمييز الواجب النصب بعد "أفعل التفضيل" هو السببي2، وأنه نوع من تمييز الجملة؛ إذ أصله: "فاعل" وأصل "أفعل" هو: الفعل، ومن الممكن إرجاعهما إلى أصلهما؛ فتعود الجملة الفعلية للظهور، وتجرع لأصلها الذي تركته، وتحولت عنه إلى أسلوب آخر ... لكن كيف يتحقق هذا؟ ففي مثل: أنت أكثر مالًا، وأعلى منزلًا، ونظائرهما لا يمكن تحويل أفعل إلى فعل يؤدي المعنى الأصلي الأساسي لصيغة التفضيل، "وهو الكثرة، والعلو مثلًا"، مزيدًا عليه الدلالة على التفضيل. يرى بعض النحاة في هذا النوع التفضيلي أنه محول عن مبتدأ مضاف، والأصل، مالك أكثر؛ ومنزلك أعلى ... فصار المبتدأ تمييزًا، وصار الضمير المتصل المضاف إليه مبتدأ مرفوعًا منفصلًا، وفي هذه الحالة وأمثالها يجيء التمييز محولًا عن المبتدأ. ويرى آخرون؛ أن المراد معروف من السياق، وهو: أنه كثر كثرة زائدة، وملأ علوًا زائدًا، فلا يفوت التفضيل بتحويله عن الفاعل، أو: أن فوات معنى التفضيل غير ضار؛ إذ لا يجب بقاؤه في الفعل الموضوع مكان أفعل التفضيل في هذا الباب، قياسًا على عدم بقائه في بعض أبواب أخرى. وكلا الرأيين حسن، ولعل الرأي الثاني –بوجهتيه– أحسن؛ لأن فيه تخفيفًا من غير ضرر، وتقليلًا للأقسام بحصرها في الفاعل والمفعول به.

_ 1 في آخر ص422. 2 هو المتصف في المعنى بالشيء الجاري في اللفظ على غير هذا المتصف به؛ فإن المنزل في مثل: أنت أعلى منزلًا هو المتصف في المعنى بالعلو، مع أن العلو جار في اللفظ على المخاطب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جـ– من الأساليب المسموعة في التمييز: لله در خالد فارسًا1، فكلمة: "فارسًا"، وأشباهها مما يحل محلها في هذا التركيب، ويكون مشتقًا2 يصح إعرابها حالًا؛ لاشتقاقها؛ ولأن المعنى يتحمل الحالية، ويصح إعرابها تمييزًا للنسبة؛ والمعنى على هذا التمييز أوضح، وبه أكمل. وإنما يكون التمييز في مثل: "لله در خالد فارسًا" من تمييز النسبة إذا كان المتعجب منه "وهو المميز" اسمًا ظاهرًا مذكورًا في الكلام كهذا المثال، أو كان ضميرًا مرجعة معلوم؛ نحو: سجل التاريخ أبدع صور البطولة لخالد بن الوليد؛ لله دره بطلًا أو: يا له رجلًا، أو: حسبك به فارسًا ... فالضمير هنا وهو الهاء معروف المرجع: فإن جهل المرجع وجب اعتبار التمييز من تمييز المفرد3؛ لأن الضمير مبهم، فافتقاره إلى التمييز ليكون مرجعًا يبين ذات صاحبه؛ ويوضح حقيقته أشد من افتقاره إلى بيان نسبة التعجب إليه "أي: إلى صاحب الضمير"، أما الضمير المعلوم فبالعكس كما ذكرنا4، ومثل هذا يقال في الضمير المتصل بالصيغتين القياستين في التعجب"، وهما "ما أفعله، وأفعل به". أما تمييز الضمير المستتر في: "نعم" و"بئس" في مثل: الفارس نعم رجلًا، الجبال بئس جنديًا، فالأحسن اعتباره من تمييز المفرد؛ برغم أن مرجعه مذكور دائمًا: وهو: التمييز، ومثله: ربه رجلًا. أما تمييز "كم" في مثل: كم رجلًا شاركتهم؛ فإنه مفرد من نوع تمييز العدد؛ لأن "كم" كناية عنه.

_ 1 سبق شرحها مع غيرها وبيان حكمها في رقم3 من هامش ص418، ولها شرح مع غيرها في رقم4 من هامش ص426، وكذا في رقم2 من هامش ص22 وكذا في ص504 جـ1 م 38 من الطبعة الرابعة. 2 ومثلها كلمة: "منظر" في قول الشاعر: حسن الأزاهر سحر، جل مبدعه ... فاسعد بها منظرًا، وانعم بها طيبًا 3 كأن ينظر شخص قائدين، أحدهما راكب، والآخر راجل، ثم يقول عن غير إعلان، ولا تصريح باسم أحدهما: لله دره فارسًا، أو: يقرأ نصين؛ أحدها نثر، والآخر شعر، وهما لأديب واحد ثم يقتصر على أن يقول: الله دره شاعرًا. 4 هذا النوع هو الذي أشرنا إليه في رقم2 من هامش ص 418.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ د– تجب مطابقة تمييز الجملة للاسم السابق1 في مواضع، ويجب ترك المطابقة في أخرى، وقد تترجح المطابقة أو عدمها في ثالثة، وفيما يلي البيان: فتجب المطابقة في الحالات التالية: 1– إن كان كل من التمييز والاسم السابق عليه في الجملة لشيء واحد، أي أن مدلول كل منهما هو مدلول الآخر؛ نحو: كلام علي رجلًا، "فالرجل هو: علي، وعلي هو: الرجل"، وكرم العليان رجلين، وكرم العليون رجالًا، وكرمت عبلة فتاة، وكرمت العبلتان فتاتين، وكرمت العبلات فتيات ... و ... 2– إن كان مدلول التمييز غير مدلول الاسم السابق1، ولكن هذا الاسم السابق جمع، والتمييز مصدر فإنه يجمع إذا اختلفت أنواعه باختلاف الأفراد التي يدل عليها الاسم السابق، وتنطبق عليها تلك الأنواع، وتنصب عليها، نحو: خسر الأشقياء أعمالًا، فقد جمع التمييز "أعمالًا" بقصد معين: هو بيان أن هذه الأعمال مختلفة الأنواع، وأن كل نوع منها يصيب شقيا، وهو فرد من أفراد الاسم السابق المجموع: "الأشقياء". 3– إن كان التمييز غير الاسم السابق، ولكن الاسم السابق جمع، والتميز جمع متعدد، غير مصدر، فيجمع لإزالة ليس محتمل؛ نحو: كرم الأولاد آباء، فقد جمع التمييز: "آباء" ليدل جمعه على أن لكل ولد أبًا، وليسوا إخوة، ولو لم نجمعه، وقلنا: كرم الأولاد أبًا، لقوى احتمال أنهم إخوة من أب واحد. ويجب ترك المطابقة فيما يأتي: 1– إن كان معنى التمييز واحدًا ليس له أفراد متعددة، ومعنى الاسم السابق متعددًا؛ نحو: كرم الأولاد أبًا "إذا كانوا إخوة لأب". 2– أو كان التمييز غير الاسم السابق، ولكن الاسم السابق مفرد، والتمييز جمع متعدد غير مصدر، وقصد بجمعه إزالة لبس محتمل؛ نحو: نظف المتعلم أثوابًا، وكرم الشريف آباء، فلو طابق التمييز الاسم السابق لوقع في الوهم

_ 1و1 أي: الممييز.

أن المقصود ثوب واحد، وأب واحد، ولإزالة هذا الاحتمال، والوهم جمع التمييز. 3– أو كان التمييز مصدرًا لا يقصد أن تختلف أنواعه، نحو: أحسن الجنود عملًا. وتترجح المطابقة في مثل؛ حسنت الفتاة عينًا؛ لأن احتمال اللبس يكاد يكون معدومًا؛ إذ لا يكاد يخطر على البال أن السن مقصور على عين واحدة. ويترجح تركها في: حسن الفتيان، أو الفتية وجهًا، للسبب السالف. هـ- يتفق الحال والتمييز في أمور، ويفترقان في أخرى، وأهم ما يتفقان فيه خمسة أمور: كلاهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة، رافع للإبهام. وأهم ما يختلفان فيه سبعة: 1– التمييز لا يكون إلا مفردًا1، أما الحال فقد تكون جملة، أو شبه جملة. 2- التمييز لا يكون إلا فضله، أما الحال فقد يتوقف عليها المعنى الأساسي كما سبق في بابها2. 3- التمييز مبين للذوات أو للنسبة، والحال لا تكون إلا مبينة للهيئات. 4– تمييز الجملة لا يتعدد إلا بالعطف؛ نحو: ارتفع النبيل خلقًا، وعلمًا، وجاهًا. والأحسن في التمييز المتعدد للمفرد أن يكون تعدده بالعطف، إلا إن كان المراد من التمييز المتعدد المفرد معنى واحدا كالاختلاط في مثل عندي رطل عسلًا سمنًا؛ فيجوز التعدد مع العطف، وبدونه3 أما الحال فتعدد بعطف وبغير

_ 1 ليس جملة، ولا شبهها. 2 في ص364، وفي رقم3 من ص 408. 3 انظر رقم4 من ص422.

عطف؛ نحو أقبل المنتصر، فرحًا، مسرعًا، مصافحًا رفاقه، أو فرحًا ومسرعًا، ومصافحًا.... وعند وجود العاطف لا تسمى في الاصطلاح "حالًا"، وإنما تعرف معطوفًا، برغم أنها تؤدي معنى الحال 1، وكذلك التمييز بعد العاطف لا يسمى في الاصطلاح تمييزًا، وإنما يعرب معطوفًا. 5– لا يصح تقديم تمييز المفرد على عامله، والأحسن عند تقديم تمييز الجملة على عامله، إذا كان فعلًا مشتقًا، أو وصفًا يشبه، أما الحال فيجوز. 6– التمييز في الغالب يكون جامدًا2، أما الحال فتكون مشتقة وجامدة3. 7– التمييز لا يكون مؤكدًا لعامله في الصحيح4، والحال قد تكون مؤكدة.

_ 1 راجع ما يختص بهذا في ص386 من باب الحال، حيث التفصيل. 2 من أمثلة مجيئه مشتقًا قولهم: لله دره فارسًا انظر البيان الذي في: "ج" ص 427. 3 تقدم في ص368 مواضع اشتقاقها وجمودها. 4 يلاحظ الفرق الكبير بين هذا الحكم، والذي سبق في رقم2 من هامش ص 416.

المسألة 89: حروف الجر

المسألة 89: حروف الجر مدخل ... المسألة 89: حروف الجر 1 يتناول الكلام عليها الأمور الآتية: "وأكثرها دقيق هام". "عددها، وبيانها"، "عملها"، "تقسيمها من ناحية هذا العمل، والأصالة فيه، أو عدمها؛ وما يترتب على ذلك من التعلق بالعامل، وآثار التعلق ... ". - "معاني كل حرف، ووجوه استعماله"، "حذف حرف الجر وحده مع إبقاء عمله، وحذفه مع مجروره"، "نيابة حرف جر عن آخر". أ– فأما عددها وبيانها فالمشهور منها عشرون2؛ هي: من – إلى - حتى – خلا – عدا – حاشا – في – عن – على – مذ – منذ – رب – اللام – كي – الواو – التاء – الكاف – الباء – لعل – متى. ب– وأما عملها فهو جر آخر الاسم3 الذي يليها في الاختيار

_ 1 يسميها بعض القدماء "حروف" الإضافة، لما يأتي في رقم2 من هامش ص 437"، وقد يطلقون عليها أحيانًا: "الظروف"؛ لأن "الظروف" يشمل "شبه الجملة" بنوعيه المعروفين؛ وهما: الظرف والجار مع مجروره، "انظر رقم1 من هامش ص243 حيث بيان المراجع"، وقد يطلق على كل واحد منهما: "شبه الوصف، أو شبه المشتق"؛ لسبب المبين في رقم3 من هامش ص373، ولما في هامش ص449. 2 لم ندخل في عدادها الحرف: "لولا" الداخل على ضمير غير مرفوع "عند من يقول بأنه حرف جر شبيه بالزائد، كما سيجيء في ص452، فما بعده مجرور لفظًا مرفوع محلًا، على أنه مبتدأ"؛ لأن من هذا تعقيدًا. 3 ليست حروف الجر وحدها هي السبب، أو العامل في جر الاسم؛ فأسباب جزء أو عوامله الأصلية ثلاثة. "أولها": حروف الجر؛ فكل حرف منها لا بد له من اسم بعد يجره على الوجه المبين في هذا الباب. "ثانيها": أن يكون الاسم مضافًا إليه، "ثالثها": أن يكون الاسم تابعًا لمتبوع مجرور: فالنعت، والعطف، والتوكيد، والبدل، مجرورة حتما إذا كان المتبوع مجرورًا. بقي سببان آخران للجر؛ "أحدهما": الجر على "التوهم"، ومن صواب الرأي إهماله، وعدم الاعتداد به "كما قلنا في ص347 و535، وفي جـ1 ص 522 م 49 بعد أن أوضحناه، وتناولنا بالبيان في الموضعين، وفي جـ 3 م 93 ص8. والآخر الجر على: "المجاورة" والواجب التشدد في إغفاله، وعدم الأخذ به مطلقًا، أما الداعي لاتخاذه =

مباشرة1، جرًا محتومًا2؛ ظاهرًا، أو مقدرًا، أو محليًا3، فالظاهر كالذي

_ = سببًا للجر عند القائلين به فوروده في أمثلة قليلة وبعضها خطأ، أو مشكوك في صحة نقله عن العرب قد اشتملت على جر الاسم من غير سبب ظاهر لجره، إلا مجاورته لاسم مجرور قبله مباشرة؛ منها: هذا "جحر ضب خرب"؛ بجر كلمة: "خرب" مع أنها صفة لكلمة: "جحر" ولا تصلح صفة لكلمة: "ضب"؛ لأن الضب لا يوصف بأنه خرب. ومنها قول الشاعر القديم: "يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم ... "؛ بجر كلمة: "كل" مع أنها توكيد لكلمة: "ذوي" المنصوبة؛ إذ لو كانت توكيدًا لكلمة: "الزوجات" لقال: كلهن، وقد تأول النحاة المثال الأول بأن أصله: هذا جحر ضب خرب الجحر منه، أو خرب جحره، ثم حذف ما حذف؛ وبقي ما بقي، واشتد الجدل في نوع المحذوف وصحته وعدم صحته، على الوجه المبين في المطولات، "ومنها الهمع ج2 ص55". وقالوا في المثال الثاني: إنه خطأ أو ضرورة. واتفق كثير من الأئمة على أن الجر بالمجاورة ضعيف، أو ضعيف جدًا، وعلى هذا لا يصح القياس عليه، وإنما يقتصر على الوارد فيه، المسموع عن العرب، كما جاء في خزانة الأدب للبغدادي ج2 ص324 بل جاء في كتاب: "مجمع البيان، لعلوم القرآن" "ج3 ص335" ما نصه: "إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزًا في كلام العرب". ا. هـ، وكما في "المحتسب" لابن جني ج2 ص297 ونصه: "إن الخفض بالجوار أي المجاورة في غاية الشذوذ". ا. هـ. "وقد أعدنا ما سبق لأهميته في أول الجزء الثالث ص8". 1 مباشرة: أي: بغير أن يفصل بينهما فاصل في الاختيار، لكن يجوز الفصل أحيانًا بكلمة "كان" الزائدة التي سبق الكلام عليها في باب: "كان" ج1 م44، كما يجوز الفصل بين الجار ومجروره بلا النافية، مثل: حضرت بلا تأخر، وسررت من لا إهمال، والكوفيون يعتبرون "لا" في هذه الحالة اسمًا بمعنى: "غير" مجرورًا بحرف الجر الذي قبله وأن "لا"، مضاف، والكلمة التي تليه هي المضاف إليه، أما غير الكوفيين، فيعتبره حرفًا باقيًا على حرفيته لا يتأثر بالعوامل، وإنما هو زائد معترض بين الجار والمجرور، وأنه مع زيادته يؤدي معنى النفي، وتظهر آثار الجار على ما بعده؛ فيكون الاسم بعده مجرورًا بحرف الجر الزائد. "راجع، ج1 مبحث "لا". أما في حالة الضرورة الشعرية فقد يجوز مع القبح الفصل بينهما بالظرف، أو بالجار مع مجروره، أو بالمفعول، كقول الشاعر: إن عمرًا لا خير في اليوم عمرو ... إن عمرًا مكثر الأحزان وقول الآخر: وإني لأطوي الكشح من دون ما انطوى ... وأقطع بالخرق الهبوع المراجم والأصل: وأقطع بالهبوع المراجم الخرق، "الهبوع: الجمل الذي يمشي مشية حمار الوحش، والمراجم: الذي يرجم الأرض بأخفافه ويروى: المزاحم بالزاي. والخرق: المكان الواسع الذي تصفر فيه الريح". 2 لا يجوز إلغاء عمله الجر. 3 الجر المحلى فرع من الإعراب المحلى المختص بالكلمات المبنية؛ كالضمائر، وكأثر أسماء =

في الأسماء المجرورة في قول الشاعر: إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد ... كالجهل داء للشعوب، مبيدا والمقدر كالذي في كلمة: "فتى" في قولهم: ما من فتى يستجيب لدواعي الغضب إلا كانت استجابته بلاء وخسرانًا. والمحلى كالذي في قولهم: لا أتألم ممن يسعى بالوقيعة بين الناس قدر تألمي من الذين يعرفونه، وهم إلى ذلك يستجيبون لما يقول ... هذا، ومن آثار حرف الجر أنه إذا دخل على "ما" الاستفهامية أوجب حذف ألفها في غير الوقف1؟ نحو قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ؟ ونحو: لم التواني؟ وفيم الرضا بالهوان؟ ... أما في الوقف فيجب حذف الألف، والإتيان بهاء السكت، وهي من الحروف الساكنة التي تزاد في آخر الكلمة، نحو: عمه؟ لمه؟ فيمه؟ ... ج– وتنقسم هذه الحروف من ناحية الاسم الذي تجره إلى قسمين، قسم لا يجر إلا الأسماء الظاهرة، وهو: عشرة. مذ – منذ – حتى – الكاف – الواو – رب2 – التاء – كي – لعل – متى.

_ = الإشارة والموصول ... فيكون لفظ الكلمة مبينًا؛ لكنه في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب ما يقتضيه العامل، ويختص كذلك بالجمل المحكية، وغيرها من الجمل الأخرى التي لها موقع إعرابي؛ كجملة النعت أو الحال ... ، كما يكون في المصادر المنسبكة، وهي في آخر الكلمة المجرورة بحرف جر زائد، أو شبيه بالزائد، كما سيأتي في هذا الباب. وما سبق مبني على الرأي القائل: إنه الإعراب المحلي نوع يختلف عن الإعراب التقديري، "وقد عرض لهما الصبان في الجزء الثاني من حاشيته، أول باب الفاعل، عند الكلام على حكمه: "الرفع"، وأوضحنا هذا مفصلًا في المكان المناسب من الجزء الأول؛ باب: "المعرب والمبني" ... ص 80 م 6 و282 م 23. 1 ويقول ابن جني في كتابه: "المحتسب" ج2 ص347 في قراءة من قرأ قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} بإثبات الألف في غير الوقف أو الضرورة ما نصه: "هذا أضعف اللغتين؛ أعني إثبات الألف في "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر"، وروينا عن قطرب لحسان: على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في رماد ا. هـ. 2 ومن القليل الذي لا يقاس عليه جزء الضمير، وسيجيء البيان في ص 523.

وقسم يجر الأسماء الظاهرة والمضمرة؛ وهو: العشرة الأخرى1، وسيأتي الكلام على معنى كل حرف من القسمين، وعمله. وتنقسم من ناحية الأصالة وعدمها إلى ثلاثة أقسام، حروف أصلية وما قد يشبهها2، ويلحق بها أحيانًا وحروف زائدة3، وحروف شبيهة بالزائدة. القسم الأول: الحرف الأصلي وشبهه2، وهو الذي يؤدي معنى فرعيًا جديدًا في الجملة، ويوصل بين العامل والاسم المجرور4؛ فله مهمتان يؤديهما معًا، وفيما يلي إيضاحهما: أ– فأما من ناحية إفادته معنى فرعيًا جديدًا لا يوجد إلا بوجوده فيتجلى في مثل: "حضر المسافر"؛ فإن هذه الجملة مفيدة، ولكنها بالرغم من إفادتها

_ 1 في بيان حروف الجر، والمختص منها بالظاهر دون غيره، يقل ابن مالك: هاك حروف الجر، وهي: من، إلى ... حتى، خلا، حاشًا، عدا، في، عن، على مذ منذ، رب، اللام، كي، واو، وتا ... والكاف، واليا، ولعل، ومتى بالظاهر اخصص منذ، مذ، وحتى ... والكاف، والواو، ورب، والتا وقد اقتصر على سبعة أحرف تجر الظاهر، وترك ثلاثة؛ هي: كي، لعل، متى. ويقول أيضًا: واخصص بمذ، ومنذ وقتًا، وبرب ... منكرًا والتاء لله، ورب وما رووا من نحو: ربه فتى ... نزر، كذا كها، ونحوه أتى أي: أن الكاف قد تجر المضمر شذوذًا. 2و2 بيان "الشبيه" موضح في رقم2 من هامش الصفحة التالية. 3 في الجزء الأول "م 5 ص66 و70" بيان مفيد عن المراد من اللفظ الزائد، سواء أكان حرفًا أم غير حرف، وأنه لا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان حرفًا أم غير حرف" زائدًا إن أمكن اعتباره أصليًا؛ لأن اعتبار الأصالة، مقدم على اعتبار الزيادة. 4 وهذا التوصيل هو ما يسمى: "التعلق" إلا الحرف: "على" إذا كان معناه الإضراب؛ فإنه يصح ألا يتعلق بعامل؛ كما سيجيء في ص512.

تبعث في النفس عدة أسئلة، يكون منها: أحضر المسافر من القرية أم من المدينة؟ أحضر من بلد أجنبي، أم غير أجنبي؟ أحضر في سيارة، أم في طيارة، أم في باخرة، أم في قطار؟ أحضر إلى بيته، أم إلى مقر عمله؟ ... و ... و ... ففي هذه الجملة المفيدة نقص معنوي فرعي فإذا قلنا: "حضر المسافر من القرية"، وأتينا بحرف الجر الأصلي "من"، وبعده مجرورة فإن بعض النقص يزول، ويحل محله معنى فرعي جديد، بسبب وجود "من"، فإنها بينت أن ابتداء المجيء هو: "القرية "، ولم يوجد هذا المعنى إلا بوجود "من"؛ فهي لبيان: "الابتداء" وقد ظهر هذا المعنى الفرعي الجديد على المجرور بها1. وإذا قلنا: "حضر المسافر من القرية إلى مقر عمله"، فإن نقصًا آخر معنويًا يزول، ويحل محله معنى فرعي جديد، هو: "الانتهاء"؛ بسبب وجود "إلى"، فقد دلت على أن نهاية السفر هي مقر العمل، ولولا وجود: "إلى" ما فهم هذا المعنى الفرعي الجديد، فهي لبيان الانتهاء، وقد ظهر على المجرور بها. ولو قلنا: "حضر المسافر من القرية إلى مقر عمله في سيارة" لزال نقص معنوي آخر، وحل محله معنى فرعي جديد؛ هو: "الظرفية" بسبب وجود حرف الجر الأصلي "في" الذي يدل على أن المسافر كان خلال حضوره في سيارة تحويه كما يحوي الظرف المظروف، أي: كما يحوي الوعاء الشيء الذي يوضع فيه، وهكذا بقية حروف الجر الأصلية كلها وكذا الشبيهة بالأصلية2، فإن كل حروف من النوعين لا بد أن يحمل معه للجملة المفيدة معنى فرعيًا جديدًا من المعاني3

_ 1 طبقًا للبيان الخاص بمعنى الحرف، والغرض منه، "وقد تقدم في جـ1 م5 ص62". 2 حرف الجر الشبيه بالأصلي هو: "لا الجر الزائدة" غير محضة: لأنها تجيء لتقوية عاملها الضعيف، ومن الممكن الاستغناء عنها: فإذا لوحظ أنها تفيد عاملها " التقوية" كان هذا معنى جديدًا جلبته معها، وأفادته عاملها؛ فيجب تعلقها مع مجرورها به، وإن لوحظ أنه يجوز حذفها فلا تتأثر الجملة بحذفها كانت زائدة زيادة غير محضة؛ لأن الحرف الزائد زيادة محضة لا يفيد شيئًا إلا توكيد معنى الجملة كلها، لا بعضها وسيجيء البيان عند الكلام على لام الجر الزائدة المحضة التي للتقوية ص475 وفيها المناقشة المفيدة التي قد تنتهي بالقارئ إلى رفض هذه التسمية المقصورة على نوع معين من أنواع اللام. 3 لكل حرف من حروف الجر الأصلية أو الشبيهة بالأصلية، عدة معان، ولكل معنى مقام يناسبه، وسياق يقتضيه، "وسيجيء في ص455 تفصيل هذا" لكن أيكون للحرف الواحد معنى واحدًا أم يكون له معان متعددة؟ وهل ينوب بعض حروف الجر عن بعض؟ الإجابة عن هذا في ص455.

التي يختص بتأديتها، ولا يتكشف هذا المعنى الجديد إلا بعد وضع الحرف مع مجروره في الجملة المفيدة، وعندئذ يتكشف ويتحقق مدلوله على الاسم المجرور به كما سبق1. أما وجود الحرف وحده أو مع مجروره بغير وضعها في جملة، فلا يفيد شيئًا. هذا من ناحية إفادته معنى فرعيًا جديدًا لم يكن له وجود قبل مجيئه. ب– وأما من ناحية وصله بين عامله والاسم المجرور وهو ما يسمى: "التعلق بالعامل"2، فالنحاة يقولون: إن الداعي القوي لاستخدام حرف الجر الأصلي مع مجروره، هو الاستفادة بما يجلبه للجملة من معنى فرعي جديد، وهذا المعنى الفرعي الجديد ليس مستقلًا بنفسه، وإنما هو تكملة فرعية لمعنى فعل أو شبهه في تلك الجملة، ويوضحون هذا بما يشبه الكلام السابق، ففي مثل: حضر المسافر من القرية نجد الجار مع مجروره قد أكملا بعض النقص البادئ في معنى الفعل: "حضر"؛ فلولاهما لتواردت علينا الأسئلة السالفة، لكن بمجيئهما انحسم الأمر. فلهذا يقال: الجار والمجرور متعلق بالفعل: "حضر"، أي: مستمسك ومرتبط به ارتباطًا معنويًا كما يرتبط الجزء بكله، أو الفرع بأصله؛ لأن المجرور يكمل معنى هذا الفعل، بشرط أن يوصله به حرف الجر الأصلي3، أو ما ألحق به.

_ 1 وقد أسهبنا القول في إيضاح معنى الحرف مطلقًا، وأن معناه لا يعرف من لفظه فقط؛ وإنما يعرف بعد وضعه في جملة، وأن هذا المعنى يظهر على ما بعده ... و ... كل هذا في ج1 ص62 م5. 2 وهذا التعلق مقصور على حرف الجر الأصلي وشبهه، دون الزائد وشبهه كما أسلفنا، وكما يجيء في ص453. 3 إلا الحرف "على" الذي للإضراب في مثل قول الشاعر: فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا كما سيجيء في ص512 و1 من هامش ص451 أما التفصيل والأمثلة ففي رقم8 ص510. وهناك "اللام" الجارة الأصلية والزائدة ففي النوعين من ناحية تعلق كل منهما، وعدم تعلقه تفصيلات تترتب عليها أحكام اكتفينا بالإشارة إليها في رقم1 من هامش ص472، ورقم4 من هامش ص439 اعتمادًا على بسطها في بابها الأنسب، وهو باب: "الاستغاثة"، "ج4 م133 ص78".

والنحاة يسمون هذا الفعل1"عاملًا". ويقولون أيضًا: إن حرف الجر الأصلي وما ألحق به بمثابة قنطرة توصل المعنى من العامل إلى الاسم المجرور، أو بمثابة رابطة تربط بينهما؛ ولا يستطيع العامل أن يوصل أثره إلى ذلك الاسم إلا بمعونة حرف الجر الأصلي أو ما ألحق به؛ فهو وسيط، أو وسيلة للاتصال بينهما2، ومن أجل هذا كان حرف الجر الأصلي وملحقه مؤديًا معنى فرعيًا، وهو في الوقت نفسه أداة من أدوات تعدية الفعل اللازم لمفعول به معنى "أي: حكمًا"، وهذه الأداة تتغير وتتنوع طبقًا للمعنى الذي يراد منها أن تؤديه. مثال آخر: "قعد الرجل" ... فهذه جملة مفيدة؛ لكن أقعد في البيت، أم في السفينة، أم في الحقل ... ؟ فمعنى الفعل: "قعد" في الجملة السالفة محتاج إلى تكملة فرعية تدعو للإتيان بالجار الأصلي مع مجروره؛ فإذا قلنا: قعد الرجل في السفينة ... انكشف المعنى الكامل للفعل: "قعد" بسبب اتصاله بالسفينة، وكان هذا الاتصال بمساعدة حرف الجر الأصلي، إذ ليس من الممكن أن نقول: قعد الرجل السفينة؛ بإيقاع المعنى على السفينة مباشرة بغير حرف الجر؛ لأن الاستعمال العربي الصحيح يأبى ذلك؛ برغم شدة احتياج العامل وهو هنا الفعل: "قعد" إلى كلمة: "السفينة" ليقع عليها أثره المعنوي، لكنه عاجز عن أن يوصله إليها بنفسه؛ فجاء حرف الجر الأصلي وسيطًا للجمع بينهما، ومعينًا على تذليل تلك الصعوبة، ووصل بين معنى الفعل

_ 1 وكذا ما يشبهه من العوامل الأخرى الآتية في ص439. 2 ولهذا يسميها بعض النحاة: "حروف الإضافة"، كما أشرنا في رقم1 من هامش ص431؛ لأنها إذا كانت أصلية "كما جاء في بعض المطولات، ومنها "المفصل" جـ2 ص117 تضيف أي تحمل وتنقل إلى الأسماء المجرورة بها معاني الأفعال وشبهها، من كل ما يقع عليه التعلق يشبه الجملة. ولو لم يوجد الحرف الأصلي ما تحققت الفائدة الفرعية التكميلية، ولا صح الأسلوب بعد حذف الجار وحده، وإبقاء مجروره السابق وهذا في غير المواضع القليلة التي يصح فيها حذفه، ويظل ملحوظًا بالرغم من حذفه، ومعتبرًا كالمذكور بخلاف غير الأصلي، فإنه حذفه وحده لا يفسد الأسلوب، وفائدته إما جديدة مستقلة، لا يقصد منها أن تتمم نقصًا في غيرها؛ وهذا هو: "الشبيه بالزائد"، وإما مؤكدة لمعناه؛ وهذا هو "الزائد"، كما سيجيء في ص450 و452. لهذا كان ما يسمونه "التعلق بالعامل" مقصورًا على حرف الجر الأصلي مع مجروره، وكذلك ما ألحق به

والاسم المجرور بعده، فهو بحق أداة اتصال بينهما؛ ولذا يعد وسيلة من وسائل تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به تقديرًا، زيادة على ما يجلبه معه من معنى فرعي. وكما سبق لا بد أن يتنوع هذا الحرف، ويتغير على حسب الغرض المعنوي المقصود1. مثال ثالث: نام الوليد، فمعنى الفعل: "نام" معروف، ولكنه معنى يشوبه بعض النقص الفرعي؛ إذ لا يدل مثلًا على المكان الذي وقع فيه النوم، فالعامل؛ " وهو هنا الفعل: نام" بحاجة إلى إتمام المعنى بذكر المكان الذي وقع فيه أثره، فهل نقول: نام الوليد السرير؟ لا نستطيع ذلك؛ لأن الأساليب العربية السليمة تأباه، فالفعل عاجز عن إيصال معناه المباشر إلى تلك الكلمة، فنلجأ إلى الوسيط المساعد؛ وهو حرف الجر الأصلي، وشبهه ليوصل بين الاثنين، ويعدي الفعل اللازم إلى مفعول به معنى، "حكمًا"؛ فنقول: نام الوليد في السرير، ومثل هذا يقال في الفعلين: "دها"، و"ذم" من قول الشاعر: ومن دعا الناس إلى ذمه2 ... ذموه بالحق وبالباطل ... وهكذا ... من كل ما سبق نفهم أن حرف الجر الأصلي3 مع مجروره إنما يقومان بمهمة مشتركة ومزدوجة، كانت السبب القوي في مجيئهما؛ وهي: إتمام معنى عاملها، واستكمال بعض نقصه4 بما يجلبانه معهما من معنى فرعي جديد؛ وأحدهما وهو حرف الجر الأصلي3 يقوم بمنزلة الوسيط الذي يصل بين العامل والاسم المجرور،

_ 1 فيجب اختيار حرف الجر الذي يؤدي المعنى المراد، ولا يصح اختيار حرف لا يؤديه "راجع البيان الهام في ص161، وفي رقم4 من هامشها، ثم ما يتصل بهذا في ص537"، ومن ثم تنوعت حروف الجر بتنوع المعاني في قول الشاعر: انتخب للقريض لفظًا رقيقًا ... كنسيم الرياض في الأسحار فإذا اللفظ رق شف عن المعنى ... فأبداه مثل ضوء النهار مثل ما شفت الزجاجة جسمًا ... فاختفى لونها بلون العقار 2 بأن يفعل ما يستدعي أن يذموه بسببه. 3 و 3 وكذا ما ألحق به. 4 لتجلية هذه المسألة أيضًا والسبب في وجوب التعلق، ولو بالمحذوف تراجع ص245، وما بعدها ففيها ما يتصل بوضوعنا ويفيد.

فيحمل معنى الأول إلى الثاني، ويجعل عامله اللازم متعديًا حكمًا وتقديرًا، ويعبر النحاة عن كل هذا تعبيرًا اصطلاحيًا؛ هو: "أن الجار الأصلي وشبهه مع مجروره متعلقان بالعامل، حتمًا1"، فالمراد من تعلقهما حتمًا به هو: وجوب اتصالهما وارتباطهما به؛ لتكملة معناه الفرعي على الوجه الذي سلف. كما نفهم أيضًا ما يقولونه من: أن الاسم المجرور بالحرف الأصلي وشبه وهو بمنزلة "المفعول به" لذلك العامل؛ لوقوع معنى العامل عليه؛ كما يقع على "المفعول به" الحقيقي؛ فكلا الاسمين يقع عليه معنى عامله، وكلاهما يتمم معنى العامل، "المتعلق به"، إلا أن المفعول به الحقيقي منصوب، ويصل إليه معنى ذلك العامل مباشرة أي: بغير وسيط أما الاسم الآخر، فمجرور بحرف الجر الأصلي، ولا يصل إليه معنى عامله "وهو المتعلق به" إلا بوسيط، ولا يصح تسميته مفعولًا به حقيقيًا، بالرغم من أنه بمنزلته2، كما لا يصح إعرابه فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا مبتدأ، ولا بدلًا3 ولا غير ذلك ... ، وإنما يقتصر في إعرابه على أنه "اسم مجرور بالحرف"، وكفى4 ... أنواع العامل "أي: المتعلق به"، ومواضع ذكره وحذفه: ليس من اللازم أن يكون العامل "أي: المتعلق به" فعلًا؛ فقد يكون فعلًا مطلقًا5، وقد يكون شيئًا آخر يشبهه؛ كاسم الفعل في مثل: نزال في

_ 1 إلا الحرف الأصلي: "على" إذا كان معناه الإضراب، فإنه يصح ألا يتعلق، وكذلك اللام الجارة الأصلية في بعض الآراء كما أشرنا في رقم3 من هامش ص 436 و2 من هامش ص444، ويجيء البيان والتفصيل والأمثلة في رقم 8 من ص510. 2 إذا كان بمنزلة المفعول به حكمًا ومعنى، فهل يجوز في توابعه النصب؟ الإجابة الصحيحة: لا، "راجع "ب" من ص125 ثم رقم3 من هامش ص151 ثم ص161". 3 يستثنى من هذا الحكم صورة خاصة يصح فيها عند فريق من النحاة إعراب الاسم المجرور بالحرف "بدلًا"؛ طبقًا للبيان التفصيلي في باب "البدل" ج3 ص 538 م123. 4 "ملاحظة": ما المراد الدقيق مما نقرؤه في بعض المراجع اللغوية، وغيرها، أن فعلًا معينًا لازمًا، يردفونه تصريحًا أو تمثيلًا؛ بأنه يتعدى بحرف جر معين؟ الجواب في رقم4 من هامش ص161. 5 أي: بغير تقيد بنوع الفعل، فيشمل الفعل الجامد، والمتصرف، والتام، والناقص، وغير ذلك ... إلا الفعل: "ليس"، ففي التعلق به خلاف.

الباخرة، بمعنى: انزل في الباخرة، وحيهل على داعي المروءة، بمعنى: أقبل على داعي المروءة، وكالمصدر الصريح1 في قولهم: السكوت عن السفيه جواب، والإعراض عنه عقاب ... ومثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة من أقوى الدعائم لإصلاح المجتمع، وكالمشتق الذي يعمل عمل الفعل؛ نحو: أنا محب لعملي، فرح به، مرتاح لرفاقي فيه، وقول الشاعر: يموت المداوي للنفوس ولا يرى ... لما فيه من داء النفوس مداويًا وكذلك2 المشتق الذي لا يعمل3؛ كاسم الزمان، واسم المكان ... و ... نحو: انقضى مسعاك لتأييد الحق، وعرفنا مدخلك إلى أعوانه. وقد يكون العامل لفظًا غير مشتق، ولكنه في حكم المؤول به "أي: يؤدي معنى المشتق"؛ مثل: "أنت عمر من قضائك"، فالجار مع مجروره متعلقان بكلمة: "عمر" الجامدة؛ لأنها مؤولة بالمشتق؛ فهي هنا بمعنى: عادل، ومثل قولهم: "قراءة كلام السفهاء علقم على ألسنتنا"، فالجار والمجرور متعلقان "بعلقم" الجامدة؛ لأنها هنا بمعنى: صعب، أو شاق، أو مؤلم، أو: مر ... والمشهور: أن حرف الجر الأصلي مع مجروره لا يتعلقان بأحرف المعاني، ولكن

_ 1 وهو يشمل المصدر الدال على المرة، أو الهيئة، كما يشمل المصدر الميمي، والصناعي. 2 ومن أمثلة الفعل والمشتق الذي يشبهه قول الشاعر: انظر إلى ورق الغصون فإنها ... مشحونة بأدلة التوحيد وقول الآخر: ترفق أيها المولى عليهم ... فإن الرفق بالجاني عتاب 3 هذا هو الراجح؛ لأن المشتق غير العامل لا يخلو من رائحة الفعل. راجع حاشيتي: الخضري والصبان، أول باب: "إعمال اسم الفاعل" عند قول ابن مالك: .............................. ... إن كان عن مضيه بمعزل حيث علق الجار والمجرور: "عن مضيه" بكلمة: "معزل" التي اسم مكان، "وستجيء الإشارة هذا في ج3 ص243 م2-1 باب: اسم الفاعل، وفي ص 321 م 107".

هذا المشهور مخالف لما نقلناه عن بعض المحققين1. وقد يخلو الكلام من ذكر العامل2؛ لأنه: أ– إما محذوف جوازًا لوضوحه؛ بسبب اشتهاره في الاستعمال قبل الحذف وأمن اللبس بعد الحذف، أو بسبب وجود دليل يدل عليه؛ فمثال الأول: "بأبي" في قول المتنبي: بأبي من وددته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعا وقول الآخر: بنفسي تلك الأرض؛ ما أطيب الربا!! ... وما أحسن المصطاف3 والمتربعا4!! يريد: أفدي بأبي، أفدي بنفسي، ومثال الثاني: أزورك في مساء الخميس أما أخوك ففي مساء الجمعة، أي: فأزوره في مساء الجمعة. ب– وإما محذوف وجوبًا إذا كان هذا العامل2 دالًا على مجرد الكون العام، أي: الوجود المطلق؛ وذلك في مسائل؛ أشهرها سبعة: 1– أن يقع صفة، نحو؛ هذه رسالة في يد صديق عزيز. 2– أو: حالًا؛ نحو: نظرات الرسالة في يد صديق عزيز. 3– أو: صلة، نحو: استمتعت بالأزهار التي في الحديقة. 4– أو: خبرًا لمبتدأ أو لناسخ، كقول الشاعر: جسمي معي، غير أن الروح عندكمو ... فالجسم في غربة، والروح في وطن فليعجب الناس مني؛ أن لي بدنًا ... لا روح فيه، ولى روح بلا بدن

_ 1 راجع إيضاح هذا وتفصيله الكامل في باب: "الظرف" رقم4 من هامش ص245 م78. "2و2" وهو: المتعلق به، وقد يكون تعلق شبه الجملة بالإسناد "أي: بالنسبة الواقعة بين ركني الجملة، وهذا إذا لم نتوصل إلى فعل أو شبهه مما يصح التعلق به، كقول ابن مالك في باب الاستثناء خاصا بالأداتين "خلا وعدا": "وحيث جرا فهما حرفان ... "، فالظرف "حيث" متعلق بالنسبة المأخوذة من قوله: "فهما حرفان" أي: تثبت حرفيتهما حيث جرا، "وقد سبق تفصيل وإيضاح لهذا في هامش ص357، وتسمية بالعامل المعنوي ص245". 3 المكان المختار لقضاء فصل الصيف فيه. 4 المكان المختار لقضاء فصل الربيع فيه.

5– أو: أن يلتزم العرب حذفه في أسلوب معين؛ كقولهم لمن تزوج: "بالرفاء 1والبنين"، أي: تزوجت ... فلا يجوز في مثل هذا الأسلوب ذكر العامل؛ لأنه أسلوب جرى مجرى الأمثال، والأمثال لا تغير. 6– أو يكون حرف الجر هو "الواو" أو"التاء" المستعملتين في القسم، نحو: والله لا أبتدئ بالأذى، وقول الشاعر: فوالله لا يبدي لساني حاجة ... إلى أحد حتى أغيب في القبر تالله لأصنعن المعروف، التقدير: أقسم والله، أقسم بالله. 7– أو: أن يرفع الجار مع مجروره الاسم الظاهر عند من يقول بذلك2؛ بشرط اعتمادها على استفهام، أو نفي؛ نحو: أفي الله شك؟: ما في الله شك. وإذا كان العامل محذوفًا جاز تقديره فعلًا، "مثل: استقر – حصل – وجد – كان بمعنى: وجد ... و ... " وجاز تقديره وصفًا يشبهه؛ "مثل: مستقر – حاصل – كائن ... "، إلا في القسم والصلة لغير "أل" الموصولة؛ فيجب تقديره فيهما فعلًا؛ لأن جملتي القسم والصلة لغير "أل"، لا تكونان هنا إلا جملتين فعليتين3، ولن يتحقق هذا إلا بتعلق شبه الجملة بفعل محذوف، لا بغيره. وقد سبق أن أوضحنا جواز القول تيسيرًا بأن الجار والمجرور إذا وقعا صفة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا، هما الصفة، أو الصلة، أو الخبر، أو الحال، من غير نظر للعامل، ولا اعتباره واحدًا من تلك الأشياء4. ولما كانت العلاقة بين العامل "المتعلق به"، والجار مع مجروره على ما ذكرنا من الارتباط المعنوي الوثيق وجب أن ننتبه عند التعليق؛ فنميز العامل الذي يحتاج إلى الجار مع المجرور لتكملة معناه، من غيره الذي لا يحتاج؛ فنخص الأول بتعلقهما به، ونعطيه ما يناسبه، دون سواه من العوامل التي لا يصح التعلق بها؛ إما

_ 1 الرفاء "بكسر الراء المشددة" هو: التوافق، والالتئام، وعدم الشقاق. 2 وهو رأي يحسن اليوم إغفاله قدر الاستطاعة، لما يوقع فيه من بلبلة. 3 كما في هامش ص447 وما بعدها. 4 سبق هذا في ص248، وفي جـ 1 ص272، 346، وسيجيء في رقم 3 من هامش ص445 و447 كلام هام في هذا.

بسبب الاكتفاء بمعنى العامل دون احتياج إلى الجار مع مجروره، وإما بسبب فساد المعنى المراد من العامل إذا تعلقا به. بيان ذلك: أن الكلام قد يشتمل على عدة أفعال أو غيرها مما يشبهها، فيتوهم من لا فطنة له أن التعلق بكل واحد منها جائز؛ فيسارع إلى التعليق غير متثبت من حاجة العامل لهذا التعليق، في استكمال المعنى أو عدم حاجته، وغير ملتفت إلى ما يترتب عليه من فساد المعنى أو عدم فساده؛ كما يتضح من الأمثلة التالية: "جلست أقرأ في كتاب تاريخي" ... فلو تعلق الجار والمجرور: "في كتاب" بالفعل: "جلس" لكان المعنى: جلست في كتاب ... ، وهذا واضح الفساد، لكن يستقيم لمعنى لو تعلقا بالفعل: "أقرأ"، فيكون: أقرأ في كتاب تاريخي ... "قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها، بمقياس الحرارة"، فلو تعلق الجار والمجرور بالفعل: "كتب" لكان المعنى: كتب الطبيب حرارة المريض بمقياس الحرارة. وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يحصل، وإنما يصح المعنى بتعلقهما بالفعل: "قاس"؛ إذ كان الأصل: قاس الطبيب بمقياس الحرارة حرارة المريض، وهذا معنى سليم. ويقول الرصافي: جهلت كجهل الناس حكمة خالق ... كل الخلق طرًا بالتعاسة حاكم وغاية جهدي أنني قد علمته ... حكيمًا، تعالى عن ركوب المظالم فلو تعلق الجار والمجرور: "على الخلق" بالفعل: "جهل" لأدى هذا التعلق إلى فساد شنيع في المعنى؛ إذ يكون التركيب: جهلت على الخلق جميعًا أي: تكبرت عليهم، وأسأت إليهم، وهذا غير المراد، وكذلك لو تعلقا بالمصدر: "جهل" أو: "حكمة" ... ، أما لو تلعقا بالوصف المشتق: "حاكم" فإن المعنى يستقيم، ويتحقق به المراد، إذ يكون التركيب ... حاكم على الخلق طرا بالنعاسة ... ، ومثل هذا يقال في الجار والمجرور: "بالتعاسة". ويقول الشاعر: عداتك منك في وجل وخوف ... يريدون المعاقل والحصونا ... فلو تعلق الجار ومجروره "منك" بكلمة: "عداة"1 لفسد المعنى، بخلاف

_ 1 جمع: عاد، بمعنى ظالم، "فهو عامل مشتق".

تعلقهما بكلمة: "وجل" فإن المعنى معه يكون: غداتك في وجل منك ... وهو معنى مستقيم. ومن الأمثلة السالفة يتبين أن متعلقهما قد يكون متأخرًا عنهما، أو متقدمًا عليهما؛ فليس من اللازم أن يتقدم عليها العامل الذي يتعلقان به، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: بالعلم والمال يبني الناس ملكهمو ... لم يبن ملك على جهل وإقلال وفي قول الآخر: لئن لم أقم فيكم خطيبًا فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب ... فالمراد: يبني الناس ملكهم بالعلم والمال ... لم يبن الناس ملكهم على جهل وإقلال لئن لم أقم فيكم خطيبًا، فإنني لخطيب بسيفي1 ... فالواجب يقتضي في كل الأحوال أن نبحث لحرف الجر الأصلي2 مع مجروره عن "العامل" المناسب لهما، ولا سيما إذا تعددت حروف الجر ومجروراتها، وتعددت معها الأفعال وأشباهها3، وأن نميزه ونستخلصه من غير المناسب؛ ولا نتأثر في اختياره بقربه من الجار والمجرور، أو بعده عنهما، أو تقدمه عليهما أو تأخره، أو ذكره، أو حذفه4، وإنما نتأثر بشيء واحد؛ هو

_ 1 وكذلك في قول الشاعر: الغني في يد اللئيم قبيح ... مثل قبح الكريم في الإملاق وقول الآخر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي 2 وشبهه، إلا الحرف الأصلي اللام، وكذا: "على" الذي للإضراب، فكلاهما يصح ألا يتعلق، "كما سبق في رقم3 من هامش436 ورقم1 من هامش 339 طبقًا للبيان الآتي في رقم8 من ص510". 3 الكثير ألا يتعلق حرفان للجر بعامل واحد إذا كانا بمعنى واحد كالذي في مثل: مررت بالوالد بالأخ؛ حتى لقد منع بعض النحاة هذا التعليق: منعًا باتًا. أما عند اختلاف معنى الحرفين فيجوز تعلقهما بعامل واحد؛ نحو: كتبت بالقلم بالصحيفة، والحق أن المنع القاطع المطلق مخالف لظاهر كلام الزمخشري في قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ، فإنه يفيد الجواز مع كون معنى الحرفين: "من" الأولى والثانية واحدًا؛ ذلك؛ لأن الحرف الثاني إنما يتعلق بالفعل بعد تقييده بالأول، والأول إنما تعلق به في حال الإطلاق. "راجع شرح التصريح وحاشية ياسين ج2 باب الحال عند الكلام على الحال مع صاحبها". 4 وقد اجتمع الذكر والحذف في قولهم: "من أشار على أخيه بشيء يعلم أن الرشد في غيره، فقد خانه" أي: موجودة في غيره.

ما يكون بين العامل وبينهما من ارتباط معنوي يحتم اتصالهما به بطريقة تعلقهما به مع ملاحظة الرأي المشهور؛ وهو: أن شبه الجملة بنوعيه لا يتقدم على عامله المؤكد بالنون1. وفي هذه الحالة التي يتمم فيها الجار والمجرور المعنى مع عاملهما يسميان "شبه الجملة2 التام"، فإن لم يكمل بهما المعنى "وقد يكون ذلك لعدم اختيار "المتعلق به" المناسب سميًا: "شبه الجملة الناقص"، نحو: محمد عنك، الشمس حتى اليوم، النهر بك ... و ... فهذه تراكيب فاسدة، بخلاف: محمد في البيت، الشمس على خط الاستواء، النهر لنا3.

_ 1 انظر البيان في 3 من هامش ص101. 2 شبه الجملة قسمان: الظرف، والجار مع مجروره، وفي باب الصلة خاصة يعتبر الوصف الواقع صلة "أل" بمنزلة شبه الجملة، "وقد تقدم إيضاح هذا في الجزء الأول عند الكلام على أنواع الصلة، وسيجيء في الهامش بعد هذا مباشرة بيان العلامة التي تميز شبه الجملة التام المفيد مما ليس تامًا ولا مفيدًا". 3 من المستحسن أن نلخص ما سبق متناثرًا "هنا في ص245 وما بعدها، وج 1 في بابي "الموصول"، و"المبتدأ والخبر" خاصًا يشبه الجملة؛ من ناحية التعلق، ووجوب حذف العامل أو جوازه، وشبه الجملة اللغو والمستقر ... و ... وما يصحب كل هذا من أحكام هامة، وإنما نعيده بمناسبة للكلام على حروف الجر؛ لأن الجار مع مجروره أحد الشرطين اللذين يسميان: "بشبه الجملة"، والشطر الآخر هو: "الظرف"، ويطلقه بعض القدماء على الشطرين ويزاد عليهما صلة "أل" خاصة "كما سبق في رقم 2"، فأنسب مكان لتسجيل كل ما يختص بشبه الجملة هو: " باب الظرف"، و"باب حروف الجر"، وإلى هذين البابين قبل غيرهما يتجه نظر الباحث في "شبه الجملة": حيث يجب أن يتجمع ويتركز في كل باب ما يناسبه من أحوال شبه الجملة، وأحكامه، دون الاعتماد على المتفرق في الأبواب الأخرى، لمناسبات طارئة. الأصل المتفق عليه بين النحاة أن العامل في الظرف، وفي الجار مع مجروره يقع بنفسه في مواقع إعرابية مختلفة؛ منها: الصلة، والصفة، والخبر، والحال ... و ... ، فهل يقع شبه الجملة نفسه في تلك المواقع الإعرابية بدلًا من عامله، ويحل محله؟ لا مانع من هذا في رأي حسن لفريق من قدامى النحاة، بشرط أن يكون العامل في شبه الجملة بنوعيه محذوفًا، وبشرط أن يكون كل منهما مفيدًا بعد حذف العامل الذي يتعلقان به مع ملاحظة أن الذي يتعلق من أنواع الجار مع مجروره هو حرف الجر الأصلي مع مجروره وشبه الأصلي، دون حرف الجر الزائد وشبهه مع مجرورهما، وأوضح علامة تدل على وجود الفائدة المطلوبة من الظرف ومن الجار مع مجروره هو أن يفهم متعلقهما المحذوف بمجرد ذكرهما، ويتحقق هذا في صورتين: الأولى: أن يكون هذا المتعلق المحذوف شيئًا يدل على مجرد الوجود العام، أي: الوجود المطلق دون زيادة معنى آخر، وهذا يسمى: "الاستقرار العام" أو: "الكون العام" ومعناهما: مجرد الوجود؛

ملاحظة: المشهور أن شبه الجملة التام بنوعيه "الظرف، والجار مع مجروره" إذا وقع

_ = ففي نحو: "تكلم الذي عندك" أي: الموجود عندك لا يفيد الظرف: "عند" شيئًا أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجودًا مطلقًا من غير زيادة شيء آخر على هذا الوجود؛ كالأكل، او الشرب، أو القراءة، أو سواها ... وهذا هو "الوجود العام"، أو: "الاستقرار العام" أو: "الكون العام" كما قلنا، ولا يحتاج في فهمه إلى قرينة، أو غيرها، وكذلك نحو: "سكت الذي في الحجرة" أي: الموجود في الحجرة وجودًا مطلقًا غير مقيد بزيادة شيء آخر؛ كالنوم، أو الضحك، أو المشي، وكذلك غيرهما من الأمثلة. ولأن هذا الكون العام واضح "ومفهوم" بداهة طبقًا للبيان الهام الذي سبق في ص 246 وجب حذفه في مسائل؛ منها ما ذكرناه، وهو: أن يقع صلة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا ... ؛ إذ لا داعي للإضافة بذكره من غير حاجة إليه. الثانية: أن يكون متعلقهما أمرًا خاصًا محذوفًا جوازًا لوجود ما يدل عليه. ويظهر المتعلق الخاص في المثالين السابقين بأن نقول: تكلم الذي وقف عندك، وسكت الذي نام في الحجرة، فكلمة: "وقف" أو: "نام" تؤدي معنى خاصًا هو: الوقوف، أو: النوم، ولا يمكن فهمه إلا بذكر كلمته في الجملة، والتصريح بها، فليس هو مجرد حضور الشخص، ووجود المطلقين؛ وإنما هو الوجود والحضور المقيدين بالوقوف أو بالنوم، ولهذا لا يصح حذف المتعلق الخاص إلا بدليل يدل عليه وعندئذ يجوز حذفه؛ مثل: قعد صالح في البيت ومحمود في الحديقة؛ فقول: بل صالح الذي في الحديقة، تريد: بل صالح الذي قعد في الحديقة: فإن حذف المتعلق الخاص بغير دليل كان الظرف والحال مع مجروره غير تأمين؛ فلا يصلحان للصلة، ولا لغيرها مما سبق؛ مثل: هذا الذي أمامك، أو: منك، تريد هذا الذي غضب أمامك، أو: غضب منك، ومثل: غاب الذي اليوم ... أو: الذي بك، تريد: غاب الذي حضر اليوم، والذي استعان بك. فالمتعلق العام المطلق قد زيد عليه هنا ما جعله خاصًا مقيدًا، فلا يصح حذفه إلا بقرينة. وظرف المكان هو الذي يكون متعلقه في الصلة كونًا عامًا واجب الحذف، أو كونًا خاصًا واجب الذكر إلا عند وجود قرينة؛ فيجوز معها حذفه أو ذكره. أما ظرف الزمان فلا يكون متعلقه إلا خاصًا؛ فلا يجوز حذفه إلا بقرينة، وبشرط أن يكون الزمن قريبًا من زمن الكلام، نحو: نزلنا المنزل الذي البارحة، أو: أمس، أو آنفًا، فإن كان زمن الظرف بعيدًا من زمن الإخبار بمقدار أسبوع مثلًا، لم يحذف العامل؛ فلا تقول يوم الأربعاء: نزلنا المنزل الذي يوم الخميس أو يوم الجمعة. ولم أطله على تحديد النحاة للزمن القريب أو البعيد؛ ولكن قد يفهم من أمثلتهم أن القريب هو ما يتجاوز يومين، وأن البعيد ما زاد عليهما، وربما كان عدم التحديد مقصودًا منه ترك الأمر للمتكلم والسامع. وشبه الجملة بنوعيه يسمى: "مستقرًا" "بفتح القاف، والمراد: مستقر فيه" حين يقع متعلقه "كونًا عامًا" يفهم بدون ذكره، ويسمى: "لغوًا" حين يقع متعلقه "كونًا" مذكورًا أو محذوفًا لقرينة تدل عليه، وإنما سمي "مستقرًا" لأمرين سبقت الإشارة إليهما في ص246 و250؛ لاستقرار معنى عامله فيه؛ أي: فهمه منه؛ ولأن حين يصير خبرًا مثلًا ينتقل إليه الضمير من عامله المحذوف، ويستقر فيه، وبسبب هذين الأمرين استحق عامله الحذف وجوبًا, وسمي "اللغو" لغوًا؛ لأن وجوده ضئيل =

بعد نكرة محضة وجب إعراب متعلقه "عامله" نعتا، وإذا وقع بعد معرفة محضة.

_ = الأثر مع وجود عامله: إذ لا يستقر فيه معنى عامله، ولا يتحمل ضميره. وفي هذه الحالة يكون العامل الملفوظ به في الجملة هو الخبر، أو الصفة، أو الصلة، أو الحال ... أو ... ، ويجب ذكره، ولا يجوز حذفه إلا لقرينة، ولو حذف لوجودها لكان مع حذفه أيضًا هو الخبر أو الصفة، أو الصفة، أو الحال ... فلا يصح في رأي الكثرة في حالتي ذكر الكون الخاص، أو حذفه أن يكون الظرف أو الجار مع مجروره خبرًا، أو نعتًا، أو واحدًا مما سبق، وهذا نوع من التشدد لا داعي له، إذ لا مانع هنا أن نعرب شبه الجملة بنوعيه هو الخبر، أو الصفة، أو الصلة، أو الحال، أو غيرها، وذلك عندما يحذف جوازًا عامله المعروف؛ لأن هذا الإعراب جائز في شبه الجملة الذي حذف عامله العام وجوبًا كما سيجيء، فلم لا يجوز هنا؟ ويتضح مما سبق أن شبه الجملة بنوعيه لا بد أن يدل في أصله على: "الوجود المطلق"، ثم يمتاز اللغو بدلالته فوق هذا على معنى خاص؛ كالمشي، أو الحركة ... وغيرهما مما يزاد عليه فيجعله خاصًا مقيدًا، بعد أن كان عامًا مطلقًا. ويتضح أيضًا أن الكون العام واجب الحذف مع شبه الجملة؛ إذ لا فائدة من ذكره؛ ولا خفاء، ولا لبس بحذفه، ولانتقال الضمير منه إلى شبه الجملة، وأن الكون الخاص يجب ذكره حتمًا؛ لعدم وجود ما يدل عليه عند حذفه، فإن وجدت قرينة تدل عليه وتعينه صح حذفه مثل: الفارس فوق الحصان، أي: راكب فوق الحصان، ومن لي بفلان؟ أي: من يتكفل لي بفلان؟ والبحتري من الشعراء؛ أي: معدود منهم، ومثل قوله تعالى في القصاص: {الْحُرُّ بِالْحُر} ، على تقدير: الحر مقتول بالحر؛ لأن تقدير الكون العام في الأمثلة السابقة لا يؤدي المعنى المراد، والمتعلق الخاص المحذوف لوجود قرينة تدل عليه هو الذي يعرب عندهم كما سبق خبرًا، أو صفة، أو صلة، أو حالًا ... لا شبه الجملة. وبالرغم من حذفه فإنه لا يخرج شبه الجملة في رأيهم عن اعتباره: "لغوًا" ولا يتنافى مع ما هو ثابت له من أنه: "كون خاص"، فالمعول عليهم عندهم في الحكم باللغو راجع إلى خصوص الكون، وأنه ليس بعام؛ سواء أذكر الكون الخاص أم حذفه لقرينة، وفي الحكم بالاستقرار إلى عموم الكون، وأنه ليس بخاص. وينتقلون بعد هذا إلى تقسيمات وتفريعات شاقة، وأدلة جدلية مرهقة في إثبات ذلك الأقسام والفروع، وفي المفاضلة بين أن يكون المتعلق المحذوف فعلًا أو اسمًا؛ وغير هذا مما لا حاجة إليه اليوم، ولا ضرر من إهماله، بل الخير في إهماله، ولا الاقتصار عند حذف العامل على إعراب الظرف، والجار مع مجروره هو: الخبر، أو الصفة، أو الصلة، أو الحال ... وهو رأي لبعض السابقين، ولا داعي التشدد في البحث عن نوع العامل المحذوف مع عدم الحاجة إليه، ولا للتمسك بأنه هو الخبر، أو الصفة ... أو ... ، ولا خير في ركوب الشطط لإظهار آثاره. لأن المعنى جل كامل بدونه، إن ذلك التشدد هو صورة من الجانب المعيب في نظرية العامل النافعة الجميلة، ولم الإعنات وفي استطاعتنا التخفيف والتيسير بغير إفساد؟ وقد دعا لهذا بعض القدامى كما أشرنا، وكما ورد في كثر من المراجع الكبيرة، كالمفصل وغيره، يقول صاحب المفصل "ج1 ص 90" عند الكلام على أقسام الخبر ما نصه: "اعلم أنك لما حذفت الخبر الذي هو: "استقر" أو: "مستقر"، وأقمت الظرف مقامه. =

وجب إعرابه حالا، أما إذا وقع بعد نكرة غير محضة، أو معرفة محضة فيجوز

_ = على ما ذكرنا صار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه "يريد أن الآثار اللفظية والمعنوية في الجملة قد انتقلت إليه"، وهو مغاير المبتدأ في المعنى، ونقلت الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار مرتفعًا به؛ كما كان مرتفعًا بالاستقرار؛ ثم حذفت الاستقرار، وصار أصلًا مرفوضًا لا يجوز إظهاره؛ للاستغناه عنه بالظرف، وقد صرح ابن جني بجواز إظهاره، والقول عندي أنه بعد حذف الخبر الذي هو الاستقرار، ونقل الضمير إلى الظرف لا يجوز إظهار ذلك المحذوف؛ لأنه قد صار أصلًا مرفوضًا، فإن ذكرته أولًا وقلت: زيد استقر عندك لم يمنع منه مانع. واعلم أنك إذا قلت: "زيد عندك" فعندك ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف؛ سواء أكان فعلًا: أم اسمًا، وفيه ضمير مرفوع، والظرف وذلك الضمير في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ، وإذا قلت: زيد في الدار، أو: من الكرام، فالجار والمجرور في موضع نصب بالاستقرار على حد انتصاب، "عندك" إذا قلت: زيد عندك، ثم الجار والمجرور والضمير المنتقل في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ ... ا. هـ. وهو يشير بقوله: "الجار والمجرور في موضع نصب بالاستقرار ... " إلى ما هو معروف في الاصطلاح النحوي من أن المجرور بحرف جر أصلي، وشبهه هو "مفعول به" في المعنى، وحرف الجر أداة لتوصيل أثر الفعل إليه "كما شرحنا أول الباب، ص 439، وفيما سبقه من ص 151 و 159 و ... ". وعلى هذا يكون ما يدور على الألسنة اليوم عند الإعراب من أن الظرف، أو الجار مع مجروره هو الصلة، أو الصفة، أو الخبر، أو الحال ... أمرًا سائغًا مقبولًا، ورأيًا لبعض القدامى يحمل طابع التيسير والاختصار. فإن وقع أحدهما في تلك المواضع فقد يتعلق بشيء مذكور يصلح للتعلق، كالفعل ونحوه ... وقد يتعلق بفعل محذوف أو بمشتق، أو غيره مما يصح التعلق به، ولا يتحتم أن يكون المحذوف فعلًا إلا حين يقع صلة، لغير "أل"؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة "والوصف المشتق مع مرفوعه ليس جملة، ولا يكون صلة لغير "أل"، كما عرفنا في باب الموصول، وكذلك يتحتم أن يكون فعلًا في حالة القسم الذي حذفه عامله؛ لأن جملة القسم أيضًا لا بد أن تكون فعلية كما سبق في ص442. ومما تجدر ملاحظته أن شبه الجملة بنوعيه "الظرف، والجار الأصلي مع مجروره" إذا تعلق بفعل مؤكد بالنون لم يجز أن يتقدم على هذا الفعل في الرأي المشهور دون الرأي الآخر طبقًا للبيان الذي سبق في رقم3 هامش ص101، وأشرنا إليه في أول ص445. وإذا أخذنا بهذا الرأي السهل اليسير كانت تسمية الظرف والجار مع مجروره "شبه جملة" إنما هي من قبيل الإبقاء على التسمية القديمة، ومراعاة أصلها السابق، أو: لأن كلا من الظرف والجار مع مجروره ليس مفردًا في الحقيقة، بل هو مركب؛ إذ يحمل معه الضمير المستتر الذي انتقل إليه من العامل المحذوف على الوجه الذي بسطناه. أما التسمية القديمة وأصلها السابق فقد أوضحناهما من قبل بما ملخصه: أن الظرف أو الجار مع المجرور ليس هو الخبر، ولا الصفة، ولا الصلة، ولا الحال، و ... =

إعرابه في كل صورة من الصورتين، حالًا، أو نعتًا، لكن يقول بعض المحققين: إن متعلق شبه الجملة يصلح أن يكون حالًا أو نعتًا في جميع الصور؛ سواء أكانت النكرة والمعرفة محضتين أم غير محضتين، ما عدا صورة واحدة يتعين أن يكون شبه الجملة فيها نعتًا، هي: أن تكون النكرة محضة، ورأيه حسن، وقد سبق إيضاحه التام وتفصيله1. وحروف الجر السابقة كلها أصلية خالصة، إلا أربعة؛ هي: "من"، و"الباء" و"اللام" و"الكاف"، فهذه الأربعة تستعمل أصلية حينًا، وزائدة حينًا آخر، وإلا "لعل" و"رب"؛ فإنهما حرف جر شبيهان بالزائد، وكذا: "لولا" في رأي أشرنا إليه من قبل2، ومن النحاة من يجعل: خلا، وعدا،

_ = و ... في رأي جمهرتهم، وإنما الخبر وغيره في الحقيقة لفظ آخر محذوف يتعلق به الظرف والجار الأصلي مع مجروره؛ إذ لا مهمة لشبه الجملة إلا إتمام المعنى في غيره، لهذا لا بد لنوعيه أن يتعلقا بفعل أو بما يشبهه؛ ليتم بهما المعنى للأسباب الموضحة في أول هذا الباب وفي باب الظرف، والمحذوف قد يكون فعلًا فقط أما فاله الضمير فقد تكره واستقر في شبه الجملة، وقد يكون في غير الصلة والقسم شيئًا آخر، فإن لم يوجد في الكلام ما يصلح أن يقع عاملًا يتعلق به الظرف أو الجار الأصلي مع مجروره كما في مثل: الغزال في الحديقة، فأين العامل؟ فلما كان التعلق واجبًا وكان شبه الجملة غير صالح لأن يكون هو المبتدأ في المعنى كالشأن في الخبر، وكان العامل غير موجود؛ وجب تقديره محذوفًا؛ إما فعلًا مع فاعله "أي: جملة فعلية، مثل: استقر، أو: ثبت، أو: حصل، أو كان، بمعنى: وجد، "وهي التامة" ... وإما اسما مشتقا، مثل: "مستقر"، أو: "كائن" المشتقة من "كان" التامة، وإما اسما آخر يصلح عاملا، وإما بالنسبة "أي: الإسناد طبقا لما هو مشروح في رقم2 من هامش ص441"، فليس الخبر أو غيره ... عندهم هو الظرف نفسه، أو الجار مع مجروره مباشرة؛ إنما الخبر هو المحذوف، ويتعلق به كل واحد من هذين، ولما كان كل منهما صالحًا لأن يتعلق بالفعل المحذوف، ويدل عليه وعلى فاعله بغير خفاء ولا لبس كان شبه الجملة بمنزلة النائب عنهما، والقائم مقامهما، والفعل مع فاعله جملة، فما ناب عنها قام مقامها شبه بها، لذلك أسموه: "شبه الجملة". وأصحاب هذا الرأي يقولون: إن الضمير الذي كان فاعلًا للعامل المحذوف قد انتقل بعد ذلك كله إلى شبه الجملة، أي: بعد أن تمت المشابهة، وبسبب انتقال الضمير إلى شبه الجملة، وصحة تعلقه بالمشتق سموه: "شبه الوصف" أيضًا كما سبق في رقم3 من هامش ص373، وفي رقم1 من هامش ص382. وقد أوضحنا سبب تعلق الظرف، وطريقته وما يتصل بهذا في بابه من هذا الجزء ص245 وما بعدها وكذا في جـ1 م35 ص431 كما أوضحنا هنا في هذا الباب أمرهما مع الجار والمجرور. 1 في جـ1 ص192 و194 حيث البيان الكامل. 2 رقم2 من هامش ص431 م89 وتفصيل هذا في الجزء الأول عند الكلام على: "الحرف" ص43 وما بعدها م5.

وحاشا، من حروف الجر الشبيهة بالزائدة، لكن لا داعي للعدول عن اعتبارها حروفًا أصلية؛ كما سبق1 في باب الاستثناء وسيجيء تفصيل الكلام عن معاني حروف الجر، وعملها يالموضع الخاص بهذا من الباب2. القسم الثاني: حرف الجر الزائد3 زيادة محضة4، وهو الذي لا يجلب معنى جديدًا، وإنما يؤكد ويقوي المعنى العام في الجملة كلها، فشأنه شأن كل الحروف الزائدة؛ يفيد الواحد منها توكيد المعنى العام للجملة كالذي يفيده تكرار تلك الجملة كلها، سواء أكان المعنى العام إيجابًا أم سلبًا، ولهذا لا يحتاج إلى شيء يتعلق به، ولا يتأثر المعنى الأصلي بحذفه، نحو: كفى بالله شهيدًا، بمعنى: يكفي الله شهيدًا؛ فقد جاءت "الباء" الزائدة لتفيد تقوية المعنى الموجب وتأكيده؛ فكأنما تكررت الجملة كلها لتوكيد إثباته وإيجابه، ومثل: ليس من خالق إلا الله أي: ليس خالق إلا الله، فأتينا بالحرف الزائد: "من": لتأكيد ما تدل عليه الجملة كلها من المعنى المنفي، وتقوية ما تتضمنه من السلب، ولو حذفا الحرف الزائد في المثالين ما تأثر المعنى بحذفه5. ولا فرق في إفادة التأكيد بين أن يكون الحرف الزائد في أول الجملة، أو في وسطها، أو في آخرها؛ نحو: بحسبك الأدب، كفى بالله شهيدًا، الأدب بحسبك ... وقد تكون زيادة الحرف واجبة لا غنى عنها كزيادة "باء الجر" بعد صيغة "أفعل" للتعجب القياسي؛ نحو: أكرم بالعرب6.

_ 1 في رقم 4 من هامش ص355. 2 ص455 وما بعدها. 3 أشرنا في رقم3 من هامش ص434 إلى الموضع الذي يشتمل على بيان المراد من "اللفظ الزائد" سواء أكان اللفظ حرفًا أم غير حرف، وأن ذلك الموضع هو: ج1 م5 ص66 و70. 4 هناك "اللام الجارة" قد تكون زيادتها لتقوية عاملها، فتكون زيادتها شبيهة بالمحضة "كما سبق في رقم2 من هامش ص435، ويجيء البيان في ص475". 5 ومن أمثلة زيادتها لتقوية المعنى المنفي قول الشاعر: ولست براض عن حياة ذليلة ... ولا بد للأحرار من موطن حر 6 بشرط دخولها على اسم صريح، لا مؤول من أن وأن وصلتهما كما سيجيء عند الكلام على "الباء" في حروف الجر رقم14 من ص494، وانظر رقم1 هامش ص163، ثم رقم4 من هامش ص532 للأهمية.

وإنما لم يتعلق الجار الزائد مع مجروره بعامل؛ لأن التعلق والزيادة متعارضان؛ إذ الداعي للتعلق هو الارتباط المعنوي بين عامل عاجز، ناقص المعنى، واسم يكمل هذا النقص، ولا يصل إليه أثر ذلك العامل إلا بمساعدة حرف جر أصلي وشبهه أما الزائد، فلا يدخل الكلام ليعين على الإكمال، والإيصال الأثر من العامل العاجز إلى الاسم المجرور، وإنما يدخل الكلام لتأكيد معناه القائم، وتقويته كله، لا للربط. طريقة إعراب المجرور بالحرف الزائد: لا بد من أمرين معًا في الاسم المجرور بالحرف الزائد؛ أن يكون مجرورًا في اللفظ، وأن يكون مع ذلك في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب مقتضيات العوامل، فله إعراب لفظي، معه آخر محلي، ففي مثل، "كفى بالله شهيدًا" تعرب "الباء" حرف جر زائدًا "الله" مجرور بها، في محل رفع؛ لأنه فاعل، إذ الأصل: كفى الله ... وفي مثل: "بحسبك الأدب"، "الباء": حرف جر زائد، "حسب" مجرور بها، في محل رفع؛ لأنها تصلح مبتدأ؛ إذ الأصل: حسبك الأدب ... وهكذا، فحرف الجر الأصلي والزائد يشتركان في أمر واحد، هو: أن كل منهما لا بد أن يجر الاسم بعده، ويختلفان في ثلاثة أمور: 1– في أن الحرف الأصلي لا بد أن يأتي بمعنى فرعي جديد لم يكن في الجملة قبل مجيئه، أما الحرف الزائد فلا يأتي بمعنى جديد، وإنما يؤكد ويقوي المعنى العام الذي تتضمنه الجملة كلها قبل مجيئه. 2– والحرف الأصلي مع مجروره لا بد أن يتعلقا1 بعامل محتاج إليهما في تكلمة معناه وإيصال أثره إلى الاسم المجرور، أما الحرف الزائد ومجروره فلا يتعلقان. 3- والحرف الأصلي يجر الاسم بعده لفظًا دون أن يكون لهذا الاسم محل آخر من الإعراب2، وتوابعه مجرورة اللفظ مثله، ولا محل لها، أما الزائد فلا بد

_ 1 إلا الحرف: "علي" الذي للإضراب، وكذا اللام الأصلية في بعض الآراء "انظر البيان في ص436 ورقم3 من هامشها". 2 أي: أنه ليس له إعراب محلي.

أن يجر الاسم لفظًا، وأن يكون له مع ذلك محل من الإعراب، وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز فيه أمران؛ إما الجر مراعاة للفظ المتبوع، وإما حركة أخرى يراعى فيها محل المتبوع لا لفظه؛ ففي مثل: "كفى بالله القادر شهيدًا" يصح في كلمة: "القادر" الجر تبعًا للفظ "الله" المجرور لفظًا، ويجو الرفع تبعًا لمحله باعتباره فاعلًا، ومثل هذا يجري في سائر التوابع؛ حيث يجمع في التابع الإعراب اللفظي مع الإعراب المحلي. وأشهر حروف الجر الزائدة هو الأربعة السالفة "من – الباء – اللام – الكاف ... "، وسيأتي معنى كل وعمله في المكان الخاص بذلك1. القسم الثالث: حرف الجر الشبيه بالزائد، وهو الذي يجر الاسم بعده لفظًا فقط، ويكون له مع ذلك محل من الإعراب2 فهو كالزائد في هذا، ويفيد الجملة معنى جديدًا مستقلًا، لا معنى فرعيًا مكملًا لمعنى موجود، ولهذا لا يصح حذفه؛ إذ لو حذفناه لفقدت الجملة المعنى الجديد المستقبل الذي جلبه معه، ولكنه لا يحتاج مع مجروره لشيء يتعلق به؛ لأن هذا الحرف الشبيه بالزائد لا يستخدم وسيلة للربط بين عامل عاجز ناقص المعنى، واسم آخر يتمم معناه. ومن أمثلته: رب، لعل"، وكذا "لولا"، عند فريق من النحاة"، نحو: رب غريب شهم كان أنفع من قريب، رب صديق أمين كان أوفى من شقيق، فقد جر الحرف: رب، الاسم بعده في اللفظ، وأفاد الجملة معنى جديدًا مستقلًا هو: التقليل، ولم يكن هذا المعنى موجودًا. وسيجيء فصيل الكلام على هذا الحرف من ناحية معناه وعمله، وكل ما يتصل به في موضعه الخاص3.

_ 1 ص455 وما بعدها. 2 سبقت الإشارة "في هامش ص355 و452" إلى أن الأفضل إهمال الرأي الذي يدخل: "خلا وعدا وحاشا" في حروف الجر الشبيهة بالزائدة، لما فيه من تضييق وتعقيد لا داعي لهما، فاعتبارها حروف جر أصلية أيسر وأوضح. 3 انظر الكلام على: "رب" ص522 وما بعدها، وفي ص524 رأي آخر يجعل الحرف "رب" من حروف الجر التي تتعلق بعامل.

طريقة إعراب الاسم المجرور بحرف الجر الشبيه بالزائد: حرف الجر الشبيه بالزائد يجر الاسم بعده لفظًا فقط، ويكون لهذا الاسم محل من الإعراب؛ فهو في هذا شبيه بالحرف الزائد كما أسلفنا ففي المثالين السابقين: تعرب "رب" حرف جر شبيه بالزائد، وكلمة: "غريب" أو: "صديق" مجرورة بها في محل رفع؛ لأنها مبتدأ، وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز الجر مراعاة للفظ المتبوع، وجاز ضبطه بحركة تناسب محله، ففي المثالين السابقين نقول: رب غريب شهم كان أنفع من قريب، رب صديق مهذب كان أوفى من شيق؛ بجر كلمتي: "شهم" و"مهذب" مراعاة للفظ المنعوت، أو رفعهما مراعاة لمحله. مما سبق نعلم أن الشبيه بالزائد يشبه الأصلي في أمرين؛ هما: جر الاسم بعده، وإفادة الجملة معنى جديدًا مستقلًا؛ فلم يجئ ليتمم معنى عامله. ويخالفه في أمرين؛ هما: عدم تعلقه هو ومجروره بعامل، وأن لمجروره محلًا من الإعراب فوق إعرابه اللفظي بالجر. وأن الشبيه بالزائد يشارك الزائد في أمور ثلاثة: هي، جر الاسم لفظًا واستحقاق هذا الاسم للإعراب المحلي فوق إعرابه اللفظي بالجر، وعدم حاجة الجار مع مجروره إلى متعلق. ويخالفه في أمر واحد؛ هو: إتيانه بمعنى جديد مستقل كما أسلفنا أما الزائد، فلا جديد في المعنى معه، وإنما يستخدم لتأكيد معنى الجملة كلها.

تلك هي الأنواع الثلاثة من حروف الجر، وتتلخص أوجه المشابهة والمخالفة بين هذه الأنواع الثلاثة فيما يأتي:

_ 1 أما الذي زيادته غير محضة، فإيضاحه في رقم2 من هامش ص435، وكذلك في رقم10 من ص475 حيث الكلام على "لام الجر" الزائدة للتوكيد، أي: للتقوية.

المسألة 90

المسألة 90: د– معاني1 حروف الجر، ووجوه استعمالها. المشهور من حروف الجر عشرون، سردنا ألفاظها2، وأنواعها الثلاثة. ونشير إلى أمرين: أولهما: أن كل حرف من هذه العشرين، قد يتعدد معناه، وقد يشاركه غيره في بعض هذه المعاني، أي: أن المعنى الواحد قد يؤديه حرفان أو أكثر، وللمتكلم أن يختار من الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد أو غير المشتركة، ما يشاء مما يناسب السياق، غير أن الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد قد تتفاوت في هذه المهمة، فبعضها أقوى على إظهاره من غيرها، لكثرة استعمالها فيه، وشهرتها به، وهذه الكثرة والشهرة، تختلف باختلاف العصور والطبقات، ومن ثم كان من المستحسن بلاغة اختيار الحرف الأوضح، والأشهر وقت الاستعمال، دون الحرف الغريب، أو غير المألوف، برغم صحة استعمال كل منهما استعمالًا قياسيًا في المعنى الواحد، أما إذا اختلف الحروف في أداء المعاني فجيب الاقتصار على ما يؤدي المعنى المراد، واختياره وحده؛ ولهذا يجب تنويع حروف وتغييرها على حسب المعاني المقصودة. ثانيهما: أن بضع حروف الجر يكثر استعماله في الجر حتى يكاد يقتصر عليه؛ مثل: من، إلى، عن، على، رب، في، وبعضًا آخر يقل استعماله فيه، وهذا ستة أحرف3 هي: خلا – عدا – حاشا – كي – لعل – متى. غير أن الذي يكثر استعماله في الجر والذي لا يكثر سيان، من ناحية أن

_ 1 سبقت إشارة إلى معنى الحرف، "في رقم3 من هامش ص435 ورقم1 من هامش436"، وسألنا هناك؛ أيكون لحرف الجر معنى واحد يقتصر عليه، أم له أكثر؟ وهل ينوب بعض حروف الجر عن بعض؟ وقلنا: إن الإجابة عن هذا في ص455. 2 في ص431 م89. 3 ولا يصح قصر عامل على حرف منها، ولا حبس حرف منها على عامل انظر البيان الخاص في رقم4 من هامش ص161.

استخدامها قياسي في الموطن المناسب للمعنى، لا يمنع منه مانع؛ حتى القلة المشار إليها، فإنها ليست من النوع الذي يمنع القياس والمحاكاة، إذ هي قلة نسبية لا ذاتية1 "أي: أنها تعتبر قليلة إذا قيست بالنوع الآخر الكثير، وليست قليلة في ذاتها، بل كثيرة بغير تلك الموازنة". فأما الثلاثة الأولى من القسم القليل القياسي، فقد سبق إيفاؤها حقها من الإبانة والتفصيل في باب الاستثناء2. وأما "كي" فحرف جر أصلي للتعليل لا يجر إلا أحد ثلاثة أشياء: الأول: "ما" الاستفهامية التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته؛ كأن يقول شخص: قد لازمت البيت أسبوعًا، فيسأله آخر: كيمه3؟ بمعنى: لمه؟ أي: لماذا؟، ومثل: أقصد الريف كل أسبوع، فيقال: كيمه؟ أي: لمه؟. و"كي" هذه تسمى: "كي التعليلية"؛ لأنها تدخل على استفهام يسأل به عن العلة والسبب كما سبق، فهي بمنزلة اللام الجارة التي تسمى: "لام التعليل" في معناها وعملها. الثاني: "ما" المصدرية مع صلتها4؛ فتجر المصدر المنسبك منهما معًا؛ مثل: أحسن معاملة الناس كي ما تسلم من أذاهم، أي: لسلامتك من أذاهم. وتسمى: "كي المصدرية": لجرها المصدر المنسبك من الحرف المصدري مع صلته؛ فهي مثل "لام التعليل" معنى وعملًا. الثالث: "أن المصدرية" مع صلتها4؛ فتجر المصدر المنسبك منهما

_ 1 انظر الأشموني جـ3 أول باب الإضافة عند بيت ابن مالك: "وأما أكسب ثان أولًا ... "، وقد أشرنا إلى هذا المعنى في مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب، "ومنها رقم2 من هامش ص386، ومنها مع الإيضاح جـ3 رقم1 من هامش ص 64 م 93 ورقم 4 من هامش ص 87 م 94". 2 ص 357 م 83 وأن الأفضل اعتبارها حرف جر أصلية، لا شبيهة بالزائدة "كما أشرنا قريبًا في رقم 2 من هامش ص 452". 3 أصل الكلام: كيما؟ أي: لما؟ ... ومن المعروف أن "ما" الاستفهامية إذا جرت تحذف ألفها، ويحل محل الألف "هاء السكت" الساكنة، بشطر أن تكون هذه الزيادة ي حالة الوقف على "ما" دون حالة اتصالها بما بعدها من الكلام. 4 و 4 سبق تفصيل الكلام على "ما" المصدرية بنوعيها، ومعناها، وطريقة استعمالها، وصوغ المصدر منها، وكذا أن، في جـ1 باب الموصول ص 269 م 27.

معًا؛ والغالب في هذه الصورة إضمار "إن" بعد "كي" مثل: أحسن السكوت كي تحسن الفهم، والأصل: كي أن تحسن الفهم، فالمصدر المنسبك من "أن" المضمرة، وصلتها في محل جر بالحرف: "كي"1، وهي أيضًا مثل "لام التعليل"، معنى وعملًا. أي: أنها في المواضع الثلاثة السابقة تؤدي معنى واحدًا وعملًا واحدًا2 ... ومما تقدم نعلم أن: "كي" الجارة لا تجر اسمًا معربًا، ولا اسمًا صريحًا. وأما لعل3، فحرف جر شبيه بالزائد، ومعناه الكثير هو: الترجي والتوقع4؛

_ 1 هناك مذهب؛ يجعل "كي" هي الناصبة المصدرية، وقبلها لام التعليل مقدرة في هذا المثال وغيره مما لا يظهر فيه "أن" الناصبة، "كما سيجيء في رقم2 هنا" ولا مانع من الأخذ به، وهو ملخص لما في جـ 4 باب إعراب الفعل: "قسم النواصب". 2 يكثر في الأساليب الفصيحة إما وقوع لام الجر قبل: "كي" مباشرة؛ مثل: تنقلت في البلاد؛ لكي أستفيد خبرة، وإما وقوع "أن" المصدرية بعدها، دون أن تسبقها لام الجر، مثل: أتجنب السهر الطويل؛ كي أن أحتفظ بقوتي ونشاطي، وإما أن تقع قبلها لام الجر وبعدها "أن" المصدرية "وهذه الصورة قليلة بالنسبة للسابقتين" مثل: أواظب على نوع من الرياضة البدنية؛ لكي أن أفيد جسمي، فإن وجدت "لام" الجر وحدها قبل: "كي" وجب اعتبار "كي" حرفًا مصدريًا ناصبًا بنفسه: فيكون مثل "أن" المصدرية؛ معنى وعملًا؛ لأن حرف الجر لا يدخل في الغالب على مثله إلا لتوكيد لفظي، وإن وقعت بعدها: "أن" المصدرية ولم تسبقها "لام" الجر وجب اعتبارها حرف جر كـ"لام" التعليل معنى وعملًا، وهذا قليل قياسي كما سبق، فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها مع تأكيدها للام الجر قبلها، ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة "بأن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام التي قبلها. فإن لم توجد "لام" الجر قبلها، ولا "أن" بعدها جاز اعتبارها مصدرية بتقدير "اللام" قبلها، أو حرف جر بتقدير: "أن" بعدها، راجع أحكامها في جـ4 باب النواصب. 3 تكثر فيها لغات أربع: إثبات اللام الأولى مفتوحة، مع تشديد الثانية مفتوحة أو مكسورة، وحذف الأولى مع تشديد الثانية مفتوحة أو مكسورة؛ فهذه اللغات الأربع، هي التي تستعمل بكثرة في الجر دون غيرها من باقي اللهجات، واستعمالها حرف جر مقصور على قليل من العرب، وهو مع جوازه وقياسيته غير خفيف على الأسماع، ولا سائغ اليوم، لغرابته. 4 سبق في الجزء الأول، باب: "إن" أن الترجي أو التوقيع، هو: انتظار حصول شيء مرغوب فيه، ميسور التحقق، ولا يكون إلا في الأمر الممكن. "ولعل" قد تكون أحيانًا للتعليل، أو: الظن ...

نحو: لعل الغائب قادم غدًا، فكلمة: "لعل" حرف جر شبيه بالزائد "الغائب" مجرور بها لفظًا في محل رفع مبتدأ، "قادم" خبره، غدًا ظرف زمان منصوب على الظرفية. وأما "متى" فحرف جر أصلي1 ومعناه: الابتداء غالبًا نحو: قرأت الكتاب متى الصفحة الأولى حتى نهاية العشرين، أي: من ابتداء الصفحة الأولى ... فهي في تأدية هذا المعنى مثل "من الابتدائية". إلى هذا انتهى الكلام على الحروف التي تستعمل قليلًا في الجر، مع قياس استعمالها. وننتقل إلى الكلام على الحروف الكثيرة الاستعمال فيه، فنوضح المعاني القياسية لكل واحد، وما قد يتصل بعمله. ويلاحظ ما سبق2، وهو أن حرف الجر الأصلي حين يؤدي معنى فرعيًا من المعاني التي ستذكر لا بد أن يقوم في الوقت نفسه بتعدية عامله اللازم إلى مفعول به معنى3، وهذا المفعول المعنوي هو الاسم المجرور بالحرف الأصلي. من: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا ... ويتردد بين أحد عشر معنى: 1– التبعيض، أي: الدلالة على البعضية، وعلامتها: أن يكون ما قبلها

_ 1 يستعمله قليل من العرب دون كثرتهم، ومن هذا القليل قبيلة: "هذيل"، ومن كلامهم: "أخرجها متى كمه: أي: من كمه، وقول شاعرهم أبي ذؤيب الهذلي في وصف السحب المتراكمة فوق لجج البحر: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج يريد: من لجج ... النئيج: الصوت العالي وجاء في الهمع جـ2 ص34 ما نصه: "إنها تأتي بمعنى: "وسط" حكى: "وضعها متى كمه" أي: وسطه، وإذا كانت بمعنى "وسط" هي اسم أو "من" فحرف، جزم به ابن هشام وغيره". ا. هـ. ويرى بعض النحاة كالفراء أنها عند "هذيل" مقصورة على الاسمية الخالصة، بمعنى: "وسط"، فإذا اقتصرنا على هذا الرأي فهي معربة، وإن جرينا على الرأي الذي يجعلها صالحة للاسمية والحرفية فهي مبنية، ومع جواز استعماله أسمًا أو حرفًا وقياسيته فيهما، لا ترتاح له الأذن اليوم، لغرابته. 2 في ص 438. 3 انظر رقم3 من هامش ص473.

في الغالب جزءًا من المجرور بها، مع صحة حذفها ووضع كلمة: "بعض" مكانها؛ نحو: خذ من الدراهم، وكقولهم: ادخر من غناك لفقرك، ومن قوتك لضعفك؛ فالمأخوذ بعض الدراهم، والمدخر بعض الغني والقوة، ويصح وضع كلمة: "بعض" مكان كلمة: "من"، ومثل هذا قول الشاعر: وإنك ممن زين الله وجهه ... وليس لوجه زانه الله شائن فالمخاطب جزء من الاسم المجرور بها؛ وهو: "من" الموصولة التي بمعنى "الذين"، وقد يكون ذلك الجزء متأخرًا عنها وعن الاسم المجرور بها، وفي اللفظ دون الرتبة؛ كقولهم: "إن من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الخلاق الملق"، فالكذب والملق متأخران في الترتيب اللفظي وحده، ولكنهما متقدمان في درجتهما؛ لأن كلًا منهما هو: "اسم إن"، والأصل في "اسم إن" تقدمه في الرتبة على خبرها1 ... 2– بيان الجنس2، وعلامتها: أن يصح الإخبار بما بعدها عما3 قبلها؛ كقولهم: اجتنب المستهترين من الزملاء، فالزملاء فئة من جنس عام هو: المستهترون؛ فهي نوع يدخل تحت جنس "المستهترين" الشامل للزملاء وغير الزملاء. وكقولهم: تخير الأصدقاء من الأوفياء ... أي: الأصدقاء الذين هم جنس ينطبق على فئة منهم لفظ: "الأوفياء"، وهذا الجنس عام، يشمل بعمومه الأوفياء وغيرهم. 3- ابتداء الغاية4 في الأمكنة كثيرًا، وفي الأزمنة أحيانًا وهي في الحالتين

_ 1 ومثل هذا المتأخر في اللفظ ما ورد في الأثر: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، والأصل: إنما يرحم الله الرحماء من عباده. 2 أي: بيان أن ما قبلها في الغالب جنس عام يشمل ما بعدها، فما قبلها أكثر وأكبر؛ كالمثال الأول الآتي، وقد يكون العكس، نحو: هذا السوار من ذهب، وهذا الباب من خشب، "وانظر رقم5 من هامش ص416". 3 له علامة أخرى: أن يصح حذف، "من" ووضع اسم مفعول مكانها مع ضمير يعود على ما قبلها، هذا إن كان ما قبلها معرفة، فإن كان نكرة فعلامتها أن يخلفها الضمير وحده؛ نحو: أساور من ذهب، أي: هي ذهب. 4 معنى الغاية هنا رقم ما سيجيء في2 من هامش ص468: المسافة المكانية حينًا، والمقدار الزمني حينًا آخر، على حسب الياق، بيان هذا: أن الفعل وشبيهه المتعدي بمن الجارة له معنى يستمر قليلا أو طويلا، وابتداء هذا المعنى هو الاسم المجرور بمن، وهذا الاسم هو الدال على زمان أو مكان كما في الأمثلة التالية. وليس المراد معناها الحقيقي الذي هو آخر الشيء، فالتسمية هنا من تسمية الكل باسم الجزء. ومعناها هنا قد يختلف عنه في الظروف على حسب ما هو مبين في رقم2 من هامش ص292م 79.

قياسية، وهذا المعنى أكثر معانيها استعمالًا1؛ فمثال الأولى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ؛ فابتداء مكان الإسراء هو المسجد الحرام، ونحو: جاءتني رسالة من فلان، فابتداء مكان المجيء هو فلان ... ومثال الثانية قولهم: فلان ميمون الطالع من يوم ولادته، راجح العقل من أول نشأته ... فابتداء زمان اليمن هو يوم ولادته، وابتداء زمان رجاحة العقل هو أول نشأته. 4– التوكيد، "ولا تكون معه إلا زائدة"، وزيادتها إما للنص على عموم المعنى وشموله كل فرد من أفراد الجنس، وإما لتأكيد ذلك العموم والشمول إذا كانا مفهومين من الكلام قبل دخولها، فالأول مثل: "ما غاب من رجل"، وأصل الجملة: ما غاب رجل، وهي جملة قد يفهم منها أن نفي المعنى منصب على رجل واحد دون ما زاد عليه، أي: أن رجلًا واحدًا هو الذي لم يغب، وأن من الجائز غياب رجلين أو رجال. والسبب في اختلاف الفهم أن كلمة: "رجل" النكرة، ليست من النكرات الملازمة للوقوع بعد النفي، "وهي النكرات القاطعة في الدلالة على العموم والشمول بعد ذلك النفي، ويتحتم أن ينصب النفي الذي قبلها على كل فرد من أفراد مدلولها؛ وأن يمتنع معه الخلاف في الفهم؛ مثل: كلمة: أحد، وديار، وغريب، وإنما كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي، أو لا تقع، وإذا وقعت بعده لم تفد العموم والشمول الإفادة القاطعة التي تشمل كل فرد من الرجال إلا بقرينة، وإنما تفيدهما مع احتمال خروج بعض الأفراد من دائرة المعنى المنفي كما

_ 1 ما معنى الحرف: "من" الداخل على المفضل عليه بعد أفعل التفضل؟ أمعناه: الابتداء أم المجاوزة؟ الجواب في رقم1 من هامش ص464.

أوضحنا، فإذا أردنا إزالة هذا الاحتمال، وجعل المعنى نصًا في العموم والشمول على سبيل اليقين أتينا بالحرف الزائد: "من" ووضعناه قبل هذه النكرة مباشرة، وقلنا: "ما غاب من رجل"؛ وعندئذ لا يصح أن يختلف الفهم، ولا أن يتنوع؛ إذ يتعين أن يكون المراد النص على عدم غياب فرد واحد، وما زاد عليه من أفراد الرجال، ومن ثم لا يصح أن يقال: "ما غاب من رجل، وإنما غاب رجلان أو أكثر"، منعًا للتناقض والتخالف، في حين يصح هذا قبل مجيء "من" الزائدة؛ لأن الأسلوب قبل مجيئها قد يحتمل أمرين؛ نفي الواحد دون ما زاد عليه؛ ونفيه مع ما زاد عليه معًا كما أسلفنا، وهذا معنى قولهم: "من الزائدة" تفيد النص على عموم الحكم، وشموله كل فرد من أفراد الجنس إذا دخلت على نكرة منفية لا تقتضي وجود النفي الدائم الشامل قبلها اقتضاء محتومًا. وعلى ضوء ما سبق تتبين فائدة "من" في قول الشاعر: ما من غريب وإن أبدى تجلده ... إلا تذكر عند الغربة الوطنا وأما الثاني وهو: "تأكيد معنى العموم" ... فمثل: "ما غاب من ديار"؛ من كل كلام مشتمل على نكرة لا تستعمل غالبًا إلا بعد النفي، أو شبهه "مثل: أحد – عريب - ديار ... و ... "، فإنها بعده تدل دلالة قاطعة على العموم والشمول، أي: أن كل نكرة من هذه النكرات، ونظائرها لا يراد منها فرد واحد من أفراد الجنس ينتفي عنه المعنى، وإنما يراد أن ينتفي المعنى عن الواحد وما زاد عليه، ففي المثال السابق قطع ويقين بأمر واحد؛ هو: عدم غياب فرد أو أكثر من الأفراد؛ فكل الأفراد حاضر لم يغب أحد، ولا مجال لاحتمال معنى آخر، فإذا أتينا بحرف الجر الزائد "من"، وقلنا: ما غاب من ديار لم يفد الحرف الزائد عنى جديدًا، ولم يحدث دلالة طارئة لم تكن قبل مجيئه، وإنما أفاد تقوية المعنى القائم وتأكيده، وهو النص على شمول المعنى المنفي وتعميمه؛ بحيث ينطبق على الأفراد كلها فردًا فردًا. والفصيح الذي لا يحسن مخالفته عند استعمال "من" الزائدة أن يتحقق شرطان1:

_ 1 هذا رأي البصريين ومن سايرهم من كثرة النحاة التي اقتصرت في الحكم على أغلب الوارد، وخالفهم الكوفيون ومن سايرهم فلم يشترطوا الشرطين.

وقوعها بعد نفي1 أو شبهة "وهو هنا: النهي2 وبضع أدوات الاستفهام"، وأن يكون الاسم المجرور بها نكرة، وهذا الاسم يكون مجرورًا في اللفظ لكنه مرفوع المحل إما؛ لأنه مبتدأ، أو أصله مبتدأ؛ في مثل قولهم: هل من صديق للواشي؟ وما من صاحب للنمام3، وإما؛ لأنه فاعل؛ في مثل قولهم: ما سعى من أحد من الشر إلا ارتد إليه سعيه وقد يكون مجرورًا في اللفظ منصوب المحل "إما؛ لأنه مفعول به، كقولهم: تأمل هذا الكون العجيب هل ترى من نقص أو قصور؟ وهل تظن من أحد يقدر على هذا الإبداع إلا الله؟ وإما؛ لأنه مفعول مطلق، نحو قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، أي: من تفريط. ومن النادر الذي لا يقاس عليه، زيادتها في غير هذه المواضع الأربعة التي يكون الاسم فيها مجرورًا لفظًا كما سبق، لكنه في محل رفع مبتدأ، "الآن أو بحسب أصله" أو: فاعل، أول في محل نصب؛ لأنه مفعول به، أو مفعول مطلق ... و ... وإذا جاء تابع لهذا الاسم المجرور جاز في التابع أمران4؛ الجر مراعاة للفظ

_ 1 فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية إذا كان مفصولًا منها بفعل متعد لم يستوف مفعوله، فتجيء "من" وجوبًا؛ لكيلا يلتبس التمييز بمفعول الفعل المتعدي، وهي في هذه الصورة الواجبة زائدة، "كما يقول الصبان في هذا الموضع، أخذًا برأي فريق من النحاة، وكما سيجيء في ج 4 م 164 ص 528، باب: كنايات العدد ... كم وأخواتها"، ونحو قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} ... ونحو قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، وقد وردت زيادتها في قول زهير: ومنهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم فقد أجاز النحاة أن تكون: "من" زائدة بعد: "مهما"، "وسيجيء هذا في ج4 ص 326 م 155 باب الجوازم وص 381 ل م 161 باب "أما". ومما تصلح فيه للزيادة مع وقوعها في الإثبات قوله: $"رحم الله امرأ أصلح من لسانه". 2 مثال النه: لا تظلم من أحد، ومثال الاستفهام "ولا يكون هنا إلا "بالهمزة" أو: هل" هل جاءك ... ، أو: أجاءك ... من بشير؟ 3 ومثل قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} . 4 في هذا الحكم تفصيل هام سبق بيانه في رقم1 من هامش 69، واستيفاء الحكم يقتضي الرجوع إليه.

المتبوع، والرفع أو النصب مراعاة لمحله، نحو: ما للواشي من صديق مخلص، بجر كلمة: "مخلص"، أو برفعها، باعتبارها نعتا لكلمة: "صديق"، وكذا بقية التوابع، وباقي الأمثلة المختلفة، وأشباهها. 5- أن تكون بمعنى كلمة: "بدل" بحيث يصح أن تحل هذه الكلمة محلها. كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} ، أي: بدل الآخرة. 6- أن تكون دالة على الظرفية1، "أي: على أن شيئا يحويه آخر، كما يحوي الإناء ما في داخله، أو: كما يحوي الظرف وهو الغلاف المظروف، وهو الشيء الذي يوضع فيه"، نحو: ماذا أصلحت من حقلك، وغرست من جوانبه؟ أي: في حقلك ... في جوانبه. 7– إفادة التعليل، فتدخل على اسم سببًا وعلة في إيجاد شيء آخر، نحو: لا تقوى العين على مواجهة قرص الشمس، من شدة ضوئها، ونحو: من كدك ودأبك أدركت غايتك، أي: بسبب شدة ضوئها ... وبسبب كدك2 ... 8– إفادة المجاوزة3، فتدخل على الاسم للدلالة على البعد الحسي أو المعنوي

_ 1 فتكون: "من" بمعنى: "في" التي للظرفية، ويدخل في هذا النوع "من" الداخلة على: "قبل وبعد ... والغالب في الداخلة على الظروف غير المتصرفة أن تكون للسببية، أي: بمعنى: "في" الدالة على السببية، أما مجيئها لابتداء الغاية فقليل؛ نحو: جئت من عندك، هب لي من لدنك وليًا "راجع حاشية الألوسي على القطر ص34"، وقد شرحنا معنى الغاية في رقم 292، وفي رقم 4 من هامش 459. 2 ومثل قول الشاعر: يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس بموت المرء من عثرة الرجل أعني: بسبب عثرة ... 3 المجاوزة كما قالوا ابتعاد شيء مذكور، أو غير مذكور، عما بعد حرف الجر؛ بسبب شيء قبله؛ فالأول، نحو: رميت السهم عن القوس، أي: جاوز السهم القوس بسبب الرمي، والثاني نحو: رضي الله عنك: جاوزتك المؤاخذة؛ بسبب الرضا، ثم المجاوزة قد تكون حقيقية كهذين المثالين، وقد تكون مجازية؛ نحو أخذت العلم عن العالم، كأنه لما علمت ما يعلمه قد جاوزه العلم بسبب الأخذ. "الصبان في باب حروف الجر، عند الكلام على الحرف: "عن" وهو الحرف الذي يكثر استعماله في المجاوزة، وأما غيره فلا يبلغ درجته"، وقد يراد بالمجاورة الابتعاد عن الشيء بسبب العجز عن الوصول إليه كقول أحد الشعراء. هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تقصر عن حالي وخالص الود ومحض الثنا ... أحسن ما يهديه أمثالي "راجع معجم الشعراء، للمرزباني حرف الميم ص372".

بينه وبين ما قبله ... نحو قوله تعالى: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} ، أي: عن هذا، بمعنى بعيدين عنه، وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي: عن ذكر الله. ومثل: كلام الحمقى بمعزل من الصواب، أي: عن الصواب1 ... 9– إفادة الاستعانة2 فتدخل على الاسم للدلالة على أنه الأداة التي استخدمت في تنفيذ أمر من الأمور؛ نحو: ينظر العدو إلى عدوه من عين ترمي بالشرر، أي: بعين ... 10– إفادة الاستعلاء، فتدخل على الاسم للدلالة على أن شيئًا حسيًا أو معنويًا وقع فوقه؛ نحو: قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} . أي: على القوم3 ...

_ 1 سبق سؤال "في رقم1 من هامش ص460" عن معنى الحرف: "من" الداخل على المفصل عليه بعد أفعل التفضيل، أهو للابتداء أم للمجاوزة؟ والجواب: أنه صالح لكل منهما كما سيجيء في ج3 باب: أفعل التفضيل م 112 ص 388 عند الكلام على أقسامه، فإذا كان للابتداء فهو لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم، نحو: المنافق أضر من العدو، وإذا كان للمجاوزة فمعناه أن المفضل جاوز المفضول في الأمر المحمود أو المذموم. 2 فتشبه "الباء" في هذا. 3 وقد اقتصر ابن مالك على خمسة من المعاني السابقة: حيث يقول: بعض، وبين، وابتدئ في الأمكنة ... بمن، وقد تأتي لبدء الأزمنه ... وزيد في نفي وشبهه؛ فجر ... نكرة كما لباغ من مفر فقد ضمن البيتين: البعضية، وبيان الجنس، وابتداء الغاية الزمانية أو المكانية، والزيادة بعد نفي أو شبهه مع جر النكرة، وهذه المعاني أربعة، أما الخامس وهو البدلية، فإنه سيذكره "في هامش ص487" بقوله: "ومن" و"باء" يفهمان بدلًا

11– إفادة معنى القسم، ذلك أن بعض العرب يستعملها "مضمومة الميم أو مكسورتها" حرف قسم، ولا يكاد يجر إلا كلمة: "الله" نحو؛ من الله لأقاومن الباطل1، ويجب معه حذف الجملة القسمية، "فعلها وفاعلها". "وسيجيء2 الكلام على بقية أدوات القسم بنوعيه وأحكامه". هذا، وقد تتصل "ما" الزائدة بالحرف: "من"، فلا تخرجه عن معناه ولا عن عمله، بل يبقى له كل اختصاصه كما كان قبل مجيء هذا الحرف الزائد3؛ نحو: مما أعمال المسيء يلاقي جزاءه، أي: من أعمال المسيء؛ وبسببها4 ...

_ 1 ويجوز حذفها مع بقاء الاسم المجرور بها على حاله من الجر، كالشأن في جميع حروف القسم حين تجر لفظ الجلالة انظر رقم4 من ص532. 2 في رقم1 من هامش ص477 و497 وما بعدها: 3 انظر "أ" من الزيادة الآتية وقواعد رسم الحروف تقتضي وصلهما كتابة. 4 وسيشير ابن مالك إلى زيادة "ما" بعد "من" و"عن" و"الباء" ببيت سيجيء آخر الباب نصه: في هامش ص 494 و 515 و 529. وبعد "من"، و"عن" و"باء" زيد "ما" ... فلم يعق عن عمل قد علما أي: لم يمنع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– من الأساليب الواردة المأثورة: "مما" كالتي في حديث لابن عباس نصه: "كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة إذا نزل عليه الوحي، وكان مما يحرك لسانه وشفتيه". وكقول الشاعر: وإنا لمما يضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم و ... و ... وقد قيل: إن معنى "مما" هنا هو: "ربما" طبقًا لما بينه سيبويه في كتابه "جـ1 ص476"، وملخصه: أن "من" الجارة المكفوفة بالحرف "ما"1 قد تكون بمعنى "ربما"، واستشهد بالبيت السالف. وقال ابن هشام في "المغني" عند الكلام على: "من" وعلى معناها العاشر: إنها تكون بمعنى "ربما"، وذلك إذا اتصلت بما؛ كالبيت السالف، ثم أردف هذا بقوله: "والظاهر: أن "من" في البيت ابتدائية و"ما" مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب2 ... ". ب- إذا كان الاسم المجرور بالحرف: "من" مبدوءا بالأداة: "أل" التي ليست معدودة في حروفه الأصلية، فالأشهر فتح النون، مثل: قد نعرف

_ 1 الفرق كبير في المعنى والعمل، أو عدمه بين "ما" هذه والتي في الصفحة السابقة. 2 تفصيل هذا البحث مدون في المجلد التاسع من مجلة المجمع اللغوي القاهري ص 116، وهو بحث مفيد قد اكتفينا بتقديم ملخص في الجزء الأول م42 ص 551 عند الكلام على: "كان" ومن تمام الاستفادة الرجوع إلى ذلك البحث المفيد، أو إلى ملخصه، وما فيهما من أمثلة وأساليب تتصل بما نحن فيه، وكذلك ما نقلناه عن "القاموس" من آخر جزئه الرابع باب: الألف اللينة، عند الكلام على أنواع "ما"، واستعمالاتها حيث يقول ما نصه: "إذا أرادوا والمبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة، قالوا: إن زيدًا مما أن يكتب. أي: أنه مخلوق من أمر؛ ذلك الأمر هو الكتابة". ا. هـ. ولهذا البحث إشارة موجزة في ص1 بمناسبة الكلام على الحرف: "رب".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإذاعة ما لا نعرفه من الصحف، وغيره1. والأحسن ألا تحذف النون إن وقع حرف مشدد بعد "أل" السالفة؛ نحو: لا تعجب من الشعوب إذا انتقمت من الظالم. وإن وقع بعد: "من" حرف ساكن آخر تحركت النون بالكسر غالبًا نحو: عجبت من استهانة الإنسان بحقوق أخيه ومن استبداده به.

_ 1 بعض القبائل يحذف النون في هذه الصورة، وبها جاء قول النابغة الجعدي: ولقد شهدت عكاظ قبل محلها ... فيها وكنت أعد ملفتيان أي: من الفتيان، وقول عبد الرحمن بن حسان في مدح آل سعيد بن العاص: أعفاء تحسبهم ملحيا ... ء ومرض تطاول أسقامها أي: من الحياء، وكذلك المنتبي حيث يقول: نحن ركب ملجن في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال أي: من الجن، وقول أبي القاسم بن هانئ: إذا لم تنل بالعلم مالًا ولا علًا ... ولا جانيًا ملأجر فالعلم كالجهل يريد: من الأجر.

إلى: حرف جر أصلي1 يجر الظاهر والمضمر، وينتقل بين معان أشهرها ستة: 1– انتهاء الغاية2 مطلقًا؛ "أي: سواء أكانت الغاية في زمان أم مكان؛ وسواء أكانت" هي الآخر الحقيقي لما قبل "إلى" أم ليست الآخر الحقيقي، ولكنها متصلة به اتصالًا قريبًا أو بعيدًا"، وهذا المعنى أكثر استعمالات الحرف إلى؛ فمثال انتهاء الغاية الحقيقية الزمانية: نمت الليلة إلى طلوع النهار، ومثال انتهاء الغاية الزمانية المتصلة بالآخر اتصالًا قريبًا: نمت الليلة إلى سحرها3، ومثال انتهاء الغاية الزمانية البعيدة من الآخر نمت الليلة إلى نصفها أو ثلثها و ... و ... ومثال انتهاء الغاية المكانية الحقيقية: عربت الطريق إلى الجانب الآخر محترسًا، ومثال انتهاء الغاية المكانية المتصلة بالآخر: قرأت الكتاب إلى خاتمته، ومثال انتهاء الغاية المكانية البعيدة من الآخر، قرأت الكتاب إلى ثلثه. والغالب أن نهاية الغاية نفسها لا تدخل في الحكم الذي قبل "إلى" ما لم توجد قرينة تدل على دخوله، فإذا قلت: قرأت الكتاب إلى الصفحة العاشرة، فالمقصود غالبًا في مثل هذا الاستعمال أن الصفحة العاشرة لم تقرأ، فهي خارجة من الحكم الذي ثبت لما قبل "إلى"، وكذلك لو قلت: صمت الأسبوع الماضي إلى يوم الخميس؛ فإن يوم الخميس لا يدخل غالبًا في أيام الصيام، فإذا وجدت قرينة تدل على دخولها كانت داخلة؛ مثل: صمت الشهر المفروض من أوله إلى اليوم الأخير، ومثل: أكملت قراءة الكتاب كله من أوله إلى الصفحة الأخيرة ... لأن صيام الشهر المفروض يقتضي صوم اليوم الأخير منه، وإكمال الكتاب كله

_ 1 سيجيء في الزيادة ص471 أن بعض النحاة يجيز زيادته، وأن رأيه مردود. 2 سبق في رقم4 من هامش ص459 أن الغاية في هذا الباب، هي: المسافة المكانية حينًا، والمقدار الزمني حينًا آخر على حسب السياق، وأنها تختلف عن الغاية في الظروف، "وقد سبق بيانها في رقم2 من هامش ص292"، والمراد بانتهاء الغاية هنا أن المعنى قبل: "إلى" ينقطع بوصوله إلى الاسم المجرور بعدها، واتصاله به. ويبين حروف الجر ثلاثة تشترك في انتهاء الغاية؛ "هي: إلى اللام في ص472 حتى، في من ص482"، وسيجيء البيان الخاص بكل حرف. 3 السحر: الثلث الأخير من الليل.

يقتضي قراءة الصفحة الأخيرة منه1 ... 2- المصاحبة2، كقولهم: من قعد عن طلب الزرق أساء أهله إلى نفسه، وعذبهم إلى عذابه، أي: مع نفسه ... ومع عذابه ... وكقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، أي: مع الله. 3– التبيين، "فتبين أن الاسم المجرور بها فاعل في المعنى لا في الصناعة النحوية، وما قبلها مفعول به في المعنى لا في الصناعة كذلك، وذلك بشرط أن تقع بعد اسم التفضيل، أو: فعل التعجب، المشتقين من لفظ يدل على الحب أو: البغض، وما بمعناهما، كالود والكره ... "، كقولهم: "احتمال المشقة أحب إلى النفس الكريمة من الاستعانة بلئيم الطبع، فما أبغض الاستعانة به إلى نفوس الأحرار!! "، فكلمة: "نفس"، هي الفاعل المعنوي لا النحوي لاسم التفضيل "أحب"؛ لأنها في الواقع هي فاعلة الحب، أو: هي التي قام بها الحب، وكذلك كلمة "نفوس"، فإنها الفاعل المعنوي "لا النحوي" لفعل التعجب: "أبغض"؛ إذ هي فاعلة البغض حقيقة، أو: هي التي قام بها البغض، والذي قطع في الحكم بفاعليتها المعنوية، ومنع كل احتمال آخر هو وقوعهما بعد حرف الجر: "إلى" الذي من وظيفته القطع في مثل هذا الأسلوب الذي يحتاج إلى تيقظ، لدقته3؛ ولأنه قد يلتبس بما يقع فيه حرف "اللام"

_ 1 انظر الفرق بين "إلى" و"حتى" في هذا وفي غيره "رقم4 من هامش ص482". 2 انضمام شيء لآخر انضمامًا يقتضي تلازمها في أمر يقع عليهما معًا، أو يقع منهما معًا على غيرهما، او يتصل بهما بنوع من أنواع الاتصال، وعلامة المصاحبة: أن يصح حذف حرف الجر ووضع كلمة: "مع" مكانه؛ فلا يتغير المعنى، وقد يعبر عن "المصاحبة" بكلمة: "المعية" كما ورد في الخضري ج1 باب: المفعول معه"، حيث قال: "المعية"، ومثل لما بقوله: "بعت العبد بثيابه". ا. هـ أي، مع ثيابه. 3 ضابط ذلك: أن نجعل مكان اسم التفضيل أو فعل التعجب فعلًا من مادتهما ومعناهما، يكون فاعله النحوي هو الاسم المجرور بالحرف "إلى"، ومفعوله هو الكلام السابق على التفضيل، أو اللاحق لفعل التعجب، فإن صح المعنى واستقام كان مجيء "إلى" ملائمًا، وإلا وجب العدول عنها، ففي المثال المذكور نقول: تحب النفي الكريمة احتمال المشقة ... تبغض نفوس الأحرار الاستعانة ... وما سبق من معنى "التبيين" في "إلى" يختلف عن معناها في "اللام الجارة"، وسيجيء في رقم15 من ص478 وكلاهما يوضح المراد من الآخر.

مكان "إلى"، "وسيأتي الكلام عليه في اللام"1. 4– الاختصاص "أي: قصر شيء على آخر، وتخصيصه به"، كقولهم: الأب راعي الأسرة؛ وأمرها إليه، والحاكم راعي المحكومين، وأمرهم إليه ... فليتق الله كل راع في رعيته. 5– الظرفية2: كقولهم: سيجمع الله الولاة إلى يوم تشيب من هوله الولدان ... أي: في يوم. 6- البعضية، "وهذا قليل في المسموع"3، نحو: شرب العاطش فلم يرتو إلى الماء، أي: من الماء.

_ 1 ص 478. 2 سبق شرحها في رقم6 من ص465، وهي من المعاني الدقيقة التي يؤديها الحرف "إلى"، ومما يحتمل هذا المعنى قول النابغة الذبياني. فلا تتركني بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطلي به القار، أجرب وقول طرفة: وإن يلتق الحي الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الكريم المصمد يريد: في الناس ... في ذروة ... 3 فلا يحسن القياس عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– جعل بعض النحاة من معاني: "إلى" أن تكون بمعنى: "عند1" مستدلًا بمثل قول القائل: أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل وأن تكون زائدة؛ مستدلًا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} ، بفتح الواو، أي: تهواهم ... وقد دفع ذلك الرأي بأن الشاهد الأول وقعد فيه "إلى" للتبيين؛ لأن ما بعدها وهو باء المتكلم فاعل معنوي على الوجه المشروح الحالة الثالثة السالفة، وأن الشاهد الثاني: "الآية" وقع فيه الفعل، "تهوى" مضمنًا، معنى: "تميل" فلا تكون "إلى" زائدة، وهذا رأي حسن يقتضينا أن نأخذ به؛ فرارًا من الحكم بالزيادة من غير ضرورة. ب– يجب قلب ألفها2 ياء إذا كان المجرور بها ضميرًا، نحو: نقصد الوفود إلينا من بلاد بعيدة، فتقدم إليهم ضروب المجاملة الكريمة. فإن كان الضمير ياء المتكلم أدغمت الياءان؛ نحو: إلي يتجه الخائف.

_ 1 سبق الكلام على "عند" في باب الظرف مع نظائرها من الظرف ص291 من هذا الجزء. 2 وهي المكتوبة ياء؛ تبعًا لقواعد رسم الحروف.

اللام: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا1 ... ، ويؤدي عدة معان قد تجاوز العشرين. 1- انتهاء الغاية2 "أي: الدلالة على أن المعنى قبل اللام ينتهى، وينقطع بوصوله إلى الاسم المجرور بها، الداخل في ذلك المعنى"، نحو: صمت شهر رمضان لآخره، وقرأت الكتاب لخاتمته ... واستعمالها في هذا المعنى قليل بالنسبة لباقي معانيها، ولكنه مثل كل معانيها المختلفة قياسي "كما سبق"3. 2- الملك؛ وتقع بين ذاتين، الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، نحو: المنزل لمحمود، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها. 3– شبه الملك؛ وتقع: إما بين ذاتين، والثانية منهما لا تملك ملكًا حقيقيًا؛ وإنما تختص بالأولى، وتقتصر الأولى عليها، دون تملك حقيقي من إحداهما للأخرى؛ نحو: "السرج للحصان – المفتاح للباب – الباب للبيت"، وإما قبلهما نحو: للصديق ولد نبيه، حيث تقدمت "اللام" على الذاتين ... ، وإما بين معنى وذات؛ نحو الحمد للأمهات، والشكر للوالدين ... وتسمى هذه اللام بصورها الثلاثة: لام الاستحقاق، أو: لام الاختصاص. 4– الدلالة على شبه التمليك؛ نحو: جعلت للمحتاج عطاء ثابتًا، فالعطاء الذي يأخذه المحتاج يصير ملكًا له، يتصرف فيه تصرف المالك الحر كما يشاء. 5- الدلالة على شبه التمليك؛ نحو: جعلت لك أعوانًا من أبنائك البررة، فالأعوان هنا بمنزلة الشيء المملوك، ولكنه ليس ملكًا حقيقيًا تقع عليه التصرفات

_ 1 من أي النوعين لام الاستغاثة الداخلة على المستغاث؟ وهل تحتاج مع مجرورها إلى تعليق؟ الإجابة تحتاج إلى تفصيل، وسرد بعض أحكام مختلفة، وقد عرضنا لكل هذا في الباب المناسب، وهو: باب: "الاستغاثة" "ج 4 م 133 ص 87". 2 فهذا الحرف مثل: "إلى" في هذا المعنى الذي سبق إيضاحه في رقم4 من هامش459، وفي رقم2 من هامش ص468، ومثل "حتى فيه، وسيجيء الكلام عليها، في ص 482 والثلاثة مشتركة في هذا المعنى دون بقية حروف الجر، كما قلنا. 3 في ص 455.

المختلفة، وإنما يشبهه من بعض الوجوه دون بعض1. 6– الدلالة على النسب؛ نحو: لفلان أب يقول الحق، ويفعل الخير، أي: ينتسب فلان لأب1 ... 7– التعدية2 المجردة؛ نحو: ما أحب العقلاء للصمت المحمود، وما أبغضهم للثرثرة. 8– التعليل؛ بأن يكون ما بعدها علة وسببًا فيما قبلها، نحو: الاكتساب ضروري، لدفع الفاقة وذل الحاجة3. 9- التوكيد المحض، وتكون في هذه الحالة زائدة زيادة محضة لتأكيد معنى الجملة كلها، لا معنى العامل وحده كما شرحنا4، ويجري عليها ما يجري على حرف الجر الزائد4، وأكثر ما تكون زيادتها بين الفعل ومفعوله؛ نحو قول الشاعر: وملكت ما بين العراق ويثرب5 ... ملكًا أجار6 لمسلم ومعاهد أي: أجار مسلمًا ومعاهدًا7، وقول الشاعر في الغزل:

_ 1،1 الحق أن المعاني الثلاثة "التمليك – شبه – النسب" متقاربة، ويمكن الاستغناء عنها بعد إلحاقها بحروف أخرى، ولكنها مع اللام أوضح؛ فنسبت إليها، ولقد قيل: إن كل معنى من المعاني الثلاثة يستفاد من الجملة كلها، لا من اللام وحدها وهذا صحيح، وقد أجابوا بأن فهم هذا المعنى من التركيب متوقف على "اللام" فنسب إليها. 2 إذا كانت لمجرد التعدية فما بعدها في حكم المفعول به معنى، وإن كان مجرورًا كما سبق في أول هذا الباب، ص437 و439، وفي باب: "التعدي واللزوم"، ص151. وكونها هنا للتعدية المجردة لا ينافي أنها في بقية مواضعها للتعدية أيضًا مع إفادتها شيئًا آخر في الوقت نفسه، كما جاء في حاشية الصبان. 3 ما بعدها هو السبب هنا؛ لأن السبب لا بد أن يظهر في الوجود قبل المسبب، والرغبة في دفع الفاقة سابقة على وجود الاكتساب. 4و4 في ص 450، ومنه يعلم: أن حرف الجر لزائد زيدة محضة لا يفيد إلا توكيد المعنى العام في الجملة كلها، وأنه لا يتعلق بعامل، وأنه يمكن الاستغناء عنه، دون أن يتأثر الكلام بحذفه ... و...و ... 5 اسم للمدينة المنورة. 6 أجاره: نصره وحماه. 7 يستدل النحاة بالبيت السالف على زيادة "اللام" كما قلنا لكن البيت للشاعر "ابن ميادة" من أبيات يمدح بها أمير المدينة، وبعده: ماليهما ودميهما من بعدما ... غشي الضعيف شعاع سيف المارد وهذا يجعل الحكم بزيادة اللام غير مقطوع به، إذ يصح أن يكون "المفعول به" هو"ماليهما" ... إلا أن أعربنا هذه الكلمة "بدلًا" من "مسلم" ... فالاستشهاد بالبيت السالف استشهاد بما يقبل الاحتمال من غير داع، ولا يصلح للقطع.

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل ... 1 فالفعل: "أريد" متعد يحتاج للمفعول به، ومفعوله الذي يكمل المعنى هو المصدر المؤول بعد "لام التعليل" الجارة، والأصل: أريد أن أنسى، واللام زائدة بينهما. أو بين المتضايفين؛ كقولهم: لا أبا لفلان، على الرأي الذي يعتبرها زائدة2. وقد أجازوا زيادتها3 للضرورة الشعرية بين المنادى المضاف والمضاف إليه، كقول الشاعر4 في فتاة: لو تموت لراعتني، وقلت: ألا ... يا بؤس للموت، ليت الموت أبقاها وقول الآخر5: يا بؤس للجهل ضررًا لأقوام ... ومن المستحسن اليوم الاقتصار في الزائدة على المسموع6؛ مبالغة في الاحتياط.

_ 1 سيذكر البيت لمناسبة أخرى في هامش ص476. 2 وهو أحد الأوجه التي أوضحناها، وشرحنا معها الأسلوب، والمراد منه، في ج 1 باب: "السماء الستة" م8 ص99. 3 كما سيجيء في جـ3 باب: "الإضافة" وفي جـ4 باب: "النداء". 4 هو أبو جنادة العذري من الشعراء الذين أدركوا الدولة الأموية. 5 هو النابغة الذبياني، وصدر البيت: قالت بنو عامر خالوا بني أسد ... إلخ: خالي فلان قبيلته: تركها، والمراد: اتركوا بني أسد ... 6 ومن المسموع زيادتها بعد الفعل: "أعطى"، وهو من الأفعال التي تنصب مفعولين في الأصل، قالت ليلى الأخيلية تمدح الحجاج: أحجاج لا تعط العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها وقال آخر من أصحاب المبرد: ولكنني أعطي صفاء مودتي ... لمن لا يرى يومًا علي له فضلا وانظر ما يتصل بهذا في آخر رقم4 من هامش ص20 حيث المنقول عن: "المغني" و"الصبان" ...

10- التقوية، وهي التي تجيء لتقوية عامل ضعيف؛ إما بسبب تأخره عن معموله، نحو، قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 1، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ، وإما بسبب أنه فرع مأخوذ من غيره، كالفروع المشتقة؛ مثل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وقوله: {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} ، وقول علي رضي الله عنهم: "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به"، فأصل الكلام في الآيتين الأوليين: إن كنتم تعبرون الرؤيا يرهبون ربهم ... فلما تقدم كل من المفعولين على فعله ضعف الفعل بسبب تأخيره عن معموله "مفعوله"؛ فجاءت اللام لتقويته2، وأصل الكلام في الآيتين الأخيرتين وفي كلام علي: فعال

_ 1 الرؤيا هنا: الحلم المنامي، وتعبيره: تفسيره. 2 تخصيص اللام بمعنى "التقوية" على الوجه الذي يقوله كثير من النحاة، تخصيص لا مسوغ له، فليست "لام التقوية" نوعًا مستقلًا يخالف "اللام الزائدة" في قليل أو كثير كما سيبين مما يلي هنا، وفي هامش الصفحة الآتية مباشرة. وقد سبق أن أشرنا باختصار في رقم2 من هامش ص435 إلى أن اللام التي تفيد التقوية زائدة زيادة غير محضة، "أي: أنها زائدة شبيهة بالأصلية"؛ لأنها تفيد عاملها لا الجملة معنى جديدًا: هو: "التقوية" ومن أجل هذا المعنى تتعلق بعاملها فأشبهت حرف الجر الأصلي في جلب معنى جديد يكمل العامل، وفي التعلق بهذا العامل، ولكنها من ناحية أخرى يمكن حذفها لا يتأثر المعنى بحذفها، لكل ما سبق لم تكن زيادتها محضة "راجع الصبان والتصريح عند كلامهما على "لام الجر" ثم "المغني"". ومما تجب ملاحظته أن لام التقوية لا تدخل على مفعولي عامل ينصب مفعولين مذكورين بشرط أن يتقدما عليه معًا، أو يتأخرا عنه معًا، فمتى وجد المفعولان كذلك، فلن يصح دخولها عليهما معًا، ولا على أحدهما، وإذا حذف أحدهما أو تقدم، صح دخولها على الذي لم يحذف، وكذا على المتقدم منهما، كما في الصبان، ومقدمة الجزء الأول من "المغني" التي جاء فيها على لسان ابن هشام ما نصه: "وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته"، فقال العلامة الأمير تعقيبًا عليه ما نصه: "اللام في قوله: "لا" مقوية؛ إذ مادة الإفادة تتعدى بنفسها، لا يقال: إنها تتعدي لمفعولين؛ تقول: أفدت محتاجًا مالًا؛ وما يتعدى لمفعولين لا يقوى باللام؛ لأنا نقول محل ذلك إذا كان المفعولان مذكورين، مقدمين، أو مؤخرين عن العامل، كما يفيده كلام ابن مالك في تعليل منع ذلك؛ لأن اللام إما أن تزاد فيهما؛ فيلزم تعدي عامل واحد بحرفي جر متحدين، وهذا ممنوع في الأغلب وإما أن تزاد في أحدهما؛ فيلزم الترجيح بلا مرجح، فإن كان أحدهما محذوفًا كما هنا ... "فإنه حذف من يفاد وهو الشخص المستفيد، لعدم تعلق غرض به وذكر ما يفاد، وهو الشيء المفيد ... "، فإن "اللام" تدخل على المذكور؛ لأن المحذوف حينئذ قطع النظر عنه، سواء نزلت العامل بالنظر للمحذوف منزلة اللازم أو لا. وكذلك إذا تقدم أحدهما دخلت عليه اللام؛ لأن العامل عن المقدم أضعف، أو نائب أحدهما عن الفاعل، نحو: محمود مفاد مالًا، دخلت على المنصوب؛ لأن طلبه المرفوع أقوى". ا. هـ. هذا، ومما يصلح عندهم أن تكون اللام فيه للتقوية قولهم في الدعاء: "سقيًا للمحسن ورعيًا له"، وفي هذا الأسلوب وأمثاله، تفصيلات معنوية، وأحكام إعرابية مختلفة، أوضحناها كاملة في ج 1 م 39 ص 468.

ما يريد مصدقًا ما معهم، التاركينه ... فكلمة: "فعال" صيغة مبالغة متعدية، تعمل عمل فعلها، ولكنها أضعف منه، فجاءت اللام لتقويتها. وكذلك كلمة: "مصدقًا"، وكلمة "التاركين" وكلاهما اسم فاعل1 ...

_ 1 هذا كلام كثير من النحاة، ويزيدون أن حرف الجر أصلي هنا؛ فهو مع مجروره متعلقان بالعامل الضعيف ... وكلامهم مردود بما سردناه في رقم 2 من هامش ص 184، وبما نسرده هنا: فما معنى التقوية إذا كان من الممكن الصحيح حذف هذه اللام، وتعدية الفعل أو المشتق إلى المفعول به مباشرة من غير حاجة إليها، ما دام العامل معدودًا في اللغة من العوامل المتعدية بنفسها؛ فتقول؛ {إن كنتم الرؤيا تعبرون – ربهم يرهبون – مصدقا لما معهم – فعال ما يريد} ... فيصل بنفسه الفعل أو المشتق إلى المفعول به بغير حاجة إلى هذه الواسطة؛ سواء أكان هذا العامل متقدمًا أم متأخرًا؟ وكيف تكون اللام للتقوية مع أن الاسم قبل مجيئها كان مفعولًا به منصوبًا، فلما جاءت جرته؛ فصار مفعولًا به في المعنى دون اللفظ، ولا شك أن العامل الذي يؤثر في مفعوله لفظًا ومعنى أقوى من العامل الذي يؤثر فيه معنى فقط ... ، وكان الأولى بالنحاة أن يقولوا: إن هذه اللام تزاد جوازًا في المفعول به إذا تقدم على عامله الفعل، كما تزاد في المفعول به إذا كان عامله وصفًا ينصب المفعول به متقدمًا أو متأخرًا، وأن الار والمجرور لا يتعلقان؛ لأن حرف الجر زائد، وأن المجرور لفظًا منصوب محلًا. على أن الرأي الأقرب للسداد هو ما سجله "المبرد" في كتابه: "الكامل" "جـ 3 ص 36 الطبعة القديمة بمطبعة الفتوح"، ونصه عند شرح لقول أبي النجم الشاعر: "سبي الحماة وابهتى عليها" أن الأصل هو: "وابهتيها"، فوضع "ابهتي" في موضع: "اكذبي" فمن ثم وصلها بعلي، والذي يستعمل في صلة الفعل "اللام"؛ لأنها لام الإضافة؛ تقول: لزيد ضربت، ولعمرو أكرمت، والمعنى: عمرا أكرمت، وزيدًا ضربت، فإنما تقديره: إكرامي لعمرو، وضربي لزيد: فأجرى للفعل مجرى المصدر، وأحسن ما يكون ذلك إذا تقدم المفعول؛ لأن الفعل إنما يجيء وقد عملت اللام: كما قال الله عز وجل: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} ، وإن أخر المفعول فعربي حسن، والقرآن محيط بكل اللغات الفصيحة، قال الله عز وجل: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} ، والنحويون يقولون في قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ} إنما هو: ردفكم، وقال كثير عزة: أريد لأنسى ذكرها، فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل ا. هـ، كلام المبرد في الكامل، وسيذكر البيت: "سبي الحماة ... " لمناسبة أخرى في هامش ص540. وشيء آخر: جاء في مجلة المجمع اللغوي بدمشق "جـ4 ص182" بقلم الأب أنستاس الكرملي، العضو السابق بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والعراق، وغيرهما، ما نصه: "زعموا أنه لا يقال: يمكن لأحدكم ... "، وعندي أنه يجوز. والنحاة تسمي هذه اللام: "اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله، وهي كثيرة الورود في كلامهم، وإن أنكرها المرحوم "إبراهيم البازجي". ا. هـ.

11- الدلالة على القسم1 والتعجب معًا، بشرط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به هو لفظ الجلالة؛ كقولهم: "لله! ! لا ينجو من الزمان حذر"، يقال هذا في عرض الحديث عن رجل حريص يتوقى أسباب الضرر جهد استطاعته، ولكنه بالرغم من ذلك يصاب. وقولهم: "لله! ! انتصرت الفئة القليلة المؤمنة بحقها على الفئة الكبيرة المختلفة". وهذا يقال في معرض الكلام عن قلة متوحدة؛ مؤتلفة، لم يكن أحد ينتظر لها الفوز والغلبة، على كثرة تفوقها عدة وعديدًا، فلا بد من قرينة تدل على معنى القسم والتعجب المجتمعين في "اللام". وبغير القرينة لا يتضح هذا المدلول. ومن الجائز أن تحذف هذه اللام، ويبقى المقسم به على حاله من الجر بشرط أن يكون لفظ الجلالة. 12- الدلالة على التعجب بغير قسم، بشرط القرينة أيضًا؛ ويكون بعد النداء كثيرًا؛ نحو: يا للأصل2 وما به من روعة يا للكشف العلمي وما انتهى إليه. ويكون بعد غيره، نحو: لله در فلان شجاعًا في الحق، لله أنت معوانًا في الخير 3 ...

_ 1 حروف القسم المشهورة هي: "الباء – التاء – الواو – اللام" إلا أن اللام تنفرد بأنها تدل على التعجب مع القسم، أما غيرها فمعناه مقصور على القسم وحده، وسيأتي تفصيل الكلام على كل واحد من الأربعة، وأوجه الشبه والمخالفة بينه وبين إخوته، وهناك حرف خامس سبقت الإشارة إليه في ص 465 هو: "من"، فقليل من العرب يستخدم هذا الحرف "بكسر ميمه أو ضمها" أداة قسم، قد حذف فعل القسم وفاعله وجوبًا، فيقول: من الله لأنصرن النزيه، أي: والله، ولا يكاد يكون القسم معه بغير الله. وأندر من هذا الحرف استعمال القدماء الحرف "ها" للقسم بعد "إي" التي بمعنى: "نعم" وبدونها ... جاء في الأمالي "جـ 1 ص 172" أن أعرابيًا قال لآخر: أنشدنا رحمك الله، وتصدق على هذا الغريب بأبيات ... فقال: إي: ها الله إذًا ... "انظر البيان الخاص بها في ص 506 رقم 3 من هامشها". 2 الوقت بعد العصر إلى المغرب، ويجوز في اللام هنا الفتح أو الكسر إذا كان المنادى مقصودًا به التعجب. "انظر جـ4 ص66 م134". 3 ويصح أن يكون من هذا ما يرد في بعض النصوص القديمة، من مثل قول الشاعر: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني والأصل: الله ابن عمك، بحذف لام الجر قبل لفظ الجلالة.

13– الدلالة على العافية المنتظرة، "أي: على النتيجة المرتقبة، أو: الصيرورة". نحو: "سأتعلم للحياة السعيدة، وأتنقل في جنبات المعمورة لتحصل أنفع التجارب"، ونحو: "ربيت النمر لهجوم علي"، يقول هذا من صادف نمرًا صغيرًا فأشفق عليه وتعهده، وخدع فيه، ثم غدر به النمر، فكأنه يقول ساخطًا متهمكًا: ربيته، فكانت عاقبة التربية ونتيجتها الهجوم علي، ونحو: "أربي هذا الولد الضال ليسرقني، ويفر كأخيه"، يقول هذا من يؤدي إليه شريدًا، ويحسن إليه، وهو يتوقع أن يغافله، ويسرقه، ويهرب، كما فعل أخوه من قبل: وتسمى اللام في الأمثلة السابقة وأشباهها: لام "الصيرورة" أو: "العاقبة"؛ لأنها تبين ما صار إليه الأمر، وتوضح عاقبته1 ... 14– الدلالة على التبليغ؛ وهي الدالة على إيصال المعنى إلى الاسم المجرور بها؛ نحو: قابلت صديقك، ونقلت له ما تريد أن أنقله2 ... "وقد يسميها لذلك بعض النحاة "لام التعدية" يريد: إيصال المعنى وتبليغه". 15– الدلالة على التبيين؛ أي: إظهار أن الاسم المجرور بها هو في حكم المفعول به معنى، وما قبلها هو الفاعل في المعنى كذلك، بشرط أن تقع بعد اسم تفضيل أو فعل تعجب، مشتقين من لفظ يدل على الحب، أو البغض، وما بمعناهما؛ كالود، والكره، ونظائرهما ... ، نحو: "السكون في المستشفى أحب للمرضى، وإطالة زمن الزيارة أبغض لنفوسهم"، فالمجرور باللام في المثالين وأشباههما في حكم المفعول به من جهة المعنى "لوقوع أثر الكلام السابق عليه" لا من جهة الإعراب، فكلمة "السكون" هي الفاعل المعنوي لا النحوي الذي أوجد الحب، وكان سببًا فيه، وكلمة: "المرضى" هي المفعول به المعنوي لا النحوي الذي وقع عليه الحب، وأنصب عليه أثره، ومثل هذا يقال في

_ 1 ومنها قوله تعالى في موسى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} . 2 ومثلها التي في صدر البيت الآتي لشوقي: "قل للمشير إلى أبيه وجده ... أعلمت للقمرين من أسلاف"؟ والتي في صدر البيت الآخر: "وليس عتاب المرء للمرء نافعًا ... إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه"

كلمتي: "إطالة، ونفوس"، فالأولى هي الفاعل المعنوي لا النحوي، والأخرى هي المفعول به المعنوي كذلك. ومثل: البدوي الصميم أحب للصحراء، وأبغض للخضر، وما أكرهه للاستقرار، ودوام الإقامة في مكان واحد1. ومن هنا يتبين الفرق الدقيق بين: "إلى" التي تفيد التبيين، و"اللام" التي تفيده أيضًا2، ويتركز في أن ما بعد "إلى" التبيينية "فاعل" في المعنى لا في اللفظ؛ وما قبلها مفعول به في المعنى كذلك، أما "اللام التبيينية" فبعكسها؛ فما بعدها مفعول به معنوي لا لفظي؛ وما قبلها فاعل معنوي كذلك، فإذا قلت: الوالد أحب إلى ابنه، كان الابن هو المحب، والوالد هو المحبوب، أي: أن الابن هو فاعل الحب معنى، والوالد هو الذي وقع عليه الحب؛ فهو بمنزلة المفعول به معنى، أما إذا قلت: الوالد أحب لابنه، فإن المعنى ينعكس؛ فيصير الابن هو المحبوب؛ فهو بمنزلة المفعول به معنى، والأب هو المحب، فهو بمنزلة الفاعل معنى، وقد سبق2 القول بأن مثل هذا الأسلوب دقيق يتطلب يقظة في استعماله، وفهمه 3. 16– أن تكون بمعنى: بعد4، كقولهم: "كان الخليفة يقصد المسجد لأذان الفجر مباشرة، ويصلي الصبح بالناس إمامًا، ثم ينظر قضاياهم، ولا يغادر المسجد إلا للعصر، وقد فرغ من صلاته، ونظر شؤون رعيته"، أي: بعد أذان الفجر مباشرة، وبعد العصر، ومن هذا النوع ما كان يؤرخ به الأدباء وسائلهم؛ فيقولون: "كتبت هذه الرسالة لخمس خلون من "شوال"" يريدون: بعد خمس ليال مررن

_ 1 فالمراد: يحب البدوي الصحراء، يبغض البدوي الحضر يكره البدوي الاستقرار. 2 و 2 راجع ما سبق في ص 469، حيث الإيضاح والضابط الذي يبين الفاعل والمفعول به المعنويين. 3 من أمثلة اللام التبيينية: سقيًا لك رعيًا لك تبًا للخائن ... وفي هذه الأمثلة وأشباهها تفصيلات لغوية دقيقة، لها آثار معنوية هامة تتصل باعتبارها جملة واحدة حينًا، وجملتين حينًا آخر، وقد وفيناها حقها من الإبانة، والإيضاح، وعرض أبقوم الطرائق لاستعمالها الصحيح في الجزء الأول ص 380، م 39 في قسم الزيادة والتفصيل الخاص بمواضع حذف المبتدأ، ولا مناص للباحث المستقصي من الرجوع إليها. 4 بعد، من الظروف التي سبق الكلام عليها في باب: الظرف بهذا الجزء ص 283.

من شوال، ومثل قول الشاعر1: توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام، وذا العام سابع أي: بعد ستة أعوام ... ، وقول الآخر: فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول2 اجتماع لم نبت ليلة معًا 17– أن تكون بمعنى: "قبل"، كقولهم في التاريخ: كتبت رسالتي لليلة بقيت من رمضان، أي: قبل ليلة. 18– أن تفيد الظرفية3 نحو: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . وقوله: تعالى في أمر الساعة: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} 4، وقولهم في التاريخ: كتبت هذه الرسالة لغرة شهر رجب، وقولهم: مضى فلان لسبيله ... ، "أي: في يوم القيامة في وقتها في غرة شهر رجب في سبيله". 19– أن تكون بمعنى: "من البيانية"5 كقول الشاعر يخاطب عدوه: لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة. 20– أن تكون للمجاوزة6. "مثل: عن" كقول الشاعر: كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبعضًا إنه لذميم أي: عن وجهها ... ويرى بعض النحاة أنها هنا بمعنى الظرفية "أي مثل: "في". وأنها لا تكون بمعنى: "عن" ولا بمعنى: "على"، المفيدة للاستعلاء"7.

_ 1 النابغة الذبياني. 2 جعلها بعضهم هنا بمعنى: مع كما أشرنا في ج3 باب الإضافة م95 ص109 والأول أنسب. 3 الظرفية احتواء الشيء في داخله شيء آخر، كما يحتوي الظرف المظروف، ... و...و ... فتكون بمعنى: "في"، "انظر ما يتصل في رقم6 ص463 وهامشه". 4 وقيل: إن اللام في الآية الكريمة بمعنى: "عند"، أي عند وقتها "كما جاء في "المحتسب" لابن جني، ج2 ص323. 5 سبق الكلام عليها "في ص458". 6 سبق في رقم3 من هامش 463 تعريفها وبيان أقسامها. 7 جعلها بعضهم للاستعلاء الحسي في مثل قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ ... } وقول الشاعر: "فخر صريعا لليدين وللفم" ... وللاستعلاء المعنوي "وهو المجازي" في مثل قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: إن أسأتم فعليها، والأمر متوقف على موضوع معناها في السياق.

والرأي السديد أنها إن دلت في السياق على المجاورة، أو: الاستعلاء دلالة واضحة كالتي في الأمثلة الواردة جاز أن تكون من حروفهما، وإلا طلبنا لها معنى آخر يظهر فيه الوضوح والإبانة. 21– أن تكون لتوكيد النفي، وهي الداخلة في ظاهر الأمر دون حقيقته على المضارع المسبوق بكون منفي؛ وتسمى: "لام الجحود"1؛ لسبقها بالنفي دائمًا. نحو: ما كان الحق لينهزم، ولم يكن الباطل لينتصر. 22– أن تكون بمعنى: "مع" كقوله تعالى في اليتامى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، أي: مع أموالكم. 23– أن تكون بمعنى "عند" المفيدة للتوقيت؛ كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر} ، أي: عند أول الحشر 2 ... حركة لام الجر: تتحرك لام الجر بالكسرة إن دخلت على اسم ظاهر غير المستغاث3 في نحو: يا للقادر للضعيف؛ وتتحرك بالفتحة إن دخلت على ضمير، إلا على ياء المتكلم؛ فتكسر في نحو: رب اغفر لي، و ...

_ 1 تفصيل الكلام عليها في باب: "النواصب" من الجزء الرابع. 2 جاء في تفسير: "صفوة البيان، لمعاني القرآن" ما نصه: "المعنى: عند أول الحشر واللام للتوقيت: كالتي في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} . ا. هـ. أي: لتحولها وميلها عن وسط السماء إلى ما يليه. ويقول المفسرون في قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} ... إن لام الجر هنا للتوقيت، أي: لوقت وقوعها، كالتوقيت الذي في قولهم: كتبت الرسالة لسبع خلون من رمضان مثلًا ... 3 وغير المنادى المقصود به التعجب؛ كالذي سبق في رقم12 من ص477 فإن اللام فيه صالحة للفتح والكسر.

حتى1: حرف جر أصلي، وهو نوعان: أ– نوع لا يجر إلا الاسم الظاهر الصريح2، ومعنى: "حتى" في هذا النوع الدلالة على انتهاء الغاية3؛ ولهذا تسمى فيه: "حتى الغائية"، نحو: تمتعت بأيام الراحة حتى آخرها، والأكثر أن يكون الوصول إلى نهاية الغاية تدرجًا وتمهلًا، أي: دفعات لا دفعة واحدة، والغالب كذلك أن يجر الآخر من الأشياء، أما ما يتصل بالآخر مما يكون قبله مباشرة، نحو: "شربت الكوب كله حتى الصبابة، وأتممت الصفحة حتى السطر الأخير". ونحو: "سهرت الليلة حتى السحر، وتنقلت في الحديقة حتى الباب الخارجي". والغالب أيضًا أن تدخل نهاية الغاية في الحكم4 الذي قبل "حتى"، إلا إذا قامت قرينة تدل على عدم الدخول؛ نحو: قرأت الكتاب كله حتى الفصل الأخير؛ فنهاية الغاية داخلة بقرينة تدل على الشمول والعموم؛ هي كلمة: "كل"، بخلاف: كدت أفرغ من الكتاب؛ فقد قرأته حتى الفصل الأخير؛ لأن كلمة: "كدت" التي معناها: "قاربت" تدل على أن بعضه الأخير لم يقرأ ... وعلى هذا لا يستحسن الإتيان "بحتى" في مثل: قرأت الكتاب حتى ثلثه أو نصفه، وإنما يجيء مكانها "إلى". ب- نوع لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وجوبًا، وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، وأشهر معاني هذا النوع ثلاثة: الدلالة على انتهاء

_ 1 سيجيء في جـ 4م 149 ص314 تلخيص مفيد لجميع أنواع "حتى"، وتفصيل هام عن نوعها الجار. 2 المراد بالظاهر ما ليس ضميرًا، وبالصريح ما ليس مصدرًا مؤولًا من "أن المصدرية"، والجملة المضارعية بعدها. 3 أي: على أن المعنى قبله ينتهي، وينقطع بوصوله إلى الاسم المجرور به كما سبق وعلامته، صحة وقوع: "إلى" الدالة على انتهاء الغاية مكانه. "وحتى" أحد حروف ثلاثة تدل على انتهاء الغاية، وقد سبق الحرفان الآخران: "إلى" في ص 468 و"اللام" في ص 472، وإذا كانت "حتى" لانتهاء الغاية اقتضت أن ينقضي ما قبلها شيئًا فشيئًا، لا دفع واحدة، ولا سريعًا: فلا بد في انقضائه في التدرج والتمهل كما سيجيء. 4 وهذا أحد الأوجه التي تخالف فيها: "إلى"، ومنها أيضًا؛ أنه يجوز أن نقول: كتبت إلى الأخ رسالة، ولا يصح: كتبت حتى الأخ رسالة؛ لأن "حتى" الغائية تتطلب كما سبق أن =

الغاية، كالنوع السابق، أو الدلالة على التعليل1، أو الدلالة على الاستثناء2 إن لم يصلح أحد المعنيين السابقين. وهذا النوع كما قلنا: لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" الناصبة للمضارع، المقدرة وجوبًا، ومن صلتها الفعلية المضارعية3؛ نحو: أتقن عملك حتى تشتهر اجتب الكسب الخبيث حتى تسلم ثروتك التاجر الحصيف يحرص على الأمانة حتى يزداد ربحه ... ، ولا يصح أن تكون في هذه الأمثلة لانتهاء الغاية؛ لأن انتهاء الغاية يقتضي انقطاع ما قبل: "حتى" وانتهاءه بمجرد وقوع ما بعدها وحصوله، ولا يتحقق هذا في الأمثلة السالفة إلا بفساد المعنى؛ إذ ليس المراد أن يتقن المرء عمله حتى يشتهر؛ فإذا اشتهر ترك الإتقان ... ولا أن

_ = ينقضي المعنى قبلها شيئًا فشيئًا، وعلى عدة دفعات حتى يصل إلى نهاية الغاية؛ بخلاف "إلى"، والكتابة لا تحتاج إلى هذا، فناسبها "إلى" كما يجوز أن تقول: انتقلت من البادية إلى الحاضرة، ولا يحسن أن تقول: "حتى" الحاضرة؛ لأن الأساليب الصحيحة المأثورة التزمت أو كادت مجيء: "إلى" الدالة على النهاية بعد: "من" الدالة على البدلية. ومنها: أن "حتى" قد تجر المصدر المنسبك من: "أن المضمرة وجوبًا، والفعل المضارع وفاعله،" نحو: أسرعت حتى أدرك القطار، أي: أن أدرك، ولا يصح أسرعت إلى أدرك القطار؛ إذ لا تدخل "إلى" على الفعل مطلقًا إلا مع "أن" الظاهرة. فملخص الفروق خمسة: أن: "إلى" تجر الظاهر والمضمر، أما: "حتى" فلا تجر إلا الظاهر في أصح الآراء، ويجب الاقتصار عليه. وأن: "نهاية الغاية" لا تدخل مع "إلى" إلا بقرينة، والأمر بالعكس مع "حتى"، فالغاية النهائية معها داخلة، ولا تخرج إلا بقرينة. وأن "إلى" تقتضي انقضاء ما قبلها غالبًا بغير تمهل أو انقطاع، بخلاف "حتى". ولهذا آثار في التعبير. وأن "إلى" لا تدخل على المضارع بدون "أن" الظاهرة التي تنصبه، بخلاف "حتى"، فإنها تدخل عليه إذا كان منصوبًا بأن المقدرة بعدها فتجر المصدر المنسبك. وأن: "إلى" تجيء للدلالة على النهاية حين توجد: "من" الدالة على البداية ولا يصح مجيء: "حتى". 1 الدلالة على أن ما قبلها علة وسبب فيما بعدها، فهي مخالفة للام التعليل وأمثالها مما يكون ما بعده هو لعلة. "انظر رقم 8 من ص 475". 2 يجيء بيان هذه الدلالة على الاستثناء ص485. 3 للأداة: "حتى" الجارة للمصدر المنسبك من "أن" الناصبة للمضارع وصلتها، عدم أحكام أخرى مكانها المناسب الذي ستذكر فيه تفصيلًا هو الجزء الرابع، باب: "إعراب الفعل" حيث الكلام على: "النواصب" ...

يجتنب الكسب الخبيث حتى تسلم ثروته، فإذا سلمت لا يجتنبه ... ، ولا أن يحرص على الأمانة حتى يزداد ربحه، فإذا ازداد تركها، ليس المقصود شيئًا من هذا لفساده؛ فهي في تلك الأمثلة للتعليل. ومثال الدلالة على انتهاء الغاية: أقرأ الكتاب النافع حتى تنتهي صفحاته يمتد الليل حتى يطلع الفجر ... أما دلالتها على الاستثناء فقليلة1.

_ 1 تفصيل الكلام عليها في الصفحة التالية مباشرة كما أشرنا في رقم2 من هامش الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ– قلنا فيما سبق1: إن "حتى" الجارة نوعان؛ نوع: يجر الاسم الصريح، ومعنى هذا النوع الدلالة على الغائية، أي: على نهاية الغاية، فيجر الآخر أو ما يتصل بالآخر، ونوع يجر المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وجوبًا، وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، ومعنى هذا النوع، إما نهاية الغاية2 وإما التعليل، وإما الاستثناء. فمن معاني "حتى": الدلالة على الاستثناء وهذا أقل استعمالاتها، ولا يلجأ إليه إلا بعد القطع بعدم صحة واحد من المعنيين السابقين، ولا تجر فيه إلا المصدر المنسبك من "أن" الناصبة المستترة وجوبًا ومن صلتها الفعلية المضارعية، وتكون "حتى"3 في هذه الحالة بمعنى "إلا" الاستثنائية، والغالب أنه يكون الاستثناء منقطعًا، فتكون "إلا" فيه بمعنى "لكن" أي: يصح أن يحل محلها: "لكن"

_ 1 في ص 482. 2 يفهم من هذا أن "حتى" لا بد أن تكون لنهاية الغاية إذا كان المجرور بها اسمًا صريحًا، ولا عكس؛ فلا يلزم من كونها للغاية أن يكون المجرور بها اسمًا صريحًا. لا يلزم هذا؛ لجواز أن يكون مصدرًا مؤولًا من أن المصدرية، وصلتها الجملة المضارعية. 3 قد تكون: "حتى" مع "أن" المستترة بمعنى: "إلا أن"؛ فيكون الاستثناء منقطعًا، مع ملاحظة أن أداة الاستثناء، هنا مقصورة على: "إلا" وحدها، أما الحرف: "أن" الذي يليها فلا شأن له بالاستثناء، وإنما جيء به لمجرد التفسير والإيضاح. وقد يكون الاستثناء أحيانًا متصلًا كما في بعض الأمثلة التي عرضت، وكما في نحو: لا أجيب الصديق حتى يدعوني لمزاملته؛ أي: لا أجيبه وقتًا إلا وقت دعوتي، ببقاء النفي الذي قبل "حتى" على حاله بعد تأويلها كما هو الأغلب، فالاستثناء متصل مفرع للظرف، ولا تصلح "حتى" غائية؛ لأن عدم الإجابة لا يقع تدريجًا على دفعات؛ إذ الإجابة لا تمتد ولا تتطاول إلى زمن الدعوة، بل إنها لا تكون قبل الدعوة، ولا تصلح أن تكون "تعليلية"؛ لأن عدم الإجابة ليس سبب الدعوة، فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الاستثناء، وهو صالح هنا أن يكون متصلًا؛ فلا يعدل إلى الانقطاع، ومثله قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} ... ، أي: ما يعلمان من أحد وقتًا "أي: في وقت" إلا وقت أن يقولا ... ولهذه المسألة بيان أشمل، يستوعب جوانبها الهامة المختلفة، وهو في ج4 م149 باب: "النواصب" ص314 وما بعدها: حيث الكلام المفصل عن "حتى" وأنواعها، وكثير من الأمثلة الأخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي تفيد الابتداء والاستدراك معًا؛ "فيكون الاستثناء منقطعًا"؛ نحو: لا يذهب دم القتيل هدرًا حتى تثار1 له الحكومة، أي: إلا أن تثأر له الحكومة بمعنى: لكن تثأر له الحكومة، فلا يذهب هدرا، والغالب في هذا المثال –وأشباهه– أن يبقى النفي الذي قبل "حتى" على حاله بعد تأويلها بالحرف "إلا". ولا يصح في المثال السالف أن تكون: "حتى" للغاية؛ لأن "حتى" الغائية –كما عرفنا– إذا وقع ما بعدها وتحقق معناه توقف المعنى الذي قبلها، وانقطع. يترتب على هذا أن الحكومة حين تثأر للقتيل، ينقطع عدم ذهاب دمه هدرًا؛ وانقطاعه وتوقفه يؤدي -حتمًا- إلى وقوع ضده وحصوله؛ أي: إلى أن دمه يذهب هدرًا، وهذا فاسد. وشيء آخر يمنع أن تكون "حتى" غائية في المثال؛ هو: أن ما قبلها لا ينقضي شيئًا فشيئًا. وكذلك لا تصح أن تكون: "حتى" "تعليلية"؛ لأن ما قبلها –هنا– ليس علة وسببًا فيما بعدها؛ إذ عدم ذهاب دمه هدرًا بالفعل ليس هو السبب في انتقام الحكومة له؛ لأن هذا يناقض المراد، وإنما الانتقام له فعلًا وواقعًا هو السبب في عدم ذهاب دمه هدرًا، إذ السبب لا بد أن يسبق المسبب، ويوجد قبله؛ ليجيء بعده ما ينشأ عنه، ويترتب عليه، وهو: المسبب، فأخذ الثأر لا بد أن يتحقق بطريقة عملية توجد أولًا، ليوجد بعدها عدم ذهاب الدم هدرًا، لا العكس. وإذا كانت "حتى" في المثال السابق وأشباهه لا تصلح أن تكون غائبة، ولا تعليلية فلا مفر بعدهما من أن تكون بمعنى: "إلا" الاستثنائية، في استثناء منقطع؛ أي: أنها بمعنى: "لكن" التي تفيد الابتداء والاستدراك معًا -كما أسلفنا- ومن الأمثلة: 1- كل مولود يولد جاهلًا بالشر حتى يتعلمه من أسرته وبيئته، بمعنى

_ 1 تثأر؛ أي: تأخذ بثأره، وتقتص له من الجاني.

إلا أن يتعلمه، أي: لكن يتعلمه، فلا تصلح أن تكون "غائية"؛ لأن ما قبلها هنا لا يقع متدرجًا متطاولًا بحيث يمتد إلى ما بعدها، بل يقع دفعة واحدة، ولا تصلح أن تكون "تعليلية"؛ لأن ولادة الجاهل بالشر ليست هي العلة المؤثرة في أمر التعليم، ولا السبب المباشر فيه؛ إذ العلة لا يتخلف أثرها؛ فلا بد أن يتحقق بتحققها المعلول، ويوجد بوجودها: لأن العلة لا يتأخر عنها المعلول، فلم يبق إلا أن تكون "حتى"، بمعنى: "إلا" في استثناء منقطع، أي: بمعنى: "لكن" المشار إليها. 2- ناديتك حتى تحصد القمح بعد ساعات؛ فالنداء ليس فيه تمهل وتدرج يمتدان إلى وقت الحصد، وليس سببًا مباشرًا في الحصد. 3- افتح نوافذ الحجرة حتى يشتد البرد ليلًا ... ويقال فيه ما سبق1 ... ب- من الأمثال: "ما سلم القادم العزيز حتى2 ودع"، "وهو مثل

_ 1 وفي معاني الحروف الثلاثة: "حتى - اللام - إلى" يقول ابن مالك: للانتها: "حتى"، و"لام"، و"إلى" ... و"من"، و"باء" يفهمان بدلا واللام للملك وشبهه، وفي ... تعدية أيضًا، وتعليل، قفي "وزيد..... " "قفي، أي: نسب وعرف". سرد ابن مالك في هذين البيتين وكلمة من أول الثالث عدة معان لعدد من الحروف؛ فبين أن: "حتى" و"اللام" و"إلى" تشترك في تأدية معنى واحد؛ هو: الانتهاء، وأن "من" و"الباء" يشتركان في معنى واحد، هو: البدلية، وأن اللام بعد ذلك تفيد معنى الملك وشبهه، والتعدية، والتعليل، وقد تقع زائدة، واكتفى بهذه المعاني القليلة التي يردها لعدد من حروف الجر سردًا مختلطًا مبتورًا، ومن أسبابه ضيق الأوزان الشعرية وقيودها التي لا تتسع لما يتسع له النثر، وقد تداركنا الأمر بالشرح والترتيب المناسبين. 2 ويلاحظ أن "حتى" في هذا المثال حرف ابتداء: لوقوع الماضي بعدها؛ فليست حرف جر؛ إذ الجارة لا بد من دخولها كما عرفنا على اسم صريح، أو على مصدر منسبك من "أن" وصلتها الجملة المضارعية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال فيمن قصرت مدة زيارته"، أي: ما سلم في زمن؛ لكن ودع فيه، أو: ما سلم في زمن إلا زمنًا ودع فيه1. ومن المستحسن التخفف من استعمال "حتى" التي بمعنى "إلا" قدر الاستطاعة؛ لأن فهم المراد منها، والتمييز بينهما وبين نوعيها الآخرين لا يخلو من صعوبة؛ ولأن كثيرًا من النحاة لا يوافق على أنها تكون بمعنى "إلا"، ويتأول الوارد منها. ج- وضح مما تقدم أن "حتى" الجارة بنوعيها لا تدخل على جملة؛ لأن التي تدخل على الجملة "الاسمية أو الفعلية" نوع آخر، يسمى: "حتى الابتدائية"2 وسيجيء تفصيل الكلام عليها في موضعها المناسب3 ...

_ 1 ففيه نوع شبه بما مر في رقم3 من هامش ص 485 برغم الاختلاف في نوع: "حتى". 2 وهي الداخلة على جملة مضمونها غاية "أي: نهاية" لشيء قبلها "كما جاء في الخضري جـ2 باب "العطف" عند الكلام على "حتى". 3 باب النواصب، جـ 4 ص 252 م 149.

الواو، والتاء: حرفان أصليان للجر، ومعناهما القسم1 غير الاستعطافي2 ولا يصح أن يذكر معهما جملة القسم، وهما لا يجران إلا الاسم الظاهر، والتاء تفيد مع القسم التعجب3، ولا تجر من الأسماء الظاهرة إلا ثلاثة: "الله - رب - الرحمن"، ومن الشذوذ أن تجر غير هذه الثلاثة. فمن أمثلة واو القسم قول الشاعر: فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء ومن أمثلة تاء القسم قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 3. ويجري على الحرفين السابقين ما يجري على كل حروف القسم من جواز الحذف4 مع بقاء المقسم به مجرورًا بشرط أن يكون هو لفظ الجلالة "أي: الله".

_ 1 أشرنا في رقم1 من هامش ص 477 إلى أن أحرف القسم المشهورة أربعة: "اللام"، وقد سبق الكلام عليها هناك، وكذلك "الواو والتاء والباء"، وسيجيء الكلام على الثلاثة هنا، والصحيح أن "الواو" و"التاء" أصيلان في القسم، وليسا نائبين فيه عن "الباء"، وليست الباء بعدهما مقدرة تجر الاسم؛ لأن هذا تعقيد لا داعي له، وقد أشرنا أيضًا في تلك الصفحة إلى أن بعض العرب يستعمل الحرف "من" "بكسر الميم أو ضمها" حرف قسم، ولا يكاد يجر به إلا كلمة: "الله"، نحو: من الله لأصاحبنك، وأندر من هذا استعمال كلمة: "ها" حرف قسم بعد كلمة: "إي":، بمعنى: نعم أو بدونها، ولا داعي اليوم لاستعمال هذه اللغات النادرة، بالرغم من جواز استعمالها. 2 إيضاحه في ص 497 و 498. 3و3 جاء في "المغني" ج 1 حرف التاء المفردة ما نصه: "التاء حرف جر، معناه: "القسم" ويختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا: تربى وترب الكعبة، وتالرحمن، قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ... الباء أصل حروف القسم، والواو بدل منها يريد أنها تحل محلها والتاء بدل من الواو، وفيها زيادة معنى التعجب؛ كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه، مع عتو نمروذ وقهره". ا. هـ. وجاء في حاشية الأمير التي على هامشه ما نصه: "قوله: ويختص بالتعجب" أي: أن المقسم عليه بها لا بد أن يكون غريبًا". ا. هـ، كلام المغني. وجء في القاموس المحيط "آخر الجزء الرابع، باب الألف اللينة" ما نصه تحت عنوان "التاء": " ... حرف جر للقسم، ويختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا: تربى، وترب الكعبة، وتا الرحمن". ا. هـ. 4 لحذف حروف الجر، ومنها حروف القسم، موضوع مستدل يجيء في ص 532.

ملاحظة: حرف "الواو" أنواع متعددة، لكل نوع استعمال خاص يؤدي إلى معنى معين. ومن أنواعه "واو: رب" حيث ينوب عن "رب" جوازًا بعد حذفها في مواضع محددة يأتي بيانها1، ولا يتحتم أن تكون هذه الواو نائبة عن "رب المحذوفة كما سنعرف. الباء: حرف يجر الظاهر والمضمر، ويقع أصليًا وزائدًا2، ويؤدي عدة معان، أشهرها خمسة عشر: 1- الإلصاق حقيقة أو مجازًا؛ نحو: أمسكت باللص، ومررت بالشرطي، فمعنى أمسكت به، قبضت على شيء من جسمه، أو مما يتصل به اتصالًا مباشرًا؛ كالثوب ونحوه، وهو عند كثير من النحاة أبلغ من: أمسكت اللص؛ لأن معناه مع "الباء"، المنع من الانصراف منعًا تامًا. ومن الإلصاق الحقيقي قول الشاعر: سقى الله أرضًا لو ظفرت بتربها ... كحلت بها من شدة الشوق أجفاني ومعنى مررت بالشرطي: ألصقت مروري بمكان يتصل به ... 2- السببية أو التعليل "بأن يكون ما بعدها سببًا وعلة فيما قبلها"، نحو: كل امرئ يكافأ بعمله، ويعاقب بتقصيره، أي: بسبب عمله، وبسبب تقصيره3 ... وقول الشاعر: إنما ينكر الديانات قوم ... هم بما4 ينكرونه أشقياء وقول الآخر: جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوي من صديقي والمراد: هم أشقياء بسبب ما ينكرونه وعرفت بسببها5. 3- الاستعانة، "بأن يكون ما بعد الباء هو الآلة لحصول المعنى الذي قبلها"5

_ 1 في ص 528. 2 وأحسن لغاته أن يتحرك بالكسر في جميع أحواله. 3 وقوله تعالى في بعض الأمم البائدة: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} ... أي: أهلكم بسبب ذنوبهم. 4 الجار والمجرور متقدم لفظًا فقط، ولكنه متأخر في إعرابه. 5، 5 الفرق بين باء الاستعانة وباء السبب، أن "باب السببية" داخلة على السبب الذي أدى إلى حصول المعنى الذي قبلها، وتحققه سلبًا، وإيجابًا؛ نحو: مات الرجل بالمرض، أي: بسبب المرض، وأن "باء الاستعانة" داخلة على أداة الفعل، وآلته التي هي الواسطة بين الفاعل ومفعوله؛ نحو: فتحت الباب بالمفتاح، قطعت اللحم بالسكين، كتبت ارسالة بالقلم.

نحو: سافرت بالطيارة رصدت الكوكب بالمنظار، وهذا المعنى هو والإلصاق أكثر معانيها استعمالًا. 4- الظرفية؛ نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ، أي: في بدر. 5- التعدية، أو: النقل: "وهي التي يستعان بها غالبًا في تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به، كما تعديه همزة النقل"، نحو: ذهبت بالمريض إلى الطبيب، بمعنى: أذهبته، وقعدت بفلان همته عن الطموح، بمعنى: أقعدته ... 6- أن تكون بمعنى كلمة: "بدل"1، "بحيث يصح إحلال هذه الكلمة محل "الباء" من غير أن يتغير المعنى"، مثل: ما يرضيني بعملي عمل آخر أرتضي بالملاكمة رياضة أخرى، أي: ما يرضيني بدل عملي عمل آخر، أرتضي بدل الملاكمة2 رياضة أخرى.

_ 1 هل هناك فرق بين: "البدل، والعوض"؟ الجواب في هامش الصفحة الآتية. 2 إذا كانت الباء بمعنى: "بدل"، فالأكثر دخولها على المتروك؛ "أي: على الشيء الذي لم يؤخذ للاستغناء عنه بأخذ غيره، بدلًا منه" كالأمثلة المعروضة، وكقوله تعالى في الكفار: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} ، ويصح دخول "الباء" على المأخوذ لا المتروك، فقد جاء في المصباح مادة: "بدل" ما نصه: "أبدلته بكذا إبدالًا، نحيت الأول، وجعلت الثاني مكانه". ا. هـ. وفي مختار الصحاح، مادة: "بدل" ما نصه: "الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد منهم أبدل الله مكانه بآخر". ا. هـ. وجاء في تاج العروس مادة: "بدل" ما نصه: "قال ثعلب، يقال: أبدلت الخاتم بالحلقة، إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه، وبدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته، وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتمًا، قال: وحقيقته أن التبديل تغيير الصورة إلى صورة أخرى الجوهرة بعينها، والإبدال: تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى، وقال أبو عمرو: فعرضت هذا على المبرد فاستحسنه، وزاد فيه فقال: وقد جعلت العرب أبدلت مكان بدلت ... ". ا. هـ. وجاء في تفسير الألوسي لقوله تعالى: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} مثل ما سبق من كلام ثعلب، =

ومنه قول الشاعر: إن الذين اشتروا دنيا بآخرة ... وشقوة بنعيم، ساء ما فعلوا 7- العوض1 "أو: المقابلة"؛ نحو: اشتريت الكتاب بعشرة دراهم، واشتراه أخي بأحد عشر ... 8- المصاحبة2؛ نحو قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ، ونحو: سافر برعاية الله، وارجع بعنايته، أي: ع سلام مع رعاية الله مع عنايته. 9- التبعيض، أو: البعضية، "بأن يكون الاسم المجرور بالباء بعضًا من شيء قبلها"، نحو قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} ، أي: منها، وقولهم: حفلت المائدة؛ فتناولت بها شهي الطعام، ولذيذ الفواكه، أي: تناولت منها3 ...

_ = وزاد شاهدًا آخر لدخول الباء على المأخوذ، هو قول الطفيل لما أسلم: "وبدل طالعي نحسي بسعد" ا. هـ. ولا فرق في هذا بين أن يكون ما تعلق به الجار والمجرور هو الفعل: "بدل" وفروعه، وما تصرف منه، أم غيره بقرينة كبعض الأمثلة التي عرضناها، ومن الأمثلة الأخرى قول عروة بن الورد: فلو أني شهدت أبا سعاد ... غداة غدا بمهجته يفوق فديت بنفسه نفسي ومالي ... ولا آلوك إلا ما أطيق "يفوق: يجود بها وبلفظها ساعة الاحتضار" يريد: فديت بنفسي ومالي نفسه. أي: قدمتهما فداء له، وبدلًا منه. 1 المراد بالعوض: دفع شيء من جانب، في نظير أخذ شيء يقابله من جانب آخر، والفرق بين العوض والبدل، أن العوض هو دفع شيء في مقابله آخر، أما البدل فهو اختيار أحد الشيئين وتفضيله على الآخر من غير مقابلة من الجانبين كأن يكون أمامك شيئان لتختار أحدهما؛ فتقول: آخذ هذا بدل الآخر من غير أن يكون هناك تعويض، وهذا هو الشائع، وقيل: البدل أعم مطلقًا؛ فهو الدال على اختيار شيء وتفضيله على آخر؛ سواء أكان هناك مقابلة وعوض أم لا، والحكم في هذا للقرينة؛ فهي التي تعين المراد وتوجه الذهن إليه. 2 سبق توضيحها في رقم2 من هامش 469؟ عند الكلام على: "إلى" وقد يعبر عنها أحيانًا، "بالمعية". 3 ومثل قول المتنبي يمدح: فإن نلت ما أملت منك فربما ... شربت بماء يعجز الطير ورده

11- المجاوزة1؛ نحو قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، أي: عنه، وقوله تعالى في وصف المؤمنين يوم القيامة: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} ، أي: عن إيمانهم، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عن الغمام ... 12- الاستعلاء فترادف: على؛ كقولهم: من الناس من تأمنه بدينار فيخون الأمانة، ومنهم من تأمنه بقنطار من الذهب، فيصونه ويؤديه كاملًا، أي: على دينار، وعلى قنطار. 13- أن تكون بمعنى: "إلى"، نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ، بمعنى أحسن إلي. 14- التوكيد2؛ "وهي الزائدة" جوازًا في مواضع معينة. منها: الفاعل؛ نحو قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ، والمفعول به نحو قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، والمبتدأ نحو: بحسبك البراعة الفنية، وخبر الناسخ؛ مثل: ليس المال بمغن عن التعلم3 ... والتقدير: كفى الله، ولا تلقوا أيديكم، حسبك البراعة، ليس المال مغنيًا ... كما يجوز زيادتها في المبتدأ الواقع بعد "إذا الفجائية"؛ نحو: نزلت البحر فإذا بالماء بارد4، وكذلك يجوز زيادتها في لفظين من ألفاظ التوكيد المعنوي، هما: "نفس، وعين"؛ مثل: خرج الوالي نفسه، أو بنفسه يتفقد أحوال الناس كلمت الوالي نفسه، أو بنفسه وهو يراقب عماله، سلمت على الوالي

_ 1 سبق إيضاح معناها وأقسامها في رقم3 من هامش ص463. 2 سبق معنى التوكيد المستفاد من الحرف الزائد، في أول هذا الباب ص450، وكذلك في الجزء الأول " م5 ص 65"، أما مواضع زيادة الباء، فتوضحها الأمثلة الآتية هنا، وفي ص 495 حيث بيان الحكم على زيادتها من ناحية القياس والسماع. 3 ومثل قوله تعالى: {ألَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ، وفي قول الشاعر: ليس التدين بالكلام، وإنما ... صدق الفعال أمارة المتدين ومثل آخر البيت الآتي: أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أعطى بمنان 4 سبقت الإشارة لهذا في ص281.

11- المجاوزة1؛ نحو قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، أي: عنه، وقوله تعالى في وصف المؤمنين يوم القيامة: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} ، أي: عن إيمانهم، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عن الغمام ... 12- الاستعلاء فترادف: على؛ كقولهم: من الناس من تأمنه بدينار فيخون الأمانة، ومنهم من تأمنه بقنطار من الذهب، فيصونه ويؤديه كاملًا، أي: على دينار، وعلى قنطار. 13- أن تكون بمعنى: "إلى"، نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ، بمعنى أحسن إلي. 14- التوكيد2؛ "وهي الزائدة" جوازًا في مواضع معينة. منها: الفاعل؛ نحو قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ، والمفعول به نحو قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، والمبتدأ نحو: بحسبك البراعة الفنية، وخبر الناسخ؛ مثل: ليس المال بمغن عن التعلم3 ... والتقدير: كفى الله، ولا تلقوا أيديكم، حسبك البراعة، ليس المال مغنيًا ... كما يجوز زيادتها في المبتدأ الواقع بعد "إذا الفجائية"؛ نحو: نزلت البحر فإذا بالماء بارد4، وكذلك يجوز زيادتها في لفظين من ألفاظ التوكيد المعنوي، هما: "نفس، وعين"؛ مثل: خرج الوالي نفسه، أو بنفسه يتفقد أحوال الناس كلمت الوالي نفسه، أو بنفسه وهو يراقب عماله، سلمت على الوالي

_ 1 سبق إيضاح معناها وأقسامها في رقم3 من هامش ص463. 2 سبق معنى التوكيد المستفاد من الحرف الزائد، في أول هذا الباب ص450، وكذلك في الجزء الأول " م5 ص 65"، أما مواضع زيادة الباء، فتوضحها الأمثلة الآتية هنا، وفي ص 495 حيث بيان الحكم على زيادتها من ناحية القياس والسماع. 3 ومثل قوله تعالى: {ألَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ، وفي قول الشاعر: ليس التدين بالكلام، وإنما ... صدق الفعال أمارة المتدين ومثل آخر البيت الآتي: أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أعطى بمنان 4 سبقت الإشارة لهذا في ص281.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: تعددت هنا الأمثلة للباء الزائدة كي تدل على أنها تزاد في الفاعل، والمفعول به، والمبتدأ، وخبره، وخبر الناسخ، وقد تزاد في غير ذلك قليلًا. بقي أن نسأل: أزيادتها قياسية أم سماعية1؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل: إن الزائدة في الفاعل تكون واجبة في فاعل فعل التعجب الذي صيغته القياسية: "أفعل"، مثل: أصلح بنفسك، وأحسن بعملك؛ بمعنى: ما أصلح نفسك! ! وما أحسن عملك! ! وتكون جائزة، في فاعل: "كفى"، مثل: كفى بالله شهيدًا. أما الزائدة في المفعول به فغير مقيسة، ولو كان مفعولًا به للفعل: "كفى" نحو: كفى بالمرء عيبًا أن يكون نمامًا. وقول الشاعر: كفى بالمرء عيبًا أن تراه ... له وجه وليس له لسان ويستثنى من هذا زيادتها في مفعول الأفعال الآتية: "عرف علم بمعنى: عرف - جهد - سمع - أحسن"، فإن هذه الزيادة جائزة. والزائدة في المبتدأ والخبر غير قياسية؛ إلا في مثل الأنواع المسموعة2 كثيرًا منها

_ 1 راجع يما يأتي: المغني، حرف الباء، وحاشية الصبان جـ2 باب: "حروف الجر" عند الكلام على: "الباء الجارة". 2 ما المراد هنا من المسموع؟ أهو عام بعد كلمة: "كيف" يشمل إدخال الباء على المبتدأ الاسم الظاهر، وعلى الضمير مطلقًا؛ "المتكلم أو لمخاطب، أو لغائب، من غير تقيد بنوع الضمير المسموع ولا بلفظه"، وكذلك إدخالها على المبتدأ الذي يلي "إذا" الفجائية بغير تقيد؟ أم أن المراد هو التقاصر على نص الضمير المسموع لفظًا ونوعًا بعد "كيف"، وعلى الاسم الظاهر، وكذلك على نص المبتدأ المسموع لفظًا ونوعًا بعد "إذا" الفجائية؟ الأحسن الأخذ بالرأي الأول الذي يفيد العموم في هذين الموضعين؛ فيبيح زيادة الباء في صدر المبتدأ التالي: "كيف" و"إذا" الفجائية مطلقًا من غير تقيد باسم ظاهر، ولا ضمير، ولا نوع من أحدهما، وهذا الرأي هو الأقوى الذي تؤيده الشواهد الكثيرة الفصيحة، أما زيادتها قبل "حسب"، فمقصور على لفظها ذاته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - كالتي بعد: "كيف" و"إذا" وقبل كلمة: "حسب" كقول الشاعر: وقفنا، فقلنا إيه عن أم سالم ... وكيف بتكليم الديار البلاقع؟ ونحو: كيف1 بك إذا اشتد الأمر أصغيت فإذا بالطيور2 مغردة بحسبك علم نافع. أما زيادتها في خبر: "ليس"، وخبر: "ما" النافية، وخبر: "كان" المنفية"، فقياسية في الثلاثة بالشروط الهامة، والتفصيلات المعروضة في مكانها الأنسب3. وزيادتها جائزة4 في كلمتي: النفس، والعين، عند استعمال لفظهما في5 التوكيد؛ مثل: اخترقت الطائرة السحاب نفسه أو بنفسه، واجتازت الغلاف الهوائي عينه أو بعينه، قطعت السيارات نفسها أو بنفسها، الصحراء، وقول علي رضي الله عنه: "من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه؛ فذاك الأحمق بعينه".

_ 1 وكذلك قول النابغة كما نقله الأساس، جـ1 ص137 مادة: "جنح" ونصه: يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم ... فكيف بحصن والجبال جنوح وأصل الجملة في: "يف بك"، كما سبقت الإشارة لهذا جـ1 هامش رقم 2 من ص 305 م 33 هو: كيف أنت؟ فلما زيدت الباء الجارة وجب تغيير الضمير: "أنت"؛ لأنه ضمير للمخاطب مقصور على الرفع؛ فأتينا بضمير يؤدي معناه، ويصلح لدخول حرف الجر وهو "كاف الخطاب"، فالكاف مجرورة لفظًا في محل رفع مبتدأ، ومثلها: "الباء" في نحو: خرجت فإذا بالشمس طالعة، وكذلك في بيت النابغة زائدة في المبتدأ المجرور لفظًا المرفوع محلًا، كمنا سيأتي في رقم2. 2 مثال للمبتدأ الواقع بعد "إذا" الفجائية وقد دخلته الباء الزائدة، ومثله ما سبق في رقم 1. 3 جـ 1 م 47 ص 589 موضوع: "نفي الأخبار في باب": "كان" مع زيادة باء الجر ... ". 4 كما سبق في ص 493. 5 إيضاح هذا في باب التوكيد جـ 3 ص 49 م 116.

15- الدلالة على القسم؛ وهذا من أكثر استعمالاتها، وهي الأصيلة فيه دون حروفه السابقة "اللام، الواو، التاء، من ... "، وتشاركها في جواز حذفها مع بقاء الاسم المجرور بها على حاله؛ بشرط أن يكون هذا الاسم هو لفظ الجلالة " الله"، ولكنها تخالف تلك الحروف في ثلاثة أمور تنفرد بها، ولا يوجد واحد منها في حرف آخر من حروف القسم، غير الباء؛ هي: أ- جواز إثبات فعل القسم وفاعله مع الباء أو حذفهما؛ نحو: أقسم بالله لأعاونن الضعيف، أو بالله لأعاونن الضعيف، أما مع غير الباء فيجب حذفه فعل القسم وفاعله. ب- وجواز أن يكون المقسم بالباء اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا بارزًا؛ نحو: برب الكون لأعملن على نشر السلام، بك لأنزلن عند رغبتك الكريمة، أما غير الباء فلا يجر إلا الظاهر. ج- وجواز أن يكون القسم بالباء "استعطافيًا"1 "وهو الذي يكون جوابه إنشائيًا"؛ نحو: بالله، هل ترحم الطائر الضعيف، والحيوان الأعجم؟ بربك، أموافق أنت على تأييد الضعفاء؟ وقول الشاعر2: بعيشك هل أبصرت أحسن منظرًا ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر؟ أما القسم بغير الباء فمقصور في الرأي الغالب على القسم غير الاستعطافي.

_ 1 سيجيء في: "الزيادة والتفصيل" أن القسم نوعان: "استعطافي"، و"غير استعطافي، أو خبري"، وإيضاح كل, وما يطلبه ... مع بسط الكلام على جواب القسم، ولهذا البحث مناسبة أخرى هامة في ج 4 م 158 ص 472، ومن المقيد الإطلاع عليه، توفية للموضوع. 2 سيعاد هذا البيت في ص 510 لمناسبة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- كل حرف من أحرف القسم الأربعة1 هو ومجروره يتعلقان معًا بالعامل: "أحلف"، أو: "أقسم"، أو: نحوهما من كل فعل يستعمل في القسم، ومن فعل القسم وفاعله تتكون الجملة الفعلية الإنشائية: التي هي: "جملة القسم" ولا بد أن تكون فعلية؛ سواء أذكر الفعل أم حذف، لكن ليس من اللازم أن يكون الفعل "صريحًا" في دلالته على القسم كالأفعال السابقة؛ فهناك ألفاظ أخرى يسمونها: "ألفاظ القسم غير الصريح"، وهو الذي لا يعرف منه بمجرد سماعه أن الناطق به حالف؛ بل لا بد معه من قرينة؛ ومن أمثلته الأفعال: شهد - علم 2- آلى ... ؛ نحو: أشهد لقد رأيت الغلبة للحق آخر الأمر، علمت لقد فاز بالسبق من أحسن الوسيلة إليه، والقرينة هنا: "اللام، وقد" الداخلان على الجواب، غير أن الجملة القسمية التي من هذا النوع خبرية لفظًا. ولا بد لجملة القسم من جملة بعدها، تسمى: "جواب القسم"3، بيان ذلك: أن الغرض من "جملة القسم" إما تأكيد المراد من جملة تجيء بعدها، وإزالة الشك في معناها؛ بشرط أن تكون هذه الجملة الثانية خبرية4، وغير تعجبية5، نحو: أقسم بالله "لا أنقاد لرأي يجافي العدالة"، فهذه الجملة الثانية هي "جواب القسم"، ولا محل لها من الإعراب في الأغلب6، ويسمى القسم في هذه الحالة:

_ 1 سبق في ص 477 وفي رقم 1 من هامش ص 489 الإشارة إلى حرف خامس هو: "من"، ومن المستحسن اليوم عدم استعماله لغرابته، وأغرب منه وأندر استعمال: "ها" حرف قسم، بعد كلمة: "إي" في الغالب التي معناها: نعم. "طبقًا لما سبق في ص 477 ... ". 2 انظر ما يتصل بهذا الفعل في رقم 7 و 8 من هامش ص 5. 3 هل يكون جواب القسم غير جملة؟ الإجابة في "ح" من ص 505. 4 فلا تصلح الجملة الشرطية، ولا أنواع الإنشائية، ومنها القسمية كما سيجيء في: "و" من ص 503. 5 يرى كثير من النحاة أن جملة التعجب خبرية، ولكنهم يوافقون غيرهم في أنها لا تصلح جوابًا للقسم. 6 الأغلب أن الجملة الواقعة جوابًا للقسم لا محل لها، وقد يكون لها محل، كما سبق بيانه في رقم1 من هامش ص31، وكما يأتي في رقم2 من ص 504.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "قسمًا خبريًا" أو: "غير استعطافي" وإما تحريك النفس، وإثارة شعورهم بجملة إنشائية تجيء بعد جملة القسم، والفصيح أن تكون الأداة هي الباء؛ نحو: بربك، هي رحمت الثكلى؟ بحياتك، أعطفت على البائس؟ وقول الشاعر: بعينيك يا سلمى ارحمي ذا صبابة ... أبى غير ما يرضيك في السر والجهر فالجملة الثانية هي جواب القسم، ولا محل لها من الإعراب هنا، ويسمى القسم في هذه الحالة: "استعطافيًا"، أو"غير إنشائي"، ولا بد أن يكون جوابه جملة إنشائية، "كما أوضحنا"1، وهي لا تحتاج لزيادة شيء عليها، بخلاف: القسم "غير الاستعطافي"، فإن جوابه يتطلب إدخال بعض الزيادة على جملته، بالتفصيل الآتي2: 1- إن كان الجواب جملة فعلية ... فعلها ماض، متصرف، مثبت، فالكثير الفصيح اقترانها "باللام" و"قد"، معًا، نحو: "والله لقد أفاد الاعتدال في ممارسة الأمور"، ويجوز - بقلة - الاقتصار على أحدهما، أو التجرد منهما، مع ما في الأمرين من ترك الكثير الفصيح، وتسمى هذه اللام المفتوحة: "لا جواب القسم، أو: الداخلة على جوابه". وإن كان الماضي غير متصرف فالكثير الفصيح اقترانه باللام فقط؛ نحو: "والله لنعم المرء يبتعد عن الشبهات" إلا الفعل "ليس" فلا يقترن بشيء؛ مثل: "والله ليست قيمة المرء بالأقوال، ولكن بالأفعال". وإن كان الماضي غير مثبت لم يزد عليه شيء إلا حرف من حروف النفي الثلاثة التي يكثر دخولها على الجواب المنفي؛ وهي: ما - لا - إن -؛ نحو: "والله ما مدحت أثيمًا"، "بالله لا رفضت عتاب الصديق، ولا غضبت منه". "تالله إن امتنعت عن مزاملتك فيما رفع الشأن، أي: بالله ما امتنعت"، وغير هذا شاذ. 2- إن كان الجواب جملة مضارعية مثبتة، فالأغلب الأقوى اقتران مضارعها

_ 1 مما سبق نفهم قول النحاة: القسم جملة إنشائية جاءت لتأكيد جملة خبرية بعدها، وهذا هو القسم غير الاستعطافي، فإن كانت الثانية إنشائية أيضًا فالقسم استعطافي. 2 سيذكر هذا البيان في جـ 4 م 158 ص 362 عند اجتماع الشرط والقسم، ومن المفيد الرجوع إليه أيضًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باللام ونون التوكيد معًا1؛ نحو؛ والله لأحبسن يدي ولساني عن الأذى، ومن القليل الجائز الاقتصار على أحدهما. فإن كانت الجملة مضارعية منفية ... لم يزد عليها شيء إلا أحد حروف النفي الثلاثة2 التي يكثر دخولها على الجواب المنفي3، "وقد سبقت لها الإشارة" مثل: والله ما أحبس يدي ولساني من محاربه المنكر، والله إن أحبس يدي ولساني ... والله لا أحبس يدي ولساني، ومن هذا قول الشاعر: رقي4، بعمركم لا تهجرينا ... ومنينا المنى، ثم امطلينا 3- إن كان الجواب جملة اسمية مثبتة، فالأحسن اقترانه بحرفين معًا، هما: "إن" ولام الابتداء في خبرها5، نحو: والله إن الغدر لأقبح الطباع.

_ 1 راجع ماله صلة بهذا في ص 31، 32 وهامشهما. 2 ويزاد عليهما هنا: "لن" في رأي مقبول من آراء تعارضه، وله إشارة في رقم 2 من هامش ص501، ومن أمثلته قول أبي طالب يعلن حمايته للرسول من أعدائه المشركين القرشيين: والله لن يصلوا إليك بجمهم ... حتى أوسد في التراب دفينا 3 قد يكون وجود حرف النفي قبل هذه الجملة المضارعية مقدرًا غير ظاهر اللفظ: "بأن يكون ملحوظ غير ملفوظ"، ومن أمثلته قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ... وقول ليلى الأخيلية في رثاء توبة: فأقسمت أبكي بعد توبة هالكًا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر أي: لا أبكي ولا أحفل، ومثل قول الآخر: فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي أي: لا أبرح، جاء في أمالي أبي القاسم الزجاجي ص 50، ما معناه: أن العرب تحذف النفي من جواب القسم في مثل الصور السالفة لأمن اللبس فيها، حيث لا يلتبس الجواب المنفي بالمثبت لوضوح المعنى؛ ولأن الجواب لو كان مثبتًا لوجب تأكيده باللام والنون معًا، أو بأحدهما، طبقًا للقاعدة السالفة، فعدم اقترانه دليل على أنه منفي بأداة مقدرة. 4 منادى، والأصل: يا رقي، يريد: يا رقية. 5 اللام الداخلة على جواب القسم لا تدخل على "إن" المشددة ولا على شيء من أخواتها، إلا: "كأن"، نحو: والله لكأن صدقة البخيل اقتطاع من جسده، أما اللام الداخلة على خبر "إن"، فهي لام ابتداء سواء أكانت "إن" مسبوقة بقسم هي في صدر جوابه، أم غير مسبوقة به. "وقد تقدم في الجزء الأول في ش 597 م 53 تفصيل الكلام على لام الابتداء، وفائدتها، وموضعها ... ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز الاقتصار على أحدهما؛ نحو: والله إن عنوان المرء عمله، أو: والله لعنوان المرء عمله، ولا يستحين التجرد من أحدهما؛ إلا إذا طال القسم بأن ذكر معه تابع له، أو: شيء آخر يتصل به؛ نحو: بالله الذي لا إله سواه، الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وقول الشاعر: ورب السموات العلا وبروجها ... والأرض وما فيها المقدر كائن ولا يصح اقتران الجملة الاسمية الجوابية بالحرف: "إن" إذا كانت هذه الجملة مصدرة بحرف ناسخ من أخوات "إن": كقولهم في وجه جميل: والله لكأن جماله يقتاد العيون قسرًا إليه؛ فما تستطيع عنه تحولًا. فإن كان الجواب جملة اسمية منفية لم يزد عليه إلا أداة النفي في أوله، وهي إحدى الحروف الثلاثة السالفة "ما - لا - إن"، نحو: والله ما هذه الدنيا بدار قرار1 بالله لا المال ولا الجاه بنافع إلا بسياج من الفضيلة ... والله إن هذه الدنيا بدار قرار ... مما سبق يتبين أن الجواب المنفي، في جميع أحواله لا يتطلب زيادة شيء إلا أداة النفي قبله، مع اشتراط أن تكون إحدى الأدوات الثلاث2، سواء أكان الجواب جملة فعلية ماضوية، أم مضارعية، أم جملة اسمية. "ملاحظة": قد يكون الكلام مشتملًا على جملة قسمية، ظاهرها مثبت، ولكن معناها منفي، وجواب القسم جملة فعلية ماضوية لفظًا، مستقبلة معنى، مصدرة "بإلا" أو: "لما" التي بمعناها، نحو: سألتك بالله إلا نصرت المظلوم، بالله ربك لما قلت الحق ... وأمثال هذا مما يعد نوعًا خاصًا من "الاستثناء المفرغ ... "، "وقد سبق بيان هذا النوع، وتفصيل الكلام - بإسهاب - على معناه، وحكمه، وطريقة إعرابه"3.

_ 1 وقول الشاعر: فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء 2 ويزاد عليها: "لن" في الجملة المضارعية في رأي أشرنا إليه في رقم2 من هامش ص500. 3 له إشارة في أول هامش ص 324 وبيان في: "أ" من الزيادة والتفصيل، ص 326.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- قد يقع القسم بين أداتي نفي، بقصد تأكيد النفي في المحلوف عليه؛ كقول الشاعر: أخلاي، لا تنسوا مواثيق بيننا ... فإني لا -والله- ما زلت ذاكرا ج- قد تتكرر أداة القسم -ومعها مجرورها- مبالغة في التأكيد، غير أن المستحسن ألا يتكرر حرف من حروف القسم إلا بعد استيفاء الأول جملة جوابه، نحو: بالله لأطيعن الوالدين، بالله لأطيعنهما، والله لأطيعنهما1. د- تحذف جملة القسم وجوبًا إن كان حرف القسم "الواو"، أو: "التاء"، أو: "اللام"2، وجوازًا إن كان حرف القسم الباء كما سبق عند الكلام على الحروف الأربعة3، ومن أوضح الدلائل المرشدة إلى جملة قسمية محذوفة، "ومعها أداة القسم" وجود واحد من الألفاظ الآتية بعدها؛ وهي: "لقد - لئن4- المضارع المبدوء باللام المفتوحة المختوم بنون التوكيد"، فإن وجد أحد هذه الألفاظ الثلاثة بغير أن يسبقه جملة قسم فهي، مع القسم وأداته، مقدرة قبله، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} ، أي: أقسم بالله لقد صدقكم الله وعده5، ومثله قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} ، وقوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} ، وهذه اللام المفتوحة في المواضع السالفة هي الداخلة على الجواب بعد حذف جملة القسم، وأداته ولا يصح فيها، وفي أمثالها أن تكون لام ابتداء أو غيره؛ لأن أنواع اللام الأخرى لها مواضع محدودة معينة، ليس منها هذه. هـ- يجوز أن تحذف أداة القسم وحدها مع بقاء الاسم المجرور بهاء على حاله، بشرط أن يكون الاسم لفظ الجلالة: "الله" طبقًا للرأي الأرجح6؛ مثل الله

_ 1 يصح ذكر الجملة الواقعة بعد القسم المقصود به التوكيد اللفظي، على اعتبارها توكيدًا أيضًا للجملة الجوابية الأولى، ويصح حذفها لعدم الحاجة إلى استخدامها توكيدًا لفظيًا؛ فهي مختلفة عن الجمل الجوابية الأخرى التي يجب حذفها ... وستأتي. 2 وكذا: "من" عند من يعتبرونها أداة قسم، كما في ص 465. 3 في ص 465 و 477 و 489. 4 انظر "و" الآتية. 5 ومن هذا قول الشاعر: إذا اغرورقت عيناي قال صحابتي ... لقد أولعت عيناه بالهملان 6 وهو رأي سيبويه ومن وافقه، "سيأتي في رقم 3 من ص 533 وهامشه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأساعدن الضعيف، أي: والله، ويجوز حذف أداة القسم والمقسم به معا لوضوحهما بكثرة الاستعمال؛ نحو أقسم إن الحرية لغالية، أشهد إن الوطن لعزيز، أي: أقسم بالله، أشهد بالله، ومنه قول الشاعر: فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع و ما نوع "اللام" في مثل: والله لئن أخلصلت لي لأخلصن لك؟ وهي "اللام" التي قبلها قسم، وبعدها أداة شرط؛ كالمثال السابق وأشباهه، والتي سبقت في: "د"؟. يسميها بعض النحاة "لام الشرط"، ويسميها آخرون: "اللام الموطئة" للقسم؛ أي: الممهدة له؛ لأنها التي تهيئ الذهن لمعرفته، وتدل على أن الجملة المتأخرة المصدرة بلام أخرى، هي جواب للقسم وليست جوابًا للشرط، فاللام الأولى "الموطئة" هي التي أعلمت بذلك، وبينت أن اللام الثانية هي "اللام" الداخلة على جواب القسم، وأن الجملة بعد هذه اللام الثانية هي جملة جواب القسم. ولا يصح أن تكون "اللام" الأولى، وما دخلت عليه جوابًا للقسم؛ لأن القسم كما أسلفنا1 لا يكون جوابه جملة شرطية، ولا جملة قسمية، ويجب التنبه إلى الفرق بين "لام القسم"، "ولام الابتداء"، وقد أوضحناه في مكانه المناسب من الجزء الأول عند الكلام على: "لام الابتداء"2. وحين يجتمع أداتا قسم وشرط فالجواب يكون في الأغلب للمتقدم منهما3، أما المتأخر فيحذف جوابه؛ لوجود الجواب السابق الذي يدل عليه، وبسبب أن الجواب في الأغلب للمتقدم لم تحذف النونان في المضارع من قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ} ، وهو السبب أيضًا في عدم مجيء الفاء قبل "إن" في قول الشاعر: لئن كنت محتاجًا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل4 في بعض الأحايين أحوج

_ 1 في رقم 4 من هامش ص 498. 2 ص 598 وهامشها م53. 3 هذا هو الأغلب، والتفصيل المناسب لهذه المسألة مدون في البحث الخاص بها؛ وهو: بحث اجتماع الشرط والقسم جـ 4 باب الجوازم ص 362 م 158. 4 الغضب والانتقام، وسيعاد البيت في الجزء الرابع في الموضع السالف من الجوازم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ز- تحذف جملة القسم وجوبًا في إحدى حالات ثلاث: 1- أن يتأخر القسم ويتقدم عليه جملة تغني عن جوابه لدلالتها عليه نحو: "تسعد الأمة وتشقي بأبنائها، والله"، ويلاحظ أن جملة الجواب نفسها لا يصح تقديمها على القسم. 2- أو أن يحيط بالقسم جملة تعني عن الجواب كذلك؛ نحو: "سعادة الأمة والله رهن بعمل أبنائها"، فجواب القسم في هذه الحالة كالتي قبلها جملة محذوفة لا يصح ذكرها؛ لوجود ما يغني عنها؛ فلا داعي للتكرار فيهما بقولنا: "تسعد الأمة وتشقى بأبنائها، والله تسعد الأمة وتشقي بأبنائها"، وقولنا: "سعادة الأمة رهن يعمل أبنائها، والله سعادة الأمة رهن بعمل أبنائها". أما في مثل: "الغضب والله إنه وخيم"، أو: "الغضب والله إنه لوخيم"، حيث يكون المتأخر عن القسم جملة فيصح في هذه الجملة المتأخرة أن تكون جوابًا للقسم، وجملة القسم جوابه في محل رفع خبر السابق1، "وهذا من المواضع التي يكون فيها لجملة القسم مع جملة جوابه محل من الإعراب"2، كما يصح أن تكون الجملة المتأخرة خبرًا للمتقدم في محل رفع وجواب القسم محذوف لوجود ما يغني عنه ويدل عليه. 3- أو أن يجتمع أداتا شرط وقسم ويتأخر القسم عن الشرط والحكم في هذه الحالة هو الأغلب كما سبق في: "و". وتحذف جملة الجواب جوازًا في غير الحالات السالفة، لدليل أيضًا؛ نحو قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، فجواب القسم محذوف تقديره: "إنك لمنذر"، أو: نحو: هذا، بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ، ومثله قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} .

_ 1 يراجع الجزء الثاني من "المغني" في موضوع حذف جواب القسم، وفي موضوع الجمل التي لا محل لها من الإعراب، والملخص: أن جملة القسم مع جملة جوابه قد يكون لهما أحيانًا معًا موضع عن الإعراب؛ لأنهما متماسكتان بمنزلة جملة واحدة، ولا محل لإحداهما بدون الأخرى في الرأي المشهور، وقد سبق لمناسبة أخرى بيان هام يختص بهذا الحكم "في رقم 1 من هامش ص 31". 2 سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 هامش ص 31 كما قلنا وفي رقم 6 من هامش ص 498.

فجملة الجواب محذوفة، تقديرها كالسابقة: "إنك لمنذر"؛ بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ، أو: نحو هذا مما يكون فيه دلالة على المحذوف. ومن الأمثلة أن يقال: أتقسم على أنك أديت الشهادة الصادقة؟ فتقول: أقسم والله. ومن مواضع الحذف الجائز لدليل أن يكون القسم مسبوقًا بحرف جواب عن سؤال سابق؛ كقوله تعالى: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} ، فالأصل: بلى وربنا؛ إن هذا هو الحق، ومثله أن يسألك سائل: أتعاهد على تأييد الملهوف؟ فنقول: إي، والله، أو: نعم، والله، أو: أجل، والله ... أو غير هذا من أحرف الجواب التي تسبق القسم مباشرة. ج- جواب القسم لا يكون إلا جملة؛ فلا يكون مفردًا، ولا شبه جملة، غير أن النحاة عرضوا حالة وقع فيها لجار والمجرور سادًا مسد جواب القسم، ومغنيًا عنه وليس جوابًا أصيلًا وهي التي سبقت1 عند الكلام على جواز فتح همزة "إن" وكسرها؛ حيث قالوا: يجوز فتح همزة "إن" وكسرها إذا وقعت في صدر جواب القسم، وفعل القسم مذكور قبلها، وليس في خبرها اللام؛ نحو: أقسم بالله أن الإحسان نافع، فقد جوزوا عند فتح الهمزة أن يكون التقدير؛ أقسم بالله نفع الإحسان، أي: أقسم بالله على نفع الإحسان؛ فيصح في المصدر المؤول الجر بحرف الجر المحذوف مع بقاء جره2، والجار مع مجروره يسد مسد الجواب مباشرة. أو: أن المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض3؛ فهو مفعول به تأويلًا. وهذا المفعول به ساد مسد الجواب4. وهناك إعرابات أخرى لا تتصل بموضوعنا الحالي. ط- من الألفاظ التي قد تستعمل أحيانًا في القسم: "جير"، كقول الشاعر:

_ 1 في جـ 1 م 52 ص 592 من الطبعة الثالثة. 2 فمن المواضع التي يحذف فيها الجار، ويبقى الجر أن يكون الجار داخلًا على أن ومعموليها "انظر ص 532 م 91 هـ". 3 سبق إيضاح معنى "النصب" على نزع الخافض في جـ 1 م 52 ص 592. 4 راجع الأشموني والصبان في الموضع السالف من باب "إن وأخواتها" عند بيت ابن مالك: "بعد إذا فجاءة أو قسم ... ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: قهرت، فقلت: جير؛ ليعلمن ... عما قليل أينا المقهور والأحسن في إعرابها: أن تكون حرف قسم مبنيًا على الكسر لا محل له من الإعراب1. ومنها: "لا جرم" في مثل: لا جرم إن الله يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يتركه بعد ذلك، وقد سبق أن قلنا2: إذا كسرت همزة "إن" فالسبب إجراء: "لا جرم" مجرى اليمين عند بعض العرب؛ بدليل وجود اللام بعدها في مثل: لا جرم لأنا مكرمك، فالحرف "لا"، ناف للجنس "جرم" اسمه مع تضمنه القسم، والجملة بعده من "إن ومعموليها" جواب القسم، أغنت عن خير "لا". أما مع فتح همزة "أن" فكلمة: "جرم" فعل ماض، بمعنى: "وجب" و"لا" زائدة، والمصدر المؤول فاعل. ومنها: "ها" التي للتنبيه في مثل: ها الله ما فعلت كذا ... أي: والله ما فعلت كذا ... وقد سبقت الإشارة إليها3 ...

_ 1 وتصلح في بعض الأساليب الأخرى أن تكون حرف جواب فقط. 2 جـ 1 ص 595، م 51 مواضع فتح همزة "إن" وكسرها. 3 في رقم 1 من هامش ص 477، وقد ورد في الأحاديث النبوية، وفي نصوص فصيحة أخرى استعمال هذا الحرف في القسم؛ قال الجوهري: "ها" للتنبيه، وقد يقسم بها؛ يقال: لا ها الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك: في هذا شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، ولا يكون ذلك إلا مع كلمة: "الله"، أي لم يسمع لا ها الرحمن، كما سمع والرحمن، ثم قال: وفي النطق بها أربعة أوجه "كما جاء في ص 263 من كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، في الحديث ج 7 باب السلب، تأليف الشوكاني". أولها: ها الله، باللام بعد الهاء في النطق مع غير إظهار شيء من الألفين. ثانيها: ظهور الألفين نطقًا وكتابة مع قطع الهمزة، فيقال: ها لله. ثالثها: إظهار ألف واحدة من غير همزة، فيقال: ها لله. رابعها: حذف ألف "ها" وإظهار همزة القطع في أول كلمة: "الله" فيقال. هألله، والمشهور من هذه الآراء هو الأول والثاني. ا. هـ، وقد تسبقها كلمة: "إي" التي بمعنى: نعم.

في: حرف يجر الظاهر والمضمر، والغالب فيه أن يكون أصليًا، وأشهر معانيه تسعة: 1- الظرفية1 حقيقة أو مجازًا؛ نحو: "المعادن متراكمة في جوف الأرض، والنفط حبيس في طبقاتها"، ونحو: "السعادة في راحة النفس، والغنى في التعفف عما لا يملكه المرء2"، وهذا المعنى أكثر استعمالاته. 2- السببية؛ نحو: كان المحامي الشاب مغمورًا؛ فاشتهر في قضية خطيرة تجرد لها، وذاع اسمه فيها، أي: اشتهر بسبب قضيته ... وذاع اسمه بسببها3 ... 3- المصاحبة؛ كقول أحد المؤرخين: "كان الخليفة العباسي يتخير يومًا للراحة، ولقاء بطانته، ويدعو فيه الشاعر الذي يؤنسهم، فيستجيب فرحًا، ويسرع في الداخلين، فيستقبله الخليفة، قائلًا إلي في بطانتي؛ فلن يتم سرورنا إلا بك" ... أي: يدعو معهم، يسرع مع الداخلين، مع بطانتي ... ومن هذا قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} ، أي: مع أمم. 4- الاستعلاء؛ نحو: "غرد الطائر في الغصن، أي: على الغصن"، "يصيح الغراب في المئذنة، أي: عليها"، وقولهم: "بطل كأن ثيابه في سرحة4 أي: على سرحة؛ لأنه ضخم طويل". 5- المقايسة، أو: الموازنة5؛ نحو: قوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي

_ 1 سبق إيضاح معنى "الظرفية" في رقمي 1 و 3 من هامشي ص 463 و 480. 2 وكقول الشاعر: ولا خير في فرع إذا طاب أصله ... ولم يك ذا طيب يدل على الأصل 3 ومما تصلح فيه للسببية، ولأن تكون بمعنى "إلى" الغائية قوله عليه السلام: "من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار، قضاها أو لم يقضها، كان خيرًا له من اعتكاف شهرين"، أي: بسبب حاجة أخيه ... ، أو إلى حاجة أخيه. 4 شجرة عظيمة. 5 معناهما: ملاحظة شيء بالقياس إلى شيء آخر، والحكم عليه بعد هذا القياس بأمر من، كالحسن، أو القبح، والزيادة، أو النقص ... و ... ويغلب هنا أن تكون الموازنة بين شيء سابق على الحرف: "في" وشيء لاحق بعده، وهذا اللاحق أفضل أو أكثر من السابق، ولا مانع من العكس أحيانًا.

الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} أي: بالنسبة للآخرة، وموازنته بمتاعها. 6- أن تكون بمعنى: "إلى" الغائية؛ نحو: دعوت الأحمق للسداد؛ فرد يده، في أذنيه، أي: إلى أذنيه، كي لا يسمع النصح، ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} ، كناية عن عدم الرد، وعن ترك الكلام، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} ِ. 7- أن تكون بمعنى "من" التبعيضية غالبًا؛ نحو: أخذت في الأكل قدر ما أشار الطبيب، أي: من الأكل، "بعض الأكل". 8- أن تكون بمعنى "الباء" التي للإلصاق1؛ نحو: وقف الحارس في الباب، أي: ملاصقًا له. ومثل قولهم: من لم يكن بصيرًا في ضرب المقاتل لم يكن آمنًا على حياته، أي: بضرب المقاتل. 9- التوكيد "بسبب زيادتها"، والرأي الراجح أن زيادتها غير قياسية، فيقتصر فيها على المسموع؛ مثل قول الشاعر: أنا أبو سعد إذا الليل دجا ... يخال في سواده يرندجا2 أي: يظن سواده يرندجا3.

_ 1 حقيقة أو مجازًا، "ويوضح معنى الإلصاق ما سبق في "الباء"، رقم 1 ص 490". 2 اليرندج: الجلد الأسود، أو الطلاء الأسود. 3 فيما سبق من معاني "الباء" و"في" يقول ابن مالك متقصرًا على بعض المعاني: ... والظرفية استبن "ببا" ... و"في"، وقد ببينان السببا أول البيت كلمة لم نذكرها، هي: "وزيد"؛ لأنها مختصة بمعنى حرف سبق؛ هو اللام التي في معانيها التوكيد؛ فتكون معه زائدة، ومعنى استبن: "ببا" الظرفية، أي: صير الظرفية واضحة بها؛ لأنها معنى من معانيها، ومعاني "في"، فكلا الحرفين يدل على الظرفية، أي: صير الظرفية واضحة بها؛ لأنها معنى من معانيها، ومعاني "في" فكلا الحرفين يدل على الظرفية، كما يدل على السببية. ثم بين معاني الباء، فقال: "بالبا" استعن، عد، عوض، ألصق ... ومثل مع، ومن، وعن، بها انطق أي: أنها تكون للاستعانة؛ وللتعدية، وللعوض، ولللصاق، وبمعنى "مع" "أي: للمصاحبة"، وبمعنى: "من" "أي: التبعيض" وبمعنى: "عن" "أي: للمجاوزة"، وقد شرحنا هذا كله فيما سبق.

على: حرف جر أصلي يجر الظاهر والمضمر، وأشهر معانيه ثمانية1: 1- الاستعلاء؛ وهو أكثر معانيه استعمالًا، ويدل على أن الاسم المجرور به قد وقع فوقه المعنى الذي قبل "على" وقوعًا حقيقيًا مباشرًا2 أو مجازيًا، فالحقيقي نحو: يعود السائحون إما على القطر، وإما على السيارات، أو على الطائرات، أو على البواخر، والمجازي، نحو قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، وقولهم: إن الدموع على الأحزان أعوان. وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: توكلت على الله، واعتمدت عليه؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء حقيقة أو مجازًا، وإنما هي بمعنى الاستناد له، والإضافة إليه "أي: النسبة إليه"؛ تريد: أسندت توكلي واعتمادي إلى الله، وأضفتهما "أي: نسبتهما" إليه. 2- الظرفية؛ نحو قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} 3، أي: في حين غفلة، وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمر ... وحبذا المساء فيه والسحر أي: في ضوء القمر ...

_ 1 زاد بعضهم معنى تاسعًا، هو: أن تكون زائدة للتعويض من أخرى محذوفة، وساق مثلًا لها قول الشاعر: إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يومًا على من يتكل "يعتمل: يعمل بالأجرة" جاء في "القاموس المحيط" مادة: "على" ما نصه" "أي: من يتكل عليه، فحذف "عليه" وزاد "على" قبل الموصول؛ عوضًا". ا. هـ. وفي هذا زيادة لا داعي لها وتكلف بغيض؛ إذ يستقيم المعنى بدونهما، على الوجه التالي الذي سجله الصبان هنا، ونسبه المغني لابن جني ونصه "قيل: إن مفعول يجد" محذوف، أي: إن لم يجد شيئًا، ثم استأنف مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا، فقال: على من يتكل؟ ". ا. هـ كلام الصبان، فالكلام على زيادتها عوضًا، مردود وكذلك القول بزيادتها وهي غير عوض. 2 وقد يكون الوقوع غير مباشر بأن يقع فوق شيء قريب منه كقوله تعالى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} ، أي فوق مكان قريب من النار. 3 إذا جرت "على" الظرف كانت بمعنى: "في" وقد نص "الخضري" على هذا في باب الإضافة عند بيت ابن مالك: وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا

"حبذا: جملة فعلية للمدح العام وقبلها الحرف: "يا"1 ... 3- المجاوزة2؛ نحو: إذا رضي علي الأبرار غضب الأشرار، أي: رضي عني. 4- التعليل؛ نحو: اشكر المحسن على إحسانه، وكافئه على صنيعه، أي: لإحسانه، ولصنيعه3 ... 5- المصاحبة؛ نحو: البر الحق أن تبذل المال على حبك له، وحاجتك إليه، أي: مع حبك له4 ... ومثل قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ، أي: مع ظلمهم5 ... ، وقول الشاعر6: بعيشك، هل أبصرت أحسن منظرا ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر أي: مع ما رأت ... 6- أن تكون بمعنى من، نحو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ، أي: من الناس، ونحو قوله عليه السلام: "بني الإسلام على خمس" ... أي: من خمس مواد. 7- أن تكون بمعنى "الباء"؛ نحو: سمعت من الوالد نصحًا، وحقيق عليه أن يقول ما ينفع، أي: حقيق به، بمعنى جديد به. 8- الإضراب، والمراد به هنا: إبعاد المعاني الفرعية التي تخطر على البال من

_ 1 تفصيل الكلام على حبذا في الباب الأنسب، وهو باب: "ألفاظ المدح والذم" ج 3 م 91 366، أما الكلام على الحرف: "يا" ففي باب "النداء" ج 4 م 127 ص5. 2 سبق في رقم 3 من هامش ص 463 تعريفها، وبيان أقسامها. 3 ومما يصلح للتعليل "أي: بيان العلة والسبب" قول شوقي في الشرق العربي: إنما الشرق منزل لم يفرق ... أهله إن تفرقت أصقاعه وطن واحد على الشمس والف ... صحى، وفي الدمع والجراح اجتماعه 4 ومن أمثال العرب: "لا قرار على زأر من الأسد" أي: مع زأر يريدون: لا أمان ولا استقرار في مكان يسمع فيه زئير الأسد. 5 ومما تصلح فيه المصاحبة قول الشاعر: إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر 6 سبق البيت التالي لمناسبة أخرى في ص 497.

كلام سابق، وإبطال ما يرد على النفس منها؛ "فهو كالاستدراك المستفاد من كلمة: "لكن""، ومن أمثلته قولهم: "هفا الصديق فاحتملت هفوته؛ على أن احتمالها مر أليم، وجفا، فقبلت جفوته، على أن الرضا بها كالرضا بالطعنة المسددة؛ كل نفس لها كارهة ... ، فقد بين المتكلم أنه احتمل الهفوة، وقد يوحي هذا في النفس أن احتمالها سهل، وأنه راض به الاحتمال، فأزال هذا الاحتمال بما ذكره من أن احتمالها مر وأليم، كذلك بين أنه قبل جفوة صديقه. وهذا قد يشعر بأن قبولها كان عن رضا وارتياح؛ فأزال هذا الوهم، نافيًا له؛ مبينًا أن الرضا به بغيض إلى النفس بغض الطعنة القاتلة ... وكانت وسيلته للإبانة هي كلمة: "علي" التي بمنزلة: "لكن". ومن ذلك قولهم: "الإسراف كالشح؛ كلاهما داء وبيل، يخشى عواقبه اللبيب، على أن داء الشح أخف ضررًا، وأهون خطرًا من داء الإسراف ... "، فقد بين أن كلاهما داء سيئ العاقبة، وهذا يوحي إلى النفس أنهما في الشر سواء، ومنزلتهما من الضرر واحدة، فأزال هذا المعنى الفرعي المتوهم بكلمة: "على"، وما بعدها؛ فهي بمنزلة: "لكن"، التي تجيء أول الجملة لإبطال المعاني الفرعية الناشئة مما قبلها. ومن الأمثلة أيضًا ما قاله الشاعر في أمر قربه أو بعده عن ديار أخلائه، وأنه يفيد أو لا يفيد: بكل تداوينا؛ فلم يشق ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود فقد بين أولًا أن تداوي بالقرب وبالبعد فلم يفده واحد منهما، وعدم الإفادة بعد التجربة يوقع في الوهم أنهما سيان من كل الوجوه، لكنه أبطل هذا التوهم بتصريحه بعد ذلك حيث يقول: "على أن قرب الدار خير من البعد"، فهذه الجملة تبطل ما سبق، وتوحي بمعنى جديد؛ هو: أن القرب مطلقًا خير من البعد، ثم عاد فأبطل هذا المعنى الذي أوحي به الوهم بجملة جديدة؛ هي: قرب الدار ليس بنافع" ... وكانت أداة الإضراب والإبطال هي كلمة: "على".

والأحسن في كلمة: "على" الجارة الأصلية إذا كانت للإضراب1 والإبطال عدم تعلقها هي ومجرورها بشيء؛ "لأنها في هذا الاستعمال بمنزلة: "لكن" التي تفيد الاستدراك" مع اعتبارها كحرف ابتداء لوقوعها في أول الجملة، وعلى هذا تكون "على" التي للإضراب والإبطال حرف جر واستدراك معًا2 ... وقد تستعمل: "على" اسمًا بمعنى: "فوق" ويكثر هذا بعد وقوعها مجرورة بالحرف "من"، فإنه لا يدخل إلا على الأسماء، نحو: تمر من على بلدنا الطائرات، أي: من فوق بلدنا3، فقد خرجت من حرفيتها، وصارت اسمًا بمعنى "فوق"، كما نرى، وهذا قياسي كباقي استعمالاتها. وإذا كان المجرور بها ضميرًا وجب قلب ألفها ياء4؛ نحو: تقبل علينا وفود السائحين شتاء، وقول الشاعر: إذا طلعت شمس النهار فإنها ... أمارة تسليمي عليك، فسلمى فإن كان الضمير ياء المتكلم، وجب إدغام الياءين؛ نحو: علي أن أسعى للخير جاهدًا5 ...

_ 1 انظر ما يتصل بمعنى التعلق وبالإضراب في ص437 و439 وهامشها. 2 ولا داعي للأخذ بالرأي الذي يقول: إنهما متعلقان بمحذوف هو خير لمبتدأ محذوف والتقدير: "التحقيق كائن على أن كذا وكذا ... "؛ لأن هذا الرأي مع صحته يحوي التعقيد، والتكلف، وكثرة المحذوف من غير داع، وقد كررنا وأوضحنا الأسباب أنه لا يصح الالتجاء إلى الحذف والتقدير، والتعسير بغير ضرورة قاسية، لا سبيل للتغلب عليها إلا من هذه الناحية، والرأيان في حاشية الأمير على الشذور ص15 عند الكلام على "ذي" إحدى الأسماء الستة، وكذلك في "المغني" ج1 عند الكلام على الحرف: "على، ونص كلام المغني: "وتعلق "على" هذه بما قبلها عند من قال به كتعلق "حاشا" بما قبلها عند من قال به؛ لأنها أوصلت معناها إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإراج، أو: هي خبر لمبتدأ محذوف: أي: "والتحقيق على كذا"، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب، قال: ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق، ثم جيء بما هو التحقيق فيها". ا. هـ، كلام المغني. 3 وقد أشار إلى هذا ابن مالك في بيت سيجيء في هامش ص517 عند كلامه على "الكاف" التي قد تقع اسمًا. 4 وهي المكتوبة ياء، تبعًا لقواعد رسم الحروف. 5 "ملاحظة": جاء في "الكامل" للمبرد جـ1 ص270 أنه بعض العرب يحذف من آخرها اللام والياء إذا كان المجرور بها مبدوءًا "بأل"، ويحذف معها همزة "أل" كقول قطري بن الفجاءة: غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم يريد طفت على الماء القتلى من بكر ... وجاء على هامش الموضع السالف أن أولئك العرب تفعل ذلك كثيرًا في النثر والشعر. ا. هـ، لكن الأنسب اليوم عدم مجاراتهم، لما فيه من لبس.

عن1: حرف جر أصلي؛ يجر الظاهر والمضمر، وأشهر معانيه تسعة: 1- المجاوزة2، وهي أظهر معانيه، وأكثرها استعمالًا؛ نحو: جلوت عن بلد المظالم، ورغبت عن الإقامة فيه، أي: ابتعدت وتركت. 2- أن تكون بمعنى: "بعد"3، كقولهم: دع المتكبر؛ فعن قليل يؤدبه زمانه، والمغرور؛ فعن قريب تكشفه أيامه، أي: بعد قليل، وبعد قريب ... 3- الاستعلاء "فتكون بمعنى: "على"، نحو: من يبخل بخدمة وطنه فإنما يسيء لنفسه بما يبخل عنها، ويمنع من إفادتها ... أي: بما يبخل عليها4 وكقولهم: العظيم من زادت خيراته عن المحتاج لها، وفصلت عنه ... أي: على المحتاج لها وفصلت عنه ... أي: على المحتاج لها، وفضلت عليه، وقول الشاعر: إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فما زال غضبانًا علي لئامها 4- التعليل، "أن يكون ما بعدها علة وسببًا فيما قبلها"، نحو: لم أحضر إليك إلا عن طلب منك، ولم أفارقك إلا عن ميعاد ينتظرني، أي: بسبب طلب، وبسبب ميعاد. 5- الظرفية؛ كقولهم: الزعيم لا يكون عن حمل الأعباء الثقال وانيًا، ولا عن

_ 1 الغالب أن تتحرك النون بالكسر إذا وقع بعدها ساكن مطلقًا: "أل، أو غيرها"، نحو: انصرف عن الأذى انصرافك عن استقبال البلايا. 2 سبق معناها في رقم 3 من هامش ص 463 عند الكلام على: "من" تعريفها، وبيان أقسامها، مع التمثيل والإيضاح. 3 "بعد" ظرف سبق الكلام عليه تفصيلًا في باب الطرف، ص 283. 4 ومن هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} .

بذل التضحيات مترددًا، أي: في حمل ... وفي بذل. 6- الاستعانة1؛ نحو: رميت عن القوس؛ أي: بالقوس، إذا كانت القوس أداة الرمي2 ... 7- أن تكون بمعنى: بدل، نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} . ومثل: أديت العمل عن صديقي المريض، أي: بدل نفس، وبدل صديقي، وقول الشاعر يمدح محسنًا: وتكفل الأيتام عن آبائهم ... حتى وددنا أننا أيتام 8- أن تكون بمعنى: "من" نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، أي: من عباده3، "وهذا أوضح من اعتبارها للمجاورة؛ على معنى: الصادرة عن عباده، ولا تقدير فيه" ... 9- أن تكون بمعنى الباء، نحو قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، أي: بالهوى. وقد ذكر لها بعض معان أخرى، تركناها متابعة للمتعرضين بحق عليها4.

_ 1 سبق في ص 490 شرح معناها وما يتصل بها. 2 ومثل: ضربت الخائن عن السيف، أي: بالسيف إذا كان السيف أداة الضرب. 3 وكقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} . 4 منها أن تكون زائدة سماعًا، ويجب الاقتصار في زيادتها على المسموع وحده؛ نحو: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ... وهذه تصلح أصلية إذا كان السؤال لمعرفة شأن الأنفال، وطلب الاستخبار عنها، لا لطلب الاستعطاء وأخذ شيء منها. ومن زيادتها المسموعة ما نص عليه ابن هشام في المعنى جـ1 عند الكلام عليها قائلًا: "إنها تكون زائدة للتعويض من أخرى محذوفة؛ كقول الشاعر: أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلا التي عن بين جنبيك تدفع قال ابن جني: أراد؛ فهلا تدفع عن التي بين جنبيك، فحذفت "عن" من: أول الموصول، وزيدت بعده" ... ا. هـ، والبيت مذكور أيضًا في ذيل الأمالي ص 107. وفيما سبق من معاني "على"، و"عن" يقول ابن مالك باختصار: "على" للاستعلا، ومغني: "في" و"عن" ... بعن تجاوزا، عنى من قد فطن وقد تجيء موضع "بعد" و"على" ... كما "على" موضع "عن" قد جعلا يريد: أن "على" تكون للاستعلاء وتكون للظرفية؛ مثل: "في" وللمجاوزة مثل: "عن" التي تؤدي هذا المعنى إذا قصده من فطن؛ لأنها تؤديه، ثم بين أن: عن" قد تكون بمعنى: "بعد"، وبمعنى: "على" المفيدة للاستعلاء، كما أن: "على" تكون بمعنى: "عن" المفيدة للمجاوزة.

وتستعمل "عن" اسمًا بمعنى: "جانب"، ويغلب أن يكون هذا بعد وقوعها مجرورة بالحرف: "من"، نحو: يجلس القاضي: ومن عن يمينه مساعده، ومن عن يساره كاتبه، أي: من جانب يمينه، ومن جانب يساره1 ... ، وهذا الاستعمال قياسي كباقي استعمالاتها السابقة. اتصال "ما" الزائدة بالحرف: عن. إذا كانت "عن" جارة جاز وقوع "ما" الزائدة بعدها، فلا تغير شيئًا من عملها أو معناها؛ وإنما يبقى لها كل اختصاصها السابق قبل مجيء الحرف الزائد، نحو: عما قريب يتحقق المأمول2. الكاف: حرف يجر الظاهر، ويقع أصليًا وزائدًا، وأظهر معانيه أربعة: 1- التشبيه: وهو بنوعيه الحسي والمعنوي أكثر معانيه تداولًًا، والأغلب دخول "الكاف" على المشبه به؛ نحو: الأرض كرة كالكواكب الأخرى، تستمد ضوءها من الشمس كبقية المجموعة الشمسية، ونحو: الذكاء كالكهرباء، كلاهما لا يدرك إلا بآثاره، ويقولون في المدح: فلان كهربي الذكاء، يريدون: أنه في سرعة فهمه واستنباطه كالكهربا؛ في سرعة تأثرها وتأثيرها3 ...

_ 1 وسيشير إلى هذا ابن مالك في بيت يجيء رقم 4 من هامش ص 517 عند الكلام على: "الكاف". 2 ومثل قول الشاعر في الحث على الإجادة، والإتقان عند ممارسة الأمور والأعمال؛ حرصًا على الذكرى الطيبة بعد الممات: إذا كنت في أمر فكن فيه محسنًا ... فعما قليل أنت ماض وتاركه وتقضي قواعد الكتابة باتصال الحرفين خطًا، وسيشير ابن مالك آخر الباب ص 529 إلى مسألة زيادة الحرف: "ما"؛ بعد: "من" و"عن" و"الباء"، وأن هذه الزيادة لا تعوق تلك الحروف عن عملها؛ فيقول: وبعد "من" و"عن"، و"باء"، زيد "ما" ... فلم يعق عن عمل قد علما 3 ومن الأمثلة قول الشاعر: ابنوا كما بنت الأجيال قبلكمو ... لا تتركوا بعدكم فخرًا لإنسان أي: كبناية الأجيال.

2- التعليل والسببية؛ كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ، أي: بسبب هدايته لكم، وقوله تعالى عن الوالدين: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} ، أي: بسبب تربيتهما إياي في صغري. 3- التوكيد1 ويختص بالزائدة؛ نحو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، أي: ليس شيء مثله ... "وهذا في رأي من يرون زيادة الكاف هنا"2. 4- الاستعلاء؛ كقولهم: كمن كما أنت، أي: على الحال التي أنت عليها. واستعمالها في هذا المعنى، والذي قبله قليل، ولكنه قياسي. ومن الاستعمالات القياسية أن تخرج "الكاف" عن الحرفية، لداع يوجب ذلك، فتصير اسمًا مبنيًا بمعنى: "مثل"، يجري عليه ما يجري عليه ما يجرى على نظائره من الأسماء المبنية3؛ كقولهم: لن ينفع في منع الإجرام كالعقوبات الرادعة، وقولهم:

_ ابنوا كما بنت الأجيال قبلكمو ... لا تتركوا بعدكم فخرًا لإنسان أي: كبناية الأجيال. 1 سبق في أول هذا الباب ص450 إيضاح للتوكيد الذي ينشأ من الحرف الزائد، كما سبق في الجزء الأول ص70 م5. 2 وحجتهم أنها لو لم تكن زائدة لترتب على أصالتها الاعتراف بوجود مثل المولى تعالى؛ وهذا محال، والأسهل الموافقة على زيادتها في هذا الموضع ونظائره، ومنها قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} ... ، لتجنب التأويلات الأخرى، والآراء التي يشوبها التعقيد. أما من يمنعون زيادتها فحجتهم: أن "مثل" بمعنى: ذات، وأن القرآن ليس فيه زائد، لكن فاتهم أن الزائد هنا وفي فصيح الكلام العربي يؤدي توكيد معنى الجملة "طبقًا لما فصلناه عند الكلام على الحرف في ج 1 م 5 ص 70"، فلا عيب في زيادته مع أدائه هذا الغرض، إنما المعيب المنزه عنه القرآن، هو الزائد الذي له فائدة معه، يكون وجود كعدمه، ومن أمثلة زيادتها ما نقلوه عن أعرابي سئل: كيف تصنعون الأقط؟ فأجاب: كهين، يريد؛ هو هين، فالكاف زائدة كما قالوا على أني لا أرى مانعًا أن تكون اسمًا مبنيا بمعنى: "مثل"؛ فكأنه يقول: "مثل هين" أي: مثل شيء هين ... 3 فيكون اسمًا مبنيًا في محل رفع، أو: نصب، أو: جر، على حسب موقعه من الجملة التي لا تستغني في تركيبها عنه اسمًا، لا حرفًا.

ما عاتب الحر الكريم كنفسه1 ... وقولهم: وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا؟ أي: مثل العقوبات مثل نفسه مثل العفو؛ فالكاف في الأمثلة السالفة اسم، لحاجة الجملة إلى فاعل، فالكاف فاعل1، مبني على الفتح في محل رفع. وقد تكون أحيانًا خبرًا لمبتدأ2؛ كقولهم: من حذرك كمن بشرك ... وقد تكون مفعولًا به في نحو قول الشاعر: ولم أر كالمعروف؛ أما مذاقه ... فحلو، وأما وجهه فجميل3 ... 4 وقد تكون في محل جر في نحو: يبتسم فلان عن كاللؤلؤ المكنون، وهكذا ... فهي بمعنى: "مثل" في كل ذلك، وفي كل موضع آخر يستوجب المعنى والإعراب أن تكون فيه اسمًا مبنيا5.

_ 1 في قول الشاعر: ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح 2 أو لما أصله المبتدأ، كوقوعها خبرًا للناسخ "ليس" في قول الشاعر: ليس من قال بالصواب كمن قال ... بجهل؛ والجهل داء عياء 3 وبعد هذا البيت: ولا خير في حسن الجسوم وطلوهاإذا لم يزن حسن الجسوم عقول ... 4 وفي الكلام على معاني "الكاف"، وعلى أنها تستعمل اسمًا بمعنى: "مثل"، وكذلك: "عن" و"على" بدليل دخول "من" عليهما، وهي لا تدخل إلا على الأسماء يقول ابن مالك أولًا: "شبه" بكاف، وبها "التعليل" قد ... يعنى، وزائدًا لتوكيد ورد يريد: أن كلمة: "الكاف" تستعم في التشبيه، وأن "التعليل" بها قد يعني "أي: يقصد" وورد هذا الحرف زائدًا للتوكيد، ثم قال: واستعمل اسمًا، وكذا: "عن" و"على" ... من أجل ذا عليهما "من" دخلا يريد: أن حرف "الكاف" استعمل اسمًا، وكذلك "عن" و"على"، من أجل استعمالها اسمين دخل عليهما الحرف الجار: "من" وهو لا يدخل إلا على الأسماء كما سبق، في ص 515. 5 انظر هامش رقم3 في الصفحة السابقة.

وإذا كانت "الكاف" أداة جر، فقد تتصل بها "ما" الزائدة، فتكفها عن العمل غالبًا وتزيل اختصاصها "وهو: الدخول على الاسم لجره"، فتدخل على الجمل الاسمية والفعلية، نحو: "الصحة خير النعم؛ كما المرض شر المصائب"، ونحو: "الفقر يخفي مزايا المرء، كما يزيل ثقة الناس بصاحبه1 ... "، وهذه هي "ما" الزائدة الكافة عن العمل، ومن القليل؛ الذي لا يقاس عليه أن يبقى لها اختصاصها الأول، فتدخل على الاسم، فتجره بالرغم من اقترانها بكلمة "ما" الزائدة؛ نحو: قول القائل: وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مظلوم عليه وظالم أي: كالناس، وهذه هي "ما" الزائدة فقط، وليست بكافة. مذ ومنذ2: يكثر استعمالها اسمين ظرفين، أو اسمين غير ظرفين، كما يكثر استعمالهما حرفين أصليين للجر. أ- فيصلحان للاسمية المجردة من الظرفية إذا لم تقع بعدهما جملة، وإنما وقع بعدهما اسم مرفوع؛ نحو: ما سافرت مذ الشهر الماضي، أو منذ ... فمذ ومنذ مبتدأ خبره الاسم المرفوع بعده3.

_ 1 وسيشير إلى هذا ابن مالك آخر الباب ص 529 حيث يعيد البيت التالي في زيادتها بعد "الكاف" و"رب"، وأنها تكفهما عن العمل أو لا تكفهما: وزيد بعد "رب" والكاف فكف ... وقد يليهما وجر لم يكف أي: لم يمنع، يريد بقوله: "وزيد" الحرف: "ما" وأن هذا الحرف كفهما عن العمل، وقد يليهما فلا يكفهما. 2 سبق كلام عليهما في باب الظرف، ص 299 ولأهميتهما وتشعب أحكامها سيجيء لهما بحث شامل مستقبل، آخر هذا الجزء ص 544 "وكذلك سبق الكلام عليهما في جـ1 لمناسبات مختلفة في ص 357 م 36 و 366 م 37 و 370 م 38". 3 هذا هو الأحسن، ويجوز إعراب كل منهما ظرفًا مقدمًا "أي: لتعلقه بالخبر المحذوف، كما في رقم 3 من هامش ص 300" بمعنى: "بين، وبين" مضافين المعنى فمعنى ما سافرت مذ أو منذ الشهر الماضي: الشهر الماضي بيني وبين عدم السفر، راجع الصبان، و"الشهر" هو المبتدأ المؤخر. ولا بد من تقدم "مذ ومنذ" عند إعرابهما مبتدأ أو خبرًا، وشروط أخرى هي المشار لها في رقم3 من هامش الصفحة الآتية.

ويصلحان للظرفية إذا وقع بعدهما جملة اسمية، أو فعلية ماضوية، ولا يصح أن تقع بعدهما المضارعية المستقبلة1؛ فمثال الجملة الاسمية: ما سافرت مد الجو مضطرب، أو منذ ... فكلاهما ظرف زمان للفعل "سافر"، مبني على السكون والضم، في محل نصب، وهو مضاف، والجملة الاسمية بعدهما في محل جر مضاف إليه، ومثال الجملة الفعلية الماضوية: أسرعت إليك مذ أو منذ دعوتني، وكلاهما ظرف زمان للفعل: "أسرع" مبني على السكون والضم في محل نصب. والظرف مضاف والجملة الماضوية بعده مضاف إليه في محل جر، ومن هذا قول الشاعر: بدا الصبح فيها2 منذ فارقت مظلما ... فإن أبت صار الليل أبيض ناصعًا "فمنذ" ظرف زمان للفعل: "بدا". ب- ويكونان حرفين أصليين للجر، وهذا يوجب شروطًا؛ أهمها3: أن يكون المجرور اسمًا ظاهرًا، لا ضميرًا، وأن يكون وقتًا4، وأن يكون هذا الوقت متصرفًا، معينًا لا مبهمًا، ماضيًا أو حاضرًا لا مستقبلًا، نحو: ما رأيته مذ يوم السبت الأخير، أو مذ ساعتنا، فلا يصح: مذه، ولا مذ البيت، ولا: مذ سحر، "تريد: سحر يوم معين" ولا مذ زمن، ولا مذ غد، وكذلك "منذ" في كل ما سبق.

_ 1 فلا يصح: "مذ، أو منذ" يفهم؛ لأن عاملهما لا يكون إلا ماضيًا، فلا يجتمع مع المستقبل كما سيجيء في البحث الآتي "ص 545" منقولًا عن الصبان. 2 في الدار، أو البلدة. 3 والراجح أن هذه الشروط تجري على الاسم المنفرد المرفوع بعدهما أيضًا إذا لم يكونا حرفي جر. 4 ومثل الوقت ما يسأل به عن الوقت، بشرط أن يكون ظرف زمان؛ نحو: منذ كم يومًا سافرت؟ أو منذ متى سافرت؟ أو منذ أي وقت سافرت؟ ومثلها: مذ. ويقول النحاة كما جاء في الهمع: "ويجوز وقوع المصدر بعدهما، نحو: ما رأيته مذ قدوم علي، بالرفع والجر، وهو على تقدير حذف زمان؛ أي: مذ زمن قدوم علي، ويجوز وقوع "أن وصلتها"، بعدهما؛ نحو: ما رأيته مذ أن الله خلقني، فيحكم على موضعهما بما حكم به للفظ المصدر من رفع أو جر وهو على تقدير زمان أيضًا". ا. هـ.

ويشترط في عاملهما أن يكون ماضيًا، إما منفيًا يصح أن يتكرر معناه؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة، وإما مثبتًا، معناه ممتد متطاول1؛ نحو: سرت مذ، أو منذ يوم الخميس. فإن كان الاسم المجرور بهما معرفة ومدلول زمنه ماضيًا، كان معناهما الابتداء مثل: "من" الابتدائية، نحو: ما رأيته مذ، أو: منذ يوم الجمعة الماضي، أي: من يوم الجمعة؛ فابتداء عدم الرؤية هو يوم الجمعة، وإن كان معرفة ومدلول زمنه حاضرًا كان معناهما لا إعرابهما الظرفية، مثل "في" نحو: ما رأيته مذ ساعتنا، أو منذ يومنا، أي: في ساعتنا وفي يومنا. أما إن كان المجرور بهما نكرة معدودة2 فمعناهما الابتداء والانتهاء معًا؛ فهما مثل "من" و"إلى" مجتمعين؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومين، أي: ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى نهايتها. ومما يجب التنويه به أن الاسم بعد "مذ"، و"منذ" مع جواز جره على اعتبارهما حرفي جر، وجواز رفعه على اعتبارهما اسمين محضين قد يترجع فيه أحد الضبطين على الآخر، وقد يقوي حتى يقترب من الوجوب كما يتبين مما يأتي. إذا كان الزمن بعدهما للحاضر فالراجح أن يكونا حرفي جر، والاسم بعدهما مجرورًا بهما، نحو: ما تركت الكتابة مذ أو منذ ساعتنا، وعلى هذا تجري أكثر القبائل العربية، وتكاد تلتزمه وتوجبه. وإذا كان الزمن بعدهما للماضي، فالأرجح اعتبار "منذ" حرف جر، والاسم بعدها مجرور، نحو: ما زرت الصديق منذ يومين، والعكس في "مذ"، نحو ما زرت الصديق مذ يومان3.

_ 1 في ص549 بيان "المتطاول" وما يتصل بهذا. 2 لتكون معينة؛ لأن المبهمة أي: غير المعدودة، مثل: برهة، وحين ... لا تصلح بعدهما، كما سبق، ولا فرق في المعدود بين أن يكون معدودًا لفظًا ومعنى؛ نحو: يومين، أو معنى فقط: نحو: شهر. 3 وفي الكلام على مذ ومنذ واسميتهما، وحرفيتهما وأحكامهما يقول ابن مالك: و"مذ" و"منذ" اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل، كجنت مذ دعا يريد: أنهما يكونان اسمين حين يرفعان اسمًا بعدهما؛ باعتبارهما مبتدأين، وهو الخبر المرفوع بالمبتدأ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: في مثل: "ما رأيته مذ أو منذ أن الله خلقه" بفتح همزة أن، "أي: من زمن أن الله خلقه" يجوز اعتبارهما اسمين، مبتدأين، والمصدر المؤول خبرهما، كما يجوز اعتبراهما حرفي جر والمصدر المؤول هو المجرور بهما، أما عند كسر همزة "إن" فيتعين اعتبارهما اسمين مبتدأين لوقوع جملة اسمية بعدهما هي الخبر1.

_ = أو حين يليها ويجيء بعدهما الفعل وفاعله؛ مثل: جئت مذ دعا، واكتفى بأن ذكر الجملة الفعلية وترك الاسمية لفهم القارئ، أو؛ لأنها ستعرب خبرًا والخبر مرفوع عندهم بالمبتدأ، فتدخل في ضمن الحالة الأولى، ثم قال في معناهما: وإن يجرا في مضي "فكمن" ... هما، وفي الحضور معنى: "في"، استبن أي: اطلب، بيان معنى "في" وهو: الظرفية. 1 لهذا إشارة في رقم 4 من هامش ص 519، وبيان في رقم 3 من هامش ص 546.

"رب": ليس بين حروف الجر ما يشبه هذا الحرف في تعدد الآراء فيه. واضطراب المذاهب النحوية، واللغوية في أحكامه ونواحيه المختلفة: "التي منها ناحية معناه، وناحية حرفيته، وناحية زيادته أو شبهها، وتعلقه بعامل أو عدم تعلقه، ونوع الفعل الذي يقع بعده، والجملة التي يوصف بها مجروره ... و ... "، وكان من أثر هذا الاضطراب قديما وحديثا الحكم على بعض الأساليب بالخطأ عند فريق، وبالصحة عند آخر، وبالقبول بعد التأول والتقدير عند ثالث، وكل هذا يقتضينا أن نستخلص أفضل الآراء، بأناة، وحسن تقدير. وخير ما نستصفيه من معناه، ومن أحكامه النحوية هو ما يأتي: أ- أن معناه قد يكون التكثير وقد يكون التقليل، وكلاهما لا بد فيه من القرينة التي توجه الذهن إليه، ولهذا كان الاستعمال الصحيح للحرف "رب"، وما دخل عليه أن يجيء بعد حالة خالية من اليقين1 تقتضي النص على الكثرة أو القلة، "كأن يقول قائل2: أظنك لم تمارس الصناعة، فتجيب: رب صناعة نافعة مارستها، فقد جاءت الأداة "رب"، وجملتها لإزالة أمر مظنون قبل مجيئها". فمثال دلالتها على الكثرة: رب محسود على جاهه احتمل البلاء بسببه، ورب مغمور في قومه سعد بغفلة العيون عنه ... وقولهم: رب أمل في صفاء الزمان قد خاب، ورب أمنية في مسالمة الليالي قد بددتها المفاجئات. ومثال القلة قولهم: رب منية في أمنية تحققت ... ورب غصة في انتهاز فرصة تهيأت، وقولهم: رب غاية مأمولة دنت بغير سعي، ورب حظ سعيد أقبل بغير انتظار ... والقرينة على القلة والكثرة في الأمثلة السالفة هي: التجارب الشائعة التي يعرفها السامع، ويسلم بها. ب- وأن أحكامه النحوية أهمها: 1- أنه حرف جر شبيه3 بالزائد، وله الصدارة في جملته؛ فلا يجوز

_ 1كحالة الظن، أو الشك ... 2 أو من هو في حكم القائل؛ بأن تدل هيئته على أنه في حالة ظن أو شك، فليس من اللازم أن ينطق فعلًا، وإنما يكفي أن يقدر فيه ذلك، "شرح المفصل جـ 8 ص 27". 3 سبق الكلام في ص452 على حرف الجر التشبيه بالزائد، وأوجه الاتفاق والمخالفة بينه وبين الأصلي والزائد.

أن يتقدم عليه شيء منها1، لكن يجوز أن يسبقه الواو، أو أحد الحرفين. "ألا" الذي للاستفتاح2 و"يا"، نحو: ألا رب مظهر جميل حجب وراءه مخبرًا مرذولًا. يا رب عظيم متواضع زاده تواضعه عظمة وإكبارًا، وقول الشاعر: فيا رب وجه كصافي النمير ... تشابه حامله والنمر 2- وأنه لا يجر غالبًا إلا الاسم الظاهر النكرة3، وقد وردت أمثلة قليلة لا يحسن القياس عليها كان مجروره فيها ضميرًا للغائب، يفسره اسم منصوب، متأخر عنه وجوبًا، يعرب تمييزًا، نحو: ربه شابًا نبيلًا صادفته، وفي تلك الأمثلة القليلة كان الضمير مفردًا غائبًا في جمع أحواله، يعود على التمييز الواجب التأخير، ويجب مطابقة هذا التمييز لمدلول هذا المضير المسمى: "الضمير المجهول4"، لعدم عودته على متقدم، نحو: ربه شابين نبيلين صادفتهما، ربه شبابًا نبلاء صادفتهم، ربه فتاة نبيلة صادفتها ... و ... وهكذا. 3- وأن النكرة التي يجرها تحتاج في أشهر الآراء لنعت مفرد، أو جملة، أو شبه جملة، غير أن الأكثر الأفصح حين يكون النعت جملة أن تكون فعلية، ماضوية لفظًا ومعنى، أو: معنى فقط كالمضارع المسبوق بالحرف "لم"

_ 1 ومن المسموع الذي لا يقاس عليه ندرته قول الشاعر: وقبلك رب خصم قد تمالوا ... علي فما هلعت ولا ذعرت تمالوا: أي: تمالئوا، بمعنى: اجتمعوا واتفقوا، الخصم: المخاصم، وقد يكون للاثنين، وللجمع، وللمؤنث. . . 2 ويجوز مثله مع قلته، الحرف: "لكن"، بسكون النون لذي يفيد الاستفتاح والاستدراك معًا، كقول أحد الشعراء من أهل القرن الثالث الهجري كما سجله صاحب كتاب: "الهفوات النادرة" لغرس النعمة الصابي ص 272: نعمة الله لا تعاب، ولكن ... ربما استقبحت على أقوام وسيذكر البيت لمناسبة أخرى في ص 526. 3 سيجيء إعراب هذا الاسم تفصيلًا في ص 532. 4 وله أسماء متعددة، منها: ضمير الشأن، وضمير القصة ... "، وقد سبق شرحه وتفصيل الكلام عليه في باب "الضمير" ج 1 م 19 ص 226".

"نحو: رب صديق وفي عرفته، رب صديق لازمك عرفته، رب صديق عندك عرفته، رب صديق في الشدة عرفته، رب صديق لم يتغير عرفته"، ومثال النعت بجملة اسمية، رب ملوم لا ذنب له، وقول الشاعر: ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام1 4- وأن "رب" مع مجرورها لا بد أن يكون لها في الأغلب الأحوال اتصال معنوي يفعل ماض يقع بعدها، أو: بما يعمل عمله ويدل دلالته الزمنية، "وهذا الفعل مع فاعله غير الجملة الماضية التي قد تقع أحيانًا صفة لمجرورها"، ويكون الفعل أو ما يعمل عمله بمنزلة العامل الذي تتعلق به "رب" ومجرورها2 بالرغم ما هو مقرر من أن حرف الجر الزائد، وشبه الزائد لا يعلق مع مجروره بعامل كما سبق نحو: رب كلمة طيبة جلبت خيرًا، ودفعت شرًا، وقول الشاعر: فيا رب وجه كصافي النمير ... تشابه حامله والنمر ... والأغلب في هذا الفعل وما في معناه أن يكون محذوفًا مع فاعله؛ لأنهما معلومان تدل عليهما قرينة لفظية أو معنوية، "لما قدمنا من أن الاستعمال الصحيح للحرف "رب"، وما دخل عليه أن يكون بعد حالة ظن، أو شك تستدعي النص على القلة أو الكثرة، فيكون جوابًا عن قول لقائل، أو: من هو في حكمه"؛ فاللفظية نحو: ما أطيب العمل، وما أبغض البطالة: فرب عمل نافع، ورب بطالة

_ 1 الموت. 2 راجع شرح المفصل "جـ 8 ص 27 و 29 ثم الصبان في أول باب الإضافة عند الكلام على الإضافة اللفظية، ومناقشته مثال ابن مالك: "رب راجينا عظيم الأمل ... ". ونص ما نقله الصبان: "إن الأكثرين يقولون بوجوب مضي ما تتعلق به "رب"، بناء على أنها تتعلق، لا أنهم يقولون بوجوب مضي مجرورها؛ وأن ابن السراج يجوز كونه حالًا أي: في الزمن الحالي وابن مالك يجوز كونه حالًا أو مستقبلًا. وقد قال في التسهيل: "ولا يلزم وصف مجرورها خلافًا للمبرد ومن وافقه، ولا مضي ما تتعلق به". ا. هـ. هذا، ولا يحسن الأخذ بالآراء الضعيفة إلا في فهم ما ورد بها، أما المحاكاة والقياس، فيجريان على الأعم الأشهر الذي لخصناه. 3 ومثل هذا قول الآخر: رب ليل كأنه الدهر طلًا ... قد تناهى فليس فيه مزيد

ضارة، فالتقدير: فرب عمل نافع أحببته، ورب بطالة ضارة كرهتها، والمعنوية كأن تمر على قوم منهمكين في العمل، مشغولين به، فتبتسم ابتسامة الرضا والانشراح، ثم تنصرف عنهم قائلا: رب علم نافع، ورب بطالة ضارة، فالتقدير رب عمل نافع أحببته، أو احترمت صاحبه، أو أكبرته ... أو ... ، ورب بطالة ضارة كرهتها، أو أنكرت أمرها ... أو ... ومن الجائز ذكر هذا الفعل وفاعله. ويقول النحاة: إن "رب" توصل معنى هذا الفعل وما في حكمه إلى الاسم المجرور بها، ففي مثل: "رب رجل عالم أدركت" أوصلت معنى الإدراك إلى الرجل1، وكذلك في الأمثلة السابقة، ومن ثم كان الأحسن عندهم في مثل: "رب عالم لقيته"، وقول الشاعر: رب حلم2 أضاعه عدم المال ... وجهل غطى عليه النعيم أن تكون الجملة الفعلية الماضوية المذكورة هي الصفة للنكرة المجرورة بالحرف: "رب"، وأن تكون هناك جملة أخرى ماضوية محذوفة، تتصل بها "رب" ومجرورها اتصالًا معنويًا، ولا يرتاحون أن تكون الجملة الماضوية المذكورة هي المرتبطة ارتباطًا معنويًا بهما؛ لأنها صفة للنكرة المجرروة "برب"، وهذه النكرة قد تستغني عن كل شيء أساسي أو غير أساسي بعدها إلا عن الصفة، ومثل هذا الفعل الداخل في جملة الصفة لا يصلح أن يكون هو الذي بمنزلة العامل في: "رب" ومجرورها؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف؛ منعًا للفساد المعنوي. 5- وأنه يجوز أن يتصل بآخرها "ما" الزائدة، والشائع في هذه الحالة

_ 1 هذا المثال بنصه وبالكلام الخاص به، منقول من الجزء الثامن ص27 من كتاب: "المفصل" عند البحث الخاص بالحرف: "رب" وهو كلام يجعل حرف الجر الزائد والشبيه بالزائد معديًا للعامل، مع أن كثرة النحاة تجعل التعدية مقصورة على حرف الجر الأصلي، دون الزائد وشبهه كما سبق في ص 451 و 452، ويجيء في رقم 1 من هامش ص530 إلا أن كان المقصود الاتصال المعنوي المجرد كما قلنا وليس في كلامه دليل عليه. 2 عقل، وفي بعض الروايات: رب علم.

أن تمنعها من الدخول على الأسماء المفردة، ومن الجر، فتجعلها مختصة بالدخول على الجمة الفعلية والاسمية1، ولذا تسمى: "ما" الزائدة الكافة؛ "لأنها كفتها - أي: منعتها من عملها؛ وهو: الجر؛ ومن اختصاصها؛ وهو: الدخول على الاسم وحده؛ لجره"؛ نحو: ربما رأيت في الطريق مستجديًا، وهو في الأغنياء. ونحو: ربما كان السائل أغنى من المسؤول، أو ربما السائل أغنى من المسؤول. ولكن دخولها على الماضي2 هو الكثير، أما دخولها على المضارع الصريح3 وعلى الجملة الاسمية فنادر لا يقاس عليه، إلا إن كان معنى المضارع محقق الوقوع قطعًا كما سيجيء، ومن العرب من يبقيها على حالها من الدخول من الأسماء المفردة، وجرها مع وجود "ما" الزائدة؛ فيقول: رب ما سائل في الطريق أزعجني، ولا تسمى "ما" في هذه الحالة "كافة"؛ وإنما تسمى: "زائدة" فقط. والأفضل الاقتصار على الرأي الأول الشائع4. 6- والشائع أيضًا أن "رب" بحالتيها العاملة والمكفوفة عن العمل، لا تدخل إلا على كلام يدل على الزمن الماضي، سواء أكان مشتملًا على فعل ماض أم على غيره مما يدل على الزمن الماضي، كالمضارع المقرون بالحرف: " لم"، أو: الوصف الدال على الماضي ... أو ... نحو: رب معروف قدمته سعدت بفعله رب علم لم ينفع صاحبه أحزنه رب بئر متفجرة أمس نفعت بما في داخلها. وقد أشرنا إلى أنها تدخل على المضارع الصريح إذا كان معناه محقق الوقوع لا شك في حصوله؛ فكأنه من حيث التحقق بمنزلة الماضي الذي رفع معناه5،

_ 1 أما معناه فيبقى على الوجه الذي سيجيء مشروحًا في الزيادة والتفصيل "ب، ص 531". 2 ولو كان مبنيًا للمجهول؛ كقول الشاعر: وقد سبق لمناسبة أخرى في هامش ص 523: نعمة الله لا تعاب، ولكن ... ربما استقبحت على أقوام 3 وهو الذي يكون لفظه مضارعًا، وزمنه مستقبلًا خالصًا. 4 وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة، فالواجب وصلهما كتابة، أما إذا كانت "رب" عاملة فالواجب فصلهما. 5 وقد تدخل على مضارع في لفظه، ولكنه ماض في زمنه، بقرينة تدل على المضي الزمني، كقول الشاعر لهارب من حاكم توعده بالقتل، فجاءه الخبر بموت ذلك الحاكم: ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال =

صار أمرًا مقطوعًا به، كقوله تعالى، في وصف الكفار يوم القيامة، ووصفه صدق لا شك فيه: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 1، أما في غير ذلك فشاذ لا يقاس عليه2. وإنما كان الأكثر دخولها على الزمن الماضي؛ لأن معناه التكثير والتقليل، لا يمكن الحكم بأحدهما إلا على شيء قد عرف3 ... 7- أنه يجوز في ضبطها لغات تقارب العشرين، أشهرها ضم الراء أو فتحها مع تشديد الباء في الحالتين، أو مع تخفيفها بالفتح بغير تشديد، كما يجوز أن تلحقها تاء التأنيث المتسعة في المشهور لتدل على تأنيث مجرورها؛ نحو: ربت

_ = فهو يريد: ربما جزعت. . . ولا يصلح زمن المضارع هنا إلا المضي؛ لأن الجزع لن يقع في المستقبل بعد موت الحاكم الظالم، زوال سبب الخوف، ومثل هذا قول الشاعر: وحديث ألذه هو مما ... يشتهي السامعون يوزن وزنا منطق صائب؛ وتلحن أحيانًا ... وخير الكلام ما كان لحنًا أي: رب حديث ألذه، فقد دخلت "رب" المحذوفة، والتي تدل عليها الواو، على أمر حصل محقق عند المتكلم، ولا شك في وقوعه زمنه وانتهائه قبل الكلام؛ فالمضارع ماضي الزمن. "تلحن: تشير إلى ما تريد بغير كلام". 1 "ربما" "بتخفيف الباء"، مثل: "ربا" بتشديدها، كما سيجيء. 2 ومن أمثلة الشاذ ما جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى في سورة البقرة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، وهو قول بعض السلف: لا تكرهوا الملمات الواقعة: فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تحبه فيه عطبك، قال الشاعر: رب أمر تتقيه ... جر أمرًا ترتضيه خفي المحبوب منه ... وبدا المكروه فيه والدليل على أن المضارع بعد "رب" في المثال المنثور مستقبل الزمن وجود "لا" الناهية ي المضارع الذي قبله؛ وهي تجعل زمنه مستقبلًا خالصًا. وهناك قرينة أخرى عقلية في المثال المنثور، وفي البيتين تدل على استقبال المضارع؛ هي الحث والحض والترغيب، وهذه الأمور لا تكون إلا في شيء لم يقع. 3 من كل ما تقدم يتبين نوع المضارع الذي يقصده النحاة بقولهم: إن المضارع يكون ماضي الزمن إذا وقع بعد "رب"، كما جاء في الهمع جـ1 ص8".

عبارة موجزة أغنت عن كلام كثير، وتكون التاء إما ساكنة ويوقف عليها بالسكون، وإما مفتوحة ويوقف عليها بالهاء. حذف رب: يجوز حذف "رب" لفظًا، مع إبقاء عملها ومعناها كما كانت، وهذا الحذف قياسي بعد "الواو"، و"الفاء"، و"بل"، ولكنه بعد الأول أكثر، وبعد الثاني كثير، وبعد الثالث قليل بالنسبة للحرفين الآخرين، نحو: وجانب1 من الثرى يدعي الوطن ... ملء العيون، والقلوب، والفطن2 ونحو: أن تسمع من يقول: "ما أعجب ما قرأته على صفحات الوجوه اليوم"، فتقول: "فحزين قضى الليل هما طلع النهار عليه بما بدد أحزانه، ومبتهج نام ليلة قريرًا، ثم أفاق على هم وبلاء"، ونحو: "بل حزين قد تأسى3 بحزين"

_ 1 "ملاحظة": هذا البيت أو قصيدة لشوقي، موضوعها: الوطن، والشائع في مثل هذه الصورة إعراب "الواو نائبة" عن "رب"، أو: يقال: "واو رب"، ويفر المعربون من اعتبارها: "عاطفة". . . أو شيئًا آخر، لكن جاء في كتاب: "تفسير أرجوزة أبي نواس" في تفريط الفضل بن الربيع، تأليف: أبي الفتح عثمان بن جني اللغوي المشهور، وإخراج الأستاذ بهجة الأثري، ص 9 عند بيت أبي نواس: وبلدة فيها زور ... صعراء تخطى في صعر ما نصه الحرفي، قوله: "وبلدة" قيل في هذا الواو قولان، أحدهما: أنها للعطف، والآخر: أنها عوض من "رب"، فكأنهم إنما هربوا أن يجعلوها عاطفة؛ لأنها في أول القصيدة وأول الكلام لا يعطف، ولا يمتنع العطف على ما تقدم من الحديث والقصص؛ فكأنه كان في حديث ثم قال: وبلدة؛ "فكأنه وكل الكلام إلى الدلالة في الحال، ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، وإن لم يجر للقرآن ذكر، وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يعني: الشمس، فأضمرها وإن لم يجر لها ذكر، وهذا في كلام العرب واسع فاش". ا. هـ، كلام ابن جني. ويوضحه بل يؤيده ويقويه ما جاء في "المغني ج2" عند كلامه على "الواو المفردة" الجارة، وقد أشرنا لكل ما سبق في ج3 باب: العطف "م120" عند الكلام على حذف المعطوف عليه بقي السؤال: هل هناك مانع أن تكون الواو في مثل ما سبق للاستئناف؟ لا أرى مانعًا. 2 ومن هذا قول الشاعر: ومستعبد إخوانه بثرائه ... لبست له كبرًا أبر على الكبر "أبر = زاد وتغلب". 3 تسلي.

أي: رب جانب. . . رب حزين قضى الليل. . . رب مبتهج. . . رب حزين قد تأسي. . . وكل حرف من هذه الثلاثة يسمى: "العوض" عن: "رب"1؛ أو: "النائب عنها"؛ لأنه يدل عليها، وهو مبني لا محل له من الإعراب؛ والاسم المجرور بعده، مجرور برب المحذوفة2، وليس مجرورًا في الصحيح العوض عنها أو النائب3.

_ 1 فعند الإعراب يقال: "الواو: واو رب"، "الفاء: فاء رب"، "بل: بل رب"، أو يقال في كل واحد إنه: نائب عن: رب. 2 ويقول ابن مالك في زيادة كلمة: "ما" بعد: "من"، و"عن"، و"الباء"، وأن هذه الزيادة لا تعوق الأحرف السالفة عن العمل، كما شرحنا عند الكلام على كل: وبعد "من"، و"عن"، و"باء" زيد: "ما" ... فلم يعق عن عمل قد علما وقد تقدم هذا البيت في ص 515 عند الكلام على "من" و"عن" و"الباء" للمناسبة الخاصة بكل، ويقو في زيادتها بعد "رب" و"الكاف"، وأنها قد تكفهما أو لا تكفهما: وزيد بعد "رب" و"الكاف" فكف ... وقد يليهما، وجر لم يكف وقد سبق البيت في هامش ص518، ثم يقول في حذف: "رب" بعد الحروف الثلاثة: وحذفت "رب"، فجرت بعد: "بل" ... و"الفا" وبعد: "الواو شاع ذا العمل 3 يرى سيبويه أن الجر هو بكلمة: "رب" المحذوفة، أما الواو، والفاء، وبل، فحروف عطف مهملة هنا لا تعمل شيئًا، مع أن نائبة عن: "رب" ودالة عليها، وكثير من النحاة يقول: إن العمل هو للحرف النائب وليس للمحذوف "راجع المفصل جـ2 ص117 باب الإضافة"، وهذا الخلاف شكلي محض لا أثر له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان الحرف: "رب" شبيهًا بالزائد1 فمن الواجب أن يكون للاسم النكرة المجرور به ناحيتان، ناحية الجر لفظًا، وناحية الإعراب محلًا، فيكون مجرورًا في محل رفع، أو محل نصب على حسب حاجة الجملة، ويعامل بما يعامل به عند عدم وجودها، ففي مثل: رب زائر كريم أقبل، تعرب كلمة: "زائر" مجرورة برب لفظًا، في محل رفع: لأنها مبتدأ، وفي مثل: رب زميل وديع صاحبت، تعرب كلمة: "زميل" مجرورة لفظًا في محل نصب؛ لأنها مفعول به للفعل: "صاجبت"، وفي مثل: رب مساعدة خفية ساعدت، تعرب كلمة: "مساعدة" مجرورة لفظا في محل نصب؛ لأنها مفعول مطلق، وفي مثل: رب ليلة مقمرة سهرت مع رفاقي، تعرب كلمة: "ليلة" مجرورة لفظًا في محل نصب؛ لأنها ظرف زمان. . . و. . . وهكذا. . . وخير مرشد لمعرفة المحل الإعرابي للاسم المجرور بها هو ما قلناه من تخيل عدم وجود "رب"، وإعراب المجرور بها بما يستحقه عند فقدها. . . ويترتب على ما سبق من جر النكرة لفظًا بها واعتبارها في محل رفع أو نصب أن التابع لهذه النكرة "من نعت، أو: عطف، أو: توكيد، أو: بدل" يجوز فيه الأمران، مراعاة لفظ النكرة، أو مراعاة المحل، ففي مثل: رب زائر كريم أقبل، يجوز في كلمة: "كريم الجر والرفع، وفي مثل: رب زميل وديع صاحبت،

_ 1 هذا رأي أكثرية النحاة من أهل التحقيق، وخالف فيه غيرهم، كما أشرنا في رقم1 من هامش ص525، ومن هذه الأكثرية المحققة "الخضري" أحد نحاة القرن الثاني عشر الهجري، وصاحب الحاشية المشهورة على ابن عقيل، وآخر أصحاب الحوالشي على شرح: "ألفية ابن مالك" وغيرها حتى عصرنا هذا، وقد اطلع بلا شك على الآراء المخالفة، ولم يعتد بها حين رأى شرح ابن عقيل في أول باب حروف الجر ينص على أن الحرف: "لعل"، حرف جر زائد: فاستدرك الخضري مصححًا ومصرحًا بما نصه: "صوابه: شبيه بالزائد، ومثلها "لولا" و"رب"؛ لأن الزائد لا يفيد شيئًا غير التوكيد؛ وهذه الحروف تفيد الترجي، والامتناع، والتقليل، وإنما أشبهت الزائد في أنها لا تتعلق بشيء. . . ا. هـ"، وهذا نص واضح المرمى، وله صلة أيضًا بما سيجيء في هذه الزيادة والتفصيل. . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز في كلمة: "وديع" الجر والنصب. . . وهكذا. ولا يتغير الحكم لو جاء تابع آخر كالعطف، فقلنا: رب زائر كريم وسائح هنا، فيجوز في كلمة: "سائح" المعطوفة، الأمران الجائزان في المعطوف عليه. . . ويجوز أن يكون المعطوف هنا معرفة، نحو؛ رب زائر كريم وأخيه أقبلا، مع أن المعطوف في حكم المعطوف عليه، فهو بمنزلة الاسم الذي دخلت عليه "رب"، فحقه أن يكون نكرة كمجرورها، إلا أن الأساليب العربية الفصحى تدل على أنه قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، وهذا معنى قول النحاة: قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل1. ب- إذا دخل الحرف: "رب" على الجمل بنوعيها2، وهو مكفوف بسبب اتصاله، "بما" الكافة، فإن معناه يبقى على حاله من إفادة التكثير أو التقليل على حسب القرائن، "كما أشرنا من قبل"3، ولكن التكثير أو التقليل في هذه الحالة يكون منصبًا على النسبة التي في الجملة، وهي النسبة الدائرة بين طرفيها؛ ففي مثل: ربما أتى الغائب، أو ربما الغائب آت. . .، يكون التقليل والتكثير واقعًا على نسبة الإتيان للغائب، وقيل: إن معنى "رب" المكفوفة، هو: التحقيق. ج- قد تحل: "مما". . .، محل: "ربما" فتؤدي معناها؛ طبقًا للبيان الموجز الذي سبق في ص 466، وللتفصيل الشامل الذي تقدم في جـ1 م 42، ص549 عند الكلام على النواسخ، و"كان" الناسخة.

_ 1 تكررت الإشارة لهذا المعنى في أبواب مختلفة، ولا سيما باب الاستثناء، عند الكلام على حكم المستثنى الذي أدانه: " "إلا" إذا كان تامًا غير موجب ص 336، وله إشارة في رقم1 من هامش69. 2 انظر حكم دخولها على الجملة الاسمية والمضارعية في رقم 5 من ص 525. 3 في رقم1 من هامش ص 526.

المسألة 91

المسألة91: هـ- حذف حرف الجر وحده، مع إبقاء عمله1، وحذفه مع مجروره. يجوز أن يحذف حرف الجر، ويبقى عمله كما كان قبل الحذف، ويطرد هذا في مواضع قياسية، أشهرها أربعة عشر نذكرها كاملة هنا، وقد مر بعضها في مواضع متفرقة2. 1- أن يكون حرف الجر هو: "رب" بشرط أن تكون مسبوقة "بالواو"، أو: "بالفاء"، أو "بل"، كما سبق قريبًا عند الكلام عليها3 نحو: وعامل بالحرام، يأمر بالبر، ... كهاد يخوض في الظلم 2- أن يكون الاسم المجرور بالحرف مصدرًا مؤولًا من "أن" من معموليها، أو من "أن" والفعل والفاعل؛ نحو: فرحت أن الصانع بارع، أو: أفرح أن يبرع الصانع، والأصل: فرحت بأن الصانع بارع، أو: أفرح بأن يبرع الصانع. والتقدير فيهما: فرحت ببراعة الصانع، أو: أفرح. . . ولا بد من أمن اللبس قبل حذف حرف الجر على الوجه الذي شرحناه في مكانه من باب: "تعدية الفعل ولزومه"4.

_ 1 أما حذفه ونصب ما بعده على ما يسمى: "النصب على نزع الخافض"، وهو نوع مما يسمى "الحذف الإيصال"، فمقصور على السامع في غير الضرورة الشعرية؛ طبقًا للبيان الذي سلف في رقم5 من ص 159، ورقم 8 من ص وهامشها. 2 بعضها في ص161 وفي هامش تلك الصفحة تفصيلات هامة، أما الداعي إلى ملاحظة حرف الجر المحذوف، واعتباره كالموجود فهو المحافظة على سلام المعنى، أو على صحة التركيب. 3 ص 528. 4 ص 163، وقلنا هناك: إن الباء الجارة التي بعد صيغة "أفعل" في التعجب يجوز حذفها إن كان المجرور بها مصدرَا مؤولًا من "أن والجملة الفعلية بعدها". لكن النحاة لا يجيزون حذفها بعد تلك الصيغة إن كان المصدر مؤولًا من "أن" ومعموليها، ولا داعي لهذه التفرقة في مسألة التعجب؛ لأن حذف الجار مطرد قبل أن وأن. وإذا حذفت الباء في التعجب أتقدر أم لا تقدر؟ رأيان كما أشرنا في ج 3 باب التعجب م 109 ص 272.

3- أن يكون حرف الجر حرفا من حروف القسم، والاسم المجرور به هو لفظ الجلالة "الله"، نحو: الله لأكثرن من العمل النافع، أي: بالله1 ... 4- أن يكون حرف الجر داخلا على تمييز "كم" الاستفهامية، بشرط أن تكون مجرورة بحرف جر مذكرو قبلها؛ نحو: بكم درهم اشتريت كتابك؟ أي: بكم من درهم2؟ . . . 5- أن يكون حرف الجر مع مجروره واقعين في جواب سؤال، وهذا السؤال مشتمل على نظير لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: في أي بلد قضيت الأمس؟ فيجاب: القاهرة، أي: في القاهرة. 6- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، بغير فاصل بين الحرفين، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف؛ كقولهم: "ألا تفكر في تركيب جسمك لترى قدرة الله العجيبة، والسماوات؛ لترى ما يحير العقول، وخواص المادة؛ لترى الإبداع والإعجاز. . ." أي: في السماوات وفي خواص المادة؛. . . وقد حذف الحرف: "في"؛ لأنه مع مجروره معطوف بالواو بغير فاصل بينهما، والمعطوف عليه وهو: "تركيب" مشتمل على حرف جر قبله؛ مماثل للمحذوف3.

_ 1 طبقًا للرأي الأرجح، وهو رأي سيبويه، ومن معه، "كما سبقت الإشارة لهذا في رقم 15 من ص 197"، وفي: "هـ" من ص 502. 2 هذا هو الراجح، وهناك رأي آخر يقول: إن "كم" الاستفهامية مضافة إلى تمييزها، أما تمييز "كم" الخبرية، فالمشهور أن المضاف إليه وهي المضاف، وقيل: إنه مجرور بـ"من" محذوفة كما سيأتي في ج4 باب: "كم". 3 وليس من هذا النوع بيت ابن مالك في باب: "المعرب والمبني" وهو: فارفع بضم، وانصبن فتحًا، وجر ... كسرًا: كذكر الله عبده يسر فأصل الكلام: ارفع بضم، وانصبن بفتح، وجر بكسر؛ فحذف حرف الجر وهو الباء ونصب الاسم المجرور به على ما يسمى: "نزع الخافض، وقد أوضحناه، لوجود فاصل ممنوع، "وقد سبق الكلام عليه في هذا الجزء، في باب: تعدية الفعل ولزومه، ص 159 وهامش ص 171، كما سبق الكلام على البيت السابق، وفي ج 1 ص 68 م 7"، وليس من الجائز في البيت أن يبقى الاسمان فتح، وكسر مجرورين بعد حذف حرف الجر كما كانا قبل حذفه.

7- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف مع وجود "لا" فاصلة بين حرف العطف وحرف الجر المحذوف؛ نحو: ما للفتى سلاح إلا علمه النافع، ولا لفتاة إلا فنها العملي الملائم، أي: ولا للفتاة. 8- أن يكون حرف الجر السابق ولكن الحرف الفاصل هو: "لو"؛ كقولهم: من تعود الاعتماد على غيره، ولو أهله، فقد استحق الخيبة والإخفاق، أي: ولو على أهله1. . . 9- أن يكون حرف الجر واقعًا هو ومجروره في سؤال بالهمزة، وهذا السؤال ناشئ من كلام مشتمل على نظير للحرف المحذوف؛ كأن يقال: أعجبت بمحمود، فيسأل القائل: أمحمود النجار؟ أي: أبمحمود النجار؟. 10- أن يكون حرف الجر ومجروره واقعين بعد "هلا" التي للتحضيض بشرط أن يكون التحضيض واردًا بعد كلام مشتمل على مثيل لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: سأتصدق بدرهم، فيقال: هلا دينارٍ، أي: بدينارٍ، والمراد: هلا تتصدق بدينار. 11- أن يكون حرف الجر هو: "لام التعليل" الداخلة على: "كي" المصدرية؛ نحو: يجيد الصانع صناعته كي يقبل الناس عليه، أي: لكي يقبل الناس عليه، بمعنى: لإقبالهم عليه. 12- أن يكون حرف الجر داخلًا على المعطوف على خبر "ليس"، أو خبر "ما" الحجازية، بشرط أن يكون كل منهما صالحًا لدخول حرف الجر عليه2؛ نحو: لست مرجعًا فرصة ضاعت، ولا قادر على ردها، فكلمة "قادر" مجرورة؛ لأنها معطوفة على خبر ليس: "مرجعًا"، وهذا الخبر يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمرجع، فكأنها موجودة توهمًا وتخيلًا، وعلى أساس هذا الجواز الموهوم عطفنا عليه بالجر؛ وهذا هو العطف الذي يسميه النحاة؛ "العطف على

_ 1 والذي يوجب تقدير حرف الجر هنا اختصاص "لو" بالدخول على الجمل، لا على المفردات، والأصل: ولو كان الاعتماد على أهله. 2 بأن يكون خبرهما اسمًا، وأن يكون النفي المنصب عليه باقيًا، لم ينتقض بإلا ... على الوجه الذي سبق في بابهما، ج 1 ص 452 المسألة: 49 وما بعدها.

التوهم"، وقد سبق1 إبداء الرأي فيه تفصيلًا، وأنه لا يصح الالتجاء إليه، ولا القياس على ما ورد منه. 13- أن يكون حرف الجر مسبوقًا "بإن" الشرطية، وقبلهما كلام يشتمل على مثيل للحرف المحذوف، نحو: سلم على من تختاره، إن محمد، وإن علي؛ وإن حامد، التقدير: إن شئت فسلم على محمد، وإن شئت فسلم على علي، وإن شئت فسلم على حامد، وبالرغم من جواز هذا فالمحذوف فيه كثير، والمراد قد يخفى، فمن المستحسن عند محاكاته قدر الاستطاعة. 14- أن يكون حرف الجر مسبوقًا بفاء الجزاء الواقعة في جواب شرط، قبله نظير لحرف الجر المحذوف؛ نحو: اعتزمت على رحلة طويلة؛ إن لم تكن طويلة فقصيرة، أي: فعلى رحلة قصيرة، ويقال في هذا الموضع ما قيل في سابقه من ترك القياس عليه قدر الاستطاعة، بالرغم من صحة القياس. هذا، وجميع التأويلات والتقديرات السابقة جائزة وليست محتومة؛ بل إن الكثير منها يجوز فيه أوجه إعرابية أخرى؛ قد تكون أيسر، والمعنى عليها أوضح. واختيار هذه أو تلك متروك لمقدرة المتكلم والسامع، وخبرتهما بدرجات الكلام قوة، وضعفًا، وحسنًا، وقبحًا، مع التزام الصحة التزامًا دقيقًا، والبعد عن الخطأ في كل حالة، ومن الخير أن نترك ما فيه غموض وإلباس إلى ما لا خفاء فيه ولا إبهام؛ لأن اللغة ليست تعمية وإلغازًا، وإلا فقدت خاصتها، وعجزت عن أداء مهمتها، وهذا أساس يتحتم مراعاته عند استخدامها، وفي كل شأن من شؤونها. تلك مواضع حذف حرف الجر حذفًا قياسيًا مطردًا مع إبقاء عمله، وهناك أمثلة مسموعة وقع الحذف فيها مخالفًا ما سبق، ولا شأن لنا بها؛ فهي مقصورة على السماع؛ لا يجوز محاكاتها، لعدم اطرادها2.

_ 1 في ص 348 عند الكلام على "غير" الاستثنائية، وفي رقم3 من هامش ص 336 ج 1 ص 454 م 49. 2 وفيما سبق من حذف الجار، وإبقاء عمله ومشابهته "رب" في هذا، وفي أن حذفه قد يكون مطردًا أو غير مطرد، يقول ابن مالك: وقد يجر بسوى: "رب" لدى ... حذف، وبعضه يرى مطردًا أي: أن حروفًا غير "رب" قد تجر الاسم بعدها مع حذفها، وأن بعض حالات الحذف والجر قد يكون مطردًا.

أما حذف الجار والمجرور معًا1 فجائز إذا لم يتعلق الغرض بذكرهما، بشرط وجود قرينة تعينهما، وتعين مكانهما، وتمنع اللبس، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} ، أي: لا تجزي فيه2. . .

_ 1 أما حذف الجار وحده وإبقاء مجروره وما يترتب على ذلك من أحكام، فقد سبق تفصيل الكلام عليه في ص 159. 2 وفي المصباح المنير، مادة: "حجر" ما نصه: "حجر عليه حجرًا من باب: قتل منعه التصرف؛ فهو محجور عليه: والفقهاء "يحذفون الصلة "أي: الجار مع مجروره" تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال، ويقولون: "محجور"، وهو سائغ. ا. هـ. ويقول في مادة: "ندب" ما نصه: "ندبته إلى الأمر ندبًا من باب: قتل دعوته، والفاعل: نادب، والمفعول: مندوب، و"الأمر" مندوب إليه، والاسم: الندبة، مثل غرفة، ومنه: "المندوب" في الشرع، والأصل: المندوب إليه، لكن حذفت الصلة منه "يريد الجار مع مجروره" لفهم المعنى. ا. هـ، ومثل ما سبق قول النحاة: "الجملة المعترضة"، حين يفتحون الراء يريدون كما نصوا على هذا: "المعترض بها".

المسألة 92

المسألة92: و نيابة حرف جر عن آخر. . .1 يتردد بين النحاة: "أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض 1. . ."، فيتوهم من لا دراية له أن المراد هو: "جواز وضع حرف جر مكان آخر بغير ضابط، ولا توقف على اشتراك بينهما في تأدية معنى معين، ولا تشابه مقيد في الدلالة". وهذا ضرب من الفهم المتغلغل في الخطأ2؛ إذ يؤدي إلى إفساد المعاني، والقضاء على الغرض من اللغة. أما حقيقة الأمر في نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، فتتلخص في مذهبين: الأول:3 أنه ليس لحرف الجر إلا معنى واحد أصلي يؤديه على سبيل الحقيقية لا المجاز؛ فالحرف: "في" يؤدي معنى واحدًا حقيقيًا هو "الظرفية"، والحرف: "على" يؤدي معنى واحدًا حقيقيًا هو: "الاستعلاء"، والحرف: "من" يؤدي: "الابتداء"، والحرف: "إلى" يؤدي: "الانتهاء". . . و. . . وهكذا3. . . فإن أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الواحد الأصلي الخاص به

_ 1 و 1 وقد يعبرون عنها أحيانًا بقولهم: "بدل حرف جر من آخر"، كما في عبارة "المبرد" التي في رقم1 من هامش ص 540، والمراد من العبارتين وأشباههما هو: وضع حرف جر مكان آخر: أي: استبدال واحد بغيره من تلك الحروف. 2 جاء في "المغني" جـ2 الباب: السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين، والصواب خلافها، ما نصه في الأمر الثالث عشر: "قولهم: ينوب بعض حروف الجر عن بعض، وهذا أيضًا مما يتداولونه ويستدلون به. . .، وتصحيحه يكون بإدخال: "قد" على قولهم: "ينوب"؛ وحينئذ يتعذر استدلالهم به؛ إذ كان موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه: "لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة"، ولو صح قولهم لجاز أن يقال: مررت في زيد، ودخلت من عمرو، وكتبت إلى القلم، على أن البصريين ومن تابعهم يرون في الأماكن التي ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف: لأن التجوز في الفعل أسهل منه في الحرف". ا. هـ، وسيجيء الرأي البصري كاملًا مع غيره هنا. 3 و 3 وهو مذهب البصريين، وفيه يقول الهمع جـ2 الكتاب الثالث؛ باب حروف الجر، عند الكلام على الحرف "من" ما نصه: "تنبيه، علم مما حكى عن البصريين في هذه الأحرف من الاقتصار على معنى واحد لكل حرف أن مذهبهم أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس؛ كما أن أحرف الجزم كذلك. . . و. . .". ا. هـ، وأما الثاني فمذهب الكوفيين، والكلام عليه في ص 540 و 542.

وجب القول: بأنه يؤدي المعنى الآخر الجديد إما تأدية "مجازية" "أي: من طريق المجاز1، لا الحقيقية"، وإما تأدية، "تضمينية"2 "أي: بتضمن الفعل، أو: العامل الذي يتعلق به حرف الجر الأصلي3 ومجروره، معنى فعل أو عامل آخر يتعدى بهذا الحرف"، فحرف الجر مقصور على تأدية معنى حقيقي واحد يختص به، ولا يؤدي غيره إلا من طريق "المجاز" في هذا الحرف، أو من طريق "التضمين" في العامل الذي يتعلق به الجار الأصلي3 مع مجروره. فمن الأمثلة للمجاز: الحرف الأصلي "في"؛ فمعناه الحقيقي: "الظرفية" "أي: الدلالة على أن شيئًا يحوي بين جوانبه شيئًا آخر. . . و. . . كما سبق4، فإذا قلنا: "الماء في الكوب"، فهمنا أن الكوب يحوي بين جوانبه الماء؛ فيكون الحرف "في" مستعلًا في تأدية معناه الحقيقي الأصيل، ولكن إذا قلنا: "غرد الطائر في الغصن. . ."، لم نفهم أن الغصن يحوي في داخله وبين جوانبه الطائر المغرد؛ لاستحالة هذا، وإنما نفهم أنه كان على الغصن وفوقه، لا بين ثناياه. فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس بمعناه الحقيقي الأصيل، فالمعنى الجديد؛ وهو: "الفوقية"، أو"الاستعلاء" إنما يؤديه حرف آخر مختص بتأديته، هو: "على" فلو راعينا الاختصاص وحده لقلنا: غرد الطائر على الغصن، فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس من اختصاصه، بل هو من اختصاص غيره، وهذه التأدية ليست على سبيل الحقيقية، وإنما هي على سبيل المجاز، واجتمع للحرف: "في" الشرطان اللذان لا بد من تحققهما لصحة استعمال المجاز5، فالظرفية بما تقتضيه من تمكن وثبات شبيهة بالاستعلاء الذي يقتضي التمكن والثبات أيضًا؛ فاستعملنا "الظرفية" مكان الحرف لدال على "الاستعلاء"؛

_ 1 وفي هذه الحالة يجب أن يتحقق للمجاز ركناه الأساسيان؛ وهما؛ العلاقة، والقرينة، انظر معناهما في رقم5 من هذا الهامش. . . 2 سبق شرح "التضمين" في هذا الجزء ص168 من باب: تعدية الفعل ولزومه"، ولأهميته سجلنا له بحثًا خاصًا مستقلًا آخر هذا الجزء ص 564، وبعدها رأيي الخاص في: "التضمين". 3 و 3 وملحقه. 4 الكلام عليه في ص 507. 5 هما: "العلاقة أي: الصلة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه"، "والقرينة التي تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي الجديد".

تبعًا لذلك، وكل هذا على سبيل "الاستعارة"؛ وهي نوع من المجاز، والقرينة الدالة على أنه مجاز "أي: على أن الحرف: "في" مستعمل في غير معناه الأصلي" وجود الفعل: "غرد"؛ إذ لا يقع التغريد في داخل الغصن؛ وإنما يكون فوقه، فهذه القرينة هي المانعة من إرادة المعنى الأصلي. ومن الأمثلة: للمجاز أيضًا: "على": فهو حرف جر يقتصر عند أصحاب هذا الرأي على معنى حقيقي واحد؛ هو: "الاستعلاء"، فإذا قلنا: "الكتاب على المكتب"، فهمنا هذا المعنى الحقيقي الدال على أن شيئًا معينًا فوق آخر، فالحرف مستعمل في معناه الأصيل، لكن إذا قلنا: "اشكر المحسن على إحسانه"، لم تفهم الاستعلاء الحقيقي، ولم يرد على خاطرنا أن الشكر قد حل واستقر فوق الإحسان؛ لاستحالة هذا، وإنما الذي يخطر ببالنا هو أن المراد: "اشكر المحسن لإحسانه"؛ فالحرف: "على" قد جاء في مكان: "اللام" التي معناها: "السببية"، أو"التعليل"، فأفاد ما تفيد اللام، ولكن إفادته على سبيل "الاستعارة" وهي نوع من المجاز؛ ذلك أن لام التعليل تفيد التمكن والاتصال القوي بين السبب والمسبب، أو بين العلة والمعلول؛ والاستعلاء يشبهها في أنه يفيد التمكن والاتصال بين الشيئين؛ فهذا التشابه صح استعمال الاستعلاء مجازًا، مكان السببية والتعليل، وتبع ذلك استعمال الحرف الدال على الاستعلاء مكان الحرف الدال على السببية، والقرينة الدالة على أن الحرف: "على" مستعمل في غير حقيقته وجود الفعل: "شكر" إذ لا يستقر الشكر فوق الإحسان، ولا يوضع فوقه وضعًا حقيقيًا، لاستحالة هذا، كما سبق. ومثل ما سبق يقال في بقية حروف الجر يؤدي الواحد منها معنيين أو أكثر. أما أمثلة التضمين1 في العامل فمنها قول بعض الأدباء: "نأيت من صحبة فلان بعد أن سقاني بمر فعاله"، والأصل: "نأيت عن صحبة فلان، بعد أن

_ 1 بعض الأمثلة السابقة صالح "للتضمين في الفعل مع بقاء حرف الجر على معناه الحقيقي"، وكذا نظائرها.

سقاني من مر فعاله"، ولكنه ضمن الفعل: "نأي" الذي لا يتعدى هنا بالحرف "من" معنى فعل آخر يتعدى بها؛ هو: "بعد، أو: "ضجر"؛ فالمراد: بعدت، أو: ضجرت من صحبة فلان، كما ضمن الفعل: "سقى" الذي لا يتعدى هنا "بالباء" معنى فعل آخر يتعدى بها؛ هو: "آذى"، أو"تناول" فالمراد: "آذاني" أو: "تناولني" بمر فعاله، وكذلك: "شربت بماء عذب"؛ فإن الفعل "شرب" قد ضمن معنى الفعل: "روي" فالأصل: رويت، وهكذا بقية حروف الجر. والمذهب الثاني1: أن قصر حرف الجر على معنى حقيقي واحد، تعسف وتحكم لا مسوغ له، فما الحرف إلا كلمة، كسائر الكلمات الاسمية والفعلية، وهذه الكلمات الاسمية والفعلية تؤدي الواحدة منها عدة معان حقيقية2، لا مجازية، ولا يتوقف العقل في فهم دلالتها الحقيقية فهمًا سريعًا، فما الداعي لإخراج الحرف من أمر يدخل فيه غيره من الكلمات الأخرى، ولإبعاده عما يجري على نظائره من باقي الأقسام؟ إنه نظيرها؛ فإذا اشتهر معناه اللغوي الحقيقي، وشاعت دلالته، بحيث يفهمها السامع بغير غموض، كان المعنى حقيقيًا لا مجازيًا، وكانت هذه الدلالة أصيلة لا علاقة لها بالمجاز، ولا بالتضمين ولا بغيرهما، فالأساس الذي يعتمد عليه هذا المذهب في الحكم على معنى الحرف بالحقيقية هو شهرة المعنى اللغوي الأصلي المراد وشيوعه،

_ 1 وهو مذهب الكوفيين، كما يصرح كثير من النحاة والحق أنه ليس مقصورًا عليهم؛ بل يشاركهم فيه بعض أئمة النحاة من غيرهم؛ كالمبرد وهو بصري، فقد جاء في كتابه الكامل "جـ 3 ص 46 طبعة مطبعة الفتوح، عند شرحه لبيت أبي النجم الذي صدره: "سبي الحماة، وابهتى عليها". . . "وقد سبق البيت لمناسبة أخرى في هامش ص 476"، ما نصه: "حروف الخفض، يريد: حروف الجر، يبدل بعضها من بعض إذا وقع الحرفان في معنى، في بعض المواضع؛ قال الله عز وجل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على، وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي: بأمر الله:. . .، وقال العامري: "إذا رضيت علي بنو قشير. .." أي: عني، وهذا كثير جدًا". ا. هـ. ففي تلك الأمثلة ونظائرها أبدل حرف جر من آخر بمعناه، أي حل في مكانه. 2 والمراد هنا ما يشمل: "الحقيقة، اللغوية الأصلية، والحقيقة العرفية".

بحيث يتبادر ويتضح سريعًا عند السامع؛ لأن هذه المبادرة علامة الحقيقة، وإن من يسمع قول القائل: "كانت في الصحراء، ونفد ما معي من الماء، وكدت أموت من الظمأ، حتى صادفت بئرًا شربت من مائها العذب ما حفظ حياتي التي تعرضت للخطر من يومين. . ."، سيدرك سريعًا معنى الحرف: "من" وقد تكرر في هذا الكلام بمعان لغوية مختلفة: أولها: بيان الجنس، وثانيها: السببية، وثالثها: البعضية، ورابعها: الابتداء. . . و. . . كذلك من يسمع قول القائل: "إني بصير في الغناء: يستهويني، ويملك مشاعري إذا كان لحنه شجيًا، وعبارته رصينة؛ كالأبيات التي مطلعها: رب ورقاء هتوف في الضحا ... ذات شجو صدحت في فنن .................................... ... فإن المعاني اللغوية المقصودة من الحرف: "في" ستبتدر إلى ذهنه، فالأول: للإلصاق، والثاني: للظرفية، والثالث: للاستعلاء، وكل واحد من المعاني السالفة يقفز إلى الذهن سريعًا بمجرد سماع حرف الجر خلال جملته، وهذا علامة الحقيقة1، كما سبق. فإذا كان المعنى المراد هو من الشيوع، والوضوح وسرعة الورود على الخاطر بالصورة التي ذكرناها، ففيم المجاز أو التضمين أو غيرهما؟ إن المجاز أو التضمين أو نحوهما يقبلان، بل يتحتمان حين لا يبتدر المغني المراد إلى الذهن، ولا يسارع الذهن إلى التقاطه؛ بسبب عدم شيوعه شيوعًا يجعله واضحًا جليًا، وبسبب عدم اشتهاره شهرة تكفي لكشف دلالته في يسر وجلاء، أما إذا شاع واشتهر وتكشف للذهن سريعًا، فإن هذا يكون علامة الحقيقية1 كما قلنا فلا داعي للعدول عنها، ولا عن قبولها براحة واطمئنان2. وهذا رأي نفيس أشار بالأخذ به والاقتصار عليه كثير من المحققين3.

_ 1و 1 سواء أكانت حقيقة لغوية أصلية أم عرفية، كما سبق، في رقم2 من هامش الصفحة المتقدمة. 2 انظر الزيادة والتفصيل في الصفحة التالية. 3 كصاحبي: المغني، والتصريح، وكالصبان، والخضري في باب: "حروف الجر" عند الكلام على الحرف: "من" وشرح بيت ابن مالك الي أوله: "بعض، وبين، وابتدئ في الأمكنة. . ." فقد وصفوا المذهب الثاني وهو المذهب "الكوفي" بأنه أقل تكلفًا وتعسفًا. ويشاركهم فيه صاحب "الهمع طبقًا للبيان الذي سبق في رقم3 من هامش ص 537، وكما في ص540". وفي الأخذ به تيسير، ووضوح، وابتعاد عما يكون في المجاز، ومنه الاستعارة أحيانًا من تعقيد والتواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا شك أن المذهب الثاني1 نفيس كما سبق؛ فمن الأنسب الاكتفاء به؛ لأنه عملي سهل، بغير إساءة لغوية، وبعيد من الالتجاء إلى المجاز، والتأويل، ونحوهما من غير داع؛ فلا غرابة في أن يؤدي الحرف الواحد عدة معان مختلفة، وكلها حقيقي2 كما قلنا، ولا غرابة أيضًا في اشتراك عدد من الحروف في تأدية معنى واحد؛ لأن هذا كثير في اللغة، ويسمى: المشترك اللفظي3.

_ 1 وهو الذي اشتهر بنسبته للكوفيين مع أن لهم فيه شركاء آخرين كما أسلفنا في رقم1 من هامش ص 540. 2 سواء أكانت الحقيقة لغوية أم عرفية كما سبق في رقم2 من هامش ص 540. 3 الحق أنه لا سبيل للحكم على معنى من معاني المشترك اللفظي بأنه "مجازي"، أو أن في عامله "تضمينًا"؛ لأن هذا يقتضينا أن نعرف المعنى الأصلي الذي وضع له اللفظ أولًا، واستعمل فيه، ثم انتقل منه بعد ذلك إلى غيره من طريق "المجاز أو التضمين"، أي: أنه لا بد من معرفة أقدم المعنيين في الاستعمال؛ ليكون هذا الأقدم هو الأصلي، ويكون المتأخر عنه وهو الحادث مجازًا أو تضمينًا، وهذا أمر لم يتحقق حتى اليوم في أكثر المعاني التي يؤديها كل حرف من حروف الجر، وهي معان مرددة في أفصح الكلام العربي قرآنًا وغير قرآن، ولا سبيل للحكم القاطع بأن معنى معينًا منها أسبق في الاستعمال في معنى آخر، وإذا لا سبيل للحكم الوثيق بأن واحدًا من تلك المعاني هو وحده الحقيقي، وأن ما عداه هو "المجازي أو التضميني"، بل إن هذا يلاحظ في كل معنى مجازي آخر يجري في غير الحرف، ولا يقال: إن المعنى الحسي أسبق في الغالب وجودًا من العقل المحض؛ لا يقال هذا؛ لأنه لا يصدق على حالات متعددة، وفوق هذا أيضًا يكاد يكون الحك بالأسبقية مستحيلًا إذا كان المدلولان عقليين معًا "أي: غير حسيين". وقد رأى أحد المستشرقين ضرورة وضع معجم خاص يوضح أقدمية الكلمات في استعمالها، وتاريخ ميلادها؛ ليمكن القطع بعد هذا بالمعاني الحقيقية والمجازية وتجرد لهذه المهمة، ولكن منيته عاجلته في أول مراحل العمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهناك سبب آخر يؤيد أصحاب هذا المذهب الثاني؛ هو أن الباحثين متفقون على أن المجاز إذا اشتهر معناه في زمن ما، وشاع بين الناطقين به، انتقل هذا المجاز إلى نوع جديد آخر يسمى: "الحقيقة العرفية"، "ولها بحث مستفيض في مكانها من أبواب علم البلاغة"، ومن أشهر أحكامها: أنها في أصلها مجاز قائم على ركنين أساسيين: علاقة بين "المشبه والمشبه به"، و"قرينة"، تمنع من إرادة المعنى الأصلي، فإذا اشتهر المجاز في عصر أي عصر1، وشاع استعماله مع وضوح المراد منه، تناسى الناس أصله، واختفى ركناه، واستغني عنهما وعن اسمه، ودخل في عداد نوع جديد يخالفه، يسمى: "الحقيقة العرفية" فلو سلمنا أن حرف الجر لا يؤدي إلا معنى واحدًا أصليًا، وأن ما زاد عليه ليس بأصلي، لكان بعد اشتهاره وشيوعه في المعنى الجديد داخلًا في الحقيقة العرفية، وهي ليست بمجاز في صورتها الحالية الواقعة، لا في الصورة السابقة، المتروكة نهائيًا، المنسية كأن لم تكن.

_ 1 ولو كان من غير عصور الاحتجاج.

بحث مستقل في "مذ" و"منذ" من الوجهتين اللفظية، والمعنوية 1: قال الباحث: طالما أنعمت النظر في هاتين الكلمتين، ورجعت إلى ما دونه فيهما النحاة واللغويون، فكنت أجد أحيانًا عنتًا ومشقة في استخلاص حكم، أو تلخيص خلاف، أو دفع إشكال، ذلك بأن هذه المادة مبعثرة في الكتب قديمها وحديثها؛ فما في هذا ليس في ذاك، مع كثرة الآراء واشتداد الخلاف، وتباين التفسيرات والشروح. فما زلت في مراجعة وبحث، حتى اجتمع لي من ذلك فصل صالح، حاولت أن أذلل فيه ما استصعب، وأن أشرح ما خفي، بالموازنة والترجيح. ولا أدعي أني أحطت بالموضوع جميعه؛ فهذا ما لا سبيل إليه في وجيز كهذا. ولكنني أرجو أن أكون قد عبدت الطريق، ومهدت السبيل للباحثين والمستفيدين، فأقول: أ- يقع مذ ومنذ2 اسمين:

_ 1 هذا بحث واف، سبق في ص 299 و 520 أن وعدنا بتسجيله آخر هذا الجزء؛ لعظيم أثره لدى المتخصصين، وليكون لكبار الطلاب تدريبًا على البحث، والتحقيق، والتمحيص، وقد جمع أكثر المفرق من مسائل "مذ ومنذ" وأحكامهما، وتميز بآراء صائبة استقل بها صاحبه، وإن كان بعضها مختلطًا، أو مفتقرًا لمزيد تحقيق، أو قوة استدلال تحمل على الإقناع، وقد نقلناه كاملًا بشروحه وهوامشه، وربما أبدينا تعليقًا على بعضها عن الجزء الثالث من مجلة المجمع اللغوي القاهري، "ص 354 وما بعدها" حيث سجلته لعضو جليل من أعضاء المجمع السابقين، هو: الأستاذ أحمد العوامري، رحمة الله عليه. 2 قال في الهمع: وكسر ميمها لغة. ا. هـ، وفي الخضري؛ والراجح أن أصل "مذ": "منذ"، حذفت النون تخفيفًا؛ بدليل ضمها لملاقاة ساكن، كمذ اليوم. ولولا هذا لكسرت في أصل التخلص، وبعضهم بضمها بلا ساكن أصيلًا. ا. هـ.

1- إن كان ما بعدها اسمًا مرفوعًا، معرفة، أو نكرة معدودة لفظًا، أو معنى كما سيأتي. 2- أو كان ما بعدها فعلًا ماضيًا1. 3- أو كان ما بعدها جملة اسمية. فالحالة الأولى "وفيها الأسماء المرفوعة نكرة معدودة"، نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومان، أو عشرة أيام، أو خمسة عشر يومًا، أو عشرون يومًا، أو مائة يوم، أو ألف يوم، أو ألفا يوم، أو سنة، أو شهر أو يوم2. ومثال المعرفة ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة. فمذ أو منذ اسم مبتدأ3، والخبر واجب التأخير معهما، وجوز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما.

_ 1 فلا يجوز: مذ يقوم؛ لأن عاملهما لا يكون إلا ماضيًا، فلا يجتمع مع المستقبل. ا. هـ، صبان. 2 على أن يكون اليوم هو الفلكي المقسم ساعات، لا الوقت من طلوع الشمس إلى غروبها، كما سنفصله. 3 قال الخضري عند قول ابن عقيل: "فمذ اسم مبتدأ إلخ" ما يأتي: وسوغه كونها معرفة في المعنى؛ لأنها إن كان الزمان ماضيًا، كما في المثال الأول "وهو قول ابن عقيل: ما رأيته مذ يوم الجمعة"، فمعناها: أول مدة عدم الرؤية كذا، وإن كان حاضرًا، كما في المثال الثاني "وهو قول ابن عقيل: ما رأيته مذ شهرنا، "وهو ما خالف فيه أكثر العرب، كما سيمر بك"، أو كان معدودًا كما رأيته: "مذ يومان"، فمعناه نفي المدة، أي: مدة عام الرؤية شهرنا، أو يومان. ا. هـ. وفي تأويل خبريتهما كلام كثير وتكلف لا يعنينا وفي الصحاح: ويصلح أن يكونا اسمين، فترفع ما بعدهما على التاريخ، أو على التوقيت، فتقول في التاريخ: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وتقول في التوقيت: ما رأيته مذ سنة، أي: أمد ذلك سنة، ولا تقع ها هنا إلا نكرة؛ لأنك لا تقول: مذ سنة كذا. ا. هـ. وقوله: "ولا تقع ههنا إلا نكرة"، يريد بقوله: "ههنا" حالة إرادة التوقيت؛ لأنك لو قلت مثلًا: "مذ أو منذ عشرين للهجرة"، فمعناه ما قرر الجوهري: أمد ذلك سنة عشرين للهجرة، وهو لغو. أقول: ولا أرى ما يمنع أن ندخل نحو هذا المثال في باب "التاريخ"، فيكون معنى "ما حصل كذا مذ أو منذ عشرين للهجرة، مثلًا": أول انقطاع الحصول سنة عشرين للهجرة. ولم يفرق "القاموس" بين التاريخ والتوقيت، فقال: أرخ الكتاب، وأرخه، وآرخه: وقته. ا. هـ، وفي شرحه للزبيدي: وقال الصولي: تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه، ومنه قيل: فلان تاريخ قومه، أي: إليه ينتهي شرفهم، ورياستهم. ا. هـ. وقال في المصباح: "الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، وكل شيء قدرت له حينًا فقد وقته توقيتًا. ا. هـ. فعلى تعريف الصولي للتاريخ، وتعريف المصباح للتوقيت يتضح المقام في التفرقة بينهما.

والحالة الثانية، نحو: ركب أخي مذ أو منذ حضرت السيارة، فمذ أو منذ اسم منصوب المحل على الظرفية، والعامل فيه "ركب"، وهو مضاف إلى الجملة بعده، وهذا هو المشهور، وقيل: هما مبتدآن1. والحالة الثالثة نحو: فما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع ... وليدًا وكهلًا حيث شبت، وأمردا فمذ هنا ظرف لمضمون ما قبله، ومضاف إلى الجملة بعده، على المشهور. ب- وتقعان حرفين2. 1- بمعنى: "من" الابتدائية، إن كان المجرور ماضيًا معرفة؛ نحو: ما قابلت صديقي مذ أو منذ يوم الأربعاء، أي: من يوم الأربعاء3. 2- بمعنى: "في"، إن كان المجرور حاضرًا معرفة، نحو ما قرأت مذ أو منذ اليوم، أو عامنا، أو شهرنا، أو أسبوعنا أو منذ هذا الأسبوع أو هذا الشهر، أو هذه السنة، مثلًا ولا يجوز في الحاضر بعدها إلا الجر عند أكثر العرب.

_ 1 وكذا قيل في الحالة الثالثة الآتية أيضًا: قال الخضري: والجملة بعدهما خبر، بتقدير زمن مضاف إليها "أي: إلى الجملة"، والتقدير في: "جئت مذ دعا" وقت المجيء هو زمن دعائه، وفي البيت المار، "فما زلت أبغي الخير إلخ": أول وقت طلبي الخير هو وقت كوني يافعًا: فجملة مذ إلخ مستأنفة كما مر. ا. هـ. 2 قال في الهمع: ومذ ومنذ لا يجران إلا الظاهر من اسم الزمان أو المصدر. . . وأجاز المبرد أن يجرا مضمر الزمان؛ نحو: يوم الخميس ما رأيته منذه، أو مذه. ورد بأن العرب لم تقله. ا. هـ. وكونهما حرفين في هذه الأحوال الثلاثة هو مذهب الجمهور، وقيل: هما ظرفان في موضع نصيب بالفعل قبلهما ورد هذا المذهب بما لا محل له هنا. 3 قال في الهمع: ويجوز وقوع المصدر بعدهما، نحو: ما رأيته مذ قوم زيد، بالرفع والجر، وهو على تقدير حذف زمان، أي: مذ زمن قدوم زيد، ويجوز وقوع "أن" وصلتها بعدهما، نحو: ما رأيته مذ أن الله خلقني، فيحكم على موضعها بما حكم به للفظ المصدر، من رفع أو جر، وهو على تقدير زمان أيضًا. ا. هـ، قال الشاطبي: أما إن كسرت "أي: إن" فالاسمية متعينة. ا. هـ. "وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم4 من هامش ص519 وفي ص521".

3- بمعنى: "من وإلى" معًا، فيدخلان على الزمان الذي وقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه، ويشترط حينئذ. أولًا: أن يكون الزمان نكرة، معدودًا لفظًا؛ كمذ يومين. ثانيًا: أو أن يكون معدودًا معنى: كمذ شهر. لأنهما لا يجران المبهم، أي: ما عملت كذا من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها، وعما عملت كذا من ابتداء شهر إلى انتهائه. والمراد بالمبهم هنا: الوقت النكرة غير المعدودة لفظًا أو معنى، نحو: "برهة" ولا ينافيه قول زهير بن أبي سلمى: لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين مذ جحج ومذ دهر1 لأن الدهر متعدد في المعنى2. ويأتون بهذا البيت أيضًا شاهدًا على قلة الجر بعد "مذ" في الماضي، أما "منذ" فما بعده يترجح جره في الماضي3.

_ 1 المراد بالحجر: حجر ثمود، وقوله: أقوين، أي: خلون. 2 نقلنا هذا التعليل عن الصبان؛ وهو أيضًا في غيره من كتب المتقدمين. 3 ما قاله الباحث هنا في تعريف: "الظرف المبهم" لا يشمل أنواعًا كثيرة نص عليها النحاة في تعريفهم الدقيق، الذي عرضناه في رقم2 من هامش ص252، وبه تزول بعض الشبهات التي اعترضت الباحث.

تنبيهات وإيضاحات: أ- قد رأيت في الأحوال الثلاث التي يقع فيها مذ ومنذ حرفين. 1- أن المجرور وقت1. 2- وأن هذا الوقت متصرف2.

_ 1 ما يسأل به عن الوقت كالوقت، بشرط أن يكون مما يستعمل ظرفًا، فتقول: مذ كم؟ ومنذ متى؟ ومنذ أي وقت؟ ولا تقول: منذ ما؛ لأن "ما" لا تكون ظرفًا. ا. هـ، صبان. أي: فتقول مثلًا: "ا" منذ كم يومًا ركبت البحر؟ كما يجوز أن تقول: منذ كم ركبت البحر، بحذف التمييز للعلم به، وفي حالة ذكر التمييز هنا يجوز نصبه وجره بمن مضمرة، وقال في الهمع عند الكلام على وقوع الاسم مجرورًا بعدهما ما يلي: "والجمهور على أنهما حينئذ حرف جر، لإيصالهما الفعل إلى "كم" كما يوصل حرف الجر، تقول: منذ كم سرت، كما تقول: بكم اشتريت". ا. هـ. وتقول: "2" منذ متى نمت؟ "3" منذ أي وقت طار أخوك؟ وتقول في الإجابة عن "1": ركبت منذ أو منذ ليلتين وعن "2": نمت منذ أو مذ مساء اليوم الماضي وعن "3": طار أخي منذ أو مذ طلوع الفجر، مثلًا. ومعنى الإجابة الأولى: ركبت من ابتداء الليلتين إلى انتهائهما ومعنى الإجابة الثانية: نمت من مساء اليوم الماضي، بوضع "من" الابتدائية في مكان مذ أو منذ ومعنى الإجابة الثالثة: طار أخي منذ زمن طلوع الفجر، على تقدير "زمن" مضاف إلى المصدر، فمنذ أو مذ، بمعنى "من" الابتدائية هنا أيضًا، ويجوز في هذا المثال رفع "طلوع"، ويكون المعنى حينئذ: أول طيرانه وقت طلوع الفجر. وقد جازت هذه الإجابات الثلاث في الإثبات؛ لأن العامل متطاول فيها جميعًا، وسيمر بك معنى "التطول" والتمثيل له. 2 فلا تقول: ما رأيته منذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، وقال ابن عقيل:. . . نحو: سحر إذا أردته من يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف، كقوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} . ا. هـ، فقال الخضري: "قوله نحو سحر": مثال لما لزم الظرفية قط فلا يخرج عنها أصلًا، إذا كان معينًا. واعتراضه "يقصد العلامة الصبان" بأنه متصرف، بدليل: "نجيناهم بسحر" فيه نظر ظاهر؛ لأن هذا غير معين، كما هو صريح الشرح، والكلام في المعين. ا. هـ. وفي اللسان:. . . ولقيته سحرًا، بلا تنوين ولقيته بالسحر الأعلى "أي: في أعلى السحرين، وهما سحر مع الصبح وسحر قبله. ا. هـ، من الأساس". . . ولقيته سحر يا هذا، إذا أردت به سحر ليلتك لم تصرفه؛ لأنه معدول عن الألف واللام، وهو معرفة، وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة ولا ألف ولام. . . وإذا نكر "سحر" صرفته كما قال تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أجراه، "أي: صرفه"؛ لأنه نكرة، كقولك: نجيناهم بليل، قال: فإذا ألقت العرب منه الباء لم يجروه، فقالوا: فعلت هذا سحر يا فتى. . . وقال الزجاج، وهو قول سيبويه: سحر: إذا كان نكرة؛ يراد سحر من الأسحار، وانصرف، تقول. . . أتيت زيدًا سحرًا من الأسحار، فإذا أردت سحر يومك قلت: أتيته سحر يا هذا. . . وتقول: سر على فرسك سحر يا فتى. ا. هـ. بقي "سحر" المنصرف"، فهل يجوز أن تقول: ما رأيته مذ أو منذ سحر؟ والجواب: لا؛ لأنهما لا يجران المبهم، كما مر بك.

3- وأنه معين لا مبهم، وقد فسرنا معنى الإبهام آنفًا. 4- وأنه ماضي أو حاضر، لا مستقبل، لما تقدم. ب- وقد رأيت في عاملها في هذه الأحوال الثلاث: 1- أنه فعل ماض. 2 وأنه منفي يصح تكرره. وقد يأتي مثبتًا بشرط أن يكون متطاولًا، نحو: سرت منذ يوم الخميس، والمراد بالتطاول: أن يكون في طبيعة الحدث معنى الاستمرار كالسير، فإن من شأنه التطاول، وكالنوم، والمشي، والكلام؛ وهكذا. . . وتوفية للمقام، نذكر عبارة الخضري في هذا الموضوع، قال: "شرط عاملهما كونه ماضيًا، إما منفيًا يصح تكرره، كما رأيته منذ يوم الجمعة، أو مثبتًا متطاولًا، كسرت منذ يوم الخميس، بخلاف: قتلته، أو ما قتلته منذ كذا، فإذا قلت: ما قتلت منذ كذا، بلا هاء، صح؛ لأن القتل المتعلق بمعين لا يكرر، بخلاف غيره، ما لم يتجوز بالقتل عن الضرب، فتدبر". ا. هـ. فقوله: "بخلاف: قتلته. . . إلخ"، كأن تقول مثلًا: قتلته، أو ما قتلته مذ أو منذ يوم الجمعة، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى "من" الابتدائية وكأن تقول: مثلًا: قتلته، أو ما قتله مذ أو منذ سنتين، مثلًا، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى من وإلى معًا، فكل هذا غير جائز. أقول: فهبنا قلنا مثلًا: قتلته مذ أو منذ يومنا، مما تكون فيه مذ أو منذ بمعنى "في"، فعلى مقتضى إطلاق كلامهم لا يجوز مثل هذا، لبقاء السبب، وهو: عدم تطاول العامل في حالات الإثبات، ولكني أرى أنه سائغ، إذ ما الذي يمنعنا أن نقول مثلًا: قتلته اليوم، أو في هذا اليوم الحاضر؟ وواضح أنه يجوز لك أن تقول أيضًا: ما قتلت مذ أو منذ يومنا، وما قتلته

مذ أو منذ يومنا، فكلامهم في "التطاول" و"صحة التكرر" مجمل يفتقر إلى تفصيل وتوضيح1. هذا، ولم أجد فيما لدي من المراجع مثالًا للحدث غير المتطاول إلا "القتل". وإني مورد أمثلة له فيما يلي للإيضاح، لا للحصر فأقول: أولًا: أو مضى، أو ومضى وفسر الزمخشري الإيماض بأنه لمع خفي، قال: وشمت ومضة برق كنبضة عرق. ا. هـ. فالإيماض غير متطاول كالقتل؛ لأنه عبارة عن لمع خاطف كرجع البصر، أو نبضة العرق، فلا يصح أن نقول مثلًا: ومض البرق مذ أو منذ يوم الخميس، أي: من يوم الخميس، كما لا يجوز أن نقول مثلًا: أو مضى البرق مذ أو منذ ليلتين: من ابتدائهما إلى انتهائهما2. ولكن يصح أن نقول مثلًا: أو مضى البرق مذ أو منذ ليلتنا، أي: في ليلتنا كما صح أن تقول مثلًا: قتلته مذ أو منذ يومنا، كما قررته آنفًا، كما يصح أن تقول مثلًا: ما أومض البرق مذ أو منذ يوم الجمعة، أي: من يوم الجمعة، وما أومض البرق منذ أو مذ ليلتنا، أي: ليلتنا، وما أومض البرق مذ أو منذ ليلتين؛ لأن الحدث هنا يصح تكرره. ثانيًا: شرق، أي: بدا وظهر، فيقال: شرقت الشمس، إذا بدت من المشرق. وكذا القمر، أو النجم، فالشروق غير متطاول؛ لأنه مجرد الظهور، وهو ملامسة الأفق، وهو لا يستغرق من الوقت إلا ما لا يكاد يذكر، فلا يقال مثلًا في الإثبات: شرقت الشمس مذ أو منذ ساعتين، أي: من ابتدائهما إلى انتهائهما. كما أوضحنا مثل هذا من قبل، كما لا يصح أن يقال في النفي مثلًا:

_ 1 ردًا على الباحث أقول: إن التطاول متحقق في المثال الأخير المنفي؛ فكلامهم واضح، وهو الصحيح وتؤيده النصوص المسموعة الدالة على أنهما بمعنى: "في". بشرط التكرر، أو التطاول، لا مجرد "في". 2 قد فسر ابن الأعرابي الوميض بأن يومض إيماضة ضعيفة، ثم يختفي، ثم يومض. . . فهذا التكرر المتعاقب قد ينزل منزلة الفعل المتطاول فيما يظهر لي، فيصح أن تقول مثلًا: أومض البرق مذ أو منذ يوم الخميس، أي استمر هذا منه، على هذا التفسير.

ما شرقت الشمس مذ أو منذ دقيقتين1؛ لأن شروق الشمس لا يمكن تكرره في أثناء دقيقتين بالنسبة لأفق واحد، وكذا يقال في سائر الكواكب؛ لأنهما كلها بحسبان، فهب نجمًا بعينه يتم دورته في ثلاث سنين مثلًا، فإنه لا يجوز أن يقال: ما شرق هذا النجم منذ أو منذ ثلاث سنين؛ لأنه لا يمكن أن يتكرر شروقه في هذه المدة، ويجوز أن يقال: ما شرق نجم مذ أو منذ ساعتنا، وذلك؛ لأنه شروق متعلق بغير معين، فيجوز تكرره. ولا تقول: شرق هذا النجم، أو نجم مذ أو منذ السبت، ولكنك تقول في الإثبات، على ما استظهرت آنفًا: شرق هذا النجم، أو نجم، مذ أو منذ ساعتنا أو ليلتنا، مثلًا. ثالثًا: سنح قال في الأساس: من المجاز: سنح له رأي، أي عرض له. ا. هـ، وفي المصباح: وسنح لي رأي في كذا: ظهر، وسنح الخاطر به: جاد. ا. هـ. فأنت ترى أن عروض الرأي حدث غير متطاول؛ لأنه طروء فاجئ، فإذا حصلت الفكرة فقد انقطع السنوح، وذلك لا يستغرق إلا وقتًا يسيرًا؛ لا يمكن أن يوصف بالتطاول، فلا نقول مثلًا: سنحت لي فكرة كذا مذ أو منذ يوم الخميس، أي: من يوم الخميس، ولا: سنحت لي فكرة كذا منذ ساعتين. ولكنك تقول، على ما استظهرت آنفًا: سنحت لي فكرة كذا منذ يومنا، أو مذ هذه الساعة، أو الدقيقة، مثلًا. وتقول أيضًا، مثلًا: ما سنحت لي فهذه الفكرة مذ أو منذ ساعتين؛ لأن سنوح فكرة بعينها يمكن تكرره في أثناء ساعتين، ولكن لا يمكن أن تقول: ما سنحت لي فكرة مذ أو منذ ساعتين، مثلًا: أم ومذ أو منذ يومنا، لاستحالة مثل هذا عادة، في حال الإنسان الطبيعية. فقد رأيت في الأفعال الثلاثة المتقدمة، وما فرعنا عليها من الأمثلة أنها ليست كلها سواء2، فقد يجوز في استعمال أحدها مع مذ أو منذ لا يجوز في الآخر. فالمسألة إذًا راجعة لمعنى الفعل الخاص عند استعماله مع مذ أو منذ، في الإثبات

_ 1 هذا وما حمل عليه مما ينفرد به الباحث مفتقر لتأييد. 2 في كلام الباحث ما يحتاج إلى التمحيص.

أو النفي، وما قد يلابسه من تطاول أو تكرر أو عدمهما. ج- ما اشترط في مجرور مذ ومنذ وفي عاملهما، يشترط في حالة رفع ما بعدهما. د- لا تدخل "من" على مذ أو منذ، ولا يصح العكس أيضًا. وقد وقعت "إلى" بعدهما، حيث لا مانع من وقوعها1، فقد جاء في اللسان: "قال سيبويه: أما "مذ" فيكون ابتداء غاية الأيام والأحيان، كما كانت "من" فيما ذكرت لك، ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها، وذلك قولك: ما لقيته مذ يوم الجمعة إلى اليوم، ومذ عدوة إلى الساعة، وما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه، فجعلت اليوم أول غايتك، وأجريت في بابها كما جرت "من" حيث قلت: من مكان كذا إلى مكان كذا، وتقول: ما رأيته مذ يومين، فجعلته 2غاية، كما قلت أخذته من ذلك المكان، فجعلته2 غاية: ولم ترد منتهى، هذا كله كلام سيبويه". ا. هـ، عبارة اللسان. فقد وضع سيبويه "إلى" بعد "مذ"، ولم أر ذلك في أمثلة غيره من النحويين فيما بين يدي من المراجع، أما في كلام البلغاء فكثير، ففي كتاب "الأوراق" للصولي، في أخبار الراضي بالله: وكان "الراضي" يقول: أنا مذ3 حبسني القاهر عليل إلى وقتي هذا. ا. هـ، وفي البخلاء للجاحظ: أعلم أني منذ يوم ولدتها إلى أن زوجتها. . . ا. هـ، إلى غير ذلك. وقول سيبويه: "ما رأيته مذ يوم الجمعة إلى اليوم" مذ فيه بمعنى "من"، وقوله: "ما لقيته مذ اليوم إلى ساعتك هذه"، مذ فيه بمعنى "من" الابتدائية أيضًا؛ لأن عدم اللقاء وقع في الماضي واتصل بالحال، كما يجوز أن تقول، فيما أرى:

_ 1 احترازًا من نحو: ما عملت كذا مذ أو منذ لحظتنا، فإنه لا يجوز أن تقع "إلى" هنا بعدها، كما هو ظاهر. 2 انظر المراد من الغاية في ص 553، وأنه ابتداء الغاية. . . 3 يلاحظ أن "مذ" في هذا المثال الذي أورده الباحث، ليست حرف جر، أي: ليست مما نحن فيه، ولم يوضح الباحث المراد الدقيق من "الغاية"، وقد سبق أن عرضنا لمعناها وأنه يختلف كما في رقم1 من هامش ص460، وفي رقم2 من هامش ص 468. . . و. . .

ما حدث كذا من اليوم إلى هذه الساعة1. وقوله: "وتقول: ما رأيته مذ يومين. . . إلخ"، يريد قوله: "فجعلته غاية"، أي جعلت معنى: "مذ يومين" ابتداء الغاية لانقطاع الرؤية، وقوله: "ولم ترد منتهى"، يريد أنك أردت ابتداء الغاية وحدها، ولم تتعرض للمنتهي، ولكنا رأينا فيما سقناه آنفًا لمعنى هذا المثال أنه يتضمن ابتداء الغاية ومنتهاها. وقوله: "ومذ غدوة إلى الساعة"، "مذ" فيه بمعنى "من"، فيجب أن يكون ما بعدها معرفة، فيتعين أن تكون "غدوة" هنا من يوم بعينه، ولإيضاح المقام تورد ما جاء في اللسان قال: الغدوة: بالضم البكرة، ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، وغدوة من يوم بعينه غير مجراه2، علم للوقت. . . وفي التهذيب: وغدوة معرفة لا تصرف. قال النحويون: إنها لا تنون، ولا يدخل فيها الألف واللام. . . ويقال: أتيته غدوة، غير مصروفة؛ لأنها معرفة؛ مثل: سحر، إلا أنها من الظروف المتمكنة. تقول: سير على فرسك غدوة وغدوة وغدوة وغدوة، فما نون من هذه فهو نكرة، وما لم ينون فهو معرفة، والجمع غدًا3. ا. هـ. ونحوه في الصحاح. وإذا رجعنا إلى عبارة اللسان هذه نجده يقول: " ... لأنها "أي: غدوة" معرفة، مثل سحر، إلا أنها من الظروف المتمكنة"4 ...

_ 1 سبق أن "مذ ومنذ" يقعان حرفين بمعنى "في" إن كان المجرور "معرفة" حاضرًا، وقد مثل النحاة بنحو: ما رأيته مذ أو منذ يومنا، أو اليوم، فقد يتوهم من مثال سيبويه هذا أن "منذ" فيه بمعنى: "في"؛ لأن "أل" فيه تفيد الحضور. ولكن سيبويه لما أتى "بإلى" بعد "مذ" صار المعنى عليه: انقطع لقائي له من ابتداء هذا اليوم، واستمر هذا الانقطاع إلى وقت المتكلم، فالمضي في المثال واقع أما إذا قلتك ما لقيته مذ اليوم، أو يومنا، أو هذا اليوم، مثلًا، ولم تزد، فقد اعتبرت اليوم بأجمعه وقتًا حاضرًا، فتكون "مذ" بمعنى "في"، هذا ما ظهر لي. ا. هـ، تعليق الباحث. 2 يعني أنها ممنوعة من الصرف، وهو تعبير قديم للنحويين، ولهذا الكلام صلة وثيقة بما قيل عنها في ص260. 3 قال في اللسان، والغداة كالغدوة، وجمعها غدوات. . . ويقال: آتيك غداة غد، والجمع الغدوات، مثل قطاة وقطوات. ا. هـ. 4 راجع ما يتصل بالكلام على: "سحر" في ص262.

فيلخص مما مر من الكلام على "غدوة وسحر" أنهما يجتمعان في الامتناع من الصرف، إذ أريدا من يوم بعينه، فأما "سحر"؛ فلأنه معدول عن الألف واللام. وأما غدوة فللعلمية والتأنيث، كما يجتمعان في أنهما كليهما من الظروف المتصرفة إذا لم يرادا من يوم بعينه. ويفترقان في أن "سحر غير متصرف إذا أريد من يوم بعينه، فلا يرفع على الابتداء أو الخبر مثلًا، كأن تقول: سحر جميل، أو هذا سحر ولكنك تقول مثلًا: بين أسحار الأسبوع الماضي سحر جميل، بخلاف: غدوة، فإنها متصرفة، ولو أريدت من يوم بعينه، فتقول مثلًا: غدوة جميلة، كما تقول: كان بين غدا هذا الأسبوع غدوة جميلة. وقال الأشموني: "الظرف المتصرف منه منصرف نحو. . . ومنه غير منصرف، وهو غدوة وبكرة، علمين لهذين الوقتين"، فقال الصبان: "قوله علمين لهذين الوقتين"، أي: علمين جنسيين، بمعنى أن الواضع وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين، أعم من أن يكونا من يوم بعينه أولًا. ا. هـ. وإنما أطلنا القول في "غدوة" و"سحر"، وأكثرنا من الأمثلة فيهما، لما يغشاهما من الإجمال والإبهام في كلام اللغويين والنحويين، حتى إن العلامة الصبان على جلال قدره أشكل عليه الأمر في "سحر"، وإليك البيان. فقد قال الأشموني: والظرف غير المتصرف، منه منصرف وغير منصرف. فالمنصرف نحو: سحر، وليل، و. . . غير مقصود، بها كلها التعيين. ا. هـ. فقال الصبان: فيه أن سحرًا. . . متصرفة، ومن خروج سحر عن الظرفية وشبهها قوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، فكيف جعلها من غير المتصرف. ا. هـ. وقد مر بك رد العلامة الخضري عليه، "فراجعه في رقم2 من هامش ص548". هـ- قد تقدم1 أنهم جوزوا أن يقال مثلًا: ما قابلته مذ أو منذ دهر، أو شهر، على أن يكون مذ أو منذ بمعنى من وإلى معًا؛ لأن الدهر والشهر في حكم المعدود.

_ 1 في ص 547.

فيظهر على هذا أنه يجوز أن يقال أيضًا: ما قابلته مذ أو منذ زمن؛ لأن الدهر من معانيه الزمن، فقد جاء في المصباح: الدهر يطلق على الأبد، وقيل: هو الزمان قل أو كثر، وقال الأزهري: والدهر عند العرب يطلق على الزمان، وعلى الفصل من فصول السنة، وأقل من ذلك. ا. هـ. ولكن بعض العلماء يعدون "الزمن" أو"الزمان" من المبهم، فقد جاء في حاشية العلامة الخضري على ابن عقيل ما يأتي؛ وشرط الزمان المجرور بهما كونه متعينًا لا مبهمًا، كمنذ زمن. ا. هـ، ولكن جاء في الأشموني أن "بعضهم يقول: مذ 1 زمن طويل"، فلعله يعتبر الوصف نوعًا من التعيين. وكما يقال: مذ أو منذ دهر، يقال أيضًا: مذ أو منذ أدهر، أو دهور2، ومذ أو منذ أزمن، أو أزمان، أو أزمنة قال: "وربع عفت آياته منذ أزمان"3. وكذا يقال: مذ أو منذ حقب، أو حقوب، أو حقب، أو حقب4 أو حقاب، أو أحقاب إلى غير ذلك من كل متعدد لفظًا، أو ما هو في حكم المتعدد. وليت شعري هل قال العرب مثلا: مذ أو منذ دهرين، أو زمنين، أو حقبين كما جمعوا، فقالوا: أحقاب وأزمان، مثلًا؟ الظاهر أنهم لم يقولون ذلك، اكتفاء بالجمع عند المبالغة، على أن تثنيته لا مانع منها صناعة. و يظهر أن ابن هشام لا يشترط التعريف في مجرور "مذ" و"منذ"، إذا كانا بمعنى "من"، فيقول في التوضيح: "ومعنى مذ ومنذ ابتداء الغاية، إن كان الزمان ماضيًا، كقوله: "أقوين مذ حجج ومذ ذهر"، وقوله: "وربع عفت آياته منذ أزمان"، فأقره شارحه الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري، فقال بعد "أقوين إلخ": من حجج، وقال بعد: "وربع إلخ": أي: من أزمان".

_ 1 بضم "مذ" في بعض اللغات، وإن لم يقع ساكن بعدها. 2 قال في اللسان: وجمع الدهر أدهر، ودهور. 3 قال الصبان: وقوله: "منذ أزمان"، قال قاسم: لعل هذا من العدد فيكون بمعنى "من" و"إلى" معًا. ا. هـ. 4 قال في اللسان: والحقب الدهر، والأحقاب الدهور، وقوله تعالى: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} : معناه سنة، وقيل: معناه سنين. ا. هـ.

وقد رأيت فيما ذكرناه آنفًا أن مذ ومنذ، إذا كان بمعنى "من"، كان مجرورهما معرفة، فقد قال ابن عقيل: "وإن وقع ما بعدهما مجرورًا فهما حرفًا جر بمعنى "من"، إن كان المجرور ماضيًا"، فقال العلامة الخضري: "قوله بمعنى من"، أي: البيانية1 هذا إذا كان المجرور معرفة كمثاله، فإن كان نكرة فهما بمعنى "من" و "إلى" معًا، ولا تكون النكرة إلا معدودة لفظًا، كمذ يومين، أو معنى، كمذ شهر، لما مر من أنهما لا يجران المبهم. ا. هـ، ونحو ذلك في الأشموني، قال:. . . ثم إن كان ذلك "في مضي فكمن هما" في المعنى، نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة. ا. هـ. ويتضح من ذلك أن في الموضوع مذهبين: أحدهما يشترط تعريف مجرور مذ ومنذ إذا كان بمعنى "من"، مع مضي الزمن، والثاني لا يشترط غير مضي الزمن 2. ز قال العلامة الشيخ ياسين بن زين الدين العليمي الحمصي في حاشيته على شرح التوضيح، عند قول المتن: "أحدهما أن يدخلا على اسم مرفوع، نحو: ما رأيته مذ يومان"، ما يأتي: "قوله: مذ يومان"، قال الزرقاني: قال الرضي: قال الأخفش: لا تقول: ما رأيته مذ يومان وقد رأيته أمس ويجوز أن يقال: ما رأيته مذ يومان، وقد رأيته أول من أمس أما إذا كان وقت التكلم آخر اليوم فلا شك فيه؛ لأنه يكون قد تكمل لانتفاء الرؤية يومان. . . قال: ويجوز أن يقال في يوم الاثنين مثلًا: ما رأيته منذ يومان: وقد رأيته يوم الجمعة ولا تعتد بيوم الإخبار ولا يوم الانقطاع، قال: ويجوز أن تقول: ما رأيته منذ يومان، وأنت لم تره منذ عشرة أيام، قال: لأنك تكون قد أخبرت عن بعض ما مضى أقول وعلى ما بينا، وهو أن منذ لا بد فيه من معنى الابتداء في جميع مواقعه، لا يجوز ذلك3".

_ 1 قال العلامة الصبان عند قول ابن مالك: "وإن يجرا في مضي فكمن" ما يأتي: "قوله: فكمن"، أي: الابتدائية. ا. هـ، وهو أولى وأظهر من تسمية الخضري إياها بالبيانية. 2 اللهم إلا إذا كان ابن هشام يريد النص على ابتداء الغاية عند مضي الزمن، فسكت عن "إلى"، فلا منافاة على هذا بين قوله هذا وقول سائر النحاة. 3 يظهر أن اسم الإشارة راجع إلى ما مثل به، ابتداء من قوله: "ويجوز أن تقول في يوم الاثنين مثلًا. . ." إلى قوله: "ما مضي"، وذلك؛ لأن عدم الاعتداد بيوم الانقطاع، ينافي معنى الابتداء الذي يفيده مذ ومنذ، وكذا يقال في المثال الثاني.

وقال: "إنهم يقولون: منذ اليوم ولا يقولون: منذ الشهر؛ ولا: منذ السنة. ويقولون: منذ العام، قال: وهو على غير القياس قال: ولا يقال: منذ يوم، استغناء بقولهم: منذ أمس، ولا يقولون: منذ الساعة، لقصرها فإن كان جميع ما قاله مستندًا إلى السماع فبها ونعمت، وإلا فالقياس جواز الجميع، والقصر ليس بمانع؛ لأنه جوز: "منذ أقل من ساعة". ا. هـ. المراد من كلام الشيخ ياسين. أقول: قد أسلفنا القول في امتناع أن يقال مثلًا: ما رأيته مذ أو منذ يوم، لا لتلك العلة التي نقلها ياسين عن الأخفش، بل؛ لأن منذ ومذ لا يجران إلا النكرة المعدودة، أو التي في حكم المعدودة، إذا كانا بمعنى من وإلى معًا. وقوله: "ولا يقولون: منذ الساعة، لقصرها"، هذا هو أحد معانيها، وهو الوقت القليل، فقد جاء في اللسان: والساعة الوقت الحاضر. . . والساعة في الأصل تطلق بمعنيين: أحدهما أن تكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءًا، هي مجموع اليوم والليلة، والثاني أن تكون عبارة عن جزء قليل من النهار أو الليل. يقال: جلست عندك ساعة من النهار، أي وقتًا قليلًا منه. ا. هـ. فإذا قلت مثلًا، على القول بالجواز: طال العصفور مذ أو منذ الساعة، فمعنى مذ أو منذ هنا: "في"، أي: طار في هذا الوقت الحاضر، وهذا واضح، كما قال ياسين، والقصر ليس بمانع. وأما ما قاله ياسين من أنه جوز أن يقال: منذ أقل ساعة، فمعناه: منذ وقت أقل من ساعة، فنذ فيه بمعنى "من" "على رأي ابن هشام ومن تابعه، كما قررنا في "و"، فتقول مثلًا: حضر فلان مذ أو منذ أقل من ساعة، أي: من زمن وجيز. بقي المعنى الثاني للساعة، وهي أنها جزء من أربعة وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة، فهذه الساعة محدودة؛ لأنها مقسمة أيضًا أقسامًا متساوية؛ هي الدقائق الفلكية، والقصر الذي هو علة المنع فيما قال الأخفش، منتف فيها

فتقول مثلًا: ما كتبت مذ أو منذ الساعة، أي: في هذا الوقت المقدر بستين دقيقة، كما تقول مثلًا: كتبت مذ أو منذ الساعة، وفي الإثبات؛ لأن الفعل متطاول هذا ما نستظهره. ح- وهناك موضوع له شبه واتصال بما قررنا في الفقرة السابقة، ذلك أن ما قلنا آنفًا: إن "يومًا" من المبهم؛ فلا يجوز: مذ أو منذ يوم، فهذا ما مثل به النحاة، ففي الصبان عند قول الأشموني: "فإن كان المجرور بها نكرة. . . إلخ ما يأتي: "قوله نكرة"، أي معدودة، إذ لا يجوز: منذ يوم". ا. هـ، والظاهر أن النحاة لم يدخلوا "اليوم" في باب ما هو في حكم المعدود، وألحقوه بالمبهم، لاختلاف اللغويين في معناه، فمنها أنه من طلوع الشمس إلى غروبها، ومنها أنه مطلق الزمان، إلى غير ذلك. وأما المعنى الآخر الذي نقلناه عن اللسان فيما تقدم، فقد حدث في الحضارة الإسلامية، وهو في حكم المعدود، ذلك أن تقول مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ يوم، كما لك أن تقول: مذ أو منذ ليلة، لهذا الاعتبار، كما قالوا: مذ أو منذ شهر، أو سنة. وكذلك يقال في الساعة والدقيقة الفلكيتين، فنقول مثلًا: قرأ القارئ مذ أو منذ ساعة، ما قرأ منذ أو مذ ساعة، وكلمني صديقي مذ أو منذ دقيقة، قياسًا سائغًا لا غبار عليه. وقد خطر لي وأنا أكتب هذان لفظ: هنيهة أو هنية، ففي المصباح: الهن خفيف النون كناية عن كل اسم جنس، والأنثى: هنة؛ ولامها محذوفة، ففي لغة هي هاء؛ فيصغر على: هنيهة، ومنه يقال: سكت هنيهة أي: ساعة لطيفة، وفي لغة هي: واو، فيصغر في المؤنث على: هنية، وجمعها "أي: هنة" هنوات، وربما جمعت على هنات، على لفظها، مثل: عدات وفي المذكر: هني. ا. هـ. وإنما تعرضت لهذه الكلمة، لكثرة دورانها على الألسن والأقلام في مختلف شؤون الحياة، فهي ليست من المعدود لفظًا أو حكمًا، ولا يمكن ضبطها بقياس.

ومثل هنيهة أو هنية: "لحظة"، للزمان اليسير، ففي الأساس: وفعل ذلك في لحظة. ا. هـ، وفي شرح القاموس: ومما يستدرك عليه: اللحظة المرة من اللحظ ويقولون: جلست عنده لحظة، أي: كلحظة العين1، ويصغرونه لحيظة، والجمع لحظات. ا. هـ. وهذه الكلمة أيضًا شائعة جدًا، وحكمها حكم الهنيهة أو الهنية، لما قررنا من انبهامها، وأنها ليست من المعدود ولا ما هو في حكمه، وهل ثنوا هنيهة أو هنية "للوقت اليسير"، ولحظة، فقالوا مثلًا: جلس هنيهتين أو هنيتين؟ لعلهم لم يفعلوا؛ لأنه لا معنى لقولك مثلا: جلست وقتين لطيفين2. ولو أنهم فعلوا لجاز؛ نحو قولك: جلست مذ أو منذ لحظتين أو هنيهتين، كما تقرر آنفًا. وهل جمعوا هنيهة أو هنية "للوقت اليسير"، فقالوا مثلًا: جلس هنيهات، أو هنيات؟ الغالب أنهم لم يفعلوا، على ما وصل إليه اطلاعي، ولو أنهم فعلوا لجاز أن تقول مثلًا: جلست أو ما جلست عنده مذ أو منذ هنيهات. أما اللحظة فلعلهم لم يثنوها، والغالب أنهم جمعوها. على أن تثنية كل أولئك وجمعه جائز صناعة فلا كلام في هذا3. ط- وقد كنت أرجع في أثناء كتابة هذه العجالة إلى شرح الإمام موفق الدين أبي البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى سنة643 هـ، لمفصل الزمخشري، ورجعت أيضًا إلى شرح كتاب سيبويه للإمام أبي سعيد الحسن

_ 1 أي: فهو من باب نيابة المصدر عن الزمن، جلست عنده مقدار لحظة عين. 2 إلا إذا قلت مثلًا: جلست هنيهتين، عند محمد هنيهة، وعند علي هنيهة وكذا يقال في الجمع، وفي لحظة إذا استعملنا مثناها وجمعها هذا الاستعمال. 3 هناك أسماء أخرى كثيرة مبهمة تدل على الزمان بذاتها، أو بالنيابة عن المصدر: فحكمها ما قررنا. ومن ذلك وهو شائع وقت، وبرهة، وعهد، فيغلط الناس ويقولون: مذ أو منذ برهة، أو عهد أو وقت، اللهم إلا إذا قالوا: مذ أو منذ عهد طويل، أو برهة طويلًا مثلًا، فقد يجوز أن يلحق ذلك بما هو في حكم المعدود، "راجع تعليقنا على كلام الأشموني في ص555 آخر "هـ"، وليس لي في ذلك جزم، فليحرر.

ابن عبد الله بن المرزبان السيرافي المتوفى سنة 368هـ، فوجدت فيهما تعليقات طريقة تتصل بموضوع هذا البحث، آثرت أن أتحف القارئ بنتف منهما، ليرى كيف كان يكتب هذا الإمامان، ولتكمل بها الفائدة. قال الإمام ابن يعيش: 1- وأما الفرق بينهما "أي: "مذ ومنذ" الحرفيتين والاسميتين" من جهة المعنى، فإن "مذ" إذا كانت حرفًا دلت على أن المعنى الكائن فيما دخلت عليه، لا فيها نفسها، نحو قولك: زيد عندنا مذ شهر؛ على اعتقاد أنها حرف، وخفض ما بعدها، فالشهر هو الذي حصل فيه الاستقرار في ذلك المكان، بدلالة مذ على ذلك. وأما إذا كانت اسمًا ورفعت ما بعدها، دلت على المعنى الكائن في نفسها، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة، فالرؤية متضمنة "مذ" وهو الوقت الذي حصلت فيه الرؤية، وهو يوم الجمعة، كأنك قلت: الوقت الذي حصلت1 فيه الرؤية يوم الجمعة. ا. هـ. وقال: 2- والصواب ما ذهب إليه البصريون من أن ارتفاعه بأنه خبر والمبتدأ منذ ومذ، فإذا قلت: ما رأيته منذ يومان، كأنك قلت: ما رأيته مذ ذلك يومان. فهما جملتان، على ما تقدم، وإنما قلنا: إن "مذ" في موضع مرفوع بالابتداء؛ لأنه مقدر بالأمد، والأمد لو ظهر لم يكن إلا مرفوعًا بالابتداء، فكذلك ما كان في معناه". ا. هـ. وقال: 3- وله "أي: مذ أو منذ" في الرفع معنيان: تعريف ابتداء المدة، من غير تعرض إلى الانتهاء، والآخر تعريف المدة كلها.

_ 1 هذا نقل الباحث، فهل حصلت الرؤية؟

فإذا وقع الاسم بعدهما معرفة، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة. . .، ونحوه، وكان المقصود به ابتداء غاية الزمان الذي انقطعت فيه الرؤية وتعريفه. والانتهاء مسكوت عنه، كأنك قلت: وإلى الآن، ويكون في تقدير جواب "متى". وإذا وقع بعده نكرة، نحو: ما رأيته منذ يومان، ونحو ذلك، كان المراد منه انتظام المدة كلها، من أولها إلى آخرها، وانقطاع الرؤية فيها كلها. فإن خفضت ما بعدهما، معرفة كان أو نكرة، كان المراد الزمان الحاضر، ولم تكن الرؤية قد وقعت في شيء منه. ا. هـ. ويظهر أن أبا البقاء أراد بالمعرفة في قوله: "فإن خفضت ما بعدها. . . إلخ" نحو يومنا أو اليوم، في قولك مثلًا: ما رأيته مذ أو منذ يومنا، أو اليوم. ولم يرد نحو قولك: ما رأيته مذ أو منذ يوم الأربعاء1، أي: من يوم الأربعاء، كما تقدم، وذلك؛ لأن أبا البقاء يرفع "يوم" فيه وجوبًا، بدليل قوله آنفًا في فقرة 3: "فإذا وقع الاسم بعدها معرفة، نحو قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة. . . إلخ". أما الدلالة على الزمن الحاضر في حال جر مذ ومنذ للنكرة، فقد سلف لك أنك إذا قلت مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ شهرين "مما هو معدود"، أو شهر "مما هو في حكم المعدود"، كان المعنى أن الحدث انتفى من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها، فأنت إذا تقول مثلًا: ما كلمته مذ أو منذ شهر، تتكلم في نهاية الشهر، أي: ما وقع الكلام في هذا الشهر الحاضر، من أوله إلى آخره. هذا شرح الفقرة الأخيرة من كلام أبي البقاء، كما قدرت أن أوجهها. وقال الإمام السيرافي: 1- اعلم أن منذ ومذ جميعًا في معنى واحد، وهما يكونان اسمين وحرفين، غير أن الغالب على منذ أن تكون حرفًا، وعلى مذ أن تكون اسمًا. ا. هـ.

_ 1 قد سبق أن نحو هذا المثال يجوز فيما بعد مذ أو منذ فيه الرفع أو الجر.

2-. . . تقول: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وما رأيته منذ اليوم، وإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة: كان معناه: انقطعت رؤيتي له من يوم الجمعة، فكان يوم الجمعة لإبداء غاية انقطاع الرؤية، فمحل ذلك من الزمان كمحل "من" في المكان، إذا قلت: ما سرت من بغداد، أي: ما ابتدأت السير من هذا المكان. فكذلك: ما وقعت رؤيتي عليه من هذا الزمان. ا. هـ. 3-. . . وتقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة، وما رأيته مذ السبت. . . فإن قال قائل: فما حكم "مذ" في هذا الوجه، وتقديرها؟ قيل له: حكمها أن تكون اسمًا، وتقديرها أن تكون مبتدأة، ويكون ما بعدها خبرها، كأنك قلت: ما رأيته، مدة ذلك يوم السبت، فيكون على كلامين. . . وذلك أنك إذا قلت: ما رأيته مذ يوم الجمعة، فإنما معناه: انقطاع رؤيتي له ابتداؤه يوم الجمعة، وانتهاؤه الساعة، فتضمنت "من" معنى الابتداء والانتهاء. وإذا قلت ما رأيته مذ اليوم، فليس فيه إلا معنى ابتداء الغاية وانقطاعها، وهو "في" معنى، وانخفض ما بعدها. ا. هـ. 4-. . . وذلك أنك إذا قلت: لم أره مذ يومان، أو مذ شهران، أو نحو ذلك: مما يكون جوابًا لكم، فتقديره: لم أره وقتًا ما، ثم فسرت ذلك فقلت: أمد ذلك شهران، أو مدة ذلك شهران، فقولك مذ شهران جملة ثانية هي تفسير للوقت المبهم في الجملة الأولى، فهذا أحد تقديري مذ إذا رفعت ما بعدها. والتقدير الآخر أن تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة فيكون تقديره: فقدت رؤيته وقتًا ما، أوله يوم الجمعة فمذ في هذين الوجهين بمنزلة اسم مضاف: إما على تقدير: أمد ذلك، أو أول ذلك. ا. هـ.

5- تكميل: وفي المخصص: قال سيبويه: سألت الخليل رحمه الله عن قولهم؛ مذ عام أول1، ومذ عام أول، فقال: أول: ههنا صفة، وهو أول من عامك، ولكن ألزموه ههنا الحذف استخفافًا، فجعلوا هذا الحرف بمنزلة "أفضل منك" قال: وسألته رحمه الله عن قول العرب، وهو قليل: مذ عام أول، فقال: جعلوه ظرفًا في هذا الموضع، وكأنه قال: مذ عام قبل عامك. ا. هـ. قال الباحث: إلى هنا وقف القلم، وفي النفس شوق إلى المزيد، وتطلع إلى الاستيفاء، ولعلي أكون قد وفقت إلى ما أردت من توضيح وتسهيل، والله تعالى المستعان.

_ 1 انظر ما يتصل بكلمة: "أول" في ص 286، وكذا في جـ 3 م 95 ص 130 حيث الإيضاح المفيد.

بحث التضمين 1: أقوال العلماء في التضمين: قال أبو البقاء في كتابه "الكليات": التضمين: هو إشراب معنى فعل ففعل، ليعامل معاملته، وبعبارة أخرى: هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة. ثم قال: قال بعضهم: التضمين هو أن يستعمل اللفظ في معناه الأصلي، وهو المقصود أصالة، لكن قصد تبعية معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ، أو يقدر له لفظ آخر، فلا يكون التضمين من باب الكناية، ولا من باب الإضمار، بل من قبيل الحقيقة التي "فيها" قصد بمعناه الحقيقي معنى آخر يناسبه ويتبعه في الإرادة. وقال بعضهم: التضمين إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه لمعناه، وهو نوع من المجاز، ولا اختصاص للتضمين بالفعل، بل يجري في الاسم أيضًا، قال التفتازاني في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} : لا يجوز تعلقه بلفظه: الله، لكونه اسمًا لا صفة، بل هو متعلق بالمعنى الوصفي الذي

_ 1 هذا هو البحث الثاني الذي سبق أن وعدنا في رقم1 من هامش ص170 بتسجيله هنا، لعظيم أثره عند المتخصصين، وليكون صورة مرشدة من مسالك البحث العقلي الدقيق أمام كبار الطلاب، بالرغم من تشعبه الخيالي بغير سداد، وكثرة الخلاف الجامح فيه والوهم، كثرة معيبة تكشف عن نوع عنيف مرهق من البحوث الجدلية القديمة المقيمة، وقد نقلناه كاملًا من محاضر جلسات المجمع اللغوي القاهري في دور انعقاده الأول "ص209، وما بعدها" حيث سجلته تلك المحاضر، بقلم عضو جليل من أعضاء المجمع، هو الأستاذ حسين والي، رحمة الله عليه، وقد ألقاه على الأعضاء قبل تسجيله، ونقلناه معه بعض مناقشات قصيرة دارت بشأنه بين الأعضاء عرضه على المجمع اللغوي؛ لأهمية ذلك كله، وأردفناه ببحث لعضو مجمعي آخر، ألقاه في الجلسة نفسها ثم ختمنا برأي لنا خاص موجز، في هامش الصفحة الأخيرة: ص594 يتضمن التعليق على البحثين. ويلاحظ ما سبقت الإشارة إليه "في رقم1 من هامش ص 170 باختصار في باب: "تعدي الفعل، ولزومه"، وهو أن "الصبان" عرض للتضمين جـ2 كما عرض له "ياسين" في الجزء الثاني من حاشيته على التصريحِ، باب: "حروف الجر" عرضًا محمودًا، في نحو: أربع صفحات.

ضمنه اسم الله، كما في قولك، هو حاتم من طيئ، على تضمين معنى: الجواد. وجريانه في الحرف ظاهر في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ، فإن "ما" تتضمن معنى "إن" الشرطية، ولذلك جزم الفعل. وكل من المعنيين مقصود لذاته في التضمين، إلا أن القصد إلى أحدهما وهو المذكور بذكر متعلقه يكون تبعا للآخر وهو المذكور بلفظه، وهذه التبعية في الإرادة من الكلام، فلا ينافي كونه مقصودًا لذاته في المقام، وبه يفارق التضمين الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن كلا من المعنيين في صورة الجمع مراد من الكلام لذاته، مقصود في المقام أصالة، ولذلك اختلف في صحته مع الاتفاق في صحة التضمين. والتضمين سماعي لا قياسي1 وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله فإنه يكون أولى، وكذا الحذف والإيصال، لكنهما لشيوعهما صار كالقياس، حتى كثير للعلماء التصرف والقول بهما فيما لا سماع فيه، ونظيره ما ذكره الفقهاء من أن ما ثبت على خلاف القياس إذا ما كان مشهورًا يكون كالثابت بالقياس في جواز القياس عليه. وجاز تضمين اللازم المتعدي مثل: سفة نفسه"، فإنه متضمن لأهلك: وفائدة التضمين هي أن تؤدي كلمة مؤدي كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معًا قصدًا وتبعًا، فتارة يجعل المذكور أصلًا والمحذوف حالًا، كما قيل في قوله تعالى: {َلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} كأنه قيل: ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم، وتارة بالعكس، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، أي: يعترفون به مؤمنين. ومن تضمين لفظ معنى آخر قوله تعالى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، أي: لا تفتهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، أي:

_ 1 هذا رأي من عدة آراء متعارضة يجيء تفصيلها، واستخلاص حكم نهائي بعدها.

لا تضموها آكلين، {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، أي: من ينضاف في نصرتي إلى الله، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أي: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوه} ، أي: فلن تحرموه، فعدي إلى اثنين، {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ، أي: لا تنووه، فعدي بنفسه لا بعلي، {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} ، أي: لا يصغون، فعدى بإلي، وأصله يتعدى بنفسه، ونحو: "سمع الله لمن حمده"، أي: استجاب، فعدي باللام، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} ، أي: يميز. ومن هذا الفن في اللغة شيء كثير لا يكاد يحاط به. ومن تضمين لفظ لفظًا آخر قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} إذ الأصل: أمن؟ حذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما في "هل"، فإن الأصل أهل1؟ فإذا أدخلت حرف الجر فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك؛ كأنك تقول: أعلى من تنزل الشياطين؟ كقولك: أعلى زيد مررت، وهذا تضمين لفظ لفظًا آخر1. لقد ذكر أو البقاء عن بعض العلماء أن التضمين ليس من باب الكناية، ولا من باب الإضمار، بل من باب الحقيقة، إذا قصد بمعناه الحقيقي معنى آخر يناسبه ويتبعه في الإرادة. ويؤخذ من هذا أنه لا بد من المناسبة، وإنما يعرف المناسبة أهل العربية الذين لهم دراية بالعربية وأسرارها. وذكر عن بعضهم أن التضمين إيقاع لفظ موقع غيره، لتضمنه معناه، وهو نوع من المجاز. وقال: التضمين سماعي لا قياسي، وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله، فإنه يكون أولى. وذكر أمثلة لتضمين لفظ معنى لفظ آخر، ثم قال: "ومن هذا الفن في اللغة شيء كثير لا يكاد يحاط به".

_ 1و1 هنا غموض في العبارة التي سجلها البحث.

ويؤخذ من هذا التضمين قياسي. وقال ابن هشام في المغني: قد يشربون لفظَا لفظ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك: "تضمينًا"، وفائدته: أن تؤدي كلمة مؤدي كلمتين، قال الزمخشري ألا ترى كيف رجع معنى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك، مجاوزتين إلى غيرهم، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، أي: ولا تضموها آكلين لها؟ قال الدسوقي: قوله يشربون لفظًا معنى لفظ، هذا ظاهر في تغاير المعنيين، فلا يشمل نحو: "وقد أحسن بي"، أي: لطف، فإن اللطف والإحسان واحد. فالأولى أن التضمين إلحاق مادة بأخرى لتضمنها معناها ولو في الجملة، أعني باتحاد أو تناسب، قوله: "أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين": ظاهر في أن الكلمة تستعمل في حقيقتها ومجازها، ألا ترى أن ألا ترى أن الفعل من قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} ضمن معنى: يمتنعون من نسائهم بالحلف، وليس حقيقة الإيلاء إلا الحلف، فاستعماله في الامتناع من وطء المرأة إنما هو بطريق المجاز، من باب إطلاق السبب على المسبب؛ فقد أطلق فعل الإيلاء مرادًا به ذالك المعنيان جميعًا، وذلك جمع بين الحقيقة، والمجاز بلا شك، وهو، أي: الجمع المذكور إنما يتأتي على قول الأصوليين: إن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة، أما على طريقة البيانيين من اشتراط كونها مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، فقيل: إن التضمين حقيقة ملوحة لغيرها. وقدر "السعد" العامل مع بقاء الفعل مستعملًا في معناه الحقيقي، فالفعل المذكور مستعمل في معناه الحقيقي، مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، فقولنا: أحمد إليك فلانًا، معناه: أحمده منهيًا إليك حمده. ويقلب كفيه على كذا: أي نادمًا على كذا، فمعنى الفعل المتروك وهو المضمن معتبر على أنه قيد لمعنى الفعل المذكور.

وزعم بعضهم أن التضمين بالمعنى الذي ذكره "السعد"، وهو جعل وصف الفعل المتروك حالًا من فاعل المذكور يسمى تضمينًا بيانيًا، وأنه مقابل للنحوي 1. وقيل: إن التضمين من باب المجاز، ويعتبر المعنى الحقيقي قيدًا، وهذا هو الذي اعتبره الزمخشري، فعلى مذهب السعد يقال: ولا تأكلوا أموالهم ضاميها إلى أموالكم، وعلى مذهب الزمخشري نقول: ولا تضموها إليها آكلين. وقيل: التضمين من الكناية، أي لفظ أريد به لازم معناه. فالأقوال خمسة، وانظر ما بيان صفحة الأخير منها، تأمل. ا. هـ، تقرير الدردير. وقال الأمير: قوله: "وفائدته إلخ" ظاهر في الجمع بين الحقيقية والمجاز، وقيل: مجاز فقط، وقيل: حقيقة ملوحة بغيرها. وقدر "السعد" العامل، فزعم بعضهم أن تضمين بياني مقابل للنحوي. قول ابن هشام "قد يشربون لفظًا معنى لفظ" لا يخفى أن "قد" في عرف المصنفين للتقليل كما سيأتي، وعلى ذلك يكون التضمين قليلًا، ولكنه سيذكر في آخر الموضوع عن ابن جني أنه كثير، حتى قال الدسوقي: هذا ربما يؤيد القول بأن التضمين قياسي. وقد أشار الدسوقي إلى أن ابن هشام: "وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين" ظاهر في أن الكلمة تستعمل في حقيقتها ومجازها، والجمع بين الحقيقة والمجاز إنما يتأتى على قول الأصوليين: إن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة، أما على قول البيانيين يشترط أن تكون القرينة مانعة، فقيل: التضمين حقيقة ملوحة لغيرها، وقدر السعد العامل مع بقاء الفعل مستعملًا في معناه الحقيقي إلخ ما تقدم. وقيل: التضمين من باب المجاز، وقيل: من باب الكناية، وسيأتي شرح المذاهب في ذلك.

_ 1 في ص582 وما بعدها بيان النوعين.

وذكر ياسين على التصريح أن التضمين سماعي كما هو المختار1. ثم قال: واعلم أن كلام المصنف في المغني في تقريره التضمين في مواضع يقتضي أن أحد اللفظين مستعمل في معنى الآخر؛ لأنه قال في {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، أي: فلن تحرموه، وفي: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أي: لا تنووا. وحينئذ فمعنى قوله: "إنه إشراب لفظ معنى آخر". . .، أن اللفظ مستعمل في معنى الآخر فقط، فإن هذا هو الموافق لذلك التقرير، وإن احتمل أنه مستعمل في معناه ومعنى الآخر. وقول ابن جني في الخصائص: "إن العرب قد تتوسع فتوقع أحد الحرفين2 موقع الآخر، إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد، مع ما هو بمعناه" صريح في أنه مستعمل في معنى الآخر فقط. وعلى هذا فالتضمين مجاز مرسل؛ لأنه استعمال اللفظ في غير معناه لعلاقة بينهما وقرينة، كما سيتضح ذلك، وهذا أحد أقوال فيه. وقيل: إن فيه جمعًا بين الحقيقة والمجاز، لدلالة المذكور على معناه بنفسه، وعلى معنى المحذوف بالقرينة. وهذا إنما يقول به من يرى جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهو ظاهر قول المغني "إن فائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين"، فظاهر تعريفه مخالف لما ذكره من فائدته، فليتنبه لذلك. وعلى هذا القول جرى سلطان العلماء العز بن عبد السلام، فقال في كتاب "مجاز القرآن": "الفصل الثاني والأربعون في مجاز التضمين، وهو أن يضمن اسم معنى اسم لإفادة معنى اسمين، فتعديه تعديته في بضع المواضع، كقوله: "حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق"، فيضمن: "حقيق" معنى: "حريص"، ليفيد أنه محقوق

_ 1 ورد هذا النص في أول الجزء الثاني، باب "حروف الجر" في الفصل الذي عنوانه: ذكر معاني الحروف الجارة. 2 المراد: اللفظين مطلقًا، وليس المراد الحرف المقابل للاسم والفعل.

بقول الحق، وحريص عليه، ويضمن فعل معنى فعل، فتعديه أيضًا تعديته في بعض المواضع كقول الشاعر: "قد قتل الله زيادًا عني"، ضمن: قتل، معنى: صرف، لإفادة أنه صرفه حكمًا بالقتل، دون ما عداه من الأسباب، فأفاد معنى القتل والصرف جميعًا". ا. هـ، المقصود منه. وفيه تصريح بأن التضمين يجري في الأسماء بل صدر به. وقول المغني " إشراب لفظ" يشملها. فاقتصار "السعد" و"السيد" على بيانه في الأفعال، جار مجرى التمثيل لا التقييد، ودعوى أصالته في الأفعال مجردة عن الدليل. وقيل: إن المذكور مستعمل في حقيقته، لم يشرب معنى غيره، وعليه جرى صاحب الكشاف، وعجيب للمصنف في المغني حيث نقل كلامه بعد تعريف التضمين بما مر، فأوهم أنه يرى بما يقتضيه ذلك التعريف فتفطن له، وقال السعد في تقرير كلام الكشاف، وبيان أنه لا يرى أن من التضمين مجازًا، ولا الجمع بين الحقيقة والمجاز، وإنه مع استعماله في المذكور يدل على المحذوف ما نصه: حقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، ثم قال: إن الفعل المذكور مستعمل في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، نحو: أحمد إليك فلانًا، معناه أحمده منهيًا إليك حمده. وقد يعكس، كما يقال في: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، يعترفون به مؤمنين. وفي قوله: "مع فعل آخر" حذف مضاف أي مع حذف فعل. فإن قلت: المناسبة إنما هي بين الفعل المحذوف ومتعلقه المذكور لا بين الفعلين، قلت: لا بد من المناسبة بينهما، لا يقال: ضربت إليك زيدًا، أي: منهيًا إليك ضربه؛ ولا تكفي القرينة. واعترض عليه بأن في كلامه تناقضًا؛ لأن قوله: "مع فعل آخر يناسبه" غير ملائم لقوله: "مع حذف حال"، فإن الثاني يدل على أن المحذوف اسم هو حال، لا فعل، بخلاف الأول.

وأجيب بأن في كلامه تغليبًا وإطلاقًا للفعل عليه وعلى الاسم، أو أراد بالفعل معناه اللغوي، وكذا في قوله: "أن يقصد بالفعل"، ولا يخفي سقوطه على هذا الكلام وبعده عن المرام. وذلك أن الداعي للسعد على ما قاله، الفرار من الجميع بين الحقيقية والمجاز. والأصل تضمين الفعل لمثله، فالملاحظة في تضمين المذكور مثله، وأشير بالحال عند بيان المعنى إلى ذلك التضمن ولو قدر نفس الفعل، كان من الحذف المجرد، ولم يكن المحذوف في تضمن المذكور، وأيضًا في تقديره تكثير للحذف. وبهذا يظهر أنه من قال: لا تنحصر طرق التضمين فيما قال، وأن منها العطف، نحو: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ، أي: الرفث والإفضاء إلى نساءكم، فقد غفل عن الباعث على هذا القول، على أنه لم يدع أحد الحضر، وقال السيد: ذهب بعضهم إلى أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف بدل عليه ما هو من متعلقاته، فتارة يجعل المذكور أصلًا في الكلام والمحذوف قيدًا فيه، على أنه حال، كما في قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، كأنه قال: "لتكبروا الله حامدين على ما هداكم" وتارة يعكس، فيجعل المحذوف أصلًا والمذكور مفعولًا، كقوله: أحمد إليك فلانًا" كأنك قلت أنهي إليك حمده، أو حالًا كما يدل عليه قوله، "يعني الكشاف"، عند الكلام على قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب} ، أي: يعترفون به، فإنه لا بد من تقدير الحال، أي: يعترفون به مؤمنين، إذ لو لم يقدر لكان مجازًا عن الاعتراف لا تضمينًا، وقوله: على "أنه حال"، وقوله: "والمذكور مفعولًا" بمعنى أن المذكور يدل على ذلك كما يفيده قول السعد مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر. والظاهر أن السيد يوافقه على ذلك؛ لأنه لم يشر للرد عليه، كما هو دأبه عند مخالفته. فاندفع قول بعضهم: إن في جعله المذكور مفعولًا للمحذوف نظرًا ظاهرًا؛ لأن الفعل والجملة لا يقع واحد منهما مفعولًا لغير القول والفعل المعلق. فالصواب كون جملة: "أحمد" حالًا من فاعل: أنهى، والمعنى أنهى حمده إليك حال كوني حامدًا له، ويرد عليه أنه إن أراد أن جملة: "أحمد"

حال في التركيب ففاسد أوفى المعنى، فالذي وقع فيه حالًا إنما هو اسم الفاعل المحذوف بدلالة الفعل المذكور عليه، كما يشهد به قوله حال كوني حامدًا، وقد ذكر السعد أن هذا التركيب مما حذف فيه الحال، والظاهر أن السيد لم يقصد الرد عليه، وإنما أراد بيان وجه آخر، ليفيد أن ذلك أمر اعتباري لا ينحصر فيما قاله السعد. ومن العجيب أن بعضهم بعد ذكر كلام السعد والسيد قال: إنه لا ينحصر فيما قال السيد بل له طرق أخرى منها: أن يكون مفعولًا، كما في قولهم: أحمد إليك الله، أي: أنهى حمده إليك. ومن العجب أيضًا قوله في الجواب عن كلام البعض المتقدم، إن هذا من السبك بلا سابك كباب التسوية؛ وأنت قد عرفت أن هذا حذف كما نص عليه السعد لا سبك. هذا، وقد اتفق هذان المحققان السعد والسيد، على أن في "أحمد إليك زيدًا" تضمينًا. ووقع للمولى أبي السعود في أول تفسيره الفرق بين الحمد والمدح، بأن الحمد يشعر بتوجيه النعت بالجميل إلى المنعوت بخلاف المدح، وأنه يرشد إلى ذلك اختلافهما في كيفية التعلق بالمفعول في حمدته ومدحته، فإن تعلق الثاني تعلق عامة الأفعال بمفعولاتها، والأول مبني على معنى الإنهاء كما في قولك كلمته، فإنه معرب عما تفيده لام التبليغ في قولك: قلت له. ولا يخفى أن هذا مخالف لكلام القوم، ولا يثبت بشهادة من معقول أو منقول. فمن العجائب نقل شيخنا الدنوشري له في رسالة التضمين، وقوله: وهو كلام حسن ربما يؤخذ منه أن الإنهاء من مفهوم الحمد، فتعلق إلى به بالنظر لذلك، فلا حاجة إلى اإدعاء التضمين فيه، فليتأمل ذلك. ا. هـ. فإن أراد بكونه حسنًا حسن تراكيبه، فلا شك في ذلك، وإن أراد حسنه من جهة المعنى فلم يظهر، فإنه وإن أطال الكلام كما يعلم بالوقوف عليه، لم يأت فيه ببيان المرام.

بقي هنا أمران؛ الأول: ما أشار إليه السعد والسيد من أخذ الحال من المحذوف أو المذكور، لا شك أنهما وجهان متغايران عند من له في التحقيق يدان، وإنما الكلام في أنهما: هو يستويان دائمًا أو يترجح أحدهما في بعض الأحيان؟. والذي يقتضيه النظر وإليه يشير كلامهم، رجحان أحدهما على الآخر بحسب المقام، بل تعيينه كما لا يخفى على من له بالقواعد إلمام، فيترجح أخذها من المحذوف في: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، وإن جرى السيد على خلافه كما مر، فقد قال صاحب الكشاف: المعنى لتكبروا الله حامدين، ولم يقل لتحمدوا الله مكبرين، قال بعضهم: لأن الحمد إنما يستحق ويطلب لما فيه من التعظيم، وكما في حديث: "أن تؤمن بالقضاء. . ."، فالمعنى: أن تؤمن معترضًا بالقضاء؛ لا أن تعترف بالقضاء مؤمنًا؛ لأن "أن" والفعل يسبك بمصدر معروف، وهو لا يقع حالًا كما قال الرضي في الكلام على أن "إن" تكسر وجوبًا إذا وقعت حالًا، وإن كان لا يخلو عن نظر؛ لعدم وجوب كون المصدر المسبوك معرفة كما يأتي، ولما يدلان عليه من اسم الفاعل حكمهما، وفي بعضها يترجح أخذها من المذكور كما إذا ضمن العلم معنى القسم، نحو: علم الله لأفعلن، فالمعنى: أقسم بالله عالمًا لأفعلن لا عكسه؛ لأن "أقسم" جملة إنشائية لا تقع حالًا إلا بتأويل، واسم الفاعل الواقع حالًا قائم مقامها فيعطى حكمها، ونحو: "فأماته الله مائة عام"؛ لأن التقدير: ألبثه الله مائة عام مماتًا، لا أماته الله مائة عام ملبثًا؛ لأنه يلزم منه ألا تكون الحال مقارنة بل مقدرة، والأصل كونها مقارنة. وأما ما توهمه بعضهم من أنه صلة المتروك تدل على أن المقصود أصالة، فمردود بأنها إنما تدل على كونه مرادًا في الجملة؛ إذ لولاها لم يكن مرادًا أصلًا، بل إن الصلة لا يلزم أن تكون للمتروك كما دل عليه كلام البيضاوي في تفسير: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً} ، فإنه فسر "انتبذت" باعتزلت، وذكر أنه متضمن معنى: أتت، و"مكانًا" ظرف أو مفعول، ولا شك أن قوله: "من أهلها"، حينئذ متعلق "بانتبذت" الذي بمعنى: اعتزلت، لا بأتت. ومما يتفطن له أن المراد بالصلة ما له دلالة على التضمين؛ لارتباطه بالمحذوف

الذي في ضمن المذكور، فيشمل ما إذا ضمن اللازم معنى المتعدي، فإن التعدية حينئذ قرينة التضمين لا ذكر الصلة. وأما إذا ضمن فعل متعد لواحد معنى متعد لاثنين وبالعكس، كتضمن العلم معنى القسم كما مر، فإن القرينة إنما هو الجواب. الثاني: هل الخلاف في كون التضمين سماعيًا أو قياسيًا، مبني على الخلاف في أنه حقيقة أو مجاز إلى غير ذلك مما فيه من المذاهب؟ وهل ذلك في المجاز مبني على كون المجاز سماعيًا أو لا؟ والذي يخطر بالبال أنه على القول بأنه حقيقة لا تتوقف على سماع، واشتراط المناسبة بين اللفظين لا يقتضي ذلك كما لا يخفي، وأنه يلزم من كون مطلق المجاز قياسيًا قياسية هذا المجاز الخاص، خلافًا لبعضهم. قال في التلويح: المعتبر في المجاز وجود العلاقة المعلوم اعتبار نوعها في استعمال العرب، فلا يتشرط اعتبارها بشخصها، حتى يلزم في آحاد المجاز أن ينقل بأعيانها عن أهل اللغة، وذلك لإجماعهم على اختراع الاستعارات العربية البديعة التي لم تسمع بأعيانها من أهل اللغة، وهي من طرق البلاغة وشعبها التي بها ترتفع طبقة الكلام، فلو لم يصح لما كان كذلك، ولهذا لم يدونوا المجاز تدوينهم الحقائق، وتمسك المخالف بأنه لو جاز التجوز بمجرد وجود العلاقة لجاز: "نخلة" لطويل، غير إنسان، للمشابهة، و"شبكة" للصيد، للمجاورة، و"أب"، لابن، للسببية، واللازم باطل اتفاقًا. وأجيب بمنع الملازمة، فإن العلاقة مقتضية للصحة، والتخلف عن المقتضي ليس بقادح، لجواز أن يكون لمانع مخصوص، فإن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى. وذهب المصنف رحمه الله إلى أنه لم يجز نحو "نخلة" لطويل غير إنسان، لانتفاء شرط الاستعارة، وهو المشابهة في أخص الأوصاف، أي: فيما له مزيد اختصاص بالمشبه به، كالشجاعة للأسد. فإن قيل: الطول للنخلة كذلك، قلنا: لعل الجامع ليس مجرد الطول، بل مع فروع وأغصان في أعاليها، وطراوة وتمايل فيها.

ولا شك أن على القول بأن التضمين مجاز، فهو لغوي علاقته تدور على المناسبة، وهي مع أنها ليست مما نصوا عليه في العلاقات أمر مشترك بين أفراده، لكن الذكي يرجعها في كل موضع إلى ما يليق به، مما هو من العلاقات المعتبرة، وبذلك يمتاز بعض الأفراد عن بعض آخر، والتخلف في بعض الأفراد إن فرض لا يضر، كما علمت. هكذا ينبغي أن يحقق المقام، وقل من حققه مع إطالته الكلام. فتمم الكلام على بقية الأقوال، تقدم ثلاثة. والرابع: وهو الذي ارتضاه السيد، أن اللفظ مستعمل في معناه الأصلي، فيكون هو المقصود أصالة، لكن قصد بتبعيته معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ ويقدر له لفظ آخر، فلا يكون من الكناية ولا الإضمار، بل من الحقيقة التي قصد منها معنى آخر يناسبها ويتبعها في الإرادة، وحينئذ يكون واضحًا بلا تكلف. وهذه مبني على أن اللفظ يدل على المعنى، ولا يكون حقيقة، ولا مجازًا، ولا كناية، والسيد جوزه ومثله بمستتبعات التراكيب، وذلك أن الكلام قد يستفاد من عرضه معنى ليس دالًا عليه بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة، كما يفيد قولك: "آذيتني فستعرف" التهديد، "وإن زيدًا قائم" إنكار المخاطب. و"السعد" وغيره جعلوا ذلك كناية. والمراد من التبعية في قوله: "لكن قصد بتبعيته" التبعية في اللفظ، كما يصرح به قوله في حواشي المطول في بحث الاستعارة عند الكلام في قوله: "أسد علي وفي الحروب نعامة" لا ينافي تعلق الجار به إذا لوحظ مع ذلك المعنى ما هو لازم له، ومفهوم منه؛ من الجراءة والصولة. والفرق بين هذا الوجه والتضمين، أن في التضمين لا بد أن يكون المعنى المقصود من اللفظ تبعًا مقصودًا في المقام أصالة، وبه يفارق التضمين الكناية، وفي هذا الوجه لا يكون المعنى الملحوظ تبعًا مقصدًا في المقام أصلًا، كيف والمقام مقام التشبيه بالأسد على وجه المبالغة، وذلك يغني عن القصد إلى وصف الجراءة، والصولة مرة أخرى.

وبذلك يندفع قول ابن كمال باشا في رسالة التضمين: إن قيد: "يتبعه في الإرادة" يخرج المعنى الآخر عن حد الأصالة في القصد، والأمر في التضمين ليس كذلك، بل قد تكون العناية إليه أوفر، ومن العجب أنه نقل كلام حاشية المطول في تلك الرسالة. وأما الاعتراض على ما قاله "السيد" بأنه: كيف يعمل اللفظ باعتبار معنى لا يدل عليه، فلا يرد؛ لأن اللفظ دال عليه، لكنه لم يستعمل فيه. والخامس: أن المعنيين مرادان على طريق الكناية، فيراد المعنى الأصلي توصلا إلى المقصود، ولا حاجة إلى التقدير إلا لتصوير المعنى. قال السيد: وفيه ضعف؛ لأن المعنى المكنى به قد لا يقصد، وفي التضمين يجب القصد إلى كل من المضمن والمضمن فيه. ا. هـ. ولا يخفى أن "قد" علم القلة في عرف المصنفين، وجعلها المناطقة سور الجزئية. فمن الغريب قول بعضهم: إن أراد أنه لا يقصد أصلًا فممنوع؛ لتصريحهم بخلافه، وإن أراد التقليل أو التكثير لم يثبت المطلوب؛ لأن عدم إرادته في بعض المواضع لا ينافي إرادته في بعض الآخر. وحاصل ما أشار إليه السيد: أن الكناية في بعض الأحيان لا يقصد منها المعنى الأصلي، ولو كان التضمين منها لاستعمل استعمالها في وقت ما. ويجاب كما قال العصام: بأنه قد يجب في بعض الكناية شيء لا يجب في جنسها، ولذلك سمي باسم خاص. ا. هـ. فإن قيل: إذا شرط في التضمين وجوب إرادة المعنيين، نافي الكناية؛ لأن المشروط فيها جواز إرادته. أجيب: بأن المراد بالجواز الإمكان العام المقيد بجانب الموجود، لإخراج المجاز، لا الجواز بمعنى الإمكان الخاص؛ لظهور أن عدم إرادة الموضوع له لا مدخل له في خروج المجاز، حتى لو وجب إرادته خرج أيضًا، وأورد بعضهم على قول السيد: إن التضمين يجب فيه القصد إلى المعنيين، أنه ممنوع، وادعى أنه وارد على طريق الكناية، قال: ألا ترى أن معنى الإيمان جعلته في الأمان، وبعد

تضمينه بمعنى التصديق لا يقصد معناه الأصلي، وأرأيتك بمعنى أخبرني. "ا. هـ"، وهو باطل، لما أنه مفوت فائدة التضمين من أداء كلمة مؤدى كلمتين، وجعل: "أرأيتك" بمعنى: أخبرني من التضمين: غير ظاهر. والسادس: أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز كما بيناه في رسالتنا. وذكر بعضهم في التضمين قولًا آخر لو صح كان "سابعًا"، وهو: أن دلالته غير حقيقية؛ ولا تجوز في اللفظ، وإنما التجوز في إفضائه إلى المفعول، وفي النسبة غير التامة، ونقل ذلك عن ابن جني، وقال: ألا ترى أنهم حملوا النقيض على نقيضه، فعدوه بما يتعدى به، كما عدوا: "أسر" بالباء، حملًا: على "جهر" و"فضل" بعن حملا على "نقص"، ولا مجاز فيه قطعًا بمجرد تغيير صلته، وإنما هو تصرف في النسبة الناقصة. ا. هـ. وهذا القول مخالف لما نص عليه ابن جني في الخصائص، وقد تقدم كلامه فيها. ومن العجب أن هذا الناقل نقل كلامه في الخصائص، واستدل به المذهب في التضمين جعله مغايرًا لهذا، وحمل النقيض على النقيض ليس من التضمين، ولا قريب منه ليقرب به، ولهذا قابله بعضهم به، فإنه قال في المغني في بحث "على" وقد تكلم على قوله: "إذا رضيت على بنو قشير" يحتمل أن يكون "رضي" ضمن معنى: "عطف"، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط. ا. هـ. سأل الله تعالى الرضا بغير سخط، بفضله وكرمه. وبقي قول آخر: إن ثبت كان "ثامنًا"، واختاره المولى ابن كمال باشا حيث قال: وبالجملة لا بد في التضمين من إرادة معنيين من لفظ على وجه يكون كل منهما بعض المراد، وبه يفارق الكناية، فإن أحد المعنيين تمام المراد، والآخر وسيلة إليه، لا يكون مقصودًا أصالة، وبما قررناه اندفع ما قيل، والفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي، فلا دلالة له على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر، فلا دلالة على المعنى الحقيقي، وإن كان فيهما لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يمكن أن يقال ههنا ما يقال في الجمع بين المعنيين في صورة التغليب؛ لأن كلا من المعنيين ههنا مراد بخصوصه. ا. هـ، المقصود منه. ولا يخفى أنه لم يظهر الدفاع الجمع بين الحقيقة والمجاز في التضمين، لما

اعترف به من أن كلا من المعنيين مراد بخصوصه، ثم قال: إن التضمين على المعنى الذي قررناه، لا اشتباه بينه وبين المجاز المرسل؛ لأنه مشروط يتعذر المعنى الحقيقي، وهو فيه متعذر، نعم يلزم اندراجه تحت مطلق المجاز، وبين أن الحق أنه ركن مستقل من أركان البيان، كالكناية أو المجاز المرسل، وأنه فيه مندوحة عن تكلف الجمع بين الحقيقية والمجاز، وفي قوله: "إن المعنى الحقيقي في التضمين غير متعذر"، نظر؛ لأنه متعذر بواسطة القرينة كما عرف مما مر، ولا بد من المصير إلى المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأن القرينة في المجاز إنما تمنع من إرادة الحقيقية فقط، فاحفظه، فإنه مما يقع فيه الغلط. ثم إنه علم من كلامه أن في المذهب الذي اختاره السلامة من الجمع بين الحقيقة والمجاز اللازم على بعض الأقوال، وهو القول الثاني المتقدم، كما عرفت تحقيقه مما مر، فدعوى أن شبهة الجمع في التضمين مطلقًا واهية، دعوى باطلة، ولم يرد بذلك على السيد، كما لا يخفى على من راجع كلامه، وإن كلام السيد لا يتوهم فيه ذلك الجمع، فمن قال: إنه اعترض عليه بذلك فقد افترى. في كلام ياسين ثمانية أقوال في التضمين: الأول: أنه مجاز مرسل؛ لأن اللفظ استعمل في غير معناه لعلاقة وقرينة. الثاني: أن فيه جمعًا بين الحقيقة والمجاز لدلالة المذكور على معناه بنفسه، وعلى معنى المحذوف بالقرينة. الثالث: أن الفعل المذكور مستعمل في حقيقته لم يشرب معنى غيره، "كما جرى عليه صاحب الكشاف"، ولكن مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر المناسب، بمعونة القرينة اللفظية، كما ذكر السعد. وقال السيد: "ذهب بعضهم إلى أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف يدل عليه ما هو من متعلقاته"، وفيما مثل به جعل المحذوف أصلًا، والمذكور مفعلًا و"كأحمد إليك فلانًا"، أي: أنهى إليك حمده، بمعنى أن المذكور يدل على ذلك كما يدل على الحال، وقد أراد السيد بيان وجه آخر، ليفيد أن ذلك أمر اعتباري لا ينحصر فيما قاله السعد.

الرابع: أن اللفظ مستعمل في معناه الأصلي، فيكون هو المقصود أصالة، ولكن قصد بتبعيته معنى آخر، فلا يكون من الكناية ولا الإضمار. الخامس: أن المعنيين مرادان على طريق الكناية، فيراد المعنى الأصلي، توصلًا إلى المقصود، ولا حاجة إلى التقدير إلا لتصوير المعنى. السادس: أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز. السابع: أن دلالته غير حقيقية، ولا تجوز في اللفظ، وإنما التجوز في إفضائه إلى المعمول، وفي النسبة غير التامة، ونقل ذلك عن ابن جني، وقال: ألا ترى أنهم حملوا النقيض، على نقيضه، فعدوه بما يتعدى به، كما عدوا: "أسر" بالباء حملًا على: "جهر"، "وفضل" بعن حملًا على: "نقص". وقد علق هذا القول على الصحة. الثامن: أنه لا بد في التضمين من إرادة معنيين في لفظ واحد على وجه يكون كل منهما بعض المراد، وبذلك يفارق الكناية، فإن أحد المعنيين تمام المراد، والآخر وسيلة إليه لا يكون مقصودًا أصالة"، "وهذا اختيار ابن كمال باشا"، وقد علق هذا القول على الثبوت. وقال السيوطي في الأشياء، والنظائر: قال الزمخشري في شأنهم: يضمنون الفعل معنى فعل آخر؛ فيجرونه مجراه، ويستعملونه استعماله، مع إرادة معنى المتضمن. قال: والغرض في التضمين إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى. ألا ترى كيف رجع معنى: {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، أي: ولا تضموها إليها آكلين. ا. هـ. قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في حاشية الكشاف: فإن قيل: الفعل المذكور إن كان مستعملًا في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. قلنا: هو في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر بمعونة

القرينة اللفظية؛ فمعنى يقلب كفيه على كذا: نادمًا على كذا، ولا بد من اعتبار الحال، وإلا كان مجازًا لا تضمينًا، وكذا قوله: "يؤمنون بالغيب" تقديره: معترفين بالغيب. ا. هـ. وقال ابن يعيش: الظرف منتصب على تقدير "في"، وليس متضمنًا معناها حتى يجب بناؤه لذلك، كما وجب بناء نحو: "من وكم " في الاستفهام، وإنما "في" محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف، فهي في حكم المنطوق به، ألا ترى أنه يجوز ظهور "في" معه، نحو قمت اليوم وقمت في اليوم، ولا يجوز ظهور الهمزة من "من وكم" في الاستفهام، فلا يقال: أمن؟ ولا أكم؟ وذلك من قبل أن "من وكم" لما تضمنا معنى الهمزة صارًا كالمشتملين عليها، فظهور الهمزة حينئذ كالتكرار، وليس كذلك الظرف، فإن الظرفية فيه مفهومة من تقدير "في"، ولذلك يصح ظهورها. ثم ذكر أن ابن جني قال في التضمين: "ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به، ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابًا ضخمًا، وقد عرفت طريقه، فإذا مر بك شيء منه فتقبله وأنس به، فإنه فصل من العربية لطيف حسن". وقال ابن هشام في تذكرته: زعم قوم من المتأخرين منهم خطاب الماردي أنه قد يجوز تضمين الفعل المتعدي لواحد معنى: "صير" ويكون من باب: "ظن"، فأجاز: حفرت وسط الدار بئرًا؛ أي: صيرت، قال: وليس "بئرًا" تمييزًا، إذ لا يصلح لمن، وكذا أجاز: بنيت الدار مسجدًا، وقطعت الثوب قميصًا. وقطعت الجلد نعلًا، وصبغت الثوب أبيض إلخ. . . قال: والحق أن التضمين لا ينقاس، وقال ابن هشام في المغني: قد يشربون لفظًا معنى لفظ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك: تضمينًا، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين، ثم ذكر لذلك عدة أمثلة منها قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} ضمن معنى تحرموه، فعدي إلى اثنين لا إلى واحد، ومنها: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ضمن معنى: تنووه، فعدي بنفسه لا بعلى، وقوله: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} ضمن معنى "يصغون"، فعدي بإلى، وأصله أن

يتعدى بنفسه، ومثل: سمع الله لمن حمده، ضمن معنى: استجاب، فعدي باللام، ومثل: "والله يعلم المفسد من المصلح"، ضمن معنى: يميز، فجيء بمن. وذكر ابن هشام في موضع آخر: من المغني: أن التضمين لا ينقاس، وكذا ذكر أبو حيان، ثم قال السيوطي: "قاعدة": المتضمن معنى شيء لا يلزم أن يجري مجراه في كل شيء، ومن ثم جاز دخول الفاء في خبر المبتدأ المتضمن معنى الشرط، نحو الذي يأتيني فله درهم. وكل رجل يأتيني فله درهم، وامتنع في الاختيار جزمه عند البصريين، ولم يجيزوا: الذي يأتيني أحسن إليه، أو: كل من يأتيني أحسن إليه، بالجزم، إلا في الضرورة، وأجار الكوفيون جزمه في الكلام تشبيهًا بجواب الشرط، ووافقهم ابن مالك، قال أبو حبان: ولم يسمع من كلام العرب الجزم في ذلك إلا في الشعر. ا. هـ. قال ابن هشام في المغني: وهو كثير، قال أبو الفتح في كتاب التمام: أحسب لو جمع ما جاء منه، لجاء منه كتاب يكون مئين أوراقًا. ا. هـ. قال الدسوقي: قوله: وهو أي التضمين كثير، وقوله: قال أبو الفتح: دليل لقوله وهو كثير، "قوله: قال أبو الفتح إلخ"، هذا ربما يؤيد القول بأن التضمين قياسي، وقيل: البياني فقط، وظاهر أنه ليس كل حذف مقيسًا، وكذا المجاز إذا ترتب عليه حكم زائد. ا. هـ. وقال ابن هشام في أوائل الباب الخامس من المغني: وفائدة التضمين أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين، يدلك على ذلك أسماء الشروط والاستفهام. قال الأمير: قوله: "على معنى كلمتين" ظاهره الجمع بين الحقيقة والمجاز، وسبق الخلاف في ذلك، قال ابن جني: لو جمعت تضمينات العرب ملأت مجلدات، فظاهره القول بأنه قياسي، قوله: أسماء الشروط مثلًا "من" معناها العاقل، وتدل مع ذلك على معنى إن، والهمزة. ا. هـ. وقال ابن هشام في معاني الباء من المغني: "الثالث عشر" الغاية، نحو: "وقد أحسن بي"، أي: إلي، وقيل: ضمن أحسن معنى: لطف. ا. هـ. قال الأمير: ظاهره كقولهم: التضمين إشراب الكلمة معنى آخر، وأنه مجاز،

أو حقيقة ملوحة، أو جمع بينهما؛ يقتضي مغايرة المعنيين، ولا يظهر في الإنسان واللطف، فالأولى أن التضمين إلحاق كلمة بأخرى لاتحاد المعنى أو تناسبه، ويأتي الكلام فيه، وهل هو قياسي أو البياني1؛ لأنه مجرد حذف لدليل إن قلنا بمغايرته للنحوي. ا. هـ. وقال الملوي على السلم: "وذللت فيه صعاب المشكلات على طرف الثمام". فقال: الصبان: "الثمام" بضم المثلثة: نبت ضعيف يشد به فرج السقوف، والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف: أي: ووضعتها، فهو من باب حذف الواو مع ما عطفته لعدم اللبس، أو: "بذللت"، على تضمينه معنى "وضعت" تضمينًا نحويًا، وقد نقل أبو حيان في ارتشافه عن الأكثرين أن ينقاس، فهو في باب الجمع بين الحقيقة والمجاز. أو بحار محذوفة من فاعل ذللت، أي: واضعًا لها، أو من مفعوله: أي: موضوعة، فعلى هذين التضمين بياني، وهو مقيس. ا. هـ. وقال الصبان على الأشموني: إن التضمين النحوي إشراب كلمة معنى أخرى، بحيث تؤدي المعنيين، والتضمين البياني تقدير حال تناسب الحرف، وتمنع كون التضمين النحوي ظاهرًا عن البياني، للخلاف في كون النحوي قياسيًا: وإن كان الأكثرون على أنه قياسي، كما في ارتشاف أبي حيان دون البياني فاعرفه. ا. هـ، أي: فلا خلاف في كونه قياسيًا، كما أشار إليه قبل بقوله: "وهو مقيس". وقال صاحب التصريح في آخر الكلام في المفعول معه: "واختلف في التضمين: أهو قياسي أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام، قاله المرادي في تلخيصه. ا. هـ"، وكلامه في النحوي، وقال ياسين على القطر في أن "التضمين إشراب لفظ معنى لفظ آخر" هو أحد أقوال خمسة في التضمين، والمختار منها عند المحققين أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، مع حذف حال مأخوذ من اللفظ الآخر، بمعونة القرينة اللفظة، فمعنى "يقلب كفية على كذا": أي: نادمًا على كذا، وقد

_ 1 سبق المراد من البياني في ص568.

يعكس كما في: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، أي: يعترفون به مؤمنين، وبهذا يتوقع أن اللفظ المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الآخر، وإن كان في معنى الآخر فلا دلالة على المعنى الحقيقي، وإن كان فيهما لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. لقد ذكرنا طائفة من أقوال العلماء في التضمين، وذكرنا القول بأنه سماعي، والقول بأنه قياسي، ورأيناه قوة في القول بأنه قياسي، ونقلنا فيما تقدم أن التضمين ركن من أركان البيان، فإن ذهبنا إلى القول بأنه قياسي، قلنا: إنما يستعمله العارف بدقائق العربية وأسرارها على نحو ما ورد، وإنك لتجد كثيرًا في عبارات المؤلفين فيها التضمين، فمن ذلك عبارة الملوي السابقة، ومن ذلك قول ابن مالك "وأستعين الله في ألفية"، فقد جوز الأشموني أنه ضمن أستعين معنى: أستخير، ونحوه مما يتعدى بفي. ذكرنا القول بأن التضمين سماعي، ومعناه أن يحفظ ولا يقاس عليه، وذكرنا قول القائلين: إن التضمين النحوي قياسي عند الأكثرين، وأن التضمين البياني قياسي بإجماع النحويين، وقد ذكر ابن جني في الخصائص أنه لو نقل ما جمع من التضمين عن العرب لبلغ مئين أوراقًا. والتضمين مبحث ذو شأن في اللغة العربية، وللعلماء في تخريجه طرق مختلفة فقال بعضهم: إنه حقيقة، قال بعضهم: إنه مجاز، وقال آخرون: إنه كناية، وقال بعضهم: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز على طريقة الأصوليين؛ لأن العلاقة عندهم لا يشترط فيها أن تمنع من إرادة المعنى الأصلي ... فإذا قررنا التضمين قياسي، فقد جرينا على قول له قوة، وإذا قلنا: إنه سماعي، فقد يعترض علينا من يقول: إن علماء اللغة من يرى أنه قياسي، فلماذا تضيقون على الناس، وما جئتم إلا لتسهلوا اللغة عليهم؟ فنحن نثبت القولين بالقياس وبالسماع، ولكنا نرجع قياسيته، والقول بجواز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسرارها، ولا يصح أن نحظره عليهم؛ لأنه داخل في الحقيقة، أو المجاز، أو: الكناية، والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج،

فكيف نسد باب التضمين في اللغة، وهو يرجع إلى أصول ثابتة فيها؟. وأقول بعد هذا: لا بد من قيود نضبط بها استعمال التضمين، وقد رأى بعض الزملاء أن يقصر التضمين على الشعر، وفي هذا قصر للحقيقة، أو للمجاز، أو للكناية؛ وهي الأصول التي يخرج عليها التضمين على فن من الكلام دون آخر، وهذه الأمور الثلاثة تقع في الشعر والنثر بلا قيد ولا شرط. على أن الشعر من أكثر فنون القول ذيوعًا، والناس يحفظون الشعر ويجرون على أساليبه في الكتابة والخطابة، فإن أجزنا التضمين في الشعر وحده، وقعنا في الأمر الذي نفر منه، ونحن هنا نقرر الحقائق العلمية، ونرجع منها ما يستحق الترجيح تحقيقًا لأغراضنا. انتهى البحث. حضرة رئيس الجلسة: يتفضل الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين بتلاوة بحثه في التضمين1. حضر العضو المحترم الأستاذ الخضر حسين: للتضمين غرض هو الإيجاز. وللتضمين قرينة، هي تعدي الفعل بالحرف وهو يتعدى بنفسه، أو تعديته بنفسه وهو يتعدي بالحرف، وللتضمين شرط هو وجود مناسبة بين الفعلين, وكثرة وروده في الكلام المنثور والمظلوم تدل على أنه أصبح من الطرق المفتوحة في وجه كل ناطق بالعربية، متى حافظ على شرطه؛ وهو؛ مراعاة المناسبة. فإذا لم توجد بين الفعلين العلاقة المعتبرة في صحة المجاز كان التضمين باطلًا. فإذا وجدت العلاقة بين الفعلين ولم يلاحظها المتكلم، بل استعمل فعل: "أذاع" مثلًا متعديًا بحرف الباء على ظن أنه يتعدى بهذا الحرف لم يكن كلامه من قبيل التضمين، بل كان كلامه غير صحيح عربية. فالكلام الذي يشتمل على فعل عدي بحرف وهو يتعدى بنفسه، أو عدي بحرف وهو يتعدى بغيره، يأتي على وجهين:

_ 1 وهو البحث الثاني في الموضوع نفسه قد استمع له الأعضاء في الجلسة ذاتها بعد الأول، كما أشرنا في هامش ص564.

الوجه الأول: ألا يكون هناك فعل يناسب الفعل المنطوق به، حتى تخرج الجملة على طريقة التضمين، ومثل هذا نصفه بالخطأ، والخروج عن العربية، ولو صدر من العارف بفنون البيان. الوجه الثاني: أن يكون هناك فعل يصح أن يقصد المتكلم لمعناه مع معنى الفعل الملفوظ، وبه يستقيم النظم، وهذا إن صدر ممن شأنه العلم بوضع الألفاظ العربية، ومعرفة طرق استعمالها حمل على وجه التضمين الصحيح، كما قال سعد الدين التفتازاني: "فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم"، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى: "الميل" الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد. فإن صدر مثل هذا من عامي أو شبيه بعامي1، أي: ممن يدلك حالة على أنه لم يبين كلامه على مراعاة فعل آخر مناسب للفعل الملفوظ، كان لك أن تحكم عليه بالخطأ، فلا جناح عليك أن تحكم على قول العامة مثلًا أرجو الله قضاء حاجتي، باللحن والخروج عن قانون اللغة الفصحى؛ لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين، وليس لك أن تخرجه على باب التضمين، كأن تجعل "أرجو" مشربًا معنى "أسأل" بناء على أن بين الرجاء، والسؤال علاقة السببية والمسببة، فإن هذا الوجه لم ينظر إليه أولئك الذين استعملوا فعل "أرجو" متعديًا إلى المفعولين. ومن هنا نعلم أن من يخطئ العامة في أفعال متعدية بنفسها، وهم يعدونها بالحروف، مصيب في تخطئته، إذا لم يقصدوا لإشراف هذه الأفعال معاني أخرى تناسبها، حتى يخرج كلامهم على باب التضمين. وليس معنى هذا أن التضمين سائغ للعارف بطرق البيان دون غيره، وإنما أريد أن العارف بوجوه استعمال الألفاظ، لا نبادر إلى تخطئته، متى وجدنا لكلامه مخرجًا من التضمين الصحيح، أما غيره كالتلاميذ، ومن يتعاطى الكتابة من غير

_ 1 تكرر هذا الكلام من الباحث وغيره، والنفس لا ترتاح إليه: لجواز أن يكون العامي بل غير اللغوي، مطلقًا مقلدًا اللغوي، بقصد، أو بغير قصد في هذا الاستعمال، كالشأن في كثير من أمور اللغة، وإنما الذي ترتاح له النفس ويجب أن يتجه إليه الحكم، ويقتصر عليه دائمًا هو أن هذا التعبير أو ذاك صحيح لغويًا أو غير صحيح.

أن يستوفي وسائلها، فإن قام الشاهد على أنه نحا نحو التضمين، كما إذا اعترضت عليه في استعمال الفعل المتعدي بنفسه متعديًا بحرف، فأجاب بأنه قصد التضمين وبين الوجه، فوجدته قد أصاب الرمية؛ فقد اعتصم منك بهذا الجواب المقبول، ولم يبق لاعتراضك عليه من سبيل. وإن قام شاهد على أن المتكلم لم يقصد التضمين، وإنما تكلم على جهالة بوجه استعمال الفعل، كان قضاؤك عليه بالخطأ قضاء لا مراد له، فمصحح ما يكتبه التلاميذ ونحوهم، يجب عليه أن يرد الأفعال إلى أصولها، ولا يتخذ من التضمين وجهًا لترك العبارة بحالها، والكاتب لا يعرف هذا الوجه، أو لم يلاحظه عند الاستعمال1. فللتضمين صلة بقواعد الإعراب من جهة تعدي الفعل بنفسه أو تعديه بالحرف, وصلة بعلم البيان من جهة التصريف في معنى الفعل، وعدم الوقوف به عند حد ما وضع له، ومن هذه الناحية لم يكن كبقية قواعد علم النحو، قد يستوي في العمل بها خاصة الناس وعامتهم. حضرة العضو المحترم الأستاذ الشيخ أحمد علي الإسكندري: رجعت إلى أقوال العلماء بعد المناقشة التي دارت أمس، فوجدت أن القائلين بسماعية التضمين إنما يخشون أن يحدث في اللغة فساد واضطراب في معاني الأفعال إذا أباحوه للناس، مع أنهم يسلمون أن ما ورد من التضمين كثير يجمع في مئين أوراقًا. وقد شرط القائلون بقياسية التضمين شرطين وهما: 1- وجود المناسبة. 2- وجود القرينة. ثم تأملت في وظيفة علوم البلاغة وخاصة علم المعاني، فوجدت أن موضوعه إن هو إلا بيان الذوق المعبر عنه عندهم "بمقتضى الحال"، وكذلك رأيت الشرطين اللذين اشترطهما العلماء قديمًا للتضمين غير كافيين، فرأيت أن نضيف إليهما قيدًا ثالثًا، هو "موافقة العبارة التي فيها التضمين للذوق العربي"، وذلك ما تنشده علوم البلاغة.

_ 1 هذا الرأي يحتاج إلى قوة تأييد وإقناع، فهو على حالة غير مقبول، انظر هامش الصفحة السالفة.

ثم قلت: هل للذوق حد؟ ففطنت إلى وجوب تقييد الذوق بالبلاغي، وهو الذي وضعت علوم البلاغة العربية لتحديد ضوابطه. وبعد ذلك رأيت أن ألخص مناقشات اللجنة والمجمع ومذكرتي1 التي قدمتها في القرار الآتي: "التضمين: أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير، مؤدى فعل آخر أو ما في معناه، فيعطي حكمه في التعدية واللزوم، ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي بشروط ثلاثة. الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين. الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس. الثالث: ملاءمة التضمين للذوق البلاغي العربي". حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: التضمين سواء أخرج على الحقيقة أم على المجاز أم على الجمع بين الحقيقة والمجاز، لا يستعمله إلا البلغاء العارفون بأسرار اللغة، وإذا لا يستعمله العامة إلا إذا جارينا من يقول: إن العامة لا يزال عندهم بقية من الذوق العربي والبلاغة. وأرى أن نأخذ الرأي أولًا على أن التضمين قياسي، ثم نأخذ الرأي على الشروط التي نشترطها لإباحته. حضرة العضو المحترم الدكتور منصور فهمي: أريد أن أعرف ما فائدة "التضمين" الذي نبحث فيه هذا البحث الطويل، إن كل ما فهمته من كلام فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين أن فائدته الإيجاز، أي: أن تؤدي الكلمة معنى كلمتين، وفي اللائحة التي وضعناها نص يوجهنا إلى العمل لتيسير اللغة على الناس، والذي يريد أن ييسر اللغة على الناس لا يكلفهم العمل الشاق الطويل لمعرفة كلمات تؤدي الواحدة منها معنى كلمتين، ولعل هذه الكلمات لا تزيد على مائتي كلمة، فلا أجد الفائدة كبيرة بتقسيم الناس إلى خاصة وعامة، وطفل وبالغ، وبليغ له

_ 1 طبعت مذكرة حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد الإسكندري في التضمين ملحقة بمحضر هذه الجلسة.

ذوق العرب البلاغي، وآخر ليس له هذا الذوق؛ لأنه لم يدرس العربية العلوم التي تفيد الذوق على رأي الأستاذ الإسكندري، قالوا: إن القانون الرياضي، والقانون الطبيعي أولى القوانين بالاحترام؛ لأنه لا يتخلف، والعلوم المختلفة الآن نتيجة اتجاه الرياضيات والطبيعيات، فيحاول أصحابها أن يجعلوا قوانينها كقوانين الرياضيات في الدقة، والضبط وعدم الاستثناء. وأريد أن نرقى باللغة العربية إلى مضاف العلوم ذات القوانين الثابتة التي يقل فيها الشذوذ والاستثناء. الغرض من علمنا المحافظة على اللغة وتيسيرها، فهل تتحكم في "تطور" اللغة وذوقها من أجل مئتي كلمة لطبقة خاصة، هذا عمل على ما أرى ليس من خدمة اللغة التي نسعى لخدمتها، نحن الآن نقرر الواقع الذي تقرر منذ أزمان طويلة، فنقول: إن التضمين قياسي أو سماعي، وكنت أظن أن المجمع يدرس الواقع، ويسموا فوقه، فيقرر ما من شأنه أن يحقق حاجات الرقي الحاضر. قد يكون المثل الأعلى للبلاغة العربية ما يراه بعض الأعضاء في علوم البلاغة وبعض نماذج معروفة، والذي يخيل إلي أن التقدم لا ينبغي أن يقيد بمثل أعلى واحد، فإذا كان تقدم اللغة ينتهي عند معرفة ما قررته علوم البلاغة، فليس هذا عندي تقدمًا، واللغة تتطور مع العصور، وكل هذا يبيح لي ألا ألتزم أمرًا إلا بمقدار، وأرى أن هذا القرار لا يوصلني إلى غايتي. كل اللغات "تتطور"، فلماذا نريد أن نقف بلغتنا؟ ولو أن كاتب فرنسيًا أو إيطاليًا اليوم أراد أن يرجع إلى أساليب القرن الخامس عشر مثلًا، تشبهًا بكاتب قديم، لقيل: إنه متحذلق، ونحن كأولئك، فلماذا نتعمل ونجهد أنفسنا ونقول بالتضمين؟ والذي أراه أن نقر الماضي على أنه تاريخ، وتتقدم نحو خطوة أخرى، فتقرر أشياء جديدة لا تنافي تاريخ اللغة، وهي مع ذلك تفي بحاجات العصر الحاضر. وأنا لا أزال على رأيي، فلا أقبل التضمين إلا إذا اضطرني إليه الشعر أو السجع؛ وفي غير ذلك تجري الأفعال في معانيها الأصلية.

حضرة العضو المحترم الدكتور فارس نمر: أرى أن كل واحد منها ينظر إلى المسألة من "زاوية" غير التي ينظر منها الآخر، على حد تعبير الرياضيين، وأرجو أن تسمحوا لي أن أورد بعض أمثلة خبرتها بنفسي. فعندما كنت أدرس الحروف واستعمالها، عرفت أن "متى" تكون بمعنى "من" كما في قول الشاعر: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج فأردت أن أبين لأستاذي أني حفظت هذا الشاهد، وأريد القياس عليه في كتابتي، فكتبت له هذه العبارة: "إن صديقي ينتظرني فخرجت متى منزلي إلى السوق"، فأنكر علي قولي، فقلت: إنه على حد قول القائل: أخرجها متى كمه، أي: من كمه، فحار أستاذي، ولم يدر أيمنعني من استعمال الحرف أم يوافقني عليه؟ والذي أريده من الأستاذ الشيخ الخضر حسين أن يجيبني: هل يوافق على أن نستعمل مثل هذه العبارات في العصر الحاضر؟ أنا أجل علماء اللغة، وأحترم ما قالوه، ولا أنازع في قياسية التضمين أو سماعيته، وإنما أريد أن نسهل اللغة على الناس عامة، فنتخير اللغة السهلة الصريحة، ونضع أساسًا، ونحكم حكمًا يلائم هذا العصر، ونسهل على علمائنا وكتابنا الكتابة والتأليف، ليكون المجمع ثقة ومرجعًا للناس. حضرة العضو المحترم الأب أنستاس الكرملي: أوافق على ما قال الدكتور منصور فهمي، والدكتور نمر، وفي ذكر الشواهد وغيرها تطويل، وقد اختصرت قرار المجتمع ووضعته في الصيغة الآتية: "يعمل بالتضمين بنوع عام لوروده في كثير من الآيات القرآنية، وفي الشعر القديم والمخضرم والإسلامي، بشرط ألا يقع في التضمين لبس في التعبير، ولا إخلال بالمعنى". حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد على الإسكندري: كلام الأب المحترم يفيد قياسية التضمين، وشرط عدم اللبس هو ما ذكرناه، ونحن ما اخترنا البحث في التضمين إلا لنسهل على الناس الكتابة والكلام؛ لأنه إذا اتسع مجال القول،

كان في ذلك رخصة وتيسير، وما قصدنا إلى هذا البحث إلا؛ لأن بعض المتحذلقين من النقاد يأخذون على بعض الشعراء، والكتاب مآخذ ترجع إلى تعدية الأفعال بحروف لا تتعدى بها، ويردون استدلالهم إلى المعاجم دون القواعد اللغوية والنحوية، فإذا قلنا بترجيح قياسية التضمين، فإنما نقصد بهذا توجيه مثل هؤلاء النقاد إلى أشياء غابت عنهم، ونيسر في الوقت ذاته على الكتاب والشعراء مجال القول والكتابة، فنزيد الثروة اللغوية بتعدد أساليب التعبير وصوره، وإني أقرر أن عمل المجمع لا يقف عند ذكر الآراء المختلفة ونصوص العلماء، وإنما يذكرها ليوازن بينها ويرجع رأيًا على رأي، إذا رأى أن في هذا الترجيح فائدة، والمجمع بقرار الجديد، متى كان موافقًا للذوق البلاغي والقواعد الصحيحة، ولا ينبغي أن يكون ذوق العامة حجة على أهل اللغة، وقياس لغتنا على اللغات الأوروبية قياس مع الفارق، وفائدة التضمين لا تقتصر على مائة كلمة أو مائتين، وإنما هو باب واسع يتعلق بجميع الأفعال في اللغة العربية، ولكننا لا نبيح التضمين على إطلاقه؛ لأن هذا يجر إلى الفوضى والفساد في اللغة، ولهذا نشترط له شروطًا خاصة. حضر العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: إذا قلنا: إن التضمين قياسي، فقد وافقنا القدماء، وإذا قلنا: إنه سماعي فقد وافقناهم في ذلك أيضًا، أما إذا قلنا: إنه قياسي بشرط أنه يسيغه الذوق؛ فهذا تلفيق بين المذهبين، ونحن كمجمع، ينبغي ألا نرجع المسألة إلى الذوق؛ لأن ذلك رد إلى مجهول، فلا بد إذًا أن نضع ضوابط وأمثلة نقدمها للجمهور ليحتذيها. حضرة العضو المحترم الأستاذ نلينو: استفدت كثيرًا من المناقشة في هذا الباب. وعلى الرغم من أني أستحسن قرار الإسكندري بقيوده التي وضعها، فإني أرى أن فتح باب التضمين في عصرنا يجر إلى كثير من الخطأ؛ لأننا لا نستطيع أن نميز الخاصة من العامة. حضرة العضو المحترم الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف: "قدم اقتراحًا مكتوبًا طلب فيه أن توضع أمثلة للتضمين ليحتذيها الناس". حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: قال بعض حضرات الأعضاء:

ما أتت به اللجنة من الكلام في التضمين معروف، والمجمع ألف لجنته للبحث في التضمين، وكتابة تقرير فيه، فبحثت اللجنة، وكتبت التقرير، وذكرت آراء العلماء؛ ووجدت أن القول بقياسيته أقوى من القول بسماعيته، ثم رفعت عملها إلى المجمع وهو صاحب الرأي فيه: فلا لوم علينا في نقل كلام القدماء. أما ما قاله حضرة الدكتور منصور فهمي من أن فائدة التضمين الإيجاز، وهو فائدة يسيرة، فلا نقره عليه؛ لأن الإيجاز مقصد من مقاصد البلغاء: وأصل من أصول الأساليب اللغوية. وأما القول بأن التضمين بفتح باب الخطأ والفساد في اللغة، فهذا صحيح، ولكن علاج هذا أن يتعلم الناس قواعد لغتهم التي تعصمهم من الوقوع في الخطأ، فكما أن إغفال الاشتقاق والتصريف يجر إلى الخطأ فيهما، كذلك يجر إهمال قواعد التضمين، وضوابطه إلى الخطأ في الأسلوب، فإذا ثابرنا على تعليم قواعد اللغة في المدارس مثلًا، انتشرت الأساليب الصحيحة وذاعت، وفتح باب التضمين يسهل اللغة على الناس، أما القول بسماعيته فهو التضييق والحجر. وإذا قلنا بهذا فربما جاء زمان يقول فيه الناس كان باب التضمين مفتوحًا بالقياس، فسده مجمع اللغة العربية، وأنه لا بد من سبب اضطره إلى هذا، فإذا قرأ الناس ما جاء في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية من التضمين، توهموا أو ظنوا أن فيها شيئًا حمل المجمع على حظر التضمين على الناس. وأما قول حضرة الدكتور منصور: إن فائدة التضمين محصورة في مائتي كلمة، فهذه مبالغة؛ لأننا على أي وجه خرجناه فقد خرجنا على ما هو قياسي: من حقيقة أو مجاز، أو كناية، وهذه أمور مقيسة لا تحصر. والقول بقصره على الشعر والسجع مع أن شأنهما الشيوع يوقعنا فيما نريد الفرار منه. واللجنة قد أدت عملها، وهو البحث في مسألة التضمين، وبقي الكلام في اتقاء الخطأ الذي يقع فيه العامة، فإذا رأى المجمع أن اتقاء ذلك يكون بقصر استعمال التضمين على العارفين باللغة ودقائقها، فإني أوافق عليه، وإذا رأى المجمع أن يرجئ بت الكلام في التضمين، فله ما يرى.

حضرة رئيس الجلسة: لا بد أن نقر فيه اليوم قرارًا. حضرة العضو المحترم الأستاذ فيشر: أنا مواقف على ما قال الدكتور منصور فهمي والأب الكرملي، وقولهما بالتقريب هو قول فقهاء اللغة الأوربيين العصريين في حياة اللسان وتقدمه وترقيه، حسن عندهم ما يرد في الأشعار المشهورة، وفي كتب الأدب الحسنة وما يسمع من ناس كثيرين، والسماع عندهم أولى من القياس. حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: أرى أن أضيف في آخر القرار الذي اقترحته العبارة الآتية: "ويوصي المجمع ألا تستعمل هذه الرخصة في كتابة المبتدئين، ولا في الكتابة العلمية". حضرة العضو المحترم محمد كرد علي "بك": لا أرى، وقد ضبطت اللغة وقررت قواعدها وأصول بلاغتها، أن نقر شيئًا جديدًا في التضمين؛ لأني أخشى أن يفتح الباب لكل كاتب أو شاعر أن يخترع أمورًا وتعابير تزيدنا اضطرابًا، ولا يقرها القدماء الذين عرفوا ضوابط اللغة برمتها، وعللوا في هذه المسألة مسألة التضمين التي نحن بصددها، فقال قوم بقياسيتها وآخرون بسماعيتها إلخ، وإذا كان لا بد من التعرض لهذه المسألة التي قتلها زملائي بحثا كاد يخرجنا عن الغرض الذي نتوخاه إذا كان لا بد من التعرض لهذه المسألة، فأرى إجراء تعديل خفيف في صورة القرار الذي اقترحه الأستاذ الإسكندري، أو نسكت الآن عن هذه المسالة وهو الأولى، ونصرف جهدنا إلى العمليات لنخرج أولًا للأمة ألفاظًا، وتعابير تشتد الحاجة إليها من ألفاظ العلوم والفنون، وبذلك تكون قد قمنا بالجزء العلمي من واجب المجمع. حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: قال بعض حضرات الأعضاء: إن التضمين لا يقبل منه إلا ما يستسيغه الذوق البلاغي، فبماذا تحدون الذوق البلاغي؟ حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: وضعت كلمة الذوق البلاغي العربي، اتقاء لحذلقة بعض الناس، مثل كتاب: "البرازيل" وغيرها ممن خرجوا على قواعد اللغة وأساليبها، حتى صار كلامهم يشبه الرطانة، فإذا جاءنا واحد من هؤلاء، وقال: إن هذا ذوقي الخاص، قلنا له: إنك تخالف الذوق العربي الذي لا يزال ثابتًا بحكم الفطرة والسليقة في البلاد العربية، والذي يجري عن قواعد اللغة والبلاغة ولا ينفر منها.

حضرة العضو المحترم الشيخ حسين والي: أنكتفي بعبارة الذوق البلاغي، ويكون هذا مرجعنا عند الاختلاف، أم نأتي بأمثلة ضوابط؟ حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: نريد ألا يزد الأمر إلى الذوق، بل نستخرج ضوابط بعد درس أمثلة. حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: المتقدمون لم يدونوا قواعدهم إلا بعد الاستقصاء، ولا نريد أن نبحث في أصول القواعد من جديد، فكل هذا قد فرغ منه العلماء قبلنا بأكثر من ألف سنة. حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: المجمع مكلف تقديم تراكيب صحيحة لتتبع، وتراكيب فاسدة لتجتنب، ورجع الناس إلى الذوق لا معنى له وكأننا لم نعمل شيئًا، وابن جني وغيره لم يكلفوا تقديم تراكيب للأمة. حضرة العضو المحترم الأستاذ علي الجارم: هل ترى أن يقال: الذوق العربي. حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: الذوق العربي يختلف. حضرة رئيس الجلسة: أتريد أن تحذف كلمة "الذوق"؟ حضرة العضو المحترم الشيخ إبراهيم حمروش: لا، ولكنني أريد أن نضع ضوابط لنحدد ما الذوق؟. حضرة العضو المحترم الدكتور فارس نمر: التضمين صحيح، وموضوعه عربي، ولكن المجمع يجب أن يقدم الحقيقة على اتباع التضمين إلا حيث تكون ضرورة. حضرت العضو المحترم الدكتور منصور فهمي: نقول: "ويوصي المجمع ألا يستعمل التضمين في الكتابة العامة". حضرة العضو المحترم الشيخ أحمد علي الإسكندري: أوافق على هذا، والأصل ألا تخرج عن الحقيقة إلا لنكتة بلاغية. حضرة العضو المحترم الأستاذ أحمد العوامري "بك" أقترح أن يقال: "ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". فوافق أكثر الأعضاء على هذا. وأمر رئيس الجلسة أن يقرأ نص القرار النهائي، وهو:

القرار: "التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم". ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة: الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين. الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس. الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي. ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". فوافق أكثر حضرات الأعضاء على هذا النص1.

_ 1 الذي ألاحظه في هذا القرار أن شروط "التضمين" المذكورة هي الشروط البلاغية المعروفة في المجاز، حتى الشرط الثالث، فقد نص عليه القدامى لإبعاد المجاز عن القبح، وإلى المجاز ترتاح النفس أكثر من غيره، وهو رأي كثير من أئمة القدماء، فلم العناء، والكد، والجدل العنيف بين المذاهب المتعددة التي تضمنها البحثان المجمعيان؟ وشيء آخر أهم من اعتباره مجازًا، هو أن تلك المذاهب على تشعبها وعنفها لم تستطع أن تثبت في جلاء ويقين، أن اللفظ الوارد قديمًا الذي جرى فيه "التضمين" ليس حقيقة لغوية أصيلة، وأنه تضمن حقًا معى لفظ آخر، فأدى "التضمين" إلى تعدية الأول أو لزومه من طريق العدوى الناشئة من الاتصال والمناسبة بينهما، نعم لم تستطع نفي الحقيقة الأصيلة عنه، وإثبات ما يسمونه: "التضمين"؛ لأن تلك التعدية أو ذاك اللزوم الحادثين من العدوى لا يصلحان دليلًا مقنعًا على وقوع "التضمين": لأنها عدوى وهمية، إذ قد يكون اللفظ الذي دخله التضمين في وهمهم هو في أصله لازم أو متعد من غير علاقة له بلفظ آخر تؤثر فيه. لقد ورد إلينا اللفظ لازمًا أو متعديًا في كلام قديم كثير يحتج به، فما الدليل القوي على أن تعديته، أو لزومه ليست أصيلة من أول أمرها، وليست مجازًا، وإنما جاءت من الطريق الذي يسمونه: "التضمين"؟ ليس في كلامهم مقنع فيما أرى بل أن اللفظ اللازم أو المتعدي إذا ورد مسموعًا بإحدى هاتين الحالتين في كلام قليل، ولكنه صحيح فصيح كان وروده هذا أصيلًا في الحقيقة اللغوية، ولا يخرجه عن أنه معنى حقيقي كثرة وروده في كلام آخر مسموع يشيع فيه معنى مغاير؛ لأن الحكم على اللفظ بالخروج عن معناه الحقيقي ليس راجعًا إلى قلة استعماله في صورة، وكثرة استعماله في صورة أخرى، وإنما يرجع إلى وجود دليل على أن أحد الاستعاملين أسبق وجودًا عند العرب وأقدم ميلادًا، فالأسبق وحده هو الحقيقي، وأنهم يريدون منه معنى محدودًا دون غيره، ولا اعتبار لغير "الأسبقية" هنا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم ما هذا الذوق العربي الذي يريده المجمع؟ وكيف يحدد؟ ولم يقتصر "التضمين" على الفعل دون ما يشبه، كما جاء في الشرط الأول الذي أقره المجمع وارتضاه؟ اللهم إلا إذا كان يريد الفعل وما يشبهه، كما يفهم من سياق البحث. وبعد: فما زالت أدلة "التضمين" واهية، منهارة إن صح تسميتها أدلة"! ! ولم أجد في الآراء السالفة كلها، ولا في أمهات المراجع التي صادفتها ما يزيل الضعف، والرأي الأقوى في جانب الذين يمنعونه ممن عرضنا أسماءهم فيما سبق، أو لم نعرض: ومن هؤلاء الشهاب الخفاجي في "طراز المجالس" ص 219 حيث يصرح بأنه سماعي، وكالدماميني في كتابه: "نزول الغيث" ص 56 حيث يقرر أن تضمين فعل معنى آخر يأباه كثير من النحاة، وكأبي حيان فيما نقله السيوطي في "الهمع" ج 1 ص 149 مصرحًا بقوله: "التضمين لا ينقاس" وغير هؤلاء كثير، بل إن الذين يقصرونه على السماع لم يستطيعوا إثبات أنه ليس بحقيقة، وليس بمجاز، ولا بشيء مركب منهما، وإنما هو نوع جديد اسمه: "التضمين" لم يستطيعوا ذلك؛ لأن العرب الفصحاء نطقوا بالفعل أو بما يشبهه متعديًا بنفسه مباشرة، أو غير متعد إلا بمعونة حرف جر معين؛ فكيف يسوغ لقائل بعد هذا أن يقول: إن هذا الفعل لم يتعد إلى معموله إلا من طريق التضمين، بحجة أن هذا الفعل لا يعرف فيه التعدي إلا بهذه الوسيلة!؟ كيف يقول هذا محتجًا به مع أن الناطق بالفعل المتعدي وشبهه هو القرآن الكريم، أو العبي الفصيح الذي يحتج بكلامه من غير خلاف في الاحتجاج؟ ما الدليل على أن الفعل وشبهه متعد أو غير متعد من طريق "التضمين" وحده، ونحن نراه متعديًا بواسطة حرف الجر، أو بغير واسطة، ولا دليل معنا على أسبقية أحد الفعلين في الوجود والتعدي وعدمه؟ والحق إن إثبات التضمين أمر لا تطمئن له نفس المتحري المتحرر، ولا سيما إذا عرفنا أن كل فعل، أو شبهه لا يكاد يؤدي معناه مع "التعدية" دون أن يكون هناك فعل آخر، أو شبهة له معنى يؤديه مع "اللزوم"، وبين هذين المعنيين ما يسمونه؛ "المناسبة، أو الإشراب"، والعكس صحيح كذلك إذ لا يكاد فعل أو: شبهه يؤدي معناه مع "اللزوم" دون أن يكون هناك فعل آخر أو شبهه له معنى يؤديه مع "التعدية"، وبين المعنيين "المناسبة أو الإشراب"، والنتيجة الحتمية لكل ذلك أنه لا يوجد فعل أو شبهه مقصور على "التعدية"، ولا آخر مقصور على "اللزوم"، وهذه غاية الفوضى والإساءة اللغوية التي تحمل في ثناياها فساد المعاني. وبالرغم من تلك المعارك الجدلية لا أرى الأمر في التضمين يخرج عن إحدى حالتين، وفي غيرهما الفساد اللغوي، والاضطراب الهدام: الأولى: أن الألفاظ التي وصفت بالتضمين إن كانت قديمة في استعمالها منذ عصور الاستشهاد، والاحتجاج اللغوي فإن استعمالها دليل على أصالة معناها الحقيقي، ما دمنا لم نعرف يقينًا لها معنى سابقًا تركته إلى المعنى الجديد. الثانية: أن العصور المتأخرة عن عصور الاستشهاد، والاحتجاج غير محتاجة إلى "التضمين" لاستغنائها عنه بالمجاز والكناية، وغيرهما من أنواع البيان المختلفة التي تتسع لكثير من الأغراض والمعاني الدقيقة البليغة.

بحث نفيس لابن جني 1، عنوانه: "باب في اللغة المأخوذة قياسًا": هذا موضع كأن في ظاهره تعجرفًا، وهو مع ذلك تحت أرجل الأحداث ممن تعلق بهذه الصناعة فضلًا عن صدور الأشباح، وهو أكثر من أن أحصيه في هذا الموضع لك، لكني أنبهك على كثير من ذلك، لتكثر التعجب ممن تعجب منه، أو يستبعد الأخذ به. وذلك أنك لا تجد مختصرًا من العربية إلا وهذا المعنى منه في عدة مواضع، ألا ترى أنهم يقولون في وصايا الجمع: إن ما كان من الكلام على فعل فتكسيره على: أفعل؛ ككلب وأكلب، وكعب وأكعب، وفرخ وأفرخ. . .، وما كان على غير ذلك من أبنية الثلاثي فتكسيره في القلة على أفعال: نحو جبل وأجبال، وعنق وأعناق، وإبل وآبال، وعجز وأعجاز، وربع وأرباع، وضلع وأضلاع، وكبد وأكباد، وقفل وأقفال، وحمل وأحمال و. . .؛ فليت شعري هل قالوا هذا ليعرف وحده، أو ليعرف هو ويقاس عليه غيره؟ ألا تراك لو لم تسمع تكسير واحد من هذه الأمثلة، بل سمعته منفردًا أكنت تحتشم من تكسيره على ما كسر عليه نظيره؟ لا بل كنت تحمله عليه للوصية التي تقدمت لك في بابه، وذلك كأنه يحتاج إلى تكسير: "الرجز" الذي هو العذاب، فكنت قائلًا لا محالة "أرجاز"؛ قياسًا على: "أحمال"، وإن لم تسمع "أراجازًا" في هذا المعنى، وكذلك لو احتجت إلى تكسير عجر، من قولهم: "وظيف عجر"2 لقلت: "أعجار"؛ قياسًا على يقظ3 وأيقاظ، وإن لم تسمع "أعجازًا"، وكذلك لو احتجت إلى تكسير: "شيع"، بأن توقعه على

_ 1 من كناية: "الخصائص"، جـ 1 ص 439. 2 الوظيف: الجزء الدقيق من ساق الإبل والخيل، وغيرها، والعجر هنا: الصلب. 3 جاء في القاموس: اليقظة محركة نقيض النوم، وقد يقظ مثل: كرم، وفرح يقاظة، ويقظًا محركة، وقد استيقظ. . . ورجل يقظ على وزن: ندس، وكتف والندس: بفتح النون، مع سكون الدال، أو ضمها، أو كسرها الرجل السريع الاستماع للصوت الخفي.

النوع، لقلت "أشياع"، وإن لم تسمع ذلك، لكنك سمعت: "نطع وأنطاع" و "ضلع وأضلاع"، وكذلك لو احتجت إلى تكسير: "دمثر"1 لقلت: "دمثر"؛ قياسًا على: "سبطر وسباطر". وكذلك قولهم: إن كان الماضي على "فعل"، فالمضارع منه على يفعل: فلو أنك على هذا سمعت ماضيًا على فعل، لقلت في مضارعه يفعل، وإن لم تسمع ذلك، كأن يسمع سامع ضؤل، ولا يسمع مضارعه؛ فإنه يقول فيه يضؤل، وإن لم يسمع ذلك، ولا يحتاج أن يتوقف إلى أن يسمعه؛ لأنه لو كان محتاجًا إلى ذلك لما كان لهذه الحدود والقوانين التي وضعها المتقدمون، وعمل بها المتأخرون معنى يفاد، ولا غرض ينتحيه الاعتماد، لكان القوم قد جاءوا بجميع المواضي والمضارعات، وأسماء الفاعلين، والمفعولين، والمصادر، وأسماء الأزمنة، والأمكنة، والأحادي والثنائي، والجموع والتكابير، والتصاغير2، ولما أقنعهم أن يقولوا: إذا كان الماضي كذا وجب أن يكون المضارع كذا، واسم فاعله كذا، واسم مفعوله كذا، واسم مكانه كذا، واسم زمانه كذا؛ ولا قالوا: إذا كان المكبر كذا فتصغيره كذا، وإذا كان الواحد كذا فتكسيره كذا دون أن يستوفوا كل شيء من ذلك، فيوردوه لفظًا منصوصًا معينًا، لا مقيسًا ولا مستنبطًا كغيره من اللغة؛ التي لا تؤخذ قياسًا ولا تنبيهًا؛ نحو: دار، وباب، وبستان، وحجر، وضبع، وثعلب، وخزز، لكن القوم بحكمتهم وزنوا كلام العرب فبوجدوه ضربين: أحدهما: ما لا بد من تقبله كهيئته لا بوصية فيه، ولا تنبيه عليه؛ نحو: حجر، ودار، وما تقدم. ومنه: ما وجدوه يتدارك بالقياس، وتخف الكلفة في عمله على الناس، فقننوه وفصلوه، إذا قدروا على تدراكه من هذا الوجه القريب، المغني عن المذهب الحزن3 البعيد، وعلى ذلك قدم الناس في أول المقصور والممدود ما يتدارك بالقياس والأمارات، ثم أتبعوه ما لا بد له من السماع والروايات، فقالوا: المقصور من حالة كذا، ومن صفته كذا؛ والممدود من أمره كذا، ومن سببه كذا، وقالوا:

_ 1 الجمل الكثير اللحم. 2 أي: كان واجبًا عليهم أن ينصوا على كل كلمة من هذه الجزئيات إذا كانت القواعد لا تغني، كما قد يتوهم بعض الغافلين. 3 الصلب الصعب من الأرض؛ كالحجارة والصخور.

ومن المؤنث الذي فيه علامات التأنيث كذا، وأوصافه كذا، ثم لما أنجزوا ذلك قالوا: ومن المؤنث الذي روى رواية كذا وكذا، فهذا في الوضوح على ما لا خفاء به. فلما رأى القوم كثيرًا من اللغة مقيسًا منقادًا وسموه بمواسمه، وغنوا بذلك عن الإطالة والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز، ثم لما تجاوزوا ذلك إلى ما لا بد من إيراده، ونص ألفاظه ألتزموا وألزموا كلفته؛ إذ لم يجدوا منها بدًا، ولا عنها مصرفًا. ومعاذ الله أن ندعي أن جميع اللغة تتسدرك بالأدلة وقياسًا، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به، ونبهنا عليه، كما قبلنا، ممن نحن له متبعون، وعلى مثله وأضاعه حاذون، فأما هجنة الطبع، وكدورة الفكر، وجمود النفس وخيس1 الخاطر، وضيق المضطرب، فنحمد الله على أن حماناه، ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه، ويستعملنا به فيما يدني منه، ويوجب الزلفة لديه، بمنه". ا. هـ. هذا البحث النفيس لابن جني يذكرنا بماله من آراء جليلة أخرى، تتصل منها بموضوعنا قوله2: "حكى لنا أبو علي عن ابن الأعرابي، أظنه قال: يقال: درهمت الخبازى، أي: صارت كالدرهم، فاشتق من الدرهم، وهو اسم أعجمي. وحكى أبو زيد: رجل مدرهم، ولم يقولوا منه: "درهم" إلا أنه إذا جاء اسم المفعول، فالفعل نفسه حاصل في الكف3، ولهذا أشباه. . .". ا. هـ.

_ 1 الخيس: الخطأ، أو الضلال. 2 في كتابة: "الخصائص" ج1 ص362 باب: "أن ما قيس على كلام العرب، فهو من كلام العرب". 3 يريد: أنه ميسور، كأنه في يد من يريده، لا يتعب في البحث عنه، ولا في معرفة أنه مسموع، أو غير مسموع، بل يستعمله من غير تردد ولا رجوع إلى مراجع لغوية.

ثم قال بعد ذلك1: "ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع؛ فإذا حذا إنسان على مثلهم، وأم مذهبهم، لم يجب أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية. . .". وكذلك قوله2: "إذا ثبت أمر المصدر الذي هو الأصل لم يتخالج شك في الفعل الذي هو الفرع، قال لي أبو علي بالشام: إذا صحت الصفة فالفعل في الكف. وإذا كان هذا حكم الصفة كان في المصدر أجدر؛ لأن المصدر أشد ملابسة للفعل من الصفة؛ ألا ترى أن في الصفة نحو: مررت بإبل مائة، وبرجل أبي عشرة أهله. . .". ا. هـ. صحة الاشتقاق من الجامد. جاء في ص69 من الكتاب المجمعي الصادر في سنة 1969 مشتملًا على القرارات المجمعية الصادرة من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين، ما نصه تحت عنوان: "الاشتقاق من أسماء الأعيان، دون تقييد بالضرورة" بناء على رأي لجنة الأصول بمجمع اللغة العربية، وهو: "قرر المجمع من قبل إجازة الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم كما أقر قواعد الاشتقاق من الجامد". واللجنة تأسيسًا على أن ما اشتقه العرب من أسماء الأعيان كثير كثرة ظاهرة، وأن ما ورد من أمثلته في البحث الذي احتج به المجمع لإجازة الاشتقاق يربي على المائتين ترى التوسع في هذه الإجازة؛ يجعل الاشتقاق من أسماء الأعيان جائز من غير تقييد بالضرورة". ا. هـ. وقد وافق المجمع ومؤتمره العام على رأي اللجنة، وصدر قرار موافقتهما في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968. أما قواعد الاشتقاق المشار إليها، في القرار السالف، فقد ورد بيانها في الكتاب المجمعي الذي تقدم ذكره، ففي ص 64 النص الآتي تحت عنوان:

_ 1 في ص367 من الفصل نفسه. 2 جـ1 ص127 باب: "تعارض السماع والقياس" ...

1- إذا أريد اشتقاق فعل لازم من الاسم العربي الجامد، الثلاثي مجردة ومزيدة، فالباب فيه: "نصر" ويعدى إذا أريد تعديته بإحدى وسائل التعدية؛ كالهمزة، والتضعيف، "مثل: قطنت الأرض تقطن، كثر قطنها، وقطنتها: زرعتها قطنًا". 2- أما إذا أريد اشتقاق فعل ثلاثي متعد فالباب فيه: "ضرب": "مثل قطنت الأرض، أقطنها، زرعتها قطنًا". 3- وفي كلتا الحالتين يستأنس بما ورد في المعجمات من مشتقات للأسماء العربية الجامدة؛ لتحديد صيغة الفعل. 4- ويشتق الفعل من الاسم العربي الجامد غير الثلاثي على وزن: "فعلل" متعديًا، وعلى وزن "تفعلل" لازمًا. 5- وإذا كان الاسم رباعي الأصول أو رباعيًا مزيدًا فيه؛ مثل: درهم وكبريت اشتق منه على وزن: "فعلل" بعد حذف الزائد من المزيد؛ فيقال: درهم الزهر وكبرت، أي صار كالدرهم والكبريت. 6- وإذا كان الاسم خماسيًا مثل: "سفرجل" اشتق منه على وزن "فعلل" بعد حذف خامسه، فيقال: "سفرج النبت" بمعنى: صار كالسفرجل. 7- تؤخذ المشتقات الأخرى من هذه الأفعال على حسب القياس الصرفي. ثانيًا- في الاسم الجامد المعرب: 8- يشتق الفعل من الاسم الجامد المعرف الثلاثي على وزن: "فعل" بالتشديد متعديًا، ولازمه: "تفعل". 9- ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب غير الثلاثي على وزن: "فعلل" ولازمه: "تفعلل. . .".

الفهرس

الفهرس: 1- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب 3 ظن وأخواتها 58 أعلم وأرى، ونظائرهما. 63 الفاعل 97 نائب الفاعل. 124 اشتغال العامل عن المعمول. 150 تعدية الفعل ولزومه. المفعول به، وأحكامه. 186 التنازع في العمل. 204 المفعول المطلق. 238 المفعول له "لأجله". 242 ظرف الزمان والمكان. 304 المفعول معه. 313 الاستثناء. 363 الحال. 413 التمييز. 431 حروف الجر. 544 بحث في: "مذ ومنذ". 564 بحث في: "التضمين. 596 بحث في: "اللغة المأخوذة قياسا". ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي يشتمل عليها كل باب من الأبواب العامة السابقة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الوارة في: "الزيادة والتفصيل"، والهوامش. باب: ظن وأخواتها: 3 المسألة 60: ظن وأخواتها 4 معنى الماضي المتصرف، وغير المتصرف "أي: الجامد" إشارة إلى المشتقات بقسميها أفعال القلوب، وأفعال التحويل، ومعنى كل. 5 معنى اليقين والظن، والشك، والوهم، الكلام على: أرأيتك، بمعنى: أخبرني". 7 ضبط همزة "إخال" معاني: زعم. 9 موجز للأفعال السابقة. 11 المراد من أن المفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. ما تدخل عليه الأفعال القلبية.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش رقم الصفحة: الموضوع: 12 تقسيم آخر، والسبب 13 الفرق بين علم وعرف. الاكتفاء بمفعول واحد في هذا الباب. 16 إشارة إلى: "أرأيتك"، بمعنى: أخبرني تفصيل الكلام على المضارع: "أرى" المبني للمجهول، والفعل: "أريت" المبني له، كذلك. 19 الفرق بين صيغتي فعل الأمر: "تعلم". 20 الفعل: "وهب" من ناحية "التعدي واللزوم". 21 شروط إعمال هذه النواسخ. حكم تقديم خبر النواسخ عامة. حكم خبرها الإنشائي. 22 معنى: لله دره بطلا. 23 التقديم والتأخير في هذا الباب. 24 ما تنفرد به الأفعال القلبية الناسخة. -أ- تنوع المفعول الثاني. 26 المسألة61: -ب- الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية المتصرفة. إذا كان فاعل اسم الفاعل ضميرا مستترا وجب أن يكون للغائب. 27 الحكم الأول: التعليق. تعريفه، سببه، وجوبه إلا في صورة واحدة جائزة. "ستجئ في رقم4 من هامش ص30". 29 شروط العطف بالنصب على محل الجملة التي علق عنها الناسخ، عطف المفرد على محل الجملة. 30 سبب التعليق. مسألة يجوز فيها التعليق، ولا يجب. 31 قد يكون لجملة القسم مع جوابه محل من الإعراب. وكذلك لجملة الجواب وحدها ... هل يسد جملتان معا مسد المفعولين؟ 32 حكم "لا" النافية من ناحية الصدارة. 34 أمثلة تزيد التعليق وضوحا. 36 زيادات خاصة بأحكام التعليق. 38 الحكم الثاني: الإلغاء، سببه، وأحكامه. 39 الفرق بين الإلغاء والتعليق. الإلغاء جائز إلا في بعض حالات. 40 هل يلغى العامل المتقدم؟ 42 زيادات خاصة بالإلغاء. 43 الحكم الثالث: الاستغناء عن المفعولين بالمصدر المؤول. 44 الحكم الرابع: جواز وقوع فاعلها ومفعولها الأول ضميرين. 45 زيادة تختص بالحكم الرابع. 46 المسألة62: القول: معناه، متى ينصب مفعولا واحدًا، ومتى ينصب مفعولين حكاية الكلمة والجملة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض الموضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 48 إشارة إلى وقوع الجملة المحكية فاعلا، ونائب فاعل. الجملة المحكية تسمى: "مقول القول". 50 شروط إعمال القول بمعنى الظن. 53 عودة إلى اللفظ المحكي، إشارة إلى فائدة الحكاية، وموضعها من الجزء الأول. 58 المسألة 64: أثر التعدية بهمزة النقل. 61 إشارة إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 63 المسألة65: التفريق بين الفاعل الذي فعل الفعل، والفاعل الذي قام به الفعل. 65 الفاعل المصدر المؤول، والأداة الصالحة للسبك في باب الفاعل، ومنها: همزة التسوية. 66 هل تقع الجملة فاعلا؟ 67 إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 68 المسألة66: أحكام الفاعل التسعة، أولها: الرفع. 53 هل تصح الحكاية بالمعنى؟ 54 هل يلحق بالقول ما يؤدي معناه؟ 55 إشارة إلى حذف القول جوازا. 56 المسألة 63: حذف المفعولين معا، أو: أحدهما، وحذف الناسخ. معنى القرينة، أو: الدليل. أعلم وأرى، ونظائرهما مما ينصب ثلاثة مفاعيل. 61 أفعال أخرى تنصب بنفسها ثلاثة مفاعيل 62 إشارة إلى: "ترما" ونظائرها التي بمعنى: "لا سيما". الفاعل وتعريفه، وأحكامه حكم المعطوف على الفاعل المجرور بحرف زائد، ومناقشة رأي النحاة. 69 ثانيها: وجوده، وقد يحذف في مواضع. 70 حذف الفاعل. 72 أفعال لا تحتاج لفاعل، "ومنها أفعال مختومة "بما" الكافة"، رأي آخر. "قلما" تكون حرف نفي، أحيانا. 73 ثالثها: تأخيره. رابعها: نجرده من علامة تثنية، أو جمع. 74 القلة النسبية لا تمنع القياس لا يصح إخضاع لغة قبيلة للغة أخرى ...

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 75 خامسها: إضمار عامله في مواضع. 76 سادسها: تأنيث عامله في مواضع. 78 أنواع المؤنث. 80 مواضع أخرى لتأنيث العامل وعدمه، منها اسم الجنس والتكسير 85 تأنيث الكلمة إذا قصد لفظها، وتذكيرها باعتبار آخر. 86 سابعها: أحوال تأخره وتقدمه على المفعول به، "وتنطبق على أحوال المفعول به أيضا". 88 معنى التقدم في اللفظ والرتبة، وإشارة إلى المحصور: "بإلا" أو"إنما". النائب عن الفاعل: المسألة67: 97 أ- الدواعي لحذف الفاعل العوامل التي تحتاج وجوبا لنائب فاعل. 98 التغيير الذي يطرأ وجوبا بسبب حذف الفاعل. 100 المطاوعة، معناها وبعض ضوابطها الهامة. 99 مطاوع "فعل" الثلاثي المتعدي. 101 هفوة نحوية في كلام ابن مالك. 102 الفرق بين المعتل، والمعل، وحرف العلة، واللين، والمد. معنى الإشمام. 107 ما لا يصح بناؤه للمجهول. 108 الرأي في أفعال يقال إنها مبنية للمجهول لزوما، هل يصح بناؤها للمعلوم؟ 110 هل يكو المصدر المؤول عاملا لنائب الفاعل؟ 89 الترتيب بين الفاعل والمفعول به، وعاملهما. 90 الفاء بعد "إما" الشرطية الظاهرة والمقدرة. 93 مواضع أخرى لا يجوز فيها تقدم المفعول به على عامله. 94 ثامنها: عدم تعدد الفاعل. تاسعها: إغناؤه عن الخبر أحيانا. 95 الاشتباه بين الفاعل والمفعول، وطريقة التمييز بينهما. المسألة 68 ب- الأشياء التي تنوب عن الفاعل، وشروطها. إنابة المفعول به. 113 إنابة المصدر واسمه متى تقع الجملة نائب فاعل؟ 115 إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي إعراب: "كيف". 116 الكلام على: "معاذ الله". 117 إنابة الظرف. 118 قط - عوض - فقط. 119 إنابة الجار مع مجروره. النائب هو المجرور وحده، إعرابه، وإعراب توابعه. الأشياء التي لا يجوز أن تنوب عنه.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش. اشتغال العامل عن المعمول، معناه، وطريقته 122 المسألة 69: معناه. معنى السببي. 126 الضمير العائد على الظرف يجر بالحرف: "في". نوع العامل، وشروطه. 129 حكم الاسم السابق في الاشتغال. 130 حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها. 138 شروط وتفصيلات أخرى. المسألة 70: 150 أنواع الفعل من حيث التعدية واللزوم. 151 حكم توابع المفعول به الحكمي. 152 لهما ضابطان. 153 قيمة الضابطين مناقشتهما، وإبداء الشك في قيمتهما. "في ص86 حكم ترتيب المفعول به الواحد، أي: تقديمه وتأخره في جملته." أنواع الفعل التام. المراد من كلمة: "مفعول" عند إطلاقها. 153 هل يجوز العطف بالنصب على المفعول به المعنوي؟ 154 أشهر علامات الفعل اللازم. 155 معنى الإلحاق، وحكمه، عصور الاستشهاد بالكلام القديم. 138 قد يصح الجمع بين المفسر والمفسر، لا العوض والمعوض عنه. 139 الجملة المفسرة، وحكمها، وحكم غير الجملة، قد يكون لها محل. 141 الاسم المرفوع بعد أداة الشرط فاعل، أو نائبه ... ولا يكون مبتدأ. 144 تأييد النحاة في إعراب: "وإن أحد من المشركين استجارك" وأمثالهما. 148 تقسيم بطريقة أخرى. أبيات "الألفية" في هذا الباب مفككة. 157 أنواع اللازم. المسألة71: 158 طريقة تعدية الفعل اللازم، وما في حكمه. معنى: "ما في حكمه". 161 التعدية بحرف الجر الأصلي نزع الخافض والنصب به "وهو المسمى: الحذف والإيصال". 161 تنويع حروف الجر وتغييرها بتنوع المعاني ولو لم يتغير العامل. المراد من أن فعلا لازما يتعدى بحرف جر معين.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 162 حذف الجار، وأنواع الحذف وآثاره. النصب على نزع الخافض أي: الحذف والإيصال". 165 بقية وسائل التعدية: "همزة النقل، التضعيف". 166 تحويل صيغة الفعل الثلاثي إلى: "فاعل واستفعل". 167 تحويل صيغة الفعل الثلاثي إلى "فعل للمبالغة" ... 168 التضمين ونوعاه ومزيته ... بعض أحكام المطاوعة. 171 إسقاط الجار والنصب على نزع الخافض "أي: الحذف والإيصال". 173 تعريف المغالبة وتفصيل الكلام عليها. 176 المسألة 72: تعدد المفعول به، وترتيبه، وحذفه. مواضع جواز الترتيب. التنازع في العمل: المسألة 73: 186 أمثلة وتعريف. 192 أحكام التنازع. 177 التزام الترتيب. موضع مخالفة الترتيب وجوبا. 179 حذف المفعول به. الفضلة والعمدة. حذف المفعول به جوازا. 181 عدم حذفه. 182 معنى المثل، ما يشبهه. 183 حذف عامل المفعول به جوازا ووجوبا. الاشتباه بين الفاعل والمفعول به، جعل المعدي لازما، أو في حكم اللازم. 183 - 1- التضمين لمعنى الفعل اللازم حكما. 2- تحويل الفعل الثلاثي إلى "فعل" للمدح والذم، وشروط ذلك، الفرق بينه وبين: نعم 184 3- المطاوعة. 4- ضعف الفعل الثلاثي، الرأي فيه. 185 5- ضرورة الشعر. التنازع في العمل. إعمال الأول. 196 إعمال الأخير. 201 رأي في باب "التنازع"، إصلاح عيوبه.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش المفعول المطلق، ومعناه رقم الصفحة الموضوع: 204 المسألة 74: سبب التسمية. 205 بعض الأفعال لا يدل على زمن. 206 ناصب المصدر. 207 تقسيم المصدر بحسب فائدته اللغوية المصدر المبهم، والمختص، ومنه النوعي، والعددي تعريف كل. تعريف المصدر المبهم. 208 متى تستعمل المصدر المبهم؟ توكيد المصدر لعامله نوع من التوكيد اللفظي. 210 العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق. 211 حكم المصدر المؤكد لعامله، وغير المؤكد. 213 المسألة 75: حذف المصدر الصريح، وبيان ما ينوب عنه. 214 معنى اسم المصدر. المفعول له، أو: لأجله. 236 المسألة 77: أمثلة له. 237 تعريفه وتقسيمه، أحكامه. رقم الصفحة الموضوع: 219 المسألة 76: حذف عامل المصدر، وإقامة المصدر المؤكد نائبا عنه. الدليل المقالي والحالي. 220 حذف العامل وجوبا. معنى الخبر والإنشاء، وجملة كل، الجملة الإنشائية: طلبية، وغير طلبية، بيان كل واحدة. 222 الكلام على: "سقيا" و"رعيا". 224 الأساليب الخبرية. 226 الكلام على: ألبتة "معناهما، وهمزتها". 229 متى يعمل المصدر الصريح؟ في موضعين. 230 اللفظ المهلم، صحة استعماله وتجديده، تكملة المادة اللغوية الناقصة. الكلام على معنى إعراب كلمة: "ويح-ويل-ويب-ويس-بله ... " 231 أنواع مختلفة من المصادر السماعية. 2342 ما يجوز فيها وفي قولهم: ويل للشجي من الخلي. 234 معنى التثنية فيها. متى يكون نكرة ومتى يكون معرفة؟ 240 التذكير والتأنيث في اللفظ باعتبارين مخلفين.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش ظرف الزمان والمكان 242 المسألة 78: شبه الجملة، وهو شبه الوصف، المراد من تضمن الظرف معنى: "في". ظهور "في" وعدم ظهورها. بعض الظروف لا يتضمنها. 243 قد يطلق الظرف ويراد منه الجار مع مجروره. 244 أحكامه. إشارة إلى حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات. 245 حروف المعاني، هل يتعلق بها شبه الجملة؟ 246 حذف عامل الظرف جوازا ووجوبا، الظرف اللغو والمستقر. 249 سبب تعلق الظروف بالعامل المحذوف وجوبا. 252 الظرف الزماني المبهم والمختص، "أو أسماء الزمان المبهمة والمختصة". الضمير العائد على الظرف يجر "بفي" وقد يحذف. حكم إضافة كلمة: "شهر" إلى أسماء بعض الشهور. 255 أنواع ظرف المكان. 255 متى يتعدد الظرف؟ 257 ما يلحق بالجهات، الرأي في مثل: "داخل-خارج-ظاهر المدينة ... " الظرف المؤسس والمؤكد. 259 المسألة 79: الظرف المتصرف وغير المتصرف. أقسام كل. "ا" المتصرف. 260 ... حكمة. 261 ... "ب" الظرف غير المتصرف شبه الظرفية كلمة عن الظروف الآتية: "أين-ثم-هنا-متى ... " إعراب: قط-عوض-فقط-مكان-بدل-حول "وفي هذه لغات" سحر-عند لدن-قبل-بعد ... 262 ... حكم الظرف غير المتصرف، ظرف الزمان "متى" أيضا. ومذ، ومنذ. 263 ما ينوب عن الظرف. 266 أقسام الظرف من حيث التصرف، وعدمه، ودرجته أقسام الظرف من حيث التصرف. 267 الفرق بين وسط بسكون السين، ووسط، بتحريكها. وجوب تعلق شبه الجملة، ومعنى هذا، هل يصح تقدمهما على عاملهما؟ قد يتلعقان بعامل معنوي هو: "الإسناد". 269 أقسام الزمان، واستغراقه المعنى. 270 حكم الظروف المركبة. 271 "بين" المركبة: "بين بين". 272 إشارة إلى الظرف: "ذات" في مثل: ذات اليمين وذات الشمال. أنواع أخرى من الظروف غير المتصرفة، حوال وفيها لغات. 275 "شطر-زنة الجبل-صقب".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش. 273 ظروف منصوبة على نزع الخافض. "حقا-غير شك-جهد رأيي-ظنا مني-و ... " حذف العامل وجوبا. 274 تنزيل بعض الظروف منزلة أدوات الشرط في غر الجزم، اقتران جوابه بالفاء، هل يعطف الزمان على المكان، والعكس؟ موجز للظروف المختلفة مع جدارتها برسالة مستقلة بها. 275 إذا. 278 إذا. 279 الفرق المعنوي بين: "إذا ون" 281 الآن. 282 أمس أول-بين-بدل. 283 بعد: حكمها، وبعض استعمالاتها الأدبية، أول-قبل-أمام-قدام-وراء -خلف-أسفل-يمين-شمال- فوق-تحت-عل-دون. 304 المسألة 80: 305 تعريفه. 306 بعض صور ممنوعة. 308 أحكامه. 287 الكلام على: "بينا وبينما"، إشارة إلى إلحاق الظرف بالشرط. 290 حيث. 291 حول-ريث-عند. 292 معنى ظروف الغايات، وإيضاح المراد من: "الغاية" 293 عوض-قط. 294 كلما-لدن. 295 لدى. 296 لما، وهل تدخل على مضارع؟ 299 مذ-منذ-متى-مع. بناء أسماء الزمان "المبهمة". 300 مع-ملحقاتها. 301 الإضافة الواجبة إلى الجمل تحتم البناء. شروط إضافة اسم الزمان للجملة. المفعول معه. 310 حالات الاسم الذي بعد الواو. 314 اختلاف معنى الجملة باختلاف ضبط الاسم بعد الواو. ترتيب المفعولات المجتمعة، المختلفة الأنواع.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش الاستثناء 315 المسألة 81: إيضاح مصطلحاته ومعناه. 316 المستثنى منه، المستثنى، الأداة. 318 الاستثناء الموجب وغيره، التام. النفي الصريح وغير الصريح. الاستفهام الإنكاري، والتوبيخي. 317 المفرغ. 318 المتصل، المنقطع. 319 حكم المستثنى بإلا. 320 بدل لا يحتاج لرابط. 323 معمولات لا يصح فيها التفريغ. 325 إعراب قولهم: "كما لو كان الأمر كذا ... ". 326 نوع آخر من التفريغ. 327 "لما" الاستثنائية. شروط تقديم المستثنى بإلا وما يتصل به. 330 أشياء يصح فيها التقديم وعدمه. 328 ناصب المستثنى. 329 أمثلة مخالفة للقاعدة. 331 هل يكون المستثنى أو المستثنى منه نكرة؟ 332 وقوع المستثنى جملة، أنواع من المنقطع. 334 بعض صور إعرابية دقيقة. 334 يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. 337 بعض عيوب نظرية العامل. 338 الاستثناء "بإلا" المكررة. 341 ملخص أحكام "إلا" المكررة. 343 المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء: "غير-سوى". 345 فوارق بين "غير" وأخواتها. 346 هل تتعرف "غير"؟ وهل تدخل عليها "أل"؟ 347 حكم تابع المستثنى بغير وأخواتها. 348 نوع من الإعراب على التوهم. 349 بيد الاستثنائية. الفوارق بين "غير" و"إلا" 350 وقوع "إلا" اسما لا يفيد استثناء. 353 المسألة 83: أحكام المستثنى الذي أدواته أفعال خالصة، والذي أدواته تصلح أن تكون أفعالا وحروفا. 355 الحرف المصدري لا يدخل على فعل جامد إلا أفعال الاستثناء. 357 تعلق شبه الجملة بالنسبة. 358 متى تصلح تلك الأفعال مع فاعلها لأن تكون جملة تعرب نعتا؟ 362 أنواع: "حاشا" وكيف تكتب؟ 363 حذف المستثنى وأداته. "لما" الاستثنائية. "لا سيما" ونظائرها "لا ترما ولو ترما...."

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش الحال: 363 المسألة 84: تعريفه تذكير لفظه وتأنيثه: 364 عامل الحال وصاحبها، هل يختلف العامل فيهما؟ 365 صاحب الحال مجيء الحال من المبتدأ أو من اسم الناسخ وصحة ذلك. 366 أقسام الحال والكلام على كل قسم، المنتقلة والثابتة. 368 المشتقة والجامدة بنوعيها. الجامدة المؤولة بالمشتق. معنى القلة الذاتية والنسبية، إشارة إلى الموضع المشتمل على بيان: الاطراد والقياس، والغالب و ... 371 العرب تكرر اللفظ بقصد الترتيب، أو: الاستيعاب، قياسية التكرار المفيد للترتيب. 372 وقوع المصدر حالا. 373 الحال الجامدة غير المؤولة. الحال الموطئة، والمقصودة، معنى شبه المشتق. 375 تقسيمها إلى نكرة ومعرفة. الجملة نكرة أو في حكم النكرة. 376 إشارة عابرة إلى كلمة: "وحد"، إعرابها وإضافتها. 378 تقسيمها إلى حال هي نفس صاحبها، وإلى غيره. 378 تقديمها وتأخيرها. ترتيبها مع صاحبها 379 الكلام على "كافة" و"قاطبة" وعدم التزامهما النصب. 380 ترتيبها مع عاملها، وجوب تأخيرها. عودة إلى العامل في الحال وصاحبها وميجئها من المبتدأ، وهل يختلف العامل في الحال وصاحبها؟ 384 وجوب تقديمها. جواز الأمرين. "كيف" بيان الموضع الذي يشتمل على استعمالاتها وإعرابها. 385 تقسيمها إلى متعددة، وغير متعددة. 386 إشارة إلى الحال الحقيقية والسببية. 389 الحال المترادفة - المتوالية - والمتداخلة. 390 تقسيمها إلى مقارنة، ومقدرة "أي: مستقبلة، ومحكية" ... 391 تقسيمها إلى مؤسسة، "مبنية" ومؤكدة. 392 تقسيمها إلى مفردة وغيرها. 393 ومن المفردة ألفاظ مركبة مبنية، مثل: شغر بغر -الكلام على الرابط. 395 الحال شبه الجملة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش 393 نوع من الحال المفردة يجب اقترانه بالفاء، أو: ثم، العاطفتين. 394 الحال الجملة، 395 الجملة نكرة أو في حكم النكرة، وأثر ذلك. شروط الجملة. نوع الرابط. "لا" النافية، وهل تخلص المضارع للمستقبل؟ 397 واو اللصوق التي تسبق الجملة النعتية. 400 تقسيمها إلى حقيقية وسببية. 402 المسألة: 85: صاحب الحال أيضا، حكم نعت النكرة إذا تقدم عليها. 404 صاحب الحال المضاف إليه. المسألة 87: 413 أمثلة. 416 المراد اصطلاحا من كلمة: "تمييز" معنى: "من" البيانية. 417 أقسام التمييز. الغالب على تمييز المفرد الجمود. 418 تقسيم تمييز الجملة. الفرق في التمييز بين الفاعل النحوي والمعنوي، وكذا المفعول. 406 مطابقة الحال لصاحبها ... 407 الإشارة إلى "أي". عودة إلى صحة مجيء الحال من المبتدأ و ... و 408 المسألة 86: حكم الحال، وعاملها، وصاحبها، ورابطها، من ناحية الذكر، والحذف. 409 حذف عامل الحال، الدليل المقالي والحالي. 410 إشارة أخرى لحال مفردة تقترن بالفاء، أو ثم، وجوبا. 411 حذف صاحب الحال. حذف الرابط. 412 التوافق والتخالف بين الحال والتمييز. التمييز. 420 المسألة 88: 420 أحكام تمييز المفرد. 422 أحكام تمييز النسبة. 424 تقديم التمييز. إعراب: "يا جارتي ما أنت جارة". 427 ألفاظ تصلح حالا وتمييزا. تمييز الضمير. 428 مطابقة التمييز، وتركها. 429 اتفاق الحال والتمييز واختلافهما.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش حروف الجر. 431 المسألة 89: حروف الجر تسمى: "حروف الإضافة، أو: حروف الصفات، "وقد تسمى: ظروفا"، بيانها، أسباب جر الاسم، رأى في الجر بالتوهم، والمجاورة. 432 الفصل بين الجار ومجروره، الفصل بـ"كان" الزائدة، أو: "لا" النافية. 433 انقسامها إلى ما يجر الظاهر وحده، أو الظاهر والضمير، حروف كل. من آثار حرف الجر حذف ألف "ما" الاستفهامية المجرورة، الإعراب المحلي. 434 انقسامها بحسب الأصالة والزيادة، وشبهها، وتعريف كل. 434 إشارة إلى الموضع الذي يشتمل على الكلام على اللفظ الزائد حرفا، وغير حرف. عمل حرف الجر، وفائدته، العامل، وأنواعه. حذف العامل جوازا ووجوبا. 436 تعلق الجار الأصلي مع مجروره بالعامل، وسببه. استغناء الحرف "على" أحيانا عن التعلق. 436 لا بد من تغيير حروف الجر، وتنويعها على حسب المعاني "السياق". 439 نوع العامل "أي: المتعلق به" هل يتعلقان بأحرف المعاني؟ 441 تعلق شب الجملة بالإسناد، "أي: بالنسبة، وتسمى: العامل المعنوي". 444 عدم تعلق حرفين للجر مع مجرورهما بعامل واحد إذا كان معناهما واحدا. 445 ما المراد من شبه الجملة؟ 446 تفصيل الكلم على شبه الجملة التام، وغير التام، وعلى التعلق بالعامل ... تلخيص ما تفرق من أحكم شبه الجملة، وأنه هو الخبر، و........و........... الفرق بين نوعي الظرف من جهة المتعلق الواجب حذفه. حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات. شبه الجملة المستقر واللغو. 449 سبب التسمية بشبه الجملة. شبه الوصف. بيان الحروف الأصلية وغيرها النحو الوافي - ثان

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة" والتفصيل والهامش. 450 حرف الجر الزائد. فائدة حرف الجر الزائد. إشارة أخرى إلى الموضع الذي يحوي الكلام على اللفظ الزائد مطلقا. 451 إعراب المجرور بحرف الجر الزائد. 452 حرف الجر الشبيه بالزائد. 453 طريقة إعراب حرف الجر الشبيه بالزائد. 454 أوجه المشابهة والمخالفة بين أنواع حروف الجر. 455 المسألة 90: معاني حروف الجر، وعملها، تفاوتها في الشيوع. 456 معنى القلة الذاتية والنسبية أيضا. كي: واستعمالاتها. 457 لعل. 458 متى. حروف الجر الشائعة: من: حكمها، معانيها. 461 زيادتها في الإثبات. 466 أسلوب مسموع "مما ... " ضبط نون "من" بعض أساليب مسموعة. 468 إلى: حكمها ومعانيها. 472 اللام، أصالتها وزيادتها، من أيهما لام الاستغاثة معاني اللام. 475 لام التقوية، حكمها، بعض مواضعها. 476 مناقشة كلام النحاة في التقوية. لام الإضافة، أو اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله. 477 إشارة إلى كل حروف القسم. 478 لام التبيين، والمراد منه. 479 إشارة إلي: سقيا لك، ورعيا لك، وتبا للخائن. 481 حركة لام الجر. 482 حتى: الفروق بين "حتى" و"إلى" 484 و485 قد تكون "حتى" للاستثناء، وأمثلة لذلك. 489 الواو، والتاء. 490 الإشارة إلى واو: "رب" ... أحرف القسم، حكمها، ومعانيها. الباء. الفرق بين باء السبب وباء الاستعانة. 494 اتصال "ما" الزائدة بالباء. 495 مواضع زيادتها، وهل تقاس؟ 498 جملة القسم، وجملة جوابه، القسم الاستعطافي وغيره. 499 وشروط الجواب، ومحل جملة القسم. 502 وقوع القسم بين أداتي نفي.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل" والهامش، 502 تكرار أدة القسم. حذف جملة القسم. حذف أداة القسم وحدها، أو مع المقسم به. 503 اللام الداخلة على أداة الشرط. إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للمتقدم غالبا. 504 حذف جواب القسم. قد يكون لجملة القسم محل من الإعراب. 505 نوع جواب القسم: "جملة أو شبهها". ألفاظ أخرى للقسم، ومنها: لا جرم، وجير. 507 في: معناها، وحكمها. 509 على: معناها، وحكمها. 512 استغناؤها عن التعليق أحيانا. 513 عن: معناها وحكمها. 515 اتصال "ما" الزائدة بها. الكاف: معناها، وحكمها. 518 اتصال "ما" الزائدة بها. مذ ومنذ. 522 رب: معناها، وحكمها. 523 الضمير المجهول. 525 اتصالها "بما" الزائدة. 527 ضبطها، واصتالها بتاء التأنيث. 528 حذف: "رب"، بعد الواو والفاء، وبل. لا يتحتم أن تعرب هذه الواو نائبة عنها. 530 كيفية إعراب الاسم المجرور بها، وتوابعه. 531 دخول "رب" على الجمل وأثر ذلك عليه، قد تحل "مما" محل "ربما". 532 المسألة 91: حذف حرف الجر وإبقاء عمله. إشارة إلى: "نزع الخافض" 536 حذف الجار والمجرور معا. 537 المسألة 92: نيابة حروف الجر بعضها عن بعض. 544 بحث في: مذ ومنذ. 546 بحث في: التضمين. 594 رأي في البحث السالف. 596 باب في: اللغة المأخوذة قياسا لابن جني. 599 إشارة موجزة إلى تكملة مادة لغوية ناقصة وإلى اطراد القياس، وإلى الاشتقاق من الجامد.

المجلد الثالث

المجلد الثالث الإضافة ... المسألة 93: الإضافة 1 تقسيمها: تنقسم قسمين؛ محضة، "وتسمى: معنوية أو حقيقية"، وغير محضة،

_ 1 فيما يلي إيضاح لمدلولها النحوي الدقيق، ولبعض المصطلحات التي تتصل بها: أ- في جملة مثل: "الوالد، منصف"، أو: "أنصف الوالد" يكون المراد هو: الحكم على الوالد بالإنصاف أي: إسناد الإنصاف إليه، وإن شئت فقل: نسبة الإنصاف إليه. وفي جملة أخرى مثل: "الصفح حسن" أو: "يحسُن الصفح" يكون المراد أيضا هو: الحكم على الصفح بالحُسن، أي: إسناد الحسن إليه، أو: نسبته له. وكذلك لو قلنا: "الحقوق غير مستريح" أو: "الحقود لا يستريح"، فإن المراد هو الحكم بعدم الراحة على الحقود، أي: إسناد عدم الراحة إليه، أو: نسبة عدم الراحة له، ونفيها عنه، وهكذا الشأن في كل جملة اسمية أو فعلية، مثبتة أو منفية؛ فالمراد من الجملة لا بد أن يكون هو: "الحكم"، أي: "الإسناد"، أي: "النسبة". وهذه الألفاظ الثلاثة متحدة في مدلولها الذي هو: "المعنى المفهوم من الجملة؛ إثباتًا أو نفيًا". ويعبر عنه النحاة بأنه: "الربط المعنوي بين طرفي الجملة ربطًا يقتضي أن يقع على أحدهما معنى الآخر، أو ينفى عنه". ويجري على ألسنتهم كثيرًا ذكر: "النسبة الأساسية" أو: "النسبة الكلية"؛ يريدون بها ذلك المعنى، أو: الربط المعنوي الذي لا يمكن أن تخلو منه جملة مستقلة بمعناها -كالجملة غير الشرطية- ولا أن تسمى جملة إلا به. وقد يختصرون فيقولون: "النسبة". دون وصفها بصفة "الأساسية" أو بـ "الكلية"؛ لاصطلاحهم على أنها المقصودة عند الإطلاق؛ أي: عند حذف الوصف والتحديد. ب- على ضوء ما سبق نفهم أن المراد الأصيل من الجملة الحقيقية المستقلة هو: "النسبة الأساسية" أو: "الكلية". لكن الملحوظ عند سماع جملة مثل: "أقبل ضيف" أن تتعدد الاحتمالات الذهنية في أمر هذا الضيف: ما اسمه؟ ما بلده؟ ما صلته بنا؟ ما غرضه؟ ما شأنه؟ ... و ... و ... كل هذا وأكثر منه لا يفهم من هذه الجملة وحدها، ولا تدل عليه النسبة الأصلية فيها، ومن ثم كانت الجملة في حاجة إلى زيادة لفظية تؤدي إلى زيادة معنوية؛ كأن نقول: أقبل ضيف عظيمٍ، فننسب العظمة للضيف. فهذه نسبة أيضًا، ولكنها نسبة جزئية أو فرعية، ليست أصيلة كالسابقة، إذ لا يتوقف -في الغالب- =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على هذه النسبة الجزئية أو: الفرعية، المعنى الأساسي للجملة، ولا يختل بحذفها؛ فمن الممكن -غالبًا- الاستغناء عنها عن الزيادة اللفظية التي جلبتها. وكذلك لو قلنا: أقبل الضيف مبتسمًا، أو فرحت بالضيف يومًا ... أو غير هذا من الزيادات اللفظية الفرعية التي منها: الحال، والتمييز، والمفعولات، والتوابع، وغيرها من سائر "المكملات" التي تزداد على طرفي الجملة الأصلية؛ فتكسبها معنى جزئيًا جديدًا، قد يمكن الاستغناء عنه. والنحاة يسمون هذه النسبة الجزئية، أو الفرعية: "القيد"، أو: "النسبة التقييدية" يريدون بها: "النسبة التي جاءت لإفادة التقييد"، أي: لإفادة نوع من الحصر، والتحديد، ذلك أن اللفظ قبل مجيئها كان عامًّا مطلقًا يحتمل أنواعًا وأفرادًا كثيرة؛ فجاءت التكملة "أي: القيد" فمنعت التعميم والإطلاق الشاملين، وجعلت المراد محددًا محصورًا في مجال أضيق من الأول، ولم تترك المجال يتسع لكثرة الاحتمالات الذهنية التي كانت تتوارد من قبل. ج- من أمثلة التكملات كلمة: "الغرفة" في نحو: "أضاء مصباح الغرفة" فلو لم نذكر هذه الكلمة لكانت الجملة في حاجة إلى زيادة لفظية تتبعها زيادة معنوية جزئية، تزيل التعميم والإطلاق عن المراد من كلمة: "مصباح"؛ إذ لا ندري: أهو مصباح للغرفة، أم للطريق، أم للمصنع، أم للنادي ... ؟ فلما جاء القيد -وهو كلمة: "الغرفة"- أزال تلك الاحتمالات، وقصر الفهم على واحد منها، فأفاد التقييد، بأن جعل العام المطلق محدودًا محصورًا. ومثل هذا: قرأت أدب العرب- تمتعت بأدب العرب ... و ... فقد تبع الزيادة اللفظية الجزئية زيادة معنوية جزئية. ومما يلاحظ أن التكملة "أي: القيد" مجرورة في أمثلة هذا القسم: "ج" لا تفارق الجر مطلقًا. أما في غيرها فقد تكون التكملة مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، أو مجزومة ... على حسب حاجة الجملة. وتسمى التكملة الجزئية التي تلازم الجر دائمًا: "المضاف إليه" ويسمى اللفظ الذي قبلها، والذي جاءت لتقييده، وتحديد مدلوله: "المضاف" ويطلق عليهما معًا: "المتضايفان" و"الإضافة" هي الصلة المعنوية الجزئية التي بين المتضايقين، "وهما: المضاف، والمضاف إليه": ويقول النحاة في تعريفها: "إنها نسبة تقييدية بين اسمين، تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورًا دائمًا". نعم، قد يكون المضاف إليه جملة -كما سيجيء البيان في ص 28، وله إشارة في ص 78 و83 و84، ولكن الجملة في هذه الحالة بمنزلة المفرد، أي: الاسم الواحد؛ فمحلها الجر، أما المضاف فلا بد أن يكون في جميع حالاته اسما يعرب على حسب الحاجة، ولا يصح أن يكون فعلًا، أو حرفًا، أو جملة "انظر ص7 ج". مما تقدم نعلم؛ أن التكملة تسمى: "القيد"، أو: التنبية "التقييدية" وليست مقصورة على الإضافة، بل تشمل جميع المكملات. وأن التكملة في الإضافة تسمى: "المضاف إليه" ولا بد أن يسبقه: "المضاف"، وكلاهما لا بد أن يكون اسمًا واحدًا، وقد يكون المضاف إليه" جملة بمنزلة =

"وتسمى: لفظية، أو مجازية1 -ولها ملحقات2-". فالأولى: ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويًّا؛ وليست على نية الانفصال3؛ لأصالتها، ولأن المضاف -في الغالب- خال من ضمير مستتر يفصل بينهما. والأكثر أن يكون المضاف في الإضافة المحضة واحدًا مما يأتي: 1- اسم من الأسماء الجامدة الباقية على جمودها4، كالمصادر5، وأسماء

_ = الاسم الواحد أي: المفرد -كما سبق- وكذلك نعلم أن المضاف إليه مجرور دائمًا، أما المضاف فلا يلازم حالة إعرابية واحدة؛ بل يعرب على حسب حالة الجملة التي يكون فيها. والأغلب في المضاف أن يكون معربًا. وقد يكون اسمًا مبنيًّا، مثل: "حيث"، و"إذا" الشرطية، و"كم" الخبرية، "كما سنعرف في هذا الباب"، ومثل بعض أنواع مبنية على فتح الجزأين من المركب المزجي العددي في نحو: هذه خمسةَ عشرَ محمد؛ طبقًا لما هو مذكور في باب العدد- ج4 م164 ص 400. "ملاحظة": يتردد في النحو اسم: "الشبيه بالمضاف" وهو يختلف اختلافًا واسعًا عن "المضاف". وتفصيل الكلام على هذا الشبيه، وعلى أحكامه، مدون في ج1 م56 باب: "لا" النافية للجنس، عند الكلام على حكم اسمها، ص691. 1 يريدون "بالمحضة": التي بين طرفيها قوة اتصال وارتباط، وليست على نية الانفصال؛ لأصالتها، ولأنها لا يفصل بين طرفيها "وهما: المضاف والمضاف إليه" ضمير مستتر كالضمير الذي يفصل في الإضافة غير المحضة؛ فيجعلها كأنها غير موجودة؛ بسبب وجود هذا الفاصل الملحوظ، وإن كان مستترًا -كما سيجيء- في ص34 عند الكلام عليها......... ويريدون "بالمعنوية": أنها تحقق الغرض المعنوي الذي يراد منها تحقيقه، وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف، أو التخصيص -كما سيأتي في ص23- ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر سنعرفه بعد في ص16. ويريدون بالحقيقية: أنها تؤدي الغرض المعنوي السابق حقيقة، لا مجازًا -والمجاز الممنوع هنا هو الآتي في ص33 وليس هو المعروف في البلاغة- ولا حكمًا أو تقديرًا. "وهذا خير ما يفسر به وصفها بالحقيقية"..... وستجيء إشارة لكل هذا بمناسبة أخرى في "ص 23، 33". 2 ستجيء الملحقات في ص40-د. 3 يتضح المراد من "نية الانفصال"، ومن خلو الكلام من الضمير المستتر بما يجيء في ص34. 4 أي: غير المؤولة بالمشتق. 5 وسيجيء في باب النعت عند الكلام على وقوع المصدر نعتًا، أن هناك مصادر مسموعة أضيفت إلى معرفة، فلم تكتسب منها التعريف بسبب أنها مصادر مؤولة بالمشتق؛ فإضافتها غير محضة. "انظر ص464".

المصادر1، وكثير من الظروف، والجوامد الأخرى، نحو: لا يَتِم حسن الكلام إلا بحسن العمل -لو استعان الناس كعون النمل ما وجد بينهم شقي، ولا محروم- عند الشدائد تعرف الإخوان. لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه- ومن الأمثلة للجوامد المضافة، الباقية على جمودها، الكلمات: أرض، بعض، جسم، فؤاد، في قول الشاعر: أيها الراكب الميمم2 أرضي ... اقر3 من بعضيَ السلام لبعضي إن جسمي -كما علمت- بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض ب- المشتقات الشبيهة بالجوامد؛ "وهي المشتقات التي لا تعمل مطلقًا4، ولا تدل على زمن معين" كصيغ أسماء الزمان، والمكان، والآلة، مثل الكلمات: مسكن، مزرعة، محراث، منجل، مذارة، مَغْرب ... في نحو: "الفلاح كالنحلة الدءوب النافعة؛ يغادر مسكنه قبل الشروق، قاصدًا مزرعته؛ يعمل فيها ويكد؛ فلا تراه إلا قابضًا على محراثه، أو منحنيًا على فأسه، أو حاصدًا بمنجله، أو مذريًا بمذراته، أو متعهدًا زروعه. و ... ويظل على هذا الحال حتى المغرب؛ فيرجع من حيث أتى، دون أن يعرج على ملعب، أو ملهى، أو مقهى يسهر فيه، ثم يقضي الليل هادئًا نائمًا حتى يوافيه الصباح الجديد". ويدخل في هذا النوع: المشتقات التي صارت أعلامًا؛ وفقدت خواص الاشتقاق، وبسبب استعمالها الجديد في التسمية5؛ مثل الأعلام: محمود، حامد، حسن ...

_ 1 سبق الكلام على اسم المصدر وإيضاح خصائصه في ج2 ص174 م75. وسيجيء الكلام عليه وعلى المصدر في باب خاص بهما. "ص 181 و207". 2 القاصد. 3 المراد: اقرأ، سهلت الهمزة؛ -بأن صارت ألفًا، أي: اقرأ ثم بنى فعل الأمر على حذف هذه الألف كالشأن في كل فعل أمر معتل الآخر؛ فإنه يبنى على حذف حرف العلة. 4 سيجيء لها إشارة أخرى في ص30 من هذا الجزء عند الكلام على المشتقات "اسم الفاعل و ... و ... ". 5 كما سيجيء في هامش ص182.

ج- المشتقات التي لا دليل معها على نوع الزمن الذي تحقق فيه معناها1؛ نحو: قائد الطيارة مأمون القيادة؛ فإن كلمة: "قائد" اسم فاعل مضاف، وليس في الجملة دليل على نوع زمن القيادة؛ أهو الماضي، أم الحال، أم الاستقبال؟ وكذلك كلمة "مأمون" التي هي اسم مفعول.. "وتسمى هذه المشتقات الخالية من الدلالة الزمنية: بـ"المشتقات المطلقة الزمن2". د- المشتقات الدالة على زمن ماضٍ3 فقط؛ نحو: عابر الصحراء أمس كان مملوء النفس أمنًا واطمئنانًا. هـ- أفعل التفضيل -على الرأي المشهور4- وهو من المشتقات التي لها بعض5 عمل- مثل: أعجبت بشوقي، أشهر الشعراء في عصره، وقولهم: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا. و إضافة الوصف إلى الظرف مع وجود القرينة الدالة على المضي أو على الدوام؛ مثل: أزال ساطعُ الصباح البهيج حالكَ الليل البهيم، وكقوله تعالى عن نفسه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

_ 1 كما سيجيء في "ب" من ص40. 2 سيجيء الكلام عليها في أبوابها الخاصة، من هذا الجزء، ولها إشارة في ص30. 3 لا يكفي دلالتها على الزمن الماضي وحده، بل لا بد مع ذلك أن تفقد العمل؛ لفقد بعض شروطه. "وستجيء في ص238". 4 راجع الصبان والتصريح -وغيرهما- في هذا الموضع، ثم حاشية ياسين على التصريح ج2 باب: "أفعل التفضيل"، وعند الكلام على إضافته للنكرة. ويرى شارح المفصل "ج3 ص4" ومن معه أن إضافته غير محضة، ويطيل الإيضاح لهذا، ويؤكده. 5 كعمله الجر في المضاف إليه، والنصب في تمييزه، ولأنه يرفع الفاعل، ولا ينصب المفعول به؛ ففي مثل: "مررت برجل أفضل القوم" ما سمع فيه أفعل التفضيل مضافًا إلى المعرفة مع أن المفضل نكرة يعرب أفعل التفضيل بدلًا من المفضل، لا صفة له، بناء على الرأي الأشهر السالف؛ لكيلا تقع المعرفة نعتًا للنكرة. نعم إن البدل المشتق قليل؛ كما يقول الصبان عند كلامه على الإضافة غير المحضة، ولكنه جائز مع قلته ومخالفته للأكثر، "كما في ص38" ويعرب نعتا بناء على الرأي الآخر؛ لأنه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه ... وإذا أضيف: "أفعل" المراد به التفضيل، وجب أن يكون بعضًا من المضاف إليه، وفردًا من جنسه، نحو: محمد أفضل الناس، أو: أفضل القوم، فلا يصح: الحصان أفضل الطيور، ولا الطائر أفضل الخيول، كما سيجيء تفصيل هذا في ص402 من بابه.

والثانية: ما يغلب أن يكون فيها المضاف وصفًا1، عاملًا، دالًا على الحال، أو الاستقبال، أو الدوام. "ويسمى هذا الوصف: بـ"المشبه للفعل المضارع في العمل والدلالة الزمنية"، وينحصر في اسم الفاعل، واسم المفعول، بشرط أن يكونا عاملين، دالين على الحال، أو الاستقبال. وفي الصفة المشبهة في الرأي الراجح بين آراء أخرى قوية2 ولا تكون إلا للدوام غالبًا؛ نحو: "استجب لطالب الحق اليوم"، قبل أن ينتزعه بعامل القوة غدًا"- "إذا شاهدت غلامًا مشرد النظرات، موزع الفكر، مسلوب الهدوء، فاعلم أنه بائس يستحق العطف، أو جان يستحق الزراية" –"عظيم القوم من يهوى عظيمات الأمور". ويلحق بالإضافة غير المحضة بعض إضافات أخرى سيجيء الكلام عنها في موضعه المناسب3 عند تناول ما سبق من بالإيضاح. ولا بد في جميع حالات الإضافة المحضة وغير المحضة من أن يكون المضاف اسمًا4 وكذا المضاف إليه. وقد يقع المضاف إليه -أحيانًا- جملة؛ فيكون في حكم المفرد -كما سنعرف-5. الأحكام المترتبة على الإضافة 6: يترتب على الإضافة بنوعيها أحكام؛ فبعضها واجب، وبعضها جائز. وأشهر الأحكام الواجبة أحد عشر7:

_ 1 ومن غير الغالب أن يكون المضاف غير وصف؛ كبعض الصور المتعددة الآتية في: "د" ص40 وما بعدها، ومنها الصورة التي تستعمل في مدح شخص، أو: ذمه، أو: الدعاء عليه، وهي "في ص46": "لا أبا لفلان" –على اعتبار زيادة اللام بين المتضايفين- وتفصيل الكلام عليها في ج1 م8 في الأسماء الستة. 2 انظر ص37، 29، 307. 3 في "د" من ص40. بما يسمى بالأنواع الشبيهة بالإضافة غير المحضة. 4 كما أشرنا في هامش ص2 ويجيء في ص7. 5 في ص28، 84. 1 للأحكام التفصيلية الآتية ملخص مناسب في ص70. 2 هذه الأحكام حتمية "أي: واجبة المراعاة والتطبيق" أما الأحكام الأخرى الجائزة فأشهر أربعة، ستذكر بعدها مباشرة في الزيادة والتفصيل ص62.

الأول: أن يكون "المضاف إليه" مجرورًا دائمًا1، ولا فرق بين أن يكون مجروًا في اللفظ؛ "نحو قول الشاعر: على قدر أهل العزم تأتى العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم ونحو: من وثق بأعوان السوء لقي منهم شر المصائب ... " ومجرور المحل2؛ نحو: من التمس تقويم ما لا يستقيم كان عابثًا، وإخفاقه محققًا. ونحو: نعم العربي؛ يسرع للنجدة حين يدعوه الداعي.. و.. فكلمة: "ما" مضاف إليه مبنية على السكون في محل جر. والضمير "الهاء" -في إخفاقه- مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. والجملة المضارعية: "يدعو" مضاف إليه في محل جر. وإذا كان المضاف إليه هو: "ياء المتكلم"3 فإنه يستوجب أحكامًا أخرى غير الكسر، ستجيء في باب خاص به4. أما المضاف فلا بد أن يكون اسمًا -كما سبق- ويعرب على حسب حالة الجملة؛ فيكون مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو غير ذلك ... والكثير أن يكون معربًا، ومنه ما يكون مبنيًا، ولا يمنعه البناء من أن يكون مضافًا؛ مثل: حين، حيث، إذ، إذا، لدن ... و ... 5 وغيرها مما سيمر بعضه في هذا الباب ... والمضاف هو عامل الجر في المضاف إليه6- تبعًا للرأي المشهور.

_ 1 ومعناه يخالف معنى المضاف؛ لأن الإضافة -ولا سيما المحضة- تقتضي مغايرة المتضايفين في مدلولهما؛ "كما سيجيء، في رقم 6 من هامش ص40" إلا بعض الحالات هناك، ولا بد أن يكون المضاف إليه اسمًا، ولو تأويلًا؛ كما في هامش ص2 وفي ص6. 2 يكون مجرورًا في اللفظ إذا كان معربًا، ويكون مجرور المحل إذا كان مبنيا؛ كالضمائر، والموصولات، و ... أو كان جملة، فالمبني والجملة كلاهما في محل جر. 3 الإضافة لياء المتكلم المحذوفة أو المنقلبة ألفًا تسمى "الإضافة المقدرة". أما الإضافة للياء المذكورة فنوع من "الإضافة الظاهرة". -كما سيجيء في "ب" من ص173. وهذا تقسيم آخر للإضافة. 4 ص169. 5 لما تقدم في إشارة في آخر "ج" من هامش ص2. 6 قلنا في الجزء الثاني "باب حروف الجر، هامش ص 338 م89" إن جر الاسم بالإضافة هو سبب من أسباب ثلاثة أصيلة، كل واحد منها يوجب جره، أولها: جره بحرف الجر، =

الثاني: وجوب حذف نون المثني، ونون جمع المذكر السالم، وملحقاتهما -إن وقع أحدهما مضافًا مختومًا بتلك النون. فمثال حذفها من آخر المثنى المضاف قول الشاعر: العين تعرف من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها ومثال حذفها من آخر الملحق بالمثنى1 قول الشاعر: بدت الحقيقة غير خافٍ أمرها ... واثنا2 عليٍّ يشهدان بما بدا ومثال حذفها من جمع المذكر: الجنود حارسو الوطن، باذلو أرواحهم

_ = وثانيها: جره بالإضافة، وثالثها: جزء بالتبعية لمتبوع مجرور، كأن يكون التابع نعتًا، أو: معطوفًا، أو: توكيدًا، أو بدلًا، والمتبوع في كل تلك الحالات مجرور، فيجب جر التابع محاكاة له. وهناك سببان آخران للجر؛ أحدهما الجر على: "التوهم"؛ ومن صواب الرأي إهماله، وعدم الاعتداد به "كما قلنا في ج1 ص 609 م 49 حيث توضيحه، وتفصيل الكلام عليه". والآخر الجر على: "المجاورة"؛ والواجب التشدد في إغفاله، وعدم الأخذ به مطلقًا. "كما أشرنا في الموضع السابق وفي ج2 م82 ص323 وص401 م89". أما الداعي لاتخاذه سببًا للجر فورود أمثلة قليلة جدًا، وبعضها مشكوك فيه-، قد اشتملت على جر الاسم من غير سبب ظاهر لجره، إلا مجاورته لاسم مجرور قبله مباشرة؛ منها: "هذا حجر ضب خرب"، بجر كلمة: "خرب"، مع أنها صفة "لحجر" ولا تصلح صفة "لضب"؛ لأن الضب لا يوصف بأنه خرب، ومنها: "يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم ... " بجر كلمة: "كل"، مع أنها توكيد لكلمة: "ذوي" المنصوبة؛ إذ لو كانت توكيدًا لكلمة: "الزوجات" لقال كلهن. وقد تأول النحاة المثال الأول بأن أصله: هذا حجر ضب خرب الحجر منه، أو خرب جحره، ثم حذف ما حذف، وبقي ما بقي، واشتد الجدل في نوع المحذوف وصحة الحذف وعدم صحته، على الوجه المبين في المطولات "ومنها همع الهوامع ج2 ص55" وقالوا ف المثال الثاني إنه خطأ أو ضرورة. واتفق كثير من أئمة النحاة على أن الجر بالمجاورة ضعيف، أو ضعيف جدًا. وجاء في "المحتسب" لابن جني -ج2 ص297- ما نصه: "إن الخفض بالجوار –أي: بالمجاورة- في غاية الشذوذ" ا. هـ بل جاء في كتاب "مجمع البيان" لعلوم القرآن" -ج3 ص335 ما نصه: "إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزًا في كلامهم..". ا. هـ، أي: في كلام العرب؛ وعلى هذا لا يصح القياس عليه، ولا يستعمل إلا في المسموع "كما جاء في خزانة الأدب، للبغدادي، ج2 ص324". 1 من الملحق بالمثنى: "اثنان" و "اثنتان" وقد سبق تفصيل الكلام على المثنى وملحقاته في ج1 ص76 م9. 2 أي: عيناه، أو: صاحباه.

في حمايته. ومثال حذفها من الملحق1 به قولهم: أحب الناس للمرء أهلوه؛ فلا يقض سني حياته في معاداتهم، أو مقاطعتهم. وقول بعضهم يصف شهرًا من شهور الصيف: لقد اشتدت وقدته، وتأجج سعيره، وأحرقتنا ثلاثوه، وكان الأصل2 قبل الإضافة: عينين، اثنان، حارسون، باذلون، أهلون، سنين، ثلاثون. فإن كانت النون الأخيرة ليست للتثنية ولا لجمع المذكر السالم، ولا لملحقاتها لم يجز حذفها من المضاف؛ كالنون التي في آخر المفرد، مثل: سلطان، حنان، وكالتي في آخر جمع التكسير، مثل: بساتين، رياحين؛ تقول: سلطان الضمير أقوى من سلطان القانون، حنان الآباء والأمهات لا يسمو إليه حنان أحد، كان العرب القدامى مفتونين ببساتين الشام ورياحينها، يكثرون القول في وصفها، والتغني بمباهجها.

_ 1 ومن الملحق بجمع المذكر السالم: أرضون، سنون، عالمون، أهلون، ... و ... "وقد سبق الكلام على هذا الجمع وملحقاته في ج1 ص81 م11". 2 يجب أن يحذف مع نون المثنى وجمع المذكر حرف اللام الذي يقع فاصلًا بينها وبين ياء المتكلم الواقعة مضافًا إليه، في مثل: هذان أستاذاي، وهؤلاء أستاذِيَّ. ومثل قول الشاعر: خليليَّ إن المال ليس بنافع ... إذا لم ينل منه أخر وصديق وقولهم: إن مكرسِيَّ أهل تفضل لا أنساه. والأصل: استأذن لي، أستاذون لي، خليلين لي، مكرمين لي، ثم حذفت اللام مع النون. وقيل أنها حذفت للتخفيف. وسواء أكان هذا أم ذاك فلا بد من حذف اللام مع النون، فلا قيمة للخلاف.. و ... كما سيأتي في باب: "المضاف للياء". "رقم1 من هامش ص178".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- هناك حالة يجوز فيها حذف النون وعدم حذفها من آخر المثني وجمع المذكر السالم، مع عدم إضافة كل منهما. وتحقق هذه الحالة في الإضافة غير المحضة حين يكون المضاف وصفًا عاملًا بعده معموله. والغالب1 في هذا الوصف أن يكون صلة "أل"؛ نحو: اشتهر المتقنان العمل، اشتهر المتقنون العمل ... فعند إثبات النون في الوصف -كما في المثال- يتحتم إعراب كلمة: "العمل" مفعولًا به للوصف. وعند حذفها، مثل اشتهر المتقنا العمل، اشتهر المتقنو العمل يجوز في كلمة: "العمل" أمران: أحدهما: الجر على اعتبارها مضافًا إليه، والوصف قبلها هو المضاف، حذفت من آخره نون التثنية، أو الجمع؛ بسبب إضافته. والثاني: النصب على اعتبارها مفعولًا به للوصف، حذفت النون من آخره للتخفيف، لا للإضافة؛ إذ الوصف في هذه الصورة ليس مضافًا، وإنما حذفت من آخره "النون" -بالرغم من عدم إضافته-؛ متابعة لبعض القبائل التي تجيز حذفها من آخر المثني، وجمع المذكر السالم، بشرط أن يكون كل منهما وصفًا عاملًا يغلب1 أن يكون صلة "أل" وبعده مفعوله غير مجرور؛ كما شرحنا.

_ "1، 1" لأنها قد تحذف في حالات أخرى "سبق بيانها في ج1 م56 ص691 باب: لا النافية للجنس". وإنما قلنا: الغالب في الوصف أن يكون صلة "أل" اعتمادًا على ما قاله الصبان هنا وفي الجزء الأول في باب: الإعراب؛ عند الكلام على حركة نون المثنى والجمع" حيث صرح فيهما بأن الوصف صلة. ومعلوم أن الوصف لا يكون صلة إلا لأل، أما غير الغالب فعدم وقوعه صلة لها، وهذا يفهم من كلامه في باب الإعراب السالف في الموضع المشار له. كما يفهم من ج2 آخر باب الإضافة عند كلامه على مواضع الفصل بين المتضايفين بشبه الجملة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن من الخير إهمال هذه الصورة اليوم، وعدم محاكاتها –وإن كانت محاكاتها جائزة، لما قد تحدثه من لبس وإبهام ينافيان الغرض الصحيح من اللغة، وما يجب أن توصف به. وإنما عرضناها، كما نعرض نظائر لها في بعض الأحيان، للسبب الذي نردده كثيرًا، وهو: الاستعانة بها على فهم الوارد منها. في النصوص القديمة، دون الموافقة على محاكاتها.

الثالث: وجوب حذف التنوين إن وجد في آخر المضاف قبل إضافته؛ كقولهم: بناء الظلم إلى خراب عاجل، وكل بنيان عدل فغير منهدم. فقد حذف التنوين من الكلمات المعربة: "بناء، كل، بنيان، غير ... "، وبسبب الإضافة. ولو زالت الإضافة لعاد التنوين. الرابع: وجوب حذف "أل" من صدر المضاف، بشرط أن تكون زائدة1 في أوله للتعريف، أو لغيره، وأن تكون الإضافة محضة، نحو: بلادنا تاج الفخار للشرق، وهي درة عقده. والأصل: البلاد، التاج، الدرة، العقد. فحذفت "أل" من أول كل مضاف. فإن كانت "أل" غير زائدة؛ "نحو: ألف، وألباب"2 لم تحذف. أما إن كانت الإضافة غير محضة، فيجب حذف "أل" أيضًا إلا في الحالات الأربع التالية3: أ- أن توجد في المتضايفين معًا "أي: في المضاف والمضاف إليه، معًا"؛ نحو: الوالدان هما الرحيما القلب، العلماء هم المؤسسو الحضارة. ب- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه، ويكون المضاف إليه مضافًا إلى اسم مبدوء بها؛ نحو: أعاون المؤسسي نهضة البلاد، وأعتقد أنهم الرائدو خير الوطن. ج- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه ويكون المضاف إليه مضافًا

_ 1 أي: بشرط أن تكون غير لازمة، واللازمة -هنا- هي المعدودة من بنية اللفظ، أي: من حروفه التي لا بد من وجودها ليؤدي المراد الأصيل منه، كالتي لا تفارق الأعلام مطلقًا؛ مثل: "ألكن، ألفيّ، وألطاف، وإلهام، وألوان، وألحان"- أعلاما ... 2 جمع: لب، بمعنى: عقل. 3 مما تجب ملاحظته: أن "الإضافة" تعتبر محضة لا يجوز فيها وجود "أل" في "المضاف" إذا كان المضاف "المشتق" دالًّا على الزمن الماضي فقط مع عدم استيفائه لبقية الشروط اللازمة للإعمال، "والتي يجيء بيانها في ص246؛ -كما سبق في ص5 و6"- فلا يصح: جاء العابر النهر أمس. فلا بد لصحة الجمع بين "أل" و"الإضافة" في المشتق العامل "كاسم الفاعل و ... " أن يكون عاملًا زمنه للحال أو الاستقبال أو الاستمرار الذي يشمل الأزمنة الثلاثة؛ نحو: انظر العابر النهر الآن، انظر العابر النهر غدًا، إن الله المدبر الأمور.

إلى ضمير يعود على لفظ مشتمل عليها، نحو: المجد أنتم المدركو قيمته، والفضل أنتم الباذلو غايته. د- أن توجد في المضاف دون المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف مثني أو جمع مذكر سالمًا؛ نحو: أنتما الصانعا معروف، أنتم الصانعو معروف. ومنه قول الشاعر: وما لكلام الناس فيما يريبني ... أصول، ولا للقائليه أصول وفي غير هذه الحالات الأربع الخاصة بالإضافة غير المحضة يجب حذف "أل" كما قلنا. ففي كلمات مثل: العزيز، الشاهد، السارق، الأفضل ... و ... وأشباهها نقول فيها عند إضافتها: عزيز قومه مطاع فيهم، شاهد زور أكبر ضررًا من سارق مال. أفضل مواهب المرء عقله ... و ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- الكوفيون يجيزون في الإضافة المحضة دخول "أل" على المضاف، بشرط أن يكون اسم عدد، وأن يكون المضاف إليه هو المعدود، وفي أوله "أل" أيضًا؛ فلا بد من وجودها فيهما معًا، نحو: قرأت الثلاثة كتب في السبعة الأيام. وحجتهم في هذه الإجازة السماع عن العرب، وورود عدة أمثلة صحيحة تكفي عندهم للقياس عليها. والبصريون لا يجيزون هذا، مستندين في المنع إلى أن العدد مع المعدود هو ضرب من المقادير، والمقادير لا يجوز فيها ما سبق؛ فكما لا يصح أن يقال: اشتريت الرطل الفضة، -بالإضافة- لا يصح كذلك أن يقال: الثلاثة الكتب -بالإضافة- حملًا للنظير على نظيره، وقياسًا للشيء على ما هو من بابه. فَعِلَّة المنع عندهم: "التنظير". والحق أن حجة الكوفيين هي الأقوى؛ لاعتمادها على السماع الثابت، وهو الأصل والأساس الذي له الأولوية والتفضيل؛ فلا مانع من الأخذ له لمن شاء غير أن المذهب البصري أكثر شهرة، وأوسع شيوعًا؛ فمن الخير الاكتفاء بمحاكاته؛ لتماثل أساليب البيان اللغوي، وتتوحد، حيث يحسن التماثل والتوحد1. ب- في مثل: "جاء المكرمك". من كل وصف عامل مبدوء: بـ"أل" ومفعوله ضمير بعده2- يعرب هذا الضمير "وهو هنا: الكاف"

_ 1 وهذا ما دعانا إلى استحسان الرأي البصري، والاقتصار عليه عند الكلام على المعرف "بأل" إذا أريد إضافته. "البيان، والصور المتعددة، ج1 ص320 م32". 2 ومنه قول الشاعر: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات، هل أنت مخلدي؟ ومثل البيت الأخير من أبيات "شوقي" التالية، يخاطب أبا البنات، الذي لم يرزق بنين: إن البنات ذخائر من رحمة ... وكنوز حب صادق، ووفاء الساهرات لعلة، أو كبرة ... والصابرات لشدة وبلاء ... والباكياتك حين ينقطع البكا ... والزائراتك في العراء النائي "الكبرة: الشيخوخة، العراء النائي: الخلاء والفضاء البعيدان. والمراد بهما: المقابر".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعولًا به في محل نصب، ولا تصح الإضافة؛ لوجود "أل" في صدر المضاف؛ إذ هذه الصورة ليست من الصور السالفة1 التي تباح فيها الإضافة مع وجود: "أل" في المضاف. ويتعين في الضمير "الكاف" الجر المحلى بالإضافة إن كان الوصف مجردًا من: "أل" في مثل: "جاء" مكرمك"، لفقد التنوين؛ إذ لم نقل: جاء مكرم إياك. أما إن كان مفعول الوصف ظاهرًا بعده فإن آثار الإضافة ستظهر عليه جلية؛ وتتبين بجره، مع حذف التنوين من الوصف المضاف، وإلا فلا إضافة فينصب المفعول به بعد الوصف ... ومثل الضمير "الكاف" في وجوب النصب: الضمير "الهاء" في: "أوضعه" من قولهم المأثور: "لا عهد لي بألأم قفًا منه، ولا أوضعه". بفتح العين -كما وردت سماعًا- فـ"الهاء" هنا مثل "الكاف" في المثال السابق. إلا أن "الكاف" مفعول به، و"الهاء" مشبه بالمفعول به هنا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب مفعولًا به. وليست كلمة "أوضع" مضافة، و"الهاء" مضافة إليها؛ لأنها لو كانت مضافة لوجب جرها بالكسرة لا بالفتحة التي سمعت بها. على أنه لا مانع من جرها في استعمالنا الآن على الإضافة2. وفي مثل: "مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره"، يجوز جر: "أحمر" بالفتحة؛ على اعتباره معطوفًا على كلمة "أبيض"، و"الهاء" بعده في محل نصب؛ على "التشبيه بالمفعول به" للصفة المشبهة: "وهي أحمر" ويجوز جر: "أحمر" بالكسرة: على اعتباره معطوفًا على أبيض أيضًا، مضافًا، و"الهاء" مضاف إليه، مبنية على الضم في محل جر3.

_ 1 في ص 12 وما بعدها. 2 لهذه المسألة اتصال وثيق بالحكم الهام الذي يجيء في ص422، باب: "أفعل التفضيل" خاصًا به إذا كان معطوفًا على "أفعل" آخر. 2 وقد نص على هذا صاحب المغني ونقله عنه الصبان في هذا الموضع من الباب.

الخامس: وجوب اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلي1، مناسب، اشتمالًا أساسه التخيل والافتراض، لا الحقيقية والواقع؛ فيلاحظ وجوده، مع أنه غير موجود إلا في التخيل، أو: في النية2 -كما يقولون-. والغرض من هذا التخيل: الاستعانة بحرف الجر على توصيل معنى ما قبله إلى ما بعده؛ كالشأن في حرف الجر الأصلي3، وأيضًا الاستعانة على كشف الصلة المعنوية بين المتضايفين، "وهما: المضاف والمضاف إليه"، وإبانة ما بينهما من ارتباط محكم، وملابسة "أي: مناسبة" قوية لا تتكشف ولا تبين إلا من معنى حرف الجر المشار إليه4. بشرط أن يكون هذا الحرف خفيًّا متخيّلا، مكانه بين المضاف والمضاف إليه، وأن يكون أحد ثلاثة أحرف أصلية؛ هي: "من"، "في"، "اللام"5.

_ 1 أما غير المحضة فالصحيح أنها لا تشتمل على حرف جر "خفي ملحوظ". وقيل: إنها تشتمل على "اللام"، والأول هو الأرجح الذي يجب الاقتصار عليه. 2 هذا تعبير النحاة. 3 أوضحنا هذا في باب حروف الجر، ج2 م89 ص340. 4 يرى بعض النحاة أن الإضافة المحضة ليست على تقدير حرف خفي، ولا على ملاحظة وجوده مع اختفائه وحجته: أنه لو كان هناك حرف خفي ملحوظ ما وقع فرق في المعنى بين: كتاب محمد، وكتاب لمحمد؛ فيتساوى المعنينان، مع أنهما غير متساويين في الواقع، لأن كلمة: "كتاب" الأولى معرفة، والثانية نكرة؛ وفرق كبير في المعنى بين المعرفة والنكرة. وقد دفعوا حجته بمنع المساواة؛ قائلين: إن المراد من كون الإضافة على معنى حرف -كاللام مثلًا- مجرد ملاحظة معنى "اللام". وهذه الملاحظة المجردة لا تمنع من تعريف المضاف، ولا من تخصيصه، على الوجه الآتي في الحكم السادس ص23 ما دام حرف الجر مختفيًا لا يظهر في الجملة بين المتضايفين. أما إذا ظهر بينهما فإن الأمر يتغير؛ فتخلو الجملة عندئذ من اسم المضاف والمضاف إليه؛ لأن كلا منهما يفقد اسمه هذا بسبب ظهور حرف الجر، ويزول ما كان يكتسبه المضاف من المضاف إليه من تعريف أو تخصيص؛ حيث لا يوجد الآن إضافة مطلقًا. فمجرد الملاحظة لا يستلزم المساواة التامة بين "كتاب محمد" و "كتاب لمحمد" من كل وجه، إذ المراد من "كتاب محمد"، بمعنى: "كتاب لمحمد" ملاحظة معنى "اللام" فقط دون التصريح بها، ودون منع تعريف أو غيره مما يستفيده المضاف من المضاف إليه. فالأمر مقصور على مجرد تفسير جهة الإضافة في المثال المذكور وأشباهه؛ من ناحية الملك، أو: الاختصاص، ونحوه، ليس غير. 5 وبسبب هذا الأثر المعنوي، مزيدًا عليه الأثر الموضح في الحكم السادس التالي ص23، سميت "إضافة معنوية"- كما سبق في رقم 1 من هامش صفحة 3، وكما سيجيء في صفحة رقم 24.

وإنما انحصر الاختيار في هذه الثلاثة؛ لأنها -دون غيرها- أقدر على تحقيق الغاية المعنوية؛ فالحرف: "من" يدل على أن المضاف بعض المضاف إليه.." والحرف: "في" يدل على أن المضاف إليه يحوي المضاف كما يحوي الظرف المظروف ... والحرف: "اللام" يدل على ملكية المضاف إليه للمضاف، أو اختصاصه به بنوع من الاختصاص ... فمثال: "من" قول أعرابية لابنها الخارج إلى القتال، وقد رأته متزينًا: حرام على من يروم انتصارا ... ثياب الحرير، وحلي الذهب أي: ثياب من الحرير، وحلي من الذهب. ومثال "في" قول الشاعر: ولقد ظفرت بما أردت من الغنى ... بكفاح صبح، واجتهاد مساء أي: بكفاح في صبح، واجتهاد في مساء. ومثال "اللام" قول الشاعر في وصف الصحف: لسان البلاد، ونبض العباد ... وكهف الحقوق، وحرب الجنف1 أي: للبلاد، للعباد، للحقوق، للجنف. ومن الواجب التنبه لما قلناه من أن الحرف الجار -في الأمثلة السالفة وأشباهها- لا وجود له في الحقيقة الواقعة، ولا في التقدير الذي يقوم مقامها، وإنما وجوده مقصور على التخيل، ومجرد النية. ولهذا لم يعمل الجر في المضاف إليه -في الرأي المشهور- ولم يحتاجا معًا إلى عامل يتعلقان به؛ إذ التعلق لا يكون إلا للجار والمجرور الحقيقيين الأصليين. وبالرغم من أن هذا الحرف خيالي محض فإن التصريح به جائز في أكثر الإضافات المحضة2 ... ولكن أيصلح كل حرف من تلك الأحرف الثلاثة لكل إضافة محضة؛ بحيث يصح أن يحل هذا الحرف محل ذاك، والعكس، بغير ضابط ولا اشتراط شيء، أم أن الأمر في الاختيار مقيد بشرط خاص، وخاضع لضابط معين؟. وبعبارة أخرى: أيباح استعمال كل واحد من الأحرف الثلاثة في كل إضافة

_ 1 الميل عن الحق، الظلم. 2 سيجيء في قسم "أ" ص21 بعض الصور التي لا يصح فيها التصريح بحرف الجر.

محضة، أم أن لكل إضافة محضة حرفًا واحدًا يناسبها، ولا يصلح لها سواه؟. نعم لكل واحدة منها حرف يناسبها، ولا يجوز اختيار غيره، وإلا فسد المعنى المراد، ولهذا قالوا: إذا صلح لواحدة أكثر من حرف جر وجب أن يختلف المعنى باختلاف الأحرف الجارة الصالحة؛ لأن لكل حرف من الثلاثة معنى خاصًّا به، لا يؤديه غيره، فلا يمكن أن تتفق المعاني في إضافة واحدة مع اختلاف هذه الأحرف. وفيما يلي بيان الضابط الذي يراعى عند اختيار أحد الأحرف الثلاثة: "وقد جرى الاصطلاح النحوي عند اختيار حرف منها أن يذكر اسم الحرف؛ فيقال: الإضافة على معنى "من"1، أو: الإضافة على معنى: "في"، أو الإضافة على معنى: "اللام". 1- تكون الإضافة على معنى: "من"، إن كان المضاف إليه جنسًا عامًا يشمل المضاف، ويصح إطلاق اسمه على المضاف، وإن شئت فقل: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه2، من غير فساد للمعنى، مثل: ثياب حرير، حلي ذهب ... فالحرير: مضاف إليه، وهو جنس عام، يشمل أشياء كثيرة؛ منها الثياب، وغيرها. والذهب جنس عام يشمل أشياء متعددة، منها الحلي وغيره، فالمضاف في الحالتين -ونظائرهما- بعض مما يشمله المضاف إليه، ولو سمي باسم المضاف إليه لكانت التسمية صحيحة، ولو وقع المضاف مبتدأ خبره المضاف إليه ما فسد المعنى، فيصح؛ الثياب حرير، الحلي ذهب..

_ 1 هي "من البيانية" التي سبق بيانها وبين أحكامها الأخرى في باب حروف الجر ج2 ص338 م90. 2 إلا في المسألة التي في هامش الصفحة التالية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من الإضافة التي على معنى: "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: اشتريت أربعة كتب. ويدخل في هذا النوع إضافة العدد إلى عدد آخر؛ نحو: عندي من الكتب ثلاثمائة1. ومنها: إضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: بعت فدان قطن. وإذا كانت الإضافة على معنى "مِن" جاز في المضاف إليه أوجه إعرابية أخرى، فيجوز أن يعرب بدلًا، أو عطف بيان، وتزول بوجودهما الإضافة وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذي كان مضافًا في الأصل. كما يجوز أيضًا -إن كان نكرة- نصبه على الحال أو التمييز بعد الاستغناء عن الإضافة؛ ففي مثل: هذه ساعة فضة، يصح إعراب: "فضة" مضافًا إليه مجرورًا، والمضاف هو كلمة: "ساعة" خبر مرفوع، مجرد من التنوين. ويصح في كلمة: "فضة" إعرابها بدلًا، أو عطف بيان، فتكون مرفوعة، تبعًا لكلمة "ساعة" المرفوعة، والتي يجب أن يرجع إليها التنوين في هذه الصورة بعد زوال الإضافة. ويصح أيضًا إعراب كلمة "فضة" حالًا أو تمييزًا؛ فيجب نصبها كما يجب تنوين كلمة: "ساعة" في هذه الصورة أيضًا، بعد زوال الإضافة. ولكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى يختلف عن الآخر؛ لأن المعنى الذي يؤديه البدل أو عطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أو التمييز، وكذا ما يؤديه هذان.

_ 1 عرفنا أنهم اشترطوا في الإضافة التي على معنى: "من" أن يكون المضاف إليه جنسًا المضاف ... ، وأن يصح وقوع المضاف إليه خبرًا عن المضاف. لكن هذا لا يتحقق في إضافة العدد للعدد؛ إذ لا يصلح أن يقال: "الثلاث مائة ... " غير أنهم قالوا إن إضافة العدد للعدد هي على معنى "من" ولا يضر عدم صحة الأخبار في الظاهر؛ لأن المراد بالمضاف إليه هنا الجمع فيشمل المضاف. فالمقصود من المائة "وهي المفرد المضاف إليه" المئات؛ فكأنك تقول: الثلاث مئات ... وبهذا التأويل يتحقق الشرط السالف. وقد يقال: لا داعي للتأويل والتقدير ما دامت العرب قد نطقت بهذا ...

ب- تكون الإضافة على معنى: "في" إن كان المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعًا فيه المضاف1: نحو: يحرص كثير من الناس على رحلة الشتاء إلى المشاتي، ورحلة الصيف إلى السواحل البحرية. أى: رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف. ونحو: قول شوقي في وصف الظبي: "عروس البيد، الفاتن كالغيد ... إذا شرع في السماء روقيه2، خلته دمية محراب، أو شجيرة عليها تراب". يريد: عروس في البيد، دمية في محراب ... ج- تكون الإضافة على معنى "اللام" إن كان معناها هو الذي يحقق القصد، دون معنى: "من" أو "في"؛ كالإضافة التي يراد منها بيان الملك، أو الاختصاص، في مثل: يضع العربي يده في يد أخيه، ويعاهده على النصر والتأييد والفداء. أي: يد له في يد لأخيه. وقول شوقي يخاطب أبا الهول3: أبا الهول، أنت نديم الزمان ... نجي الأوان4، سمير العصر5 أي: نديم للزمان -نجي للأوان- سمير للعصر، فالإضافة في هذه الصورة وأشباهها على معنى: "اللام" ولا تصلح أن تكون على معنى "من" أو: "في". والغالب في اللام الملحوظة أن تكون لبيان الملك أو الاختصاص6. فإن صلح في مكانها ملاحظة حرف آخر وجب أن يقوم المعنى على ملاحظة الحرف الذي يحقق القصد؛ لأن لكل حرف -كما أشرنا7- معنى يؤديه؛ فالحرف الذي يؤدي المعنى الذي يريده المتكلم يكون هو الحرف المطلوب.

_ 1 ليس من اللازم أن يكون المضاف إليه ظرفًا حقيقيًا للزمان أو المكان تنطبق عليه شروطهما، وإنما الغرض أن يكون وعاء للمضاف، وغلافًا يحتويه. ويكفي أن تكون الظرفية مجازية. 2 قرنيه: -تثنية: قرن-. 3 تمثال فرعوني من أقدم آثار الفراعين، وأروعها صورة، وأكملها إتقانًا، رأسه رأس إنسان وجسمه جسم أسد. 4 الزمن الحديث. 5 بمعنى: الدهر. أو: جمع عصر. 6 انظر رقم "1" في الصفحة التالية، وقد سبق شرح هذا في الجزء الثاني، باب: "حرف الجر. ص364 م90. 7 في ص18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قد تكون الإضافة على معنى: "اللام" ولكن لا يصح التصريح1 بهذا الحرف، مثل: يوم السبت، يوم الأحد، ... و ... ومثل: علم الحساب، علم الهندسة، ... و ... وفي هذه الحالة يكتفي من اللام بتحقيق الغرض من مجيئها؛ وهو: إفادة الاختصاص. وهناك صور أخرى لا يصح التصريح فيها باللام إلا إذا تغير لفظ المضاف، وحل محله لفظ آخر يرادفه أو يقاربه؛ ومن هذه الصور: ذو مال، عند علي، -مع الوالد- كل رجل.. فتصير بعد التغيير الذي لا يفسد المعنى: صاحب مال، مكان علي، مصاحب الوالد، أفراد الرجل. 2- الأصل أن تكون النسبة الإضافية قوية، أي: أن تكون الصلة المعنوية بين المضاف والمضاف إليه وثيقة، والربط بينهما محكمًا بحيث يظهر ويتحقق جليًّا معنى الحرف: "من" أو: "في" أو: "اللام" على حسب القصد. وهذه الإضافة تسمى: "الإضافة قوية الملابسة" "أي: قوية المناسبة". وقد تقوم دواعٍ بلاغية تقتضي أن تكون الصلة بين المضاف والمضاف إليه ضعيفة، لكنها واضحة مفهومة، ويعبرون عنها بأنها "الإضافة لأدنى ملابسة"2، ومن أمثلتها: "قمر القاهرة ساحر، شمس حلوان3 رائعة". فقد أضيف القمر إلى القاهرة، ونسب إليها، إضافة على معنى "اللام" فأين ما تفيده الإضافة التي على معنى "اللام" من الملك أو الاختصاص؟ ... إن صلة القمر بمدينة القاهرة ضعيفة لا تستحق تلك الإضافة، ولا هذه النسبة؛ إذ يشاركها فيها آلاف من البلاد الأخرى؛ فلا داعي لاستئثارها بالقمر. غير أن

_ 1 أشرنا لما يأتي في رقم 2 من هامش ص17. 2 وهي جائزة في السعة والضرورة. "أي: في النثر والشعر، وملحقاته ... ". 3 إحدى ضواحي القاهرة، جنوبًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هناك داعيًا بلاغيًّا اقتضى هذه النسبة وتخصيص القمر بالقاهرة؛ هو: إفادة أنه يمنحها ما لا يمنح سواها، ويضفي عليها جمالًا قلَّ أن تفوز به مدينة أخرى، فكأنه خاص بها، مقصور عليها. ومثل هذا يقال في المثال الثاني وأشباهه1.

_ 1 كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} . فقد أضيف الضحا إلى: "ها" التي هي ضمير العشية، فالتقدير: كأنهم لم يلبثوا إلا عشية، أو ضحا العشية. ولا صلة هنا تربط المضاف بالمضاف إليه ربطًا معنويًا قويًا يحقق معنى الحرف إلا صلة واهية؛ هي: أن الضحا أول النهار والعشية آخره؛ فبينهما أزمنة أخرى، لكل زمان منها اسمه الخاص. ولكن البلاغة اقتضت إغفال هذه الأزمنة، وإجراء إضافة لأدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه، وكقولهم: "نجم الأحمق"؛ وهو نجم كان إذا أشرق ورآه بعض الحمقى، هدأ واستراح، وخفت حدة حمقه. وكذلك ما جاء في "الكامل" للمبرد "ج1 ص243"، ومن قول الشاعر: أهابوا به؛ فازداد بعدًا، وصدَّه ... عن القرب منهم ضوء برق ووابله فقد أضاف الشاعر كلمة: "وابل" إلى ضمير "البرق"؛ فكأنه أضافها إلى البرق نفسه؛ قائلًا "وابل البرق" مع أن "الوابل" ليس للبرق، قال المبرد: قد يضاف ما كان كذلك على السعة كقول الشاعر: حتى أنخت قلوصى في دياركمو ... بخير من يحتذي نعلًا وحافيها فأضاف "الحافي" إلى "النعل" وهو يريد: حاف منها.

السادس: استفاد المضاف من المضاف إليه تعريفًا أو تخصيصًا؛ بشرط أن تكون الإضافة محضة؛ فيستفيد الأول من الثاني، ويبقى الثاني على حالة1 لم يفقد شيئًا بسبب الاستفادة منه. وإيضاح هذا: أنه -في الإضافة المحضة- إذا كان المضاف نكرة: وأضيف إلى معرفة -فإنه يكتسب منها التعريف مع بقائها معرفة؛ كقولهم: كلام المرء عنوان لعقله، وعقله ثمرة لتجاربه. فالكلمات: "كلام، عقل، تجارب" هي في أصلها نكرات، لا تدل كلمة منها على معين، ثم صارت معرفة بعد إضافتها إلى المعرفة، واكتسبت منها التعيين الذي يزيل عن كل واحدة منها إبهامها وشيوعها. ومثل كلمة: "يد" المضافة للمعرفة في قول الشاعر: الغنى في يد اللئيم قبيح ... قدر قبح الكريم في الإملاقِ فإن كان المضاف معرفة باقية على التعريف لم يصح -في الأغلب- إضافته إلى المعرفة2؛ لأنه لا يستفيد منها شيئًا، ولهذا السبب لا يصح أيضًا إضافة المعرفة الباقية على تعريفها إلى النكرة. أما إذا كان المضاف نكرة وأضيف إلى نكرة فإنه يكتسب منها -مع بقائها على حالها- "تخصيصًا" يجعله من ناحية التعيين والتحديد في درجة بين المعرفة والنكرة؛ فلا يرقى في تعيين مدلوله إلى درجة المعرفة الخالصة الخالية من الإبهام والشيوع، ولا ينزل في الإبهام والشيوع إلى درجة النكرة المحضة الخالية من كل تعيين وتحديد. ومن أمثلته قولهم: "فلان رجل مروءة، وكعبة أمل، وغاية فضل" ... فالكلمات: "رجل، كعبة، غاية" ... نكرات محضة قبل إضافتها، فلما أضيفت إلى النكرة قلت أفراد كل مضاف بعد الإضافة؛

_ 1 إذا توالت الإضافات، نحو: هذا بيت والد محمود، وقرأت أكثر قصائد ديوان شعر المتنبي ... انتقل التعريف أو التخصيص من المضاف إليه الأخير إلى الذي قبله، فالذي قبله حتى يصل إلى المضاف الأول. "راجع الصبان ج1 آخر باب أداة التعريف. وكذا المفصل ج6 ص34". 2 قد يصح إضافة العلم بعد تنكيره، وإزالة علميته، لداعٍ من الدواعي التي تقتضي إضافته. وفي ج1 ص204 م23 بيان هذا وتفصيله.

فكلمة: "رجل" تدل على أفراد لا حصر لها؛ منها رجل مروءة، رجل علم، رجل حرب ... إلى غير هذا من رجال لا عدد لهم، فإذا قلنا: "رجل مروءة" انحصر الأمر في نوع معين من أفراد الرجل، ولم يبق مجال لدخول أفراد أخرى؛ كرجل علم، أو حرب، أو زراعة، أو ... وكذا كلمة: "كعبة" و "غاية" وأشباهها؛ فكل كلمة من هذه الكلمات قد اكتسبت نوعًا من "التخصيص" أفادها بعض التجديد الذي خفف من درجة إبهامها وشيوعها، وإن كانت لم تستفد التعريف الكامل، ولم تبلغ في التعيين درجة المعرفة الأصلية ... واستفادة المضاف من المضاف إليه التعريف1 أو التخصيص على الوجه المشروح هي الأثر المعنوي الثاني الذي ينضم إلى الأثر المعنوي الناشئ من الحكم الخامس2، فيحدث من انضمامها معًا إدراك السبب الحقيقي في تسمية هذا النوع من الإضافة المحضة: "بالإضافة المعنوية" كما أشرنا من قبل3. وهناك ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير في الأغلب؛ لا تفيدها الإضافة المحضة تعريفًا، ولا تخصيصًا في أكثر الاستعمالات؛ ولذا تسمى: "بالألفاظ المتوغلة4 في الإبهام"؛ ومنها: غير، حسب، مثل،

_ 1 سبق شرح النكرة والمعرفة في ج1 ص144 م17 ومن ذلك الشرح السابق نعلم أن المعارف مختلفة في درجة التعريف وقوتها، متفاوتة من هذه الناحية، وأن المضاف إلى معرفة هو درجة المضاف إليه، إلا المضاف للضمير؛ فإنه في درجة العلم على الصحيح. 2 انظر ص16. 3 في رقم 1 من هامش ص3 وفي رقم 5 من هامش 16. 4 سبقت الإشارة للألفاظ المتوغلة في الإبهام "أي: المتعمقة المتغلغلة في داخله" في رقم 3 من هامش ص190 من الجزء الأول "م17" ثم الجزء الثاني في بابي: "الظرف والاستثناء م79 و82 ص280 و321". وقلنا في باب الظرف، ص238 م79 ما ملخصه: "إن اللفظ المتوغل في الإبهام هو: الذي لا يتضح معناه إلا بما يضاف إليه، وأنه في أكثر أحواله لا يستفيد من المضاف إليه تعريفًا، إلا بأمر خارج عن الإضافة؛ كوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين "كما نص على هذا "العكبري" في أول كتابه: "إملاء ما منَّ به الرحمن ... -أول سورة الفاتحة- ج1 ص5" في مثل: رأيت العلم غير الجهل، وعرفت العالم غير الجاهل، وقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقوع كلمة "غير" بين ضدين معرفتين أزال إبهامها؛ لأن جهة المغايرة تتعين بخلاف خلوها من ذلك في مثل: أبصرت رجلًا غيرك. فكل رجل سواك هو غيرك؛ فلا تعيين ولا تخصيص ... وبهذه المناسبة نعرض لكلمة "غير" من ناحية دخول "أن" عليها أو عدم دخولها فننقل ما جاء في المصباح المنير، في مادة "غير" ونصه: "تكون وصفًا للنكرة، تقول: جاءني رجل غيرك. وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} إنما وصف بها المعرفة؛ لأنها أشبهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فعوملت معاملتها، ووصف بها المعرفة. ومن هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها الألف واللام، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخل ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام. ولك أن تمنع الاستدلال وتقول: الإضافة هنا ليست للتعريف، بل للتخصيص. والألف واللام لا تفيد تخصيصًا فلا تعاقب إضافة للتخصيص ولا تدخله الألف واللام ... ". ا. هـ. وجاء في الصبان -عند الكلام على ما يسيمه بعض النجاة: "الإضافة شبه المحضة" وما كان منها شديد الإبهام لا يقبل التعريف، كغير، ومثل، وشبه ... - ما نصه وقد نقله عن غيره: "ينبغي أن هذه الكلمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فيما استثني لا تتعرف "بأل" أيضًا؛ لأن المانع من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها "بأل". ونقل الشنواني عن السيد أنه صرح في حواشي الكشاف بأن "غير" لا تدخل عليها "أل" إلا في كلام المولدين" ا. هـ. وسيجيء الكلام عليها بمناسبة أخرى في ص131. وكذلك الشأن في كلمة: "مثل" إذا أضيفت لمعرفة بغير وجود قرينة تشعر بمماثلة خاصة؛ فإن قولنا: "مثل محمد" يشمل أفرادًا لا عداد لها؛ منها واحد في طوله، وآخر في عمله، وثالث في علمه، ورابع في حسنه، و.... و.... وهكذا مما لا آخر له". فالإضافة للمعرفة لا تعرفها، ولا تزيل إبهامها؛ ولهذا وقعت نعتًا للنكرة في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا؛ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أما إن أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة فإنها تتعرف، نحو: راقني هذا الخط، وسأكتب مثله. وهذا معنى قولهم: إذا أريد بكلمة "غير" و"مثل" مغايرة خاصة، ومماثلة خاصة حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في كلمة: "غير" إذا وقعت بين متضادين. وأما قوله تعالى: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} حيث وقعت كلمة "غير المتوسطة بين المتضادين" المضافة للمعرفة صفة لنكرة –فتعرب هنا بدلًا، وإن كانت جامدة، ولا داعي لإعرابها صفة "راجع الكعبري، في أول الفاتحة، ثم الأشموني والصبان، أول باب الإضافة، عند الكلام على الإضافة غير المحضة". "ملاحظة": تصدى لبحث هذه المسألة مؤتمر المجمع اللغوي المنعقد بالقاهرة في دورته الخامسة والثلاثين "شهر فبراير سنة 1969"، وارتضى الرأي القائل: إن كلمة "غير" الواقعة بين متضادين تكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ويصح في هذه الصورة التي تقع فيها بين متضادين وليست مضافة أن تقترن بأل فتستفيد التعريف. وفيما يلي النص الحرفي لقرار المجمع منقولًا من مجلته "الجزء الخامس والعشرين الصادر في نوفمبر سنة 1969 ص202" بناء على اقتراح لجنة الأصول بالمجلس التي تقول: "تختار اللجنة -وفاقًا لجماعة من العلماء- أن كلمة: "غير" إذا وقعت بين ضدين لا قسيم لهما، تتعرف بإضافتها إلى الثاني منهما إذا كان معرفة. وإذا كانت "أل" تقع في الكلام معاقبة للإضافة فإنه يجوز دخول "أل" على "غير" فتفيدها التعريف في مثل الحالة التي تعرفت فيها بالإضافة إذا قامت قرينة على التعيين ... ". ا. هـ. واللفظ المتوغل في الإبهام لا يصلح -في أكثر حالاته- لأن يكون نعتًا أو منعوتًا، ومنه: "قبل" و "بعد"، ما عدا بعض ألفاظ منها "غير" و "سوى" فيصلحان للنعت -كما سيجيء في باب: النعت، ص466. بقي أن نذكر ما قرره النحاة بشأن الألفاظ المبهمة التي لم تستفد التعريف من المضاف إليه المعرفة. فسيبويه والمبرد يقولان: إن الإضافة في هذه الحالة غير محضة، فائدتهما التخفيف، وما يتصل به مما عرفناه، وما يجيء مفصلًا في ص30. وغيرهما يقول: إنها محضة ومعنوية تفيد التخصيص، وإن كانت لا تفيد التعيين.

ناهيك1" ... فإنها نكرات "في أغلب حالاتها" وإن أضيفت لمعرفة؛ نحو: غيرك، حسبك، مثلك ... ومنها: المعطوف على مجرور "رب"، والمعطوف على التمييز المجرور بعد "كم"، نحو: رب ضيف وأخيه هنا -كم رجل وكتبه رأيت- وسبب ذلك أن المجرور بعد "رب" و "كم" لا يكون إلا نكرة؛ فما عطف عليها فهو نكرة كذلك؛ لأنه في حكم "المعطوف عليه" من ناحية أن عامل الجر فيه هو العامل في المعطوف عليه، فكلا "المعطوف والمعطوف عليه" لا بد أن يكون نكرة، أو في حكم النكرة؛ ليصلح معمولًا للعامل المشترك. وقيل: إن المعطوف في الحالتين السالفتين يكتسب التعريف من المضاف إليه المعرفة، ولا داعي للتمسك بتنكيره بسبب العامل: "رب" أو "كم"؛ لما تقرر2 من أن التابع قد يغتفر فيه ما لا يغتفر في المتبوع. وسبق3 أن الأخذ بهذا الرأي أولى. ومنها: كلمة: "وحْد" و"جهْد"، و"طاقة" في مثل قولهم: "يحترق الحاسد وحده، ويتمنى جهده أن تزول نعمة المحسود، ويجتهد طاقته أن يلحق به النقائض والعيوب". وهي -في أكثر استعمالاتها- أحوال مؤولة. والحال في أصله لا يكون إلا نكرة، وتأويل تلك الكلمات: "منفردًا"، "جاهدًا"، "مطيقًا"4. وإلى هنا انتهى الكلام على "الإضافة المحضة"، من ناحية ما يكسبه المضاف

_ = هذا، ومن الألفاظ السماعية المتوغلة في الإبهام: شبهك "بكسر فسكون أو بفتح الأول والثاني"، ضربك، تربك، نحوك، ندك؛ وكلها بمعنى: نظيرك في علم أو سن، أو نحوهما، خدنك، بمعنى: صاحبك: "شرعك، قدك، قطك" والثلاثة، بمعنى حسبك. ولا يقاس على هذه الألفاظ غيرها مما لم يرد به السماع. وهناك أمور خاصة تتعلق بالظروف المبهمة وأحكامها سبقت في ج2 ص203 و78 ص238 م79، وسيجيء هنا بعض أحكام مناسبة تختص بالمبهم ص66 و80 و87. 1 معناها في مثل: ناهيك السفر ... ، السفر ناهيك عن التطلع لغيره؛ لكفايته. وقد سبق بيان معناها وإعرابها في ج1 ص326 م33. 2 انظر ج1 ص444 م48 وج2 ص262 م81. 3 هنا وفي ج1 م90 ص405. 4 سبقت لها الإشارة في ج2 ص297 م84.

من التعريف أو التخصيص، وننتقل إلى "غير المحضة" للكلام عليها من هذه الناحية1:

_ 1 فيما سبق يقول ابن مالك مختصرًا: نونًا تلي الإعراب، أو تنوينا ... مما تضيف، احذف، كطور سينا أي: احذف مما تضيفه: "نونًا" تلي الإعراب "وهي نون المثنى، ونون جمع المذكر السالم، وملحقاتهما. وتقع بعد علامة الإعراب؛ لأنها تقع بعد ألف المثنى، ويائه، وبعد واو جمع المذكر السالم، ويائه. وهذه الحروف هي علامة إعرابهما". وكذلك احذف: "التنوين" الذي في آخر الاسم الذي تريد إضافته. ومثَّل لحذف التنوين من المضاف بكلمة: "طور" عند إضافتها إلى كلمة: "سينا" و"الطور" اسم جبل في صحراء "سينا" أو: "سيناء"، وهي من الحدود المصرية في الشمال الشرقي، ثم قال: والثانيَ اجررْ، وأنو: "من" أو: "في" إذا ... لم يصلحِ إلا ذاك. و: "اللام" خُذا لِمَا سوى ذينك. واخصص أولا ... أوَ أعطمه التعريف بالذي تلا يريد: اجرر الثاني دائمًا، وهو المضاف إليه. وعند جره وإتمام الإضافة انو وتخيل وجود الحرف "من" أو "في" إذا لم يتحقق المعنى المراد إلا على نية أحدهما. فإن لم يصلح أحدهما فخذ -بعد ذلك- اللام، وانوها في كل موضع سوى الموضع الصالح لأحد ذينك الحرفين. أي: أن اللام لا تنوي في الموضع الذي يصلح له الحرف "من" أو "في". وقد عرفنا أن هذه الحروف لا تجر المضاف إليه، ولا تحتاج معه إلى عامل يتعلقان به. وإنما الذي يجره هو المضاف. ثم قال: اخصص الأول "وهو المضاف" أو: عرفه بالذي تلاه، "وهو المضاف إليه". يريد: أن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه. وهذا كله في الإضافة المحضة؛ فيتخصص المضاف النكرة بالمضاف إليه النكرة، ويتعرف المضاف النكرة بالمضاف إليه المعرفة. أما المعرفة الباقية على تعريفها فلا تضاف لمعرفة ولا لنكرة. وقد سبق شرح هذا مفصلًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يادة وتفصيل: إذا كانت الإضافة "محضة" والمضاف إليه جملة، فإن هذه الجملة في حكم المفرد المضاف إليه، لأنها تؤول بمصدر لفعلها، مضاف إلى فاعله إن كانت الجملة الفعلية، وبمصدر خبرها مع إضافته إلى مبتدئه إن كانت اسمية. ولا يحتاج هذا المصدر المؤول إلى أداة سبك، فالأولى: أزورك حين يوافق الوالد. وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد. والثانية: أزورك حين الوالد موافق، وتأويلها: أزورك حين موافقة الوالد. ويترتب على ما سبق أن المصدر الناشئ من التأويل يكون معرفة إن أضيف لمعرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف لنكرة1. نعم إن الجمل نكرات في حكمها2 ولكن لا ينظر لهذا هنا, ووقوع الجملة صفة للنكرة المحضة في كل الأحوال لا يقدح في هذا؛ لأنها صفة باعتبار ظاهرها، وقطع النظر عن تأويلها بمصدر مضاف للمعرفة أو نكرة.

_ 2 وستجيء إشارة لهذا ولفائدة الإضافة للجملة –وشروط هذه الجملة- في ص84 وفي رقم 2 من هامش ص78 وقد سبقت أيضًا في آخر باب الموصل ج1 ص295 م29. 2 إيضاح هذا في باب النعت عند الكلام على وقوع الجملة نعتًا "في ص480" أما الحكم على الجملة نفسها بأنها نكرة أو معرفة ففي "و" من ص480، لهذا إشارة في ج2 هامش ص311م 84، وفي باب: "النكرة والمعرفة" ج1 ص142 م17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عودة إلى الإضافة غير المحضة: عرفنا1 أن الإضافة غير المحضة: هي التي يغلب أن يكون المضاف فيها "وصفًا2 عاملًا"، "وزمنه للحال، أو الاستقبال، أو الدوام". ومتى اجتمع الأمران -الوصفية العاملة، والزمنية المعينة كان المضاف مشتقًا يشبه مضارعه في نوع الحروف الأصلية التي تتكون منها صيغتهما، وفي المعنى، والعمل، وكذلك في نوع الزمن غالبًا، وهذا كله يتحقق في المضاف إذا كان اسم فاعل يعمل عمل فعله، أو اسم مفعول كذلك، فكلاهما وصف عامل، زمنه للحال أو للاستقبال على حسب المناسبات، كما يتحقق في الصفة المشبهة3 الأصلية أيضًا؛ لأنها تعمل عمل فعلها اللازم، وتفيد في أكثر حالاتها الدوام والاستمرار، وهذان يقتضيان أن تشتمل دلالتها على الأزمنة الثلاثة: "الماضي، والحال، والمستقبل"، إذ لا يتحقق معنى الدوام والاستمرار بغير عناصره الأساسية الثلاثة. فلا يمكن أن تكون للماضي وحده -وإلا كانت إضافتها محضة- ولا للمستقبل وحده. وكذلك لا يمكن أن تخلو من الدلالة على زمن الحال؛ فلا بد أن تشتمل الدلالة على الثلاثة؛ المضي والحال والاستقبال، إلا أن دلالتها على الحال أقوى تحققًا ووجودًا من دلالتها على غيره، وبسبب هذا كانت إضافتها غير محضة في رأي كثير من النحاة4. أما باقي المشتقات غير ما ذكرناه هنا بقيوده؛ من اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة؛ فإضافته محضة، لانطباق شروطها عليه، دون شروط الأخرى. فمثال اسم الفاعل: يشكو راكب الباخرة اليوم بطئها بالنسبة للطائرة. وغدًا يشكو راكب الطائرة بطئها بالنسبة "للصاروخ"؛ فكلمة: "راكب" في الجملتين مضافة. وهي في الأولى اسم فاعل للزمن الحالي، وفي الثانية اسم

_ 1 في ص6. 2 أي: اسمًا مشتقًا. 3 في هذا الجزء –ص281- باب خاص بها؛ يبين خصائصها وأحكامها التي منها: أنها لازمة كفعلها، وأنها تدل على الحال دائمًا وتدل معه على غيره –كما سيجيء- لأنها تفيد الدوام في أكثر أحوالها، والدوام يستلزم الحال، مزيدًا عليه زمن آخر. 4 بيان الرأي الحق في هذه المسألة في ص37.

فاعل للزمن المستقبل. وكقولهم: من تراه جاحد النعمة الساعة تراه فاقدها غدًا. ويدخل في اسم الفاعل صيغ1 المبالغة العاملة أيضًا؛ كقولهم: في هذا الشهر يتفرغ فلان للعبادة؛ فتراه صوام الفم نهارًا عن الطعام، حذر اللسان من اللغو، حبيس النفس عن الهوى. ومثال اسم المفعول: مجهول القدر اليوم قد يصير معروف المكانة غدًا.. ومثال الصفة المشبهة قولهم: عزيز النفس من يأبى الدنايا فإن فقد المضاف أحد الشرطين كانت الإضافة محضة؛ كأن يفقد الوصفية لكونه اسمًا جامدًا، غير مؤول بالمشتق؛ كالمصدر في نحو: بذل الودَّ والنصيحة لمن لا يستحقها كبذر الحب في الصخر الأصم. أو يفقد العمل دون الوصفية بسبب أنه من المشتقات التي لا تعمل مطلقًا؛ "كأسماء الزمان، والمكان والآلة". أو يكون في أصله من المشتقات العاملة، ولكنه فقد شرطًا من شروط العمل؛ فلا يعمل؛ كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا للماضي2 الخالص دون دلالة على الحال والاستقبال، نحو: باذل الخير أمس يسعد اليوم بما قدم، وماضي أعماله عنوان صفحته التي كان بها مسرورًا أو محزونًا. أثر الإضافة غير المحضة: لا تأثير لها في المعني في أغلب الأحيان؛ لأنها ليست على نية حرف من حروف الجر الثلاثة التي يفيد كل منها الفائدة التي أوضحناها فيما سلف3 ولأنها لا تكسب المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا، والتعريف والتخصيص

_ 1 لها بحث خاص يجيء في ص257. 2 وكذلك إن لم يدلَّا على زمن مطلقًا، فعند عدم دلالتها على الزمن وخلو الأسلوب مما يدل عليه تكون إضافتهما محضة، كما تقدم في ص5. 3 في ص16، والذي يدل على أنها ليست على نية حرف الجر إمكان الاستغناء عنها في كل أسلوب من أساليبها من غير أن يتأثر معناه، -في الأغلب- ومن غير أن تزاد عليه كلمة، أو تنقص منه، أو يتغير ترتيب كلماته. ويتلخص هذا الاستغناء, بألا نطلق على الوصف اسم: "المضاف" ولا نطلق على معموله اسم المضاف إليه؛ وإنما نعرب الوصف على حسب حاجة الجملة، من غير تسميته مضافًا، ولا نجعل المضاف إليه المجرور معمولًا للوصف؛ إما فاعلًا له مرفوعًا، وإما مفعولًا به على حسب حاجة الوصف، ويزول الجر السابق. فهذه الإضافة غير لازمة، ولا دائمة، ولا يتأثر في الأغلب –المعنى المعين بوجودها أو بالعدول عنها؛ بل إن العدول عنها هو الأصل "كما في ص34" لأن الوصف شبيه بالفعل، يعمل عمله، من الرفع أو النصب، والفعل لا يعمل الجر، فكذا ما يشبهه؛ بخلاف المحضة فهي لازمة لأداء المعنى المراد، ولا سبيل للمحافظة عليه إلا بتغيير يتناول الأسلوب في كلماته، أو ترتيبها، أو فيهما معًا.

أثران معنويان لا صلة للإضافة غير المحضة بجلبهما للمضاف، وعلى هذا لا نصيب لها من التأثير المعنوي الذي "للمحضة". والدليل على أنها لا تفيد "المضاف" تعريفًا دخول "رب" عليه مع إضافته للمعرفة1. مثل: "رب مخرج الزكاة، مسرور بإخراجها -قد أبطل ثوابها بالمن والأذى". فلو أن المضاف؛ وهو: مخرج- اكتسب التعريف من المضاف إليه ما دخلت عليه "رب"؛ لأنها لا تدخل إلا على النكرات2. وشيء آخر؛ هو أن هذا المضاف إلى المعرفة يصح أن يقع نعتًا للنكرة، فكيف يقع نعتًا للنكرة إذا صح أنه يكتسب من المضاف إليه التعريف ويصير معرفة، والمعرفة لا تكون نعتًا للنكرة3؟ ومن الأمثلة لوقوعه نعتًا للنكرة: أتخير للصداقة زميلًا مخلص المودة، مأمون العثرات. باذل الجهد في الإخاء4. كما أن الدليل على أنها لا تفيد المضاف تخصيصًا هو أن الأصل قبل

_ 1 ومن الأدلة أيضا وقوع المضاف لمعرفةٍ حالًا في الإضافة غير المحضة -مع أن الحال المطردة لا تكون إلا نكرة- كقول المتنبي بلسان عجوز وَفِيّ: خلقت ألوفًا؛ لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا 2 سبق تفصيل الكلام عليها في ج2 ص381 م90. وبعض الأمثلة المأثورة يجيء هنا في هامش ص35. 3 ومثلها الاسم النكرة الذي دخله التخصيص فإنه يقع نعتًا للمعرفة في الصحيح. إلا مسألة يصح أن يقع فيها المشتق الذي إضافته غير محضة، وكذلك غيره من النكرات، نعتًا للمعرفة، هي أن يكون المنعوت منادى، نكرة مقصودة، ونعتها نكرة "كالوصف المضاف إضافة غير محضة ... " نحو: يا ساكت مستمع الخطيب الآن، أو المستمع الخطيب الآن. فالمشتق نعت ونكرة، مع أن المنعوت نكرة مقصودة معرفة بالقصد والنداء. فاختلف النعت والمنعوت تعريفًا وتنكيرًا، وقد قالوا: إن هذا الاختلاف في المسألة السالفة مقبول؛ لأن تعريف النكرة المقصودة تعريف غير أصيل، فهو طارئ، والتعريف الطارئ الذي كتعريفها يتسامح فيه، فتوصف بالمعرفة أو بالنكرة، ولا يصح هذا في غيرها من المعارف "راجع التصريح ج2 باب النداء عند الكلام على القسم الثاني، وكذا الخضري والصبان، باب: تابع المنادى. وستجيء لهذا إشارة في باب النعت هنا، ص550، وفي ج4 باب حكم تابع المنادى م130 رقم 8 من هامش ص42". 4 في باب النعت، أمثلة مأثورة، عند الكلام على النعت بالمشتق ب ص465.

الإضافة في مثل: "أتخير زميلًا مخلص المودة، باذل الجهد، ... " هو: مخلصًا المودةَ ... باذلًا الجهدَ ... بنصب كلمتي "المودة" و"الجهد" مفعولين للوصف، والمفعول به يخصص الوصف؛ فتخصيص الوصف ثابت ومتحقق قبل أن يصير مضافًا ويصير مضافًا إليه مجرورًا. أ- وإنما فائدتها: "التخفيف اللفظي"؛ بحذف نون المثنى، وجمع المذكر السالم وملحقاتها من آخر المضاف إذا كان وصفًا عاملًا. وكذلك حذف التنوين من آخره؛ فكل من النون والتنوين يحدث ثقلًا على اللسان عند النطق بالوصف مع معموله من غير إضافتهما. فإذا جاءت الإضافة زال الثقل، وخف النطق. يتضح هذا الثقل في مثل: "أنتما خطيبان الحفل غدًا، وساحران الألباب فيه ... ولا أشك أن سامعين الخطاب، وعارفين الفضل سيعجبون بكم أشد الإعجاب" وفي مثل: "تخيرت زميلًا، مخلصًا المودة، باذلًا الجهد ... ". ويختفي الثقل حين نضيف الوصف إلى معمولة، ونحذف النون والتنوين من آخر الوصف المضاف؛ فنقول: "أنتما خطيبا الحفل غدًا، وساحر الألباب فيه، ولا أشك أن سامعي الخطاب، وعارفي الفضل -سيعجبون أشد الإعجاب". كما نقول: "تخيرت زميلًا مخلص المودة، باذل الحهد ... ". ب- وقد تكون فائدتها الفرار من القبح الذي يلازم بعض الصور الإعرابية الجائزة مع قلتها وضعفها. فمن الجائز الضعيف في أساليب الصفة المشبهة أن نقول: الصديق سمح الطبع، عف اللسان، مخلص المودة، بإعراب كلمة: "الطبع" المرفوعة فاعلًا للصفة المشبهة قبلها. وكلمة: "اللسان" فاعلًا مرفوعًا للصفة المشبهة قبلها. وكذلك كلمة: "المودة" وأشباهها. ففي هذا الإعراب الجائز نوع من القبح جعله ضعيفًا؛ هو: خلو أسلوب الصفة المشبهة من ضمير يعود إلى الاسم الذي يقع عليه معناها ومدلولها1. ومن الجائز نصب تلك الكلمات الثلاث المرفوعة، وإعرابها: "شبيهة بالمفعول به" وليست مفعولًا به؛

_ 1 لأن أسلوب الصفة المشبهة في أكثر الاستعمالات الفصيحة لا يكاد يخلو من هذا الضمير الذي يعد بمنزلة الرابط بين الصفة والمشبهة وما تجري عليه. "أي بين الصفة المشبهة وما ينطبق عليه مدلولها ومعناها". كما سيجيء في بابها ص309 و310 – م105.

لأن الصفة المشبهة تصاغ من الفعل اللازم؛ فهي كفعلها لا تنصب المفعول به فإذا وقع بعدها معمولها وكان نكرة منصوبًا أعرب "تمييزًا"، أو: "شبيهًا بالمفعول به"، وإن كان معرفة أعرب شبيهًا بالمفعول به؛ كالكلمات الثلاثة السالفة؛ فإنها لا تصلح تمييزًا؛ لعدم تنكيرها. فضبطها بالنصب -مع جوازه- يؤدي إلى ما يسمى: "الشبيه بالمفعول به". وهذا النوع قد يختلط أمره على كثير؛ فيقع في وهمهم أنه مفعول به، مع أنه ليس بالمفعول به الصريح. وإذا كان الرفع والنصب قبيحين في تلك الكلمات -ونظائرها- فإن الجر بالإضافة خالٍ من ذلك القبح، وفيه ابتعاد عما يستكره1 كقول الشاعر: وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جماله؟ ولما كانت فائدة هذه الإضافة مقصورة على التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى وجمع المذكر السالم، من آخر المضاف، وعلى التحسين المترتب على إزالة القبح، وهما أمران لفظيان -سميت: "إضافة لفظية"؛ لوقوع أثرها المباشر على الألفاظ دون المعاني؛ إذ أنها -في الأغلب- لا تؤثر في المعاني؛ كما سبق "فلا تفيد المضاف تعريفًا، ولا تخصيصًا، ولا تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة المعروفة ... " وقد يسمونها –لهذا-: "الإضافة المجازية"2؛ لأنها لغير الغرض الحقيقي من الإضافة، وهو الغرض المعنوي الذي أوضحناه. أما تسميتها: "بغير المحضة" فلأن المضاف فيها لا بد أن يكون في

_ 1 هذا تعليل نحوي. وهو –على حسنة المصنوع- ليس مقنعًا. والتعليل الحق هو الاستعمال العربي المأثور، الذي يتغلب فيه الجر على الرفع والنصب في تلك الأمثلة ونظائرها. أما العرب أهل اللغة الأصيلة فلا علم لهم بشيء مما نحن بصدده، "من مفعول، وشبهه، وعائد ورابط، وصفة مشبهة، ... و ... " ولو أنهم نطقوا بالمعمول مرفوعًا أو منصوبًا أكثر من نطقهم به مجرورًا لكان التعليل الحق -لاستحسان الرفع والنصب- هو محاكاة العرب ليس غير. 2 كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص3 وفي ص23، ويقولون: ليس المراد "بالمجازية" أنها بمعنى "المجاز" المعروف في البلاغة، الذي يحتاج إلى علاقة وقرينة ... وإنما المراد أنها إضافة في الظاهر والصورة، لا في الحقيقة والمعنى.

الأغلب1 وصفًا عاملًا -كما سبق- وأكثر الأوصاف العاملة يرفع ضميرًا مستترًا عند الإضافة. وهذا الضمير المستتر -برغم استتاره- يفصل بين الوصف المضاف، ومعموله المضاف إليه، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال، وغير متمكنة من أداء مهمتها بسبب الفاصل؛ إذ الأصل الغالب في الإضافة الأصيلة ألا يقع بين طرفيها فاصل يضعف قوة الارتباط والاتصال بينهما. وشيء آخر؛ هو أنه يمكن العدول عن الإضافة اللفظية، بالرجوع إلى الأصل الذي كان قبلها من غير أن يتأثر المعنى -في الأكثر- وذلك بجعل المضاف إليه معمولًا مرفوعًا، أو منصوبًا، على حسب حاجة الوصف بعد إزالة تلك الإضافة؛ ولهذا يصفونها بأنها على: "نية الانفصال، يريدون: أنها في النية والتقدير ليست موجودة، وليست ملحوظة؛ لأن الذي يلحظ ويعتبر موجودًا تتجه إليه النفس هو الأصل الأصيل؛ ففي مثل: "الصديق خالص النصح" -بالإضافة- يكون التقدير الملحوظ في النفس هو: "الصديق خالص النصح"، والمعنيان متحدان. ولكن الأسلوب الثاني الخالي من الإضافة هو الأصل الذي يُنوَى ويلاحظ؛ بسبب اعتبار الوصف شبيهًا بالفعل في بعض نواحيه التي منها العمل. والفعل يرفع دائمًا، وقد يرفع وينصب، وهو في كل حالاته لا يعمل الجر، فالأنسب فيما يشبهه أن يكون كذلك، والمخالفة -لداعٍ أقوى- هي مخالفة للأصل، والداعي لها أمر طارئ له اعتباره، ولكنه لا ينسينا الأصل الأول المكين، ومن ثم كان هو الملحوظ مع وجود الإضافة غير المحضة، وكانت معه على نية الانفصال2. مما تقدم يتضح -مرة أخرى- السبب في تسمية النوع الأول: "بالإضافة المحضة"، أو: "المعنوية"، أو: "الحقيقية"3 وما يترتب على هذا من آثار مختلفة، منها: عدم زيادة "أل" في أول المضاف، في حين يجوز -أحيانًا-

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص6. 2 ينطبق على هذا التعليل ما سبق في رقم 1 من هامش الصفحة الماضية. 3 سبق إيضاح آخر لهذا في رقم 1 من هامش ص3 وفي ص24 وص30.

زيادتها في المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ كما شرحنا1.

_ 1 في ص12. وفيما سبق من الأحكام يشير ابن مالك إلى بعضها تاركًا بعضًا آخر؛ فيقول: وإن يشابه المضاف "يفعل" ... وصفًا- فعن تنكيره لا يعزل كرُبَّ راجينا عظيم الأملِ ... مروع القلب، قليل الحيلِ يريد: أن المضاف إذا كان وصفًا مشبهًا: "يفعل" "أي: مشبهًا الفعل المضارع في العمل والدلالة على الحال والاستقبال ... "، فإنه لا يعزل عن التنكير؛ أي: لا يفارق التنكير مطلقًا؛ سواء أكان مضافًا إلى معرفة أم نكرة؛ لأن هذه الإضافة لا تفيد تعريفًا ولا تخصيصًا، وضرب لهذا أمثلة تؤيد ما يقول: هي: "رب راجينا" فالمضاف -وهو كلمة "راج"- اسم فاعل لم يكتسب التعريف بإضافته إلى الضمير: "نا" بدليل، دخول "رب" على هذا المضاف؛ وهي لا تدخل إلا على النكرات. ومن الأمثلة الواردة قول شاعرهم: يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا وكذلك المضاف: "عظيم"؛ فإنه صفة مشبهة، أضيفت إلى المعرفة بعدها؛ فلم تكسب منها التعريف؛ بدليل أن كلمة: "عظيم" هذه تعرب نعتًا لكلمة: "راج" النكرة، ولا يمكن أن تكون المعرفة نعتًا للنكرة -إلا في مسألة سبقت في رقم 3 من هامش ص31، وكذلك: "مروع"؛ فإنها اسم مفعول مضاف للمعرفة بعده، ولم يكتسب منها التعريف؛ بدليل إعرابه صفة لكلمة: "راج" النكرة. كما سبق. ومثله كلمة: "قليل" فإنها صفة مشبهة مضافة للمعرفة بعدها، ولم تكتسب منها التعريف؛ بدليل إعرابها نعتًا لكلمة: "راج". ومثلها: "هديًا" في قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} . ثم بين أن الإضافة التي من هذا النوع تسمى: "لفظية"، وأما التي من النوع الآخر فتسمى: "محضة" و"معنوية"؛ فاللفظية: لا تفيد تعريفًا ولا تخصيصًا، بخلاف الأول حيث يقول: وذي الإضافة اسمها: "لفظية" ... وتلك "محضة" ومعنوية وأوضح بعد هذا أن زيادة: "أل" جائزة في أول المضاف الذي إضافته لفظية-، بشرط أن تزاد أيضًا في الثاني "أي: في المضاف إليه" أو في الذي أضيف إليه الثاني ... يقول: ووصل "أل" بذا المضاف مغتفرْ ... إن وصلت بالثان؛ كالجعد الشعَرْ أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيد الضاربُ رأس الجاني ساق مثالين؛ أحدهما مثل: "راقني عناية الجعدِ الشعرَ بتصفيفه"، للمضاف المبدوء "بأل" "وهو: الجعد"؛ وللمضاف إليه: المبدوء بها أيضًا "وهو: الشعر"؛ فهي داخلة عليهما معًا. والآخر؛ وهو: "زيد الضارب رأس الجاني" المضاف المبدوء "بأل" "وهو: الضارب"، وللمضاف إليه، الخالي منها مباشرة "وهو: رأس" ولكنه مضاف، وبعده المضاف إليه: "الجاني" المبدوء بها ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم ذكر بعد هذا حالة أخرى يصح أن يكون فيها المضاف وحده مبدوءًا بـ "أل"؛ وهي الحالة التي يكون فيها المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا اتبع سبيل المثنى "أي: تحققت فيه الشروط الواجبة في المثنى"؛ وهو جمع المذكر السالم؛ يقول: وكونها في الوصف كافٍ إن وقعْ ... مثنىً أو جمعا، سبيله اتبعْ يريد: يكفي وقوع "أل" في صدر المضاف الذي إضافته غير محضة بدون اشتراط شيء آخر سوى اشتراط أن يكون ذلك المضاف وصفًا مثنى، أو جمعًا تحققت فيه شروط التثنية "وهو جمع المذكر السالم". وقد ترك بقية الحالات الأخرى التي تدخل فيها "أل" على المضاف إذا كانت الإضافة غير محضة؛ وما يتبع هذا من شروط وتفصيلات أوضحناها في الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- في هذا الجزء أبواب خاصة بالمشتقات، لكل منها باب مستقل شامل، وسنكتفي هنا بلمحة موجزة تناسب ما نحن فيه، ولا تغني عن الرجوع إلى تلك الأبواب. اسم الفاعل: اسم مشتق، يدل على أمرين معًا: "معنى مجرد، وصاحب هذا المعنى". ولا بد في اسم الفاعل أن يشتمل على حروف مضارعه الأصلية، وأن يماثله في ترتيبها، وترتيب حركاتها، وسكناتها؛ مثل: قاعد ويقعد، ذاهب ويذهب، منصت وأنصت، متعلم ويتعلم ... وهو يفيد حدوث معناه، ولا يفيد الدوام أو الثبوت، إلا إذا تخلى عن دلالته الخاصة، وانتقل إلى اختصاص آخر؛ وهو: اختصاص "الصفة المشبهة". وهي: اسم مشتق؛ يدل على أمرين معًا: "معنى مجرد، ولكنه ثابت دائم. أو كالدائم، وصاحب هذا المعنى". فدلالتها على الزمن شاملة أنواعه الثلاثة، بسبب ذلك الدوام1، ولا بد أن تشتمل على الحروف الأصلية لمضارعها، ولكنها -في الغالب- لا تماثله في ترتيب الحركات والسكنات إلا إذا كانت في الأصل اسم فاعل أريد به الدوام2. فمثال الصفة المشبهة الأصيلة: فَرِحٌ ويفرح، حَسَنٌ ويحسن، بليغٌ ويبلغ ... ومثال الصفة المشبهة التي كانت في أصلها اسم فاعل يفيد الحدوث، ثم أريد بها الدوام والثبوت بعد ذلك كلمة: بَاسِم، مشرق، محارب؛ في مثل: فلان باسم الثغر، مشرق الوجه، محارب الطغيان. وإذا كانت الصفة المشبهة دالة على ثبوت معناها ودوامه -غالبًا- فإن زمنها بمقتضى هذه الدلالة لا بد أن يشمل –كما سبق3- الماضي، والحال، والمستقبل. فكيف تكون إضافتها "غير محضة"، مع أننا اشترطنا في "غير المحضة": أن يكون الزمن فيها الحال، أو الاستقبال؟. الحق: أن إضافتها قد تكون محضة في بعض الصور، وغير محضة في

_ 1 كما سبق في ص29. 2 كما سيجيء في هامش ص238 وفي ص342 و308. 3 في هذه الصفحة وكذا في ص29 حيث الإيضاح.

أخرى1؛ فقد قالوا: إن الاستمرار "أو: الدوام" يحتوي على الأزمنة الثلاثة دائمًا. لكن قد توجد قرينة تقوي جانب الزمن الماضي على غيره -وللقرينة المقام والاعتبار الأول دائمًا- فتضاف الصفة وتعمل الجر مع تلك القرينة؛ إذ تتغلب الإضافة، وتكتسب الصفة التعريف من المضاف إليه؛ ككلمة: "مالك" في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ... فكلمة: "مالك" وصف مشتق؛ زمنه يشمل الماضي، والحال، والمستقبل؛ لأن الله مُتَّصف بصفة التملك في جميع الأزمان. وقد وجدت قرينة تدل على تغليب الزمن الماضي؛ فصارت الإضافة بسببها محضة2؛ وهذه القرينة هي: أن كلمة: "مالك" نعت للفظ الجلالة: "الله" وهو أعرف المعارف، فلا يمكن أن يكون نعته نكرة؛ فلا بد أن تكون كلمة: "مالك"، معرفة. فمن أين جاءها التعريف؟ لا سبيل لاكتسابها التعريف إلا من المضاف إليه، وقد اكتسبه أيضًا من الإضافة إلى ما بعده. وكل هذا يقتضي أن تكون إضافة الصفة هنا محضة. ولو أعربنا كلمة: "مالك" بدلًا، أو: عطف بيان؛ لكان في هذا الإعراب -مع جوازه- عدول عن الظاهر الشائع؛ وهو: إعراب المشتق نعتًا، لا بدلًا، ولا عطف بيان؛ إذ يغلب على الأول الاشتقاق، وعلى الأخيرين الجمود -كما تقدم3- هذا إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف الدال بالقرينة على المضي أو على الدوام محضة4، عند جمهور النحاة. أما إذا تغلب جانب الحال أو الاستقبال، بأن قامت قرينة تؤيد أحدهما فالإضافة غير محضة؛ فلا يتعرف بها الوصف، ولا يتخصص، ويجوز إزالتها، وإعمال الوصف في معموله عملًا آخر غير الجر؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى:

_ 1 انظر ص6 و307. 2 لما سبق في: "د" من ص5 من أن إضافة المشتق الماضي الزمن محضة. 3 في رقم 5 من هامش ص5 ويجيء في ص665. 4 وقد سبقت الإشارة لهذا في "و" ص5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَالِقُ الإِصْبَاحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} 1؛ فجعل الليل سكنًا أمر لا يقتصر على زمان دون آخر؛ فقد وقع في الماضي، وهو يقع الآن، وسيقع بعد ذلك، غير أن الكلام فيه ما يقوي جانب الحال والمستقبل على الماضي، ويجعل الإضافة غير محضة؛ هو أن المحضة تقتضي -غالبًا- أن يكون المضاف اسمًا جامدًا، أو في حكم الجامد، فلا يعمل؛ وهذا يؤدي إلى اعتبار كلمة: "جاعل" في حكم الجامد، فلا تنصب مفعولًا به، ولا مفعولين، وإلى إعراب كلمة: "سكنا" المنصوبة، مفعولًَا به لعامل محذوف، تقديره "يجعل"، أو ما يماثله، وكأن الأصل: جاعل الليل يجعله سكنًا. وفي كل هذا عدول عن النسق الظاهر، والإعراب الواضح الذي يدخل الوصف "جاعل" هو وفعله في سلك الألفاظ العاملة التي تنصب مفعولين. وقد أضيف الوصف إلى أحدهما، ونصب الثاني مباشرة، فلا حاجة إلى تأول وتقدير يبعدان عن هذا السنن الواضح. وشيء آخر؛ هو: أن زمن الوصف في الآية دائم مستمر؛ يشمل الماضي والحال، والمستقبل. ولكن هذا الدوام الزمني ليس متصل الأجزاء بغير انقطاع، وإنما يتخلله انقطاع يزول، ثم يعود مرة فأخرى؛ فحين يجعل الله الليل سكنًا يكون الليل موجودًا، وحين لا يجعله سكنًا يختفي. ثم يجعله مرة أخرى؛ ثم يزيله، ثم يعيده؛ وهكذا دواليك؛ ... فالاستمرار موجود حقًّا؛ ولكنه على ما وصفنا من توالي الإيجاد والإزالة بغير توقف، ومن تجدد الظهور والاختفاء بغير انقطاع2، أما الدوام المتصل على حالة واحدة، هي: جعل الليل سكنًا في جميع لحظات الزمان وأوقاته - فلا وجود له. ولما كان الانقطاع والتجدد هما من خصائص الفعل المضارع، وزمن المضارع هو الحال أو الاستقبال كان الوصف "المشتق" الذي يشاركه فيهما شبيهًا به من الناحية المعنوية، ومحمولًا عليه في ناحية أخرى، هي

_ 1 شيئًا يستريح إليه المتعب بالنهار، ويسكن للراحة والاطمئنان فيه. "انظر ج"ص"40". 2 وهذا يسمى: الاستمرار المتجدد، أو الاستمرار التجددي، وله إشارة أخرى في رقم 4 من هامش ص247، وفي رقم 2 من هامش ص282.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدلالة الزمنية أيضًا. أي: أنه شبيه به في الدلالة على التجدد والحدوث، وفي الدلالة الزمنية المعينة. وإذا كانت دلالة الوصف الزمنية على هذه الشاكلة فإن إضافته غير محضة1. ب- إذا كان الوصف المضاف مطلق الزمن؛ أي: لا دليل معه يبين نوعًا من أنواع الزمن الثلاثة كانت إضافته محضة؛ نحو: "صاحب السلطان كراكب السفينة"2 ... فلا قرينة في المثال تدل على ربط المعنى المقصود بزمن معين؛ ماضٍ، أو حال، أو مستقبل، أو ما يشمل الثلاثة ... "وقد سبقت الإشارة لهذا"3. ج- أشرنا4 إلى أن إضافة الوصف إلى الظرف نوع من الإضافة المحضة، وأوضحنا شرط ذلك؛ كالمثال السابق: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: مالك الأمر والنهي في يوم الدين. بخلاف: "جاعل الليل سكنًا"؛ لأن الليل مفعول به، في الأصل قبل الإضافة، وليس ظرفًا، وإلا فسد المعنى5. د- من الإضافة غير المحضة ما يأتي من الأنواع الملحقة بها6؛ وهي: 1- إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة نعتًا للمضاف؛

_ 1 كل ما سبق تعليل خيالي -مقبول هنا- للأمر الواقع المستمد من الكلام العربي. والعلة الأولى هي الكلام العربي نفسه، وأنه يسير على النظام الذي سبق تعليله، برغم أن العرب لا تعرف اصطلاح الإضافة المحضة، ولا غير المحضة. 2 يريدون بذلك: أن راكبها لو سلم من الغرق لم يسلم من الفرق. أي: من الخوف. 3 في "ج" من ص5. 4 في "و" ص5. وفي ص38. 5 إذ المراد -عند أصحاب هذا الرأي- جعل الليل نفسه بظلامه وانقطاع الحركة والعمل فيه، وبخصائصه الأخرى هو للسكن، لا أن السكن واقع فيه. "وسبقت إشارة للآية في آخر ص38". 6 وبعض صوره لا يختلف فيه معنى المتضايفين، مع أن الأصل في الإضافة بنوعيها، ولا سيما المحضة -كما سبق في رقم 1 من هامش ص7- أن يختلف فيها معنى المتضايفين، ومدلولهما. ويدور الجدل في الأنواع التي سنذكرها -وهي التي أشرنا إليها عابرة في تلك الصفحة وسنفصلها هنا، وبعد الفراغ من تفصيلها نعرض -في ص47 وما بعدها- للجدل وموضوعه، ونبدي الرأي فيه، وفي كل ما تناوله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "وهذا ما يعبرون عنه بأنه إضافة الاسم المنعوت إلى نعته". كقولهم: "صلاة الأولى" تذهب الخمول. كان الخلفاء السابقون يقصدون "مسجد الجامع"؛ ليذيعوا على الناس ما يريدون إذاعته. إني أحرص على "ديانة القيِّمة"؛ لأسعد. والأصل: الصلاة الأولى، أو: صلاة الساعة الأولى. المسجد الجامع أو: مسجد الوقت الجامع، الديانة القيِّمة، أو ديانة الملة القيِّمة1. 2- إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة منعوتًا للمضاف. فصار بعدها هو المضاف إليه. "أي: إضافة النعت إلى منعوته" كقوله تعالي: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} . وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} والأصل في الآيتين: اليقين الحق، فتقدمت الصفة على الموصوف، وصارت مضافًا، وصار الموصوف مضافًا إليه مجرورًا. ومثله ما جاء في خطبة قائد بين جنوده: "إن العدو لن يعبأ بكم إلا إذا أحس منكم صادق الجهاد، وعظيم البلاء، وملأتم قلبه فزعا، وضربتموه كما تضرب عوادي الوحوش، وطردتموه كما تطرد غرائب الإبل، وتركتم جنوده بين صريع وأسير ... " أي: الجهاد الصادق. البلاء العظيم، الوحوش العوادي، الإبل الغرائب ... 3- إضافة المسمى إلى الاسم2؛ نحو: شهر3 رجب معظَّم في

_ 1 في الأمثلة السالفة حذف المضاف إليه المنعوت، وأقيم النعت مقامه، فصار مضافًا إليه. "انظر ما يتصل بهذا في ص50". 2 وعكسه "وهو إضافة الاسم إلى المسمى" مثل إضافة: "لدن وعند" طبقًا لما سيجيء في ص119. 3 جاء في التصريح –ج2 باب التوكيد عند الشاهد: "يا ليت عدة حول كله رجب" ما نصه: "قال الدنوشري: هل "رجب" منصرف، وكذلك "صفر" أو لا؟ قال سعد الدين في حاشيته على الكشاف: إن أريد بهما معين فهما غير منصرفين وإلا فمنصرفان. قال ناصر الدين اللقاني: وكأن وجه ذلك أن المعين معدول عن الرجب وعن الصفر، كما قالوا في "سحر" إنه معدول عن السحر فيما أريد به "سحر" بعينه؛ ففيهما العلمية والعدل. وقد يقال: إن المانع هو العلمية والتأنيث باعتبار المدة". ا. هـ، وستجيء إشارة لهذا في باب الممنوع من الصرف ج4 ص196 م147.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية والإسلام. شجر التفاح كثير في الشام. وهذه هي إضافة: "البيان أو: "الإضافة البيانية" التي يقصد منها إيضاح الأول وبيانه بالثاني1، وهي كثيرة في استعمالنا؛ كإضافة الأيام والعلوم إلى أسمائها؛ مثل: يوم الخميس. يوم الجمعة. علم الحساب. علم الهندسة ... ولها أمثلة أخرى وردت في المطولات، منها قولهم: لقيته ذات مرة، أو ذات ليلة. مررت به ذات يوم. داره ذات اليمين، أو؛ ذات الشمال. مشينا ذا صباح2 ... ومن المفيد المهم أن ننقل هنا ما دونه ابن يعيش شارح المفصل3 خاصًا بهذا. قال ما نصه "مع حذف بعض الأمثلة، اكتفاء ببعض": "اعلم أنهم قد أضافوا المسمى إلى الاسم مبالغة في البيان؛ لأن الجمع بينهما آكد "أقوى" من إفراد أحدهما بالذكر. وفي ذلك دليل من جهة النحو على أن الاسم عندهم غير المسمى؛ إذ لو كان إياه لما جاز إضافته إليه، وكان من إضافة الشيء إلى نفسه. فالاسم هو اللفظ المعلق على الحقيقة؛ عينا كانت تلك الحقيقة، أو معنى؛ تمييزا لها باللقب مما يشاركها في النوع،

_ 1 فرق بعض النحاة بين الإضافة التي "للبيان"، والإضافة البيانية؛ بأن التي للبيان يكون بين جزأيها عموم وخصوص مطلق، وأن "البيانية" يكون بين جزأيها عموم وخصوص من وجه. وهذا الخلاف شكلي؛ لا أثر له؛ لأنه محصور في المراد من اصطلاح معين عند كل فريق. هذا وقد سبق "في ج1 ص19 م2" معنى العموم والخصوص المطلق والوجهي. 2 "ذا" و "ذات" -ولهما بيان آخر خاص بإضافتهما، في ص74- من الظروف غير المتصرفة بشرط إضافتهما للزمان، دون غيره؛ فيلتزمان النصب على الظرفية الزمنية إلا على لغة ضعيفة رفضها جمهور النحاة. ومن الأمثلة التالية ما يساير هذه اللغة. كما أن "ذات" قد تضاف إلى كلمة: "اليمين" أو "الشمال" وهما من الظروف المكانية، فتصير ظرفا مكانيًا متصرفًا ومنصرفًا. وقد تكون اسمًا محضًا مستقلًا، معناه حقيقة الشيء وماهيته، والنسب إليها: "ذووي" باعتبارها أصلها، أو: "ذاتي" باعتبار لفظها الحالي. "طبقا لما سبق في ج1 م26 ص358، أما البيان التفصيلي ففي باب النسب ج4 م178 ص554". 3 في ج3 ص12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمسمى تلك الحقيقة؛ وهي ذات اللقب، أي: صاحبته1. فمن ذلك قولهم: "لقيته ذات مرة"، والمراد: الزمن المسمى بهذا الاسم الذي هو: مرة. ومثله: "ذات ليلة، ومررت به ذات يوم، وداره ذات الشمال، وسرنا ذا صباح" كل هذا معناه وتقديره: داره شمالًا، وسرنا صباحًا ... ، بالطريق التي ذكرناها. إلا أن في قولنا: ذا صباح، وذات مرة –تفخيما للأمر. "ومن ذلك قول الشاعر: عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسود من يسود المراد: على إقامة صاحب هذا الاسم، وصاحبه هو: صباح؛ فكأنه قال: على إقامة: صباح ... ومثله قول الكميت: إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب2 فالمراد: يا آل النبي، أي: يا أصحاب هذا الاسم الذي هو آل النبي، ولو قال: "يا آل النبي" لم يكن فيه ما في قوله: "يا ذوي آل النبي" من المدح والتعظيم. وفائدة هذا الأسلوب ظاهرة؛ لأنه لما قال: يا ذوي آل النبي جعلهم أصحاب هذا الاسم؛ وهو آل النبي. ومن كان صاحب هذا الاسم كان ممدوحًا معظمًا لا محالة ... ومثله قول الأعشى: فكذَّبوها بما قالت: فصحبهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا3 أي: صبحهم الجيش الذي يقال له: آل حسان. ومثله قول الآخر:

_ 1 بمعنى أنها الذات المختصة به، المرادة منه. 2 الألبب جمع: لب، والقياس: ألب بالإدغام الذي منع منه ضرورة الشعر". 3 "يزجي = يسوق. الشرع: كعنب، جمع شرع؛ بكسر فسكون، وهو الثأر والوتر".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ما كنت مثل ذوي عدي ... ودينار، فقام على ناعي أي: مثل كل واحد من الرجلين المسميين "عديًا"، و"دينارًا" ... "وحكي عن العرب: هذا ذو زيد، ومعناه: هذا صاحب هذا الاسم، وقد كثر ذلك عندهم. وربما لطف1 هذا المعنى على قوم، فحملوه على زيادة. "ذي"، و"ذات". والصواب ما ذكرناه" ا. هـ. وهذا كلام جليل في إيضاح تلك الأساليب التي أضيف فيها المسمى إلى الاسم؛ لتحقيق غرض بلاغي هام، كالإيضاح مع التوكيد. ومن أمثلتها الواردة أيضًا قولهم: "اذهب بذي تسلم. اذهبا بذي تسلمان. اذهبوا بذي تسلمون ... ". أي: اذهب بسلامتك التي تلازمك ولا تفارقك. اذهبا بسلامتكما. اذهبوا بسلامتكم"2. 4- إضافة الموصوف إلى اسم قائم مقام الصفة؛ كقول الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض، ماضي الشفرتين يماني ... 3 أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين، وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة. ويرى بعض النحاة أن البيت ونحوه هو من إضافة الشيء إلى ملابسه4 بعد تنكير العلم، وإضافته إضافة محضة من غير حاجة لتأويل بما ذكر5. والرأيان صحيحان.

_ 1 خفي ودق. 2 وسيجيء الإيضاح الأوفى لهذا، والإعراب، في المكان المناسب، ص95. وكذلك سبقت الإشارة لكلمة: "ذا" و "ذات" وما يتصل بهما لمناسبة في باب الظرف "ج2 ص210، 215، 229 م79"، ولمناسبة أخرى في ج1 "بابي الأسماء الستة، والموصول" وفي باب الموصول الكلام على جمع "ذو" وإفرادها وعلى "ذو" الطائية التي بمعنى "الذي" وفروعه، وحكمها. 3 سبق هذا البيت في الجزء الأول "م23 ص265" لمناسبة أخرى هناك؛ وهي بيان السبب في إضافة العلم أحيانا، أو في تعريفه بإحدى وسائل التعريف، مع أن الأصل في العلم أن يكون معرفة. 4 أي: ما له به نوع اتصال لأدنى ملابسة. وقد سبق بيان هذا النوع في رقم 2 من ص21. 5 إيضاح هذا في باب العلم ج1 ص207 م22.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 5- إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد، وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة "أي: التي لا تحدد ببدء وانتهاء معرفين؛ مثل كلمة: حين، وقت، زمن، أيام ... ونحوها مما سبق الكلام عليه في الجزء الثاني، باب: "الظروف"، نحو: إذا اشتدت وقدة الصيف أسرع الناس إلى سواحل البحار؛ ليقيموا بها ما وسعهم الأمر، وحينئذ ينعمون بجو معتدل، وهواء رطب منعش ... أي: حين إذ يقيمون ... ينعمون؛ فحذفت الجملة المضارعية الأولى، وهي المضاف إليه، وعوض عنها التنوين. فالمؤكد هو: "الحين" وهو زمن مبهم. والمؤكِّد هو: "إذ" الظرفية المضافة إلى الجملة المضارعية المحذوفة1. والمراد من لفظ: "الحين" المبهم هو المراد من لفظ: "إذ" المخصصة بالجملة التي أضيفت إليها، فالظرف الزمني الثاني مؤكد للأول؛ لاتفاق معناهما، والمراد منهما، مع مجيئه بعده2.. ويرى بعض النحاة -بحق- أن مثل هذا يعد من إضافة العام إلى الخاص، لا المؤكد إلى المؤكد، لتخصيص الظرف الثاني -كما قلنا- بالجملة التي أعربت مضافًا إليه، وهي الجملة المضارعية التي حذفت وقام مقامها التنوين عوضًا عنها ... ومن النادر أن تكون إضافة المؤكد إلى المؤكد في غير أسماء الزمان المبهمة؛ كقول الشاعر: فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه3

_ 1 مع ملاحظة أن الظرف لا يسمى ظرفًا -اصطلاحًا- إلا إذا كان منصوبًا "لفظًا أو محلًّا" على الظرفية. فإذا صار مضافًا إليه، أو مبتدأ، أو شيئًا آخر غير النصب على الظرفية، فإنه لا يسمى في الاصطلاح ولا يعرب ظرفًا. 2 ومن الأمثلة أيضًا البيت الآتي في صفحة 56 وهو: أنجب أيام والداه به ... إذ نجلاه؛ فنعم ما نجلا وشرح البيت وموضع الشاهد فيه موضحان هناك ... 3 قاله أعرابي نزل عنده ضيفان، فذبح لهما ناقة. فقالا: إنها مهزولة. فقال لهما البيت ... ومعنى: انجوا: اسلخا ... يقال: نجوت الجلد، بمعنى: سلخته و "السنام": الجزء المنحني المرتفع في ظهر البعير والناقة، وهو مقر الدهن، و"الغارب" أعلى الظهر بين السنام والعنق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: اسلخا عن الناقة نجا الجلد -والنجا، بالقصر- هو: الجلد. 6- إضافة الاسم الملغى1 إلى الاسم المعتبر2؛ كقوله تعالي: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ....} ، ومثل: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم. والأصل: الجنة التي وعد المتقون ... - ألقيت السلام عليكم3. 7- إضافة الاسم المعتبر إلى الاسم الملغى كقول الشاعر: أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشام شوق مبرح4 8- ومن الإضافة غير المحضة قولهم: "لا أبا لفلان" لوجود الفاصل بين المتضايفين. وقد سبق5 -في مناسبة أخرى- الكلام على هذا الأسلوب من ناحية الإضافة، ومن ناحية إعرابه ومعناه. 9- ومن الإضافة غير المحضة إضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه -مسايرة لبعض اللغات الجائزة فيه- نحو: قامت الطائرة من "أفغانستان" فوصلت إلى "بور سعيد" في بضع ساعات.

_ 1 الزائد الذي يمكن حذفه فلا يتأثر المعنى الأصلي بحذفه. 2 الأصلي الذي لا يمكن حذفه إلا بفساد المعنى. 3 ومن هذا قول لبيد بن ربيعة لبنتيه، حين حضرته الوفاة، ينصح لهما بعدم اللطم، إن هو مات، وبترك الجزع. وحسبهما البكاء المجرد حولًا كاملًا. ثم هو يسلم عليهما ... يقول: إلى الحول، ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر وكذلك: "فنن الغصون" في شعر نقله القرطبي في مقدمة تفسيره "ج1 ص21" جاء فيه: ما هاج شوقك من هديل حمامة ... تدعو على فنن الغصون حمامًا 4 وهذه الزيادة على اعتبار ألا توجد بلدة اسمها: "بغداد": ولا أخرى اسمها: "دمشق"، غير هاتين. أما عند علم المتكلم بوجود غيرهما فالإضافة محضة، من نوع إضافة العلم إلى ما يخصصه بعد أن فقد علميته؛ بسبب اشتراكه بين أفرا متعددة. "كما سبق في باب العلم ج1 م23 رقم2 من هامش ص264". 5 في ج1 ص75 م8 عند الكلام على الأسماء الستة وفي ج1 ص528 م56 باب "لا".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كانت الإضافة هنا لفظية؛ لأن كلًّا من الجزأين يكمل الآخر كما يكمل الحرف الواحد في الكلمة الواحدة نظائره فيها، كالخاء، أو الشين، أو الباء ... في كلمة: "خشب" مثلًا. وفائدة هذه الإضافة التخفيف الناشئ من التركيب، مع التنبيه إلى شدة الامتزاج1. 10- ومن الإضافة غير المحضة: "الكنية" على الوجه الذي سبق تفصيله وإيضاحه في الجزء الأول2 ... إلى هنا انتهت تلك الإضافات الملحقة "بغير المحضة". ونعود إلى ما أشرنا إليه3 من الجدل الدائر حولها. ويتركز فيما يأتي: أمحضة أم غير محضة؟ أهي نوع ثالث مستقل بنفسه، ولكن إضافته "شبيهة بالمحضة"؛ ويجب أن يسمى بهذا الاسم؟ ثم لهذا النوع -عندهم- اعتباران؛ أحدهما الاتصال؛ لأن المضاف غير مفصول من المضاف إليه بالضمير الذي يلاحظ وينوى في الإضافة غير المحضة، كما سلف بيانه. والآخر: الانفصال؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتأول

_ 1 كما سيجيء في ج4 باب الممنوع من الصرف ... - م148 ص217. 2 في الجزء الأول "م23 ص277 عند الكلام على "العلم" ونقلنا بعضه في "أ" من ص429 فقلنا ما نصه في الجزء الأول: "أما الكنية فهي علم مركب تركيبًا إضافيًا بشرط أن يكون صدره "وهو المضاف" كلمة من الكلمات الآتية: "أب، أم"، "ابن، بنت"، "أخ، أخت"، "عم، عمة"، "خال، خالة" ... وليس منه أب لمحمد، وأم لهند، وغيرهما من كل ما لا إضافة فيه على الوجه السابق ... ". ثم قلنا في رقم "أ" من ص429 ما نصه: "والكنية -مع تركيبها الإضافي- معدودة من قسم العلم الذي معناه إفرادي؛ فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفرده على معنى يتصل بالعلمية؛ فإذا وقع بعدها تابع -كالنعت مثلًا في قولنا: جاء أبو علي الشجاع- فإن النعت "وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتًا للاثنين معًا، أي: للمضاف والمضاف إليه، ولا يصح أن يكون نعتًا لأحدهما فقط، وإلا فسد المعنى، لكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده ... و ... " ا. هـ راجع النص كاملًا. 3 في رقم 6 من هامش ص40.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكلف يخرجان الإضافة عن ظاهرها1. فأيهما الصحيح؟. وبعد كل ما سبق أقياسية هي أم سماعية؟. لكل رأي أدلته التي يقويها أصحابه بتأويل الأسلوب تأويلًا يبعده عن ظاهره، وبتخريجه إلى حيث يريدون من إثبات رأيهم ودعمه ... والأمر لا يحتاج إلى هذا العناء الجدلي الذي له أسبابه التاريخية النحوية التي لا تعنينا اليوم؛ فحسبنا أن نترك فضول التأويل والتخريج، ونعول على ظاهر الأسلوب الإضافي تعويلًا لا يعارض المراد منه؛ فنجد تلك الإضافات المتعددة قد انحصرت في قسمين: أولهما: يكون فيه المضاف والمضاف إليه بمعنى واحد، مع اختلاف لفظهما. أي: أن اللفظين مختلفان، ولكن مدلولهما متحد، كإضافة المسمى إلى الاسم "في مثل: شهر رمضان -شجر البرتقال- علم الهندسة ... "، ومثل هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا؛ لأن المضاف من حيث المعنى هو نفس المضاف إليه، أو بمنزلته؛ والشيء لا يتعرف ولا يتخصص بنفسه، أو بما هو بمنزلة نفسه؛ فلا يمكن أن تكون الإضافة في هذا القسم "محضة"؛ إذ "المحضة" لا بد أن تفيد المضاف تعريفًا أو تخصيصًا إذا كان غير متوغل في الإبهام، وأن تتضمن معنى حرف من أحرف الجر الثلاثة المعروفة2، و"الإفادة والتضمين"، يقتضيان أن يكون معنى المضاف غير معنى المضاف إليه. ثانيهما: يكون فيه أحد الاسمين المتضايفين أصليًا والآخر زائدًا "يمكن الاستغناء عنه من غير أن يتأثر المعنى المراد بحذفه" نحو: مررت بكم فألقيت اسم السلام عليكم ... فكلمة: "اسم" زائدة؛ فلا فائدة منها مستجدة، وإذا كانت كذلك فكيف تعتبر إضافتها محضة؟. إن الإضافة المحضة تؤثر في الأسلوب تأثيرًا معنويًا؛ لا غنى عنه -كما قلنا- فحيث يمكن الاستغناء عن أحد طرفي الإضافة لا تكون الإضافة محضة.

_ 1 راجع الهمع والصبان. 2 بيانها في: "أ، ب، ج" ص18، 19، 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما قياسية تلك الإضافات الملحقة بغير المحضة، أو عدم قياسيتها، فكثرة النحاة تقصرها على المسموع، ولا تبيح فيها القياس. إلا الكوفيين فيبيحون القياس على المسموع، بشرط اختلاف لفظي المضاف والمضاف إليه، بحجة أن الوارد من تلك الإضافات كثير كثرة تكفي للقياس عليه، وأن الحاجة قد تدعو لاستخدام القياس؛ للانتفاع بفائدة تلك الإضافات المتعددة الأنواع، فإنها لا تخلو من فائدة معنوية –كالإيضاح مع التوكيد-، برغم أن هذه الفائدة المعنوية تختلف -نوعًا ومقدارًا- عن الفائدة المعنوية التي للإضافة المحضة1 ... ورأي الكوفيين سديد مفيد. وفي الأخذ به هنا تيسير محمود تتطلبه حياة الناس كما طلبته قديمًا. لكن من المستحسن -وبخاصة القسم الثاني- أن نأخذ به في أضيق الحدود؛ حين تشتد إليه الحاجة، وتقوم قرينة على بيان المراد منه، بحيث لا يشوبه لبس أو غموض. وقد صرح بعض كبار النحاة باستحسان الرأي الكوفي، ففي شرح شواهد العيني للبيت المرقوم "448" وهو الذي سبق هنا في الإضافة الخامسة "ص45" وصدره: "فقلت: انجُوَا عنها نجا الجلد إنه ... " ما نصه: "الشاهد في: "نجا الجلد" حيث أضاف المؤكَّد إلى المؤكِّد؛ لأن "النجا" -بالقصر- هو الجلد. والأحسن ما قاله الفراء: إن العرب تضيف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين كقوله تعالى: ... {حَقُّ اليَقِينِ} 2.."ا. هـ. وقال الأشموني عند الكلام على بيت ابن مالك3: ولا يضاف اسم لما به اتحدْ ... معنى، وأوِّلْ موهمًا إذا وردْ ما نصه: "لا يضاف اسم لما اتحد به معني؛ كالمرادف مع مرادفه؛

_ 1 ومع أن السماع يؤيدهم يزيدون فيستخدمون "قياس التنظير" فيقولون: إن العرب أجازت عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان: كقول قائلهم: وألقي قولها كذبًا ومينًا والمين هو الكذب. والأصل في عطف النسق المغايرة. والمضاف والمضاف إليه كالمعطوف والمعطوف عليه؛ لهذا قال: "ياسين" في هذا الموضع من حاشيته على "التصريح": "إنهم استدلوا بالسماع والقياس، ووافقهم في التسهيل" ا. هـ. ولما تقدم إشارة في رقم 8 من ص660. 2 انظر رقم 4 من هامش ص51. 3 ستجيء له إشارة أخرى في هامش ص65.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والموصوف مع صفته؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه؛ فلا بد أن يكون غيره في المعنى؛ فلا يقال، قمح بر، ولا رجل فاضل، ولا فاضل رجل. وإذا جاء من كلام العرب ما يوهم جواز ذلك وجب تأويله؛ فمما أوهم إضافة الشيء إلى مرادفه قولهم: "جاءني سعيد كرز". وتأويله: أن يراد بالأول المسمى، وبالثاني الاسم؛ أي: جاءني مسمى هذا الاسم1. ومما أوهم

_ 1 للاسم مع المسمى حالات مختلفة؛ فقد يكون الاسم هو المسمى نفسه وذاته، وقد يكون غير المسمى، و ... ، عرض لتفصيل الكلام على هذا الموضوع تفصيلًا وافيًا ابن السيد البطليموسي الأندلسي في رسالة خاصة نقلتها: "مجلة المجمع اللغوي بدمشق"، في الجزء الثاني من مجلدها السابع ولأربعين ص333، وعنها نقلنا النص التالي: "الباب الأول: في تبييين كيف يكون الاسم غير المسمى ... ، إن الاسم الذي يقال إنه غير المسمى هو الاسم الذي يراد به التسمية، والعبارة عن المعنى الذي يروم المتكلم تقريره في نفس من يخاطبه. وهذا الاسم هو المراد بقولهم للرجل: "ما اسمك؟ وعرفني باسمك"؛ لأنه ليس يسأله أن يعلمه بذاته ما هي؟ وإنما يسأله يعلمه بالعبارة المعبر بها عنه، المشار بها إلى ذاته. وكذلك قولهم: "محوت اسم علي من الكتاب، وأثبت اسمه في الديوان" فالاسم في هذا كله غير المسمى اضطرارًا؛ لأن اللفظة ليست الشخص الواقع تحتها. والاسم والتسمية في هذا الباب لفظان مترادفان على معنى واحد؛ كما يقال: سيف، وصمصام، وحسام. والاسم ههنا وإنما كان يفيد ما تفيده التسمية فبينهما فرق؛ وذلك أن التسمية مصدر، من قولك: سميت الشيء أسميته تسمية، فأنا: مسمٍّ، وهو: مسمًّى؛ كقولك: سويته، أسويه، تسوية؛ فأنا: مسوٍّ، وهو: مسوٍّي. والاسم ليس بمصدر؛ وإنما يراد به الألفاظ المعبر بها عن الأشياء، كمحمد، وعلي، وجوهر، وعرض. ويدلك على الفرق بينهما أن التسمية تعمل عمل الفعل، والاسم لا يعمل عمل الفعل؛ ألا ترى أنك تقول: عجبت من تسمية زيد ابنه كلبًا؛ كما تقول: عجبت من تسوية زيد الثوب. ولا تقول: عجبت من اسم زيد ابنه كلبًا. وهذا كما تقول: "عجبت من قوت زيد عياله" -بفتح القاف- فإن ضممت القاف لم يجز؛ لأن "القوت -بفتح القاف- مصدر قاته، يقوته، قوتًا. و"القوت" -بضم القاف- الطعام نفسه؛ فجرى مجرى الاسم في الامتناع من العمل؛ لأنه نوع من أنواع الاسم. ومما جاء من هذا الباب قوله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} يريد: التسميات. ومن ذلك قوله عليه السلام: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة". ولو كان الاسم هنا هو المسمى بعينه لكان الله تسعة وتسعين شيئًا. وهذا كفر بإجماع ... و ... و ... ومن ذلك قول الشاعر: وسميته يحيي ليحيا، ولم يكن ... لردِّ قضاء الله فيه سبيلُ ولو كان الاسم هنا هو المسمى لوجب أن يموت من سمي: "يموت". ويحيا من سمي "يحيي" ... وهذا النوع كثير في القرآن والحديث وكلام العرب يغني ما ذكرناه منه عن الإكثار منه". ا. هـ. ثم عرض بعد ذلك لأنواع أخرى؛ منها ما يكون فيه الاسم هو المسمى، كلاهما ملازم الآخر لا يفارقه مطلقًا، مثل كلمة: "حي، أو "متحرك". فمن المستحيل أن توجد الحياة بغير الجسد الذي تحل فيه، ومن المستحيل أن توجد الحركة مستقلة بنفسها بغير جسم تظهر فيه. إلى غير ذلك مما عرضه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: "حبة الحمقاء"، و"صلاة الأولى"، و"مسجد الجامع"، وتأويله أن يقدر موصوف، أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع1. ومما أوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: جرد قطيفة2" وسحق عمامة3، وتأويله: أن يقدر موصوف أيضًا، وإضافة الصفة إلى جنسها؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة" ا. هـ. كلام الأشموني. ثم قال ما نصه: "أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين. ووافقه ابن الطراوة، وغيره ونقله في "النهاية" عن الكوفيين، وجعلوا من ذلك ما ورد في الآيات القرآنية من نحو: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ، {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته"4. ا. هـ. الأشموني. ويقول الرضي في شرح الكافية5 -بعد أن شرح مذهب الكوفيين وغيرهم وعرض أمثلة مما سبق- ما نصه: "الإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه"6.

_ 1 انظر ما سبق متصلًا بهذا في رقم 1 من ص 40. 2 بمعنى: قطيفة مجردة. 3 بمعنى: عمامة مجردة. 4 ومن الأمثلة القرآنية أيضًا قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} قال "المصباح المنير" في مادة: "عرم" ما نصه: "العرم قيل: جمع "عرمة" مثل كلم وكلمة، وهو: السد، وقيل: السيل الذي لا يطاق دفعه. وعلى هذا فقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} بإضافة الشيء إلى نفسه؛ لاختلاف اللفظين". ا. هـ، وجاء في المصباح المنير أيضًا ما نصه في مادة: "ظهر": "أفضل الصدقة ما كان على ظهر غنى" المراد: نفس الغنى. ولكن أضيف للإيضاح والبيان؛ كما قيل: "ظهر الغيب، وظهر القلب". والمراد: نفس الغيب، ونفس القلب. ومثله: "نسيم الصبا"، وهي نفس الصبا. قاله الأخفش، وحكاه الجوهري عن الفراء أيضًا. والعرب تضيف الشيء إلى نفسه، لاختلاف اللفظين؛ طلبًا للتأكيد. قال بعضهم: ومن هذا الباب: {حَُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ... " ا. هـ. 5 ج1ص288. 6 وزاد على هذا قوله: "ولو قلنا: إن بين الاسمين في كل موضع فرقًا لاحتجنا إلى تعسفات كثيرة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أطلنا الكلام في أمر الإضافات السالفة لنفصل في أمرها بحكم قاطع -وهو إباحتها- فيُحسَم النزاع، ويوقَف الجدل الذي امتد حتى وصل إلينا عنيفًا، واستخدمه اليوم -بغير حق- بعض الباحثين في إصدار أحكام بالفساد والخطأ على بعض الإضافات الشائعة، مثل: "استرحنا من عناء التعب"، و"نعمنا برغد الرخاء".

السابع: عدم الفصل بين المضاف والمضاف إليه باسم ظاهر، أو بضمير بارز1، أو بغيرهما؛ لأن المتضايفين بمنزلة الكلمة الواحدة ذات الجزأين، لا يصح أن يتوسط بينهما فاصل. غير أن هناك مواضع يجوز فيها الفصل في السعة2؛ فإباحتها في الشعر، وملحقاته، أقوى. ومواضع أخرى يجوز فيها الفصل للضرورة3. 1- فأما مواضع الفصل في السعة فمنها: 1- أن يكونا المضاف مصدرًا والمضاف إليه هو فاعله في الأصل قبل الإضافة، والفاصل بينهما إما مفعول به للمصدر4؛ كقول الشاعر: حملت إليه من ثنائي حديقة ... سقاها الحجا سقي الرياضَ السحائبِ والأصل: سقي السحائب الرياض. وقول الآخر: عَتَوْا إذ أجبناهم إلى السلم رأفةً ... فسقناهم سوق -البغاثَ- الأجادلِ5 يريد: سوق الأجادلِ البغاثَ، فوقع الفصل في المثالين بين المصدر وفاعله بمفعوله المنصوب. وإما ظرف للمصدر؛ كقولهم: تَرْكُ يومًا نفسك وهواها، سعيٌ لها في

_ 1 أما المستتر فقد يفصل في الإضافة غير المحضة كما عرفنا في ص34. 2 أي: في النثر المرسل؛ حيث يجد الناثر من فسحة القول، وحرية التعبير، والتصرف ما لا يجده الشاعر، ونحوه المقيد بقيود الشعر، وضوابطه؛ من وزن، وقافية، وخصائص شعرية ترهقه، وتضيق بها حريته في التعبير، ولهذا منحوه أنواعًا من التيسير لم يمنحوها الناثر، وأباحوا أن يقع في الشعر -وملحقاته- بعض أمور معينة لا تباح في النثر المرسل؛ تخفيفًا على الشاعر، ونزولًا على حكم الضرورة. وسموا تلك الأمور المحددة: "الضرورات الشعرية، ونظائرها". ولا شك أن ما يباح في النثر مباح في النظم بالأولوية. هذا، وفريق من البصريين يمنع الفصل بين المتضايفين في السعة، وسيجيء في ص58. 3 أي: الضرورة الشعرية وما يلحق بها، مما أوضحناه في ج4 م148 ص206 باب: "ما لا ينصرف". حيث البيان الكامل للضرورة، وملحقاتها. 4 بشرط أن يكون المفعول غير جملة؛ فلا يجوز: سرني قول:- الدين حق الملحد، أي: قول الملحد: الدين حق. 5 معنى البيت: إن الأعداء عَتَوْا، "أي: أفسدوا" بعد أن رحمناهم، وأجبناهم إلى السلم رأفة بهم. فلم نجد بدًّا أن نطاردهم ونسوقهم أمامنا كما تسوق الأجادل البغاث. "الأجادل: جمع أجدل، ويسمى: الصقر؛ وهو من جوارح الطيور القوية التي تحسن اصطياد الطيور الضعيفة. والبغاث: طائر ضعيف، يصاد، ولا يصيد، ولا ينتفع صائده بشيء منه".

رداها. فقد فصل الظرف: "يومًا" بين المصدر وفاعله، وهما: ترك نفسك ... 1. 2- أن يكون المضاف اسم فاعل للحال أو الاستقبال، والمضاف إليه هو مفعوله، والفاصل بينهما إما: مفعوله الثاني، وإما الظرف، وإما الجار والمجرور المتعلقان بهذا المضاف، فمثال الفصل بالمفعول الثاني قول الشاعر: ما زال يوقِنُ من يؤمُّك بالغنى ... وسواك مانع -فَضْلَهُ- المُحْتَاجِ أي: مانع المحتاج فضله. والأصل قبل الإضافة مانع المحتاج فضله؛ فاسم الفاعل هنا ناصب مفعولين، ثم أضيف إلى أولهما، وبقي الثاني منصوبًا، ولكنه تقدم وفصل بين المتضايفين. ومثال الظرف قول الشاعر: وداعٍ إلى الهيجا وليس كِفَاءَهَا ... كجالبِ -يومًا- حتفِهِ بسلاحِه والأصل: كجالب حتفه يومًا ... ، ومثال الجار والمجرور المتعلقين به قوله عليه السلام: "هل أنتم تاركو - لي - صاحبي". والأصل: تاركو صاحبي لي. 3- الفصل بالقسم، أو: بإما، أو: بالجملة الشرطية؛ سواء أكان المضاف شبه فعل2 أم غيره؛ فمثال القسم: شرُّ -والله- البلادِ بلاد لا عدل فيها ولا أمن. ومثال "إما" قول الشاعر: هما خُطَّتَا3 إما إسار4 ومنة5 ... وإما دَمٌ، والقتل بالحرِّ أجدرُ أي: هما خطتا إسار ... وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصلت بينه وبين المضاف إليه كلمة: "إما". ومثال الشرط ما نقل من نحو: هذا غلام -إن شاء الله- أخيك". والأصل: هذا غلام أخيك إن شاء الله. 4- الفصل بـ"ما" الزائدة حيث يكون المضاف منادى، وحرف النداء هو: "يا"؛ كقول الشاعر:

_ 1 والأصل: ترك نفسك شأنها، وحذف المفعول أو: مضاف لمفعوله وفاعله محذوف، أي: ترك نفسك. 2 المراد به هنا: نوعان -فقط- من الأسماء التي تشبه الفعل في معناه وعمله، هما: المصدر، واسم الفاعل للحال والاستقبال. 3 أصل الكلام: خطتان؛ تثنية خطة، بمعنى: حالة وطريقة. 4 أي: أسر، وهو وقوع المحارب مغلوبًا في يد عدوه المنتصر. 5 امتنان بإطلاق السراح، ومنح الحرية.

يا شاةَ -ما- قُنُصٍ لمن حلت له ... حرمت عليَّ وليتَهَا لم تحرم 5- الفصل بالتوكيد اللفظي بشرط أن يكون المضاف منادى قد تكرر لفظه للتوكيد اللفظي، من غير أن يضاف اللفظ الذي جاء للتوكيد، نحو: "يا صلاح، صلاح، الدين الأيوبي، ما أطيب سيرتك"؛ على اعتبار أن كلمة: "صلاح"، الأولى منادى، منصوب، مضاف، وكلمة: "الدين" مضاف إليه، وكلمة: "صلاح" الثانية هي التوكيد اللفظي للأولى، وقد فصلت بين المتضايفين1. ب- وأما مواضع الفصل المباح في الضرورة فمنها: 1- وقوع المضاف اسما –مشبها الفعل في العمل، رافعًا بعده فاعله الذي يفصل بينه وبين المضاف إليه؛ كقول الشاعر: نرى أسهما للموت تصمي2 ولا تنمي3 ... ولا نرعوي4 عن نقض -أهواؤنا- العزم فقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بكلمة: "أهواؤنا" وهي فاعل المصدر المضاف، والأصل: عن نقض العزم أهواؤنا. أي: عن أن تنقض أهواؤنا العزم. 2- أن يكون الفاصل بين المضاف والمضاف إليه أجنبيا من المضاف، "أي: أن يكون الفاصل معمولًا لعامل آخر غير هذا المضاف"؛ كالفصل بالفاعل الأجنبي في قول الشاعر:

_ 1 وكان من الجائز أن تنون، ولكن حذف تنوينها بقصد المشاكلة بين الاسمين. ولهذا المثال وأشباهه طرق مختلفة في ضبطة وإعرابه. وبيانها المفصل في موضعها الأنسب من باب المنادى "ج4 ص40 و41 م130"، ومن تلك الطرق اعتبار الاسم المكرر زائدًا زيادة محضة بين المتضايفين لا يوصف فيها بإعراب ولا بناء. عند من يجيز زيادة الأسماء. 2 تصيب فتقتل الصيد، والصائد يراه. 3 أنْمَى الصيادُ الصيد، رماه فأصابه، فذهب الصيد بعيدًا عنه ومات. فمعنى: لا تنمي، لا تخطئ الإصابة القاتلة. 4 لا نرعوي: لا نرجع عن الغي، ولا نرتدع.

أنجب1 أيامَ والداه به ... إذ نجلاه2؛ فنعم ما نجلا والأصل: أنجب والده به أيام إذ3 نجلاه ... فقد فصل الفاعل4 وهو "والداه" بين المضاف: أيام، وبين المضاف إليه وهو: "إذ نجلاه"، والفاصل هنا ليس معمولًا للمضاف. 3- الفصل بالمفعول الأجنبي؛ كالذي في قول الشاعر يصف فتاة: تسقي امتياحا5 ندى -المسواكَ- ريقتِهَا ... كما تضمن ماءَ المزنة الرصفُ6 يريد: أنها تسقي المسواك ندى ريقتها. فقد توسط المفعول به الأجنبي، "وهو: المسواك" بين المضاف والمضاف إليه، وفصل بينهما، مع أنه معمول للفعل: "تسقى" وليس معمولًا للمضاف. 4- الفصل بالظرف الأجنبي7: كالذي في قول الشاعر يصف رسوم الدار بأنها: كما خطَّ8 الكتاب بكفِّ -يومًا- ... يهوديٍّ يقارب9 أو يزيلُ10

_ 1 أنجب الرجل: ولد له ولد نجيب. 2 ولداه، ورزقا به. 3 "أيام"، مضاف، و"إذ" مضاف إليه، من إضافة العام الخاص، أو المؤكِّد للمؤكَّد. "وقد سبق الكلام عليها مع الإشارة لهذا البيت في النوع الخامس ص45" و"إذ" مضاف، والجملة بعدها مضاف إليه. 4 الفاصل في البيت هو الفاعل ومعه الجار والمجرور، فيؤخذ من هذا البيت الذي استشهد به النحاة على الفصل بالفاعل، جواز الفصل بالفاعل فقط، أو به ومعه الجار والمجرور. 5 الامتياح: استخدام السواك لتنظيف الأسنان، ويعرب هنا: حالًا مؤولة، أي: ممتاحة. وهذا الإعراب أحسن من غيره. 6 الحجارة المتراصة المتلاصق بعضها إلى بعض. والماء المتراكم فوقها، أو النافذ منها، يكون أنقى وأصفى من غيره، المفرد: رصفة. 7 أي: الذي ليس معمولًا للمضاف. 8 كتب. 9 أي: يقرب الكلمات والحروف بعضها من بعض. 10 يزيل "بفتح الياء" يباعد ويفرق.

والأصل: كما خط الكتاب يومًا بكف يهودي؛ فوقع الظرف الأجنبي فاصلًا بين المضاف وهو: "كف"، والمضاف إليه، وهو: "يهودي". 5- الفصل بالجار مع مجروره الأجنبيين، كما في قول الشاعر1: هما أخوا -في الحرب- من لا أخا له ... إذا خاف يومًا نبوة، ودعاهما تريد: هما أخوا من لا أخا له في الحرب. وقول الآخر2: كأن أصوات -من إشغالهن3، بنا- ... أواخر الميس4 أصوات الفراريج5 يريد: كأن أصوات أواخر الميس ... 6- الفصل بنعت المضاف؛ مثل: ولئن حلفت على يديك لأحلفن ... بيمين أصدق من يمينك مقسم أي: بيمين مقسم، أصدق من يمينك. 7- الفصل بالنداء، كالذي في قول الشاعر: وفاق6 –كعب7- يجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة8، والخلد في سقرا9 أي: وفاق بجير يا كعب ...

_ 1 هو لامرأة من بني قيس. كما جاء في الجزء الأول من كتاب: "الموشح" للمرزباني، عند الكلام على الشاعر: أبو حية النميري. 2 هو: ذو الرُّمَّة. 3 مبالغتهن في السير. 4 الميس: شجر تصنع منه الرحال. والمراد هنا: الرحال. 5- جمع فَرُّوج، وهو فرخ الدجاج. والشاعر يشبه أصوات الرحال وقت سير الإبل المسرعة بأصوات الفراريج. "راجع مجمع البيان، لعلوم القرآن، ج3 ص4". 6 موافقة. 7 يا كعب. 8 هلاك. 9 سقر: جهنم. وأصل القصة: أن "كعبًا" و"بجيرًا" أخوان، أبوهما: "زهير بن أبي سلمى" الشاعر الجاهلي المشهور. وقد أسلم "بجير" قبل أخيه، فأراد أن يسلم أخوه، فقال شعرًا يحبب إليه الإسلام، ويحذره سوء العاقبة إن خالف، ومنه هذا البيت. ومعناه: موافقة بجير -يا كعب- تنقذك من الهلاك، ومن الخلود في سقر.

تلك أشهر مواضع: "الفصل" -بنوعيه- بين المضاف والمضاف إليه كما رآها كثرة النحاة. لكن فريقًا من نحاة البصرة لا يبيحون الفصل في السعة، ويقتصرونه على الضرورات. والأخذ برأيهم أفضل؛ حرصًا على وضوح المعاني، وجريًا على مراعاة النسق الأصيل في تركيب الأساليب. فمما لا شك فيه أن الفصل بين المتضايفين لا يخلو من إسدال ستارٍ ما على المعنى لا يرتفع ولا يزول إلا بعد عناء فكري يقصر أو يطول، وأن الأسلوب المشتمل على: "الفصل" غريب على اللسان والآذان، ولا سيما اليوم. سواء أخذنا بهذا الرأي الأفضل أم بذاك -وكلاهما جائز- فلا مناص لمن يبيح الفصل أن يبيحه حيث تقوم القرينة عليه، ويتضح المعنى معه، في غير إبهام ولا غموض1.

_ 1 وفي الفصل ومواضعه يقول ابن مالك في آخر باب: "الإضافة" أبياته التالية. المختصرة الملتوية "وقدمناها من موضعها الذي في ص؟ لتساير الترتيب المعنوي الأنسب للمسائل المترابطة التي يتمم بعضها بعضًا، على أنا وضعنا هنا على يسار كل بيت رقمه الذي يدل على ترتيبه في الباب؛ كما رتبه الناظم". فصل مضاف، شبه فعل ما نصب ... مفعولًا، أو: ظرفًا: أجز. ولم يعب: 34 فصل يمينٍ. واضطرارًا وجدا ... بأجنبيٍّ، أو: بنعت، أو: ندا -35 التقدير: أجز فصل ما نصبه المضاف الذي يشبه الفعل، حالة كون المنصوب مفعولًا به، أو ظرفًا. "يريد: إذا كان ذلك المنصوب مفعولًا به، أو ظرفًا" فكلمة: "فصل" مفعول للفعل: "أجز". و"فصل" مضاف، وكلمة: "مضاف"، التي بعدها هي المضاف إليه. "شبه" نعت لكلمة: مضاف. و"فعل" مضاف إليه مجرور. "ما" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل للمصدر الذي هو كلمة: "فصل". و"نصب" جملة فعلية، لا محل لها، صلة الموصول. والمفعول ضمير محذوف، والتقدير: نصبه. و"مفعولا"، حال من الضمير المحذوف، و"أو" حرف عطف. "ظرفًا" معطوف على "مفعولًا". ثم يقول: واضطرارًا وجد الفصل بأجنبي. والمعنى: يجوز الفصل بين المضاف المشبه للفعل، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: من مواضع الفصل للضرورة: الفصل بين المتضايفين بالفعل الزائد "أي: الذي يمكن حذفه مع فاعله1 بغير أن يفسد المعنى" ومنه قول العربي يسأل عن أهله: بأي -تراهمُ- الأرضين حلوًا؟ ... أبالدبران، أم عسفوا الكفارا يريد: بأي الأرضين؟ فجملة: "تراهم"2 زائدة، فاصلة بين المتضايفين. ثم يسأل: أحلوا المكان الذي يسمى: الدبران -بفتح الباء- أم قصدوا المكان الآخر المسمى: الكفار؟ وأيضًا الفصل بالمفعول لأجله؛ كقول الشاعر: أشم كأنه رجل عبوس ... معاود -جرأةً- وقتِ الهوادي والأصل: معاود وقت الهوادي؛ جرأة. أي: يعاود الحرب وقت ظهور أعناق الخيل؛ لجرأته في الحرب3. وكذلك الفصل بلام الجر الزائدة بين المضاف المنادى والمضاف إليه4 كقول الشاعر: يا بؤس للحرب ضرارًا لأقوامِ

_ = والمضاف إليه بشيء نصبه ذلك المضاف، لكن بشرط أن يكون هذا الفاصل المنصوب مفعولًا به، أو ظرفا. وقد أوضحنا هذه القاعدة بالشرح والتمثيل، وبالتفصيل المناسب. ثم بين بعد ذلك أن الفصل بين المتضايفين جائز باليمين. أما في حالة الضرورة فقد وجد الفصل بالأجنبي "وهو الذي ليس معمولًا للمضاف" أو بالنعت، أو بالندا. هذا والنعت والنداء يدخلان في الفصل بالأجنبي؛ ولكنه خصهما بالذكر مبالغة في إيضاحهما. ثم إن تخصيص هذه المسائل بحالة الضرورة يدل على أن ما سرده قبلها يكون في السعة. 1 إن كان له فاعل؛ لأن بعض الأفعال الزائدة لا فاعل له، وإذا حذف الفعل مع فاعله كان المحذوف جملة. 2 ليس من اللازم ما يقولونه من أنها زائدة هنا. 3 أشار الصبان إلى أن صدر البيت ورد مكان العجز في بعض المراجع. 4 سبقت إشارة لهذا عند الكلام على لام الجر ج2 م90 ص367، وهناك تكملة هذا الشطر، وتفصيل الكلام على البيت، وعلى لام الجر.

الثامن: استفادة المضاف من المضاف إليه وجوب التصدير1، وانتقال هذا الوجوب من الثاني للأول. فإذا كان المضاف إليه لفظًا من الألفاظ التي يجب تصديرها في جملتها كألفاظ الاستفهام ... و ... فإنه يفقد التصدير حين يصير مضافًا إليه، وينتقل وجوب التصدير إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة الحتمية؛ ولهذا وجب تقديم المبتدأ في مثل: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صباح أي يومٍ السفر؟ والمفعول به في مثل: دعوة أيهم تجيب؟ والجار والمجرور في مثل: من بلاد الأنصار أقبلت؟ وهكذا ... وأصل الكلام: معك كتاب من؟ السفر صباح أي يوم؟ تجيب دعوة أيهم؟ أقبلت من بلاد أي الأنصار؟ ففي الأمثلة السابقة تقدم وجوبا كل من المبتدأ، والخبر، والمفعول به، والجار مع مجروره ... و ... مع أن كل واحد من هذه الألفاظ ليس من الألفاظ الواجبة التصدير لذاتها؛ ولكنه استفاد حق التصدير الواجب من المضاف إليه، وسلبه هذا الحق؛ إذ المضاف إليه هنا أداة استفهام، وأدوات الاستفهام واجبة التصدير بنفسها قبل أن تصير: "مضافًا إليه" فحين صارت مضافًا إليه فقدت هذا التصدير الواجب، وانتقل منها إلى المضاف. التاسع: وجوب تقديم المضاف، على المضاف إليه، وكذلك على معمولات المضاف إليه، إن وجدت. فلا يجوز أن يتقدم المضاف إليه، ولا شيء من معمولاته "سواء أكانت هذه المعمولات مفردة، أم جملة، أم شبه جملة"، إلا حالة واحدة يجوز فيها تقديم المعمول؛ هي: أن يكون المضاف كلمة: "غير" التي يقصد بها النفي2؛ ففي نحو: "أنا مرشد الغرباء ... " لا يصح: "أنا الغرباء مرشد ... " وفي نحو: "أنا مثل كاتب سطورًا"، لا يصح أن يقال: "أنا - سطورا - مثل كاتب" أما في نحو: "أنا غير منكر فضلا-" فيجوز: "أنا - فضلًا - غير منكر"؛ لأنه يجوز: "أنا فضلًا لا أنكر". ومنه قول الشاعر:

_ 1 بشرط أن يكون المضاف إليه واجب الصدارة. 2 علامتها: أن يصح إحلال حرف نفي وفعل مضارع محل كلمة: "غير" والمضاف إليها، مع استقامة المعنى.

المسألة 98: أبنية المصادر

المسألة 98: أبنية المصادر مدخل ... المسألة98: أبنية المصادر 1 المصادر الصريحة ثلاثة أنواع قياسية: أولها: "المصدر الأصلي"، وهو ما يدل على معنى مجرد، وليس مبدوءًا "بميم" زائدة، ولا مختومًا بياء مشددة زائدة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ومن

_ 1 إذا أطلق المصدر كان المراد النوع الأول من الثلاثة الآتية، وهو: "الصريح الأصلي" دون المؤول، ودون النوعين الآخرين -كما سيجيء في ص185، 188، 207. وهنا موضع الكلام على المصادر الثلاثة الصريحة، وكل واحد منها يصح أن يتعلق به شبه الجملة. مع ملاحظة ما سبق في باب: "المفعول المطلق" "ج2 م74 ص166" من أمور هامة تختص بالمصدر من ناحية تقسيمه إلى: مؤكد لعامله، ومبين للنوع، ومبين للعدد ... ، ومن ناحية ذكر عامله أو حذفه ... إلخ..... أما المصدر المؤول فقد سبق تفصيل الكلام عليه "في ج1 م29 ص295 آخر باب: الموصول" حيث سردنا الحروف المصدرية، ومهمة كل منها؛ وصلته، وطريقة السبك، وما يمتاز به المصدر المؤول دون الصريح، وسائر أحكامه المختلفة. وقد وضع ابن مالك في "ألفيته" هذا الباب بعد بابي "إعمال المصدر" و"إعمال اسم الفاعل، واسم المفعول" ولعل حجته ما ردده بعض النحاة من أن الإعمال أمر نحوي وثيق الصلة بالأبواب التي سبقت، وأن الأبنية والصيغ أمر صرفي يجيء في المنزلة التالية لمسائل النحو وأبوابه. وهذه حجة واهية -فيما نرى- إذ الترتيب المنطقي يقتضي تقديم الأبنية والصيغ ليكون إعمالها وأحكامها وكل ما يختص بها منصبًا على شيء معلوم مفهوم. ولا يعقل سرد الأحكام الخاصة بشيء دون أن يكون معلومًا من قبل. لهذا لم نأخذ بترتيب ابن مالك هنا، وقدمنا باب أبنية المصادر. كلمة عن الجمود والاشتقاق، ومكان المصدر منها: الاسم قسمان: أ- جامد؛ وهو: ما لم يؤخذ من غيره. "أي: أنه وضع على صورته الحالية ابتداء. فليس له أصل يرجع إليه، وينتسب له". مثل: شجرة، قلم، أسد، حجر ... ومثل: فهم، نبوغ، ذكاء، سماحة ... والجامد قسمان: "اسم ذات"؛ وهو: ما يدل على شيء مجسم محسوس، كالأمثلة الأربعة الأولى، وما شابهها من أسماء الأجناس الحسية "وهي التي لها كيان مجسم محسوس يدخلها في دائرة الحس"، و"اسم معنى"؛ وهو: ما يدل على شيء عقلي محض "أي: شيء معنوي يدرك بالعقل، ولا يقع في دائرة المحسوس" كالأمثلة الأربعة الأخيرة وأشباهها مما ليس مجسمًا ولا مشخصا؛ كسائر الأجناس المعنوية.

أمثلته: علم، فهم، تقدم، استضاءة، إبانة. ومثل: بلاء، نضال

_ = ب- مشتق: هو ما أُخذ من غيره؛ بأن يكون له أصل ينسب له، ويتفرع منه، ويتردد ذكر المشتق أحيانًا باسم: "الوصف أو الصفة"، وهذان غير الوصف أو الصفة المراد منهما النعت الآتي في ص434، ولا بد في المشتق أن يقارب أصله في المعنى، وأن يشاركه في الحروف الأصلية. وأن يدل -مع المعنى- على ذات أو على شيء آخر يتصل به ذلك المعنى بوجه من الوجوه، كأن تكون الذات هي التي فعلته "كما في اسم الفاعل" أو هي التي وقع عليها؛ "كاسم المفعول" أو غير ذلك من زمان، أو مكان، أو آلة ... مما سيجيء تفصيله في أبواب المشتقات ... والمشتقات الأصلية التي تدل على معنى وذات أو شيء آخر، سبعة؛ هي: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعال التفضيل، اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة. أما المصدر الميمي فالصحيح أنه ليس من المشتقات -كما سيجيء في ص186، وفي الباب الخاص به ص231، وأما المصدر الصناعي فجامد مؤول بالمشتق -كما سيأتي في ص187- ويتوسع كثيرًا في المراد من المشتق حتى يشمل ثلاثة أشياء أخرى تدل على معنى وزمن مجردين من الذات وغيرها، وهي: الفعل الماضي، والمضارع، والأمر، والقرائن هي التي تحدد المراد من نوع المشتق، أهو مما يدل على المعنى والذات معًا؟ أم على المعنى والزمان معًا؟ أم المعنى وشيء آخر؟ وإذا استعمل علمًا فإنه يصير بمنزلة الجامد، فيفقد خواص المشتق وأحكامه: وتطبق عليه أحكام الجامد التي منها: أنه إذا أضيف كانت إضافته محضة، بالتفصيل والشروط السابقة في ص4 "راجع هامش ص89 ج1 م10". وهناك بعض أسماء جامدة قد تلحق -أحيانًا- بالمشتق الدال على الذات والمعنى؛ وتسمى: "الأسماء الجامدة الملحقة بالمشتق"، أو: "الأسماء المشتقة تأويلًا"، ومنها: اسم الإشارة، ومنها: الاسم الجامد المنسوب، والاسم الجامد المصغر، وأكثر ألفاظ "الموصول"؛ كالموصولات المبدوءة بهمزة وصل. وسيجيء البيان في باب النعت -ص458- فكل هذه الأسماء جامدة، ملحقة بالمشتق. ويلاحظ أن هذه الأسماء "الملحقة بالمشتق"، أو "المشتقة تأويلًا" إنما تكون كذلك في بعض الحالات دون بعض؛ فليست ملحقة بالمشتق في جميع حالاتها: وإنما تلحق به حيث تكون في موضع لا يصلح فيه إلا المشتق، كالنعت مثلًا؛ إذ الأصل في النعت أن يكون مشتقًا، ولا مانع أن يكون لفظًا ملحقًا بالمشتق كالألفاظ السابقة. "وفي مجلة المجتمع اللغوي ج1 ص381 بحث مستقل في الاشتقاق. وفي الجزء الثاني منها بحث آخر، في ص195، 245". أصل المشتقات: أ- المصدر الصريح -في الرأي الشائع المختار- هو أصل المشتقات العشرة، ومنه تتفرع. ولا يعنينا اليوم سرد كل الأدلة التي قام عليها اختياره وتفضيله، وحسبنا أقواها. وهو قولهم: إنه "بسيط"؛ لدلالته على المعنى المجرد، و"البسيط" أصل المركب. بخلاف "الفعل الماضي" الذي يعده آخر -كالكوفيين- الأصل؛ بحجة أنه يدل على المعنى المجرد وعلى الزمن؛ فهو يدل على ما يدل عليه المصدر =

فضل، صلاح ... في قول شوقي يخاطب رجال الصحف الوطنية:

_ = وزيادة، وبتغيير يسير يدخل على بنيته يجيء المضارع أو الأمر ... ؛ فالمصدر لهذا أحق عندهم بأن يكون الأصل ... ، ولا يعنينا هذا ولا غيره بعد اشتهار الرأي الأول وشيوعه من غير ضرر لغوي في الأخذ به. فالخلاف لا قيمة له؛ -كما سيجيء البيان في هامش ص210- ولا سيما أن المشتقات الواردة عن العرب -وهي كثيرة- لا دليل معها، على الأصل الذي تفرعت منه. ب- وإذا كان المصدر الصريح هو أصل المشتقات العشرة، فهل الاشتقاق من غير ممنوع؟ بعبارة أخرى: هذا المصدر يدل على المعنى المجرد؛ فلا دلالة له على ذات، أو زمان، أو مكان، أو تذكير، أو تأنيث أو عدد ... " -وهذا هو الغالب: لأنه قد يدل على المرة أو الهيئة، كما سيجيء في ص225 أما المصدر المؤول فيدل على زمن، وغيره "كما سبق في ج1 ص302 م29 ... و ... " فهل يترتب على هذا أن يكون الاشتقاق مأخوذًا من أسماء المعاني المصدرية وحدها دون الاشتقاق من أسماء "الذوات" التي يسمونها أسماء: "الأعيان"، "يريدون: الأشياء المجسمة المحسوسة" ودون الاشتقاق من أسماء المعاني التي ليست بمصادر، كالاشتقاق من أسماء الأعداد وغيرها مما سيأتي؟ "مع ملاحظة أن بعض القدماء كان يطلق كلمة: "الأخذ" على الاشتقاق من غير المصادر الصريحة -كما في كتاب "أصول اللغة الذي أصدره المجمع في القاهرة سنة 1969 ص22". الجواب عن هذا: أن الاشتقاق من أسماء الأجناس الخاصة بالمعاني المصدرية جائز لا يكاد يمنعه مانع. أما الاشتقاق من أسماء الأجناس الحسية، فنوعان: أ- نوع جرى الترجيح قديمًا وحديثًا على قبوله، وهو اشتقاق صيغة "مفعلة" -بفتح الميم والعين- من الجامد الثلاثي الحسي للدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء الحسي المجسم؛ "كمعنبة"؛ لمكان يكثر فيه العنب، و"مخشبة" لمكان يكثر فيه الخشب ... "وهكذا مما سيجيء تفصيله وإيضاح حكمه في مكانه المناسب من بابي: "اسم الزمان والمكان" ص318 و"ح" ص326" ولا بد في هذا النوع من أن تكون الصيغة مقصورة على "مفعلة" دون غيرها. وأن تكون من ثلاثي حسي جامد؛ لتحقيق الدلالة على المكان والشيء الحسي الذي يكثر به، كما سنبينه في الموضع المشار إليه. ب- ونوع يخالف ما سبق. واتجه رأي الأغلبية من القدماء إلى منعه، والتشدد في حظر القياس عليه. وقد عرض المجمع اللغوي القاهري لهذا النوع، وأطال البحث فيه، وعقد بشأنه فصلًا طويلًا تربى صفحاته على ست وثلاثين "في الجزء الأول من مجلته، في ص232 وما بعدها" بعنوان: "الاشتقاق من أسماء الأعيان"، وقد وفى البحث حقه، وأولاه من العناية ما هو به جدير، وعرض مئات من الكلمات المسموعة عن العرب الفصحاء، مشتقة من أسماء الأجناس الجامدة العينية، غير الثلاثية واستخلص منها قرارًا نصُّه الحرفي -كما جاء في المرجع السابق: "اشتق العرب كثيرًا من أسماء الأعيان، والمجمع يجيز هذا الاشتقاق للضرورة في لغة العلوم" ا. هـ. ومن هذا النص يتبين أنه غير مقصور على صيغة معينة، ولا نوع خاص من المشتقات العينية بالرغم من مخالفته لنص آخر سنذكره بعد، وبالرغم من أنه مقصور على لغة العلوم. وقد سجل المجمع في بحثه عدم حاجة الفن والأدب إلى استخدامه؛ لكثرة الوسائل اللغوية الأخرى التي تغني عنه. وكان =

حمدنا بلاءكمو في النضال ... وأمس حمدنا بلاء السلف ومن نسي الفضل للسابقين ... فما عرف الفضل فيما عرف أليس إليهم صلاح البناء ... إذا ما الأساس سما بالغرف؟

_ = الأولى أن يجعله عامًّا بعد أن عرض مئات من الكلمات المنقولة عن العرب، والتي استند إليها في قراره. وكثر منها ليس مقصورًا على ما يستخدم في لغة العلوم وحدها؛ فالاستناد إلى تلك الكثرة الوافرة يجعل القياس عليها صحيحًا قويًّا، ويقتضي أن يكون ذلك القياس عامًّا شاملًا لغة العلم وغيره. هذا إلى أن قصره على لغة العلم وحده وفصلها من لغة الأدب عسير أشد العسر في معاهد التعليم، وفي الخطابة، وفي غيرها من كل ما يقوم على اللغة الصحيحة، وتتشابك فيه لغة العلم ولغة الأدب. وها نحن أولاء نرى الاشتقاق من أسماء الأعيان قد شاع بين طوائف المثقفين في الشئون المختلفة، غير مقصور على نوع معين، واشتهر حتى صار بمنزلة: "الاصطلاح" ومن الخير قبوله ما دام لا يؤدي إلى خفاء أو لبس. وقد أصلح المجمع قراره السابق، وجعله مطلقًا غير مقيد بشيء مما سبق؛ فقد جاء في ص69 من كتابه المجمعي الصادر في سنة 1969 مشتملًا على القرارات المجمعية الصادرة من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين ما نصه تحت عنوان: "الاشتقاق من أسماء الأعيان دون قيد الضرورة" بناء على رأي لجنة الأصول، وهو: "قرر المجمع من قبل إجازة الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم، كما أقر قواعد الاشتقاق من الجامد. واللجنة تأسيسًا على أن ما اشتقه العرب من أسماء الأعيان كثير كثرة ظاهرة، وأن ما ورد من أمثلته في البحث الذي احتج به المجمع لإجازة الاشتقاق، يربى على المائتين -ترى التوسع في هذه الإجازة بجعل الاشتقاق من أسماء الأعيان جائزًا من غير تقييد بالضرورة" ا. هـ. وقد وافق المجمع ومؤتمره على رأي اللجنة، وصدر قرارهما في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968. أما قواعد الاشتقاق المشار إليها في القرار السالف فقد ورد بيانها في الكتاب المجمعي الذي تقدم ذكره؛ ففي ص62 منه النص الآتي تحت عنوان: "قواعد الاشتقاق من الجامد العربي والمعرب" ومعها البحوث الخاصة بها. أولا: في الاسم الجامد العربي: 1 إذا أريد اشتقاق فعل ثلاثي لازم من الاسم العربي الجامد الثلاثي مجرده ومزيده، فالباب فيه "نصر" ويعدى إذا أريدت تعديته بإحدى وسائل التعدية، كالهمزة والتضعيف ... ؛ مثل: قطنت الأرض تقطن، كثر قطنها. وقطنها زرعتها قطنًا". 2 أما إذا أريد اشتقاق فعل ثلاثي متعدٍّ فالباب فيه "ضرب" مثل: قطنت الأرض أقطنها زرعتها قطنًا. 3 وفي كلتا الحالتين يستأنس بما ورد في المعجمات من مشتقات للأسماء العربية الجامدة؛ لتحديد صيغة الفعل؛ تبعًا لما ورد من هذه المشتقات. 4 ويشتق الفعل من الاسم العربي الجامد غير الثلاثي على وزن "فعلل" متعديًا، وعلى وزن "تفعلل" لازمًا. وإذا كان الاسم رباعي الوصول، أو رباعيًّا مزيدًا فيه، مثل: درهم وكبريت، اشتق منه على وزن "فعلل" بعد حذف الزائد من المزيد؛ فيقال درهم الزهر وكبرت، أي: صار كالدرهم والكبريت =

ومئات أخرى. وهذا النوع -وحده- هو المقصود من كلمة: "مصدر" حين تذكر مطلقة بغير قيد يبين نوعًا معينًا. أما غيره فلا بد أن يذكر معه ما يبين نوعه.

_ = وإذا كان خماسيًّا؛ مثل سفرجل، اشتق منه على وزن "فعلل" بعد حذف خامسة، فيقال سفرج النبت، بمعنى: صار كالسفرجل. 5 وتؤخذ المشتقات الأخرى من هذه الأفعال على حسب القياس المصرفي. ثانيًا: في الاسم الجامد المعرب: 6 ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب الثلاثي على وزن "فعل" بالتشديد متعديًا، ولازمه "تفعل". 7 ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب غير الثلاثي على وزن "فعلل" ولازمه "تفعلل" ... "ا. هـ المنقول من كتاب المجمع. هذا، ولعل قرار المجمع يشمل -فيما يشمل- الاشتقاق من أسماء المعاني التي ليست مصادر؛ كالاشتقاق من أسماء العدد؛ فإن هذه أسماء معادن جامدة وليست بحسية، ولا بمصادر، وكالاشتقاق من أسماء الأزمنة وأسماء الصوت، وهما من أسماء المعاني الجامدة أيضًا. وفي مجلة المجمع "ج1 ص381" بحث مفيد في هذا، وفي الاشتقاق وأنواعه عامة. وقد سبقت الإشارة إليه وإلى أن بعض القدماء كان يسمى الاشتقاق من غير المصادر الصريحة: "الأخذ". بناء على ما سبق من جواز الاشتقاق من أسماء الأعيان يقال "كما جاء في مجلة المجمع اللغوي القاهري، ص8 من العدد الخاص بالبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثلاثين لسنة 1963-1964" "مغنطَ من المغناطيس، وقصدر من القصدير، كما قيل قديمًا ذهب من الذهب، وكبرت من الكبريت ... " ا. هـ. وجاء في العدد الخاص مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين -ص هـ- ما نصه في الاشتقاق السالف من الاسم الجامد: "أن يكون الثلاثي اللازم من باب: "نصر" والمتعدي من باب: "ضرب" وغير الثلاثي من باب: "فعلل" في المتعدي: "وتفعلل" في اللازم" ا. هـ. وقد سبقت الأمثلة. "ملاحظة": يتصل اتصالًا وثيقًا بما سبق ما قرره المجمع من صحة اشتقاق "فعل" من العضو للدلالة على إصابته. ونص القرار -"كما جاء في ص39 من كتابه الذي أخرجه سنة 1696 باسم: "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على مجموعة القرارات التي أصدرها المجمع من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين" بعنوان: "اشتقاق "فعل" من العضو للدلالة على إصابته" قال بعد العنوان: "كثيرًا ما اشتق العرب من اسم العضو "فعلًا" للدلالة على إصابته. وقد نص أبو عبيد على أن ذلك عام في كل ما يشكى منه في الجسد، وكذلك نص ابن مالك في التسهيل على أنه مطرد" ا. هـ. لهذا ترى لجنة الأصول بالمجمع قياسيته. ووافقها المجلس والمؤتمر على رأيها، وصدر قرارهما بالموافقة في جلسة المؤتمر الثامنة من دورة 29 سنة 1963 هذا وفي الكتاب المجمعي السالف البحوث المفيدة التي اعتمد عليها المجمع ومؤتمره في إصدار القرار السالف، مدعومة بعشرات من الكلمات المسموعة التي تؤيده، ومن مثل: جلده. رأسه. بطنه ... ، أي: أصاب جلده. ورأسه. وبطنه ... و....

ويدخل في نوع المصدر الأصلي المصدر الدال على "المرة1 والهيئة" فوق دلالته على المعنى المجرد، ولكنه لا يذكر إلا مقيدًا بذكر المرة أو الهيئة2. ثانيهما: المصدر الميمي3، وهو: "ما يدل على معنى مجرد، وفي أوله "ميم" زائدة، وليس في آخره ياء مشددة زائدة بعدها تاء تأنيث مربوطة4"، ومن أمثلته: مطلب، مضيعة، مجلبة، مَعدل ... "بمعنى: طلب، ضياع، جلب، عدول" في قول بعض الحكماء: "ينبغي للعاقل إذا عجز عن إدراك مطلبه ألا يسرف في الهم؛ فإن الإسراف فيه مضيعة للحزم؛ مجلبة لليأس، معدل عن السداد. وإذا ضاع الحزم، وأقبل اليأس، واختفى السداد -فرّت فرص النجاح، وساءت الحياة". وهو قياسي، ويلازم الإفراد، والراجح أنه لا يعد من المشتقات5. وسيجيء تفصيل الكلام على طريقة صياغته، وفائدته، وبقية أحكامه الأخرى6: ثالثها: المصدر الصناعي؛ -وهو قياسي- ويطلق على: كل لفظ "جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم" زيد في آخره حرفان، هما: ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ليصير بعد زيادة الحرفين اسمًا دالًا على معنى مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. وهذا المعنى المجرد الجديد هو مجموعة الصفات الخاصة بذلك اللفظ، مثل كلمة: إنسان؛ فإنها اسم، معناه الأصلي: "الحيوان الناطق"

_ 1 سيجيء الكلام عليه في ص225. 2 في ص207 تعريف مفيد آخر المصدر. 3 له بحث مستقل في ص231. 4 يسميها بعضهم: "تاء التأنيث"، ويسميها غيرهم: "تاء النقل" من حالة إلى أخرى؛ كالنقل من المذكر للمؤنث، أو من الوصفية "الاشتقاق" إلى الاسمية المحضة ... "كما في مجلة المجمع اللغوي،ج1 ص14، وانظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتية" والأمران سيان. ولكن التسمية الأولى أشهر وأوضح. وهي بكل أسمائها علامة قاطعة على التأنيث اللفظي "وقد فصلنا هذا في ج4 م169 ص542 باب: التأنيث، وفي هامشي ص546، 547". 5 كما سبق في "ب" هامش ص182، وكما سيجيء في ص234، 235 لكن يصح أن يتعلق به شبه الجملة؛ كالشأن في المصادر الأصلية الصريحة. 6 في ص231.

فإذا زيد في آخره الياء المشددة، وبعدها تاء التأنيث المربوطة1، صارت الكلمة: "إنسانية" وتغيرت دلالتها تغيرًا كبيرًا؛ إذ يراد منها في وضعها الجديد معنى مجرد، يشمل مجموعة الصفات المختلفة التي يختص بها الإنسان، كالشفقة، والحلم، والرحمة، والمعاونة، والعمل النافع ... و ... ولا يراد الاقتصار على معناها الأول وحده، ومثلها: الاشتراك والاشتراكية، الأسد والأسدية، الوطن والوطنية، التقدم والتقدمية، الحزب والحزبية، الوحش والوحشية، الرجع والرجعية و.... وهكذا. وليس لهذا النوع من المصدر القياسي صيغ أخرى، ولا دلالة غير التي شرحناها. ولا أحكام نحوية تخالف الأحكام العامة التي لكل اسم من سائر الأسماء، إلا أنه اسم جامد، مؤول بالمشتق، يصح أن يتعلق به شبه الجملة -كما سبق22- ويصح أن يكون نعتًا وحالًا ... و ... 3 بخلاف النوعين السابقين، فهما اسمان جامدان، ولكل منهما أحكام خاصة به، وأوزان وطرق لصياغته4 على حسب البيان التالي:

_ 1 وتسمى "تاء النقل"؛ لأن الاسم قبل مجيئها كان مختومًا بياء النسب التي تجعله في حكم المشتق. فلما جاءت هذه التاء نقلته إلى الاسمية المحضة، وخلصته للدلالة على الحدث، أي: على المعنى المجرد. 2 في "ب" من هامش ص182. 3 عرضت المراجع القديمة لهذا المصدر الصناعي القياسي بما لا يخرج عما قدمناه. وكذلك عرض له مجمع اللغة القاهري عرضًا موجزًا في دور انعقاده الأول، وفيما يلي النص الحرفي -كما ورد في محضر الجلسة الثانية والثلاثين من محاضر جلسات دور الانعقاد الأول ص426- على لسان أحد الأعضاء قال: "حاجتنا إلى المصدر الصناعي ماسة في علم الكيمياء وغيره من العلوم. وقد قال العلماء إنه من المولَّد المقيس على كلام العرب. وتخريجه سهل؛ لأن هذا المصدر مكون من اللفظ المزيد عليه ياء النسب، وتاء النقل، على رأي أبي البقاء في: "الكليات". ا. هـ. وتقدم المراد من تاء النقل في رقم 4 من هامش الصفحة السالفة. ثم جاء في المحضر بعد ذلك ما نصه: "أن عضوًا قرأ نصوصًا من شرح القاموس في مادة: "كيف" ونصوصًا أخرى من "كليات أبي البقاء"، وأن مناقشة الأعضاء في هذه النصوص انتهت إلى القرار الآتي وهو: "إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد ياء النسب والتاء" ا. هـ. وقد وافق عليه المجلس نهائيًّا طبقًا لهذا، ولما في ص21 من كتاب المجمع المشتمل على القرارات السليمة من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين. 4 والأصل في المصدر الصريح بأنواعه الثلاثة السالفة الخالية من الدلالة على المرة أو الهيئة أن يدل على المعنى المجرد.... "وهو -كما في ص181 وب من ص183- المعنى العقلي المحض الذي لا وجود له في غير الذهن"، فلا يدل -بصيغته- على ذات، ولا على زمن، ولا إفراد ولا تثنية، ولا جمع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا تأنيث، ولا تذكير، ولا علمية، ولا شيء أكثر من ذلك المعنى المجرد. والمعاني المجردة كثيرة، لا تكاد تحصر، والحاجة إلى استعمالها شديدة. ومن العسير على غير العرب الأوائل معرفة المصدر الصحيح للفعل، والاهتداء إليه بين غيره من المصادر الأخرى الكثيرة المتنوعة. بل أن العرب الأوائل -وهذا أمر يجب التنبة له- نطقوا المصادر بفطرتهم ارتجالًا، دون أن يعرفوا أسماءها الاصطلاحية، وأحكامها المختلفة، وغير هذا مما وضع عند تدوين العلوم العربية، ولا سيما النحو. فلوضع ضوابط للكشف عن هذا المصدر، والاهتداء إليه في يسر وسهولة وتوفيق، عكف اللغويون والنحويون -منذ عصور بعيدة- على فصيح الكلام العربي المأثور، وعرضوا للمصادر الواردة بأكثره خلال ما عرضوا له من المسائل، ودرسوها دراسة وافية من نواحيها المختلفة، وبذلوا فيها الجهد -كعادتهم- مصممين أن يصلوا من وراء هذه الدراسة الصادقة المضنية إلى تجميع أكثر المصادر الواردة، واستخلاص ظواهرها وخواصها، ثم تصنيفها أصنافًا متماثلة، لكل صنف أوصافه وخصائصه التي ينفرد بها، وتشترك فيها أفراده واحدًا واحدًا، دون غيرها، بحيث يصح أن ينطبق على كل صنف عنوان خاصٍّ به، تندرج تحته أفراده، ولا يشاركها فيه أفراد صنف آخر، له عنوانه الخاص، وله أوصافه وخصائصه التي تغاير ذاك. كما هو الشأن في كل القواعد والضوابط العلمية. وقد نجحوا فيما أرادوا. فجمعوا المصادر المأثورة جمعًا حميدًا -قدر استطاعتهم- ثم صنفوها، ونوعوها، وجعلوا لكل صنف ونوع قواعد وضوابط مركزة؛ تضم تحتها أفراده الكثيرة، المبعثرة، وتنطبق عليها وعلى نظائرها مما نطق به العرب، وما ستنطق به -قياسًا على ما نطقت به العرب- أجيال قادمة لإعداد لها من خلفائهم؛ فهذا صنف لمصدر الثلاثي المتعدي، وهذا صنف آخر لمصدر الثلاثي اللازم. وكلاهما قد يكون دالًا على حركة، أو صوت، أو غيرهما ... -وصنف ثالث لمصدر الرباعي أو الخماسي ... و.... والعارف بتلك الضوابط والقواعد يستطيع أن يهتدي إلى صيغة "المصدر الأصلي" الذي يريده في سرعة وتوفيق. وتخلص من هذا أمرين هامين: أولهما: أن تلك الضوابط والقواعد التي وضعوها، وحصروا بها أنواع المصادر، وأوزانها، ونسقوا صنوفها، ونظموا استعمالها -مستنبطة من أكثر الكلام العربي فصاحة، وصحة، وشيوعًا؛ فتطبيقها مباح لكل عارف بها، محسن لاستخدامها، من غير أن يلزمه أحد الرجوع إلى أصولها الأولى التي استنبطت منها، "وهي؛ المصادر الواردة في الكلام العربي الأصيل"؛ فإن هذا الرجوع عبث واضح، وجهد ضائع بعد أن استنفد الأئمة والعلماء جهدهم في استنباط قواعدهم وضوابطهم من ذلك الكلام الفصيح، وانتزعوا أحكامهم من أصيله للغالب، في دقة وحيطة، وبالغ أمانة. فالعمل بما استنبطوه إنما هو تطبيق صحيح على ذلك الكثير المسموع، أو مجاراة سليمة للشائع الوارد عن العرب، ومحاكاة سائغة لا مكان معها لإيجاب الرجوع إلى "الأصل" الأول، وتحتيم المعاودة إليه قبل استعمال الضوابط والقواعد؛ ففي هذا الرجوع إضاعة الجهد والوقت، فلن تأتي المعاودة بجديد. وقد يكون في هذا الإيجاب والتحتيم -فوق ما فيه من إضاعة الجهد، والوقت، والمال -تعجيز لغير المتفرغين المشتغلين "باللغويات" عامة، و"النحويات" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خاصة، فليس بد من الأخذ الحر بما استنبطه ثقات العلماء الحاذقين، والاستناد إلى ما قالوه؛ فإذا قرروا، -مثلًا- أن مصدر الفعل الماضي الرباعي الذي على وزان: "فعَّل" هو: "التفعيل" وجب الإيمان بما قرروا؛ فنقول في مصادر: قوَّم، علَّّم، كسَّر، كرَّم ... وأمثالها: تقويم، تعليم، تكسير، تكريم ... و ... وهكذا من غير بحث عنه في كلام عربي قديم. أو في مرجع لغوي، أو غيره ... فلا داعي لهذا البحث مع وجود القاعدة وانطباقها. وإذا قالوا: إن مصدر الفعل الثلاثي المتعدي هو: "فعل" وجب الاطمئنان لقولهم، والأخذ به، وتطبيقه -في غير تردد- على كل فعل ثلاثي متعدٍّ، نريد الوصول إلى مصدره، نحو: سمع سمعًا، فهم فهمًا، كتب كتابًا، ونظائر هذا من مئات، بغير رجوع إلى مرجع لغوي أو غير لغوي، ولو كان الرجوع إليه لا يكلفنا جهدًا، أو وقتًا، أو مالًا. وبهذه الطريقة المثلى نجنب أنفسنا الشطط، ونوقيها مساءة العافية التي تترتب على إهمال رأي الثقات البارعين من العلماء المتخصصين المتفرغين إهمالا يستحيل معه أن تستقيم أمور اللغة، أو يستقر لها وضع صالح، وحياة قوية ناهضة. فالواجب أن نعتمد على القاعدة في الوصول إلى المصدر القياسي للفعل، ولا نبالي بعد ذلك أله مصدر سماعي آخر أم لا؟ وما سبق مستمدٌّ من أقوال أئمة كبار يقررون: "أن استعمال المصدر القياسي جائز وإن سمع غيره"، وفي مقدمتهم: "الفراء" الذي وصفه الإمام اللغوي النحوي "ثعلب" -كما جاء في مقدمة كتاب معاني القرآن، للفراء -أحد أئمة الكوفة- بقوله: "لولا الفراء لما كانت عربية: لأنه خلصها وضبطها. ولولا الفراء ما كانت عربية؛ لأنها كانت تتنازع، ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس فيها على قدر عقولهم وقرائحهم فتذهب ... " والذي وصفه عالم آخر "كما جاء في معجم الأدباء -ج20 ص110" بقوله: "لو لم يكن لأهل بغداد من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان بهما الافتخار على جميع الناس". ا. هـ. وقيل عنه أيضًا -كما جاء في تهذيب ج11 ص212 -"والفراء أمير المؤمنين في النحو". ا. هـ، وفي تاريخ بغداد: "كان يقال: النحو الفراء، والفراء أمير المؤمنين في النحو". وقد وصفه يحق أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري. بأنه "إمام الكوفيين، ووارث علم الكسائي، ولا يترتب علينا إذا أخذنا بمذهبه" -راجع ص108 من محاضر جلسات الدور الرابع. ومنهم العبقري: "ابن جني". في كتابه الخصائص "ج1 ص362، 367، 439" ومن أوضح النصوص في هذه الصفحات ما جاء في ص367 من الباب الذي عنوانه: "باب في اللغة تؤخذ قياسًا" "وقد سجلته مجلة المجمع اللغوي في أحد أعدادها، وسجلته محاضر جلسته في دور الانعقاد الرابع ص45. وسجلناه في آخر الجزء الثاني من كتابنا. ثم هو صاحب المذهب الذي أخذه من المازني، ونصه -كما ورد في ص44 من تلك المحاضر، وفي ج1 ص367 من كتابه: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب". وهو القائل: "ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مثالهم، وأمَّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية". ومثل هذا ما جاء =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "المصباح المنير"، مادة: "خلف"، -ونصه: "عدم السماع لا يقتضي عدم الأطراد مع وجود القياس ... " ا. هـ. وأقوى من هذا كله ما دونه أبو البركات ابن الأنباري -المتوفى سنة 577 هـ- في كتابه: "لمع الأدلة" في أصول النحو" "الفصل الحادي عشر ص95" وفي مطلعه يقول ما نصه: "اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق؛ لأن النحو كله قياس؛ ولهذا قيل في حده: "النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب؛ ومن أنكر القياس فقد أنكر النحو. ولا نعلم أحدًا من العلماء أنكره؛ لثبوته بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة ... " ا. هـ. وقد رأى المجمع اللغوي الاعتماد على ما قاله ابن جني، وعلى أدلته في كثير من المسائل الأخرى -كما في "جـ1 ص226" من مجلته. ومن القائلين بقياسية المصدر: الزمخشري، ومكانته في العلوم العربية والشرعية معروفة "راجع كلامه ص13 من كتاب "القياس والسماع" لأحمد تيمور". لكل هذا لم يكن مقبولًا رأي "سيبويه"، ومن انضم إليه قديمًا وحديثًا، مخالفين رأي "الفراء" ومن وقف إلى جانبه؛ إذ يرى سيبويه أن الضوابط التي تحدد وتضبط مصادر الفعل الثلاثي لا يصح استخدامها قياسًا مطردًا قبل الرجوع إلى السماع، ويجب الاقتصار على المسموع وحده بعد البحث عنه والعثور عليه، وإنما تستخدم الضوابط والأقيس للوصول إلى المصدر حين لا يكون للفعل مصدر مسموع من العرب، فإذا ورد فعل لم يُعرف عن العرب كيف نطقوا بمصدره جاز استخدام القياس بتطبيق الضابط والقاعدة. أما مع ورود المصدر المسموع المعروف فلا يجوز؛ لأننا مقيدون "بالمصدر" الذي نطقت به العرب الخلص، وعرفناه عنهم، ولا داعي معه لخلق مصدر جديد لم ينطقوا به نصًّا. وهذا رأي غريب يعوق الانتفاع باللغة، ويسلمها إلى الجمود والتخلف. وأعجب من هذا، وأوغل في الغرابة أن يكون هناك رأي آخر يحرم استخدام الصيغ القياسية مطلقًا "أي مع وجود أخرى سماعية أو عدم وجودها، وسيجيء في ص291". والفراء وأنصار رأيه يخالفون. ولعل أظهر حججهم أن في رأي سيبويه إعناتًا من غير داعٍ؛ لأن القاعدة -أي قاعدة- إنما هي حكم عام مستنبط، كما شرحنا من الكثير الوارد عن فصحاء العرب، وضابط متنزع من الغالب الذي استعملوه، فكيف يراد منا أن نمتنع عن القياس على ذلك الكثير حين يوجد ما يخالفه ولو كان شاذًّا، وأن نقتصر على هذا المخالف وحده، دون استخدام القياس الذي يجري على نهج الكثير الفصيح المخالف له؟ كيف يتحتَّم علينا استعماله ولو كان شاذًّا، ويحرم علينا صوغ ألفاظنا وعباراتنا على النهج الغالب في كلام العرب الخلص مع علمنا أن الشاذ هو القليل النادر في كلامهم؟ ومع علمنا -كما تقدم- أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب؛ كما سجله ابن جني في المراجع السابقة، وكما يقرره جمهرة النحاة في مراجعهم، ومنه ما نقله الهمع -في باب الحال جـ1 ص247- عن أبي حيان ونصه: "إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة" -كما سيأتي هنا -وما نقله أيضًا -في باب التصريف جـ2 ص217- من مذاهب القياس، وفيها يقول ما نصه: "المذهب الثالث: التفصيل بين ما تكون العرب قد فعلت مثله في كلامها كثيرًا واطرد، فيجوز لنا إحداث نظيره، وإلا فلا ... " ا. هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فليس استخدامنا المصدر القياسي مع وجود السماعي إلا كاستخدامنا الألفاظ والكلمات التي تجري عليها الرفع، أو النصب، أو الجزم في أساليبنا الخاصة التي تنشئها إنشاء يختاره كل منا على حسب هواه، ونؤلفها تأليفًا مبتكرًا لم تنطق به العرب نصًّا، ولم تعلم عنه شيئًا، وإن كان لا يخرج في هيئة تكوينه، ومادة كلماته، وترتيبها، وضبط حروفها -على النسق الوارد عنهم، ولا يتعدى حدودهم العامة، فهي أساليبنا، ومن صنعنا، وهي في الوقت نفسه أساليب عربية صميمة، وتسمى بهذا الاسم؛ لجريانها على النظام العربي الأصيل في مفرادتها، وطرائق تركيبها، وضبط حروفها؛ فلا مسوغ عند هؤلاء لمنع استخدام المصدر القياسي مع وجود السماعي المعروف. وشيء آخر: هو أن قصر القياس في هذا الباب على الأفعال التي لم يرد لها مصادر مسموعة، يقتضينا أن نرجع لكل المظان المختلفة، ونطيل البحث؛ حتى نطمئن إلى عدم وجود مصدر سماعي للفعل؛ كي نستبيح استعمال المصدر القياسي. وفي هذا من الجهد المضني والوقت ما لا يقدر عليه خاصة الناس، بلْه عامتهم. ولو أخذنا به قبل استعمال كل مصدر لحملنا أنفسنا مالا تطيق، ودفعناها إلى اليأس، والانصراف عن لغتنا، وأنكرنا واقع الحياة الذي قضي باستقلال العلوم والفنون، وتفرغ طوائف العلماء للفروع المستقلة، والاعتماد على رأيهم الخاص فيما تفرغوا له، واستحالة أن يتخصصوا معه في "اللغويات". ثم ما هو المراد الدقيق من عدم معرفة المصدر الوارد للفعل؟ ما حدود هذا؟ وما ضبطه؟ وكيف يتحقق مع تفاوت الناس علمًا، وعملًا، واقتدارًا على استحضار المراجع وغيرها؟.. إن رأي الفراء وأنصاره رأي سديد؛ فيه رفق، وحكمة، ومسايرة واضحة لطبائع الأشياء. وليس فيه ما يسيء إلى اللغة، أو يسد المسالك أمام الراغبين فيها، المقبلين على اصطناعها وإعلاء شأنها. ولهذا يجب الأخذ به وحده، والاقتصار عليه؛ حفاظًا على حياة اللغة، وإبقائها -على الأيام- فتية متجددة الشباب والنفع. وقد يكون المصدر الذي نصنعه ولم ينطق بلفظه العرب نصًّا -غريبًا على الأسماع، ولكن هذه الغرابة والوحشة يزولان بالاستعمال. ثانيهما: أن الراجع إلى الكلام العربي الأصيل، أو المطولات اللغوية. قد يجد مصادر أخرى مسموعة لا تساير تلك الضوابط والقواعد برغم دقتها وإحكامها. وهذه المصادر الأخرى هي التي يسمونها: "مصادر سماعية"، أو "مصادر شاذة"، أو "مصادر قليلة الاستعمال"؛ أو ما شاكل هذا من الأسماء الدالة على قلتها وعدم صحة القياس عليها ... والحكم الصحيح على مثل هذه المصادر السماعية أنه يجوز استعمال كل واحد منها -بذاته- مصدرًا سماعيًّا مقصورًا على فعله الخاص؛ فلا يجوز استخدام وزنه في إيجاد صيغة كصيغته لفعل آخر غير فعله المعين، ويجوز -أيضًا- استعمال المصدر القياسي لفعله، فاستعمال المصدر السماعي لفعل معير لا يمنع استعمال المصدر القياسي لهذا الفعل؛ فمن شاء أن يصطنع المسموع أو القياسي فله ما شاء، ويجري هذا على كل فعل له مصدران مقيس ومسموع، فإن استعمال أحدهما مباح. وإلا كلفنا جمهرة الناس ما لا تطيق -كما تقدم؛ إذ نطالبها بمعرفة المسموع لكل قياسي، والاقتصار على هذا المسموع وحده. وفي هذا من التعجيز وتعطيل القياس أفدح الضرر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومما يؤيد استعمال القياس مع ورود السماع -وما أكثر ما يؤيده- ما جاء في "القاموس المحيط" -للفيروزآبادي- ج1 مادة: "سجد" من كلمات وردت في صيغة اسم الزمان أو المكان بالكسر، وكان قياسها الفتح، ومنها: مسجِد، مشرِق، مفرِق، مطلِع، مسقِط، مجزِر، مسكِن، منبِت، منسِك، مرفِق ... "ولهذا الحكم الخاص بالكلمات السالفة بيان وتحقيق مفيدان -في ص". وبعد أن سردها قال ما نصه: "ألزموها كسر العين، والفتح جائز، وإن لم نسمعه" ا. هـ.. وكذلك ما جاء في "تاج العروس شرح القاموس، مادة: "حج" حيث نقل عن السابقين أن المصدر السماعي الدال على المرة للفعل: "حَجَّ" هو: "حِجَّة" -على وزن: "فِعلَة" بكسر، فسكون، ففتح -بالرغم من أن هذه الصيغة خاصة بالمصدر الدال على "الهيئة" فقط في غير هذا. ولكنها استعملت مصدرًا لهذا الفعل يدل على "المرة" فقط، ولا يدل على الهيئة مطلقًا. ثم قال بعد ذلك ما نصه الحرفي خاصًا بصيغة "المرة": قال الكسائي: كلام العرب كله على فعلت فَعْلَة -بفتح، فسكون، ففتح -في المرة؛ إلا حججت حِجة، ورأيت رِئية". ا. هـ. ثم أردف صاحب التاج هذا بقوله مباشرة ما نصه: "فتبين أن "الفعلة" للمرة تقال بالوجهين؛ الكسر على الشذوذ، ولا نظير له في كلامهم، والفتح على القياس" ا. هـ، فهو يبيح القياس وتطبيق القاعدة مع وجود السماع المخالف لها، الوارد عن العرب. ومعنى هذا أن ورود السماع لا يلغي القياس، ولا يمنع استخدام القاعدة المخالفة. وكذلك جاء في القاموس مادة: "فسد" ما نصه: "لم يسمع انفسد" ا. هـ، فقال شارحه: "والقياس لا يأباه". هذا، وكما ينطبق حكم السماع والقياس على المصادر المختلفة ينطبق على غيرها مما له سماع وقياس ... كجموع التكسير، وسيجيء في بابها بالجزء الرابع، وكالمشقات، وسواها ... ولا معنى لقصر هذا الحكم على نوع دون نوع يماثله، أو مسألة أخرى تشابهها. قال الصبان "ج4" في باب "جمع التكسير" تعليقًا على بيت ابن مالك الذي صدره: "والزمه في نحو طويل ... " وعلى كلام ابن حيان، ... ما نصه: "إذا سمع في جمع التكسير غير قياسه امتنع النطق بقياسه، وهذا أحد قولين في المصدر الوارد على خلاف قياسه، وهو نظير ما نحن فيه". ا. هـ. ويقول صاحب كتاب "القياس في اللغة العربية للخضر، ص41 ما نصه: "أما الألفاظ التي لم ترد إلا على الوجه المخالف للقياس؛ نحو: "عبيد" -تصغير عيد- فيقتصر فيها على ما ورد عن العرب، إلا أن يبدو لك أن تتعلق بمذهب من يجيز إجراء الألفاظ على مقتضى القياس زيادة على الوجه الثابت من طريق السماع"" أهم وسيجيء -في ج4 أول باب: "جمع التكسير"- أن فريقًا من أئمة النحاة -في مقدمتهم الكسائي- زعيم المدرسة الكوفية -الذي أوضحنا منزلته في هامش ص189- يجيز استعمال السماع والقياس في الجموع، والمصادر، وغيرهما. فقد جاء في مقدمة: "القاموس المحيط"، في الأمر الخامس =

أ- أوزان المصدر الأصلي؛ "وهو المصدر الحقيقي الذي يراد عند الإطلاق؛ أي: عند عدم التقييد ببيان نوع معين من أنواعه1: المصدر الأصلي إما أن يكون لفعل ماضٍ ثلاثي، أو غير ثلاثي؛ علمًا بأن الفعل -ماضيًا وغير ماض- لا تتجاوز صيغته ستة أحرف. وأن الثلاثي لا بد أن يكون مفتوح الأول2. أما ثانية فقد يكون مفتوحًا، أو مضمومًا، أو مكسورًا، فأوزانه ثلاثة2 فقط؛ هي: فَعَلَ، فَعِلَ، فَعُلَ. والأساس الأول في معرفة مصادر الثلاثي، وإدراك صيغها المختلفة إنما هو الاطلاع على النصوص اللغوية الفصيحة، وكثرة قراءتها، حتى يستطيع القارئ بالدربة والمرانة أن يهتدي إلى المصدر السماعي الصحيح الذي يريد الاهتداء إليه. أما الأوزان والصيغ القياسية الآتية فضوابط أغلبية صحيحة تفيد كثيرًا في الوصول إلى المصدر القياسي؛ فيكتفي به من شاء، ولكن الاطلاع والقراءة أقوى إفادة، وأهدى سبيلًا. وفيما يلي أوزان المصادر القياسية للفعل الثلاثي المتعدي واللازم: 1- إن كان الماضي ثلاثيًّا متعديًا غير دالٍّ على صناعة؛ فمصدره

_ = من الأمور التي اختص بها "القاموس" ما نصه عند الكلام على ضبط المضارع: "السماع مقدم على القياس عند غير الكسائي. وأجاز الكسائي القياس مع السماع أيضًا -على ما قرر في الدواوين الصرفية" ا. هـ. ويجب التنبيه إلى ما أوضحناه؛ وهو أن استعمال المصدر "المسموع" مقصور على فعله، دون باقي الأفعال؛ فلا يجوز صوغ مصدر قياسي لفعل آخر على وزان هذا المصدر المسموع، بخلاف المصدر القياسي فإن صياغته غير مقصورة على فعل واحد، بل هي عامة شاملة لكل فعل توافرت فيه الشروط، وأدخلته تحت العنوان العام الذي ينطبق عليه وعلى نظائره المصدر القياسي، وهذا الحكم عامٌّ في كل مسموع مخالف للقياس، وليس مقصورًا على المصادر المسموعة. فيجب قصر المسموع على نفسه وحده دون استنباط حكم عام منه يمتد إلى غيره. "ملاحظة": من الألفاظ التي تتردد في النحو: المطرد، القياسي، القليل، النادر ... وبعض ألفاظ اصطلاحية أخرى؛ منها ما يفيد القياس، ومنها ما يمنعه. وتوضيح هذا كله مدون في الجزء الرابع، باب "جمع التكسير" ص585 م172. 1 إيضاح هذا في ص181 وما بعدها. "2، 2" من النادر أن يكون غير ذلك؛ ومنه ساكن الوسط في مثل: نعم، بئس ...

القياسي: "فَعْل"، نحو: أخذ أخْذًا، فتح فتْحًا، حمد حَمْدًا، سمع سمْعًا1. فإن دل على صناعة فمصدره الغالب: "فعالة"، نحو: صاغ الخبير المعادن صياغة دقيقة -حاك العامل الثوب حياكة متقنة، ثم خاطه الصانع خياطة جميلة2. ويلاحظ أن الثلاثي المعتدي لا يكون إلا مفتوح العين أو مكسورها. أما مضمومها فلا يكون إلا لازمًا، نحو: حسن، ظرف، شرف ... 2- وإن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مكسور العين، غير دالٍّ على لون، أو على معالجة3، أو على معنى ثابت، فمصدره القياسي: "فَعَل" نحو: تعِب تَعَبًا، جزِع جَزَعًا، وجِع وَجَعًا، أسِف أَسَفًا. فإن دل على لون، فالغالب في مصدره: "فُعْلَة"؛ نحو: سَمِر الفتى سُمرة، خضر الزرع خُضرة.

_ 1 سيجيء "في ج4 م184 ص607" أن الواو التي هي "فاء" الفعل الثلاثي، مفتوح العين في الماضي، مكسورها في المضارع؛ "مثل: وعد، يعد" يجب حذفها في المضارع والأمر، وكذا في المصدر، بشرط أن يصير هذا المصدر على وزن: "فِعْلَة" "بكسر، فسكون، ففتح" لغير الهيئة، ومختومًا بالتاء في آخره عوضًا عن هذه الواو المحذوفة؛ فيقال: وعد، يعد، عِدْ، عِدَة ... ولا تحذف الواو من المضارع إلا بشرط أن يكون حرف المضارعة "وهو الحرف الذي يبتدئ به المضارع" مفتوحًا، وأن تكون عين المضارع مكسورة. ومن الأمثلة قول الشاعر: متى وعدتك في ترك الهوى عِدَةً ... فاشهد على عِدَتي بالزور والكذبِ وقول الناصح: لا تعِدْ عِدَة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى -وإن كان سهلًا- إذا كان المنحدر وعرًا. ولهذه المسألة تفصيلات وأحكام موضحة هناك. 2 وفيما سبق يقول ابن مالك: "فَعْلٌ" قياس مصدر المعدَّى ... من ذي ثلاثة؛ كردَّ ردّا 3 وهي المحاولة الحسية، وبذل الجهد العملي الجسمي للوصول إلى غاية ما، واتخاذ الوسيلة للتغلب على صعوبتها.

وإن دل على معالجة فمصدره: "فُعُول"؛ نحو: قدم قدومًا، صعد صعودًا، لصق لصوقًا. وإن دل على معنى ثابت فقياسه: "فُعُولة"؛ نحو: يبس يبوسة1. 3- وإن كان الماضي الثلاثي لازمًا، مفتوح العين، صحيحها، غير دال على إباء وامتناع، ولا على اهتزاز وتنقل وحركة متقلبة، ولا على مرض، ولا سير، أو صوت، ولا على حرفة أو ولاية -فإنَّ مصدره القياسي: "فُعُول" نحو: قعد قعودًا، سجد سجودًا، ركع ركوعًا، خضع خضوعًا ... فإن كان معتل العين فالغالب في مصدره أن يكون على: "فَعْل"، مثل: نام نومًا، صام صومًا. أو على "فِعَال"، نحو: صام صِيَامًا، قام قيامًا ... و ... فإن دل على إباء وامتناع فمصدره: "فِعَال" نحو: أبى إِبَاء، نفر نِفَارًا، شرد شِرَادًا، جمح جِمَاحًا. وإن دل على تنقل وحركة متقلبة فيها اهتزاز فمصدره: "فَعَلان"؛ نحو: طاف طوفانًا، جال جولانًا2- غلى غليانًا. وإن دل على مرض فمصدره: "فُعَال"، نحو: سعل سُعَالًا، رعف3 الأنف رُعَافًا. وإن دل على نوع من السير فمصدره: "فَعِيل"، نحو: رحل رحيلًا، ذمل4 ذميلًا.

_ 1 وفي هذا النوع يقول بن مالك: و"فَعِل اللازم بابه: "فَعَلْ" ... كفَرَح، وكجَوًى، وكشَلَلْ تقول: فرِح المنتصر فرَحًا عظيمًا، وجوِي المحب جوًى، بمعنى اشتدت به حرقة لحب "وأصل جوًى: "جَوَيٌ"، على وزن: فَعَل ... تحركت الياء، وانفتح ما قبلها. فقلبت ألفا، فالتقى ساكنان؛ الألف والتنوين؛ فحذفت الألف لالتقاء الساكنين؛ فصارت: جوًى ... " وشلل المريض شللًا، أصابه مرض الشلل. وهو المرض الذي يمنع الأعضاء عن الحركة. 2 أما المصدر "تَجوال" -بفتح التاء- فيجيء الكلام عليه في رقم 1 من هامش ص200 وبيان أن فعله هو: "جال" أو "تجول". 3 سال منه الدم. 4 مشى مشيًا فيه رفق ولين.

وإن دل على نوع من الصوت فمصدره: "فَعِيل" و"فُعَال"؛ نحو: صرخ الطفل صريخًا وصراخًا، ونعب1 الغراب نعيبًا ونعابًا. وقد اشتهر "فعيل" مصدرًا لبعض الأفعال أكثر من "فعال"؛ مثل صهلت الخيل صهيلًا، أزت2 القدور أزيزًا. "ويؤخذ مما سبق أن وزن: "فعال" يكون مصدرًا لما يدل على مرض أو صوت، وأن وزن "فعيل" يكون مصدرًا لما دل على سير أو صوت أيضًا". وإن كان دالَّا على حرفة أو ولاية فمصدره: "فعالة": نحو: تجر تجارة، سفر سفارة، أمر إمارة، نقب نقابة3. 4- إن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مضموم العين4 فمصدره: إما: "فَعَالة"، وإما "فُعُولة". فيكون "فعالة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فعيل": نحو: ملُح فهو مليح، ظرُف فهو ظريف، شجُع فهو شجيع ... فالمصدر: ملاحة، ظرافة، شجاعة. ويكون: "فعولة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على: "فعْل"، نحو: سهُل فهو سهْل، عذُب فهو عذْب، صعُب فهو صعْب ... فالمصدر: سهولة، عذوبة5، صعوبة ... وهذا الضابط في الحالتين أغلبي منقوض بأمثلة أخرى، مثل: ضخُم فهو ضخْم، مع أن المصدر الشائع هو ضَخَامة. وملُح الطعام -أي: صار مِلحًا- ومصدره: المُلُوحة. مع أن الصفة المشبهة منه ليست على فعل ولا فعيل5. تلك هي الأوزان القياسية للفعل الثلاثي بنوعيه؛ المعتدي واللازم؛ وهي أوزان أغلبية. وقد يرد في الكلام المأثور ما يخالفها، فيجب قبوله على اعتباره مسموعًا يصح استعماله -بنصه- مصدرًا لفعله الخاص به، دون استخدام

_ 1 صاح. 2 ارتفع لها صوت من شدة الغليان. 3 بمعنى: رأس رياسة، أي: صار رئيسًا. 4 أشرنا في ص194 إلى أن الثلاثي، مضموم العين، لا بد أن يكون لازمًا. "5، 5" راجع الخضري في هذا الموضع.

صيغته ووزنها في أفعال أخرى، أو القياس عليها في فعْل غير فعله. وهذا الوزن السماعي لا يمنع استعمال الصيغة القياسية؛ كما أوضحنا أول الباب1. ومن أمثلة السماعي: سخط سُخْطًا، ذهب ذَهَابًا، شكر شُكْرًا، عظم عَظَمَة ... وغير هذا كثير؛ جعل النحاة يقررون ما سبق من أن أوزان المصادر القياسية للماضي الثلاثي، أوزان جارية على الأغلب، ولا تفيد الحصر؛ لوجود كثير سماعي غيرها2؛ حتى قيل إنها لا تكاد تنضبط3، واقتصر بعض النحاة على سرد تسٍع وتسعين صيغة تخالف كل واحدة منها القياس

_ 1 في ص191 عند الكلام على: "ثانيهما". 2 انظر "الملاحظة" التي في هامش ص193. 3 وفي مصادر الثلاثي اللازم مفتوح العين يقول ابن مالك: و"فَعَلَ" اللازم مثل: قعدا ... له "فُعُول" باطراد كَغَدَا ما لم يكن مستوجبًا "فِعالًا" ... أو: "فَعَلان" فادْرِ، أو "فُعالا" أي: أن مصدر "فعل" اللازم، مفتوح العين، هو: "فُعول" باطراد؛ كغدا غدوًّا؛ "بمعنى ذهب في وقت الغدوة، وهي أول النهار" وهذا يكون في الحالة التي لا ستوجب فيها الفعل مصدرًا آخر على وزن: "فعال" أو: "فعلان" أو "فعال" وقد بين في البيتين التاليين هذه الحالة بقوله: فأولٌ لذي امتناعٍ كأبى ... والثانِ للذي اقتضى تقلبا يريد: أن الوزن الأول وهو "فعال" يكون مصدرًا لكل فعل دل على امتناع، نحو: أبى إباء، وأن الوزن الثاني؛ "فعلان" يكون مصدرًا لكل فعل دل على حركة وتقلب واضطراب. مثل جال جولانًا، طاف طوفانًا. أما الوزن الثالث وهو: "فُعال" فقد بيَّن فعله بقوله: للدَّا "فُعَال"، أو: لصوت وشملْ ... صوتًا وسيرًا: "الفعيل"، كصهلْ "للدا: أي: للداء والمرض" ففعله يدل على داء ومرض؛ نحو: سعل سعالا، أو يدل على صوت، نحو: نعب، نعيبًا، وقد يستعمل "الفعيل" مصدرًا للفعل الدال على الصوت أو على السير، نحو صهل الحصان صهيلًا، رحل الغريب رحيلًا. ثم بين أن ما جاء مخالفًا لأنواع المصادر القياسي فأمره مقصور على النقل، أي على السماع. يقول: وما أتى مخالفًا لما مضَى ... فبابه النقل؛ كسُخْط، ورِضَا لأن فعلهما ثلاثي مكسور العين، فإن كان متعديًا فقياس مصدره: "فعل" كما عرفنا. فيقال فيهما سَخْط، ورَضْي، وإن كان لازمًا فقياس مصدره، فعل، كفرح، وغضب ... فجاء السماع فيهما مخالفًا للقياس في الحالتين. ثم أشار إلى مصدر الثلاثي مضموم العين "وهو لازم حتمًا، كما سبق، في ص194 وفي رقم 4 من هامش ص196". "فعولة" "فعالة" لفعُلا ... كسهل الأمر وزيد جزلًا يريد: أن لهذا الفعل اللازم، مضموم العين، مصدران، هما "فعولة"؛ مثل: سهل الأمر سهولة ... و"فعالة" نحو: جزل جزالة، بمعنى جاد وأعطى، أو بمعنى: عظم ...

الخاص بمصدر فعلها" ... 1 أما المصادر القياسية لغير الثلاثي فمضبوطة محصورة -غالبًا- وقل أن تخرج على الضوابط والحدود الموضوعة لها. كما سنرى. "ملاحظة": وردت ألفاظ سماعية، كل واحد منها يؤدي معنى المصدر ولكن بصيغة اسم المفعول من الثلاثي، فهي في حقيقة أمرها مصادر سماعية من جهة المعنى، جاءت ألفاظها على وزن: "مفعول"؛ منها: معقول، مجلود "في قولهم: فلان لا معقول له ولا مجلود له؛ أي: لا عقل له ولا جلد ... " مفتون2، ميسور3، معسور4. وكل ما سبق مقصور على السماع. ويرى سيبويه: أن تلك الألفاظ، ونظائرها ليست مصادر في المعنى، وأن كل واحد منها هو اسم مفعول في صيغته وفي معناه؛ فيجب عند تأويل الكلام الذي يحويه تأويلًا يساير اسم المفعول في المبنى والمعنى، دون التفات إلى المصدر5. مصادر الماضي غير الثلاثي: 1- إن كان رباعيًّا على وزن: "فعَّل"6 مضاعف العين، صحيح اللام "أي: صحيح الآخر" غير مهموزها، فمصدره القياسي: "تفعيل" مثل: قوَّم تقويمًا، وقصَّر تقصيرًا؛ في قولهم: من قوَّم نفسه بنفسه أدرك بالتقويم ما يبتغي، ومن قصَّر في إصلاح عيبه قعد به تقصيره عن بلوغ الغاية. وقد يكون على وزن: "فِعَّال" كقوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ،

_ 1 راجع شرح التصريح في هذا المكان. 2 فتنة، "خبرة". 3 يُسْر "سهْل". 4 عُمْر. 5 لما سبق إشارة في " " ص272 من باب: اسم المفعول. 6 الأكثر في هذه الصيغة أن تكون للتكثير والمبالغة -قياسًا- كما سيجيء في الصفحة التالية، وكما سجله المجمع اللغوي القاهري فيها -وفي "التفعال" القياسية أيضًا على الوجه المبين بعد.

وقد يكون على "فِعَال" بتخفيف العين؛ كقراءة من قرأ: "وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَابًا". فإن كان معتل اللام فمصدره "التفعيل" أيضًا، ويجب حذف ياء "التفعيل" والاستغناء عنها بزيادة تاء التأنيث في آخر المصدر، وزيادتها في هذه الصورة لازمة، فيصير: "تفعلة"؛ نحو: رضَّى ترضية، وزكَّى تزكية، وورَّى تورية، مثل: "رضَّى الأخ البار أخاه ترضية كريمة، وزكَّاه تزكية صادقة، وحين رأى منه بادرة إساءة ورَّى1 تورية تمنعه من التمادي". وأصل الأفعال: من غير التضعيف: رَضِيَ، زَكَا، وَرِيَ، فهي معتلة اللام ومصادرها مع التضعيف من غير حذف وتعويض هي: ترضِّيًا، تزكِّيًا، تورِّيًا ... فحذفت الياء الأولى التي هي "ياء التفعيل" وعوض عنها -وجوبًا- تاء التأنيث في آخر المصدر؛ فصار: ترضية. تزكية. تورية ... كما عرفنا. ومن الشاذ عدم الحذف. أو عدم التعويض. وإن كان مهموز اللام2 فمصدره "التفعيل"، أو "التفعلة" -وهذه هي الأكثر- نحو: برأ تبريئًا وتبرئة، وجزأ تجزيئًا وتجزئة، وهنأ تهنيئًا وتهنئة، وخطأ تخطيئًا وتخطئة3. "ملاحظة": مذهب البصريين أن "التَفعال" -بفتح التاء وإسكان الفاء- مثل4: تذكار، بمعنى: التذكر، هو مصدر: "فَعَل" "المفتوح

_ 1 دفع، أو أشار. 2 أي: أن الحرف الأخير من أصول الكلمة همزة؛ نحو: برأ، خبأ، هَنِئَ. 3 يجوز في الكلمات: تبريئًا، تجزيئًا، تهنيئًا، تخطيئًا، وما شبابههما أن يقال فيها تبرِّيًا، تجزِّيًا، تهنِّيًا، تخطِّيًا ... فقد جاء على هامش القاموس في مادة: "خطأ" عند الكلام على "خطية" ما نصه الحرفي: "عبارة الجوهري: "خطيئة" هي "فعيلة"، ولك أن تشدد الياء، -يريد أنك تقول: "خطية" بقلب الهمزة ياء ثم تدغم الياءين؛ لأن كل ياء ساكنة قبلها كسرة، أو واو ساكنة قبلها ضمة، وهما زائدتان للمد لا للإلحاق، ولا هما من نفس الكلمة فإنها تقلب الهمزة بعد الواو واوًا، وبعد الياء ياء، وتدغم. فتقول في مقروء: مقروّ، وفي خبئ: خبي" ا. هـ. 3 ومن الأمثلة أيضًا: "تطيار" مصدر بمعنى: "طيران" في قول عمرو السدوسي: فأصبحت مثل النسر طارت فراخه ... إذا رام تطيارًا يقال له قع و"تعقاد" مصدر بمعنى: "العقد" في قول المرقش السدوسي: لا يمنعنك من بغا ... ء الخير تعقاد التمائمْ جاء في كتاب الامتناع والمؤانسة "لأبي حيان التوحيدي -ج2 ص2 الليلة السابعة عشرة" بيان لكلمة "تذكار" وأنها مصدر له نظائر على وزنه.

الأول والثاني بغير تشديد الثاني" -وجيء بالمصدر على ذلك الوزن للتكثير. وقال الفراء وجماعة من الكوفيين: إنه مصدر: "فعَّل" -مفتوح العين المشددة- ورجحه ابن مالك وغيره؛ لكون هذا المصدر للتكثير، و"فعل" المضعف العين للتكثير أيضًا، ولكونه نظير "التفعيل" في الحركات، والسكنات، والزوائد؛ ومواقعها1. وأسماعي هو أم قياسي؟ قولان؛ أظهرهما أنه قياسي2. أما "التِفعال" بكسر التاء، كالتبيان والتلقاء فليس بمصدر، بل بمنزلة اسم المصدر3. وإن كان الماضي رباعيًّا على وزن: "أفعل" صحيح العين فمصدره على "إفعال" نحو: أجمل الخطيب القول إجمالًا محمودًا، وأحسن الإلقاء إحسانًا بارعًا. فإن كان معتل العين نقلت في المصدر حركة عينه إلى فاء الكلمة، وحذفت العين، وعوض عنها -غالبًا- تاء التأنيث في آخره، نحو: أقام إقامة. أبان إبانة. أعان إعانة ... والأصل: إقوام. إبيان. إعوان. فعين المصدر حرف علة متحرك بالفتح وقبله حرف صحيح ساكن؛ فنقلت حركة حرف العلة "العين" إلى الساكن الصحيح قبله؛ "تطبيقًا للأساليب العربية وضوابطها". وحذف حرف العلة الأول للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصار

_ 1 من الأمثلة أيضًا: تَجوال وتَطواف -بفتح التاء فيهما- وقد عرض لهما الصبان "ج3 باب: "مالا ينصرف" في آخر الكلام على صيغة منتهى الجموع" وسجل ما نصه: "إنهما مصدران لجال وطاف. وقيل: لتجوَّل وتطوَّف" ا. هـ. 2 أخذ مجمع اللغة العربية القاهري بهذا الأظهر بعد دراسة وافية، ورجوع لآراء المتقدمين ومنها: "ما قاله صاحب التسهيل، ونصه: "قد يغني في التكثير عن "التفعيل" "تفعال"، فقال شارحه ابن أم قاسم ما نصه: "ظاهر كلام النحويين أنه مقيس، وقد نص بعضهم على أنه مقيس" ا. هـ. راجع ص257 الجلسة السابعة من محاضر الدورة العاشرة. 3 ما سبق منقول عن الصبان في هذا الوضع. لكن ما المراد مما هو بمنزلة اسم المصدر؟ لعله يريد: أنه اسم مصدر "وسيجيء الكلام عليه في ص207" والمراجع اللغوية -كالقاموس وشرحه- مختلفة في الحكم على هاتين الكلمتين؛ فقيل: إنهما مصدران على الشذوذ -بسبب كسر التاء- وقيل: اسما مصدر؛ وقيل ... غير ذلك ...

اللفظ: إقام، إبان، إعان، ثم زيدت تاء التأنيث في آخره؛ عوضا عن المحذوف؛ فصار المصدر: إقامة، إبانة، إعانة ... ومن الجائز ألا تزاد هذه التاء. ولكن الغالب زيادتها، كما سبق. وإن كان رباعيًّا مجردًا على وزن "فعلل" فمصدره الغالب: "فعللة". وقد يكون على "فعلال"1 مع قلته، نحو: دحرجت الكرة دحرجة ودحراجًا، سرهفت2 الصبي، سرهفة وسرهافًا. بهرج3 المنافق حديثه بهرجة، وبهراجًا1. ومثله الماضي الرباعي الذي على وزان: "فوعل" و"فيعل" فإن مصدرهما القياسي الغالب: "فعللة" -وهذه أكثر، و"فعلال"؛ نحو: حوقل4 حوقلة وحيقالا، وبيطر5 بيطرة وبيطارًا. وإن كان رباعيًّا على وزن: "فاعل" غير معتل الفاء بالياء -فمصدره "فِعَال" و"مفاعلة"، نحو: خاصمت الباغي مخاصمة، أو: خصامًا. صارعت الطاغية مصارعة، أو: صراعًا ... فارقت أهل السوء مفارقة، أو: فراقًا ... و"المفاعلة" أكثر وأعم اطَّرادًا6. فإن كان رباعيًّا معتل الفاء بالياء فمصدره "المفاعلة"، نحو: يامَنْتُ ميامنة، وياسَرْتُ مياسرة، "أي: ذهبت جهة اليمين، وجهة اليسار".

_ "1، 1" إذا كان "فعلال" مصدرًا مضاعفًا؛ كالزلزال، والوسواس، ونحوهما -جاز فتح أوله وكسره. وقد يراد -كثيرًا- بالمفتوح اسم الفاعل في المعنى؛ نحو: أعوذ بالله من شر الوسواس. يكره الناس الصلصال المزعج برنينه، والوعواع الصاخب بنباحه ... والمراد: الموسوس - المصلصل؛ بمعنى: الرنان - الموعوع، بمعنى النابح. "وعوع الكلب، نبح". وكل هذا قياسي. 2 أحسنت غذاءه. 3 أتي فيه بالزائف والباطل. 4 قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. 5 عالج الخيل والدواب، وما ليس بإنسان من أنواع الحيوان. 6 ومن أمثلتها المسموعة أيضًا: "متاركة" في قول شاعرهم: متاركة اللئيم بلا جواب ... أشد على اللئيم من الجواب

2- وإن كان خماسيًّا، على وزن: "تفعل" فمصدره "تفعل" نحو: تعلَّم الراغب تعلمًا، ثم تخرَّج تخرجًا، وتدرَّب تدربًا ... وإن كان خماسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل على وزن: "انفعل" فمصدره "انفعال"، "والوصول إليه يكون بكسر ثالث الفعل، وزيادة "ألف" قبل الحرف الأخير" نحو: انشرح صدري انشراحًا عظيمًا حين رأيت عدونا ينهزم انهزامًا ساحقًا. وإن كان خماسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل، على وزن: "افتعل" فمصدره: افتعال، "والوصول إليه يكون بكسر الثالث من الفعل، وزيادة "ألف" قبل الحرف الأخير" نحو: إذا اقتصد الفقير بلغ باقتصاده الغنى. من اعتمد على نفسه كان خليقًا أن يدرك باعتماده ما يريد. وإن كان خماسيًّا على وزن "تفعلَلَ" فإن مصدره يكون على وزن: "تفعلُل"، بضم الحرف الرابع؛ نحو: تدحرَج الحجر تدحرُجا. 3- وإن كان سداسيًّا مبدوءًا بهمزة وصل، على وزن: "استفعل" وليس معتل العين فمصدره: "استفعال"، "والوصول إليه يكون بكسر الحرف الثالث من الفعل، وزيادة "ألف" قبل حرفه الأخير"؛ نحو: استحسان، واستقباح ... وأشباههما، مثل: إني أستحسن قراءة الأدب الرفيع استحسانًا لا يعادله إلا سماع الأغاني العالية الشجية، وأستقبح تافه الكتب استقباحًا لا يعادله إلا الأغاني الماجنة الخليعة. فإن كان على وزن "استفعل" مع اعتلال عينه، نقلت في المصدر حركة عينه إلى الساكن الصحيح قبلها، وحذفت العين، وجاءت تاء التأنيث في آخره؛ عوضًا عنها وهو عوض لازم، نحو: استعاد المريض قوته استعادة، والأصل: استعوادًا، جرى فيها ما أسلفنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ضم الحرف الرابع في الفعل الخماسي المبدوء بتاء زائدة للوصول إلى مصدره، ليس مقصورًا على "تفعلَل" وإنما يجري عليه وعلى ما يماثله، من كل فعل مبدوء بتاء زائدة، وعدد حروفه، وحركاتها، وسكناتها -يماثل "تفعلَل" من غير تقيد بنوع الحركات والسكنات؛ فليس من اللازم أن يكونا على وزن صرفي واحد؛ إنما اللازم أن يقابل المتحرك متحركًا، والساكن ساكنًا، وهذا الضابط يشمل عشرة أوزان غالبة: 1- تفعَّل؛ مثل: تجمَّل تجمُّلًا. 2- تفاعَلَ؛ مثل: تغافَل تغافُلًا. 3- تفعلَل؛ مثل: تلملَم تلملُمًا. 4- تفعْيَل؛ مثل: تبيْطَر تبيْطُرًا. 5- تمفْعَلَ؛ مثل: تمسْكَن تمسْكُنًا. 6- تفوْعَل؛ مثل: تجوْرَب تجوْرُبًا. 7- تفعْنَل؛ مثل: تقلْنَس تقلْنُسًا. 8- تفعْوَل؛ مثل: ترهْوَك ترهْوُكًا1. 9- تفعْلَتَ؛ مثل: تعفْرَت تعفْرُتا. 10- تَفَعْلَى؛ مثل: تَسَلْقَى تسلْقِيًا2. لكن تقلب الضمة هنا قبل الياء كسرة.

_ 1 ماج واضطراب في مشيه. 2 أي: استلقى على ظهره.

تلك هي أشهر المصادر القياسية للفعل الماضي الرباعي، والخماسي، والسداسي1. وهي على ضبطها واطرادها لم تسلم من مصادر مسموعة تخالفها، نحو:

_ 1 لبعض المعاصرين تلخيص موجز للمصادر المختلفة، سلك فيه مسلكًا غير الذي جرت عليه المطولات. ومسلكه حميد، وتلخيصه -على إيجازه- نافع مفيد؛ قال ما نصه في مصادر الثلاثي الكثيرة: إن الغالب: أ- فيما دل على حرفة أن يكون على وزن: "فعالة"؛ كزراعة، وتجارة، وحياكة. ب- وفيما دل على امتناع أن يكون على وزن: "فعال"؛ كإباء، وشراد، وجماح. ج- وفيما دل على اضطراب أن يكون على وزن: "فَعَلان"؛ كغليان، وجولان. د- وفيما دل على داء أن يكون على وزن: "فُعَال"؛ كصداع، وزكام، ودوار. هـ- وفيما دل على سير أن يكون على وزن: "فَعِيل"، كرحيل، وذميل، ورسيم. "والأخيران نوعان من السير". و وفيما دل على صوت أن يكون على وزن: "فُعَال" أو: "فَعِيل"؛ كصراخ، وزئير. ز- وفيما دل على لون أن يكون على وزن "فُعْلة"؛ كحمرة، وزرقة، وخضرة. فإن لم يدل على شيء مما سبق فالغالب: أ- في: "فَعُل" أن يكون مصدره على: "فُعُولة" أو "فَعَالة"؛ كسهولة، ونباهة. ب- وفي: فَعِل اللازم أن يكون مصدره على: "فَعَل؛ كفرح، وعطش. ج- وفي: فَعَل اللازم أن يكون مصدره على: "فُعُول" كقعود، وخروج، ونهوض. د- وفي المعتدي من "فَعِل" و"فَعَل" أن يكون مصدره على: "فَعْل"؛ كفهم، ونصر. وأما الفعل الرباعي: أ- فإن كان على وزن: "أفْعَل" فمصدره على "إفعْال"، كأكرم إكرامًا. ب- وإن كان على وزن: "فعَّل" فمصدره "تفعيل"؛ كقدَّم تقديمًا. ج- وإن كان على وزن "فاعَل" فمصدره على "فِعَال" أو: "مُفاعلة" كقاتل قِتالًا ومقاتلة. د- وإن كان على وزن "فَعْلَلَ" فمصدره على "فَعْللة" كدحرَج دحرَجَة، ويجيء على وزن "فِعْلال" أيضًا إن كان مضاعفًا؛ كوسوس وَسوسة، ووُسواسًا. وأما الخماسي والسداسي فالمصدر منهما يكون على وزن ماضيه، مع كسر ثالثه، وزيادة ألف قبل آخره إن كان مبدوءًا بهمزة وصل، كانطلق انطلاقًا، واستخرج استخراجًا. ومع ضم ما قبل آخره فقط إن كان مبدوءًا بتاء زائدة؛ كتقدم تقديمًا- وتدحرج تدحرجًا. ثم قال: "تنبيه": الفعل إذا كانت عينه ألفًا تحذف منه ألف الإفعال والاستفعال، ويعوض عنها تاء في الآخر؛ كأقام إقامة، واستقام استقامة. وإذا كانت لامه "ألفًا" ففي: "فعَّل" تحذف ياء التفعيل، ويُعَوض عنها تاء أيضًا؛ كزكَّى تزكية. وفي "تفعل"، و"تفاعل" تقلب الألف ياء، ويكسر ما قبلها، كتأنَّى تأنيًا، وتغاضى تغاضيًا، وفي غير ذلك تقلب همزةً إن سبقتها "ألف" كألقى إلقاء، ووالى ولاء، وانطوى انطواء، واقتدى اقتداء، وارعوى ارعواء، واستولى استيلاء، واحلولى احليلاء. ا. هـ.

حوقل الطائع حيقالا1. تنزى2 سرير الطفل تنزيا. تملق المنافق تملاقًا ... و.... والقياس: حوقلة. تنزية. تملقا3 ...

_ 1 سبق في ص201 الحكم بقلة المصدر: "حيقال" دون المصدر: "حوقلة"، -وكلاهما قياسي. 2 تحرك. 3 وفي بيان المصادر القياسية لغير الثلاثي يقول ابن مالك في مصدر الرباعي الذي على وزن "فعَّل"، والرباعي الذي على وزن: "أفعَلَ"، والخماسي الذي على وزن: "تَفَعَّل": وغير ذي ثلاثة مقيسُ ... مصدره كقُدِّس التقديسُ وزكِّه تزكية، وأجمِلًا ... إجْمال من تَجمُّلا تَجمَّلًا يريد: أن "فعَّل" صحيح اللام مصدره "التفعيل"، مثل: قُدِّس التقديس. ومعتل اللام مصدره: "تفْعِلة"، نحو: زكى تزكية، أما: "أفْعَل" فمصدره: "إفْعَال"؛ نحو: أَجْمل إجمالًا. وأما "تفعَّل" فمصدره: "التفعُّل" نحو: التجمُّل. وإليها أشار بقوله: إجمال من "تجمُّلا تجمَّلًا" أي: أجْمِلا إجمال من تَجمَّل تجمُّلًا. ثم أشار إلى الرباعي المعتل العين والسداسي المعتل العين كذلك فبين أن عينهما تحذف، ويعوض عنها -غالبًا- التاء، قال: واستعذ استعاذة، ثم أقمْ ... إقامة وغالبًا -ذا- التا لزمْ: أي: وغالبًا أن هذا النوع يكن مختومًا بالتاء. والمراد من "استعاذ" السداسي معتل العين، ومن "أقام": الرباعي كذلك. وذكر مصدر الخماسي والسداسي المبدوء بهمزة وصل، وأنه يكون بفتح الحرف الذي قبل آخره ومده، فينشأ من مده ألف زائدة مع كسر الحرف الذي يلي الحرف الثاني. يريد: مع كسر الحرف الثالث: وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا: بهمز وصل، كاصطفى. وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملمًا أي: ما يليه الآخر "ويقع بعده الحرف الأخير" مده، وافتحه، واكسر الحرف الذي يتلو الثاني من فعل خماسي أو سداسي، مبدوء بهمزة وصل، فينشأ من هذا كله المصدر القياسي؛ نحو اصطفى العاقل إخواته اصطفاء، واستهوى أفئدتهم بكريم خلقه استهواء. وأشار إلى أن مصدر الخماسي الذي على وزن: "تَفَعْلَل" مثل: "تلملم" يكون بضم ما يربع فعله، أي: بضم ما يكون رابعًا، فينشأ المصدر المطلوب وهو: "تلملم". ثم بين أن "فعْلَلَة" هي المصدر القياسي للفعل: "فَعْلَلَ"، وقد يكون مصدره قليلًا "فعِلْال". يقول: "فِعْلَالٌ" أو "فَعْلَلَةٌ" لـ"فَعْلَلَا" ... وَاجْعَلْ مَقِيسًا ثَانيًا، لَا أَولًا ثم عرض لمصدر "فاعل" فقال إنه: "الفِعَال" و"المفاعلة"، وصرح بأن ما جاء مخالفًا للمقيس =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من المصادر السالفة كلها، مقصور على السماع، لا يقاس عليه، ونص تصريحه: لِفَاعَل الفِعَالُ والمُفَاعَلَهْ ... وَغَيْرُ مَا مَرّ السّمَاعُ عَادَلَهْ أي: ساواه. ثم ختم ابن مالك الباب ببيتين في بيان الوزن الذي يصاغ عليه المصدر الدال على "المرة والهيئة" -وسيجيء شرحهما في مكانهما المناسب من ص230- هما: و"فَعْلَةٌ" لِمَرَّةٍ كَجَلْسَةْ ... وَ"فِعْلَةٌ" لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَةْ في غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بِـ"التَّا" المَرَّهْ ... وَشَذَّ فيه هَيْئَةٌ؛ كالْخِمْرَهْ

المسألة 99

المسألة 99: إعمال المصدر، واسمه 1:

_ 1 عرفنا في ص181، 193 -أن المصدر إذا أطلق كان المراد الصريح الأصلي دون المؤول وغيره من المصادر الميمية والصناعية، وأوجزنا القول عن المصدر واسمه في "جـ2 ص174 م75" لمناسبة هناك تتصل بالمفعول المطلق؛ ووعدنا أن نوفيهما في هذا الجزء. فأما صيغ المصدر القياسية والسماعية؛ وطريقة صياغة القياسي منها، وأوزانها وكل ما يتصل بذلك -فله باب خاص أعده النحاة لذلك، بعنوان: "باب أبنية المصادر"- وقد سبق في ص181 م98- وأما تعريفه وإعماله وأحكماه فنعود الآن لبسط الكلام عليها. "ويلاحظ أن "اسم المصدر" مقصور على السماع". أ- فالمصدر الصريح الأصلي: "أي: غير المؤول، وغير الميمي، والصناعي، كما قدمنا في ص181، وأشرنا إليه هنا" هو: "الاسم الذي يدل -في الغالب- على الحدث المجرد، ويشتمل على كل الحروف الأصلية والزائدة التي يشتمل عليها الفعل الماضي المأخوذ منه. وقد يشتمل هذا المصدر على أكثر منها دون أن يشتمل على الميم الزائدة في أوله، وهي التي يبتدئ بها "المصدر الميمي"، ودون أن يختم بالياء المشددة تليها تاء التأنيث "وهما الذان يختم بهما المصدر الصناعي". وهذا التعريف -وهو بمعنى التعريف الذي سبق في ص181- يتضمن أمرين معًا أحدهما: يتعلق بدلالته المعنوية، والآخر: يتعلق بصيغته اللفظية. فأما من ناحية دلالته المعنوية فإنه يدل في الغالب على مجرد الحدث؛ أي: يدل على أمر معنوي محض، لا صلة له بزمان، ولا بمكان، ولا بذات، ولا بعلمية، ولا بتذكير، أو تأنيث، ولا بإفراد، أو تثنية، أو جمع أو غيره -إلا إن كان دالًّا على "مرة، أو هيئة" -كما سيجيء في ص225. وأما من ناحية تكوينه اللفظي فلا بد أن يكون جامدًا مشتملًا على جميع حروف فعله الماضي، أو على أكثر منها -كما سبق وكما تجيء أمثلتها- ولا يمكن أن ينقص عنه في الحروف؛ خذ مثلًا المصدر: "تحسُّن" فإنه يدل على أمر عقلي محض، ندركه بعقولنا، ولا نستطيع أن نحسه بحاسة من حواسنا؛ إذ لا وجود لشيء في خارج عقولنا يقال له تحسن يمكننا أن نراه، أو نلمسه، أو نسمعه، أو نذوقه، أو نشمه؛ فليس له وجود مادي تقع عليه إحدى الحواس؛ وإنما وجوده محصور في الذهن وحده، وهذا معنى كونه حدثًا مجردًا أو أمرًا معنويًا محضًا، أو نحو هذا من الأسماء. ثم إن هذا اللفظ الجامد "هو: تحسن" لا يدل على زمن مطلقًا "ماضٍ أو حال أو مستقبل"، ولا يدل كذلك على مكان، ولا ذات "وهي: الجسم، أو: المادة المجسدة"، وليس علمًا على شيء خاص معين، يدل عليه كما يدل العلم على صاحبه، فكل أمره مقصور على الدلالة المعنوية السابقة. وهو إلى ذلك مشتمل على جميع حروف فعله الماضي: تحسَّنَ، ومن أجل هذا كله يسمى: "مصدرًا" لانطباق التعريف عليه. بخلاف المصدر المؤول؛ فإنه يدل على زمن، وغيره -كما سبق في جـ1 ص302 م29- ومما يزيد الأمر وضوحًا ما يأتي:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 حين نقول: "تَحسَّنَ" أو "يتحسن" أو: "تحسنْ" نجد أن كل كلمة مستقلة من هذه الكلمات لا بد أن تدل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المحض السالف "أي: الحدث المجرد" والزمان "ماضيًا، أو حالًا، أو مستقبلًا ... و......" ولا يمكن أن تؤدي أمرًا واحدًا دون الآخر؛ ولذلك لا تسمى: "مصدرًا" وإنما تسمى: "فعلًا"، فالمصدر الصريح -غير الدال على المرة أو الهيئة- يؤدي شيئًَا واحدًا من شيئين يؤديهما الفعل، وهذا الشيء الواحد هو ما سوى الزمان. وفيه يقول ابن مالك في بيت سبق شرحه "في باب المفعول المطلق جـ2 ص155 م74": المصدر اسم ما سوى الزمان منْ ... مدولي الفعل؛ في كأمْنٍ من أمِنْ 2 وأننا حين نقول "متحسن" نفهم من هذه الكلمة -دون الاستعانة بغيرها- أمرين معًا؛ وهما: المعنى المحض "أي: الحدث المجرد" الذي أوضحناه، و"الذات" أي: المادة المجسدة المجمدة، أو: "الجسم" الذي يتصف بالتحسن، فلا بد من المعنى والذات معًا، ولهذا لا تصلح كلمة "متحسن" لأن تسمى: "مصدرًا" ولا فعلًا، وإنما تسمى: اسم فاعل "وسيجيء الكلام عليه في ص238. 3 وفي مثل: أعطيت المحتاج عطاء يكفيه، نجد كلمة: "عطاو" تدل على معنى مجرد محض، ولا تدل معه على شيء آخر. ولكنها لا تشتمل على جميع الحروف التي في فعلها المذكور في جملتها؛ إذ الهمزة الأولى غير موجودة لفظًا ولا تقديرًا، ومن هنا لا نستطيع أن نسمي كلمة: "عطاء" مصدرًا للفعل الماضي: "أعطى" وإنما نسميها: "اسم مصدر"؛ وسنعرفه هنا. ومثلها: كلمة "سلام" و"عون" في نحو: سلمت على اللاجئ سلام الأخ، وعاونته عون الشقيق؛ فإن كل واحدة منهما لا تصلح مصدرًا للفعل المذكور معها "برغم أنها تصلح لغيره" لأن حروفها خالية لفظًا وتقديرًا من بعض حروف فعلها، فكلمة: "سلام" تشتل على "لام" واحدة مع أن فعلها المذكور في جملته مشتمل على لام مشددة تعد لامين. وكلمة: "عون" خلية من الألف التي في فعلها المذكور معها، فكلاهما ليس مصدرًا، وإنما يسمى: "اسم مصدر" -وسيجيء في الصفحة الآتية إيضاحه، وأنه سماعي. 4 وفي مثل: دهن وكحل "بضم أولهما" من كل ما يشتمل على حروف فعله ولكنه ذات لا نسميه مصدرًا. 5- وفي مثل: برة؛ بمعنى: البر، وسبحان بمعنى: التسبيح، وحماد، بمعنى: الحمد -نجد هذه الكلمات وأشباهها، تدل على الحدث المجرد، ولا تدل معه على ذات، ولا زمان، ولا غيره، ولكننا لا نستطيع أن نسميها "مصادر؛ لأن كل واحدة منها صارت علم جنس"، يدل على المعنى الخاص به؛ فكلمة: "برة" جنس على "المبرة" بمعنى: البر، و"سبحان" علم جنس على: "التسبيح"، و"حماد" علم جنس على: الحمد؛ فهي ونظائرها أسماء مصادر "سبق الكلام عليها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في الجزء الأول ص209 م22 في علم الجنس". وقد قلنا إن المصدر لا بد أن يشتمل على كل حروف فعله الماضي، أو على أكثر منها. والمراد اشتماله عليها لفظًا أو تقديرًا. فاللفظي أن تكون جميع الحروف موجودة منطوقًا بها؛ نحو: أخذت أخذًا. تعلم الصبي تعلمًا، والتقديري: أن يكون الحرف محذوفًا قد عوض عنه حرف آخر، كمجيء تاء التأنيث في آخر المصدر عوضًا عن واو الفعل، في مثل وعد، عِدَةً، وكالتاء أيضًا حين تكون في أوله عوضًا، مثل سلم تسليمًا، وعلم تعليمًا؛ فإن إحدى اللامين حذفت من المصدر وجاءت في أوله التاء عوضًا. أو يكون الحرف محذوفًا للتخفيف وكثرة الاستعمال، مع ظهوره أحيانًا في بعض اللهجات واللغات؛ مثل: ضارب ضرابًا. قاتل قتالًا ... والأصل: ضيرابًا وقيتالًا؛ فقلبت الألف ياء لوقوعها بعد الكسرة، ثم حذفت تخفيفًا، ومن العرب من كان يظهرها. ومثال اشتمال المصدر على حروف أكثر من حروف فعله الماضي: إكرام، وإجمال -وأشباهمها؛ فإنهما مصدران للفعلين: "أكرم، وأجمل" وقد زيد في وسط كل مصدر منها الألف. ومثل: "فرقان" مصدر "فَرَق" فقد زيد في وسطه الألف. ومثل الألف التاء في كلمة: "معاونة" مصدر: عاون. ب- وأما اسم المصدر "وهو مقصور على السماع" فقالوا في تعريفه: "إنه ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه بخلوه لفظًا وتقديرًا من بعض حروف عامله -الفعل، أو غيره- دون تعويض". وذلك كعطاء؛ فإنه مساوٍ لإعطاء في المعنى، ومخالف له بنقص الهمزة الأولى لفظًا وتقديرًا من غير أن يعوض عنها شيء. فإن خلا منه لفظًا ولم يخلُ تقديرًا فليس اسم المصدر؛ وإنما هو مصدر -كما تقدم- مثل كلمة قتال؛ فإن أصلها: قيتال، على الوجه الذي شرحناه في هذه الصفحة، وإن خلا منه لفظًا ولكن مع تعويض عنه فليس باسم المصدر، وإنما هو مصدر أصيل؛ نحو: عدة، مصدر الفعل "وعد" فقد حذفت الواو، وجاءت التاء في آخر الاسم عوضًا عنها؛ كما قلنا آنفًا. فلا بد في اسم المصدر من نقص بعض حروفه الأصلية أو الزائدة. وأن يكون النقص بغير تعويض عنه، وبغير وجود المحذوف مقدرًا. إن الفرق اللفظي بين المصدر الأصلي واسم المصدر واضح مما سبق "ولا سيما قصر "اسم المصدر" على السماع، أما المصدر الأصلي فمنه القياسي ومنه السماعي ... " ولكن الفرق المعنوي بينهما في حاجة إلى تجلية وإبانة. فما معنى: "أن اسم المصدر يساوي المصدر في الدلالة على معناه؟ " ذهب النحاة في الإيضاح مذاهب لا تخلو من غموض أو نقص. ولعل خيرها ما جاء في كتاب: "الأشباه والنظائر" للسيوطي، منسوبًا لابن النحاس: قال ما نصه: "الفرق بينهما أن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره؛ كقولنا: إن كلمة "ضَرْب" هي مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرًا. يكون مدلوله: "معنى" "يقصد: أن مدلول كلمة "المصدر" ومفهومها وسماها، هو أمر معنوي محض، وأنه هو المصدر حقيقة، لا مجازًا. أما اللفظ المذكور في الجملة، المركب من حروف هجائية معينة، فليس بالمصدر الحقيقي" وسموًا ما يعبر به عنه مصدرًا، "مجازًا"، "أي: تسمية مجازية، لا حقيقية" -نحو: "ضرْب" في قولنا: إن: "ضرْبًا" مصدر منصوب، إذا قلت: ضربت ضربًا؛ فيكون مسماه لفظًا". ا. هـ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهو يريد: أن كلمة "ضربًا" هي المسمى اللفظي المجازي لكلمة: "مصدر. ومقتضى هذا أن كلمة "مصدر" اسم له مدلولان أو مفهومان، وإن شئت فقل: له مسميان، أحدهما: معنوي محض؛ هو الحدث المجرد، وهذا الحدث هو المسمى الحقيقي -لا المجازي- لكلمة: مصدر. والمسمى الآخر لفظي؛ هو اللفظ الذي ننطق به، أو نكتبه، والذي نقول في إعرابه: إنه مصدر منصوب، وهو المصدر المجازي المراد منه المصدر الحقيقي المعنوي ثم قال بعد ذلك: "واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره؛ كسبحان؛ والمسمى به: "التسبيح" الصادر عن الشخص المسبِّح -مثلًا- لا لفظ التاء، والسين، والباء، والياء، والحاء، بل المعنى المعبر عنه بهذه الحروف، ومعناه البراءة والتنزية". ا. هـ. راجع ياسين على التصريح. ويفهم مما سبق أن اسم المصدر كالمصدر المجازي السالف؛ كلاهما يدل مباشرة على الحدث المجرد من غير واسطة. ولكن كثيرًا من المحققين يقولون إن اسم المصدر يدل مباشرة على لفظ لا على الحدث المجرد، وأن دلالته على لفظ المصدر تؤدي -تبعًا- إلى الدلالة على معنى المصدر، وبذا تكون دلالته على الحدث المجرد دلالة غير مباشرة، وإنما هي بالواسطة؛ إذ هي من طريق المصدر. "راجع الخضري والصبان في هذا الموضع من الباب". ومن أوضح أسماء المصادر كل اس يدل على معنى مجرد، وليس له فعل من لفظه يجري عليه؛ كالقهقهري؛ فإنه لنوع من الرجوع، ولا فعل له -في المشهور- يجري عليه من لفظه. وكذلك كل اسم يدل على معنى مجرد، ويجري على وزن مصدر الثلاثي، مع أن الفعل المذكور معه في الجملة غير ثلاثي؛ مثل: توضأ وضوءًا، وأعان عونًا، وما شابههما من الوارد المسموع -كالشأن في جميع أسماء المصادر فإنها مقيدة بالسماع. بقيت مسألة هامة، تتلخص في: أن بعض الباحثين المحققين ينكر وجود قسم مستقل يطلق عليه: "اسم المصدر". وحجته: ما سبق هنا، وأن تعريف المصدر الأصيل ينطبق عليه. وهذا رأي قوي ودفعه عسير. ومسألة أخيرة: "أشرنا إليها في ص183"، نوردها بمناسبة دلالة المصدر -في الغالب- على شيء واحد من شيئين يدل عليهما الفعل؛ فإن هذه الدلالة تثير سؤالا: أيهما أصل للآخر؟ فالبصريون يقولون: المصدر. ويحتجون بأدلة، أقواها: أنه يدل على شيء واحد؛ هو المعنى المجرد؛ فهو "بسيط". والفعل الماضي يدل على شيئين؛ المعنى والزمن؛ فهو مركب. و"البسيط" أصل المركب. والكوفيون يقولون: الفعل الماضي هو الأصل الذي يدخله بعض التغيير. فتتفرع منه المشتقات؛ لأنه يدل على ما يدل عليه المصدر وزيادة؛ والذي يتضمن غيره والزيادة عليه يعد أصلًا له. وهذا -وغيره مما ذكره الفريقان- لا يعدو أن يكون أدلة جدلية دفاعية، لها طلاوة الجدل القوي، وليس لها قوة الحجة المنطقية، ولا صحة البرهان. إذ ليس لدينا في المشتقات الكثيرة المسموعة عن العرب ما يدل من قرب أو بعد على الأصل الذي تفرع منه هذا المشتق. أما المسألة في واقعها فليست إلا مجرد اصطلاح محض، غير أن كلمة: "المصدر" في أصلها اللغوي معناها: "الأصل" وقد شاعت بهذا المعنى بين أكثر النحاة. وأطلقوها اصطلاحًا على أنها للفعل وللمشتقات كلها، فلا ضرر من الأخذ بهذا. والاقتصار عليه.

يعمل المصدر عمل الفعل1 في حالتين: الأولى: أن يحذف الفعل، وينوب عنه مصدره في تأدية معناه، وفي التعدي واللزوم، وكثير من أنواع العمل، نحو قول الشاعر: يا قابل التوب. غفرانا مآثم، قد ... أسلفتُها، أنا منها خائفٌ وَجِلُ وقول الآخر: شكرًا لربك يوم الحرب نعمته ... فقد حماك بعز النصر والظفر ونحو: تعظيمًا والديك، وتكريمًا أهلك، وإشفاقًا على ضعيفهم المحتاج. والأصل: اغفر مآثم2 ... اشكر لربك، عَظِّم والديك، كرِّم أهلك، وأشفق على ضعيفهم. فحذف فعل الأمر وجوبًا، وناب عنه مصدره، فعمل عمله في رفع الفاعل المستتر هنا، وفي نصب المفعول به، إن كان الفعل المحذوف ينصب مفعولًا به؛ كالفعلين: عظم، وكرم، وفي أكثر الأعمال الأخرى التي يعملها الفعل، كالعمل في النعت، وكتعلق الجار والمجرور به في المثال الأخير، وكغيرهما من باقي المعمولات؛ فكل هذا يعمله المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا. "وقد سبق3 تفصيل الكلام على هذا الموضع، وبيان الحذف الجائز فيه والواجب، والقياسي وغير القياسي، وكيفية إعراب هذا المصدر وباقي معمولاته، وكل ما يتصل به من هذه النواحي المختلفة....".

_ 1 يخالف المصدر فعله في أمور؛ أهمها: أن المصدر لا يعمل إلا بالشروط التي سنذكرها، وأن فاعله يكثر حذفه جوازًا، وإذا حذف لا يتحمل المصدر ضمير المحذوف؛ إلا إذا كان المصدر نائبًا عن فعله "على الوجه المشروح في باب المفعول المطلق ج2 ص178 م76". أما رفع المصدر لنائب الفاعل فالمختار جوازه عند أمن اللبس، نحو: عجبت من قياس بالطيارة الصحراء، ومن إقامة فيها معامل النفط. أي: من أن تقاس الصحراء بالطيارة، وأن تقام معامل النفط فيها. بخلاف الفعل، فإنه يعمل وجوبًا بغير شرط، ويتحمل وجوبًا ضمير مرفوعه المحذوف؛ فاعلًا كان أو نائب فاعل. 2 أي: ذنوبًا؛ "المفرد: مأثم؛ بمعنى: إثم؛ وهو: الذنب". 3 في ج2 ص178 م76 موضوع: "حذف عامل المصدر، وإقامة المصدر نائبًا عنه".

الثانية: أن يكون المصدر صالحًا -في الغالب1- للاستغناء عنه، بأن يحل محله فعل من معناه، مسبوق "بأن" المصدرية2، أو: "ما" المصدرية، فيسبق الفعل "بأن" المصدرية حين يكون الزمن ماضيًا، أو مستقبلًا. ويسبق "بما" المصدرية حين يكون ماضيًا، أو حالًا، أو مستقبلًا، ولكنها أوضح وأقوى في الزمن الحالي، حيث لا تصلح له "أن"؛ "لأنها لا تصلح إلا للماضي والمستقبل3؛ بخلاف "ما" فإنها صالحة للثلاثة". فمن أمثلة الماضي: ساءنا بالأمس مدح المتكلم نفسه. التقدير: ساءنا بالأمس أن مدح المتكلم نفسه، أو: ما مدح ... ومن أمثلة المستقبل: سنسر غدًا باجتياز الاختراع مرحلة الاختبار. وقولهم: تأن، ولا تعجل بلومك صاحبًا ... لعل له عذرًا وأنت تلوم4 والتقدير: " ... بأن يجتاز الاختراع مرحلة الاختبار، أو: بما يجتاز ... بأن تلوم صاحبًا أو: بما تلوم صاحبًا ... " ومثل: لا شيء أنقص للأحرار من إفشائهم الأسرار، أي: من أن يفشوا الأسرار، أو: مما يفشون، ومن أمثلة الزمن الحالي: ينعشنا الآن إشاعة الشمس الدفء. والتقدير: ينعشنا الآن ما تشيع الشمس الدفء. ومن هنا يتبين أن المصدر يصلح للعمل في الأزمنة الثلاثة بالطريقة المفصلة السالفة؛ دون غيرها. والذي يعينه لنوع خاص منها هو: القرينة.

_ 1 انظر "أ" في الزيادة الآتية. 2 "أن" المصدرية تشمل الناصبة للمضارع، والمخففة من الثقيلة. مع ملاحظة أن الناصبة لا تقع في مواضع، منها: عدم وقوعها بعد مايدل على اليقين، أما الناسخة فتقع. "وقد سبقت الإشارة في الجزء الأول ص484 م53 إلى علامة كل واحدة، وموضع استعمالها، وسيجيء في الجزء الرابع في باب: "إعراب الفعل...... ونواصبه". 3 وهي تدخل على الماضي فتبقي زمنه على حاله، وعلى المضارع فيصير خالصًا للاستقبال. 4 الذي يعين المصدر على المستقبل هنا ما في البيت من صيغة الأمر والنهي، وهما للمستقبل المحض فيجب مسايرة المصدر لهما في نوع الزمن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قلنا: إن الحالة الثانية هي التي يصلح فيها المصدر للاستغناء عنه "بأن والفعل" الذي بمعناه، أو: "ما والفعل" ... هذا الاستغناء أمر غالبي -فقط- كما نصوا على ذلك. وذكروا أمثلة لغير الغالب؛ منها قول بعض العرب: "سَمْع أذني أخاك يقول ذلك" فكلمة: "سمْع" مصدر، مبتدأ مضاف إلى فاعله: "أذُن" -وكلمة "أخا" مفعول للمصدر ... والجملة المضارعية من الفعل: "يقول"، وفاعله في محل نصب "حال" سدت مسد الخبر1 وأغنت عنه. ومثل قولنا: "كان استقبالك الضيوف حسنًا. إن إكرامك الوفود حميد لا إعراضَ عن أحد" ... فهذه المصادر -وأشباهها- عاملة في بعض كلام العرب، مع أنه يمتنع تأويلها بالفعل الذي قبله الحرف المصدري "أن"، أو "ما"؛ لالتزام أغلب العرب عدم وقوع الفعل المسبوق بأحد الحرفين في هذه المواضع؛ فلم يعرف عنهم وقوعه مبتدأ خبره حال سدت مسد الخبر، مثل: أن تسمع أذني أخاك يقول ذلك، ولم يعرف عنهم أيضًا وقوع "أن" المصدرية -بنوعيها المخففة من الثقيلة، والناصبة للمضارع- مع صلتها بعد "كان" و"إن" إلا مفصولة بالخبر، كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} ، ولا وقوع الحرف المصدري وصلته بعد "لا"، غير المكررة. أي: أنه لا يتحقق في هذه المواضع الاستغناء عن المصدر بالفعل المسبوق "بأن، أو ما" المصدريتين2. وليس من اللازم كذلك أن يتحقق هذا لعمل المصدر في شبه الجملة بنوعيه، فقد يعمل فيهما من غير إحلال ما ذكر محله. أما عمله القياسي في غير شبه الجملة فيستلزم صحة الإحلال بالتفصيل السالف. ب- من المصادر التي لا تعمل مطلقًا المصدر المؤكد لعامله المذكور

_ 1 سبق بيان الحال التي تسد مسد الخبر، بأنواعها، وإعرابها، وشرح أحكامها في ج1 ص522 م39، مواضع حذف الخبر وجوبًا. 2 سبق هذا الحكم في ج1 م29، باب الموصولات الحرفية رقم 4 من هامش ص410 بعنوان: "ملاحظة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجملة؛ مثل: "خرج الإنسان من نطاق الكرة الأرضية خروجًا"؛ لأن إعماله يقتضي -مراعاة للغالب- أن يصلح في مكانه إحلال الفعل مع "أن" المصدرية، أو "ما" المصدرية؛ فيكون التقدير؛ خرج الإنسان أن خرج، أي: خروجه، فيصير المصدر المنسبك مضافًا إلى ضمير كان في الأصل فاعلًا له. وهذه الإضافة تخرجه من المصدر المؤكد: -وهو مصدر مبهم، وإلى مصدر مضاف لفاعله، والمصدر المضاف نوعي، لا توكيدي؛ كما عرفنا في باب: "المفعول المطلق". ولكن هناك نوعًا من المصدر يؤكد عامله المحذوف وجوبًا، ويعمل عمله. وقد سبق إيضاح هذا النوع، وسرد فروعه وأحكامه1. كذلك المصدر العددي؛ فإنه لا يعمل -في الغالب الأرجح؛ لأن مجيء "أن" أو "ما" وصلتهما يزيل العدد حتمًا2، ويضيعه؛ ليحلا محله، فلا يوجد في التركيب الجديد ما يدل على العدد. أما المصدر النوعي فيعمل في بعض حالات قليلة -ولكنها قياسية- منها: أن يكون مضافًا لفاعله3 ولو كان هذا المصدر مفعولًا مطلقًا -نحو: زرعت حقلي زراعة الفلاح حقله ... أي: مثل زراعة الفلاح حقله، فقد عمل في فاعله المضاف إليه، وعمل النصب في مفعوله. وقد تكلمنا بمناسبة أخرى4- على أقسام المصدر ما يعمل منها، وما لا يعمل.

_ 1 في ج2 ص178 م76. 2 أكثر هذه التعليلات مصنوع، ومن السهل نقضه. والتعليل الحق هو: استعمال العرب. 3 وقد ينصب المفعول به أولا ينصبه، كما سبقت الإشارة لهذا "في ج2 -رقم 4 من هامش ص172 م74 باب: المفعول المطلق". 4 ج2 ص171 م4 باب: المفعول المطلق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- شروط أخرى: الشرط السابق لإعمال المصدر هو شرط "وجودي"، أو "إيجابي" كما نقول اليوم، "أي: لا بد من تحققه ووجوده" وهناك شروط أخرى يسميها النحاة شروطًا عدمية "أو: سلبية، بمعنى: أنه لا بد من عدم وجودها"، وأهمها: 1- ألا يكون مصغرًا؛ فلا يجوز: فُتَيْحك الباب بعنف أمر لا يسوغ. تريد: فتحك الباب1. 2- ألا يكون ضميرًا، فلا يجوز: حبي الأوطان عظيم، وهو بلادًا أجنبية أقل. تريد: وحبي بلادًا أجنبية أقل؛ فناب الضمير عن المصدر المحذوف. وهذا غير جائز إلا عند الكوفيين، ورأيهم هنا ضعيف؛ لأن الضمير النائب عن المصدر المحذوف لا ينوب عنه في العمل؛ طبقا للرأي الأصح، الأغلب الذي يؤيده الوارد الكثير. 3- ألا يكون مختومًا بالتاء الدالة على الوحدة2؛ فلا يصح: ابتهجت بضربتك العدو الغادر؛ لأن ضربة، مصدر مختوم بالتاء الزائدة الدالة على المرة الواحدة3. فإن كانت التاء من صيغة الكلمة وليست للوحدة، نحو: "رحمة" و"رهبة" جاز أن يعمل؛ نحو: رحمتك الضعفاء دليل نبلك. 4- ألا يتأخر عن معموله الذي ليس شبه جملة؛ فلا يصح: أعجبتني

_ 1 ورد في السماع إعماله مصغرًا في مثل: رُوَيْد المستفهم، بمعنى: أمهل المستفهم. "فرويد" اسم فعل أمر. ويصح اعتباره مصدر نائبًا عن فعل الأمر، وأصله "إرواد" وفعله: "أرود" ثم صغر المصدر: "إرواد" تصغير ترخيم بحذف زوائده فانتهى إلى: "رويد". كما سيجيء في باب اسم الفعل، ج4 ص108 م141. 2 أي: على المرة الواحدة. وسيجيء الكلام عليه في ص225 م100. 3 لأن الدلالة على العدد تعارض الدلالة الأصلية للمصدر؛ وهي الحدث المجرد من كل شيء آخر؛ كعدد، ونحوه. كما سبق عند الكلام عليه في "ب" من هامش ص183.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -المريض- مساعدتك". والأصل: أعجبتني مساعدتك المريض. أما المعمول شبه الجملة فالأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح تقديمه؛ لوروده في القرآن الكريم1 في قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} ، وقوله تعالى: {لا يَبْغُونَ، عَنْهَا، حِوَلًا} ، وقوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا، رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، وقولهم: "اللهم اجعل، لنا من أمرنا، فَرَجًا"، وقول الشاعر: وبعض الحلم عند الجهـ ... ـل للذلة إذعانُ والأصل: السعي معه. حِوَلًا عنها. رأفة بهما. فرجًا لنا من أمرنا. إذعان للذلة ... و ... ولا داعي للتكلف والتأويل للمنع، من غير داعٍ، وبخاصة في القرآن. 5- ألا يكون مفصولًا من معْموله -المفعول، وغير المفعول- بفاصل أجنبي2، ولا بتابع3، ولو كان هذا التابع نعتًا أو غيره من التوابع الأربعة4، فلا بد أن تقع بعده -مباشرة- كل معمولاته من غير فاصل أجنبي بينها؛ لأن الفصل بالأجنبي ممنوع مطلقًا ... فلا يجوز: إني أقوى على تأدية في الصباح أعمالًا مختلفة؛ أي: على تأدية أعمالًا مختلفة في الصباح. كما5 لا يجوز: إني أبادر إلى تلبية صارخًا المستغيث. أي: إلى تلبيةٍ المستغيثَ صارخًا ... و.... و....

_ 1 ولأن شبه الجملة يقع فيه التوسع والتساهل في كلام العرب؛ هذا إلى وروده متقدمًا في الآيات والأمثلة التالية. -ولهذا إشارة في رقم1 من هامش ص263. 2 أي: بفاصل ليس معمولا لهذا المصدر. 3 وإذا كان للمصدر معمولات لم يجز العطف عليه إلا بعد استيفائه جميع معمولاته. وفي رقم1 من هامش ص436 حكم الفصل بين التابع ومتبوعه، ثم "انظر الحالة الثانية التي في ص610". 4 لهذا تأخر النعت عن المعمول شبه الجملة في قول الشاعر: إن وجدي بك -الشديد- أراني ... عاذرًا من عهدت فيك عذولًا 5 وهذا يستلزم عدم الفصل بالأجنبي بين المعمولات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6- ألا يكون مثنى أو جمعًا "فيجب أن يكون مفردًا" ومن الشاذ إعمال غير المفرد؛ كقول الشاعر: قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفَنَعَا1 فكلمة: "أبا" "من أبا قدامة" مفعول به للمصدر المجموع جمع تكسير، وهو: "تجارب"2. وأجاز بعض النحاة إعمال الجمع. ورأيه حسن؛ لورود السماع به في بضعة أمثلة، ولما فيه من تيسير يفيد ولا يضر. 7- ألا يكون محذوفًا والمعمول غير شبه جملة؛ فإن كان شبه جملة جاز إعمال المصدر المحذوف؛ ولهذا أجازوا أن يكون الجار والمجرور في: "بسم الله الرحمن الرحيم". متعلقًا بمصدر محذوف، والتقدير: ابتدائي باسم الله.

_ 1 الفَنَع: الكرم والخير. 2 راجع العيني.

أقسام المصدر العامل المقدر بالحرف المصدري وصلته: ثلاثة أقسام رئيسية: 1- مضاف، وهو أكثرها عملا، وأعلاها فصاحة؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} ، المصدر الأول: "ذكر" مضاف لضمير "الكاف"، ومعها الميم1. وإذا أضيف المصدر فقد يضاف لفاعله وينصب المفعول به2 إن وجد؛ فيكون الفاعل مجرورًا في اللفظ، مرفوعًا في المحل، كقولهم؛ "مصاحبة المرءِ العقلاءَ ألزم، ومجانبة المرءِ السفهاءَ أسلم". فقد أضيف كل من المصدرين: "مصاحبة"، و"مجانبة" لفاعله: "المرء"، وجره لفظًا فقط؛ لأنه مرفوع محلا، ونصب المفعول بعد ذلك؛ وهو: "العقلاء" و"السفهاء"، ومثل قول الشاعر: وأقتل داء رؤية العين ظالما ... يسيء، ويتلى في المحافل حمدُهُ فالمصدر؛ وهو؛ "رؤية" أضيف لفاعله -"العين" المجرور لفظًا، المرفوع محلًّا، ونصب المفعول به "ظالمًا". ومثل: يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ فالمصدر: "وجدان" أضيف لفاعله: "نا" -على الوجه السالف- ونصب المفعول به: "كل". فإذا جاء تابع للفاعل -كالنعت، أو: التوكيد، أو: العطف، أو: البدل -جاز في التابع الجر؛ مراعاة للفظ الفاعل المتبوع، وجاز الرفع مراعاة لمحل هذا الفاعل؛ ففي المثال الأول: نقول: مصاحبة المرء العاقل العقلاء ألزم، ومجانبة المرء المهذب السفهاء أسلم، بجر كلمتَي: "العاقل"

_ 1 ومن الأمثلة: "رعاية" توقّي ... منة"، وفي قول شاعرهم: رعاية الله خير من توقينا ... ومنة الله بالإحسان تغنينا 2 وهذا إن كان فعله متعديًا لواحد، أو كان متعديًا لأكثر على الوجه المبين في رقم3 من هامش الصفحة الآتية، فإن كان الفعل لازمًا جاز إضافته لفاعله، أو للظرف.

و"المهذب"؛ أو برفعهما، على الاعتبارين السالفين1. وقد يضاف المصدر للظرف2؛ فيجره، ويرفع الفاعل وينصب المفعول به إن وجد؛ نحو: إهمال اليوم المريض الدواء معوق للشفاء. وقد يضاف المصدر لمفعوله؛ فيصير المفعول به مجرورًا في اللفظ منصوبًا في المحل3؛ ويجيء الفاعل بعدهما مرفوعًا إن وجد؛ كقولهم: "صيانة4 الحواسِّ الشابُ وديعة تنفعه في شيخوخته"5. والأصل: صيانة الشاب الحواس، فأضيف المصدر: "صيانة" إلى مفعوله: "الحواس" فصار المفعول به مجرورًا لفظًا، منصوبًا محلا. وتلاهما الفاعل مرفوعًا6. فإذا جاء للمفعول به تابع -من التوابع الأربعة- جاز في التابع الجر مراعاة للفظ المفعول به، أو النصب مراعاة لمحله. فنقول في المثال السالف: صيانة الحواس ِّالخمسَِ الشابُّ، دين عليها ... بجر كلمة: "الخمس" أو نصبها ... "ملاحظة": إنما يضاف المصدر لفاعله وينصب المفعول به، أو: العكس، حين يقتضي المقام ذكرهما، وإلا فقد يحذف أحدهما، أو

_ 1 ومن ذلك قول العرب -كما جاء في كتاب: "معاني القرآن" الفراء ج1 ص16: عجبت من تساقط البيوت بعضُها على بعض، "بالرفع"، أو بعضِها على بعض "بالكسر". فرفع كلمة: "بعض" على اعتبارها بدلا من البيوت المرفوعة المحل؛ لأنها مجرورة لفظًا في محل رفع فاعل المصدر ... و....... 2 إذا صار الظرف "مضافًا إليه، زال عنه اسم الظرف؛ إذ لا يصح تسميته ظرفًا -كما كررنا في مناسبات مختلفة- إلا في حالة واحدة؛ هي نصبه على الظرفية. 3 فإن كان المصدر متعديًا لمفعولين أو ثلاثة جاز إضافته لأحدها ونصب ما عداه، ثم يرفع الفاعل، ويجوز إضافته للفاعل، ونصب المفعول به الواحد أو الأكثر، كما يجوز إضافته الظرف، مع بقاء الفاعل مرفوعًا -إن وجد- وترك ما يوجد من مفعول به أو أكثر منصوبًا "إن وجد". 4 أي: محافظته على سلامتها. 5 المراد: أن من صان حواسه في شبابه تصونه في شيبته وكهولته؛ فلا يشكو الأمراض وضعف هذه الحواس؛ لأنه لم يهملها، ولم يسرف في الانتفاع بها زمن شبابه؛ فظلت سليمة حتى وصل إلى زمن المحرم والكبر. 6 ومن الأمثلة الواردة التي أضيف فيها المفعول به، ورفع الفاعل قول الشاعر: نَجُذُّ رقاب الأوس من كل جانب ... كجذِّ عقاقيل الكروم خبيرها فقد أضيف المصدر: "جذَّ" إلى مفعوله: "عقاقيل"، وجاء فاعله "وهو: خبير" مرفوعًا بعدهما. "عقاقيل الكروم: ما زرع من فروع العنب".

يحذفان معًا. فمن إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول به الذي لا يتعلق الغرض بذكره؛ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} ، والأصل: استغفار إبراهيم ربه لأبيه. كما يجوز العكس بحذف الفاعل مع ذكر المفعول به كقوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} ، أي: من دعائه الخير. 2- منون، ويلي السابق في كثرته وفصاحته، نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 1، فكلمة: "يتيمًا"، مفعول به للمصدر: "إطعام"، ومنه قول الشاعر: بضربٍ بالسيوف رءوسَ قومٍ ... أزلْنا هامهُنَّ2 عن المقيلِ3 فكلمة: رءوس، مفعول به للمصدر: "ضَرْب". 3- مبدوء "بأل" وهو -مع قياسيته كسابقيه- أقل منهما استعمالًا وبلاغة. ومن أمثلته قول الشاعر يَذُم: ضعيف النكاية4 أعداءَه ... يخال الفرارَ يراخي الأجلْ5 فكلمة: "أعداء" مفعول به للمصدر: "النكاية". إعمال اسم المصدر 6: اسم المصدر نوعان: علَم، وغيرُ علَم، فالأول لا يعمل7؛ ومن أمثلته: "برة" علم جنس على: "البر"، و"فجار" علم جنس على: "الفجرة" بمعنى: "الفجور"، بشرط أن يكون فعلهما: "أفجر" و"أبر" في

_ 1 ذي مسبغة: صاحب مجاعة. "أي: أنه جائع". 2 الهام: الرءوس. المفرد: هامة. 3 المقيل: مكان الاستقرار والثبات. والمراد هنا: العنق؛ إذ يستقر الرأس فوقه. 4 التنكيل والتعذيب. 5 معنى البيت: هذا الشخص قليل التنكيل والتعذيب لأعدائه؛ خوفًا على حياته منهم؛ لظنه أن الفرار من ميدان القتال يطيل الأجل ويؤخر الموت. 6 سبق تعريفه مفصلًا، وبيان الفرق بينه وبين المصدر في هامش ص207، 208. 7 لأن العلم -في جميع صوره ومواقعه الإعرابية المختلفة- لا يعمل مطلقًا، ولو كان في أصله مشتقًا.

مثل: أفجر فلان فلانًا، وأبره؛ بمعنى: صيره ذا فجور، وبر. فإن كان فعلهما "فجر" و"بر" فهما مصدران مباشرة1. أما غير العلم فيعمل بالشرط الذي يعمل به المصدر الذي ليس نائبا عن فعله؛ "وهو: إحلال الحرف المصدري "أن" أو: "ما" وصلتها محله2". وإعمال اسم المصدر -مع قياسيته- قليل. والأفضل العدول عنه إلى المصدر قدر الاستطاعة، ومن أمثلة إعماله قول الشاعر: بعشرتك الكرام تعد منهم ... فلا ترين لغيرهمُ الوفا وقول الآخر: إذ صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرًا من الآمال إلا ميسرا فكلمة: "الكرام" مفعول به لاسم المصدر: "عشرة"، وفعله هنا: "عاشر". وكلمة: "المرء" مفعول به لاسم المصدر: "عَوْن" وفعله هنا عاون ... 3.

_ 1 انظر رقم 3، 5 من هامش ص208. 2 وبيان هذا في ص212. 3 اقتصر ابن مالك على أربعة أبيات في تدوين كل الأحكام السالفة؛ أولها: بفعله المصدر الحق في العمل ... مضافًا، أو مجردًا، أو مع "أل" إن كان فعل مع "أن" أو: "ما" يحل ... محله، ولاسم مصدر عمل يريد: ألحق المصدر بفعله في العمل، فاجعله مثله في التعدي واللزوم وغيرهما مما أوضحناه. وهذا الإلحاق بفعله يشمل الأحوال الثلاثة للمصدر؛ إذ يكون مضافًا، أو مبدوءًا بأل، أو مجردًا من أل والإضافة؛ فيكون منونًا. ثم بين أنه يعمل عمل فعله بشرط أن يمكن إحلال فعل مسبوق "بأن" أو "ما" المصدريتين محله. فإن لم يمكن إحلال أحد الحرفين المذكورين مع صلته محل المصدر لم يعمل شيئًا. وهذا كلام مبهم مجمل أوضحناه وفصلناه في الشرح. ثم قال: وبعد جرِّه الذي أضيف لَهْ ... كمِّلْ بنصب أو برفع عَمَلَهْ عرفنا أن المصدر العامل يجوز أن يضاف إلى فاعله وينصب المفعول، أو العكس، وهو هنا يقول: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بعد إضافة المصدر إلى ما أضيف له، وبعد جره للمضاف إليه -كمل عمله بعد ذلك بالنصب أو بالرفع، وذلك بأن تأتي باللفظ منصوبًا مفعولًا به إن كان المصدر قبله مضافًا للفاعل المجرور في اللفظ، المرفوع في المحل. أو أن تأتي بكلمة مرفوعة فاعلًا، إن كان المصدر قبلها مضافًا للمفعول به وصير هذا المفعول مجرورًا في اللفظ منصوب المحل. وختم الباب بقوله: وجرّ ما يتبع ما جُرَّ ومن ... راعى في الإتباع المحل فحَسَنْ يريد: إن جاء تابع للمضاف إليه المجرور فجُرَّ "فاجرُرْ ... " هذا التابع؛ مراعيًا لفظ المجرور، سواء أكان مرفوعًا محلًا؛ لأنه فاعل، أو منصوبًا محلًا؛ لأنه مفعول به. وبين أن هذا الجر لمراعاة اللفظ ليس محتومًا؛ فمن يراعي المحل المرفوع أو المنصوب فعمله حسن، ورأيه سديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بعض النحاة يجعل لاسم المصدر قسمًا ثالثًا يسميه: "المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة". ومن أمثلته: المحمدة، أي: الحمد، والمضرب، أي: الضرب، ومصاب، "بمعنى: إصابة" في قول الشاعر: أظلومُ1 إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام -تحية- ظلمُ لكن يرى المحققون أن المبدوء بالميم كالأمثلة السابقة -ونظائرها- هو نوع من المصدر يسمى: "المصدر الميمي"، "وله أحكام خاصة ستجيء في بابه"2، وليس باسم مصدر. وهذا الرأي هو الشائع اليوم، والأخذ به واجب، وإعماله عمل فعله كثير بالطريقة التي سنشرحها هناك2. أما المبدوء بميم زائدة للمفاعلة فمصدر أصيل نحو: قاومت الباطل مقاومة عنيفة، وناصرت أهل الحق مناصرة لا تواني فيها ولا قصور. ب- اسم المصدر العامل ثلاثة أقسام، كالمصدر العامل: 1- مضاف، وهو الأكثر؛ نحو: ناصرت الوطن نصر الحر وطنه، وهدمت الباطل هدم الخيمة صاحبها. وإضافته -كما رأينا- قد تكون لفاعله مع نصب المفعول به، وقد تكون للمفعول به مع رفع الفاعل. ويجوز في تابع المضاف إليه الجر مراعاة للفظه، كما

_ 1 المعنى: يا ظلوم، إنَّ إصابتكم رجلا أهدى إليكم السلام للتحية ظلمٌ منكم. فكلمة "رجل" مفعول به المصدر الميمي: "مصاب" على الرأي الأحسن. وكلمة: "ظلم" خبر "إن". وسيعاد ذكر البيت في هامش ص236 بمناسبة هناك. و"ظلوم" اسم امرأة. قال الشنقيطي -صاحب الدرر اللوامع على همع الهوامع- ج2 ص196 ما نصه: "أكثر الرواة على أن الرواية: "أظلوم" كما جاء في الأصل، وبعضهم قال: إن الصحيح "أظليم" بالياء المثناة التحتية"، ثم نقل الخلاف في قائل البيت، وارتضى أن الصحيح نسبته إلى الحارث بن خالد بن العاص من قصيدة مطلعها: أقوى منَ ال ظليمة الحرْمُ ... فالعيِّران، فأوحش الحطْمُ "2-2" ص231 م101.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز مراعاة محله في الرفع والنصب على الوجه الذي سبق في المصدر1. 2- منون؛ نحو: طربت لنصرٍ حرٌّ وطنه انتصارًا باهرًا. 3- ومحلى بأل؛ مثل: عاونت الصديق كالعون الأهلَ.. ج- من أحكام اسم المصدر العلَم أنه لا يضاف، ولا تدخل عليه "أل" التي للتعريف، ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، ولا يقصد به الشيوع2.

_ 1 في ص218. 2 راجع ما نقله الصبان في هذا الموضع عن "الهمع".

المسألة 100

المسألة 100: المصدر الدال على المرة، والدال على الهيئة: عرفنا1 أن المصدر الأصلي لا يدل بذاته إلا على: "المعنى المجرد"، فلا علاقة له -في الغالب- بزمان، ولا مكان، ولا تأنيث، ولا تذكير، ولا عَلَمية، ولا عدد، ولا هيئة، ولا شيء آخر غير ذلك المعنى المجرد. لكن من الممكن تناوله ببعض التغيير اليسير والزيادة اللفظية القليلة، فلا يُقتصر -بعدهما- على المعنى المجرد، وإنما يدل عليه وعلى شيء آخر معه هو: "المرة الواحدة"، أو: الهيئة"2، بمعنى: أن المصدر الأصلي يدل بعد هذا التغيير، والزيادة اللفظية -إما على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة العددية التي تبين الوحدة، "أي: أنه واحد، لا اثنان، ولا أكثر ... ". وإما على المعنى المجرد مزيدًا عليه وصفة بصفة من الصفات؛ كالحسن، أو: القبح؛ أو: الطول، أو: القصر ... أو غير ذلك مما يتصل بهيئته، وشكله، وأوصافه، لا بعدد مراته3. فالمصدر الأصلي في دلالته الأساسية الأولى خالٍ من التقييد، بخلافه إذا دل على المرة أو الهيئة؛ فإنه يكون في "المرة" مقيدًا -مع الحدث- بالدلالة على أن هذا الحدث مرة واحدة، وفي "الهيئة" يكون مع الحدث مقيدًا بوصف خاص4.

_ 1 في رقم 4 من هامش ص187، أما الكلام المفصل عن أصل المشتقات ففي ص182. 2 أي: هيئة الحدث وكيفيته وشكله. وفسر بعضهم الهيئة بأنها: "النوع". 3 فائدة المصدر الدال على "المرة" أو على "الهيئة" أنه يدل على شيئين معًا بأوجز لفظ، وأقل كلمات. ومن الممكن الوصول إلى هذه الدلالة بتعبير آخر، ولكنه سيكون تعبيرًا أكثر ألفاظًا وكلمات. أما المصدر الأصلي فلا يدل إلا على شيء واحد -في الغالب- هو المعنى المجرد الخالي من كل تقييد وتحديد. 4 ومتى دل المصدر الأصلي على المرة بالطريقة التي شرحناها -فإنه يصير من قسم المصدر الأصلي الذي يدل معناه على المرة، مع توكيد معنى عامله أيضًا؛ أي: أنه يدل على الأمرين معًا. ويكون بيان المرة هو الأهم -طبقًا لما سبق في باب: "المفعول المطلق"، ج2 م74 ص169- وكذلك حين يدل على الهيئة؛ فإنه يصير من قسم المصدر الذي يدل معناه على الهيئة مع توكيد معنى عامله، ويكون بيان الهيئة هو الأهم؛ طبقًا للبيان المشار إليه آنفًا.

وإذا دل المصدر الأصلي -بعد التغيير- على المعنى المجرد مزيدًا عليه الدلالة على الوحدة -وهي "المرة"- أو على "الهيئة" فإنه يظل محتفظًا باسمه كما كان. ولكنه يشتهر باسم: المصدر الدال على "المرة"، أو على "الهيئة" فهو في الحالتين مصدر أصلي1 له اسمه، وكل أحكام المصدر الأصلي2. إلا أن الدال على "المرة" لا يعمل -كما سبق3. أ- فإذا أردنا الدلالة على "المرة" الواحدة من المصدر الأصلي لفعل ثلاثي فوق دلالته على المعنى المجرد: "أتينا بمصدره المشهور، مهما كانت صيغته، ومهما كان وزنه"، "وجعلناه على وزن: "فَعْل"، ولو بحذف أحرفه الزائدة إن اقتضي الأمر هذا"، "وزدنا في آخره تاء التأنيث": فيصير الوزن: "فَعْلَة"، وهي صيغة المصدر المطلوب الدال على "المرة" فوق دلالته على المعنى المجرد؛ ولا تتحقق هذه الصيغة إلا بتحقق الأمور الثلاثة السالفة. فللوصول إلى الصيغة الدالة على "المرة" من المصادر: أخذ، قعود، فرح، جولان وأشباهها ... يجب: "تجريد كل مصدر أصلي من حروفه الزائدة، إن وجدت"، ثم "تحويل صيغته بعد ذلك إلى: "فَعْل"، ثم "زيادة تاء التأنيث في آخرها"؛ فتصير: أخذة، قعدة، فرحة، جولة؛ وهذه المصادر الأصيلة تدل هنا على

_ 1 كما سبقت الإشارة لهذا "في رقم 4 من الهامش السابق وفي رقم 4 من هامش ص187" قال الصبان في هذا الموضع ما نصه: "مقتضى ما سبق أن "فَعْلَة" التي للمرة كجلسة، هي من المصادر؛ فيكون للفعل: جلس -مثلًا- مصدران؛ أحدهما دال على "المرة"؛ وهو "جَلسة"؛ والثاني لا دلالة عليها وهو: "جلوس" ا. هـ. وأين المصدر الميمي؟ الحق أن لكل فعل ثلاثة أنواع من المصادر "كما أوضحنا في ص181" أولها: المصدر الأصلي الصريح الذي لا يدل إلا على المعنى المجرد. وثانيهما: المصدر الأصلي الذي يدل على المعنى المجرد مزيدًا عليه "المرة" أو "الهيئة". وثالثها المصدر الميمي. أما المصدر الصناعي فليس مصدرًا للفعل، ودلالته تختلف عن دلالة غيره. ولا يكون هو، ولا الميمي دالين على المرة أو الهيئة. 2 ومنها: أن يتعلق به شبه الجملة. 3 وفي رقم 3 من ص215. حيث بيان السبب، "وسيجيء في رقم 2 من هامش ص230 أن المصدر المبين للنوع قد يعمل ... ".

المعنى المجرد، وعلى المرة معًا؛ نحو: أخذت من المال أَخْذة. قعدت على الأريكة قَعْدة. تجددت لنا فَرْحة بالنصر. قمت بجَوْلة حول المدينة. والمعنى: أخذة واحدة، قعدة واحدة، فرحة واحدة، جولة واحدة1. فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فعلة": نحو: نظرة. هفوة. رأفة. صيحة ... لم تدل بنفسها في هذه الصورة على المرة، ووجب زيادة لفظ آخر معها ليدل على "المرة" أو قيام قرينة أخرى تدل عليها. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا. فنقول مثلًا: ربما تنفع النظرة الواحدة في ردع المسيء. قد تعقب الهفوة الواحدة عواقب خطيرة. إن رأفة واحدة بضعيف قد تضمه إلى أعوانك المخلصين. أهلك الله بعض الغابرين بصيحة لم تتكرر2 ... ولا بد في صياغة "فَعْلة" الدالة على "المرة" من تحقق شرطين: أن تكون لشيء حسي صادر من الجوارح الظاهرة والأعضاء الجسمية، وأن يكون ذلك الشيء المحسوس غير ثابت؛ فلا تصح صياغة "فَعْلة" لدلالة على أمر معنوي عقلي محض، كالذكاء، أو العلم، أو الجهل، أو النبوغ ... ولا تصح صياغتها من الأوصاف الثابتة؛ كالظرف، والحسن. والملاحة، والقبح، والطول، والقصر ... وإن كان الفعل الماضي غير ثلاثي فالوسيلة للدلالة على المرة من مصدره الأصلي هي: زيادة تاء التأنيث في آخر هذا المصدر مباشرة، دون زيادة، أو حذف، أو تغيير آخر. مثل: "إنعام" مصدر الفعل الرباعي: "أنعَم"

_ 1 ومن الشاذ المسموع قول العرب: حَج فلان حِجة "بكسر الحاء" ومنه شهر ذي الحجة فجاءوا بالمصدر الدال على المرة مصوغًا على وزن: "فِعْلة" "بكسر، فسكون" وهذه الصيغة هي الخاصة بالهيئة. وبالرغم من هذا السماع الوارد عنهم لا مانع أن نقول في المرة: "حَجّة" بفتح أول الكلمة تطبيقًا لصيغة: "فَعْلة" الخاصة بالمرة؛ عملًا بالبيان المفيد الذي عرضناه في ص191. ومن المسموع أيضًا رأيته رؤية "بوزن فُعْلة" مرادًا بها المرة، ولا مانع من استعمال القياس فيهما أيضًا -راجع "تاج العروس"، مادة: "حج". هذا، وقد نقل ابن خالويه في كتابه المسمى: "ليس في كلام العرب" أن فتح الراء مسموع أيضًا. 2 انظر آخر الملاحظة الآتية في ص229.

و"تبيُّن" مصدر الفعل الخماسي: "تبين"، و"استفهام" مصدر الفعل السداسي: "استفهم" فإن صيغها الدالة على "المرة" هي: "إنعامة". تبيُّنة1. استفهامة ... نحو: إن إنعامة الله تملأ النفس انشراحًا. تبيُّنة الحق جلبت الخير ودَفَعَت البلاء. استفهامةٌ وهدايةٌ2 خير من صمت وضلالة. فإن كان مصدر الفعل غير الثلاثي مشتملًا في أصله على تاء التأنيث؛ فإنه لا يصح للدلالة المباشرة على المرة، ويجب زيادة لفظ آخر معه، أو قيام قرينة تدل عليها. نحو: "استعانة" تقول: استعانة واحدة بأريحي قد تمنع خطرًا داهِمًا. والغالب في اللفظ الآخر أن يكون نعتًا؛ كالمثال السالف. ب- وإذ أردنا أن ندل على "الهيئة" بمصدر الثلاثي -فوق دلالته على المعنى المجرد- صغناه بالطريقة السالفة على وزن: "فِعْلة"، "بأن نجيء بمصدر الفعل الثلاثي، دون غيره من الأفعال التي ليست ثلاثية ونحذف ما فيه من الحروف الزائدة إن وجدت،" ثم "نزيد في آخره تاء التأنيث"، ثم "نجعله على صورة: "فِعلة" فهذه أمور ثلاثة لا بد من تحققها؛ فنقول في مصادر الثلاثي السالفة: إخذة، قِعْدة، فِرْحة، جِيلة3 ... نحو: إخذة القط فريسته مزعجة، قِعْدة الوقور جميلة، فِرْحة العاقل يزينها الاعتدال، جِيلة3 الرحالة شاهدة برغبته في كشف المجهول. والمعنى: هيئة أخذ القط، وطريقته في الأخذ ... -هيئة قعود الوقور، وطريقته، وشكل قعوده ... -هيئة فرح العاقل وصورته في أثناء فرحه ... -هيئة جولان الرحالة، وشكل جولانه، ومنظره ... فإن كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على وزن: "فِعْلة" الخاص "بالهيئة"؛ نحو: عِزة، نِشدة4، رِخوة5 ... وجب

_ 1 يجب فتح ما قبل تاء التأنيث هنا وفي كل موضع آخر. 2 أي: مع هداية: بمعنى أنها تؤدي إليها. "3، 3" أصلها: "جولة"، "قلبت الواو الساكنة ياء بعد الكسرة......". 4 نشد للرجل مأربه نشدًا ونِشدة: طلبه وسعى وراءه. 5 استرخاء.

التصرف بإيجاد ما يضمن الدلالة على "الهيئة"؛ كزيادة بعض الألفاظ للدلالة عليها؛ أو إقامة قرينة -أي قرينة- ترشد إليها، وإلى ما يراد منها من حسن، أو قبح، أو زيادة، أو نقص ... أو غير هذا من الأوصاف التي يراد وصف المصدر بها، مثل: العِزة الجاهلية تحمل صاحبها على الطغيان. نشدة المآرب بالحكمة كفيلة بإدراكها. ويلاحظ أن الدلالة على "الهيئة" بالصيغة المباشرة السالفة، إنما تقتصر على مصدر الفعل الثلاثي؛ مع زيادة التاء في آخر هذا المصدر إن لم تكن موجودة؛ فمنهما تتكون الصيغة الدالة بنفسها على المعنى المجرد وعلى "الهيئة" معًا. أما الأفعال التي ليست ثلاثية فلا تصاغ -قياسًا- من مصادرها الأصلية صيغة تدل على "الهيئة"، وإنما يزاد على المصدر الأصلي قرينة، أو لفظ يدل على الوصف المراد، من غير التزام قرينة معينة، أو لفظ معين. فعند إرادة الدلالة على الهيئة من المصادر: تكلُّم، استماع، اندفاع، وأشباهها ... نقول: التكلم الكثير مدعاة للملل. الاستماع الحسن أمارة العقل الراجح. الاندفاع الطائش مقدمة البلاء العاجل. ومجمل القول: إذا كان المصدر الأصلي موضوعًا في أصله على وزن: "فِعلة" كعزة"، وأردنا أن يدل على "المرة" وجب تحويله إلى صيغة "فَعلة" فنقول: ثارت في رأسي الجاهلي عَزة أبعدته عما يحسن بالعاقل. وكذلك إن كان موضوعًا في أصله على وزن: "فَعْلة"؛ كرحمة. وأردنا أن يدل على "الهيئة" فإننا نحوله إلى صيغة: "فِعْلة"؛ فنقول: رِحْمة، مثل: "رِحْمة تداوي، ورِحْمة تجرح"1. وخلاصة ما سبق: 1- أن الفعل الثلاثي يصاغ بشرطين -مصدره الأصلي الشائع على وزن: "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، و"المرة".

_ 1 هذه حكمة قديمة، معناها أن هيئة الرحمة، والطريقة التي تظهر بها، وتقدم لمستحقها -قد تكون طريقة كريمة تفيده، وتزيل أو تخفف آلامه ومتاعبه. وقد تكون طريقة جافة خشنة تؤلمه" وتجرح شعوره.

ويتوصل إليهما من مصدر غير الثلاثي بزيادة تاء التأنيث على هذا المصدر. 2- ويصاغ مصدر الثلاثي على وزن "فعلة" للدلالة على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد، والهيئة. ولا يصاغ المصدر للهيئة مباشرة من غير الثلاثي. 3- مصدر المرة والهيئة هو مصدر أصلي يحتفظ باسمه، وبخصائصه1 التي عرفناها، وبعمله. إلا أن المصدر الدال على المرة لا يعمل2. 4- إذا كانت صيغة المصدر الأصلي موضوعة في أصلها على صورة المصدر الذي نريد أن يدل على المرة أو الهيئة، وجب إدخال تغيير أو زيادة عليها أو المجيء بقرينة تدل على المراد، وتُرشد إلى المرة أو الهيئة، طبقًا للتفصيل الذي سبق ... 3.

_ 1 ومنها أن يتعلق به شبه الجملة، وأنه مع دلالته على المرة أو الهيئة هو مؤكد لعامله أيضًا -طبقًا لما سبق في رقم 4 من هامش ص225- والتفصيل في باب: "المفعول المطلق" ج2 م74 ص199. 2 راجع إيضاح هذا في رقم 3 من هامش ص215، وفي ص226 ... من هذا الجزء. وكذلك في ص200 م74 ج2 "باب المفعول المطلق"؛ حيث قلنا هناك ما نصه: "قد يعمل المبين النوع أحيانًا، كأن يكون مضافًا لفاعله، ناصبًا لمفعوله أو غير ناصب؛ نحوه: تألمت من إيذاء القوي الضعيف. حزنت حزن المريض. وهذا العمل على قلته قياسي". 3 وفي اسم المرة واسم الهيئة وصياغتهما مصدر الثلاثي يقول ابن مالك في ختام باب: "أبنية المصادر" بيتين سجلناهما هناك في ص200. و"فعلة" لمرة كجَلْسهْ ... و"فعلة" لهيئة؛ كجلسة ويقول في صياغتهما من مصدر غير الثلاثي: في غير ذي الثلاث بـ"التا" المرة ... وشذ فيه هيئة؛ كالخمرة أي: الدلالة على "المرة" من مصدر غير الثلاثي -تكون بزيادة التاء في آخر المصدر. أما "الهيئة" فلا تجيء منه مباشرة، وشذ مجيئها منه، كقولهم: فلان حسن الخِمْرة، وهي حسنة النقبة: والفعل منهما خماسي، هو: اختمر، بمعنى: لف الرأس بثوب ونحوه. وانتقب بمعنى لبس النقاب، وهو البرقع.

المسألة 101

المسألة 101: ب 1 -المصدر الميمي: يصاغ من المصدر الأصلي للفعل الثلاثي وغير الثلاثي صيغة قياسية، تلازم الإفراد2 والتذكير3، وتؤدي ما يؤديه هذا المصدر الأصلي من الدلالة على المعنى المجرد ومن العمل -كما سيأتي- لكنها تفوقه في قوة الدلالة وتأكيدها4.

_ 1 سبق الكلام على: "أ" في ص193، وهو وزن المصدر الأصلي، كما سبق الكلام على النوع الثالث؛ وهو: "المصدر الصناعي" في ص186. 2 يدل على هذا ما سجله النحاة في باب البدل -كما سيجيء في رقم 2 من ص676. "3، 4" وقد وردت هذه الصيغة لبيان السبب، وقال الرضي في شرح الشافية، آخر باب المصدر ما نصه: "يجيء "المفعلة" لسبب الفعل؛ كقوله عليه السلام: "الولد مبخلة، مجبنة، محزنة" ا. هـ. وقول عنترة العبسي: نبئت عمرًا غيرَ شاكر نعمتي ... والفكر مخبثة لنفس المنعمِ وقولهم أيضًا: الشكر مبعثة لنفس المفضل. والمفهوم أن هذا المعنى مقصور على السماع. وكذلك صيغته المختومة بالتاء؛ حيث يتشدد غالب النحاة "بغير داعٍ قوي" فيجعلها سماعية، على الرغم من الأمثلة الكثيرة الواردة بالتاء -والتي رآها مؤتمر المجمع اللغوي كافية للقياس عليه، كما سيجيء في3 ص235- مثل: مقالة، مرة، مهلكة، منصبة، مخافة ... كقول الشاعر: مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدِر سائلِ وقول الآخر: لا تنم واغتنم مسرة يوم ... إن تحت التراب نومًا طويلًا وقول دعبل: ألم أقل لك: إن البغي مهلكة ... والبغي والعجب إفساد لأقوام؟ وقول علي رضي الله عنه فيما ورد منسوبًا له: ليس لواضع المعروف في غير حقه، وعند غير أهله، من الحظ إلا محمدة اللئام، وثناء الأشرار، ومقال الجهال. وقوله أيضًا: الحمد لله المعروف من غير رؤية، الخالق من غير منصبة. وقول الأحنف بن قيس: رب حلم قد تجرعته؛ مخافة ما هو أشد منه.

وتسمى هذه الصيغة: المصدر الميمي1. وتعرب -في الأغلب2- على حسب حاجة الجملة. 1- وللوصول إليها من الفعل الثلاثي غير المضعف3 نأتي بمصدره القياسي المشهور -مهما كانت صيغته- وندخل عليه من التغيير اللفظي ما يجعله على وزن "مفعل" -بفتح الميم والعين- وهذه هي الصيغة القياسية للمصدر الميمي في جميع حالات4 الفعل الماضي الثلاثي غير المضعف. ما عدا حالة واحدة5؛ وهي التي يكون فيها الفعل الماضي الثلاثي صحيح الآخر، معتل الفاء6 بالواو التي تحذف7 في مضارعه؛ "لوقوعها بين الفتحة والكسرة؛ مثل: وصل، وصف، وعد، وثب, وجد ... فإنها أفعال واوية الفاء، ومضارعها مكسور العين، محذوف الواو، وهو: يصل، يصف، يعد، يثب، يجد ... " وفي هذه الحالة الواحدة تكون على وزن: "مَفْعِل" بكسر العين8.

_ 1 انظر ما يتصل بهذه التسمية في "أ" من ص223، وسبق في ص181 الكلام المفصل عن المصدر الأصيل، وعن أصل المشتقات. 2 البيان في رقم 6 من هامش ص235. 3 مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، مثل الفعل: مد، فر، سر ... 4 أي: سواء أكان الفعل الثلاثي غير المضعف متعديًا، أم لازمًا، صحيحًا، أم معتلًا، مضموم العين أم مفتوحها أم مكسورها. "إلا حالة واحدة ستُذكَر". 5 وهناك حالة أخرى يجوز فيها فتح العين وكسرها، وسيجيء الكلام عليها في ملاحظة خاصة ص236. 6 هو: معتل الأول، ويسمى: "مثالًا". وسيجيء في رقم 4 من هامش الصفحة الآتية أن بعض القبائل يجعل المثال هنا كغيره. 7 بأن يكون مضارعه مكسور العين؛ فتقع الواو فيه بين الفتحة والكسرة، وهذا يؤدي -في الغالب- إلى حذفها كالأمثلة المعروضة. فلا بد من صيغة: "مَفْعِل" -بكسر العين- من تحقق -ثلاثة شروط، أن يكون الثلاثي معتل "الفاء" بالواو -وأن يكون مضارعة مكسور العين- وأن يكون حرف العلة "الواو" محذوفًا فيه. فإن خلا شرط من الثلاثة فالقياس: "مَفْعَل"؛ كأن يكون صحيح "الفاء"، مثل: كتب، أو يكون معتل الفاء بالياء؛ مثل: "يبس، يقن، يقظ ... أو يكون معتل الفاء بالواو ولكن مضارعه غير مكسور العين؛ فلا تحذف فيه الواو، قياسًا؛ مثل: وجع يوجع، وحل يوحل، وله، يوله، بمعنى: فقد عقله لحزن أو فرح أو نحوهما. وإن كان معتل الفاء واللام فصيغته: "مَفْعَل" بفتح العين. 8 مع ملاحظة حالة المضعف التي يجوز فيها فتح العين وكسرها وستأتي.

فمن أمثلة "مَفْعَل" بفتح الميم والعين: ملعب، بمعنى لعب. مسقط؛ بمعنى: سقوط. مصعد، بمعنى: صعود. مأكل؛ بمعنى: أكل. مغنم؛ بمعنى: غنم. مأثم؛ بمعنى: إثم. مخبثة؛ بمعنى: خبث. منطق، بمعنى: نطق. مقدم: بمعنى: قدوم. معاب1؛ بمعنى: عيب. وأفعالها الماضية: لعب، سقط، صعد، أكل، غنم، أثم، خبث، قدم، عاب، يقال: فلان رياضي يحسن مَلْعَب الكرة. سقط البرد، وكان مسقطه عنيفًا. صعدت إلى قمة الجبل مسترشدًا في مصعدي بخيبر. أهلك فلانًا مأكله الحرام ... ومثل قولهم: ليس في الشر مغنم، ولا لوم على امرئ إلا في مأثم، والكفر مخبثة لنفس المنعم. وقول الشاعر: لا يملأ الهول صدري قبل مقدمه ... ولا أضيق به ذرعًا2 إذا وقعا وقول الآخر: أنا الرجل الذي قد عبتموه ... وما فيه لعياب معاب3 ومن أمثلة: "مَفْعِل" بكسر العين": موصِل؛ بمعنى: وصول. موصِف، بمعنى؛ وصف. موعِد، بمعنى: وعد ... و..... و..... و...... فيقال: كان موصِلي للصديق تنفيذًا للموعِد الذي بيننا، وكان موصِفه لمكان التلاقي واضحًا؛ فلم أخطئه ... أي: كان وصولي للصديق تنفيذًا للوعد الذي بيننا، وكان وصفه4 ... فإن كان الثلاثي مضعف العين جاز في مصدره الميمي أن يكون مفتوح العين

_ 1 أصلها: "مَعْيَب" -على وزن: مَفْعَل- ثم تناولها التغيير الصرفي الذي انتهى بها إلى: "معاب". "بأن نقلت فتحة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها، فهي متحركة بحسب الأصل، وما قبلها متحرك أخيرًا، فتقلب الياء ألفًا". 2 الذرع: الطاقة والاحتمال. وضاق بالأمر ذرعًا: ضعفت طاقته عن احتماله، ولم يجد منه خلاصًا. 3 سيعاد البيت لمناسبة أخرى في ص236. 4 بعض القبائل العربية الفصيحة لا يفرق بين معتل الفاء وصحيحها، وإنما يجعل صيغة المصدر الميمي واحدة لجميع أنواع الثلاثي، هي: "مَفْعَل" بفتح الميم والعين. ورأيه -على صحة محاكاته- مخالف لأكثر القبائل التي يشيع العمل برأيها اليوم وقبل اليوم. ومن المستحسن الاكتفاء بمتابعة الأكثرية.

أو مكسورها1 كالمفَِرّ -بفتح الفاء وكسرها- في قولهم: لا ينفع الجاني المفر من قصاص الدنيا، فقصاص الآخرة أشد. أما ما ورد من الألفاظ المسموعة خارجًا في صياغته على الضابط الموضح في الحالتين السابقتين؛ مخالفًا له -فحكمه: جواز استعماله بالصيغة الواردة، أو إخضاعه للضابط، وتطبيق القاعدة عليه؛ فيصاغ صياغة جديدة على حسب مقتضاها. 2- وإن كان الماضي غير ثلاثي فمصدره الميمي يصاغ على صورة مضارعه، مع إبدال أول المضارع ميمًا مضمومة، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا2 ... ففي مثل الأفعال: عرف، تعاون، استفهم ... يكون المضارع: يعرف، يتعاون، يستفهم. وتكون صيغة المصدر الميمي: معرف، متعاون، مستفهم ... يقال: "كان معرفك للنظرية العلمية واضحًا، والمتعاون بيننا في فهمها خير وسيلة لتحقيق الغرض، والإجابة على كل مستفهم أنارت غوامض البحث". تريد: "كان تعريفك. والتعاون بيننا ... والإجابة عن كل استفهام" ومثل قول الشاعر: ألا إنما النعمى تجازى بمثلها ... إذا كان مسداها إلى ماجد حرّ أي: إسداؤها. وملخص ما سبق من حيث: الصياغة القياسية، والحكم، والدلالة: 1- أن المصدر الميمي للماضي الثلاثي غير المضعف يصاغ دائمًا على وزن "مَفْعَل" -بفتح الميم والعين- إلا إن كان الماضي صحيح الآخر معتل

_ 1 صرح بجواز الأمرين صاحب "المصباح المنير" في فصول آخر كتابه -ص962: عند الكلام على صوغ المصدر الميمي واسم الزمان والمكان- وساق مثالًا نصه: "فر مفَرًّا ومفِرًّا". 2 وقد يستتبع هذا تغييرًا صرفيًّا في بعض الحالات؛ كالذي في كلمة: مقام -بضم الميم- في قول الشاعر: وإن مُقام الحر في دار ذلة ... ليدفع عنه الفقر شر من الفقر ففعلها: "أقام"، والمصدر الميمي منه هو: "مُقْوَم" على وزن: مُفْعَل. ثم ينقلب حرف العلة -الواو- أيضًا ... "انظر رقم 1 من الهامش السابق".

الأول بالواو التي تحذف عند كسر عين مضارعه، فيجيء مصدره الميمي على "مَفْعِل" بكسر العين1. أما المصدر الميمي للثلاثي المضعف فيجوز فيه فتح العين وكسرها. 2- وأن المصدر الميمي لغير الثلاثي يصاغ على صورة مضارعة، مع إبدال الحرف الأول ميمًا مضمومة، مع فتح الحرف الذي قبل آخره2. 3- وأن المصدر الميمي يلازم الإفراد3 والتذكير، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعًا في رأي كثير من النحاة. ويخالفهم -بحق- آخرون4. والراجح أنه لا يعد من المشتقات، ولكن يصح أن يتعلق به شبه الجملة -كما سبق5-. 4- أنه يعرب على حسب حاجة الجملة إليه ما كان منه مسموعًا بالنصب6.

_ 1 هذا هو القياس في الحالتين. أما السماع فقد يجيء بغيرهما؛ كصيغة: "مَفْعَلة" في الحديث الذي سبق في رقم 3 من هامش ص231 ونصه: "الولد مبخلة، مجبنة، محزنة" وفي غيره مما ذكرناه. 2 فهو من مصدر غير الثلاثي كاسم المفعول من غير الثلاثي، وكاسم الزمان والمكان كذلك. والتمييز بينهما يكون بالقرائن التي تعين أحدها. 3 كما سيجيء في رقم 2 من ص676، لمناسبة هناك. 4 في الاقتصار على السماع تشدد بغير حجة قوية؛ إذ الأمثلة الفصيحة الواردة بالتاء كثيرة تبيح القياس عليها. وقد عرض مؤتمر المجمع اللغوي "المنعقد بالقاهرة في فبراير سنة 1971" لهذه المسألة واطلع على عشرات من الكلمات المسموعة بالتاء سجلها في محاضر جلساته، وقد أصدر قرارًا حاسِمًا في جواز إلحاق تاء التأنيث بالمصدر الميمي عامة. انظر ما يتصل بهذا في "أ" من ص223. وفي رقم "3، 4" من هامش ص231 بعض الأمثلة المختومة بالتاء. 5 في رقم "ب" من هامش ص182. ومع أنه لا يعد من المشتقات يجوز أن يتعلق به شبه الجملة: لما في المصدر الميمي من رائحة الفعل التي تكفي مسوغًا للتعليق. "راجع رقم 1، 2 من هامش ص251، 321". 6 يقع المصدر الميمي في جميع المواقع الإعرابية المختلفة "فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، وإلخ". وهناك ألفاظ مسموعة بالنصب في أكثر أحوالها باعتبارها مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف، أو مفعولًا به لفعل محذوف كذلك. ومن الأول قولهم لمن يريد أن يؤدي عملًا: أفعل، وكرامة، ومسرة، أي: وأكرمك كرامة وأسرك مسرة ... ومن الثاني كلمة: "مرحبًا" تقال للترحيب بالشيء، أي: أنه صادف مكانًا رحبًا، ولقي موطنًا واسعًا. ومنه قول القائل: مرحبا بالخطب يبلوني إذا ... كانت العلياء فيه السببا وقد سبق تفصيل هذا النوع في ج2 باب المفعول المطلق م76 ص192.

5- ومن حيث العمل فإنه يعمل عمل مصدره1. 6- أما من حيث الدلالة فيدل على المعنى المجرد -كالمصدر الأصلي- ويمتاز الميمي بقوة دلالته وتأكيدها. ولا يدل على بيان السبب إلا سماعًا. "ملاحظة": جاء في بعض المراجع اللغوية ما نصه2: "إن كان الماضي الثلاثي معتل العين بالياء فالمصدر الميمي مفتوح العين، واسم الزمان والمكان مكسور كالصحيح؛ نحو: مال مَمَالًا، وهذا مَمِيله ... هذا هو الأكثر. وقد يوضع كل واحد موضع الآخر؛ نحو المَعاش والمَعِيش، والمسار والمسير. قال ابن السكيت: لو فُتِحَا جميعًا في اسم الزمان والمكان، وفي المصدر الميمي، أو كسرا معًا فيهما -أي: في الاسم والمصدر- لجاز، لقول العرب: المعاش والمعيش؛ يريدون بكل واحد: المصدر واسم الزمان والمكان، وكذا المعاب والعيب، قال الشاعر: أنا الرجل الذي قد عبتموه ... وما فيه لعياب معاب ... 3

_ 1 ومن أمثلة إعماله قول الشاعر يخاطب امرأة اسمها "ظلوم": أظلوم، إن مصابكم رجلًا ... أهدى السلام تحية -ظلم يريد: إن أصابتكم رجلًا أهدى السلام تحية -ظلم. وكلمة: "ظلم" خبر "إن" وقد سبق -في ص223- رواية أخرى في البيت، وبيان قائله، وشرحه. وقول الآخر: وأمر تشتهيه النفس حلو ... تركت مخافةً سوء السماع أي: خوفًا سوء السماع. 2 المصباح المنير -ص 962- من الفصول الأخيرة. 3 سبق هذا البيت لمناسبة أخرى في ص233.

وقول الآخر: أزمان قومي والجماعة كالذي ... منع الرحالة أن تميل مميلًا أي: أن تميل ميلًا. الرحالة: الرحل، والسرج أيضًا. وقال ابن القوطية أيضًا: من العلماء من يجيز الفتح والكسر فيهما؛ مصادر كن أو أسماء زمان ومكان؛ نحو: الممال والمميل، والمبات والمبيت" ا. هـ.

المسألة 102: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة

المسألة 102: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة مدخل ... المسألة 102: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة: تعريف كلٍّ، وصوغُه، وإعمالُه. اسم الفاعل، تعريفه: "اسم مشتق، يدل على معنى مجرد، حادث1 وعلى فاعله". فلا بد أن يشتمل على أمرين معًا؛ هما: المعنى المجرد الحادث، وفاعله، مثل كلمة: "زاهد"، وكلمة: "عادل" في قول القائل: "جئني بالنمر الزاهد، أجئك

_ 1 أي: عارض، يطرأ ويزول؛ فليس له صفة الثبوت والدوام، ولا ما يشابههما. ويعترض بعض النحاة في التعريف عن كلمتي: "اسم، مشتق" بحجة أنه لا يوجد: "لفظ يدل على معنى مجرد، غير دائم، وعلى فاعله" إلا وهو اسم مشتق. وهذا صحيح. ولكنه ذكرناهما مبالغة في الإيضاح. أما المعنى المجرد أو الحدث المحض ... فقد بسطنا الكلام فيه في هامش ص181، 207، ودلالة اسم الفاعل على هذا المعنى المجرد هي دلالة مطلقة؛ أي: صالحة للقلة والكثرة، إلا إذا وجدت قرينة توجه المعنى لأحدهما وحده -كما سيجيء في الصفحة التالية. وأما المقصود من المشتق فهو: المأخوذ من كلمة أخرى مع تقاربهما لفظًا ومعنى. كما سبق -وفي ص182 بيان مفصل عن أصل المشتقات وعددها ... و ... وأما المعنى الحادث، "أو: غير الدائم، وغير الشبيه بالدائم" فهو الأمر الطارئ الذي يحدث ويزول من غير أن يدوم، أو يطول ثباته وبقاؤه حتى يقارب الدائم، ومن غير أن يشمل الماضي. وقد ارتضى صاحب "التسهيل" تعريفًا آخر لاسم الفاعل لا يخرج -مع طوله- عن التعريف السابق، ولكنه يزيده إيضاحًا. فمن زيادة الفائدة أن نذكره. نقلًا عن حاشية الخضري- قال: "إنه الصفة الدالة على فاعل الحدث، الجارية في مطلق الحركات والسكنات على المضارع من أفعالها في حالتي التذكير والتأنيث -كما سيجيء في ص308- المفيدة لمعنى المضارع أو الماضي. فخرج بالدالة على الفاعل، اسم المفعول، وما بمعناه؛ كمحمود، وقتيل. وبالجارية على المضارع الجارية على الماضي؛ كفرح، وغير الجارية على فعل، ككريم، وبالتأنيث نحو: "أهيف"؛ فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير؛ لأن مؤنثه هيفاء. ولمعناه أو معنى الماضي لإخراج نحو: ضامر الكشح، مما يدل على الاستمرار، ويخرج به أيضًا: أفعل التفضيل؛ لأنه للدوام، كما خرج قبله. "فهذه المخرجات، ما عدا الأول والأخير -وهما اسم المفعول، واسم التفضيل- صفات مشبهة، =

بالمستبد العادل". فكلمة: "زاهد" تدل على أمرين معًا هما: الزهد مطلقًا، والذات التي فعلته أو ينسب إليها، وكذا كلمة: "عادل" تدل على أمرين معًا؛ هما العدل مطلقًا والذات، التي فعلته أو ينسب إليها، ومثلهما كلمتي: "واشٍ" و"سائل" في قول المعري: أعندي وقد مارست كل خفية ... يُصدَّق واشٍ1، أو يُخيَّب سائلُ ودلالة اسم الفاعل على المعنى المجرد الحادث، أغلبية؛ لأنه قد يدل2 -قليلًا- عن المعنى الدائم، أو شبه الدائم، نحو: دائم، خالد، مستمر، مستديم ... و ... 3 ودلالته على ذلك المعنى المجرد مطلقة "أي: لا تفيد النص على أن المعنى قليل أو كثير ... " فصيغته الأساسية محتملة لكل واحد منهما4، إلا أن وجدت قرينه تعين أحدهما دون الآخر.

_ = لا اسم فاعل. هذا هو الاصطلاح المشهور. وأما ما يأتي في: "أبنية أسماء الفاعلين" من أنه يطلق عليها اسم الفاعل فباعتبار اصطلاح آخر، وهو مجاز -كما سيأتي. "وإن شئت فقل: اسم الفاعل ما دل على فاعل الحدث، وجرى مجرى الفعل في إفادة الحدوث. فخرج بالأول اسم المفعول، وبالثاني الصفة بجميع أوزانها، وأفعل التفضيل" ا. هـ. واستعمال ذلك الإصلاح شائع قبل "ابن مالك"، ومنه ما جاء في "أمالي القالي" -ج2 ص184 ونصه: "قال أبو علي: غمَض وغمُض "بفتح الميم وضمها" فمن قال غمُض بضم الميم، قال في الفاعل: غميض. ومن قال: غمَض بفتح الميم، قال في الفاعل غامض" ا. هـ. فالمراد بالفاعل في الأول: الصفة المشبهة، وفي الثاني: اسم الفاعل. 1 أصلها: واشيٌ، على وزن: فاعل، حذفت الضمة؛ لثقلها على الياء، ثم حذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، طبقًا للبيان الذي سبق عند الكلام على المنقوص ج1 م16 ص173. 2 شرط هذه الدلالة أن تكون هي المعنى الصريح لصيغته اللفظية، أو أن توجد قرينة أخرى توجه المعنى إلى الدوام وشبهه، مع بقاء اسم الفاعل في الحالتين على صيغته وصورته الخاصة به، وأحكامه النحوية التي تفرَّد بها "انظر الزيادة الآتية في ص242". 3 وكذلك في الحالة التي يصير فيها: "صفة مشبهة" وستأتي في الزيادة ص242. 4 جاء في ص130 من شرح درة الغواص، ما نصه: "قال ابن بري: ... إن باب "فاعل" كضارب، وقاتل ... عام لكل من صدر منه الفعل، قليلًا كان أو كثيرًا؛ فلا يمنع أن يقع "فاعل" موقع "فعال" المختص بالكثير؛ لعمومه. ألا ترى أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} لا يقتضي أن يكون السائل هنا من قل سؤاله؟ ومثله في صفات الباري: الخالق والخلاق، والرازق والرزاق ... والمراد بأحدهما ما يراد بالآخر". اهـ، وفي حاشية ياسين على شرح الفاكهي لقطر الندى "ج2 ص217 ما نصه: "قال الشاطبي في شرح الألفية: اسم الفاعل دال على الفعل، كثيرًا كان أو قليلًا: فيقال "فاعل" لمن تكرر منه الفعل وكثر، ولمن وقع منه فعل ما ... فإذا أرادوا أن يشعروا بالكثرة وضعوا لها مثالا دالًّا عليها؛ مثل: فَعُول" ا. هـ ... ولهذا إشارة في ص257 وهامشها.

صوغه 1: أ- يصاغ من مصدره الماضي الثلاثي، المتصرف، على وزن: "فاعِل"؛ بأن نأتي بهذا المصدر -مهما كان وزنه- وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن: "فاعِل". ولا فرق في الماضي بين المتعدي واللازم، ولا بين مفتوح العين، ومكسورها، ومضمومها2؛ نحو: "فتح، يفتَح، فتحًا؛ فهو: فاتح، قعَد، يقعُد، قعودًا؛ فهو: قاعد، حسب، يحسب، حُسابًا؛ فهو: حاسب. نعم، ينعم، نعمًا؛ فهو: ناعم" كرم، يكرم كرمًا؛ فهو كارم. حسن، يحسن، حسنًا؛ فهو: حاسن"؛ بشرط أن يكون الكرم والحسن أمرين طارئين، لا دائمين3

_ 1 عقد ابن مالك بابًا مستقلا لإعمال اسم الفاعل، وضمنه إعمال اسم المفعول "وسيجيء شرحه في هامش ص250". ثم عقد بابًا آخر "سيجيء شرحه أيضًا في هامش ص289" لابنيتهما وصيغهما، وأبنية الصفة المشبهة، فاصلًا بينهما بباب آخر؛ هو: "باب أبنية المصادر". وهذا ترتيب ارتضاه لسبب ذكرناه في أول باب "أبنية المصادر" ص181 ولم نقبله هناك، ولا نستحسنه هنا؛ إذ الكلام على الشيء وإعماله لا بد أن يجيء بعد معرفة ذلك الشيء وإدراك كنهه، وهذا يقتضي تقديم الكلام على صيغة وأبنيته أولا. كذلك لا نستحسن عقد بابين مستقلين؛ أحدهما الصيغ والأبنية. والآخر للإعمال والأحكام: لما في هذا من التشعيب والتشتيت من غير مسوغ. 2 مضموم العين لا يكون إلا لازمًا. "انظر البيان الخاص باللازم في هامش ص289". 3 نص على هذا كثيرون -في باب: أبنية أسماء الفاعلين ... ؛ منهم "الخضري" و"الصبان"، وصاحب حاشية "التصريح"؛ ومنهم: "صاحب المصباح المنير" في فصل الفعل ودلالته، ودلالة المشتقات، بآخر كتابه، ص947 وما بعدها، وكذلك محمد الرازي في كتابه: "غرائب أي التنزيل" المطبوع على هامش كتاب: "إملاء ما من به الرحمن ... " للعكبري، ص133 حيث عرض للآية الكريمة: {ضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} وأوضح السبب في التعبير بكلمة: "ضائق" دون "ضيق" بما نصه: "إن ضيق صدر الرسول عارض غير ثابت؛ لأن النبي عليه السلام كان أفسح الناس صدرًا. ونظيره قولك: فلان سائد وجائد. فإذا أردت وصفة بالسيادة والجود الثابتين المستقين، قلت: سيد وجواد. كذا قال الزمخشري" ا. هـ. ويقول ابن يعيش في الآية السالفة: {ضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} إنه عدل عن "ضَيِّق" إلى: "ضائق" ليدل على أن هذا الضيق عارض في الحال، غير ثابت ... ؛ ومثل هذا يقال في كلمة: "فارح" من قول أشجع السلمي يرثي عمرو بن سعيد الباهلي: وما أنا من رزه -وإن جل- جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح وراجع ما يأتي في ص292 حيث البيان والإفصاح.

وكذلك بقية المعاني السابقة، حين يكون المراد النص على حدوث المعنى. ويجب أن يَتَحقق في صيغة: "فاعل" المذكورة أمران؛ أن يكون ماضيها الثلاثي متصرفًا، وأن يكون معنى مصدره غير دائم؛ لأن الماضي الجامد "مثل: نِعْم، وعسى، وليس ... " لا يكون له مصدر، ولا اسم فاعل، ولا شيء من المشتقات الأخرى، ولأن المصدر الدال على معنى دائم، أو شبه دائم -لا يُشتق منه ما يدل نصا على الحدوث، وعدم الدوام، وهو: اسم الفاعل. إنما يشتق من ذلك المصدر شيء آخر يدل على الدوام أو شبهه؛ "كالصفة المشبهة"1، ولها صيغ متعددة بتعدد الاعتبارات المختلفة، وأحكام خاصة بها، سنعرفها في بابها2.

_ 1 لها باب خاص يجيء في ص281. ومثلها اسم التفضيل، فإنه يدل على الدوام، طبقًا للبيان الذي في رقم 1 من هامش ص282، ولما سيجيء في بابه ص394. 2 ص281.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا: إن صيغة "فاعل" المراد بها: "اسم الفاعل" لا تُشتق إلا من مصدر فعل ماضٍ، ثلاثي، متصرف. ويتساوى في هذا كل أنواع الماضي "الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، مفتوح العين، ومضمومها، ومكسورها" ... فلا مكان للتوهم بأن بعض أنواع الماضي الثلاثي المتصرف اللازم لا يصاغ من مصدره اسم الفاعل على صيغة "فاعل" للدلالة على الحدوث نصًّا؛ إذ من أين يجيء التوهم بعد أن قطع الأئمة بالحكم العام السابق، وبقياسية: كرُم الرجل؛ فهو: كارم، بخل فهو: باخل، شرف فهو: شارف، "أي: صار صاحب شرف"، وحسن فهو: حاسن، وغني فهو: غانٍ ... و.... وأمثال هذا مما فعله ثلاثي متصرف، لازم، يدل على معنى طارئ غير ثابت، ولا شبيه بالثابت. أمَا إن كان المعنى ليس طارئًا حادثًا وإنما هو دائم أو شبه دائم -فيجب التصرف؛ إما بتغيير صيغة "فاعل" الدالة على الحدوث إلى أخرى دالة على الثبوث أو شبهه؛ كأن نقول: كريم، بخيل، شريف، حسن، غني -"كما سيجيء في باب الصفة المشبهة" وإما بإيجاد قرينة -لفظية أو معنوية - تدل على أن صيغة: "فاعل" لا يراد منها الحدوث؛ وإنما يراد منها الثبوت، ومن القرائن اللفظية: إضافة اسم الفاعل من الثلاثي اللازم إلى فاعله1، نحو: لي صديق، راجح العقل، رابط الجأش، حاضر البديهة ... والأصل: راجع عقله،

_ 1 إضافة اسم الفاعل إلى فاعله تخرجه -حتمًا- من بابه من غير تغيير في صيغته التي هو عليها عند إضافته لفاعله، وتدخله في باب: "الصفة المشبهة"؛ فتسري عليه كل أحكامها المعروضة في بابها "وستجيء الإشارة لهذا في ص256، 265، 292، والبيان الوافي في "د" ص265". ونلخصه فيما يأتي: أإن كان فعله لازمًا ثلاثيًّا أو غير ثلاثي فلا يكاد يوجد خلاف في جواز إضافته إلى فاعله عند الرغبة في إبعاده عن باب اسم الفاعل وإدخاله في باب الصفة المشبهة على الوجه السابق لتحقيق الغرض المعنوي الذي تحققه تلك الصفة: ومتى تم إدخاله في باب الصفة المشبهة زال عنه اسمه القديم، وصار اسمه عند فريق من النحاة "الصفة المشبهة"، وعند فريق آخر "الملحق بها"، وهذا الخلاف في التسمية لا أثر له في المعنى ولا في الإعراب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رابط1 جأشه، حاضرة بديهته. ومنها: أن تكون صيغته اللفظية صريحة الدلالة على الدوام أو شبهه2. ومثال القرينة المعنوية قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وقول المؤمن: رباه، آمنت بك، خالقَ الأكوان، لا شريك لك، وخفتك قاهرَ الطغاة لا يعجزك شيء ... وقول شوقي:

_ = والفريقان متفقان على أن صورته الأولى لا تتغير، بالرغم من تغير اسمه. ب- وإن كان فعله متعديًا لأكثر من مفعول به لم يجز إضافته لفاعله. "راجع ما يتمم هذا في رقم 3 من هامش ص256". ج- وإن كان فعله متعديًا لمفعول به واحد فالصحيح جواز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله للغرض السالف، وهو إدخاله في باب: "الصفة المشبهة"؛ ليؤدي ما تؤديه، مع بقائه على صورته الأولى. أما المفعول به الذي ينصبه هذا الفعل فالغالب الفصيح حذفه والاستغناء عنه متى وجد اسم الفاعل المضاف لفاعله، والذي انتقل نهائيا إلى باب: "الصفة المشبهة". ويجوز على قلة يباح الأخذ بها أن ينصبه اسم الفاعل الذي صار صفة مشبهة. وإنما ينصبه بشرط أمن اللبس عند ذكره فلا يختلط بغيره، وبشرط تغير اسمه، فلا يسمى "مفعولًا به"، وإنما يسمى: "الشبيه بالمفعول به" كما يقال في إعرابه إنه منصوب؛ لاعتباره "شبيهًا بالمفعول به"؛ كالشأن في إعرابه مع الصفة المشبهة الأصلية. وسبب الاشتراط أن اسم الفاعل في هذه الصورة الجديدة ليس اسم فاعل إلا في الصورة الشكلية والصيغة الظاهرة دون الحقيقة الواقعة، وهي المعنى الذي انتهى إليه، وصار بسببه صفة مشبهة أو ملحقًا بها، والصفة المشبهة وما ألحق بها -كاسم الفاعل في حالته التي نتكلم عنها- لا تنصب المفعول به الأصلي. ولما كان كثير من الأساليب الفصيحة المأثورة، قد ظهر فيها بعد هذه الصفة وملحقاتها مفعول فعلها منصوبًا وهو لا يصلح أن يكون حالًا، ولا تمييزًا، ولا شيئًا آخر من المنصوبات غير المفعول به لجأ النحاة إلى التوفيق بين الدواعي المختلفة؛ لمنع التعارض بينها؛ فأجازوا وقوع المفعول به بعد هذه الصفة المشبهة، بشرط أن يتغير اسمه؛ فيسمى: "الشبيه بالمفعول به" لا مفعولًا به، واشترطوا لوقوعه بعد ملحقاتها أن يسمى أيضًا: "الشبيه بالمفعول به" لا مفعولا به، وألا يؤدي إلى لبس في الحالتين. وقالوا: إن الأفصح بعد ملحقات الصفة المشبهة حذفه؛ مبالغة من أمن اللبس، بالرغم من صحة ذكره، وسيجيء إيضاح آخر لهذا في هامش ص264، 265. 1 ربط جأشه رِباطة -بالكسر- اشتد قلبه كما في القاموس ا. هـ فالفعل هنا لازم. 2 طبقًا للبيان السابق في ص239.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قف "بروما"1 وشاهد الأمر، واشهد ... أن للملك مالكًا، سبحانَهْ فهذه الأوصاف المتصلة بالله، من المُلك2 والخلق، والقهر ليست طارئة، ولا عارضة، ولا مؤقتة بزمن محدود تنقضي بانقضائه؛ لأن هذا لا يناسب المولى جل شأنه، ومن ثم كانت تلك الصيغ في معناها ودلالتها: "صفات مشبهة" وليست "اسم فاعل"، إلا في الصورة اللفظية، والأحكام النحوية الخاصة به برغم أنهما على صيغة: "فاعل"؛ فهذا الوزن وحده ليس كافيًا في الدلالة على الحدوث أو على الثبوت والدوام؛ فلا بد معه من القرينة التي تعين أحدهما، وتزيل عنه اللبس والاحتمال؛ كي يمكن القطع بعد ذلك بأنه في دلالته المعنوية -لا الشكلية- اسم فاعل، أو صفة مشبهة.

_ 1 يسميها العرب القدماء: رومية. 2 يمعنى التملك.

ب- ويصاغ اسم الفاعل من مصدر الماضي غير الثلاثي بالإتيان بمضارعه، وقلب أول هذا المضارع ميمًا مضمومة، مع كسر الحرف الذي قبل آخره، إن لم يكن مكسورًا من الأصل. فإذا أردنا الوصول إلى اسم الفاعل من الفعل: "قاوم" آتينا بمضارعه، وهو: "يقاوم"، وأجرينا عليه ما سبق؛ فيكون اسم الفاعل هو: "مقاوم"، وفي مثل: يتبين -وهو مضارع للماضي: "تبين"- نقول: متبيِّن ... نحو: الفريسة مقاوِمة المفترس، والغلب متبيِّن للقوي. وفي مثل: أذل وأعز؛ ومضارعهما يذل ويعز ... نقول: "مذِلّ" و"معِزّ" كقول عائشة -رضي الله عنها- في رثاء أبيها: "نضر الله وجهك يا أبت؛ فقد كنت للدنيا مذلًا بإدبارك عنها، وللآخرة معزًا بإقبالك عليها". ج- مجيء الصيغة من مصدر الفعل غير الثلاثي بالطريقة السالفة لا يكفي -من غير قرينة- للقطع بأنها صيغة "اسم فاعل"؛ فقد يوهمنا مظهرها أنها كذلك، مع أنها في حقيقتها "صفة مشبهة"؛ بسبب دلالتها على معنى ثابت. ومن هذا: الصيغة المضافة إلى فاعلها1 في مثل: "النجم مستدير الشكل، متوقد الجرم؛ مستضيء الوجه. والكوكب مستدير الشكل، منطفئ الجسم، مظلم السطح". والأصل: مستدير شكله، متوقد جرمه، مستضيء وجهه، منطفئ جسمه، مظلم سطحه. وأفعالها هي: "استدار, توقد، استضاء، انطفأ، أظلم ... و ... " فقد قامت في الأمثلة السابقة قرينة لفظية، "هي إضافة الصيغة إلى فاعلها على الوجه المشروح" وقرينة معنوية، "هي اليقين الشائع بدوام تلك الأوصاف"، وتدل كل منهما وحدها على أن الصيغة ليست اسم فاعل؛ بالرغم من صورتها الظاهرة. وإذًا لا بد من قرينة تقوم بجانب الصيغة هنا -كما قامت في صيغة "فاعل" المشتق من مصدر الثلاثي؛ لتبعد الوهم، وتحدد النوع؛ أهو اسم فاعل نصًّا، أم صفة مشبهة قطعًا. د- لا بد من زيادة تاء التأنيث في آخر "اسم الفاعل" للدلالة على

_ 1 إيضاح هذا في هامش ص242، وما تشير إليه من صفحات أخرى، ولا سيما ص265.

تأنيثه، سواء أكان فعله ثلاثيًّا أم غير ثلاثي؛ إلا في المواضع التي يحسن ويكثر ألا تزاد فيها1، ومنها: اسم الفاعل الخاص بالمؤنث؛ كالمرأة مثلًا؛ أي: الخاص بأمر مقصور عليها، يناسب طبيعتها وتكوينها الجسمي؛ فلا يحتاج لعلامة تدل على التأنيث، وتمنع اللبس؛ مثل: الحامل، والمرضع، في نحو: "ولدت الحامل، وصارت مرضعًا"2. هـ- كسر الحرف الذي قبل الآخر في اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي -قد يكون كسرًا ظاهرًا كما في مثل: "متوقِّد، منطفِئ، مظلِم ... "، وقد يكون مقدرًا كما في مثل: "مستضِيء، مستدير، مختار"؛ فأصلها: مستضْوِئ، مستدْوِر، مختَيِر ... و ... فقلبت الواو في الكلمتين الأوليين ياء بعد نقل كسرتها إلى الساكن الصحيح قبلها؛ تطبيقًا لقواعد صرفية في "الإعلال". وكذلك قلبت الياء في "مختير" ألفًا: لوقوعها متحركة بعد فتحة ... إعماله: يجري اسم الفاعل مجرى فعله في العمل، وفي التعدي واللزوم بتفصيلات وشروط تختلف باختلاف حالتي تجرده من: "أل" الموصولة3 أو اقترانه بها4.

_ 1 هي مدونة في باب: "التأنيث" ج4 ص542 م 169. 2 إنما يكون الأحسن والأبلغ حذف تاء التأنيث من كلمة: إذا كانت بمعنى: "حبلى" فيكون الشأن في "حامل" كالشأن في "لابِن، وتامِر" أي: صاحب لبن وتمر. أي: منسوب لهما. أما إن كانت بمعنى التي تحمل شيئًا فوق رأسها أو ظهرها أو نحوهما فلا تحذف التاء. وكذلك تحذف استحسانًا من كلمة: "مرضع" إن أريد بها التي من شأنها وبمقتضى طبيعتها الجسمية أن تكون صالحة للإرضاع، ولو لم تزاوله فعلًا، وكذا المرأة المنسوبة للإرضاع، كالتي تتخذه حرفة، أو تشتهر به. أما التي ترضع الطفل فعلًا بأن تلقمه ثديها فيتناوله بفمه، فهي مرضعة. وسيجيء الإيضاح الكامل لهذا في موضعه المشار إليه من الجزء الرابع. 3 لأن "أل" الداخلة على المشتقات العاملة هي: الموصولة -غالبًا- كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص254، وكما سبق عند الكلام على "أل" في باب "الموصول" ج1. وهل هي في الوقت نفسه تفيد التعريف؟ رأيان. 4 في الصفحة التالية تفصيل الكلام على حالة التجرد "أ" أما حالة الاقتران ففي: "ب" ص254.

أ- فإن كان مجردًا منها رفع فاعله بغير شرط إن كان الفاعل ضميرًا مستترًا1 أو ضميرًا بارزًا2، وعمل كذلك في باقي المعمولات التي ليست فاعلًا ظاهرًا، ولا مفعولًا به. أما الفاعل الظاهر فلا يرفعه إلا إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا للشروط الآتية3، وفي مقدمتها اعتماده على أحد الأشياء المذكورة هناك. نحو: أقادم صديقنا الآن؟ وأما نصبه المفعول به فلا يجوز إلا بعد استيفائه تلك الشروط، ومنها الاعتماد أيضًا، وأن يكون: بمعنى الحال أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد4 الذي يشمل الأزمنة الثلاثة، مثل: "من يكن اليوم مهملًا عمله يجد نفسه غدًا فاقدًا رزقه". ومثل: "ما أعجب الصانع الماهر، مديرًا مصنعه في حزم، مدبرًا أمره في يقظة". ويقولون في سبب إعماله: إنه جريانه -غالبًا- على مضارعه الذي بمعناه5، وإن هذه الشروط تقرِّبه من الفعل، وتبعده من الاسمية المحضة ...

_ 1 إذا كان فاعله ضميرًا مستترًا وجب أن يكون ضمير غائب؛ طبقًا للبيان الذي في "ج" من الزيادة ص252. 2 إلا إن كان اسم الفاعل مبتدأ مستغنيا بمرفوعه عن الخبر فالأكثر اعتماده على نفي أو استفهام كالشأن في جميع المشتقات العاملة "وسيجيء هذا في "أ" من ص252". 3 في ص249. والاعتماد هنا يختلف عنه في باب: "المبتدأ والخبر" -طبقًا للبيان الآتي في "أ" ص252. 4 الاستمرار التجددي معناه: أن الأمر يحدث ثم ينقطع، ثم يعود ثم ينقطع، وهكذا دواليك، كاستمرار الليل والنهار. وهناك استمرار الدوامي؛ وهو الذي لا انقطاع فيه؛ نحو: مرتفع القامة، واسع الفم "وقد سبقت الإشارة الموضحة لهذا في ص39، وله إشارة أخرى في رقم 2 من هامش ص282". 5 يريدون: أن اسم الفاعل في هذه الصورة يوافق مضارعه في المعنى، وفي الحدث والتجدد، وفي عدد الحروف، وفي هيئتها؛ "بأن يكون الساكن في أحدهما مقابلا في ترتيبه لساكن في الآخر، وكذلك المتحرك فيهما"، هذا إلى الاشتراك في الحروف الأصلية. خذ مثلًا لذلك اسم الفاعل: "مخبِر" فإنه موافق لمضارعه: "يخبر" في كل ما سبق؛ فمعناهما واحد، وكلاهما أربعة أحرف، ثانيها ساكن وما عداه، تحرك؛ فكل حرف ساكن أو متحرك يماثله في الحركة والسكون نظيره في الترتيب. وكلاهما يشابه الآخر في الحروف الأصلية. ومثله اسم الفاعل: "فاقد" فإنه جارٍ على مضارعه فيما سبق. وهكذا. مسافر ويسافر، ومتدحرج ويتدحرج، ومتعلم ويتعلم، والسبب لسالف مستنبط من الاستعمال العربي الذي هو السبب الأول الأصيل.

ولهذا يمكن أن يحل محله المضارع الذي بمعناه. فإن لم يكن اسم الفاعل المجرد من "أل" الموصولة مستوفيًا الشروط الآتية -ومنها الاعتماد- لم يرفع فاعلًا ظاهرًا ولم ينصب مفعولًا به. وإن لم يكن بمعنى الحال، أو الاستقبال، أو الاستمرار المتجدد؛ بأن كان بمعنى الماضي المحض، لم ينصب المفعول به إلا بشرطين: أولها: تحقق الشروط الآتية؛ ولا سيما الاعتماد. وثانيهما: صحة وقوع مضارعه موقعه من غير فساد المعنى. نحو: "كانت الأمطار أمسِ غاسلةً الأشجارَ، منقيةً مياهُها الهواءَ"؛ إذ يصح: كانت الأمطار أمس تغسل الأشجار وتنقي مياهها الهواء. ولا يصح: هذا حاصدٌ قمحًا أمس؛ إذ لا يقال: هذا يحصد قمحًا أمس. وأما عمله في شبه الجملة بنوعيه وفي باقي المعمولات الأخرى التي ليست بفاعل ظاهر، ولا بمفعول به منصوب -فلا يشترط فيها شيء؛ لأن الشروط مطلوبة لإعماله في الفاعل الظاهر، والمفعول به المنصوب، كما أسلفنا، وهذا أمر يجب التنبُّه له. وإنما أهمل اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي، فلم ينصب المفعول به مباشرة من غير اشتراط شيء -كما نصب فعله المتعدي- لأنه لا يجري على لفظ الفعل الماضي الذي بمعناه، فهو يشبهه معنى، لا لفظًا؛ ولهذا لا يجوز أن ينصب المفعول به مباشرة عند عدم تحقق الشروط؛ فيجب في هذه الصورة الإضافة، بأن يكون اسم الفاعل مضافًا، ومعموله مضافًا إليه مجرورًا1، ولا يصح تسمية هذا المعمول مفعولًا به، ولا إعرابه كذلك ... والإضافة في

_ 1 انظر رقم 3 من هامش ص255. وملخص ما تقدم: أن اسم الفاعل المجرد من "أل" الموصولة في حالتي مضيِّه وعدم مضيِّه يرفع الفاعل الضمير؛ مستترًا وبارزًا. لكنه لا يرفع الفاعل الظاهر في الحالتين إلا بتحقق الشروط؛ ومنها: الاعتماد، ولا ينصب المفعول به مباشرة -كما ينصبه فعله- إلا إذا كان لغير الماضي، مع استيفائه بقية الشروط الأخرى التالية. فإن كان بمعنى الماضي لم ينصب المفعول به إلا بعد استيفاء تلك الشروط مزيدًا عليها صحة وقوع مضارعه موقعه. أما العمل في بقية المعمولات الأخرى فلا يحتاج لاشتراط شيء، فهو كالفاعل الضمير، سواء أكان اسم الفاعل بمعنى الماضي أم غيره.

هذه الصورة إضافة محضة، لا يجوز فيها وجود "أل" في اسم الفاعل ما دام بمعنى الماضي فقط كما تقدم في باب الاضافة1. وفيما يلي تلك الشروط التي أشرنا إليها: 1- أن يسبقه شيء يعتمد عليه؛ كالاستفهام المذكور نصًّا، مثل قول الشاعر: أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به ... أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوبِ? أو الاستفهام المقدر في مثل: غافرٌ أخوك الإساءة أم محاسب عليها؟ فإن الأصل: أغافرٌ أخوك ... ؟ بدليل وجود "أم" المعادلة2 ... أو النداء في مثل: يا بانيًا3 مستقبلك بيمينك ستدرك غايتك. أو النفي4 في مثل: ما مخلفٌ عهده شريف، وقول الشاعر: سليمُ دواعي الصدر5، لا باسطًا أذى ... ولا مانعًا خيرًا، ولا قائلًا هجرًا6 أو: أن يقع نعتًا لمنعوت مذكور؛ في مثل: الحسد نار قاتلةٌ صاحبها. أو لمنعوت محذوف لقرينة؛ مثل: كم معذب نفسه في طلب الحرية لبلاده يرى العذاب من أجلها نعيمًا، وكم مبدد ثروته في سبيلها يرى التبديد ذخرًا. أو يقع حالًا في مثل: سحقًا وبعدًا للمال جالبًا الذل والشقاء لصاحبه. أو يقع خبرًا لمبتدأ، أو لناسخ، أو مفعولا لناسخ؛ مثل: هذا منفقٌ مالًا في وجوه البر. اشتهر العربي بأنه حامٍ عشيرته، أحسب الحر موطنًا نفسه على احتمال المشتقات في سبيل حريته، وكنت أزعم المشقة موهنةً عزيمته؛ فإذا هي

_ 1 راجع "د" من ص5 ورقم 3 من هامش ص12. 2 في ص585 -باب العطف- إيضاح الكلام على: "أمْ" وبيان أحكامها. 3 يرى النحاة في مثل هذه الصورة أن اسم الفاعل المنادى بمنزلة نعت لمنعوت محذوف؛ والتقدير: يا شخصًا بانيًا. فالمسوغ عندهم هو وقوعه نعتًا لا منادى. والخلاف شكلي لا يُلتفت إليه؛ لأنه لا يغير الحكم، ولا أثر له مطلقًا. 4 ويشمل النفي التقديري الذي في مثل: إنما محسن علي صنيعه؛ لأن معناه: ما محسن على إلا صنيعه، وفي مثل: غير مهمل واجبه عاقل. 5 دواعي الصدر: الأمور والدوافع التي تحرك القلب. 6 قولًا رديئًا سيئًا.

أكبر حافز. أعلمتُ الجنودَ القائدَ مضاعفًا الثناء عليهم ... 2- ألا يكون مصغرًا، فلا يصح: يقف حويرسٌ زرعًا؛ أي: يقف حارس زرعًا. 3- ألا يكون له نعت يفصل بينه وبين مفعوله؛ فلا يصح: يقبل راكب مسرعٌ سيارةً. فإن تأخر النعت عن مفعول اسم الفاعل جاز؛ يقبل راكب سيارة مسرع. ويجوز الفصل بالنعت إن كان معمول اسم الفاعل شبه جملة، لا مفعولًا به؛ نحو: "لا تستشر إلا قادرًا، ناصحا، على حل المشكلات، ولا تركن إلى صداقة ساعٍ، طامع، وراء مآربه"؛ والأصل: قادرًا على حل المشكلات، ناصحًا، ساعٍ وراء مآربه، طامع. 4- ألا يفصل بينه وبين مفعوله فاصل أجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لاسم الفاعل، وإنما يكون معمولًا لغيره"؛ فلا يجوز "هذا مكرِّمٌ، واجبها، مؤديةً" والأصل: هذا مكرمٌ مؤديةً واجبها؛ ففصلت كلمة: "واجب" بين اسم الفاعل ومفعوله، مع أنها ليست معمولًا لاسم الفاعل: "مكرم"؛ وهذا لا يصح. وهناك حالة يصح فيها الفصل بالأجنبي؛ هي: أن يكون الفاصل الأجنبي شبه جملة، أو أن يكون معمول اسم الفاعل شبة جملة، لا مفعول به؛ نحو: الرحيم مساعدٌ، عن النهوض، عاجزًا. ونحو: إن هذا الشاهد ناطقٌ، نافعٌ، بالحق، والأصل: الرحيم مساعد عاجزًا عن النهوض. إن هذا الشاهد ناطق بالحق نافع1.

_ 1 فيما سبق يقول ابن مالك في الباب الذي عنوانه: "إعمال اسم الفاعل"؛ وضمنه إعمال اسم المفعول أيضًا: كفعله اسم فاعل في العملِ ... إن كان عن مضيه بمعزلِ وولي استفهامًا، أو: حرف نِدا ... أو: نفسًا، أو: جا صفة، أو: مسندًا يقول: اسم الفاعل في العمل -من ناحية التعدي واللزوم- كفعله، بشرط أن يكون بمعزل عن الزمن الماضي، أي: بمكان بعيد عنه. والمراد: أنه لا يكون للزمان الماضي. ويشترط أن يلي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = استفهامًا "أي: يقع بعد استفهام" أو: بعد حرف نداء، أو: بعد نفي، أو: أن يكون اسم الفاعل صفة "والمراد بها هنا: النعت، والحال". أو مسندًا. والإسناد المقصود يتحقق بكونه خبرا للمبتدأ أو الناسخ، كما يتحقق بكونه مفعولًا لناسخ من النواسخ التي تنصب مفعولين أو أكثر. "والجار والمجرور: "عن مضيه" متعلقان بكلمة: "معزل": فإن اسم المكان فيه رائحة الفعل، برغم أنه مشتق لا يعمل؛ فيجوز أن يتعلق به شبه الجملة، كما في رقم 5 من هامش ص235 وفي رقم 2 من هامش ص321، وكما سبق في ج2 ص343 م89 عند الكلام على تعلق شبه الجملة، وراجع الخضري عند كلامه على البيت السالف". هذا ما تضمنه البيتان. وفيهما قصور واضح تداركناه في الشرح. أو يقع نعتًا في المعنى لمنعوت محذوف معروف. وهذا الذي يشير إليه ابن مالك بقوله بعد البيتين السابقين: وقد يكون نعتُ محذوفٍ عرفْ ... فيستحق العمل الذي وُصِفْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يختلف الاعتماد هنا عنه في باب: المبتدأ والخبر؛ فهو هناك مقصور على النفي والاستفهام دون غيرهما -كما أشرنا1- فوجود أحدهما شرط "أغلبي" لكي يرفع الوصف فاعلًا يغني عن الخبر. وقد يمكن الاستغناء عن هذا الشرط هناك. فيرفع الوصف فاعله الذي يستغني به عن الخبر بدون اعتماد على نفي أو استفهام، كما أوضحنا الحكم وتفصيله في موضعه المناسب من باب: المبتدأ والخبر2. ب- إذا وقع الوصف "ومنه اسم الفاعل ... " مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه عن الخبر فإنه يحتاج إلى شروط أغلبية3 أخرى؛ أهمها: ألا يكون مُعرَّفا، ولا مثنى، ولا مجموعًا؛ لأن الوصف -فيما يقولون- بمنزلة الفعل، والفعل لا يعرف، ولا يثنى، ولا يجمع. وتفصيل هذا في مكانه من الباب المشار إليه....4. ج- إذا رفع اسم الفاعل ضميرًا مستترًا وجب أن يكون مرجع هذا الضمير غائبا5؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب؛ ففي مثل: أنا ظانٌّ محمدًا قائمًا -يكون التقدير: أنا رجل ظان ... فالضمير في: "ظان" تقديره: "هو"، يعود على ذلك المحذوف، ولا يصح تقديره: أنا6 ... فقد قال النحاة: إن الضمير قد يختلف مع مرجعه في مثل: "أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" كما عرفنا. لكن ما مرجعه؟ يجيبون: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره. فالضمير للغائب، تقديره؛ "هو" عائد هنا على محذوف حتمًا،

_ 1 في رقم 2 من هامش ص247. 2 ج1 ص324 م 23. 3 أي: مراعي فيها أنها الأغلب. 4 باب: المبتدأ والخبر -ج1 م34. 5 أي: يجب أن يكون ما يعود عليه هذا الضمير غائبًا. 6 راجع الخضري ج1 باب "ظنَّ" عند بيت ابن مالك: وخص بالتعليق والإلغاء ما ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يصح عودته على الضمير: "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا"، بدلًا من: "هو" لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغالب أيضًا. الظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل، بل يسري على غيره من المشتقات المحتملة ضميرًا مستترًا؛ فيجب إرجاعه للغائب كذلك.

ب- وإن كان اسم الفاعل مقترنًا "بأل" الموصولة1 فإنه يعمل مطلقًا بغير تقيد بزمن معين2، ولا بشرط من الشروط السالفة التي منها: الاعتماد، وعدم التصغير ... و ... نحو: ما أعجب رائدنا هذا، فهو الناظم أمس قصيدة رائعة، وهو الناطق الآن الحكمة والبيان، وهو المواجه خصمه غدًا بالحجة والبرهان3 ... وكقول المتنبي: القاتل السيف في حسم القتيل به ... وللسيوف كما للناس آجالُ بعض أحكام اسم الفاعل العامل: 1- إذا كان اسم الفاعل مستوفيًا شروط إعماله لنصب المفعول به جاز نصب هذا المفعول مباشرة -بشرط أن يكون اسمًا ظاهرًا- وجاز جره باعتباره "مضافًا إليه"، واسم الفاعل هو "المضاف"؛ ففي نحو: ما أنت اليوم مصاحب الغادر -يصح نصب كلمة: "الغادر" باعتبارها مفعولًا به لاسم الفاعل، ويجوز جرها باعتبارها مضافًا إليه. فإذا جاء تابع للمفعول به المنصوب مباشرة وجب في هذا التابع النصب، مراعاة للفظ المتبوع المنصوب، ولا يصح إلا النصب. أما عند جر المتبوع بالإضافة فيجوز في تابعه الأمران، إما مراعاة الأصل السابق وهو النصب؛ لأن المضاف إليه كان مفعولًا به في أصله -وإما مراعاة الأمر الواقع الآن، وهو: الجر. ففي مثل: ما أنت مصاحب الغادر

_ 1 لأن: "أل" الداخلة على المشتقات العاملة هي الموصولة، غالبًا، "كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص246"، وهل هي في الوقت نفسه معرفة؟ رأيان. "راجع الكلام عليها في ج1 باب الموصول ص320 م26". 2 لأنه مع فاعله سيكون صلة لـ"لأل" الموصولة، فهو بمنزلة الفعل، والفعل يعمل ماضيًا وغير ماضٍ، وكذلك ما كان بمنزلته، وحل محله. والتعليل الصحيح هو استعمال العرب. 3 وفي المقترن بـ"أل" يقول ابن مالك: وإن يكن صلة "أل" ففي المُضِي ... وغيره إعماله قد ارتُضِي يريد: أن اسم الفاعل إذا كان مبدوءًا بـ"أل" الموصولة فإنه يعمل في حالتي التعدي واللزوم عمل فعله، من غير تقيد بنوع زمن أو بغيره، فيعمل بغير شرط سواء أكان الزمن ماضيًا أم غير ماضٍ.

والمنافقَ، يتعين نصب المعطوف، وهو كلمة: "المنافق" تبعًا للمعطوف عليه المنصوب؛ وهو كلمة: "الغادر". وفي مثل: ما أنت مصاحب الغادر والمنافق؛ بجر المعطوف عليه، يجوز في المعطوف النصب، ويذكر في إعرابه: أنه منصوب؛ تبعًا لأصل المعطوف عليه، كما يجوز فيه الجر تبعا لحالة المعطوف اللفظية. ويجوز في مفعول اسم الفاعل أن تدخل عليه لام التقوية1، فتجره، نحو: أنت متقنٌ "العملَ" أو للعمل ... ونحو قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 2، والأصل: فعّال2 ما يريد. فإن كان لاسم الفاعل المستوفي الشروطَ مفعولان أو ثلاثة وأضيف إلى واحد منها وجب ترك الباقي مفعولًا به منصوبًا كما كان، نحو: أنا ظانٌّ الجوَّ معتدلًا. أأنت مخبرٌ الصديقَ الزيارةَ قريبةً؟ وفعلهما "ظن" الناصب لمفعولين، و"أخبر" الناصب لثلاثة، فاسم الفاعل المستوفي لشروط نصب المفعول به مماثل لفعله في نصب المفعول به أو المفعولين أو: الثلاثة، وعند إضافته لمفعول به منها يظل الباقي على حاله منصوبا3. وقد يضاف اسم الفاعل للخبر؛ لشبهه بالمفعول به، مثل: أنا كائن

_ 1 سبق إيضاحها في ج2 ص348 م90 باب: حروف الجر. "2، 2" صيغة: "فعّال" هذه إحدى صيغ المبالغة التي هي نوع من اسم الفاعل. وستأتي في ص257. 3 وإذا كان اسم الفاعل غير مستوفٍ لشروط نصب المفعول به -كأن يكون بمعنى الماضي مع خلوه من: "أل"- وكان فعله ناصبًا مفعولين أو ثلاثة وجب في هذه الحالة أن يضاف اسم الفاعل إلى ما يليه مما هو في أصله مفعول به للفعل، ويترك الباقي منصوبًا على حاله. وإن وجد فاعل ظاهر وجب تركه مرفوعًا، "ولا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله إذا بقي اسم الفاعل محتفظًا باسمه وبمعناه سواء أكان فعله لازمًا أم متعديًا؛ "كما سيجيء في الحكم الثاني بالصفحة التالية، والبيان في ص265" نحو: هذا معطي محتاجٍ أمس درهمًا. ومُعْلم حامدٍ أمس محمودًا قادمًا. والناصب لهذه المفعولات الباقية على حالها من النصب فعل محذوف إليه اسم الفاعل الحالي الذي لا يعمل. وأجاز بعض النحاة أن يكون الناصب هو اسم الفاعل المذكور؛ لأنه اكتسب بالإضافة شبهًا بالمقرون "بأل" الموصولة، والمقرون "بأل" هذه يعمل، ولو لم يستوفِ الشروط طبقًا لما تقدم؛ كما إذا كان بمعنى الماضي. وهذا رأي فيه تيسير، يحسن الاقتصار عليه؛ لبعده من التكليف. "والحكم السابق تكملة هامة في هامش ص243".

أخيك. فإن كان مفعول اسم الفاعل ضميرًا متصلًا وجب جره بالإضافة1 نحو: والدك مكرمك، ولا يجوز إعرابه مفعولًا به إلا في رأي مرجوح. 2- عرفنا2 أنه لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه مع احتفاظه باسمه وبقائه اسم فاعل. لكن إن دل على الثبوت، وقامت قرينة تدل على هذا من غير أن تتغير صيغته وصورته اللفظية الظاهرة، صار صفة مشبهة يجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يكون لازمًا ينصب مفعولًا به أصيلًا، وأن تجوز إضافته إلى فاعله3، وهذا أحد الأحكام التي يختلف فيها اسم الفاعل العامل، والمصدر العامل4.

_ 1 تطبيقًا لقاعدة وصل الضمير التي مرت تفصيلاتها في "ج1 ص181 م20". فإن كان الضمير معمولًا لوصف يعرب -غالبًا- صلة "أل"، وهذا الوصف للمثنى أو لجمع المذكر السالم وملحقاتهما؛ نحو: والداك المكرماك. أهلك المكرموك ... و ... فالأحسن -عند حذف نون التثنية والجمع- اعتبار الضمير "مضافًا إليه" "كما سبق البيان في باب الإضافة، ص10" ونقلنا: أن بعض النحاة يجيز اعتبار الضمير مفعولًا به للوصف، "وهو هناك أم فاعل"، والنون محذوفة للتخفيف لا للإضافة. وقلنا إن الخير في الاقتصار على الإعراب الأول؛ منعًا للإلباس والغموض المنافيان للغرض الأصيل من اللغة، كما قلنا إن هذه النون قد تحذف في حالات أخرى، "عرضناها في ج1 م11 ص142، وتشمل حالة في باب "لا" النافية للجنس. ط1 م56 هامش ص629". 2 في هامش ص242. والتفصيل في "د" من ص265. 3 لهذا إيضاح وتفصيل هامَّان، سجلناهما في هامش ص242 وفي ص265. 4 قال شارح المفصل "ج1 ص62" -بتصرف- الفرق بين المصدر العامل واسم الفاعل العامل من وجوه أشهرها خمسة: "أولها": أن "أل" في المصدر مقصورة على التعريف غالبًا، ولكنها في اسم الفاعل للتعريف، وهي اسم موصول في الوقت نفسه؛ وهذا رأي شارح المفصل ويخالفه آخرون "راجع ج1 ص251 م 26 باب الموصول". "ثانيها": أن المصدر العامل يضاف إلى فاعله حينًا، وإلى مفعوله حينًا آخر، ولكن اسم الفاعل لا يضاف لفاعله، إلا إذا ترك اسمه، وصار نوعًا من الصفة المشبهة -كما سبق، في هامش ص342. "ثالثها": أن المصدر يعمل في الأزمنة الثلاثة. أما اسم الفاعل فلا يعمل إلا في الحال أو في المستقبل بشروط، وقد يعمل في غيرهما، ولكن بشروط أيضًا. - طبقًا للتفصيل الذي سبق في إعماله، ص246. "رابعها": أن المصدر لا يتقدم عليه شيء من معمولاته ... "إلا شبه الجملة بالإيضاح الذي =

3- جميع ما تقدم من الأحكام، والشروط، والتفصيلات الخاصة باسم الفاعل المفرد تسري باطراد عليه إذا صار مثنى1 لمذكر أو مؤنث، أو جمعًا لمذكر أو مؤنث سالمين، أو جمع تكسير. فلا فرق بين مفرده ومثناه وجمعه في شيء مما سبق1 خاصًّا بإعماله، أو عدم إعماله، مقترنا "بأل" أو غير مقترن بها. صيغة المبالغة: "تكوينها، والغرض منها" 4- يجوز تحويل صيغة. "فاعل" -وهي صيغة: "اسم الفاعل" الأصلي من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف- إلى صيغة أخرى تفيد من الكثرة والمبالغة الصريحة في معنى فعلها الثلاثي الأصلي ما لا تفيده إفادة صريحة صيغة: "فاعل"2 السالفة، مثال هذا أن نتحدث عن شخص يزرع الفاكهة، فنقول: فلان زارعٌ فاكهة. فإذا أردنا أن نبين في صراحة لاحتمال معها، كثرة زراعته الفاكهة، ونبالغ في وصفه بهذا المعنى -نقول: فلان زرَّاعٌ فاكهة مثلًا. فكلمة: "زرَّاع" تفيد من كثرة زراعته، ومن المبالغة في مزاولة الزراعة ما تفيده كلمة: "زارع" مع أن الكلمتين من فعل ثلاثي واحد؛ هو: "زرع"، وكلتاهما تدل على أمرين؛ معنى مجرد؛ هو: "الزرع" وذاتٌ فعلته. ولكنهما تختلفان بعد ذلك في درجة الدلالة على المعنى المجرد، "أي: في

_ = تقدم في رقم 4 من ص215" أما اسم الفاعل المقرون بـ"أل" فلا يتقدم عليه إلا شبه الجملة، وأما غير المقرون بها فيجوز أن يتقدم عليه الجملة وغيره. "إلا في بعض حالات تجيء في ص263 أ". "خامسها": أن اسم الفاعل يتحمل الضمير؛ لأنه جارٍ على فعله، والفعل يتحمل الضمير، أما المصدر الذي لا ينوب عن فعله فلا يتحمل الضمير، والفاعل معه يكون ملاحظًا في النية، مقدرًا غير مستتر فيه ... "ويرى بعض النحاة أنه مستتر فيه". هذا ملخص ما جاء في المرجع السالف بتصرف قليل يقتضيه التحقيق. "1، 1" وهذا إذا صح تثنيته وجمعه؛ فهناك حالات يغلب عليه فيها أن يلتزم الإفراد والتنكير وقد أشرنا إلى بعضها في: "ب" من ص252. "ومنها: أن يكون مبتدأ مستغنيًا بمرفوعه عن الخبر، على الوجه المشروح في ج1 ص324 م23". 2 لأن صيغة اسم الفاعل الأساسية مطلقة. "أي: لا تدل بذاتها على قلة أو كثرة" فهي صالحة للأمرين، ما لم تقم قرينة تعين أحدهما دون الآخر وقد سبق البيان الكامل في ص239 وفي هامشها رقم 4.

مقدار قلته، وكثرته، وضعفه، وقوته"؛ فصيغة: "فاعل" التي هي وزن "اسم الفاعل" من الثلاثي لا تدل وحدها على شيء من ذلك إلا من طريق الاحتمال، ولا تدل دلالة صريحة خالية من هذا الاحتمال، على قوة، ولا ضعف، ولا كثرة، ولا قلة في المعنى المجرد؛ فكلمة "زراع" لا تدل بلفظها -بغير قرينة أخرى- على أكثر من ذات متصفة بأنها تفعل الزراعة. وليس في صيغة الكلمة دليل صريح على أن تلك الذات تفعل الزراعة قليلًا أو كثيرًا ... بخلاف صيغة "فعّال" مثلًا؛ فإنها تدل بنصها وصيغتها الصريحة على الكثرة والمبالغة في ذلك الفعل، أي: في المعنى المجرد. ولهذا تسمى: "صيغة مبالغة"، ومن ثَمَّ كان الذي يستخدم صيغة "فاعل" يرمي إلى بيان أمرين: "المعنى المجرد مطلقا، وصاحبه"، دون اهتمام ببيان درجة المعنى؛ قوة وضعفًا، وكثرة وقلة. بخلاف الذي يستخدم "صيغة المبالغة"؛ فإنه يقصد إلى الأمرين مزيدًا عليهما بيان الدرجة1، كثرةً وقوةً. وما قيل في: "زارعٌ فاكهة وزرّاعٌ فاكهة" يقال في: ناظمٌ شعرًا، ونظّامٌ شِعرًا. صانعٌ خبزًا، وصنّاع خيرًا. قائلٌ الصدق، وقوّالٌ الصدق ... وهكذا يمكن تحويل صيغة "فاعل" الدالة على اسم الفاعل من الثلاثي المتصرف إلى صيغة: "فعّال" أو غيرها من الصيغ المعروفة باسم: "صيغ المبالغة". وأشهر أوزانها خمسة قياسية؛ هي: "فعّال"2؛ نحو: ما أعظم الصديق إذا كان غير قوّال سوءًا. ولا فعّال إساءة، وقول الشاعر: وإني لقوّال لِذِي البثِّ3 مرحبا ... وأهلا إذا ما جاء من غير مَرْصَد4 و"مِفعال"5، نحو: الطائر مِحذار صائده، مِخواف أعداءه.

_ 1 ولهذا لا تصاغ من مصدر فعل لا يقبل الزيادة والتفاوت؛ طبقًا للبيان الذي في: "هـ من ص269، وانظر الملاحظة الآتية في ص262. 2 قد تكون صيغة: "فعّال" للنسب أحيانًا، طبقًا للبيان الآتي في "و" من ص269. 3 الحزن. 4 ميعاد. 5 هذه الصيغة مشتركة بين صيغ المبالغة واسم الآلة الذي سيجيء الكلام عليه في باب خاص ص333 م107 فهي صيغة مشتركة في البابين. والتفريق بينهما يكون خاضعًا للقرائن.

و"فعول"؛ نحو: البارُّ وَصُول أهله. وقول الشاعر يخاطب سيدًا كريمًا: ضَرُوب بنصل السيف سُوق سِمَانها1 ... إذا عدموا زادًا فإنك عاقر وقول الآخر يفتخر: إذا مات منا سيد قام سيد ... قَُئول2 بما قال الكرام فَعُولُ3 ومثل: ذريني؛ فإن البخل يا أم مالك ... لصالح أخلاق الرجال سَرُوقُ و"فَعِيل"؛ نحو: أقدُرُ4 من يكون سَمِيعًا خَيْرًا، نَصِيرًا عدلًا5. وقول الشاعر: فتاتان: أما منهما فشَبِيهة ... هلالًا، وأخرى منهما تشبه البدرا و"فَعِل"؛ نحو: يسوءنا أن نرى جاهلًا مَزِقًا أوراقه، راميًا بها في الطريق. وقول الشاعر: حَذِرٌ أمورًا لا تضير، وآمن ... ما ليس ينجيه من الأقدار هذه هي الصيغ الخمس القياسية. وهناك بعض صيغ قليلة مقصورة على السماع عند أكثر القدماء؛ أشهرها من الفعل الماضي الثلاثي: "فِعِّيل"6.

_ 1 الضمير عائد على الإبل ونحوها مما يُعقَر؛ ليُشوَى، أو يُطبَخ فيؤكل. 2 كثير القول. 3 كثير الفعل. 4 أعظِّم. 5 متى تزاد تاء التأنيث على صيغة "فعيل" ومتى لا تزاد؟ لهذا بيان مفيد يجيء في ج4 باب "التأنيث" م169. 6 يخالف هذه الأكثرية في رأيها فريق آخر، منهم: "ابن قتيبة" في كتابه: "أدب الكاتب، باب: اختلاف الأبنية في الحرف الواحد؛ لاختلاف المعاني" حيث يقول ما نصه: "ما كان على "فِعِّيل" فهو مكسور الأول، لا يفتح منه شيء، وهو لمن دام منه الفعل؛ نحو: رجل سِكِّير، كثير السكر، وخِمِّير، كثير الشرب الخمر، وفِخِّير كثير الفخر. وعِشِّيق كثير العشق. وسِكِّيت دائم السكوت. وضِلِّيل، وصِرِّيع، وظِلِّيم، ومثل ذلك كثير. ولا يقال ذلك لمن فعل الشيء مرة أو مرتين حتى يكثر منه، ويكون له عادة" ا. هـ. فهو يقرر أن صيغة: "فِعِّيل" كثيرة في المبالغة، وإذا ثبتت كثرتها كان القياس عليها جائزًا. وقد جعل المجمع القاهري هذه الصيغة قياسية، وليست مقصورة على السماع، كما يرى النحاة الأقدمون. ونص قراره "كما جاء في الصفحة التاسعة، من تقرير لجنة الأصول المرفوع إلى المؤتمر اللغوي الذي انعقد في آخر يناير سنة 1967 فوافق عليه" هو: "في اللغة ألفاظ على صيغة "فِعِّيل" من مصدر الفعل الثلاثي اللازم والمتعدي للدلالة على المبالغة. وكثرتها تسمح بالقول بقياسيتها، ومن ثم يجوز أن يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي -لازمًا أو متعديًا- لفظ على صيغة "فِعِّيل" -بكسر الفاء وتشديد العين- لإفادة المبالغة" ا. هـ. وقد ذكر هذا القرار مرة أخرى ومعه بعض البحوث والمذكرات العلمية التي اعتمد عليها المجمع ومؤتمره في ص34 من الكتاب الذي أصدره المجمع سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على القرارات من دورة 29 إلى 34.

و"مِفْعَل"؛ نحو: إنه شِرِّيب أهوال، ومِسْعَر1 حروب. وفعلهما الثلاثي؛ شرب، وسعر. ومن غير الثلاثي: دَرَّاك، سَآَّر، معوان2، مهوان، نذير، سميع، زهوق، وأفعالها الشائعة: أدرك. أسأر "بمعنى: ترك في الكأس بقية" أعان، أهان، أنذر، أسمع، أزهق. أحكامها: لصيغ المبالغة القياسية أحكام؛ أهمها: أ- أنها لا تصاغ إلا من مصدر فعل ثلاثي، متصرف، متعدٍّ، ما عدا صيغة: "فعَّال" فإنها تصاغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم3 والمتعدي؛ كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ 4 مَهِينٍ 5، هَمَّازٍ 6 مَشَّاءٍ 7 بِنَمِيمٍ 8، مَنَّاعٍ 9 لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، وقولهم: فلان بسَّام الثغر، ضحَّاك السن، وقول الشاعر:

_ 1 مسعر حرب: من يكثر إشعالها، وإيقاد نيرانها. 2 ومنه قول شاعرهم: وكن على الخير معوانًا لذي أمل ... يرجو نداك؛ فإن الحر معوان ومثله "متلاف" "من أتلف" في قول أبي فراس الحمداني: 3 يرى بعض اللغويين أن المسموع كثير من صيغة "فعال" المشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم للدلالة على المبالغة؛ ولذا يجيز -لشدة الحاجة إليها- اشتقاقها من مصدر الثلاثي اللازم أيضًا، ومنه الآية التالية. وهو رأي حسن ارتضاه المجمع اللغوي، وسجله في مجلته ج3 ص14، 15. وفي المراجع اللغوية صيغ متنوعة مسموعة -غير صيغة "فعال"- لم تستوفِ شروط الصياغة، فيجب الوقوف عليها فيما عند حد السماع. ومن أمثلتها "ضحوك وعبوس" في قول شاعرهم: ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس فقد صاغ من الثلاثي اللازم كلمتي: "ضحوك وعبوس" مع أن فعلهما لازم، كما صاغ كلمة "مطراق" مع أن فعلها الشائع رباعي؛ هو: أطرق، بمعنى: سكت، ونظر إلى الأرض. وسيعاد البيت في ص266 لمناسبة هناك. ومثل: "بشوش" في قول عنترة: ألقى صدور الخيل وهي عوابس ... وأنا ضحوك نحوها وبشوش 4 كثير الحلف. 5 حقير دنيء. 6 كثير الهمز "أي: كثير الطعن والضرب، والإيذاء". "7، 8" كثير المشي بالنميمة "وهي: السعي بين الناس بالإفساد". 7 كثير المنع ...

وإني لصبَّار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبرِ ولست بنظَّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقرِ ب- وأنها لا تجري على حركات مضارعها وسكناته، بالرغم من اشتمالها على حروفه الأصلية، ولهذا كانت محمولة في عملها على اسم الفاعل لا على فعله. ج- وأنها -في غير الأمرين السالفين- خاضعة لجميع الأحكام التي يخضع لها اسم الفاعل بنوعيه المجرد من: "أل" والمقرون بها، فلا اختلاف بينهما إلا في الأمرين المتقدمين، وكذلك في شكل الصيغة، وفي أن صيغة المبالغة بنصها الصريح أكثر مبالغة، وأقوى دلالة في معنى الفعل1 من صيغة اسم الفاعل المطلقة، وما عدا هذا فلا اختلاف بينهما في سريان الأحكام والشروط وسائر التفصيلات التي سبق الكلام عليها في اسم الفاعل2.

_ 1 وهو المعنى المجرد. 2 في الأحكام المتعددة السالفة يقول ابن مالك أبياتًا نذكرها بترتيبها في "ألفيته"، وإن لم نلتزم ترتيبه في عرض مسائلها، وشرحها؛ إذ اخترنا ترتيبًا آخر يصل المسائل المرتبطة بعضها ببعض. قال في صيغ لمبالغة: فعالٌ، أو مِفعالٌ، أو فعولُ ... في كثرة عن "فاعل" بديلُ فيستحق ما لَه من عملِ ... وفي "فعيل" قلَّ "ذا" و"فَعِلِ" يريد: أن. صيغة فعال، ومفعال، وفعول، تغني -عند إرادة الكثرة- عن صيغة "فاعل" وأنها تذكر من أجل ذلك بدلًا من صيغة فاعل، وكل واحد من هذه الألفاظ يستحق ما يستحقه "فاعل" من العمل عند استيفاء الشروط. ثم بين أن استعمال صيغتي: "فعيل" و"فعل" قليل في المبالغة. ثم انتقل إلى تسجيل قاعدة أخرى؛ هي: أن اسم الفاعل -ومثله صيغ المبالغة- لا تتغير أحكامه إن كان غير مفرد؛ فالأحكام السابقة كلها مطردة في المفرد وغير المفرد، إلا بعض حالات وكلاهما سواء في الخضوع لتلك الأحكام والتفصيلات التي سبق بيانها عند الكلام على اسم الفاعل المفد، وشروط إعماله مقترنًا وغير مقترن ... إلى غير ذلك من سائر القواعد التي سلفت. قال في هذا: وما سوى المفرد مثله جعلْ ... في الحكم والشروط حيثما عملْ ثم تعرض لاسم الفاعل العامل الناصب مصرحًا بجواز نصب مفعوله، أو جره مضافًا إليه فإن =

ملاحظة: ورد في المسموع الذي لا يقاس عليه بعض صيغ المبالغة خاليًا من معنى: "المبالغة"، مقتصرًا في دلالته المعنوية على المعنى المجرد الذي لا مبالغة فيه؛ فهو يدل على ما يدل عليه اسم فاعله الخالي من تلك المبالغة المعنوية: مثل كلمة: "ظلوم" في قول الشاعر: وكل جمال للزوال مآله ... وكل ظَلُوم سوف يلبى بظالمِ فإنها ليست للمبالغة؛ إذ المقام هنا يقتضي أن يكون المراد من لفظ: "ظلوم" هو: "ظالم" وليس كثير الظلم؛ لأن كلا من الاثنين سيلقى ظالمًا. من غير أن يتوقف هذا اللقاء إلا على مجرد وقوع الظلم من أحدهما، دون نظر لقلة الظلم أو كثرته1.

_ = نصب أكثر من مفعول جاز جر واحد ووجب نصب الباقي، قال: وانصب بذي الإعمال تلوًا، واخفضٍ ... وهو لنصب ما سواه مقتضي "ذي الإعمال": صاحب الإعمال، أي: المستوفي شروط العمل، وهو اسم الفاعل. "تلوًا": تاليًا -أي: المفعول به الذي يتلوه". وبيَّن بعد ذلك أن الاسم المجرور على الوجه السالف يجوز فيه الجر، ويجوز فيه النصب: واجررْ أوانصب تابع الذي انخفضْ ... كمبتغي جاهٍ ومالًا من نهضْ والأصل: من نهض مبتغي جاهٍ ومالًا. فعطف كلمة: "مالا" على كلمة: "جاه" المجرورة بالإضافة، ولكنها منصوبة باعتبارها مفعولًا به لاسم الفاعل في الأصل قبل الإضافة. 1 ينطبق هذا على كلمة: "فخور" في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} فليس المراد هنا كثرة الفخر؛ لأن الله يكره صاحب الفخر مطلقًا؛ بغير نظر إلى كثرة فخره أو قلته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان اسم الفاعل -ومثله صيغ المبالغة- مقرونًا بـ"أل" لم يجز تقديم شيء من معمولاته عليه إلا شبه الجملة. لأن "أل" الداخلة عليه موصولة، واسم الفاعل مع فاعله بمنزلة الصلة لها؛ والصلة لا تتقدم هي ولا شيء منها ولا من معمولاتها على الموصول؛ إلا شبه الجملة1؛ لأنه محل التساهل؛ فيصح أن يقال: أنا لك المرافق، ومعك الدائب، أي: أنا المرافق لك، الدائب معك. أما إن كان مجردًا منها فيجوز تقديم المعمول: مفعولًا كان أو غير مفعول2 إلا في بعض حالات، فمثال التقديم الجائز: الحديقة، عطرًا، فواحة، والأصل: الحديقة فواحة عطرًا. ومن الحالات التي لا يجوز فيها التقديم أن يكون اسم الفاعل مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر أصلي، نحو: يروقني رسم مصور طيورًا، ألا تغضب من معذب الحيوان؟ فلا يجوز: يروقني -طيورًا- رسم مصور. ألا تغضب، الحيوان، من معذب، بخلاف المجرور بحرف جر زائد؛ فيجوز أن يتقدم عليه معموله؛ نحو: ما العزيز، الهوان يقابل، والأصل: ما العزيز يقابل الهوان. وأجاز قوم تقديم المعمول إن كان اسم الفاعل: "مضافًا إليه"، و"المضاف" كلمة: "غير" أو: "حق"، أو: "جد" أو: مثل، أو: أول، نحو: "المنافق، الوعد، غير منجز". "هذا، الأعداء, حق قاهر، أو: جد قاهر"، والأصل: المنافق غير منجز الوعد. هذا حق قاهر الأعداء، أو: جد قاهر الأعداء. "شاعرنا، درًا، مثل ناظم"، "العرب، ضيفًا، أول ناصر". وهذا الرأي حسن؛ لما فيه من تيسير، وأحسن منه براعة استخدامه في أنسب الأساليب له، وأليق المواقف.

_ 1 راجع ج1 ص276 م27 وسبقت الإشارة للسبب في رقم 1 من هامش 216. 2 راجع هامش ص256 الوجه الرابع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز أيضًا تقديم معموله على مبتدأ يكون اسم الفاعل خبرًا له، نحو: الضيوف أنت مصافح. والأصل: أنت مصافح الضيوف. ب- يجوز إعمال اسم الفاعل -أحيانا- وهو محذوف؛ مثل: أعليًّا أنت مساعده؟ فقد اشتغل اسم الفاعل المذكور بضمير الاسم السابق، واستغنى بنصبه عن نصب الاسم السابق، فلم يبق إلا أن يكون الناصب للاسم السابق عاملًا آخر، محذوفًا، يفسره المذكور على الوجه المعروف في باب: "الاشتغال"1 والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعده؟ ومثله أيضًا: أعليًّا أنت مساعد أخاه، والتقدير: أمساعد عليًّا أنت مساعد أخاه. ومثله في كل ما سبق صيغ المبالغة. ج- عرفنا أن اسم الفاعل يدل -غالبًا- هو وصيغ المبالغة، على الحدوث وعدم الدوام، وعرفنا طريقة صوغه. لكن قد يراد منه النص على الثبوت والدوام مع قيام قرينة تدل على هذا، فيصير صفة مشبهة2. ويسمى باسمها -بالرغم من بقائه على صورته الأصلية3؛ ويجري عليه أحكام الصفة المشبهة؛ فيجوز في السببي4 بعده إن كان معرفة:

_ 1 في هذا المثال -وأشباهه- نجد الاسم السابق منصوبًا مع أن الضمير الراجع إليه مجرور. لكنه مجرور في حكم المنصوب؛ لأن كلمة: "مساعد" في حكم الفعل، وتنوينها ملحوظ وإن لم يكن ملفوظًا؛ فالضمير هنا كالضمير في مثل: أعليا مررت به؛ مجرور وهو في الحكم منصوب. كما سبق في باب الاشتغال ج1 "راجع شرح المفصل ج6 ص69". 2 سيجيء في 281 م104 باب خاص بها يتضمن تعريفها، وتفصيل أحكامها، والتغيير في دلالة اسم الفاعل والصفة المشبهة. 3 كما سبق في ص243، 256، ويجيء في ص292. 4 لا بد لكل اسم مشتق عامل من صاحب يقوم به معنى المشتق، مثل: محمد عالم. علي محسن. الجو معتدل؛ فالكلمات: محمد، علي، الجو: هي الصاحب الأصيل الذي قام به معنى المشتق قيامًا مباشرًا متصلًا بذاته، وقد يقوم المعنى بشيء آخر يتصل بالصاحب الأصيل بنوع اتصال، ويرتبط به من بعض النواحي؛ كأن نقول: محمد عالم أبوه، علي محسن أخوه، الجو معتدل حرارته، فالأب والأخ والحرارة ... و ... ليست الصاحب الأصيل للوصف المشتق؛ وإما ترتبط معه برابط يجمع بينهما؛ كالأبوة، والأخوة، والتبعية في أمر ما. هذا الرابط يسمى: "السببي" ولا بد فيه من ضمير يعود على الأصل. وقد تقوم "أل" خلفًا عن الضمير في مذهب الكوفيين -كما سيجيء في ص268 وفي رقم 4 من هامش ص277 وفي رقم 3 من هامش ص310- وقد اشترطوا وجوب السببية في مرفوع اسم الفاعل إذا جرى اسم الفاعل على موصوف؛ نحو: الرجل صادق أبوه، -كما سيجيء في هامش ص310-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع والنصب والجر، نحو: هذا عابد طائع، مرتفع الجبهة، طاهر القلب، ناصعٌ صفحة؛ فيجوز في السببي هنا؛ "وهو: الجبهة، القلب، صفحة" الرفع على أنه فاعل للصفة المشبهة. والجر على اعتباره مضافًا إليه، والنصب على أنه شبيه بالمفعول به وليس مفعولا به1. فإن كان السببي نكرة -جاز نصبه على أنه تمييز، أو على أنه شبيه بالمفعول به. ومقتضى ما سبق أن السببي المعرفة والنكرة يجوز فيه دائمًا الرفع على الفاعلية، والجر على الإضافة2؛ كما يجوز فيه النصب أيضًا؛ ولكن المنصوب في حالة التعريف يعرب شبيهًا بالمفعول به، وفي حالة التنكير يعرب شبيهًا بالمفعول به، أو: تمييزًا. د- لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه "سواء أكان فعله ثلاثيًا أم غير ثلاثي، لازمًا أم متعديًا" إلا إذا أريد منه الثبوت والدوام، وقامت القرينة على هذا؛ فيصبر صفة مشبهة، تجري عليه كل أحكامها، ومنها: أن يحكم عليه باللزوم فلا ينصب المفعول به الأصيل ولو كان فعله متعديًا، وهذا على حسب البيان المشروح فيما سبق3 وفيما يلي:

_ 1 لأن "الصفة المشبهة" الأصيلة -كما سبق البيان في ص242- كفعلها لا تنصب المفعول به؛ لأنها تصاغ من مصدر فعل ثلاثي لازم، فلما كان السببي بعدها منصوبًا ولا يصلح لإدخاله تحت نوع آخر من المنصوبات -أعربوه "شبيهًا بالمفعول به" إن كان معرفة، ولم يعربوه مفعولا به؛ لأن المفعول به لا بد أن يقع عليه أثر فعل الفاعل، وهذا لا يقع عليه أثر الصفة المشبهة؛ وهي بمنزلة الفعل في هذه الحالة، ومن ثم لم يحملوه في التسمية على المفعول به الذي ينصبه اسم الفاعل مع أن الصفة المشبهة إنما سميت باسمها؛ لشبهها اسم الفاعل في كثير من الأمور، "وسيجيء بيان وافٍ عن هذا كله في بابها". أما إن كان نكرة فيجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز. 2 بشرط خلوِّ المضاف مما يعارض الإضافة؛ كالتنوين..؟ 3 في هامش ص242.

............................................................................................................................... اسم الفاعل المضاف لفاعله بقصد النص على الثبوت والدوام بقرينة، فيترك الحدوث، وينتقل إلى معنى الصفة المشبهة- ثلاثة أنواع "وكذا صيغة المبالغة، وهذه لا تصاغ إلا من الثلاثي": أولها: نوع مأخوذ من الفعل اللازم -الثلاثي وغير الثلاثي- مثل: عالٍ وشامخ ... في نحو: هذا عالي القامة، شامخ الأنف "وفعلهما: علا، شمخ". ومثل "تائب" في قول الشاعر: تباركت؛ إني من عذابك خائفٌ ... وإني إليكم تائب النفس باخعُ1 "والفعل: تاب"، وقول الآخر يمدح: ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس2 ولا يكاد يوجد خلاف في جواز انتقال هذا النوع من حالة الحدوث إلى معنى الصفة المشبهة. ثانيها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعول به واحد. والراجح في هذا النوع جواز انتقاله إلى معنى الصفة المشبهة، بشرط أن يكون اللبس مأمونًا؛ "وهو: التباس الإضافة للفاعل بالإضافة للمفعول به". فإذا لم يؤمَن اللبس لم تجز الإضافة؛ كقولهم: فلان راحم الأبناء، نافع الأعوان، يريدون: أن أبناءه راحمون وأعوانه نافعون. فإذا كان المقامُ مقامَ مدح الأبناء والأعوان جاز؛ لدلالة المقام على أن الإضافة للفاعل؛ كصدورها ممن يرد على قول القائل: "ليس أبناء فلان بمفطورين على الرحمة، ولا أعوانه بمطبوعين على النفع"، أو من يرد على قول القائل: "أبناء فلان قساة، وأعوانه ضارون، بسجيتهم ... " ففي هذا المثال وأشباهه مما يحذف فيه المفعول به ويؤمن فيه اللبس لقرينة لفظية، أو: معنوية، يجوز في السببي -ككلمة: "الأبناء" وكلمة: "الأعوان"- إما الرفع؛ على أنه فاعل للصفة المشبهة "وهي: راحم. نافع"، وإما النصب

_ 1 قاتل لها حزنًا. 2 والفعل: "أطرق. عبس"، وقد سبق هذا البيت في رقم 3 من هامش ص260 لمناسبة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه شبيه بالمفعول به، ولا يصلح تمييزًا إن كان معرفة، كما في المثال. وإما الجر، على أنه مضاف إليه. وهذه الأوجه الإعرابية الثلاثة هي التي تجري على معمول الصفة المشبهة الأصيلة1، كالتي في مثل: "فلان جميل الوجه، حسن الهيئة، حلو الحديث" ومن أمثلة هذا النوع: ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما وفي هذا النوع من الإضافة إلى المرفوع يكثر حذف المفعول به، الذي كان معمولًا لاسم الفاعل قبل إضافته لفاعله، وقبل أن يصير بهذه الإضافة صفة مشبهة. ويصح ذكر هذا المفعول به في الرأي الراجح -مع إعرابه "شبيهًا بالمفعول به"، لا مفعول به أصيلًا، مثل: "فلان راحم الأبناء الناس، ونافع الأعوان أفرادًا كثيرة". فكلمتا: "الناس" و"أفرادًا" شبيهتان بالمفعول به. ولا داعي لمنع هذا الشبيه المنصوب من ذكره وظهوره في الجملة، بزعم أن منصوب الصفة المشبهة -إذا كان شبيهًا بالمفعول به- لا يزيد على واحد كما قرره النحاة. وقرارهم حق؛ فمنصوبها الشبيه بالمفعول به لا يزيد على واحد. والذي في المثال السابق -ونظائره- لم يزد على واحد. ولكن المانعين يتوهمون أن الواحد يشمل "المضاف إليه" بعد الصفة المشبهة؛ لأن هذا "المضاف إليه" يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به قبل إضافته2؛ فاعتبروه بمنزلة "الشبيه بالمفعول به". برغم أنه: "مضاف إليه" مجرور، وبنوا على هذا عدم صحة المنصوب

_ 1 لا يقال في هذا النوع: إن فعله متعدٍّ في أصله؛ فكيف يصح تحويله إلى صفة مشبهة، لا تصاغ إلا من الثلاثي اللازم كما سبق؟ فقد أجابوا أن المراد باللزوم إما اللزوم "الأصلي" "بأن يكون الفعل موضوعًا في أصله لازمًا" وإما اللزوم: "التنزيلي، أو: الحكمي" "بأن يحذف مفعول الفعل المتعدي حذفا غالبًا في بعض حالاته كالتي هنا"، وإما اللزوم: "التحويلي" "بأن يكون الفعل متعديًا ولكنه يحول إلى صيغة "فَعُل" بضم العين، وهي صيغة لازمة؛ لغرض عين، كالمدح، أو الذم" ونتيجة الثلاثة واحدة؛ هي أن التعدي غير معتبر هنا. فلا تنصب الصفة المشبهة المفعول به الأصيل كما ينصبه فعلها حين تكون منقولة عن اسم الفاعل، ولكنها قد تنصبه على "أنه شبيه بالمفعول به"، وليس مفعولًا به "كما سبق الإيضاح في هامش ص242، وستجيء إشارة هنا، وفي رقم 4 من هامش ص306". 2 انظر رقم 3، 4 من ص314.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر معه؛ لئلا يزيد منصوب الصفة المشبهة على واحد إذا كان شبيهًا بالمفعول به. قال "الصبان" في هذا الموضع1: لا داعي للأخذ بالوهم السابق، ولا بما يترتب عليه، فالصحيح عنده في هذه الصورة وأشباهها جواز الإضافة إلى المرفوع مع ذكر المنصوب الواحد بعده، والذي يعرب "شبيهًا بالمفعول به". وفي رأيه تيسير، واستبعاد لشرط أن يكون الفعل محذوف المفعول به، كما اشترطه بعضهم. ثالثها: نوع مأخوذ من فعل متعدٍّ لمفعولين، أو ثلاثة: نحو: "أنا ظانٌّ رفيقًا قادمًا، ومخبر الأصدقاء السرور شاملًا بقدومه". ولا يكاد يوجد كبير خلاف في منع انتقال هذا النوع إلى معنى الصفة المشبهة من طريق إضافته لفاعله؛ لأن الوصف ينصب مفعولين أو أكثر كفعله، ومنصوب الصفة المشبهة لا يزيد على واحد على الوجه الذي أوضحناه في النوع السالف. هذا، ولأكثر النحاة فلسفة خيالية فيما تقدم؛ فهم يقولون2: إن إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه تتم على الصور السابقة في ثلاث مراحل مرتبة3: أولها: تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف. وثانيها: نصب المرفوع بعد ذلك على التشبيه بالمفعول به. وثالثها: جره على الإضافة. ففي مثل: الطبيب رائف القلب، يكون الأصل: الطبيب رائف قلبه؛ -برفع كلمة: قلب"- ثم يتحول الإسناد عن المرفوع السببي، وينتقل إلى الضمير المضاف إليه؛ وهو: "الهاء" ويستتر هذا الضمير في الوصف: "رائف"، ويعوض منه "أن" في رأي الكوفيين4؛ وينصب المرفوع الذي تحول عنه الإسناد؛ لأنه صار بعد تحويل الإسناد عنه أشبه بالفضلة؛

_ 1 آخر باب: إعمال اسم الفاعل. 2 كما سيجيء في "ب" ص315 في الصفة المشبهة. 3 والضمير في هذه المراحل قد يشابه الصورة الآتية في ص310، وقد يمتنع بعض هذه المراحل؛ طبقًا لما سيجيء في ص305. 4 كما سلف في رقم 4 من هامش ص264، وكما يجيء في رقم 4 من هامش ص277.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب استغناء الوصف عنه بضمير الموصوف؛ فينصب مثلها، ويصير: "الطبيب رائف القلب". ثم يجر بالإضافة؛ فرارًا من القبح البادي في إجراء الوصف اللازم أو ما يشبهه مجرى المتعدى. "والمراد بما يشبهه1: الوصف المتعدي لمفعول واحد، ومفعوله محذوف". فيصير: "الطبيب رائف القلب". ويقولون في تعليل هذه المراحل الثلاث2 المتخيلة: إنه لا يصح إضافة الوصف لمرفوعه مباشرة؛ لأنه عينه في المعنى؛ فلزم إضافة الشيء إلى نفسه3، ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلم يبقَ طريق إلى إضافته لمرفوعه إلا ذلك الطريق الذي وضحنا مراحله. ويستدلون على الإضافة بكثير من الأمثلة المأثورة تؤيد4 رأيهم. وكل هذا كلام افتراضي؛ لا تعرفه طوائف العرب؛ أصحاب اللغة، ومرجعها الأول الصحيح. فإغفاله خير. ولن يترتب عليه ضرر. هـ- لا تجيء "صيغ المبالغة" إلا من مصدر فعل قابل للزيادة، فلا يقال: موات ولا قتال، في شخص مات أو قتل؛ إذ لا تفاوت في الموت والقتل. و سيجيء1 أنه كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: "فعال" للدلالة على "النسب" -بدلًا من يائه- وكثر هذا الحرف؛ فقالوا: حداد لمن حرفته "الحدادة"، ونجار لمن حرفته "النجارة" ... وكذا: لبَّان، وبقَّال، وعطَّار. ونحوها من كل منسوب إلى صناعة. والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف؛ لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس عليه.

_ 1 انظر هامش ص267. 2 أشرنا في آخر الهامش السالف إلى أن بعض هذه المراحل قد يمتنع؛ طبقًا لما سيجيء في ص305. 3 وهذه حجة ضعيفة بعد ما تقدم في ص40 وما بعدها من جواز هذه الإضافة. 4 سنعرض بعضها في ص285 ونزيد الأمر وضوحًا عند الكلام عليه في الصفة المشبهة ص294. في ج4 باب: "النسب" م179 "ج" من ص684.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعلوا من استعمالها في النسب قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} أي: بمنسوب إلى الظلم، وحجتهم أن صيغة "فعال" هنا لو كانت للمبالغة وليست للنسب لكان النفي منصبًّا على المبالغة وحدها؛ فيكون المعنى: وما ربك بكثير الظلم؛ فالمنفي هو الكثرة وحدها دون الظلم الذي ليس كثيرًا. وهذا معنى فاسد؛ لأن الله لا يظلم مطلقًا، لا كثيرًا ولا قليلًا.

المسألة 103

المسألة 103: اسم المفعول: تعريفه: اسم مشتق1، يدل على معنى مجرد، غير دائم2، وعلى الذي وقع عليه هذا المعنى. فلا بد أن يدل على الأمرين معًا3، "وهما: المعنى المجرد، وصاحبه الذي وقع عليه". مثل كلمة: "محفوظ" و"مصروع" في قولهم: العادل محفوظ برعاية ربه، والباغي مصروع بجناية بغيه. "فمحفوظ" تدل على الأمرين أيضًا؛ المعنى المجرد؛ "أي: الحفظ" والذات التي وقع عليها الحفظ وكذلك "مصروع" تدل على الأمرين أيضًا؛ المعنى المجرد؛ "أي: الصرع"، والذات التي وقع عليها. ومثل هذا يقال في كلمة: "منسوب" من قول الشاعر: لا تلم المرء على فعله ... وأنت منسوب إلى مثله4 وهكذا ... ودلالته على الأمرين السالفين مقصورة على الحدوث -أي على: الحال- فهي لا تمتد إلى الماضي، ولا إلى المستقبل، ولا تفيد الدوام إلا بقرينة في كل صورة. صوغه 5: أ- يصاغ قياسًا على وزن: "مفعول" من مصدره الماضي الثلاثي

_ 1 في ص182 بيان مفصل عن أصل المشتقات. 2 أي: لا يلازم صاحبه. وسيجيء أيضًا أن هذا المعنى المجرد يفيد الحدوث، فلا يمتد إلى الماضي ولا إلى المستقبل إلا بقرينة. 3 يمكن استجلاء المراد من بعض ألفاظ التعريف على ضوء ما سبق في تعريف اسم الفاعل ص238. 4 وبعد هذا البيت: من ذم شيئًا وأتى مثلَهُ ... فإنما يزري على عقلِهِ 5 أشرنا في رقم 3 من هامش ص239 إلى ابن أبي مالك وضع في "ألفيته" بابين؛ أحدهما =

المتصرف1؛ مثل: "محفوظ" من "حفظ" و"مصروع" من "صرع" و"منسوب" من "نسب"، و"معلوم" من "علم" و"مجهول" من "جهل" و"معروف" من "عرف". ومثل "محمود" من "حمد" في قول الشاعر: لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل ب- ويصاغ قياسيًا من مصدر الماضي غير الثلاثي بالإتيان بمضارعه وقلب أوله ميمًا مضمومة مع فتح ما قبل الآخر. فللوصول إلى اسم المفعول من: "سارع" نجيء بمضارعه: "يسارع"، ثم ندخل عليه التغيير السالف، فيكون اسم المفعول: "مسارَع"، نحو: الخبر مسارَع إليك. واسم المفعول من "هدَّم" هو: مهدَّم؛ نحو: صرح البغي مهدم، واسم المفعول من: "أوجع" هو: "موجَع؛ كما في قول الشاعر2 الكهل الوفي: خُلقْت ألوفًا؛ لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجَعَ القلب، باكيًا وهكذا: استخرج، يستخرج، مستخرج، نحو: المستخرج من النفط في بلادنا يكفي حاجاتنا. ومثل: "منزهة"، ومكرمة" في قول أبي تمام في وصف قصائده: منَزَّهة عن السرق المورَّى3 ... مكرمة عن المعنى المعاد

_ = عنوانه: "إعمال اسم الفاعل"، ولكنه ضمنه إعمال اسم الفاعل واسم المفعول معًا، فهو باب ينطوي على إعمالهما. وقد مرَّ شرح أبياته في مناسباتها الخاصة ابتداء من ص249. وثانيهما عنوانه: "أبنية أسماء الفاعلين، والمفعولين، والصفات المشبهة بها"، وسيجيء شرح أبياته في مناسباتها ابتداء من هامش ص289، وفصل بين البابين بآخر عنوانه: "أبنية المصادر" وقد ارتضى هذا الترتيب لحكمة رآها، قد تكون -كما يقول بعض النحاة- الرغبة في موالاة مواضع الإعمال للمصدر وللمشتقات، حتى إذا فرغ من الكلام على شئون الإعمال لهذه العوامل الاسمية التي بينها كثير من الترابط والتشابه انتقل إلى الكلام على أبنيتها وصيغها. وقد سبق أن أشرنا أننا لا نرتضي هذا الترتيب؛ لما فيه من توزيع الأحكام والصيغ على بابين مستقلين ومنفصلين عن الإعمال؛ إذ الأنسب تعريف ل عامل مع ذكر صيغه وأحكامه في باب واحد. 1 أما الماضي الجامد فليس له مصدر، ولا اسم مفعول، ولا اسم فاعل، ولا صفة مشبهة، ولا غيرها من المشتقات ... 2 هو المتنبي. 3 السرق المورى: السرقة التي يخفيها السارق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- فتح الحرف الذي قبل الآخر قد يكون ظاهرًا كالأمثلة السالفة، وقد يكون مقدرًا؛ مثل: مستعان، منقاد ... أصلهما: مستعون. منقود ... قلبت الواو ألفًا بعد فتح ما قبلها بنقل حركتها إليه؛ تطبيقًا لقاعدة صرفية1. ب- إذا كان اسم المفعول مؤنثا وجب زيادة تاء التأنيث في آخره؛ كما في آخر: "منزهة، ومكرمة" من بيت أبي تمام السابق. ج- قد وردت صيغ سماعية تؤدي ما يؤديه اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي وليست على وزنه؛ فهي نائبة عن صيغة "مفعول" في الدلالة على الذات والمعنى. ومن تلك الصيغ: "فعيل"، بمعنى: مفعول؛ نحو: كحيل: بمعنى: مكحول. و"فعل"، كذبح؛ بمعنى مذبوح. و"فعل" كقنص، بمعنى: منقوص، و"فعلة"؛ كغرفة، ومضغة، وأكلة، بمعنى: مغروفة، وممضوغة ومأكولة ... وهذه الصيغ وأمثالها غير مقيسة. لكن هل تعمل عمل اسم المفعول كما تؤدي معناه؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل: إنها تعمل عمله -بشروطه- فترفع نائب فاعل حتمًا، وقد تنصب مفعولًا به -أو أكثر- إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك؛ فحكمها حكم المبني للمجهول. وفي هذا الرأي توسعة لمن شاء اتباعه2. غير أن حكمًا سيجيء3 لا يسري عليها؛ هو أن اسم المفعول يجوز أن يضاف لمرفوعه بشرط أن تكون صيغته أصلية4، فإن كانت نائبة عن

_ 1 في باب "الإعلال والإبدال" ج 4. 2 سيجيء كلام ابن مالك على صياغة: "اسم المفعول" وعلى صيغة: "فعيل" في الباب الذي خصه بأبنية المشتقات، هامش ص289، وما بعدها. 3 في ص275. 4 هي التي تكون من الثلاثي على وزن: "مفعول"، ومن غير الثلاثي على وزن المضارع بعد إبدال أوله ميمًا مضمومة مع فتح الحرف الذي قبل الآخر. أما غير الأصلية. فقد أوضحناها في "ج" هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصيلة -كفعيل؛ بمعنى: مفعول، وغيرها مما سبق -فلا تضاف لمرفوعها. د- سبقت الإشارة1 إلى أنه وردت صيغ مسموعة على وزن: "مفعول"، ولكن معناها هو معنى المصدر؛ فهي في حقيقة أمرها مصادر سماعية على وزن المفعول، منها: معقول، مجلود، مفتون، ميسور، معسور، أي: عقل، جلد، فتنة؛ بمعنى: خبرة، يسر "سهل"، عسر "ضد: سهل"، ومن كلامهم: "فلان لا معقول له ولا مجلود". وقد سبق شرح هذا وشرح بقية الكلمات الأخرى في ص198، وأوضحنا رأي سيبويه هناك.

_ 1 في ص198 تحت عنوان ملاحظة.

إعماله: يجري على اسم المفعول كل ما يجري على اسم الفاعل من الاقتران "بأل" وعدم الاقتران بها، ومن الشروط اللازمة لعمله ... و ... فإن كان مقرونًا "بأل" عمل مطلقًا، "بغير اشتراط شيء". وإن لم يكن مقترنًا بها وجب تحقق كل الشروط التي سبقت لإعمال اسم الفاعل1؛ وفي مقدمتها: الاعتماد، وعدم التصغير، وأن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال أو الاستمرار التجددي ... و ... فإذا استوفى شروط الإعمال كلها عمل ما يعمله مضارعه المبني للمجهول؛ فيحتاج -وجوبًا- لنائب فاعل مثله: ويكتفي بنائب فاعله إن كان مضارعه مكتفيًا بنائب الفاعل2. نحو: يساعد القوي زميله. يساعد الزميل. هل القوي مساعد زميله؟ ولما سبق يمكن أن يحل محل اسم المفعول مضارع بمعناه مبني للمجهول. وإذا كان مضارعه ناصبًا مفعولين ثم حذف فاعله فإن أحد المفعولين ينوب عنه، ويصير مرفوعًا مثله، ويبقى المفعول الآخر على حاله منصوبًا، وكذلك اسم المفعول؛ نحو: يظن الرجل العوم نافعًا -يظن العوم نافعا- هل المظنون العوم نافعًا؟ ... وإن كان فعله متعديًا لثلاثة ثم حذف فاعله وناب أحد المفعولات عنه صار مرفوعًا مثله. ووجب نصب ما عداه؛ وكذلك الشأن في اسم المفعول؛ نحو: تخبر المراصد الطيارين الجو هادئًا -يخبر الطيارون الجو هادئًا- هل المخبر الطيارون الجو هادئًا؟. ويجوز -بقلة في الأحوال السابقة كلها أن يضاف اسم المفعول إلى نائب فاعله الظاهر؛ بشرط أن تكون صيغة اسم المفعول أصلية3 فيصير نائب الفاعل مضافًا إليه، مجرور اللفظ، ولكنه مرفوع المحل؛ مراعاة

_ 1 ص246 وما بعدها، وفي "ب" من ص254. 2 وهذا يتحقق حين المضارع من الأفعال التي تنصب مفعولًا به واحدًا قبل بنائه للمجهول، وقد حذف فاعله، وقام المفعول به الواحد مقامه، وناب عنه؛ وصار مرفوعًا، ولم يبق، في الكلام مفعول به آخر. 3 شرحنا الأصلية في رقم 4 من هامش ص273، وغير الأصلية في "ج" من تلك الصفحة.

لأصله1؛ نحو: إن القوي مساعد الزميل، هل يشيع مظنون العوم نافعًا" أمخبر الطيارين الجو هادئًا؟ فإن لم تكن صيغته أصلية امتنع أن يضاف لمرفوعه. وإذا جاء تابع لهذا المضاف إليه جاز جره مراعاة للفظ المضاف إليه، أو رفعه؛ مراعاة لأصله؛ نحو: إن القوي مساعد الزميل والزميلة -هل يشيع مظنون العوم البارع نافعًا؟ أمخبر الطيارين المسافرين -أو المسافرون- الجو هادئًا؟ بجر التابع أو رفعه في كل ذلك وأشباهه. ما سبق حين يكون مضارعه متعديًا. فإن كان لازمًا قد حذف فاعله وناب عنه شيء آخر غير المفعول به؛ كالظرف، أو الجار مع مجرور أو المصدر ... فإن اسم المفعول يكون لازمًا أيضًا، ويحتاج لنائب فاعل من هذه الأشياء الصالحة للنيابة عند عدم وجود المفعول به، نحو: "اعتكف المريض في الغرفة، يُعتكف في الغرفة، هل الغرفة معتكف فيها؟ ". "اتسع المجال أمام المخلص. يتسع أمام المخلص. هل المتسع أمام المخلص"2. هذا؛ واسم المفعول حين يضاف بقلة إلى مرفوعة- نحو: الغرفة مفتوحة النوافذ، وقول المتنبي وقد سبق: خلفت ألوفًا، لو رجعت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا والأصل: مفتوحة نوافذها. موجع قلبي يظل مع إضافته لمرفوعه دالًا

_ 1 هذا الحكم مأخوذ من كلام ابن مالك الآتي؛ حيث يقول: وكل ما قُرِّر لاسم فاعلِ ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضلِ 2 فيما سبق من الكلام على اسم المفعول، وأنه يجري عليه ما يجري على اسم الفاعل، وأنه كالمضارع المبني للمجهول في أنه يرفع نائب فاعل، لا فاعلًا. يقول ابن مالك في الباب الذي عنوانه: "إعمال اسم الفاعل" وضمنه اسم المفعول. وكل ما قرر لاسم فاعلِ ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضلِ فهو كفعل صِيغَ للمفعول في ... معناه؛ كالمعطَى كفافًا يكتفي "لا تفاضل، أي: بلا زيادة في أحدهما على الآخر". وإعراب المعطى كفافًا يكتفي: "المعطى": مبتدأ، "أل" فيه موصولة يعود عليها الضمير الذي في كلمة: "معطى"، وهذا الضمير نائب الفاعل، وأصله المفعول الأول لكلمة: "معطى"، "كفافًا": المفعول الثاني. "يكتفي" هذه الجملة المضارعية خبر المبتدأ.

على الحدوث، كما كان قبل الإضافة إليه1. إلا إن قامت قرينة تدل على أن المراد منه الثبوت والملازمة الدائمة، فيصير صفة مشبهة؛ لما أوضحناه2 من أن الأصل في اسم المفعول أن يدل على معنى حادث غير دائم الملازمة لصاحبه "فهو -عند عدم القرينة- يدل على مجرد الحدوث الذي لا يشمل الماضي ولا المستقبل ولا يفيد الاستمرار". فإن قصد به النص على الثبوت والدوام -وقامت قرينة تدل على هذا- صار صفة مشبهة3؛ فيسمى باسمها، ويخضع لأحكامها؛ وبالرغم من بقائه على صورته الأصلية؛ إذ لا يصح تغيير صورته بسبب انتقال معناه من الحدوث إلى الدوام والاستمرار. والكثير الغالب في اسم المفعول عدم إضافته إلى مرفوعه إلا إذا أريد تحويله إلى الصفة المشبهة؛ ليدل مثلها على معنى ثابت دائم، لا حادث؛ وبشرط وجود القرينة التي تدل على ثبوته ودوامه. وإذا صار صفة مشبهة جاز في السببي4 الواقع بعده الرفع، على اعتباره "فاعلًا"، ولا يصح اعتباره نائب فاعل للصفة المشبهة5 التي جاءت على صورة اسم المفعول. ويجوز فيه النصب على اعتباره "شبيهًا بالمفعول به" إن كان معرفة، و"تمييزًا" أو "شبيهًا بالمفعول به" إن كان نكرة، ويجوز فيها الجر على اعتباره مضافًا إليه، ففي مثل: أنت مرموق المكانة دائمًا، مسموع الكلمة؛ مُحَصَّن خلقًا، مكمَّل علمًا، يجوز في الكلمات5: "المكانة، الكلمة، خلقا، علمًا" الرفع على اعتبارها فاعلًا

_ 1 وهذه الإضافة مع الدلالة على الحدوث قليلة -كما سيجيء- وهي مع قلتها جائزة. لكنها لا تساير الكثير من الأساليب الفصيحة المأثورة. 2 في ص271. 3 يحسن الاستئناس فيما يأتي بنظيره السابق في اسم الفاعل في "ج" من ص264؛ فكلاهما موضع للآخر. 4 أوضحنا للسببي تفصيلًا في رقم 4 من هامش ص264 ثم في ص310، وملخصه: أنه الذي ليس أجنبيًّا من الموصوف: فيشمل ما يحوي ضمير الموصوف لفظًا؛ نحو: الوالد مسموعة كلمته. أو تقديرًا، نحو: الوالد مسموع الكلمة، أي: مسموع الكلمة منه. وقيل إن "أل" خلف عن الضمير؛ تبعًا لرأي الكوفيين الذي سبقت الإشارة إليه في رقم 4 من هامش ص264 وفي ص268. 5 لأن الصفة المشبهة لا ترفع نائب فاعل مطلقًا.

للصفة المشبهة، ويجوز فيها الجر؛ لاعتبارها مضافًا إليه، ويجوز فيها النصب، إما على التشبيه بالمفعول به إن كانت معرفة، وإما على التمييز أو على التشبيه بالمفعول به إن كانت نكرة. ولا مناص من قيام قرينة تدل على أن المراد من الصيغة هو الصفة المشبهة، وليس اسم المفعول. أما إذا أضيف اسم المفعول لمرفوعه بغير إرادة تحويله إلى الصفة المشبهة وبغير القرينة الدالة على إفادة الدوام، وهذه الإضافة قليلة جائزة، كما سبق؛ فإنه يظل محتفظًا باسمه وبكل الأحكام الخاصة به، وقد عرفناها. ولا بد في اسم المفعول الذي يصير صفة مشبهة من أن يظل على صيغته الأصيلة التي أوضحناها، لا الصيغة التي تنوب عليها، وأن يكون فعله في أصله متعديًا لمفعول واحد؛ ليكون هذا المفعول الواحد في السببي الذي يصح في إعرابه الأوجه الثلاثة السالفة؛ كالمثال السابق؛ وكقولهم: لا ينقضي يوم لا أراك فيه إلا علمت أنه مبتور القدر، منحوس الحظ1. فإن كان فعله لازمًا لم يصلح أن يصاغ منه اسم المفعول الصالح للانتقال إلى الصفة المشبهة. وكذلك إن كان فعله متعديًا لأكثر من واحد؛ فإنه في الرأي الشائع لا يصلح2؛ سواء أذكر مع السببي مفعول آخر أم لم يذكر. ومن الأمثلة لاسم المفعول المراد منه الصفة المشبهة3 ما ورد عنهم في رفع السببي على الفاعلية، هو: بثوب، ودينار، وشاة، ودرهم ... فهل أنت مرفوع بما ههنا رأسُ4؟

_ 1 نحس السعد حظ: جفاه وتركه. 2 حجة المانعين هو ما سبق مفصلًا في ص267 وفيها الرد عليهم، ومنه يفهم أنه لا مانع أن يكون الفعل متعديًا لاثنين فقط، يكون أحدهما السببي المجرور، ويبقى الآخر منصوبًا؛ على اعتباره شبيهًا بالمفعول به، لا مفعول به أصيلًا. 3 إذ المقصود إفادة الثبوت. 4 وردت البيت بهذا النص في بابي صوغ: "اسم المفعول، والصفة المشبهة" ببعض المراجع النحوية؛ "كالتصريح والهمع ... "، ولكنه ورد بنص آخر في الجزء الأول من كتاب: "معاني القرآن" للفراء، سورة البقرة ص52، قال:

فكلمة: "رأس" فاعل للصفة المشبهة التي هي كلمة: مرفوع. وفي نصبه على التشبيه بالمفعول به: لو صنت طرفك لم تُرَع بصفاتها ... لما بدت مجلوة وجناتها1 وفي جره: تمنى لقائي الجونُ2 مغرورُ نفسِهِ ... فلما رآني ارتاع ثُمت3 عردا4 وهكذا ... و ... 5.

_ فأبلغْ أبا يحيى إذا ما لقيته ... على العيس في آباطها عَرَق يَبْسُ بأن السُّلامِيَّ الذي بِضَريَّة ... أمير الحمى قد باع حقي بني عبْسِ بثوب، ودينار، وشاة، ودرهمٍ ... فهل هو مرفوع بما ههنا رأسُ؟ العرق اليبس: الجفاف. السلامي: رجل منسوب إلى موضع بنجد، يقال له: سلام -ضربة: قرية نجدية في طريق القادمين من البصرة إلى مكة- وكلمة: "عبس" مجرورة، مع أن السين في آخر أبيات القصيدة كلها مرفوعة. وهذه المخالفة في الشعر تسمى الإقواء. 1 الدليل على النصب أن الأنسب أن تكون منصوبة بالكسرة؛ لتساير آخر الشطر الأول الذي وقعت فيه كلمة: "صفاتها" مجرورة بالكسرة. 2 من معاني "الجون" في اللغة: الأبيض أو الأسود، وهو هنا: اسم رجل. 3 بمعنى: "ثم" حرف عطف، والتاء للتأنيث. 4 فر هاربًا. 5 فيما سبق من إضافة اسم المفعول لمرفوعه يقول ابن مالك من غير تفصيل: وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفعْ ... معنى؛ كمحمود المقاصد الورعْ يشير بكلمة "ذا" إلى اسم المفعول لاتجاه الكلام السابق إليه. وأصل مثال الناظم الورع محمود مقاصد، لحقه ما ذكرناه في الزيادة التالية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يضاف اسم المفعول إلى مرفوعه بالشروط والتفصيلات التي سلفت1، ولكن بالطريقة التي ارتضوها، وقد شرحناها2 وافية في إضافة اسم الفاعل لمرفوعه؛ أي: بعد تحويل الإسناد عن السببي إلى ضمير الموصوف، ثم نصب السببي على التشبه بالمفعول به، ثم جره على الإضافة بعد ذلك، كمثال الناظم، وهو: محمود المقاصد الورع. فأصله: الورع محمودة مقاصده. فكلمة: "مقاصده" مرفوعة على النيابة "لمحمودة" ثم صار: الورع محمود "المقاصد" بالنصب؛ ثم صار: ... محمود المقاصد، بالجر. والسبب عندهم: ما تقدم2 من أن الوصف هو عين مرفوعة في المعنى؛ فلو أضيف إليه من غير تحويل للزم إضافة الشيء إلى نفسه من غير مسوغ وهي -في الأغلب- غير صحيحة. ولا يصح حذفه؛ لعدم الاستغناء عنه. فلا طريق إلى إضافته إلا بتحويل الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى الموصوف ثم ينصب السببي لصيرورته فضلة حينئذ، بسبب استغناء الوصف بالضمير، ثم يجر السببي، فرارًا من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين3 ... وقد قلنا4 إن هذه الأمور الثلاثة بترتيبها السابق فلسفة خيالية يرددها كثير من النحاة؛ "كصاحب التصريح، وعنه أخذ الصبان"، ولا شيء منها يعرفه العربي الأصيل، فليس في إهمالها إساءة.

_ 1 في ص275 وما بعدها. "2-2" ص268 وما يليها. 3 من المفيد الرجوع إلى ص267 وما يليها. 4 في ص269.

المسألة 104

المسألة 104: الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد 1: تعريفها: نسوق الأمثلة التالية؛ لكشف دلالتها، وإيضاح ما في معناها من دقة: سئل أحد الأدباء القدامى أن يصف: "أبا نواس"؛ فكان مما قال: "عرفته جميل الصورة، أبيض اللون، حسن العينين والمضحك، حلو الابتسامة، مسنون الوجه2، ملتف الأعضاء، بين الطويل والقصير، جيد البيان، عذب الألفاظ.. و ... ". في هذا الوصف كثير مما يسمى: "صفة مشبهة"؛ مثل: جميل، أبيض، حسن، حلو ... و ... فما الذي تدل عليه كل كلمة من هذه الكلمات، ونظائرها؟ لنأخذ مثلًا كلمة: "جميل" فإنها اسم مشتق، يدل على أربعة أمور مجتمعة: أولها: المعنى المجرد الذي يسمى: "الوصف"، أو "الصفة". وهو هنا: الجمال. ثانيها: الشخص، أو غيره من الأشياء التي لا يقوم المعنى المجرد إلا بها، ولا يتحقق وجوده إلا فيها. وإن شئت فقل: هو الموصوف الذي يتصف بهذا الوصف، "الصفة" ... ، ولا يمكن أن يوجد الوصف مستقلًا بنفسه بغير موصوفه. والمراد به في المثال: الشخص الذي ننسب له الجمال، ونصِفُه به.

_ 1 في ص294، 300 وهامشهما، سبب هذه التسمية، وفي ص182 بيان مفصل عن أصل المشتقات. 2 وجه مسنون: أملس جميل.

ثالثها: ثبوت هذا المعنى المجرد "الوصف، أو: الصفة" لصاحبه في كل الأزمنة ثبوتًا عامًا؛ أي: الاعتراف بتحققه ووقوعه شاملًا الأزمنة الثلاثة المختلفة؛ فلا يختص ببعض منها دون آخر، بمعنى أنه لا يقتصر على الماضي وحده، ولا على الحال وحده، ولا على المستقبل كذلك، ولا يقتصر على زمنين دون انضمام الثالث إليهما؛ فلا بد أن يشمل الأزمنة الثلاثة؛ بأن يصاحب موصوفه فيها. فوصف شخص بالجمال على الوجه الوارد في العبارة السابقة معناه الاعتراف بالجمال له، وأن هذا الجمال ثابت متحقق في ماضيه، وفي حاضره، وفي مستقبله، غير مقتصر على بعض منها. "ولهذا نتيجة حتمية تجيء في الأمر الرابع التالي". رابعها: ملازمة ذلك الثبوت المعنوي العام للموصوف ودوامه؛ لأنه -كما أوضحناه- يقتضي أن يكون المعنى المجرد الثابت وقوعه وتحققه ليس أمرًا حادثًا الآن، ولا طارئًا ينقضي بعد زمن قصير. وإنما هو أمر دائم ملازم صاحبه "الموصوف" طول حياته، أو أطول مدة فيها حتى يكاد يكون بمنزلة الدائم1؛ إذ ليس بمعقول أن يصحبه في ماضيه وحاضره ومستقبله من غير أن يكون ملازمًا له، أو كالملازم2؛ فالجمال مثلًا لا يفارق صاحبه، وإن فارقه3 فزمن المفارقة أقصر من زمن الملازمة الطويلة التي هي بالدوام أشبه. ومن ثم كان هذا الأمر الرابع نتيجة للثالث4.

_ 1 ويشبهها في هذا الدوام والاستمرار "أفعل التفضيل" -كما في رقم 2 من هامش 251 وكما سيجيء في بابه ص395. 2 يدخل في حكم الملازمة بعض الأوصاف التي لا تفارق صاحبها، ولكن آثارها لا تظهر إلا في مناسبات خاصة بها؛ فمثلها يطرأ، ويزول، ثم يتجدد ... وهكذا، مما يسمى: "الاستمرار المتجدد، أو: الاستمرار التجددي". ومن هذا النوع كثير من العادات والسجايا؛ كالفرح؛ والغضب، والشبع، نحو: فلان فرح، أو: غضوب، أو شبعان ... فهذه صفات تظهر في مناسباتها -كما سيجيء في الأمر الأول من ص285، وفي الثالث من ص307. 3 تكون هذه المفارقة لسبب طارئ مؤقت -في الغالب- كمرض، أو خوف، أو شيخوخة ... 4 ولا بد من النص على هذا الأمر الرابع؛ إذ لا يلزم من حصول الأمر الثالث وتحققه أنه يلازم صاحبه ملازمة دائمة؛ فمن الممكن حصول الأمر في الماضي وفي الحال وفي المستقبل من غير أن يلازم صاحبه الملازمة المستمرة -أو شبهها- في كل حالة: ومن الممكن أن يقع فيها كلها مجتمعة من غير أن يستمر في المستقبل كذلك.

فكلمة: "جميل" في الكلام السالف -وأشباهه- تدل على: 1- معنى مجرد "أي: على وصف، أو: صفة"؛ هو: الجمال. 2- وعلى صاحبه الموصوف به. 3- وعلى ثبوت ذلك المعنى له وتحققه ثبوتًا زمنيًا عامًا. "ويشمل الماضي والحاضر، والمستقبل". 4- وعلى دوام الملازمة، أو ما يشبه الدوام1. والناطق بتلك الكلمة إنما يريد الأمور الأربعة مجتمعة، إن كان خبيرًا باللغة، وبدلالة الألفاظ فيها. ومثل هذا يقال في كلمة: "أبيض"؛ فهي اسم مشتق يدل على ما يأتي: 1- معنى مجرد "أي: وصف، أو: صفة"، هو: البياض. 2- الشيء الذي لا يقوم ولا يتحقق المعنى المجرد إلا بوجوده فيه "أي: الموصوف الذي يراد وصف بصفة: "البياض"، وهو هنا الشخص الذي نريد أن ننسب له تلك الصفة؛ ونصفه بها. 3- أن ذلك المعنى المجرد "الوصف، أو: الصفة"، ثابت له متحقق في كل الأزمنة ثبوتًا عامًا؛ فليس خاصًا بزمن من الثلاثة دون غيره، أو بزمنين، فالبياض، يصاحب المتصف به في ماضيه، وحاضره، ومستقبله. 4- أن هذا الثبوت العام يلازم صاحبه، ولا يكاد يفارقه؛ لأن مصاحبته إياه في الأزمنة الثلاثة تقتضي أن يكون ملازمًا له أو في حكم الملازم، برغم أنه قد يفارقه حينًا. فالناطق بكلمة: "أبيض" في التركيب السابق -ونظائره- إنما يريد بها الدلالة على تلك الأمور الأربعة مجتمعة إن كان يفهم أسرار العربية، ويجيد اختيار الألفاظ التي توضح تلك الأسرار. وما يقال في كلمتي: "جميل"، و"أبيض" يقال في: "حسن" و"حلو"، ... و ... وأمثالهما ... من كل ما تقدم يتبين المراد من قول النحاة في تعريف الصفة المشبهة

_ 1 إلا إنْ وجدت قرينة تمنع الدوام وشبيهه، كما سيجيء في ص307. وانظر رقم 1 من هامش ص293.

الأصيلة إنها: "اسم مشتق؛ يدل على ثبوت صفة لصاحبها1 ثبوتًا عامًّا"2. أنواعها، وطريقة صوغ كل نوع: الصفة المشبهة ثلاثة أنواع قياسية3: أولها وأكثرها: "الأصيل"، وهو المشتق الذي يصاغ أول أمره من مصدر الفعل الثلاثي، اللازم، المتصرف؛ ليدل على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتًا عامًا -وقد شرحناه بالأمثلة- ولهذا النوع أوزان وصيغ كثيرة خاصة به، وسنذكر أشهر القياسي منها.... ثانيها: الملحق بالأصيل من غير تأويل، ويلي الأول في الكثرة؛ وهو: "المشتق الذي يكون على الوزن الخاص باسم الفاعل أو باسم المفعول4، من غير أن يدل دلالتهما على المعنى الحادث وصاحبه، وإنما يدل -بقرينة- على أن المعنى ثابت لصاحبه ثبوتًا عامًا". وقد عرفنا طريقة صياغته في الباب الخاص بكل منهما5. وحكم هذا النوع أنه قياسي، وأنه بمنزلة الصفة المشبهة؛ فله اسمها، ودلالتها، وأحكامها المختلفة، دون أوزانها؛ لأنه يظل على صيغته الخاصة باسم الفاعل أو اسم المفعول، ويلازم وزنه السابق، على الوجه الذي شرحناه في باب كل منهما5. ثالثها وأقلها: الجامد المؤول بالمشتق، وهو: "الاسم الجامد الذي يدل دلالة الصفة المشبهة مع قبوله التأول بالمشتق6". وحكمه: أنه قياسي يظل على لفظه الجامد القابل للتأويل، ويؤدي معناها، ويعمل عملها دون أن تتغير صيغته.

_ 1 وقد يقتصرون في التعريف على: أنها اسم مشتق يدل على ثبوت صفة لصاحبها. أو: اسم مشتق يدل على الثبوت. ولا بأس بالإيجاز إن كان المراد معه واضحًا -موافقا ما شرحناه-. 2 أي: شاملًا الأزمنة الثلاثة شمولًا مستمرًا ثابتًا -كما شرحناه-. 3 بيان قياسيتها في رقم 2 من هامش ص291. 4 سواء أكان فعلهما ثلاثيًا أم غير ثلاثي. "5، 5" في هامش ص242 وفي "ج" من ص264 وفي "د" من ص264، ثم في ص277. 6 ولذا يصح وقوعه نعتًا كما سيجيء في ص463 "باب النعت".

وبالرغم من قياسيته يحسن الإقلال منه قدر الاستطاعة، وقد يزاد على آخره ياء مشددة للنسب، فتقرِّبه من المشتقات؛ نحو: تناولنا شرابًا عسلًا طعمه، أو: تناولنا شرابًا عسليًّا طعمه. ويجوز في معموله "وهو هنا كلمة: طعم" ما يجوز في معمول الصفة المشبهة من الرفع، أو النصب، أو الجر، على التفصيل المذكور في إعمالها -وسيأتي1- فنقول: تناولنا شرابًا عسليًا طعمه بالرفع، عسلًا طعمًا بالنصب، عسل الطعم بالجر بالإضافة. مع جواز زيادة الباء المشددة في كل حالة، وعليها تقع علامات الإعراب. ومن أمثلته قول الشاعر يهجو: فراشة الحِلمِ، فرعون العذاب، وإن ... تطلب نداه فكلب دونه كلب والمراد بفراشة: طائش، وبفرعون: أليم، أو: شديد. والمعاني الثلاثة على التأويل بالمشتق، وقول الآخر: فلولا الله والمهر المفدى ... لأبْت وأنت غربال الإهاب والمراد: مثقب الجلد. وهذا على التأويل بالمشتق أيضًا. والآن نعود إلى صياغة النوع الأول الأصيل، وأوزانه: لما كانت الصفة المشبهة الأصلية لا تصاغ قياسًا إلا من مصدر الفعل الماضي الثلاثي، اللازم، المتصرف ... تحتم أن يكون فعلها كسائر الأفعال الثلاثية، إما مكسور العين "أي: على وزن: "فعِل"، وهو أكثر أفعالها المتصرفة التي يقع الاشتقاق من مصدرها، وإما مضموم العين، "أي: على وزن "فعُل"، ويلي الأول في كثرة الصياغة من مصدره، وإما مفتوح العين، "أي: على وزن "فعَل"، وهو أقل أفعالها، بل أندرها. وأوزانها القياسية من هذه الأنواع الثلاثة كثيرة نعرض أشهرها، وضوابطه فيما يلي: 1- فإن كان الماضي الثلاثي اللازم على وزن "فعِل" -بكسر العين- وكان دالًا على فرح، أو حزن، أو أمر من الأمور التي تطرأ وتزول سريعًا،

_ 1 في ص294.

ولكنها تتجدد1، وتتردد على صاحبها كثيرًا لأنه اعتادها -فالصفة المشبهة على وزن: "فعل" للمذكر، و"فعلة" للمؤنث- ويلاحظ أن هذين الوزنين ليسا مقصورين على الصفة المشبهة من مصدر الفعل "فعل" فقد يكونان من مصدر "فعل" أيضًا، كما سنعرف -نحو: فرح فهو فرِحٌ، طرب فهو طرِبٌ، بطر فهو بطِر، حذر فهو حذِر، تعب فهو تعِب، ومن هذا قولهم: الحذِر آمن، والضجِر مكروب، والبطِر مهدَّد بزوال النعم. وقول الشاعر: ويل للشجِي2 من الخلي3 فإنه ... نصب الفؤاد، بحزنه مهموم وإن كان دالًّا على خلو، أو امتلاء، ونحو هذا مما يطرأ ويتكرر ولكنه يزول ببطء -فالصفة المشبهة على وزن: "فعلان" ومؤنثها -في الغالب- على وزن: "فعلى"- نحو: عطش فهو عطشان، ظمئ فهو ظمآن، صدى فهو صديان، شبع فهو شبعان، روي فهو ريان، يقظ فهو يقظان، عرق فهو عرقان. ومن هذا قولهم في الهجاء: فلان شبعان البطن، صديان الروح، نائم العقل، يقظان الهوى.

_ 1 ويسمى استمرارها: متجددًا، أو: تجدديًا -كما أوضحنا في ص39 وفي رقم 4 من هامش ص247 وفي رقم 2 من هامش ص282. 2 الحزين المهموم. "ملاحظة": في كلمة "شجي" ونظائرها بيان لغوي مفيد، نعرضه فيما يأتي: جاء في القاموس المحيط "ج4 مادة: شجاه" ما نصه: "شجاه: حزنه وطربه؛ كأشجاه فيهما. ضد ... و ... شجي به، كرضي شجًى. والشجِي المشغول. وشدد ياؤه في الشعر ... " ا. هـ كلام القاموس. لكن قوله: "شدد ياؤه في الشعر" تقييد غير صحيح؛ فقد جاء في: "الاقتضاب، في شرح أدب الكتاب" تأليف ابن السيد البطليوسي، في باب: ما يشدد، والعامة تخففه ص197 ما نصه: "أكثر اللغويون من إنكار التشديد في لفظة: "الشجي" وذلك عجيب منهم؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه يقال: شجوت الرجل أشجوه إذا أحزنته، وشجي يشجى إذا حزن. فإذا قيل: "شجٍ" بالتخفيف كان اسم الفاعل من "شجي" يشجى؛ فهو "شجٍ"؛ كقولك: "عمي يعمى فهو عمٍ". وإذا قيل: "شجيٌّ" بالتشديد، كان اسم المفعول من: "شجوته" أشجوه؛ فهو مشجوٌّ وشجيٌّ". كذلك مقتول وقتيل، ومجروح وجريح. ثم انبرى بعد ذلك يسرد أمثلة مسموعة للمشدد تؤيد رأيه" ا. هـ. وقريب من هذا المثل في معناه قولهم أيضًا: "ما أهون على النائم القرير سهر المسهَّد المكروب". 3 الخالي من الهم والحزن.

فإذا كان دالًا على أمر خلقي يبقى ويدوم، "مثل: لون، أو عيب، أو حلية، وكل هذا خلقي يبقى ويثبت" فالصفة في الغالب على وزن: "أفعل" للمذكر، و"فعلاء" للمؤنث؛ نحو: حمر فهو أحمر، خضر فهو أخضر، عرج فهو اعرج، عور فهو أعور، حور1 فهو أحور، كحل فهو أكحل ... ومنه قولهم: اشتهرت الخيول العربية برشاقة الجسم، وضمور البطن، وأنها دعجاء2 المقلة، كحلاء العين، وَطْفاء الأهداب3. فالصفات المشبهة التي ماضيها مكسور العين -تدور معانيها الغالبة حول ثلاثة أشياء؛ أمور تطرأ وتزول سريعًا ولكنها تتردد كثيرًا، أو أمور تطرأ وتتكرر، تزول ببطء. أو أمور تثبت وتبقى في الغالب. 2- إذا كان الثلاثي اللازم على وزن: "فعُل" "بضم العين" فالصفة المشبهة كثيرة الأوزان؛ فقد تكون على وزن: "فعيل"؛ مثل: شرُف فهو شريف، نبُل فهو نبيل، قبُح فهو قبيح. أو: على وزن: "فَعْل"؛ مثل: ضخُم فهو ضخْم، شهُم فهو شهْم، صعُب فهو صعْب. أو على وزن: "فَعَل"؛ مثل: حسُن فهو حَسَن، بَطُل4 فهو بَطَل. أو على وزن: "فَعَال"؛ مثل: جبُن فهو جبان، رزُنت المرأة فهي رزان5، حصُنت فهي حصان، أي: عفيفة. أو على وزن: "فُعَال"؛ مثل شجُع فهو شُجاع، فَرُت الماء "بمعنى: عذب"، فهو فُرَات.

_ 1 الحور: شدة بياض العين مع شدة سوادها. 2 الدعج: سعة العين مع شدة سوادها. "دعج، دعجًا، فهو أدعج، وهي: دعجاء". 3 غريزة شعر الجفون "وطِف وطفًا؛ فهو: أوطف؛ وهي: وطفاء". 4 صار بطلًا. 5 بمعنى: متوقرة، غير طائشة. والكثير قصر هذا الوزن على المؤنث.

أو على وزن: "فُعْل": مثل: صلُب فهو صُلْب - أو على وزن: "فِعْل"؛ نحو ملُح الماء فهو مِلْح. أو على وزن: فَعِل: مثل نَجُس الصديد فهو نَجِس. أو على وزن: "فَاعِل"؛ مثل: طهُر فهو طاهر. وليست الأوزان السابقة مقصورة على الصفة المشبهة المصوغة من مصدر: "فعُل" بضم العين، بل بعضها مقصور عليها؛ وهو: "فَعَل" كحسن، و"فَعَال": كجبان، و"فُعال": كشجاع ... وبعضها غير مقصور ولا مختص؛ لأنه مشترك بين فعُل -بضم العين- وفعِل، بكسرها. ومن هذا: "فعيل"؛ مثل: بخُل الوضيع فهو بخيل. كرُم الماجد فهو كريم. ومنه: "فَعْل"؛ مثل: سبط فهو سَبْط1، ضخم فهو ضَخْم؛ ومنه: "فِعْل" مثل؛ صفِر جيب المسرف؛ فهو صِفْر. ملُح ماء البحر فهو مِلْح. ومنه: "فُعْل"؛ مثل: حَرَّ القوي فهو حُرٌّ، "والأصل: حَرِرَ". صلُب الحديد فهو صُلْب. ومنه: "فَعِل"، كفرِح المنتصر فهو فَرِح. نَجُس الطعان الحرام فهو نَجِس. ومنه: "فاعل"، مثل: صحِب الضوء الشمس فهو صاحب. طهر ثوب المصلى فهو طاهر. 3- وإن كان الثلاثي اللازم على وزن "فَعَل" بفتح العين وهو أندر أفعالها. كما أسلفنا- فالصفة المشبهة على وزن فيعِل؛ نحو: مات يموت فهو ميت2.

_ 1 طويل. 2 ومثله: ساد يسود؛ فهو: "سَيِّد. وإنما كان ساد ومات على وزن "فَعَل" بفتح العين؛ لأن مضارعهما بضم العين، وهذا لا يجيء إلا من ماضٍ مفتوح العين أو مضموم العين، ومضمومها لا يصلح هنا؛ لأنه -في الغالب- للمدح أو الذم، على غير ما هنا.

تلك أشهر الصيغ والأوزان القياسية للصفة المشبهة1. وهناك صيغ أخرى سماعية، متناثرة في الكلام العربي الفصيح ومراجعه،

_ 1 وقد عرض ابن مالك -كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص239 ورقم 5 من هامش ص271- لصياغة الصفة المشبهة في باب مختلط، عقده لصياغتها وصياغة اسم الفاعل واسم المفعول، عنوانه: "أبنية أسماء الفاعلين، والمفعولين، والصفات المشبهة بها". ونص ما جاء على حسب ترتيب أبياته: كفاعلٍ صغ اسم فاعل إذا ... من ذي ثلاثة يكون؛ كغَذَا "غذا الماء: سال. غذوت الوليد: أطعمته، أو ربيته. فالفعل لازم، ومتعدٍّ". يقول: صغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتصرف على مثال "فاعل" أي: على وزن فاعل. وضرب مثلًا للفعل الثلاثي هو "غذا"، ويصلح مثالًا للثلاثي المتعدي واللازم، إشارة إلى أن اسم الفاعل لا يختلف وزنه باختلاف تعدي الثلاثي أو لزومه. فالمهم أن يكون ثلاثيًا، أو على وزن "فعَل" -بفتح العين- كما يفهم من المثال، ومن الكلام الآتي بعد. ثم قال: وهو قليلٌ في: "فَعُلْت" و"فَعِلْ" ... غير معدًّى، بل قياسه "فَعِلْ" أي: أن صيغة "فاعل" قليلة إذا جاءت من مصدر الفعل "فعُل" أو "فعِل" اللازمين؛ نحو: حمُض فهو حامض، وطمِع فهو طامع. وبين أن اسم الفاعل في مصدرهما يجيء على وزن "فَعِل"؛ نحو: نجُس فهو نجِس، فرِح فهو فرِح، وبطِر فهو بطِر ... والحق أن هذه الصيغة ليست باسم فاعل حقيقي، وإنما هي صفة مشبهة -وقد سبق البيان في هامش ص238 وكذلك الصيغ الآتية التي عرضها في البيت التالي، وفعلها هو "فعل" مكسور العين أيضًا. يقول: "وأفعَلٌ" "فعلان" نحو: أشِرِ ... ونحو صديانَ، ونحو: الأجهرِ يريد: أن "أفعل" و"فعلان" شأنهما كشأن: "فعِل" فكل من الثلاثة عنده هو اسم الفاعل من مصدر "فعل" الثلاثي اللازم مكسور العين، وضرب لها أمثلة هي أَشِر الأحمق فهو أَشِرٌ، وصدي الضال في الصحراء فهو صديان "كعطش فهو عطشان؛ وزنًا، ومعنى، وحكمًا". وجهر الرجل "لم يقدر على الإبصار في الشمس" فهو أجهر. وكل هذه صفات مشبهة، وليست باسم فاعل حقيقي، كما قد يفهم من ظاهر كلام ابن مالك "انظر هامش ص238"، ولعل قصده -كما قال بعض الشراح- أن تلك الأفعال تدل في الغالب على معانٍ لازمة أو ما يشبهها، فيناسبها أن يصاغ منها صفات مشبهة بتلك الأوزان، لا أسماء فاعلين. ثم قال: "وفَعْلٌ" اولى "وفعيل" بِفَعُلْ ... كالضخْم، والجميل، والفعل جَمُلْ أي: أن الماضي الثلاثي إذا كان على "فعل" -بضم العين- فالأولى أن يكون اسم فاعله على وزان "فعل: أو "فعيل"؛ مثل: ضخم الفيل فهو ضخم، وجمل الغزال فهو جميل ... =

فإذا عرف المتكلم صيغة مسموعة مخالفة للصيغة القياسية جاز له استعمال ما يشاء منهما، ولكن الأفضل الاقتصار على المسموعة، ولا سيما الصيغة المشهورة.

_ = ثم بين في البيت الآتي أن مجيء اسم الفاعل من مصدر ذلك الفعل على وزان: "أفعل"، أو: "فعل" قليل، نحو: خضب فهو أخضب. وبطل العربي فهو بطل، وكذلك بين أن اسم الفاعل -أحيانًا قليلة- لا يجيء من مصدر: "فعل" على صيغة "فاعل" التي هي الغالبة فيه؛ نحو، شاب الرجل فهو أشيب، وشاخ الشاب فهو شيخ، فقد استغني عن صيغة فاعل بأخرى. وفي هذا كله يقول: "وأفْعَلٌ" فيه قليل، و"فَعَلْ" ... وبسوى الفاعل قد يَغنَى "فَعَلْ" "غني يغنى، بمعنى: استغنى". ونكرر ما سبق أن كل الصيغ التي من مصدر الثلاثي وليست على وزن: "فاعل"، هي -على غير ما يفهم من ظاهر كلام ابن مالك- "صفات مشبهة"، وليست "اسم فاعل" إلا من طريق التسمية المجازية التي شاعت قديمًا حتى صارت اصطلاحًا عندهم؛ طبقًا للبيان السالف في هامش ص238. ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان صيغة اسم الفاعل من غير الثلاثي، فقال: إنها على وزن مضارعه، مع كسر متلوِّ الأخير "أي: كسر الحرف الذي يتلوه الأخير، ويجيء بعده" وضم ميم زائدة تجيء أول المضارع بدلًا من حرف المضارعة، نحو: "ساعد، يساعد، مساعد". "تكرم، يتكرم، متكرم". "واصل، يواصل، مواصل ... " يقول: وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث؛ كالمواصلِ مع كسر متلوّ الأخير مطلقًا ... وضم ميمٍ زائدٍ قد سبقا يريد: زنة اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي هي زنة مضارعه، بشرط كسر الحرف الذي قبل الأخير في المضارع، وضم حرف الميم الزائد الذي يسبق بقية حروف المضارع؛ "لأنه يتصدر الفعل، ويحل محل حرف المضارعة". نحو: المواصل، والفعل الرباعي؛ هو؛ واصل، ومضارعه يواصل، واسم الفاعل: مواصِل. وقد تحقق المطلوب؛ بكسر الحرف الذي قبل الأخير، وحذف حرف المضارعة من الأولى، وإحلال الميم المضمومة الزائدة محله "وقد تكلمنا على كل ما سبق في ص236". ثم انتقل بعد ذلك على الكلام على صيغة اسم "الفعل" من مصدر الفعل غير الثلاثي؛ فأوضح أنها هي صيغة اسم الفاعل من مصدر غير الثلاثي، ولكن بعد أن يفتح الحرف الذي قبل الآخر. فلا فرق بين صيغتيهما، وطريقة الوصول إليهما إلا في أمر واحد: هو أن الحرف الذي قبل الآخر مكسور في صيغة اسم الفاعل، مفتوح في صيغة اسم المفعول، نحو: مساعد، ومساعد -متكرِّم، متكرَّم، ومواصِل، ومواصَل. منتظِر. ومنتظَر ... أما صيغة اسم المفعول من مصدر الفعل الثلاثي فهي على وزن: "مفعول" باطِّراد؛ كالوزن الذي نأتي به من: "قصد" فنقول: مقصود. أو من "كتب" فنقول: مكتوب. وفيما سبق يقول:

أما إذا لم توجد صيغة مسموعة، أو وجدت ولكنه لا يعرفها1 فليس أمامه إلا استخدام الصيغة القياسية2.

_ = وإن فتحت منه ما كان انكسرْ ... صار اسم مفعول: كمثل: المنتظرْ وفي اسم مفعول الثلاثي اطَّرَدْ ... زنة مفعول، كآتٍ مِن: قَصَدْ أي: كالوزن الآتي من الفعل: قصد، وأشار بعد هذا إلى أن اسم المفعول من الثلاثي قد يكون على وزن "فعيل"، لا مفعول؛ فيعمل عمله -بشروطه- وأن هذا نقل عن العرب، وسماع منهم؛ فهو مقصور على النقل والسماع، ولا يجوز القياس عليه، بل يجب الوقوف عند ما ورد منه، لا نزيد عليه شيئًا. وقد مثل له: بفتاة كحيل؛ بمعنى مكحولة العينين، وفتى كحيل؛ بمعنى: مكحولهما. "ويلاحظ أن صيغة: "فعيل" التي بمعنى: "مفعول" يستوي فيها المذكر والمؤنث -غالبًا- فتستعمل بلفظ واحد لهما من غير زيادة تاء تدل على التأنيث، بشروط وتفصيلات يجيء الكلام عليها في الجزء الرابع، "الباب الخاص بالتأنيث"، وأهم هذه الشروط ألا يذكر قبلها الشيء الذي نتحدث عنه أو نَصِفُهُ، أي: الموصوف الذي يقوم به معناها ويتحقق فيه مدلولها" يقول: وناب نقلًا عنه ذو فعيلِ ... نحو: فتاة أو فتى كحيلِ وقد تكلمنا على كل ما سبق خاصًّا باسم المفعول في ص271. ذو فعيل: أي صاحب هذا اللون. موازنه". 1 لخفائها عن العلماء؛ لا لقصور وجهل من المتكلم. 2 الصفة المشبهة قياسية "كما صرح بهذا في أول بابها الأشموني -وغيره- كالتصريح في أول باب: "كيفية أبنية أسماء الفاعلين ... وفي أول باب: الصفة المشبهة"؛ فيجوز صياغتها على وزن إحدى الصيغ التي عرضناها، بشرط أن تتحقق الشروط والأوصاف الخاصة بهذه الصيغة. ولا التفات إلى الرأي القائل بوجوب الاقتصار على الصيغ السماعية إن وجدت؛ لأن الأخذ بهذا الرأي معطل للقياس؛ منافٍ لمعناه الحقيقي، وللغرض منه. فوق ما فيه من إعنات ومشقة لا يحتملها جمهرة الخاصة، بله العامة؛ إذ يطالب بالرجوع إلى المراجع اللغوية، وجميع المظان الحاوية لمفرداتها، للبحث عن الصيغة السماعية قبل استعمال القياسية. فإذا ثبت عدم وجود صيغة سماعية جاز استعمال القياسية ... وليس هذا بمعقول ولا سائغ، بل ليس من صالح اللغة تضييقها على هذا الوجه المعوق لها، الحائل دون استعمالها، من غير فائدة مرجوة في هذا التحجير والإرهاق. وأعجب من هذا رأي آخر يحرم استخدام الصيغ القياسية مطلقًا "مع وجود أخرى سماعية أو عدم وجودها، كالذي قيل في صوغ المصدر ص188 وما بعدها". زاعمًا أن إيجاد الصيغة القياسية إنما هو إيجاد وخلق اللفظ لم ينطق به العرب أصحاب هذه اللغة، المستأثرون بخلق مفرداتها وكلماتها وهو زعيم خاطئ دفعناه مرارًا في أجزاء هذا الكتاب، وأوضحنا أسباب خطئه؛ قاصدين أن نكشف خطره وضرره، كي لا يجد له في أيامنا واهِمًا يأخذ به. وهذه المناسبة تحملنا إلى أن يعود فنردد هنا أيضًا ما سبق أن عرضناه في رقم 3 من هامش ص188 من إباحة استخدام المصدر وغيره استخدامًا قياسيًّا مطردًا. ونشير بوجه خاص إلى كلام ابن جني المدون هناك، وهو كلام هامٌّ مفيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: وبهذه المناسبة نشير إلى حكم سبق1، فنردده لأهميته؛ وهو: أن الصفة المشبهة قد يراد منها النص على الحدوث؛ لحكمة بلاغية، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فتصير اسم فاعل؛ لما اسمه، ومعناه، وحكمه، وتنتقل إلى صيغته الخاصة به، "وهي صيغة اسم "فاعل" من مصدر الثلاثي"؛ فلا بد أن تترك اسمها، وصيغتها، ومعناها، وحكمها، وتصير إليه في كل شأن من شئونه بغير إبقاء على حالها السابق. فإذا أردنا النص على وصف رجل بالفصاحة. وبيان أنها صفة ثابتة ملازمة له؛ ردًّا على من قال إنها طارئة عليه، مؤقتة -أتينا بالصفة المشبهة، "دون اسم الفاعل الحادث"؛ لأنها المختصة بهذه الدلالة، وتخيرنا من صيغها وأوزانها الصيغة الملائمة للمراد. فقلنا: "فصيح" وأجرينا على هذه الصيغة اسم "الصفة المشبهة وكل أحكامها، بشرط إرادة النص. ووجود القرينة الدالة عليه. لكن إذا أردنا الدلالة على الحدوث نصًّا، وأن الفصاحة طارئة غير ملازمة -أتينا باسم الفاعل الحادث، دون الصفة المشبهة؛ لأنه المختص بهذه الدلالة نصًّا. وجئنا بصيغته الخاصة من مصدر الثلاثي، وهي صيغة "فاعل"، فقلنا: "فاصح" غدًا، مثلًا، وأجرينا عليها اسمه، وكل أحكامه وحده كما أسلفنا1. وربما تترك الصفة المشبهة دلالتها على الدوام، وتدل على المضي وحده -وهذا نادر2. أو تدل على الحال وحده، أو المستقبل كذلك، من غير أن تترك صيغتها، وإنما تظل عليها مع تغير الدلالة، وكل هذا حين توجد قرينة تدل على

_ "1، 1" في ص241، 242 حيث البيان والدليل. 2 لتحقيق هذه المسألة يمكن الرجوع إلى: "الخضري" في أول باب: "الإضافة" عند قول ابن مالك: "وإن يشابه المضاف يفعل ... " حيث صرح أنها لا تكون للماضي وحده مطلقًا ... كما يمكن الرجوع للصبان أول باب: "الصفة المشبهة" حيث صرح بأنها مع القرينة قد تكون للماضي وحده، أو للحال وحده، أو للمستقبل كذلك. وساق مثالًا هو "كان زيد حسنًا فقبح، أو سيصير حسنًا، أو هو الآن فقط حسن"؛ ففي الحكم خلاف، والمختار ما قررناه من الندوة. ثم انظر رقم 1 في هامش الصفحة التالية؛ لأهميته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن المراد هو الاقتصار على: المضي، أو على الحال، أو على الاستقبال، وليس المراد الدوام1؛ بالرغم من بقاء الصيغة على صورتها؛ نحو: "هذا المتسابق سريع العدو في الساعة الماضية، بطيء الحركة الآن، وسيبدو بعد قليل فسيح الخطو، بعيد القفز، عظيم الأمل في الفوز". ولكن بقاءها على صيغتها مع تغير دلالتها بسبب اقتصارها على زمن بعيد خاص -ولا سيما الماضي- رأي ضعيف2؛ لا يحسن اتباعه ولا القياس عليه؛ بالرغم من وجود القرينة الدالة على تغير الدلالة. أما إذا لم توجد القرينة فيجب تغيير الصيغة بتحويلها إلى صيغة: "فاعل"3. واسم الفاعل من الثلاثي إذا أريد به الدلالة على الثبوت -بشرط وجود قرينة- فإنه يصير صفة مشبهة يحمل اسمها دون اسمه، ويدل دلالتها، ويخضع لأحكامها وحدها. وتتغير صياغته؛ فتصير من الثلاثي على وزن من أوزانها القياسية، وقد يظل محتفظًا بصيغته التي كان عليها قبل الانتقال4، إلى الدلالة الجديدة، بشرط وجود القرينة، كما في مثل: أهذا الطبيب رحيب الصدر؟ فيجاب: نعم، راحب الصدر5. وقد بسطنا القول في كل هذا في موضعه من البابين.

_ 1 جاء في "التصريح، شرح التوضيح" -ج2 باب: "أبنية أسماء الفاعلين ... " أمثلة متعددة لها، قال بعد سردها ما نصه: "جميع هذه الصفات المتقدمة الدالة على الثبوت، صفات مشبهة باسم الفاعل إلا إذا قصد بها الحدوث؛ في أسماء الفاعلين" ا. هـ. وجاء في الحاشية تعليقًا على هذا نصه: "قوله: إلا إذا قصد بها الحدوث- قضيته: إن تلك الصيغ تستعمل للحدوث، وإن لم تحول إلى فاعل. فقولهم: "إذا قصدوا الحدوث حولت إلى فاعل" ... ليس بواجب إلا أن أريد النص على الحدوث كما يدل عليه قول الرضي؛ استدلالا لشيء ذكره. ولهذا اطرد تحويل الصفة المشبهة إلى: "فاعل" كحاسن وضائق عند قصد النص على الحدوث" ا. هـ. 2 وسيجيء في ص307. 3 كما سيجيء في رقم 3 ص307. وانظر رقم 1 هنا. 4 كما سبق في هامش ص242، و"ج" من صفحتي 245، 264. 5 بإضافة اسم الفاعل إلى فاعله؛ لتكون هذه الإضافة هي القرينة المطلوبة.

إعمالها: الصفة المشبهة الأصلية1 مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم؛ فحقها أن تكون كفعلها؛ ترفع فاعلًا حتمًا، ولا تنصب مفعولًا به. لكنها خالفت هذا الأصل، وشابهت اسم الفاعل المتعدي لواحد؛ "فإنه -كفعله المتعدي- يرفع فاعلًا حتمًا، وقد ينصب مفعولًا به"، وصارت مثله ترفع فاعلها حتمًا، وقد تنصب معمولًا2 لا يصلح إلا مفعولًا به، ولكن هذا المعمول حين تنصبه لا يسمى مفعولا به، وإنما يسمى: "الشبيه بالمفعول به3؛ إذ كيف يعتبر مفعولًا به وفعلها لازم لا ينصب المفعول به؟ لهذا يقولون في إعرابه حين يكون منصوبًا، إنه: "منصوب على التشبيه4 بالمفعول به". ولا تنصب هذا الشبيه إلا بشرط: "اعتمادها"5؛ سواء أكانت مقرونة؛ "بأل" أم غير مقرونة. مثل الكلمات: القول، الطبع، القلب ... وفي قولهم: "إنما يفوز برضا الناس الحلو القول، الكريم الطبع، الشجاع القلب" ... ولا يشترط هذا الشرط لعملها في معمول آخر "غير الشبيه بالمفعول به": كالحال، والتمييز، وشبه الجملة ...

_ 1 سبق في ص284 أن الصفة المشبهة ثلاثة أنواع: أصيل، وملحق به، ومؤول. 2 وهذا من أسباب تسميتها بالصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد. وسيجيء التفصيل في ص288 وما بعدها، وفيها أنواع المعمولات التي تنصبها. 3 كما سيجيء في رقم 3 من ص300. 4 أشرنا إلى هذا في مناسبة سابقة "هامش ص242، 265" فقلنا إن السبب هو: صوغ الصفة المشبهة من مصدر فعل ثلاثي لازم، وقد ورد السببي بعدها منصوبًا لا يصلح أن يعرب نوعًا آخر من المنصوبات غير المفعول به، فأعربوه "شبيهًا بالمفعول به"، ولم يعربوه مفعولًا به؛ لئلا تخالف فعلها. وأيضًا فالمفعول به يقع عليه أثر فعل الفاعل. أما معمول الصفة المشبهة هذا فلا يقع عليه الأثر، فلم يجعلوا اسمه "مفعولا به" كاسم المنصوب الذي نصبه اسم الفاعل، مع أنه الصفة المشبهة سميت باسمها لشبهها باسم الفاعل في كثير من أحواله، ومنها عمل النصب. ففي مثل: الحاكم ضارب المذنب، يعرب "المذنب" مفعولًا به مباشرة، لأنه وقع عليه الضرب. لكن إذا قلنا: الحاكم سمح الطبع، لا يعرب "الطبع" إلا شبيهًا بالمفعول به؛ لأن السماحة لم تقع عليه وإنما قامت به، وفرق كبير بين الاثنين أوضحناه من قبل "في ج2 ص53 م65". ومثل هذا حسن الرأي، جميل المظهر ... "راجع الشرح المفصل ج6 ص81". 4 سبق بيان الاعتماد في ص249.

لأن كلمة "معمول" ليست مقصورة الدلالة على هذا الشبيه، ولا على النوع المنصوب منه. بل إن معمولها الشبيه البارز -ويسمى أيضًا السببي1"- يجوز فيه ثلاثة أوجه2؛ أن يكون مرفوعًا على اعتباره فاعلًا لها، ويجوز أن يكون منصوبًا على التشبيه بالمفعول به إن كان هذا المعمول "أي: السببي" نكرة، أو معرفة: كالأمثلة السابقة، أو منصوبًا على التمييز بشرط أن يكون نكرة3؛ "نحو ... الحلوُ قولًا، الكريم طبعًا، الشجاع قلبًا"، ويجوز أن يكون مجرورًا بالإضافة: "نحو: ... الحلو القول، الكريم الطبع، الشجاع القلب" أي: أن هذا المعمول السببي يجوز فيه -دائمًا- ثلاثة أوجه إعرابية؛ "إما الرفع على الفاعلية"4، "وإما النصب على التشبيه بالمفعول به، إن كان المعمول -أي: السببي- معرفة أو نكرة، ويصح في المعمول النكرة دون المعرفة نصبه تمييزًا"، "وإما الجر على الإضافة"، ولا فرق في هذه الأوجه الثلاثة بين أن تكون الصفة المشبهة مقرونة "بأل" أو مجردة منها"، كما تقدم، ولا بين أن يكون هذا المعمول مقرونًا بها أو مجردًا منها. إلا أن المعمول المقرون بها لا يعرب تمييزًا كما عرفنا. وفي جميع حالاتها لا يشترط لإعمالها: "الاعتماد"، إلا في الحالة الواحدة التي سبقت، وهي التي تنصب فيها "الشبيه بالمفعول به"5.

_ 1 تكرر في مناسبات مختلفة إيضاح معنى "السببي" والمراد منه؛ كالذي في رقم 4 من هامش ص264. 2 هناك معمولات يمتنع فيها الرفع، وأخرى يجب. وسيجيء ذكرها في ص304 وما بعدها. وهناك معمولات مجرورة وأخرى منصوبة، غير الشبيه بالمفعول به، منها: الحال، والتمييز، والظروف وغيرها مما سيجيء في ص309، والمعمولات كلها بحالاتها الإعرابية المختلفة لا تقتضي اعتماد الصفة المشبهة إلا الشبيه بالمفعول به -كما سبق، وكما سيجيء في رقم 3 من ص300. 3 لأن التمييز في الأغلب لا يكون إلا نكرة. 4 في حاشية ياسين أول هذا الباب عند تعريف الصفة المشبهة: "أن نحو: زيد حسن ليس صفة مشبهة، ثم جاء بعد ذلك مباشرة ما نصه: "إن النحاة لا يسمونها صفة مشبهة إلا إذا خفضت أو نصبت" ا. هـ. ويفهم من هذا أنها لا تسمى صفة مشبهة في مثل: "فلان حسنٌ وجهُه"، ونحوه من كل ما وقع فيه فاعلها اسما ظاهرًا أو مستترًا. وهذا رأي مرفوض -بحق- إلا عند ابن هشام. 5 راجع ص294 ورقم 3 من ص300.

وينشأ من هذا التفريع صور متعددة أكثرها صحيح، وأقلها غير صحيح. ومن المشقة والإرهاق أن نتصدى لحصر صورهما، ونحدد عددهما على الوجه الذي فعله بعض الخياليين، فأوصلهما إلى مئات، بل ألوف1، وانتهى به التحديد إلى ما لا خير فيه. وإذا كان التحديد على الوجه السالف خياليًا مرهقًا، فإن الحرص على سلامة الأداء، وصحة التعبير يقتضينا أن نعرف الصور الممنوعة؛ كي نتجنبها، ونصون أنفسنا من الخطأ. وقد وضع لها النحاة ضابطًا نافعًا، يسهل فهمه واستيعابه، فقالوا2: يمتنع جر المعمول في كل صورة جمعت ما يأتي كاملًا؛ حيث لا يصح إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها: 1- إفراد الصفة المشبهة "بأن تكون غير مثناة، وغير جمع مذكر سالم". 2- اقترانها "بأل". 3- تجرد معمولها من "أل"، ومن الإضافة إلى ما فيه أل، ومن الإضافة إلى المختوم بضمير يعود على ما فيه "أل". 4- تجرد الموصوف من "أل". فيمتنع الجر في: غرد محمود الرخيمُ3 صوتِهِ، ولا يمتنع في: غرد الطائر الرخيمُ صوته. فإذا كانت الصفة بـ"أل"، وكذلك معمولها صح الجر بالإضافة مثل: لا تجادل إلا السمحَ الخلقِ، العفَّ القولِ، الأمينَ الزللِ. ويجوز الجر بالإضافة أيضًا إذا كانت الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجردًا، لكنه مضاف إلى المقترن بها: مثل: هذا الحكيم إعدادِ الخطط، الحسنُ تدبيرِ الأمور. كما يجوز الجر إن كانت الصفة مقرونة بـ"أل"، ومعمولها مجرد من: "أل"، ولكنه مضاف لمضاف إلى ضمير يعود على المقرون بها،

_ 1 كما جاء في حاشية الصبان وغيره من المطولات. 2 راجع حاشية الخضري. 3 الضمير عائد على؛ "محمود": وهو خال من: "أل".

مثل: راقني الطاووس البديعُ لونِ ريشِهِ؛ فإن الضمير الذي في آخر كلمة: "ريش" عائد على الطاووس وفيه "أل". وهكذا. هذا هو الضابط العام الذي يرشدنا إلى المعمول الذي يمتنع جره بالإضافة، ويوضح الصور الكثيرة التي لا يجوز فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها. وأقرب هذه الصور للخاطر: الأربعة الآتية1، وهي حالات جر ممنوع حين يكون فيها الموصوف مجردًا من: "أل". 1- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى ضمير الموصوف الخالي منها؛ نحو: إبراهيم النبيلُ خلقِهِ. 2- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى مضاف لضمير الموصوف الخالي منها؛ نحو: إبراهيم النبيلُ خلقِ والده. 3- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، مضاف إلى الخالي من "أل" والإضافة؛ نحو: هذا النبيل خلقِ والدٍ. 4- أن تكون الصفة مقرونة بـ"أل" والمعمول مجرد منها، خالٍ من "أل" والإضافة؛ نحو: هذا النبيل خلقٍ.

_ 1 عدها الأشموني تسعًا نكتفي بالإشارة إليها. وفي الصفحة التالية تقسيم آخر حسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سلك بعض النحاة مسلكًا حسنًا آخر؛ لبيان أكثر الصور الصحيحة والممنوعة التي تتردد على الخواطر؛ فقال: الصفة المشبهة إما أن تكون مقرونة بـ"أل"، وإما أن تكون مجردة منها؛ فإذا كانت مقرونة بـ "أل" فلمعمولها ستة أحوال يمتنع الجر في بعضها: 1- أن يكون مقرونًا بـ"أل" أيضًا مثل: أحب الكتاب العظيم الفائدة. 2- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف للمقرون بها: مثل: أحب الكتاب العظيم فائدة البحوث. 3- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف لضمير يعود على الموصوف مثل: أحب الكتاب العظيم فائدته. 4- أن يكون مجردًا من "أل" ولكنه مضاف لمضاف للمقرون بضمير يعود على الموصوف؛ مثل: أحب الكتاب العظيم فائدة بحوثه. 5- أن يكون مجردًا من "أل"، ولكنه مضاف إلى الخالي من "أل" والإضافة؛ مثل: أحب الكتاب العظيمَ فائدةِ بحوث. 6- أن يكون مجردًا من "أل" ومن الإضافة معا؛ نحو: أحب الكتاب العظيمَ فائدة. وهذه الحالات الست قد يكون المعمول في كل واحدة منها مرفوعًا، أو منصوبًا. أو مجرورًا، فمجموع الصور ثماني عشرة صورة. وبعضها يمتنع فيه جر المعمول. هذه أحوال المعمول وصوره حين تكون الصفة مقرونة بـ"أل". فإن كانت مجردة منها فله ست حالات هي الحالات السالفة نفسها مع تجريد الصفة من "أل" وبعد هذا التجريد يكون المعمول في كل حالة مرفوعًا أو منصوبًا، أو مجرورًا، فله ثماني عشرة صورة أيضًا، بعضها يمتنع جره كذلك. فمجموع صوره

في حالتي اقتران الصفة "بأل" وعدم اقترانها هو: ست وثلاثون صورة بعضها يمتنع جره. وأظهر الممنوع منها هو الأربعة التي سبق إيضاحها قبل هذه الزيادة مباشرة1. "وهناك غيرها ممنوع ولكن لا حاجة للإثقال بسرده؛ لقلة وروده على الأذهان، وندرته في الأساليب الناصعة". ب- ما ليس ممنوعًا من الصور يجوز استعماله. ولكنه -مع جواز استعماله- متفاوت في درجته؛ حسنًا وقبحًا، وقوة وضعفًا: 1- فمن القبيح أن ترفع الصفة المقرونة: بـ"أل" أو المجردة منها، فاعلًا نكرة؛ نحو: صلاح الحسن وجه، أو الحسن وجه أب ... أو: صلاح حسن وجه، و ... ومن القبيح أيضًا أن تكون الصفة مقترنة بأل، أو مجردة، ومرفوعها مقرونًا "بأل"، أو مجردًا منها. ولهذا صور أربع. 2- من الضعيف: أن تكون الصفة المشبهة نكرة ومعمولها معرفة منصوبة أو مجرورة، إلا إذا كان المعمول "بأل"، أو مضافًا لما فيه "أل". ومن الضعيف أيضًا: أن تكون الصفة "بأل" مضافة على معمولها الخالي منها. ولكنه مضاف لضمير يعود على المقرون بها. وما عدا حالتي القبح والضعف -مما ليس ممنوعًا- حسن قوى.

_ 1 في ص297.

المسألة 105

المسألة 105: أوجه التشابه والتخالف بينها وبين اسم الفاعل المتعدي لواحد 1: يجدر بنا الآن -وقد عرفنا أحوال كل منهما وقياسيته، وفرغنا من شرح أحكامهما- أن نعرض لموازنة نافعة بينهما. أ- إنها تشبهه في أمور، ومن أجل هذه الأمور مجتمعة2 سميت: "الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد". وأهم هذه الأمور المشتركة بينهما: 1- الاشتقاق. فإن لم تكن مشتقة -كما في بعض أنواعها3 القليلة- فليست بصفة أصيلة مشبهة باسم الفاعل، وإنما هي صفة مشبهة على وجه من التأويل، نحو: عرفت رجلًا أسدًا أبوه، أو نمرًا خادمه، أو ثعلبًا حارسه ... ونحو: هذه قمر وجهها، حرير شعرها، "ويجوز في كل هذا النوع زيادة ياء النسب في آخره" والمعنى التأويلي شجاع أبوه، غادر خادمه، ماكر حارسه، مضيء أو جميل وجهها، ناعم شعرها ... و ... وهذا النوع المؤول3 قياسي -على قلته- ولكن يحسن التخفف منه قدر الاستطاعة. 2- الدلالة على المعنى وصاحبه. 3- عملها النصب في "الشبيه بالمفعول به" بشرط اعتمادها. ولكن هذا الاعتماد عام في المقرونة "بأل" والمجردة منها. "وقد سبق بيان هذا عند الكلام

_ 1 أما غير المتعدي فلا تشبهه؛ لأنها تعمل النصب فيما يسمى: الشبيه بالمفعول به. وأما الفعل اللازم فلا ينصب المفعول به، ولا ما يشبهه. أما المتعدي لأكثر من واحد فلا تشبهه؛ لأن الصفة المشبهة الأصيلة مشتقة من فعل لازم. 2 مجموعها كاملًا هو السبب في التسمية؛ لا بعضها. "3، 3" راجع الكلام عليه في ص284.

على إعمالها، كما سبق1 تفصيل الاعتماد، وما يتصل به في موضعه المناسب من باب اسم الفاعل2، ومنه يعلم أن الاعتماد ضروري لعمل اسم الفاعل النصب إذا كان غير مقترن بـ"أل" ... أما هي فالاعتماد ضروري لها في الحالتين3، إذا أريد أن تنصب الشبيه ... ". ومما تجب ملاحظته أن الاعتماد شرط في نصب الصفة المشبهة لما يسمى: "الشبيه بالمفعول به"، أما غيره فتعمل عملها فيه بدون شرط؛ كالرفع في فاعلها، والجر فيما أضيف إليها، والنصب في كل المنصوبات الأخرى؛ ومنها: الحال، والتمييز، والمفعول لأجله، والظرف، والمفعول المطلق4، وكل معمول مرفوع، أو مجرور، أو منصوب. إلا المنصوب على "التشبيه بالمفعول به" فلا بد فيه من الاعتماد. 4- قبول التثنية. والجمع، والتذكير، والتأنيث، مثل: "جميل، جميلة، "جميلان، جميلتان"، "جميلون، جميلات"، ومثل: "حسن، حسنة"، "حسنان، حسنتان"، "حسنون، حسنات"، وهكذا ... و ... فإن لم تصلح للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فليست صالحة لأن تكون صفة مشبهة؛ مثل كلمتَي: "قنعان"5، و"دلاص"6؛ فلكتاهما تستعمل بلفظ واحد للمفرد وفروعه، وللمذكر والمؤنث، تقول: "رجل، أو رجلان، أو رجال. أو امرأة، أو امرأتان، أو نسوة"، قُنْعَان، في كل حالة مما سبق. "وهذه درع ... أو هاتان درعان

_ 1 في ص294، 295. 2 في ص294. 3 فاقترانها بـ"أل" أيضًا يقتضي الاعتماد؛ بناء على الرأي القوي الذي يجعل "أل" فيها للتعريف. "انظر رقم 2 ص313". 4 نصب المفعول المطلق في مذهب يحسن الأخذ به. 5 القنعان "بضم القاف، وسكون النون" من يستطيع إقناع غيره بكلامه، ويحمله على الرضا برأيه. 6 درع دلاص: براقة لينة.

... أو هؤلاء دروع" -دلاص، في كل حالة أيضًا. ومثل كلمة: "مرضع" في نحو: ما أعظم حنان، مرضع الأولاد. فإن هذه الكلمة لا تلحقها علامة التأنيث -غالبًا-1، لأنها خاصة بالمؤنث، ولا تستعمل بهذا المعنى في المذكر.

_ 1لإلحاق التاء بهذه الكلمة أو عدم إلحاقها بيان جليل في رقم 2 من هامش ص 246.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: بمناسبة الإشارة إلى تأنيث "الصفة المشبهة" وتذكيرها نعرض للحالات التي يجب أن تطابق فيها الموصوف وحده، أو السببي وحده، والحالات التي يجوز فيها مطابقة هذا، أو ذاك. ويشترط أن تكون الحالات السالفة وأحكامها مقصورة على تأنيث الصفة المشبهة وتذكيرها حين ترفع السببي للمنعوت: 1- إذا رفعت الصفة المشبهة سببيًّا للمنعوت، وكانت صالحة1 في لفظها ومعناها للمذكر والمؤنث جاز أن تطابق هذا أو ذاك، سواء أكانا مذكرين معًا. أم مؤنثين معًا، أم مختلفين تذكيرًا وتأنيثًا، فمثال المذكرين معًا: هذا عالم عظيم نفعه. ومثال المؤنثين معًا: هذه عالمة عظيمة والدتها. ومثال المنعوت المذكر والسببي المؤنث: هذا عالم عظيمةٌ تلميذاتُه، أو عظيمٌ تلميذاتُه، ومثال المنعوت المؤنث والسببي المذكر: هذه عالمة عظيمٌ اختراعُها، أو عظيمةٌ اختراعها. وسبب الإباحة في هذه الحالة أن الكلمة صالحة1 للأمرين مع زيادة تاء التأنيث في المؤنث، وانتفاء القبح اللفظي والمعنوي2 منها. بخلاف الصور الآتية، فإن فيها قبحًا، ولذا تمتنع المطابقة. 2- إذا كان لفظها -دون معناها- مختصًا بأحدهما وجب -في الأغلب- أن يكون المنعوت مثلها في التذكير، أو في التأنيث، ولا يصح -في الرأي الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف لفظها في التذكير أو التأنيث؛ مثل كلمة:

_ 1 صلاحها بأن تكون صيغتها بما يستعمل لنعت المذكر حينًا، ولنعت المؤنث حينًا آخر؛ فلا يكون وزنها أو معناها مختصًّا بأحدهما، لا يستعمل في الآخر. 2 "ملاحظة": بالرغم من جواز الأمرين في الصور السالفة يحسن مراعاة السببي تذكيرًا وتأنيثًا. وذلك بوضع فعل مكان الصفة المشبهة وتطبيق ما يجري على هذا الفعل من ناحية التذكير والتأنيث على الصفة المشبهة؛ فإذا وجب تأنيث الفعل أو جاز أو امتنع كان الشأن في حكم الصفة المشبهة مثله. وبهذا يتوحد الحكم هنا وفي باقي أنوع النعت السببي الذي يجيء في ص452.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عجزاء1.... و ... نحو: تلك فتاة عجزاء أختُها. فلا يصح: ذلك فتى عجزاء أختُه. 3- وكذلك إن كان معناها -دون لفظها- مختصًّا بأحدهما، فلا يصح -في الأغلب- أن تقع نعتًا لما يخالف معناها في التذكير أو التأنيث، مثل: كلمتَي: خصي، ومرضع2 ... و ... في قول بعض المؤرخين: يصف بيت أحد المماليك ... وشاهدت مملوكًا خصيًّا خادمه، وأميرًا مرضعًا جاريتها ... و ... فلا يصح: مملوكة خصيًّا خادمها، ولا أميرًا مرضعًا جاريته. 4- وكذلك إن كان لفظها ومعناها مختصين بأحدهما؛ كأكمر "وهو خاص بالذكور"، ورتقاء "وهو خاص بالنساء"؛ نحو: انصرف رجل أكمرُ وليدُه. وعجبتْ أمٌّ رتقاءُ وليدتُها. فلا يصح -في الأغلب- انصرفت امرأة أكمرُ ابنها، ولا: عجب والد رتقاءُ بنته ... ومن النحاة من يجعل الحالات الثلاث الأخيرة كالحالة الأولى، فيجيز أن تقع الصفة بعد موصوف يخالفها لفظًا فقط، أو معنى فقط، أو لفظًا ومعنى معًا، فلا فرق عنده في جميع الأحوال الأربعة السابقة من حيث التذكير والتأنيث. فيجيز أن تكون الصفة مطابقة فيهما للموصوف أو للسببي. وهذا الرأي -على قلة أنصاره- سائغ؛ لما فيه من التيسير، ومنْع التشعيب، مع موافقته لبعض النصوص العربية الفصيحة. ولكن الرأي الأول أكثر شيوعًا في النصوص العالية المأثورة التي تمتاز بسمو عبارتها، وقوة بلاغتها، وبُعدها من القبح اللفظي. كل ما سبق مقصور على الحالات التي ترفع فيها الصفة المشبهة سببي المنعوت. لكن هناك بعض حالات خاصة تحتاج إلى إيضاح3؛ ففي مثل: "مررت

_ 1 امرأة عجزاء: أي: كبيرة العجيزة؛ "وهي: المقعدة"، ولا يقال في الفصيح: رجل أعجز. 2 لكلمة "مرضع " بيان خاص بمعناها وبإلحاق تاء التأنيث بآخرها، أو عدم إلحاقها في رقم 2 من هامش ص246. 3 ما يأتي هو ما أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص268.

بفتاة حسن الوجهُ" يكون السببي -وهو: الوجه- واجب الرفع، لا يجوز فيه الجر بالإضافة؛ لأن الجر بالإضافة يقتضي إزالة الإسناد عنه "بالطريقة التي سبق شرحها في ص268 ... والتي ستأتي في "ب" ص310"، وتحويله إلى ضمير الموصوف وهو الضمير المستتر في الصفة، ومتى تحملت الصفة المشبهة هذا الضمير المستتر وجب -في المثال السالف وأشباهه- "تأنيثها بالتاء؛ مراعاة للمنعوت: فعدم التأنيث في المثال السابق وأشباهه دليل على أن المعمول ليس "مضافًا إليه" مجرورًا؛ وإنما هو فاعل واجب الرفع. وقد يتعين عدم الرفع؛ كما في: "امرأة حسنة الوجهِ"؛ لأن "الوجه" لو كان فاعلًا لوجب تذكير الوصف للسبب السالف. وقد يجوز الأمران -الرفع والجر- كما في: "مررت برجل حسن الوجهُِ". فالصفة المشبهة إذا تحملت ضميرًا مستترًا للموصوف وجب مطابقتها في التأنيث والتذكير لذلك الموصوف، ووجب أن يكون معمولها غير فاعل1 ...

_ 1 ملاحظة: راجع كل الحالات السابقة وتوابعها في حاشية الصبان، آخر الباب عند قول ابن مالك: "فارفع بها" ...

ب- وتخالفه في أمور وأحكام هامة؛ توضح حقيقة كل منهما، وتميزه من الآخر؛ منها: 1- اشتقاقها من الفعل اللازم حقيقة، أو من المتعدي الذي هو في حكم اللازم وفي منزلته؛ فمثال الأول: حسن، وجميل؛ في نحو: "الغزال حسن الصورة، جميل العينين"، وفعلهما: حسُن وجَمُل "بضم عينهما". وهما فعلان لازمان. وكذلك سَمْح، وجامد، في قول الشاعر: السمح في الناس محبوب خلائقه ... والجامد1 الكف ما ينفك ممقوتا وفعلهما: "سَمُح، وجمد"، وهما لازمان. ومثال الثاني: "هذا فارع2 القامة، عالي الرأس؛ إذا أريد بكل من: "فارع" و"عالٍ" الثبوت والدوام3، لا التجدد والحدوث. وفعلهما: "فرع" وعلا؛ وكلاهما متعدٍّ. ولكن مجيء الصفة المشبهة من مصدره -عند إرادة الثبوت نصًّا- جعله بمنزلة اللازم؛ إذ إنها لا تصاغ أصالةً إلا منه، ولا تصاغ من المتعدي إلا على هذا الاعتبار الذي يجعله بمنزلة اللازم4. أما اسم الفاعل فيصاغ من اللازم والمتعدي بغير تقيد بأحدهما. 1- تعدد صيغها القياسية وكثرة الأوزان المسموعة؛ بخلاف اسم الفاعل؛ فإن له صيغة قياسية واحدة إذا كان فعله ثلاثيًا؛ وهي صيغة: "فاعل". وأخرى على وزن مضارعه مع إبدال أوله ميما مضمومة وكسر الحرف الذي قبل الآخر -كما عرفنا- إذ كان فعله غير ثلاثي. والصيغتان محدودتان مضبوطتان.

_ 1 جامد الكف هو: البخيل. وكلمة: "جامد" في أصلها اسم فاعل، ولكنها هنا صفة مشبهة، بقرينة لفظية؛ هي إضافتها إلى الفاعل، "واسم الفاعل إذا أضيف لمرفوعه صار صفة مشبهة؛ طبقًا لما تقرر في بابه ... " وأخرى معنوية، هي: أن الجمود -بمعنى: البخل- صفة من الصفات الثابتة التي تلازم صاحبها غالبًا. 2 طويل مرتفع ... 3 يدل على هذا هنا إضافة اسم الفاعل إلى فاعله؛ لأن إضافته لمرفوعه تصيره صفة مشبهة. 4 راجع إيضاح هذا وبيان أنواع اللزوم في هامش ص267، ومن تلك الأنوع: أن يحول الثلاثي المتعدي إلى صيغة "فعُل" "بضم العين" بقصد المدح أو الذم أو غيرهما، فيصير لازمًا بالتحويل؛ "لأن هذه الصيغة لا تكون إلا لازمة". وعندئذ تجيء الصفة المشبهة من مصدره قياسًا، ومن ثم كان "الرحمن"، و"الرحيم" و"العليم" ... ونظائرها من صفات المولى -معدودًا- من الصفات المشبهة ... مع أن فعلها الأصلي: هو: "رحِم"، "علِم" وهما فعلان متعديان.

3- دلالتها على معنى دائم الملازمة لصاحبه، أو كالدائم؛ فلا يقتصر على ماضٍ وحده، أو حال وحده، أو مستقبل كذلك، أو على اثنين دون الثالث، فلا بد أن يشمل معناها الأزمنة الثلاثة مجتمعة مع دوامه أو ما يشبه الدوام كما شرحنا. وهذا يعبر عنه بعض النحاة بأنه: "دلالتها على معنى في الزمن الماضي المتصل بالحاضر1 الممتد، مع الدوام"؛ لأن اتصال الماضي بالحاضر، ودوام هذا الحاضر، وامتداده يستلزم اتصال الأزمنة الثلاثة حتما. فغاية العبارتين واحدة. وعلى هذا لا يصح أن يقال في الرأي الأقوى الذي يجب الاقتصار عليه: الوجه حسنٌ أمس، أو الآن، أو غدًا. أما على الرأي الضعيف الذي سبق أن أشرنا بإهماله2 فيجوز -بشرط وجود قرينة- بقاءُ الصفة المشبهة على صيغتها مع تغير دلالتها إلى الماضي، أو الحال، أو المستقبل. وأما على الرأي القوي فنقول في هذه الصور وأمثالها مما يقتصر فيه المعنى على نوع من الزمن دون اكتمال الأنواع كلها: الوجه حاسنٌ أمس، أو: الوجه حاسنٌ الآن، أو: الوجه حاسنٌ غدًا؛ وذلك بتحويل صيغة الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، وإخضاعها لأحكامه كلها. وهذا الرأي وحده أحق بالأخذ. وقد سبق أن أوضحنا3 أن من يريد الدلالة على ثبوت الوصف ودوامه نصًّا فعليه أن يجيء بالصفة المشبهة، ومن يريد الدلالة نصًّا على حدوثه وتقييده بزمن معين دون باقي الأزمنة فعليه أن يجيء باسم الفاعل. وأنه لا بد مع الإرادة من قرينة تبين نوع الدلالة؛ أهي الثبوت والدوام، أم الحدوث. ولا فرق في دلالتها على دوام الملازمة بين أن يكون الدوام مستمرًّا لا يتخلله انقطاع؛ "كطويل القامة، حلو العينين"، وأن يتخلله انقطاع أحيانًا، "نحو: سريع الحركة، بطيء الغضب"، فيمن طبعه هذا؛ فإن الانقطاع الطارىء -ولو تكرر- لا يخرج الصفة عن أنها في حكم الملازمة لصاحبها؛ إذ إنها من عاداته الغالبة عليه4.

_ 1 أي: بالزمن الحالي. 2 في ص293. مع الرجوع إلى رقم 1 من هامش ص293. 3 في ص242 عند الكلام على اسم الفاعل، وأحكامه، ثم في ص293. 4 على الوجه الذي سبق في هامش ص282.

4- مجاراتها لمضارعها في حركاته وسكناته حينًا، وعدم مجاراته أحيانًا إن كان فعلها في الحالتين ثلاثيًّا. "والمراد بالمجاراة أمران: أن يتساوى عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا، فإن كان الثاني أو الثالث أو الرابع -أو غيره- في أحدهما متحركًا كان في الآخر كذلك. أو كان ساكنًا فهو ساكن في الآخر. وليس من اللازم أن يتفق نوع الحركة في كل منهما؛ فقد يكون الأول مفتوحًا في أحدهما، مضمومًا في الآخر مثلًا. فمن أمثلة المجاراة بينهما قولهم في الذم: فلان ساكن الريح1، أشأم الطالع، والمضارع من الثلاثي هو: يسكن. يشؤم. ومن الأمثلة المخالفة: رخيص، ثمين، نجيب، هجين، لطيف، وغيرها مما في قول شوقي: "الوطن كالبنيان؛ فقير إلى الرأس العاقل، والساعد العامل، وإلى العتب الوضيعة، والسقوف الرفيعة. وكالروض محتاج إلى رخيص الشجر وثمينه، ونجيب النبات وهجينه؛ إذ كان ائتلافها في اختلاف رياحينه؛ فكل ما كان منها لطيفًا موقعه، غير نابٍ موضعه فهو من نوابغ الزهر قريب، وإن لم يكن في البديع ولا الغريب ... ". وأفعالها المضارعة التي لا تجاريها "وهي من الثلاثي": يرخص، يثمن، ينجب، يهجن، يلطف ... أما الصفة المشبهة من مصدر غير الثلاثي2 فلا بد من مجاراتها لمضارعها؛ إذ هي في الأصل اسم فاعل أو اسم مفعول من غير الثلاثي وهما من غير الثلاثي يجاريان المضارع حتمًا، ثم أريد من كل منهما الثبوت؛ فصار صفة مشبهة على هذا الاعتبار -كما عرفنا- لأن الصفة المشبهة لا تصاغ أصالة إلا من ثلاثي؛ فوجب أن تكون من غير الثلاثي مجارية لمضارعها. ومن الأمثلة: فلان مستقيم الخطة، معتدل النهج، مسدد الرأي. ومضارعها: يستقيم، يعتدل، يسدد ... و ...

_ 1 أي: ثقيل الظل. 1 وهذا إن كانت في أصلها اسم فاعل، أو اسم مفعول، وقد تحول كل منهما إليها في الدلالة.

أما اسم الفاعل فلا بد أن يجاري مضارعه دائمًا1 -نحو: ذاهب، ويذهب، فاهم ويفهم، سامع ويسمع. ونحو: مكافح ويكافح، مرتفع ويرتفع، متمهل ويتمهل. 5- امتناع تقديم معمولها عليها إن كان "شبيهًا بالمفعول به"2، أما غيره فيصح؛ كشبه الجملة، والمنصوبات الأخرى التي ينصبها الفعل القاصر والمتعدي والتي يجوز تقديمها؛ كالمفعول لأجله، والحال، ... و ... و ... فلا يصح الغزال العين جميل؛ بنصب كلمة: "العين" على التشبيه بالمفعول به للصفة المشبهة بعدها. أما اسم الفاعل فيجوز تقديم معموله عليه في حالات كثيرة إذا كان3 غير مقرون بـ"أل" مثل: العواصف شجرًا مقتلعةٌ، والسحب الكثيفة نور الشمس حاجبةٌ. والأصل: مقتلعة شجرًا، حاجبة نور الشمس. وكذلك يجوز في الصفة المشبهة تقديم معمولها عليها إن كان شبه جملة أو فضلة ينصبها العامل المتعدي واللازم ولا يمنع من تقديمها مانع آخر كما قلنا. ومن أمثلة هذا قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فشبه الجملة: "على كل شيء" متعلق بالصفة المشبهة: "قدير"، وكذلك ما ورد في وصفهم عمر رضي الله عنه: "كان بالضعفاء رحيم القلب، لين الجانب، وعلى الطغاة شديد البأس، قاسي الفؤاد. وأمام الشدائد ثقة بالله. ثبت الجنان، قوي الإيمان ... "، والأصل: "كان رحيم القلب بالضعفاء شديد البأس على الطغاة، ثبت الجنان أمام الشدائد، ثقة بالله. 6- وجوب سببية معمولها المجرور، أو المنصوب على التشبيه بالمفعول به. فلا بد أن يكون معمولها سببيًا في الحالتين، وكذلك إذا كان معمولها

_ 1 كما أشرنا في ص37 وفي هامش ص238. 2 وبمقتضى القواعد العامة لا يجوز تقديم معمولها المرفوع، ولا المضاف إليه. 3 وقد عرضنا لتلك الحالات في بابه ص263.

مرفوعًا، والصفة جارية على موصوف. والمراد بالسببي1: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود على صاحبها2، اتصالًا لفظيًا أو معنويًا. فمثال اللفظي: لنا صاحب سمح خليقته، حلو شمائله، كريم طبعه، تهفو القلوب إليه كأنما بينه وبينها نسب، وقول الشاعر: لقد كنت جلدًا قبل أن توقد النوى ... على كبدي نارًا بطيئًا خمودها فكل كلمة من الكلمات: خليقة، شمائل، طبع، خمود ... معمول للصفة المشبهة التي قبله، وهو معمول سببي؛ لأنه اسم ظاهر، متصل بضمير يعود -مباشرة- على المتصف بمعنى تلك الصفة. ومثال المعنوي قول الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين: سهل الخليقة، لا تخشى بوادره ... تزينه الخصلتان: الحلم3، والكرمُ لا يخلف الوعد ميمون بغرته ... رحب الفناء، أريب حين يعتزمُ والأصل: سهل الخليقة منه، رحب الفناء منه، أي: من زين العابدين في المثالين. فالضمير محذوف مع حرف الجر، وهو مع حذفه ملحوظ كأنه موجود4. أو أنه لا حذف في الكلام. وأن "أل" الداخلة على السببي تغني عن الضمير5. أما اسم الفاعل فيعمل في السببي والأجنبي، مثل: "مكرم، مكرمة، منكرة، عاطفة ... في قولهم: "تكريم العظيم تأييد له، ونصر للفضيلة، وتكريم الحقير إغراء له، ومشاركة في جرائمه؛ فشتان بين مكرم عظيمًا

_ 1 سبق إيضاح السببي مرة أخرى بتمثيل جلي في رقم 4 من هامش ص264. واشتراط سببية المعمول مقصور على حالتي نصبه على التشبيه بالمفعول به، أو جرِّه بالإضافة. أما المعمول المرفوع أو المنصوب على اعتبار ووجه آخر؛ كباقي المكملات المنصوبة -فلا يشترط فيه السببية؛ فيجوز أن يكون أجنبيًّا في الحالتين: نحو: أجميل النجمان؟ وما مظلم الفرقدان: "وهما، نجمان متقاربان" والوالد بك فرح. ولكن نجيب السببية في مرفوعها -كما قلنا -إذا جرت الصفة على موصوف أي على شيء يجري عليه معناها؛ نحو: البلبل جميل تغريده، وكذلك اسم الفاعل؛ نحو: الرجل قام أبوه. 2 هو الموصوف، أي الذي يتصف بمعناها. وقد يغني عن الضمير "أل" على الوجه الكوفي المبين في رقم 4 من هامش ص264. وفي رقم 4 التالي. 3 لاحظ الشبه بين الضمير في هذه الصورة وبينه في المراحل الثلاث التي سلفت في ص268. 4 كما سبق في رقم 4 من هامش ص264 وص269، ورقم 4 من هامش ص277، وهذا =

يستحق التكريم ومكرم صغيرًا هو أولى بالزراية والتحقير. وما الجماعة الناهضة إلا المكرمة عظماءها، المنكرة أراذلها، العاطفة أقوياؤها على ضعفائها". 7- استحسان إضافتها إلى فاعلها المعنوي1 وجره بالإضافة2؛ سواء أكانت الصفة المشبهة من الصفات التي تلازم صاحبها ولا تفارقه، مثل: البدوي طويل القامة، عريض الجبهة، أسمر اللون، أم كانت من الصفات التي تلازمه طويلًا وقد تفارقه نحو: العربي قوي السمع، حديد3 البصر خفيف الحركة ... والأصل: البدوي طويلة قامته، عريضة جبهته، أسمر لونه، قوي سمعه، حديد بصره ... و ... أما اسم الفاعل فإضافته إلى مرفوعه ممنوعة في أكثر أحواله التي يدل فيها على الحدوث، لا على الدوام. وقد سبق تفصيل هذا4؛ حيث أوضحنا أن اسم الفاعل الدال على الحدوث، وفعله لازم أو متعدٍّ لأكثر من مفعول، لا يجوز إضافته لفاعله إلا إذا أريد منه الدلالة على الثبوت، كدلالة الصفة المشبهة، وأن الذي فعله متعدٍّ لمفعول واحد قد يجوز إضافته لفاعله عند أمن اللبس ... للدلالة على الثبوت ... و ... إلى آخر ما سردناه هناك، وأن اسم الفاعل إذا ترك الدلالة على الحدوث إلى الدلالة على الثبوت والدوام لا يبقى له اسمه، ولا أحكامه، وإنما ينتقل إلى الصفة المشبهة؛ فيسمى باسمها، ويخضع لأحكامها دون أن تتغير صيغته.

_ = الرأي الكوفي أحسن؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وكل ما يقال للغض منه مردود؛ إذ ليس فيه ضعف. على هذا يكون السببي هو الاسم الظاهر المتصل بضمير صاحب الصفة، أو بما يغني عن الضمير. وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر "سويد بن أبي كاهل" يصف ثغر فتاة: أبيض اللون، لذيذ طعمُهُ ... طيب الريق إذا الريق خدعْ "خدع: فسد". 1 المراد بالفاعل المعنوي الاسم الواقع بعدها، المتصف بمعناها، الذي يعرب فاعلًا حقيقيًا لها لو جعلناها فعلًا. 2 سيجيء سبب الاستحسان في ص316. 3 قوي. 4 في ص242 و265.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- بقيت، أمور وأحكام أخرى تنفرد بها الصفة المشبهة1، ولا يشاركها فيها اسم الفاعل، منها:

_ 1 فيما سبق من الأحكام الخاصة بإعمال الصفة المشبهة يقول ابن مالك في باب عقده لها؛ عنوانه: "الصفة المشبهة باسم الفاعل". ولكنه باب مختصر؛ لم يستوفِ تلك الأحكام. قال في تعريفها: صفةٌ استحسنَ جرُّ فاعلِ ... معنى بها المُشْبِهَةُ اسم الفاعلِ يريد: الصفة التي يستحسن أن يجر بها فاعلها في المعنى، هي: "الصفة المشبهة باسم الفاعل"، وهي تجره باعتباره مضافًا. وفاعلها المعنوي هو المضاف إليه. وقد شرحنا هذا الاستحسان "في رقم 7 من ص311 وفي "ب" من ص315 الآتية" وقال بعد ذلك: وصوغها من لازمٍ لحاضرِ ... كطاهر القلب جميل الظاهر أى: أنها تصاغ من مصدر الثلاثي اللازم للدلالة على معنى متصل بالزمن الحاضر؛ "أي -الحالي" اتصال دوام وملازمه؛ فيشمل الأزمنة الثلاثة "على الوجه المشروح في: "ثالثًا، ورابعًا" من ص282" ومثل لها بمثالين؛ أحدهما: صفه مشبهه، كانت فى أصلها اسم فاعل، ثم أريد منه الثبوت والدوام؛ فصار صفة مشبهة، في معناه وأحكامه. وبقي على وزنه وصيغته الأولى الخاصة باسم الفاعل؛ هو: طاهر القلب، والثاني: صفة مشبهة أصيلة في صيغتها، وفى معناها؛ هو: جميل الظاهر. ثم قال: وعمل اسم فاعل المعدَّى ... لها على الحد الذي قد حدا "قد حدا: أصله: قد حد، زيدت ألف في آخر الفعل لأجل الوزن الشعري. والمراد: على الرسم والضبط والتحديد التي قد حدد لكل منهما، ووضعت له الشروط الخاصة به". يقول: ما ثبت لاسم الفاعل المتعدى -والمراد: المتعدي لواحد فقط -يثبت لها؛ بشرط مراعاة الحدود والضوابط التي وضعت لكليهما، والتي منها: أن منصوبها لا يسمي مفعولًا به، وإنما مسمى: "المنصوب على التشبيه بالمفعول به". وهذا إن كان المنصوب معرفة؛ فإن كا نكرة، فهو تمييز =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1- عدم تعرفها بالإضافة "في الرأي الراجح بين آراء قوية أيضًا أشرنا إليها من قبل1" أما هو فيتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، أو أريد به الاستمرار فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده. 2- "أل" الداخلة عليها قد تعتبر للتعريف وموصولة معًا -في رأي- وأداة تعريف فقط في رأي أقوى. أما الداخلة عليه فمعرفة واسم الموصول معًا "كما سبق في بابه. وفي ج1 ص278 م27".

_ = أو منصوب على التشبيه أيضًا، ومنصوب اسم الفاعل المتعدي لواحد يسمى: "مفعولًا به" وكذا بقيه الفوارق بينهما، فيجب مراعاتها. ثم بين شرطين من شروط إعمالها؛ هما عدم سبق معمولها عليها. وكونه سببيًّا؛ يقول: وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببيه وجب "أى: مجتنب أن يسبقها ما تعمل فيه، ووجب كون معمولها ذا سببيه". ولم يذكر التفصيلات اللازمة. وانتقل بعد ذلك إلى كيفية ضبط هذا المعمول. فأدمجه في ثلاثة أبيات حرمت كثيرًا من الوضوح والتوقية؛ هي: فارفع بها، وانصب، وجرَّ مع "ألْ" ... ودون "ألْ" مصحوب "أل" وما اتصلْ: يعني: ارفع بالصفة المشبهة، أو: انصب، أو جر ... وكل هذا جائز مع وجود "أل" في الصفة المشبهة، ودون وجودها. لكن ما الذي سترفعه الصفة أو تنصبه أو تجره؟ بينه بأنه المعمول المصحوب "أل" "أى: المقترن بها"، وأنه أيضًا هو المعمول الذي اتصل. بها، مضافًا، أو مجردًا، ولا ... تجرر بها مع "أل" سما من "أل" خلا: ومن إضافة لتاليها، وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما يريد: أنه المعمول الذ اتصل بالصفة مع إضافته، أو مع تجريده من "أل" والإضافة -كما أوضحنا كل هذا بالأمثلة الكثيرة "في ص294"، وانتقل بعد ذلك إلى بيان حالات لا يجوز فيها الجر. فقال: لا تجر بالصفة المشبهة المقرونة بـ"أل" سما "اسما" خلا من "أل" أو خلا من الإضافة إلى تالي "أل" فعنده أن معمول الصفة المشبهة لا يصح أن يكون مجرورًا بها وهي مقترنة بـ"أل" مع خلاوه من "أل"، أو عدم إضافته لما فيه "أل". فإن لم يخل جاز الجر. وفي هذا الكلام نقص كبير. 1 انظر ص6، 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- مخالفتها فعلها اللازم أصالة، فتنصب معمولها على التشبيه بالمفعول به دون فعلها؛ فإنه قاصر لا ينصب المفعول به1، ولا شبهه. أما اسم الفاعل فلا يخالف فعله في التعدي واللزوم. 4- إعراب معمولها المنصوب مشبهًا بالمفعول به -وليس مفعولا به- سواء أكان المعمول معرفة أم نكرة، وتمييزًا فقط إن كان نكرة1. أما معموله فمفعول به مباشرة، ما دام منصوبًا قد وقع عليه فعل الفاعل. 5- تأنيثها يكون أحيانًا بألف التأنيث؛ نحو: هذه بيضاء الصفحة. أما هو فلا تدخله ألف التأنيث. 6- عدم مراعاة محل معمولها المجرور بإضافته إليها، المتبوع بعطف؛ أو بغيره من التوابع. بخلاف اسم الفاعل. 7- عدم إعمالها محذوفة؛ فلا يصح هذا حسن القول والفعل، بنصب "الفعل"، على تقدير: وحسن الفعل، أما هو فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن، بنص الخائن. كما يجوز في باب: "الاشتغال" أن يقال: أضعيفًا أنت مساعده، أي: أمساعدًا ضعيفًا ... ؟ " بتقدير اسم فاعل محذوف بعد الهمزة، ولا يصح: أوَجْهًا هذه المرأة جميلته2. 8- عدم الفصل بينها وبين معمولها المرفوع أو المنصوب3 بظرف أو جار ومجرور -في الرأي الأرجح- إلا عند الضرورة، بخلافه. 9- وجوب تغيير صيغتها إلى صيغة اسم الفاعل إن تركت الدلالة على الثبوت -بقرينة- إلى الدلالة على الحدوث. أما هو فقد يبقى على صيغته إن ترك الدلالة على الحدوث -بقرينة- إلى الدلالة على الثبوت. 10- جواز إتباع معمولة بالنعت أو غيره من باقي التوابع. أما معمولها فلا يتبع بنعت، أي: لا يصح نعته.

_ "1، 1" انظر ما يتصل بهذا في ص266، 267، وفي رقم 4 من هامش ص294. 2 يوضح هذا ما سبق في: "ب" 264. 3 أما الفصل بينها وبين معمولها المجرور فحكمه حكم الفصل بين المتضايفين، وقد سبق في ص53.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- يذكر النحاة تعليلًا جدليًا1 لاستحسان إضافة الصفة المشبهة لفاعلها دون إضافة اسم الفاعل لفاعله، ونلخصه هنا "بالرغم من أنه جدل منقوض بجدل مثله، ومعارض بأمثلة كثيرة، أوردها المعترضون، وضمنوها بطون المطولات، وأن التعليل الحق هو استعمال العرب ليس غير". إن إضافة اسم الفاعل إلى فاعله ممنوعة -على وجه يكاد يقع عليه الاتفاق- إذا بقي على دلالة الحدوث نصًّا، وكان فعله لازمًا، أو متعديًا لأكثر من مفعول به؛ لأن إضافته في هاتين الصورتين توقع في اللبس. فتوهم أنه أضيف؛ ليجاري الصفة المشبهة -حيث تضاف لفاعلها كثيرًا- وأنه ترك دلالته على الحدوث والتجدد؛ ليصير دالًا على الثبوت والدوام مثلها؛ فأضيف إضافتها؛ ليؤدي دلالتها. أما إن كان فعله متعديًا لواحد؛ فقد يمتنع إضافته إذا أوقعت في لبس. كما في مثل: البارُّ مكرمٌ أبوه فلو قلنا: البار مكرم الأب لجاز أن يقع في الوهم أن الإضافة هي للمفعول، لا للفاعل، وأن الأصل: البار مكرم أباه؛ بل إن إضافته قليلة حين يكون فعله متعديًا لواحد، ومعناه من المعاني التي لا تقع على الذوات، "أي: على الأجسام"؛ حيث اللبس مأمون، والإبهام غير واقع. مثل محمد كاتبٌ أبوه، فلا يصح: محمد كاتبُ الأبِ -إلا على قلة كما سبق- مع أنه لا لبس ولا إبهام في الإضافة؛ إذ الكتابة لا تقع على الذوات. أما السبب في عدم صحة هذا -إلا على قلة- فلأن الصفة الدالة على الثبوت لا تضاف إلى فاعلها إلا بعد تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، واستناد الضمير فيها "كما أشرنا في ص268"، إذ لو لم يتحول الإسناد بالطريقة السالفة للزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الصفة هي نفس مرفوعها في المعنى، وهو أمر غير جائز، إلا في مواضع2 ليس منها الموضع الحالي. ويؤيد هذا -عندهم- تأنيث الصفة المشبهة بالتاء في مثل: مررت بالفتاة

_ 1 أشرنا إليه في ص268. 2 سبقت في باب الإضافة "د" ص40.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسنة الوجه1؛ فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الفتاة لوجب تذكيرها كما تذكر مع فاعلها المرفوع؛ لهذا كان من المستحسن -وقيل: من الواجب- في مثل: أقبلت الفتاة الجميل وجهها أن تضاف الصفة إلى فاعلها؛ فيقال: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، لأن في الإضافة تخفيفًا وتقليلًا من عدة أمور تتشابه في أن كل اثنين منها بمنزلة شيء واحد، ففي المثال السابق قبل الإضافة "وهو: مررت بالفتاة الحسن وجهها" -الجار والمجرور بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك الصفة مع الموصوف، والفعل مع فاعله، والمضاف مع المضاف إليه. وكل هذه الأمور المتشابهة المجتمعة تقتضي التخفيف، ولم يمكنهم أن يزيلوا منها شيئًا إلا الضمير؛ حيث تصرفوا في شأنه، فنقلوه، وجعلوه فاعلًا بالصفة، فاستتر فيها؛ لأن الصفة في هذه الصورة تعد بمنزلة الجارية على من هي له2، حيث رفعت ضميره، ومن ثم استحسنت الإضافة في المثال السالف، وفي نحو: أقبلت الفتاة الجميلة وجهها، فيصير: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، ولم تستحسن، أو لم تصح في: محمد كاتب الأب، "وأصله قبل الإضافة. محمد كاتب أبوه"؛ لقلة الأشياء المتشابهة التي تقتضي التخفيف. وسبب آخر -عندهم- هو: أن الإسناد في مثل؛ الفتاة الجميلة الوجه -بإضافة الصفة إلى فاعلها- قد تغير؛ فصار الجمال مسندًا إلى الضمير العائد إلى الفتاة كلها بعد أن كان الإسناد متجهًا إلى وجهها فقط، وهو جزء منها، أي: أن الإسناد في ظاهره هو للكل، ولكن المراد منه الجزء على سبيل المجاز؛ لأن من جَمُل وحَسُن بعضه ساغ أن يسند الجمال والحسن إلى كله مجازًا؛ لحكمة بلاغية؛ قد تكون المبالغة أو نحوها ... وهذا لا يستساغ في مثل: محمد الكاتب الأب "والأصل: محمد كاتب أبوه"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد غير مقبول، سرى من المضاف -وهو "الأب"- إلى المضاف إليه؛ وهو: "الهاء". فهو

_ 1 إيضاح هذا في ص303. 2 سبق إيضاح الكلام على الضمير العائد على من هو له أو غير من هو له في ج1 ص335 م35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإسناد إلى المضاف إليه، مع إرادة المضاف. وشتان بين الإسنادين والمجازين؛ فالإسناد في الأول واقع بين الكل والجزء الذي هو بعضه، فيصح إطلاق كل منهما وإرادة الآخر، بخلاف الثاني فهو بين الأبوة والبنوة. هكذا يقولون1، وهو تعليل جدلي محض كما قلنا. وفيه مخالفة لما أجازوه من قبل، من إضافة الشيء إلى نفسه أحيانا ... 2.

_ 1 راجع حاشية التصريح في المكان. 2 كالذي في ص41، 51 وما بينهما.

المسألة 106: اسم الزمان واسم المكان

المسألة 106: اسم الزمان واسم المكان 1 تعريفهما: اسمان يصاغان من المصدر الأصلي1 للفعل بقصد الدلالة على أمرين معًا: هما: المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر؛ مزيدًا عليه الدلالة على زمان وقوعه، أو مكان وقوعه. أو يقال: اسم الزمان ما يدل -بكلمة واحدة- على المعنى المجرد وزمانه2، واسم المكان ما يدل -بكلمة واحدة- على المعنى المجرد ومكانه3. ومن الميسور الوصول إلى هذه الدلالة بتعبيرات أخرى خالية من الاسمين السالفين. ولكنها تعبيرات لن تبلغ في الإيجاز مبلغ اسم الزمان واسم المكان، فمزية كل منهما أنه يؤدي بكلمة واحدة ما لا يؤديه غيره إلا بكلمات متعددة. صوغهما: أ- طريقة صياغتهما، والوصول إليهما من الماضي الثلاثي، غير معتلِّ العين بالياء4، تتحقق بالإتيان بمصدره القياسي -مهما كانت صيغته- ثم

_ "1، 1" لم يعرض لهما ابن مالك في: "ألفيته". وعرضنا لهما هنا استيفاء للمشتقات. وقد سبق في ص182 بيان مفصل عن المشتقات، وعن أصلها؛ أهو المصدر الصريح، أم الفعل الماضي؟ وأن بعض القدامى يطلق كلمة: "الأخذ" على الاشتقاق من غير المصدر الصريح. 2 وفي حالة نصبه التي يكون مشتركا فيها مع حروف عامله يعرب ظرف زمان؛ كقولهم: قعدت مقعد الضيف، أي: زمن قعوده. فكلمة: "مقعد" ظرف زمان منصوب. "راجع الخضري والصبان ج1 أول باب الظرف". 3 وإذا كان منصوبًا مشتركًا مع عامله في حروفه فإنه يعرب ظرف مكان -كما تقدم في باب الظرف في الجزء الثاني- نحو: قعدت مقعد الغائب، أي: مكان قعوده. 4 أما صوغهما من الثلاثي معتل العين بالياء فقد سبق حكمه في ص229 تحت عنوان: "ملاحظة"، كما أشرنا في ص308.

جعلها على وزن: "مَفعَل"1 -بفتح الميم والعين- في جميع الحالات، ما عدا حالتين، تكون الصيغة فيهما على وزن "مَفعِل"1 -بكسر العين-: الأولى: الماضي الثلاثي صحيح الأحرف الثلاثة، مكسور العين في المضارع؛ مثل: جلس يجلس، رجع يرجع، قصد يقصد، حسب يحسب ... و ... الثانية: الماضي معتل الفاء بالواو2، صحيح اللام3، بشرط أن يكون مضارعه مكسور العين4، تحذف فيه الواو لوقوعها بين الفتحة والكسرة، مثل: وأل يئل5، وثق يثق، وجم يجم6، وخز يخز7، وعد يعد. فمن أمثلة "مفعَل" -بفتح العين- للزمان: مطلع الفجر خير وقت للقراءة والإطلاع النافع. لكثير من الطيور هجرة سنوية، فرارًا من البرد فإذا أقبل المشتى، وحل المهجر، رحلت إلى بلد أكثر دفئًا، وأنسب

_ "1، 1" سيجيء في "ب" من ص325 حكم زيادة تاء التأنيث في آخر هذه الصيغة. 2 بعض النحاة قد صرح بأن يكون حرف العلة الذي في أول الفعل الثلاثي هو "الواو" وبعضهم أطلق ولم يعين نوع الحرف، مكتفيًا بأن يذكر أن الفعل معتل الأول. لكن السيوطي قد نص على أن الماضي المعتل الفاء بالياء، الصحيح اللام مثل: يَقِظ. يَمِن. يَسِر، تكون الصيغة منه على وزن: "مفعَل" بفتح العين "الهمع ج2 ص168". 3 لأن معتل الفاء واللام معًا يجب فيه فتح "العين"؛ تطبيقًا للقاعدة العامة؛ وهي: أن الثلاثي معتل اللام يجب أن تكون صيغة مصدره الميمي واسم زمانه واسم مكانه على وزن "مفعل" -بفتح العين- دائمًا؛ سواء أكان بعض أصوله الأخرى حرف علة أو حرفًا صحيحًا: فاعتلال "لامه". ولو انفردت بالاعتلال -كافٍ لتطبيق القاعدة السالفة وجوبًا. 4 بعض النحاة لا يشترط في معتل الفاء بالواو أن يكون مضارعه مكسور العين، ولا ما يترتب على كسرها من حذف الواو في المضارع أحيانًا كثيرة. فيقولون "الموجل والموحل". بالكسر فيهما، على اعتبار أن عين الفعل المضارع فيهما مفتوحة "أي: وجل يوجل وحل يوحل" وأمثالهما. وبناء على هذا يجوز في اسم الزمان واسم المكان من الثلاثي المعتل الأول بالواو أن تكون صيغته على وزن "مفعل" -بفتح العين وكسرها- "وقد قال شارح المفصل -ج6 ص108- إن الفتح أقيس، والكسر أفصح" فالأمران صحيحان قويان. 5 وأل يئل، بمعنى: التجأ يلتجئ. 6 وجم من الأمر وجومًا، كرهه، أو: تركه مضطرًا. أو: سكت على غيظ. 7 طعن برمح ونحوه.

جوًّا. والمراد: زمن طلوع الفجر. زمن الشتو "بمعنى: الشتاء". زمن الهجر: "بمعنى الهجرة". وأفعالها الثلاثية هي: طلع. شتا. هجر. ومن أمثلة "مفعل" -بكسر العين- للزمان: كلمتا مغرس، وموعد في قولهم: لغرس الشجر مواسم معينة: فإذا حان المغرس، وحل موعده أسرع الزراع إلى غرس ما يريدون. ومن أمثلة "مفعِل" -بفتح العين -للمكان: "مدخل، مطعم، مطبخ، مكتب، ملعب، مشرب، منأى، مسرح، مأوى ... " في قول القائل: "زرت بيتًا لأحد الرفاق؛ فراقني جماله؛ وتمام نظافته، وبراعة تنسيقه، ووفاؤه بمطالب الحياة السعيدة؛ فهذا مدخل للأضياف، يسلمهم إلى غرفة استقبال أنيقة. وهذا مطعم واسع، حسن الترتيب، يحمل إليه شهي الطعام من مطبخ آية في النظافة. وفي جانب هادئ غرفة واسعة جعلها رب البيت مكتبًا له، تطل على حديقة عامرة بعيون الأزاهير. وفي أحد الأطراف ملعب فسيح، مهدت طرقه، وفرشت أرضه بالكلأ الناعم الأخضر. وفي ركن منه مشرب للدافىء والبارد. وفي منأى عنه مسرح ومأوى للطيور الأليفة، وبعض الحيوانات المستأنسة ... ". والمراد؛ مكان الدخول، مكان الطعام، مكان الطبخ، مكان الكتابة. مكان اللعب، مكان الشرب، مكان النأي، أي: البعد. مكان السرح أي: الرعي، مكان الإيواء ... ومن أمثلة "مفعل" -بكسر العين- للمكان؛ مجلس، مرجع، مقصد، موثق، موئل، مورث؛ كقولهم في وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: كان واضح الجلال، عظيم الهيبة. مجلسه مجلس علم ووقار؛ لا تسمع فيه لغوًا، ولا تأثيمًا، والإمام فيه مرجع الفتوى، ومقصد المستفهم، وموثق الشاك، وموئل اللائذ ... أي: مكان الجلوس، مكان الرجوع، مكان القصد، مكان الوثوق، مكان الوأل، "أي: الالتجاء".

أما صياغتهما والوصول إليهما من الماضي الثلاثي المعتل العين بالياء فقد سبق بيانها1. ب- فإن كان الماضي غير ثلاثي فطريقة صوغهما تتحقق بالإتيان بمضارعه: ثم قلب أوله ميمًا مضمومة، وفتح الحرف الذي قبل الآخر، فتنشأ صيغة صالحة لأن تكون اسم زمان واسم مكان2، ويكون توجيهها لأحدهما خاضعًا للقرائن اللفظية أو غير اللفظية، فالقرينة وحدها هي التي تتحكم في هذه الصيغة؛ فتجعلها لأحدهما دون الآخر. فمن الأمثلة: ممسى ومصبح "أمسى، يمسى، ممسى. أصبح، يصبح، مصبحًا"، نحو: الحمد لله ممسانا ومصبحنا، ونحو قول التاجر: متجري مصبحي وممساي. والمراد: "الحمد لله في وقت إمسائنا وإصباحنا. متجري مكان إصباحي وإمسائي. ونحو: الفلك دوار في حركة دائبة، فليس له منقطع يتوقف عنده إذا حان، ولا متوقف يستريح ساعته إذا حلت. والمراد؛ ليس له زمان انقطاع، ولا زمان توقف. ومن الأمثلة: كوخ تملؤه السكينة والطمأنينة والوئام خيرٌ مستقرًا وأعظم مقامًا من قصر فخم يسوده القلق والفزع، ودواعي الشقاق. والمراد: خير مكان للاستقرار، وأعظم مكان للإقامة. حكمها: اسم الزمان والمكان مشتقان يصح أن يتعلق بهما شبه الجملة3

_ 1 وفي ص236 بعنوان: "ملاحظة". 2 وصالحة أيضًا لأن تكون مصدرًا ميميًّا، وأن تكون اسم مفعول -لأن هذه المشتقات الأربعة مشتركة في صيغتها التي تصاغ من مصدر غير الثلاثي، متحدة في طريقة الوصول إلى إيجاد هذه الصيغة. وعلى هذا يكون التفريق والتمييز المعنوي بينها موكولًا للقرائن، خاضعًا لوحيها. 3 يجوز أن يتعلق بهما شبه الجملة؛ لأن فيهما رائحة الفعل، وهي تكفي مسوغًا للتعليق؛ "كما سبق في هامش ص351".

ولكنهما لا يعملان شيئًا من عمل فعلهما؛ فلا يرفعان الفاعل -أو نائبه، ولا ينصبان المفعول به، ولا غيره ... ويصح -عند الحاجة- زيادة تاء التأنيث في آخر صيغة "مفعل" -بفتح العين، وكسرها- بشرط أن تكون الصيغة للمكان؛ مرادًا تأنيث معناه؛ سيجيء البيان الخاص بهذا1.

_ 1 في "ب" من ص325 مشتملًا على قرار المجمع اللغوي في ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول فريق من النحاة: إن اللغة أسماء للزمان أو للمكان على وزن "مفعل" -بكسر العين- سماعًا عن العرب. وكان القياس الفتح؛ ومنها: المشرق، المغرب، المطلع، المسجد، المرفق1، المنسك2، المفرق3، المجزر4، المسقط5، المنبت، المسكن، المحشر، الموضع، مجمع الناس، المخزن، المركز، المرسن6، المنفذ7، المعدن، المأوى، إذا كان خاصًّا بالإبل تأوي إليه. والملاحظ أن النحاة كثير من مراجعهم حين يسردون الكلمات السالفة يصفونها بأنها وردت عن العرب بالكسر، وأن قياسها الفتح، ويكتفون بهذا، دون أن يعرضوا ببيان شافٍ لأمرين هامين. أولهما: ما تنص عليه المراجع اللغوية من ورود السماع الصحيح بالكسر وبالفتح في أغلب تلك الكلمات "دون الاقتصار على أحد الضبطين"8 مثل: مسجد، موضع، منبت، مطلع، مسقط، مظنة، مشرق، مغرب، مسكن، مجمع الناس، مغرب، مرفق، منسك9، محشر ... فورود السماع بالفتح أيضًا أدخل تلك الكلمات في مجال الضابط العام، وجعله منطبقًا عليها. وإذًا لا معنى لإبرازها ووصفها بأنها: "وردت مكسورة، وكان قياسها الفتح". فقد ثبت أنها وردت بالفتح أيضًا؛ فاجتمع في الفتح السماع وانطباق الضابط

_ 1 مكان الرفق "والرفق: ضد العنف والقسوة". ويطلق اليوم على المكان الذي يكون مقر المنفعة العامة، كمرفق الكهرباء، أو مرفق السكك الحديدة. 2 المعبد. 3 مكان الفرق في وسط الرأس. 4 مكان الذبح. 5 مكان السقوط. 6 لموضع الرسن، وهو الحبل الذي تقاد به الدابة ... 7 موضع النفوذ. 8 ومن هذه المراجح التي نصت على مجيئها بالفتح والكسر نصًّا مريحًا: "المصباح المنير" آخر ج2 ص964 الفصل الخاص بصيغة مفعل للزمان والمكان والمصدر الميمي. 9 ومن الكلمات الواردة بالفتح والكسر غير ما سبق، ما سجله السيوطي في كتابه: المزهر. ج2 ص63 في باب: ضوابط واستثناءات في الأبنية وغيرها. وهي: "المطلع، المفرد، المحشر، المنبت، المذمة، المحل ... ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العام عليه، "أي: اجتمع فيه السماع والقياس" كما أن ورود السماع بالكسر يجيز فيها استخدام الكسر أيضًا: مراعاة للمسموع، دون أن يوجب الاقتصار عليه. بل إن ورود السماع بالكسر وحده لا يوجب الاقتصار عليه وإهمال القياس1. فيكف وقد اجتمع لها السماع والقياس معًا؟ ثانيهما: أن كثيرًا من أفعال تلك الألفاظ يصح في مضارعه كسر العين؛ طبقًا للوارد عن العرب؛ كمضارع الأفعال الصحيحة: "رفق، فرق، جزر، حشر ... " فليست عين المضارع فيها مقصورة في اللغة على الفتح أو على الضم؛ بل يجوز فيها الكسر أيضًا" طبقًا للوارد. وإذا جاز فيها الكسر كانت صيغة الزمان والمكان بكسر العين قياسية مطردة؛ وتكون كنظائرها الكثيرة المكسورة التي تخضع للضابط العام، وتنطبق عليها القاعدة الخاصة بطريقة الصوغ المطرد، ولا يكون ثمة معنى لإبرازها من بين نظائرها، وتخصيصها بأنها: "وردت مسموعة بالكسر، وكان قياسها الفتح". ذلك أن الفتح والكسر سماعيان وقياسيان معًا فيها ... وخلاصة ما تقدم أن تلك الكلمات التي تمالأ فريق من النحاة على أنها مسموعة بالكسر، وأن قياسها الفتح ليست مخالفة للقياس الأصيل، ولا خارجة عن نطاق القاعدة العامة المتعلقة بالصياغة المطردة؛ إما لأنها مسموعة بالفتح أيضًا كورودها مسموعة بالكسر، وإما لأن عين مضارعها مسموعة بالكسر وغير الكسر، ومتى ورد فيها الكسر صح مجيء الصيغة مكسورة العين، وفاقًا للقاعدة العامة، والقياس المطرد ... 2.

_ 1 طبقًا للبيان الشامل الذي سبق في هامش ص191 وما بعدها؛ وهو عام في كل ما ينطبق عليه سماع وقياس من المصادر، والجموع، وغيرها ... وفيه نص خاصٌّ بالكلمات التي وردت هنا؛ والتي وصفوها بأنها: "وردت مسموعة بالكسر، وكان قياسها الفتح ... "، فقد قال عنها "القاموس المحيط" في مادة: "سجد" ما نصه: "ألزموها كسر العين والفتح جائز، وإن لم نسمعه"، أما بقية الأدلة على الموضوع العام فهناك بيانها الأكمل ... 2 هذا إلى ما نقلناه عن القاموس في رقم 1 السابق من الحكم عليها بحكم عام شامل؛ هو قوله: "الفتح جائز، وإن لم نسمعه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- وردت صيغ -كثيرة لاسم المكان، قليلة لاسم الزمان- من مصدر الثلاثي على وفاق القاعدة، ولكنها مختومة بتاء التأنيث للدلالة على تأنيث المعنى المراد من الكلمة؛ "إذ يقصد منها: البقعة، بمعنى المكان". فمما ورد في الكلام العربي الفصيح: "المَزِلَّة" بكسر الزاي لموضع الزلل، المظَنة بفتح الظاء1" لمكان الظن، المَشْرَقة "بفتح الراء" لموضع شروق الشمس والقعود فيها، موقَعَة الطائر "بفتح القاف" للمكان الذي يقع فيه، المشرَبة للغرفة، المدبغة، المزرعة، المزلقة، المنامة ... وكثير مثل هذا يزيد على المائة، ولكنه يكاد يقتصر على المكان. فهل يجوز القياس على هذا الوارد من المكان مرادًا منه: "البقعة"، بزيادة تاء التأنيث على صيغة "مفعَِل" التي هي بفتح العين أو بكسرها، لتصير "مفعَِلة" بفتح العين أو كسرها2 مع بقاء الدلالة على ما كانت عليه؟ اختلف قدماء النحاة في الرأي؛ فقليلهم يجيز القياس، وأكثرهم يميل -بغير داعٍ قوي- إلى المنع؛ لتوهمه أن هذا الكثير -المسموع المختوم بالتاء في صيغة اسم المكان- قليل لا يكفي للقياس عليه. والحق أن الرأي الذي يبيح القياس عليه سديدٌ موفقٌ؛ إذ كيف يوصف الوارد من تلك الأمثلة المكانية بالقلة مع أنه يبلغ العشرات3؟ نعم؛ إنها قلة، ولكنها: "نسبية"، "أي: بالنسبة للصيغ الواردة من غير تاء التأنيث"، والقلة "النسبية" على هذا الوجه تبيح القياس العام، وتجيز المحاكاة من غير تقييد4، وإن كانت لا تبلغ في درجة القوة والفصاحة مبلغ الأولى5، فاختلاف الدرجة في القوة والفصاحة لا يمنع من صحة القياس والمحاكاة. ولا داعي للتضييق الذي لا يدفع عن اللغة أذى؛ ولا يجلب لها نفعًا. فالأنسب إباحة القياس في صيغة "مفعَِلة"

_ 1 وقد سمع فيها الكسر أيضًا. 2 دالة على المؤنث، المراد به البقعة، بمعنى المكان. 3 قال شارح "القاموس المحيط" في مادة "أسد" إن بعضهم جعله مقيسًا؛ لكثرة أمثاله. 4 انظر البيان الخاص بهذا في رقم 4 من هامش ص79. 5 هذا رأي بعض أئمة العربية ممن يفسرون القياس "كما جاء في مجلة المجمع اللغوي ج1 ص232" بأنه الجري على مقتضى الكثرة في جنسها، لا الأغلبية العامة. وبه أخذ المجمع اللغوي في كثير من أحكامه وقراراته، بع أن بيَّن قوته، ورجاحة أدلته، وشدة الحاجة للأخذ به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح العين أو كسرها؛ تبعًا للقواعد السابقة الخاصة بصياغتها، مع الاقتصار في القياس على اسم المكان؛ لأن أمثلته الواردة هي التي بلغت في الكثرة حدًّا يبيح القياس عليها، دون اسم الزمان، حتى لقد علل النحاة واللغويون التأنيث بأنه إرادة البقعة لا المكان1 وهى غير "مفعلَة" الآتية هنا في "ج". وأهم مما سبق وأقوى في إباحة القياس أن النحاة يقررون أن إلحاق تاء التأنيث بالمشتقات قياسي لتأنيث معناها، وأن هذا الإلحاق قياسي مطرد في جميع أنواعها، إلا بعض صيغ معينة، ليس منها صيغة اسم الزمان والمكان -كما سيجيء في باب التأنيث، ج4 م169 ص440. هذا، وقد أباح مؤتمر المجمع اللغوي القاهري "في دورته الثالثة والثلاثين التي بدأت في آخر يناير سنة 1967 زيادة التاء للتأنيث في "مفعلة" "صيغة اسم المكان" مطلقًا، "أي: سواء كثر في المكان الشيء أو لم يكثر، وعرض عليه من المسموع الصحيح الوارد لها نحو: ستة وعشرين ومائة "126" كلمة ختمت فيها صيغة المكان بتاء التأنيث2. ج- قد يصاغ من الاسم الجامد الثلاثي3 الحسي4 صيغة على وزن:

_ 1 جاء هذا التعليل في بعض المراجع الكبيرة، "ومنها: شرح المفصل ج6 ص109 موضوع: اسم الزمان والمكان". وسيبويه أحد الأئمة الذين يجيزون في الكلمة ملاحظة لفظها أو ملاحظة معناها؛ فيعود عليها الضمير، وأسماء الإشارة، ونحوها مما تقع فيه المطابقة -بالتذكير أو التأنيث؛ مراعاة لأحد الاعتبارين السابقين مع وجود قرينة تمنع اللبس والاشتباه. نحو: "أتتني كلام أُسَرُّ بها"، مراعيًا المعنى، أي: أتتني رسالة، أو عبارة، أو مقالة. ويصح: أتاني كلام أسرُّ به، مراعيًا اللفظ؛ وهو: الكلام. ومثل: "حاشا" يكون حرف جر" ويكون فعلًا ماضيًا. وإذا كانت فعلًا ماضيًا فالكثير الفصيح ألا تقع بعد "ما" المصدرية ... ". فالتأنيث ملحوظ فيه الكلمة، والتذكير ملحوظ فيه اللفظ، أو الحرف. والأفضل اليوم -بل الواجب- عدم الأخذ برأي سيبويه هنا إلا في "مفعلة" التي نحن بصددها. أما غيرها فيقتصر فيه على ما سمع أو ورد فيه نص خاص باستعماله، دون إطلاق هذا الحكم وتعميمه. فالواجب تقييده بما سلف؛ منعًا لإفساد البيان اللغوي، وحرصًا على سلامة اللغة. 2 راجع القرار وما يتصل به في ص43 من الكتاب الذي أخرجه المجمع سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة، مشتملًا على مجموعة القرارات التي أصدرها المجمع ومؤتمره من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين". 3 الثلاثي أصالة أو تحويلًا "بالتفصيل المبين في الصفحة الآتية. 4 سواء أكان حيوانًا، أم نباتًا، أم جمادًا، وقد أشرنا لهذا في "ب" من هامش ص180. حيث الكلام على أصل "المشتقات" بتفصيل مفيد، وأن بعض القدماء كان يطلق كلمة: "الأخذ" على الاشتقاق من غير المصدر الصريح كالجامد الحسي و ... و....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "مَفعَلة" بفتح الميم والعين دائمًا بقصد الدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء1 الحسي المجسم، "أي: الذي ليس معنويا2. فإذا وجد مكان يكثر فيه: "ورق" -مثلًا- صغنا "مفعَلة" من: "ورق" فقلنا: "مورَقَة"؛ للدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء الحسي المسمى: "بالورق". وإذا وجد مكان يكثر فيه: "عنب" صغنا من كلمة "عنب": "معنَبة"، للدلالة على مكان يكثر فيه ذلك الشيء المجسم المسمى: "بالعنب". وإذا وجد مكان يكثر فيه: "البلح"، صغنا من كلمة: "بلح"؛ "مبلحة" للدلالة على المكان الذي يكثر به البلح. وهكذا تصاغ "مفعلة" -من الاسم الثلاثي الجامد للدلالة على أمرين معًا، هما: المكان وما يكثر فيه من شيء حسي معين، "كما سبقت الإشارة لهذا3". فالمراد: هو وصف بقعة، أو قطعة من الأرض بكثرة ما فيها من شيء خاص مجسم. ومن الأمثلة أيضًا: مأسدة: لأرض يكثر فيها الأسد. مذأبة: لأرض يكثر فيها الذئب. مذهبة: لأرض يكثر فيها الذهب. مقمحة: لأرض يكثر فيها القمح. مرملة: لأرض يكثر فيها الرمل. إلى غير ذلك من الأسماء الثلاثية الجامدة الحسية. ويسمى الاشتقاق بالطريقة السالفة: الاشتقاق من أسماء الأعيان3 الثلاثية". أما غير الثلاثية فلا يصاغ منها "مفعلة" لهذا القصد. إلا إن كان الاسم مشتملًا على بعض الحروف الزائدة التي يمكن حذفها، وتجريده منها، وإبقاؤه على ثلاثة أحرف أصلية تشتق منها تلك الصيغة بغير لبس؛ مثل: "مبطخة" لأرض يكثر فيها: "البطيخ". و"مغزلة" لأرض يكثر فيها الغزال، و"محصنة" لأرض يكثر فيها الحصان. فالأمر في هذه الصيغة مقصور على الثلاثي؛ إما أصالة، وإما

_ 1 هذه الكثرة شرط لا بد من تحققه قبل الصياغة المطلوبة. 2 أما المعنوي "كالمصدر" فهو أصل الاشتقاق. 3 سبقت الإشارة لهذا في "ب" من هامش ص183. 4 الأعيان، أو الذوات: جمع عين وذات، وهي الشيء المجسم المشخص. وهذا النوع من الاشتقاق مخالف للنوع الآخر المأخوذ من المصادر؛ إذ المصدر أمر معنوي محض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحويلًا؛ بأن يتجرد المزيد من أحرف زيادته ويسير ثلاثيًا؛ اتِّباعا للمأثور الغالب عن العرب. أما المجرد من غير الثلاثي فيسلك معه مسالك أخرى في التعبير عن هذه الدلالة على حسب اختيار المتكلم وقدرته البلاغية؛ دون استخدام لتلك الصيغة؛ إذ لا يكاد يوجد خلاف في منع صياغة: "مفعلة" من المجرد الذي تزيد حروف الأصلية على ثلاثة1. بقي أن نشير إلى مسألتين هامتين: الأولى: أقياسيةٌ تلك الصيغة أم مقصورةٌ على السماع؟ لقد ارتضى المجمع اللغوي القاهري قياسيتها، ونصُّ قرارِه2: "جاءت أمثلة من تلك الصيغة عن العرب، ولنا أن نتكلم بما جاء عنهم. وهل لنا أن نقيس عليه؛ فنقول مثلًا: "مغزلة" للأرض التي يكثر فيها الغزال، وقد جرد لفظ: "الغزال" من زيادته، ومخسة للأرض التي يكثر فيها الخس، و"متبرة" للأرض التي يكثر فيها التبر -إذا كان العرب لم يقولوا هذا؟

_ 1 قال الرضي في شرحه للكافية في الباب الذي عنوانه: "ما كثر بالمكان يبنى على مفعلة". ما نصه: "لم يأتوا بمثل هذا -يقصد أنهم لم يأتوا بمفعلة- في الرباعي فما قوته؛ نحو: الضفدع، والثعلب، بل استغنوا بقولهم: كثير الثعالب. أو تقول: مكان مثعلب ومعقرب ومضفدع ومطحلب بكسر اللام الأولى -"يريد: اللام الأولى في الوزن الصرفي للكلمات الرباعية " -على أنها اسم فاعل- قال لبيد: يمَّمْن أعدادًا "بلُبْنَى؛ أو "أجا" ... مضفدعات كلها مطحْلِبَهْ" ا. هـ. ص188 من الطبعة التي أخرجها: الزفزاف وزميله. وقد جاء في شرحها البيت السالف إن معنى: "يممن" هو: قَصَدْنَ -ومعنى الأعداد: "بفتح الهمزة" هو: الماء الذي لا ينقطع. المفرد: عد؛ بكسر أوله -ولبنى وأجا: جبلان- مضفدعات: كثيرة الضفادع، مطحلبة: كثيرة الطحالب ... 2 ورد قراره مسجلًا في ص12 من محاضر جلسات الدورة الثالثة المطبوعة بالمطبعة الأميرية سنة 1938. وله إشارة عابرة في ص43 من الكتاب الذي أخرجه المجمع سنة 1969 مشتملًا على القرارات المجمعية من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المسألة رأيان مبنيان على الاختلاف في التقدير: "أحدهما: أن هذا البناء -مع كثرته- من قبيل المسموع ومعنى هذا أن الكثرة لم تصل إلى حد أن يقاس عليها. "والآخر: أن الكثرة وصلت إلى حد أن يقاس عليها. وله من كلام بعض1 الأئمة الكبار ما يعضده. "وقد أخذ المجمع بالرأي الثاني؛ لأنه قوي، والحاجة داعية إلى القياس على ما قال العرب" ا. هـ2.

_ 1 ومن هؤلاء صاحب: "المكمل، شرح المفصل" حيث يقول ما نصه: "اعلم أنهم إذا أرادوا أن يذكروا كثرة حصول شيء بمكان وضعوا لها "مفعلة"، وهذا قياس مطرد في كل اسم ثلاثي، كقولك أرض مسبعة، أي: يكثر فيها ... " ا. هـ. وسرد بعد هذا أمثلة كثيرة. 2 للقرار المجمعي السابق ما يشبه التتمة المستقلة، صدرت بعده بأمد طويل؛ ففي الجلسة التالية للمؤتمر المجمعي بتاريخ 17/ 12/ 1959 عرض استفسار لأحد الأعضاء، نصه: "كان المجمع الموقر قد اتخذ القرار الآتي: "تصاغ: "مفعلة" "بفتح العين" قياسًا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه الأعيان؛ سواء أكانت من الحيوان، أم من النبات، أم من الجماد ... ". وقد يسر هذا القرار لواضعي المصطلحات العلمية وضع كثير من الألفاظ العربية على هذا الوزن أمامها أشباهها من الألفاظ الأعجمية؛ مثال ذلك: ملبنة، مزبدة، مقطنة، موردة، مقصبة ... "وفي أثناء معالجتي لهذه الألفاظ -وما يشابهها- برزت عقبة لم أستطع تذليلها، ولذلك رأيت عرضها على مؤتمر المجمع الموقر؛ وهي تلخص بالسؤال الآتي: إذا لم يكن لاسم العين الثلاثي فعل وكانت عين الاسم حرف علة، "كما في كلمات: توت. خوخ. جوز، وأشباهها" فما هو حرف العلة في اسم المكان الذي يصاغ من اسم العين على وزن مفعلة؟ "وبعد؛ أرجو المذاكرة في هذا الموضوع، أو إحالته على اللجنة المختصة؛ بغية اتخاذ قرار ينير السبيل أمام الباحثين في المصطلحات العلمية" ا. هـ. وقد أحيل الاستفسار إلى لجنة الأصول؛ فدرسته واتخذت فيه قرارًا قدمته للمؤتمر فوافق عليه، ونص القرار: "القاعدة في صوغ: "مفعلة" مما وسطه حرف علة هي: "الإعلال" فيقال في مثل: "توت"، و"خوخ"، و"تين": متاتة، ومخاخة، ومتانة. لكن وردت في اللغة ألفاظ كثيرة بالتصحيح لا الإعلال؛ مثل: مثوبة، مشورة، مصيدة، مقودة، مبولة، ويرى النحاة أن الاحتفاظ بالأصل يلجأ إليه أحيانًا. ولا شك أن بقاء الكلمة من غير إعلال أبين في الدلالة على المعنى. ولإعلال في هذا الباب غير مستحكم. وقد نقل عن أبي زيد النحوي إجازة التصحيح في "أفعل"، و"استفعل"؛ كأغيم، وأغيل، واستحوذ، واستقوم، واستجوب، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن هذه الصيغة تختلف في مدلولها وفي المراد منها عن صيغتي:

_ = واستصوب ... وإذا أجيز الصحيح في الأفعال فالإجازة في الأسماء مقبولة؛ لأن الأسماء في هذا الباب محمولة على الأفعال، في الإعلال" ا. هـ. هذا نص الاستفسار، وقرار اللجنة والمؤتمر بشأنه، "كما وردت نصوصها الحرفية في ص50 من مجموعة البحوث، والمحاضرات لمؤتمر المجمع، في دورته السادسة والعشرين، سنة 1959-1960". وإني ألحظ في هذا القرار غموضًا وتعارضًا يتطلبان التجلية والتوفيق. فالقرار ينص على أن القاعدة هي: الإعلال. وهذا حكم يقتضينا التمسك بالقاعدة. وعدم الخروج عليها، ما دامت قد استحقت اسمها: وما خالفها فشاذ يحفظ ولا يقاس عليه كما يقولون. لكن القرار يعود بعد ذلك فيقول: وردت ألفاظ كثيرة في اللغة بالتصحيح لا بالإعلال ... فما مراده بالكثرة؟ إن كانت قد بلغت الحد الذي يصح القياس عليه لم تكن القاعدة السالفة "وهي قاعدة: "الإعلال" فريدة يجب الاقتصار عليها؛ وإنما تكون إحدى قاعدتين، يجوز القياس على كل منهما؛ هما: "التصحيح والإعلال". وإن كان لم تبلغ حد الكثرة المطلوبة وجب الاقتصار على الأول عند التعليق، واعتبار ما ورد من الثانية شاذًّا. ثم ما المراد من أن الأصل يُلجأ إليه أحيانًا؟ أهذا الالتجاء واجب أم جائز؟ وما تحديد هذه الأحيان؟ ومن الذي له الحق في تحديدها؟ ... و ... وإذا كان بقاء الكلمة من غير إعلال أبين من غير شك "كما يقول القرار" في الدلالة على المعنى من الإعلال -فلماذا نترك الأبين إلى غيره؟ وكيف يختار أئمة النحو ضابطًا عامًّا يؤدي إلى غير الأبين مع ترك ما يؤدي إلى الأبين؟ وإذا كان الإعلال في هذا الباب غير مستحكم "كما يقول القرار" فلم التمسك به، وبناء القاعدة عليه؟ وإذا كان المنقول عن أبي زيد -كما يشعر القرار -جواز التصحيح في "أفعل" و"استفعل"، فهل يجوز التعميم بحيث يشمل التصحيح غيرهما أيضًا، بالرغم من أن أبا زيد قصر الأمر عليهما دون غيرهما؟ وبالرغم أيضًا مما قاله ابن جني في كتابه الخصائص "ج1 ص99" ونقله السيوطي وغيره في كتابه: "الأشباه والنظائر" وفي كتابه المزهر "ج1 ص136" عند الكلام على المطرد في الاستعمال مع شذوذه في القياس؟ مثل: استحوذ واستصوب؟ فقد قال ما نصه: "اعلم أن الشيء إذا اطرد في الاستعمال، وشذ عن القياس فلا بد من اتباع السماع الوارد فيه نفسه، لكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه غيره، ألا ترى أنك إذا سمعت استحوذ، واستصوب ... أديتهما بحالهما، ولم تتجاوز ما ورد به السماع فيهما إلى غيرهما؛ ألا تراك لا تقول في استقام استقوم، ولا في استساغ استسوغ، ولا في استباع استبيع، ولا في أعاد أعود ... ولم نسمع شيئًا من ذلك. قياسًا على قولهم أخوص الرمث ... "الرمث: نبت حامض. وأخوص: صار كالخوص" ... فهل يجوز التعميم برغم كل ما سبق مما نقلناه؟ وما المراد من قول التقرير: إذا أجيز التصحيح في الأفعال فالإجازة في الأسماء مقبولة ... ؟ فهل اطرد التصحيح في الأفعال حتى تحمل عليه الأسماء فيه؟ وإذا كان مطردًا أو كثيرًا إلى الحد الذي يبيح قياس الأسماء عليه فلم منعه القدماء إلا في المسائل التي نصوا عليها؟ ... تلك هي بعض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "مفعل" و"مفعلة" الخاصتين "باسم المكان" فهاتان الصيغتان مشتقتان من المصدر، وتدلان على المكان وعلى المعنى المجرد الذي يحدث به. أما تلك فتضاغ من الثلاثي المحسوس للدلالة على المكان وعلى شيء حسي معين يكثر به، لا على شيء معنوي، فالفرق كبير بين الدلالتين. والفرق أكبر وأوسع في الأصل الذي يشتقان منه، وفي طريقة الصياغة، ووزن الصيغة، ما يتبين هذا جليًّا في الشرح الخاص بكل. د- ملخص ما سبق من أوزان المصدر الميمي1 واسمي الزمان والمكان إذا كانت أفعالها الماضية ثلاثية، وماضي المصدر الميمي غير مضعف هو: 1- إذا كان الماضي الثلاثي معتل اللام، "مثل: دعا. سعى ... " فالصيغة للمشتقات الثلاث هي وزن: "مفعل" "بفتح، فسكون، ففتح" تقول: مدعى. مسعى ... 2- إذا كان الماضي الثلاثي صحيح الأحرف ومضارعه مضموم العين أو مفتوحها: "مثل: نظر ينظر. فتح يفتح ... " فالصيغة للثلاثة على وزن "مفعل" أيضًا كالسابقة. 3- إذا كان الماضي الثلاثي صحيح الأحرف، ومضارعه مكسور العين، "مثل: جلس يجلس. عرف يعرف ... " فالميمي على وزن: "مفعَل" أيضًا، واسما الزمان والمكان على وزن: "مفعِل" بكسر العين.

_ = الجوانب التي تحتاج إلى إلى التجلية والبيان، مع ترك جوانب أخرى من ذلك القرار يغشيها الغموض أيضًا ولا سيما إذا عرضنا لرأي سيبويه في مثل تلك الكلمات التي لم يجر عليها الإعلال بالنقل من مثل: استحوذ، استصوب.. فهو يقول ما ملخصه: سمعنا جميع الشواذ المذكورة معلة أيضًا على القياس إلا استحوذ، واستروح الريح، وأغيلت ... ثم قال: ولا مانع من إعلالها وإن لم يسمع؛ لأن الإعلال هو الكثير المطرد. راجع ص47 من كتاب: ليس من كلام العرب لابن خالويه. ويدور بخلدي أن القرار لو اقتصر على سرد القاعدة التي جاءت في صدره، وزاد عليها إباحة التصحيح في حالة واحدة هي: أن يخفى معنى الكلمة بالإعلال أو يلتبس بغيره، ولا منجاة من الخفاء اللبس إلا بالتصحيح -لو فعل هذا- لكان سليمًا من الغموض، بعيدًا من التعارض، مسايرًا بعض المذاهب اللغوية العامة. 1 سبق تفصيل الكلام عليه في ص231.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- إذا كان الماضي الثلاثي معتل الفاء بالواو، صحيح اللام، ومضارعه مكسور العين تحذف فيه الواو؛ "مثل: وعد يعد ... " فالصيغة للثلاثة هي: "مفعل" بكسر العين. ويتبين مما سبق أن صيغة الثلاثة لا تختلف إلا في صورة واحدة هي التي يكون فيها الماضي الثلاثي صحيح الأحرف مكسور العين في المضارع، فيصاغ المصدر الميمي على وزن "مفعل" -بفتح العين- ويصاغ اسمًا للزمان والمكان على وزن "مفعل" بكسر العين. ويجوز في المصدر الميمي أيضًا أن يكون على وزن "مفعل" -بفتح العين أو كسرها- إن كان ماضيه مضعفًا1. كل ما سبق حين يكون الماضي ثلاثيًا فإن كان غير ثلاثي فيصاغ الثلاثة -وكذا اسم المفعول- على وزن المضارع مع إبدال أوله ميمًا مضمومة وفتح الحرف الذي قبل آخره، وتكون القرائن هي المميزة بين الأنواع الثلاثة والدالة على النوع المناسب للسياق دون غيره الثلاثة الأخرى.

_ 1 طبقًا لما سلف في ص227.

المسألة 107: اسم الآلة

المسألة 107: اسم الآلة تعريفه: اسم يصاغ قياسًا من المصدر الأصلي1 للفعل الثلاثي المتصرف -لازمًا أو متعديًا- بقصد الدلالة على الأداة التي تستخدم في إيجاد معنى ذلك المصدر. وتحقيق مدلوله. وليس الوصول إلى تلك الدلالة المعنوية مقصورًا على صيغة اسم الآلة القياسي، فمن الممكن الوصول إلى تلك الدلالة بأساليب مختلفة، ليس في واحد منها الصيغة القياسية التي تخص "اسم الآلة"، ولكن هذا الوصول يتطلب ألفاظًا، وكلمات متعددة لا يتطلبها صوغ اسم الآلة القياسي؛ فإنه يقوم بهذه الدلالة المعنوية بكلمة واحدة، فمزيته أن يؤدي باللقطة المنفردة ما لا يؤديه غيره إلا بالكلمات المتعددة. صوغه: صياغته القياسية لا تكون إلا من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مطلقًا2 يصاغ من غيره. وأوزان اسم الآلة ثلاثة قياسية: هي: مِفعَل. مِفعَال. مِفعَلة. وطريقة صوغها أن نجيء بذلك المصدر مهما كان وزنه، وندخل عليه من التغيير ما يجعله على وزن إحدى الصيغ الثلاث3. مثال ذلك: 1- نشر النجار الخشب نشرًا، فآلة النشر هي: مِنشَر. أو: مِنشار، أو: مِنشَرة.

_ 1 في ص182 تفصيل الكلام على أصل المشتقات؟ مصدرًا وغير مصدر ... ولم يعرض ابن مالك في "ألفيته" لاسم الآلة. وقد عرضنا له استيفاء المشتقات. 2 أي: سواء أكان الفعل متعديًا أم لازمًا، كما تقدم. وانظر: "ب" ص236 حيث البيان الخاص يصوغه من اللازم. 3 زاد عليها مجمع اللغة العربية أوزانًا أخرى تجيء في ص337.

2- برد الصانع الحديد بردًا، فآلة البرد هي: مبرد، أو: مبراد، أو: مبردة. 3- ثقبت سداد القارورة ثقبًا -فآلة الثقب هي: مثقب، أو: مثقاب، أو مثقبة. 4- سخن الماء سخانة وسخونة -فالآلة التي تتحقق بها السخونة، هي: مسخن، أو: مسخان، أو: مسخنة. 5- سلكت الطريق سلوكًا، أي: ذهبت فيه ونفذت منه. فالآلة التي يتحقق بها الذهاب والنفاذ، هي: مسلك، أو: مسلاك، أو: مسلكة. 6- سمحت للمحتاج ببعض الغلة سموحًا، وسماحًا، وسماحة، فالآلة التي يتحقق بها السماح وتستخدم في الإعطاء، والتناول، هي: مسمح أو: مسماح، أو: مسمحة ... و ... وهكذا. حكمه: اسم الآلة لا يعمل عمل فعله؛ فلا يرفع فاعلًا أو نائب فاعل، ولا ينصب مفعولًا به، ولا غيره؛ فهو واسم المكان واسم الزمان المشتقات الثلاث التي لا تعمل عمل فعلها1. ويلاحظ أن صيغة "مفعال" مشتركة بين "اسم الآلة" و"صيغة المبالغة"؛ فهي من الأوزان الصالحة لهذه، ولتلك -كما سبق2- والتفرقة بينهما في الدلالة تكون بإحدى القرائن اللفظية أو المعنوية؟ كالشأن في كل صيغة مشتركة، أو لفظ يصلح لمعنيين أو أكثر؛ فالقرينة وحدها هي التي تتحكم في التوجيه هنا أو هناك، ففي مثل: "تخيرت للخشب الجزل منشارًا قويًّا يمزقه" -تكون صيغة "مفعال" اسم آلة: بخلافها في مثل: "ما أعجب فلانًا في التحدث عن

_ 2 وكذلك المصدر المصوغ للدلالة على المرة -كما سبق في رقم 1 من هامش 274- ومع أن هذه الأربعة لا تعمل، يجوز أن يتعلق بها شبه الجملة لما فيها من رائحة الفعل "راجع هامش ص221". 3 في رقم 4 من هامش ص258.

نفسه، ونشر أخباره، وانتهاز الفرص للإعلان عن شئونه!! إنه جدير بأن يسمى: منشارًا"؛ فإنها صيغة مبالغة في النشر. ومثل: كلمة: "مذياع"؛ فقد يراد منها الآلة الصماء التي تستخدم في نقل الأخبار المذاعة. وقد يراد منها الشخص المتكلم في تلك الآلة1. فمثال الحالة الأولى تدل عليها القرينة: توقف المذياع لخلل في أسلاكه. ومثال الثانية التي تدل عليها القرينة أيضا: ما أفصح المذياع، وما أعذب صوته، لم يتلجلج، ولم يتردد، ولم يشوه كلامه بلحن أو خطأ، مع أنه كان يرتجل بغير إعداد.

_ 1 هذا من الوجهة اللغوية. وقد جرى العرف اليوم على تسمية الآلة "بالمذياع" وتسميه الشخص: بالمذيع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- وردت ألفاظ مسموعة شذت صيغتها عن القياس؛ منها: "المنخل"؛ للأداة التي ينخل بها الدقيق. "والمدق"؛ للأداة التي تدق بها الأشياء الصلبة "والمدهن"؛ للأداة التي تستخدم في الدهان. و"المكحلة"؛ للأداة التي تستخدم في الكحل، أو للوعاء الذي يوضع فيه. و"المسعط"؛ للأداة التي يسعط بها العليل، أو الصبي؛ إي: يوضع بها الدواء في أنفه، "وكل ما سبق بضم أوله وثالثه إلا "المدق" فبضم أوله وثانيه"، "وإراث" للأداة التي توقد النار ... ولما كانت تلك الأوزان -وأشباهها- خارجة عن الصيغ القياسية، جاز استعمالها كما وردت مسموعة عن العرب، وجاز -كما سيتبين بعد1- اشتقاق صيغة قياسية من مصادر أفعالها الثلاثية المتصرفة تؤدي معناها ومهمتها، بحيث تجيء الصيغة الجديدة على وزن "مفعل" أو: "مفعلة" أو "مفعال" وهي الأوزان الثلاثة القياسية لاسم الآلة. ب- في محاضر جلسات المجمع اللغوي القاهري، في دور انعقاده الأول "ص371"، بحث وافٍ على اسم الآلة، ونصوص متعددة من المراجع المطولة الأصيلة التي تصدت لبيان أحكامه. ومن ذلك البحث وما تبعه من بحوث فرعية، وما أثاره من جدل عنيف، ومناقشات مستفيضة مسجلة هناك -يتبين أن بين العلماء خلافًا شديدًا يكاد يتركز في ثلاث مسائل: أولها: أن يكون اشتقاق اسم الآلة من مصدر الثلاثي المتصرف، المتعدي واللازم، أم من مصدر المتعدي فقط، كما يميل إليه أكثر السابقين؟ وهل يشتق من أسماء الأعيان؟ ثانيها: أيجوز اشتقاق من مصدر الأفعال غير الثلاثية، أم أمره مقصور على الثلاثية وحدها؟ ثالثها: أيجوز القياس مع وجود صيغة مسموعة تخالفه، أم يجب الاقتصار عليها؟

_ 1 في "ب" التالية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخير إجابة عن تلك الأسئلة -وهي إجابة مستمدة في أكثرها من البحوث والمناقشات التي دارت بالمجمع، ثم من مراجع واعتبارات أخرى- هي: 1- جواز الاشتقاق من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف اللازم والمتعدي، دون مصدر الأفعال غير الثلاثية، ودون أسماء الأعيان. فيجب الاقتصار في هذين على المسموع وحده. 2- ويجوز القياس بصوغ اسم الآلة من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف مع ورود صيغة مسموعة تخالفه. لكن الأحسن الاقتصار على هذه الصيغة المسموعة، وبخاصة إذا كانت شائعة. "ملاحظة": جاء في مجلة المجمع اللغوي، القرار الآتي نصه1: "يضاف إلى الصيغ الثلاث المشهورة في اسم الآلة، "وهي: مفعل، مفعلة، مفعال، وكذا: "فعالة" التي أقر مجلس المجمع قياسيتها من قبل" ... صيغ أخرى؛ هي: أ- فعال؛ مثل: إراث "لما تؤرث به النار، أي: توقد". ب- فاعلة: مثل: ساقية. ج- فاعول؛ مثل: ساطور. وبهذا تصبح الصيغ القياسية لاسم الآلة سبع" ا. هـ. وفي الصيغ الأربع الجديدة التي اشتمل عليها هذا القرار ما يقتضي التأمل والتلبث. فصيغة: "فعالة" المقترحة: "اعتمادًا على كثرتها في الاستعمال القديم والحديث؛ ومن الحديث: ثلاجة، خرامة، خراطة, كسارة: لآلة الثلج، والخرم، والخرط، والكسر؛ إنما تصاغ على أصل عربي فصيح وهو صيغة: "فعال" المؤنثة المشتقة للدلالة على المبالغة، أو على النسب لأمر من

_ 1 راجع ص250 من مجلة المجمع اللغوي، العدد الخاص بالبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين، سنة 1962-1963. وكذلك ص19 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969 باسم "كتاب في أصول اللغة" مشتملًا على مجموعة القرارات التي أصدرها من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين وفي هذا المرجع القرار متبوعًا بالأدلة والبحوث العلمية التي تؤيده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور؛ طبقًا لما سيجيء في باب: "النسب1"، ثم تستعمل بعد ذلك مجازًا "لغرض بلاغي" في الدلالة على الآلية أو السببية. وهذا الاستعمال المجازي مباح فصيح في كل عصر، بشرط توافر ركني المجاز "وهما: العلاقة، والقرينة" ومن المعروف بلاغة أن المجاز إذا اشتهر صار حقيقة عرفية فصيحة؛ ينسى معها "العلاقة والقرينة"؛ طبقًا لما قرره البلاغيون، فلا حاجة -إذًا- لقرارٍ بزيادة تلك الصيغة على صيغ اسم الإلة. هذا إلى أنها لا تكون نصًّا في دلالتها على الآلية -أحيانًا- وبذا تختلف عن الصيغ المسموعة. أما الصيغ الثلاث الجديدة التي زيدت أيضا "أ. ب. ج" فأمر قياسيتها غير واضح؛ فهل المراد أن يصاغ على وزنها اسما، آلات من كل ما يصاغ منه اسم الآلة؟ إن كان هذا هو المراد -وهو ما يقتضيه حكم القياس- كان غريبًا؛ لأن الاستعمال العربي القديم لتلك الكلمات كان متجهًا في بعضها إما للمجاز على الوجه الذي شرحناه؛ كاستعمالهم كلمة: "الساقية"، وإما للأداة الخاصة في بعض كلمات أخرى معينة دون غيرها كما في كلمة "إراث" و"ساطور"، ونحوهما من عشرات الكلمات المتباينة التي استعملوا -بقلة- كل واحدة منها أداةً دون أن تخضع تلك الكلمات كلها لكثرة استعمالهم أو لصيغة واحدة تجمعها، أو وزن واحد تندرج تحته؛ فالحكم بالقياس على تلك الصيغ الثلاث واستعمالها من غير طريق المجاز مخالف للمراد من القياس اللغوي، ومؤدٍّ للاضطراب. هذا إلى أنه يمكن الاستغناء عن الصور الجديدة كلها باختيار صيغة من الصيغ القديمة تستعمل أداة موصلة للمعنى المراد من كل صيغة من هذه الصيغ المستحدثة.

_ 1 في الجزء الرابع.

المسألة 108: التعجب

المسألة 108: التعجب مدخل ... المسألة 108: التعجب معناه: إذا رأينا في أحد الكواكب أشباحًا تحاول الاتصال بنا، أو شاهدنا بئرًا تغيض1 فجأة، أو مطرًا ينهمر في يوم صحو2، أو سيارة جديدة تتوقف عن المسير بغير سبب معروف، كان هذا أمرًا باعثًا للدهش، وانفعال3 النفس به؛ واستعظامها إياه؛ لخفاء سره عليها، وعدم وجود نظير له، أو قلة نظائره، وقد يعبر عنه الناس بأنه أمر عجيب، أو غريب، أو مثير ... أو نحو هذا من العبارات التي يريدون منها ما يسميه اللغويون: "التعجب"، ويعرفونه بأنه: "شعور داخلي4 تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادرًا، أو لا مثيل له؛ مجهول الحقيقة5، أو خفي السبب"6. ولا يتحقق التعجب إلا باجتماع هذه الأشياء كلها. أسلوبه: له أساليب كثيرة7 تنحصر في نوعين:

_ 1 يجف ماؤها. 2 لا غيم فيه، ولا مطر، ولا برد. 3 تأثر. 4 وقد يترتب عليه ظهور آثار خارجية؛ كالتي تبدو على الوجه، أو غيره. 5 أي: الذات. بأجزائها التي تتركب منها. 6 لهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب، ولهذا أيضًا لا يوصف المولى جل شأنه بأنه متعجب؛ إذ لا يخفى عليه شيء، وإذا ورد في كلامه، أو في الحديث الشريف، أو غيرهما، ما يدل على أنه يتعجب، فالمراد: إما توجيه السامعين إلى إظهار العجب والدهشة، وإما المراد: اللازم؛ هو الرضا والتعظيم، أو: نحو ذلك من الأغراض البلاغية. 7 والغرض الأساسي من كل منها هو: "التعجب". لكن بعضها قد يتضمن أحيانا كثيرة التعجب وغرضًا آخر معه: "المدح، أو الذم": كما سيتبين في هذا الباب، وفي باب "نعم وبئس" عند الكلام على الأفعال التي تجري مجراهما ص370.

أحدهما: مطلق؛ لا تحديد له ولا ضابط، وإنما يترك لمقدرة المتكلم، ومنزلته البلاغية، ويفهم بالقرينة. والآخر: "اصطلاحي"، أو "قياسي" مضبوط بضوابط وقواعد محددة، ولا تكاد تختلف في استعماله أقدار المتكلمين. ومن أمثلة الأول: "لله در1 فلان"، في قول القائل: لله درك!! أي جنة2 خائف ... ومتاع دنيا. أنت للحدثان3 ومنها: "يا لك، أو يا له، أو يا لي" ... كقول الشاعر: فيالك بحرًا لم أجد فيه مشربًا ... وإن كان غيري واجدًا فيه مسبحًا ومنها: "شَدَّ4" في نحو: شَدَّ ما يفخر اللئيم بأصوله إن كانت له أصول، ويتمدح بفعاله إن كان له فعل محمود. ومنها كلمة: "عَجَب"، مصدرًا، ومشتقاته، مثل: عَجِب، و"عجيب" في نحو: قولهم: عجبت لمن يشتري المماليك بماله، ولا يشتري الأحرار بكريم فعاله. وقول الشاعر: أقاطنٌ5 قومُ سَلْمَى أَم نَوَوْا ظَعْنَا6؟ ... إِنْ يَظْعَنوا فعجيبٌ عيْشُ مَنْ قَطَنا ومنها: الاستفهام المقصود منه التعجب؛ كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْْ} ، وكقول شوقي يخاطب تمثال أبي الهول7: إلامَ ركوبُكَ مَتنَ الرمالِ ... لِطَيِّ الأَصيلِ، وجَوْب السِّحَرْ?

_ 1 أصل هذا الأسلوب ومعناه مدون في ج2 م60 ص21. 2 وقاية. 3 حوادث الدهر ومصائبه. 4 فعل ماضٍ يفيد التعجب من شدة الأمر وكثرته. 5 أمقيم؟ 6 ارتحالًا وسفرًا. 7 تمثال رأسه كرأس إنسان، وجسمه على هيئة جسد الأسد. أقامه أحد الفراعين في صحراء الأهرام، بالجيزة. "قرب القاهرة".

ومنها: "سبحان الله" التي تصاحبها قرينة تدل على أن المقصود منها التعجب؛ كقول رجل سئل عن اسمه: "سبحان الله! تجهلني، والخيل والليل والبيداء تعرفني؟!! ... ". إلى غير ذلك من كل لفظ يدل على التعجب1 وتُفهم منه هذه الدلالة بقرينة، من غير أن يكون من النوع "الاصطلاحي" "القياسي". أما النوع "الاصطلاحي، أو القياسي: فصيغتان2: "ما أفعله" و"أفعِل به". وهذان وزنان يُستعملان عند إرادة التعجب من شيء تنفعل به النفس على الوجه الذي شرحناه؛ فعند التعجب من الجمال الباهر -مثلًا- أو الضخامة البالغة، أو: القصر المتناهي ... أو غيره ... نأتي بأحد أسلويين قياسيين. أولهما3: فعل ماضٍ، ثلاثي4، يشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ثم نجعل هذا الماضي على وزان، "أفعل". وقبله: "ما" الاسمية التي هي مبتدأ، وعلامة التعجب؛ ولذا تسمى: "ما التعجبية" وتقديمها على هذا الماضي واجب، وفاعله ضمير مستر وجوبًا، تقديره: "هو" يعود على: "ما"، وبعده اسم منصوب هو في ظاهره وفي إعرابه مفعول به5. ولكنه في المعنى فاعل6؛ إذ كان في الجملة -وفي الحقيقة- قبل التعجب فاعلًا؛ نحو؛ ما أجمل الوردة الناضرة!. ما أضخم هرم الجيزة!. ما أقصر

_ 1 مثل كلمة: "واها" في نحو: واها لسلمى ثم واهًا واهًا ومثل حرف النداء في: يا جارتا ما أنت جارة!! 2 هناك صيغة ثالثة قياسية يأتي الكلام عليها في "ج" من ص347. 3 الثاني في ص344. وكلاهما يجب تصحيح عينه المعتلة إن كانت مستحقة للإعلال بالنقل طبقًا للبيان الآتي في: "أ" ص347. 4 وقد يصاغ من الرباعي الذي على وزن: أفعل، على الوجه الآتي في ص348. "5، 6" لهذا لا يصلح التعجب إن كان المفعول به حقيقيًا في أصله "قد وقع عليه فعل الفاعل" ففي مثل: سقى المطر الزرع؛ لا يصح أن يقال: ما أسقى الزرع؛ بقصد التعجب الواقع على الزرع. لأن المفعول به هنا حقيقي، وليس فاعلًا في المعنى انظر "أ" من ص347.

سكان المناطق القطبية! فكلمة: "ما" في هذه الأمثلة وأشباهها مبتدأ1، والجملة الفعلية بعدها خبرها، ثم المفعول به الذي هو فاعل في المعنى: فالأصل جملت الوردة، ضخم الهرم، قصر سكان المناطق القطبية. وعند إرادة التعجب من كبر قارة آسيا، وسعتها، وغزارة سكانها، وعلو جبالها ... و ... نقول: ما أكبرها!! وما أوسع رقعتها!! وما أغزر سكانها!! وما أعلى جبالها!! ... والإعراب كما سبق تمامًا، وكذلك المفعول به. و"ما" التعجبية في هذه التراكيب -ونظائرها- هي نوع من "النكرة التامة"2، وتتضمن -بذاتها3- معنيين معًا، أو أنها ترمز إليهما معًا؛ هما: "توجيه الذهن إلى أن ما بعدها عجيب. وأن الذي أوجده أمر عظيم"، ويصفها النحاة بأنها "نكرة تامة". والماضي بعدها جامد لا محالة4 مع أنه في أصله ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف باستعماله في التعجب رباعيًا على وزن "أفعل" كما يفقد -في الأرجح- الدلالة على الزمن إن لم توجد قرينة تدل على الزمن5.

_ 1 انظر "أ" من الزيادة التالية في ص343. 2 يريدون بالتنكير أنها بمعنى: "شيء" أي شيء. وبالتمام: أنها لا تحتاج إلا للخبر، فلا تحتاج بعدها إلى نعت أو غيره من القيود. وتنكيرها أفادها إبهامًا جعلها في أسلوب التعجب بمعنى: "شيء عظيم". وعلى هذا تكون "النكرة التامة" هي النكرة المحضة الخالصة من كل قيد، أما المقيدة بنعت أو غيره من القيود فتسمى: "نكرة ناقصة". وبيان هذا في ج1 م 17. 3 أي: بلفظها وتكوينها، لا بلفظ أو شيء آخر غيرها. 4 ولا يدل -عند المحققين- على زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لمحض "الإنشاء" المقصود منه "التعجب"، فلا دلالة فيما على زمن عندهم "كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص344 وفي رقم 1 من هامش ص349، وفي رقم 4 من هامش ص361 وعدم دلالتها على الزمن مشروط بألا تشتمل على لفظة: "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ أو القرائن التي أريد منها أن تدل على زمن معين؛ طبقًا للبيان الخاص بهذا في الصفحات السالفة، وفي صدر الجزء الأول عند الكلام على الأفعال م4. 5 كما سيجيء في ص 347، 349، 357.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لسنا بحاجة إلى الأخذ برأي من يقول: إن "ما" التعجبية اسم موصول، مبتدأ، والجملة بعدها صلتها، والخبر محذوف. ولا برأي آخر يقول: إنها نكرة ناقصة "تحتاج إلى نعت بعدها" والجملة بعدها نعت لها، والخبر محذوف، ولا استفهامية ... ولا ... ولا ... فكل هذه الآراء تحمل في طياتها كثيرًا من التعسف، وتقوم على الحذف والتأويل من غير داعٍ، ومن غير أن تمتاز بمزية تصرفنا عن الإعراب الأول الذي يتضمن كل مزاياها، ويخلو من عيوبها. فعلينا التمسك به وحده، وأن نختصر في الإعراب، فنقول: "ما" تعجبية، قاصدين مع هذا الاختصار أنها نكرة تامة مبتدأ -من غير حاجة للتصريح بما اصطلحنا عليه ... ب- ورد عن العرب قولهم: "ما أمليح فلانًا وما أحيسنه، بتصغير الفعلين الماضيين: "أملح وأحسن" عند استخدامهما في التعجب، مع أن الأفعال لا تصغر ... فهل يصح تصغير غيرهما من الأفعال الماضية المستخدمة في التعجب، والتي على وزن "أفعل"؛ قياسًا على هذين الفعلين الماضيين؟ الرأي الشائع عدم الجواز، ولكن سيبويه وبعض البصريين وفريق من غيرهم يبيحه. وفي الأخذ بهذا الرأي -أحيانًا- تيسير وتوسعة لا ضرر منهما1 ...

_ 1 تفصيل هذا كاملًا في باب: "التصغير" من الجزء الرابع م175 ص631.

ثانيهما1: فعل ثلاثي لازم مشتمل على المعنى الذي يراد التعجب منه، ونجعل هذا الفعل على وزن: "أفعل"، وبعده باء الجر، تجر اسمًا ظاهرًا، أو: ضميرًا متصلًا بها، وكلاهما هو الذي يختص بمعنى الفعل. ففي الأمثلة السابقة يقال: أَجْمِلْ بالوردة النَّاضرة! أضْخِم بهرم الجيزة! أَقْصِرْ بسكان المناطق القطبية!. أَكْبِرْ بقارة آسيا! وأَوْسِعْ برقعتها! وأغزِرْ بسكانها! وأَعْلِ بجبالها! أو: أَكبِرْ بقارة آسيا! وأَوسِعْ بها! وأَغزرْ بسكانها! وأكثْر بهم! أما إعراب: "أجملْ بالوردة الناضرة" ففيه وفي نظائره إعرابان: أ- أن نقول "أجْمِلْ"، فعل ماضٍ على صورة الأمر، "أي على شكله الظاهر فقط2، دون الحقيقة المعنوية" ... "بالوردة" الباء، حرف جر زائد3 "الوردة " فاعل مجرور بالباء لفظًا، ولكنه في محل رفع على الفاعلية. "الناضرة" نعت، إما مجرور بالكسرة تبعًا للفظ الفاعل المنعوت، وأما مرفوع بالضمة تبعًا لمحل المنعوت، ويكون المراد هو: جَمُلت الوردةُ، أي: صارت ذات جمال عجيب، وضخم الهرمُ، أي: صار ذا ضخامة عجيبة. قَصُرَ سكان المناطق القطبية. أيضًا ... وهكذا باقي صيغ "أفْعِل" التي جاءت في ظاهرها على صورة الأمر، وهي في الحقيقة فعل ماضٍ؛ يراد منه في ظاهره وفي حقيقته التعجب. ومِثْل النعت هنا غيره من التوابع؛ فكل منها يجوز فيه الجر والرفع. هذا إعراب الفاعل المجرور بالباء حين يكون اسمًا ظاهرًا معربًا، أما حين يكون اسمًا مبنيًا؛ كالضمير البارز، أو غيره من المبنيات "ومن الأمثلة

_ 1 أما أولهما ففي ص341 وكلاهما يجب تصحيح عينه المهملة كما أشرنا هناك؛ طبقًا للبيان الآن في: "أ" ص347. 2 جاء على صورة الأمر لإنشاء "التعجب"؛ فالجملة كلها إنسانية محضة، ولا دلالة لها -عند المحققين- على زمن، إلا إن وجد تقييد يدل على الزمن "كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص342 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص349 و353 و362"، وهو مبني على السكون حينًا، وعلى حذف آخره حينًا آخر على حسب أحكام بناء الأمر. 3 وزيادته في هذا الموضع لازمة؛ فلا يمكن الاستغناء عنه بشرط أن يكون المجرور به اسمًا صريحًا، ولا مصدرًا مؤولًا من "أن أو أنْ" وصلتهما؛ إذ في هذه الصورة المصدرية يجوز -إلا مع "أنْ" الناسخة في رأي- حذف حرف الجر. انظر رقم 2 من هامش الصفحة الآتية. كما سبق عند الكلام على "باء الجر" هامش رقم 1 من ص153 م71، 351، م89، وكما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص362.

الآية الكريمة: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وبعض الأمثلة التي سلفت؛ "فإنه يكون مبنيًا ويذكر في إعرابه: "أنه مجرور بكسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها علامة البناء الأصلي في محل رفع"1؛ فهو كسابقه في أنه مجرور اللفظ، مرفوع المحل، وفي أنه يجوز في تابعه الأمران: الرفع والجرّ. ب- أو نقول: "أَجْمِلْ" فعل أمر حقيقي، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنت، يعود على مصدر الفعل المذكور "وهو: الجمال"، و"بالوردة" الباء حرف جر أصلي، وهي ومجرورها أصليان متعلقان2 بالفعل. والمراد الملحوظ: يا جمالُ أجمِلْ بالوردة؛ أي: لازِمْها؛ ولا تفارقْها. فالخطاب الملحوظ موجه لمصدر الفعل المذكور، بقصد طلب استمراره، ودوام بقائه معه3. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى، والفاعل مفرد مذكر للمخاطب دائمًا؛ لأنه ضمير مستتر للمصدر المخاطب في كل الأحوال. والإعرابان صحيحان4. والمعنى عليهما صحيح أيضًا؛ فلا خلاف بينهما

_ 1 يلاحظ أن الضمير الواقع فاعلًا في آية: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} إنما جاء خلفًا عن "واو الجماعة" للغائبين؛ إذ الأصل بناء على التقدير السالف: "سمعوا"، ولما كانت واو الجماعة لا تكون في محل جر امتنع وقوعها بعد "باء الجر" الزائدة لزومًا. ولم يكن بد من التوفيق بين الآمرين بالاستغناء عن واو الجماعة والإتيان بالضمير "هم" مكانه؛ لأنه الضمير الذي يصلح للرفع وللجر مع دلالته على جماعة الغائبين. 2 لازمان لا يمكن الاستغناء عنهما، إلا في حالة واحدة يمكن فيها حذف الباء "في الرأي الأغلب. حين تجر مصدرًا مؤولًا ... "وسيجيء تفصيل الكلام عليها عند بيان الحكم التاسع من أحكام التعجب ص362 م109، وسبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وفي ج2 ص175 م71". 3 ويصح أن يكون موجهًا للمخاطب الذي يراد منه أن يتعجب مع وجوب إبقاء الضمير على حاله من الإفراد والتذكير. وهذا الوجه هو الذي ينطبق في يسر وغير تكلف على مثل قول الشاعر: إذا عُمِّرَ الإنسان تسعين حِجَّةً ... فأَبْلِغْ بها عُمْرًا، وأَجْدِرْ بها شُكرا 4 وبهما قال الأقدمون، ولكل رأي أنصاره وأدلته المقبولة؛ فلا معنى لتجريح أحدهما كما يفعل بعض المتسرعين. ومن الإنصاف القول بأن المذهبين مقبولان، ولكن كثيرًا من أدلتهما وتعليلاتهما مصنوع، لا يثبت على التمحيص؛ ولا يعرفه العربي صاحب هذه اللغة ولا يدور بخلده، فوق أنه لا يساير القواعد النحوية الأصلية المنتزعة من كلامه. فمن الخير إهمال الجدليات والتعليلات الزائفة التي تتردد في نواحٍ كثيرة من هذا الباب وغيره.

في تأدية الغرض. إلا أن الإعراب الثاني أيسر وأوضح، وهو إلى عقول ناشئة المتعلمين أقرب. ويزداد يسرًا ووضوحًا حين يكون الفاعل المجرور بالباء اسمًا مبنيًا كالضمير، وغيره من المبنيات التي تحتاج في إعرابها إلى تطويل. ويلاحظ أن صيغة: "أفْعِلْ" هذه جامدة -كأختها الأولى- مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنه يفقد التصرف بسبب استعماله في التعجب -كما أوضَحْنا1-

_ 1 في ص342، وما يجيء من ص349، 357 وفي الأحكام السابقة يقول ابن مالك في باب عنوانه: "التعجب": بـ"أَفْعَلَ" انْطِقْ بعْد: "ما"؛ تعجبًا ... أَوْ جِئْ بـ"أَفْعِلْ" قَبْل مجْرُورِ بِـ"ببا" أي: انطق بصيغة: "أفعَل" لأجل التعجب، بشرط أن تكون هذه الصيغة واقعة بعد كلمة "ما" وهي: "ما" التعجبية، وإن شئت فَجِئْ بصيغة أخرى هي: "أَفْعِلْ" وبعدها المتعجب منه "أي من شيء فيه". مجرور بالباء. ثم قال: وتِلْوَ "أَفْعَلَ" انْصِبنَّهُ؛ كَما ... أَوْفَى خَلِيلَيْنَا! وأَصْدِقْ بِهِما! أي: "انصب ما يجيء بعد "أفعل". والذي يجيء بعد "أفعل" هو المفعول به المتعجب منه، "أي: من شيء، فيه" ثم ساق في آخر البيت مثالين؛ أحدهما: للمتعجب منه "أي: من شيء فيه" المنصوب بعد "أفعل"؛ وهو: "خليلينا". والثاني المتعجب منه المجرور بالباء بعد "أفعِلْ" وهو "أصدِقْ بهما". ثم ساق بيتًا ثالثًا ضمنه حكمًا سنذكره في مكانه من الأحكام بصفحة 360؛ هو جواز حذف المتعجب منه إذا دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه؛ يقول: وحَذْفَ ما مِنْه تَعَجَّبْت اسْتَبِحْ ... إِنْ كَانَ عِنْدَ الحَذْفِ معناهُ يَِحْ يضح. أي: يتضح. والفعل: "وضَح يضِح"، والأصل: "يوضح، ثم حذفت الواو خضوعًا لقاعدة صرفية تقضي بحذفها إذا وقعت ساكنة في المضارع وقبلها فتحة وبعدها كسرة، وسيذكر البيت لمناسبة أخرى في ص360. ثم ذكر بعد هذا بيتًا يقرر فيه أن هذين الفعلين ممنوعان من التصرف؛ فهما جامدان بحكم قديم محتوم قرره النحاة: ونص البيت: وفي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْمًا لَزِما ... مَنْعُ تَصَرُّفٍ بِحُكْمِ حُتِما في ترتيب البيت التواء، والأصل: ولزم منع تصرف في كلا الفعلين بحكم حتم قدمًا؛ أي: قديمًا. وسيجيء إيضاح لهذا البيت في مكانه الأنسب عند الكلام على أحكام التعجب "ص375".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- همزة الماضي: "أفعل" في التعجب هي لتعدية الصيغة التي يكون فعلها الثلاثي إما لازمًا في الأصل، وإما متعديًا، ولكنه يفقد التعدية عند أخذ الصيغة منه؛ فتحل محلها تعدية جديدة تغايرها. فمثال الأول: ما أظرف الأديب!! فإن الفعل: "ظرف" لازم أصالة؛ فصار متعديًا. ومثال الثاني: ما أنفع الحذر!! فإن الفعل: "نفع" متعدٍّ في أصله. وتزول عند أخذ الصيغة منه، فتنصب مفعولًا به جديدًا كان في الأصل فاعلًا؛ إذ الأصل: نفع الحذر. فكلمة: "الحذر" فاعل يصير مفعولًا به بعد التعجب1. أما همزة "أفْعِلْ"، فللصيرورة على اعتباره ماضيًا على صورة الأمر ... ويجب تصحيح العين في الصيغتين إن كانت في غير التعجب تستحق الإعلال بالنقل؛ مثل: ما أطول النخلة، وأطول بها2 ومن هذا قولهم: "ما أحوج الجبانَ إلى أن يرى ويسمع عجائب الشجعان" وكذلك يجب فكَ "أفْعِلْ" المضعف، نحو: أشْدِد بحمرة الورد. وقول الشاعر: أعْزِرْ عَليّ بأن تكون عليلًا ... أو أن يكون لك السَّقام نزيلًا ب- يشيع في هذا الباب ذكر: "المتعجب منه" "وهو المعمول المنصوب أو المجرور بالباء" والتعبير الأنسب: هو: "المعمول المتعجب من شيء يتصل به" الأن التعجب في مثل: ما أنفع العلم!!، إنما هو من نفع العلم" لا من العلم ذاته. ولا بأس بالتعبير الشائع على اختصاره المقبول؛ لأن المراد منه مفهوم. ج- هناك صيغ أخرى للتعجب3، وأشهرها: "فَعُلَ"4 -بضم

_ 1 كما سبق في ص341. 2 عملًا بالضابط العام في الإعلال بالنقل. وسيجيء تفصيل الكلام على هذا الضابط في موضعه المناسب "ج4 م183 -ص733". 3 سيجيء تفصيل الكلام عليها في ص384 م111 من باب: "نعم وبئس". 4 جاء في الأشموني -ج2 آخر باب "تعدي الفعل ولزومه" -ما نصه عند الكلام على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العين وهو فعل لازم؛ نحو: كبرت كلمة تخرج من فم الجاحد، وخبث لفظًا يجري على لسانه. ومنها: "أفْعَلَ" بغير "ما" التعجبية، وأصله فعل ثلاثي زيد في أوله، همزة التصيير؛ نحو: أحسنت قولًا، وأبرعت عملًا. أي: ما أحسن قولك، وما أبرع عملك ... وفعلها الثلاثي حَسُن وبرَعَ. والمشهور أن الصيغة الأولى قياسية، والثانية سماعية ذكرناها لندرك أمثلتها المسموعة.

_ = السبب الثاني الذي يجعل الفعل المتعدي لازمًا: "التحويل إلى "فَعُل" -بضم العين- لقصد المبالغة والتعجب، نحو: ضَرُب الرجل، وفهُم ... بمعنى: ما أَضرَبَه وأَفهَمَه! ". ا. هـ، فلم يأتِ في كلامه ولا في حاشية الصبان ما يدل صراحة على أن المبالغة والتعجب يلازمان مدحًا أو ذمًّا؛ مع أن النحاة صرحوا بأن تحويل الفعل الثلاثي إلى "فَعُل" -بضم العين- بقصد المدح أو الذم يستلزم التعجب حتمًا -كما سيجيء في ص384.

شروط الفعل الذي يبنى منه الصيغتان القياسيتان بناءً مباشرًا: يشترط فيه ثمانية شروط: 1- أن يكون ماضيًا1. 2- ثلاثيًا؛ فلا يصاغان من فعل زادت حروفه على ثلاثة؛ مثل: دحرج. تعاون. استفهم ... إلا أن كان الرباعي قبل التعجب على وزن: "أفعل" فيجوز -في الرأي الأنسب2- صياغتهما منه بشرط أمن اللبس؛ كالأفعال "أعطَى "أعطى، أقفر، أظلم، أولى ... " فيقال: ما أعطى التقي، ما أقفر الصحراء، ما أظلم عقول الجهلاء، ما أولى الناصح بردع نفسه. ومن الشاذ قولهم: ما أخصرَ كلام الحكماء، فبَنوه من "اخْتُصِر" الخماسيّ المبنى للمجهول أيضًا3. 3- متصرفًا في الأصل تصرفًا كاملًا، قبل أن يدخل في الجملة التعجيبة. "أما بعد دخوله فيها فيصير جامدًا4". فلا يصاغان من: ليس، عسى، نعم، بئس ... ونحوها من الأفعال الجامدة تمامًا، ولا من نحو: "كاد" التي هي من أفعال المقاربة؛ لأن "كاد" هذه ناقصة التصرف ليس لها إلا المضارع في الأغلب. 4- أن يكون معناه قابلا للتفاضل والزيادة؛ ليتحقق معنى "التعجب"؛ فلا يصاغان مما لا تفاوت فيه، نحو: فَنِيَ، مات، غرق، عَمِيَ؛ إذ لا تفاوت في الفناء، ولا في الموت، ولا الغرق، ولا العمى، وحيث يمتنع التفاوت والزيادة في معنى الفعل يمتنع الداعي للعجب؛ إذ يكون المعنى مألوفا.

_ 1 مع ملاحظة أن الفعل الذي يدخل في صيغة التعجب يفقد -غالبًا- الدلالة على الزمن عند عدم القرينة -في رأي المحققين. ويتجرد منها إلا في صورة واحدة تقدمت. "طبقًا لما أشرنا إليه في هامش ص342، نقلًا عن الجزء الأول؛ حيث البيان وذكر المراجع في صدره عند الكلام على الأفعال. وسيجيء الإيضاح في هامش ص353، وص361". 2 وبه أخذ المجمع اللغوي؛ طبقًا لما جاء في ص121 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969باسم: "كتاب في أصول اللغة" ... 3 ففيه شذوذان؛ أنه غير ثلاثي، وأنه مبني للمجهول. وسيجيء أنهما لا يصاغان من المبني للمجهول. 4 كما سبق في هامش ص342 ويجيء في ص357.

5- ألا يكون عند الصياغة مبنيًّا للمجهول بناء يطرأ ويزول، كالأفعال: عُرِف، عُلِم، فُهِم ... وغيرها مما يبنى للمجهول حينًا وللمعلوم حينًا آخر، دون أن يلازم البناء للمجهول في كل الأحوال. أما الأفعال المسموعة التي يقال إنها تلازم البناء للمجهول. "مثل: زُهيَ، هُزِلَ ... "1 فالأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة منها بشرط أمن اللبس2؛ فيقال: ما أزهى الطاووس! وما أهزل المريض! ... 6- أن يكون تامًّا، "أي: ليس ناسخًا"؛ فلا يصاغان -وفي الرأي الأقوى- من "كان، وكاد"، وأخواتهما ... 7- أن يكون مثبتًا، فلا يصاغان من فعل منفى؛ سواء أكان النفي ملازمًا له، أم غير ملازم؛ مثل: ما عاج الدواء، بمعنى: ما نفع، ومثل ما حضر الغائب، فالفعل الأول، وهو: "عاج" الذي مضارعه: "يَعِيج " ملازم للنفي في أغلب أحواله، لا يفارقه إلا نادرًا، والفعل: "حضر" في هذا التركيب وأشباهه مسبوق بالنفي، ويستعمل بغير النفي كثيرًا، وكذلك أفعال أخرى متعددة.

_ 1 تقدم بيانها، وحكمها، وتحقيق هام خاص بها "في ج2 ص102 م67 باب: النائب عن الفاعل" ومن هذا التحقيق الخاص يتبين خطأ القول بوجود أفعال ملازمة للبناء المجهول دائمًا "بعدها مرفوعها فاعل بها؛ كما يزعمون"، وأن الأفعال المعروفة ببنائها للمجهول دائمًا ليست إلا كغيرها من سائر الأفعال الأخرى؛ تبنى حينًا للمعلوم، وحينًا للمجهول، على حسب مقتضيات المعنى، ودواعي الاستعمال الصحيح. أما قصر عدد معين من الأفعال على البناء المجهول دائمًا دون استعماله للمعلوم فغلط شائع. وبناء على هذا التحقيق الهام والتصحيح المفيد يجوز أن يصاغ من مصادر تلك الأفعال مباشرة من غير وسيط. "صيغتا التعجب" القياسي، وأن يصاغ من مصدرها مباشرة: "أفعل التفضيل". وفوق هذا يؤيد فريق من النحاة -ومنهم ابن مالك- صياغة التعجب من مصدر تلك الأفعال بفرض أنها ملازمة البناء للمجهول. أما الأفعال الأخرى التي ليس ملازمة للمجهول فلا يصح التعجب المباشر منها -اتفاقًا- إذا كانت مبنية للمجهول عند الصياغة للتعجب بناء عارضًا، لا ملازمًا في رأي من يقول بهذه الملازمة التي قرر المحققون خطأها. 2 وهذا رأي المجمع اللغوي أيضًا -ما جاء في ص121 من كتابه المجمعي الذي أصدره سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة".

8- ألا تكون الصفة المشبهة1 منه على وزن: "افعل" الذي مؤنثه: "فعلاء"، نحو "عرج، فهو: أعرج، وهي: عرجاء". "خضر، فهو: أخضر، والحديقة خضراء". "حمر الجلد؛ فهو: أحمر، والوردة حمراء". "حور فهو: أحور، وهي: حوراء" ... وهكذا من كل صفة مشبهة تدل على لون، أو عيب، أو حِلية، أو شيء فطري2 ...

_ 1 سبق الكلام عليها وعلى أوزانها في ص381 م104. 2 لا ترتاح النفس للتعليلات التي ذكروها لمنع الصياغة من هذا القسم بأنواعه المختلفة، التي لا ينطبق عليها الشرط الثامن، ولا سيما التعليل بخوف اللبس بين صيغتي: "أَفْعَلَ" التي تستعمل أحداهما في التعجب، والأخرى في الصفة المشبهة فإن هذا اللبس وَهْم لا يتحقق؛ إذ كيف يتحقق وإحداهما فِعْل، والأخرى اسم، ولكل منهما أحكام تغاير الأخرى. فالقرائن قوية تمنعه. ولا علة إلا علة الاستعمال العربي المجرد. وهو -فيما يبدو لنا- لا يمنع من صياغة التعجب من تلك الأشياء، وكذا "التفضيل" كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص398؛ وذلك لسببين: أولهما: ورود السماع بقدر من تلك الأشياء يكفي للقياس عليه. وثانيهما: شدة الحاجة إلى التعجب منها في عصرنا؛ بسبب ما كشفه العلم الحديث من التفاوت الواسع في معنى كل منها، والاختلاف البعيد بين أنواعه ودرجاته وليس من الممكن إغفال هذا التفاوت والاختلاف في استعمالاتنا التى تساير الحياة. ومثل هذا يقال في صوغ "التفضيل" من الأفعال الدالة على تلك المعاني، وبالرغم من أن للنحاة ما يشبه العذر في بعض أنواع "التفضيل"، ولكنه عذر يمكن دفعه -كما سيجيء البيان المفيد في رقم 1 من هامش ص398. ويصرح بعض أئمة الكوفيين: كالكسائي، وهشام الضرير وغيرهما، برأي حسن يوافق ما سبق؛ هو صحة مجيء التعجب مما يدل على الألوان والعاهات، ووافقهم الأخفش من البصريين في العاهات، دون الألوان. وبرأي الكوفيين أخذ المجمع اللغوي -كما جاء في ص121 من كتابه السالف. وفي الشروط السابقة يقول ابن مالك "ساردًا سبعة، أما الثامن وهو: "الفعل الماضي" فمفهوم من السياق": وَصْغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاثٍ، صُرِّفَا ... قَابِلَ فَضْلِ، تَمَّ، غيْرِ ذِي انْتِفَا وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يضاهي أَشْهَلا ... وَغَيْرِ سَالكٍ سَبِيلَ فُعِلا يريد: صغهما من صاحب الحروف الثلاثة "وهو الماضي الثلاثي"، المتصرف، القابل للتفاوت، التام، غير المنفي، والذي صفته المشبهة ليست مثل: "أشهل" "شَهِل الرجل، فهو: أشهل، الأنثى شَهْلاء، أي: قلّ سواد عينه، وخالطتها حمرة"، وغير مبني على صيغة: "فُعِل"؛ وهي صيغة بناء الماضي الثلاثي للمجهول، فهذه سبعة شروط لم يذكر بينها أنهما يصاغان من فعل، لا من اسم ولا من حرف؛ لأن هذا الذي تركه مفهوم مما سرده، كما قلنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: زاد بعض النحاة شرطا آخر خالف به الأكثرين؛ هو: ألا يُستغنَى عن الصياغة منه بصيغة أخرى مسموعة؛ فلا يصح: ما أقْيله!! في التعجب من قيلولته1؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أكثر قائلته. ولا يصح ما أسكره، ولا ما أقعده، ولا ما أجلسه؛ لأنهم استغنوا عنها بقولهم: ما أشدَّ مكره. ما أكثر قعوده. ما أحسن جلوسه. والحق أن هذا شرط غير مقبول2؛ إذ يقتضينا أن نرهق أنفسنا بالبحث المضني في جميع المظان لمعرفة ما استغنوا به عن الصيغة القياسية؛ وهذا تكليف لا يطاق، ولا يمكن تحقيقه، وفيه تعويق للتعبير، وتعطيل للقاعدة، وتحويل للقياس عن معناه السديد.

_ 1 وهي وقت اشتداد الحر ظهرًا. والفعل الماضي: قال. 2 ولم يأخذ المجمع اللغوي بهذا الشرط.

كيفية التعجب إذا كان الفعل غير مُسْتَوْفٍ للشروط الثمانية: 1- إن كان الفعل جامدًا؛ مثل: نعم، وبئس ... أو غير قابل للتفاوت؛ مثل: مات. فني ... و ... فلا يصاغ منه صيغة تعجب. 2- إن كان الفعل زائدًا على ثلاثة "مثل: انتصرَ وتَغَلَّب" أو: كان الوصف منه على "أفْعَل فَعْلاء" "مثل: حور وخضر" لم تجئ منه الصيغة مباشرة. وإنما تجيء من فعل آخر مستوفٍ للشروط؛ صالح لما نريده؛ "نحو: قوي، ضَعُفَ، حَسُن، قَبُح، عظُمَ، حَقَر ... " فنقول: "ما أقوى، ما أضعف، ما أحسن، ما أقبح، ما أعظم، ما أحقر، ما أشد، ما أكبر، ما أصغر" ... ونحو ذلك مما يناسب؛ أو نقول: "أقْوِ، أضعف، أحْسِنْ، أقْبِحْ، أعظِمْ، أحْقِرْ ... ". ثم نجيء بعد هذه الصيغة بمصدر الفعل الذي لم يستوفِ الشروط بسبب زيادته على ثلاثة أحرف، أو بسبب أن الوصف منه على: "أفعل فعلاء"، ونضعه بعد صياغة الفعل الجديد المناسب، المستوفي. وننصب هذا المصدر بعد "ما أفعل" ونجره بالباء بعد "أفعل": نحو: ما أقوى انتصار الحق! وما أضعف تغلب الباطل! أقو بانتصار الحق! وأضعف بتغلب الباطل! ... ونحو: ما أَجْمَلَ حَوَر العيون! أجمل بحور العيون! ما أنضر خضرة الزرع! أنضر بخضرة الزرع! والأفعال غير المستوفية هي: "انتصر، تغلب، حور، خضر". أما الأفعال التي تخيرناها للصياغة مكانها فهي: "قوي، ضعف، جمل، نضر ... ". 3- إن كان الفعل منفيًّا أخذنا الصيغة من الفعل المناسب الذي نختاره بالطريقة السالفة، ووضعنا بعدها مضارع الفعل المنفي مسبوقًا "بأن" المصدرية، والنفي: ففي نحو: ما فاز الرأي الضعيف!. نقول: ما أجمل ألا يفوز الرأي الضعيف1!. وفي نحو: ما حضر خطيب الحفل، نقول مثلًا: ما أقبح ألا

_ 1 كان الفعل ماضيًا منفيًا قبل التعجب، فصار بعده مضارعًا، مسبوقًا "بأن المصدرية"؛ وهي تخلصه للاستقبال. فهل بين الصورتين اختلاف في الزمن؟ أجابوا: إن الصيغة مع التعجب صارت خالصة لإنشاء التعجب المحض إنشاء غير طلبي، وتركت الدلالة على الزمان: كالشأن الغالب في التعجب عند عدم وجود ما يدل على تقييد زمني مقصود. "وقد أشرنا لهذا في هامش ص342، ويجيء إيضاح لها في رقم 4 من هامش ص361 وفي هذا الهامش صورة مستثناة لا تتجرد من الزمن".

يحضر خطيب الحفل. والمصدر المؤول من "أن والفعل" في هذه الأمثلة وأشباهها في موضع نصب مفعول به. وإنما أتينا "بأن والفعل"؛ لنستطيع المحافظة على بقاء الفعل الأصلي منفيًا؛ إذ لو أخذنا منه صيغة التعجب مباشرة لزال نفيه، ولم يظهر الشأن في التعجب أهو منفي أم غير منفي? ويجوز أن نقول في الصور السابقة: أجْمِلْ بألا يفوز الرأي الضعيف! أقْبِح بألا يحضر خطيب الحفل! فيكون المصدر المؤول مجرورًا بالباء. فالمصدر المؤول من: "أن والفعل" المنفي وفاعله إما أن يكون في محل نصب بعد: "ما أفعل" وإما أن يكون في محل جر بالباء بعد: "أفعل". ويجوز في الفعل المنفي أن نجيء بمصدره الصريح -بدلًا من المصدر المؤول- مسبوقًا بكلمة: "عدم" الصريحة في معنى النفي "أو بما يشبهها" ومجرورًا بالإضافة إليها؛ ففي مثل: ما صرخ المتكلم وما هسَّ، نقول: ما أحسن عدم صراخ المتكلم، وما أجمل عدم همسه. أحسن بعدم صراخ المتكلم!، وأجمل بعدم همسه!. 4- إن كان الفعل مبنيًّا للمجهول بناء عارضًا يطرأ ويزول أخذنا الصيغة من الفعل الذي نختاره بالطريقة التي شرحناها، ووضعنا بعدها الفعل المبني للمجهول، مسبوقا بـ"ما المصدرية"1، ففي نحو: عُرف الحق، وهُدي إليه الضالّ: نقول: ما أحسَنَ ما عُرف الحق! وما أنفع ما هُدي إليه الضال. أو: أحسِن بما عرف الحق!، وأنفع بما هدي إليه الضال؛ فالمصدر المؤول من "ما" وصلتها مفعول به بعد الصيغة الأولى، ومجرور بالباء بعد الصيغة الثانية.

_ 1 وهي الغالبة في هذا الموضوع دون غيرها.

وإنما أتينا "بما" المصدرية محافظة على بقاء الفعل مبنيًّا للمجهول، ولولاها لزال بناؤه للمجهول فلا يتبين أسلوب التعجب أللمجهول هو أم للمعلوم؟ أما الفعل الملازم للبناء للمجهول سماعًا عند من يقول بهذه الملازمة1 فقد سبق2 أن الأنسب الأخذ بالرأي الذي يجيز الصياغة من مصدره مباشرة. 5- وإن كان الفعل ناسخًا، "أي: غير تام" فإن كان له مصدر وجب أن نضع مصدره بعد صيغة التعجب التي نأخذها من الفعل الآخر الذي نختاره على الوجه المشروح فيما سلف، ففي مثل: كان العربي رحالًا بطبعه، نقول: ما أكثر كون العربي رحالًا بطبعه! -أو: أكثر بكون العربي رحالًا بطبعه! ... وإن لم يكن له مصدر أخذنا الصيغة من الفعل الآخر الذي نختاره ووضعنا بعدها الفعل الأصلي الذي ليس له مصدر، وقبله "ما" المصدرية فينشأ منها ومن الفعل والفاعل بعدها مصدر مؤول هو مفعول به منصوب بعد: "ما أفتل" ومجرور "الباء" بعد: "أفعل". ففي مثل: كاد الكذب يهلك صاحبه، نقول: ما أسرع ما كاد الكذب يهلك صاحبه ... وهكذا ... هذه هي الطرائق الموصلة للتعجب إذا كان الفعل غير مستوفٍ للشروط. أما إذا كان مستوفيًا للشروط كلها فإن الصيغتين القياسيتين3 تؤخذان منه مباشرة. ولا مانع من التعجب منه بالطريق غير المباشر أيضا؛ وذلك بالإتيان بفعل آخر مناسب. "نحو: حَسُن، قبُح، قوي، وغيرها من الأفعال الثلاثية التي تناسب المراد"، ثم نأخذ منه الصيغة التعجبية، ونجعل بعدها مصدر الفعل المستوفي للشروط، إما منصوبًا بعد "ما أفعل" وإما مجرورًا بالباء بعد "أفعل" ففي مثل: برع الذكي، وسبق أنداده، نقول: ما أعظم براعة الذكي!، وما أوضح سبقه أنداده! أو: أعظم ببراعة الذكي! وأوضح بسبقه أنداده ... فليس من اللازم -والفعل مستوفٍ للشروط- أن نأخذ

_ 1 انظر تخطئة هذا الرأي في رقم 1 من هامش ص350. 2 في ص350. 3 وهناك الصيغ المشار إليها في "ج" من ص347.

منه صيغة التعجب مباشرة، وإنما يجوز أن نأخذها منه أو من طريق فعل مختار آخر كما أوضحنا1 ...

_ 1 وفي طريقة التعجب إذا كان الفعل غير مستوفٍ للشروط يقول ابن مالك: وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا ... يَخْلُفُ مَا -بَعْضَ الشُروط- عَدِمَا يريد: أن صيغة: "أشدِد" "على وزن: أفعِل" وصيغة "أشد" على وزن: "أفعل"؛ لأن أصلها قبل الإدغام: "أشدد" أو شبه هاتين الصيغتين مما يؤخذ من فعل آخر مستوفٍ للشروط، تخلف الصيغة التي لا يمكن صوغها مباشرة من الفعل الذي عدم بعض الشروط، أي: فقَدَ بعض الشروط فهي تحل محلها. "وكلمة: "أو" في البيت: حذفت همزتها ونقلت حركتها الواو الساكنة قبلها؛ محافظة على وزن الشعر". ثم بيَّن أن مصدر الفعل العادم للشروط ينصب بعد الصيغة الجديدة التي جئنا بها إن كانت على وزن: "أفعل"، ويجر هذا المصدر بالياء إن كانت على وزن: "أفعل" يقول: وَمَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ، يَنْتَصِبْ ... وَبَعْدَ: "أَفْعِلْ" جَرُّه بـ"الْبَا" يَجِبْ "بعد" أي: بعد الصيغة الجديدة ... ثم قرر أن ما جاء مخالفًا لما سبق فهو محكوم عليه بالندور "القلة القليلة جدًّا"، وأنه لا يقاس على المأثور منه "أي: المسموع منه عن العرب": وَبالنُّدُورِ احْكمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ ... وَلا تَقِسُ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ

المسألة 109

المسألة 109: الأحكام الخاصة بالتعجب أشهر أحكامه ما يأتي: 1- وجوب اعتبار فعليه جامدين بعد صياغتهما للتعجب1. "مع أنهما في أصلهما الثلاثي قبل التعجب مشتقان حتمًا" ولهذا لا يجوز أن يتقدم عليهما "المتعجب منه"2، فلا يصح: العلم ما أنفع!! والجهالة ما أضر!! بتقديم المعمولين: "العلم والجهالة". كما لا يصح: بالعلم أنفِع!! وبالجهالة أضرِرْ!! ولا يصح أن تلحقهما علامة تذكير، أو تأنيث، أو إفراد، أو تثنية، أو جمع؛ فلا بد من بقائهما على صيغتهما في كل الأحوال من غير زيادة ولا نقص، ولا تغيير في ضبط الحروف. ولكن إذا اتصل بآخرهما ضمير بارز يعود على المتعجب منه وجب أن يكون هذا الضمير مطابقًا لمرجعه، نحو: الزارع ما أنفعه!، والزارعة ما أنفعها! والجنديان ما أشجعهما! والوالدات ما أشفقهن! و ... و ... 2- وجوب إفراد فاعلهما المستتر3، وتذكيره، فلا يكون لغير المفرد المذكر، وإذا كان ضميرًا مستترًا فهو واجب الاستتار. 3- امتناع الفصل بين فعل التعجب ومعموله إلا بشبه الجملة، أو

_ 1 كما سبق في ص342، 346، 349، وفي عدم تصرفهما يقول ابن مالك: وفي كلا الفعلين قِدْمًا لَزِما ... منْعُ تصرُّف بحُكِمٍ حُتِما وقد سبقت الإشارة لهذا البيت بمناسبة أخرى في ص346. 2 لأن الجامد لا يتقدم عليه معموله، في الأغلب -كما سيجيء البيان في رقم 2 من هامش ص400. 3 أما غير المستتر فلا يسري عليه هذا الحكم كالذي في قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} . وقد سبق إعراب هذه الآية في ص344، وستذكر لمناسبة أخرى في ص360، وفي رقم 4 من هامش ص361.

بالنداء؛ أو "كان" الزائدة بالإيضاح الآتي بعد1. فلا يجوز: "ما أضيع -حقًا- المودة عند من لا وفاء له، وما أبعَد -يقينًا- المجاملة ممن لاحياء عنده". ويجوز: "ما أضيع -في بلادنا- المودة عند من لا وفاء له! وما أبعد -بيننا- المجاملة ممن لا حياء له! ". كما يجوز: السماحة تدفع إلى أداء الحقوق، والشح يصد عنها؛ فأكرم -يا أخي- بها! وأقبِحْ يا زميلي به! " ... ومن أمثلتهم في الفصل بالجار والمجرور قولهم: "ما أهون على النائم القرير سهر المسهَّد المكروب ... "2 وقول الشاعر: بني تغلب، أَعْزِزْ عَليَّ بأن أرى ... دياركمو أمست وليس بها أَهْلُ وبالظرف قول الشاعر: أقيمُ بدارِ الحزمِ ما دام حزمُها ... وَأَحْرِ -إِذا حالتْ- بأن أَتَحَوَّلا ويشترط في شبه الجملة الذي يجوز الفصل به أن يكون متعلقًا بفعل التعجب3 -كالأمثلة السالفة- فلو كان متعلقًا بمعمول فعل التعجب أو بغير فعل التعجب. لم يصح الفصل به -ففي مثل: "ما أحسنَّ الحليم عند دواعي الغضب!. وما أشجع الصابر على الكفاح! " لا يجوز: "ما أحسنَ عند دواعي الغضب الحليم، ولا: ما أشجع على الكفاح الصابر"؛ لأن الظرف متعلق بكلمة: "الحليم"، والجار والمجرور متعلقان بكلمة: "الصابر". وقد يجب الفصل بالجار ومجروره المتعلقين بفعل التعجب إذا كان معمول فعل التعجب مشتملًا على ضمير يعود على المجرور، نحو: ما أليقَ بالطبيب أن يترفق!، وما أحق بالمريض أن يصبر! ... فالمصدر المؤول من "أنْ والفعل" هو معمول لفعل التعجب، ومشتمل على ضمير يعود على المجرور ... 4 ومنه قول الشاعر:

_ 1 في الحكم الثامن؛ ص361. 2 سبق هذا المثل في آخر رقم 2 من هامش ص286. 3 قد يتعدى فعل التعجب إلى مفعوله بحرف جر معين تبعًا لفعله الأصلي قبل التعجب. وسيأتي بيان هذا في الزيادة ص363. 4 في الحكمين السابقين يقول ابن مالك باختصار في ختام الباب: =

خَليلَيَّ ما أَحْرَى بذي اللُّبُ أنْ يُرى ... صَبورًا، ولكنْ لا سبيلَ إلى الصبْرِ 4- عدم جواز العطف مطْلقًا. على فاعل "أفْعَلَ" في التعجب وكذلك لا يجوز اتباعه، فالتوابع كلها ممنوعة إذا كان هو المتبوع وحده. أما إن كان المتبوع هو الجملة التعجبية كلها "فعلها وفاعلها" فلا يمتنع؛ فيصح عطف جملة جديدة على الجملة التعجبية؛ كقول الشاعر: أولئك قومي بارك الله فيهمُو ... على كل حال ما أَعفَّ وأَكْرَما ... فقد عطفت الجملة الثانية "المكونة من الفعل الماضي: "أكرم" وفاعله" على الجملة التعجبية التي تسبقها "والتي تتكون من الماضي "أعفَّ" وفاعله". وكما يجوز الاتباع بالعطف بجملة يجوز الاتباع بالتوكيد اللفظي بجملة تؤكد الجملة التعجبية كلها توكيدًا لفظيًا. ويجوز الإبدال منها كذلك "بدل جملة من جملة". أما الاتباع بالنعت فلا يصح؛ لأن المتبوع "وهو: المنعوت" لا يكون جملة. 5- وجوب أن يكون المعمول "أي: المتعجَّب منه" معرفة، أو نكرة مختصة، فمثال المعرفة ما تقدم من الأمثلة الكثيرة، وقول الشاعر: ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه! ... وأَسهلَ القَوْلَ على من أَرَاد! ومثال النكرة المختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما مما يفيد الاختصاص: ما أسعد رجلًا عرف طريق الهدى فسار فيه! وما أشقى إنسانًا تبين الرشد من الغي، فانصرف عن الرشد، واتبع الضلال!

_ = وفِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا ... مُعْمُولُهُ، وَوَصْلَهُ به الْزَمَا أي: معمل الفعل في هذا الباب لا يتقدم على فعله. والزم وصل المعمول بفعله، بحيث لا يفصل بينهما فاصل إلا ما أشار إليه في البيت الأخير التالي: وَفصْلُهُ بظَرْفٍ اوْ بِحًرْفِ جَرْ ... مُسْتَعْمَلٌ، والْخُلْفُ فِي ذَاكَ اسْتَقَرْ أي: أن الفصل بشبه الجملة مستعمل في الكلام المأثور، والخلاف بين النحاة ثابت في أمر القياس عليه. ولكن الرأي الرشيد جواز القياس عليه. وكذا الفصل بالنداء فيه خلاف، والصواب جوازه. وهل يجوز الفصل بالظرف ومعه الجار والمجرور؟ في هذا خلاف: والأرجح المنع.

ولولا هذا الشرط لكان التعجب لغوًا؛ إذ لا فائدة من قولنا: ما أسعد رجلًا ... ما أشقى إنسانًا ... ويتساوى في هذا الحكم معمول "أفْعَلَ وأفْعِلْ". 6- جواز حذف المعمول المتعجب1 منه في إحدى حالتين؛ "سواء أكان منصوبًا بأفْعَلَ، أم مجرورا بالباء بعد أفْعِلْ". أولاهما: أن يكون ضميرًا يدل عليه دليل بعد الحذف؛ كقول الشاعر: جزى اللَّهُ عني -والجزاء بفضله- ... ربيعةَ، خيرًا. ما أَعَفَّ! وأَكْرَمَا! أي: ما أعَفَّها وأكرَمها. وقول الآخر: أرى أمَ عمْرو دَمْعُها قَدْ تَحَدَّرَا ... بكاءً على عَمُرٍو. وما كان أصبرا! أي: أصبرها. ثانيتهما: أن تكون صيغة التعجب هي: "أفْعِلْ" وقد حذف معمولها المجرور وحذف معه حرف الجر، وقبلها صيغة للتعجب على وزن: "أفْعِلْ" أيضًا، ولهذه الصيغة الأولى معمول مذكور، مماثل للمعمول المحذوف مع حرف الجر ... وقد عطفت الصيغة الثانية مع فاعلها على الأولى مع فاعلها: عطف جملة على جملة2؛ كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 3، أي: وأَبصِرْ بهم. ونحو: أحسِنْ بصاحب المروءة وأكرِمْ!؛ أي: وأكرِم بصاحب المروءة، وقول الشاعر: أَعْزِزْ بنَا!، وأَكْفِ! إِنْ دُعينا ... يَوْمًا إلى نَصْرِةَ مَنْ يَلينَا4

_ 1 سبقت الإشارة في "ب" من ص347 إلى ما يتردد في هذا الباب من قولهم: "المتعجَّب منه"، وأنهم يريدون: المعمول الذي له صلة بالأمر الذي يدعو للتعجب. 2 لم يشترط بعض النحاة شيئا من هذا كله، واكتفى باشتراط وجود قرينة تدل على المحذوف، وقالوا هذا الرأي أحسن وأوجه. 2 سبق هذا المثال لمناسبة أخرى في ص344، وفي رقم 3 من هامش ص357. 3 وإلى هذا أشار ابن مالك ببيت سبق شرحه في ص346، هو: وحذْفَ ما مِنْه تَعجَّبْتَ اسْتَبحْ ... إِنْ كَانَ عِنْد الحذفِ معناه يَضِحْ

7- تجرد فعل التعجب -في الأغلب1- من الدلالة على زمن؛ لأن الجملة التعجبية كلها إنشائية محضةُ، الغرض منها إنشاء التعجب، فتركت الدلالة الزمنية، وانسلخت منها، واقتصرت على تحقيق الغرض الذي أُنشئت من أجله، وهو "الإنشاء غير الطلبي"، المقصود منه إعلان التعجب، كما أسلفنا2. 8- جواز الفصل بين "ما" التعجبية وفعل التعجب بـ"كان" الزائدة3 كقول الشاعر يحن إلى أهله ورفاقه: ما كان أَجملَ عهدَهم وفعالهَم! ... من لي بعهدٍ في الهناءِ تصَرّما؟ وقول الآخر: ما كان أَحوجَ ذا الجمالَ إِلى ... عَيْب يُوَقِّيهِ من الْعَينِ وقد تقع "كان" التامة المسبوقة بما المصدرية بعد صيغة التعجب؛ نحو: ما أحسن ما كان الإنصاف4.

_ 1 قلنا: "في الأغلب" لوجود حالة قد يدل فيها على الزمن هي المشار إليها في رقم 3 من هامش ص342 ... 2 انظر رقم 3 من هامش ص342 حيث الحالة التي يدل فيها على الزمن. وهامش ص353، ورقم الآتي هنا. 3 سبق تفصيل الكلام على زيادتها، وما يستتبعه من أحكام في ج1 ص418" م44، وفي هامش ص39 منه. 4 "ما" مصدرية، "كان" فعل ماضٍ تام، بمعنى: وُجد وظهر، الإنصاف" فاعلها. والمصدر المؤول مفعول فعل التعجب. والتقدير: ما أحسن وجود الإنصاف في الماضي. فإن قصد الاستقبال جيء، بالفعل التام: "يكون" بدلًا من الفعل: "كان ". ووجود الفعل الماضي "كان". والمضارع: "يكون" يقيد التعجب بزمن معين، وهذا -وإن كان قليلًا جائز؛ فمن الجائز تقييد فعل التعجب بزمن ماضٍ والمجيء بالفعل "كان"، أو: "أمسى" للنص على هذا التقييد بالمضي، وبكلمة: "الآن" أو ما بمعناها للنصّ على التقييد بالزمن الحالي، وبالفعل "يكون" ونحوه. كالظروف المستقبلة للدلالة على الاستقبال، ومنه قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} والمهم وجود قرينة تدل على التقييد المقصود. وبغير التقييد تتجرد الجملة التعجبية من الدلالة الزمنية "كما رددنا في هامش ص342، 349، 353 و ... - "راجع الأشموني والصبان آخر هذا الباب". وقد تقع "كان" بلفظ الماضي زائدة بين "ما" التعجبية وفعل التعجب. والأحسن في هذه الصورة أن تكون مهملة لا عمل لها مطلقًا، ولا فائدة منها إلا الدلالة على أن زمن التعجب ماضٍ "طبقًا للبيان والتفصيل السابقين في ج1 م44 "زيادة كان" وكذلك م4 عند الكلام بل الأفعال.

9- جواز حذف الباء الداخلة على معمول "أَفْعِلْ" بشرط أن يكون ما تجره مصدرًا مؤولًا من "أن المصدرية". و"الفعل"، أو "أن" مع معموليها1، نحو: أحببْ أن تكون المقدَّم، وقول الشاعر: أَهْوِنْ عليَّ إِذا امتلأَتَ من الكَرَى ... أَنِّي أبيتُ بليلةِ الملسوع والأصل: بأن تكون ... وبأني ...

_ 1 يرى بعض النحاة "كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص344، وكما سبق في ج2 ص135 م71" أن حذف "الباء" ممنوع هنا قبل المصدر المؤول من "أنَّ" ومعموليها؛ بحجة أنه غير مسموع بخلاف حذفها قبل المصدر المؤول من "أنَّ والفعل والفاعل" فهو مسموع إلى الحد الذي يبيح القياس عليه. وهذا رأي رفضه آخرون -ورأيهم حق- لأن حذف حرف الجر مطَّرد قبل: "أنْ وأنَّ" المصدريتين؛ فلا معنى لإخراج "أنَّ" هنا، وبخاصة مع وجود أمثلة مسموعة، ولو قليلة؛ لأن قلتها في موضع بعينه لا تقدح في الاطِّراد المستمد من أغلب الحالات. لكن إذا حذفت "باء الجر" أتلاحظ وتقدر بعد الحذف، فيعرف ما بعدها على اعتبارها كالمذكورة، أم لا تلاحظ ولا تقدر؛ فيعرب ما بعدها على اعتبار عدم وجودها وعدم ملاحظتها؟ قولان. ولعل الأول هو الأنسب؛ لمسايرته الحالات الأخرى التي ليست للتعجب، فيكون الأمر مطردًا في التعجب وغيره. ومن الضرورات الشعرية المستقبحة التي لا يرتضيها كثير من النحاة -حذف "باء الجر" من المتعجب منه إذا لم يقع بعدها "أنّ"، أو "أنْ" وإذا حذفت -مع الاستقباح- فما حكم الاسم الظاهر بعدها؟ قيل: يرفع؛ لأنه في الأصل بمنزلة الفاعل، وقيل: ينصب؛ لأنه بمنزلة المفعول به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- عرفنا1 أن صيغة: "أفْعَلَ" تحتاج إلى معمول بعدها منصوب، يعرب مفعولًا به، وأن صيغة: "أَفْعِلْ" تحتاج إلى معمول بعدها مجرور بالباء، وأنهما يحتاجان -أحيانًا- إلى شبه جملة بعدهما، وقد يفصل شبه الجملة بينهما وبين معمولهما ... و.... وقد تحتاج صيغة التعجب إلى معمولات أخرى غير التي سبقت؟ كالحال والتمييز، والاستثناء ... وقد تحتاج إلى معمول مجرور بحرف جر معين2؛ مجاراة لفعلها الأصلي قبل التعجب؛ ويصير الجار والمجرور متعلقين بها. "أي: بصيغة فِعْل التعجب"3. ولكن ما هو هذا الحرف المعين من حروف الجر؟ 4. إن كان فعل التعجب دالًّا على حب، أو كره، أو ما بمعناهما؛ -كالود، والبغض- فحرف الجر المناسب: هو: "إلى" بشرط أن يكون ما بعد "إلى" فاعلًا في المعنى لا في اللفظ" وما قبلها مفعولًا في المعنى لا في اللفظ؛ نحو: ما أحبَّ العلم إلى النابغين، وما أبغض النقص إلى القادرين!!. ففعل التعجب: "أحبّ" قد نصب مفعوله. واحتاج إلى جارٍّ ومجرور تبعًا لأصله، فجيء بهما. وحرف الجر هو: "إلى" لأن فعل التعجب دالٍّ على "الحب"، وما بعد "إلى" مجرور بها. لكنه فاعل معنوي، لا نحوي؛ لأنّ النابغين

_ 1 في ص341. 2 كما أشرنا في رقم 3 من هامش ص358. 3 إذا كان المفعول به لصيغة الماضي "أفعل" ضميرًا بعده تمييز؟ فما نوع هذا التمييز؟ أتمييز مفرد أم تمييز جملة؟ وكذلك ما نوع التمييز بعد الضمير المجرور بالباء في صيغة: "أَفِعِلْ به"؟ الإجابة في: "باب التمييز" -ج2 م88 ص343. 4 انظر أمن ص432؛ حيث الكلام على تعدية "أفعل التفضيل" بحرف الجر، فيتبين التشابه والتخالف بين التعجب والتفضيل" في هذه التعدية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقادرين هم الفاعلون لحب العلم، وبغض النقص. وما قبل إلى: "العلم النقص" هو المفعول المعنوي -لا النحويّ؛ لأنه الذي وقع عليه الحب -والبغض. ولهذا ضابط سبق بيانه1؛ هو: أن يحذف فعل التعجب ومعه "ما التعجبية" إن وجدت، وبوضع مكانهما فعل آخر من مادته ومعناه، يكون فاعله النحوي هو الاسم المجرور بـ"إلى"، ومفعوله هو الاسم الواقع بينها وبين فعل التعجب. فإن استقام المعنى على هذا صح مجيء "إلى"، وإلا وجب تغييرها. ففي المثال السابق نقول: أحَب، أو: يحب النابغون العلم، ويكره القادرون النقص. وقد استقام المعنى فدلت استقامته على صحة مجيء "إلى". فإن كان ما بعدها ليس فاعلًا في المعنى. وإنما هو مفعول معنوي وما قبلها هو الفاعل المعنوي وجب الإتيان "بلام الجر". بدلًا من: "إلى"؛ نحو: ما أحبّ الوالدة لمولودها!، فالوالدة هي الفاعل المعنوي -لا النحويّ- الذي فَعَل الحب أو قام به الحب. والمولود هو المفعول المعنوي -لا النحوي- الذي وقع عليه الحبّ؛ لصحة قولنا: أحبت، أو تحب الوالدة مولودها ... فمعنى: "إلى"، و"اللام"، في مثل هذا الموضع هو: "التبيين، أي: بيان الفاعل المعنوي والمفعول المعنوي، وتمييز كل منهما من الآخر. ب- إن كان أصل فعل التعجب فعلًا متعديًا بنفسه لواحد فإنه يصير لازمًا يتعدى بحرف جر خاصٌّ هو: "اللام" كذلك، مثل: ما أضرب الناس للجاسوس!! وإن كان أصل فعل التعجب فعلًا لازمًا يتعدى إلى معموله بحرف جر معين وجب أن يجاري أصله في التعدي بهذا الحرف إلى معموله؛ نحو: ما أغضب الناس على الخائن. وقول شوقي: ما أجمل الهجرة بالأحرارِ ... إنْ ضنّت الأوطان بالقرارِ لأنه يقال: غضب الله على الكافر ... جَمُلَ المرء بخُلقه ...

_ 1 ج2 ص345 م9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- قد يصاغ فعل التعجب من فعل ينصب بنفسه مفعولين1 مثل "كَسَا"، و"ظن" في نحو: كَسَا الغنيُّ فقيرًا ثيابًا. ظن البخيلُ الجودَ تبذيرًا. ولفعل التعجب الذي يصاغ من المتعدي لمفعولين أربع حالات2. الأولى: أن يكتفي بفاعل المتعدي فينصبه مفعولًا به؛ نحو: ما أكسى الغَنِيَّ!!، ما أظَنَّ البخيلَ!! فكلمتا: "الغني والبخيل" كانتا في الأصل قبل التعجب فاعلًا؛ فصارتا بعده مفعولًا به لفعل التعجب الذي اكتفى بهذا المفعول به، واقتصر عليه. الثانية: أن يزيد على الفاعل السابق الذي صار مفعولًا به، أحد المفعولين الأصليين مجرورًا باللام؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير!!. ما أظَنَّ البخيلَ للجود!! فكلمتا: "البخيل"، و"الجود" كانتا قبل التعجب مفعولين للفعل المتعدي لاثنين، ثم صارتا بعد التعجب مجرورين باللام، ومتعلقين مع مجرورهما بفعل التعجب. الثالثة: أن يزيد على الحالة السابقة المفعول الأصلي الثاني؛ فنقول: ما أكسى الغنيَّ للفقير ثيابًا!. ما أظنَّ البخيلَ للجودِ تبذيرًا!. الرابعة: حذف لام الجر السابقة ونصب الثلاثة مباشرة بشرط أمن اللبس، نحو: ما أكسى الغني الفقيرَ الثيابَ!! وما أَظَنَّ البخيلَ الجودَ تبذيرًا. فإن خيف اللبس أدخلت لام الجر على المفعولين الأصليين؛ نحو: ما أظَن الرجلَ لأخيك، لأبيك، والأصل: ظَنَّ الرجل أخاك أباك. لكن "أفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، وفي الأمثلة السابقة استوفى حقه بنصبه المفعول به الذي كان في الأصل فاعلًا. فما الذي

_ 1 سواء أكان أصلهما المبتدأ والخبر كالفعل: "ظن" أم لم يكن أصلهما ذلك، كالفعل: "كَسَا". 2 كثر الخلاف والاضطراب بين المراجع المطولة بشأن هذه الحالات. وأصفاها -مع إيجازه- ما جاء في شرح "التصريح". وقد نقلنا هنا صفوة ما تضمنته المطولات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب المفعول الثاني، إن وجد، وكذلك الثالث؟ إن البصريين يقدرون فعلًا -أو ما يشبهه- ينصب المفعول الثاني إن وجد، وكذلك الثالث؛ ويسترشدون في تقديره بفعل التعجب المذكور قبله؛ فيقولون في تأويلهم: "ما أكسَى الغنيَّ يكسو الفقير!!. أو: ما أكسى الغنيَّ يكسو الفقير ثيابًا!! ". "ما أظَنَّ الغنيَّ؛ يظن الجود ... -أو ما أظَنَّ الغنيّ يظن الجود تبذيرًا!! " والكوفيون لا يقدرون محذوفًا ولا يتأولون، ويقولون: حقًا أنّ "أَفْعَلَ" في التعجب لا ينصب إلا مفعولًا به واحدًا، لكنه في هذه الصور وأمثالها ينصب أكثر من مفعول به واحد. ولا أثر للخلاف في المعنى، ولكن في رأي الكوفيين يسْر وقبول؛ لبعده من التكلف، والحذف، والتقدير.

المسألة 110

المسألة 110: ألفاظ المدح والذم: "ومنها: "نِعْم"، و"بِئْس"1، وما جرىَ مجراهما" في اللغة ألفاظ وأساليب كثيرة؛ تدل على المدح، أو الذم. بعضها يؤدي هذه الدلالة صريحة؛ لأنه وُضع لها من أول الأمر نَصًّا، وبعضها لا يؤديها إلا بقرينة2. فمن الأول الذي يؤديها صريحة قولك: "أمدحُ، أُثْني، أَستحسِن ... أذم، أهجو، أستقْبحُ" ... وأشباهها، وما يشاركها في الاشتقاق، نحو: أمدح في الرجل تجلُّدَه، وحسنَ بلائه، وأذم فيه يأسه، وفتور عزيمته -أُثني عليك بما أحسنت، وأهجو من قبض يده عن الإحسان. ومنها: الجميل، العظيم، الفاضل، الماجد، البخيل، الحقود، الخائن ... وغيرها من ألفاظ المدح والذم الصريحين. ومن الثاني الذي يحتاج لقرينة: وَفْرة لا تكاد تعَدّ؛ في مقدمتها: أساليب النفي، والاستفهام، والتعجب3، والتفْضيل، ونحوهما؛ فإنها أساليب قد تضم أحيانًا إلى معناها الخاص دلالتها على المدح أو الذم، بقرينة؛ كقولك في إنسان يتحدث الناس بفضائله ومزاياه، أو: بنقائصه وعيوبه: "ما هذا بشرًا". تريد في حالة المدح: أنه مَلَك، مثلًا، وفي حالة الذم: أنه شيطان. ومثل قول شوقي: هل المُلْك إلا الجيشُ شأنًا ومظهرًا؟ ... ولا الجيشُ إلا رَبُّه حين يُنسَبُ؟

_ 1 فيها لغات؛ أشهرها: "كسر الأول مع سكون الثاني"، "وفتح الأول مع كسر الثاني"، وفتح الأول مع سكون الثاني"، وكسر الأول والثاني معًا". والأفصح والأشهر عند استعمالها في المدح والذم الاقتصار على اللغة الأولى. 2 حالية، أو كلامية. 3 انظر رقم 6 من هامش ص339.

وقوله: إِلامَ1 الخُلْفُ بينَكُمُ؟ إِلامَا؟ ... وهَذِي الضّجةُ الكُبرَى عَلامَا2؟ وفيمَ يَكيدُ بعضكمو لبعض؟ ... وتُبْدُون العداوةَ والخِصاما؟ وقول المتنبي: ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شَرَ فِي!! وقوله في ذم قائد الجيش الرومي: فأَخْبِثْ به طالبًا قَهْرَهُمْ!! ... وأَخْيبْ به تاركًا ما طلبْ! وقول أعرابي سئل عن حًاكمين: أما هذا فاحرص الناس على الموت في سبيل الله، وأما ذلك فأحرص الناس على الحياة في سبيل الشيطان.. ومن النوع الأول الصريح: "نعم"، و"بئس" وما جرى مجراها من الألفاظ التي تدل نصبًا على المدح العام3 أو: الذم العام3، وتمتاز "نعم وبئس" من باقي نوعهما الصريح بأحوال وأحكام خاصة بهما، دون نظائرهما من النوع الصريح، وأشهر هذه الأحوال والأحكام ما يأتي: 1- دلالة "نعم" على المدح العام، و"بئس" على الذم العام ... 3

_ 1 إلى أي شيء؟ فكلمة "م" أصلها: "ما" الاستفهامية التي تحدف ألفها عند الجر وعدم الوقف عليها. أما عند الوقف فتحدث الألف، وتحل "هاء" السكت. ولكنها لم تحذف في آخر الشطرين؛ مراعاة لقواعد القافية، كي تماثل آخر الأبيات التالية لها. والخطاب موجة للمصريين. 2 على أي شيء؟ ويقصد بالضجة الخلاف الحزبي الطاغي في عصه، والخصومات العنيفة بين الأحزاب المصرية بسبب بعض المشروعات السياسية، ومنها: المشروع الذي كان سببًا في احتدام النزاع؛ وهو: الذي اشتهر باسم: "تصريح 28 فبراير1922". اعترفت فيه إنجلترا -وكانت مصر إذ ذاك- باستقلال البلاد المصرية ولكن بقيود وشروط. "3، 3، 3" المراد بالعموم هنا في المدح وفي الذم أنه ليس مصورًا على شيء معين، ولا على صفة خاصة، ولا يتجه إلى أمر، دون آخر، ولا يتضمن معنى التعجب -كما نص على هذا "الخضري" في آخر الباب- بل يتجه بغير تعجب إلى كل أمور الممدوح أو المذموم؛ فالمدح العام يشمل الفضائل كلها؛ مبالغة، ولا يقتصر على بعض منها؛ كالعلم، أو الكرم، أو الشجاعة ... والذم العام يشمل العيوب كلها مبالغة، ولا يقتصر على بعض منها؛ كالكذب، أو الجهل، أو السفه.. ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُُ} وقوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُُ} فالمدح والذم هنا مختلفان بسبب "للعموم" عنهما في الأفعال الأخرى التي تجري مجري "نعم وبئس" حيث يكون المدح والذم في تلك الأفعال الأخرى خاصين ومتضمنين التعجب، "طبقًا لما سيجيء في ص384". وإنما يستفاد العموم مع "نعم، وبئس" عند الإطلاق وعدم التقييد؛ فإن وجد تقييد زال التعميم؛ نحو: نعم الغني محسنًا.

واعتبار كل لفظ منهما في هذه الحالة وحدها فعلًا ماضيًا، لازمًا1 جامدًا، لا بد له من فاعل. ومع أن كلا منهما يعرب فعلًا ماضيًا فإنه متجرد من دلالته الزمنية، ومنسلخ عنها بعد أن تكوّنت منه وفاعله جملة "إنشائية غير طلبية"؛ يقصد منها إنشاء المدح العام، أو الذم العام، من غير إرادة زمن ماضٍ أو غير ماضٍ ... فكلاهما انتقل إلى نوع خاص من "الإنشاء المحض غير الطلبي" لا دلالة فيه على زمن2 مطلقًا، نحو: نعم أجر المخلصين -بئس مصير المتجبرين. ولجمودهما في هذه الحالة وحدها لا يكون لهما مضارع، ولا أمر، ولا شيء من المشتقات.... وتلحقها تاء التأنيث -جوازًا -إذا كان فاعلهما اسمًا ظاهرًا مؤنثًا3، ويصح حذفها بكثرة، ولو كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًا؛ نحو: نِعْم.... أو: نِعمتْ فتاة العمل والنشاط، وبئس ... ، أو: بئست فتاة البطالة والخمول. أما في غير هذه الحالة بالمدح والذم فهما فعلان ماضيان، متصرفان، دالان على زمن مضى: نحو نعم العيش ينعم، فهو ناعم؛ أي: لانّ واتسع. وبَئِسَ المريض يَبْأَس؛ فهو: بائس.... 2- قَصْر فاعلهما على أنواع معينة، أشهرها ما يأتي: 1- المعرّف "بأل" الجنسية4، أو: "العهدية"5، نحو: نعم الوالد

_ 1 انظر ما يختص بهذا في رقم 3 من ص373. 2 انظر الصبان في هذا الموضع، أما البيان الكامل وذكر المراجع الأخرى ففي صدر الجزء الأول -م4- عند الكلام على أقسام الفعل. 3 وكذلك إذا كان "المخصوص" مؤنثًا فإنه يجوز تذكير الفعل وتأنيثه وإن كان الفاعل مذكرًا؛ طبقًا لما سيجيء بيانه في ص378. وقد سبق في باب الفاعل "ج2 م66 ص67 و70" بيان الحالتين السالفتين، وحكم تاء التأنيث من جهة ذكرها وحذفها. 4 هي الداخلة على نكرة لإفادة العموم والشمول مع التعريف، ويغلب أن يصلح في مكانها كلمة: "كل" فلا تدخل على ما يقبل التعريف في أغلب استعمالاته؛ مثل: "غير" -مع ملاحظة ما سبق في رقم 4 من هامش ص24- ولا على المعرفة مثل: "الله". 5 "وانظر المراد من الجنس والعهد في هذا الباب في "أ" من ص374، ثم ما يتصل بالمسألة في ص375 و376". وقد سبق تفصيل الكلام على أنواع "أل" وأحكامها في باب المعارف بالجزء الأول، م31.

الشفيق، وبئس الولد العاق. وقول الشاعر: حياةٌ على الضيْم بئس الحياةُ ... ونعم المماتُ إذا لم نَعِزْ1 ب- المضاف إلى المعرف "بأل" السابقة، نحو: نعم رجل الحرب خالدٌ، وبئس رجل الجبن والكذب مُسَيْلمةُ ... ج- المضاف إلى المضاف إلى المعرف بها؛ نحو: نعم قارئ كتب الأدب، وبئس مهمل أمر اللغة. د- الضمير المستتر وجوبًا بشرط أن يكون ملتزمًا الإفراد والتذكير2، وعائدًا على تمييز بعده3، يفسر ما في هذا الضمير من الغموض والإبهام؛ نحو: نعم قومًا العرب، وبئس قومًا أعداؤهم. ففي كل من: "نعم" و"بئس" ضمير مستتر وجوبًا4 تقديره: "هو" مرادًا منه الممدوح، أو المذموم، ويعود على التمييز "قومًا" أي: نعم القوم قومًا ... وبئس القوم قومًا ... ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما، "أي: لا بد من مطابقته لما يسمى: "المخصوص" بالمدح أو الذم، بحيث يتطابقان تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وغير إفراد"، نحو: نعم رجلين: القائد والجندي، نعم رجالا: الحليم، والصبور، والمتواضع. نعم، أو: نعمت، فتاةً المجاهدة. نعم، أو: نعمت، فتاتين: المجاهدتان. نعم، أو: نعمت فتيات المجاهدات.

_ 1 إذا لم نَعِزْ "مع تخفيف الزاي، للقافية والأصل: التشديد" إذا لم تكن أصحاب عزة، أي: قوة، وكرامة، وهيبة. 2 اشتراط التذكير ليس متفقًا عليه؛ وإنما هو رأي الأكثرية القائلة بأن الفاعل الاسم الظاهر يراد به الجنس في ضمن جميع الأفراد؛ بأن يجعل راجعًا إلى التميز المراد به الجنس؛ لكونه على نية "أل الجنسية" إذ الأصل مثلًا: نعم الرجل. 3 فلا يصح تقديم التمييز هنا على الفعل. وهذا أحد المواضع التي يجوز أن يعود الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبه. "وقد تقدم تفصيل الكلام عليها في الجزء الأول ص184 م20" ثم انظر رقم 4 من هامش هذه الصفحة. 4 ومن النادر الذي لا يقاس عليه إبرازه مجرورا بالباء الزائدة في مثل قولهم: نعم بهم قومًا. وقد ذكرنا هذا الرأي للاستعانة به على فهم الوارد المسموع دون محاكاته.

ولا بد أن يكن التمييز صالحًا لقبول "ألْ" المعرفة1، فلا يصلح أن يكون من الكلمات المتوغلة -غالبًا -في الإبهام؛ ككلمة: غير، ومثل: وشبه2.... ويجوز -في الرأي الراجح -أن يجتمع في أسلوب المدح أو الذم الفاعل الظاهر والتمييز3؛ نحو: نعم الشجاع رجلًا يقول الحق غيرَ هَيَّاب، وقول الشاعر:

_ 1 والأحسن اعتبار هذا التمييز من نوع تمييز "الذات" "أي: تمييز "المفرد"، ولا تمييز "النسبة" "طبقًا للبيان التفصيل الذي سبق في باب: "التمييز" ج2 م88 عند الكلام على أقسام التمييز ص389 و391 وما بعدهما". ومن أحكام هذا التمييز أنه -على الصحيح- لا يجوز حذفه مع استتار الضمير الفاعل العائد عليه؛ لكيلا يبقي الفاعل الضمير مبهمًا، ليس له ما يفسره؛ فالتمييز يفسر الفاعل المستتر. فإن وجدت قرينة تدل على التمييز بعد حذفه، وتكون عوضًا عند صح الحذف؛ كالتاء في قولهم: إن زرت الصديق فبها ونعمت؛ أي: نعمت زيارةً زيارتك، ومنه قوله عليه السلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" أي: فبالرخصة أخذ، ونعمت رخصة الوضوء. ولا يصح تقديمه على "نعم وبئس" كما أسلفنا، ولا تأخيره عن "المخصوص" بالمدح والذم؛ ولهذا حكموا بالشذوذ على مثل: نعم محمد رجلًا، باعتبار "محمد" هو "المخصوص". أما باعتباره فاعلًا فلا يصح؛ لأنه ليس من الأنواع السالفة التي تصلح فاعلًا في هذا الباب. ويصح أن يكون لهذا التمييز نعت أو غيره من التوابع، ومن أمثلة النعت قولهم: إن الكذوب لبئس خلاَّ يُصْحَب كما يصح أن يفصل بينه وبين الفاعل فاصل، كقوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} ، ويجوز تثنيته وجمعه -كما أشرنا- وبسبب هذا الجواز امتنع إبراز الفاعل المستتر، وتثنيته وجمعه، اكتفاء بتثنية التمييز وجمعه؛ فلا يصح: نِعْما -ونْعُموا ... في الرأي الراجح. 2 فيما سبق يقول ابن مالك بإيجاز: فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصرِّفَيْنِ ... "نَعْم" و"بِئْس" رافِعانِ اسْميْنِ مُقَارنَيْ "أَلْ" أَو مُضَافَيْنَ لِمَا ... قَارَنَهَا كَنِعْمَ عُقْبَى الكُرَما وَيَرْفَعَان مُضْمَرًا يُفَسِّرُهْ ... مُمَيِّزٌ، كَنِعْمَ قَوْمًا مُعْشَرَهْ تضمنت الأبيات الثلاثة أن "نعم وبئس" فعلان جامدان، وأنهما يرفعان فاعلين مقترنين بـ"أل" أو مضافين للمقترن بـ"أل" أو ضميرًا يفسره مميز "تمييز، كنعم قومًا معشره". وترك الناظم بقية أنواع الفاعل التي في الصفحات التالية. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: وَجَمْع تَمْيِيزٍ وفًاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيهِ خِلاَفٌ عَنْهُمُو قَدِ اشْتَهَرْ

نعْمَ الفتاةُ فتاةً هندُ لو بَذلتْ ... رَدَّ التحية نطقًا أَو بإِيماءِ1 ... هـ- كلمة: "ما"2 أو: "من"3، نحو: "نعم ما يقول الحكيم المجرب، وبئس ما يقول الغر الأحمق"، ونحو: "نعم من تصحبه عزيزًا. وبئس من ترافقه منافقًا".... وقيلَ: إن "ما" تتميز، والفاعل ضمير مستتر تفسّره "ما" وكذلك: "مَنْ".

_ 1 عند الجمع بينهما قد يكون سبب التمييز غير دال على معنى زائد على الفاعل؛ نحو: نعم الرجل رجلًا عُمر؛ فيكون من نوع التمييز الذي يفيد مجرد التوكيد؛ كالذي في قول أبي طالب عم الرسول عليه السلام: ولقد علمت بأَن دِين محمدٍ ... من خير أَديان البرية دينًا "كما سبق في باب التمييز ج2 م87 ص327". ويجوز أن يكون دالًا بنفسه على معنى زائد على معنى الفاعل؛ نحو: "نعم الفتى فتى صلاح"، إذا كان المراد أنه فتى حقًا، أي من ناحية الفِتوة، يظهر عليه أماراتها. ويجوز أن تكون زيادة المعنى ليست ناشئة منه مباشرة، وإنما هي من أحد توابعه أو معمولاته، نحو نعم الرجل رجلًا مجاهدًا صلاح ... و ... 2 وفيها يقول ابن مالك: وَ "مَا" مُمَيِّزٌ، وَقِيل: فَاعِلُ ... في نَحْو: نَعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ في "ب" من ص374 أشهر إعرابات "ما" بعد نعم وبئس". ويقول علماء رسم الحروف إن "ما" إذا كانت معرفة تمة فقد تكون: "تامة عامة" ومعناها: "الشيء"، ولفظ: "الشيء" يلاحظ عند التقدير. وعلامتها ألا يكون قبلها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى، كقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} التقدير: نعم الشيء هي ... وقد تكون معرفة "تامة خاصة"، وعلامتها: أن يسبقها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعني، وتقدر من لفظ ذلك الاسم؛ نحو: أصلحت الخط إصلاحًا نِعِمًا، التقدير: نعم الإصلاح. هذا كلامهم. ويقول أكثرهم إن: "ما" في الصورتين توصل خطًّا بآخر الفعل: "نعم وبئس" وتدغم هي "وميم" نعم، وتكسر عندئذ "العين" للتخلص من السكون الناشيء من الإدغام. غير أن الحكمة في هذا الاتصال الكتابي غير سائغة عند فريق آخر؛ إذ هي: مجرد المحاكاة السابقين ممن كتبوها في الطور الأول وقت استحداث الخط. فالخير في فصلها، "بالرغم من أننا فصلناها مرة في أعلى هذه الصفحة، ووصلناها في هامشها" إلى أن يستقر الاصطلاح على وضع جديد موحد. ومثلها عندهم في الاتصال "بنعم" كلمة "ما" النكرة الناقصة وهي النكرة الموصوفة التي معناها الذي تقدر به: "شيء"؛ مثل: إن قراءة الكتب الأدبية نعما يقوم الألسنة. والحكمة والرأي هنا مشابهًا فيما سبق. 3 وتكون: "من" موصولة، أو نكرة تامة، أو نكرة موصوفة، ولا تكون معرفة تامة.

و "الذي" "اسم موصول"؛ نحو: نعم الذي يصون لسانه عما لا يَحْسن، وبئس الذي يغتاب الناس. ز- النكرة المضافة لنكرة، أو غير المضافة؛ كقول الشاعر: فنَعم صاحبُ قومٍ لا سلاح لهم ... وصاحبُ الكربِ عثمانُ بنُ عفَّانا ومثل: نعم قائد أنت ... والنوعان الأخيران "وهما: الذي، والنكرة"، أقل الأنواع استعمالًا، وسُمُوًّا بلاغيًّا، مع جوازهما. 3- عدم نصبهما المفعول به؛ لأن كلا منهما في هذا الاستعمال فعل ماض جامد لازم -كما تقدم1.... ولكن يصح زيادة "كاف الخطاب" الحرفية في آخرهما، نحو: نِعْمك الرجل عثمان، وبئْسك الرجل زياد. وهذه الكاف حرف محض لمجرد الخطاب؛ فلا يعرب شيئًا، ولكنه يتصرف على حسب نوع المخاطب2. وزيادته -مع جوازها -قليلة في الأساليب البليغة3.

_ 1 في رقم 1 من ص386. 2 تذكيرًا، وتأنيثًا، وتثنية، وجمعًا ... 3 سبق بيان هذا مفصلًا في ج1 ص238 م19 باب: الضمير، بمناسبة الكلام على: "كاف الخطاب" الحرفية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كانت: "أل" جنسية في مثل: "نعم الوالد عليّ" ونظائره طبقًا لما أوضحناه1، فقد يراد منها الدلالة على الجنس حقيقة؛ فكأنك تمدح كل والد. ويدخل في هذا التعميم عليّ، ثم تذكره بعد ذلك خاصة؛ فكأنك مدحته مرتين؛ إحداهما مع غيره، والأخرى وحده. وقد يكون المراد الجنس مجازًا؛ فكأنك جعلت الممدوح بمنزلة الجنس كله للمبالغة في المدح. أمّا إذا كانت "أل" للعهد1، فقد تكون لشيء معهود في الذهن لم يذكر خلال الكلام؛ فتكون للعهد الذهني. فإن ورد في الكلام فهي للعهد الذكري. كالذي في قولهم: خيرُ أيامِ الفتَى يومٌ نَفَعْ ... فاتْبَع الحقَّ، فنِعْم المُتَّبَعْ و"أل" الجنسية أقوى وأبلغ في تأدية الغرض، والعهدية أوضح وأظهر. ب- إذا وقعت كلمة: "ما"2 بعد: "نعم وبئس" جاز فيها إعرابات كثيرة؛ وأشهرها ما يأتي: 1- إعرابها حين يليها اسم منفرد "مثل: الزراعة نِعْم ما الحرْفُة" -إما نكرة تامة فاعلًا، وإما نكرة تامة: تمييزًا، وفاعل "نعم"، و"بئس" في هذه الصورة ضمير مستتر يعود على هذا التمييز، وتعرب الكلمة المنفردة التي بعدها "وهي: الاسم المنفرد" خبرًا لمبتدأ محذوف، أو مبتدأ والجملة قبلها خبر عنها -كما سنعرف في إعراب المخصوص-. 2- إعرابها حين يليها جملة فعلية، "مثل: نِعْم ما يقول العقلاء. وبئس ما يقول السفهاء ... "، إما نكرة ناقصة، تمييزًا، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها. والجملة بعدها صفة لها. وإما معرفة3 ناقصة، فاعلًا، والجملة بعدها صلتها.

_ 1 راجع: "أ" ص369. 2 انظر بعض أنواع "ما في رقم 1 من هامش ص372 ثم ما يجيء في الصفحة التالية. 3 اسم موصول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- إعرابها حين تنفرد فلا يليها شيء؛ "نحو: الرياضة نعما، والإسراف فيها بئسما" إمَّا أن تكون نكرة تامة فاعلًا، وإمَّا تمييزًا، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها. ففي كل الأحوال السابقة يجوز أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا يعود على "ما" لا فرق بين أن تكون نكرة تامة، وناقصة، ومعرفة تامة. كما يجوز أن تكون "ما" باعتباراتها المختلفة فاعلًا. فإذا اعتبرناها نكرة ناقصة فالجملة بعدها صفتها، وإذا اعتبرناها معرفة ناقصة فالجملة بعدها صلتها، وإذا وقع بعدها كلمة منفردة، أو لم يقع بعدها شيء، فهي تامة، تعرب فاعلًا، أو تعرب تمييزًا والفاعل ضمير. ولما كان كل نوع من أنواع "ما" مختلفًا في دلالته اللغوية عن النوع الآخر، كان تعدد هذه الأوجه الإعرابية جائزًا حين لا توجد قرينة توجه المعنى إلى أحدها دون الآخر؛ فإذا وجدت القرينة وجب الاقتصار على ما تقتضيه، فليس الأمر على إطلاقه -كما قد يتوهم بعض المتسرعين؛ ففي مثل: "لا أجد ما أتصدق به إلا اليسير؛ فيجيب السامع: نِعْم ما تجود به". تكون "ما" هنا نكرة موصوفة؛ فكأنه يقول: نِعم شيئًا أي شيء تجود به، وفي مثل؛ أعطيتك الكتاب الذي طلبته؛ فتقول: نعم ما أعطيتني؛ فكلمة "ما" موصولة، وهكذا ... وإلا كانت الألفاظ ودلالتها فوضى. والقرائن والأسرار اللغوية لا قيمة لها، ومثل هذا يقال في "ألْ" السابقة، من ناحية أنها للعهد أو للجنس ... وفي غيرها من كل ما يجوز فيه أمران، أو أكثر وتقوم بجانبه قرينه توجه إلى واحد دون غيره.

4- امتناع توكيد فاعلهما المفرد الظاهر توكيدًا معنويًا، فلا يصح نعم الرجل كلهم1 محمد، ولا بئس الرجل أنفسهم عليّ. كما لا يصح: نعم الرجل كله محمد، ولا بئس الرجل نفسه عليّ2.... فإن كان فاعلهما مثني أو جمعها جاز، نحو: نعم الصديقان كلاهما، محمد وعلي- نعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وحامد.... ومثلهما المثنى والجمع للمؤنث ... أما التوكيد اللفظي فلا يمتنع، وكذلك: "البدل، والعطف3". وأما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح والكشف، لا التخصيص4، كقول الشاعر: لعَمْري -وما عَمْرِي عليَّ بِهَيِّنٍ ... لبِئْس الفتَى المدعُوُّ بالليَّلِ حاتِمُ

_ 1 "كلهم" بالجمع مراعاة لمعنى الفاعل لا لفظه؛ لأنه بمعنى الجنس المشتمل على أفراد كثيرة، كما سبق في "أ" من ص369. "انظر رقم 2 التالي". 2 لا يصح التوكيد المعنوي إذا كان لفظه للجمع كالمثالين الأولين؛ لأن فيه تناقضا بين ظاهره اللفظي الدال على الجمع، وظاهر الفاعل الدال لفظه على الإفراد. كما لا يصح أيضًا إذا كان لفظه للمفرد؛ منعًا لمتناقض بين ظاهره اللفظي ومعنى الفاعل الملحوظ فيه الجنس كله، أو أنه بمنزلة الجنس كله. هذا على اعتبار "أل" جنسية؛ أما على اعتبارها للعهد فلم يقطعوا فيه برأي، وإنما قالوا لا يستبعد جوازه "راجع الصبان وغيره في هذا الموضع"، وهذه فتوى مضطربة. والأحسن الأخذ بالرأي الذي لا يبيح التوكيد المعنوي مطلقًا؛ لأن الغرض منه لا يتحقق هنا مع "أل" العهدية؛ إذ مقام المدح والذم لا يتطلب الإحاطة والشمول فتأتي له بلفظ: "كل، أو جميع، أو عامة"، أو نحوها من ألفاظ التوكيد الدالة على الشمول، وليس المقام بمقام رفع احتمال الشك عن ذات الفاعل فتأتي له بلفظ التوكيد الذي يزيل الشك عنها؛ مثل كلمة: "نفس"، أو ما يشبهها ... 3 اشترط بعض النحاة في "البدل والعطف" ن يكون كل منهما صالحًا لمباشرة "نعم" "بأن يكون معرفًا "بأل" أو مضافًا إلى المعرف بها، ولو بواسطة ... و."، وبعض آخر لم يشترط هذا؛ محتجًا بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. ولم يوضح لنا أحد الفريقين موقفه من السماع الكثير الوارد عن العرب؛ لتكون الحجة قاطعة، ولهذا كان من التيسير المقبول الأخذ برأي من لا يشترط ما سبق. 4 لأن تخصيصه منافٍ للشمول والتعميم عند من يجعل "أل" جنسية، فإذا أريد به الكشف والإيضاح على تأويل أنه الجامع لكل الصفات، صح النعت به. وأما القائلون بأنها للعهد فلا يشترطون هذا، ويبيحون النعت. فهنا صورتان؛ يجوز النعت مع التأول في إحداهما، وعدم التأول في الأخرى، ومن الخير ترك هذا العناء كله، والاقتصار على النتيجة النافعة التي ينتهي إليها الرأيان وهي: النعت، وإهمال ما يحف به من جدل.

وقال الآخر: نعمَ الفتَى المُرِّيّ1 أنْتَ، إذا همو ... حضَروا لدى الحَجَرَات2 نارَ الْمُوقِد فإن كان الفاعل ضميرًا مستترًا فلا يجوز أن يكون له تابع من نعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل. 5- حاجتهما -في الغالب- إلى اسم مرفوع بعدهما هو المقصود بالمدح أو الذم، ويسمى: "المخصوص بالمدح أو بالذم". وعلامته: أن يصلح وقوعه مبتدأ، وخبره الجملة الفعلية التي قبله مع استقامة المعنى، نحو: "نِعْم المغرد البلبلُ، بئس الناعب الغرابُ"؛ فالبلبل هو: المخصوص بالمدح، والغراب: هو المخصوص بالذم، كلاهما يصلح أن يكون مبتدأ، والجملة الفعلية قبله خبره؛ فنقول: البلبل نعم المغرد. الغرابُ بئس النَّاعب. ويشترط في هذا المخصوص أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف، أو إضافة، أو غيرهما من وسائل التخصيص3 ... وأن يكون أخص من الفاعل4، لا مساويًا له، ولا أعم منه5؛ وأن يكون مطابقًا له في المعنى، "فيكون مثله في مدلوله تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا".... وأن يكون متأخرًا عن الفاعل؛ فلا يتوسط بينه وبين فعله6، -ويجوز تقدمه على الفعل والفاعل معًا- كما يجب تأخره عن التمييز إذا كان الفاعل ضميرًا مستترًا له تمييز؛

_ 1 المنسوب لقبيلة مُرَّة -والمقصود به: سِنَان بن أبي حارثة المري. 2 الحجرات، جمع: حَجَرة "بفتح الحاء والجيم" وهي شدة برد الشتاء. وقد تقرأ: حُجُرات جمع: حُجْرة: بضم فسكون. 3 أو يصلح أن يكون خبرًا إذا جعلنا الفاعل مبتدأ موصوفًا بكلمة: "الممدوح" أو كلمة: "المذموم" على حسب المعنى؛ "لأن مفسر الفاعل كالفاعل"، نحو: نعم الصانع خليل، وبئس المصنوع النسيج، أي: "الصانع، الممدوح خليل" "المصنوع، المذموم النسيج" وسيجيء الكلام، على إعراب المخصوص في ص378. 4 لأن المراد من الفاعل هو الجنس كله طبقًا للرأي الأغلب. 5 حجتهم في أن يكون أخص: أن يحصل التفصيل بعد الإجمال؛ ليكون أوقع في النفس ... والحجة الحقيقية وحدها هي استعمال العرب، كالشأن في باقي الحجج التالية. 6 بزعم أن هذا أدعى للتشويق، لكن يجوز أن يتقدم على الفعل والفاعل وفي هذه الصورة لا يسمى: مخصوصًا. والسبب في المنع هو استعمال العرب ليس غير، ويجب إهمال هذه التعليلات.

نحو: نعم رجلًا المخترعُ. أما إذا كان الفاعل اسمًا ظاهرًا، فيجوز تقديم "المخصوص" على التمييز وتأخيره، فنقول: نِعم العالِمُ رجلًا إبراهيم، أو: نِعم العالِمُ إبراهيم رجلًا. وإذا كان المخصوص مؤنثًا جاز تذكير الفِعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرًا؛ نحو: نعم الجزاء الهدية، ونعم الشريك الزوجة، أو نعمتْ، فيهما. والتذكير في هذه الحالة أحسن ليطابق الفاعل1. حذف المخصوص: يجوز حذف "المخصوص"، إن تقدم على جملته لفظ يدل عليه بعد حذفه، ويغني عن ذكره متأخرًا، ويمنع اللبس والخفاء في المعنى؛ ويُسمَّى هذا اللفظ؛ بـ"المُشْعِر بالمخصوص"؛ سواء أكان صالحًا لأنْ يكون هو "المخصوص" أم غير صالح2؛ ويعرب على حسب الحالة؛ مثل: سمعت شعرًا عذبًا لم أتعرَّف صاحبه، ثم تبينتُ أنه البُحْتريّ؛ فنعم الشاعر. أي: فنعم الشاعر البُحْتريّ. وقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} ، أي: نعم العبد الصابر، ويصح: نعم العبد أيوب. وعلى التقدير الأول يكون "المشعر" -وهو كلمة: "صابرا"- من النوع الذي لا يصلح أن يكون "مخصوصًا"؛ لأنه نكرة غير مختصة، بخلافه على "التقدير الثاني". إعراب المخصوص: المشهور إعرابان؛ أحدهما: أن يكون مبتدأ مؤخرًا، والجملة الفعلية التي قبله خبر عنه، كما في المثالين السالفين3 ... وثانيهما: اعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا، تقديره: "هو"، أو: هي أو غيرهما مما يناسب المعنى، ويقتضيه السياق، فيكون في المثالين السابقين3

_ 1 لهذا إشارة في رقم 3 من هامش ص369. 2 وهذه الصورة قليلة. "3، 3" في رقم 5 من ص377.

مثلًا: نِعم المغرد هو البلبل، وبئس الناعب هو الغراب. أي: الممدوح البلبل، والمذموم الغراب. فالمراد من الضمير هنا: "الممدوح" أو: "المذموم". وهناك إعراب ثالث؛ هو: أن يكون مبتدأ وخبره محذوف؛ تقديره: "الممدوح" أو "المذموم". تلك هي الأوجه الثلاثة المشهورة، ويلاحظ أن كُلاَّ منها قائم على الحذف والتقدير، أو التقديم والتأخير، مع الركاكة والضعف، مع أن هناك رأيًا قديمًا آخر أولى بالاعتبار؛ لخلوه من تلك العيوب وغيرها؛ هو: إعراب المخصوص "بدلًا"1 من الفاعل؛ فيكون: "البلبل" بدلا من "المغرد"، ويكون: "الغراب" بدلًا من: "الناعب" ... هكذا ... وحبذا الأخذ بهذا الرأي السهل الواضح في تقديرنا. يجوز في هذا المخصوص أن تعمل فيه النواسخ؛ نحو: نعم مداويًا كان الطبيب؛ فهو اسم "كان" والجملة قبلها خبرها2 ...

_ 1 الأحسن أن يكون بدل كل من كل على جميع الاعتبارات؛ لأن المراد من البدل هو المراد من المبدل منه. ومن العجيب أن يكون هذا رأي قلة من النحاة مع وضوحه، وقوة انطباق قواعد البدل عليه، وعدم تناقضه مع قاعدة أخرى. وأما ما وجِّه إليه من عيب فقد دفعه العائبون أنفسهم، وانتهوا إلى خلوه من العيوب "كما يدل على هذا ما ورد في المطولات، ومنها حاشية الصبان في هذا الموضع، وقد نقل عن بعض المحققين جواز البدلية، وسجله في آخر باب عطف البيان" فلماذا لم يجعلوه في قوة غيره؟ بل لماذا لم يقدموه على غيره؟ ولا نريد أن نسجل هنا تلك العيوب وطرق دفعها؛ كي لا نسجل ما لا طائل وراءه. ومن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في مظانها التي ذكرناها والتي لم نذكرها. 2 وفي المخصوص وإعرابه يقول ابن مالك: وَيُذْكَرُ "الْمَخْصُوصُ" بَعْد مبتدا ... أَوْ خَبَرَ اسْمِ لَيْس يَبْدُو أَبَدا أي: يذكر المخصوص بعد الفاعل، ويعرب المبتأ، أو خبرا لمبتدأ محذوف وجوبًا، لا يجوز أن يظهر. ويقول في حذفه: وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى ... كَالْعِلْمُ نِعْمَ المقُتَنَى وَالمقْتَفَى يريد: إن تقدم على المخصوص ما يشعر بمعناه ويدل عليه من غير لبس، أو فساد -كفى وأغنى عنه وجاز حذفه، كالأمثلة التي سبقت في الشرح. أما مثال: العلم نعم المقتنى والمقتفي فالمخصوص قد تقدم فصار في الظاهر هو المشعر، والأصل: "نعم المقتنى والمقتفي العلم"، فأغنى عن المخصوص؛ منعًا للتكرار الذي لا فائدة منه هنا، و"المقتنى": الشيء الذي يُتَّخَذ قِنْية، أي: الشيء الغالي، الذي يحرص الناس على ادخاره والاحتفاظ به. و"المقتفى" الذي يُقْتَفى؛ أي: يتبع وتراعى أحكامه ...

ومن النوع الأول الصريح1: الفعل: حب" يكون للمدح العام مع الإشعار بالحُبّ، ويكثر أن يكون فاعله كلمة: "ذا" التي هي اسم إشارة2 نحو: حبذا الموسيقيّ إسحاق، وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمرْ ... وحبذا المساء فيه والسحرْ فإن جاء بعده الفاعل "ذا" وقبله: "لا" النافية كان للذم العام، نحو: لا حبذا البخيل مادر3. وإنما كان معنى الفعل: "حب" هو: المدح مع الإشعار بالحب والقرب من القلب؛ لأنه فعل مشتق من مادة: "الحب"، وفاعله اسم إشارة للقريب. وهو ينفرد بهذه المزية دون "نعم". ومما يدل على الذم العام الصريح أيضًا الفعل: "ساء"، تقول: ساء البخيل مادر، كما تقول: بئس للبخيل مادر، وقول الشاعر: أألوم من بخلت يداه وأغتدي ... للبخل تربًا4؟ ساء ذاك صنيعا! فمعناهما واحد، هو: الذم العام5، وكذلك أحكامهما. ومما تقدك نعلم "حبذا" جملة فعلية -على الرأي الأرجح -الفعل: فيها: "حب"، وهو هنا ماضٍ جامد6، وفاعله هو كلمة: "ذا" اسم الإشارة، مبنية

_ 1 أي: الذي يدل على المدح أو الذم دلالة صريحة بغير قرينة.... "انظر ص367". 2 وعندئذ تتصل بآخره في الكتابة وجوبًا؛ طبقًا لقواعد رسم الحروف. ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر: حبذا ليلة تَغَفَّلْت عنها ... زمني فانتزعْتها من يديه تغفلته: خدعته وهو غافل. أما الحرف "يا" فيجيء تفصيل الكلام عليه في مكانه الأنسب، وهو باب: "النداء" -ج3 م127 ص5 -ومنه يتعين أن الحرف: "يا" هنا: حرف تنبيه، أو حرف نداء ... 3 اسم رجل يضرب به المثل قديمًا في البخل. 4 صديقًا وصاحبًا. 5 إلا إن لوحظ في الفعل "ساء" أنه محول من أصله إلى صيغة "فعل" بقصد الذم الخاص مع التعجب، كما سيجيء الكلام على تحويل الأفعال الثلاثة إلى هذه الصيغة ص384 و385. 6 هو في الأصل مشتق. ولكنه صار جامدًا، كامل الجمود بعد انتقاله إلى حالته الجديدة التي قصد بها إنشاء المدح فصار مع فاعله جملة إنشائية خالية من الدلالة الزمنية على الوجه الذي شرحناه في رقم 1 من ص368.

على السكون في محل رفع. "الموسيقي" هو المخصوص بالمدح، ويعرب مبتدأ خبره الجملة التي قبله، أو خبر لمبتدأ محذوف، أو غير هذا مما فصلناه1 في إعراب "مخصوص: نعم وبئس إلا بدليل فلا يصح هنا. ومن أحكام هذا المخصوص أيضًا أنه لا يصح تقدمه على الفاعل وحده، دون الفعل، ولا على الفعل والفاعل معًا، فلا يصح: حب على ذا، ولا على حبذا؛ لأن تقدمه غير مسموع في الكثير الفصيح من كلام العرب؛ فصارت: "حبذا" معه ثابتة الموضع والصورة كالمثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقًا. هذا إلى أن تقدمه قد يوهم "في مثل الصورة الثانية التي يكون فيها المخصوص مفردًا مذكرا" أن الفاعل ضمير مستتر، وأن "ذا" مفعول لا فاعل، وفي هذا إفساد للمعنى، لكن يصح أن يتقدم على التمييز أو يتأخر عنه؛ نحو: حبذا رجلًا العصامي، أو: حبذا العصامي رجلًا، ويصح الفصل بالنداء بينه وبين "حبذا" كما يصح حذفه إن دلت عليه قرينة لفظية أو حالية2. كقول الشاعر: ألا حبذا لولا الحياة، وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقاربِ

_ 1 في آخر ص378. 2 كثير من النحاة يمنع أن يكون الفاعل "ذا" تابع من التوابع الأربعة شأنه في هذا شأن فاعل "نعم" وبئس، إذا كان ضميرًا مستترًا، فإذا وقع بعد "ذا" اسم فهو "المخصوص" وهذا الرأي سديد هنا؛ لأن حاجة اسم الإشارة المخصوص الذي يوضحه ويزيده جلاء أشد من حاجته إلى البدل، أو غيره من التوابع. ويجب الأخذ بهذا الرأي في صورتي "حب" المنفية وغير المنفية، ما دام الأسلوب لإنشاء المدح أو الذم. لهذا يقولون في كلمة: "المجاهد" في مثل: حبذا المجاهد -إنها المخصوص، ويعربونها إعرابه، ولا يعربونها بدلًا. لكن يجوز توكيد جملة: حبذا توكيدًا لفظيًّا، ومنه قول الشاعر: ألا حبذا، حبذا، حبذا ... حبيب تحملت منه الأذى ومما يقوي منع إعرابه عطف بيان أن عطف البيان لا بد أن يكون كمتبوعه -في الرأي الأصح- تعريفًا وتنكيرًا كما سيجيء في ص550، وقد وردت أمثلة كثيرة فصيحة وقع فيها مخصوص حبذا نكرة، منها قول جرير: وحبذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قِبَل الريان أحيانا فلو أعربنا كلمة: "نفحات" عطف بيان لخالفت متبوعها -وهو اسم الإشارة- في تعريفه.

والأصل مثلًا: ألا حبذا أخبار الحب، أو النساء ... لولا الحياء، ولا يصح أن تعمل فيه النواسخ، بخلاف مخصوص "نعم" كما سبق1. ومثل الإعراب السابق يقال في: لا حبذا البخيل مادر، مع إعراب "لا" حرف نفي، فليس ثمة خلاف بين الصيغتين في شيء إلا في وجود "لا" النافية قبل: "حبذا" مباشرة "أي بغير فاصل مطلقًا"2 ... وبسببها تصير الجملة لإنشاء الذم لا المدح. ولا يصح أن يحل حرف نفي آخر محل: "لا" في هذا الموضع ومن الأمثلة الجامعة للصورتين قول الشاعر: ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل وقول الآخر: ألا حبذا أهل الملا، غير أنه ... إذا ذكرت ميٌّ فلا حبذا هيا وإذا كان فاعل؛ "حب" -في حالتي النفي وعدمه- هو كلمة: "ذا" وجب أمران؛ فتح الحاء في "حب3" ... وأن يبقى الفاعل: "ذا" على صورة واحدة لا تتغير في الحالتين؛ هي صورة الإفراد والتذكير مهما كان أمر المخصوص من الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، أو التذكير، أو التأنيث ... نحو: حبذا الطبيبة فاطمة. حبذا الطبيبتان الفاطمتان. حبذا الطبيبات الفاطمات. حبذا الطبيب محمد. حبذا الطبيبان المحمدان. حبذا الطبيبون -أو الأطباء- المحمدون، فلا يصح إخراج "ذا" عن الإفراد

_ 1 في ص379. 2 ويصح وقوع الحرف "يا" قبل "حبذا المثبتة، وفيما سبق خاصًّا بالفعلين: "ساء وحب" يقول ابن مالك: واجعل كبئس ساء واجعل: "فعلا" ... من ذي ثلاثة كنعم مسجلا وسيجيء شرح هذا البيت في هامش ص391، ثم يقول بعده: ومثل "نعم" حبذا الفاعل "ذا" ... وإن ترد ذمًّا فقل: "لا حبذا" أي: مثل: "نعم" مع فاعلها في إنشاء المدح، جملة، "حبذا": وهي جملة فعلية، الفاعل فيها هو كلمة: "ذا". أما عند إرادة الذم فقل: "لا حبذا" بزيادة "لا" النافية. 3 يشترط وصلها: بـ"لما" كتابة -كما سبق في رقم 2 من هامش ص380.

والتذكير؛ لأنها دخلت في أسلوب يشبه المثل، والأمثال لا تتغير مطلقًا، ولا تخالف الصورة الأولى التي وردت بها عن العرب1 ... فإن كان فاعل: "حب" اسمًا آخر غير كلمة: "ذا" فإنه لا يلتزم صورة واحدة، وإنما يساير المعنى، فيكون مفردًا أو غير مفرد، مذكرًا، أو غير مذكر، كل هذا على حسب ما يقتضيه المعنى. وعندئذ يجوز رفعه أو جره بباء زائدة في محل رفع، كما يجوز في "حاء" الفعل: "حب" أن تضبط بالفتحة أو الضمة، مثل: حب المضيء القمر، حب المضيئان القمران. حبت المضيئات الأقمار ... وهكذا2؛ "لأنه يجري على "حب" من ناحية ضبط فائها وعينها ما يجري على مثلهما من الفعل الذي يحول إلى "فعل" وسيجيء الكلام عليه3".

_ 1 يقول ابن مالك: وأوْلِ: "ذا" المخصوص، أيا كان، لا ... تعدل بـ"ذا" فهو يضاهي المثلا "أوْلِ ذا: أتْبِعْ كلمة "ذا" ... وجيء بعدها بالمخصوص أيًا كان، في أي مكان وصورة وجد من الأسلوب الخاص بالمدح والذم، أي: سواء أوجد للمفرد وفروعه أم المذكر وفروعه، لا تعدل بذا: لا تمل بلفظ "ذا" إلى غيره، ولا تنصرف عنه إلى سواء، والمراد لا تدخل عليه تغييرًا مطلقًا، يضاهي: يشابه". 2 يقول ابن مالك في الفاعل إذا كان غير كلمة "ذا"؛ وفي رفعه أو جره بالباء الزائدة، وفي ضبط "حاء" الفعل معه ومع "ذا": وما سوى "ذا" ارفع بِحَبَّ، أو: فجُرْ ... بالبا، ودون "ذا" انضمام الحا كَثُرْ "الفاء في: "فجُر" زائدة، أو في جواب شرط مقدر؛ أي: إن شئت فجر؛ لأن حرف العطف لا يدخل على مثله": يقول: ارفع الفاعل إذا كان اسمًا غير كلمة "ذا"، أو: جره بالباء الزائدة. ودون "ذا" أي: في غير الفاعل: "ذا"، كثر انضمام الحاء في فعله "حب"، ويفهم من هذا أن ضم الحاء لا يصح إذا كان الفاعل هو كلمة: "ذا" كما شرحنا. 3 في ص390.

المسألة 111

المسألة 111: الأفعال 1 التي تجري مجرى "نعم" و "بئس": الأصل العام: أن يقتصر كل فعل تحتويه الجملة المفيدة على تأدية معنى واحد مناسب؛ يكتفى به، ولا ينضم إليه معنى آخر. وينطبق هذا الأصل العام على أكثر الأفعال الثلاثية، حيث يقتصر كل فعل منها على تأدية معناه الخاص الواحد من غير دلالة معه على مدح، أو: ذم أو: تعجب ... كالأفعال: فرح، قعد، فهم.... و.... ومئات غيرها فإن كان كل فعل منها يؤدي معناه المعين؛ "وهو: الفرح، القعود، الفهم ... " تأدية مجردة من الإشعار بمدح، أو ذم، أو تعجب؛ فلا صلة لها بشيء من هذه المعاني الثلاثة. لكن من الممكن أن يدخل شيء من التغيير على صيغة كل فعل من الأفعال السابقة –ونظائرها– ليصير على وزن معين، فيؤدي معناه الأصلي الخاص مع زيادة في الدلالة؛ تتضمن المدح بهذا المعني اللغوي الخاص، أو الذم به، كما تتضمن –في الوقت نفسه –الإشعار بالتعجب في الحالتين. فالزيادة الطارئة على المعنى اللغوي الأصلي للفعل بعد تغيير صيغته –تتضمن الأمرين معًا. وإن شئت فقل: إن الفعل الثلاثي في صيغته الجديدة، الناشئة من التغيير يؤدي ثلاثة أمور مجتمعة؛ هي: معناه اللغوي الخاص، مزيدًا عليه المدح بهذا المعنى الخاص أو الذم به على حسب دلالته الأصلية، وأيضًا إفادة التعجب في حالتي المدح والذم2. والمدح والذم هنا خاصان؛ لأنهما يقتصران على المعنى اللغوي للفعل، وهذا المعنى معين محدود، ولهذا يكون المدح به أو الذم خاصًا، مع إفادة التعجب

_ 1 قد نضيق بهذه الأفعال وأحكامها، وننفر –أحيانًا– من جرسها بعد تحويلها المدح أو الذم وما يصحبهما، بالرغم من أن هذا التحويل قياسي. فحبذا الاقتصار على فهم الوارد منها، والاستغناء عن محاكاته؛ -مع صحة محاكاته– نزولًا على الدواعي البلاغية العالية. -كما سنشير في رقم 1 من هامش ص387 وكذلك في ص393. 2 سبقت الإشارة لهذا. "ملاحظة": انظر حكمًا آخر يتصل بهذا التحويل -سيجيء في "ج" ص389-.

في كل حالة، فلا إهمال للمعنى الخاص الأساسي للفعل، ولا تعميم فيه ولا شمول، ولا خلو من التعجب، فالأسلوب هنا باشتماله على الأمور الثلاثة السالفة مختلف عنه مع "نعم وبئس"؛ لأن معناهما: المدح والذم العاملين الشاملين، الخاليين من إفادة التعجب1. وإنما يقوم الفعل الثلاثي2 بتأدية معناه الخاص مع تلك الزيادة في الدلالة إذا تحقق في صوغه أمران: أولهما: أن يكون مستوفيًا كل الشروط التي يجب اجتماعها في الفعل الذي يصلح أن تصاغ منه –مباشرة– صيغتا التعجب3، وفي مقدمتها: أن يكون ثلاثيًا. ثانيهما: أن يكون على وزن: "فعل" –بضم العين-؛ سواء أكان مصوغًا على هذا الوزن من أول الأمر نقلًا عن العرب؛ مثل: شرف، وكرم، وحسن ... و....، أم لم يكن؛ كفهم4، وجهل، وبرع ... ؛ فيصير: فهم، جهل4، برع ... "ومعلوم أن الفعل الثلاثي لا يخرج –في الأغلب5– عن ثلاثة أوزان؛ تنشأ من تحريك عينه بالفتح؛ "نحو: ذهب"، أو بالكسر؛ "نحو: علم" أو بالضم؛ "نحو: ظرف". أما أوله فمفتوح في أغلب الحالات6 والأوزان التي

_ 1 انظر رقم 3 من هامش ص368 ففيها إشارة وافية، موضحة لهذا. أما بيان الفروق المختلفة كلها فتأتي في: "أوب" من ص388. 2 إلا الفعل: "ساء" فحكمه في ص392. 3 سبق بيانها وشرحها في ص349 و385 من باب: التعجب؛ -وليس من اللازم لتحقيق الشرط الأول "وهو أن يكون الفعل ماضيًا" أن يكون هذا الماضي المراد تحويله حلقي الفاء؛ -كما يرى بعض النحاة– فقد يكون، أو: لا يكون "وحروف الحلق ستة؛ هي: الهمزة، العين، الغين، الحاء، الخاء، الهاء". "4، 4" يرى بعض النحاة: أنه لا يجوز تحويل "علم، وجهل، وسمع" إلى: "فعل" وحجته: أن هذا التحويل غير مسموع. وفي رأيه تعسير لا داعي له، لمعارضته حكمه القياس، والغرض منه، ولأنه سمع تحويلها –كغيرها- عن بعض القبائل العربية. 5 هناك أفعال صحيحة العين، ساكنتها أصالة وهي قليلة العدد، ومنها: "نعم وبئس" وليس منها الأفعال المعتلة العين؛ مثل: غاب، قام، نام -....؛ فإن سكونها طارئ لأن عينها في الأصل متحركة. 6 قلنا: "في أغلب الحالات" لأن قليلًا من الأفعال الماضية. مكسور الأول؛ مثل: نعم، بئس ...

يكون فيها مبنيًا للمعلوم. والثلاثي مضموم العين لا يكون إلا لازمًا؛ ولهذا يصير الفعل المتعدي لازمًا إذا تحول من صيغته الأصلية إلى صيغة: فعل". وصوغه على وزن: "فعل"، "بقصد تأديته لمعناه اللغوي المعين؛ مع المدح الخاص به، أو الذم الخاص، ومع الإشعار بالتعجب1 فيهما"، يقتضي الأحكام والتفصيلات الآتية: أ- اعتبار الفعل بعد تلك الصياغة لازمًا؛ مجردًا من الدلالة الزمنية، وجامدًا كامل الجمود "فلا مضارع له؛ ولا أمر، ولا غيرهما من بقية المشتقات". ب- صحة تحويل الفعل الثلاثي الصحيح2، غير المضعف3، تحويلًا مباشرًا إلى صيغة: "فَعُلُ" بضم العين؛ فيفيد بعد التحويل معناه اللغوي مقرونًا بالمدح أو الذم الخاضين بمعناه، مع التعجب في كل حالة؛ تبعًا لمعناه اللغوي الأصلي قبل التحويل؛ ففي مثل: "فَهِمَ المتعلم، عدل الحاكم، نقول: فَهُمَ المتعلم، عَدُلَ الحاكم؛ فيفيد التركيب الجديد معنى الفعل في اللغة، مزيدًا عليه مدح المتعلم بالفهم فقط، ومدح الحاكم بالفهم فقط، ومدح الحاكم بالعدْل فقط، مع التعجب في الحالتين". وفي مثل: "جَهِل4 المهملُ، حَسَد الأحمقُ.... نقول جَهُلَ المهملُ؛ حَسُدَ الأحمقُ؛ فيفيد الأسلوب معنى الفعل، مزيدًا عليه ذم المهمل بسبب جهله، وذم الأحمق بسبب حسده فقط. مع التعجب في الصورتين" ... ولا فرق في هذا التحويل وآثاره بين الثلاثي مفتوح العين، أو مكسورها، أو: مضمومها. ويجوز في الفعل بعد تحويله إمَّا إبقاؤه على صورته الجديدة، وإمَّا تسكين

_ 1 وهو بدلالته على معناه مزيدًا عليه التعجب مع المدح أو الذم الخاصين، يختلف عن: "نعم وبئس" –كما شرحنا-. 2 ما ليس في أصوله حرف علة. أما المعتل فتجيء أحكامه في ص392. 3 مضعف الثلاثي ما كانت عينه ولامه من جنس واحد. "وسيجيء الكلام على تحويل المضعف في ص390". 4 انظر ما يختص بتحويل الأفعال: "علم, جهل، سمع" إلى: "فعل" في رقم 4 من هامش الصفحة السالفة.

عينه المضمومة، كما يجوز تسكين عينه بعد نقل حركتها "وهي الضمة"، إلى أوّله؛ فنقول في الصورتين الأخيرتين: "فهم المتعلم، عدل الحاكم، جهل المهمل، حسد الأحمق" ... أو: "فهم، عدل، جهل، حسد1....". وإذا تم تحويل الفعل على الوجه السالف صار بمنزلة: "نعم، وبئس" في الجمود، وفي أصل دلالتهما وهي مجرد المدح والذم –مع مراعاة الفوارق بينهما2-، ويجري عليه من الأحكام النحوية المختلفة ما يجري عليهما؛ فيحتاج إلى فاعل من نوع فاعلهما الذي سبق بيانه، وقد يحتاج إلى تمييز، وإلى "مخصوص" كما يحتاجان. ويسري على فاعله وتمييزه ومخصوصه. كل الأحكام التي تسري حين يكون الفعل: "نعم أو بئس". فإذا قلت في المدح: فهم المتعلم حامد، وفي الذم: خبث الماكر سعيد، فكأنك قلت: نعم الفاهم حامد، وبئس الماكر سعيد مع ملاحظة الفرق المعنوي الذي أوضحناه. وهكذا يُطبق على الفعل الصحيح الثلاثي غير المضعف3، بعد تحويله إلى: "فعل" جميع ما يطبق على: "نعم وبئس"، ويخضع النوعان لأحكام واحدة ما عدا بعض الفروق المعنوية السالفة وبعض فوارق في فاعله4 وستأتي.

_ 1 بالرغم من جواز الأمرين تسكين العين على الوجه السالف، أو نقل حركتها إلى أول الفعلين يحسن تركهما اليوم في استعمالاتنا، وعدم الالتجاء إلى استخدامها قدر الاستطاعة، وحسبنا الاستعانة بهما على فهم الوارد المسموع، دون محاكاته؛ فرارًا من الغموض الشديد، واللبس القوي.... كما سبقت الإشارة في رقم 1 من المسموع، دون محاكاته؛ فرارًا من الغموض الشديد، واللبس القوي.... كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص384-. 2 من الفوارق ما يأتي في الزيادة ص388 وهي مختصة بالفاعل، وأن المدح والذم بصيغة الفعل الذي تم تحويله خاصان، وليسا عامين، وأنهما يتضمنان التعجب، بخلافهما مع: "نعم وبئس". حيث يقتصر معناهما على المدح العام، والذم العام، فلا يتضمنان تعجبًا. 3 سيجيء الكلام على المضعف في ص390. 4 في الزيادة ص388.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تبين مما تقدم1 أن الفعل الذي يتم تحويله إلى "فعل" على الوجه المشروح إنما يدل –فوق معناه اللغوي الأصيل– على مدح خاص أو ذم خاص، وأنه لا بد من إشرابه معنى "التعجب" في الحالتين. وبالتخصيص فيهما والتعجب يخالف "نعم وبئس"؛ لأن معناهما المدح العام والذم العام ولا يتضمنان تعجبًا. ب- وينفرد "فاعل" الفعل الذي تم تحويله بأمور لا تكون في فاعل: "نعم وبئس". منها: صحة وقوعه اسمًا ظاهرًا خاليًا من "أل" ومما يشترط في فاعل نعم،....2 نحو: قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ، ومثل عدل عمر. ومنها: كثرة جره بالباء الزائدة إن كان اسمًا ظاهرًا، فيجر لفظًا ويرفع محلًا، نحو: حمد بالجار معاشرة، وسعد بالرفيق مزاملة. أي: حمد الجار معاشرة، وسعد الرفيق مزاملة. ومنها: صحة رجوعة –إن كان ضميرًا– إلى شيء سابق عليه؛ فيطابقه حتمًا. أو إلى التمييز المتأخر عنه فلا يطابقة. وتقول: الأمين وثق رجلًا؛ ففي الفعل: "وثق" ضمير يجوز عودته على: "الأمين" المتقدم، أو: على التمييز: "رجلًا" المتأخر عنه، ولهذا الرجوع إلى أحدهما أثره في المطابقة بين الفاعل الضمير ومرجعه؛ إذ عند رجوعه للسابق تجب مطابقته فنقول: الأمينان وثقا رجلين –الأمناء وثقوا رجالًا –الأمينة وثقت فتاة –الأمينتان وثقتا فتاتين –الأمينات وثقن فتيات. أما عند عودته إلى التمييز المتأخر فلا تصح المطابقة، بل يلتزم الإفراد والتذكير؛ شأنه في هذا شأن فاعل "نعم وبئس" إذا كان ضميرًا مستترًا، فنقول في كل الصور السالفة: "وثق" بغير إدخال تغيير عليه يدل على تأنيث، أو تثنية، أو جمع. وفيما سبق يقول: "ابن عقيل والأشموني" وحاشيتاهما، عند شرحهما لكلمة: "مسجلًا" في آخر بيت ابن مالك الذي نصه: -كما سبق في ص382".

_ 1 في ص384 وما بعدها. 2 راجع رقم 2 ص369.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "واجعل كبئس ساء. واجعل "فعلًا" من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلًا". إن معناها هو: مطلقًا عن التقييد بحكم دون آخر.... ثم قال الخضري ما نصه1: "لكن "فعل" يخالف "نعم وبئس" في ستة أمور: اثنان في معناه: إشرابه التعجب، وكونه للمدح الخاص –أو للذم الخاص2 – "واثنان في فاعله الظاهر؛ جواز خلوه من "أل" نحو: وحسن أولئك رفيقًا، وكثره جره بالياء الزائدة، تشبيهًا بأسمع بهم؛ كقولهم: حبّ بالزور3 الذي لا يرى ... منه إلا صفحة أو لمام3 "واثنان في فاعله المضمر؛ جواز عوده ومطابقته لما قبله؛ ففي: "محمد كرم رجلًا" يحتمل عود الضمير إلى: "رجلًا" كما في نعم،.... وإلى "محمد" كما في فعل التعجب، لتضمنه معناه. وتقول: المحمدون كرم رجالًا - ... على الأول4 وكرموا رجالًا على الثاني5 فقول المصنف: "كنعم مسجلًا" ليس على سبيل الوجوب في كل الأحكام. والكلام في غير "ساء". أما "ساء" فيلازم أحكام "بئس ... " ا. هـ كلام الخضري. ج- بمناسبة ما تقدم يقول الصرفيون إن أبواب الفعل الثلاثي المستعملة أصلة -بحسب حركة العين في الماضي والمضارع- ستة، الخامس منها هو باب: "فعل يفعل" بضم العين فيهما معًا؛ كحسن يحسن، وشرف يشرف أو كرم يكرم ... و ... ويردفون كلامهم بتقرير أمرين6: أولهما: أن هذا الباب "الخامس" مقصور في أصله على الأوصاف الفطرية والسجايا الخلقية الدائمة أو التي تلازم صاحبها زمنًا طويلًا. ثانيهما: صحة تحويل كل فعل ثلاثي من الأبواب الأخرى إلى هذا الباب ليدل الفعل بعد هذا التحويل على أن معناه صار كالغريزة والسجية في صاحبه.

_ 1 وهو المفهوم أيضًا من كلام الأشموني والصبان. 2 انظر الصبان في هذا أيضًا. "3، 3" سيعاد البيت مشروحًا في ص391 لمناسبة هناك. 4 أي: على التقدير الأول الذي يعود فيه الضمير المستتر على التمييز بعده بغير أن يطابقه، فيظل الضمير مفردًا، مذكرًا. 5 أي: على التقدير الثاني الذي يرجع فيه الضمير المستتر إلى مرجع قبله فيطابقه. 6 سجلهما صاحب شذا العرف في أول كتابه ص18 عند كلامه على: الباب الخامس من "التقسيم الثالث للفعل بحسب التجرد والزيادة....".

ج- فك الإدغام إن كان الفعل: "مضعفًا"، مثل: فر، لح ... ويرد إلى أصله قبل الإدغام، فيصير: فرر1، لجج2، ثم يحول إلى: "فعل": فيصير: فرر، لجج.... ثم يعود إلى الإدغام، فيصير كما كان3: "فر"، لج، تقول في الذم –مثلًا– فر الرجل جبانًا، لج القط مواء، أو: فر بالرجل جبانا، لج بالقط مواء. ويجوز حذف الفتحة في أول الفعل لتحل مكانها الضمة التي في عين الفعل عند تحويله إلى: "فعل"، وتسكن عين الفعل4؛ فتصير الجملة: فر الرجل جبانًا، لج القط مواء، أو: فر بالرجل جبانًا، لج بالقط مواء. ومن المضعف الذي تجري عليه هذه القواعد الفعل؛ "حب"5 عند تحويله إلى: "فعل" بقصد المدح، بشرط ألا يكون فاعله كلمة: "ذا" في مثل: "ذا" في مثل: "حبذا" لأن "حب" في هذه الصورة المركبة مع "ذا" يجب فتح الحاء فيها، وبقاء "ذا" على حالها من الإفراد والتذكير في كل الأساليب، مهما كان حال الممدوح من ناحية إفراده، وعدم إفراده. وتذكيره أو تأنيثه، كما يجب في هذه الصورة أيضًا وصل الفعل: "حب" بفاعله: "ذا" كتابة، وتركيبهما معًا تركيبًا خطيًا كما سبق6. أما إن كان الفاعل اسمًا ظاهرًا غير كلمة "ذا" فإن الفعل "حب" يخضع لما أشرنا إليه؛ من فتح الحاء أو ضمها، كما يجري على فاعله الأحكام الخاصة بالمحول، والتي أوضحناها. تقول حب الجندي رجلًا، أو: حب بالجندي رجلًا. ومنه قول الشاعر:

_ 1 من باب: ضرب. 2 من باب: تعب. 3 ويكون التمييز بين دلالتي الفعل بالقرائن الأخرى؛ فهي التي تدل على أنه باقٍ يؤدي معناه الأصلي، أو أنه انتقل إلى "فعل" ليؤدي معنى المدح أو الذم. 4 كما سبق في ص387. 5 تفصيل الكلام عليها في ص380. 6 في رقم 2 من هامش ص380 وفي رقم 3 من هامش ص382.

حب1 بالزور2 الذي لا يرى ... منه إلا صفحة3 أو لمام4 وهكذا5 ...

_ 1 بضم الحاء أو فتحها؛ طبقًا لما شرحناه –وقد سبق البيت لمناسبة أخرى في ص389- 2 الزور: "يستوي فيه المفرد وغيره"، ومعناه الزائر. 3 صفحة الشيء: جانبه. 4 جمع لِمّة "بكسر اللام وتشديد الميم"، وهي شعر الرأس الذي يصل إلى شحمة الأذن. 5 وإلى ما سبق من الكلام على تحويل الفعل إلى "فعل" على الوجه الذي شرحناه يقول ابن مالك بيتًا مختصرًا –سبقت الإشارة إليه "في هامش ص382"؛ هو: واجعل كبئس "ماء" واجعل "فعلًا" ... من ذي ثلاثة كنعم، مسجلًا "مسجلًا: حرًا لا يعوقه ولا يقيده قيد". يطلب أن تكون: "ساء" مثل: "بئس" في معناها وأحكامها. وأن يكون "فعل" "وقد زاد في آخره ألفًا لوزن الشعر"، من كل فعل ثلاثي، مثل: "نعم" في معناها، وفي أحكامها، من غير تقييد يجعل بينهما فرقًا فيما سبق. هذا رأيه وليس غرضه "نعم" وحدها، وإنما مثلها: "بئس" أيضًا. والحق أن هناك فروقًا، بين "نعم" وهذا الفعل المحول وقد سردناها في ص389. أما "ساء" فالخلاف شديد فيه؛ أهو مثل: "بئس" تمامًا في المعنى والأحكام، أم هو مثلها في المعنى، ولكنه في الأحكام كالأفعال المحولة؟ وقد أوضحنا كل ذلك في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إن كان الفعل المراد تحويله معتل "الفاء" مثل: وثق، وفد ... فحكمه حكم الصحيح. وإن كان معتل العين بالألف. مثل: صام، هام، نام، بقي على حاله، وقدر فيه التحويل تقديرًا عقليًا محضًا عند وجود قرينة تدل على قصد المدح أو الذم؛ ليكون لهذا التقدير أثره الواقعي في الفاعل، وفي المخصوص ... ، وإن شئت فقل: إن حكمه هو حكم الصحيح أيضًا مع نية التحويل الذي ترشد إليه القرينة. ويدخل في هذا النوع الفعل: "ساء" فيصح أن يلاحظ فيه التحويل عند قيام قرينة؛ فيستعمل استعمال الأفعال التي تحولت، ويصح ألا يلاحظ فيه ذلك؛ لأنه موضوع في أصله للذم العام الصريح1 مثل: "بئس"؛ فتجري عليه أحكام "بئس" من نواحيها المختلفة. وإن كان الفعل معتل اللام –فقط– بالواو، أو بالألف التي أصلها الواو: مثل: سرو2، غزا ... ظهرت الواو في الكلام مفتوحة وقبلها الضمة، ولو لم تكن الواو موجودة من الأصل ويجوز تسكين ما قبل الواو مباشرة3؛ فنقول: سَرُوَ، غَزُوَ، أو: سَرْوَ، غَزْو. وإن كان الفعل معتل اللام بالياء؛ نحو: خشي، ورمي4، قلبت الياء واوًا قبلها ضمة، ويجوز تسكين ما قبلها3؛ فتصير: خَشُوَ، أو خَشْوَ، رمُوَ، أو رَمْيَ. وإن كان الفعل معتل العين واللام معًا، وحرف العلة فيهما هو "الواو"؛ مثل: قَويَ "من القوة، أصله: قوو"، فإن الواو الأولى تتحرك بالكسرة؛ فقلبت بعدها الواو الثانية ياء؛ فتصير؛ "قوي" فكأن الفعل بقي على حاله. وإن كان معتل العين واللام معًا بالواو فالياء، نحو: شوى: قلبت الياء

_ 1 كما سبق في ص380. 2 سرو الرجل: صار سريًا، أي: غنيًا شريفًا. "3، 3" راجع التصريح "عند الكلام على: "حبذا" آخر هذا الباب" وكذا الخضري. 4 لأن الألف التي في آخر الفعل أصلها ياء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند التحويل واوًا، لوقوعها متطرفة بعد ضمة، ثم أدغمت الواو في الواو، فتصير: "شو". ويجوز عدم القلب واوًا فتبقي الياء مع تسكين ما قبلها فتقول: شوي. وكذلك نقول في قوي: قوى، ولا يجوز القلب والإدغام في هذه الحالة لأن السكون ليس أصليًا. وإن كان معتل العين واللام معًا بالياء؛ نحو: حيَّ، وعيَّ ... لم يصح تحويله1 ... هذا ملخص ما جاء في المطولات المتداولة خاصًا بتحويل الفعل المتعل مع تعدد الآراء، وشدة الخلاف فيه. ولا أعرف أن النحاة نقلوا لأكثر هذه الصور أمثلة مسموعة تؤيد كلامهم. فهل هي صور خيالية تدريبية؟ لا يحسن اليوم استعمال شيء منها؛ سواء أكانت خيالية محضة أم لها مسموع يؤيدها؛ لأنها ثقيلة، مجافية للأسلوب الأدبي الرفيع، والذوق البلاغي السائغ. وفي الميادين اللغوية الأخرى ما يغني عنها تمامًا –كما أشرنا من قبل2.

_ 1 راجع الهمع، وشرح التصريح في باب: "نعم وبئس" عند الكلام على تحويل الثلاثي إلى: "فعل". وكذلك الصبان في هذا الموضع، ثم حاشية ياسين على شرح التصريح في أول باب التعجب. 2 في رقم 1 من هامش ص384 وفي رقم 1 من هامش ص387.

المسألة 112: أفعل التفضيل

المسألة 112: أفْعَلُ التفضيل 1 يتضح معناه من الأمثلة الآتية: إن كلمة: "أكبر" –في المثال الأول– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الشمس والأرض في معنى معين؛ هو: "الكبر"، وأن الشمس تزيد على الأرض في هذا المعنى. وكلمة: "أقدم" –في المثال الثاني– تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الأهرام والقاهرة في معنى معين؛ هو: "القدم" وأن الأهرام تزيد عليها في هذا المعنى. وكلمة: "أوسع" –في المثال الثالث– تدل على اشتراك المحيطات واليابسة في معنى معين؛ هو: السعة، والمحيطات تزيد عليها فيه.... ومثل هذا يقال في الباقي ... وفي نظائره. فكل كلمة من هذه الكلمات المشتقة -ونظائرها- تسمى: "أفعل

_ 1 ربما كان الأنسب أن يذكر مع المشتقات. ولكنا وضعناه هنا اتباعًا لترتيب ابن مالك في: "ألفيته". 2 جمع: هرم؛ بناء فرعوني قديم، له شكل هندسي؛ خاص. 3 الماضي: سرع، مثل: صغر.

التفضيل1" وتعريفه: "أنه اسم، مشتق، على وزن: "أفعل" يدل –في الأغلب2– على أن شيئين اشتركا في معنى، وزاد أحدهما على الآخر فيه". فالدعائم أو الأركان التي يقوم عليها التفضيل الاصطلاحي –في أغلب حالاته– ثلاثة: 1- صيغة: "أفعل"، وهي اسم، مشتق. 2- شيئان يشتركان في معنى خاص. 3- زيادة أحدهما على الآخر في هذا المعنى الخاص. والذي زاد يسمى: "المفضل"، والآخر يسمى: "المفضل عليه"، أو: "المفضول". ولا فرق في المعنى والزيادة فيه بين أن يكون أمرًا حميدًا، أو ذميمًا2. وبدل أفعل التفضيل -في أغلب صوره– على الاستمرار والدوام3، ما لم توجد قرينه تعارض هذا، فشأنه في الدوام والاستمرار شأن الصفة المشبهة على الوجه المشروح في بابها4. طريقة صياغته: يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر الفعل الذي يراد التفضيل في معناه، بشرط أن يكون هذا الفعل مستوفيًا كل شروط "التعجب" التي عرفناها5 في

_ 1 هذه التسمية اصطلاحية، أي: الصيغة التي على وزان: "أفعل"؛ لتدل على التفضيل أو المفاضلة؛ "وهي: الزيادة في أمر حسن أو قبيح؛ كما سيجيء عند تعريفه". أما "التفضيل" غير الاصطلاحي فليس له ضوابط معينة، وإنما هو متروك لبراعة المتكلم، ومقدرته البلاغية التي تمكنه من اختيار الألفاظ والأساليب الدالة على المفاضلة بين شيئين في أمر، وزيادة أحدهما على الآخر في هذا الأمر، من غير استخدام الطريقة الاصطلاحية. "2، 2" في الزيادة والتفصيل ص406 بيان مفيد عن المقصود بالاشتراك، وعن الزيادة، وأن "أفعل" التفضيل قد يفيد البعد لا الاشتراك، ثم أمور أخرى هامة. 3 نص على هذا صاحب التسهيل "راجع هامش ص238". 4 في ص281 م104. 5 ص349.

بابه.... "بأن يكون فعلًا ثلاثيًا1، متصرفًا، تامًا، مبنيًا للمعلوم2.... و...... و.... و....." فالشروط التي يجب توافرها لصياغة "أفعل التفضيل" هي –نفسها– الشروط التي لا بد من توافرها لصوغ "فعلي التعجب"؛ مثل الأفعال: سمع، عدل، فهم، بعد، بقي، خبث.... و.... ومن الأخيرين جاء: "أبقى –وأخبث" في قول الشاعر: الخيرُ أبقى3، وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد فإن كان الفعل غير مستكمل الشروط، وكان السبب هو جموده أو عدم قبول معناه للمفاضلة "كالفعل: مات، فنى، عدم ... " لم يجز التفضيل منه مطلقًا؛ "بطريق مباشر، أو غير مباشر"؛ لأنه بجموده لا مصدر له4 ولأنه بعدم قبوله المفاضلة يفقد الأساس الذي يقوم عليه التفضيل في أغلب حالاته. أما إن كان السبب فقد شرط آخر غير الشرطين السابقين فإن4 صياغة "أفعل" تمتنع من مصدره مباشرة5، وتصاغ –كالتعجب– من مصدر

_ 1 إن كان الفعل رباعيًا على وزن: "أفعل" ففيه الخلاف السابق في التعجب ص349. ومن المسموع الذي فعله رباعي قولهم: "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم بالمعروف". وهذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقًا، وعند من يمنعه إذا كانت الهمزة للنقل. أما قولهم: هذا المكان أقفر من غيره فشاذ عند من يمنعه مطلقًا، لأن همزته ليست للنقل. 2 مع ملاحظة الخلاف في أمر المبني للمجهول، ونتيجته، وأثر ذلك في الحكم؛ على الوجه الذي سبق تمحيصه في ص350 مع الرجوع إلى البحث الهام الذي يعارض أن يكون في اللغة العربية أفعال ملازمة البناء للمجهول دائمًا "وقد تقدم في ج2 م67 ص102". 3 أصل الكلام: أبقى من غيره، فالمفضل عليه محذوف؛ طبقًا لما سيجيء في ص430. "4، 4" يرى بعض النحاة أن الفعل المنفي كالجامد لا يجيء منه التفضيل مطلقًا –بطريقة مباشرة أو غير مباشرة– لأن المصدر المؤول يكون في حالة النفي معرفة؛ فلا يصح أن يكون تمييزًا لكن التحقيق صحة مجيء التفضيل فيه بالطريقة غير المباشرة؛ إما لصحة مجيء كلمة: "عدم" قبله وإما لصحة تنكير، فليس من اللازم أن يكون معرفة في كل الأحوال. 5 ومن الشاذ استعمال كلمتي: "خير" و "شر" في التفضيل؛ لأن صيغتهما الحالية الظاهرة تخالف صيغته، نحو: الكسب القليل خير من البطالة، والبطالة شر من المرض. وقولهم: "خير الناس أنفعهم للناس، وشرهم أقربهم إلى الإساءة والعدوان" وقول الشاعر: إذا كان وجه العذر ليس ببيّن ... فإن اطراح العذر خير من العذر ويقول الآخر: =

فعل آخر مناسب للمعنى، مستوفٍ للشروط، ويوضع بعد صيغة "أفعل" مصدر الفعل الأول –الذي لم يكن مستوفيًا للشروط- منصوبًا على التمييز. فمثلًا الفعل: تعاون، لا.... يصاغ من مصدره "أفعل" التفضيل مباشرة؛ لأنه فعل خماسي؛ فنصوغه بطريقة غير مباشرة" بأن نأخذه من مصدر فعل آخر مناسب "مثل: كَبِر، كَشُر، نفع...." ونجعل بعده مصدر الفعل

_ = وشر العالمين ذوو خمول ... إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا وخير الناس ذو حسب قديم ... أقام لنفسه حسبًا جديدًا أي: أخيرًا وأشر؛ حذفت همزتها لكثرة الاستعمال حذفًا شاذًا. ومن الجائز إرجاعها عند استعمالهما، فقد ورد الكلام الفصيح مشتملًا عليها. وفعلهما المسموع "خار يخير، وشر يشر" ويرى بعض اللغويين أنهما اسمان جامدان لا فعل لواحد منهما فمجيء التفضيل منهما شاذ عنده. ففيهما على هذا الرأي شذوذان صوغهما من الجامد، وسقوط همزتهما. أما على الرأي الأول –وهو الصحيح– ففيهما شذوذ واحد؛ هو سقوط همزتهما، لأن لكل منهما فعلًا وقد اجتمع في آية قرآنية استعمال كلمة "خير" لغير التفضيل، ثم للتفضيل، في قوله تعالى: {.... إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} . ومثلهما في حذف الهمزة شذوذًا: "حب" في قول القائل: "وحب شيء إلى الإنسان ما منعا"، أي: أحب شيء. وجاء في ص60 من مجلة المجمع اللغوي القاهري: "عدد البحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثلاثين، لسنة 1963-1964" ما نصه على لسان أحد الأعضاء: "قالوا إن الهمزة حذفت في التفضيل من كلمتي: "خير وشر" لكثرة الاستعمال، وذلك ادعاء لا دليل عليه، ولا يتناسب مع معاني لفظي: "خير وشر" لأنهما يفيدان التفضيل أو الزيادة بماتهما، كما تفيد ذلك ألفاظ كثيرة بوضعها اللغوي: مثل زائد، وناقص، وعالٍ، وسافل.... وإن استعمال هاتين الكلمتين في معنى "أفعل" إنما كان على معنى الاستغناء بهما عن بناء وزن "أفعل" من مادتهما؛ لأن قصد المفاضلة الذي يصاغ له "أفعل" قد حصل من أصل المادة حيث لو بنى منها وزن "أفعل" لكان تحصيلًا للحاصل، أو تفضيلًا على تفضيل، وهذا هو ظاهر كلام ابن مالك في الكافية" ا. هـ. ولا أثر لهذا الرأي يترتب عليه حكمًا خاصًا. سوى الحكم بمنع استعمال: "أخير، وأشر" بغير حجة قوية؛ إذ كيف يمتنع استعمالهما ولكل منهما فعل ثلاثي يصح صوغ التفضيل من مصدره قياسًا كسائر الأفعال الثلاثية الصالحة لذلك؟ وأيضًا فاللفظان مسموعان بصيغة التفضيل ولا اعتراض على استعمال الكلمة المسموعة بنصها الوارد. وفوق هذا فالكلمات التي سبقت هنا لتأييد المنع "ومنها: زائد ناقص، عالٍ، سافل.." كلمات يصح صوغ التفضيل من مصادرها قطعًا. فلا دليل فيها على المنع ... وشذ كذلك صوغ "أفعل" من اسم العين، "أي: من الاسم الدال على ذات، وشيء مجسم" فقد ورد: هو أحنك البعيرين" أي: أكثرهما أكلا؛ فبنوا "أفعل" من شيء مجسم: هو، الحنك. كما شذ قولهم: هذا الكلام أخصر من ذاك فبنوه من الفعل: "اختصر" المبني للمجهول، الزائد على ثلاثة؛ فاجتمع فيه شذوذان.. وهكذا،.. وكل ما جاء مخالفًا للشروط فإنه يحكم عليه بالشذوذ؛ فيستعمل كما ورد من غير أن يقاس عليه غيره.

الأول "وهو التعاون" تمييزًا منصوبًا؛ فنقول: فلان أكبر تعاونًا من أخيه، أو: أكثر تعاونًا، أو: أنفع تعاونًا، أو: أقل. أو: أضعف، ... أو ما شاكل هذا مما يساير المعنى. والفعل: "خضر" لا يصاغ من مصدره مباشرة "أفعل" للتفضيل؛ لأنه يدل على لون ظاهر؛ فنصوغه –بالطريقة السالفة، "غير المباشرة"– من مصدر فعل آخر مناسب، ونجعل بعد "أفعل" مصدر الفعل الأول، وهو: "الخضرة" منصوبًا على التمييز. فنقول: ورق الليمون أشد خضرة من ورق القصب....1.

_ 1 ومن المسموع من الألوان: "أسود من حلك الغراب" –"أبيض من اللبن"، وكل هذا الشاذ عندهم؛ يحفظ ولا يقاس عليه. وحكم الشذوذ هنا غير مفهوم ما دامت الكلمة نفسها قد استعملت صيغتها نصًا في المفاضلة اللونية؛ فهل يراد عدم التوسع في استعمالها في سواد شيء أو بياض شيء غير الشيء الذي وردت فيه نصًا؟ نعم، وهذا تضييق لا داعي له. بل إن منع التفضيل من كل ما يدل على لون تضييق لا داعي له أيضًا، ولا سيما بعد ورود السماع به واشتداد الحاجة إلى القياس على ذلك الوارد، بسبب ما كشف عنه العلم في عصرنا، ودلت عليه التجربة الصادقة من تعدد الدرجات في اللون الواحد، وفي العاهة الواحدة، وتفاوتها تفاوتًا واسع المدى كالمعروف اليوم في البياض، والحمرة، والخضرة، والسواد.... وسائر الألوان. وكذلك المعروف عند الأطباء في العاهات، كعاهة العمى -مثلا– فمنه عمى الألوان، وعمى الضوء.... و ... وكذا أكثر العاهات. وكل ما سبق يقتضي التفضيل بين درجات اللون الواحد –أحيانًا– والعاهة الواحدة أو العيب الواحد أيضًا. ومثل هذا يقال في التعجب –كما سبق في بابه-. والحجة التي يحتجون بها لمنعه –"وهي: أن صيغة الصفة المشبهة القياسية للألوان؛ فيلتبس الأمر بين المعنيين" –حجة واهية يكن دفعها بالقرائن، ومنها: "من" الداخلة على المفضل عليه في مثل: فلان أبيض من فلان، وهذا الزرع أخضر من ذاك؛ فيكاد يمتنع اللبس في هذا النوع من التفضيل الذي يشتمل أسلوبه على كلمة: "من" هذه. نعم قد تشتبه أحيانًا بكلمة: "من البيانية" ولكن هذا الاشتباه يمكن دفعه أيضًا، والتغلب عليه بالقرينة التي تزيله. وكذلك الشأن في النوعين الآخرين من أنواع "أفعل التفضيل" وهما: المقرون بأل"، و"المضاف" فإن احتمال اللبس فيهما قليل، وهو على قلته مما يمكن دفعه بالقرينة التي تحدد الغرض، وتوجه –في كل ما سبق– إلى أحد المعنيين دون الآخر؛ كما يحصل في غير هذا الباب، وبخاصة بعد موافقتهم على قياسية المعنوي "الذي سيجيء الكلام عليه بعد هذا مباشرة"، ومن ثم كان المذهب الكوفي الذي يبيح الصياغة من الألوان والعيوب والعاهات أقرب للسداد واليسر. وعليه قول المتنبي: -وهو كوفي –في الشيب: اِبْعَدْ، بَعِدْت بياضًا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم =

والفعل: عرج، لا يصاغ –مباشرة– من مصدره "أفعل"؛ لأنه فعل يدل على عيب ظاهر، وإنما نصوغ "أفعل" بالطريقة السالفة "غير المباشرة"؛ فنقول: هذا الفتى أوضح عرجًا من غيره. وبهذه المناسبة نذكر أن الأفعال الدالة على الألوان والعيوب لا يصاغ من مصدرها "أفعل التفضيل" مباشرة إذا كانت الألوان والعيوب حسية ظاهرة. أما إن كانت معنوية داخلية فيصح أن يصاغ منها مباشرة؛ مثل: فلان أبله من فلان، أو: أحمق من فلان، أو: أرعن منه، أو: أهوج منه، أو: أخرق منه، أو أعجم منه، أو: أبيض سريرة منه، أو: أسود ضميرًا منه و.... و....1،. يتبين من كل ما تقدم أننا نتوصل بالطريقة "غير المباشرة" إلى التفضيل إذا فقد الفعل المتصرف القابل للمفاضلة، بعض الشروط الأخرى –ولا مانع من استخدام هذه الطريقة أيضًا مع الفعل المستوفي– وهي نفسها التي أوصلتنا إلى التعجب مما لم يستوف فعله بعض الشروط. وقد سبق شرحها في بابه فنستعين بها هنا على الوجه السالف لتوصلنا إلى التفضيل كذلك.

_ = جاء في شرح العكبري لديوان المتنبي "ج4 ص35" عند شرح البيت السالف ما نصه: "وما قول أصابنا الكوفيين في جواز "ما أفعله"، في التعجب من البياض والسواد خاصة من دون سائر الألوان فالحجة لهم في مجيئة؛ نقلًا وقياسًا. فأما النقل فقول طرفة، وهو إمام يستشهد بقوله: إذا الرجال شتوا واشتد أكلهمو ... فأنت أبيضهم سربال طباخ فإذا كان يرتضى قوله فالأولى أن يرتضى قوله في كل ما يصدر منه، ولا ينسب هذا إلى شذوذ وقول الآخر: جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إباض وأما القياس فإنما جوزناه في السواد والبياض لكونهما أصل الألوان ومنهما يتركب سائر الألوان. إذا كانا هما الأصلين للألوان كلها جاز أن يثبت لهما ما لم يثبت لسائر الألوان" ا. هـ. والحق أن الاقتصار على هذين اللونين لا معنى له بعد ما قدمنا. "انظر رقم 2 من هامش ص351". 1 راجع حاشية "ياسين" على شرح التصريح، أول باب: "أفعل التفضيل".

ومما تجب ملاحظته: أن صيغة "أفعل التفضيل"، ومعناها، وأحكامها، تختلف اختلافًا كثيرًا عن صيغتي "التعجب" ومعناهما، وأحكامهما في أمور عرضنا لها هنا وهناك. ومنها: أن المصدر هنا ينصب على اعتباره، تمييزًا، وينصب هناك على اعتباره مفعولًا به1.... ومتى تمت صيغة؛ "أفعل" على الوجه السالف صارت اسمًا جامدًا؛ ويترتب على جموده أمران: أولهما: ألا توجد له صيغة أخرى تدل على التفضيل الاصطلاحيّ؛ فليس له بعد هذه الصياغة ماض، ولا مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول.... ولا شيء آخر من المشتقات أو غير المشتقات؛ لأن التفضيل الاصطلاحي مقصور على صيغة: "أفعل" وحدها وهي جامدة؛ كما أوضحنا، ولا يتقدم عليها شيء من معمولاتها –طبقًا لما يلي2-.

_ 1 وفي صياغة "أفعل" يقول ابن مالك في باب خاص عقده باسمه: صغ من مصوغ منه للتعجب: ... "أفعل" للتفضيل، وأب اللذ أبي أي: صغ "أفعل" الدلالة على التفضيل من مصدر الفعل الذي يصاغ منه التعجب. وامنع هنا الصياغة من مصدر الفعل الذي منع الصوغ منه هناك "فمعنى: ائب اللذأبي: امنع الذي منع" ثم قال: وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل يريد: ما يتوصل به –من طريق غير مباشر بسبب مانع يمنع التعجب المباشر– صل به إلى التفضيل عند وجود مانع. 2 وهذا حكم في كل العوامل الجامدة –كما سبق في ص357، وفي رقم 2 من هامشها– إلا بعض حالات معدودة نصوا عليها في مواضعها الخاصة بمناسباتها، ومنها الحالة الآتية في ص401 وأخرى في هامش ص404 توجب التقدم. ومنها: جواز التقديم على "أفعل التفضيل" للضرورات الشعرية –ونحوها مما يدخل في حكم الضرورة– إذا كان معموله شبه جملة، كالذي في قول القائل: وللحلم أوقات وللجهل مثلها ... ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب والأصل: أقرب إلى الحلم.. "والجهل هنا: الغضب والانتقام".

ثانيهما: ألا يتقدم عليه –في حالة الاختيار- شيء من معمولاته، إلا حالة واحدة1 سيجيء الكلام عليها في القسم الأول الآتي. أقسامه، وحكم كل قسم: هو ثلاثة أقسام: 1- مجرد من "أل" والإضافة. 2- مقترن "بأل". 3- مضاف. فأما القسم الأول المجرد من "أل" والإضافة فمثل: "أفضل"، و"أنفع" في قول بعضهم لظريف: لا أدري! أجدك أفضل من مزحك، أم مزحك أنفع من جدك. ومثل: "أحسن" في قول الشاعر: وإني رأيت الضر أحسن منظرًا ... من مرأى صغير به كبر.....2 وحكم هذا القسم أمران: 1- وجوب إفراده وتذكيره في جميع حالاته. 2- ووجوب دخول "من" جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول". أ- فأما الأمر الأول "وهو: وجوب إفراده وتذكيره". فيقتضي أن تكون صيغته واحدة في كل استعمالاته ولو كان مسندًا لمؤنث، أو لمثنى، أو لجمع، فلا بد أن تلازم هذه الحالة دائمًا؛ نحو: الجمل أصبر من غيره على العطش –الجملان أصبر من غيرهما -.... الجمال أصبر من غيرها ...

_ 1 في ص403 رقم 2 وهناك حالة أخرى سبق عرضها موضحة مفصلة "في باب "الحال" ج2 م84 ص303 "د". وكذلك في رقم 3 من هامش ص300 من ذلك الجزء والباب" وملخصها: وهذا الملخص لا يغني عن الأصل السابق –أن أفعل التفضيل قد يقضي حالين؛ أحداهما تدل على أن صاحبها في طور من أطواره أفضل من نفسه أو غيره في الحال الأخرى. فالأحسن أن تتقدم إحداهما على عاملها "وهو أفعل التفضيل" وتتأخر الثانية عنه؛ نحو: الحقل قطنا أنفع منه قمحًا –الفدان عنبًا أحسن منه قطنًا– المتعلم تاجرًا أقدر منه زراعًا. وأجاز بعض النحاة تأخير الحالين معًا عن أفعل التفضيل بشرط أن تقع بعده الأولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه ... راجع ج2. 2 ومثل قول الشاعر: الموت أحسن بالنفس التي ألفت ... عز القناعة، من أن تسأل القوتا

- الناقة أصبر من غيرها، الناقتان أصبر من غيرهما، النوق أصبر من غيرهن. ب- وأما الأمر الثاني وهو: دخول: "من"1 جارة للمفضل عليه "أي: للمفضول" فأمر واجب أيضًا، بشرط أن يكون قصد التفضيل باقيًا. ولهذا كان وجودها دليلًا على إرادة التفضيل، وعدم انسلاخ "أفعل" عنه. وهي مختصة بهذا القسم وحده، وبدخولها على المفضول دون غيره، ولا وجود لها في القسمين الآخرين –كما سيجيء عند الكلام عليهما– ولا يجر المفضول غيرها من حروف الجر. ومن الأمثلة –غير ما سبق– قول المتنبي: وما ليل بأطول من نهار ... بظل بلحظ حسادي مشوبًا وما موت بأبغض من حياة ... أرى لهمو معي فيها نصيبًا ودخول حذفهما معًا، بشرط وجود دليل عليهما؛ كقوله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ، أي: والآخرة خير من الدنيا، وأبقى منها. وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} ، أي: أعز نفرًا منك. وقول الشاعر: ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم أي: ألذ من جني النحل. وإذا حذفا من اللفظ كانا ملحوظين في النية والتقدير؛ وصارا بمنزلة المذكورين2.

_ 1 ومعناها هنا: الابتداء أو المجاوزة، فإذا كانت للابتداء فهي لابتداء الارتفاع إذا كان السباق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق الذم؛ نحو: المنافق أضر من العدو. وإذا كانت للمجاوزة فمعناها أن المفضل جاوز المفضول في الأمر المحمود أو المذموم ... و"من" هذه غير "من" التي تجيء للتعدية المجردة "أي: التعدية التي لا دلالة معها على التفضيل مطلقًا؛ لأنه غير مراد" ومن صورها ما يجيء في "الملاحظة" الخاصة: ص405. 2 يقول ابن مالك في "أفعل التفضيل المجرد، ووصله بالحرف: "من" لفظًا أو: تقديرا": وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرًا، أو لفظًا بـ"من" إن جردا ثم يقول في بيت سيعاد ذكره لمناسبة أخرى في ص416: وإن لمنكور بضف أو جردا ... ألزم تذكيرًا وأن يوحدا

وأكثر مواضع حذفها حين يكون "أفعل" خبر مبتدأ، أو خبر ناسخ، أو مفعولًا ثانيًا لفعل ناسخ "مثل ظن وأخواتها ... " أو مفعولًا ثالثاً لفعل ينصب ثلاثة "كالفعل: وأرى.." نحو: قرع الحجة بالحجة أنفع ... وهو بالعالم أليق....- ربما كان ازدراء السفيه أنجع في إصلاحه ... -. فلو طالعت أحداث الليالي ... وجدت الفقر أقربها انتيابا1 وأن البر خير في حياة ... وأبقى بعد صاحبه ثوابًا أعلمت الجازع احتمال المشقة أجدر بأصحاب العزائم والهمم ... ويقل حذفهما إذا كان "أفعل" حالًا. نحو: توالت النغمات أنعش للقلب وأندى للفؤاد، وأذهب للأسى ... ومثل قول الشاعر: دنوب –وقد خلناك كالبدر –أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللًا يريد: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر، فكلمة "أجمل" حال من الفاعل: "التاء". وهذا النوع من الحذف –على قلته– قياسي تجوز محاكاته. وكذلك يقل حذفهما إن كان "أفعل" نعتًا لمنعوت محذوف مع عامله لقرينة، نحو: اتجه ... أوسع مساحة، وأكثر خصبًا، وأرحب للغريب صدرًا. والأصل: اتجه، واقصد بلدًا أوسع مساحة ... و ... والأحسن عدم جواز القياس على هذا النوع؛ لكثرة الحذف فيه، وتوقع اللبس في فهمه ... 2- ومن الأحكام: وجوب تقديمها أحيانًا على عاملهما وحده، وهو: "أفعل" دون تقديمها على الجملة كلها. وإنما يجب التقديم على عاملهما إذا كان المجرور اسم استفهام؛ كهذا السؤال: فلان ممن أفضل؟ والأصل: فلان أفضل ممن؟ أو كان المجرور مضافًا إلى اسم استفهام، نحو: فلان من ابن من أفضل؟

_ 1 ترددًا على الناس، ذهابًا ومجيئًا إليهم.

والأصل فلان أفضل من ابن من؟ ولا يجوز التقديم في غير حالتي الاستفهام السالفتين1 إلا للضرورة الشعرية كقول القائل: وإن عناء أن تناظر جاهلا ... فيحسب –جهلا– أنه منك أعلم وقول الآخر: إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة2 ... فأسماء –من تلك الظعينة أملح والأصل: "أعلم منك" وأيضًا "فأسماء أملح من تلك الظعينة". فقد تقدم الحرف "من" مع مجروره، مع أن الكلام خبري، وليس إنشائيًا استفهاميًا3 ... 3- ومنها: امتناع الفصل بينهما وبين "أفعل" إلا بمعمولة، أو: "لو" وما يتبعها، أو: النداء –فمثال الفصل بالمعمول قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، وقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند قول الآخر: لولا العقول لكان أدنى4 ضيغم ... أدنى5 إلى شرف من الإنسان6

_ 1 هناك حالة أخرى يتقدم فيها معمول "أفعل التفضيل" على عامله أفعل التفضيل. وقد سردنا ملخصها في رقم 1 من هامش ص401، وقلنا إن هذا الملخص لا يغني عن البيان والتفصيل المذكورين في باب الحال، "ج2 م84 ص303 "د" ورقم 3 من هامش ص300 هناك". 2 المرأة في هودجها، "تكريمًا وصيانة لها". 3 وفي تقديم "من" مع مجرورها في حالتي الاستفهام يقول ابن مالك في بيتيه السابع والثامن –وسيذكران لمناسبة أخرى في ص419: وإن تكن بتلو "من" مستفهما ... فلهما كن أبدا مقدما -7 كمثل: ممن أنت خير؟ ولدى ... إخبار التقديم نزرا وردا -8 أي: أن تكن مستفهمًا بالاسم التالي: "من"، وهو مجرورها، فتقدمهما وجوبًا في كل الحالات. ثم قال: ورد التقديم نزرًا "أي نادرًا" في حالة الإخبار. أي في حالة الكلام الخبري، لا الإنشائي الذي شرحناه. ومما يلاحظ أن المثال الذي في البيت الثاني معيب؛ للسبب الموضح في الصفحة الآتية: 4 أقل. 5 أقرب. 6 سيذكر هذا البيت لمناسبة أخرى في ص433.

ومثال الفصل بكلمة: "لو" وما يتبعها قول الشاعر: ولفوك أطيب –لو بذلت لنا- ... من ماء موهبة1 على خمر ومثال النداء: أنت على أداء المهام الجسام أقدر –يا صديقي– من صفوة الأخلاء. قول الشاعر: لم ألف أخبث –يا فرزدق– منكمو ... ليلًا، وأخبث بالنهار نهارًا فلا يجوز الفصل بينهما بأجنبي "وهو الذي ليس معمولًا لأفعل" ولا بشيء غير ما سبق؛ ولهذا حكموا بالخطأ أو الشذوذ على مثل: ممن أنت أفضل؛ لأن الجار والمجرور: "ممن" متعلقان "بأفضل"2، و"أنت" مبتدأ خبره: "أفضل" وقد فصل المبتدأ بين "أفضل" والجار مع مجرورة، مع أن المبتدأ أجنبي من أفضل، "أي: ليس معمولًا له". "ملاحظة": قد يصاغ "أفعل التفضيل" من مصدر فعل يتعدى بحرف الجر "من"؛ كالفعل: قرب، بعد ... فعند التفضيل يجيء هذا الحرف مع مجروره، إما متقدمين على "من" الجارة للمفضول ومتوسطين بينها وبين "أفعل"؛ نحو: المجرب أقرب من الصواب من الناشئ، وإما متأخرين عنهما؛ نحو: المجرب أقرب من الناشئ من الصواب3 ...

_ 1 نقرة في جوف الصخر يخزن فيها الماء ليبرد. 2 ويجب تقديمها عليه وحده في هذه الصورة. 3 وهذا النوع الخاص بالتعدي يخالف النوع الذي سبق في ص402 وهو الخاص بدخول "من" على المفضل عليه –كما ستجيء الإشارة لهذا في ص412.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا1 أن: "أفعل التفضيل" يدل –في الأغلب– على اشتراك شيئين في معنى خاص، وزيادة أحدهما على الآخر فيه..، و.... فما ضابط الاشتراك؟! ليس للاشتراك ضابط معين يحدد أنواعه، وإنما يكفي أن يتم على وجه من الوجوه يكون به واضحًا ومفهومًا للمتخاطبين، ولو كان اشتراكًا ضديًا، أو تقديريًا، كقول إنسان في عدوين له: هذا أحب إلى من ذلك. وفي نوعين من الشر: هذا أحسن من هذا. يريد في المثال الأول: هذا أقل بغضًا عندي، ويريد في المثال الثاني: هذا أقل شرًا من الآخر؛ فليس في نفس المتكلم قدر مشترك من الحب والحسن لهذا، أو لذاك. وإنما القدر المشترك هو الكره والقبح اللذان يضادان الحب والحسن. فالاشتراك إنما هو في أمر مضاد في معناه لمعنى: "أفعل" المذكور في الجملة، مع تفاوت النصيب بينهما، ووجود الزيادة في أحدهما وحده؛ فأحدهما عدو خفيف العداوة أو القبح، والآخر: شديدهما، فالزيادة موجودة ولكنها في أحد الأمرين المشتركين في معنى: مضاد لمعنى أفعل. ومن غير الغالب ألا يكون بينهما اشتراك مطلقًا إلا على نوع جائز من التأول توضحه القرائن؛ كقولهم: الثلج أشد بياضًا من المسك، الصيف أحر من الشتاء، السكر أحلى من الملح، العسل أحلى من الخلّ. يريدون: أن بياض الثلج أشد في ذاته من سواد المسك في ذاته، والصيف حرارته أشد من الشتاء في برده، والسكر في حلاوته أقوى من الملح في ملوحته، والعسل حلاوته أشد من الخل في حموضته، وهكذا ... ؛ فليس بين كل اثنين مما سبق اشتراك في المعنى إلا في مطلق الزيادة المجردة، ودرجتها الذاتية المقصورة على صاحبها ... ؛ فالصلة بين كل اثنين مقصورة على هذه الزيادة المجردة، وبينهما بعد ذلك تباين تام يختلف عن التضاد السابق الذي يقوم بجانبه

_ 1 في ص395 وأشرنا في رقم 2 من هامشها إلى أهمية ما يأتي هنا في الزيادة والتفصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نوع من الاشتراك في أمر يتصف به الاثنان، وإن كان هذا الأمر مخالفًا معنى "أفعل". ب- من الأساليب الصحيحة: فلان أعقل من أن يكذب –وأمثال هذا- فهل معناه تفضيل فلان في العقل على الكذب؟ وهذا معنى فاسد؛. خير ما يقال في هذا وأمثاله: أن "أفعل التفضيل" يفيد هنا أمرين معًا؛ هما إفادة البعد عما بعده، وأن سبب هذه الإفادة هو المعنى اللغوي الأساسي المفهوم من مادة "أفعل" المعروض في الجملة الأصلية، فالمراد: فلان أبعد الناس من الكذب؛ بسبب عقله. وفي مثل: فلان أجل من الرياء، وأعظم من الخيانة ... يكون المقصود: فلان أبعد الناس من الرياء؛ بسبب جلاله، وأبعد من الخيانة بسبب عظمته ... ومثل هذا يقال في بيت الشاعر: الحق أكبر من أن تستبد به ... يد، وإن طال في ظلم تماديها فالغرض إعلان البعد عن تلك الأشياء مع بيان سبب البعد. وأفعل التفضيل في تلك الأساليب ونظائرها يفيد ابتعاد الفاضل من المفضول، ولا تكون "من" تفضيلية جارة للمفضول، وإنما هي مع مجرورها متعلقان "بأفعل" الذي هو بمعنى: متباعد؛ لأنها حرف الجر الذي يتعدى به الفعل "بعد" وباقي المشتقات التي من مادته؛ ومنها هنا: "أفعل" لتضمنه معنى "أبعد: بمعنى: "بعد" فهي متعلقة به من غير أن يدل على تفضيل؛ كنظيرتها في قولنا: أنا بعيد من الظالمين، بمعنى: متباعد. وقيل إنه مستعمل في بعض مدلوله دون بعض؛ فهو يدل على زيادة البعد، دون أن يكون هناك مفضول حقيقي، ولا "من" الداخلة عليه ... ومضمون الرأيين واحد1.... ج- يجب تصحيح عين أفعل التفضيل إذا كانت قبل التفضيل مستحقة للإعلال، ونحو: الأديب أقوم لسانًا، وأبين قولًا من غيره، فيجب أن تسلم الواو والياء.

_ 1 وهناك بعض آراء أخرى عرض لها "المغني" في "الباب الخامس من الجزء الثاني، عند كلامه على الجهة الرابعة من جهات الاعتراض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ د- إذا كان أفعل التفضيل المجرد1 واجب الأفراد والتذكير فما بال العرب تقول: مر بنا سرب من الظباء، بعده أسراب أخر؛ فيأتون بكلمة: "أخر" مجموعة ومؤنثة؛ "إذ هي جمع، مفرده: "أخرى"، "وأخرى" مؤنث لكلمة "آخر" الذي أصله "أأخر" على وزن: "أفعل" المذكر الدال على التفضيل؛ فهو من القسم المجرد". فلم كانت "أخر" مجموعة ومؤنثة في المثال السالف –وأشباهه– مع أن القاعدة تقتضي الإفراد والتذكير، وأن يقال: أسراب "آخر" "التي أصلها: "أأخر" كما أسلفنا"2. أجاب النحاة: إن كلمة: "أخر" ليست مما نحن فيه؛ لأسباب ثلاثة مجتمعة: أولها: أنها في استعمالاتها الصحيحة المختلفة –ومنها المثال السالف وأشباهه– لا تدل على التفضيل؛ "أي: لا تدل على المشاركة والزيادة" وإنما تدل على المغايرة المحضة، والمخالفة المجردة من كل معنى زائد عليها. فالكلام الذي تكون فيه يقتضي معنى المغايرة وحدها، لا معنى المفاضلة، أو نحوها. وهذا شأنها في الاستعمالات الواردة، فمعنى سرب آخر وأسراب أخر هو: سرب مغاير، وأسراب مغايرات، بدون تفضيل فيهما. وثانيهما: أنها –في كلام العرب– لا يقع بعدها: "من" الجارة للمفضول، لا لفظًا ولا تقديرًا. وثالثها: أنها –في كلامهم الفصيح تطابق وهي نكرة3.

_ 1 سبق الكلام عليه، في ص401. 2 أي: أن الأصل أن يقال مثلًا: هذا ظبي آخر "وأصلها: أأخر" وهذه ظبية آخر "أأخر" لكنهم تركوا الأصل، وقالوا: ظبية أخرى؛ فأتوا بكلمة: "أخرى" التي هي المفردة المؤنثة لكلمة: آخر. والأصل أيضًا أن يقال: هذان ظبيان آخر "وأصلها: أأخر، وهاتان ظبيتان آخر" ولكنهم تركوا الأصل وقالوا: آخران، في تثنية المذكر، وأخريان في تثنية المؤنث. وكذلك الأصل أن يقال: هؤلاء ظباء آخر "أأخر" وهؤلاء ظبيات آخر "أأخر". لكنهم تركوا الأصل أيضًا، وقالوا: أخر، التي هي جمع مؤنث، مفرده: أخرى. 3 أي: أنها لو كانت التفضيل وهي نكرة، لوجب عدم مطابقتها؛ كي تساير المسموع الكثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلهذه الأمور الثلاثة لا تكون من القسم الأول الذي يدور فيه الكلام؛ بل إنها ليست للتفضيل مطلقًا2 –كما تقدم؛ وإنما هي كلمة معدولة، "أي: محولة" عن كلمة: "آخر" التي أصلها "أأخر" جاءت لتؤدي معنى ليس فيه تفضيل، ذلك أن العرب حين أرادوا استخدام كلمة: "آخر" في معناها الأصلي –وهو المغايرة المحضة الخالية من معنى التفضيل– عدولوا بها عن وزنها الأول؛ بأن أدخلوا عليها شيئًا من التغيير، وحولوها إلى هذا الوزن الجديد؛ وهو: "أخر" لتؤدي معنى خاليًا من التفضيل لا يمكن أن تؤديه إذا بقيت على الصيغة الأولى. ويقول السيوطي1، قولًا أشبه بهذا؛ نصه: "كان مقتضى جعل "أخر" من باب "أفعل التفضيل" أن يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير. وألا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، إلا معرفًا، كما كان أفعل التفضيل؛ فمنع هذا المقتضى، وكان بذلك معدولًا عما هو به أولى؛ فلذلك منع من الصرف"2.... فالذي دعا النحاة لهذا التحليل والتعليل هو ما رأوه من جمعها وتأنيثها مع انطباق أوصاف القسم الأول عليها -في الظاهر- فلجئوا إلى مسألة العدول والتحويل ليتغلبوا على هذه العقبة ويجعلوا قاعدة: "أفعل التفضيل المجرد" مطردة. قد يكون كلامهم سائغًا من الوجهة الجدلية المحضة، لكنه من الوجهة الحقيقية مردود، ذلك أن العرب لا تعرف شيئًا مما قالوه، ولم يدر بخلدها قليل أو كثير منه حين نطقوا بالتعبير السابق وأشباهه. فإبعادًا لهذا التكلف ومسايرة للأمر الواقع، يحسن الأخذ ببعض مما قاله النحاة -بحق- وهو: أنها ليست للتفضيل فلا تنطبق عليها أحكامه، أو أنها خالفت القاعدة؛ فهي من الشاذ

_ "1، 1" الهمع ج2 ص104. 2 يقول العكبري –في كتابه: "إملاء ما من به الرحمن" ج1 ص456، سورة البقرة ما نصه في كلمة: "أخر" "لا تنصرف للوصف والعدل عن الألف واللام؛ لأن الأصل في "فعل" صفة أن تستعمل في الجمع بالألف واللام؛ كالكبرى والكبر، والصغرى والصغر". ا. هـ. وهذه التعليل مردود كغيره بما ذكرناه هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يحفظ، ولا يقاس عليه. ولا عبرة بما عرضوه من أسباب أخرى؛ فهني أسباب ضعيفة لا تثبت على التمحيص، ومن السهل دفعها، وقد دفعها بعض النحاة فعلًا بما يرهق سرده من غير نفع عملي، فخير لنا أن فقر الواقع، من غير تكلف ولا جدال زائف. هـ -ونزولًا على قاعدة الإفراد والتذكير السالفة عاب بعض النحاة على أبي نواس ذكر كلمتي: "صغرى" و "كبرى" مؤنثتين للتفضيل، مع أنهما مجردتان في قوله1: كأن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء در على أرض من الذهب والقياس: أصغر وأكبر. لأنهما صيغتان للتفضيل، مجردتان. والقاعدة تقضي بالتزام التذكير والإرادة في هذه الحالة.. ومما قيل في دفع هذا العيب: إن الشاعر لم يقصد التفضيل مطلقًا، ولا الحديث عن شيء أصغر من شيء آخر، أو أكبر منه؛ وإنما قصد صغرى أو كبرى من حيث هي: لا باعتبار موازنتها بغيرها؛ كمن يشاهد طفلة تحاول الركوب فيساعدها ويقول: ساعدتها لأنها: "صغرى"، أي صغيرة، وكمن يشاهد سيدة عجوزًا؛ فيعاونها عن النزول من السيارة ويقول: عاونتها لأنها كبرى؛ أي: كبيرة السن؛ فليس في كلامه هذا، ولا في المقام ما يدل على تفضيل أو موازنة بين اثنين يزويد أحدهما على الآخر في هذا المعنى. وإذا كان الأمر على ما وصفنا فليس التأنيث لحنًا، لأن "أفعل" إذا كان مجردًا غير مقصود منه التفضيل "فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ حملًا على أغلب أحواله، وقد يطابق، لعدم مجيء "من" لفظًا ومعنى. واعتمادًا على هذا السبب في المطابقة يخرج بيت أبي نواس السالف، ومثله قول العلماء العروضيين: "فاصلة صغرى وكبرى"، خلافًا لمن جعله لحنًا2".

_ 1 يصف كأسا مملوءة بشراب ذهبي اللون، تعلوه الفقاقيع. 2 حاشية الخضري مع توضيح بعض كلماتها –"في هذا الباب عند الكلام على أفعل التفضيل المضاف والمقرون بأل". ومثل هذا في شرح التوضيح. وقال الأشموني في هذا الموضع ما نصه: "..... وإذا صح جمع "أفعل التفضيل"؛ لتجرده من معنى التفضيل جاز أن يؤنث؛ فيكون قول ابن هانيء: "كأن صغرى وكبرى من فقاقعها ... " صحيحًا ا. هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا دفع حق، وهو خير من القول بأن في الكلام حذفًا وزيادة يؤديان إلى إخراج الكلمتين من هذا القسم، وإدخالهما في قسم آخر من أقسام "أفعل" التفضيل؛ كقسم المضاف1 إلى المعرفة؛ بحيث يؤدي إلى الحكم بصحتهما، وأن الأصل: "كأن" صغرى فقاقعها وكبرى من فقاقعها" ... فكلمة: "من" زائدة "مع أنها –في الغالب– لا تزاد إلا بعد نفي بشرط أن يكون مجرورها نكرة"، و"فقاقعها" الأولى محذوفة للدلالة الثانية عليها، ففي الكلام حذف من جهة، وزيادة من جهة أخرى ... وما أشد حاجاتنا إلى إهمال مثل هذا مما لا داعي له. وأعجب منه قولهم في الدفاع عن الشاعر: "إن أفعل التفضيل المجرد يصح تأويله بما لا تفضيل فيه؛ فيطابق حينئذ كما في المضاف إلى المعرفة"، وقد جاء هذا الكلام في التسهيل"2. ولا أدري: أيغيب عن أحد وجه ضرره وأثره السيئ في اللغة؟ إذ كيف تؤدي اللغة مهامها –وما أجلها– إذا كان من الجائز دون قيد ولا شرط. تأويل اللفظ الذي يشوبه خطأ لغوي تأويلًا يصلح عيبه من غير داعٍ معنوي لذلك؟

_ 1 سيجيء الكلام على المضاف بنوعيه في ص416 و418. 2 ونقله: الهمع، وياسين في حاشيته على التصريح، وكذا الصبان.

القسم الثاني: أن يكون أفعل التفضيل مقرونًا "بأل". وهذا يوجب أمرين: أحدهما: أن يكون مطابقًا لصاحبه في التذكير، والتأنيث، والإفراد، وفروعه؛ نحو: قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} –اليد العليا خير من اليد السفلى1. الشقيقان هما الأفضلان –الشقيقان هما الفضليان2 –الأشقاء هم الأفضلون، أو الأفاضل3 –الشقيقات هن الفضليات ... والآخر: عدم مجيء "من" الجارة "للمفضل عليه"؛ لأن "المفضل عليه" لا يذكر في هذا القسم4. أما الجارة لغيره فتجيء؛ كالتي في قول الشاعر: فهم الأقربون من كل خير ... وهم الأبعدون من كل ذم فالجار والمجرور –في الشطرين –لا شأن له بالتفضيل: لأن: "من" المذكورة هي التي تدخل على المجرور للتعدية5، إذ: "الأقرب" و "الأبعد" يحتاجان إلى معمول مجرور "بمن" كفعلها: "قرب وبعد" فليست: "من" بعدهما هي التي تدخل على المفضول، وتجره؛ إنما هي مجرورها نوع آخر.

_ 1 العليا: مؤنث الأعلى، والسفلى: مؤنث الأسفل. والألفاظ الأربعة صيغ تفضيل. 2 تثنية: فضلى، مؤنث: أفضل. 3 انظر رقم 2 من هامش ص414؛ ففيه البيان. 5 إذ تغني عنه "أل"؛ لأنها للعهد "وليست موصولة كالداخلة على اسم الفاعل، واسم المفعول" والتي للعهد تشير إلى شيء معين تقدم ذكره لفظًا أو حكمًا. وتعيينه يشعر بالمفضول؛ ولهذا قالوا: "لا تكون "أل" في "أفعل التفضيل" إلا للعهد؛ لئلا يعرى عن المفضول" –راجع الصبان، ج2 أول باب أفعل التفضيل –وإذا لا يصلح أن يقال: على الأفضل من أمين. وأما قول الأعشى: ولست بالأكثر منهم حصى ... إنما العزة للكاثر فمؤول عندهم بتأويلات مختلفة؛ منها: زيادة "أل" في لفظ:"الأكثر"، ومنها: أن الجار والمجرور متعلق بكلمة محذوفة تماثل المذكورة، والأصل: "بالأكثر أكثر منهم"....ومنهم أن "من" بمعنى "في" وكل هذه التأويلات مرفوضة لا يعرف عنها الشاعر "الأعشى" شيئًا؛ فهي إما لغة، وإما شاذة. 5 وهي التي سبقت الإشارة إليها في ص407، وتخالف الداخلة على المفضل عليه، والتي سبق بيانها في ص402.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: قال صاحب التصريح1: إن "أفعل التفضيل" المقترن بأل يطابق موصوفه لزوما.... ومع ذلك لا بد من ملاحظة السماع، وأردف هذا بالنص الآتي: "قال أبو سعيد على بن سعيد في: كفاية المستوفى، ما ملخصه: ولا يستغنى في الجمع2 والتأنيث عن السماع؛ فإن الأشراف والأظرف لم يقل فيهما: الأشارف والشرفى. والأظارف، والظرفي، كما قيل ذلك في الأفضل والأطول، وكذلك الأكرم والأمجد، قيل فيهما: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمى والمجدى" ا. هـ. هذا ما قاله وما نقله صاحب "التصريح" وقد يكون من السداد إهماله. وترك الأخذ به، لما فيه من تضييق وتعسير بغير حق؛ إذ يفرض على المتكلم أن يبحث جهد طاقته عن الصيغة المسموعة؛ فإن اهتدى إليها بعد العناء استعملها، وإن لم يجدها لم يستعمل القياس مع شدة حاجته إلى استخدامه للوصول إليها. على أن بذل الطاقة واحتمال العناء لا يوصلان أحيانًا إلى الصيغة المسموعة، لا لعدم وجودها، ولكن لتعذر الاهتداء إلى مكانها، برغم العناء المرهق المبذول في سبيلها. وهل أدل على هذا من أن صاحب الرأي السالف يقرر عدم ورود السماع بكلمات معينة منها: "الكرمى" مؤنث: "أكرم"، وأن غيره يقرر عدم ورود بكلمات أخرى منها: "الرذلى، والجملى"، "مؤنث: الأرذل والأجمل" على حين يسجل أبو علي القالي في الجزء الأول من كتابه: "الأمالي"3 ما نصه: "قال بعض بني عقيل وبني كلاب: هو الأكرم، والأفضل، والأحسن، والأرذل، والأنذل، والأسفل، والألأم. وهي: الكرمى والفضلى، والحسنى،

_ 1 ج2 باب: "أفعل التفضيل" عند الكلام على النوع المقرون بأل. 2 المفهوم من سياق الكلام في: "التصريح" أن مراده بالجمع السماعي مقصور على "جمع التكسير" دون غيره؛ إذ لا خلاف في قياسية جمعي التصحيح بالشروط الخاصة بكل منهما. –وقد سبقت عند الكلام عليهما في الجزء الأول– هذا، ولم يتعرض النص السالف لمثنى. فهل يريد بالجمع ما يشمل المثنى أيضًا كالشأن في عبارات بعض اللغويين؟ 3 في ص152.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرذلى، واللؤمى، وهن الرذل، والنذل واللؤم ... " ا. هـ؟. فقد سجل أنها مسموعة هي ونظائر لها. ومن تلك النظائر الأخرى المسموعة: العظمى، الصغرى، الكبرى، الوثقى، الفضلى، القصوى، الأولى، الجلى، الدنيا، الوسطى، الأخرى، العليا، السفلى، الكوسى "كثيرة الكياسة" الطولى "أنثى الأطول" –الضيقى "شديدة الضيق" ... و ... ولكل صيغة مما سبق مقابل على وزن "أفعل" لمذكرها. ولو حصرنا ما نقله صاحب الأمالي، وما نقله غيره في مواطن مختلفة، وما رأيناه بأنفسنا في المراجع اللغوية ... لكان من هذه الكلمات المبعثرة مجموعة كثيرة العدد، تبيح القياس عليها؛ لكثرتها التي تتجاوز المائة. ولا حاجة بنا إلى تأويلها، أو التمحل لإبعادها عن "التفضيل" وعن نوعه الذي نحن فيه؛ فإن تأويل النحاة –كما بسطوه هنا– يقوم على الجدل المحض الذي لا يعضده الحق. وشيء آخر: أنه لو صح الأخذ برأي المانعين وحدهم ما كان للقياس حكمة ولا فائدة؛ لأن القياس مستمد من الكثير المسموع، وقد تحقق هذا الكثير هنا. فكيف نمنع القياس في بعض الصور التي ينطبق عليها؟ وكيف نحرم تطبيقه والانتفاع به، زاعين واهمين أن صيغة الكلمة ذاتها –بحروفها وتكوينها المادي– غير مسموعة؟ فلم الاستنباط، ووضع القواعد والضوابط العامة؟ وكيف يتحقق القياس؟..1. لهذا كان مجمع اللغة العربية سديد الرأي حين قرر قياسية جمع "الأفعل" الذي للتفضيل المقرون بأل على "الأفاعل"، كما قرر صياغة مؤنثه على "الفعلى" قياسًا كذلك2....

_ 1 يؤيد هذا ما سبق أن قلناه في قياسية مصدر الفعل الثلاثي ص184 وما بسطه ابن جني –وغيره– في الجزء الأول من كتابه: "الخصائص" في الفصل الرشيد المحكم الذي نشير إليه كثيرًا، وعنوانه: "اللغة تؤخذ قياسًا" وقد نشرناه كاملًا في آخر الجزء الثاني. 2 طبقًا لما في ص151 من الكتاب الذي أصدره في المجمع سنة 1969؛ ففي تلك الصفحة تحت عنوان: "في أفعل التفضيل – جمع: "الأفعل" على الأفاعيل، وصوغ مؤنثه على: "الفعل" ما نصه منسوبًا إلى لجنة الأصول بالمجمع، ومصحوبًا بالأسانيد والبحوث المؤيدة له: "يختلف النحاة في جمع التفضيل المقترن بالألف واللام على: "الأفاعل"، وفي تأنيثه على "الفعلى". فمنهم من ذهب إلى أن جمعه على "الأفاعل" وتأنيثه على "الفعلى" مقصوران على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طالمًا رددنا –في هذا الكتاب– أن الحرص على سلامة اللغة أمر محمود، بل مفروض، ولكن بشرط ألا يكون بوسائل تعوق الانتفاع بها، وتزهد فيها، من غير فائدة ترجى، ولا ضرر يدفع. نعم قد يقع جرس هذه الصيغ الجديدة القياسية غريبًا أول الأمر على الأسماع؛ كتلك الصيغ التي نقلها صاحب الأمالي عن بني عقيل، وبني كلاب ولكن لا يصح أن تحول غرابة الجرس بين الكلمة والانتفاع الضروري بها، فما أكثر الكلمات اللغوية الغريبة في جرسها على الأسماع، وقد تكون غريبة عند قوم مقبولة عند آخرين. على أن تداول الكلمة الغريبة كفيل بصقلها وإزالة غرابتها، ولكن يطول الزمن على تداولها، فما أسرع دورانها وشهرتها، بسبب الحاجة إلى استخدامها، وترديد الألسنة لها ...

_ = السماع. ومنهم من ذهب إلى أن ذلك قياسي؛ مستندين إلى أن اقترانه "بأل" يبعده عن الفعلية من حيث أن الأفعال لا تدخلها الألف واللام، وذلك يدينه من الاسمية. ولما كان هذا الرأي أقرب إلى التيسير قررت اللجنة أنه يجوز "أفعل التفضيل" المقرن بالألف واللام على "الأفاعل"، ويلحق به في ذلك المضاف إلى المعرفة، وأنه يجوز تأنيثها على الفعلى" ا. هـ. وقد وافق المجمع ومؤتمره على قرار اللجنة في الجلسة السادسة من المؤتمر الثالث والثلاثين بدورة سنة 1967.

القسم الثالث: أن يكون مضافًا1، ويشترط في هذا القسم شرطان عامان لا بد منهما في "أفعل التفضيل" المضاف مطلقًا "أي: سواء أكانت إضافته للمعرفة أم للنكرة". أحدهما: ألا يقع بعد أفعل التفضيل "من" الجارة للمفضول، فلا بد أن يخلو الكلام منها ومن مجرورها؛ فلا يصح: محمود أفضل الطيارين من حامد، أما الجارة لغيره فتوجد: نحو: أبي أقرب الناس مني. ثانيهما: أن يكون المضاف بعضًا2 من المضاف إليه، بشرط إرادة التفضيل وبقاء معناه3 ووجوده؛ فلا يصح: الطيار أفضل امرأة. فتى تحقق الشرطان العامان، وكانت إضافته لنكرة، وجب حكمان: أولهما: إفراده وتذكيره –كالمجرد4-. والآخر: مطابقة المضاف إليه لصاحب5 أفعل التفضيل، "أي: للموصوف6 الذي يتجه إليه معنى: "أفعل" ويتصف به". وفي التذكير. والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، وفي جنسه أيضًا..

_ 1 إذا أضيف كانت إضافته غير محضة، وقيل: محضة على الوجه المبين في ص5. وقد سبق بيانهما وتفصيل أحكامهما أول هذا الجزء. 2 وسيجيء في الزيادة "ص421" اشتراط أن يكون "أفعل" بعض المضاف إليه، مع بيان المراد من هذه البعيضة. "وقد سبق لهذه المسألة المهمة توضيح آخر يتممها في ج2 باب: التمييز ص332 "ب" م88". 3 وهو المفاضلة الدالة على زيادة شيء على آخر؛ وبهذا تكون المفاضلة قائمة وموجودة. 4 وفي حكم أفعل التفضيل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة – وأن هذا الحكم هو الإفراد والتذكير –يقول ابن مالك في بيت سبق ذكره في هامش ص403: وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرًا، وأن يوحدا 5 المضاف هو: "أفعل" والذي يتجه إليه معناه هو صاحبه الذي يتصف به؛ فكلاهما واحد من جهة المدلول والمعنى. 6 أي الشيء الذي يقوم به معنى "أفعل"، فليس المراد بالموصوف والصفة هنا المنعوت وللنعت الاصطلاحيين.

ومن أمثلته قول المتنبي: وأحسن وجه في الورى وجه محسن ... وأيمن كف فيهمو كف منعم وتقول: هذان الوجهان أحسن وجهين ... وهاتان الكفان أيمن كفين وجوه الشرفاء أحسن وجوه، وأكفهم أيمن أكف1. فالأمور التي يجب اجتماعها كاملة عند إضافته للنكرة2 –أربعة؛ هي: 1- امتناع "من" للمفضول. 2- كون المضاف بعض المضاف إليه عند إرادة التفضيل. 3- إفراد "أفعل" وتذكيره. 4- مطابقة المضاف إليه لصاحب "أفعل" في الجنس، وفي الإفراد والتذكير وفروعهما.

_ 1 جاءت المطابقة السابقة –في أغلب صورها التي منها التذكير والتأنيث- نتيجة لاشتراط أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، "فلا يقال: سعيد أفضل امرأة"؛ لما تقرر: أن أفعل التفضيل المضاف لنكرة لا بد أن يكون بعضًا من المضاف إليه –في الأصح- بشرط أن يكون معنى المفاضلة قائمًا. وقد اشترط بعضهم لوجوب هذه المطابقة أن يكون المضاف إليه جامدًا؛ ليخرج مثل قوله تعالى: {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} ، لعدم وجود صاحب "أفعل" والأحسن إهمال هذا الشرط أما كلمة "أسفل" في الآية فصفه لجمع محذوف. هذا، ومن المهم فهم الأساليب التي يكون فيها "أفعل التفضيل" مضافًا لنكرة مطابقة للموصوف الذي يتصف بمعنى أفعل التفضيل، "أي: مطابقة لصاحب أفعل التفضيل"؛ فإن المراد يكون إثبات المزية للمفضل على جنس المضاف إليه واحدًا واحدًا إن كان المضاف إليه مفردًا، واثنين اثنين إن كان المضاف إليه مثنى، وجماعة جماعة إن كان جمعًا. ومما يزيد الأمر وضوحًا الأمثلة الآتية: المصلح أفضل رجل، المصلحان أفضل رجلين، المصلحون أفضل رجال، المُصلحة أفضل امرأة المطلحتان أفضل امرأتين، المصلحات أفضل نساء ... فالمراد: المصلح أفضل من جميع الرجال إذا فُضِّلوا رجلاً رجلاً، والمصلحان أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجلين رجلين، والمصلحون أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجالاً رجالاً، والمصلحة أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأة امرأة، والمصلحتان أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأتين امرأتين، والمصلحات أفضل من جميع النساء إذا فضلن نساء، نساء، مجتمعات.. وهكذا الأمثلة الأخرى ونظائرها "انظر ص421 الآتية لإدارك الفرق بين ما هنا، وما هناك". 2 انظر حكم العطف على هذه النكرة في ص422.

وإن كانت إضافته لمعرفة وجب تحقيق الشرطين العامين المشار إليهما آنفاً. وتجوز فيه بعد ذلك من ناحية التذكير والإفراد وفروعهما –المطابقة وعدمها، بشرط أن يكون الغرض من "أفعل التفضيل" باقيًا –وقد شرحنا هذا الغرض– ولكن ترك المطابقة في التثنية والجمع هو الأكثر، إذ الأفصح أن يكون مفردًا مذكرًا في جميع استعمالاته. فمثال المطابقة: عمر أعْدَلُ الأمراء، العمران1 أعدلا الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدَلُوا الأمراء، فاطمة فُضْلَى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَيَا الزميلات، الفاطمات فضليات الزميلات.. ومثال عدم المطابقة: عمر أعدل الأمراء، العمران أعدل الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدل الأمراء ... فاطمة فضْلّى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَى الزميلات، الفاطمات فضلَى الزميلات ... أما إن كان الغرض الأصلي هو عدم المفاضلة مطلقاً2 أو: كان الغرض هو بيان المفاضلة المجردة3 فتجيب المطابقة للموصوف في الصورتين4 في الإفراد والتذكير وفروعهما، مع جواز أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضًا من المضاف إليه، أو غير بعض. فمثال ما لا يراد منه المفاضلة مطلقًا قول أحد الرحالين يصف الأقزام في المناطق الشمالية: ".... رأيت أهلها صغار الأجسام، قصارًا، لا يكاد أحدهما يزيد على خمسة أشبار، وليس لهم حكومة، ولكن عندهم قاض واحد يرجعون إليه، ويحترمون رأيه. وقد قابلته مرة فقال لي المترجم: هذا أفضل القضاة عندنا، وأوسع الرجال خبرة قضائية في بلدنا، وأرجحهم عقلًا ... ". فالمراد: فاضل، واسع، راجح ...

_ 1 عمر بن الخطاب، وعمرو بن عبد العزيز. 2 أي: عدم إرادة الزيادة، وأن "أفعل" بمعنى الفاعل، أو الصفة المشبهة. وهذا يقضي ألا يوجد المفضول، ولا "من" الجارة له. فقد سبق في "ب" من ص402. وهذا يقتضي ألا يوجد المفضول، ولا "من" الجارة له. فقد سبق في "ب" من ص402 أن "أفعل" لا يمكن تجريده من معنى المفاضلة مع وجود "من" الجارة للمفضول. 3 أي: إثبات الزيادة المحضة التي لا يقصد منها زيادة شيء على المضاف إليه وحده، وإنما يقصد منها مجرد الزيادة عليه وعلى غيره. 4 والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياسيتهما "بشرط وجود القرينة الموضحة للمراد منها؛ لكثرة مجيئهما، في أفصح الكلام، وأخذًا بالأيسر الذي لا ضرر فيه".

ولا يراد التفضيل: إذ لا وجود لقاض آخر يكون هو المفضول ... وفي غير المفرد نقول: هذان أفضلا القضاة، هؤلاء أفضلو القضاة. أو: أفاضلهم ... هذه فُضْلَى القاضيات، هاتان فُضْلَيا القاضيات، هؤلاء فضلَيَات القاضيات.... بالمطابقة في كل ذلك. ومثلها عند إرادة المفاضلة المطلقة؛ نحو: الحق أحقّ الأقوال بالاتباع. والدين أوْلَى الأصولِ بالتمسك به. فليس المراد في هذا المثال وأشباهه المفاضلة بين الأقوال بعضها وبعض، أو بينها وبين الأفعال، ولا بين الحق والباطل، وأن كلاً منهما جدير بالاتباع، ولكن الحق أجدر، ولا بين أصول الدين والكفر وفروعهما، وأن كلاً منها يستحق التمسّك به ولكن الدين أولى ... ليس هذا هو المراد، وإلا فسد الغَرض، وإنما المراد أن الحق في ذاته، والدين في ذاته، من غير نظر لشيء آخر غيرهما هما الأحَقَّان والأوْلَيَان. ومثل هذا يقال: الوالد أحسن الناس منزلة، الوالدان أحْسَنا الناس منزلة، الوالدون أحاسن الناس منزلة، أو: أحسنو الناس منزلة، الوالدة حُسْنَى النساء منزلة، الوالدتان حُسنَيا النساء منزلة، الوالدات حُسنيات النساء منزلة1....

_ 1 يقول ابن مالك في بيان أن المقرون "بأل" يطابق وجوبًا وأن ما أضيف إلى معرفة يجوز فيه وجهان؛ هما المطابقة وعدمها بشرط أن تنوي من، أي: بشرط إرادة التفضيل، "أما عند عدم إرادة التفضيل فالواجب المطابقة –كما شرحنا-". وتلْوُ "أَلْ" طِبْقٌ، وَمَا لمَعْرِفهْ ... أضيفَ –ذُو وجْهَيْن عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ أي: أن "أفعل" لذي يتلو "أل" ويقع بعدها تجب مطابقته لصاحبه، وأن ما أضيف لمعرفة فيه وجهان منقولان عن صاحب رأي ومعرفة بلغة العرب وأحكامها. ثم قال: هذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنى: "منْ"، وإِن ... لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ "فهو طبق: مطابق الذي قرن التفضيل به، أي: للوصوف الذي يقصد به التفضيل، وبعد ذلك ذكر بيتين سبق شرحهما والإشارة لهما "في ص404"؛ وهما: وإِنْ تَكنْ بتلو "مِنْ" مُسْتَفْهِمَا ... فلَهُمَا كنْ أَبَداً مُقَدِّمَا كَمِثْلِ: ممَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ؟ وَلَدَي ... إِخْبارِ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا

وفي الصورتين المذكورتين لا يلزم –كما سبق– أن يكون المضاف بعض المضاف إليه1.

_ 1 لهذه المسألة إيضاح وافٍ سيجيء في الزيادة والتفصيل "آخر ص423"، فمثال دخوله في جنس المضاف إليه وأنه بعضه: محمد عليه السلام أفضل قريش: تريد أفضل رجالهم واحدًا واحدًا، وأفضل الناس من بينهم. ومثال عدم دخلوه في المضاف إليه، وأنه ليس بعضًا منه: يوسف أفضل إخوته "بوجود الضمير في إخوته، يعود عليه"، أي: أنه أفضلهم واحدًا واحدًا، لأننا إذا قلنا: من أخوة يوسف؟ لا يدخل فيهم يوسف، ولا يعد من بينهم؛ فلا يكون أفضلهم؛ لأن إضافة الإخوة للضمير تمنع أن يراد بهم ما يشمل يوسف. بخلاف ما لو قلنا: يوسف أفضل الأخوة، أو أفضل أبناء يعقوب "راجع ص423 من الزيادة والتفصيل".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: لا يضافُ "أفعل" الدال على التفضيل إلا إذا كان بعضًا من المضاف إليه المفضول "كما سبق"1. وهذه "البعضية" تتحقق بإحدى صورتين. 1- أن يكون "أفعل" جزءاً2 والمضاف إليه كُلاّ، نحْو: الرأس أنفعُ الجسم، والمخ أعظم الرأس ... 2- أن يكون "أَفعَل" فردًا من بين أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه. ولا بد في هذه الصورة أن يكون المضاف إليه جنسًا يندرج تحته أفراد متعددة، منها المضاف؛ نحو: الهرم المدَرّج أقدم الأهرامِ3 -أبو الهول أجمل التماثيل. يكاد النيل يكون أكبر الأنهار العالمية– أضَرّ التَّرِكات ما كان مالاً لا علْم معه، ولا خُلُق. وأَحَب أوطان البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المطلب فكل من: "الأهرام، التماثيل، الأنهار، التَّرِكات، أوطان البلاد..". جنس يشمل أفرادًا كثيرة. وليس من اللازم لتحقيق "البعضية" أن يكون المضاف إليه معرفة؛ فقد يكون نكرة، نحو: الهرم المدرّج أقدم هرم، أبو الهول أجمل تمثال، القلب أعظم عضو. وإذا كان المضاف إليه مفردًا نكرة، كهذه الأمثلة كَان معناه معنى الجمع، ومنزلته منزلة الجنس متعدد الأفراد، فيتحقق الشرط الأساسي السالف الذي يقتضي أن يكون "أفعل" بعضًا من المضاف إليه، أي: أنه بمنزلة قولك: الهرم المدرَج أقدم الأهرام هرمًا هرمًا، أبو الهول أجمل التماثيل واحدًا واحدًا، القلب أعظم الأعضاء عضوًا عضوًا. فالمراد بالمضاف إليه المفرد النكرة إنما هو جنسها؛ ولهذا قطعوا بأن المراد من: فلان أفضل رجل هو أنه أفضل الناس إذا عُدّوا رجلًا رجلًا. أي: أفضل من كل رجل4 ...

_ 1 في ص416 وما بعدها. 2 الجزء ما يتركب منه ومن أمثاله "كُلّ" ولا وجود للكل الحقيقي إلا بجميع أجزائه. 3 جمع: هَرَم. 4 راجع ص417 وهامشهما رقم 1 لإدراك الفرق بين الحالتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول الصبان عند الكلام على إضافة "أفْعَل" للنكرة ما نصه: " زيدٌ أفضلُ رجل، أصله: زيد أفضل من كل رجل؛ فحذف: "من كل" اختصارًا، وأضيف: "أفعل" إلى: "رجل". وجاز كونه مفردًا مع كون "أفعل" بعض ما يضاف إليه –فالأصل أن يكون جمعًا –لفهم المعنى، وعدم التباس المراد. ووجب تنكيره؛ لأن القاعدة أن كل مفرد وقع موقع الجمع لا يكون إلا نكرة؛ فإن جئت بأل رجعت إلى الجمع، وأن جمعت أُدخلت "أل" ... اهـ. ثم انتقل إلى مسألة هامة؛ هي العطف على "أفعل" فقال ما نصه": "إن عطفت على المضاف إلى النكرة مضافًا آخر إلى ضميرها قلت: هذا أفضل رجل وأعقله، وهذه أكرم امرأة وأعقله. بتذكير الضمير وإفراده في المفرد وضده، والمذكر وضده؛ على التوهم؛ كأنك قلته من أول الكلام1. فإن أضفت "أفعل" إلى معرفة تأنيث، وجمعت، وأنثت؛ وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكًا بقوله: وميَّسة أحسن الثَّقَلين جِيدًا ... وسالفةً وأَحسنَه قَذَالًا2 أي: أحسن مَنْ ذُكر3.... وظاهره وجوب تذكير الضمير وإفراده في نحو: هذه أكرم امرأة وأعقله، وهذان أكرم رجلين وأعقله.... وهكذا ... " اهـ. ثم قال بعد هذا مباشرة: "والوجه عندي جواز المطابقة إن لم تكن واجبة، أو أولى" اهـ. قال ياسين في حاشيته على التصريح تعليقًا على رأي سيبويه: "وحاصله: أن إفراد الضمير مع عوده على غير مفرد إنما هو على تأويله باسم الموصول. وعليه يتخرج ما يقع في عبارات المصنفين" اهـ. ورأي الصبان أقرب إلى السَّداد؛ لموافقته القواعد العامة الخاصة بالمطابقة،

_ 1 يريد: كأن المعطوف ليس معطوفا: " وكأنك نطقت به ابتداء كما تنطق بأفعال المضاف للنكرة. 2 مؤخر الرأس. 3 وما قاله "الصبان" نقل مثله "ياسين". وعلى هذا يكون الضمير المفرد العائد على غير المفرد هو بمعنى اسم الموصول –كما سيجيء -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبُعده عن اللبس، ولأن الآراء الأخرى لم تدْعَمها النصوص المتعددة التي تكفي لتأييدها فيما اطلعنا عليه من مراجع. ويتصل بتلك المسألة الهامة أمرا آخر هو حكم أفعل التفضيل المعطوف في الصورة السالفة، من ناحية ضبطة، والأوجه الإعرابية الجائزة فيه، وقد سبق بيان بعض الصور1. ومما يجب التنبه له أن هذه البعْضية لا تكون حتمية إلا إذا كان "أفعل" باقياً على دلالة التفضيل الخاص –كما قدمنا2– وعندئذ يكون المضاف إليه هو: "المفضول" ويتعين أن يكون "أفعَل". بعضاً منه. أما إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضاً منه؛ فقد يكون بعضاً أو لا يكون؛ ومثال ما ليس بعضاً: "يوسف أفضل إخوته". تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في الفضل3. قال شارح المفصل ما نصه4: " ... وقد علم أن "أفعل" إنما يضاف إلى ما هو بعضه، فليعلم أنه لا يجوز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته". وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من جملتهم، وإذا كان خارجا منهم صار غيرهم، وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول: "يوسف أحسن إخوته" كما لا يجوز أن تقول: "الياقوت أفضل الزجاج"؛ لأنه ليس من الزجاج. فحينئذ يلزم من المسألة أحد أمرين كل واحد منهما ممتنع؛ أحدهما: ما ذكرناه من إضافة "أفعل" إلى غيره، إذ إخوة زيد غير زيد. والثاني: إضافة الشيء إلى نفسه؛ وذلك أنا إذا قلنا إن زيداً من جملة الإخوة –نظراً إلى مقتضي إضافة "أفعل"– ثم أضفت الأخوة إلى ضمير زيد، وهو من جملتهم، كنت قد أضفته إلى نفسه؛ بإضافتك إياه؛ إلى ضميره

_ 1 في: "ب" ص14، باب الإضافة. 2 في ص416، الشرط الثاني. 3 سبقت إشارة لهذا في ص419. 4 ج3 ص8 لابن يعيش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك فاسد1، فأما على النوع الثاني2 وهو أن يكون "أفعل" فيه للذات بمعنى: "فاعل" فإنه يجوز أن تقول: "يوسف أحسن إخوته" ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول؛ إذ المراد أنه فاضل فيهم؛ لأنه لا يلزم في هذا النوع أن يكون "أفعل" بعض ما أضيف إليه. وعليه جاء قولهم لنُصَيْبٍ الشاعر: "أنت أشعر أهل جِلْدتكَ" لأن أهل جِلْدته غيره، وإذا كانوا غيره لم تَسُغْ إضافة "أفْعَلَ"، إليهم؛ لما ذكرته، ويجوز على الوجه الثاني؛ لأنه بمعنى الشاعر فيهم، أو: شاعرهم ... " ا. هـ.

_ 1 لإضافة الشيء إلى نفسه حكم آخر سبق بيانه توضيحه في"د" ص40 وما بعدها. 2 "أفعل" على قسمين: أولهما: ما يدل على التفضيل. والثاني ما لا دلالة فيه على تفضيل، وإنما يدل على وصف قائم بالذات، خال من المفاضلة خلوّاً تامّاً. كالذي سبقت الإشارة إليه في: "هـ" من ص140 وفي ص418.

وفيما يلي بيان الأقسام السالفة، وملخص أحكامها:

_ 1 انظر المراد من الموصوف هنا في رقم 6 من هامش ص416. 2 سبق شرحها في رقم 3 من هامش ص418.

من هذا الملخص وما سبقه يتبين ما يأتي فيما يختص "بأفعل". 1- وجوب إفراده وتذكيره إن كان مجردًا، أو مضافًا لنكرة. 2- جواز مُطابقته وعدمها في الإفراد وفروعه والتذكير والتأنيث إن كان مضافا لمعرفة، والمفاضلة باقية. لكن التزام الإفراد والتذكير أفصح. وتجب البعضية في هذه الصورة. 3- وجوب مطابقته في باقي الأحْوال. أي: حين يقترن "بأل"، أو يضاف لمعرفة والمفاضلة الحقيقية الخاصة غير قائمة. وفي هذه الإضافة الخالية من المضافة يجوز أن يكون بعضًا من المضاف إليه، وغير بعض.

المسألة 113: عَمَل "أفعل" التفضيل "أفعَل" التفضيل أحد المشتقات التي يصح أن يتعلق بها شبه الجملة، والتي يصح أن تعمل؛ فيكون معمولها مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. فمثال تعلق شبه الجملة به ما قاله أحد الوصافين في الإمام عليّ: "سمعته قُبَيْل المعركة يخطب في جنوده، فكان أفصح في القول لسانًا، وأعلى في الكلام بيانًا، ورأيته يخوض الوغَى؛ فكان أجرأ عند الإقدام قلبًا، وأقوَى لدى شِدّاتها عزمًا" ... ؛ فالجار والمجرور: "في القول"، متعلقان بأفصح. والجار والمجرور: "في الكلام"، متعلقان بأعلى. والظرف: "عند" متعلق: "بأجرأ". والظرف: "لدى" متعلق: "بأقوى". أما عمله الرفعَ أو النصبَ أو الجرّ، ففيه البيان التالي: أولا: علمه الرفع 1- يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العظيم أنبل نفسًا، وأشرف قصدًا، وأكثر تعلقًا بجلائل الأمور، ففي كل من "أنبل" و "أشرف"، و "أكثر" ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "هو"، ويعود على: العظيم. 2- ويرفع الضمير البارز أحيانًا –وهذا قياسي- نحو: مررت بزميل أفضلَ منه أنت، بجر كلمة: "أفضل"1، على اعتبارها نعتًا لزميل، و "منة": جار ومجرور متعلق بأفضل. و "أنت": فاعل1 أفعل التفضيل. 3- وقد يرفع الاسم الظاهر –قياسا– إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعْلٌ بمعناه من غير فساد في المعنى أو في تركيب الأسلوب. فإن لم يصح كان رفعه الظاهر نادرًا لا يحسن القياس عليه.

_ "1، 1" ويجوز رفع "أفضل" على اعتباره خبرًا مقدمًا، و"أنت" مبتدؤه. والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لزميل. على الإعراب لا يكون "أفعل" قد رفع ضميرًا بارزًا.

وقد وضعوا للحالة الأولى ضابطًا مُطَّردا، وهو: أن يكون "أفْعل التفضيل" –في الأغلب– نعتًا والمنعوت اسم جنس، قبله نفي أو شبهه1. وأن يكون الاسم الظاهر المرفوع بأفعل التفضيل أجنبيًا2 منه، ومفضَّلًا على نفسه ومفضولًا أيضًا –باعتبارين مختلفين- نحو: ما رأيت رجلًا أكمل في وجه الإشراق منه3 أفعل تفضيل، نعت. والمنعوت قبلها اسم جنس منفيّ في جملته، وهو: "رجل"، و"الإشراقُ" فاعل لأفعل التفضيل، وهذا الفاعل مفَضَّل ومفضول معًا؛ فهو مفضَّل باعتباره في وجه العابد، ومفضول باعتباره في وجه غير وحه العابد. وهذا معنى قولهم: مفضل على نفسه ومفضول باعتبارين. وقد تحقق الضابط في المثال السالف؛ ومن ثَمَّ رفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر. ومن الأمثلة: ما شاهدت عيونًا أجملَ فيها الحَوَرُ منه في عيون الظباء ... فأفعل التفضيل هو: "أجمل"، ومنعوته: "عيونًا" اسم جنس منفي في جملته، وفاعله الظاهر هو: "الحَوَر"، ولهذا الفاعل اعتباران، فهو مفضَّل إن كان في عيون الظباء، ومفضول إن كان في عيون غيرها. فقد تحقق في هذه الصورة الضابط الخاص كما تحقق في سالفتها. وفي الصورتين يمكن أن يحل محل "أفعل" فعلٌ بمعناه من غير أن يترتب على هذا فساد، نحو: ما رأيت رجلًا يكمل في وجهه الإشراق.... وما شهدت عيونًا بجمل فيها الحَور.... فإن لم يصلح أن يحل هذا الفعل محله لم يرفع اسمًا ظاهرًا، إلا نادرًا لا يقاس عليه –كما سبق –وإنما يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا؛ نحو: المشي أنفع من السباحة، ففي "أنفع" ضمير مستتر وجوبًا يعود على المشي، ولا يجوز في الرأي الراجح أن يرفع اسمًا ظاهرًا؛ لأنه لا يصح أن يحل محله فعل بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال –في الرأي الراجح أيضًا –استمعت إلى فتى أعلمُ منه أبوه برفع كلمة "أبوه" على أنها فاعل لأفعل التفضيل4: "أعْلم" إلا على لغة ضعيفة مرجوحة.

_ 1 كالنهي، والاستفهام الذي بمعنى النفي، وسيجيء التمثيل لهما في "أ" ص430. 2 بأن يكون خاليًا من الضمير الذي يعود على الموصوف ويدل على صلة بين "أفعل"، ومنعوته. 3 أي: من الإشراق "انظر "ب" في الزيادة، ص430". 4 لا يصح هذا: لأن أفعل التفضيل –في المثال أشباهه –ليس مفضلا على نفسه، وإنما هو مفضل على غيره.

ومن الأمثلة التي يرفع فيها الظاهر وينطبق عليها الضابط: "ما سمعت ببلاد أكثرَ فيها الثَّراءُ المدفون منه في البلاد العربية". ومنها مثالهم المرَدّد منذ عهود بعيدة حتى سَمَّوا مسألة الرفع باسمه، وهو: "ما رأيت رجلًا في عينه الكُحلُ منه في عين فلان".... ويرمزون لكل ما سبق بقولهم: "إن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إلا في مسألة: "الكُحل". يريدون المثال السالف المشتمل على كلمة: "الكُحل" وغيره مما يشابهه من الأمثلة التي ينطبق عليها الضابط العام كما ينطبق على مثال الكحل1....

_ 1 يقول ابن مالك فيما سبق من رفع أفعل التفضيل الظاهر كثيرًا إذا صح أن يحل محله فعل بمعناه، وقليلًا لا يقاس عليه إذ لم يصح: وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ. وَمَتَى ... عَاقَبَ فِعْلًا فكَثِيرًا ثَبَتَا يريد: أن رفع "أفعل" التفضيل للاسم الظاهر نزر "قليل" فلا يصح القياس عليه. لكن متى عاقب أفعلُ التفضيل فعلًا، "أي: وليه "أفعلُ" وأتى بعده فحل مكان الفعل"، فإن رفعه الظاهر في هذه الصورة قد ثبت نقله كثيرًا من العرب. وضرب لهذا الكثير مثلًا: كَلَنْ ترى فِي النَّاسِ مَنِ رَفِيقِ ... أوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصِّدِّيقِ والأصل: لن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الفضل بالصديق، ثم دخله الحذف الذي شرحناه والذي سيجيء في الزيادة. ومن الممكن أن يحل محله فعلى معناه هو: يحق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من أمثلة النهي: لا تخالفْ شريفًا أحبَّ إليه الخير منه إليك. ومن الاستفهام الذي بمعنى النفي: هل امرأة أحق الحمدُ منه بالأمّ؟. ب- من كل الأمثلة السالفة يتبين أيضًا أن الاسم الظاهر الذي هو فاعل لأفعل التفضيل يقع بين ضميرين؛ أولهما: يعود للمنعوت. وثانيهما: يعود للفاعل الظاهر. ويجوز حذف أولهما فقط، أو ثانيهما فقط، أو: هما معًا. فيجوز حذف الأول العائد على الموصوف –إن دل دليل على حذفه1؛ مثل ما رأيت رجلًا أكملَ،..... الإشراقُ منه في وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجملَ.... الحَوَرُ منه في عيون الظباء. والتقدير: أكملَ في وجهه الإشراق، ... وعيونًا أجملَ فيها الحورُ.... والمحذوف هنا ملحوظ كأنه مذكور1. ومن الأمثلة الدقيقة الواردة عن القدماء: ما رأيت قومًا أشبهَ بعضٌ ببعض منه في قومك. التقدير: ما رأيت قومًا أبْيَنَ فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك. ويجوز حذف الضمير الثاني العائد على فاعل اسم التفضيل بشرط أن تدخل "مِنْ" الجارة على الواحدة مما يأتي: 1- إما على اسم ظاهر مماثل للفاعل في لفظه ومعناه، فنقول: ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من إشراق وجه العابد ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من حور عيون الظباء. والأصل؛ ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق منه في وجه العابد وما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور منه في عيون الظباء. 2- وإما على المحل -أي: المكان- الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال السابق؛ فإنه المحل الذي يقوم به الإشراق، ويحل فيه. وكالعيون؛ فإنها محل الحور ومكانه ... و ... تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق

_ "1، 1" لأن المحذوف لدليل يدل عليه يُعَد بمنزلة المقدر، "الملحوظ"، والمقدر كالملفوظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من وجه العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من عيون الظباء ... و ... ففي هذه الصورة حذف مضاف واحد؛ إذ الأصل: من إشراق وجه العابد، ومن حور عيون الظباء. 3- وإما: على صاحب ذلك الذي يقوم به الفاعل؛ ويحل فيه، كالوجه في المثال "أي: على شيء كلي له أجزاء متعددة، منها المحل الذي يحل فيه الفاعل" كالوجه في المثال الأول، والظباء في المثال الثاني ... و.... تقول ما رأيت رجلًا أكمل في وجهه الإشراق من العابد، ما شاهدت عيونًا أجمل فيها الحور من الظباء. وفي هذه الصورة حذف مضافان؛ إذ الأصل؛ من إشراق وجه العابد ومن حور عيون الظباء. ويجوز حذف الضميرين معًا إذا حذف من الجملة كل ما يجيء بعد الفاعل الظاهر؛ فلا يذكر بعده شيء منها. وهذا بشرط أن يتقدم المفضّل نفسْهُ على "أفْعل" التفضيل؛ فيستغني "أفْعَلُ" بفاعله عما يكون بعده؛ نحو: ما شيء كالغزال أحسن به الحَوَرُ1. أو يتقدم محل المفضل على "أفعل"؛ نحو: ما شيء كعين الغزال أحسن بها الحورُ. وربما خلت "من" في اللفظ على المفَضَّل "لا المفضول"، نحو: ما أحد أحسن بع الصبر من المتعلم. وحبذا التخفف من استعمال هذه الأساليب الأخيرة، بل تركها قدر الاستطاعة.

_ 1 ويقولون إن الأصل: ما شيء أحسن به الحور من حسن حور الغزال، حذف المضاف وهو: "حسن"، وحل المضاف إليه: "حَوَر" محله، فصار الكلام: من حور الغزال. ولما كان الحور منسوبًا للغزال، ومتصلًا به ملابسًا له صح حذفه استغناء عنه بالمضاف إليه الذي سيحل محله أيضًا؛ فصار الكلام: ما شيء أحسن به الحور من الغزال.

ثانيًا: عمله النصب: ينصب أفعل التفضيل المفعول لأجله، والظرف، والحال1 ... وبقية المنصوبات؛ فتكون معمولة له، إلا المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول معه. أما التمييز الذي هو فاعل في المعْنى فيصح أن يكون منصوبًا بأفعل التفضيل نحو: المتعلم أكثر إفادةً وأعظم نفعًا. فإن لم يكن فاعلًا في المعنى وكان "أفعل" التفضيل مضافًا صح أن ينصبه، نحو: المتنبي أوفر الشعراء حكمةً "وقد سبق ضابط كلّ2". ثالثًا: عمله الجر: يعمل الجر في المفضول إذا كان مضافًا إليه، نكرة كان أم معرفة نحو: الجندي أسرعُ رجل للدفاع عن وطنه –القائد أقدرُ الجنود على إدارة رحَى الحرب ... تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر: أ- إذا كان أفعل التفضيل3 من مصدر فعل متعد بنفسه، دال على الحبّ أو البغض أو ما بمعناهما. كانت تعديته باللام بشرط أن يكون مجرورها مفعولًا به في المعنى4، وما قبل: "أفعل" هو الفاعل المعنوي؛ نحو: الشرق أحب للدين من الغربي، وأبغض للخروج على أحكامه. إذا التقدير: يحب الشرقي الدين، ويبغض الخروج على أحكامه. وتجئ "إلى" بدل اللام كان المجرور هو الفاعل المعنوي وما قيل "أفعل"

_ 1 وقد ينصب حالين معًا؛ "طبقًا للبيان السابق في رقم 1 من هامش ص401" ولا مانع من وقوع الحال –هنا –جامدة غير مؤولة بالمشتق، كما هو مدون بباب الحال، ج2. 2 ج2 م88 باب التمييز. 3 التعجب والتفضيل سيان في أكثر ما يأتي. "راجع ص406". 4 وذلك بإحلال فعل مناسب مكان أفعل التفضيل، يكون بمعناه. وقد سبق شرح هذا، وما يجيء بعده في ج2 باب حروف الجر، عند الكلام على معنى: اللام وإلى ص344 وما بعدها، و347 م90".

هو المفعول المعنوي؛ نحو: المال أحب إلى الشحيح من مُتَع الحياة. والتقدير: يحب الشحيحُ المال أكثر من متع الحياة1 ... ب- وإن كان فعله متعديًا بنفسه، دالًا على: "علْم" كانت تعديته بالباء؛ نحو: صديقي أعلم بي، وأنا أعرف به وأدرى بأحواله. فإن كان دالًا على معنى آخر كانت تعديته باللام، نحو: الحُر أطلبُ للثأر وأدفَعُ للإهانة، إلا أن كان الفعل يتعدى بحرف جر معيَّن فإن "أفعل" يتعدى به كذلك، نحو: كان أبو بكر أزهد الناس في الدنيا، وأبعدهم من التعلق بها: وأشفقهم على الرعيّة، وأنحاهم عن الظلم، وأذلهم لنفسه في طاعة ربه. وقول الشاعر: أَجدَرُ الناس بحُبِّ صادق ... باذلُ المعروف من غير ثمنْ ومثل البيت الذي سبق لمناسبة أخرى2 وهو: لولا العقول لكان أَدنى3 ضيغمٍ ... أَدنى4 إلى شرف من الإنسان وإن كان فعله متعديًا لاثنين عُدّيَ لأحدهما باللام ونصب الآخر مفعولًا به؛ لعامل محذوف يفسره المذكور؛ "لأن "أفعل" التفضيل لا ينصب المفعول به كما سبق". نحو: فلان أكْسَى للفقراء الثيابَ. والتقدير: أكسَى للفقراء بكسوهم الثياب5.

_ 1 ومن هذا قول الشاعر: وأَحبُّ أَقطار البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المطلب 2 في آخر ص404. 3 أقل. 4 أقرب. 5 لم لا يكون منصوبًا هنا "بأفعل" استثناء من عدم نصبه المفعول بع مباشرة، وقياسًا على الرأي الكوفي الذي سبق في ص366 في صيغة: "أفعل" التي للتعجب، وهي صيغة لازمة أيضًا. ونستريح من التقدير؟ الحق أن كلا الإعرابيين معيب؛ إما لتعدية "أفعل" وهو لازم، وإما لتقدير شيء محذوف. ولكن الأول أخف نوعًا؛ لسرعة اتجاه الخاطر إلى العامل الظاهر؛ وأنه صاحب العمل لا المقدر.

المسألة 114: التوابع الأربعة الأصيلة

المسألة 114: التوابع الأربعة الأصيلة مدخل ... المسألة 114: التوابع الأربعة الأصلية 1 أ- النعت. "ويسمى أيضًا: الصفة، أو: الوصف".

_ 1 "التابع" الأصيل هنا: لفظ متأخر دائمًا، يتقيد في نوع الإعراب في لفظ معين متقدم عليه، يسمى: "المتبوع" –كما سيأتي – بحيث لا يختلف اللاحق عن السابق في ذلك النوع. فإذا كان النوع الإعرابي في اللفظ المعين السابق، هو: الرفع، أو النصب، أو الجر، أو الجزم، وجب أن يكون الثاني مسايرًا له في هذا؛ سواء أكان النوع الإعرابي في الأول لفظيًا، نحو: أقبل الأخُ الوفيُّ. أم: تقديريًّا؛ نحو: أقبل الفتى الوفيُّ، أم محليًا؛ نحو: أقبل سيبويه الوفيُّ. فلفظ: "الوفي" متقيد بالرفع "في الأمثلة الثلاثة" بحالة لفظ خاص قبله. ونقول: أكبرت الأخَ الوفيَّ –أكبرت الفتى الوفيَّ –أكبرت سيبويه الوفيَّ بنصب: "الوفي" في الأمثلة الثلاثة؛ مسايرة لذلك اللفظ الخاص. كما نقول قدرت في الأخ الوفيَّ مروءته، قدرت في الفتى الوفيِّ مروءته، قدرت في سيبويه الوفيِّ مروءته ... ، يجز: "الوفي" في الأمثلة الثلاثة أيضًا؛ مجاراة لذلك اللفظ السابق. وتقول: أفرخُ وأطربُ برؤية الأوفياء، ولن أفرحَ أطربَ برؤية الأعداء، ولم أفرحْ وأطربْ بسماع السوء؛ فالفعل: "أطرب"، وقد رفع مرة، ونصب مرة أخرى، وجزم ثالثة؛ تبعًا لفعل سابق، وتقييدًا به ... وهكذا يتقييد اللاحق بالسابق في نوع الإعراب، فيكونان معًا مرفوعين، أو: منصوبين، أو: مجرورين، أو مجزومين. ثم هما بعد ذلك يشتركان في الاسمية، أو الفعلية، أو الحرفية "كالتوكيد اللفظي للحرف" وقد يختلفان أحيانًا، "كما في بعض حالات العطف وستجيء في ص642". ومما يجب الالتفات إليه أن التابع لا يتقيد بالمتبوع في: "البناء"، ولا في ضده: "الإعراب" ولا يسايره فيهما؛ ذلك لأن "البناء، أو: الإعراب" لا ينتقل مطلقًا من المتبوع إلى التابع؛ فلكل واحد من هذه الناحية استقلاله التام عن الآخر، بحيث لا يحكم على أحدهما بانه "مبني أو: معرب" إلا لوجود سبب خاص به؛ قائم بذاته يقضي بهذا أو بذاك، دون نظر للآخر. وقد أسلفنا أن المتقدم يسمى: "المتبوع"، والمتأخر يسمى: "التابع". ولا بد من تأخره عن متبوعه دائمًا. والتوابع الأصلية أربعة؛ "النعت"، "ويسمى أيضا: "الوصف، أو: الصفة"، فمعنى الكلمتين هنا غير معناهما السابق في "ب"، من هامش ص182، مرادًا منه هناك: المشتق"، "والتوكيد"، و"العطف بقسيمه"، و"البدل". "وسيجيء هنا تفصيل الكلام على كل واحد منها في باب خاص". ويلاحظ أن كل تابع من هذه التوابع الأربعة الأصلية يختلف اختلافًا كليًّا عن التابع العارض الذي سيجيء في ص469. كما يختلف عن التابع العارض الذي سبق "في الجزء الأول م16 ص181 رقم 6 موضوع: الاسم المعرب، المعتل الآخر" بإهمال حركة الحرف الأخير من الكلمة وجعلها مماثلة لحركة الحرف الذي يجيء بعد كقراءة من قرأ: الحمدِ للَّهِ رب العالمين، بكسر الدال تبعًا لحركة اللام. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بعض أحكام التوابع: إذا كان الواجب اتفاق التابع والمتبوع في نوع الإعراب فمن الواجب اختلافهما –حتمًا-. في سببه؛ فسببه في المتبوع قد يكون الفاعلية؛ أو: الابتدائية؛ أو: الخبرية؛ أو: المفعولية أو: الجر بالإضافة، أو: بالحرف، أو: بالجزم بالحرف ... أو غير ذلك من الأسباب المؤدية إلى الرفع، أو النصب، أو الجر، أو الجزم، أما في التابع فسببه واحد، هو: "التبعية" "لأنه النعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل"، ويتبين مما سبق أن التابع لا يجوز تقديمه على المتبوع مطلقًا. لكن قد يجوز تقدم معمول التابع في بعض الحالات التي ستجيء في أبوابها، بالرغم من أن البصريين يمنعون تقدم هذا المعمول، ون الكوفيين –كما سيجيء في ص436-. ومن أحكام التوابع: صحة القطع في ثلاثة منها، هي: "النعت"، "إلا كلمة: كُلّ انظر ص467 و513"، و"عطف البيان"، وكذا: "البدل" "على الوجه الموضح في "هـ" من ص667". والصحيح أن القطع يدخل كذلك "عطف النسق"؛ طبقًا للرأي الآتي في رقم 10 من ص661، وهذا، وفي ص486 وهامشها إيضاح القطع، وبيان المراد منه. ومن أحكامها أيضًا: أنها إذا اجتمعت، أو اجتمع عدد منها، وجب مراعاة الوجه الأفضل في تربيتها؛ وذلك بتقديم النعت، يليه عطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق؛ كما في البيت التالي: قدّم النعت، فالبيان، فأَكدْ ... ثم أَبجلْ، واختمْ بعطف الحروف ومن أحكامها أيضًا: ما نصوا عليه من أن التابع لا يفصل بين الموصول وصلته –طبقًا لما تقدم في ج1 م27 ص351 وأنه يصح الفصل بين التابع والمتبوع بفاصل غير أجنبي محض؛ كمعمول الوصف في قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ - عَلَيْنَا - يَسِيرٌ} ومعمول الموصوف في نحو: تعجبني معاونتك ضعيفًا الكبيرةُ. وعامله؛ نحو: المريضَ أكرمت الجريحَ. ومفسر عامله؛ كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ.....} والتقدير: إنْ هلك امرؤ هلك، ومعمول عامل الموصوف؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمُ الْغَيْبِ} ، والمبتدأ الذي يشتمل خبره على الموصوف؛ كقوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، والخبر؛ نحو: الصانع الناجحٌ المخلصُ. والقسم؛ نحو: الولد –والله البارُّ محبوب، وجواب القسم؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، والاعتراض كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} والاستثناء؛ نحو: ماَ عرفت أحدًا إلا الوالدين كاملَ الشفقة. والمضاف إليه؛ نحو: أبو بكرِ الصديقُ أول الخلفاء "ويلاحظ أن النعوت المضاف –ومنه "الكنية" –له حكم خاص لفظي ومعنوي، يجيء في ص444". ولا يجوز فصل المنعوت المبهم –كاسم الإشارة ونحوه– من نعته الذي لا يستغني عنه؛ فلا يقال: أكرمت هذا عليًا النابغَ. والأصل: أكرمت هذا النابغ عليًا، ومثله: الشِّمْرَي العبُور ... ؛ فلا يصح الفصل بين "العبور" ومنعوتها. واسم الموصول –وهو من الأسماء المبهمة –لا يصح الفصل بالنعت بينه وبين صلته، "كما سبق هنا وفي باب: "الموصول"، ج1 م27" فيصح: أبصرت الذي في الحديقة المسرور، ولا يصح: أبصرت الذي المسرور في الحديقة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك لا يجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه إذا كان المعطوف متممًا للمعطوف عليه النعت، ولا يستغني المنعوت عنهما معًا، "أي: عن النعت ومعه ما يكله"؛ ففي مثل: إنّ امرأ يتعلم ولا يعمل بعمله خاسر ... لا يصح أن يقال: إن امرأ يتعلم خاسر ولا يعمل بعمله، لأن المعطوف والمعطوف عليه هما جزءان لنعت واحد في المعنى. وكذلك لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله بتابع مطلقًا؛ نعتًا أو غير نعت -"طبقًا لما سبق في رقم 5 من ص216" –وكذلك لا يجوز الفصل بين النعت ومنعوته إذا كان النعت له معنى، ويلازم التبعية في الأغلب، فلا يستقل بنفسه في الاستعمال بغير منعوته: مثل كلمة: "يَقَقٌ" في مثل: "هذا الورق أبيض يَقَقٌ" أي: خالص البياض، وكذا غيره مما يلازم التبعية ... , وليس من اللازم في التابع ولا في المتبوع أن يكون لفظًًا مفردًا فقد يكون مفردًا؛ وقد يكون جملة، أو شبه جملة، على حسب التقييد والتفصيل الموضح في أبواب التوابع الأربعة. ويصح الفصل بين النعت ومنعوته بكلمة: "كان" الزائدة بلفظ الماضي؛ مثل: سميت لزيارة صديق كان مريضٍ –كما سبق في باب كان، ج1-. ومن أمثلة الفصل بين التوكيد والمؤكَّد "بفتح الكاف المشددة" قوله تعالى: { ... وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ، فكلمة: "كل" مرفوعة؛ لأنها توكيد لنون النسوة "الفاعل" وليست توكيدًا للضمير المنصوب المتصل بالفعل: "آتيت" والصحيح عدم جواز الفصل بين التوكيد والمؤكد إذا كان لفظ التوكيد هو كلمة: "كُلّ" التي تليها كلمة: "أجمع" لتقويتها في التوكيد، وما يقع بعد "أجمع" من ألفاظ التوكيد الملحقة التي تساق لتقوية التأكيد –وستجيء في ص517-. كذلك يصح الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بكلمة: "كان" الزائدة بلفظ الماضي، مثل: الصديق الحق مخلص في الشدة كان والرخاء. ويصح الفصل بينهما بالنداء؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا؛ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - رَبَّنَا - وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا - وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} والأصل من غير الفصل بالنداء: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ... } – {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} فجاء النداء –وهو "ربنا" –وفصل بين المتعاطفين مرتين في آخر الآيات. ومن أمثلة الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... } بنصب كلمة: "أرجل"؛ عطفًا على: "وجوه". وهناك حالتان يجب فيهما –طبقًا للأرجح –الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، ستذكران في ص631 وما بعدها "من باب العطف" ومعهما حالتان أخريان يستحسن فيهما الفصل. وأن ماعدا الحالات السالفة يجوز فيه الفصل بشرط ألا يكون الفاصل طويلًا –وفي ص631 البيان-. ومن أمثلة الفصل بين البدل والمبدل منه قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ ... } . وقد أشرنا –في ص435 –إلى أن البصريين لا يجيزون أن يتقدم معمول التابع على المتبوع وخالفهم الكوفيون، فيجيزون أن يقال: حضر طعامك رجل يأكل؛ بنصب كلمة: "طعام" المعمولة =

تعريفه: تابع يُكمل متبوعَه1، أو سببيّ2 المتبوع، بمعنى جديد يناسب السياق، ويحقق الغرض. وأشعر الأغراض الأساسية التي يفيدها النعت ما يأتي3. 1- الإيضاح4 إن كان المتبوع معرفة، كقول شوقي في الرسول عليه السلام:

_ = الفعل: "يأكل" وقد وافقهم الزمخشري في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} فجعل الجار ومجرورة متعلقين بكلمة "بلغيًا". وهذا رأي حين، لما فيه من تيسير. من كل ما تقدم جواز الفصل بين التابع ومتبوعه بغير الأجنبي المحض. أما الأجنبي المحض فلا يصح الفصل به؛ ففي مثل: مررت برجل عاقلٍ فرس أبلقَ.. لا يصح أن يقال: مررت برجل على فرس عاقل أبلق.. وهكذا: والصحيح أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع، ولا تختلف التوابع في هذا ... ويتحتم أن يكون المتبوع اسمًا إذا كان التابع نعتًا، أو توكيدًا معنويًا، أو عطف بيان. أما إن كان التابع توكيدًا لفظيًّا، أو عطف نسق، أو بدلًا، فقد يكون المتبوع اسمًا أو غير اسم. وكل ما تقدم إنما خاص بالتابع والمتبوع نم ناحيتهما اللفظية. أما حكمهما من ناحيتهما المعنوية فقد يتفقان تمامًا في معناهما، كبدل الكل من الكل، وقد يختلفان تمامًا، كما في حالة العطف بالحرف: "لا" وقد يتفقان مع تفاوت كبير؛ كالنعت الذي للتوضيح ... وفيما سبق يقول ابن مالك: يَتْبَعُ في الْإِعرابِ الأْسماءَ الأُوَلْ ... نعتٌ، وتوكيدٌ، وعكفٌ، وبَدَلْ يريد: أن هذه الأربعة تتبع في إعرابها الأسماء الأول، أي: الأسماء التي سبقتها وتقدمت عليها، وهي الأسماء المتبوعة. واقتصر على الأسماء دون غيرها لأن هذه هي الأكثر. والتوابع الأربعة فضلات يصح الاستغناء عنها؛ إذ ليس واحد منها يؤدي في جملته معنى أساسيًا تتوقف عليه فائدتها الأصلية، إلا النعت؛ فإنه قد يتمم –أحيانًا– الفائدة الأساسية على الوجه الذي سيجيء في ص440. ونكرر ما سبقت الإشارة إليه "في آخر هامش ص343 وتفصيله في ص469" وهو أن تابع من هذه التوابع الأربعة مغاير كل المغايرة لنوع التابع الآتي في ص469. 1 لابد في المتبوع هنا –وهو المنعوت– أن يكون اسمًا، كما أشرنا. وقد يكون هذا الاسم مضافًا؛ كالكنية ولها حكمها الخاص الذي يجيء بيانه في ص444. 2 السببي هو: الاسم الظاهر المتأخر عن النعت، المشتمل على ضمير يعود على المتبوع المتقدم، ويدل على ارتباطه به بنوع من الارتباط؛ كالنبوة، أو الأخوة، أو الصداقة ... "انظر ص452". 3 ما عداها من الأغراض الأخرى، كالتفصيل، والإبهام ... قليل لا أهمية له؛ بل إنه داخل فيما سيأتي. 4 الإيضاح: إزالة الاشتراك اللفظي ألفي يكون في المعرفة، ورفع الاحتمال الذي يتجه إلى مدلولها ومعناها؛ فكلمة مثل: "أحمد أو: محمود" أو: غيرهما من المعارف ... قد يشترك في =

أَشرَق النورُ في العوالِمِ لَمّا ... بشَّرتْها بأَحمدَ الأَنباءُ اليتيم، الأُمِّيِّ، والبشر الموحَى ... إليه العلومُ والأَسماءُ أَشرفِ المرسلين، آيتُه النطقُ ... مبينًا، وقومُه الفصحاءُ ونحو: فتح مصرَ عَمْرُو بنُ العاص، الصائبُ رَيُه، المحْكمُ تدبيرُه.... فالكلمات التي تحتها خط "فيما سبق" نعوت توضح منعوتها المعرفة. 2- التخصيص1 إن كان المتبوع نكرة؛ كقول الشاعر: بُنيّ، إن البِرَّ شيءٌ هيِّنُ ... وجهٌ طليقٌ، وكلامٌ لَيِّنُ ونحو: كَم من كلمة خفيفة وزنُها، أودت بجماعة وفيرِ عددُها!!.

_ = التسمية بها أكثر من شخص، فهي –مع أنها معرفة تدل على مُعين– قد تحمل أحيانًا نوعًا من الإبهام، أو الإجمال، يحتاج إلى مزيد بيان وإيضاح؛ فيجيء النعت لتحقيق هذا الغرض؛ فنقول: أحمد العالم محترم، ومحمود المحسن محبوب. ملاحظة هامة: النعت إنما يوضح متبوعة –ويخصصه كذلك– بأمور عرضية يدل عليها معنى النعت، وتكون مما يطرأ على الذات، كالعلم، والفهم، والذكاء.. أما توضيح الذات نفسها بلفظ يدل عليها وتكون هي المراد منه مباشرة، لا أن المراد أمر عرضي يطرأ عليها فمن اختصاص عطف البيان، والتوكيد اللفظي، وكذا التوكيد المعنوي بالنفس والعين، فإن كل واحد من هذه التوابع الثلاثة هو عين الأول "المتبوع" –كما سيجيء في أبوابها ص525 و538 و542 و501 و503– أما التوكيد المعنوي بلفظ، "كل" أو: "جميع" أو: "عامة" فإن المراد منه هو: "إفادة المسئول"، وليس الدلالة على الذات نفسها –والبيان في ص509-. -راجع الصبان أول باب النعت-. 1 مدلول النكرة "كرجل، وشجرة، وكوكب...." يشمل أفرادًا كثيرة قد يصعب حصرها؛ فإذا وصفت أمكن تقليل أفرادها، وتضييق عدد ما تشمل عليه تضيقًا نسبيًا، "أي: بالنسبة لحالتها قبل النعت"؛ فكلمة: رجل، تشمل ما لا يعد من الرجال، عالمهم، وجاهلهم، غنيهم، وفقيرهم، صحيحهم ومريضهم.... و.... و....، لكن إذا قلنا هذا رجل عالم، تخصصت الكلمة بنوع معين من الرجال دون غيره، بعد أن كانت تشمله، وتشمل أنواعًا كثيرة معه. "راجع ص23" والنعت يخصص متبوعه –كما يوضحه– بأمور عرضية مما يطرأ على الذات، طبقًا للملاحظة السابقة في آخر رقم 4 من هامش الصفحة السالفة.

3- مجرد المدح1؛ كقولهم: من أراد من الملوك والولاة، أن يُسعِد أمته، ويُقوي دولته، فيسلكْ مسالك الخليفة العادلِ عمَر بنِ الخطاب. ونحو: رضي الله عن هذا الخليفةِ الشاملِ عدلُه، الرحيم قلبُه.. 4- مجرد الذم1؛ كقولهم: من أراد من الولاة أن يمَأ النفوس حَنَفًا، والقلوب بُغضًا فليَنْهج نهج والي الأمويين الحجّاج بنِ يوسفَ، الطاغِيَةِ. ونحو: كان الحجاج الواليَ القاسِيَ قلبُه، الطائشَ سيفُه، الجامحَ هواه.... 5- الترحُّم2 نحو: ما ذنب البائسِ الجرِيحِ قلبُه يقسو عليه الزّنيمُ3، والطائر الْمَهيض4 جَناحُهه يعذبه الشِرّير؟ ... 6- التوكيد؛ نحو: كان خالدُ بنُ الوليدِ بضرب خصمه الضَّربة5 الواحدة5 فتقضي عليه. ونحو: أُعْجبتُ بخالد الواحدةِ5 ضَربتُه، القريدةِ6........................ طعنتُه7 ...

_ "1، 1" يتجرد النعت المدح الخالص أو الذم الخالص، حين يكون معناه اللغوي أو المراد الأصل منه غير مقصود، وتقوم القرينة الدالة على أن المقصود أمر آخر؛ هو: المدح أو الذم؛ فشهرة عمر بالعدل، والججَّاج بالطغيان؛ شهرة لا تكاد تخفى على أحد، جعلت القصد من كلمتي: "العادل" و"الطاغية" في المثاليين، إنما هو أمر آخر غير معناهما اللغوي الأصيل؛ ذلك الأمر هو: المدح في الأولى، والذم في الثاني، ولولا هذا لكان مشتملًا على لفظ لا يفيد معنى جديدًا، وهذا معيب بلاغة. 2 إظهار الرحمة والحنان لغيرك. 3 اللئيم المعروف بلؤمه وشره. 4 المكسور. "5 و5 و5" إنما كان النعت في هذا المثال –وأشباهه- للتوكيد، لأن صيغة "فَعْلة" التي فيه تدل لى المرة الواحدة من غير حاجة إلى كلمة أخرى. فإذا جاء بعدها كلمة: "الواحدة" لم تفد معنى جديدًا، وإنما تؤكد المعنى القائم. ومثلها كلمة: الفريدة؛ لأنها بمعنى: المنفردة، أي: الواحدة. وكذلك ما أشبهها من الكلمات الأخرى. ومن أمثلة النعت الدال على التوكيد قولهم: أمسِ الدابرُ لا يعود، وغدٌ القادمُ لن يتوقف. "فالدابر" و"القادم" نعتان للتوكيد؛ لأن "أمس" لا بد أن يكون دابرًا، "أي: منقضيًا"، والغد لا بد أن يكون قادمًا.. 6 الوحيدة. 7 وفي تعريف النعت بنوعيه يقول ابن مالك: فالنَّعتُ تابعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ ... بوَسْمِهِ، أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ "بوسمه: أي: بزيادة سمة عليه، وهي الزيادة المعنوية الناشئة من النعت، والمنصبة على المنعوت. "اعتلق": بمعنى اتصل به بعلاقة، والذي يتصل: بالنعت بعلاقة هو: سببيه. فالمراد: أن النعت تابع يتمم المنعوت الذي سبقه، أو: يتمم ما اتصل بالمنعوت.

7- وقد يتمم النعتُ الفائدةَ الأساسية بالاشتراك مع الخبر. مع أن الأصل في الخبر1 أن يتمم هذه الفائدة وحده. لكنه في بعض الأحيان لا يتممها إلا بمساعدة لفظ آخر كالنعت؛ كقوله تعالى يخاطب المعارضين: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} ، أي: ظالمون. وقوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 2. وقول الشاعر: ونحن أناسٌ لا توسّطَ عندنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر وقول الآخر: ونحن أناسٌ نحبّ الحديث ... ونَكرهُ ما يوجب المأثَما إذ لا تتحقق الفائدة بأن يقال: أنتم قوم –نحن أناس....؛ لأن هذا معلوم

_ 1 سواء أكان خبر مبتدأ أم خبر ناسخ. 2 إيضاح هذا في باب المبتدأ والخبر "ج1 ص319 م32". وقلنا هناك لا فرق في الحكم بين خبر المبتدأ؛ كالأمثلة المذكورة، وخبر الناسخ كقول الشاعر: ولا خير في رأي بغير رَوِيَة ... ولا خير في رأي تعاب به غدًا إذ لا فائدة من قولنا: لا خير في رأي ... بل لا يصح أن يقال هذا إلا مع التكملة، وهي هنا النعت؛ "وهو: شبه الحملة في الشطر الأول، والجملة الفعلية في الشطر الثاني". ومن شبه الجملة الواقع خبرًا نفتقرًا إلى بعده ليتمم به المعنى الأساسي قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ؛ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ... } فلا يمكن أن يصح المعنى الأساسي هنا بغير النعت وما يتصل به.

بداهة من القرائن العامَّة المحيطة بالمتكلم1 ... تقسيم النعت، وحكم كل قسم: 1- ينقسم النعت باعتبار معناه إلى: نعت حقيقي، وإلى نعت سببيّ2. أ- فالحقيقي هو: ما يدل على معنى في نفس منعوتة الأصلي3، أو فيما هو بمنزلته وحكمه المعنوي. وعلامته: أن يشتمل على ضمير مستتر أصالة، أو تحويلًا يعود على ذلك المنعوت. ولبيان هذا نسوق الأمثلة التالية: يقول بعض الشعراء في وصف نوع من حكم الملوك إنه: نكَدٌ خالدٌ، وبؤْسٌ مقيمٌ ... وشقاء يَجِدُّ منه شقاءُ فكلمة: "خالد" نعت حقيقي، منعوتة الأصلي هو: "نكد". وهذا النعت يؤدي معناه في نفس منعوتة الأصلي مباشرة، ويشتمل على ضمير مستتر يعود إليه. وكلمة: "مقيمٌ" نعت حقيقي، ومنعوتة الأصلي هو: بُؤْس" وهذا النعت يؤدي معناه في نفس الأصلي مباشرة، ويشتمل على ضمير مستتر يعود إليه..

_ 1 ومثل كلمة: "خُلَبًا" في قول الشاعر: لا يكنْ وعدُك برْقًا خُلَّبًا ... إِن خير القول ما الفعلُ مَعَهْ والبرق الخلب: الذي لا مطر معه. ومثل جملتي: "يفاد، ويصان" في قول الشاعر: ليس الغنى مالًا يفاد ويُقتنَى ... إن الغنى خُلقٌ يصان عن الدَنْس 2 تفصيل الكلام على السببي في ص452، وسيجيء في الزيادة ص456 تقسيم معنوي آخر. 3 المراد بنفس المنعوت ما ليس سببيًا له. ويلاحظ ما سبق "في رقم 1 من هامش ص438" من أن النعت لا يتعرض للذات في صميمها، وكيانها الأساسي، وإنما يختص بالأمور العرضية التي تطرأ عليها.

وتقول: استمعت إلى خطيب فصيح اللسان، عذبِ البيان، قويِّ الحجة. أو: استمعت إلى خطيب فصيحٍ لسانًا، عذبٍ بيانًا، قويِّ حجةً. فكلمة: "فصيح" نعت حقيقي، والمنعوت هو: خطيب، وليس منعوتًا أصليًّا؛ ولكنه بمنزلة الأصلي وفي حكمه؛ لأن الجملة كانت في أساسها الأول: استمعت إلى خطيب فصيح لسانُه1 ... فالفصيح هو اللسانُ لا الخطيب. لكن جرى على الجملة تَغيير اقتضى أن يتركً الضمير البارز مكانه، وينتقل إلى النعت، ويستتر فيه، ويصير مسندًا إليه2، فاعلًا، ويعرب الاسم الظاهر بعد النعت مضافًا إليه مجرورًا، ويصحّ أن يعرب تمييزًا منصوبًا، إن كان نكرة. أو منصوبًا على التشبيه بالمفعول به إن كان نكرة أو معرفة. وصارت كلمة: "فصيح" –وهي النعت –مشتملة على ضمير مستتر محوَّل3، إليها من مكان آخر، وبسبب انتقال هذا الضمير إلى مكانه الجديد صار النعت يدل على معنى يدل على معنى في المنعوت بعد أن كان يدل على معنى في شيء آخر له صلة بالمنعوت. فالمنعوت في الحالة الجديدة صار منعوتًا بعد تحويل وإسناد جديدين. حين تَمَّا اتجه المعنى إليه، مع أنه ليس المقصود في الحقيقة بالنعت. لكن الصلة بين هذا النعت والاسم الظاهر بعده قوية، ومن أجلها كان النعت بمنزلة الاسم الظاهر، وفي حكمه المعنوي. ومثل هذا يقال: في عذب البيان، وقوي الحجة..

_ 1 لأن الأصل أن ترفع الصفة المشبهة فاعلها ... فهي محتاجة إليه كالفعل أشد من احتياجها إلى غيره. 2 مجازًا؛ وذلك للسبب الذي تكرر إيضاحه في إضافة اسم الفاعل لفاعله "ص242 و267 و292 وفي إضافة اسم المفعول ص275 و280 والصفة المشبهة ص312" ومن ثم كانت تسمية النعت في هذه الحالة نعتًا حقيقيًا هي تسمية "مجازية" لسبب الذي شرحناه في الأبواب المذكورة، وهو جريانه على غير من هو له؛ إذ حول فيه الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، وصار الظاهر مجرورًا بالإضافة. ويجوز نصبه تمييزًا إن كان نكرة. كما يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به إن كان نكرة أو معرفة. أما النعت الحقيقي الأصلي فيجري فيه الضمير على الموصوف الذي هو له مباشرة، فليس فيه رائحة مجاز، أي: أن النعت يرفعه أصالة. أما في الأخرى فيرفعه بعد التحويل. 3 أي: منقول.

حكم النعت الحقيقي: الأغلب مطابقته للمنعوت1 وجوباً في: التذكير والتأنيث، وفي التعريف والتنكير، وفي الإفراد وفروعه، وفي حركات الإعراب الثلاث. نحو: هذا خطيبٌ فصيحٌ –هذان خطيبان فصيحان –هؤلاء خطباء فصحاء –هذه الخطيبة فصيحة –هاتان خطيبتان فصيحتان.... هؤلاء خطيبات فصيحات ... وكذا الباقي. وبناء على هذا الأغلب لا بد أن يطابق النعت الحقيقي منعوته في أربعة2 أمور تجتمع فيه من العشرة السالفة3، وأن يكون رافعاً ضمير الموصوف، أصالة أو تحويلاً. بالطريقة التي شرحناها.

_ 1 إلا في المسائل الآتية في الزيادة والتفصيل "ب –ص444 وج –ص445". 2 واحد من حركات الإعراب الثلاثة، وواحد من التعريف والتنكير، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من الإفراد وفروعه. 3 ما عدا المسائل الآتية في "ب" و "ج" من الزيادة والتفصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يكون المنعوت كُنية. وقد أوضحنا –فيما تقدم1 –أن تركيبها إضافي ولكنها معدودة من قسم العَلَم الذي معناه إفراديّ؛ فكل واحد من جزأيها لا يدل بمفردة على معنى يتصل بالعَلمية. فإذا وقع بعدها تابع –كالنعت في قولنا: جاء أبو عليّ الشجاعُ –فإن النعت وهو هنا كلمة: "الشجاع" يعتبر في المعنى نعتاً لأحدهما دون الثاني، وإلا فسد المعنى. ولكنه يتبع في الإعراب المضاف وحده؛ فلفظه تابع في حركة إعرابه للمضاف، وأما معناه فواقع على المضاف والمضاف إليه1 معا. وهذا الحكم يسري على النعت بنوعيه؛ الحقيقي والسببي –وستجيء له إشارة في السببي، في رقم2 من هامش ص452. وكذلك يسري على العطف؛ "طبقا لما سيجيء في بابه. رقم9 من ص661". وعلى التوكيد "كما في ب ص507". وعلى البدل "كما في رقم3 من هامش ص666". ب- هناك منعوتان معارف تقتضي أن يكون نعتها معرفة أيضا، ولكن من نوع معين من المعارف لا يصلح لها غيره، مثل كلمة: أيّ، وأيَّة" عند ندائهما؛ فإنهما يتعرفان بالنداء، ولا يصوفان إلا باسم معرف "بأل" أو باسم موصول، أو باسم إشارة مجرد من كاف الخطاب؛ نحو: يا أيها الوفيّ ما أنبلك –يا أيتها التي أحسنت ... - يأيهذا الوفيْ ... ومثل اسم الإشارة، فإنه لا يوصف مطلقاً –منادى وغير منادى –إلا بمعرفة، مبدوءة "بأل"؛ نحو: يا هذا الناقد تَلَطفْ. - وسيجيء تفصيل الحكم في باب النداء ج4 ص36 و37 م131 2..-.

_ "1و1" انظر الكلام على الكنية ونعتها –ج1 م23 ص277 باب: "العلم". وقد سلف هنا في "ج" من ص167 حكم النعت بعد المركب الإضافي، ومنه العلم الكنية. 2 بهذه المناسبة تنقل بعض ما جاء في الموضع المذكور خاصاً بكلمة: "أيّ وأيّة" عند ندائهما من وجوب إفرادهما؛ سواء أكانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ نحو: يأيها الناصح أعمل بنصحك أولاً –يأيها المتنافسان ترفَّعا عن الحقد –يأيها الطلاب أنتم ذخيرة البلاد ... و.... و ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ج- يستثنى من المطابقة الحتمية أمور: منها: بعض ألفاظ مسموعة1 لا مطابقة فيها في الجمع؛ فالنعتْ جمع، والمنعوت مفرد؛ منها قولهم: هذا ثوبٌ أخلاقٌ –وبُرْمةٌ أعشارٌ –ونطفةٌ أمْشاجٌ2.... و.... ومنها: ألفاظ التي تلزم –في الأغلب –صيغة واحدة في التذكير والتأنيث،

_ = "أما من جهة التأنيث والتذكير فالأفضل الذي يحسن الاقتصار عليه عند النداء –وإن كان ليس بواجب –هو أن تماثل كل منهما صفتها. فمثال التذكير ما سبق. ومثال التأنيث: يأيتها الفتاة أنت عنوان الأسْرة –يأيتها الفتاتان أنتما عنوان الأسْرة –يأيتها الفتيات أنتن عنوان الأسرة. ويجوز في "أي" عدم المماثلة لنعتها المؤنث؛ فيصح أن تستعمل معه ومع نعتها المذكر بصورة واحدة خالية من تاء التأنيث، ولا يصح هذا في "أية" المختومة بالتاء؛ فلا بد من تأنيث صفتها المؤنثة. "ولا بد من وصفأيّ وأية" عند ندائهما، أما باسم تابع في ضبطه لحركتها اللفظية الظاهرة وحدها، وتصير بعد النداء العهد الحضوري. وإما باسم موصول مبدوء ب "بأل". وإما باسم إشارة مجرد من كاف الخطاب. ويتحتم في الرأي الأشهر والأوْلى أنْ يكون اسم الموصول واسم الإشارة تابعين في حرمتهما لحركة المنادى الشكلية الظاهرة، "أو المحلية؛ طبقاً للرأي السالف المردود"، فيكون كل منهما في محل رفع فقط؛ تبعاً لصورة المنعوت المنادى؛ نحو: يأيها العَلُم الخفاقْ تحيةً، ويأيتها الراية العزيزة سلمتِ على الأيام، أو: يأيها الذي يخفق فوق الرؤوس تحية، ويأيها التي ترفرفين سملت ... ونحو: أَيها ذا الشاكي وما بك داءٌ ... كن جَميلاً تر الوجود جميلا "فإن كانت: "أل" غير جنسية؛ بأن كانت زائدة في أصلها ولكنها صارت بعد النداء للعهد، أو للمح الأصل، أو للغلبة، أو ... ، لم يصح النعت بما دخلت عليه، فلا يقال: يأيها السيف، ولا يأيها الحرب ... لرجلين اسمهما سيف، وحرب. ولا: يأيها المحمدان.... أو المحمدون.... وكذلك لا يقال: يأيها ذاك العالم؛ لا شتمال الإشارة على كاف الخطاب؛ إذ لا يصح اشتمال الجملة الواحدة –في غير الندبة –على خطابين لشخصين مختلفين "طبقاً لما في ج4 رقم6 من هامش ص31 عند الكلام على القسم الرابع: "المضاف". "وإذا وصفت "أي وأية" باسم الإشارة السالف فالأغلب وصفه أيضاً باسم مقرون "بأل" كالبيت المتقدم ... " اهـ، المنقول الموجز. 1 أي: مقصورة على السماح؛ فلا يزاد عليها. 2 الأخلاق: جمع خَلَق، وهو: البالي. والأعشار جمع: عُشْر –بضم فسكون -والأمشاج، جمع: مشيج، أو: مَشَج –بفتح الأول والثاني - ... ، وهو المختلط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كصيغة: "فَعُول" بمعنى: "فاعل"؛ مثل صَبور؛ بمعنى: صابر: فهذه الصيغة –في الأغلب –لا تلحقها علامة تأنيث، وإنما تلازم التذكير؛ إفراداً، وتثنية، وجمعاً –بالشروط والتفصيلات الآتية في باب "التأنيث1" –تقول: هذه فتاة صبور –هذان رجلان صبوران –هاتان فتاتان صبوران، هؤلاء رجال صُبُرٌ –وفتيات صُبُرٌ. ومن تلك الألفاظ: المصادرُ التي تقع نعتاً، ويغلب عليها الإفراد والتذكير؛ طبقاً للبيان الخاص بها، وسيجيء 2.... ومنْها: أن يكون المنعوت جمع مذكر غير عاقل3؛ فيجوز في نعته

_ 1 ج4 ص441 م169. وفي ذلك الموضع نص قرار أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة يبيح زيادة تاء التأنيث في آخر صيغة "فَعُول" بمعنى "فاعل". وقد سجلناه هناك. 2 في رقم7 من ص460 و "أ" من ص464. 3 المراد هنا بجمع المذكر لغير العاقل ما يشمل: "جمع التكسير للمذكر غير العاقل"، "أي: جمع التكسير الذي يكون مفرده مذكراً غير عاقل؛ مثل: كُتب –أقلام –مياه ... " وما يشمل أيضاً: "الملحق بجمع المذكر السالم" مما يكون مفرده مذكراً غير عاقل أيضاً.... مثل: أَرَضُون جمع أرض، ووابلون، جمع وابل؛ بمعنى: مطر غزير، وعِلّيُّون، جمع: عَلِّيّ للمكان العالي.... فلا يدخل فيما سبق جمع المذكر السالم الأصيل؛ لأن مفرده عاقل –في الأغلب-. وقد اشترطنا أن يكون المنعوت جمع مذكر غير عاقل، لأن هذا هو المفهوم من النص الصريح الوارد في حاشية ياسين أول باب: "النعت" –ج2 –وهو أيضاً المفهوم من أمثلته، حيث قال ما نصه: "بقي أشياء مستثناة من المطابقة –أي: من مطابقة النعت وجوباً للمنعوت في الجمع –كما بيناه في حواشي الألفية. ومن ذلك صفة مذكر ما لا يعقل؛ قال ابن الحاجب في أمالي القرآن: "أنت فيها بالخيار؛ إن شئت عاملتها معاملة الجمع المؤنث؛ وإن شئت عاملتها معاملة المفرد المؤنث؛ فتقول: هذه الكتب الأفاضل، والفُضْلَيات، والفُضَل، والفُضْلى. فالأفاضل على لفظه في التذكير. والفُضليات والفُضَل": إجراء له مجرى جمع المؤنث؛ لكونه لا يعقل. و "الفُضْلَى" إجراء له مجرى الجماعة. وهذا جار في الصفات والأبار، والأحوال؛ ولذلك جاء: "أُخر" نعتاً للأيام –يعنى قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} جمع: أخرى –ولولا ذلك لم يستقم. ولذلك لو قلت: "جائني رجال ورجال أُخَر" لم يجز حتّى تقول: أواخر، أو آخَرون؛ لأنه ممن يعقل -يريد: أن مفرده هو "آخَر" العاقل -...." اهـ كلام ابن حاجب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقيقي أن يكون مفرداً مؤنثاً، وجمع مؤنث سالماً، وجمع تكسير للمؤنث، كما يجوز أن يكون جمع تكسير للمذكر، إن لاحظنا في المنعوت مفرده المذكر

_ = ومن معاملة جمع ما لا يعقل من المذكر معاملة المفرد المؤنث قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ ... } في قراءة الجمهور، وقراءة: "اللواتي" شذوذاً هي من معاملته معاملة جمع المؤنث ... " اهـ كلام ياسين. ذلك هو نص كلامه، ومفهومه واضح. لكن المفهوم الواضح –من بعض المراجع الأخرى أن الحكم السالف يسري كذلك على الجموع الدالة على المؤنث إذا كان مفردها مؤنثاً لا يعقل؛ سواء أكانت تلك الجموع التكسير أم كانت مختومة بالألف والتاء المزيدتين؛ نحوَ: السفن جارية، أو: جاريات، أو: جوارِ. والسفينات جارية، أو جاريات، أو جوار ... وهكذا ورد الحكم السالف في تلك المراجع خالياً من التقييد بالمذكر، مقتصراً على أنه جمع لما لا يعقل؛ فيشمل الجموع المختلفة لغير العاقل؛ تكسيراً كانت أم غير تكسير. ومما تقدم يتبين خطأ الرأي الذي يوجب الجمع في "فَعْلاء" مؤنث "أفعل" إذا كانت نعتاً لجمع ما لا يعقل في مثل: عندي ثلاثة أثواب بيض، وأربعة حُمْر، فمن الخطأ –طبقاً لذلك الرأي –أن يقال: بيضاء، حمراء. وقد تصدى لهذه المسألة بعض المحققين القدامى وانتهى في تحقيقه إلى أن الإفراد ليس خطأ، وأريد رأيه بالأمثلة الواردة المسموعة، وبكلام فريق آخ من النحاة السابقين. وإن كان الأفصح عند هؤلاء المحققين هو الجمع كقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} ولكن الأفصح لا يمنع استعمال الفصيح وغيره مما هو جائز. وقد بحث المجمع اللغوي القاهري هذه المسألة، وأبدى فيها رأياً حاسماً؛ هو الأخذ بما قاله المحققون من الجواز، وتصحيح النعت بصيغة "فعلاء" "مؤنث" "أفعل" إذا كان منعوتها جمعاً لما لا يعقل. "وقراره هذا مسجل في ص537 من مجموعة محاضر جلساته في الدورة الرابعة عشرة –ومثل هذا يقال في وقوع تلك الصيغة خبراً وحالاً، ونحوهما ... أما الجموع التي يكون مفردها مذكراً عاقلاً فحكمها ما يأتي: أ- إن كانت جموع تكسير لمذكر عاقل جاز في نعتها أمران؛ أحدهما: أن يكون النعت جمع تكسير مناسباً، أو جمع مذكر سالماً، نحو: ما أنفعَ العلماء الأعلام، أو: ما أنفعَ العلماء العالمين. والآخر: أن يكون مفرداً مؤنثاً مناسباً؛ ما أعظمَ الرجال المكافحة في الميادين الإصلاح. ب- إن كانت جمع مذكر سالماً أصلياً فنعته جمع مذكر سالم، أو جمع تكسير للمذكر؛ محو إن المصلحين الجديرين بالإكبار هم الذين يرفعون شأن بلادهم، ويبتغون بالإصلاح رضا الله. أو إن المصلحين العظماء هم الذين ... ج- إن كانت جمع مؤنث سالماً –وسيجيء المراد من هذا المجموع المؤنث –للعقلاء فالتحقيق أنه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير العاقل، نحو: اقتنيت الكتب الغالية، أو: اقتنيت الكتب الغاليات، أو الغوالي. ومثل: اقتنيت الكتب الأحاسن، جمع الأحسن1 ... ومنها: أن يكون المنعوت "اسم جنس جميعاً" يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة الدالة على الوحدة؛ مثل: تفَّاح وتفاحة؛ فيجوز في صفته –كما سبق عند تفصيل الكلام عليه2 –إما الإفراد مع التذكير على اعتبار

_ = يجوز في نعته –وكذا في خبره وحاله ... و.... و ... –أن يكون مفرداً مؤنثاً، أو جمعاً للتكسير مؤنثاً، أو جمعاً مختوماً بالألف والتاء المزيدتين للتأنيث؛ فقد جاء في تفسير البيضاوي لقوله تعالى: {َلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} ما نصه: "مطهرة"، وقرئ: "مطهرات" وهما لغتان، فصيحتان، ويقال: النساء فعلت، وفعلن، وهن فاعلة، وفواعل، قال الشاعر: وإذا العذارى بالدخان تلفعت ... واستعجلت نصب القدور فملَّت ... " أهـ البيضاوي. وتعليقاً على هذا جاء في حاشية الشهاب على البيضاوي ما نصه: "قوله: هما لغتان فصيحتان"، يعني أن صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفرداً مؤنثاً، ومجموعاً مؤنثاً؛ فتقول النساء وفعلت والنساء فعلن، ونساء قانتات، ونساء قاتنة". اهـ الشهاب على البيضاوي. وجاء في تفسير النسفي بعد تلك الآية ما نصه: "لم تجمع الصفة كالموصوف لأنهما لغتان فصيحتان" اهـ النسفي. والمجموع المؤنث يشمل جمع التكسير للمؤنث، كما يشمل المجموع بالألف التاء المزيدتين. والبيت السابق منسوب في ديوان الحماسة "ج1 ص213" للشاعر: سلمة بن ربيعة. وجاء في تفسير "أبو السعود" للآية مثل ما في البيضاوي، وزاد عليه بعد قوله: "وهما لغتان فصيحتان" ما نصه: "الجمع على اللفظ والإفراد على تأويل الجماعة ... "اهـ. هذا حكم نعت الجمع المؤنث للعقلاء، وينطبق على غيرهم انطباقاً أتم وأقوى. أي: أن هذا الحكم ينطبق على الجمع الذي مفرده مؤنث مطلقاً، -عاقلاً وغير عاقل –بالرغم من أن الشائع بين كثير من النحاة أ، المطابقة واجبة بين النعت ومنعوته، إذا كان جمعاً مفرداً مؤنث، عاقل، ولا قوة لرأيهم أمام النص الصريح السالف. وأمام نصر قوي آخر؛ فقد قرأ بعض القراء آية سورة "النساء" وهي قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ... مكان: "اللاتي". "راجع التفصيل في ج1 م26 ص343 باب: الموصول". 1 وهذا الحكم –بصوره المختلفة السالفة –ليس مقصوراً على النعت وإنما يشاركه فيه الخبر والحال –كما سلف-؛ بشرط أن يكون المبتدأ وصاحب الحال جمعين لذكر غير عاقل كما في المنعوت. "راجع حاشية ياسين في هذا الموضع". 2 ج1 م1 ص21.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ؛ لأنه جنس، أو الإفراد مع التأنيث على تأويل معنى الجماعة؛ نحو قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} ، وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالماً؛ نحو قوله تعالى: {السَّحَابَ الثِّقَالَ} وقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} ... ومثل النعت فيما تقدم: الخبر، والإشارة إليه، والضمير العائد عليه ... هذا، ولا يصح أن يفرق بين مذكره ومؤنثه بالتاء المربوطة للتأنيث؛ فلا يقال –في الغالب –للمفردة المؤنثة: حمامة –بطة –شاة.... ولا يقال للمفر المذكر: حمام –بط –شاء ... منعاً للالتباس في كل ذلك، وإنما يلزم مفرده صورة واحدة في التأنيث والتذكير يجيء بعدها النعت الدال على النوع؛ فيقال: حمامة أنثى وحمامة ذَكَر ... و.... ومنها: أن يكون المنعوت معرفاً بأل "الجنسية"1؛ فيجوز نعته بالنكرة المختصة2؛ "لتقارب درجتهما" أو بما يقوم مقامها؛ وهو الجملة3.... ومن الأمثلة قولهم: ما ينبغي للرجل مثلك أن يفعل كذا؛ ... لأن كلمة: "مثل" لا تتعرف إلا بالطريقة الموضحة فيما سلف4. وكقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، فالجملة: نسلخ المكونة من المضارع وفاعله –تصلُح صفة5 والموصوف هو: "الليل" المعرف "بأل" الجنسية. ومثل جملة "سيبّ"5 في قول الشاعر: ولقد أَمُرُّ على اللَّئِيم يسبني ... فأعِفّ. ثم أقول لا يعنيني ومنها: النعت إذا كان اسم عدد، وكان منعوته في الأصل6 معدوداً محذوفا

_ 1 في ص308 ج1 م30 تفصيل الكلام عليها. 2 هي التي قل شيوعها وإبهامها؛ بسبب إضافتها، أو: إعمالها: أو: نعتاً، أو: شيء آخر يقلل إبهامها وعموماً. 3 السبب في ص28 و479. 4 في رقم4 من هامش ص24. "5 و 5" وكذلك تصلح حالاً –طبقاً لما مر في باب: "أل" ج1 وفي باب الحال وصاحبه. 6 انظر الكلام على حذف المنعوت في ص493.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مذكورًا؛ فالمحذوف نحو: اشتريت عدة كتب، قرأت منها هذا الأسبوع ثلاثًا أو ثلاثة؛ فيجوز في النعت أن تلحقه تاء تأنيث وأن يتجرد منها؛ أي: كتبًا ثلاثًا، أو ثلاثة1، ومثال المذكور: قرأت كتبًا ثلاثًا أو ثلاثة. ومنها: النعت إذا كان منعوته تمييزًا مفردًا لأحد الأعداد المركبة، أو: العقود، أو: المعطوفة؛ فيجوز في النعت الإفراد، مراعاة للفظ المنعوت "التمييز" كما يجوز فيه الجمع؛ مراعاة لمعنى المنعوت فإنه يتضمن اسم العدد؛ تقول: هنا خمسة عَشَرَ رجلًا عالمًا، أو علماء، وعشرون طالبًا ذكيًّا، أو أذكياء، وثلاثة وعشرون كاتبًا، أو كتبة2. ومنها: أفعل التفضيل إذا كان مجردًا من "أل" والإضافة، أو كان مضافًا لنكرة؛ فإنه في هاتين الصورتين يلتزم الإفراد والتذكير –بالإيضاح الذي سبق في بابه3: استمعت لخطيب أفصحَ من غيره –لِخطيبين أفصحَ من غيرهما– لِخطباء أفصحَ من غيرهن؛ كما تقول: استعمت لخطيب أفصح خطيبِ، لخطيبة أفصح خطيبة.... وكذلك باقي الصور من غير تغيير في كلمة "أفصح" التي هي النعت واجب الإفراد والتذكير مهما كان المنعوت، بشرط مراعاة الإيضاح المشار إليه4.... ومنها: أن يكون المنعوت منادى نكرة مقصودة؛ فيجوز في نعته أن يكون معرفة أو نكرة؛ بالتفصيل الذي سبق في مكانه5. د- قد يكون النعت مجرورًا لمجاورته لفظًا مجرورًا، لا لمتابعة المنعوت ويذكرون لها مثالًا كثر ترديده حتى ابْتُذِلَ، وهو: "هذا حجْرُ ضبِّ

_ 1 انظر رقم 9 من ص462. 2 راجع باب العدد ج4 ص397 م164 وص405 م165. حيث البيان والتفصيل. 3 ص401. 4 ومما يستثنى من وجب المطابقة أيضًا بعض صور الصفة المشبهة سبقت الإشارة إليها في ص303. 5 سبق بيان هذا وإيضاحه في رقم 3 من هامش ص31. ويجيء في ج4 باب حكم تابع المنادى رقم 2 من هامش ص33 م130.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَرِبٍ". يعربون كلمة: "خَرِب" صفة "لَجُحْر"، لا لضب؛ كي لا يفسد المعنى، ويجرّون النعت تبعًا للفظ: "ضبّ" الذي يجاوره. وقد أوَّلوه تأويلات أشهرها: أن الأصل: هذا حجرُ ضبٍّ خَرِب" ثم طرا حذف وغير حذف ... ، ويطيلون الكلام والجدل. والحق أن هذا النوع الغريب من الضبط بسبب "المجاورة" والنوع الآخر الذي سببه: "التوهم" جديران لالإهمال، وعدم القياس عليهما، بل عدم الالتفات إليهما مطلقًا –كما قال بعض المحققين ممن سجلَّنا رأيهم-. وقد أشرنا إلى هذا مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب1. هـ- تقدم أن المطابقة الواجبة بين "النعت الحقيقي" ومنعوته تشمل الإفراد وفروعه التي هي: "التثنية والجمع". والمراد هنا: التثنية والجمع الاصطلاحيَّان عند النحاة؛ بأن يكون المثنى مختومًا "بالألف والنون"؛ أو بالياء والنون، ويسمى "جمع المذكر غير المفرق" أيضًا أما المثنى المفرَّق" أيضًا أما المثنى المفرَّق، مثل: محمد –ومحمد– العاقل والعاقل، وجمع المذكر المفرق، مثل: محمد ومحمد ومحمد، العاقل والعاقل والعاقل، فلهما حكم آخر؛ يجيء الكلام عليه عند تعدد النعت2 ... ويدخل في حكم المفرد كل اسم دالّ على مفرد حقيقة، ولفظه على صورة المثنى، أو الجمع، مثل الأعلام، حمدان، محمدَيْن، خلْدون، سعادات، مكارم ... فيجب في النعت أن يطابقه في الإفراد. أي: أنه إذا سمي بالمثنى أو بالجمع فالمسمى مفرد في معناه، ويجب أن يكون نعته الحقيقي مفردًا مثله.

_ 1 منها: "ج1 ص454 م49" "ج2 ص320 م89" "وج3 باب الإضافة ص8". 2 ص418.

ب- والنعت السببيّ: هو الذي يدل على معنى في شيء بعده، له صلة وارتباط بالمنعوت؛ نحو: هذا بيت متسعٌ أرجاؤُه، نظيفةٌ غرفُه، بديعةٌ فُرُشُهُ. وعلامته: أن يذكَر بعده اسم ظاهر –غالبًا1 –مرفوع به، مشتمل على ضمير يعود على المنعوت مباشرة، ويَربِط بينه وبين هذا الاسم الظاهر الذي ينصَبّ عليه معنى النعت. كما في الأمثلة السالفة ... "متَّسع ... -نظيفة ... -بديعة ... ". وحكمهُ: أنه يطابق المنعوت في أمرين معًا: 1- حركة الإعراب، -ومت ينوب عنها -. ويطابق سبَبِيَّه في أمر واحد؛ هو: التذكير؛ والتأنيث. وحكم النعت في هذا التذكير والتأنيث حُكم الذي يصح أن يحل محله ويكون بمعناه؛ فإذا أمكن أن يوضع مكان النعت فعل بمعناه مسْند للسببي، وصحّ في هذا الفعل التأنيث والتذكير، أو وجب أحدهما- كان حكم النعت كذلك2. أما من جهة إفراد النعت السببيّ، وتثنيته، وجمعه: أ- فيجب إفراده إن كان السببي غير جمع، بأن كان مفردًا، أو مثنى؛ إذ لا تتصل بالنعت السببي علامة تثنية؛ فحكمه في هذا أيضًا كحكم الفعل الذي يصلح لأن يحل محله. ففي مثل: "يعجبني الحقل الناضر زرعُه"؛ ... يجب في كلمة "الناضر"

_ 1 والاسم الظاهر هو: "السببيّ". ومن غير الغالب أن يرفع ضميرًا بارزًا؛ نحو: جاءني امرأة مكرمته هي –جاءتني خادمة رجل مكرمها هو –مكرمة –في المثال الأول –بالرفع صفة للمضاف "خادم" وقد جرى الضمير المنفصل المرفوع على غير من هو له؛ لأن الخادم ليس هو المكرم في الحقيقة، وإنما المكرم هو: المرأة. لذلك وجب إبراز الضمير المرفوع؛ لعودته على غير من هو له: إذ لو لم يبرز لحصل اللبس في صور كثيرة بسبب أن الوصف في ظاهره للمضاف إليه، والغرض كونه للمضاف. "وقد سبق إيضاح الكلام على الضمير الجاري على غير صاحبه في ج1 ص335 م35 عند الكلام على أقسام الخبر". ومثل هذا يقال في المثال الثاني. 2 يجب عند تطبيق هذه القاعدة ملاحظة أمرين؛ أولهما: الحكم الخاص بالنعت الذي منعوته كنية. وقد أوضحنا هذا الحكم في: "أ" من ص444. وثانيهما: الحكم الخاص بالنعت. إذا كان صفة مشبهة. وقد سبق إيضاحه في ص303.

الرفع؛ تبعًا للمنعوت1 وهو: "الحقل"؛ كما يجب فيها التعريف تبعًا له أيضًا. ولو كان المثال: "يعجبني حقلٌ.."؛ لوجب أن يقال في النعت؛ ناضرٌ زرعُهُ؛ بارلفع، وبالتنكير؛ تبعًا للمنعوت. وفي مثل: "هذا رجل عاقلة أخته، وهذه فتاة محسنة أختها" يجب1 الإفراد والتأنيث فيهما؛ مراعاة للسببي2؛ بالرغم من أن كلمة: "عاقلة" هي نعت لرجل؛ المذكر. إذ لو حل مكان النعت فعل لوجب تأنيثه3؛ فنقول: هذا رجل عقَلَتْ أخته، هذه فتاة أحسنت أختها. ويجب التذكير والإفراد في مثل: هذا رجلٌ محسن أخوه، وهذه فتاة محسنٌ أخوها، وبالرّغم من أن كلمة: "محسن" الثانية. هي نعت، للفتاة، لأنه لو حل الفعل محل النعْت لوجب تذكيره، فنقول: هذا رجل أحسن أخوه، هذه فتاة أحسَن أخوَها. أمَّا في مثل: هذا حقل ناضر زروعه ... فيصح ناضر، أو ناضرة؛ لأنه لو حل مكان النعت فعْلٌ لقلنا: هذا حقل نَضَرتْ زروعُه، أو نضَر زروعُه؛ بوجود علامة التأنيث أو بعدمها. ونقول عند إفراد السببي وتثنيته: هذا زميل مجاهد أبوه، هذان زميلان مجاهدٌ أبواهما، هذه زميلة مجاهدٌ أبوها، هاتان زميلتان مجاهدٌ أبواهما.... فلا يتصل بالنعت علامة تثنية؛ إذ الفعل الصالح لأن يحل محله لا يصح أ، يتصل به –لي الأغلب– علامة تثنية. وهكذا يكون إحلال الفعل محل النعت السببي، وإسناده للسببي –مرشدًا إلى الطريقة التي تراعى في النعت من جهة تذكيره، وتأنيثه، وإفراده؛ تبعًا للسببي المذكر أو المؤنث، المفرد أو المثنى. ب- فإن كان السببي مجموعًا جمع تكسير جاز في النعت أمران؛ إما إفراده، وإمَّا مطابقته للسببي، نحو: هؤلاءِ زملاءُ كرامٌ آباؤهم، أو: هؤلاءِ

_ "1و 1" في الرأي الحسن. 2 مع وجوب مطابقة النعت للمنعوت في الأمرين الآخرين اللذين فيهما المطابقة الحتمية. 3 المراد: لوجب أن تتصل بالفعل علامة التأنيث؛ لأن فاعله سيكون هو "السببي"، المؤنث تأنيثًا حقيقيًا يوجب تأنيث فعله.

زملاءُ كريمٌ آباؤهم. فإن كان مجموعًا جمع مذكر سالمًا، أو: جمع مؤنث سالمًا فالأفصح إفراد النعت وعدم جمعه1، نحو: هؤلاء زملاءُ كريم والدوهم، هؤلاء زميلات كريمة والداتهن ... أما تعريف النعت أو تنكيره، وحركة إعرابه وما يتوب عنها –فيتْبع في هذا كله المنعوت من غير تردد ,-كما أسلفنا-. وملخص ما سبق: أ- انقسام النعت باعتبار معناه إلى قسمين: حقيقي وسببي. ب- النعت الحقيقي هو: كل ما يدل على معنى في نفس متبوعه الأصلي، أو فيما هو في حكمه. وإن شئت قفل: هو ما أسند إلى ضمير مستتر أصالة أو تحويلًا، يعود إلى المنعوت. وحكمه: أن يَتْبع المنعوت في أربعة أشياء: 1- حركات الإعراب، -وما ينوب عنها-. 2- الإفراد وفروعه. 3- التعريف والتنكير. 4- الذكير والتأنيث ... ج- النعت السببي: ما رفع اسمًا ظاهرًا –في الغالب– يقع عليه معنى النعت، وبه ضمير يعود على المنعوت مباشرة. وحكمه: أن يُتْبع المنعوت في أمرين محتومين؛ هما: حركات الإعراب –وما ينوب عنها، والتعريف والتنكير ... أما التذكير والتأنيث فيتْبع فيهما السببي؛ وجوبًا في بعض حالات، وجوازًا في غيرها2. وأما التثنية فلا يثنى. وأما الجمع فيجوز جمعه وإفراده في كل الحالات تبعًا للسببي، ومطابقةً له.

_ "1، 1" إلا إذا راعينا اللغة التي تجيز أن يتصل بالفعل علامة تثنية أو جمع، تبعًا للفاعل. المسند إليه أو لنائب الفاعل. فبمقتضى هذه اللغة يجوز أن يكون النعت مثنى، أو مجموعًا؛ مطابقًا سببيه فيهما. ومن الخير العدول عن هذه اللغة؛ لما أبديناه عند الكلام عليها "في باب الفاعل ج2 م66 ص70".

إلا أن الإفراد أفصح وأقوى1 حين يكون السببي جمع مؤنث سالمًا أو جمع مذكر سالمًا. د- فحكم النعت بنوعيه من جهة المطابقة وعدمها هو: المطابقة الحتمية في أمرين: أحدهما: حركات الإعراب –وما ينوب عنها-,والآخر: التعريف والتنكير. أما التذكير والتأنيث فحكمه فيهما حكم الفعل الذي يصلح أن يحل محله. وأما الإفراد وفروعه، فالحقيقي يطابق فيها جميعًا. والسببي يطابق –حتمًا– في الإفراد، ولا يصح أن يطابق في التثنية. ويجوز في جمع التكسير المطابقة وعدمها وأما في غيره فالأحسن الإفراد2 ...

_ 1 والاقتصار عليه أفضل. 2 وهذا ما يريده ابن مالك بقوله: ولْيُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ والتَّنْكِيرِ مَا ... لِمَا تلا: كَامْرُرْ بقَوْمٍ كُرَمَا وهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِيرِ أَو ... سِوَاهُمَا مالفِعْلِ: فاقْفُ مَا قَفَوْا "ما لما تلا؛ أي: ما ثبت للذي تلاه النعت. والذي تلاه النعت هو المنعوت. "اقف": أتبع. "ما قفوا": ما اتبعوه. أي: اتبع ما اتبعه العرب في ذلك". يريد: أن النعت يعطي في التعريف والتنكير حكم ما تلاه: فهو فيهما كالمنعوت، وضرب لهذا مثلًا: هو أمرر بقوم كرماء، فكرماء نعتًا؛ لأن المنعوت وهو "قوم" نكرة أيضًا. أما حكم النعت لدى التوحيد، "أي: عند الإفراد". وعند التذكير وسواهما من فروعهما فهو حكم الفعل؛ فاتبع في ذلك ما ابتعه العرب في أمر النعت المذكور أو في أمر الفعل مع تطبيق على النعت. وكلامه هذا يحتاج لتفصيل ضروري ... وقد عرضناه في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ينقسم النعت باعتبار معناه أيضًا إلى ما يأتي: 1- نعت تأسيسي، "أو: مؤسِّس" وهو الذي يدل على معنى جديد لا يفهم من الجملة بغير وجوده، نحو؛ راقني الخطيب الشاعر. فكلمة: "الشاعر" نعت أفاد معنى جديدًا لا يستفاد إلا من ذكرها. 2- نعت تأكيد "أو: مؤكِّد"؛ وهو الذي يدل على معنى يفهم من الجملة بدون وجوده، نحو: تخيرت من الأطباء النِّطاشيَّ البارعَ. فالبارع نعت مفهوم المعنى من كلمة: "النطاسِيّ" التي بمعناه، ومن الجملة قبله أيضًا؛ لأن التخير، لا يكون –في الأغلب– إلا للبارع. 3- نعت التوطئة، أو التمهيد؛ بأن يكون النعت جامدًا, وغير مقصود لذاته، والمقصود هو ما بعده، وإنما ذكر السابق ليكون توطئة وتمهيدًا لنعت مشتق بعده يتجه القصد له، نحو: استعنت بأخ أخٍ مخلصٍ. فكلمة: "أخ" الثانية نعت غير مقصود لذات، وإنما المقصود هو المشتق الذي يليه، ولذا يسمى النعت الجامد هذا بالنعت المُوَطِّئ1 كما سلف هنا. وسبقت له الإشارة

_ 1 في مثل هذا التركيب يختلف النحاة في إعراب الكلمة الثانية "وهي: "أخ" ونظائرها الواقعة موقعها من مثل هذا الأسلوب". فكثرتهم لا تجيز إعرابها توكيدًا لفظيًا، ولا بدلًا مطابقًا، بحجة أن إعرابها توكيدًا لفظيًا سيجعلها مقيدة بالنعت، مع أن الكلمة الأولى المتبوعة مطلقة خالية من التقييد، وإذًا لا تصلح الثانية توكيدًا لفظيًا سيجعلها مقيدة بالنعت، مع أن الكلمة الأولى المتبوعة مطلقة خالية من التقييد، وإذًا لا تصلح الثانية توكيدًا لفظيًا للأولى، لأنها ليست مرادفة لها، وكذلك لا تصلح بدلًا مطابقًا، لأنها ليست مساوية للأولى، ولأن النعت –لأهميته– مقدم في الترتيب على البدل –كما سبق في ص435-. وصحح فريق آخر أن تكون بدلًا مطابقًا، مستدلًا بقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فالثانية بدل كل "انظر ص676 و677". وصحح آخرون أن تكون توكيدًا لفظيًا "طبقًا للبيان الذي في رقم 2 من هامش ص525" أو: عطف بيان، أو بدل بعض.... و...... و.... ولكل أدلته الدلية العنيفة، وردوده القوية التي =

........................................................................................................................................ في ج1 باب: "لا" وستجيء في رقم6 من ص445.

_ = يحتج بها على غيره.... نشهد هذه الجدليات ملخصه في آخر باب: "لا" النافية للجنس "ج1 من كتابي: التصريح، والصبان، ومختصرة في حاشية: الخضري". وصفوة ما نستخلصه من تلك المناقشات الدقيقة: جواز تلك الإعرابات كلها، وأن الأحسن إعراب الثانية نعتاً موطئاً؛ لخلوه من شوائب الضعف التي تشوب سواه ... "انظر ما يتصل اتصالاً قوياً بهذا في رقم2 و4 و.... من هامش ص543 –حيث الكلام على عطف البيان ... ".

2- تقسيم النعت باعتبار لفظه: أ- الأشياء القياسية التي تصلح أن تكون نعتاً مفرداً1 هي: الأسماء المشتقة1 العاملة، أو ما في معناها2. "والمقصود بالعاملة: اسم فاعل –صيغ المبالغة –الصفة المشبهة –اسم المفعول3 –أفعل التفضيل. أما غير العاملة –كاسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة –فلا تقع نعتاً". والمقصود بما في معناها: كل الأسماء الجامدة التي تشبه المشتق في دلالتها على معناه، والتي تسمى: الأسماء المشتقة تأويلاً. فإنَّها تقع نعتاً أيضا. وأشهرها: 1- أسماء الإشارة غير المكانية؛ مثل: "هذا" وفروعه، وهي معارف فلا تقع نعتاً إلا للمعرفة؛ نحو: استعمت إلى الناصح هذا. أي: إلى الناصح المشار إليه؛ فهي تؤدي المعنى الذي يؤديه المشتق4. أما أسماء الإشارة المكانية "مثل: هُنا -ثَمَّ".... فظروف مكان، لا تقع بنفسها نعتاً؛ لأن مهمتها تختلف عن مهمة النعت: ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت: مثل: أسرع العطاش إلى ماء هنا، أي: موجود هنا، أي: موجود هنا –أو نحو هذا التقدير –ومن التيسير المقبول أن يقال للاختصار: "الظرف النعت" ... كما سبق إيضاح هذا في مواضع مختلفة5 ... 2- ذو، المضافة6، بمعنى: صاحب كذا –فهي تؤدي ما يؤديه المشتق

_ "1، 1" أما النعت بغير المفرد فيأتي في: "ب" و "ج" ص472 و476 –هذا والمشتقات هي: ما أخذت من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه. وقد سبق تفصيل الكلام عليها وعلى أنواعها وأحكامها ... في هذا الجزء ص37 و182 وما بعدهما. 2 قال الدماميني: "المتبادر من هذا أنه يشترط في النعت كونه مشتقاً، أو مؤولاً به، وهو رأي الأكثرين. وذهب جمع محققون –كابن الحاجب –إلى عدم الاشتراط، وأن الضابط هو دلالته على معنى في متبوعه؛ كالرجل الدال على الرجولية ... " اهـ. راجع حاشيتي الصبان والخضري، لكن المثال المعروض بالدلالة التي ذكروها هو نوع من المؤول بالمشتق؛ فلا جديد في رأيهم. 3 وما بمعناه؛ كفعيل في مثل: أمين؛ بمعنى: مأمون، وجريح "مجروح". 4 انظر "ج" من ص465 –وانظر ص449 ج1. 5 في ج1 ص346 م35 وفي ج2 ص201 وص328 م89. 6 والأغلب أن تكون إضافتها لاسم جنس ظاهر غير مشتق. أما إضافتها لغيره فشاذة "مقصورة على السماع" كأن تضاف للعلم أو للضمير العائد على اسم الجنسن أو للجملة. "راجع الصبان عند الكلام عليها في الأسماء الستة -ج1".

من المعنى. "وتكون نعتاً للنكرة"1؛ نحو: أنِست بصحبة عالم ذي خلق كريم، ومثل "ذو" فروعها: "ذوَا ... -ذوُو ... -ذوِي ... -ذات –ذاتا –ذوات ... ". 3- الموصولات الاسمية المبدوءة بهمزة وصْل؛ مثل: الذي –التي – اللائي ... و ... ، بخلاف: "أيّ" الموصولة2. أما "مَنْ"، و "ما" ففي النعت بهما خلاف، والصحيح جوازه –كما سيجيء3 –ولما كانت الموصولات مَعْرفة وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الأمثلة: الضعيف الذي يحترس من عدوه، أقرب إلى السلامة من القويّ الذي ينخدع، أو يستهين. والتأويل: الضعيف المحترس من عدوه، أقرب إلى السلامة من القوي المنخدع ... فمعناها معنى المشتق ... 4- الاسم الجامد الدالّ على النسب قَصْداً4. وأشهر صُوَره أن يكون في آخرة ياء النسب، أو: أن يكون على صيغة: "فَعَّال"، أو غيرها من الصيغ5 الدالة على الانتساب قصداً كما تدل ياء النسب، فهو يؤدي المعنى الذي يؤديه لفظ: "المنسوب لكذا"، نحو: ألُمحُ في وجه الرجل العربيّ كثيراً من أمارات الصراحة، والشجاعة، والكفاح. أي: المنسوب إلى العرب. ومثل: اشتهر الرجل اليوناني بالنشاط والهجرة إلى حيث يتسع الرزق أمامه، وفي بلادنا

_ 1 هذه عبارة التصريح على التوضيح، ولم أرها لغيره. لكن في بعض المراجع الأخرى ما يفيد وقوعها نعتًا للمعرفة أيضًا. 2 "أي": الموصولة معرفة، وهي لا تقع نعتًا، أما "أي" التي تقع نعتًا فهي نكرة، ومنعوتها نكرة بالتفصيل الذي سبق عند الكلام عليها في باب الإضافة ص111 و113 وما بعدهما، والذي يجيء أيضًا في ص468. 3 في ص466. 4 إذا لم يكن النسب مقصودًا لم يكن الاسم بمعنى المشتق، ويظل على جموده الكامل، فلا يصلح نعتًا، كن اسمه؛ بدوي، أو مكي. 5 ومنها صيغة: "فاعل" المنسوب إلى شيء معين. مثل: "سائس" الذي ينسب اليوم لمن يسوس الحيل، ويتول شئونها. ومثل: لابن، وتامر، لمن يشتغل باللبن والتمر. ويتول شئونهما.... -كما سيجئ في باب النسب- ج4.

جماعة منهم تمارس الحِرَف والصناعات المختلفة. فتجد بينهم التاجر، والبقَّال، واللَّبان، والنجار، والحداد، ... و.... أي: المنسوب للتجارة، والبقل، واللبن، والنَّجْر "النِّجارة"، والحديد.... وإنما ينسب إليها لأنه يلازم العمل فيها والتفرغ لها1 ... وهذا النوع من الأسماء الجامدة يصلح نعتًا للنكرة وللمعرفة؛ ولا بد أن يطابقهما تنكيرًا، وتعريفًا. تقول: ألمحُ في وجه الرجلِ العربيِّ النبلَ ... أو: ألمح في وجه رجل عربي النبلَ-. 5- المصغر: لأنه يتضمن وصفًا في المعنى؛ فهو في هذا كالنسب، ومن ثَمّ يلحقان بالمشتق، نحو: هذا طفلٌ رَجَيْلٌ، في المدح، وهذا رَجلٌ طُفيْلٌ، في الذم. 6- الاسم الجامد المنعوت بالمشتق: نحو: اقتديت برجلٍ رجلٍ شريفٍ وهذا النوع من النعت هو المسمى "بالنعت هو المسمى "بالنعت الموطِّئ -,وقد سبق إيضاحه2– ومنه قولهم الوارد عنهم: ألا ماءَ ماءً باردًا ... 7- المصدر: بشرط أن يكون منكرًا3، صريحا4، غير ميميّ، وغير دال على الطَلب5، وان يكون ثلاثيًا، وأن يلتزم صيغته الأصلية من ناحية

_ 1 وفي النعت بالمشتق وشبهه يقول ابن مالك: وانعت بمشتق؛ كصعب: وذرب ... وشبهه: كذا، وذي، والمنتسب "رجل ذرب: حاد اللسان في الخير والشر. أو الحاد مطلقًا فيما يتناوله من الأمور. "المنتسب" هنا: المنسوب الذي يفيد النسبة إلى غيره". 2 وفي رقم 3 من ص 456 وفي ج1 باب "لا" النافية للجنس. 3 انظر "1" من الزيادة الآتية في ص 464 لأهميتها، ولم يذكر كثرة النحاة هذا النص الذي صرح به بعضهم "كالخضري". والأمثلة الكثيرة المسموعة عن العرب تؤيد أصحاب النص. 4 أي: غير مؤول. وقد يمكن الاستغناء عن هذا الشرط وعن الذي يليه "وهو: كونه: غير ميمي"، يذكر كلمة: "المصدر" مطلقة من كل قيد. والإكتفاء بها؛ اعتمادًا على ما سبق "في هامش ص 181" وهو أن المصدر إذا أطلق لفظه "أي خلا من التقييدا" كان المراد منه "المصدر الأصلي الصريح" وحده، دون المبين للنوع، أو للعدد، ودون المؤول، والميمى. لكن التقييد هنا أدق وأنفع. 5 إذا كان دالًا على الطلب "نحو: قيامًا للضيف؛ بمعنى: قم للضيف" لم يصح النعت به كما سيجئ في رقم 2 من ص 466-.

الإفراد والتذكير وفروعهما؛ "والأغلب أن تكون صيغته ملازمة الإفراد والتذكير، فإن كانت كذلك في أصلها لم يجز تثنيتها، ولا جمعها، ولا تأنيثها، ولا إخراجها عن وزنها الأول1" ... تقول: رأيت في المحكمة قاضيًا عدْلًا، وشهودًا صدْقًا، ونظامًا رِضًا، وجموعًا زَوْرًا2 بين المتقاضين ... تريد: قاضيًا عادلًا، وشهودًا صادقين، ونظامًا مرضيًّا، وجموعًا زائرة بين المتقاضين.... فالمعنى على تأويل المصدر باسم مشتق كالسابق، ويصح أن يكون على تقدير مضاف محذوف هو النعت، ثم حُذف وحلّ المصدر محله، وأعرب نعْتًا مكانه. والأصل: قاضيًا صاحبَ عدل –شهودًا أصحابٌ صدق– نظامًا داعيَ رضا– جموعًا أصحاب زَوْر، "أي: أصحاب زيارة"، والداعي للنعت بالمصدر مباشرة وترك المشتق، أو المضاف المحذوف على الوجه السالف أن النعت بالمصدر أبلغ وأقوى؛ لما فيه من جعل المنعوت هو النعت. أي: هو نفس المعنى؛ مبالغة. وقد اختلف رأي النحاة في وقوع المصدر نعتًا؛ أقياسيّ هو أم مقصُور على السماع؟ وأكثرهم يميل إلى قصره على السماع، مع اعترافهم بكثرته في الكلام العربي الفصيح3، وأنه أبلغ في أداء الغرض من المشتق4. وهذا الاعتراف

_ 1 إلا في حالات أشهرها أن يكون المصدر مسموعًا بالتأنيث أصلًا؛ نحو: رحمة، شفقة، فإن تاء التأنيث ملازمة لهما. أو أن يشيع الوصف بالمصدر، ويشتهر استعماله نعتًا، فيجوز تثنيته وجمعه قياسًا؛ لغلبة الوصف عليه كقول الشاعر: وبايعتُ ليلَى في الخلاءِ ولم يكن ... شهودٌ على ليلي، عدولُ مَقَانعُ المفرد، َدْل، بمعنى: عادل. 2 الزور هنا: الزيارة. 3 وفي مقدمته القرآن الكريم –ولا سيما سورة الجن– ومما ورد في غيرها كلمة: "بُور"، بمعنى "هلاك" في قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} أي: هلاكًا، بمعنى: هالكين وهو في أصله مصدر يوصف به المفرد، والمثنى والجمع، والمؤنث، والمذكر مع تأويله في كل ذلك بالمشتق "اسم فاعل ... " وقيل إنه جمع: "بائر" مثل: "حائل وحول" فيكون على هذا مشتقًا لا مصدرًا مؤولًا بالمشتق. أما في سورة الجن فقد جاء النعت بالمصدر في قوله تعالى: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا....} أي عجيبًا -وكلمة؛ "عجب" مصدر –في قوله تعالى: {مَاءً غَدَقًا ... } أي كثيرًا وفي كلمة: "صُعُدًا" بمعنى صعود في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} . والصُّعُدُ: هو الصعود بمعنى: المشقة، وجاء كذلك في قوله تعالى: في إخوة يوسف: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ... } . 4 فقد قرر علماء البلاغة أن النعت بالمصدر يكون من باب: المبالغة، أو: من مجاز =

بالكثرة1 يناقض أنه مقصور على السماع. فالأحسن الأخذ بالرأي الصائب الذي يجعله قاسيًا2 –بشروطه– ولا خوف من اللبس المعنوي أو خفاء المراد؛ لأن القرائن والسياق يزيلان هذا كله، ويبقى للنعت بالمصدر مزيته السالفة التي انفرد بها دون المشتق. 8- اسم المصدر إذا كان على وزن من أوزان مصدر الثلاثي؛ ككلمة "فِطْر" اسم مصدر للفعل: "أفطر"، وهي بمعنى: مُفْطرٍ، أو صاحب إفطار: تقول: هذا رجلٌ فِطْرٌ، ورجلان فِطْرٌ، ورجالٌ فِطْرٌ ... 9- العدد، نحو: قرأت كتبًا سبعةً، وكتبت صحفًا خمسة3. 10- بعض ألفاظ أخرى جامدة مؤولة بالمشتق, معناها بلوغ الغاية في

_ = الحذف، أو المجاز المرسل، وأن الثلاثة قياسية. فهل يتناقض علماء لغة واحدة؟ وهل يقول البلاغيون إن النعت بالمصدر أبلغ من النعت بالمشتق في الوقت الذي يقول فيه بعض النحاة إن النعت بالمصدر –مع كثرته لا يصح قياسًا؟ وكيف يقولون ذلك والقرآن الكريم أفصح الكلام مشتمل عليه عدة مرات؟ ... إنه تناقض لا يدفعه إلا القول بقياسية النعت بالمصدر بشروطه السالفة. ويقول ابن جني –في كتابه المحتسب، ج2 ص46 –إن النعت بالمصدر مباشرة من غير تقدير شيء محذوف أبلغ وألطف من النعت بغير المصدر، ويؤيد كلامه بالأدلة، ويعرض الشواهد الكثيرة عليه؛ ولأنك تجعل المنعوت هو المصدر نفسه مبالغة –وأطال الكلام في هذا. وفي النعت بالمصدر يقول ابن مالك بيتًا سنعيده في ص475 "بعد أن تكلم على النعت بالجملة، وسيأتي النعت بها في ص472". ونَتُوا بمَصْدَرٍ كَثِيرًَا ... فالْتَزَمُوا الإِفْرَاد والتَّذْكِيرَا أي: نعت العرب بالمصدر كثيرًا في أساليبهم، ولم يخرجوا المصدر عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، فهو يلازمها دائمًا، ولو كان المنعوت غير مفرد وغير مذكر، تقول: هذا أمر رِضًا، هذان أمران رضًا، هذه أمور رضا، هذه حالة رضا، هاتان حالتان رضا، أولئك حالات رضا ... 1 ولا سيما التي تؤيدها البلغة.. 2 وبهذا الرأي أخذ مؤتمر المجمع اللغوي الذي انعقد بالقاهرة في فبراير سنة 1971، وسجل قراره بينه ما اتخذه من قرارات حاسمة محررة. 3 يكون العدد عنا صفة إذا أريد تحقيق غرض من أغراض النعت. ويصح أن يكون بدلًا إذا أريد به تحقيق غرض من أغراض البدل المذكورة في بابه الآتي ص666 وص667 وإذا ذكر المنعوت المعدود جاز في النعت مطابقته في التأنيث والتذكير وعدم مطابقته. وكذلك لو حذف المعدود المنعوت كما أشرنا في ص449، وكما يجيء في ج4 باب العدد –م165 ص501-. ملاحظة: -بمناسبة إعراب العدد –أحيانًا– نعتًا كالوارد هنا نذكر بعض مواقعه الإعرابية الأخرى =

الكمال أو النقص، كلفظة: ,كُلّ"1 مثل: عرفت العالِمَ كُلَّ العالمِ. و.... 11- الجامد الذي يدل دلالة الصفة المشبهة مع قبوله التأويل بالمشتق2 ومن أمثلته: فلانٌ رجلٌ فَراشةُ الحلِم، فِرْعَونُ العذابِ، غِربالُ الإِهاب. فكلمة: فراشة، وفرْعون، وغربال.... تعرب نعتًا بالمشتق؛ لأنها بمعنى: أحمق، وقاسٍ، وحقير.

_ = فقد ذكرنا في الجزء القاني –باب: الحال ,آخر المسألة 84– الحكم الثالث، ونصه: من الألفاظ التي وقعت حالًا: "العدد من ثلاثة إلى عشرة، مضافًا إلى ضمير المعدود؛ نحو: مررت بالإخوان ثلاثتهم أو: خمسَتهم، أو: سعَتهم ... ، على تأويل: مُثَلثًا إياهم، أو: مُخَسًا، أو: مسبعًا ... ، ويجوز إتباعه لما قبله فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًا بمعنى: جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به لفظ التوكيد. والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد، بل يسري على المركب نحو: جاء القوم خمسةَ عشرَهُم، بالبناء على الفتح في محل نصب، أو محل غيره على حسب حالة الجملة وبالرغم من أن العدد المركب مبني هنا فهو مضاف إلى الضمير" ا. هـ. وجاء في حاشية "ياسين" على التصريح، أول باب: التوكيد خاصًّا بهذه المسألة ما نصه: "إذا قيل: جاءني القوم ثلاثَتَهم بنصب "ثلاثَتِم فهو حال، وإن رفع فهو توكيد، قال الرضى. ولا يؤكد بثلاثة وأخواتها إلا بعد ان يعرف المخاطب كمية العدد قبل ذكر لفظ التوكيد وإلا كان مبتدأ" ا. هـ وانظر البيان الذي في ص511. 1 سبق الكلام في ص72 على حكمها إذا أضيفت: ويجيء تفصيل الكلام على حكمها في النعت ص467 و513 وفي التوكيد ص509 ولا يجوز فيها القطع إذا كانت نعتًا أو توكيدًا. 2 سبق بيان هذا في مكانه ص284.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- سبق1 أن المصدر يقع نعتًا بشرط أن يكون منكرًا.... و.... و.... لكن ورد في الأساليب المسموعة وقوع المصدر نعتًا مع أنه مبدوء بأل المعرّفة، أو مضاف لمعرفة. ومن الأول كلمة: "الحق"2 في مثل قول الشاعر: إن أخاك الحقَّ من يسعى معكْ ... ومن يضرّ نفسه لينفعكْ ومن الثاني قولهم: مررت برجل حسبِك3 من رجل، أو شَرْعِك من رجل، "وهما مصدران بمعنى: كافيك ... " أو: همِّك من رجل، "بمعنى: مُهمك"، أو: نحْوِك من رجل "بمعنى: ماثلك ومَشابهك" فهذه المصادر كان حقها أن تتعرف بأل، وأن تكتسب التعريف من المضاف إليه، ولكنها لم تتعرف4؛ بسبب أنها بمعنى المشتق الذي لا يستفيد التعريف، وقد سبق التفصيل في أول باب الإضافة5-0 ومن الأمثلة لهذا المشتق الذي لا يكتسب التعريف قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ} ، فقد وصِف "عارض" بكلمة: "ممطر" المضافة إلى الضمير؛ فلم تكتسب منه التعريف، إذ لو اكتسبت منه التعريف لم يصح وقوعها نعتًا للنكرة: "عارض" وكقول الشاعر: يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يطلبكمْ ... لاقَى مباعدةً منكم وحرمانًا فقد دَخَلت "رب" على اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، ودخلوها عليه دليل على أنه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأن "رب" لا تدخل –في الأغلب–

_ 1 في ص460. 2 انظر ما يتصل بوقوع هذه الكلمة نعتًا –في رقم 1 من هامش ص468. 3 سبق الكلام مفصلًا على "حسب" في ص149. 4 بدليل أن منعوتها نكرة، فلو كانت معرفة ما صح وقوعها نعتًا للنكرة. 5 ص24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا على النكرات، ومثل قول امرئ القيس في وصف حصانه: وقد اغتدى والطيرُ وكُناتها ... بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الأَوابدِ، هَيْكل "ففَيْد" مضاف لمعرفة. ولم يكتسب منها التعريف؛ بدليل وصف النكرة "منجرد" به1.... ب- كذلك ورد في الأساليب المسموعة بعض أمثلة وقع النعت فيها من أنواع غير التي سلفت، كأنْ يكون مصدرًا لغير الثلاثي؛ نحو: الحازم لا يعالج الأمر عِلاجًا ارتجالًا، أو دالًا على المقدار، نحو: اشتريت من الفاكهة الخمس الأققَ، أو دالًا على جنس الشيء المصنوع، نحو: لبست الثوبَ الحريرَ، أو دالًا على بعض الأعيان التي يمكن تأويلها، نحو: حصدتَ الحقل القمح. أي: المزروع قمحًا، والأحسن الأخذ بالرأي السديد الذي يمنع القياس على هذه الأشياء؛ ضبطًا للأمور؛ ومنعًا للخلط بينها وبين غيرها مما ليس نعتًا. ج- 1- من الأسماء ما يصلح أن يكون: "نعتًا" في بعض الأساليب؛ لاستيفائه شروط النعت، و"منعوتًا" في أخرى؛ لاستيفائه شروط المنعوت كذلك، فحكمه مختلف على حسب الدواعي الإعرابية: كأسماء الإشارة؛ نحو: احتفيت بالمصلح هذا، أو: بهذا المصلح. غير أنّ اسم الإشارة ... -المنادى أو غير المنادى لا يصح وصفه باسم إشارة2. واسم الإشارة معرفة؛ فلا يكون نعتًا إلا للمعرفة؛ وإذا وقع منعوتًا وجب أن يكون نعته مقرونًا بأل، "والأحسن أن يكون هذا المقْرون مشتقًا؛ فإن كان جامدًا فالأفضل اعتباره بدلًا4 أو عطف بيان". ووجب أيضًا أن يطابق منعوته في الإفراد والتذكير وفروعهما مع عدم تفريق النعوت1، وألاّ يُفصَل منه

_ 1 راجع شرح المفصل ج3 ص50. 2 انظر ما يتصل بهذا ويوضحه في ص483. 3 لهذا صلة بما في ص665. 4 لهذا تفصيل مناسب مكلفة ج4 م130 ص36 حيث الكلام على أحكام: "تابع المنادى"، والشروط الخاصة بكل حاجة وحكم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلقًا1، وألا يُقطع2 منه في إعرابه3. ومن هذه الأسماء الصالحة للأمرين أسماء الموصولات ... حتى "مَنْ" و"ما" في الرأي الصحيح4، نحو: وقف مَنْ خَطَب الفصيحُ، واستمع الحاضرون إلى الرائع ما قيل". 2- ومن الأسماء ما لا يصلح أن يكون نعتًا، ولا منعوتًا؛ كالضمير، والمصدر الدال على الطلب5؛ "نحو: سعيًا في الخير، بمعنى: اسْع في الخير"، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام6، كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، "كم" الخبرية، "ما" التعجبية، وكلمة: الآن الظرفية، وكثير من الظروف المبهمة، مثل: قبل، وبعد....، ويستثنى من الأسماء المتوغلة في الإبهام بعض ألفاظ تقع نعتًا؛ منها: غير، وسوى ... و"من" النكرتان التَّامتان. 3- ومنها: ما يصلح أن يكون منعوتًا، ولا يصلح أن يكون نعتًا، كالعَلَم، مثل: إبراهيم، عليّ، فاطمة ... وكالأجناس الباقية على دلالتها الأصلية، كرجل7، ونمر، وقيل.

_ 1 كما سبق في ص435 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص487. 2 سيجيء القطع وبيان أحكامه في ص486 و488. 3 أما كونه جنسًا ولا وصفًا فأمر غالب لا لازم. 4 كما سبق في رقم 3 ص459 "راجع الهمع ج2 ص118. باب النعت". وفي هذا الرأي بعض تيسير. 5 لهذا إشارة في رقم 5 من هامش ص460. 6 سبق شرحها في هذا الجزء ص24 و66، وفي ج2 ص224 م79. 7 يجوز أن يكون العلم نعتًا وكذلك اسم الجنس إذا خرجا على دلالتهما الأصلية، وأريد بهما معنى اشتهرا به؛ كدلالة حاتم على: الكرم، والرجل على: الكامل، والنمر على: الغادر.... و.... فعلى هذا القصد مع ما يؤيده من قرينة يصح تأويلهما بالمشتق. ووقوعهما نعتين. وقد تضاف كلمة: "رجل" إلى كلمة: "صدق". أو: "سوء"؛ فتكون بمعنى؛ المشتق؛ مثل: إني أحرص أن أعرف رجلًا رجلَ صدق، "أي: صالحًا"، وأتحاشى رجلًا رجلَ سوء، "أي: فاسدًا"، وليس المراد بالصدق هنا: صدق اللسان، ولا بالسوء الشر، إنما المراد بالأول: الكمال والصلاح وبالثاني: الفساد، ويكون النعت هنا من نوع النعت: "التوطئة" "انظر رقم 3 من ص456".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- ومنها ما يصلح أن يكون نعتًا، ولا يصلح أن يكون منعوتًا؛ وهي ألفاظ مضافة، معناها الدلالة على بلوغ الغاية في معنى المضاف إليه. ومن أشهرها: "كُلّ"1؛ نحو: أنت الأمين كلُّ الأمين، وذاك هو الخائن كلُّ الخائن، بمعنى: المتناهي في الأمانة، أو الخيانة، ومثل قول الشاعر: ليس الفتى كلُّ الفتى ... إلا الفتى في أَدبهْ قول الآخر: إن ابتداء العُرْف2 مجد سابق ... والمجد كلُّ المجد في استمامهِ والفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه أن يكون المضاف إليه اسمًا ظاهرًا، نكرة أو معرفة، على حسب المنعوت، وأن يكون هذا الاسم الظاهر مماثلًا للمنعوت في لفظه ومعناه معًا –وهذا هو الأغلب– أو مماثلًا لشيء له صلة معنوية قوية به، فمثال الأول قول الشاعر: كم قد ذكرتك لو أُجْزَى بذكركمو ... يا أَشبه الناس كلِّ الناس بالقمر فكلمة: "كل" نعت للناس. ومثال الثاني قول الآخر: وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه ... محا الذنب كلَّ المحو من جاءَ تائبًا فكلمة "كلّ" الثانية نعت لذنب. وإذا وقعت كلمة: "كل" نعتًا صارت من الجامد المؤول بالمشتق، وصار معناها: "الكامل" في كذا، وهو معنى يختلف عن معناها الآتي في التوكيد3-.

_ 1 سبقت الإشارة إلى إضافتها في ص72 و116 ولوقوعها نعتًا في ص463، وأيضًا: سيجيء بيان عن وقوعها نعتًا ومنعوتة في ص513، ومنه يعلم أنه لا يجوز فيها القطع؛ سواء أكانت نعتًا أم توكيدًا. هذا، ولفظ "كل" مفرد مذكر دائمًا –كما قلنا في رقم 2 من هامش ص72– ولكن ما بعده من خبر، أو ضمير، أو غيرهما مما يحتاج إلى مطابقة أحيانًا، قد يطابق لفظه، أو لا يطابقة، تبعًا للبيان الآتي في ص513 والذي يتممه ما في ص63 وما في "ج" من ص167. 2 المعروف والجميل. 3 ص509 و512.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: جِدّ، وحَقّ؛ نحو: سمعنا من الخطباء كلامًا بليغًا جدًَ بليغ، وأصغينا لهم إصغاءً حقَّ إصغاءٍ1. ومنها: "أيّ"2 بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، وكذلك المضاف إليه، نحو: الذي بنى الهرمَ الأكبر عظيمٌ أيُّ عظيم. وقد سبق3 بيان رأي آخر حاسم لا يشترط هذا، وأوضحنا هناك بإسهاب ما يشترط لوقوعها نعتًا، وما تؤديه حينئذ من المعنى الدقيق، ورأي النحاة في عدم حذف منعوته، أو في صحة حذفه. ومما يصلح نعتًا ولا يصح منعوتًا الاسم المعرَب "بأل العهدية"4 لأنه يشبه الضمير، ويقع موقعه؛ نحو: أكرمت عالمًا تَقيًّا فَنفَعني العَالِم. والتقدير: فنفعني ... ، والفاعل ضمير مستتر، فكلمة "العَالم" الثانية حلَّت محل الضمير الفاعل المستتر5 ...

_ 1 سبق أن قلنا -في: "أ" من ص464 –أن كلمة: "الحق" من المصادر المسموعة التي وقعت نعتًا وهي معرفة؛ فلم يتحقق التنكير الذي هو شرط النعت بالمصدر "طبقًا لما تقدم في رقم 3 نم هامش ص460" وعلى هذا يجوز النعت بها وهي معرفة أو نكرة. 2 انظر ص111 و112 وما بعدها، خاصًّا بكلمة: "أيّ النعتية"؛ لأهميته من ناحية الاستيفاء، وقوة الاستدلال الحاسم. وقد سبق الكلام عليها أيضًا في ج1 م26 ص263 باب: "الموصول" عند الكلام على: "أي الموصولة"؛ كما سبق في ج2 م75 ص173 عند الكلام على: "حذف المصدر الصريح". 3 في ص111 وما يليها. 4 في ج1 م30 ص304 تفصيل الكلام على: "أل" وأنواعها التي منها: "أل العهدية". والمعرف بالعهدية لا ينعت. "طبقًا كما جاء في التصريح وحاشيته عند الكلام عليها - ج1 باب: المعرف بالأداة بحجة أنه يشبه الضمير ويقع موقعه ... " كما يعللون. 5 ومما يصلح نعتًا ولا يصلح منعوتًا: "المشتق العامل"؛ فيمتنع "على الصحيح" أنه يتقدم نعته على المعمول؛ أي: لا يصح أن يفصل النعت بإعتباره نعتًا بين العامل المشتق ومعموله. أما باعتباره شيئًا -كالحال، مثلًا– فلا مانع. وكذلك لا مانع من اعتباره نعتًا للمشتق إذا تقدم هذا المعمول فاصلًا بين المشتق ونعته –راجع التصريح، باب: الحال– ومجيء الكلام من النكرة-0

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "ملاحظة": الأتباع –بفتح الهمزة-1: نرى في بعض الأساليب الواردة عن العرب كلمة زائدة، لا تنفرد بنفسها في جملة، دون أن تسبقها –مباشرة في هذه الجملة كلمة أخرى مسموعة2 تماثلها في وزنها، وفي أكثر حروفها الهجائية "أي: أنه ليس لهذه الكلمة المتأخرة الزائدة، المسموعة في الأسلوب الوارد استقلالٌ بنفسها في جملة ما، ولا استغناءٌ عن كلمة سابقة توافقها في وزنها وفي أكثر حروفها". وأيضًا ليس لهذه الكلمة الزائدة المسموعة2 معنى تَجلبه، ولا حُكم إعرابيّ خاصّ بها3 تُوصف معه بأنها مبتدأ، أو فاعل، أو نعت، أو مفعول، أو غير ذلك..، أو أنها معربة أو مبنية؛ فهي –لكل ما تقدم –خارجة عن نطاق الاستقلال بنفسها، وصوغها، خالية في معنى لغويّ تؤديه، وبعيدة من الاتّصاف بالإعراب أو البناء، أو التأثر بالعوامل. وإنما تزاد لمجرد التلميح، أو السخرية، أو المدح، أو محض التَّصويت والتنغيم. وتسمَّى هذه الكلمة الزائدة الواردة في الأسلوب السّماعيّ هي ونظائرها: "الأَتباع" –بفتح الهمزة –جمع: "تَبَع" –بمعنى التابع4– ويراد به: كل لفظ مسموع، لا يستقل بنفسه في جملة، وإنما يجيء بعد كلمة تسبقه مباشرة "بغير فاصل" فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، ويماثلها في أكثر حروفها، دون أنْ يكون له معنى خاص ينفرد به في هذه الجملة، ولا نصيبٌ في الإعراب أو البناء؛ مثل "بَسَن" في قولهم: "محمد

_ 1 ولا مانع من كسرها، فتكون الكلمة مصدرًا، لا جمعًا "وانظزر رقم 2 من هامش الصفحة الآتية". "2، 2" يشترط -في الرأي الصحيح- أن تكون هذه الكلمة الزائدة مسموعة في أسلوب وارد عن العرب؛ فليست زيادتها مباحة في غيره. كما أن زيادة غيرها من الكلمات الأخرى غير الواردة عن العرب ممنوعة. فالأمر مقصور على زيادة كلمة معينة مسموعة في تركيب معين مسموع كذلك. ولا يباح القياس هنا؛ منعًا لخلق كلمات لم يعرفها العرب، وإبعادًا للآثار اللغوية السيئة المترتبة على وضع ألفاظ جديدة من غير الطريق السديد المعد لذلك الوضع الجديد كطريق التعزيب، ونحوه ... 3 إلا في بعض المركبات التي تعرب حالًا مبنية؛ كقولهم: تفرق الأعداء "شَفَرَ بَفَرَ" ... و ... "طبقًا للبيان المفصل الذي سبق في ج2 باب: الحال، م84 ص336". 4 التَّبَع –محركة -: "التابع" –والتَّبع –يكون واحد أو جمعًا. ويجمع على أتباع ا. هـ. قاموس. ثم قال: "والإتباع في الكلام مثل: حَسَن بَسَن". ا. هـ؛ فلا مانع من كسر الهمزة؛ فتكون الكلمة مصدرًا في حالة الكسر، لا جمعًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسَنٌ بَسَنٌ". ومثل: "نَيْطان، ونِفْريت" في قولهم، اللصّ شيطانٌ نَيْطانٌ، أو: اللصّ عِفريتٌ نِفريتٌ ... وعند إعراب هذا اللفظ الزائد نقول: إنه تابع للكلمة التي قبله مباشرة، أي: من أتباعها في الوزن، وضبط الآخر، والمشاركة في معظم الحروف الهجائية، دون أن يكون لهذه التبعية العارضة بوصفها السالف علاقة بالتوابع الأصلية الأربعة المعروفة "وهي: النعت، التوكيد، العطف بنوعيه، البدل" كما سبقت الإشارة1؛ إذ لا يجري شيء من أوصاف هذه التوابع الأربعة الأصلية وأحكامها على التابع العارض المذكور فيما سبق؛ حيث يقتصر حكمه على أمر واحد, هو: أنه مثل الكلمة التي قبله مباشرة في وزنها، وأكثر حروفها، وضبط آخرها، دون بقية أحكامها النحوية، أو غير النحوية2....

_ 1 في آخر هامش ص434. 2 ما تقدم في تعريف هذا "التابع" وحكمه هو ما تخيرناه من عدة آراء مضطربة في تعريفه وأحكامه. فلقد كثر الكلام في كل ذلك قديمًا، ووضعت كتب خاصة في "الاتباع" تتقارب أحيانًا وتتباعد أخرى. ومن أشهر الكتب المؤلفة فيه وأحسنها: كتاب: "الاتباع" للإمام أبي الطيب عبد الواحد مجمع بن علي اللغوي الحلبي المتوفى سنة 351 هـ وعليه اعتمدنا ما نقلناه. وقد ظهر هذا الكتاب سنة 1961 مطبوعًا، وحققه وشرحه الأستاذ عز الدين التنوخي عصْر مجمع اللغة العربية بدمشق. وكتب في صدره مقدمة نافعة تتضمن أظهر آراء المؤلف، يعنينا منها، ويتصل بموضوعنا قوله حرفيًا –في ص7-. "الظاهر من بحث المصنف فيما بقي من خطبه كتابه، وفيما جرى عليه في الأبواب، وأن المعول عنده في التفريق بين "الاتباع والتوكيد" إنما هو على معنى التابع مع إمكان إفراده في الكلام؛ ذلك أن التابع-أو اللفظة الثانية إن لم يكن له معنى في نفسه، أو كان له سني المتبوع، ولم يجيء إلا لِيَتِد "أي: يقو"ما قبله ويقويه، ثم لا يتكلم به منفردًا –كان "إتباعًا". وإن كان يشارك اللفظة الأولى– أو المتبوع في المعنى فأفاد في تقويتها، وأمكن إفراد التابع في الكلام كان: "توكدًا". وبذلك يتبين لنا أن المعول عليه عند المصنف إنما هو التابع من حيث المعنى أو عدمه مع إمكان إفراده، وليس المعول على الواو، كما ذهب إليه الكسائي. وأبو عُبَيْد في غريب الحديث. فإن قولهم مثلًا "قسيم وسيم" ليس من "الاتباع" عند أبي الطيب، بل هو في باب "التوكيد"؛ فإن التابع: "وسيم" يمكن إفراده ومجيئه على حدة؛ لقولهم رجل وسيم. وقولهم: "شَرَّ بَرَّ" من التوكيد عند أبي الطيب مع أنه بلا واو. و"حظيت المرأة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبَظِيتْ من "الإتباع" عند المصنف مع وجود الواو؛ لأن "بَظِيتْ" لا معنى لها وحدها، ولا تجيء في الكلام وحدها وإنما تجيء أبدًا تابعة لفعل: "حَظِيَتْ"؛ ولإتباعها كانت من "الإتباع" ومنه: "أقبل الحاجّ والداجّ" فهو من الإتباع عند شيخنا الحلبي –المصنف– مع وجود الواو: لأن "الداج" مع وجود الواو من الإتباع؛ إذ لا ثلة بين الحج والدّجّ، ولا يفرد عند التكلم فلا يقال: "أقبل الداجّ" وإنما يقال: "أقبل الحاجّ والداجّ" فهي تابعة أبدًا. "ومن أقوال المصنف تعليقًا على أمثلة "الإتباع والتوكيد" ونذكره للاستدلال، وعلى سبيل المثال، قولهم: "لا بارَكَ الله فيه ولا تارَكَ في باب الإتباع الذي أوله التاء، وعلق عليه بقوله: فهو وإن كان "تارك" مأخوذًا من التَّركَ، لا معنى له في هذا الموضع إلا الإتباع ... أي: لا صلة في المعنى بين باركَ وتاركَ، ولا يجيء "لا تاركَ الله فيه" ولو أمكن إفراد هذا التابع لكان من باب التوكيد ... " ا. هـ. من المقدمة. وكل ما سبق حسن، لكن كيف يكون للكلمة التابعة معنى المتبوعة –كما جاء في أول الكلام– وتسمى تابعة على الوجه المراد من التابع هنا لا التابع الأصيل الذي يدخل في التوابع الأربعة الأصلية التي سبقت في ص434؟ هذا غير مفهوم ولا مقبول بناء على الضوابط العامة.

ب1- النعت بالجملة: الجملة التي تصلح نعتاً1 لا بد أن تجمع الشروط الأربعة الآتية: 1- أن يكون منعوتها نكرة محضة، مثل كلمتي "فارس وشجاع" في قولهم: "أقبلَ فارس يبتسم، وانتصر شجاع لا يخاف، ويتحقق هذا بخلُوها من "أل الجنسية"، ومن كل شيء آخر يُخَصَّص ويُقَلَّل الشيوع؛ كالإضافة، والنعت، وسائر القيود التي تفيد التخصيص2. والنكرة غير المحضة: هي التي لم تتخلص مما سبق؛ بأن يكون المنعوت إمَّا: مشتملاً على "أل الجنسية" التي تجعل لفظه معرفة، ومعناه نكرة، كقول الشاعرُ: ولقد أَمُرّ على اللئيم يَسبني ... فَأَعِفُّ، ثُمّ أقول: لا يَعنيني فجملة: "يسُب"، يصح إعرابها نعتاً في محل جر، مراعاة للناحية المعنوية، والمنعوت هو كلمة: "اللئيم"، ويصح أن يكون حالاً في محل نصب، مراعاة؛ لوجود "أل الجنسية"3. وإما مقيداً بقيد يفيد التخصيص؛ نحو: استمعت لمحاضرةٍ نفسيةٍ ألقاها عالم كبير زار بلادنا. فالنكرة هنا: "محاضرة -عالم" غير محضة؛ لأنها مقيدة بالنعت بعدها "وهو: نفيسة -كبير" ولذلك يصح إعراب الجملة الفعلية: "ألقي ×" "زار ×" نعتاً بعد كل واحد منهما4 ... ومما يلاحظ أن المنعوت إذا كان غير محضة، فإن الجملة بعده –وكذا

_ "1, 1" سبقت "أ" في ص458 حيث الكلام على النعت المفرد، ويجيء النعت بشبه الجملة في "ج" ص476 –وفي ص480 "و" الرأي في الجملة من ناحية أنها نكرة، أو معرفة. وقد سبق "في ج1 م1 هامش ص15 وهامش ص338 م27" أن الجملة الواقعة نعتاً، أو صلة أو خبراً, أو غير ذلك ... تسمى جملة باعتبار أصلها الأول حين تؤدي معنى مفيداً مستقلاً. أما بعد أن صار لها محل فلا تؤدي معنى مستقلاً، ولا تسمى جملة.... "2و2" في هامش الصفحة الأولى بيان واف للمراد من المفيد. 3 للحكم السابق بيان في ج1 ص195 م14 وفي ج2 باب الحال م84 ص311. 4 وينطبق هذا قوله تعالى لنبيه في شأن الكافرين: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ... } فكلمة: "أحد" نكرة غير محضة؛ لأنها موصوفة مع مجروره بعدها. ويليها جملة فعلية تصلح أن تكون نعتاً أيضاً.

شبهها1 لا تعيين نعتًا. وإنما يجوز أن تكون نعتًا، وأن تكون حالًا والمنعوت يصير صاحب الحال، "وقد سبق3 بيان هذا بإسهاب ... ". 2- أن يكون المنعوت مذكورًا؛ نحو: إن رجلًا يصاحب الأشرار لا بد أن يحترق بأذاهم، وقول الشاعر: إن في أضرعنا أَفئدةً ... تَعشق المجد، وتأبى أن تضاما ويجوز حذف المنعوت بشرط أن يكون مرفوعًا، وبعض اسم متقدم عليه مجرور بالحرف: "من"، أو: "في"، والنعت جملة أو شبهها؛ مثل: "نحن –الشرقيين – أصحابُ مجدٍ تَلِيدِ؛ منَّا3 سَبَقَ إلى كشف نظريات العلوم الكونية، ومنا استخدمها في الاختراع والابتكار، ومنا اهتدى قبل غيره إلى مَجاهل كوكبه، ومنا هَدَى البشرية إلى أقوم السبل لإسعادها؛ فليس فينا إلا كَشَف، أو: اخترع، أو: اهتدى ,أو: هدى ... " تريد: منَّا فريق سبق ,منا فريق استخدم ,منا فريق اهتدى منا فريق هدى، ليس فينا إلا فريق كشف ... "وسيجيء الكلام مفصلًا على مواضع حذفه، قريبًا"4. 3- أن تكون الجملة النعتية خبرية، كبعض ما سبق، وكالتي في قول الشاعر: ولا خيرَ في قوم تُذَلُّ كرامُهم ... ويعطُم فيهم نَذْلُهم، ويسود فلا تصلح الإنشائية "بنوعيها الطلبي وغير الطلبي"، ولا يصح: رأيتَ مسكينًا عاونْه، وشاهدت محتاجًا هل تساعدُه؟ أو: لا تهنْه....، ولا يصح هذا كتاب بِعتكَهُ؛ تريد: إنشاء البيع الآن "وقت النطق"، والموافقة عليه، لا أنك تخبر بأن البيع حصل قبل النطق5.

_ 1 كما سيجيء في ص476 وانظر "أ" في ص447. حيث البيان الخاص بهذا. 2 في مواطن متفرقة، والأصيل منها في باب المعارف "ج1 ص145 م17". 3 مع إعراب الجار والمجرور في هذه الأمثلة وأشباهها هو الخبر؛ لتكون الجملة الفعلية نعتًا –وكذا شبهها-0 4 ص493. 5 هذا الشرط هام، لأن النعت يفيد منعوته إيضاحًا، أو تخصيصًا، أو.... أو.... –كما سبق أول الباب– فلا بد أن يكون حاصلًا كم قبل. والمعنى الإنشائي غير حاصل، ولا معلوم من قبل، إذ لا وجود له في الخارج الواقعي قبل النطق. فكيف يفيد الإيضاح، أو التخصيص. أو غيرهما؟ وما ورد مخالفًا لهذا الشرط فهوسماعي لا يقاس عليه. وبعضهم يؤوله بحذف مشتق من القول: مثل كلمة:،مقول، تكون الجملة الإنشائة مفعولًا له. وسيجيء بيان هذا في هامش ص475.

4- اشتمال الجملة الخبرية على ضمير يربطها بالمنعوت1، ويطابقه في الإفراد والتذكير وفروعهما2، ويجعل الكلام والمعنى متماسَكْين متصلين، ولذا يسمَّى:،الرابط،، والأغلب أن يكون مذكورًا -سواء أكان بارزًا، أو مسْتترًا 3 -فالمذكور البارز كالأمثلة السالفة؛ وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، ومثل: نصيحة يتبعها عاقل قد تجلب خبرًا غامرًا، وتدفع بلاء قائلًا. وقول الشاعر: كلُّ بيتٍ أَنت ساكنه ... غير محتاج إلى السُّرُج4 والمستتر كقول الشاعر: وكلّ امرئٍ يُولِ الجميل مُحَبَّب ... وكل مكان ينبت العز طيّب وقول الآخر: وإذا أراد الله نثر فضيلة ... طُوِيت5 أتاح لها لسان حسود وقد يكون محذوفًا6 إذا كانت معروفًا بقرينة من السياق، أو غيره، ولا لبس في حذفه، كقول القائل: وما أَدري أَغَيَّرهمْ تَناءٍ ... وطولُ الدّهر، أم مالٌ أَصابوا

_ 1 سواء أكان اشتمالها عليه مباشرًا أم كان في شيء من مكملاتها وتوابعها؛ كالذي في قول الشاعر: لا أذود الكير عن شجرٍ ... قد جنيت المر من مُرة وفي الأمثلة الآتية صور للنوعين. 2 إذا كان المبتدأ ضميرًا للمتكلم والخبر منعوتًا بجملة فعلية، جاز في الضمير الرابط أن يكون للمتكلم أو الغائب؛ نحو: أنا صادق أحب الإنصاف، أو يحب الإنصاف. وكذلك إن كان المبتدأ ضميرًا للمخاطب؛ نحو: أنت صادق تحب الإنصاف، أو يحب الإنصاف. ومراعاة التكلم أو الخطاب أحسن -كما سبقت الإشارة في ج1 م35 ص425 باب المبتدأ والخبر-. 3 لأن الستتر مذكور، ولكنه غير ظاهر في الكلام. بخلاف المحذوف؛ فانه غير موجود مطلقًا. وبين المستتر والمحذوف جملة فوارق وآثار أوضحناها في باب: الضمير ج1 م18 ص146. 4 جمح: سراج، وهو المصباح المضيء. 5 الرابط ضمير مستتر تقديره: هي؛ نائب الفاعل. 6 سيجيء تفصيل لحذفه في،ج، من ص478.

التقدير: أصابوه. ومثل:،ما شيءٌ حميتَ بمستباح1،. أي: حتميته. وقول الآخر: قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليلُ ... سهرٌ دائم،،وليلٌ طويلٌ أي: أنا علي؛ سهره دائم، وليله طويل2 ...

_ 1 صدر هذا البيت المنسوب لجرير: ... حَمَيْتَ حِمى تِهامة بعد نجدٍ 2 وفي النعت بالجملة يقول ابن مالك: ونَعتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرًا ... فَأُعْطِيَتُ ما أُعْطِيَتْهُ خَبَرًا يريد: أن العرب نطقلوا بالجملة نعتًا للمنكر، "آي: أن المنعوت بها منكر، لا بد من تنكيره "، وإذا وقعت نعتًا فإنها تعطى من الحكم ما أعطيته وهي خبر. يشير إلى ضرورة الرابط الذي يربطها بالمنعوت. وليس المقصود أنها تأخذ، وهي نعت -ميع الأحكام التي تستحقها إذا وقعت خبرًا. ذلك أن الجملة التي تعرب خبرًا تصلح أن تكون إنشاء طلبيًا وغير طلبي، "على الصحيح فيهما"، مع أن جملة النعت لا تصلح أن تكون إنشاء طلبيًا أو غير طلبي، ولذا تدارك الأمر فقال: وامْنَعُ هُنا إِيقاعَ ذاتِ الطَلبِ ... وَأِنْ أَتَتْ فالْْقَوُل أَضُمِرْ تُصِبِ أي: امنع هنا "في باب النعت، لا في باب الخبر"، وقوع الجملة الطلبية، وهذا تقييد قد يؤدي إلى غير المراد؛ إذ قد يفهم منه أن الجملة الإنشائية غير الطلبية تقع نعتًا، مع أنها كالطلبية لا تصلح نعتًا؛ إذ الجملة الإنشائية بنوعيها الطلبي وغير الطلبي لا تصلح هنا -كما أشرنا -أما الذي يصلح فهو ما عداهما. ولم يبق من الجمل بعدهما إلا الجمل الخبرية. ثم هو يقول: إن ورد في الكلام القديم جمل إنشائية وقعت نعتًا. وهذه لا يصح محاكاتها، ولا القياس عليها؛ لندورها، ومخالفتها الغرض من النعت. فأولها. والتأويلات مختلفة، أشهرها إضمار "قول" المحذوف هو النعت، تكون الجملة الإنشائية مَمَقُولا له. ففي مثل: أكلت فاكهة؛ هل ذقت السكر؟ "وليس هذا من الكلام القديم المسموع" يقدرون أن الأصل: أكلت فاكهة مَقُولًا فيها: هل ذقت السكر؟ فكلمة: "مَقُولًا" المحذوفة هي النعت. والجملة الإنشائية بعدها في محل نصب مفعول به للقول. ومثل: لمست ماء هل لمست الثلج؟ أي: لمست ماء مقولًا فيه: هل لمست الثلج؟.... أما الأمثلة المسموعة فمنها البيت الذي يرددونه؛ وهو: حتى إذا جَنَّ الظلام واختلطْ ... جاؤوا بِمَذْقِ. هَلْ رأَيتَ الذِّنبَ قطْ؟ "قاله رجل استضافه قوم، وطال انتظاره الطعام حتى دخل الليل؛ فقدموا له المذق "وهو اللبن المختلط بالمياه التي تغير لونه". وهو يصف هذا التغيير في اللون بأنه صار في لون الذئب". ثم قال ابن مالك بعد ذلك بيتًا سبق شرحه في مكانه المناسب "ص461" هو: ونَعتُوا بِمَصْدَر كَثِيرَا ... فالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا

وقد يغني عنه وجوده في جملة معطوفة1 بالفاء، أو: بالواو، أو: ثم على الجملة النعتية الخالية منه؛ نحو: مررت برجل تقصف الرعود، فيرتجف؛ أو: فيرتجب. أو: ثم يرتجف. التقدير: "هو" لا في كل ذلك. ج- النعت بشبه الجملة2: وشبه الجملة "الظهر، والجار مع مجروره"، يصلح أن يكون نعتًا بشرطين: أولهما: أن يكون تامًا، أي: مفيدًا. وإفادته3 تكون بالإضافة، أو بتقييده بعدد، أو غيره من القيود التي تجعله يحقق غرضًا معنويًا جديدًا؛ فلا يصح أقبل رجل عنك ولا أقبل رجل عوْضُ ... ثانيها: أن يكون المنعوت نكرة محضة4، مثل: أقبل رجل في سيارة، أقبل رجلٌ فوق الجبل. وقول الشاعر: وإذا امرؤ أهدَى5 إليك صَنِيعَةً ... من جاهه6 فكأنها من ماله فإن كانت النكرة غير محضة: "بسبب اختصامها بإضافة، أو غيرها مما يخصصها"؛ فشبه الجملة يصلح نعتًا وحالًا7. نحو: هذا رجل وقور في سيَّارة أو: هذا رجل وقور أمامك ... ، فهو كالجملة في هذا الحكم8.

_ 1 راجع الصبان ج1 باب المبتدأ عند الكلام على الخبر الجملة، ورابطه". 2 سبقت: "أ" في ص458 حيث الكلام على النعت المفرد. وكذلك سبقت: "ب" في ص472 حيث الكلام على النعت بالجملة. 3 تكرر معنى الإفادة في عدة مواضع من الكتاب "في ج1 باب الموصول ص272 م27، باب المبتدأ والخبر ص346 م35 ج2، باب الحال ص394". 4 انظر "أ" من الزيادة والتفصيل، حيث البيان الخاص بعدم اشتراط المحضة. 5 الجملة الفعلية نعت، ومنعوتها نكرة. 6 الجار ومجروره نعت، والمنعوت: صنيعة. 7 كما سبق في ص473. 8 تكرر بيان هذا، أما تفصيله ففي مكانه المناسب ج1 ص145 و17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- يجوز -عند عدم المانع -اعتبار شبه الجملة بنوعية "الظرف، والجار مع مجروره " صفة بعد المعرفة المحضة؛ على تقدير متعلَّقه معرفة. وقد نص "الصبان" على هذا في ج1 أول باب: "النكرة والمعرفة" حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف -ويراد به هنا شبه الجملة بنوعيه. بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلَّقه معرفة" اهـ. أي: أن المتعلَّق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. هذا ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه -بنوعيه -هو الصفة إذا استغنينا عن ذكر المتعلَّق اختصارًا وتيسيرًا أو تسهيلًا، "طبقًا لما سبق1" بالإيضاح والشرط المسجلين هناك. وإذا كان شبه الجملة -بنوعيه- بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يُعرَب صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها؛ كصلاحه للحالية والوصفية بعد النكرة غير المحضة، -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة –بنوعيه- يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة2، وكذلك بعد النكرة، بشرط أن تكون غير محضة3"؛ أو يقال: "إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة، فإنه يصلح أن يكون حالًا أو صفة إلا في صورة واحدة، هي: أن تكون النكرة محضة فتعين أن يكون صفة، ليس غير". وجدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعدم وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر أو توجب غيرهما، حرصًا على سلامة المعنى، فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل الأخرى.

_ 1 في ج1 "ص194 م17، وفي رقم 1 من هامش ص347 م 27، وهامش ص431 م35" وفي ج2 رقم 5 من هامش ص356". 2 كالمعرف بأل الجنسية. 3 فإن كانت محضة تعين أن يكون نعتًا -كما سيجيء هنا-.

..................................................................................................................................ز

_ ب- من أدوات الاستثناء ما يكون فعلًا قط؛ وهو: "ليس، ولا يكون" ومنها ما يصلح1 أن يكون فعلًا تارة، وحرف جر تارة أخرى: وهو "خلال، وعدا، وحاشا". والنوع الأول -وهو الذي يكون فعلًا فقط- يصح وقوع جملته الفعلية نعتًا؛ بالتفصيل الذي سبق بيانه "في ج م83 ص333 باب: الاستثناء"، أما النوع الثاني الذي يصلح للفعلية والحرفية في يكون نعتًا. ج- يحذف الرابط في الجمله النعتية بشرط أمن اللَّبس -كما سبق2- والمحذوف قد يكون مرفوعًا مثل: بسم الله الرحمنُ الرحيمُ، أي: هو الرحمن هو الرحيم ... 3 أو منصوبًا كالأمثلة السالفة1. وقد يكون مجرورًا "بفي" إذا كان المنعوت بالجملة اسم زمان: كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، أي لا تجزي فيه ... فلا يصح الحذف في مثل: زرت حديقة رغبتُ فيها: إذ المنعوت ليس اسم زمان: فلا يتضح المحذوف؛ أهو: رغبت في هوائها -أم في رياحينها- أم في فواكهها، أم في جداولها؟ ولا يتضح أهو: رغبت فيها أم رغبت عنها؟ وقد يكون مجرورًا "بِمِنْ" بشرط أن يكون في أسلوب تتعين فيه؛ سواء أكان الضمير عائدًا على ظرف زمان أم على غيره؛ نحو: مرّ صيف قضيت شهرًا على السواحل، وشهرًا في الريف. أي: قضيت شهرًا منه على السواحل، وشهرًا منه في الريف ... ومثل: أشتريت فاكهة، نوع بعشرين، ونوع بتلاثين، أي: نوع بعشرين منها، ونوع بتلاثين منها ... فإن لم يكن الحرف "مِنْ" متعينًا في الأسلوب لم يجز حذفه؛ لئلا يحدث لبس؛ نحو: نفعني شهر صمت منه، فلو حذف الجار والمجرور لورد على الذهن احتمالات متعددة؛ منها صمته، وهو معنى غير المقصود. د- يرى بعض النحاة أن: "أل" قد تغني عن الضمير الرابط إذا دخلت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الجملة الاسمية الواقعة نعتًا: نحو: رأيت كتابًا؛ الورقُ ناعمٌ مصقول، والطباعة جيدة نظيفة1، والغلاف متين جذاب، فكأنك قلت: رأيت كتابًا ورقه ناعم مصقول، وطباعته ... وغلافه.... وهذا رأي حسن، مستمد من "أمثلة كثيرة مسموعة تبيح القياس عليها بشرط أمن اللبس. "هـ" لا تُربَط الجملة الواقعة نعتًا إلا بالضمير أو بما يقوم مقامه في الربط، ويغني عنه، وهو "آل"، كما مرّ في: "د" ولا تصلح الواو التي تبق -أحيانًا- الجملة الواقعة نعتًا أن تكون للربط، فإنها ولو زائدة تلتصق بهذه الجملة؛ لتُقَّوى دلالتها على النعت، وتزيد التصاقها بالمنعوت دون أن تصلح وحدها للربط، ويسمونها لذلك: "واو اللصوق"، ومن أمثلتها، في القران الكريم قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} ، والأصل: "إلا لها كتاب معلوم" زيدت الواو للغرض السالف، ولا تفيد شيئًا أكتر منه2. وكذلك قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} . فقد زيدت الواو قبل الجملة الاسمية الواقعة نعتًا. ومن الأمثلة قول عُروة بن الوَرْد: فيا للناس كيف غلبت نفسي ... على شيء ويكرهه ضميري فالواو زائدة قبل الجملة المضارعية النَّعتية. وهي في كل صورها التي تتعين فيها للإلصاق لا تصلح وحدها أن تكون رابطًا -كما أسلفنا-. وقد اختلف النحاة: أزيادتها قياسية3 أم سمعية؟ والأرجح عندهم -برغم مجيئها في القرآن- أنها سماعية، وهذا عجيب منهم؛ لأن معناه بأن بعض التراكيب القرآنية لا يصح محاكاته، ولا صوغ أساليبنا على نهجه، مع اعترافهم جميعًا أن القرآن أسمى لغة بيانية، وأعلى كلام بليغ. نعم قد يكون الأنسب اليوم الوقوف بزيادة هذه الواو عند حدّ السماع؛ تجنبًا لإساءة فهمها، والخلط بينها وبين الأنواع الأخرى، ولا ضرر ولا تضييق في الأخذ بهذا الرأي3. ولكن الأنسب لا يحرّم غيره مما هو صحيح مباح.

_ 1 هذه الجمله الاسمية -والتي تليها– معطوفة على الأولى، فهي في حكم النعت كالمعطوف عليه. إلا أن قامت قرينة مقضي بأنها لبست معطوفة، وأنها شيء آخر: كأن تكون حالية، أو مستأنفة. 2 راجع التصريح وحاشية ياسين ج1 باب الحال عند الكلام على صاحب الحال النكرة. 3 ومن القائلين بقياسيتها: "الزمخشري".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون الأنسب في عصر ليس بالأنسب في آخر؛ وكلاهما صحيح مباح. و الجملة لا تقع نعتًا إلا للنكرة. فما حكم الجملة نفسها من حيث التعريف والتنكير؟. أجابوا: "يجري على الألسنة كثيرًا أنها نكرة. ولكنها تؤول بالنكرة، قال الرضيّ؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. والجملة من حيث هي جملة ليست اسمًا، وإن كانت تؤول به، فنحو: جاء رجل قام أبوه، أو أبوه قائم ... في تأويل: جاء رجل قائم أبوه: ونحو: جاء رجل أبوه محمد، في تأويل: كائن ذات أبيه ذات محمد1. ويقول شارح المفصل2 ما ملخصه: "إن وقوع الجملة نعتًا للنكرة دليل على أن الجملة نفسها نكرة، إذ لا يصح أن توصف النكرة بالمعرفة3 ... "اهـ. سواء أكانت نكرة أم مؤولة بالنكرة وفي حكمها، فالخلاف شكلي لا آثر له. والمهم المتفق عليه أنها لا تكون نعتًا إلا للنكرة. ز- يقول الكوفيون: إذا وقع بعد الجملة الواقعة نعتًا لنكرة، جملة أخرى مضارعية، مترتبة على الجملة النعتية كترتب جواب الشرط على الجملة الشرطية إذا وقع هذا صح في المضارع الجزم جوابًا للنعت مع جملته: حملًا له على المضارع المجزوم في الجملة الواقعة جوابًا للشرط. ففي مثل: كل رجل يعملُ الخير يرتفع شأنه.... يجيزون جزم المضارع: "يرتفع"4. لكن رأيهم في هذا الجزم ضعيف؛ إذ لا تؤيده الشواهد القوية الكثيرة، التي تسوّغ القياس عليه. فالأحسن إهماله والاقتصار فيه على المسموع.....5.

_ 1 راجع الصبان. 2 ج3 ص141. 3 سبقت إشارة لبعض ما ذكر "في رقم 2 من هامش ص28 رقم 1 من هامش472" وأيضًا "في ج2 ص294؟ باب النكرة والمعرفة" وكذا "في ج1 ص142 م17". 4 وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ: "كل". 5 سبقت الإشارة لهذا في باب: "الموصول" "ج1 م27 ص383 عند الكلام على صلة الموصول والرابط" وله هناك قصة طريقة تؤيده. وسيجيء البيان في ج4 ص437 م157 عند الكلام على جواب الشرط".

المسألة 115

المسألة 115: تعدد النعت، وقطعه "أ" تَعَدُّدُ النعت في الحالات التي يكون فيها عامله واحدًا: 1- إذا تعدد النعت، والمنعوت فغير متعدد -لأنه واحد- وجب تفريق النُعوت1، مسبوقة بواو العطف2 أو غير مسبوقة، إلا الأول، فلا يُسبَق بها. نحو: لا شيء يقبُح في العين كرؤية عالم مختال، مغرُورٍ، أو: عالمٍ زَرِيِّ وضيعٍ، ويصح: كرؤية عالم مختال ومغُرور، أو: عالم زريّ ووضيع3 ... وتمتنع واو العطف إذا كان المعنى المراد لا يتحقق بنعت واحد، ولا يستفاد إلا من انضمام نعت إلى آخر فينشأ من مجموعهما المعني المقصود: نحو: الفصول أربعة: أطيبها الربيع البارد الحارّ، أي: المعتدل في درجة حرارته وبرودته، ولا يجوز البارد والحارّ؛ لأن المعنى المراد -وهو: الاعتدال- لا يؤخذ لا من اشتراك الاثنين في تأديته، وانضمام كل منهما إلى الآخر: فكلاهما جزء يتمم نظيره،

_ 1 أي: ذكرها واحدًا واحدًا؛ على غبر صورة المثنى والجمع؛ إذ يمتنع أن يكون النعت مثنى، أو جمعًا والمنعوت واحدًا. وسيتكرر هنا لفظ "المفرِّق". و"التفربق" مرادًا به هذا التعدد على صورة فردية، ليس فيها علامة التثنية أو الجمع الاصطلاحين. فإن كانت الكلمة دالة على التثنية أو على الجمع بدون تفريق الأفراد أو بتفريق فهي المتعددة. فعندنا كلمتان اصطلاحيتان؛ هـ: "تفريق، وتعدد". فالتفريق خاص بذكر الأفراد واحدًا فواحدًا، والتعدد يكون مثله أو بذكرها على هيئة التثنية أو الجمع. "وانظر ما يختص بالنعت المتعدد لواحد لأهميته، ص488". 2 ويجوز اختيار حرف عطف غير "الواو"، يناسب السياق، إلا: "حتى"، و"أم".كما سيجيء في ص497 وفيها بيان مفيد يختص بعطف النعوت. وإذا وقع النعت بعد الواو أو غيرها من حروف العطف المناسبة، فإنه يترك اسم النعت وأحكامه ويصير معطوفًا يجري عليه اسم المفعول وكل أحكامه -كما سيجيء في ص498-. 3 ومن التعدد بغير عطف، النعت بكلمتي: "فطنّ" وفَعَّال في فول المتنبي: لا يدرك المجدّ إلا سيدٌ فَطِنٌ ... لما يَشُق على السادات، فعَال

ويلازمه في تكوين المعنى الكامل المقصود منهما معًا. والكلمتان هنا بمنزلة كلمة واحدة ذات قطرين: لا يصح أن يَفْصِل بين شطريها حرف عطف أو غيره. ومثل: شرب المريض الدواء الحلو المرّ، أي: المتوسط في حلاوته ومرارته. ومثل: اشتريت صوفًا ناعمًا خشنًا، ومثل: هذا زجاج صُلب هّشّ ... 2- وإذا تعدد النعت والمنعوت متعددٌ بغير تفريق، وبغير أن يكون اسم إشارة فإن كانت النعُوت متحدة في لفظها ومعناها معًا وجب عدم تفريقها، وأن تكون مثناة أو جمعًا على حسب منعوتها. نحو: ما أعجب الهرمينِ القديمينِ!. ولا يصح: ما أعجب الهرمين القديم والقديم. ونحو: ما أجمل الزهرات اليانعات، ولا يصح: اليانعة، واليانعة، واليانعة. فإن كانت النعوت مختلفة في لفظها ومعناها معًا أو في أحدهما وجب التفريق بالواو العاطفة؛ فمثال الاختلاف في اللفظ والمعنى قول الشاعر: بكيْتُ، وما بُكَا رجلٍ حزينٍ ... على رُبْعينِ؛ مسلوبٍ1، وبالٍ وقول أحد المؤرخين ... ولما انتهت الموقعة بهزيمة الأعداء بحثنا عن قادة جيشهم، فعرفنا القادة: القتيلّ، والجريح، والأسيرَ، والمذهولَ من هول ما رأى وسمع ... ومثال الاختلاف في اللفظ دون المعنى: أبصرت سيارتين: ذاهبة ومنطلقةً قاومت طوائف؛ باغيةً، ومعتديةً، وظالمةً. ومثال المختلفة في المعنى دون اللفظ. تنصحت رجلين هاويًا وهاويًا2؛

_ 1 مسلوب: مأخوذ من صاحبه. والكلمة نعت. وتصلح أن تكون عطف بيان، لكن الأفضل في المشتق أن يكون نعتًا، وفي الجامد أن يكون عطف بيان. كما في صفحة465، وفي رقم 1 من هامش ص483، وكما سيأتي في بابه ص551 و552. 2 وفي هذا النعت المتعدد المختلف وفي منعوته المتعدد بقول ابن مالك: ولَعْتُ غَيْر إذل وَاحِدٍ إذا اخْتَلَفُ ... فعاطِفًا فَرِّقُهُ لاَ إِذا ائتَلَفُ أي: أن النعت المتعدد المختلف في لفظه ومعناه معًا. أو: في أحدهما، يجب أن تفرقه بالعطف إذا كان المنعوت متعددًا. أما إذا ائتلف النعت اتفق معناه ولفظه" فلا تفرقه. "فرقة عاطفًا: أي: حالة كونك عاطفًا، مستعملًا في التفريق حرف العطف، وهو هنا: الواو، ليس غير -كما شرحنا، وكما يأتي في ص497".

فإحدى الكلمتين فعلها: "هَوِىَ" بمعنى: "أَحَبَّ" والأخرى فعلها: "هَوَى" بمعنى سقط على الأرض. ولا بد من قرينة تدل على هذا الاختلاف المعنوي. ومثل: عرفت رجالًا؛ كاسية، وكاسية، وكاسية، بمعنى: كاسية غيرها: وبمعنى: مكسوة، وبمعنى: غنية. واذا كان المنعوت المتعدد اسم إشارة لم يجز في نعته المتعدد التفريق لأن نعت أسماء الإشارة لا يكون مختلفًا عنها في المطابقة اللفظية؛ فلا يصح مررت بهذين الطويل والقصير على اعتبارهما نعتين1. 3- إذا تعدد النعت والمنعوت متعدد متفرق فإن كانت النعوت متحدة في ألفاظها ومعانيها وجب عدم تفريقها؛ مثل: سافر محمود، وعلي، وحامد المهندسون. وان كانت مختلفة وجب أحد أمرين. إمَّا تقديم المنعوتات المتفرقة كلها متوالية، يليها النعوت كلها متوالية متفرقة أيضًا ومرتبة؛ بحيث يكون النعت الأول للمنعوت الأخير؛ والنعت الثاني للمنعوت الذي قبل الأخير، وهكذا، حتى ينتهي الترتيب بأن يكون النعت الأخير للمنعوت الأول "فملخص هذه الطريقة: أن يكون كل نعت مقصورًا على أقرب منعوت إليه". وإما: وضع كل نعت عقب منعوته مباشرة. فعلى الطريقة الأولى نقول: ما أعظمَ الثمار التي نجنيها من الكتب، والصحف، والمجلات، والإذاعة، والمؤلفين ... البارعين، المختارةِ، الرفيعة، الصادقة، النافعة،.... فكلمة "البارعين" نعت للمؤلفين، وكلمة "المختارة": نعت للإذاعة و"الرفيعة": نعت للمجلات، و"الصادقة": نعت للصحف، و"النافعة": نعت للكتب.

_ 1 أما على اعتبارهما بدلًا، أو عطف بيان فقد يصح. لما أشرنا إليه -في رقم 1 من هامش ص482– من أن الأفضل في النعت الاشتقاق، بخلاف البدل والبيان. مع ملاحظة أن المعني يختلف في كل اعتبار، إذ فائدة: النعت غير فائدة البدل، أو العطف ...

وعلى الطريقة الثانية نقول: ما أعظم الثمار التي نجنيها من الكتب النافعة. والصحف الصادقة، والمجلات الرفيعة، والإذاعة المختارة، والمؤلفين البارعين. وللمتكلم أن يختار من الطريقتين ما يراه أنسب للمقام بشرط أمن اللبس، بحيث يتعين كل نعت لمنعوته، دون اشتباه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: مما يتصل بهذه الحالة: نعت معمولين عاملهما واحد..... والحكم -كما سطروه- هو: أنه إذا اتحد عمله ونسبته المعنوية إليهما في المعنى جاز الإتباع والقطع بشرطه1؛ كقام محمود وعليّ العاقلان، أو العاقلَين. وإن اختلف العمل والنسبة؛ -كأكرم محمود عليًَا العاقلين- وجب القطع. وكذا إن اختلفت النسبة المعنوية دون العمل؛ كأعطيت الولدَ أباه العاقلان2. وإن اختلف العمل دون النسبة؛ -نحو: مخاصمةُ الأخ أخاه النبيلان مؤلمة- وجب القطع على الرأى الأغلب. فملخص الرأي أنه يجب القطع في جميع الصور إلا واحدة يجوز فيها القطع وعدمه؛ هي: التي يتحد فيها عمل العامل، ونسبته المعنوية إليها. ومن أمثلة القطع الجائز ما ورد في كلام فصحاء العرب3، ومنه قول حاتم الطائي: إنْ كنت كارهة معيشتنا ... هاتا4 فحُلّي في بني بدرِ الضاربون لَدَى أعنتهم ... والطاعنون وخيلهم تجري وقول الخِرْنِق القيسية: لا يَبْعَدَنْ5 قومي الذين همُو ... سمّ العُداة، وآفة الجُزُرِ النازلين بكل معترك ... والطيبين معاقد الأزُر

_ 1 شرط القطع "وتفصيل الكلام على: "القطع" معروض في الصفحة التالية، وما بعدها". 2 إن المعمولين مفعولان، ولكن أحدهما بمنزلة الفاعل في المعنى لأنه الأخذ، والأخر بمنزلة المفعول؛ لأنه المأخوذ. 3 راجع الكامل للمبرد "ج2 ص8". 4 هذه. 5 لا يبعدن: لا يهلكن. وهذا دعاء لهم بالسلامة وطول العمر.

ب- تعدد النعت، والمنعوت، والعامل، وما يترتب على هذا من الاتباع1 والقطع:

_ 1 المراد بالإتباع هنا: أن يكون النعت مماثلًا للمنعوت في رفعه، ونصبه، وجره. أما القطع فتمهد لتوضيحه بالأمثلة الآتية -وأما أحكامه الخاصة بالنعت فستجيء في ص488: أ- في مثل: جاء محمد العالمُ، -بالرفع -يصح إعراب كلمة: "العالم" نعتًا مرفوعًا: كالمنعوت، وعلامة رفعه الضمة. ويصح لسبب بلاغي "سنعرفه في آخر هذا الهامش، وفي ص492". أن يقال: جاء محمد العالم. بالنصب. ولا يجوز الجر -وفي هذه الحالة تعرب كلمة: "العالم": مفعولًا به لفعل محذوف تقديره: أمدح، أو: أخص، أو ما شاكل ذلك مما يناسب الغرض. وبهذا الإعراب الجديد ننتقل الكلمة من حالة النعت التي كانت عليها إلى حالة أخرى مخالفة لها، ولا تسمى فيها نعتًا، فقد انقطعت صلتها بالنعت؛ ولهذا يسونها "نعتًا مقطوعًا" أو "منقطعًا". يريدون أنها كانت في أصلها الأول نعتًا، ثم انقطعت منه، وانصرفت عنه الى شيء آخر؛ فتسميتها الآن: "نعتًا" فقط تسمية غير حقيقية. وكذلك المنعوت. وإنما يصح تسميتها: "نعتًا منقطعًا". باعتبار الماضي؛ إذ كانت نعتًا في أول أمرها، ثم انقطعت عنه الآن. وضبطها الجديد وتغيير إعرابها السابق هما دليلان على القطع الذي قطع منه تحقيق الغرض البلاغي المشار إليه. فلا بد في القطع من ضبط جديد، وإعراب جديد كذلك، بحيث يختلفان عن الضبط والإعراب السابقين قبل إحداثه. ب وفي مثل: رأيت محمدًا العالمَ -بالنصب -نعرب كلمة: "العالم" نعتًا منصوبًا؛ تبعًا لنصب المنعوت، ويجوز: رأيت محمدًا العالمُ -بالرفع، وفي هذه اصورة الجديدة التي يدعو لها داع بلاغي، العرب كلمة: "العالم" خبرًا، لمبتدأ محذوف، والتقدير –مثلًا-: هو العالم. ولا يصح إعراب "العالمُ" المرفوعة نعتًا مطلقًا. لكن يصح تسميتها: "نعتًا مقطوعًا"، أو: "منقطعًا"، لما بيناه، ولا يصح القطع إلى الجر. ج وفي مثل: انتفعت من محمد العالِم –بالجر– نعرب "العالم" نعتًا مجرورًا. ولكن يجوز –لسبب بلاغي- إبعاده عن النعت؛ بأن نرفعه، أو ننصبه؛فنقول: انتفعت من محمد العالم، أو: العالمَ، على اعتباره في حالة رفعه خبرًا لمبتدأ محذوف. وفي حالة نصبه مفعولًا به لفعل محذوف؛ فيكون الضبط والإعراب الجديدان دليلين على القطع -كما تقدم- ولا يجوز القطع إلى الجر مطلقًا. فموجز القول: 1- أن النعت يتبع منعوته في نوع إعرابه. 2- ولا يجوز -لسبب بلاغي- أن يتخلى النعت عن مهمته ليعرب شيئًا آخر تشتد الحاجة إليه، ويخالف نوع إعراب المنعوت. 3- في هذه الحالة التي يتخلى فيها ينصب باعتباره مفعولًا به لفعل محذوف، بشرط أن يكون المنعوت السابق مرفوعًا أو مجرورًا. وقد يرفع باعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف، بمشرط أن يكون السابق منصوبًا أو مجرورًا، أي: أن المنعوت السابق إن كان مرفرعًا فالواجب نصب النعت المقطوع، وأن كان منصوبًا فالواجب رفع النعت المقطوع، وان كان مجرورًا جاز في النعت المقطوع الرفع أو النصب. فلا بد عند القطع من اختلاف نوع حركة النعت المنقطع عن نوع حركة المنعوت السابق؛ =

1- إذا تعدد النعت بغير تفريق، وتعدد المنعوت، والعامل، وكانت المنعوتات المتعددة، متفرقة، متحدة في تعريفها وتنكيرها1 والعوامل المتعددة متحدة في معناها، وعملها، جاز في النعوت الإتباع والقطع: نحو حضر الصديق، وحضر الضيف الطبيبان. أو: الطبيبين. ونحو: نظرتُ القمرَ وأبصرت المِرّيخ المستديران. أو المستديران. ولا فرق في هذه العوامل بين المتحدة في ألفاظها والمختلفة -كما في المثالين- لأن المهم أن يتفقا معنى وعملًا. ويجب القطع إن اختلفت العوامل معنى، أو عملًا، أو هما معًا. فمثال الاختلاف المعنوي فقط: أقبل الضيفُ، وانصرف الزائرُ السائحينِ، ونحو: جَمَدت عينُ الحزين وجمدت عين القاسي المشاهدتين المأساة. "إذا كانت "جمدت" الأولى بمعنى: جفت دموعها بسبب البكاء الكثير. والثانية بمعنى: لم تبك؛ من القسوة". ومثال اختلافهما في العمل فقط: مررت بالضيف ولاقيت الزائر الغريبان.

_ = منعًا للبس بين الغرض القديم والجديد، واسترشادًا بالضبط والإعراب الجديدين على القطع. أما السبب البلاغي للقلع فيكاد ينحصر في توجيه الذهن إلى النعت المنقطع. وتركيزه فيه؛ وإبراز معناه لأهمية خاصة تستدعي هذا التوجيه. ولا سيما إذا تعددت النعوت وطالت الجملة. "راجح مجمع البيان لعلوم القرآن، ج1 ص6". بل إن القطع بحكمه وحكمته يظل باقيًا إذا تعددت النعوت وفصل بينهما بحرف عطف فصارت بعد هذا الفصل بالعاطف معطوفات لا نعوتًا. كما سيجيء في رقم 10 من ص661 واذا كان النعت المنقطع في أصله مسوقًا لغرض المدح، أو الذم، أو الترحم، فإن عامله المحذوف بعد القطع لا يمح ذكره؛ لأنه من العوامل الواجبة الحذف، سواء أكان مبتدأ، أم فعلًا -كما سيجيء في ص490- أما إن كان النعت المنقطع مسبوقًا لغرض آخر غير ما سبق فإن عامله يجوز حذفه وذكره. ومن الأغراض الأخرى: أن يكون القصد من القطع تقوية التخصيص إذا كان وقوعه بعد نكرة؛ نحو: مررت بعصفور في عشه مغردٌ، أو مغردًا. أو تقوية الإيضاح إذا كان وقوعه بعد معرفة؛ نحو: طربت للبحتري الشاعرُ أو الشاعرَ ... وقد تقدم في ص437 بيان الغرض الأساسي الأصيل من النعت. وكذلك سبق بيان لكل هذه بمناسبة أخرى في باب المبتدأ والخبر ج1 ص375 وسيجيء له مناسبة أخرى في هذا الباب". 1 لامتناع أن تكون النكرة نعتًا للنكرة ويشترط كذلك ألا يكون أو المنعوتات اسم إشارة، نحو: جاء هذا وجاء على فلا يصح العاقلان: لأن، نعت اسم الإشارة لا يفصل منه. كما سبق في هاش ص435 وفي "ج" من ص465.

ومثال اختلافهما في المعنى والعمل: قابلت الرسول وسلمت على الزميل الظريفان1. أحكام خاصة بالقطع في هذا الباب: لا يصح القطع مطلقًا، إلا بعد تحقق شرط أساسي: هو: أن يكون المنعوت متعينًا بدون النعت؛ سواء أكان النعت واحدًا أم أكثر. وعلى هذا الأساس تقوم الأحكام الآتية: 1- لا يجوز القطع2 إذا كان النعت وحيدا3. والمنعوت نكرة محضة: لشدة حاجتها إليه، لتتخصص به. نحو: كرمت جنودًا أبطالًا. 2- إذا تعدد النعت لواحد، وكان المنعوت نكرة محضة وجب إتباع النعت الأول لها: لتستفيد به تخميصًا هي في شدة الحاجة إليه، ولا يجوز قطعه. أما ما عداه فيجوز فيه الإتباع والقطع؛ نحو: أقبل رجلٌ شجاعٌ، أمين تَقيّ؛ فيجب رفع كلمة: "شجاع" إتباعًا للمنعوت: "رجل" لأنه نكرة محضة. ويجوز في كلمتي: "أمين" و"تَقَيّ" الرفع إتباعًا للمنعوت، أو: النصب على القطع باعتبار كل منصوب منهما مفعولًا به لفعل محذوف. والاتباع هنا واجب في النعت الأول وحده؛ ليقع به التخصيص -كما قلنا- ويجوز في الباقي الأمران، سواء أكان المنعوت قد تعين مسماه أم لم يتعين؛ لأن المقصود من نعت النكرة هو تخصيصها -لا تعيينها- وقد تحقق التخصيص بإتباع النعت الأول لها.

_ 1 وفي نعت معمولين لعاملين متحدين في المعنى والعمل يقول ابن مالك مشيرًا بالإتباع، تاركًا الحكم الثاني وهو القطع: وَلَعْت مَعْمُولَيْ وَحِيدَي معُنَى ... وَعَمَلٍ – أَتْبِعِ بِغَيْرِ اسُتِثْنا يريد: أتبع بغير استثناء نعت معمول عاملين وحيدين في معنى وفي عمل معًا، أي: متحدين فيهما. 2 إلا في ضرورة الشعر. 3 أي: منفردًا غير متعدد.

3- إذا تعدّدت النعوت لواحد معرَف فإن تعين مسماه بدونها كلها جاز إتباعها جميعًا، وقطعها جميعًا، واتباع بعضها وقطع بعض آخر1، بشرط تقديم النعت التابع على النعت المقطوع؛ نحو: عرفت الإمام أبا حنيفة، المجتهدَ؛ الذكيَّ، العبقريَّ.... فيصح في النعوت الثلاثة النصب على الاتباع، والرفع على القطع، ويجوز النصب على الاتباع في بعض منها، والرفع على القطع في غيره، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب تقديم النعت التابع على المقطوع. وإن لم يتعين مسماه إلا بالنعوت كلها مجتمعة وجب اتباعها، وامتنع القطع؛ نحو: غاب المصري حافظ، الضابط، الشاعرُ، النَّاثِرُ، بالرفع؛ تبعًا للمنعوت: "حافظ" إذا كان هناك ثلاثة2 غيره كل منهم اسمه: "حافظ"، وأحدهم ضابط فقط، والآخر شاعر فقط، والثالث شاعر فقط، فلا يتعين الأول تعيينًا يميزه من هؤلاء الثلاثة إلا بالنعوت المتعددة مجتمعة، وإتباعها له. وأن تعيَّن ببعضها دون بعض وجب إتْباع الذي يتعين به، وجاز في غيره الإتباع والقطع، مع وجوب تقديم التابع على المقطوع3....

_ 1 يجوز في بعضها المقطوع أن يكون منه ما ينقطع إلى الرفع، ومنه ما ينقطع إلى النصب، طبقًا للبيان الآتي في رقم.5 ص490.ـ 2 أو أكثر. 3 وفي النعوت المتعددة التي تتلو منعوتًا يفتقر إلى ذكرهن في تعيين مسماه فيجب إتباعها له، يقول ابن مالك: وَإِنْ نُعوتٌ كَتُرَتُ وقَدْ تَلَتْ ... مفْتَقِرًا لِذِكْرِهِنَّ أُتْبِعتْ أي: إن كثرت وتعددت النعوت التي تجيء بعد سنوات -غير معين، لأنه غير معرفة- محتاج إليهن في تعيين مسماه، أتبعت له، أي: وجب إتباعها في نوع حركته الإعرابية. ثم قال: واقْطَعُ أَو اتْبعْ إِنْ يَكُنْ مَعَيَّنًا ... بدونها – أَوْ بعْضِهَا، لقْطَعْ مُعْلِنًا أي: إن كان المنعوت معينًا بدونها كلها فاقطع أو اتبع النعوت كلها. وكذلك إن كان معينًا ببعضها فقط أو اقطع هذا الجزء فقط، وأتبع ما عداه. ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان حركة النعت المقطوع وعامله فقال: وارْفَعْ أَوِ انْصِبْ إِنْ قَطعْت، مضْمِرًا ... مُبتَدأ أَوْ ناصِبًا لَنْ يظْهرا يعني أن المقطوع برفع أو ينصب؛ فالرفع، على إضمار مبتدأ، خبره المقطوع. والأكثر أن يكون هذا المبتدأ المحذوف ضميرًا، والنصب عل تقدير عامل محذوف ينصبه "كالفعل مثلًا" والنعت المقطوع يُعرب مفعولًا به لهذا العامل. والعامل في الحالتين "مبتدأ كان أو فِعلًا" لن يظهر، لأنه محذوف وجوبًا، واقتصر على هذا من غير أن يذكر التفصيل الذي سردناه.

4- إذا لم يتعدد النعت وكان المنعوت معَرفًا بأننه جاز في النعت الإتباع والقطع. نحو: أنت الشريك الوديع، برفع كلمة: "الوديع"، إتباعًا أو نصبها على القطع.-والمنعوت هنا متعين؛ بسبب الخطاب-. ولا يجوز القطع إن كان النعت للتوكيد2, أو: كان من الألفاظ التي أكثرت العرب من استعمالها نعتًا بعد كلمات معينة2، ... أو كان نعتًا لاسم إشارة؛ نحو: أهلكَ الله بعض الأمم بالرجفة الواحدة -جاء القوم الجَمَّاءَ الغفيرَ3- امتدحت هذا الوفيَّ. ومن الأمثلة لهذه الثلاثة أيضًا: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 -يسرني رؤية الشَعْرَى العَبُورِ5- ما أكبر تقديرنا لهذا النابغِ. 5- قلنا6 إن النعت المقطوع لا بد أن يخالف في حركته المنعوت السابق؛ فإن كان المنعوت مرفوعًا وأردنا قطع النعت لداع بلاغي قطعناه إلى النصب

_ 1 وقد شرحنا في رقم 6 من ص439 -؛لأنت القطع ينافي التوكيد. 2 المراد: أن هناك كلمات يشيع استمعالها نعتًا لمنعوتات خاصة معينة في الغالب؛ ككلمتي "العَبُور" و"الغَفير" في الأساليب الفصيحة الشائعة؛ حيث يقول العرب: "جاء" القوم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ، وسرتني الشَعْرَى العَبُورْ" فقد وقعت الكلمتان -وما أكتر وقوعهما نعتين لمنعوتين معينين، قل أن يستعملا نعتًا لغيرهما. فليس المراد أن تلك المنعوتات لا تستعمل إلا منعوتة، ولا أن نعتها لا يكون إلا من بين تلك الكلمات، وإنما المراد أن تلك الألفاظ إذا وقع بعدها وصف أو ما يشبهه فهو نعت لها، لا أنها يلزم لها النعت دائمًا. 3 الجماء، مؤنث الأجيم، بمعنى الكثير. الغفير: الذي يستر الأرض ويغطي وجهما بكثرته. وهذا تعبير قديم سبق أن شرحناه. وتناولنا نواحي التأنيث والتذكير والإعراب وغيره في ج2 ص278 م84 "باب الحال". 4 النعت هنا للتوكيد؛ لأنه يدل على التثنية، وهي مفهومة من المنعوت، فهو يؤكدها. 5 لأن العرب تكاد تقتصر في استعمال "العبور" نعتًا الحالة التي يكون المنعوت فيها هو كلمة: الشعرى. 6 ص486 و488 وفيهما الشروط والتفاصيل لذلك.

مفعولًا به لفعل محذوف، تقديه: أمدح أو أذم، أو ... على حسب السياق، وان كان المنعوت منصوبًا وأردنا قطع النعت قطعناه إلى الرفع على اعتباره خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره -مثلًا-: هو. ولا يجوز القطع إلى الجر مطلقًا فيهما. وإذا. كان المنعوت مجرورًا واقتضى المقام القطع قطعناه إلى الرفع أو النصب على الإعرابيين السابقين. ولا بد في جميع حالات القطع آن يكون المنعوت متَعيِّنًا.-كما قلنا-. وإذا تعددت النعوت، وكان المنعوت المتعيِّن مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا جاز فينما عند قطعها أن يكون بعضها منقطعًا إلى الرفع، وبعض آخر إلى النصب، إذ ليس من اللازم أن تنقطع النعوت كلها إلى الرفع فقط، أو إلى النصب فقط: وإنما اللازم ألا تنقطع إلى الجر، وألا يتفق نوع حركتها مع نوع حركة المنعوت1 السابق، نحو: ما أسفت لشيء، قدر أسفي للزميل المتعلمِ، المتكاسلِ، الخاملِ، المستهين ... فيجوز في هذه النعوت قطعها إما إلى الرفع فقط، وإما إلى النصب فقط وإما توزيعها بين هذا وذاك. وإذا كان النعت المقطوع مرفوعًا لأنه خبر مبتدأ، أو منصوبًا لأنه مفعول به لفعل محذوف فإن هذا المحذوف واجب الحذف لا يصح ذكره بشرط أن يكون النعت في أصله لإفادة المدح، أو: الذم، أو: الترحم، فان كان في أصلا لغرض آخر جاز حذف العامل وذكره2. وقد سردنا أول الباب3 الأغراض المختلفة التي يؤديها النعت. 6- مما تجب ملاحظته أن جملة النعت المقطوع "وهي: الجملة المكونة من المبتدأ المحذوف وخبره الذي كان في أصله نعتًا، أو من الفعل المحذوف وفاعله" جملة مستقلة مستأنفة. وقد تسبقها "الواو" أحيانًا، وهذه "الواو" زائدة للاعتراض قبل النعت المقطوع، سواء أكان مقطوعًا إلى الرفع، أم إلى النصب.

_ 1 لأن تغير الضبط وما يؤدي إليه من تغيير الإعراب هو الدال على القطع -كما عرفنا- فيمتنع اللبس بين الغرض السابق، والغرض البلاغي الجديد والبيان في هامش ص486 وما بعدها. 2 كما أشرنا لكل ما ذكر في رقم 3 من هامش ص486 وعرضنا هناك الأمثلة الموضحة. 3 ص438.

ويرى بعض النحاة أن هذه الجملة المشتملة على النعت المقطوع ليست مستقلة ولا مستأنفة، وإنما هي "حال" إذا وقعت بعد معرفة محضة، و"نَعْت" إذا وقعت بعد نكرة محضة، وتصلح للأمرين إذا وقعت بعد نكرة مختصة، فشأنها كغيرها من الجمل التي تعرب "حالًا" بعد المعارف المحضة، و"نعتًا" بعد النكرات المحضة، وتصلح للأمرين بعد النكرة المختصة. والرأي الأول1 أقْوَم وأحْسنُ. 7- سبب القطع بلاغي محض -كما قلنا2- هو التشويق، وتوجيه الأذهان بدفع قويّ إلى النعت المقطوع؛ لأهمية فيه تستدعي مزيدًا من الانتباه إليه، وتقلق الفكر به، وانه حقيقي بالتنويه وإبراز مكانته. وجعلوا الأمارة على هذا كله إضمار العامل، وتكوين جملة جديدة، الغرض منها: إنشاء المدح أو الذم أو الترحم، ... أو ... فهي جملة إنشائية من نوع الجمل الإنشائية غير الطلبية3. وإذا كان سبب القطع بلاغيًا -ولا بدّ من قيام هذا السبب- فمن البلاغة أيضًا ألا نلجأ إلى استخدام القطع مع من يجهله! فيحكم بالخطأ على الضبط الحادث بسببه. حذف النعت أو المنعوت، أو هما معًا: أ- قد يحذف النعت أحيانًا حذفًا قياسيًا إذ كان معلومًا بقرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ، والأصل: "كل سفينة صالحة"؛ بقرينة قوله: "أن أعيبها؛ فهي تدل على أنها قبل هذا خالية من العيب، أي: صالحة للانتفاع بها، وبقرينة أخرى؛ هي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه.

_ 1 لأن هذه الجملة الجديدة إنشائية للمدح أو الذم أو غيرهما. -كما سيجيء بعد هذا مباشرة- والجملة الإنشائية لا تكون نعتًا –إلا مع التأويل الذي سبق في هامش ص474– ولا تكون حالًا. 2 تقدم البيان في رقم 3 من هاش ص487. 3 وقد سبقت الإشارة لهذا في ج1 ص464 م39.

ومثل قول الشاعر أخذَ نصيبه من غنائم الحرب فلم يرض به: وقد كنتُ في الحروبِ ذا تُدْرَإِ1 ... فلمْ أعْطَ شيئًا ولم أُمْنَعِ والتقدير: فلم أعطَ شيئًا نافعًا؛ بدليل قوله: ولم أمْنع، وبدليل الأمر التاريخيّ المعروف، وهو أنه أخذ –فِعْلًا- نصيبًا، وبكنه لم يقنع به. ومثل قول الشاعر يصف فتاة بالجمال: وربُّ أَسيلةِ2 الخدَّيْنِ بِكْرٍ ... مهَفْهفة3، لها فرعٌ، وجيدُ المراد: لها فرع فاحم4، وجيد طويل، والقرينة: أن مدح الفتاة بالجمال لا يكون بأمر عامّ يشاركها في مثله آلاف من نظيراتها، فليس من المدح وصفها بمجرد فرع لها، وجيد، فهذان أمران ملازمان كل فتاة، وإنما يكون المدح بأوصاف وبمزايا خاصة تتحقق في كل منهما؛ كشدة سواد الشعر، أو نعومته، أو طوله....، أو.... وكطول الجيد باعتدال، أو استدارته، وعدم غلظه كذلك5.... ب- حذف المنعوت6: يجب حذف المنعوت في كل موضع اشتهر فيه النعت اشتهارًا يغنى عن المنعوت غَناءً تامًّا؛ بحيث لا يتجه الذهن إليه؛ نحو: جاء الفارس. والأصل: جاء الرجل الفارس؛ أي: راكب الفرس. ومثل: جاء الصاحب، أي: الرجل الصاحب؟ فلا يدور فيهما وفي أشباههما أن يقال: جاء الرجل الفارس، ولا جاء الرجل الصاحب، والنعت في الحالة السابقة لا يسمَّى نعتًا، وإنما يحل محل المحذوف في إعرابه فاعلًا، أو غيرهما ... مما كان علية المحذوف قبل حذفه.

_ 1 قوة، وعدة حربية. 2 مصقولة ناعمة ... 3 رشيقة، ضامرة البطن، دقيقة الخصر. 4 أي: شديد السواد، كلون الفحم. 5 ومن أمثلة حذف النعت قوله عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". أي: لا صلاة كلمة وقول بعض العرب عن عمر: "كان والله رجلًا ... " يريد: رجلًا عظيمًا.... وعن علي: "سمعته يخطب فكان الخطيب...." يريد: الخطيب البارع ... أو ما شاكل هذا. 6 أشرنا في ص473 إلى حذف المنعوت، وقلنا إن بسط الكلام عليه هنا.

ويجوز حذفة أيضًا –كما أوضحنا1– إن كان مصدرًا مبَيِّنًا نابت عنه صفته؛ نحو: جلست أحسنَ الجلوس، وأصغيت أيّ2 إصغاء؛ بمعنى: جلست جلوسًا أحسن الجلوس، وأصغيت إصغاء أيّ إصغاء، والأكثر أن تضاف هذه الصفة لمصدر كالمصدر المنعوت بالمحذوف. ويجوز بكثرة حذف المنعوت -"سواء أكان النعت مفردًا،أم جملة،أم شبه جملة"– بشرط أن يصلح النعت لأن يحل محل المنعوت المحذوف؛ فيعرب إعرابه. فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلًا، أو مفعولًا، أو مجرورًا، أو مبتدأ وكان النعت جملة أو شبهها؛ لأن الجملة وشبهها لا تقع شيئًا مما سبق، فلو حذف المنعوت وهو أحد الأشياء السالفة لم يوجد في الكلام ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، ولهذا لا يصح حذفه إذا كان الأمر على ما وصفناه3. أمَّا إن كان المنعوت واحدًا مما سبق والنعت مفردًا، فيجوز حذف المنعوت، لوجود ما يصلح أن يحل محله في إعرابه، وهو: المفرد. ويشترط لحذفه أيضا أن يكون معلومًا. ومن وسائل العلم به اختصاص معنى النعت به وقصره عليه، مثل: أعجِبتُ براكب صاهلًا، أي: براكب فرسًا صاهلًا؛ لأن الصهيل مختص –في اللغة- بالخيل. وبسبب هذا الاختصاص الصريح يكون الخذف واجبًا عند بعض النحاة لا جائزًا، ورأيهم سديد. ومن وسائل العلم به أيضًا أن يتقدم على النعت ما يدل على المنعوت المحذوف

_ 1 في ص "110 و111 حيث البيان والتفصيل المفيد" و468. 2 هذا التعبير صحيح حيث وقعت فيه أيّ" نعتًا مضافًا لمصدر. فيجوز حذف المنعوت. وقد سبق الكلام عليه وعلى ما يصح للنيابة عند حذف المصدر المؤكد والمبين "وهو مسجل في موضعه من الجزء الثاني ص173 م75 عند الكلام على حذف المصدر المصريح. وفي ج1 ص262 م26 باب الموصول، عند الكلام على: "أي" أما إن كان المضاف إليه غير مصدر فقد سبق حكمه في ص111 وما بعدها. 3 يعبرون عن هذا: بأن النعت يكون صالحًا لمباشرة العمل، فيكون مفردًا إن كان المنعوت فاعلًا، أو مفعولًا به، مثلًا....، وجملة مشتملة على الرابط إن كان المنعوت خبرًا.

الذي يحقق المعنى المراد؛ نحو: ألاَ ماءَ، ألا باردًا1؟ أو: وجود عامل نحوي يحتاج إلى المنعوت ليكون معموله الذي يَتمّ به المعنى الأنسب، حيث لا يستطيع العمل المباشر في النعت، ولا يجد النعت عاملًا آخر؛ كقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، والتقدير: فليضْحكوا ضحكًا قليلًا، وليبكوا بكاءً كثيرًا.... فالفعلان في جملتي: "يضحكوا - يبكوا" محتاجان لمعمولين يتممان هذا المعنى الأنسب، ولا يستطيع منهما أن يؤثر في النعت الذي بعده مباشرة إلا من طريق منعوت محذوف يستقيم به المعنى. ولا يجد كل من النعتين "قليلًا - وكثيرًا" عاملًا له إلا الفعل اللازم قبله، ولكن اتصاله به مباشرة غير سائغ لغويًا؛ فلم يكن بد من تقدير المنعوت المحذوف على الوجه السالف ... وأيضًا: يحذف جوازًا إن كان النعت جملة أو شبهها وكان المنعوت مرفوعًا وبعضًا من اسم متقدم عليه، وهذا الاسم المتقدم مجرور "بمن" أو "في" نحو: الأحرار الوطنيون لا ينكر فضلهم أحدٌ؛ فمنهم أنفق ماله في سبيل وطنه، ومنهم أفَنى عمره مناضلًا في الحِفَاظ على حريته، ومنهم قضى نَحْبه دفاعًا عنه. والأصل؛ فمنهم فريق أنفَق ... ومنهم فريق أفْنَى عمره ... ومنهم فريق قضى نحبه ... ومثل قولهم: لما مات عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز لم يكن في الناس إلا بَكى أو صرخَ، أو صُرعَ، أو إنسانٌ انعقد لسانه، أو إنسان زاغ بصره ... فالمنعوت في الأمثلة السابقة كلها مخذوف، وهو مرفوع، وبعض من كل مجرور بالحرف "مِنْ" أ: "في"؛ ذلك لأن الضمير: "هم" المجرور بِمِنْ

_ 1 من هذا النوع قوله تعالى في نبيه داود: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي: دروعًا واسعات طويلات تصل إلى الأرض. فالسابغات في أصلها ليست نعتًا مختصًا بشيء معين دون غيره، وإنما تصلح لوصف كل واسع طويل. غير أن تقدم كلمة: "الحديد" قبلها جعل المراد منها في هذا السياق مختصًا بموصوف معين هو: الدروع.

في الأمثلة الأولى "كُلّ" والمنعوت "فريق" بعض منه، والناس المجرور "بفي" في الأمثلة الأخيرة "كل" والمنعوت المحذوف "إنسان" بعض منه1 ... ج- حذف النعت والمنعوت معًا: قد يحذفان معًا –وهذا قليل2– إذا قامت القرينة الدالة عليهما؛ كقوله تعالى: في الأشْقَى الذي يدخل النار: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} ، أي: لا يحيا حياة نافعة3. وكقولك للمتعلم الذي لا يَنتفع بعلمه: هذا غير متعلم، أي: غير متعلم تعلمًا مثمرًا. الترتيب بين النعوت المتعددة: إن كانت النعوت المتعددة مفردة جاز تقديم بعضها على بعض من غير ترتيب محتوم، فالأمر فيها للمتكلم؛ يقدم ما يشاء ويؤخر، على حسب ما يرى من أهميته. وكذلك إن كان جُمَلًا، أو أشباه جُمَل؛ نحو: "راقني الورد النَّضرُ، العطِرُ، الهبيُّ" –أقبل رجل "وجهُهُ متهللٌ" "ثغرهُ باسمٌ"– أبصرت رجلًا في سيارةٍ، على أريكة. أما إذا اختلفت أنواعها تقديم المفرد على شبه الجملة، وشبه الجملة على الجملة؛ نحو: هذا عصفور حزين، على شجرة، يشكو ما أصابه ... وقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في 473 وفي حذف النعت والمنعوت يقول ابن مالك مصرحًا بقلة حذف النعت: وما:مِن المنعُوتِ والنَّعْتِ – عُقِلْ ... يَجُوزُ حذْْفُهُ، وفي النَّعت يقِلْ يريد: ما عقل "أي: عَلم بدليل"، من النعت أو المنعوت يجوز حذفه. وليست درجة حذفهما متساوية في الكثرة، فإن حذف المنعوت أكثر من حذف النعت. 2 وهذه القلة نسبية، لا تمنع من القياس عليها. 3 لأنه لا واسطة بين الحياة والموت. ويصح أن يكون المراد: لا يموت فيها موتًا دائمًا، ولا يحيا حياة نافعة.

وقد تتقدّم الجملة أيضًا على غيرها كقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} 1 وهذا النوع من التقدم فصيح يجوز القياس عليه؛ لوروده في أبلغ الكلام –وهو القرآن– ولكن الأول أكثر. عطف النعوت المختلفة المعاني بعضها على بعض: يجوز عطف النعوت بعضها على بعض مع ملاحظة ما يأتي: 1- أن تكون النعوت المتعددة مختلفة المعاني وليست جُملًا2؛ فلا يصح العطف في مثل: هذا رجل غنيّ ثريّ؛ لأن الثريّ بمعنى الغنيّ، ولو عطف عليه لَعُطِفَ الشيء على آخَر بمعناه، والعطف يقتضي المغايرة المعنوية، غالبًا3. ولا فرق في منع العطف في النعوت المتفقة المعاني بين أن تكون كلها تابعة في إعرابها للمنعوت، وأن تكون مقطوعة، وأن يكون بعضها تابعًا وبعضها مقطوعًا. أما إذا كانت النعوت المتعددة جُملًا2 فالأفضل عطفها؛ ولاي يشترط اتفاقها في المعنى أو اختلافها؛ نحو: احترمُ رجلًا يترفع عن الصغائر، ويتوقى مواطن السوء، ويُجَنِّب نفسه الهوان. 2- ألاّ يكون حرف العطف هو: "أم"، أو: "حتى"، إذ لا تُعْطف النعوت بواحد منها4. 3- وإذا كانت النعوت مختلفة المعاني والمنعوت مُثنى أو جمعًا، وجب –في الأكثر– العطف بحرف الواو دون غيره –كما سبق2- نحو: تحدث الفائزان؛

_ 1 وقول الشاعر في ظالم: بغَى وللبغى سهامٌ تُنْتظرْ ... أَنْفَذُ في الأكباد من وخْز الإبَرْ "2، 2" أما شبه الجملة ففي حكم المفرد إذا كان متعلقة مفردًا. 3 إلا إذا كان العطف للتفسير الذي يراد به إيضاح الغامض، أو المجهول، كما قد يحصل –أحيانًا– ولا غامض ولا مجهول هنا. ويحسن العطف عند تباعد المعاني المختلفة كقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنُ} بخلافها إذا تقاربت؛ كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ} . 4 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص481. 5 في ص482.

العالم والمخترع احترمت المتعلمات، النائرة، والشاعرة، والخطيبة، والماهرة في عملها، والمتفننة في نظامها. فإن كان المنعوت واحدًا لم تجب "الواو" وصح أن يجيء الحرف المناسب أو لا يجيء. وحرف العطف الذي يستخدم هنا يؤدّي –مع العطف– معنى من المعاني التي اختص بتأديتها على الوجه المشروح في باب: "العطف" من أن الواو تفيد كذا، والفاء كذا، وثم ... و ... وعندما يتم عطف النعوت تصير "معطوفات"، يَجري عليها اسم "المعطوف" وأحكامه الآتية في بابه، وتتخلى عن اسم: "النعت" وأحكامه الخاصة به1. تقدم النعت على المنعوت: لا يجوز تقدم النعت على المنعوت مع بقاء إعاربه نعتًا كما كان قبل التقدم4. فإذا تقدم زال عن كل منهما اسمه؛ فإن كانا معرفتين، وكان النعت صالحًا لمباشرة العامل وجب عنْد تقدمه إعرابه على حسب حاجة الجملة، ويصير –في الغالب: "مُبدَلًا منه"، ويعرب المنعوت بدلًا. ففي مثل: "استعنت بمحمد الماهر في تذليل العقبات؛ فأعانني، وشاركه في هذا عليّ الصديق" نجد كلمتي: "الماهر" و"الصديق" نعتين، وهما متأخرتان، فإذا تقدمنا وقلنا: بالماهر محمد، والصديق عليّ صارتا بدّلين، وصار المنعوتان السابقان مُبدَلًا منهما. فإذا كانا نكرتين فالغالب –إن لم يوجد مانع آخر– نصب النعت على الحال عند تقدمه، ويزول عنه اسم النعت؛ كما يزول عن المنعوت اسمه، ويصير

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص481. 2 بل لا يجوز –في الصحيح– تقدم النعت معمول المنعوت إذا كان المنعوت وصفًا عاملًا؛ نحو: ظهر بيننا مبتكرٌ نظريةً علميةً عبقريٍّ. "راجع حاشية ياسين في باب الحال عند الكلام على صاحبها".

اسمه الجديد: "صاحب الحال"؛ ففي مثل: "أينع زهرٌ رائعٌ. وفاح عطرٌ جميل ... " نقول: أينع رائعًا زهر، وفاح جميلًا عِطرٌ1 ...

_ 1 سبقت الإشارة "في ج2 م85 –هامش ص374- باب: "الحال" إلى أن نعت النكرة إذا تقدم عليها يعرب حالًا –في الغالب- أي: ما لم يمنع مانع؛ ذلك أن المنعوت النكرة قد يكون –أحيانًا– كالمنعوت المعرفة في إعراب نعته المتقدم بحسب العوامل مع إعراب المنعوت بدلًا أو عطف بيان؛ نحو: مررت بصارخٍ طفلٍ، واستمعت إلى خطيبٍ غلام ... والأصل قبل تقديم النعت: مررت بطفل صارخ، واستمعت إلى غلام خطيب فنعت النكرة المتقدم عليها إنما يعرب حالًا في الغالب وليس بالواجب المطرد في جميع الاستعمالات –على الأصح– وبهذا تخرج بعض الصور الممنوعة؛ كالتي ذكرناها. وكالتي في قولنا: جاء رجلٌ أحمرُ، ونحوه مما ليس مستقلًا؛ لأنه من الصفات الثابتة.... –راجع الصبان آخر باب النعت-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: متفرقات: أ- قد يقتضي المعنى أن يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية، أو: "إمَّا". وعندئذ يجب تكرار هذين الحرفين، مع اقترانهما بالواو العاطفة التي تعطف ما بعدهما على النعت الذي قبلهما؛ نحو: زاملت أخًا لا غادرًا، ولا خائنًا ... - تخيَّرْ مضيفًا؛ إما ساحليًّا، وإما جبليًّا1 ... ب- يجوز نعت النعت عند سيبويه، ويمنعه آخرون. الحق أن النعت قد يحتاج إلى نعت أحيانًا، مثل: هذا ورقٌ أبيضُ ناصعٌ. "أي: شديد البياض"، فالورق يشتمل مدلوله على جسم ولون مطلق، والنصاعة إنما هي تحديد للونه ... ونحو: هذا وجه مُشرقٌ أيّ إشراق!! ناضرة وجنتاهُ كاملة النَّضرة. بل إن من النعت ما لا يسمى نعتًا إلا إذا كان موصوفًا؛ وهذا هو: النعت "المُوَطِّىْ" –وقد سبق الكلام عليه2– ومن أمثلته الواردة: ألا ماءً ماءً باردًا. ج- إذا وقع النعت بعد المركب الإضافي "نحو: أقبل رسول الصديق العالم هذا نجم الدين المضيء ... "، فأين المنعوت؟ أو المضاف إليه، أم المضاف؟ سبقت الإجابة مفصلة في مكانها الأنسب. "وهو "ج" ص167 من باب: "الإضافة". د- سبق الكلام3 على احكام جليلة خاصة بالتوابع، ومنها: حكم الفصل بين التوابع ومتبوعاتها، كالفصل بين النعت والمنعوت.

_ 1 سبق تفصيل الكلام على مواضع تكرار: "لا" في بابها الخاص، آخر الجزء الأول. 2 ص456 رقم 3. 3 في هامش ص435.

المسألة 116

المسألة 116: ب- التوكيد 1: التوكيد قسمان: معنوي ولفظي2: القسم الأول؛ المعني3: إذا سمعنا من يقول: "وصل أحد العلماء إلى القمر"، خطر بالبال عدة احتمالات؛ منها: أنه وصل إلى قرب القمر، دون الوصول إلى جِرْمه وذاته الحقيقية، أو: أنه وصل إلى مَداره، أو إلى أسراره العلمية والفلكية ... ونتوهم أن المتكلم أراد أن يقول: -مثلًا– وصل أحد العلماء إلى قرب القمر، أو إلى مدار القمر. أو إلى مدار القمر. أو إلى أسرار القمر ... فحذف المضاف سهْوًا، أو خطًا، أو لأن حذفه هنا يؤدي إلى المبالغة أو المجاز4، وكلاهما أبلغ وأقوى في تأدية المعنى من الحقيقة. هذا بعض ما يخطر بالبال عند سماع تلك العبارة ... فلو أنه قال: وصل أحد العلماء إلى القمر نفسه، لزالت –في الأغلب5– تلك الاحتمالات وغيرها، ولم يبق مجال لتوهم المبالغة، أو المجاز بالحذف، أو السهّو

_ 1 ويسمى أيضًا: التأكيد. والأول أشهر في استعمال النحاة. "كما سيجيء في ص504". وسنعرض هنا للتوكيد "الإصطلاحي" الذي يقتصر عليه النحاة، دون الأنواع الأخرى التي قد تفيد التوكيد؛ "مثل إنّ، والحرف الزائد، وكالقسم وغيره". ولكنها لا تسمى توكيدًا نحويًا اصطلاحيًا. 2 مدلول التوكيد اللفظي، وكذا مدلول التوكيد المعنوي بالنفس والعين، هو ذات المؤكِّد. أي: أن التابع هو عين المتبوع وذاته، وليس أمرًا عرضيًا مما يطرأ على المتبوع. أما التوكيد المعنوي بلفظ: "كل وجميع" فإن المراد منهما هو إفادة الشمول ... و ... "راجع الإشارة الخاصة بها في هامش ص438، بعنوان: "ملاحظة هامة". 3 سيجيء القسم الثاني اللفظي في ص525. 4 مجاز بالحذف، أو مجاز مرسل. 5 قلنا: في "الأغلب" ... لأن الأمر قد يحتاج في إزالة كل الاحتمال إلى تعدد التوكيد المعنوي.

أو غيره؛ ولتَركَّزَ الفهم في معنى حقيقي واحد: هو الوصول إلى جِرْم القمر ذاته، بسبب كلمة: "نفس" التي منعت أن يكون هناك لفظ محذوف كالمضاف –مثلًا– تنشأ عن ملاحظته وتخيله احتمالات مختلفة. كذلك إذا سمعنا من يقول: حفِظتُ ديوان "المتَنبيّ" فقد يخطر على البال سريعًا أنه حَفِظ أكثرَةُ، أو أحسنه، أو حِكَمه ... وأنه لم يقصد الشمول الحقيقي حين قال: "حفِظت ديوان المتَنبيّ"؛ وإنما قصد: حفظت أكثر ديوان المتنَبيّ، أو أحسن ديوان المتنبيّ، أو أحكم ديوان المتنبيّ ... فحذف المضاف سهوًا، أو: خطأ، أولما في حذفه هنا من مبالغة، أو مجاز، وكل منهما في تأدية المعنى أبلَغُ وأقدرُ. فلو أنه قال: "حفظت ديوان المتنبيّ كلَّه" ما ترك –في الأغلب– حول الشمول الكامل مجالًا لشيء من تلك الاحتمالات، ولا لِتَخَيّلِ شيء محذوف؛ حفظ الديوان كاملًا غير منقوص. وقد نشأ هذا التركيز والاقتصار على الفهم على المعنى الواحد من كل: "كلّ". فكلمة: "نفس" في المثال وما شابهه، وكلمة: "كلّ" في الثاني وما شابهه، -تسمى: "توكيدًا معنويًّا"؛ فهو: "تابع1 يزيل عن متبوعه ما لا يراد من احتمالات معنوية تتجه إلى ذاته2

_ 1 سبق –في ص434– بيان معنى التابع. وأحكامه العامة، وترتيبه مع نظرائه، وكل ما يتصل به. ومن أهم أحكامه: أنه مثل متبوعه في حركات لإعراب، وجواز الفصل بينه وبين المتبوع على لو المشروح هناك، بشرط ألا يكون المتبوع موصولًا؛ فإنه لا يصح الفصل بتابع بين الموصول وصلته مطلقًا.... "طبقًا لبيان التفصيل في ج1 م27 ص342: الموصول" وأن النعت يجوز قطعه "كما تقدم في بابه ص486" كذا عطف البيان؛ كما سيجيء عند الكلام عليه في بابه ص542 وكذلك عطف الشق في الرأي الصحيح –وسيجيء في ص555– أما التوكيد بنوعيه فلا يجوز القطع فيه مطلقًا؛ حتى كلمة: "كل" حيث تصير نعتًا في بعض حالاتها التي تجيء في ص514 وقد أشار الصبان في "باب البدل" إلى رأي يجيز في التوكيد القطع وهو رأي جدير بالإهمال. وأما البدل فيصبح فيه القطع على الوجه الذي يأتي في بابه "ص677 "هـ". 2 المراد بالذات هنا: حقيقة الشيء الأصلية، وجملته كاملة؛ فتشمل الذات الحسية؛ كالجسم، وباقي المحسوسات، كما تشمل الحقائق المعنوية المحضة؛ كذات العلم، وذات الفهم، وذات الأدب ... –انظر ما يتصل بهذا في رقم 4 من هذا الهامش–.

مباشرة، أو إلى إفادته العموم والشمول المناسبين لمدلولة"1 ... وإن شئت فقل: تابع يدلّ على أن معنى متبوعه حقيقي، لا دخْل للمبالغة فيه، ولا للمجاز، ولا للسَّهو، أو النسيان، ونحوهما ... فالغرض من التوكيدّ المعنويّ هو إبعاد ذلك الاحتمال وإزالته؛ إما عن ذات المتبوع، وإما عن إفادته التعميم الشامل المناسب1 لمدلوله، فإن لم يوجد الاحتمال لم يكن من البلاغة التوكيد. ألفاظ التوكيد المعنوي: ألفاظ الأصلية سبعة، وقد تلحق بها –أحيانًا– ألفاظ فرعية أخرى سنعرفها1. والسبعة الأصلية ثلاث أنواع: الأول: نوع يراد منه إزالة الاحتمال عن الذات في صميمها3، وإبعاد الشك المعنوي عنها. وأشهر ألفاظه الأصلية: نفْس4، وعْين4. ومن الأمثلة قول أحد الرَّحالين: " ... رأيت الساحرَ الهنديّ نفسَه –وهو المعروف بألاعيبه وحِيَله– يقبض على الجمرة عينِها بأصابعه العاريَة، ويظل كذلك دقائق كثيرة ... "، فكلمة: "نفس" أزالت –في الأغلب– الشك والمجاز عن ذات الساحر، فلم

_ "1، 1" المراد من العموم المناسب للمدلول هنا: يشمل إزالة الاحتمال عن التثنية المقصودة حقيقة، لا مجازًا، كما يشمل إزالة الاحتمال عن الجمع المقصود حقيقة، لا مجازًا. "انظر "ب" من ص507". 2 في ص517. 3 أي: في حقيقتها المادية "وهي المحسوسة –غالبًا-" لا في أمر عرضي مما يطرأ عليها. "4، 4" ليس المقصود هنا من "نفس" الشيء أو: "عين" الشيء مقصورًا على حقيقته المادية المحسوسة "أي: التي تدركها بإحدى الحواس" مثل: العلم –الفهم- الصدق. ويزيد بعض النحاة توضيح هذا –كما جاء في الخضري عند الكلام على التوكيد بالنفس أو العين- بقوله: "مراد بها جملة الشيء وحقيقته، وإن لم يكن له نفس ولا عين حقيقة. فإن أريد بالنفس: "الدم"، وبالعين: "الجارحة، كسفكت زيدًا نفسه، وفقأت زيدًا عينه، لم يكون توكيدًا؛ فهما في المثال بدل بعض ... " ا. هـ. انظر ما يتصل بهذا في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة.

تترك مجالًا لتوهم أن المقصود شيء سواها. وكذلك كلمة: "عين" فإنها أفادت النص على الذات، وأبعدت عنها -في الأغلب– كل احتمال يقوم على تلك المبالغة، أو المجاز، أو إرادة معنى لا يتصل بصميمها مباشرة. وهذا معنى لا يتصل بصميمها مباشرة. وهذا معنى قولهم: إن التوكيد بالنفس أو بالعين يَقْصِر المعنى الحقيقي على الذات وحدها، ويُرَكزه فيها، ويزيل –في الأغلب– كل احتمال عنها آخَر. وإذا وقعت كلمة: "عين، أو نفس" تابعة على هذا الوجه، سميت اصطلاح النحاة "توكيدًا". أو: "مؤكَّدة" –بكسر الكاف– والأول هو الأشهر، سمي متبوعها: مؤكَّدًا –بفتح الكاف– وهذا هو الشأن في جميع ألفاظ التوكيد. حكمهما: إذا كانتا للتوكيد وجب أن يسبقهما المؤكَّد، وأن تكونا مثله في الضبط الإعرابي، وأن تضاف كل واحدة منهما إلى ضمير مذكور –حتمًا– يطابق هذا المؤكًّد في التذكير والإفراد وفروعهما؛ ليربط بين التابع والمتبوع. تقول: صافحت الواليّ نفسه –صافحت الواليينِ أنفسَهما– صافحت الولاة أنفسهم –صافحت الوالية َ عينَها– صافحت الواليتين أعينَهما –صافحت الواليات أعينَهن. وهذا الضمير لا يجوز حذفه ولا تقديره1 ... فإن لم يتقدم المتبوع، أو لم يوجد الضمير المضاف إليه، المطابق لم يصح إعرابهما توكيدًا، بل يجب إعرابهما شيئًا آخر على حسب الجملة، "مبتدأ، أو خبر، أو بدلًا، أو عطف بيان، أو مفعولًا به، أو غيره2....." ومن أمثله المفعول به: من عاتبَ الجهال أَتعبَ نفسه ... ومن لام من لا يعرفُ اللومَ أفْسَدا

_ 1 في توكيد الاسم بالنفس أو بالعين مع اشتمالها على ضمير مطابق للمؤكَّد يقول ابن مالك: مع ضَمِيرٍ طَابقَ المؤكَّدا ... بالنَّفْسِ، أَوْ بِالْعَيْن الاِسْمُ أُكِّدا وهذا الضمير لابد من ذكره هنا وفي كل نوع من أنواع التوكيد المعنوي الآتية. ولا يصح حذفه مطلقًا في حالة هذا التوكيد. 2 انظر ما يتصل بحكم "النفس والعين" عند فقد المؤكَّد في ص515.

ومما يلاحظ أن المطابقة، حين يكونُ المؤكَّد بهما جمعًا تقتضي أن يُجمعا جمع تكسير للقلة على وزن: "أفْعُل"، فقط، ومنع أكثر النجاة الجموع الأخرى التي للقلة والكثرة، فلا يصح: جاء الولاة نفوسهم، ولا عيونهم ... وبناء على هذا الرأي لابد أن تكون صيغتهما على وزن "أَفْعُل" مع إضافتهما لضمير الجمع1. أما إذا كان المؤكَّد مثنى فالأفصح جمعهما على وزن القلة السابق وهو: "أفْعُل" فيقال أنفسُهما، أعيُنهما. لكن يصح إفرادهما وتثنيهما؛ فيقال: نفسُهما، عينُهما، أو: نفساهما، عيناهما2. ومهما كان وزن الصيغة في التثنية فلابد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكَّد3 ...

_ 1 وفريق من النجاة يجيز في كلمة: "عين" المستعملة في التوكيد جمعها للقلة على "أعيان" لكن الكثير الفصيح هو وزن: "أُفعُل" ويحسن الاقتصار عليه؛ متابعة المطرد في كلام العرب. 2 يفهم مما سبق صحة الإفراد، والتثنية، والجمع، في كلمتي: "النفس والعين" إذا وقعت إحداهما توكيدًا للشيء ولابد من إضافتهما لضمير.... وبهذه المناسبة نذكر ضابطًا لغويًا مفيدًا " سبق تسجيله في جـ1 م9 بهامش ص110 " مضمونه: أن كل شيء في المعنى، مضاف إلى مُتَضَمِّنه "بكسر الميم الثانية المشددة، وصيغة اسم الفاعل، أي: إلى ما اشتمل على المضاف " يجوز فيه الإفراد، والتثنية، والجمع؛ نحو: قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: من الآية4] . ونقول: تصدقت برأس الكثبين –أو: رأس الكبثين– أو رءوسهما. وإنما فضل الجمع على التثنية لأن المتضايفين كالشيء الواحد؛ فكرهوا الجمع بين تثنيتهما، ولأن المثنى جمع في المعنى. وفضل الجمع على الإفراد لأن المثنى جمع في المعنى، والإفراد ليس كذلك، فهو أقل منه دلالة على المثنى. هذا ما نقله بعض النحاة -كالصبان، ج3 والخضري ج3، في أول باب التوكيد منهما وينطبق ما تقدم على: "النفس والعين" المستعملتين في التوكيد؛ خضوعًا للسماع الوارد فيهما، لا تطبيقًا للضابط السالف؛ فقد قال الصبان في الموضع المشار إليه: إن إضافتهما ليست لمضمنَّها، بل إلى ما هو بمعناهما؛ لأن المراد منهما "الذات". وفي ص145 م11 من الجزء الأول أيضًا ضابط آخر لشارح المفصل فيه بعض المخالفة لما هنا. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: واجْمعْهُما "بِأَفْعُل" إِنْ تَبِعا ... ما لَيْس واحِدًا تَكُنْ مُتَّبِعًا أي: إن كانا تابعين "مؤكَّدين" لغير والواحد؛ وهو المثنى والجمع فجيء بهما مجموعين على صيغة: "أفعل" لتكون متبعًا للنهج الصحيح.

هذا، ويصح التوكيد بالنفس والعين معًا، ولكن بغير حرف عطف1، ويجري عليهما مجتمعَينِ من حكم الإضافة للضمير المطابق، وتقدم المتبوع، ومسايرته في الضبط الإعرابي، وباقي أحكام التابع ما يجري على إحدهما منفردة؛ نحو: قابلت الواليَ نفسَه، قبض الساحر على الجمرة نفسِها عينِها. ويجب –في الرأي الأقوى– عند اجتماعهما تقديم النفس على العين2 ...

_ 1 لا يصح وجود حرف عطف قبل التوكيد المعنوي. لأن وجوده يستلزم معنى غير المقصود من التوكيد، ويزيل عما بعده اسم التوكيد. "كما سيجيء في رقم 3 من ص520". 2 وقيل إن تقديم النفس على العين ليس بلازم ولكنه حسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تنفرد كلمتا: "نفس" و"عين" دون بقية ألفاظ التوكيد المعنوي1، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول "ذهب الوالي نفسُه، أو بنفسه، لمحاربة الخوارج" -"أبصرت الواليَ نفسَه، أو بنفسه، وهو في الميدان" ... فكلمة؛ "نفس" توكيد وجرور بالباء الزائدة في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة المتبوع. ويصح في الأمثلة السالفة وضع كلمة: "عين" مكان: "نفس" فلا يتغير الحكم، وتعرف مع حرف الجر مثلها؛ توكيدًا مجرورًا في المحل تابع المؤكًّد "أي: للمتبوع"2. ب– إذا كان المتبوع " المؤكَّد " كنية لوحظ في معنى التوكيد وإعرابه ما سبقت الإشارة إليه "في: "أ" من ص444" سواء أكان بلفظ: "نفس، أو عين أو غيرهما، مما يصلح من ألفاظ التوكيد المعنوي".

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في ج2 م90 ص456، باب: "حروف الجر" وسيجيء "في ص521" عند الكلام على ألفاظ الشمول دخول هذه الباء على "أجمع" ولكنها هناك الباء الزائدة وجوبًا، اللازمة؛ كالداخلة على "أَفْعِل" في التعجب من جهة وجوب زيادتها، وعدم مفارقتها. أما "الباء" الزائدة هنا فدخولها جائز، وبقاؤها غير لازم. وفي ص512 بعض أحكام عامة تنطبق على النفس والعين. 2 سبقت الإشارة لهذا عند الكلام على زيادة "الباء" الجارة "جـ2 ص458 م90 باب حروف الجر". كما سبق بيان بعض المراجع لهذا، ومنها: "المعنى" "- جـ1 عند الكلام على "أبناء" المفردة" و"الصبان" عند الكلام عليها في باب "حروف الجر".

الثاني: نوع يراد به إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي –وحدها– المقصودة حقيقة. وله لفظان: "كِلاَ" للمثنى المؤنث، نحو: أفاد الخبيران كلاهما، ونفعتْ الخبيرتان كلتاهما. فلو لم تُذْكَر "كلا" و"كلتا" لكان من المحتمل اعتبار التثنية غير حقيقية، وأن المقصود بالخبيرين أحدهما، وبالخبيرتين إحداهما ... فمجيء "كِلاَ" بعد المثنى المذكر، و"كلتا" بعد المثنى المؤنث يكاد يقطع في أصالة التثنية بفهم لا شك فيه ولا احتمال، ويدل –في الأغلب– على أن المراد هو الدلالة على التثنية الحقيقية التي تنصَبّ على اثنين معًا، أو اثنين معًا1. حكمهما: لابد عند استعمالها في التوكيد أن يسبقهما "المؤكَّد"، وأن يكون ضبطهما كضبطه، وان تُضاف كل واحدة منهما على ضمير مذكور يطابقه في التثنية ليربط بينهما –كما في الأمثلة السالفة- وهذا الضمير لا يصح حذفه ولا تقديره. فإذا تحققت الشروط، وصارتا للتوكيد وجب إعرابها إعراب المثنى2، فيرفعان بالألف، ويُنصبان ويجران بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها؛ نحو: أفادني الوالدان كلاهما، أحببت الوالدَينِ كليهما، دعوت الله للوالدَينِ كليهما. نفعتني الجَدَّتان كلتاهما، أطعت الجَدَّتينِ كلتيهما، استمعت إلى نصح الجَدتينِ كلتيهما. ولما كان الغرض من التوكيد بكلا وكلتا هو ما سلف، كان من المستقبح بلاغة3 أن يقال: تخاصم الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، حيث لا مجال

_ 1 ولا فرق بين أن تكون التثنية على سبيل التفريق –وهذه لا تسمى تثنية اصطلاحًا– أو غير سبيله؛ نحو: فاز الأول والثاني كلاهما، وفازت الأولى والثانية كلتاهما وفاز السابقان كلاهما وفازت السابقتان كلتاهما. 2 هما من الألفاظ الملازمة للإضافة، الملحقة في إعرابها بالمثنى. وقد سبق تفصيل شامل في إعرابهما. ومن المفيد الرجوع عليه"في ص98 وما بعدها، وفي الجزء الأول ص97 م9 عند الكلام على المثنى وملحقاته". من ذلك التفصيل تتبين أمور هامة؛ في مقدمتها: انه لا يصح إعرابهما توكيدًا إلا بعد تحقق الشروط الخاصة بها. لكن لا يلزم من تحقق الشروط إعرابهما توكيدًا؛ فقد يعربان توكيدًا أو لا يعربان على حسب ما تقضي به الدواعي الخزي. 3 يقال بعض النحاة فلا يجيزه مطلقًا.

لاحتمال التخاصم من أحدهما دون الآخر؛ لأن التخاصم لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتمًا؛ فلا فائدة من صيغة التوكيد هنا، ومثله: تَقَاتل اللصان، وتحارَب العدوانِ، وأشباه هذا من كل يخْلو من الاحتمال، ويدل على "المفاعلة" الحقيقية، أي: المشاركة الحتميَّة بين شيئين ... الثالث: نوع يراد منه إفادة التعميم الحقيقي المناسب لمداولة المقصود، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل. وأشهر ألفاظه ثلاثة: "كُلِّ، جميع، عامَّة ". وأقواها في التوكيد، وأكثرها أصالة، هو: كُلَّ، ثم جميع، ثم عامة نحو: قرأت ديوان المتنبي كلَّه، واستوعَب قصائدَه كلَّها. فلو لم نأت بكلمة: "كُلِّ" لكان من المحتمل أن المراد من المقروء ومن المستوعَب، هو: الأكثر، أو الأقل، أو النصف، أو غير ذلك؛ إذ ليس في الكلام ما يدل على الإحاطة الكاملة، والشمول الوافي. فمجيء لفظ: "كلّ"1 منع –في الأغلب– الاحتمالات، وأفاد الإحاطة والشمول بغير مبالغة ولا مجاز2 ... ومثل هذا: غردت العصافير جميعُها لاستقبال الصبح. فلو لم تُذكَر كلمة: "جميع" لكان من المحتمل أن المراد هو تغريد أكثرها، أو بعض منها ... إذ ليس قي الكلام ما يقطع بالدلالة على الإحاطة والشمول، فلما جاءت كلمة: "جميع" أزالت –في الأغلب– الاحتمال، وأفادت العموم القاطع. ومثلها كلمة: "عامة" "والتاء في أخرها زائدة لازمة لا تفارقها في إفراد، ولا في تذكير. ولا في فروعهما. وهي للمبالغة، وليست للتأنيث"، تقول: حضر الجيش عامَّتُه، حضر الجيشان عامَّتُهما، حضر الجيوش عامَّتُهم، حضرت الفرقة عامَّتُها، حضرت الفرْقتان عامَّتُهما، حضرت الفرَق عامَّتهُن ... حكمها: لابد في استعمال كل لفظ من هذه الثلاثة في التوكيد أن يسبقه المؤكَّد، وأن

_ 1 "كل" المستعملة في التوكيد قد تفيد الدلالة على "الكل المجموعي" أو: "الكل الجميعي" طبقًا للبيان الآتي في رقم 6 من هامش ص512 وهي في الحالتين تختلف في معناها وحكمها في كلمة: "كل" المستعملة نعتًا. والتي سبق الكلام عليها في رقم 4 ص466. 2 انظر "الملاحظة" التي في ص515 بشأن المراد من "الشمول" وأحواله في الألفاظ الدالة عليه؛ مثل: كل، جميع، عامة ...

يكون المؤكِّد مماثلًا له في ضبطه، ومضافًا إلى ضمير مذكور حتمًا، يطابقه في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ليربط بينهما، وان يكون المؤكد، إما جَمْعًا له أفراد1، وإما مفردًا يتجزأ بنفسه، أو يعامله2. فمثال الجمع المؤكَّد: حضر الزملاء كلهم، أو: جميعُهم، أو عامتُهم، كرّمت الزميلات كلَّهن، أو جميعهنّ، أو عامتهنّ، ومنه قول الشاعر: الجود يُفقر، والإقدامًُ قَتَّالُ ... لولا المشقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ ومثال المفرد الذي يتجزأ بنفسه: قرأت الكتاب كلَّه، أو: جميعَه، أو: عامَّتَه. ومثال المفرد الذي يتجزأ بعامله اشتريت الحصان كله، أو: جميعه، أو: عامته. لما سبق كان من المستقبح أن يقال: جاء الأخ كله –مثلًا– لعدم لفائدة من التوكيد؛ إذ يستحيل نسبة المجيء إلى جزء منه دون آخر3.... ومال أكثر النجاة إلى منع هذا وأمثاله، ولم يكتفوا باستقباحه.

_ 1 ما الحكم في فاعل "نعم وبئس" ونظائرهما إذا كان مقترنًا بالأداة التي تفيده "العموم"، وهي: "أل الجنسية، أو العهدية"؟ أيجوز توكيده بأحد تلك الألفاظ الدالة على الشمول الكامل والعموم الحقيقي؟ الإجابة عن هذا السؤال الهام في "أ" ص369 ثم ص374 وهامشيهما. 2 المراد بما يتجرأ بنفسه: ما يتكون من جملة أجزاى يمكن أن يستقل كل جزء منها وحده بتحقيق الفائدة منه من غير توقف على انضمامه إلى المجموع؛ كالفضة –مثلًا– فإنها تتكون من أجزاء كل جزء منها ينفع -بنفسه– في شيء مطلوب, وكذلك أمال، فإنه يتكون من دراهم ودنانير، كل درهم أو دينار يؤدى منفعته من غير حاجة إلى انضمامه لنظير له. أما الذي يتجرأ بعامله فهو الذي له أجزاء لا ينفع الواحد في أداء الأساسية إلا بتصاله بجزء آخر؛ لأن أجزاءه متماسكة متصلة، لا يصلح واحد منها لتحقيق الفائدة الأصلية إلا حين يكون متصلًا بباقي نظرائه. لكنه يتجرأ باعتبار آخر خارج عن ذاته الأصلية، وذلك الاعتبار حين يقع عليه أثر عامل نحوي ومعناه، ويكون هذا المعنى مما يتجزأ –مثلًا– الحصان؛ فإنه لا يمكن أن يتجزأ أجزاء يؤدى كل منها عمله الأصلي بعد التجزيء، فإذا قلت: اشتريت الحصان، أو بعت الحصان ... فإن الحصان معمول للفعل: اشترى، أو: باع، وكل من الشراء والبيع يتجزأ؛ إذ يمكن شراء نصف الحصان، أو ربعه، أو ثلثه.... و..... وكذلك بيعه، فالعامل –كما نرى– يتجزأ؛ لهذا يصح أن يقال: اشتريت الحصان كله، واستأجرت الخادم كله. والساقية كلها، والسيارة كلها ... 3 وفي ألفاظ الشمول الخمسة الأصلية يقول ابن مالك: "كِلْتَا"، "جمِيعًا" بالضَّمير مُوصَلا ... و"كُلاَّ" اذْكُرْ في الشُّمُولِ و"كِلاَ" مِنْ: دعمَّ في التوكيد. مثلُ: النَّافِلَهْ ... واسْتَعْملُوا أَيضًا: "فاعِلَهْ" يريد: اذكر عند إرادة الشمول لفظة التوكيد الدالة على الشمول، وهي "كل" و"كلا" و"كلتا" وهذان لإفادة الشمول في المثنى" و"جميعًا" ولابد من وصل لفظ التوكيد بالضمير المطابق. ثم قال بعد ذلك إن العرب استعملت في الدلالة على الشمول لفظًا آخر يفيد ما يفيده لفظ "كل"؛ وهذا اللفظ الآخر على وزن: "فاعلة" من الفعل: عَمْ، وهو: عامة" لأنها من غير ملاحظة الإدغام على وزن: فاعلة"، وأراد بقوله: "مثل الفاعلة"؛ أنها على مثال: "نافلة" في الوزن، وفي ثبات التاء في جميع الأحوال، تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وغير التاء لازمة لا تتغير مجاله.

وكل واحد من الألفاظ الثلاثة لا يفيد اتحاد الوقت عند وقوع المعنى على أفراده1؛ ففي مثل: حضرت الوفود كلها يصح أن يكون حضورها في وقت واحد، أو في أوقات متباينة، ومثل: غاب الجنود كلهم ... ، يصح أن يكون الغياب في وقت واحد، أو في أوقات متعددة. وهكذا، فهي في معناها تفيد العموم المطلق من غير زيادة محتومة عليه، أما ما زاد عليه فلا يفهم إلا بقرينة أخرى. ويلحق بهذا النوع: ألفاظ العدد التي تفيد العموم2 تأويلًا، لا صراحة؛ وهي الأعداد المفردة "وتتركز في 3و 10 وما بينهما" فهذه الأعداد قد تضاف أحيانًا إلى ضمير المعدود، نحو: مررت بالإخوان ثلاثَتَهم، أو خمستَهم أو سبعتَهم أو....، بالنصب في كل ذلك على الحال3؛ بتأويل: مثلَّثًا إياهم، أو: مخَمَّسًا، أو مسبعًا ... ويصح إتْباع اسم العدد لما قبله فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًّا؛ بمعنى: جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد المعنوي، والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد "كما يقول كثير من النحاة",بل يسري على العدد المركب أيضًا؛ نحو: جاء القوم خمسةَ عشْرَهم3 بالبناء على فتح الجزأين في محل نصب. على الحال، أو في محل آخر يطابق فيه المتبوع4.

_ 1 وله في هذا نظائر ستجيء في ص517. 2 ما سنذكره سبق تدوينه في باب الحال ج2 ص297 م84 –عند الكلام على الحال المعرفة– ويجيء كذلك في ج4 ص297. "3، 3" وهي من المواضع التي تقع فيها الحال معرفة. 4 انظر ما يتصل بهذا ويوضحه ويبين مواقعه في رقم 6 من هامش ص512 بعنوان "ملاحظة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ، تعرب كلمة: "جميعًا" حالًا، ولا يصح إعرابها توكيدًا لعدم وجود الضمير الرابط. وفي قارة من قرأ قوله تعالى: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، ولا يصح إعراب: "كُلاّ" توكيدًا، لعدم وجود الضمير، وإنما تعرب بَدَلًا من الضمير "نا" اسم: "إنّ" بدل كل من كل. وهذا هو الإعراب الأحسن؛ إذ لا ضعف فيه، ولا مانع يمنع من إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر1 بدل كل من كل.... "كما سيجيء في باب البدل2 منه: قمتُم ثلاثَتُكُمْ". وبدل الكل من الكل لا يحتاج لرابط من ضمير أو غيره. ب- إذا اجتمع أكثر من مؤكد معنويّ –بشرط وجود داع بلاغيّ3، يقتضي هذا الاجتماع– تقدمت4 النفس على العين، ويستحسن تأخير كلمة: "كل" عنهما، ويليها كلمة: "جميع" ثم كلمة: "عامة" وإذا تعددت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وحده5، ولا يصح –في الرأي الأنسب– اعتبار واحد منها توكيدًا للتوكيد. وهذا حكم عامّ في جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة بها. ج- قد تقع ألفاظ التوكيد المعنوي السبعة "وهي: نفس، عين، كِلاَ، كلتا، كلّ5، جميع، عامة" معمولة لبعض العوامل، ولا تعرب توكيدًا لعدم وجود المؤكَّد؛ فتعرب على حسب حاجة ذلك العامل، فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبرًا ... و ... وبالرغم من امتناع إعرابها توكيدًا

_ 1 أي: ضمير المتكلم أو المخاطب. 2 ص682. 3 هذا الداعي هو إزالة الاحتمالات إزالة لا تتم إلا بهذه الكثرة. فإن كانت تتم بغيرها فلا داعي لتعدد التوكيد. 4 وجوبًا أو استحسانًا: تبعًا للخلاف الذي سبق في رقم 2 من هامش ص506. 5 كما سيجيء في رقم 4 من ص503 وما قبلها مباشرة. ومنها نعلم أيضًا عدم صحة مجيء حرف عطف قبل التوكيد ما دام توكيدًا، وإلا صار معطوفًا. 6 "ملاحظة": قد تكون كلمة "كل" التوكيد من غير أن تفيد الشمول والعموم الحقيقي كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} ، فإن الله لم يطلعه على جميع آياته. وهذا لأن كلمة "كل" –كما يذكرون– قد يراد منها الكل المجموعي كالآية، وقد يراد منها الكل الجميعي الذي يشمل الأفراد، فردًا فردًا. "كما سيجيء في رقم 2 من هامش 517".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تظل في حالتها الجديدة تؤدي معنى التوكيد كما كانت تؤديه من قبل، مع أنها في حالتها الجديدة لا تسمى في اصطلاح النحاة توكيدًا، ولا تعرب توكيدًا. وهذا كثير في: "جميع"، و"عامة"؛ نحو: الزائرون انصرف جميعهم، أو: عامتهم الزائرون رأيت جميعَهم، أو: عامَّتَهم الزائرون مررت بجميعهم، أو بعامَّتهم.. أما: "كُلّ" فيكثر وقوعها –عند فقْد المؤكَّدبعد عامل الابتداء، فتكون مبتدأ، ويقل وقوعها بعد غيره؛ فمثال الأول: الحاضرون كلُّهم نابه. ومثال الثاني قول الشاعر: يَميدُ1 إذا والت عليه دِلاؤُهم ... فيصدُرُ عنه كلُّها، وهْوَ ناهلُ وهذا من القليل الذي لا يجسن محاكاته، لوقوعها فاعلًا مع إضافتها للضمير2. ومن الأمثلة للثاني: الحاضرون تكلمَ كلُّهم الحاضرون سمعتُ ملَّهم، وأعجبتُ بكلهم ... وكلمة: "كُلّ" في لفظها مفردة مذكرة دائمًا3، وإذا وقعت مبتدأ، وأضيفت إلى نكرة وجب في الأغلب عند المطابقة مراعاة معنى النكرة في خبر: المبتدأ: "كَلّ"؛ كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، وقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وقول جرير: وكل قوم لهم رأْيٌ ومختبرٌ ... وليس في تغْلبِ رأيٌ ولا خبرٌ

_ 1 يميد، أي يضطرب: والضمير عائد على ماء البئر. 2 وهنا سبب آخر؛ هو أنه قد يحدث لبسًا في بعض الصور التي يحذف فيها المؤكَّد الضمير "وسياتي في ص522" مثل: الأسرة أكرمت كلها: أي: أكرمتها. 3 ولهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص71 حيث تفصيل الكلام على إضافة "كل وما يترتب على هذا من تعريفها أو عدم تعريفها، وحالة النعت بعد المضاف إليه، أيكون للمضاف أم للمضاف إليه؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن أضيفت لمعرفة لم يلزم اعتبار المعنى، وإنما يصح اعتباره أو اعتبار لفظ "كلّ" المفرد المذكر؛ كقوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} . وقوله عليه السلام: "كلكُم راع، وكلكُم مسؤول عن رعيته" ونحو: كلكُم هداةٌ للخير، وكلكم داعون إليه. وقول الشاعر: كلّ العداوات قد تُرجَى إزالتُها ... إلا عداوة مَن عاداك من حَسَدِ وقول الآخر: كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون غير شماتة الحساد وقد تقع لدلًا كالتي في الآية السابقة، في ص512 على قراءة من قرأها {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} . وقد سبق أن قلنا1 ما نصّه: "إنها تقع نعتًا بشرط إضافتها إلى اسم الظاهر، مماثل للمنعوت في لفظه، وفي معناه معًا –وهو الأغلب– أو مماثل لشيء له صلة معنوية قوية به، فمثال الأول قول الشاعر: كم قد ذكَرتكِ لو أَجزَى بذكرِ كُمُو ... يا أَشبهَ الناسِ كلِّ الناس بالقمرِ فكلمة: "كل" نعت للناس. ومثال الثاني قول الآخر: وإن كان ذنْبي كلَّ ذنب فإِنه ... محا الذنبَ كلَّ المحوِ من جاءَ تائبا فكلمة: "كلّ" –في الشطر الثاني– نعت للذنب، وهي مضافة إلى ما له صلة معنوية بالمعنوت. "وإذا وقعت كلمة: "كل" نعتًا صارت من الجامد المؤول بالمشتق، وصار معناها: "الكامل" في كذا2.. وهو معنى يختلف عن معناها في التوكيد" ا. هـ. ولا يجوز فيها القطع في حالتي استعمالها نعتًا أو توكيدًا كما سبقت الإشارة

_ 1 في ص467. 2 راجع ماله صلة بهذا في ص464 و467.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهذا1 ولا داعي للأخذ بالرأي الذي يبيح استعمالها توكيدًا في الصورة السالفة التي تضاف فيها لاسم ظاهر مماثل لما قبلها على الوجه الذي شرحناه2؛ لأن في الأخذ به خروجًا على الكثير الفصيح من كلام العرب الذي يضيفها عند التوكيد على ضمير مطابق للمؤكَّد "المتبوع" أما المضافة للظاهر فلها معنى آخر، وتأويل مغاير، كما رأينا. "ملاحظة": يقول الصبان في هذا الموضع من باب: "التوكيد" ما نصّه: "اعلم أنّ "كُلاَّ" وشبهها في إفادة شمول كل فرد، إن كانت داخلة في حَيِّز النفي بأن أُخِّرت عن أداته لفظًا؛ "نحو: "ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه ... "، وما جاء كل القوم، وما جاء القوم كلّهم، ولم آخُذْ كلّ الدراهم، ولم آخذ الدراهم كلَّها ... " أو رتبة؛ "نحو: كلَّ الدراهم لم آخذ، والدراهم كلها لم آخُذ ... " توجَّهَ النفي إلى الشمول خاصة، وأفاد سلب العموم. وإلا بأن قُدّمت على أداته لفظًا ورتبه توجَّه النفي إلى كل فرد، وأفاد عموم السَّلب؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: ".. مل ذلك لم يكن ... ". وكالنفي النهي. قال التفتازاني: "والحقّ أن الشق الأول أكثريّ لا كليّ؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} . وقوله: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وقوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} . ا. هـ. كلام الصبان. وأما "كلا" و"كلتا" فيكثر –عند فقد المؤكَّد– وقوعهما بعد عامل الابتداء، ويقل بعد غيره "فهما من هذه الناحية مثل: "كُل"؛ فمثال الأول: حاضران كلاهما3 نابه الحضرتَان كلتاهما نابهة ... ومثال الثاني ما قاله بعض الأعراب وقد خُير بين شيئين: "كليْهما وتَمْرًا". يريد: أعطني كليهما وتمرًا4. وفي هذه الصور وأشباهها يفيدان معنى التوكيد، لكن لا يصح إعرابهما توكيدًا. وأما "نفس" و"عين" فالصحيح عند فقد المؤكَّد وقوعهما معمولين

_ 1 في رقم 1 من هامش ص463 وقد تقدم في باب النعت "ص486 و487" شرح القطع بيان أحكامه. 2 في هامش ص502. 3 كلا: مبتدأ، مضاف ... 4 كما جاء في معجم: "لسان العرب".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ –أحيانًا– لبعض العوامل1، وإفادتهما التوكيد المعنوي مع امتناع إعرابهما توكيدًا2، ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} 3، ونحو: جاءني عين الكتاب.... والعرب تقول: نزلت بنفس الجبل، ونفسُ الجبل مقابلي4. د- في جميع أنواع التوكيد المعنوي لا يصح اتحاد توكيد المتعاطفين إلا إذا اتحد عاملاهما معنى، فلا يقال غاب المسافر، وحضر الغائب كلاهما فإن اتحد معنى العاملين صح اتحاد توكيد المتعاطفين، ولو كان لفظ العاملين مختلفًا؛ نحو: ذهب المسافر، وانطلق الصانع كلاهما. هـ- يجوز الفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد بغير أجنبي محض من العامل؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سلف5 ومنه قوله تعالى: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ، وقد أختلفت النحاة في الفصل بالحرف: "إمَّا"، والأحسن الأخ بالرأي الذي يبيحه فيقول: سأسعَد بالقوم إمَّا كلَّهم، وإما بعضهم ... و سبقت الإشارة6 إلى أنه لا يجوز –في أصح الآراء– قطع التوكيد مطلقًا7 حتى كلمة: "كل" إذا صارت نعتًا وجب إتْباعها، وعدم قطعها.

_ 1 كما جاء في معجم: "لسان العرب". 2 انظر ما سبق –في ص 504 متصلًا بهذا الحكم الخاص بفقد المؤكَّد. 3 وكذلك باقي السبعة، كما أسلفنا في ص512. 4 انظر الزيادة في "أ" في ص507 لنوع من المناسبة.. 5 في ص435. 6 في رقم 1 من هامش ص502. 7 المعنوي وغير المعنوي.

ألفاظ التوكيد الملحقة1 بالثلاثة: هناك ألفاظ ملحقة بالثلاثة السالفة الدالة على الإحاطة والشمول، وهذه الملحقة هي: أجمع، جمعاء، أجمعون، جُمع. وإنما سميت ملحقة لأن الكثير الفصيح في استعمالها أن تقع مسبوقة بلفظة: "كلّ" التي للتوكيد أيضًا، ومطابقة لها، ومقوّية لمعناها2؛ وذلك بأن تقع: "أجمع" بعد: "كُلَ"، و"جمعاء" بعد: "كلها"، و"أجمعون" بعد: "كلهم"، و"جُمع" بعد: "كلهن"، مثل: حصدت الحقل كلَّه أجمعْ، سافرت الأسرةُ كلها جمعاءُ، أقبل الضيوف كلهم أجمعون، أقبلت الفتياتُ كلُّهن جُمَعُ3 ... ومن الجائز –مع قلته4 وفصاحته– أن تستقل كل واحدة من هذه الألفاظ الملحقة، فنقع توكيدًا غير مسبوقة بكلمة: "كل" التي أوضحناها. نحو: استوعبت النصحَ أجمعَ، استظهرت القصيدةَ جمعاءَ، صافحت الزائرين أجمعين5، أكرمت الزائرات جُمَعَ. ولا تدل كلمة: "أجمعين" وأخواتها على اتحاد الوقت عند وقوع

_ 1 وهي التي أشير لها في ص503 والثلاثة السالفة موضحة في ص509. 2 وقد تزيل عنها احتمال عدم الشمول الكامل، لأن لفظة: "كل" قد يراد منها: "الكل المجموعي" وليس "الكل الجميعي" على الوجه السابق لهما، في رقم 6 من هامش ص512. 3 وفيما سبق يقول ابن مالك: وبَعْدَ كُلِّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعا ... جَمُعَاءَ. أَجْمَعِينَ، ثُمَّ جُمَعَا أي: بعد لفظة: "كل" التي للتوكيد استعمل العرب الألفاظ التي تجيء بعدها لتقوية التوكيد بها، وسرد تلك الألفاظ. علمًا بأن كل واحد منها يستعمل مع مؤكَّد "متبوع" يخالف ما يستعمل مع الآخر ... 4 قلة نسبية، وليست قلة ذاتية تمنع القياس، فهي قلة بالنسبة للصورة الأخرى التي لا لاستقلال فيها. "راجع رقم 2 من هامس ص79 حيث إيضاح القلة بنوعيها". 5 من الجائز إعراب: "أجمعين" جالًا، ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدًا، فعلى إعرابها حالًا يكون المعنى "مجتمعين" أي: في حالة اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى إعرابها توكيدا يكون المعنى على الشمول والإحاطة، وأن الإكرام شملهم فردًا فردًا. فبين المعنيين فرق واضح، ومن الواجب عند الإعراب ملاحظة المعنى المراد دائمًا، لأن الإعراب لا بد أن يجازي المعنى المقصود.

المعنى على الأفراد؛ فهي مثل: "كل" وأخواتها. في إفادة العموم المطلق دون زيادة عليه1. فإذا قلنا: قابلت الزائرين أجمعين فقد تكون المقابلة في وقت واحد أو في أوقات مختلفة. والفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه عدم تثنية: "أجمع" و"جمعاء"، فلا يقال: "أفادني الكتابان أجمعان، ولا أنشدت القصيدين جمعاوين؛ لأن أكثر العرب استغنوا "بكلا" و"كلتا" عن تثنية أجمع وجمعاء2.... وهناك ألفاظ أخرى للتوكيد، تجيء –مجتمعة أو غير مجتمعة– مرتبة وجوبًا بعد "أجمع" وفروعها، وهي بمعناها، وتُعد من الملحقات أيضًا مثلها، وتفيد فائدتها في تقوية معنى: "كلّ" وإن وُجد في الكلام لفظ: "كل"3 وإزالة الاحتمال عن شمولها؛ فيجيء بعد "أجمع" لفظ بمعناه وفائدته؛ هو: "أكْتع"، وإن شئنا الزيادة جئنا بعد "أكْتع"، بلفظ: "أبْصع"، ثم إن شئنا الزيادة جئنا لفظ: "أبْتع" أخيرًا. ونأتي بعد: "جمعاء"، بلفظ: "كتْعاء، ثم بصْعاء، ثم بتْعاء، ونأتي بعد: أجمعين، بلفظ: "أكتعين، ثم أبصعين، ثم أبتعين" –مجموعة جمع مذكر سالمًا– وبعد: "جُمعَ" بلفظ: "كُتَع، بُتَع، بُصَع.." مجموعة على وزن: "فُعَل"4 فالمثال الذي يجمع لفظ التوكيد الأصلي هو: "كُلّ" ويليه ملحقاته المختلفة –كاملة أو غير كاملة– مرتبة على الترتيب السالف وجوبًا، وهو: سافر الوفد كله، أجمعُ أكتعُ، أبصعُ أبتع، سافرت

_ 1 على الوجه المشروح في ص510. 2 وفي هذا يقول ابن مالك مبينًا أن ألفاظ التوكيد الفرعية قد تستقل بنفسها، فلا تجيء بعد لفظة: "كل": وَدُونَ كُلٍّ قدْ يَجيءُ أَجْمَعُ ... جَمْعَاءُ، أَجْمَعُونَ، ثمَّ جُمَعُ ثم يذكر –بعد بيت آخر– الحكم بمنع تثنية "أجمع"، وجمعاء، استغناء عن تثنيتهما بكلا وكلتا: وأغْنَ بكِلْتَا فِي مُثَنَّى، وكِلاَ ... عَنْ وزْن "فَعْلاَءَ" وَوَزنِ "أَفَلا" "اغن بمعنى: استغن". وسيجيء هذا البيت لمناسبة أخرى في ص522. 3 لصحة التوكيد بهذه الألفاظ، وإن لم توجد كلمة: "كل"، طبقًا لما تقدم. 4 وهذا هو الحكم الغالب –كما سيجيء في باب الممنوع من الصرف ج4 ص194 م147-.

الكتيبة كلها جمْعاء، كتْعاء، بضْعاء، بتْعاء، حضر المدعوون كلهم، أجمعون، أكتعون، أبضعون، وحضرت المدعوات كلهن جُمَعُ، كُتَعُ، بُضَعُ، بُتَعُ. ويقاس على هذا غيرها من الصور التي تستعمل في الإفراد والتذكير وفروعهما. ويجب ملاحظة ما يأتي: 1- أن جميع ألفاظ التوكيد الملحقة بالثلاثة الأصلية لا تضاف مطلقًا "لضمير ولا لغير ضمير1" بخلاف ألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية مثل: "كُلّ" وسواها؛ فلا بد من إضافتها لضمير مطابق للمؤكَّد، كما عرفنا. 2- أنّ جميع ألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية والملحقة معارف، فأما الأصلية فإنها معارف بسبب إضافتها إلى الضمير الرابط؛ فهي تكتسب منه التعريف. وأما الملحقة فإنها معارف بالعلمية؛ لأن كل لفظ منها هو "عَلم جنس، يدل على الإحاطة والشمول؛ ولهذا لا يجوز نصبه على الحال –في الرأي الصحيح2– ويجب منع الصرف في: "أجمع" و"جمعاء" و"جُمع"، وكل ما كان من تلك الملحقات على وزن: فُعَل3. 3- أن ألفاظ التوكيد الملحقة إذا اجتمعت وجب ترتيبها على الوجه السابق، وقبلها –في الغالب– لفظة:"كلّ"، ويجب إعراب لفظة: "كلّ" توكيدًا للمؤكد الذي قبلها وكذلك بَقية ما بعدها من الملحقات التي تجيء لتقويتها، وإزالة الاحتمال عن شمولها؛ فتُعرب كل واحدة منها توكيد معنويًّا للمؤكَّد "المتبوع" وليس التالي توكيدًا للتوكيد الذي سبقه –في الرأي الأنسب4–

_ 1 إلا كلمة: "أجمع المسبوقة بالباء الجارة الزائدة لزومًا "في مثل: حضر الضيوف بأجمعهم" كما سيجيء في ص521. 2 إلا على رأي يجيز تأويله بالمشتق، وليس بين الأعلام الجنسية ما يصح جمعه جمع مذكر طالما إلا ما كان منها دالًا على الشمول التوكيدي، نحو: "أجمع" وملحقاته، فيقال؛ "أجمعون وأجمعين" ... لأنه في أصل مشتق "صفة" فهو في أصله أفعل تفضيل أصالة "كما جاء في الصبان، ج1 باب المعرب والمبني عند الكلام على جمع المذكر". 3 كما سيجيء في باب الممنوع من الصرف ج4 ص194 م147. 4 راجع الأشموني، وانظر ما يتصل بهذا في "ب" من ص512. وهناك رأي يجعل لفظ التوكيد بعد كلمة: "كل" تأكيدًا لها، وتقوية لإفادتها الإحاطة والشمول. وقد أشار إليه بعض الباحثين "منهم صاحب مجمع البيان في علوم القرآن ج1 ص399" لكن الرأي الأول أحسن وأنسب.

ولا يصح عطف هذه الملحقات بعضها على بعض. أو على شيء قبلها ما دامت مستعملة في التوكيد؛ لأن جميع ألفاظ التوكيد المعنوي –الأصيلة والملحقة– لا يَصح أن يسبقها عاطف؛ -كما سلف1-. وكذلك لا يصح –في الرأي الأصح– الفصل بين كلمة: "كل" وما يليها من هذه الألفاظ الملحقة المستعملة في التوكيد –كما تقدم2-. 4- عرفنا3 أن جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة إذا تعددت كانت توكيدًا للمتبوع وحده ولا يصح أن يكون أحدها توكيدًا للتوكيد.

_ 1 في ص506. 2 في هامش ص436. 3 في "ب" من ص512 وفي رقم 3 من الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الأساليب الصحيحة –كما سبقت الإشارة1– جاء القوم بأجمَعُهم "بفتح الميم، أو ضمها". فكلمة: "أجمع" هذه من الألفاظ التوكيد القليلة، ولا بد أن تضاف إلى ضمير المؤكَّد، وأن تسبقها الباء الزائدة الجارة. وهي زائدة لازمة لا تفارقها. وتعرب كلمة: "أجمع" توكيدًا مجرور اللفظ بالباء الزائدة اللازمة، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة المؤكَّد "المتبوع". وهذا الإعراب أوضح وأيْسر من إعرابها بدلًا من المتبوع، مجرورة اللفظ بالباء في محل رفع، أو: نصب، أو: جر؛ لأن صاحب هذا الإعراب لا يجعل "أجمع" هنا من ألفاظ التوكيد، برغم أنها –عنده– تؤدي معناه وتضاف إلى ضمير مطابق للمؤكَّد. ب- تتلخص أهم الأحكام السابقة الخاصة بألفاظ التوكيد المعنوي فيما يأتي: 1- وجوب تقدم المؤكَّد "المتبوع". ومماثَلة التوكيد له في الضبط. 2- وجوب إضافة لفظ التوكيد إلى ضمير مطابق للمؤكَّد إذا كان لفظ التوكيد أساسيًا، لا ملحقًا. وهذا الضمير لا يصح خذفه ولا تقديره. 3- وجوب تطبيق أحكام التابع التي سبق بيانها، "في ص435". على ألفاظ التوكيد. 4- امتناع وجود عاطف يدخل على لفظ التوكيد إذا أريد بقاؤه للتوكيد. 5- عدم قطعه. 6- إذا تعددت ألفاظ التوكيد كانت لتوكيد المتبوع وحده وروعي في تقديم بعضها عن بعض ترتيب خاصّ. 7- جميع ألفاظ التوكيد الأصلية والملحقة معارف.

_ 1 في هامش، ص507 ورقم 1 من هامش ص519 وفي الجزء الثاني –باب "حروف الجر" م90 ص456-.

توكيد النكرة: ألفاظ التوكيد المعنوي معارف1 بذاتها، أو بإضافتها إلى الضمير المطابق للمؤكَّد. "المتبوع". والنكرة تدل على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفًا وتنكيرًا. لكن يجوز –في الرأي الأصح– توكيد النكرة إذا أفادها التوكيد شيئًا من التحديد والتخصيص؛ يقربها من التعريف نوعًا. وإلا لا يجوز لأنه لا فائدة منه. وتحقق استفادتها من التوكيد إذا اجتمع فيها أمران: أولهما: دلالتها على زمن محدود بابتداء وانتهاء معينين معروفين, كيوم وأسبوع، وشهر ... ,أو على شيء معلوم المقدار؛ كدرهم، ودينار ... وثانيهما: أن يكون لفظ التوكيد من ألفاظ الإحاطة والشمول التي عرفناها؛ تقول عملت يومًا كلَّه، وسافرت أسبوعًا جميعَه، وتنقلت شهرًا عامَّتَهُ ... وتبرعت بدينار كلّه ... وكقول الشاعر2: لكنهُ شاقهُ أنْ قيل ذا رجَبُ ... يا ليت عِدَّةَ حَوْل كُلِّهِ رجَبُ وعلى أساس ما تقدم لا يصخ: عملت زمنًا كله، ولا أنتقت مالاّ كله؛ لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار. كما لا يصح؛ عملت يومًا نفسِه، أو عينه؛ لأن لفظ التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول3.. حذف المؤكَّد "المتبوع" توكيدًا معنويًا: منعت جمهرة النحاة حذف المؤكَّد "المتبوع" بحجة أن الحذف مناف

_ 1 سبق البيان في رقم 2 من ص519. 2 في بعض الروايات. 3 وفي جواز توكيد النكرة التي يفيدها التوكيد يقول ابن مالك مبينًا أنه جائز إن أفاد، وأن البصريين لا يبيحون مطلقا. وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدْ مَنْكور قُبِلْ ... وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ المَنْعُ شَمِلْ ثم سرد بعد هذا بيتًا سبق تسجيله وشرحه في مكانه الأنسب "ص518" هو: واغْنَ بِكِلْتَا في مُثَنَّى، وكِلا ... عَنْ وزْنِ: "فَعْلاَءِ" ووَزْنِ: "أَفْعَلاَ"

للغرض من توكيده توكيدًا معنويًا. وأجاز آخرون الحذف، بشرط أن يكون المؤكَّد "المتبوع" ضميرًا رابطًا في جملة الصلة، أو: الصفة، أو: الخبر؛ نحو: جاء الذي أكرمتُ نفسَه، أي: أكرمتُه نفسَه، جاء قوم أكرمتُ كلَّهم، أجمعين، أي: أكرمتهم كلهم أجمعين، الأسْرَةُ أكرمت1 كلَّها أجمعين، أي: أكرمتها كلها أجمعين، وحذفه –عند هؤلاء– في الصلة أكثر من الصفة، وفي الصفة أكثر من الخبر. والأحسن الاقتصار على الرأي الذي يمنع الحذف جهد الاستطاعة؛ لأن حجتهم أقرب إلى العقل والسّماع، ورأيهم أبعد من اللبس والشك، ولم يستند الموافقون على الحذف إلى الأدلة والأمثلة المأثورة التي تكفي لتأييدهم رأيهم. توكيد الضمير المرفوع المتصل والمنفصل توكيدًا معنويًا ... أ- إذا أريد توكيد الضمير المتصل، المرفوع، "المستتر أو البارز" توكيدًا معنويًا يزيل الاحتمال عن الذات، جيء بلفظ التوكيد الذي يحقق هذا الغرض؛ وهو: "نفس" أو "عين"، بشرط أن يَفْصِل بينه وبين المؤكَّد إما ضمير منفصل مرفوع يُعربُ توكيدًا2 لفظيًا مناسبًا للضمير السَّالف، "أي: للمؤكَّد"، وإما فاصل آخر ليس ضميرًا، نحو: أسرعْ أنت نفسُك للصارخ. ونحو: رغبتَ أنت نفسُك في الخبر رغبتما أنتما أنفسُكما لي الخير، رغبتم أنتم أنفسُكم في الخير، رغبتن أنتن أنفسُكن في الخير. ويجوز: "رغبتَ، حقًّا، نفُسك في الخبر"، "رغبتَ يوم الجمعة نفسُك أن تسافر"،"رغبتما، حقًا، أنفسكما في الخير" ... وهكذا. فالفصل واجب، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح3 ...

_ 1 راجع ما سبق خاصًّا بهذا المثال في رقم 2 من هامش ص513 ومن المراجعة يتبين أن هذا الأسلوب صحيح، وجود كلمة "أجمعين" بعده الدالة على الكل "الجميعي" لا المجموعي، وقد أوضحنا نوعي "الكل" في رقم 6 من هامش ص512. 2 انظر إعرابه في ص530. 3 وقد يكون من فائدة الفصل على الوجه السالف منع احتمالات معنوية غير مقصودة في بعض الصور، ففي مثل: خرجت البقرة، عينها، أو نفسها قد يخطر بالبال أن المراد هو خروج عينها التي تبصر بها، وخروج نفسها التي بها حياتها، وهي: الروح، فإذا جاء الفصل منع هذا الاحتمال، أو أضعف شأنه –وهذا صحيح- ويقولون: حملت الصور الأخرى التي لا احتمال فيها على هذه!! والحق أن السبب هو استعمال العرب ليس غير.

وعلى أساس ما سبق لا يصح: "تكلم المحمدون أنفسهم" على اعتبار الضمير: "هم" توكيدًا؛ لأن المؤكَّد "المحمدون" ليس ضميرًا متصلًا مرفوعًا، وإنما هو اسم ظاهر لا يؤكده الضمير توكيدًا معنويًّا1 والاسم الظاهر أقوى في الدلالة من الضمير؛ إذ لا يحتاج إلى مرجع يفسره، بخلاف الضمير. أما في نحو: "المحمدون أكرمتهم هي أنفسَهم" فالفصل جائز لا واجب؛ لأن المؤكَّد ضمير متصل، ولكنه ليس مرفوعًا؛ فيؤكَّد الضمير بالضمير، ويجوز: المحمدون أكرمتهم أنفسَهم بغير توكيد بالضمير. وأما في نحو: المحمدون قاموا كلَّهم، فالفصل جائز أيضًا لا واجب؛ لأن لفظ التوكيد وهو: "كل" ليس: "النفس" أو "العين"2 ... ب- وإذا أريد توكيد الضمير المرفوع المنفصل، أو بالنفس" أو: "بالعّيْن"، فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ كلاهما لا يحتاج إلى

_ 1 في ص528 صورة تدل على صحة التوكيد اللفظي –لا المعنوي- بالضمير. 2 فيما سبق يقول ابن مالك. وإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المتَّصِلْ ... بِالنَّفْسِ والعَين فبَعْدَ الممنْفَصِلْ عَنَيْتُ ذا الرَّفْعِ، وَأَكَّدُوا بمَا ... سِوَاهُمَا، والقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما يقول: إذا أردت أن تؤكد الضمير المتصل بواحد من لفظي التوكيد: "النفس" أو العين" صح التوكيد بأخدهما بعد أن يسبقه التوكيد اللفظي بضمير منفصل يفصل بين التابع والمتبوع. ولما كان البيت السابق لا يبين نوع الضمير المتصل الذي يراد توكيده، أهو مرفوع، أم غير مرفوع تدارك الأمر في البيت الذي يليه فقال: "عنيت ذا الرفع"، أي: قصدت بالضمير المتصل صاحب الرفع، أي الضمير المتصل المرفوع. وأضح بعد ذلك جواز التوكيد المعنوي بلفظ آخر مناسب، غير لفظي "نفس" و"عين"، وبفاصل غير ذلك الضمير المنفصل ... و ... أو بلا فاصل، فالتقييد بالنفس والعين لازم عند توكيد الضمير، وكذا التقييد بالفاصل غير لازم ما دام المتبوع ليس ضمير رفع متصل.

فاصل؛ تقول: أنت نفسك سَافرت، أنتما أنفسكما سافرتما، أنتم أنفسكم سافرتم ... وهكذا ... القسم الثاني التوكيد اللفظي1: هو تكرار اللفظ السابق بنَصّه2، أو بلفظ آخر مرادف3 له. والمؤكَّد "المتبوع"، قد يكون اسمًا، نحو: الشمسُ الشمسُ أُمُّ الأرض. وقد يكون فعلًا؛ نحو: تتحرك تتحرك الأجرام السماوية، وقد يكون حرفًا؛ نحو: نَعَمْ نَعَمْ أيها الداعي إلى الهدى. وقد يكون جملة فعلية، أو: اسمية؛ نحو: "الخير محمودُ المَغَبَّة تواتيك عواقَبه". "الخير محمو، المَغَبَّة تواتيك عواقبه". وقد يكون اسم فعل؛ نحو:

_ 1 تقدم القسم الأول "المعنوي" في ص501 وفي رقم 2 من هامش تلك الصفحة بيان المدلول الحقيقي للتوكيد اللفظي. 2 ولا يضر أن يدخل على نصه بعض تغيير يسير، كقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} . فكلمة: "أمهلْ" توكيد لفظي للفعل السابق. والضمير: "هم" عائد على الكافرين لا محل له من الإعراب "انظر أمن الأحكام التي في ص527" ومن هذه الآية يفهم أيضًا أنه يجوز في التوكيد اللفظي الفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد. وشيء آخر قاله النحاة في ج4: "باب تابع المنادى" عند بيت ابن مالك في نحو: سعْدُ سعد الأَوْسِ ينتَصِبْ ... ثانٍ وضُمَّ وافتح أَوَّلًا تُصبْ إن ضُمّيت. كلمة: "سعد" الأولى كانت الثانية منصوبة، على اعتبارها توكيدًا لفظيًا، أو مفعولًا به لفعل محذوف، أو بلًا، أو عطف بيان، أو منادى ... ثم قالوا: كيف تعرب توكيدًا لفظيًا مع اتصالها بما بم يتصل به المتبوع "وتقدم مثل هذا الاعتراض في رقم 1 من هامش ص456" ومع اختلاف جهتي التعرف بينهما؟ إذ تعريف المتبوع هنا بالعلمية، أو بالنداء –على الخلاف في ذلك– وتعريف التابع بالإضافة، لأنه ايضاف حتى يجرد من العلمية ... ؟ أأجبوا: قد يكتفي في التوكيد اللفظي بظاهر التعريف، وإن اختلفت جهته، وتباين المعرف، أو اتصل به شيء "راجع حاشية الخضري عند البيت السالف. وستجيء الإشارة لهذا أيضًا في ج4 رقم 2 من هامش ص40" والبحث صلة بما سيجيء في القسم الأول من أحكام البدل –ص676 وبالقاعدة الهامة التي في ص679 وتختص بعدم اتصال البدل بعامله. 3 المرادف هو: لفظ يؤدي معنى لفظ آخر تمامًا، ويخالفه في حروفه، فمن الأسماء الفضة واللجين –الذهب والتبر- ... ومن الأفعال قعد وجلس..، ومن الحروف: نعم وجير ... ، ومن المرادف قولهم: أنت حقيق قَمِنٌ ... ومعنى كل من الكلمتي: جدير. ومن هذا النوع –عند الفراء- الحرفان: ما، وأنَّ المصدريتان: قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ... } .

هي الدتيا تقول بِمْلءْ فيها ... حَذَارِ حَذارِ منْ بطشي وغَدْري ومثال التوكد اللفظي بالمرادف: الذهبُ التبرُ مختبئ في صحارينا ... هذا، وفي جميع صوَر التوكيد اللفظي وحالاته لا يصح تكرار اللفظ السابق "وهو: المؤكَّد"، أكثر من ثلاث مرات؛ كقول الشاعر: أَلاَ حَبّذّا حَبّذا، حَبّذا ... صديق تحملْتُ منه الأَذى وقول الآخر: أَلا، يا اسْلَمِي، ثُمْ1 ثُمَّتَ1 اسْلَمِي ... ثلاثَ تَحيَّات، وإِنْ لَمْ تَكَلَّمي2 الغرض منه: الغرض من التوكيد اللفظي3؛ أمور؛ أهمها: تمكين السامع من تدارك لفظ لم يسمعْه، أو سمعه ولكن لم يتنبه. وقد يكون الغرض التهديد؛ كقوله تعالى في خطاب المعاندين بالباطل: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} . وقد يكون التهويل: كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ 4 مَا يَوْمُ الدِّينِ 5 ? ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ?} . وقد يكون التلذّذ بترديد لفظ مدلولُه محبوب مرغوب فيه، نحو: "الصحة، الصحة!! هي السعادة الحقَّة الحقَّة" الجنة الجنة!! ما أسعدَ من يفوز بها" "الأمّ، الأمّ!! أعذب لفظ ينطق به الفم6" ...

_ "1، 1" إذا كان التوكيد اللفظي جملة مكررة جاز أن تكون مسبوقة بحرف العطف "ثم" أو "الفاء" وعندئذ لا يكونان حرفي عطف، وإنما يخضعان للحكم الخاص بهذه الصورة، وهو مدون في "هـ" من ص536 وبهامشها هذا البيت لمناسبة هناك. 2 أي: وإن لم تتكلمي. 3 الفرق بينه وبين النعت موضح في الملاحظة الهامة "رقم 2 من هامش ص438". 4 ما أعلمك؟ وما أخبرك؟ أدري: فعل ماض، في هذا البيت وهي في الآيتين بعد توكيد لفظي لبعض الحروف والأسماء والأفعال والجمل، فراجع الحكم في ص527 وص537 وما بعدهما. 5 يوم الجزاء والحساب، وهو يوم القيامة. 6 وقد اقتصر ابن مالك فيما سبق على تعريف التوكيد بقوله: ومَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيّ يَجِي ... مُكَرَّرًا: كَقَوْلِكَ: أدْرُجِي ادْرُجِي أي: والذي هو لفظي من التوكيد يجيء مكررًا ... فالتوكيد اللفظي عنده هو ما يجيء مكررًا سواء أكان تكراره باللفظ والمعنى معًا أم بالمعنى مع اختلاف اللفظ.

هذا، والأغراض السالفة هي أهم ما يميز التوكيد اللفظي بالمرادف من عطف البيان كما سيجيء في بابه1.... أحكامه: للتوكيد اللفظي أحكام تختلف باختلاف نوع الموكَّد "المتبوع" من ناحية أنه اسم، أو فعل، أو حرف، أو جملة، أو اسم فعل، وتتلخص هذه الأحكام فيما يأتي، "والأول منها عام ينطبق على جميع أنواع التوكيد اللفظي، ولا تختلف فيه نوع عن نوع". أ- اللفظ الذي يقع توكيدًا لفظيًا، ممنوع من التأثر والتأثير، "أي: لا تؤثر فيه العوامل؛ فلا يكون مبتدأ، ولا خبرًا، ولا فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا غيره ... ؛ فليس له موضع، ولا محل من الإعراب، مطلقًا وكذلك ليس له تأثير في غيره مطلقًا؛ فلا يحتاج لفاعل، أو مفعول، أو مجرور، أو غيره2 ... " وإنما يقال في إعرابه: "إنه توكيد لفظي لكذا"؛ فهو تابع له في ضبطه الإعرابيّ، من غير أن يكون كالمتبوع فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو غير ذلك ... ومن غير أن يكون له محلّ من الإعراب، أو معمول ... ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون لفظ التوكيد اسمًا، أو فعلًا، أو حرفًا، أو جملة، أو اسم فعل؛ ففي مثل: إن الشمس إن الشمس قاتلة للجراثيم، تُعرب: "إنّ" الثانية "توكيدًا لفظيًا"، وليس لها عمل ولا محلّ. كما تعرب "الشمس" الثانية "توكيدًا لفظيًا" وليس لها عمل ولا محلّ، وليست معمولة. و"قاتلة" خبر "إن" الأولى، التي لها العمل وحدها، وهي التي تحتاج إلى الاسم والخبر، دون الثانية.

_ 1 إيضاح الفرق بينهما في ص542. وسيجيء في رقم 1 و2 من هامش ص667 ما يفيد التشابه الظاهري –أحيانًا– بين ألفاظ بدل الكل، وعطف البيان، والتوكيد اللفظي، وطريقة التفريق بين كل منهما. 2 سبق هذا الحكم لمناسبة أخرى في باب: "التنازع" "ج2 ص179 "د" م73" ويعارضه رأي آخر مدون هناك، ثم بيان الفيصل في الأمر –وله إشارة أيضًا في ج2 م66 ص70-.

ويصح أن يقال –كما سيجيء1: إن الشمس إنها قاتلة للجراثيم. فكلمة "إن" الثانية توكيد لفظي لا عمل لها، ولا محلّ، و"ها" ضمير عائد على الشمس، مبني على السّكون، لا محل له من الإعراب؛ فليس اسمًا ل "إنّ"، ولا غيرعا، ولا عاملًا، ولا معمولًا لشيء مطلقًا؛ وإنما هو مجرد رمز يحاكى2 اسم "إنّ" الأولى، ويعرب توكيدًا لفظيًا له3 ... وهكذا كل رمز آخر يشبهه. ومن الواجب مراعاة ما سبقت4 الإشارة إليه، وهو: أن المؤكَّد "المتبوع" لا يصح تكراره أكثر من ثلاث مرات. 1- فإن كان اسمًا ظاهرًا "ومثله: اسم الفعل". فتوكيده اللفظيّ يكون بمجرد التكرار، نحو: النجومُ النجومُ معلقة في الفضاء، والشمسُ واحدة منها، والأرض الأرضُ كالحصاة الصغيرة بين آلاف من الكواكب الأخرى. فكلمة: "النجوم" الثانية، وكذلك كلمة: "الأرض" الثانية توكيد لفظيّ، وكلتاهما تضبط كالأولى؛ لأنها تابعة لها في الضبط فقط، من غير أن يقال عن الثانية إنها مبتدأ، أو خبر؛ أو فاعل، أو غيره مما له موقع إعرابي ... ويستثنى من هذا الحكم الأسماء الموصولة، فإنها لا تؤكَّد توكيدًا لفظيًا إلا بإعادة لفظها وصلته معه، فلا يجوز تكرار الاسم الموصول وحده دون تكرار صلته. نحو: الذي سمَك السماء، الذي سمك السماء قادر على دَكّ عروش الظالمين ... هذا، والأغلب أن الاسم الظاهر لا يكون توكيده اللفظي ضميرًا –لما سبق بيانه5-.

_ 1 في رقم 3 من ص532. 2 يقولون في إعراب هذا إنه جاء بقصد محاكاة الاسم السابق، فما المراد بالمحاكاة من الناحية الإعرابية؟ أهي الباب –وغيره– ص524" من أن الضمير لا يؤكد الاسم الظاهر، إذ الاسم الظاهر أوضح منه، لعدم حاجته إلى مرجع يفسره؟ أهذه الحالة مستثناة، والقاعدة السالفة اغلبية؟ نعم هذا الذي يفهم من كلام في حاشية ياسين على شرح التصريح في أول بحث: "التوكيد اللفظي". 3 ومثله الضمير: "هم" في قوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} انظر رقم 2 من هامش ص525. 4 في ص526. 5 في ص524 وانظر رقم 2 من هذا الهامش.

2- وإن كان المؤكَّد "وهو المتبوع" ضميرًا متصلًا -مرفوعًا، أو غير مرفوع– فمن الممكن توكيده توكيدًا لفظيًّا بضمير يماثله في معناه لا في لفظه؛ فيكون توكيده بالضمير المنفصل المرفوع المناسب له في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ نحو: أرأيت أنت1 الخير وافى خاملًا –يُفْرِحك أنت وصول الحق إلى صاحبه، هل أنت في عمل الخير فتؤجرَ؟. ونحو: أرأيتما أنتما ... أرأيتم أنتم ... أرأيتن أنتن..2 ففي الأمثلة السالفة وقع الضمير المنفصل المرفوع "أنت وفروعه"، توكيدًا لفظيًّا لضمير قبله متصل، مرفوع، أو: منصوب، أو مجرور؛ وفي كل من الثلاث يعرب الضمير "أنت" وفروعه توكيدًا لفظيًا مبنيًا على الفتح أو غيره، ولا يقال فيه أنه مبني في محلّ رفع، أو: نصب، أو: جر، إذ ليس للتوكيد اللفظيّ محل إعرابيّ؛ لأن المحل الإعرابي لا يكون إلا للمبتدأ، أو الخبر، أو الفاعل، أو غيرها مما له موضع إعرابي لا يقوم على التوكيد اللفظيّ. ومن الضمير المرفوع المتصل ما هو بارز كالأمثلة السابقة، وما هو مستتر كالفاعل لك من الأفعال الآتية في قوله عليه السلام: "كُلْ واشربْ، والْبَسْ في غير مَخِيلة3 ولا كِبْر" ... فكل فعل من هذه الأفعال له فاعل ضمير مستتر مرفوع، تقديره: أنت. فإذا أريد توكيد هذا الفاعل المستتر توكيدًا لفظيًّا فتوكيده بالضمير المرفوع البارز "أنت"، وهو غير الفاعل المستتر. فنقول: كُلْ أنت، واشربْ أنت والبسْ أنت، "فأنت" الضمير الظاهر هو توكيد لفظي للمستتر، ومثله قول الشاعر: إذا ما بدتْ من صاحب لك زَلَّهٌ ... فكنْ أَنتَ محتالًا لزَلَّته عُذْرًا فالضمير: "أنت" البارز توكيد لاسم: "كان" المستتر، وتقديره: أنت، أيضًا، والضمير: "أنت" المؤكَّد، هو في أصلة أحد ضمائر الرفع البارزة فحقه أن يؤكَّد الضمير المرفوع فقط، لكنه –على الرغم من هذا– يكون أحيانًا

_ 1 وهذا كقوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} حيث وقع الضمير المنفصل المرفوع: "هو" توكيدًا لفظيًا للضمير المتصل المنصوب، وهو الهاء في آخر الفعل "تجدوه". 2 ومثل "هم" المؤكدة لواو الجماعة في قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} . 3 اختيال، كبر.

كثيرة توكيدًا لفظيًا لضمير غير مرفوع كما علمنا، فيخالف بهذا ما يناسب أصله الأول، ولكن هذه المخالفة مقبولة، وقياسية قوية. 3- وإن كان المؤكد "وهو: المتبوع" ضميرًا متَّصلًا مرفوعًا، أو غير مرفوع وأريد توكيده بضمير يماثله في اللفظ والمعنى معًا، وفي الاتصال، وفي النوع الإعرابيّ1 فلا بد أن يعاد مع التوكيد اللفظُ الذي يتصل –مباشرة– بالمؤكَّد "المتبوع"، أي: أنه لا بد من تماثل الضميرين "التابع والمتبوع" في اللفظ، وفي المعنى، وفي الاتصال، وفي أن يسبق كل ضمير منهما –مباشرة– لفظ يماثل الذي يسبق الآخر في نصَه ومعناه، ونحو: "انساب حولي صوت غنائي ساحر؛ فجعلت أسمعه أسمعه، وأصغي إليه إليه؛ فامتلأت النفس سرورًا". ولا يصح إعادة المؤكَّد "المتبوع" وحده لأن هذا يخرجه عن الاتصال. ففي الأمثلة المذكورة أريد توكيد الضمير المتصل المرفوع، وهو: "التاء" التي في آخر الفعل الأول: "جَعَلْ" فأكدنا هذا الضمير بمثله في كل ما أوضحناه، وهو "التاء" الثانية التي هي كالأولى في لفظها، وفي أنها ضمير، متصل، للرفع، مسبوق بفعل كالفعل الذي سبق المؤكَّد "المتبوع". وكذلك أريد توكيد الضمير المتصل المنصوب؛ وهو: "الهاء" في آخر الفعل الأول: "أسمع" فأكدناه "بالهاء" الثانية التي تماثله في لفظه، ومعناه، واتصاله، ووقوعه بعد فعل كالفعل الذي سبق المؤكَّد "المتبوع". وكذلك أريدَ توكيد الضمير المجرور، وهو: "الهاء" التي بعد "إلى" الأولى، فأكّدناه بالهاء الثانية التي تماثله في لفظه ومعناه، واتصاله، ووقوعه بعد حرف جو يماثل الحرف كالذي قبلي المؤكَّد "المتبوع" تمام المماثلة ... "هذا، وكل لفظ تكرر –بعد الأول– لا يكون له محل إعرابي كما سبق"2....

_ 1 المراد: أن يكونا معًا من نوع واحد، كأن يكون من ضمائر الرفع التي للمتكلم، أو التي للمخاطب، أو الغائب، مع ملاحظة أن الضمير الذي للتوكيد اللفظي لا يعرب شيئًا، ولا محل له، -كما شرحناه-. 2 في "أ" ص527 وما بعدها، وفي توكيد الضمير المتصل توكيدًا لفظيًا. ووجوب أن يعاد معه عند توكيده الاسم الظاهر المتصل به يقول ابن مالك: ولاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ ... إِلاَّ مَعَ اللَّفْظِ الَّذِي بهِ وُصِلْ ثم يقول في آخر الباب: وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِير اتَّصَلْ ولم يذكر ابن مالك بقية التفاصيل:

4- وإن كان المؤكَّد "المتبوع" ضميرًا منفصلًا مرفوعًا أو منصوبًا1 فتوكيده اللفظي يكون بتكرار بغير مشروط. "أي: أن توكيده بضمير يماثله لفظًا ومعنى" فمثال المرفوع: أنت أنت مفطور على حب الخير. ومثال المنصوب قول الشاعر: وإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ2، فإِنه ... إِلى الشَّر دعَّاء، وللشَّرِّ جالبُ ويتضح من هذا أن المنفصل المنصوب لا يصح توكيده بالمنفصل المرفوع، فلا يقال إياك أنت أكرمت، ولا ما أكرمت إلا إياك أنت، على اعتبار كلمة: "أنت" للتوكيد في الصورتين. ج- إن كان المؤكد فعلًا -ماضيًا أو مضارعًا3- فإن توكيده اللفظي يكون بتكراره وحده دون تكرار فاعله4 ولا يكون للفاعل المؤكِّد "التابع" فاعل؛ إنما الفاعل للأول "المتبوع" كقول أعرابي، وقد سئل: أتقول الحق؟ فأجاب: "وهل يقول غيري الحق؟ وأنا من معشر وُلد وُلد الحق معهم، ولم يفارقهم". فلفظة "يقول" الثانية، ومثلها: "وُلد" الثانية لا محل لها من الإعراب. د- وإن كان المؤكد حرفًا: 1- فإن كان حرف جواب5 يفيد الإثبات أو النفي فتوكيده اللفظي يكون بتكراره فقط؛ كقول أعرابي لأخيه الحزين: "فيم الأسف ما فات

_ 1 ولا وجود لضمير منفصل مختص بالجر. 2 المجادلة الباطلة. 3 أما فعل الأمر فلا يمكن توكيده وحده بغير فاعله –في الأصلح- 4 إذ لو تكرر الفاعل مع فعله لخرج الأمر من توكيد الفعل وحده توكيدًا لفظيًا إلى توكيده مع فاعله، فتدخل المسألة في توكيد الجملة الفعلية كلها بجملة فعلية كاملة. ومن آثار هذا الفرق أن المضارع المنصوب أو المجزوم إذا أريد توكيدًا لفظيًا وجب أن يكون المضارع الذي يؤكده منصوبًا أو مجزومًا مثله، ففي مثل: لم يتهاون الحازم، ولن يهملَ ... نقول: لم يتهاون يتهاون الحازم، ولن يهمل يهمل، بجزم المضارع: "يتهاون" الثاني، تبعًا للأول، وينصب المضارع الثاني: "يهمل" تبعًا للأول أيضًا. أما عند اعتبار الثاني مع فاعله هما جملة مؤكَّدة فلا يصح متابعته للأول في الجزم والنصب، ومما يوضح هذا ما سيجيء "في ص645" من بيان الفرق بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الفعلية. 5 سيجيء في الزيادة والتفصيل "ص535" بيان يفيد أن هذا الحكم ليس مقصورًا على حروف الجواب وحدها، وإنما يشمل بعض حروف أخرى. وحروف الجواب نوعان: ما يجاب به للموافقة على الشيء المسؤول عنه وأنه ثابت واقع ومحقق، مثل نعم، أجل، جَيْرِ، إي ... ، وما يجاب به لبيان عدم الموافقة عليه، وأنه غير واقع، مثل: لا، بلى.

وليس على الأرض باق؟ نَعَم نعم. ليس في طول الحزن إلا إطالة الشقاء، واستدامة العذاب" ... وقول الآخر، وقد سئل: لِمَ تُحاذر فلانًا وهو يصادقك؟ فأجاب: "لا. لا؛ فليس المنافق بالصديق. ورب صداقة ظاهرة، باطنُها عداوة كامنة، وهي أشد ضررًا، وأعمق خطرًا من العداوة السافرة". 2- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابيّ وقد اتصل به ضمير فتوكيد هذا الحرف لا يكون بتكراره وحده، وإنما يكون بتكراره ومعه الضمير المتصل به. ويجب الفصل بين المؤكد بفاصل نماَّ؛ لك1 لك منزلة الشقيق البارّ؛ وبك بعْد الله أستعين ... وكقول الشاعر: أَيَا مَنْ لَسْتُ أَقْلاهُ2 ... ولا في البُعْد أنساهُ لك اللَّهُ عَلَى ذاكا ... لك اللَّهُ لكَ اللَّهُ 3- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابيّ –أيضًا– وقد اتصل باسم ظاهر فتوكيده اللفظي يكون بتكراره ومعه الاسم الظاهر، أو ضمير هذا الاسم الظاهر، -وإعادة الضمير أفصح، وفي الحالتين يجب الفصل بين الحرفين؛ المؤكَّد والمؤكِّد. ويصح في الفصل الاكتفاء بذلك الاسم الظاهر، نحو: "إن العاقل الكريم، إن العاقل الكريم، أحرص على إماتة الحقد من تنمية أسبابه" أو: "إن العاقل، إن العاقل أحرى على إماته الحقد ... "، أو: "إن العاقل إنه أحرص على إماته الحقد ... " ومثل: "آفة النصح أن يكون جهارًا، فليت الناصح الحكيم ليت الناصح الحكيم لا يعلنه"، أو: "ليت الناصح لا يعلنه"، أو: "ليت الناصح ليته لا يعلنه" ومن أمثلة الفصل بالاسم الظاهر وحده قول الشاعر: فتلك ولاةُ السوءِ قَدْ طالَ ملكُهُم ... فحتَّام3 حتام العناء المطول الْمُطَولَّ؟

_ 1 قد فصلت الكاف الأولى بين اللامين. والأحسن أن يكون الفاصل لفاظًا غير داخل فيما تكرر. 2 أكرهه وأبغضه "قَلَى، يَقلي كرمى يرمي وقَلِي يَقْلَى كتَعِبَ يَتعَبُ، لغة، بمعنى: كره يكره". 3 أي: إلى متى ... ؟ والفاصل هو: "ما" الاستفهامية المجرورة، التي حذفت "ألفها" وصلًا.

ولو كان الحرف المؤكَّد داخلًا على مضاف فالحكم السابق أيضًا فيتكرر المؤكَّد "المتبوع" ومعه الاسم المضاف والمضاف إليه أو ضمير المضاف إليه: والأحسن إعادة الضمير مع الفصل بينهما في الحالتين. نحو: الكريم يود الكريم، واللئيم يودّ الناس على رجاء الفائدة. على رجاء الفائدة، أو: على رجاء الفائدة على رجائها1. 4- وإن كان المؤكَّد حرفًا غير جوابي –أيضًا– وقد دخل على حرف آخر فالتوكيد اللفظي يكون بتكرار الأول مع ما دخل2 عليه. ومن أمثلة هذا دخول "يا" على "ليت" وفي قول الشاعر3: ويا ليتني ثم4 يا ليتني ... شهدتُّ وإن كنت لم أَشهدِ هذا، وتوكيد الحروف توكيدًا لفظيًا على غير الوجه السالف ضعيف، بل شاذ، لا يصح القياس عليه، كقول القائل إنّ إنّ الكريم يحلُمُ ما لم ... يَريَنْ من أَجَاره قَد أُضيمَا فقد تكرر الحرف: "إنّ" بغير فصل ولا إعادة شيء. ومثل قول الآخر: حتى تراها5 وكأَنَّ وكأَنْ6 ... أَعناقَها مشدداتٌ بقَرنْ7

_ 1 في توكيد الحروف يقول ابن مالك: كَذَا الحُرُوفُ غيْرَ ما تَحَصَّلا ... بِهِ جَوَابٌ، كَنَعَمْ، وَكَبَلى يشير بقوله: "كذا" إلى ما سبق في بيت قبل هذا من أن توكيد الضمير المتصل لا يكون إلا بإعادته وإعادة الاسم الذي اتصل به. وكذا الحروف لا يعاد لفظها –إن كانت لغير الجواب– إلا بإعادة الاسم الظاهر المتصل ما بها –أو الضمير-، أما حروف الجواب فتعاد وحدها. ثم ختم الباب ببيت سبق تسجيله وشرحه في مكانه الأنسب "ص530" وهو قوله: ومُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكَّدْ بهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ 2 إلا في مسألة يجيء بيانها في باب "البدل" –ص679 –حيث يصح إعادة حرف الجر، وعدم إعادته؛ طبقًا للتفصيل المدون هنا. 3 هو مالك بن أعين الحجازي، المتوفى سنة 248هـ -كما في معجم الشعراء للمرزباني حرف العين، ص268 -. 4 انظر ما يختص بالعطف في "هـ" ص536. 5 الضمير: المطايا. 6 أصلها: "أن" المشددة النون، ثم خففت نونها. 7 بحبل.

فقد تكرر الحرف "كأَنَّ" من غير إعادة شيء معه، ولكن وجد فاصل بين الحرفين. وهو: "واو" العطف، فكان الضعف هنا أخف منه في البيت السابق1. ومثل قول الآخر يشكو حاله وحال أتباعه: فلا واللهِ لا يُلْفَى2 لما بي ... ولا لِلِما بهم أبدًا دواءُ فقد تكرر الحرف اللام "لِلِمَا" بغير فصل ولا إعادة شيء. والتوكيد هنا واضح الثقل؛ لأن الحرف فَرْدِيّ؛ فتكراره مباشرة يزيد ثقله ويوضحه3. وأخف منه في الثقل لاختلاف الحرفين مع منعهم إياه إلا في المسموع، قول الشاعر: فأَصبحْنَ لا يسأَلْنَهُ عن بِمَا بِهِ ... أصَعَّدَ في عُلْو الهوى أم تَصَوَّبا فقد أتى "بالباء" بعد، "عَن" وهما يستعملان في معنى واحد، إذ يقال سألت به، وسألت عنه4. والحق أن الأمثلة ثقيلة، فوق أن الدافع إلى أكثرها قد يكون الضرورة الشعرية. فاستبعادها أفضل.

_ 1 سيجيء في الزيادة –ص535– أن حرف العطف يعتبر من الفواصل المبيحة للتكرار مباشرة. لكن حرف العطف الفردي –كالواو والفاء– يعتبر مسوغًا مشوبًا بالضعف. وإذا وقع حرف العطف فاصلًا في التوكيد صار مهملًا لا يعطف، ولا أثر لوجوده غير الفصل –طبقًا للبيان الآتي في "هـ" من ص536. 2 لا يلقَى: لا يوجَد. 3 وفي كتاب معاني القرآن للفراء أمثلة متعددة لتكرار الحرف الفردي وغير الفردي ج1 ص67. 4 ومن المسموع اجتماع: "كي" و"أنْ" المصدرية وقبلهما "اللام" في مثل: عاونت الضعيف لكي أن تشيع المودة بين الناس، فقد أجازوا أن تكون اللام جارة و"كي" جارة، توكيدًا لها. كما أجازوا أن تكون "كي" مصدرية، و"أن" مصدرية توكيدًا لها. وما سبق بالرغم من إباحته غير مستحسن. وسيجيء التفصيل في ج4 باب إعراب الفعل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا أن توكيد الحروف الجوابية توكيدًا لفظيًا لا يتطلب أكثر من تكرار الحرف، وأشرنا1 إلى أن الحكم ينطبق على بعض حروف أخرى؛ فقد قالوا2: لا يشترط شيء عند توكيد الحرف توكيدًا لفظيًا إن كان الحرف للجواب كقول الشاعر: لا –لا –أبوحُ بحُبّ بَثْنَةَ إنها ... أّخذت عليَّ مواثقًا وعهودًا وكذلك إنْ كان مفصولًا من المؤكَّد بسكته3؛ كقول الشاعر: لاَ يُنْسِكَ الأسى تأَسِّيًا؛ فَمَا ... ما مِنْ حِمَامٍ أَحدٌ مُعْتَصِما4 أو: كان مفصولًا بجملة اعتراضية؛ نحو: إنّ –وأنت تعرف ما أقول– إن شر الإخوان من يحذف أخاه عند الشدائد. أو: كان مفصولًا بعاطف5 كقول الشاعر: ليتّ شعري!!! هل، ثُم هَلْ آتِيَنْهُمْ ... أَم يَحولَنَّ دُون ذَاكَ حِمَامُ؟

_ 1 في رقم 5 من هامش ص531. 2 راجع حاشية ياسين على شرح التصريح في هذا الموضع. 3 ترك الكلام. 4 تحققت السكتة في هذا البيت بالسكوت المؤقت الذي حصل بعد قراءة الشطر الأول، وقبل البدء في قراءة الشطر الثاني. 5 انظر رقم 1 من هامش ص534.

هـ- وإن كان المؤكَّدُ جملة اسمية أو فعلية جاز تكرارها بعطف صُورِيّ أو بغير عطف. والأكثر أن يكون بالعطف الصَّورِيّ، وأن يكون العاطف المهمل هو الحرف "ثمَّ"1 –غالبًا- ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} 2 ... وقولهم للتَّقيّ: "الثواب عظيم، الثواب عظيم". وللشقيّ: "الحساب عسير، الحساب عسير". ومما تجب ملاحظته أن العاطف هنا مهم لا يعطف مطلقًا، فهو صوريّ، أيْ: في صورة العاطف وشكله الظاهر، دون حقيقته3 ... ويجب ترك العطف بين الجملتين إذا أوقع في لبس، نحو: عاقب الحاكم اللصوص، عاقب الحاكم اللصوص، فلو قلنا؛ عاقب الحاكم اللصوص ثم عاقب الحاكمُ اللصوص لوقع في الوهم أن العقاب تكرر، وأنه مرتان؛ إحداهما بعد الأخرى. مع أن المراد: مرة واحدة. و نعيد هنا ما قلناه في مناسبة سابقة4، وهو أن توكيد المصدر لعامله نوع من التوكيد اللفظيّ، فيؤكد نفس عامله إن كان مصدرًا مثله، ويؤكد مصدر عامله الذي ليس بمصدر، ليتحد المؤكَّد والمؤكِّد معًا في نوع الصيغة؛ تطبيقًا لشرط التوكيد اللفظي –ومنه التوكيد بالمصدر الذي نحن فيه– فمعنى

_ 1 الأكثر أن العاطف هو "ثم" وليس بالواجب المتعين في رأي "الرضي" الذي يبيح مجيء "الفاء" مكان "ثم"؛ مستدلًا بقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ... } إذ التقدير عنده: "أولى لك فأولى لك"؛ فكلمة: "أولى" الثانية مبتدأ حذف خبره، والجملة الاسمية من هذا المبتدأ وخبره المحذوف توكيد لفظي للجملة الاسمية التي قبل الفاء المهملة. أما غير الرضي فيوجب الاقتصار على الحرف: "ثم" ويقول في إن الآية السابقة كاملة هي: "أوْلَى لك فأولىَ، ثم أولى لك فأولى" ما بعد الفاء جملة اسمية معطوفة عطفًا حقيقيًا على الجملة الاسمية قبلها، والجملة بعد الحرف "ثم" المهمل توكيد لفظي للجملة قبلها. رأى الرضي أحسن. 2 ومثل قول الشاعر –وقد سبق في ص526-. ألا يا أسلمي، ثم أسلمي، ثمت أسلمي ... 3 كما سيجيء في بابه، عند الكلام على: "الفاء"، وكذا في ص578 و.... عند الكلام على: "ثم". 4 في باب "المفعول المطلق ج2 ص169 م74" عند الكلام على تقسيم المصدر بسحب فائدته المعنوية.

قولك: عبرت النهر عبرا ... هو: عبرت النهر، أوجدت عبرا عبرا. وهذا رأي كثرة النحاة1. حذف المؤكد "المتبوع" في التوكيد اللفظي3. لا يكاد يوجد خلاف في منع حذف المؤكَّد توكيدًا لفظيًّا؛ لأن حذفه منافٍ –حقًا- لتكراره.

_ 1 لكن سيترتب على الأخذ بقولهم هذا صحة حذف المؤكَّد في التوكيد اللفظي، وهذا الحذف ينافي الغرض من التوكيد اللفظي. وفوق هذا فعامله محذوف أيضًا؛ ففي الكلام حذف كثير. فهل يجاب بأنه مع حذفه ملاحظ يدل عليه العامل المذكور الذي يشاركه في الاشتقاق، وهو: "عبرت" فهو محذوف كالمذكور –كما قالوا-؟ 2 هناك مسائل يحذف فيها عامل المصدر الذي يجيء المصدر لتوكيده. وقد انعقد للحذف مستفيض، عنوانه: حذف عامل المصدر ... في المكان المناسب له، وهو باب: "المفعول المطلق" ج2 ص178 م176.

المسألة 117

المسألة 117: ج- العطف بنوعيه العطف نوعان: عطف بيان، وعطف نسق1، وفيما يلي بيانهما: 1- عطف البيان: نسوق بعض الأمثلة لإيضاح هـ: 1- قال أحد المؤرخين "طَرَقَ الحسينُ بنُ عليّ –رضي الله عنهما– باب سيد كريم في قومه؛ هو: "امرؤ القيس الكلبيّ" وخطب بنته: "الرَّبَاب" فرحب به أبوها، وملأت الفرحة جوانب نقسه؛ لعلمه أن هذه المصاهرة ستربطه ببيت الرسول: "محمد" عليه السلام، وتسجل له شرفًا خالدًا على الأيام.. وتمَّ الزواج، وأنجبت الرَّبَاب فكان من ذريتها: الأديبةُ المتفقهة "سُكَينةُ" إحدى شهيرات النساء في الصدر الأول والتي قيل فيها2: كانت "سكَيْنةُ" تملأُ الدُّنيا ... وتهزأ بالرواةِ رَوَتِ الحديث وفسّرتْ ... آيَ الكتابِ البينات ... " فلو أن المؤرخ قال: طرق "الحسين" باب سيد كريم لتَساءلنا: من هو "الحسين"؟ ولشعرنا أن هنا الاسم –برغم أنه معرفة بالعَلِمية– يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتبيين يزيل عن حقيقة صاحبه، وعن ذاته3 شائبة الإبهام،

_ 1 سيجيء في ص555. 2 القائل هو الشاعر: أحمد شوقي. 3 المقصود بصاحبه، أو بذاته المستقلة، أو بحقيقته، شيء واحد؛ هو: ذاته الأصلية بكيانها الحسي، أو المعنوي، لا الأوصاف العارضة التي تطرأ على تلك الذات، ولا يمكن أن تعقل بنفسها منفصلة عن تلك الذات. "راجع إيضاح هذا في ص542 و543 وهامشهما، وكذلك رقم 2 من هامش ص438".

إذ لا ندري أهو الحسين بن علي، أم غيره؛ لاشتراك هذا الاسم بين أفراد متعددة، كل منها يسمىك "الحسين". لكن حين قيل: "الحسين بن عليّ" زالت تلك الشائبة بسبب كلمة: "ابن" الجامدة1 التي وضحت المقصود، وعينت المراد، والتي معناها هنا معنى: "الحسين" لأن "الحسين" المقصود هو "ابن علي"، و"أين عليّ" المقصود هو: "الحسين" فالمراد من الكلمتين ذات واحدة، ولكن الثانية أوضحت الأولى –كما قلنا– مع أنها تخالفها لفظًا، لا معنى وذاتًا. وكذلك خطب: "بنته" فإن كلمة: "بنت" هنا معرفة؛ بإضافتها إلى الضمير، لكنها –بالرغم من تعريفها– مُغَشَّاة بشيء من الشيوع والإبهام يجعلنا لا ندري حين نسمعها: أيُّ بنات الرجل هي؟ أتكون ذات "الرَّبَاب" أم ذات غيرها؟.... فلما قال: "الرباب" تحدد الغرض، وتعينت ذات واحدة دون غيرها؛ بسبب كلمة: "الرباب" الجامدة التي أزالت الابهام، وأوضحت المراد، وبين معناها الذي هو معنى: "البنت" لأن حقيقة البنت المقصودة هنا في الكلام هي حقيقة "الرباب" وذات "الرباب" المقصودة هي ذات البنت التي يدور بشأنها الكلام. فهما مختلفتان لفظًا، مع اتفاقهما معنّى وذاتًا. ومثل هذا يقال في كلمة "الرسول" السالفة. فما حقيقة الرسول المراد؟ وما ذاته؟ إنّ كلمة: "الرسول" برغم تعريفها هنا "بأَلْ" تحتاج إلى تعيين أكمل وإيضاح وأشمل؛ لانطباقها على عدد من الأفراد. فلما جاء اسم: "محمد"2 تم به التعيين الذاتي، وزال ما قد يحوم حول مدلول "الرسول" من شيوع وإبهام؛ بفضل كلمة: "محمد" التي عينت ذاته؛ لأنها بمعناها تمامًا، والمراد منها ذات واحدة. ومثل هذا كلمة: "الأديبة". فهذه الكلمة –برغم تعريفها هنا "بأل"– لا تدل دلالة دقيقة على ذات واحدة معيَّنة دون غيرها، وإنما تصدق على أدبيات متعددات، فلما جاء بعدها كلمة بمعناها، هي: "سُكَيْنة" الجامدة تركز المراد: في ذات أديبة واحدة معينة، لا ينصرف الذهن إلى سواها، وهي الذات

_ 1 غير المشتقة. 2 رددنا في مناسبات مختلفة أن المشتق إذا صار علمًا دخل في عداد الأسماء الجامدة، وخضع لأحكامها وحدها.

المقصودة التي تدل عليها كل واحدة من الكلمتين. فنلحظ مما سبق أن كل كلمة من الكلمات التي عرضناها "وهي: "ابن"، الرباب، محمد، سُكَيْنة.." جامدة، قد أزالت عن المعرفة التي قبلها ما يشوبها من غموض، وشيوع، وأوْضحت المقصود منها إيضاحًا لا يكاد يترك أثرًا لإبهام أو اشتراك، وهي في الوقت نفسه بمعنى تلك المعرفة دون لفظها فمدلولها ذات واحدة، بالرغم من اختلاف لفظها. 2- كتب أحد الأدباء إلى خطيب: "عرفتك قبل اليوم عذبَ الكلام. حُلوَ الحديث، وسمعتك الليلة خطيبًا بارعًا عبقريًا ... ولقد أصغيتُ إلى قلتَ؛ فإذا كلمةٌ، "خطبةٌ" اسْتهوت الأفئدةَ، وأداءٌ، "تمثيل" خلَب الألبابَ، وجرْسٌ، "نغَمٌ" جسَّم المعانيَ، وكشف للعيون دلالات الألفاظ؛ حتى كدنا نراها بيننا تروح وتغدو ... ". فلو أن الكتب كتب: "أصغيت إلى ما قلت فإذا "كلمة" ... " لذهبت لنا الظنون، مذاهب عدة في الذات المرادة من هذه الكلمة المصوغة بصيغة النكرة. أهي ذات كلمة واحدة؟ أهي شعر أم نثر؟ أخطبة أم مقالة.... ولكن الكاتب ازال كثير من الظنون حين قال بعد ذلك: "خطبة" ومعناها هنا. والمراد من ذاتها هو معنى: "كلمة" وذاتها فتحدّد المراد من: "كلمة" بعض التحديد، وحُصِرَتْ النكرة في دائرة أضيق من الدائرة الأولى الواسعة الإبهام والشيوع. وصارت النكرة مختَصة بعد أن كانت مطلقة كاملة الإبهام والشيوع. وكذلك كلمة: "أداء"؛ فإنها نكرة مطلقة، قد يراد منها ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء البلاغيّ في تكوين الأسلوب، أو: ذات الأداء في الثبات، وعدم الاضطراب، أو: ذات الأداء في استيفاء المعاني ... أو ... ؛ فجاءت بعدها كلمة: "تمثيل" التي هي بمعناها هنا، فحددت بعض التحديد المراد من حقيقة الأداء وذاته، وقللت الاحتمالات في فهم المراد من تلك النكرة، أو: بعبارة أخرى: خصّصتْها، وقيدت شمولها بعض التقييد. ومثلها كلمة: "نَغَم" بعد النكرة: "جَرْس". فكل كلمة من الثلاث: "خطْبة، تمثيل، نَغَمْ، وأمثالها، هي كلمة

جامدة، وقد خَصُّصَت النكرة التي قبلها بعض التخصيص، وحددت شيوعها وإبهامها بعض التحديد. وهي في الوقت نفسه بمعناها، دون لفظها؛ فالمراد منها ذات واحدة. وكل واحدة من هذه الثلاث، ومن الأربعة التي سبقتها في المثال الأول –ونظائرها- تسمى: عطف بيان، ويقولون في تعريفه: إنه تابع1 جَامد –غالبًا– يخالف متبوعه2 في لفظه3، ويوافقه في معناه المراد منه الذات4، مع توضيح الذات إن كان المتبوع معرفة، وتخصيصها5 إن كان نكرة6 ...

_ 1 ولا بد في هذا التابع "عطف البيان" أن يكون اسما ظاهرًا؛ كما يأتي في رقم 2 وطبقًا للبيان الآتي في ص550. وقد سبق شرح معنى "التابع" وبيان أحكامه العامة وترتيبه مع نظرائه.... أو باب النعت، "ص434". ومن أحكامه المدونة هناك جواز الفصل بين التابع والمتبوع بشيء مما أوردناه مفصلًا، بشرط ألا يكون المتبوع أحد الموصولات؛ إذ لا يجوز الفصل بين الموصول وصلته بتابع مطلقًا –كما أشرنا هناك، وكما هو مبين تفصيلًا في موضعه الخاص ج1 م27. ص341-. 2 والصحيح أن متبوعة لا يكون ضميرًا؛ فإن جاء ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا. وليس عطف بيان –كما سبق في رقم 1، وكما سيجيء في رقم 5 من هامش ص543، وفي ص550-. 3 لابد من المخالفة اللفظية؛ فلو اتحد لفظًا ومعنى لم يصلح أن يكون عطف بيان؛ لأن الشيء لا يوضح نفسه، ولا بينهما. راجع حاشية الصبان ج3 عند آخر بيت في باب: "تابع المنادى". وستجيء إشارة لهذا في ج4 ص41 م130". 4 لأن معناه ومدلوله هو الذات نفسها لا أمر عرضي طارئ عليها –كما أوضحنا في ص521 و423- 5 سبق في أول باب النعت –ص438– وفي غيره معنى إيضاح المعرفة، وتخصيص النكرة، بما ملخصه أن المعرفة تدل على معين. ولكنها –بالرغم من ذلك– قد يصيبها شيء من الشيوع بسبب تعدد مدلولها. فأحمد، ومحمد، وعلي، والنابغة ... معارف، لكن مدلول كل منها متعدد يحتاج أحيانًا إلى ما يزيل عنه الإبهام والشيوع، ويوضح المراد دون غيره. وهذا هو: "الإيضاح الموضح". أما النكرة فمدلولها شائع كامل الشيوع. نحو رجل، طائر، حيوان ... فما يجيء لتحديد شيوعها وتقليله يسمى: "المخصص" إلا أن الإيضاح والتخصيص يكونان في النعت بأمور معنوية عرضية طارئة على الذات، دون الذات نفسها، بخلافهما في عطف البيان؛ فينصبان على الذات نفسها –كما شرحنا، وكما سيجيء هنا، ثم في رقم 2 من هامش ص554-. 3 وقد يكون للمدح مثل: "البيت" في قوله تعاى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} .

أوجه التشابه والتخالف بين عطف البيان 1 والتوابع الأخرى: من التعريف السابق يتبين أن عطف البيان يشبه بعض أنواع النعت الحقيقي في إيضاح المتبوع أو تخصيصه، على الوجه المشروح في باب النعت "وقد يشبهه في القطْع" –كما أسلفنا– والفارق بينهما أن النعت الحقيقي لا بد من اشتماله على ضمير مستتر يعود على المنعوت، وأن الغالب على النعت الحقيقي: "الاشتقاق" وأنه لا يوضح ولا يخصص الذات الأصلية لمنعوته بلفظ يدل عليها مباشرة، وتكون هي المرادة منه، وإنما يوضح منعوته بصفة عرضية وأمر طارئ على الذات، كالفهم، والحسن، والطول، والقصر. أما عطف البيان فإنه يوضح أو يخصص الذات نفسها، لا بأمر عرضي طارئ عليها2: وإنما بلفظ يدل عليها مباشرة وهو عين معناها، فهو بمنزلة التفسير للأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه في العرف والاستعمال من غير أن يتضمن حالة من الحالات العرضية التي تطرأ على الذات وتوصف بها. ولهذا يغلب أن يكون عطف البيان جامدًا أي: غير مشتق فيكون العلم المجرد، والكنية. فلا ضمير فيه؛ لأن الغالب عليه الجمود –كما سبق– ومن الجائز ألا يتحقق فيهما هذا الفارق الأغلبي إذ يصح –بقلة– وقوع النعت جامدًا مؤولًا بالمشتق. ووقوع عطف البيان مشتقًا، ولكن الأولى مراعاة الأغلب الأفصح. كما يتبين أن عطف البيان قد يشابه التوكيد اللفظيّ بالمرادف في بعض الصور مثل: "تبْرٌ ذَهَبٌ" في أن كلًا منهما كمتبوعه في معناه، دون لفظه. إلاّ أن الغرض من عطف البيان هو: الإيضاح أو التخصيص3. أما الغرض من التوكيد اللفظي -بتكرار اللفظ أو مرادفه- فأمر آخر، وأوضحناه في بابه4، وعلى

_ 1 إذا كان المتبوع كنية لوحظ في عطف البيان ما سبقت الإشارة إليه "أ" من ص429. 2 سبقت الإشارة الموضحة لهذا في النعت في رقم 2 من هامش ص438. 3 بمعناهما السالف في رقم 5 من هامش الصفحة الماضية، والذي سيجيء أيضًا في رقم 2 من هامش ص544. "وراجع ص71 ج3 من شرح المفصل". 4 ص525. وبينهما فروق أخرى ستجيء في ص550 منها أن عطف البيان لا يكون فعلًا ولا جملة.. وغير هذين مما سنذكره ...

ملاحظة هذا الغرض الذي تدل عليه القرائن يتعين أحدهما في موضع لا يصلح له الآخر. أما المشابهة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل1 "من ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما2 وجمودهما، دون لفظهما". فغالبة3، ولا يصح في أكثر حالاتهما أن يحب محل الآخر من غير أن يتأثر الكلام بهذا التغيير –كما سيجيء في باب البدل- نحو: ما أعجبَ ملكة النحل؛ "اليعسوبَ". تدير مملكتها بحزم ومهارة، وتراقب رعيتها بيقظة واهتمام، ولا تستقر في قصرها "خَلِيَّتِها"، إلا فترات قصيرة للراحة والهدوء. فكلمة: "اليَعسوب"، عطف بيان، أو بدل كل من كل، من النحلة، وكلمة: "خلي" عطف بيان، أو بدل كل من كل، من: قصْر4 ... حكم عطف البيان: عطف البيان تابع يطابق متبوعهُ5: في أربعة أمور محتومة6، ولا بدّ أن يكون اسمًا ظاهرًا7 في جميع أحواله: أولها: في ضبطه الإعرابيّ "من ناحية الرفع، والنصب, والجر". ويجوز فيه القطع8؛ كالنعت. وثانيهما: في تعريفه وتنكيره9.

_ 1 وهو الذي يكون فيه التابع مطابقًا في المعنى لمتبوعه تمام المطابقة ... مع اختلافهما لفظًا –في الغالب– كما سيجيء في بابه. وتفصيل الكلام عليه في ص546. 2 مع مراعاة ما يختص بقطع البدل، وسيجيء في "هـ" من ص677. 3 راجع التحقيق في ص549، 550. 4 نعيد هنا ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 1 من هامش ص527" وهو أن التشابه الظاهري قد يقع –أحيانًا– بين ألفاظ بدل الكل، وعطف البيان، والتوكيد اللفظي طبقًا للبيان في رقمي 1، 2 من هامش ص643 وفيهما طريقة التفريق. 5 ويلاحظ ما سبق في رقم 2 من هامش ص541 وما سيجيء في ص550 وهو أن متبوعه لا يكون ضميرًا –في الرأي الأصح– فإن جاء ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا –وسيجيء هنا أيضًا-. 6 وتجري عليه فوق ذلك جميع الأحكام العامة المشتركة التي تجري على التوابع الأربعة التي سبقت ارشادة لها في هامش ص434 م114. 7 راجع الملحوظة الخاصة ببيان هذا في ص550. 8 سبقت الإشارة لهذا في هامش ص502 أما بيان القطع وأحكامه ففي ص486 و488. 9 الصحيح أن هذا هو الأغلب؛ إذ عطف البيان قد يكون كالمتبوع، ومن أمثلته قوله =

وثالثها: في تذكيره وتأنيثه. ورابعهما: أنه لا بد أن يطابقه في أربعة أمور من عشرة1 ... كما في الأمثلة التي سلفت2 ... وقد يقع عطف البيان بعد أيْ "بفتح الهمزة

_ = تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} ؛ وقوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} ويصح تخالفهما تعريفًا وتنكيرًا بشرط أن يكون التابع هو المعرفة، ليتحقق الغرض من "عطف البيان" وقد نص على صحة التخالف بعض النحاة –ومنهم الرضي، كما جاء في "الصبان" آخر هذا الباب– ولكنهم لم يقيدوا المخالفة بتعريف التابع أو تخصيصه، وهذا الإطلاق غير مفهوم، إلا عند من يقول: "إن النكرة تخصص متبوعها" والتخصيص نوع من البيان والإيضاح طبقًا للبيان الذي يجيء في رقم 2 من هامش الصفحة التالية. غير أن تمثيل الرضى؛ هناك "فيما نقله عند الصبان لجواز وقوع عطف البيان نكرة" قد يدل على أنه يقصد النكرة المختصة. وهذا هو الأحسن. ويؤيده ما ورد في حاشية "ياسين" في باب "البدل" عند الكلام على منع بدل الاسم الظاهر من الضمير بدل كل من كل؛ بحجة نقصان الاسم الظاهر في تعريفه عن الأول "المتبوع" حيث قال ما نصه: "أما نقصان تعريف الثاني عن تعريف الأول فلا يضر؛ كما في إبدال النكرة الموصوفة من المعرفة؛ نحو: مررت بمحمد رجل عاقل، إذ رب نكرة تفيد ما لا تفيده المعرفة، وإن اشتملت المعرفة على فائدة التعريف التي خلت عنها النكرة" ا. هـ. ويلاحظ أن التمثيل جاء بنكرة مختصة، وأن الكلام خلا من النص على اشتراط اختصاصها، كما يلاحظ أن الرأي السالف أحد آراء متعددة أشرنا إليها في هامش ص456 حيث يصح في المثال الذي عرضه "ياسين" أن يكون عطف بيان، وأن يكون غير ذلك؛ طبقًا لما هو مدون هناك. 1 العشرة هي: علامات الإعراب الثلاث، التعريف والتنكير، التذكير والتأنيث، الإفراد والتثنية والجمع. 2 فيما سبق من تقسيم العطف إلى نوعين يقول ابن مالك في أول باب خاص عقده بعنوان: العطف. العَطْفُ، إمَّا ذو بيان، أَو نَسَقْ ... والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ انظر الكلام على معنى "أو" المراد منهما "إما" في ص615. والذي سبق في التقسيم هو "ذو البيان" أي: صاحب البيان ويقول في تعريفه: فذُو البَيَان تابعٌ شِبْهُ الصَفةْ ... حقِيقَةُ القَصْدِ به مُنْكَشِفَهْ يريد: أن عطف البيان تابع، يشبه الصفة "النعت" فليس هو الصفة؛ لأن بينهما فوارق متعددة، منها: أن عطف البيان يبين حقيقة متبوعه، ويكشف ذاته المقصودة. أما النعت فيبين معنى عارضًا في متبوعه، أو في سببيه، ففي مثل "كلمت الرجل العالم" تبين كلمة: "العالم"، "وهي: النعت" معنى من المعاني العارضة التي تتصف لها ذات العالم، فقد تتصف بالعلم، أو: بالأدب، أو بالاختراع ... أو ... أما عطف البيان فلا يبين صفة من الصفات التي تطرأ على الذات، وإنما يبين الذات نفسها. سواء أكانت ذاتًا حسية. أم معنوية؛ أي: يبين ما يسمى: =

وسكون الياء"، التي هي حرف تفسير1، فلا يتغير من حكمه شيء؛ نحو: هذا الخاتم لجين، أي: فضة. وفي هذه الصورة يتعين عطف البيان أو بدل الكل؛ إذ لا يقع سواهما بعد: "أي" التفسيرية.

_ = حقيقة الشيء، ومادته الأصلية –كما شرحناها من قبل– في ص542 فنقول كلمت الرجل، إبراهيم فكلمة: "إبراهيم" بينت ذات الرجل، وحقيقته الأصلية، لا وصفًا طارئًا من أوصافه، ولذا تسمى "عطف بيان"، لأنها بينت الحقيقة المقصودة، أو ذات الحقيقة، ثم قال في حكمه: فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاق الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوِلِ النَّعْتُ وَلِي أي: أعطه من موافق الأولى "المتبوع" مثل ما تولاه النعت من موافقة منعوته، وهو الأمور السابقة. "فمعنى: أولينه: أعطه، ومعنى: ولى: تولى وأخذ"، ثم نص على أن عطف البيان ومتبوعه يتماثلان تعريفًا وتنكيرًا، وأنهما يكونان من هذا النوع، أو ذاك، ولا يقتصران على أحدهما. فَقَدْ يكُونَانِ مُنكَّرِيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ وهو بهذا النص الصريح يرد على من يقول: إن عطف البيان لا يكون إلا معرفة؛ بحجة أن الغرض منه البيان والإيضاح، وهو من شأن المعرفة لا النكرة؛ إذ النكرة المجهولة، والمجهول لا يبين المجهول وأن ما تنوهمه من النكرات عطف بيان فليس به؛ ولكنه بدل كل من كل ... و.... والرأي الراجح المقبول أنه يكون نكرة أيضًا، لأن النكرة تخصص متبوعها، والتخصص نوع من البيان والإيضاح. كما سبق في رقم 4 من الهامش السابق؛ فعندهم أن الأخص قد يبينه ويوضحه ما ليس بأخص. هكذا يقولون. وهو مقبول أحيانًا لاطباقه على بعض الصور الواردة والأساليب الصحيحة؛ مثل: "يا إحسانُ رجلٌ" إذا كان "إحسان" أو ما ماثله علم من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث، فلم لم يذكر بعده كلمة: "رجل" التي توضح ذاته لوقع لبس في حقيقته؛ أو هو رجل أم امرأة ... أو.... 1 انظر رقم 1 من هامش ص556 ورقم 4 من هامش 547 ويصح إعراب ما يقع بعد "أي" التفسيرية "بدل كل" إلا في المسائل التي يفترقان فيها "وسيجيء في باب البدل". وقد يتعين أن يكون ما بعد "أي" بدلًا وليس عطف بيان، ذلك أن عطف البيان لا يكون متبوعه ضميرًا وقع المتبوع ضميرًا وجب إعراب التابع بدلًا، لا عطف بيان. "راجع حاشية ياسين في باب النسب عند الكلام على النسب إلى ما حذفت فاؤه، أو عينه.....". "ويقول صاحب المغني" عند الكلام عليها ما نصه الذي نقلناه –في رقم 1 من هامش ص556- وهو: "وتقع تفسيرًا للجمل أيضًا؛ كقول الشاعر: وترمينى بالطرف، أي: أنت مذنب ... ا. هـ. والجملة التفسيرية بعدها لا محل لها من الإعراب.

الارتباط بين عطف البيان وبدل الكل من الكل 1: أشرنا2 إلى أن المشابهة غالبة بين عطف البيان وبدل الكل من الكل، في ناحية معناهما، وإعرابهما، وقطعهما3، وجمودهما، دون حروفهما، والأحسن القول بأن المشابه بينهما كاملة فيما سبق، لا غالبة، إذ التفرقة بينهما قائمة على غير أساس سليمن فمن الخير توحيدهمان لما في هذا من التيسير، ومجاراة الأصول اللغوية العامة. أما الرأي الذي يفرق بينهما في بعض حالات فرأى قام على التخيل، والحذف، والتقدير، من غير داع، ومن غير فائدة ترتجى. ومن السداد إهماله وإغفاله4. على أنا نشير هنا إلى بعض الصور التي يتحتم فيها العطف البياني بناء على ذلك الرأي؛ ويمتنع بدل الكل، مُرَددين بعد ذلك عدم الالتفات إلى الرأي السالف. منها5: 1- أن يكون التابع مفردًا، معرفة: منصوبًا، والمتبوع منادى، مبنيًا على الضم مثل: يا صَديقُ عليًّا6. فيجب عندهم إعراب: "عليًا" عطف بيان، ولا يصح إعرابه بدل كل؛ لأن البدل لا بد أن يلاحَظ معه في التقدير تكرار العامل الذي عمل في المتبوع، بحيث يصح أن يوجد هذا العامل قبل التابع وقبل المتبوع معًا، من غير أن يترتب على التكرار فساد لم يصح إعراب الكلمة "بدل

_ 1 قد يكون من المستحسن تأخير مبحث الارتباط بين عطف البيان وبدل الكل إلى ماب عد الانتهاء من البدل، ولكنا في تقديم سايرنا ابن مالك حيث تعرض لهذا الارتباط وللموازنة في باب عطف البيان. 2 في ص543. وأنظر في ص549 و550. 3 انظر ما يختص بقطع البدل في "هـ" ص667. 4 انظر رقم 1 من هامش ص533 حيث الرأي السديد لبعض الثقات. 5 انظر الزيادة والتفصيل –ص549– حيث بيان الضابط العام الذي يشمل كل الصور الممنوعة عندهم. 6 وهذا الإعراب بالنصب جائز في النداء بشروط تذكر في بابه، ج4 –على اعتبار "عليًا"– المنصوبة عند استيفاء الشروط تصلح "بدلًا" من كلمة "صديق" المبينة لفظًا، المنصوبة محلًا؛ لأنها منادى مبني على الضم في محل نصب.

كل"ووجب الاقتصار على إعرابها "عطف بيان" فقط. وهذا معنى قولهم: "إن البدل على نية تكرار العامل". فتقدير الكلام في المثال السالف: يا صديق عليًا؛ بتكرار العامل، وهو "يا" ووجوده قبل المتبوع حقيقة، وقبل التابع تخيلًا. وهذا التكرار يؤدي إلى خطأ النصب في كلمة "عليًّا" المذكورة؛ لأنها في التخيل: منادى مفرد علم؛ فيجب بناؤها على الضم؛ طبقًا لأحكام المنادى، ولا يجوز نصبها. إلا على اعتبارها عطف بيان1؛ لأن عطف البيان لا يلاحظ فيه تكرار العامل، ولا أنه مقدّر قبل التابع، وإنما يكتفي بوجوده قبل المتبوع فقط. فإعراب الكلمة المذكورة: "عليًّا" بدلًا، يؤدي عندهم إلى فساد نحويّ يجب توقيه، بالعدول عن البدل إلى عطف البيان، أو غيره إن أمكن. 2- أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها مع إعرابه مضافًا إليه، والمضاف اسم مشتقٌ، إضافتُه غير محضة2؛ نحو: نحن المكرمُو النابغةِ هند؛ فيجب –عندهم– إعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، وملاحظة وجوده قبل التابع كوجوده قبل المتبوع، كما أسلفنا وعلى هذا يكون الأصل المتخيَّل للمثال هو: نحن المكرمو النابغة, المكرمو هند، فلو أعربنا كلمة: "هند" التي في المثال الأصلي بدلًا لأدى الإعراب إلى فساد؛ هو: أن يكون المضاف مشتقًا مقترنًا "بأل"، والمضاف إليه غير مقرون بها؛ لأن الإضافة غير محضة؛ يمتنع فيها مثل هذا، إلا بوجود بعض المسوغات3 التي تصححها. والجملة هنا خالية من كل مسوغ –في رأيهم-. ولا سبيل عندهم للفرار من الفساد إلا بإعراب "هند" عطف بيان، لا بدلًا؛ إذ عطف البيان لا يشترط فيه صحه تكرار العامل4 ...

_ 1 وهو منصوب مراعاة لمحل المنادى المتبوع، لأن كلمة: "على" مبنية على الضم في محل نصب –كما قلنا. 2 سبق شرحها وتفصيل الكلام عليها في هذا الجزء "ص1 و3 وما بعدهما". 3 سبق بيان هذه المسوغات في ص12. 4 وفي صلاحية عطف البيان لأن يكون "بدل كل من كل" إلا في الصورتين السالفتين –وأشباههما– يقول ابن مالك: =

هذا رأي المانعين. وفيه ما فيه من إرهاق وتعسير بغير طائل؛ لأن المعنى واضح على البدلية؛ كوضوحه على عطف البيان، وليس أحدهما أبلغ من الآخر، ولا أكثر تداولًا واستعمالًا، ولا مخالفًا لأصل لغوي واقعيّ. ففيم الحذف، والتقدير، والنية، والملاحظة..؟ وبخاصة مع ما سجله النحاة في هذا الباب –وغيره– من أنه قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل؛ أي: قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع1. وذكروا لتأييد هذا أمثلة كثيرة فصيحة. فليس من ضرر مطلقًا ألا يصلح العامل في بعض المواضع لوقوعه قبل التابع، كهذا الموضع: إنما الضرر في عدم صحة وقوعه قبل المتبوع وحده. فلم العناء؟ وفيم التعسير؟

_ = وَصَالِحًا لِبَدَلِيَّة يُرَى ... في غَيْر نَحْو: يلا غُلاَمُ يعْمُرا ونَحْو: بشْر تابع البَكْريِّ ... وليْس أَن يُبْدَلَ بالمرضِيّ يريد: أن عطف البيان يصلح للبدلية في غير الصورة التي تشبه في تركيبها: يلا غلامُ يعمر –علم شخص– والألف الأخيرة زائدة للشعر -" حيث وقعت "يعمر" منصوبة مراعاة لمحل المنادى المبني على الضم في محل نصب. فلو أعربت: "يعمر" بدلًا لكان التقدير: يا غلام يا يعمر؛ على نية تكرار العامل؛ فتنصب الكلمة مع أن نصبها مع ندائها غير جائز؛ فيتعين إعرابها عطف بيان، فرارًا من هذا الخطأ. ويشير إلى المسألة الثانية بكلمة "بشر" التابعة لكلمة: "البكري" في قول الشاعر "المراد الفقمي": أَنا ابنُ التارك البَكْريِّ بشْرِ ... عليه الطيرُ ترقُبه وُقُوعا فالتابع: هو: "بشر" والمتبوع هو: "البكري" المضاف إليه، المقترن "بأل" والمضاف الذي إضافته غير محضة "بدلًا" لكان التقدير على نية تكرار العامل هو: "أنا ابن التارك البكري، التارك بشر"، فيضاف الوصف المقرون بأل إلى غير لمقرون بها وغير الصالح هنا، وأن يكون مضافًا إليه. وهذا غير جائز في الإضافة غير المحضة. وللفرار من هذا تعرب عندهم: "بيانًا". 1 راجع حاشية الأمير ج1 في الكلام على الحرف: "ب" ووجوب تنكير مجروره. وكذلك "الهمع" ج1 ص215 عند الكلام على: "لدن"، والصبان: ج4 –باب عوامل الجزم– عند الكلام على نوع فعل الشرط والجواب، بل إن الصبان "ج2 باب الإضافة، عند الكلام على "أيْ" ينتقل النص التالي: "إنا نقول: يغتفر كثيرًا في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل" فيصرح بأن هذا الاغتفار كثير.

نعم قد يكون التفرقة بينهما سائغة في بعض صور، ولكن من ناحية أهرى دقيقة غير تلك التي تصدى لها المانعون؛ هي أن لعطف البيان غرضًا معنويًا هامًا؛ هو: إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها على الوجه الذي شرحناه1 أما بدل الكل فله غرض آخر يختلف عن هذا تمامًا؛ هو الدلالة على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة، وفرد معين واحد في حقيقته –كما سيجيء في بابه– ولا يضر أن يختلفا في المفهوم بعض الاختلاف اليسير ما دامت حقيقة الذات المقصودة واحدة؛ كالاختلاف الذي في نحو عرفت سعيدًا أخاك2، ولا شأن لبدل الكل بالإيضاح والتخصيص، فحيث اقتضى المقام إيضاح حقيقة الذات أو تخصيصها –والإيضاح والتخصيص هنا ذاتيان، "أي: يقعان وينصبان على الذات"– فاللفظ عطف بيان ليس غير، بشرط أن تجتمع فيه بقية الشروط الواجبة في عطف البيان، ومنها: مطابقته للمتبوع في الأمور الأربعة السالفة؛ ولهذا كانت كلمة: "سيد" الثانية عطف بيان في قول الشاعر: إذا سيد منَّا مَضى لسبِيلِه ... أقام عمودَ الدين آخَرُ سيدُ وحيث اقتضى المقام الدلالة على ذات المتبوع نفسها بلفظ آخر يساويه تمامًا في المدلول فاللفظ "بدل كل من كل"، وبخاصة إذا فقد اللفظ شرطًا من شروط عطف البيان. هذه هي ناحية التفرقة الحقة التي يجب الاقتصار عليها؛ نزولًا على أحكام اللغة، وتقديرًا لخصائصها، وكشفًا لأسرارها، بل إن هذه التفرقة نفسها قد يمكن رفضها3.

_ 1 في ص542 وفي رقم 2 من هامش ص544. وانظر البيان كاملًا في ص679. 2 فلذات "الأخ" هي ذات "سعيد"، ولكن هذا المعنى الزائد غير مقصود مطلقًا في عطف البيان، إذ لو قصد لصارت الكلمة نعتًا مؤولًا بالمشتق. والفرق كبير في المعنى والحكم بين النعت وعطف البيان. 3 وهي تفرقة دقيقة لا تكاد تدرك، وغير مقصودة كما أوضحنا في هامش الصفحة السالفة ومن الممكن الاكتفاء بجعل عطف البيان وبدل الكل قسمًا واحدًا. ويكتفي أن علمًا محققًا كالرضي يقول ما نصه: "أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين الكل من الكل وعطف البيان، بل ما أرى عطف البيان إلا البدل؛ كما هو ظاهر كلام سيبويه.... و..". "راجع الصبان آخر باب عطف البيان".

ملحوظة: مما يمتاز به عطف البيان من بدل الكل أن عطف البيان لا يكون ضميرًا1، ولا تابعًا لضمير، ولا مخالفًا لمتبوعه في تعريف وتنكير2 –على الرأي الصحيح– ولا يقع جملة، ولا تابعًا لجملة3، ولا فعلًا، ولا تابعًا لفعل، ولا يكون ملحوظًا في النية إحلاله محل الأول –كما شرحنا، ولا يُعّد متبوعه في حكم الطَّرح. ولا يُعَدّ في جملة أخرى مستقلة عن جملة متبوعه4. بخلاف بدل الكل في جميع هذا.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 5 من هامش ص541 وفي رقم 5 من هامش ص542. 2 ولما كان الأغلب في عطف البيان –كما في ص543– موافقته لمتبوعه في التعريف والتنكير امتنع إعراب مخصوص "حبذا" عطف بيان؛ لورود أمثلة كثيرة منه نكرة وقد ذكرنا بعضها في رقم 2 من هامش ص381. 3 أي: لا يصح أن يكون متبوعه جملة مع أن البدل يصح أن يكون بدل جملة من جملة كما سيجيء في ص667. 4 انظر أمثلة الحالة الأولى الآتية في الزيادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: الذين يمنعون البدل في المسألتين السالفتين، وفي بعض مسائل أخرى، ويجتمعون أن تكون عطف بيان يضعون لهذه المسائل كلها ضابطًا عامًا ينطبق عليها جميعًا. وسنعرضه فيما يلي؛ ليتبين ما فيه من إرهاق وإعانات لا داعي لهما. يقولون: يصح في عطف البيان –إذا قصد به ما يقصد ببدل الكل– أن يعرب "بدل كل"، إلا في حالتين: أولاهما: ألاّ يمكن الاستغناء عن عطف البيان لمانع يَحُول دون صحة بدل الكل. وثاينهما: ألاّ يمكن إحلال عطف البيان –لو صار بدلًا– محل متبوعه لمانع يحول دون البدلية، ودون وضع البدل مكان المبدل منه ... 1- ومن أمثلة الحالة الأولى أن يكون الاسم "التابع"؛ واقعًا بعد جملة تعرب خبرًا، أو: صلة، أو: نعتًا، وليس فيها رابط يربطها بالمبتدأ، إنما الرابط ضمير –أو نحوه– في ذلك الاسم التابع؛ فمثاله بعد الجملة الواقعة خبرًا: هند حضر صالح ولدها. فلو أعَربْنُا كلمة: "ولد". بدلًا –والبدل عندهم على نية تكرار العامل– لكان التقدير: هند حضر صالح، حضر ولدها؛ فتخلو جملة الخبر من الرابط؛ لأن الضمير المتصل بالاسم صار في جملة أخرى مستقلة عن الجملة الخبرية؛ إذ الكلام جملتان: الأولى هي الخبر، ولا رابط فيه، والثانية مستقلة عن الأولى، استئنافية، والضمير الذي بها لا يربط الأولى بمبتدئها. ومثلًا الجملة الواقعة صلة: أجَاد الذي تكلم عَليُّ خاله. فلو أعربنا كلة: خال "بدلًا" لكان التقدير: أجاد الذي تكلم علي تكلم خاله؛ فتكون الجملة الثانية مستقلة عن الجملة الأولى، وتصير الصلة خالية من الرابط: فلا تصلح أن تكون صلة. ومثال الجملة الواقعة نعتًا: أجاد رجل تكلم عَلىُّ خاله؛ فإعراب كلمة "خال" بدلًا يقتضي تكرار العامل، وأن الأصل: أجاد رجل تكلم علي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكلم خاله؛ فتكون الجملة الأولى الواقعة نعتًا "وهي تكلم عليّ" خالية من الرابط الذي يربطها بالمنعوت؛ وهنا غير جائز. أما الضمير المتأخر فإنه في جملة مستقلة بنفسها لا يصلح رابطًا في الأولى ... لاستقلال كلمة جملة بكيانها. وفي الحق أن المعنى وسلامة الأسلوب لن يتغيرا بإعراب الاسم بدل كل أو عطف في صورة من الصور السابقة الممنوعة عندهم. 2- ومن أمثلة الحالة الثانية التي لا يصح فيها إحلال البدل محل المبدل منه ما تقدم من أن يكون التابع مفردًا معرفة منصوبًا والمتبوع منادى، مبني على الضم. أو: أن يكون التابع خاليًا من "أل" والمتبوع مقترنًا بها ... بالصورة التي شرحناها -وهذان هما الأمران المعروضان أولًا في ص546 وما بعدها-. ومن أمثلة الأمر الثاني أيضًا: أن يكون المتبوع منادى والتابع اسم إشارة، أو مقرونًا "بأل": نحو: يا إبراهيم هذا، أو يا إبراهيم الحسين، إذ يترتب على إحلال البدل محل المبدل منه في المثال الأول صحة: "يا إبراهيم يا هذا"، مع أن الفصيح أن يكون لاسم الإشارة تابع مقرون "بأل". ويترتب على إحلاله في المثال الثاني صحة: "يا إبراهيم يا الحسين "، مع أن دخول "أل" على المنادى ممنوع. وكل هذا، وكل ما يأتي مما هو ممنوع عندهم، إنما يقوم على أساس توهمهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل. أي على أساس أن يصح وقوع البدل مكان المبدل منه. ومنها: أن يكون التابع مثنى أو جمعًا، مع التفريق فيهما بالعاطف، والمتبوع غير مفرق؛ كقول الشاعر: أَيا أَخويْنا عَبْدَ شمس ونَوْفلًا ... أُعيذُكما بالله أَن تُحدِثَا حرْبًا فيتعين كونهما عطف بيان؛ لأن التقدير على البدلية: يا عبد شمس ونوفلًا، بنصب كلمة "نوفلًا" مع أن المعطوف المفرد في النداء لا يجوز نصبه، وإنما يجري عليه حكم المنادى المستقل1.

_ 1 لقد صرحوا أن كل عطف بيان يصلح "بدل كل من كل"، واستثنوا من هذا الحكم مسائل، منها المسألة التي جاء هنا البيت شاهدًا لها. لكني ألاحظ أن كلمة: "عبد" من: "عبد شمس" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن يكون المنادى "أي" الموصوفة بما فيه "أل" بعدها، وتابعه خال من "أل"، نحو: يأيها القائد سعيد. فلو أعربت كلمة: "سعيد" بدلًا لكان التقدير: يأيها القائد سعيد، وهذا خطأ؛ لأن تابع "أي" في النداء لا بد أن يكون مقرونًا "بأل" أو اسم إشارة له تابع مقرون بها ... ومنها: أن يكون اسم الإشارة المنادى -أو غير المنادى- متبوعًا بما فيه "أل" والتابع خال منها، ولا يوجد ما يعني عنها؛ نحو: يا ذا الرجل غلام حامد، أو جاء هنا الرجل حامد. فلو أعرب: "غلام" أو "حامد" بدلًا لكان التقدير: يا ذا الغلام حامد وجاء هذا الرجل جاء هذا حامد، وتابع اسم الإشارة لا يكون مجردًا من "أل". ومنها: أن يكون المتبوع مضافًا إليه والمضاف هو: "كِلاَ" أو "كِلتا" والتابع مثنى مفرَق؛ نحو: أسرع كلا المتنافسين محمود وحامد أسرعت كلتا المتنافستين فاطمة وزينب فلو أعرب التابع: "وهو: محمود وفاطمة" بالا لكان تقدير الكلام: "أسرع كلا المتنافسين، أسرع كلا محمود وحامد" "أسرعت كلتا المتنافستين، أسرعت كلتا فاطمة وزينب"، فيترتب على نية تكرار العامل إضافة كلا وكلتا للمثنى المفرق؛ وهما لا يضافان إليه إلا شذوذًا. ومنها: أن يكون التابع مثنى مفرقًا، أو جمعًا مفرقًا كذلك، والمتبوع مثنى أو جمعًا غير مفرق في الصورتين. وهو مضاف إليه والمضاف هو: "أيّ". نحو: "بأي الزميلين جعفر وحسن

_ = هي بدل بعض من: "أخوين" فلا يقع فيها اللبس بين عطفه البيان وبدل الكل؛ لأنها لا تصلح بدل كل. فما المراد من بدل الكل؛ أيكون اللفظ وحده هو البدل الكلي أم هو مع ما عطف عليه، ويؤيد هنا خلوه من الضمير؛ كالشأن في بدل الكل؟ لو صح هذا الاعتبار فلم يعربونه بدل بعض، ويدخلونه في حكمه؟ لم أهتد إلى من تعرض لهذا. ويبدو أنهم يعتبرونه "كُلّ" إذا نظروا له من جهة المعطوفات عليه التي تشمل كل أنواع المبدل منه كاملة. و"بعض" إذا نظروا إليه من غير اعتبار المعطوفات التي تحصر تلك الأنواع. ومثل هذا يقال في بعض الحالات الآتية المسثناة "انظر ص667 و677" ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مررت"، فلو أعرب "جعفر" وما عطف عليه بدلًا من الزميلين لكان التقدير: بأي الزميلين، بأي جعفر وحسن مررت؛ وهنا ممنوع؛ لما فيه من إضافة: "أيّ" للمفرد المعرفة، وهي لا تضاف إليه إلا بالمشرط التي عرفناها عند الكلام عليها في باب "الإضافة"1، وهي غيره محقّقة هنا. ولا يتغير الحكم بإحلال الجمع لمحل المثنى في مواقعه السّالفة ... ومنها: أن يضاف "اسمُ التفضيل" إلى عامّ، وبعده تابعه ذو قسمين؛ أحدهما لا يكون المفضل بعضًا منه؛ نحو: الرسل أفضل الناس الرجال والنساء، فلو أعرب التابع بدل لكان التقدير: الرسل أفضل النساء؛ لأن اسم التفضيل إذا بقي على دلالته من التفضيل والزيادة على المضاف إليه وجب أن يكون بعضًا من هذا المضاف إليه –كما سبق في بابه– ولهذا أخطأ من قال: أنا أشعر الإنس والجن، إذا أراد التفضيل على الوجه السالف. إلى هنا انتهت صُوَر من أشهر الأمثلة للنوع الثاني، وهي –كنظيرتها من صور النوع الأول خيالية، مصنوعة، أساسها توهم أن البدل لا بد أن يكون على نية تكرار العامل، وهذه دعوى لا تستند إلى أساس قوي. والعرب –أصحاب اللغة– لا تدري من أمرها شيئًا؛ ولن يترتب على إهمالها، وعدم التمسك بها فساد في المعنى ولا في التركيب2؛ فالجهد فيها ضائع لا محالة.

_ 1 ص105. 1 بل إن كثيرًا من النحاة يقول: "قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع" كما سلف هنا –ص548– وفي نواحٍ متعددة من أجزاء الكتاب. وراجع ما سبق في ص546، ثم الرأي الحاسم الذي في رقم 3 من هامش ص549.

المسألة 118

المسألة 118: 2- عطف النسق 1: هو: تابع2 يتوسط بينه وبين متبوعه حرف من حروف

_ 1 النسق -بفتح السين وسكونها- مصدر نسقت الكلام أنسقُهُ "بفتح السين في الماضي، وضمها في المضارع" بمعنى: واليت أجزاءه، وربطت بعضها ببعض، ربطا يجعل المتأخر متصلا بالمتقدم. وكان الأفضل الاقتصار على كلمة: "النسق" بمعنى: "المنسوق" من إطلاق المصدر على المفعول. أي: الكلام المنسوق بعضه على بعض. والنسق: اصطلاح كوفي، وقد اشتهر حتى لا يكاد غيره يذكر. وسيبويه وكثير من البصريين يعبرون عنه في كلامهم: "بالشركة"، وعلينا اليوم أن نساير المشهور؛ توحيدًا للاصطلاح، وانتفاعا بمزايا هذا التوحيد. 2 سبق -في أول باب: النعت، م114 ص434 معنى التابع، وترتيبه مع تابع آخر، وسرد أحكامه العامة الجلية ومنها جواز الفصل أو امتناعه بينه وبين المتبوع، وأن البناء لا ينتقل من المتبوع إلى التابع مطلقًا. "ملاحظة": التابع هنا وهو المعطوف، مفردًا أو غيره مفرد قد يتعدد، ويتمدد معه حرف عطف لا يفيد الترتيب، نحو: قرات الكتاب، والرسالة، والمجلة، والخطاب ... فيكون "في غير الحالة التي يفيد فيها حرف العطف الترتيب، وستأتي" المعطوف عليه واحدًا فقط، وهو الأول دائما؛ مهما تعددت المعطوفات وقبل كل منها حرف عطف غير مُرَتَّب، كالمثال السالف؛ فإن المعطوفات المتعددة هي: الرسالة، المجلة، الخطاب ... وقبل كل واحد حرف عطف لا يفيد الترتيب، والمعطوف عليه واحد، هو: الكتاب. ومثل قول المتنبي يفتخر: الخيل والليْلُ والبَيداءُ تعْرِفني ... والسَّيف والرُّمْحُ والقِرطَاسُ وَالْقلَمْ فالمعطوف عليه هو الأول "أي: الخيل" وما جاء بعده هو المعطوفات، الليل، البيداء، السيف، الرمح، القرطاص، القلم" وقبل كل معطوف هنا حرف العطف: الواو ومن الجائز أن يكون حرف العطف غير الواو أيضًا بالشروط الخاصة بكل حرف. ولا يجوز أن يتعدد حرف العطف لمعطوف واحد، لأن حرف العطف لا يدخل مباشرة على حرف عطف أخر. ومن أمثلة المعطوفات المتعددة -وكل منها جملة- والمعطوف عليه هو الأول قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} . =

عشرة1، كل منها يسمى: "حرف العطف"، ويؤدي معنى خاصًّا.

_ = وهناك حالة لا يكون فيها عطف المعطوفات المتعددة على الأول، وهي الحالة التي يقع فيها أحد هذه المعطوفات بعد حرف عطف يفيد الترتيب"مثل: الفاء وثم" فيكون المعطوف عليه هو الذي قبل العاطف مباشرة؛ مثل؛ "أقبل صالح، وحامد، وخليل، فمحمد، ثم ابراهيم" فحامد وخليل معطوفان على الأول: "صالح"، أما محمد فمعطوف على: "خليل"، وأما إبراهيم فمعطوف على: "محمد". ومن الأمثلة قول علي رضي الله عنه: "من نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه". فالجملة من الفعل: "أنكر" وفاعله، معطوفة على الجملة الفعلية قبلها. أما الجملة الفعلية الثانية -المكونة من الفعل: "رضي"، وفاعله- فمعطوفة على الجملة الفعلية المكونة من الفعل: "أنكر" وفاعله. ومثل هذا يقال في الجمل الفعلية المعطوفة بالفاء في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} . وفي الشطر الأول من قول الشاعر: نرى الشيءِ مما نَتَّقِي فنَهابُه ... وما لا نرى –مما يَقِي اللَّهُ- أكبرُ وجدير بالملاحظة: أنه إذا جاء بعد العاطفه المرتب ومعطوفه عاطف آخر لا يفيد الترتيب -كالواو- فإن معطوفه يكون معطوفًا على المعطوف بحرف العطف المرتب الذي قبله مباشرة. "وبعبارة أخرى: يجب أن يكون المعطوف بالعاطف المفيد للترتيب هو المعطوف عليه للمعطوف بعاطف يليه مباشرة. ولا يصح العطف مطلقًا على معطوف عليه قبل العاطف المفيد للترتيب"؛ ففي مثل: أقبل سالم، وصالح، ومحمود، وحامد ثم حسين، وآمين ... ، يتعين أن يكون "آمين" معطوفًا على "حسين" ولا يصح عطف على غيره. أما "حسين" فمعطوف على "حامد" حتمًا. وأما كل ما قبله فمعطوف بالواو على "سالم". وما سبق هو المراد من قول الصبان في آخر باب: العطف: "إن المعطوفات إذا تكررت تكون على الأول على الأصح، وذلك مقيد بما إذا لم يكن العاطفه مرتَّبًا؛ فإن كان مرتبًا فالعطف على ما يليه؛ كما نقل عن الكمال ابن الهمام: أنه إذا عطف بمرتب أشياء ثم عطف بغير مرتب شيء فهو على ما يليه، كما يؤخذ من كلام المغني في أول الجملة الرابعة من الجمل في التصريح، وغيره. ومن الأمثلة لهذا قول الشاعر القديم "عُروة بن أُذَينة": بيضاء باكرَها النعيم فصاغها ... بلباقة؛ فأدَقَّها، وأَجَّلها منعتْ تحيتها,؛ فقلت لصاحبي ... ما كان أَكثرها لنا، وأَقلَّها 1 وبعضها قد يكون حرف عطف في الصورة لا في الحقيقة وهو الحرف: "الفاء" والحرف: "ثم" طبقًا للبيان الآتي في صفحتي "576 و578". وليس من حروف عطفه النسق -عند أكثر النحاة- الحرف: أيْ" -بفتح الهمزة، وسكون الياء- الذي هو حرف تفسير، يعرب ما بعده بدل كل، أو عطف بيان -كما سبق الإيضاح في بابه- وليس هناك حرف يدخل على عطفه البيان أو البدل، ويتركه على اسمه وحكمه الإعرابي إلا أيْ"؛ فكلاهما يظل على اسمه وحكمه الإعرابي، كما كان قبل دخول "أي" عليه =

وفيما يلي هذه الحروف، ومعانيها، وأحكامها1: 1- الواو: معناها: إفادة "مطلق الاشتراك والجمع" في المعنى بين المتعاطفين2 إن كان مفردين3.

_ = والكوفيون يعدون هذا الحرف من حروف عطف النسق، ومعناه: "التفسير"؛ كمعنى واو العطف أحيانًا؛ فيزاد عددها واحدًا. ورأيهم حسن وواضح، لا ضرر في الأخذ به، بل إنه يبعدنا أحيانًا عن مشكلات نحوية لا سبيل للتغلب عليها إلا بالتأويل والتكلف؛ منها: أن عطف البيان -كما سبق في رقم 1 من هامش ص541 وفي ص550- لا يكون متبوعه ضميرًا؛ فإذا جاءت أمثلة فيها المتبوع ضميرًا وجب اعتبار التابع بعد "أي" بدلًا وليس عطف بيان. "راجع حاشية ياسين على التصريح في باب: "النسب" عند الكلام على النسب إلى ما حذفت فاءه أو عينه". وجاء في "المغني" عند الكلام عليما ما نصه: "وتقع تفسيرًا للجمل أيضًا؛ كقول الشاعر "وترمينني بالطرف، أي: أنت مذنب ... " ا. هـ والجملة التفسيرية بعدها لا محل لها من الإعراب. 1 في ص656 بعض أحكام أخرى عامة ومهمة -غير التي سنبدأ بها هنا- ومنها الحكم الثالث، حكم الضمير العائد على المتعاطفين معًا، من ناحية مطابقته لهما، أو لأحدهما. وكذلك حكم القطع في "عطف النسق". 2 هما المعطوف، وهو الذي بعد حرف العطف مباشرة، والمعطوف عليه، وهو المتبوع، ولا بد أن يسبق حرف العطف؛ وقد يكون المعطوف عليه محذوفًا. ولا ميما إذا كان العاطفه هو: الواو طبقًا لما يأتي في ص639. 3 المفرد في باب العطف هو: ما ليس جملة ولا شبه جملة؛ فهو كالمفرد في باب الخبر والنعت، والحال ... ، ويدخل في عطف المفرد هنا عطف الفعل وحده بغير مرفوعه على فعل آخر وحده ... بخلاف عطف الفعل مع مرفوعه على فعل آخر مع مرفوعه فهو عطف جمل. وسيجيء البيان الخاص بهذا في ص642 م121. والعطف بالواو إذا كان المعطوف غير مفرد، قد يفيد مطلق التشريك، نحو: نبت الورد ونبت القصب ... ، أو لا يفيد؛ نحو: حضرت الطيارة، ولم تحضر السيارة. أما نحو: ما قام علي ولكن محمود ... فليس من عطف المفردات؛ وإنما هو من عطف الجمل، وقد حذف الفعل، -كما سيجيء في ص 616-. وقد تكون الواو للعطف والمعية معًا فتفيد الأمرين مجتمعين؛ وهي "الواو" التي ينصب المضارع بعدها بأن المصدرية المضمرة وجوبًا؛ فإنها تجمع الأمرين: العطف والدلالة على المصاحبة والاجتماع، أي: الدلالة على أن المعنى بعدها مصاحب في تحققه وحصوله للمعنى قبلها؛ فزمن تحققهما واحد، وسيجيء بيان هذا في مكانه الأنسب ج4 باب النوصب -".

والمراد من "الاشتراك المُطلق والجمع المطلق" أنها لا تدل على أكثر من التشريك في المعنى العام: فلا تفيد الدلالة على ترتيب زمني بين المتعاطفين1 وقت وقوع المعنى، ولا على صاحبة، ولا على تعقيب1، أو مهلة، ولا على خسَّة0أو شرف2 ... وهي إنما تتجرد للاشتراك المطلق حيث لا توجد قرينة تدل على غيره، وحيث لا تقع بعدها "إما" الثانية. فإن وجدت قرينة وجب الأخذ بما تقتضيه، وان وقعت بعدها "إمّا" الثانية كانت الواو لمعنى آخر غير التشريك والجمع -وسيجيء التفصيل3-. ففي مثل: وصل القطار والسيارة تفيد الواو مجرد اشتراك المعطوف "وهو: السيارة" المعطوف عليه؛ "وهو: القطار" في المعنى المراد، وهو: "الوصول" من غير إن تزيد على هنا شيئًا آخر: فلا تدل على: "تريب" زمني بينهما يفيد أن أحدهما سابق في وقته، وأن الآخر لاحق به، ولا على: "مصاحبة" تفيد اشتراكهما في الزمن الذي وقع فيه اشتراكهما في المعنى4، ولا على "تعقيب" يدل على أن المعنى تحقق في المعطوف بعد تحققه في المعطوف عليه مباشرة، من غير انقضاء وقت طويل بينهما، ولا على: "مهلة" تدل على أن تحققه كان بعد سَعَة من الوقت، وفسْحة فيه2 ...

_ "1، 1" الترتيب الزمني: تقدُّم أحدهما على الآخر وقت وقوع المعنى والمصاحبة: تقتضي اشتراكهما في المعنى في وقت واحد. "أي: انطباق المعنى عليهما معًا في زمن واحد". والتعقيب: وقوع المعنى على المعطوف بعد وقوعه على المعطوف عليه مباشرة، "أي بغير مهلة، ولا انقضاء وقت طويل عرفًا" ... 2 فالمتأخر -وهو المعطوف- قد يكون أشرف أحيانًا من المتقدم "وهو المعطوف عليه" كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} . 3 في ص612. 4 أي: أنها لا تفيد اشتراكهما في الزمن والمعنى معًا، وإنما تقتصر على الاشتراك في المعنى وحده. 5 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر: زادَ الوشاة، ولا والله ما تركوا ... قولًا، وفعلًا، وبأْساءً، وتهجينًا فلم نزِد نحن في سرّ وفي علن ... علة مقالتنا: "الله يكفينا" ومن أوضح الأمثلة لدلالة على مجرد الاشتراك المطلق في معنى الواو قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

ففي المثال السابق قد يكون وصول القطار أوَّلًا وبعده السيارة، وقد يكون العكس، وقد يكون الزمن بين وصول السابق واللاحق طويلا أو قصيرًا، وقد يكون وصولهما اصطحابًا معًا "أي: في وقت واحد"، فلا سبق لاحدهما ولا زمن بين وصولهما. فكل هذه الاحتمالات صحيحة، لا يزيلها إلا وجود قرينة تدل على واحد منها دون غيره. كان يقال: وصل القطار والسيارة قبله، أو بعده، أو معه ... فمن أمثلة الترتيب والمهلة قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} ، فقد أفادت الواو الاشتراك، والترتيب الزمني، والمهلة؛ فعطفت المتأخر كثيرا في زمنه "وهو: إبراهيم" على المتقدم في زمنه، "وهو: نوح، وكانت إفادتها الترتيب والإمهال مستفادة من قرينة خارجية يجب احترامها، هي التاريخ الثابت الذي يقطع بأن زمن إبراهيم متأخر كثيرًا عن زمن نوح، ولولا هذه القرينة ما أفادت الواو الترتيب الزمني، وفسحة الوقت. وهذه الفسحة -أو المهلة- يُقدّرها العرف بين الناس، فهو -وحده- الذي يحكم على مدة زمنية بالطول، وعلى أخرى بالقِصَر، تبعًا لما يجري في العرف الشائع. ومن الأمثلة أيضًا قوله تعالى مخاطبًا النبي محمدًا عليه السلام: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فالواو قد أفادت الاشتراك والجمع في المعنى المراد: وهو: الإيحاء. وأفادت -أيضا- الترتيب الزمني والمهلة بعطف المتقدم في زمنه على المتأخر كثيرا في زمنه بقرينة خارجة عنهما، هي: "من قبلك" فهنا النص مريح في أن "المعطوف" سابق في زمنه على "المعطوف عليه" ولولا هذه القرية لاقتصرت الواو على افادة الجمع المطلق في المعنى والاشتراك المجرد فيه، دون إفادة تريب زمنيّ، وأما المهلة فقد دلّ عليها التاريخ. وكقوله تعالى في نوح عليه السلام حين ركب السفينة هو وأصحابه المؤمنون، فرارًا من الغرق بالطوفان: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} فالواو تفيد الجمع

والاشتراك في المعنى؛ وتفيد معه الاتحاد في الزمن بين المعطوف؛ "أصحاب ... " والمعطوف عليه: "الهاء" فقد نجا نوح وأصحابه في وقت واحد -معًا- بدليل النصوص القرآنية الأخرى1 وروايات التاريخ القاطع؛ فلا ترتيب ولا مهلة. ومن أمثلة الترتيب والعقيب؛ جرى الماء وأرْوَى الزروع. وأنا فُقِدت القرينة الدالة على الترتيب الزمني أو على المصاحبة فالأكثر اعتبارها للمصاحبة، ويلي هذا اعتبارها؛ فيكون المعطوف متأخرًا في زمنه عن المعطوف عليه. ومن النادر العكس، ويراعى في هاتين الحالتين عدم التعقيب إلا بقرينة. وإن وقعت "واو" العطف قبل: "إمّا"االثانية لم تفد معنى الجمع والتشريك، وإنما تفيد معنى آخر يقتضيه المقام الذي لا يسايره معنى الجمع؛ كالتخيير2؛ مثل: استَرِضْ إما مشيًا وإما ركوبًا....، وقد تكون للتخيير مباشرة بغير "إما"؛ نحو: سافر الآن بالقطار والطائرة. وقد يكون معناها التقسيم؛ نحو: الكلمة اسم، وفعل، وحرف. أحكامها: 1- من أحكام "واو" العطف، التي تشارك فيها بعض أخواتها3، أنها تعطف المفردات –كبعض الأمثلة السابقة– والجمل4،

_ 1 القصة كاملة في سورة هود، وفيها النص على نجاة نوح ومعه ركاب السفينة، حيث قال تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . أي: استقرت السفينة بمن فيها بعد كل ما سبق على جبل معروف: يسمى: "الجودي". 2 معناه في ص604 -وسيجيء الكلام على "إما" ومعانيها في ص612-. 3 أنها قد تتجرد للاستئناف المحض، ولا تصلح لغيره وكذلك "الفاء" و"ثم". 4 بنوعيها. فمثال الجملة الاسمية قولهم: "لا فقر أشدُّ من الجهل، ولا ماَلَ انفعُ من العقل، ولا حَسَبَ كحُسن الخُلق ... " وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، قول الشاعر المسهد: فلا الصبح يأْتينا، ولا الليل ينضي ... ولا الريح مأذون لها بسكون ومثال الفعلية قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ... } . وقول الشاعر: إذا صار الهلال إلى كمالٍ ... وتمّ بهاؤه فَارقُبْ مَحَاقَهُ

أشباهها1. وأنها يجوز مع معطوفها بشرط أمن اللبس2، مثل قول الشاعر: إني مُقَسَّمُ ما ملكتُ، فجاعلٌ ... قسْمًا آخرِة ودنيَا تَنفعُ أي: واقسْمَ دنيا. يريد: وقسمًا لدنيا ... ومن هذا قولهم: راكبٌ الناقة طَلِيحان3. والأصل: راكب الناقة والناقة طليحان. "أي:

_ 1 فمثال عطفه الجار مع مجرورة على مثلهما قول الشاعر: لأَنتَ أَحلَى من لذيذ الكَرَى ... ومن أمانٍ ناله خائفُ ومثل الآية التي في ص559؛ وهي {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ....} . ومثال عطف الظرف على ظرف آخر قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} . 2 كما سيجيء في ص636. وكذلك يصح حذفها وحدها دون معطوفها طبقا لما في ص641. كما يصح حذف المعطوف عليه قبلها بالطريقة الموضحة في ص639 -والتي اشرنا إليها في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية-. 3 ومثل هذا كل مبتدأ مضاف أخبر عنه بخبر مطابق في التثنية، أو الجمع، للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف. "وقد سبق إيضاح هذا لمناسبة أخرى في الجزء الأول ص497 م37 باب المبتدأ والخبر". وحذف حرف العطف مع معطوفه ليس مقصورا على الواو مع معطوفها، وإنما يشاركها فيه "إم" "كما سيجيء في "ب" ص596، وفي ص636" وكذا "الفاء" مع معطوفها كقوله تعالى في أحكام الصوم: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . الأصل: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطَرَ فعدة من أيام أُخر -كما سيجيء في رقم 5 من هامش ص575-. والى هنا يشير ابن مالك في آخر الباب بقوله: والْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... والْوَاو إذْ لاَ لَبْسَ، وهْيَ انْفَردَتْ: بعَطْفِ عامِلٍ مُزَالٍ قَدْ بَقِي ... مَعْمُولُهُ؛ دَفْعًَا لِوَهْم اتُّقِي مزال: قد حذف من موضعه وأزيل منه "راجع ص636". يقول: إن الفاء قد تحذف مع معطوفها، وكذلك الواو مع معطوفها، بشرط ألا يترتب على الحذف في الحالتين لبس. وتنفرد الواو بأنها تعطف عاملًا محذوفًا قد بقي معموله على الوجه الذي سنشرحه في ص563 التالية. ويريد بقوله: "دفعًا لوهم ... " بيان العلة في الحذف والتقدير: وأنها دفع لوهم يقودنا للوقوع في خطأ.

متعبان"1 ب- وتنفرد الواو بأحكام نحوية تكاد تستأُثر بها2: منها: أنها الحرف المختص بعطف اسم على أخر حين لا يكتفي العامل في أداء معناه بالمعطوف عليه؛ نحو: تقاتل النمِرُ والفيلُ؛ فان العامل: "تقاتلَ" لا يتحقق معناه المراد بالمعطوف وحده: فلو قلنا: "تقاتل النمر"، ما تمّ المعنى: لأن المقاتلة لا تكون من طرف واحد؛ وإنما تقتضي معه وجود طرف آخر -حتما- كي يتحقق معناها. وكذلك: تنازع الظالمُ والمظلوم، فان المنازعة لا تقع إلا من طرفين ... وكذلك تصالح الغالب والمغلوب.

_ 1 ومن تلك الأحكام: أن الضمير -ونحوه مما يحتاج للمطابقة- بعدها تجب مطابقته. في الأصح للمعطوف والمعطوف عليه معًا؛ ولا يراعى فيه حالة المعطوف وحده؛ يقال: جاء السائل والغريب فعاونتهما. وفازت فاطمة وسعاد وعائشة فهنأتهن ... وهكذا ... "انظر رقم 4 من هامش ص605 حيث الإيضاح. وبيان المرجع، ثم رقم 3 من ص657. وليس مما نحن فيه مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، وقول حسان بن ثابت: إنَّ شَرْخ الشباب والشعَر الأَسْود ... ما لم يعاصَ كان جنونًا لأن الكلام قائم هنا على حذف الخبر، أن المراد: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك إن شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود كذلك. فهو نظير قول الشاعر: نحن بما عندنا وأَنت بما ... عندك راضٍ. ولرأْيُ مختلفُ أي: نحن راضون بما عندنا. وأنت راض بما عندك ... "راجع كتاب مجمع البيان لعلوم القران ج1 ص175 و197". 2 ومنها: أنها يجوز حذفها وحدها، كما يجوز حذف المعطوف عليه وحده دون حذفها فتصلح في هذه الصورة لان تكون عاطفة أو غير عاطفة "بمعنى: رُبَّ" كما سبقت الإشارة في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة وسيأتي الإيضاح في مكانه المناسب ص639 و641. وله بيان في ج2 باب حروف الجر عند الكلام على: "رب".

ومثل: "سكنت بين النهر والحدائق1 ومثل: تضيع الكرامة بين الطمع والبخل"؛ لأن معنى "بيّن" لا يتحقق بفرد واحد تضاف إليه2، وهكذا غيرها من الكلمات التي تؤدي معنى نسبيًا3؛ مثل: تشارك، تعاون، اختصم، اصطفّ4 ... ومنها: اختصاصها بعطف عامل قد حُذف وبقي معموله. نحو: "قضينا في الحديقة يوما سعيدًا أكلنا فيه وأشهَى الطعامِ، وأطيب الفاكهةِ، وأعذبَ الماء" فكلمة: "أطيب" معطوفة على: "أشهى"، أي: أكلنا أشهَى

_ 1 يصح أن يقال: سكنت بين النهر وبين الحدائق، بتكرار "بين" إذا كان المتعاطفان اسمين ظاهرين كما في المثال، والغرض من التكرار هو تأكيد المعنى وتقويته. وهنا التكرار جائز مع العطف، بشرط أن تكون الأولى مضافة لاسم ظاهر مفرد "أي: لا يدل على تعدد" فان أضيفت لضمير دال على الإفراد وجب التكرار مع عطفه المكررة بالواو؛ طبقًا لما فصلناه في ب2 ص268 م79 حيث جاء فيه ما نصه: "يجوز أن يقال المال بين محمود وبين علي: بزيادة "بي الثانية للتأكيد، كما قاله ابن بريّ وغيره، وبذلك يرد على منع الحريري تكرارها راجع حاشية "ياسين" على التصريح، ج2 أول باب العطف وكذلك حاشية الصبان ج2 في ذلك الباب عند الكلام على واو العطف ". ومن المسموع في هذا قول علي بن أبي طالب -كما جاء في كتاب "سجع الحمام، في حكم الإمام " ونصه: "للمؤمن ثلاث ساعات ... وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها" ا. هـ. ويؤيد ما سبق أيضا، ما ورد من نصوص فصيحة، نثرية وشعرية، وأدلة أخرى سجلناها هناك. 2 لهذا قالوا في بيت امرئ القيس: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ أن التقدير: بين أماكن الدخول وحومل "الدخول وحومل: موضعان" وقيل أن الرواية هي: بين الدخول وحومل. فلا تقدير. 3 هو المعنى الذي لا يتحقق إلا بنسبته إلى اثنين "أو أكثر" يشتركان فيه؛ ويقع عليهما. 4 ومثل "استوى" في قول الشاعر يصف حاله مع احد أقاربه: صَبرت على ما كان بيني وبينه ... وما تستوي حربُ الأَقارب والسِّلْمُ ومثلها: "تَسَاوَى" بشرط أن يكون -كسابقتها- إفادة التساوي بين شيء وآخر. هذا، وقد تقع الواو بعد كلمة: «سواء» التي تفيد التسوية ولكن بشرط أن تقع بين اسمين، وإلا توجد همزة التسوية، نحو: سواء علي الأخ والصديق الوفي. وهنا رأي سيبويه، أما الكلام على التسوية والمراد مننها ففي ص 585.

الطعام، وأكلنا أطيبَ الفاكهة. أما كلمة: "أعذب" فلا يصح -في الرأي الأغلب- عطفها على أشهَى، إذ لا يصح أن يقال: أكلنا أعذب الماء؛ لأن أعذب الماء لا يؤكل، وإنما يُشرب، ولهذا كانت كلمة: "أعذب" معمولة لعامل محذوف، تقديره: شَرِب، أي: وشربنا أعذب الماء، والجملة بعد الواو معطوفة على الجملة التي قبلها وهي: أكلْنا؛ فالعطف عطف جملة على جملة. ومثل: "اشتد البرد القاسي في ليلة شاتية، فأغلقتُ الأبوابَ والنوافذَ، وأوقدتُ نارًا للدفء، والملابسَ الصوفية"؛ فلا يصح عطف كلمة: "الملابس" على "الأبواب" ولا على "نار" لفساد المعنى على هذا العطف؛ إذ لا يقال: أغلقتُ الملابس الصوفية، ولا أوقدتُ الملابس، وإنما هي معمول لعامل محذوف تقديره: ولبِستُ الملابس الملابس الصوفيةَ، أو أكثرتُ الملابسَ الصوفية، أو نحو هذا مما يناسب الملابس، والجملة بعد الواو معطوفة على جملة: أغلقتُ. فالعطف عطف جملة على جملة، لا عطف مفرد على مفرد –كما سبقت الإشارة1-. ولا فرق في المعمول الباقي بين المرفوع؛ نحو قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ، والمنصوب؛ نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا 2 الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، والمجرور نحو قولهم:"ما كل سوداءَ فَحْمةً، ولا بيضاء شحمةً، والأصل في المثال المرفوع": {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ إذ لا يصح عطف "زوج" على الضمير المستتر الفاعل؛ وإلا كان فاعلًا مثله حُكمًا؛ فيترتب على هذا أن يقال: اسكن زوجُك، بوقوع الاسم الظاهر فاعلًا الأمر؛ وهذا لا يصح3. كما أن الأصل في المنصوب: "تَبوّؤا الدار، وألِفُوا الإيمان"؛ لأن الإيمان لا يُسْكن والأصل في المجرور: "ما كلُّ سوداء فحمةً ولا كلُّ

_ 1 في الجزء الثاني، باب المفعول معه ص232 م80. 2 سكنوا. 3 يبيحه فريق من النحاة بحجة: "أنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع". وفيه تيسير. ولا يجوز إعرابه بدلًا من الفاعل المستتر؛ لأن الضمير لا يبدل من الضمير كما في "ب" ص683.

بيضاءَ شحمةً" لئلا يترتب على العطف المباشر من غير تقدير المحذوف، عطف شيئين على معمولي عاملين مختلفين بحرف عطف واحد، وهذا ممنوع. والعاملان هما "ما1، وكلّ" والمعمولان هما: "بيضاء، وشحمةً"2. هذا ما يقوله كثير من النحاة. ولكن الصحيح أن الواو العاطفة لا تختص بهذا الحكم وحدها، وإنما تشاركها فيه "فاء" العطف –كما سيجيء عند الكلام عليها3 مثل: أحْسِن بدينار فصاعدًا ... أي فاذهب صاعدًا بالعدد4 ... ومنها جواز حذفها عند أمن اللبس5؛ نحو: زرت أقاربي في الصعيد، وقابلت منهم: العم، والعمة، الخال، الخالة، أبناءَهم ... أي: العم والعمة، والخال والخالة وأبناءهم. ومثل: قرأت اليومَ: الصحف اليومية، المجلات، الرسائل، المحاضرات ... أي: الصحفَ اليومية، والمجلات. والرسائل، والمحاضرات ... ومثل هذا يقال في سرد الأعداد، نحو: من الأعداد عشر، عشرون، ثلاثون، أربعون ... ومنها: عطف الشيء على مرادفه لتقوية معناه وتأكيده6 كقولهم: الصمت والسكوت عن غير السداد سداد. وقولهم يعود البغي والطغيان وبالًا على صاحبه، فالمعطوف وهو: "السكوت" بمعنى المعطوف عليه: "الصمت" وكذلك الطغيان والبغي ... ومن هذا قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ، فكلمة؛ "بثّ" معطوف عليه؛ وكلمة: "حُزن" معطوف مرادف له في المعنى.

_ 1 على اعتبار "ما" حجازية تعمل عمل: "ليس". 2 سبق هذا المثال في آخر باب الإضافة ص161 لمناسبة هناك: ويعاد موضحًا في آخر هذا الباب ص638. 3 في ص575. 4 سبق إيضاح هذا في مكانه الأنسب ج2 ص304 م86 باب الحال وحذف عامله. 5 الصحيح أن "الفاء" تشاركها في هذا الحكم. وكذا: "أو"، "كما سيجيء في ص575 و611 و641. غير أن حذف الواو هو الأكثر. 6 قد تشاركها: "أو" في هذا أحيانًا؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ... } فالخطيئة هي الإثم –ولهذا إشارة تجيء في "د" من ص611-.

ومثل النَّأي والبُعد1 في قول الحطيئة: أَلا حبذا هندٌ وأَرض بها هندُ ... وهندٌ أَتى من دونها النَّأْي والبعدُ2

_ 1 ومثل الجملتين الفعليتين: "أقْوى ×"، وأقْفر ×" في قول عنترة: حُييتّ من طَلَلٍ تقادمَ عهدُه ... أَقْوَى وأَقفرَ بعد أُم الهَيْثَمِ.. 2 فيما سبق من تعريف العطف النسق يقول ابن مالك: تَالٍ بحرْفٍ مُتْبِع عطْفُ النَّسقْ ... كَاخُصُصْ بِوُدِّ وثَنَاءٍ منْ صَدَقْ يقول: إنه هو التالي الحرف مُتْبعٍ ما بعده لما قبله، أي: مشترك للثاني مع الأول في الحكم الأعرابي. وساق مثلًا للتشريك في الحكم هو: أخصص من صدق بود وثناء، فحرف العطف هو: الواو، وبالتالي المشارك في الحكم هو: "الثناء". ومعنى:"تال بحرف مُتْبع": أنه تال "تابع" بسبب حرف يُتبع ما بعده لما قبله: فليس منه "أيْ" المفسرة، لأنها لا تتبع ما بعدها لما قبلها إلا على الرأي الذي يعتبرها حرف عطف كالواو، وهو الرأي الكوفي الحسن الذي أشرنا إليه "مفصلًا في رقم 1 من هامش ص556". ثم ساق بيتين ضمنهما أكثر حروف العطف التي سنشرحها في المكان الأنسب؛ هما: فالْعطْفُ مطْلُقًا بِواوٍ –ثمَّ –فا – ... حتَّى –أَم -أَو؛ كَفيكَ صِدقْ ووفَا وَأْتبعَتْ لَفْظًا فَحسْبُ: بلْ –ولا.. ... لكِنْ؛.................................. ثم عاد الكلام على أحكام الواو فقال: فاعْطِفْه بِواو سابقًا، أو لاَحِقًا ... في الحُكْم، أَوْ مُصاحِبًا مُوافِقًَا واخْصُصْ بِها عطف الَّذِي لا يُغْنِي ... متْبُوعُه، كاصْطَفَّ هذَا وابْنِي واقتصر على ما سبق، ولم يذكر بقية أحكام الواو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ومما انفردت به الواو غير ما سبق: 1- عطف العام على الخاص1؛ نحو: زرت القاهرة. والحواضر الكبرى. وقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . 2- وقوعها بعد كلام منفي. عاطفة مفردًا. وبعدها "لا" النافية؛ نحو: شجاع النفس لا يحب الجبن، ولا الكذب، ولا الرياء "أي: لا يجب كل واحدة من الصفات المذكورة". فتكرار "لا" يفيد أن النفي واقع على كل واحدة وحدها من غير توقف على غيرْها. ولو لم تتكرر2 "لا" لتوهمنا أنه مقصور على حالة اجتماعها مع غيرها2. فإن لم يوجد نفي قبلها. أو قصدت المعية لم يصح مجيء "لا"3. 3- وقوعها بعد نهي عاطفة لمفرد، وبعدها: "لا" النافية؛ التي تؤكد الغرض السالف؛ نحو: لا تصدق الحلاّف، ولا النمَّمام، ولا الحاسد. 4- جواز الفصل بينهما وبين معطوفها بظرف. أو جار مع مجروره5، نحو: أينعتْ حديقتان؛ حديقةٌ أمام البيت، وخلفَه حديقةٌ5، ومثل قوله

_ 1 وأما عكسه وهو: "عطف الخاص على العام" فتشاركها فيه "حتى" –كما سيجيء في "ب" ص584– نحو قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} . ونحو: لا يأمن الناس الأيام حتى الملوك. "والصلاة الوسطى: هي صلاة وسط النهار. والمراد بها: الظهر والعصر". وكل ما سبق مشروط بألا يتطلب المعنى حرفًا آخر يفيد الترتيب أو غيره ... انظر ما يتصل بهذا في آخر رقم 8 من ص660. 2 راجع "التصريح عند الكلام على: "العاطفة"، ثم "المغني" عند الكلام على "الواو". 3 لهذا بيان هام "في ج1 م5 هامش ص62 أو الكلام على موضوع: "الحرف". ويتضمن –فيما يتضمن– النص على زيادة "لا" النافية، والغرض من زيادتها، ومعناها، وإعرابها ... ". 4 صرح بهذا "الصبان" ولم يذكر خلافًا. لكن سيجيء في رقم 5 ما يعارضه. 5 والأخذ بهذا الرأي في "الواو" أنسب من الأخذ برأي آخر يمنع الفصل مطلقًا في غير الضرورة الشعرية بين المعطوف وحرف العطف: "الواو" أو: "الفاء"؛ أما غير هذين الحرفين من أدوات العطف فالرأيان متفقان على جواز الفصل بالظرف أو بالجار مع مجرورة. "راجع الهمع ج2 آخر باب العطف، ص141".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} . 5- عطف العِقد1 على النَّيِّف، نحو: واحد وعشرون ... سبعة وثلاثون ... خمسة وأربعون ... و.... 6- اقترانها بالحرف: "لكنْ"؛ كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ 2 وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . 7- وقوعها قبل الحرف "إما" المسبوق بمثله في كلام قبله؛ نحو: المنّ بالمعروف إما جهالةٌ، وإما سوءُ أدب. 8- العطف بها في أسلوب الإغراء والتحذير؛ نحو: الرفقَ والملاينةَ جهدَ طاقتك، وإياك والعنفَ ما وجدت سبيلًا للفرار منه. 9- عطف النعوت المتعددة المتفرَّقة التي منعوتها متعدد غير مفرَّق: نحو: تنقلت في بلاد زراعية وصناعية وتجارية ... والواقع بعد هذه "الواو" يسمى معطوفًا، ولا يصح تسميته –الآن- نعتًا. 10- عطف المفردات التي حقها التثنية أو الجمع، نحو قول الحجاج وقد مات

_ 1 العقد هو: العدد الذي يجيء ترتيبه عاشرًا بين الأرقام المتسلسلة المرتبة قبله. وتحصر العقود في لفظ: عشرة، عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، تسعين، والصحيح تسمية: "مائة" و"ألف" ومركباتهما "عقدًا" أيضًا أما "النيف" فكل عدد يكون ترتيبة المتسلسل بين عقدين؛ ومنه: أحد عشر، اثنان وعشرون، ثلاثة وثلاثون، خمسة وأربعون. وثلاثون، خمسة وأربعون ... و.... 2 الواو هي العاطفة، أما: "لكنْ" فحرف استدراك محض, -ومعناه وأحاكمه في صفحة 161-وكلمة: "رسول" بالنصب، خبر "كان" المحذوفة، والجملة من "كان" ومعموليها معطوفة بالواو على الجملة الفعلية قبلها. وهذا على الرأي الأشهر القائل إن كلمة: "لكنْ" الاستدراكية المسبوقة بالواو لا يقع بعدها إلا الجملة دائمًا، ولا تكون عاطفة؛ وإنما العاطف الواو. أما على رأي من يجيز وقوع المفرد بعدها فالواو حرف عطف وكلمة: "رسول" معطوفة على كلمة: "أبا" "انظر ص616".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد ابنه، ومحمد أخوه: "محمد ومحمد في يوم واحد". وقول الشاعر الفرزدق: إن الرزية لا رزيةَ بعدها ... فِقْدانُ مثل محمد ومحمدِ وقول الآخر: أَقمنا بها يومًا، ويومًا، وثالثًا ... ويومًا له يوم التَّرحُّلِ خامسُ يريد: أيامًا ثمانية ... 11- عطف السببي على الأجنبي في: "الاشتغال"؛ نحو: محمدًا أكرمت عمرًا وأخاه1. ومثل: محمد مررت بأخيك وأخيه1. 12- عطف كلمة: "أيّ" على مثلها2، كقول الشاعر: فلئِنْ لقيتُك خالَيْن لَتَعْلَمَنْ ... أَيِّي وأَيُّكَ فارِسُ الأَحْزابِ 13- عطف الظرف: "بين" على نظيره، مثل: المال بيني وبين أهلي3. 14- عطف السابق في زمنه على اللاحق، نحو: قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 15- المتعاطفان بالواو لا يختلفان بالسلب والإيجاب إذا كانا مفردين فلا يصح: لا الشمس طالعة والقمر. 16- وجول الفصل بها مع إهمالها بين كلمتين مُعَينتين ينشأ منهما مسموع من التركيب المزجّى "من أمثلته: كَيْت وكيْت. ذَيْت وذيت ... " بالتفصيل والبيان الآتيين في الموضع الأنسب –ج4 باب: "كم" م168 ص540. 17- جواز عطفها عاملًا قد حذف وبقي معموله على الوجه المشروح في ص615. ب- يرى الكوفيون من خصائص الواو وقوعها زائدة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا

_ "1، 1" الضمير راجع إلى "محمد" في المثالين. 2 بالتفصيل الذي سبق في "ج" من ص107. 3 راجع ما يختص بتكرار الظرف: "بين" في رقم 1 من هامش ص563.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فالواو التي قبل: "فُتحت" زائدة عندهم1. ومثل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: تَلَّهُ للجبين2. والبصريون يؤولون الآيتين وشبههما بتأويلات منها: أن الواو عاطفة أصلية وجواب "إذا" و"لما" محذوف.... لكن التأويل عسير في قول الشاعر: ولقد رمقْتك في المجالِسِ كلها ... فإذا وأَنت تعينُ من يبغيني والمراد: فإذا أنت. وقول الآخر: فما بالُ من أَسعى لِأَجْبُرَ عظمهُ ... حِفَاظًا، وينْوي من سفاهته كسْرى أي: ينوي من سفاهته. وإنما كان التأويل هنا عسيرًا لأن ما بعد إذا "الفجائية" لايقترن بالواو. ولأن جملة "ينوي" على تأويلها بأنها حالية هي جملة مضارعية مثبتة، وصاحب الحال هو "مَنْ" والجملة المضارعية المثبتة لا تقع حالًا مقترنة بالواو إلا على تقديرها خبرًا لمبتدأ محذوف والجملة في المبتدأ المحذوف وخبره هي الحال ... فهي محتاجة للتأويل والحذف. ولا داعي لهذا أو لغيره من التأويلات. فمذهب الكوفيين أوضح وأقل تعسفًا، والأخذ به هنا أيسر3، لكن الأفضل التخفّف من الزائدة قدر الاستطاعة، والبعد عن استعمالها؛ فرارًا من اللبس، ومن التأويل بغير داع. ح- هل "الواو" الواقعة بعد "بل" نوع من الزائدة؟ مثل: الصالح أمين،

_ 1 مستدلين بالآية الأخرى الخالية من الواو –وكلتاهما في سورة: "الزمر"، ونصها: { ... وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ... } . 2 بمعنى صرعه وألقاه على الأرض حتى لمسها جبينه. والقصة عن إبراهيم حين أراد أن يحقق رؤيا منامية؛ مضمونها أنه يذبح ابنه. ففهم منها أن هذا إيحاء من الله يجب تنفيذه؛ فهمَّ به، ورضي الولد بقضاء الله. ولكن الله أوحى إلى نبيه تركه، والتضحية بدله بشيء آخر. 3 علمًا بأن اللفظ الزائد "حرفًا أو غير حرف" إنما يزاد لغرض مقصود –طبقًا لما شرحناه في ج1 م5– الزيادة والتفصيل –عند الكلام على الحرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بل ومحسن ... الجواب في "ج" من ص628. د- تختص همزة الاستفهام دون باقي أخواتها بالدخول على أحد ثلاثة من حروف العطف ولا تدخل على غير هذه الثلاثة، هي: "الواو، الفاء، ثم" فمثالها قبل الواو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ َوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ، وقبل "الفاء"1 في قوله تعالى عن المشركين: {َفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} ، وقبل "ثُمّ"2 قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} ... ولا بد أن يكون المعطوف بعد الثلاثة جملة. وقد اشتهر النحاة في هذا رأيان3. أولهما: وهو رأي جمهورهم أن الهمزة تركت مكانها بعد حرف العطف، وتقدمت عليه؛ تنبيهًا على أصالتها في التصدير –كما يقولون– فالجملة بعد العاطف معطوفة على الجملة التي قبله وقبل الهمزة. ما لم يمنع من هذا العطف مانع" كأن تكون إحدى الجملتين إنشائية والأخرى خبرية؛ عند من يمنع العطف بين الجملتين المختلفتين خبرًا وإنشاء، مثل هذه الصورة. فتكون الجملة عنده بعد حرف العطف معطوفة على أخرى محذوفة مماثلة لها في الخبرية أو الإنشائية ... ". ثانيهما: وهو رأي الزمخشري أن الجملة بعد العاطف معطوفة على جملة محذوفة موقعها بين الهمزة والعاطف. والأصل مثلًا، أنَسُوا ولم يتفكَّروا؟ -أأغمضوا عيونهم ولم ينظروا؟ - أقعدوا ولم يسيروا ... ؟ -أكفرتم ثم إذا وقع

_ 1 انظر رقم 3 من هامش ص575. 2 انظر "ب" من ص579. 3 كما ستجيء الإشارة في ص639.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آمنتم به....؟ والرأي الأول أشهر. وبالرغم من ذلك فإن كلا الرأيين معيب؛ لقيامه على الحذف والتقدير، أو التقديم والتأخير، ولعدم انطباق كل منهما على بعض الصور الأخرى التي يدور حولها وحول ما سبق جدل طويل واعتراضات مختلفة1. فما السبب في هذا التكلف؛ والالتجاء إلى الحذف، والتقدير، والتقديم، والتأخير وعندنا ما هو أوضح وأيسر، وأبعد من التأويل؛، وذلك باعتبار الهمزة للاستفهام، وبعدها "الواو" و"الفاء"، و"ثم" حروف استئناف داخلة على جملة مستأنفة. وقد نص النحاة على أن كل واحد من هذه الثلاثة يصلح أن يكون حرف استئناف. ولا مانع أيضًا أن تدخل الهمزة –هنا– على حرف العطف مباشرة؛ مسايرة للنصوص الكثيرة الواردة في القرآن وغيره، ولن يترتب على أحد هذين الرأيين إخلال بمعنى، أو تعارض مع ضابط لغوي. "ملاحظة" في غير الهمزة من أدوات الاستفهام يجب تقيم حرف العطف وتأخير أداة الاستفهام عنه؛ لأن هذا هو قياس جميع الأجزاء في الجملة المعطوفة، نحو: قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ، وقوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} ...

_ 1 نراها في بعض المراجع، كالمغني وحواشيه، باب الهمزة.

2- الفاء: معناها الغالب هو الترتيب بنوعيه "المعنويّ والذّكْرِيّ" مع التعقيب فيهما وإفادة التشريك. والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرًا على زمن تحققه في المعطوف عليه؛ نحو: "نفعَنا بذرُ القمح للزراعة، فإنباتُه، فنضجُه، فحصادُه"،.... و.... فزمن البذر سابق على زمن الإنبات، والنضج، وما بعده. والمراد: بالترتيب الذّكْرِي: أن يكون وقوع المعطوف بها بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما في كلام سابق، وترتيبهما فيه، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما، كأن يقال لمؤرخ: حدثنا عن بعض الأنبياء؛ كآدم، ومحمد وعيسى، ونوح، وموسى –عليهم السَّلام– فيقول: اكتفى اليوم بالحديث عن محمد، فعيسى. فوقوع عيسى" بعد الفاء لم يقصد به هنا الترتيب الزمني التاريخي؛ لأن زمن عيسى أسبق في التاريخ الحقيقي من زمن محمد، وإنما قصد مراعاة الترتيب الذّكْري "أي: اللفظيّ" الذي ورد أولًا في كلام السائل، وتضمن ذكر "محمد" قبل "عيسى"1. والمراد بالتعقيب: عدم المهلة يتحقق بقِصَر المدة الزمنية التي تنقضي بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على المعطوف؛ نحو: وصلت الطيارة فخرج المسافرون. وأول من خرج النساءُ فالرجال ... فخروج المسافرين

_ 1 ويدخل في الترتيب الذكري "عطف المفصّل على المجمّل"؛ كقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} . وقوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} . وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} . ومن الترتيب الذكري: "الترتيب الإخباري"؛ وهو الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات بغير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي، وإنما يقصد به –بشرط وجود قرينة– ذكر المعلومات واحدة بعد واحدة، فالفاء –في هذا– كالواو التي لمطلق الجمع؛ نحو: تغير الجو، واشتدت الرعود، فالبروق، فتراكُم المياه في المنحنيات، فالأمطار.... ونحو: هذا عالم فأبوه، فجده ...

–في المثال– يجيء سريعًا بعد وصول الطيارة، وخروجُ الرجال يكون بعد خروجُ الرجال يكون بعد خروج النساء مباشرة من غير انقضاء وقت طويل في الصورتين.... وقِصَر الوقت متروك تقديره للعُرف الشائع؛ إذ لا يمكن تحديد الوقت القصير أو الطويل تحديدًا عامًّا يشمل كل الحالات. فقد يكون الوقت قصيرًا في حالة معينة، ولكنه يُعَدّ طويلًا في أخرى. وبمناسبة إفادتها الترتيب نشير إلى قاعدة سبقت1؛ هي: أن "المعطوفات" المتعددة تقتضي أن يكون لها جميعًا "معطوف عليه" واحد، وهو: الأول الذي يسبقها كلها، وقبل كل معطوف حرف عطف خاص به. ولكن إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب؛ "مثل: "الفاء" و"ثم" وجب أن يكون المعطوف عليه هو السابق عليهما مباشرة، ولو لم يكن هو الأول: نحو: تكلم في النادي الرئيس والوكيل والمُحاضر، فالناثر ثم الشاعر. فالوكيل والمحاضر معطوفان على الرئيس، أمّا كلمة: "الناثر" فمعطوفة على: "المحاضر" وأمَّا كلمة: "الشاعر" فمعطوفة على "الناثر"2 ... وتفيد كثيرًا مع الترتيب والتعقيب، "التسيب"؛ أي الدلالة على السببيَّة3؛ "بأن يكون المعطوف متسببًا عن المعطوف عليه" ويغيب هذا في شيئين؛ عطف الجمل، نحو: رمى الصياد الطائر فقتله4، وفي المعطوف المشتق، نحو: أنتم –أيها الجنود– واثقون بأنفسكم، فهاجمون على عدوكم، ففاتكون به. فمنتصرون عليه ... ومن أحكام الفاء5:

_ 1 في أول الباب في رقم 2 من هامش ص555 حيث البيان المفيد. 2 فإن جاء بعد ذلك عاطف لا يفيد الترتيب كان ما بعده معطوفًا على الذي قبل العاطف مباشرة، طبقًا للبيان الهام والذي في هامش ص555. 3 ولكنها لا تسمى اصطلاحًا في هذه الحالة "فاء السببية" إلا إذا دخلت على مضارع منصوب "بأن المصدرية" المضمرة التي تنصبه بشروط معينة مدونة في موضعها الأنسب "وهو: باب: "إعراب الفعل"، أول الجزء الرابع، ص65، م149". 4 ومثل قول الشاعر: رُبَّمَا استحال السّعد نحسًا ... فذاق المعتدي مما أذاقه 5 إنها قد تتجرد أحيانًا للاستئناف المحض ولا تصلح لغيره -وكذلك: "الواو"، وثم-.

أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل1 اختيارًا، فلا بد من اتصالهما في غير الضرورة الشعرية. وأنها تعطف المفردات2 والجمل كما في الأمثلة السالفة3، وأنه يجوز حذفها بقرينة كما أن "الواو" و"أو"4 كذلك نحو: قطعت سنوات التعلم؛ الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة ... ونحو: أنفقت المال درهمًا، درهمين، ثلاثة وأنها قد تحذف مع معطوفها؛ كالآية التي سلفت5. وتختص الفاء6: بأنها تعطف جملة لا تصلح صلة، ولا خبرًا، ولا نعتًا؛ ولا حالًا على جملة تصلح لذلك، والعكس، بأن تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء على جملة لا تصلح. "وسبب عدم الصلاحية في الصور السالفة كلها: خلو الجملة من الرابط، ووجوده في الجملة الصالحة"7 ... فمثال عطفها جملة لا تصلح صلة على جملة أخرى تصلح: "الذي عاونته ففرح الوالد مريض" ومثال العكس: "التي وقف القطار فساعدتها على النزول عجوز ضعيفة".

_ 1 كما سيجيء في رقم 4 من ص658. وقد سبق –في رقم 5 من هامش ص567– رأي يجيز الفصل بالظرف أو الجار مع مجروره بين ألفاء ومعطوفها. ولكن الرأي الذي يمنع الفصل في غير الضرورة الشعرية هو الصحيح إذا كانت أداة العطف هي "الفاء"، والاقتصار عليه واجب. 2 المراد من المفرد في باب العطف مدون في رقم 3 من هامش ص557 وله تكملة مفيدة في ص642. 3 في ص573 وهامشها ... ، ويجوز عند عطفها الجمل أن تسبقها همزة الاستفهام –إن اقتضى المعنى ذلك– على الوجه المشروح في "د" من ص570 فهي "الواو"، و"ثم، في هذا، ولا يقع من حروف العطف بعد همزة الاستفهام مباشرة غير أحد هذه الثلاثة. 4 انظر "ج" من ص611 ثم ص641. 5 في رقم 3 من هامش ص561 وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... } أي: فأفطَر، فعدة من أيام أُخر، وفي ص636 أمثلة أخرى. وكذلك يصح حذف المعطوف عليه قَبلها، طبقًا للبيان الذي في ص639. 6 ومما تختص به الفاء: أنها حرف العطف الوحيد الذي يصلح للدخول على الفعل المطاوع لأصله؛ نحو: فتحت الباب –فانفتح– علمت الراغب فتعلم، ولا يصح مجيء غيره من حروف العطف –طبقًا للبيان الهام الخاص بأحكام المطاوعة ج2 م66 ص980 7 وقد سبق هذا في مكانه من الأبواب الخاصة بتلك الجمل.

ومثال عطفها جملة لا تصلح خبرًا على أخرى تصلح: "الحديقة يرعاها البستاني فيكثُرُ الثَّمرُ". ومثال "العكس: الحديقة أهمل البستانيّ فقلَّ ثمرها". ومثال عطفها جملة لا تصلح نعتًا على أخرى تصلح: "هذا حاكم سَهِر على خدمة رعيته؛ فسعدت الرعية". ومثال العكس: "هذا حاكم شكا الناس فأزال أسباب الشكوى". ومثال عطفها جملة لا تصلح حالًا على أخرى تصلح: "أقبل المنتصر يتهلل وجهه فتشرح القلوب" ومثال العكس "أقبل المنتصر تنشرح القلوب فيتهلل وجهه". هذا، والفاء كالواو في أنها تعطف عاملًا قد حذف، وبقي معموله؛ نحو اشتريت الكتاب بدينار فصاعدًا1؛ والأصل –مثلًا: فذهبَ الثمنُ صاعدًا. "ملاحظة": من الفاء العاطفة للمفرد: "فاء السببية، التي ينصب بعدها المضارع بأنْ المستترة وجوبًا، فالمصدر المؤول بعدها مفرد معطوف بها على مفرد قبلها –كما سيجيء في مكانه2 ... وهناك نوع من الفاء يسمى: "فاء الفصيحة"، سيجيء الكلام عليه5. ونوع آخر تكون الفاء فيه –في بعض الآراء– حرف عطف صورةً لا حقيقية؛ فشكلها وظاهرها أنها عطف، مع أنها في الحقيقة والواقع مهملة وليست عاطفة، وقد سبق الكلام على هذا النوع4. بقي حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد الفاء العاطفة من ناحية المطابقة وعدمها وسيجيء البيان5 ... 3- ثم: ومعناها الترتيب مع عدم التعقيب، "أي: الترتيب مع التراخي"؛ وهو: انقضاء مدة زمنية طويلة بين وقوع المعنى على المعطوف عليه ووقوعه على

_ 1 انظر ص563 ورقم 1 من هامش ص363. 2 وهو عمل "فاء السببية" باب: نواصب المضارع –ج4 م149 ص333. 3 في ص637 وهامشها. 4 في ص536. 5 في رقم 3 من ص657.

المعطوف. وتقدير المدة الزمنية الطويلة متروك للعُرف الشائع –كما رددنا1؛ فهو وحده الذي يحكم عليها بالطول أو القِصر، ولا يمكن وضع ضابط آخر يحددها؛ لأن ما يعتبر طويلًا في حادثة معينة قد يكون قصيرًا في غيرها؛ فمَردّ الأمر للعُرف. ومن الأمثلة: زرعت القطن، ثم جنيته ... دخل الطالب الجامعة ثم تخرّج ناجحًا–كان الشاب طفلًا ثم صبيًا، ثم غلامًا؛ ثم شابًا فتيًّا. ومن أحكامها: أنها تعطفت المفردات والجمل، كما في الأمثلة السالفة2 ... وقد تدخل عليها تاء التأنيث3 لتفيذها التأنيث اللفظيّ؛ فتختص بعطف الجمل، نحو: مَنْ ظَفِر بحاجته ثُمَّتَ قَصَّر في رعايتها كان حزنه طويلًا، وغُصَّتُهُ شديدة. ومنها: -وهذا قليل جائز– أنها قد تكون بمعنى واو العطف، فتفيد مطلق الجمع والاشتراك من غير دلالة على ترتيب، بشرط وجود قرينة؛ نحو: لما انقضى الليل، واستنار الكون، ثم طلعت الشمس، واقترب ظهور الفجر سارع الناس إلى أعمالهم4..

_ 1 في ص574. 2 اقتصر ابن مالك في الكلام على "الفاء"، وثم على ما يأتي: و"الفَاءُ" للترْتِيبِ بِاتِّصَالِ ... وَ "ثُمَّ" لِلتَّرتيبِ بانْفِصَالِ "اتصال": أي: بغير مهلة زمنية. "بانفصال": بمهلة زمنية، "والمهلة هي ما يعبرون عنها بالتراخي. وعدم المهلة هو التعقيب" –وقد أوضحناهما في ص573 و574– ثم قال في الفاء: واخْصُصْ بفَاءٍ عَطفَ ما لَيْسَ صِلَهْ ... عَلَى الَّذِي اسْتَقَرّ أَنَّهُ الصِّلَهْ يريد: تختص الفاء بأنها تعطف جملة لا تصلح أن تكون صلة؛ لخلوها من الرابط على جملة أخرى تصلح صلة لاشتمالها على الرابط، ولهذا الحكم أشباه وتفصيلات شرحناها "في ص575" وسيذكر في آخر الباب ص636 اختصاص آخَر لها أشرنا إليه من قبل "في رقم 3 من هامش ص561" هو أنها –كالواو– يجوز حذفها مع معطوفها. 3 وهذه التاء الداخلة على الحروف يجوز تسكينها أو تحريكها بالفتحة. أما كتابتهما فمفتوحة "غير مربوطة". 4 ومن هذا قول ابن مالك في أول باب من ألفيته: كلامُنا لفظٌ مفيدٌ؛ كاستقمْ ... واسمٌ، وفعلٌ، ثم حرفٌ، الكَلِمْ قال الأشموني ما نصه: "ثم" في قوله: "ثم حرف....، بمعنى الواو؛ إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام. ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها فيا لشرف، ووقوعه طرفًا. ا. هـ.

ويدخل في هذا القليل الجائز أنْ يكون للترتيب الذّكري الإخباريّ، "وهو: الذي سبق إيضاحه1 في "الفاء" نحو: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعتَ أمسِ أعْجبُ. أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. ومنه قول الشاعر: إن مَنْ سادَ ثم سادَ أَبوه ... ثم قد سادَ قبل ذلك جدُّه ... ومنها: أنها تكون بمعنى "الفاء" أحيانًا فتفيد الترتيب مع التعقيب بقرينة؛ نحو شرب العاطش ثم ارتوى. ومنها: أن إفادتها الترتيب توجب –عند تعدد المعطوف عليه قبلها بتفريق– أن يكون معطوفًا تابعًا لما قبلها مباشرة من المعطوفات؛ طبقًا للبيان الذي تقدم2؛ ففي مثل: قرات الآية، والقصيدة، والخطبة. والرسالة ثم النشيد ... يتعين أن يكون النشيد معطوفًا بها على الرسالة، كما يتعين أن يكون كل واحد من المعطوفات الأخرى التي قبلها معطوفًا على الآية. ومنها: أنها قد تكون أحيانًا حرف عطف في الصورة الظاهرة دون الحقيقة الواقعة؛ فشكلها الظاهر هو شكل العاطفة، ولكنها لا تعطف مطلقًا وقد سبق3 الكلام على هذا النوع.

_ 1 في هامش ص573. 2 في ص574 وللبيان المفيد الذي في رقم 2 من هامش ص555. 3 في: هـ ص536.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أشار النحاة إلى وهم يقع فيه من يعرب: "ثم" حرف عطف في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} لأن "ثم" لا تصلح عاطفة هنا؛ إذ إعادةُ الخلق لم تقع، وإذا لم تقع فيكف يُقِرون برؤيتها؟ لهذا كانت "ثمّ" لاستئناف في الآية. ويؤيد كونها للاستئناف في الآية قوله تعالى بعد ذلك: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ؛ فمن المستحيل أن يسيروا فينظروا بدء الخلق ثم إنشاء النشاة الآخرة. والاستئناف أحد المعاني التي تؤديها ثلاثة من الأحرف؛ هي: "الواو، والفاء، وثمّ". وحين يكون الحرف للاستئناف لا يكون للعطف. قال الفيروزبادي صاحب "القاموس المحيط" في كتابه الآخر المسمى: "بصائر ذوي التمييز" عند الكلام على معاني "ثمّ"1 –ما نصه: "تكون للابتداء كقوله تعالى في سورة فاطر: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ا. هـ. وسيجيء في الجزء الرابع –عند الكلام على "واو المعية". باب إعراب الفعل2– ما يؤيد وقوع "ثم" للاستئناف، ويزيد الحكم بيانًا ووضوحًا. ب- "ثم" تصلح للوقوع بعد همزة الاستفهام مباشرة إذا كان المعطوف بها جملة، واقتضى الاستفهام على الوجه المشروع في "د" من ص570 فهي كالواو والفاء3 في هذا. ولا يقع بعد الاستفهام مباشرة من حروف العطف غير هذه الثلاثة. ج- ما حكْم الضمير بعد "ثم" إذا كان عائدًا على "المتعاطفين" أيطابقهما أم لا يطابق؟ الجواب في رقم 3 من ص657.

_ 1 ج2 ص344. 2 م149. 3 انظر رقم 3 من هامش ص575.

4- حتى: معناها الدلالة على المعطوف بلغ الغاية في الزيادة أوالنقص بالنسبة للمعطوف عليه1؛ سواء أكانت الغاية حسية أم معنوية، محمودة أم مذمومة، نحو: لم يبخل الغنيُّ الورعُ بالمال حتى الآلاف، ولم يُقَصَّرْ في العبادة حتى التهَجُّدِ2. ومثل: حبسَ البخيل أمواله حتى الدِّرهمَ، وارتضى لنفسه المعايب حتى الاستجداءَ. ولا تكون عاطفة إلا باجتماع شروط أربعة 3: أ- أن يكون المعطوف بها اسمًا "فلا يصح أن يكون فعلًا، ولا حرفًا4، ولا جملة5"، نحو: استخدمت وسائل الانتقال حتى الطيارةً، فلا يجوز

_ 1 بمعنى أن المعطوف عليه لو استمر متجهًا في صعوده أو في انخفاضه لكان غاية ما يصل وينتهي إليه من شرف أو خسة، أو قوة أو ضعف،.... أو نحو هذا من كل ما يفيد زيادة ونقصًا هي الدرجة التي وصل إليها المعطوف. "وكل هذا بحسب التخيل العقلي المحض، لا الواقع؛ لأن الواقع الخارجي قد يعارضه انظر رقم 2 من هامش ص582. 2 الصلاة بالليل. 3 زاد بعضهم شرطًا آخر؛ هو: أن يكون المعطوف بها مشتركًا مع المعطوف عليه في معنى عاملها؛ فلا يصح: صمت الأيام حتى يوم عيد الفطر: لأن يوم عيد الفطر لا يباح صومه شرعًا. 4 لأن الحرف –في الغالب– لا يدخل على نظيره في اللفظ والعمل إلا في التوكيد اللفظي، أو في الضرورة الشعرية. 5 إذا دخلت "حتى" على جملة فعلية فعلها ماض أو على جملة اسمية، فهي حرف ابتداء، وهي: كما قال الخضري ج2 باب العطف عند الكلام على: "حتى" الداخلة على جملة مضمونها غاية "أي: نهاية" لشيء قبلها؛ مثل قول الشاعر: ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وبحرُ الأَرض نماؤه سفينا في بعض الروايات وسئل: "المعروف يأسر القلوب، حتى قلوبُ الأعداء مأسورةٌ به". فإن دخلت على مضارع مرفوع بابتدائية، أو منصوب فجارة. ولا بد في الابتدائية ألا تنقطع الصلة المعنوية بين ما قبلها وما بعدها، برغم أن ما بعدها لا بد أن يكون جملة مستقلة في إعرابها. أما قول الفرزدق يذم "كُلَيْبَا" قبيلة الشاعر جرير: فواعجبًا!! حتى كليب تَِسُبُّني ... كأن أَباها نهشَل أو مُجَاشِع ونهْشَل ومجاشع من آباء الفرزدق فيقول المغني، ج1 عند الكلام على "حتى" ما نصه: "لا بد من تقدير محذوف قبل "حتى" في هذا البيت يكون ما بعد حتى غاية له، أي: فواعجبًا "يسبني الناس حتى كليب تسبني ... " ا. هـ. "كما سيجيء في باب إعراب المضارع بأن مضمرة وجوبًا. أما "الجارة ففي ج2 م90 ص545".

العطف في نحو: صفحت عن المسيء حتى خَجِل، وتركته لنفسه حتى نَدِم، ولا في قول المعَري: وهوّنتُ الخطوب عليّ، حتى ... طأنّي صرت أَمْنَحُها الودادا ب- أن يكون الاسم المعطوف بها اسمًا ظاهرًا لا ضميرًا، وصريحًا لا مؤولًا؛ فلا يجوز اعتبارها حرف عطف في مثل: انصرف المدعوون حتى أنا. وقد ارتضى بعض المحققين الاستغناء عن هذا الشرط، وأجاز المثال السالف، وأشباهه. وفي الأخذ برأيه توسعة وتيسير. كما لا يجوز اعتبارها عاطفة في مثل: "أحب المقالات الأدبية حتى أقرأ الصحف"؛ لما يترتب على هذا من وقوع معطوفها مصدرًا مؤولًا. وهذا لا يصح. ج- أن يكون المعطوف بعضًا حقيقيًا1 من المعطوف عليه، أو شبيهًا بالبعض2، أو بعضًا بالتأويل3. فمثال البعض الحقيقي: بالرياضة تقوى

_ 1 البعض الحقيقي –هنا– إما أن يكون جزءًا من الكل بحيث لا يوجد الكل الكامل بغيره؛ نحو: أفاد الدواء الجسم حتى الإصبع، وإما أن يكون فردًا في مجموع؛ نحو: سهر الجيش حتى القائد، وأما أن يكون نوعًا من جنس يشمل أنواعًا كثيرة؛ نحو: النبات نافع حتى المتسلق. 2 هو العَرَض الملازم للكل من غير أن يدخل في تكوين ذاته الأصلية؛ كالجمال والعلم، واللون، والخلق، والصوت، نحو: راقني الخطيب حتى ابتسامته ... 3 أي: بتقدير أنه كالبعض، واقتراض ذلك. والمراد به: ما يصاحب "الكل" ويرافقه في أحيان كثيرة دون أن يكون جزءًا حقيقيًا منه، ولا ملازمًا له ملازمة دائمة ... نحو: حضر القطار فنزل المسافرون، حتى الحقائب. وهذا يقتضي أن يكون البعض التأويل ملاحظًا في نفس المتكلم عند النطق بالكل، وداخلًا في نيته وتقديره أنه بمنزلة البعض؛ لأهميته وشدة اتصالهز ومن أمثلته التي عرضها النحاة قول شاعر يصف هاربًا من مسلكه الذي أمر بقتله: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها برواية من نصب كلمة: "نعل" على اعتبار أن ما قبلها وهو "ألق الصحيفة.. والزاد" في تأويل: ألقى عنه الحمل الثقيل. ونعله بعض ما يثقله؛ فيكون معطوفًا على "الصحيفة"، وهناك روايات في ضبط تلك الكلمة لا تعنينا هنا.

الأعضاء حتى الرجل، ومثال الشبيه بالبعض: أعجبني العصفور حتى لونه1 ومثال البعض بالتأويل: تمتعت الأسرة بالعيد حتى طيورها. د- أن تكون الغاية الحسية أو المعنوية محققة لفائدة جديدة، فلا يصح: قرأت الكتب حتى كتابًا، ولا سافرت أيامًا حتى يومًا ... أحكامها: منها: أنها لمطلق الجمع كواو العطف عند عدم القرينة؛ فلا تفيد الترتيب الزمني بين العاطف والمعطوف في الحكم نحو: أديت الفرائض الخمس حتى المغرب، ووفيت أركان كل صلاة حتى الركوع2، وكقول الشاعر: رجالي -حتى الأقدمون- تمالئوا ... على كل أمر يورث المجد والحمدا ومنها: إعادة حرف الجر وجوبًا بعد "حتى" إذا عطف بها آخر شيء، والمعطوف عليه مجرور بمثل ذلك الحرف، ويلتبس المعنى بعدم إعادته؛ نحو: سافرت في الأسبوع الماضي حتى في آخره، إذا كان المراد السفر في أوقات متقطعة من الأسبوع، وبعضها في آخره. فلو لم تذكر كلمة: "في" مرة ثانية بعد: "حتى" لكان من المحتمل فهم المراد بأنه السفر المتصل من أول الأسبوع إلى آخر لحظة فيه. وهذا غير المقصود، فمن الواجب أن يعاد بعدها حرف الجرّ إذا كان "المعطوف عليه" مجرورًا بمثيله؛ لكيلا تلتبس بالجارة. فإن تعيَّن3 العطف بحيث يمتنع اللبس المعنوي كانت الإعادة جائزة لا واجبة، نحو: فرحت بالقادمين حتى أولادهم، وقول الشاعر:

_ 1ولا يصح: حتى: نظيره، أو فرخه، كما لا يصح أعجبني ألأخت حتى جارها. 2 قالوا: لا يعتبر إلا الترتيب الذهني من الأضعف إلى الأقوى، أو بالعكس ولا يعتبر الترتيب الخارجي؛ لجواز أن تكون ملابسة الفعل لما بعدها سابقة على ملابسته للأجزاء الأخرى، أو في أثنائها، أو معها في زمان واحد؛ نحو مات كل أب للناس حتى آدم -ومات الناس حتى الأنبياء- وجاءني القوم حتى على، إذا جاءوا كلهم مجتمعين وعلى أقواهم أو أضعفهم. ويؤيد ما سبق قوله عليه السلام: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس". لأن تعلق القضاء والقدر بهذين لا يتأخر عن غيرهما، فالمراد من كل ما سبق أنها تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها في الذهن حتمًا، أي: تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه، ولو كان هذا مخالفًا لما في خارج الذهن والواقع "راجع الخضري والصبان، ورقم 1 من هامش ص 580". 3 ضابط تعين العطف وعدم تعينه هو: أنه متى ص إحلال الحرف "إلى" محلها كانت محتملة للأمرين، وإلا تعينت للعطف.

جودُ يُمْنَاك فاضَ في الخلْقِ حتَّى ... بائسٍ دانَ بالإِساءةِ دينا ومنها: أن استعمالها عاطفة أقل من استعمالها جارة، فيراعيَ هذا في كل موضع يصلح فيه الأمران؛ نحو: قرأت الكتابَ حتى الخاتمة، فيجوز نصب "الخاتمة" باعتبارها معطوفة "بحتى" على: "الكتاب". ويجوز جرها باعتبار "حتى" حرف جر، والأحسن الجرّ؛ لأن العطف بالحرف: "حتَّى" أقل في كلام العرب1 من استعمالها جارة2.

_ 1 وفيما سبق خاصًا بالحرف: "حتى" يقول ابن مالك: بعضًا بحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كلِّ، وَلاَ ... يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ أي: اطعف حتى بعصًا على كل "فالمعطوف جزء من المعطوف عليه" ولا يكون المعطوف غاية للذي تلاه. "والذي تلاه المعطوف أي: جاء بعده المعطوف هو: المعطوف عليه". يريد؛ أن المعطوف لا بد أن يكون غاية للمعطوف عليه في الزيادة أو النقص بحيث نتخيل المعطوف عليه يستمر في زيادته أو نقصه حتى يصل في درجته للمعطوف. "كما أوضحنا في رقم 1 من هامش ص580". 2 وبسبب هذه القلة لا يوافق الكوفيون على استعمالها حرف عطف مطلقًا ... ويستثنى من الحالة السابقة التي يكون فيها الجر أحسن، صورة: "الاشتغال" في مثل: صافحت القوم حتى طفلًا صافحته، من كل اسم وقع بالحرف "حتى؛ والمعطوف عليه هو: القوم. والفعل: "صافح" الثاني، توكيد للأول. فإن اشتغل برفع الضمير نحو: حضر القوم حتى طفل حضر، امتنع النصب، وصح الرفع في هذا المثال. وإنما كان النصب أحسن في الحالة الأولى لتكون بين الضمير ومرجعه مشابهة في الإعراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ومن أحكامها أنها لا تعطف نعتًا كما تقدم1. وأنها لا تقع في صدر جملة تعرب خبرًا2. ب- أشرنا3 إلى أن "حتى" العاطفة –كالواو– لمطلق الجمع عند عدم القرينة، لا الترتيب الزمني في الحكم، نحو: مات كل الأنبياء حتى نوح. واستدلوا على هذا بأمثلة مختلفة؛ منها قوله عليه السلام: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز، والكيْس" إذ لا يتأخر تعلق القضاء والقدر بهما عن غيرهما. لكنها –في مثل هذه الحالة– تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنًا؛ أي: تفيد تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه طبقًا للبيان والتفصيل السالفيْن4. وتكون كالواو أيضًا في عطفها الخاص على العام. وفي وجوب مطابقة الضمير العائد على المتعاطفين بعدها لهما5 ...

_ 1 في رقم 2 من هامش ص481. 2 طبقًا لما سبق إيضاحه وتكراره بالجزء الأول م35 هامش ص428. 3 في ص582 وهامشها. 4 كما في رقم 1 من هامش ص585. 5 طبقًا للبيان الذي في رقم 3 ص657.

5- أمْ: نوعان1؛ متصلة، ومنقطعة، "أو: منفصلة". النوع الأول: "المتصلة"، وهي المسبوقة بكلام مشتمل على همزة التسوية2، أو على همزة استفهام يراد منها ومن "أمْ" التعيين "ويكون معناهما في هذه الحالة هو: "أيّ" الاستفهامية"3. فالمتصلة قسمان4، ولكل منهما علامة تميزه من الآخر: أ- علامة: "أمْ" المتصلة بهمزة التسوية أن تكون متوسطة بين جملتين خبريتين، قبلهما معًا همزة تسوية5، وكلتا الجملتين صالحة لأن يحل محلها هي والأداة التي تسبقها6 مصدر مؤول من هذه الجملة؛ فهما جملتان في تأويل مفردين ويبين هذه المفردين "واو" عاطفة تُغْنى عن "أم"؛ كقولهم: على

_ 1 وكلاهما لا يعطف نعتًا على نعت. "طبقًا لما تقدم في رقم 2 من هامش ص481". 2 سميت همزة التسوية لوقوعها بعد لفظ: "سواء"، أو "لا أبالي" ... ، أو ما يشبههما في دلالته على أن الجملتين المذكورتين بعده متساويتان في حكم المتكلم أي: في تقديره لأثرهما لا فرق عنده بين أن يتحقق معنى هذه أو معنى تلك؛ إذ لا تفصيل لأحدهما على الآخر؛ فالأمران سيان عنده؛ نحو: لن أتخلف عن عملي: سواء عليّ أكان الجو معتدلًا أم منحرفًا، ونحو: لن يتخلى الشريف عن حريته؛ سواء عليه أيلقى الإعتات والشقاء أم يلقي الإكبار والتقدير: مثل قول الشاعر: أَكُرُّ على الكَتِيبة لا أُبَالِي ... أَحَتْفِي كان فيها أَم سواها "وانظر رقم 3 من هامش ص588 ورقم 3 من هامش ص593" فكلمة: "أم" توسطت بين جملتين معناهما مختلف، وقبلهما "همزة التسوية" التي تدل على أن المعنيين المختلفين منزلتهما واحدة عند المتكلم، وفي تقديره؛ فيتساوى عنده اعتدال الجو وانحرافه، ويتساوى عنده الإعنات والشقاء، والإكبار والتقدير، وكذلك الموت في كتيبة يهجم عليها، أو في غيرها. ومما تجب ملاحظته أنها لا تحتاج إلى جواب محتم، ومن الجائز –لا الواجب– أن يكون لها جواب أحيانًا –كما سيجيء في ص594– وأن التسوية مستفادة من كلمة "سواه" أو مما يدل دلالتها؛ مثل: "لا أبالي". وليست مستفادة من الهمزة، وإنما فائدة الهمزة هي تقوية التسوية، وتأكيدها. ويصح الاستغناء عن هذه الهمزة بقرينة تدل عليها –كما سيجيء في ص596. 3 طبقًا للإيضاح الآتي في "ب" من ص589. 4 يجوز حذف "أم المتصلة" مع معطوفها؛ طبقًا للبيان الآتي في ص636، كما يجوز حذف المعطوف عليه قبلها، بالإيضاح الذي في ص639. 5 إذا كانت إحدى الجملتين منفية وجب تأخيرها عن "أم" كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص591 وفي ص594. 6 الأداة هنا هي: "الهمزة" في الجملة الأولى، "وأم" في الجملة الثانية.

العقلاء أن يعملوا برأي الخبير الأمين، فإن العمل برأيه غُنْم؛ سواءٌ أيوافق الرأيُ هواهم أم يخالفه". والتقدير: موافقةُ الرأي هواهم ومخالفتُه سواء. ومثل: "سؤال الناس مَذَلة وهوان؛ سواء أكان المسؤول قريبًا أم كان غريبًا". أي: سواءٌ كونُ المسؤول قريبًا وكونه غريبًا. فقد حل محل الجملة الفعلية الأولى في المثالين ومعها همزة التسوية، مصدر مؤول من الهمزة والجملة معًا؛ هو مصدر الفعل1 المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه "فاعلًا كان، أو اسمًا لناسخ ... " وحل محل الجملة الفعلية الثانية في المثالين ومعها "أمْ" مصدر مؤول هو مصدر الفعل المذكور فيها مع إضافته إلى مرفوعه كذلك، وجاءت "الواو" بدلًا من "أمْ" في المثالين؛ لتعاطف المصدر الثاني المؤول على نظيره المصدر الأول. ويعرب المصدر الأول على حسب حاجة الجملة ... فيعرب في المثالين السالفين خبرًا، مبتدؤه كلمة: "سواء" أو العكس. وقد يعرب في غيرهما مفعولًا به، أو ... أو.. على حسب الموقع ... ويعرب المصدر المؤول الثاني معطوفًا على الأول بالواو. والجملتان إما فعليتان كما رأينا –وهو الأكثر، ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، والتقدير: إنذارك2 وعدنُه سواءٌ. وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} ، والتقدير: جزعنا وصبرنا سواء3 وإما اسميتان كقول الشاعر:

_ 1 فإن لم يكن في الكلام فعل أغنى عنه مشتق آخر من المشتقات؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول ... ؛ فيصاغ المصدر المؤول عندئذ من المشتق مع مرفوعه. ويوضح هذا النوع من الإضافة والسبك ما سبق في ص28 و84 وكذلك ما سبق في ج1 ص395 م29 آخر باب الموصول حيث الكلام في كل ذلك على المصدر المؤول من غير سابك. "انظر رقم 2 و3 التاليين". 2 من الممكن بعد همزة التسوية سبك المصدر المؤول بدون حرف سالك؛ طبقًا للبيان الذي تقدم في موضعه المناسب. "وهو حروف السبك ج1 م29 ص473 وج2 م91 ص256". 3 في تأويل هذا المصدر وباقي الأمثلة المشابهة، وإعراب الآية معه، جدل طويل احتوته المطولات. وقد لخصه "الخضري" في حاشيته تلخيصًا نافعًا، وإنا نسوقه هنا لفائدته النحوية واللغوية. قال: "أعرب الجمهور لفظ "سواء" –في الآية– خبرًا مقدمًا، عن الجملة التي بعده لتأويلها بمصدر. أي: جزعُنا وصبرُنا سواء علينا، أو عكسه وهو إعراب "سواء" مبتدأ والمصدر المؤول خبره؛ =

وَلَسْتُ أُبالي بعد فقْديَ مالكًا ... أَمَوْتِيَ ناءٍ أَم هُوَ الآَنَ واقعُ

_ = لأن الجار والمجرور والمتعلق بلفظ "سواء" يُسَوغ الابتداء به وجعلوه "أي: لفظ سواء" من مواضع سبك الجملة بلا سابك؛ كهذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، مما أضيف فيه الظرف إلى الجملة –وقد سبقت الإشارة إليه في باب الإضافة ص38 و83– تسمع بِالمُعَيْدِيِّ خير من أن تراه، مما أخبر فيه عن الفعل بدون تقدير: "أنْ". ولا يرد أن: للعطف والتشريك كما انسلخت الهمزة –في الآية ونظائرها– عن الاستفهام، واستعيرت للإخبار باستواء الأمرين في الحكم، بجامع استواء المستفهم عنهما في عدم التعيين، فالكلام معها خبر لا يطلب جوابًا؛ ولذا لم يلزم تصدير ما بعدها. فجاز كونه مبتدأ مؤخرًا. وعلى هذا يمتنع بعدها العطف "بأو" لعدم انسحلاخها عن: الأحد، "أي: عن أحد الشيئين" ك "أم". التي انسلخت عنه ولذا لحن في المغني قول الفقهاء: "سواء كان كذا وكذا". وصوابه: "أم". لكن نقل الدماميني عن السِّيرافي، أن "أو" لا تمتنع في ذلك إلا مع ذكر الهمزة لا مع حذفها. قال وهذا نص صريح يصح كلام الفقهاء اجع أيضًا رأي سيبويه في "ب" من ص611، في نهاية الكلام على: "أو" العاطفة أما التنافي المذكور فيتلخص منه بما اختاره الرضى من أن "سواء" خبر مبتدأ محذوف: أي: الأمران سواء، والهمزة. بمعنى: "إنْ" الشرطية. لدخولها على أمر غير متيقن، وجذف جوابها لوجود ما يدل عليه، وجي لها لبيان الأمرين؛ أي: إن قامت أو قعدت فالأمران سواء؛ "فأقام" للأحد، مثل: "أو" في أن الأصل فيها أن تكون لأحد الشيئين، أو الأشياء، كما سيذكر في "أ" ص611 وفيها بعض حالات مستثناة هناك والجملة غير مسبوكة ونقل عن السيرافي مثله" ا. هـ. وواصل الخضري كلامه قائلًا؛ "وإذا تأملت ذلك علمت أنه على إعراب الجمهور لا تصح "أو" مطلقًا، لما فإنها من التسوية إلا أن يدعي انسلاخها عن "الأحد" مثل "أم". أما على إعراب "الرضيّ" فتصح مطلقًا؛ فلا وجه لقصر جوازها على عدم الهمزة؛ إذ المقدر كالثابت. على أن التسوية كما قاله المصنف مستفادة من "سواء" لا من الهمزة. وإنا سميت همزة التسوية لوقوعها بعد ما يدل عليها، وحينئذ فالإشكال في اجتماع: "أو" مع "سواء" لا الهمزة" ا. هـ. بتصرف يسير في بعض كلمات أزيل غموضها. ومثل هذا في حاشية الصبان مع اختلاف يسير في القاعدة. والأفضل الأخذ بما جاء في الخضري لأنه يساير أكثر الكلام المأثور. ويدل دلالة واضحة على إباحة استعمال: "أو في كل" الحالات. وقد صحح اجتماع "أو" وهمزة التسوية بعض المحققين، مخالفًا في هذا رأي سيبويه المشار إليه الآتي في "ب" من ص611 ومنهم صاحب حاشية الأمير على "المغنى" ج1 عند الكلام على "أم" المتصلة، والعطف بالحرف: "أو" عد الهمزة. هذا إلى قراءة بعضهم قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} . بدلًا من "أم لم تنذرهم" ... ولا يقال إن هذه القراءة –عند بعضهم- شاذة؛ لأن ما يجوز في القرآن الكريم يجوز في غير من باب أول، كما نص عليه الثقات، أما إعراب "الرضي" فمع وضوحه ويسره حين تكون الجملتان فعلتين يحتاج إلى تأويل وتقديره محذوفات حين تكون الجملتان اسميتين أو مختلفتين.=

والتقدير: لست أبالي نَأىَ1 موتى وقوعه الآن. وإما مختلفتان بأن تكون الأولى "وهي المعطوف عليها" فعلية: والثانية "وهي المعطوفة" اسمية كقوله تعالى عن الأصنام: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} , والتقدير: سواء عليكم دعاؤُكُم إياهم وصمْتُكُم. أو العكس، نحو: لا يبالي الحرّ في إنجاز العمل أرئيسهُ حاضر أم يغيب. والتقدير: لا يبالي الحرُّ حضورَ رئيسه وغيابه2. والمصدر المؤول هنا مفعول به ... والجملة بمعنى: سواءٌ على الحرّ أرئيسه حاضر أم غائب. وليس من اللازم أن تكون همزة التسوية مسبوقة بكلمة "سواء" فقد يغنى عنها ما يدل دلالتها في التسوية؛ نحو: "ما أبالي" ... أو ما يشبهها من هذه الناحية3 إنما اللازم أن تكون مسبوقة بكلمة: "سواء" أو بما يؤدي

_ = وهناك إعرابات أخرى؛ منها: اعتبار كلمة: "سواء" متضمنة معنى المشتق، فهي بمعنى: متساو –مثلًا– وأنها على حسب هذا التضمن مبتدأ والمصدر المؤول بعدها فاعله، أو أنها خير مقدم ... كما جاء في كتاب: العكبري، المسمى "إملاء ما مَنَّ به الرحمن". لكن في كلام الخضري السابق الكفاية. وجاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة فأصدر قرارًا حاسمًا في الاستعمالات السالفة، وسجل قراره في ص227 من كتابه الذي أخرجه سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة" ونص قراره تحت عنوان "استعمال: "سواء" مع "أم" ومع "أو" بالهمزة وبغيرها, يجوز استعمال "أم" مع الهمزة وبغيرها وفاقًا لما قرره جمهرة النحاة، واستعمال "أو" مع الهمزة وبغيرها كذلك على نحو التعبيرات الآتية: سواء عليّ أحضرت أم غبت –سواء على عليّ حضرت أم غبت سواء على أحضرت أو غبت– سواء على حضرت أو غبت. والأكثر في الفصيح استعمال "الهمزة" و"أم" في أسلوب "سواء" ا. هـ. 1 أي: بُعْد مجيئه، وتأخر زمنه. 2 العطف في الآية يؤيد الرأي الأرجح الذي يبيح عطف الجملة الاسمية على الفعلية والعكس. بالطريقة الموضحة هناك "انظر ص655". 3 يرى بعض النحاة أن الهمزة بعد: "ليت شعري –لا أعلم– ما أدري ... " لطلب التعيين فقط، لأن تلك الألفاظ ليست في حكم: "لا أباي" التي تكون بعدها الهمزة للتسوية؛ فكأن القائل يريد: لا أدري جواب هذا الاستفهام ... ويخالفهم آخرون؛ فيرون الألفاظ السالفة كلها خاضعة لحكم واحد هو اعتبار الهمزة بعدها للتسوية. والحق أن المراد من هذه الألفاظ يتوقف على القرينة –وأهمها السياق– فهي التي تحدد الغرض؛ فيتعين نوع الهمزة، أهِي للتسوية أم للتعيين. فإن لم توجد القرينة فالرأي الأول هو الأصح. هذا، وسيبويه يجيز العطف "بأم" و"بأو" بعد "ليت شعري، وما أدري" إذا سبقتهما الهمزة. ولرأيه تكمله تجيء في "ج" من ص605 وفي "ب" من ص611.

معناها؛ كما في بعض الأمثلة السابقة. هذا، ولا شأن لهمزة التسوية بالاستفهام فقد تركته نهائيًا وتمضحت للتسوية. حكم هذا القسم: مما سبق يتبين أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تَعطف إلا جملة على جملة وكلتا الجملتين خبرية بمنزلة الفرد؛ لأنها صالحة مع الأداة لأن يحل محلها مصدر مؤول. ولا شأن لها بعطف المفردات إلا نادرًا؛ لا يقاس عليه، ومن صور هذا النادر القليل الذي لا يقاس عليه أن تتوسط بين مفرد وجملة1؛ كقول القائل: سواءٌ عليك النَّفْر2 أم بتَّ ليلةً ... بأَهلِ القِباب من عُمَيْر3 بن عامر وعلامة: "أم" المسبوقة بهمزة التَّعيين أن تكون متوسطة بين شيئين، ينسب لواحد غير معين منهما أمر يعلمه المتكلم. ولكنه لا يعلم –على وجه التعيين– صاحبه منهما، وقبلهما معًا همزة استفهام، يراد منها ومن "أم" تعيين أحد هذين الشيئين4، وتحديد المختص منهما بالأمر الذي يعرفه المتكلم، ويَسأل

_ 1 راجع حكم عطف الجملة على المفرد في مكانه "ص659" ويضعف أن يكون العطف في البيت عطف ماض على مصدر "انظر ص650 وما بعدها". وأحسن من هذين أن تكون الجملة بعد "أم" في تأويل مصدر معطوف على المصدر السابق عطف مفردات، وأن تكون "أم" العاطفة بمعنى الواو؛ طبقا لما سبق في ص585 وما بعدها. 2 الرحيل. 3 في رواية أخرى: "نمير" –بالنون– طبقًا للوارد في كتاب: "معاني القرآن" للفراء، ج1 ص401. 4 يكون المراد من التعيين إما طلب تعيين أحد شيئين مجسمين، وتخصيص الأمر المعلوم للمتكلم بأحد هذين الشيئين المجسمين؛ كما في مثال: أعمك مسافر أم أخوك؟ فالحكم المعلوم هو: السفر، والمجهول المراد تعيينه هو الشخص "أي: الذات" الذي ينسب له الحكم السالف. وإما طلب تعيين احد أمرين معنويين وتخصيصه بذات معلومة، نحو: أسَفَرُ أخيك أنفع أم إقامته، فالحكم -أي: السفر- المجهول. والشخص "أي الذات" هو المعروف. هذا، ويصح الاستغناء عن هذه الهمزة على الوجه المبين في ص596.

عن صاحبه الحقيقيّ؛ ليعرفه على وجه اليقين، لا التردد والشك؛ نحو: أعَمّك مسَافر أم أخوك؟ فقد وقعت "أمْ" بين شيئين، هما: "عم" و"أخ" وقبلهما همزة استفهام1 يريد المتكلم بها و"بأمْ" أن يعين له المخاطب أحد الشخصين تعيينًا قاطعًا يدل على المسافر منهما دون الآخر. فالمتكلم يعلم يقينًا أن أحدهما مسَافر؛ لكم مَِن منهما؟ هذا هو ما يجهله المتكلم، ويريد أن يعرفه بغير تشكك فيه؛ إذ لا يدري؛ أهو: العم أم الأخ؟، ومن أجله يطْلب من المخاطب أن يُعَيِّن له المسافر تعيينًا مضبوطًا، ويحدده تحديدًا يؤدي إلى كشف حقيقته وذات، فيمكن بعد هذا إسناد السَّفر إليه وحده، ونسبيته إليه، دون غيره. فالسفر المجرد ليس موضع السؤال؛ لأنه غير مجهول للمتكلم، إنما المجهول الذي يسأل عنه ويريد أن يعرفه هو تعيين أحدهما، وتخصيص فرد منهما بالأمر دون الآخر. ومن الأمثلة أيضًا: أعادلٌ واليكم أم جائز؟ فقد وقعت "أم" بين شيئين؛ هما: عادل وجائر، وقبلهما معًا همزة الاستفهام التي يريد المتكلم بها وبأمْ استبانة أحد الشيئين، وتحديدهُ، وتعيينه، ليقتصر المعنى عليه، وينسب إليه وحده. ذلك أن المتكلم يقطع بأن هناك واليًا، ولا يشك في وجوده، ولكن الذي يجهله ويريد أن يعرفه من المخاطب هو: تعيين هذا الوالي، وتحديد أمره؛ بحيث يكون واحدًا محددًا من هذين الاثنين لا يتجه الفهم إلى غيره مطلقًا. وتسمى هذه الهمزة: "بالمغْنية عن كلمة: "أيّ" لأنها مع "أم" يغنيان عن كلمة: "أي" في طلب التعيين، وليست الهمزة وحدها -فمعنى؛ أعمك مسافر أمْ أخوك؟ هو: أيّهما المسافر؟ ومعنى أعادل وإليكم أم جائز: أيّ الأمرين واقع ومحقق؟ حكم هذا القسم: يشترط في: "أمْ" هذه –كما سبق– أن تتوسط بين الشيئين اللذّين يراد

_ 1 قال الصبان في باب العطف عند آخر الكلام على همزة التسوية وما يتصل بها ما نصه: "قد تكون "هل" بمعنى "الهمزة" فيعطف "بأمْ" بعدها؛ كحديث: "هل تزوجن بكرًا أم ثيبًا"؟ " ا. هـ كلام الصبان. هذا وفي شعر الحسن بن مثير "وهو أموي من شعراء الحماسة، يحتج بكلامه" قوله: هل الله عافٍ عن ذنوب كثيرة ... أم الله –إن لم يعفُ– يعيدها؟

تعيين أحدهما؛ فيقع قبلها واحد منهما، ويقع بعدها الآخر1؛ كما في الأمثلة2. ولما كان التعيين والتحديد هما الغرض من الاتيان "بأمْ" هذه ومعها همزة الاستفهام التي قبلها وجب أن يجيء الجواب مشتملًا على ما يحقق الغرض؛ فيتضمن النص الصريح بذكر أحد الشيئين وحده. فيقال في المثال الأول: "العم ... " مع الاقتصار على هذا. أو: "الأخ ... " مع الاقتصار عليه. ويقال في المثال الثاني: "عادل" كذلك، أو "جائز". ولا يصح أن يقال في الإجابة عن السؤالين وأشباههما: نعَم، أوْ: لا؛ لأن الإجابة بأحد هذين الحرفين –أو بأخواتهما من أحرف الجواب– لا تفيد تعيينًا، ولا تحديدًا، وإنما تفيد الموافقة على الشيء المسؤول عنه أو المخالفة. وهذه الموافقة أو المخالفة لا تحقق الغرض المقصود من استعمال "أمْ" المتصلة المسبوقة بهمزة الاستفهام على الوجه الذي شرحناه3. ولهذا القسم من قسمى "أم" المتصلة صور مختلفة؛ منها: 1- أن تقع بين مفردين متعاطفين بها، وبينهما فاصل لا يسأل عنه المتكلم -وهذه الصورة هي الغالبة- كأن يقول قائل لآخر: شاهدت اليوم سباق السباحين؛ أمحمد هو الذي فاز أم محمود؟ فالمراد من السؤال تعيين واحد من الاثنين، وقد توسط بينهما أمر ليس موضوع الاستفهام، لأنه أمر معروف

_ 1 وإذا كان أحد الشيئين منفيًّا تعين تأخيره عن "أم" دون الآخر –كما سبق في رقم 5 من هامش 585 وسيجيء هذا في أول ص594-. 2 وفي "أم" المتصلة بنوعيها يقول ابن مالك: وَ "أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزٍ التَّسويَهْ ... أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ "إثر: بعد" والهمزة المغنية عن لفظ: "أيّ" هي الهمزة التي يقصد بها وبأم التعيين على الوجه الذي شرحناه. وهذه الهمزة لا تغني وحدها عن "أي"، وإنما تغني بشرط انضمام "أم" إليها؛ فهما معًا يغنيان عن "أي" التي تسد مسدهما. 3 قد يجاب بالحرف: "لا" أو غيره مما يفيد جوابًا منفيًا إذا كان المقصود من "لا" نفي وقوع أحد الشيئين، أو الأشياء. وإظهار خطأ السائل في اعتقاده ثبوت أحد الشيئين، أو الأشياء. وقياسًا على حالة النفي السابقة، يرى بعض النحاة أن يجاب بالحرف: "نعم" –أو غيره مما يفيد جوابًا مثبتًا– إذا كان المقصود إثبات وقوع كل من الشيئين أو الأشياء، وإظهار خطأ السائل في اعتقاده ثبوت شيء واحد فقط.

للمتكلم، وهو الفوز، أما المجهول الذي يريد أن يعرفه فهو الفائز. وقد تقع بين مفردين تعطفاهما، مع تأخر شيء عنها لا يسأل عنه المتكلم؛ تقول في المثال السالف: أمحمد أم محمود هو الذي فاز؟ وكأن يقول قائل: كتاب "العقد الفريد" كتاب أدبي نفيس، فتقول: نعم سمعت اسمه يتردد كثيرًا. ولكن أغال أم رخيص كتاب "العقد الفريد"؟ فأنت تسأل عن غلوه ورخصه، وتطلب بسؤال تعيين أحدهما، وليست تسأل عن الكتاب ذاته، فإنك تعرفه ... ومن الأمثلة السسالفة يتبين أ، الذي يلي الهمزة مباشرة هو واحد مما يتجه إليه الاستفهام، يراد معرفته وتعيينه، أما الذي لا يتجه إليه الاستفهام فيتوسط أو يتأخر1. وهذا الحكم هو الأكبر والأول، ولكنه ليس بالواجب؛ فليس من المحتم أن يلي الهمزة أحد المرين اللذين يتجه إليهما الاستفهام لطلب التعيين. بل يصح -عن أمن اللبس- أن يقال: أكتاب "العقد الفريد" غالٍ أم رخيص؟ وهذا -بالرغم من صحته- قليل، ودرجته البلاغية ضئيلة ومراعاة الأكثر هي الأحسن. 2- ومنها: أن تقع بين جملتين ليستا في تأويل مصدر2، وتعطف ثانيتهما على الأولى، وهما، إما فعليتان، نحو: أزراعة مارست، أم زاولت التجارة؟ وإما اسميتان، نحو: أضيفك مقيم غدًا أم ضيفك مسافر؟ وإما مختلفان، نحو: أأنت كتبت رسالة لأخيك الغائب أم أبوك كاتبها؟ 3- ومنها: أن تقع بين مفرد وجملة؛ كقوله تعالى: {إِنْ 3 أَدْرِي

_ 1 لزيادة الإيضاح قالوا: إن الشرط الذي يغلب تحققه في الهمزة المعادلة "أم" –كما سبق– نهو أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين واحد منهما، وأن يلي الآخر "أم" ليفهم السامع من أول الأمر نوع الشيء الذي يطلب المتكلم تعيين. تقول إذا استفهمت بالهمزة عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أعليٍّ قائم أم سعيد، وإن شئت قلت: أعليّ أم سعيد قائم. فقد توسط الخبر دون المبتدأ: أقائم سعيد أم قاعد، وإن شئت قلت: أقائم أم قاعد سعيد؟ وعلى الآخر بأنه الخبر الخاضع للقرينة؛ كالتعريف أو التنكير هنا ... فما كان منهما معرفة فالأحسن اعتباره هو المبتدأ ولو كان متأخرًا واعتبار النكرة هي الخبر، فإن كانا معرفتين فأقواهما في درجة التعريف هو المبتدأ ... وما سبق هو الأغلب الأفصح. أما غيره –هو جائز عند أمن اللبس. مع ضعف درجته البلاغية– فإن يقع بعد الهمزة مباشرة ما ليس من الأمرين المراد تعيين أحدهما. 2 لعدم وجود ما يقضي سبك الجملة، وتأويلها بالمصدر. 3 إن حرف نفي، بمعنى: "ما".

أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ 1 لَهُ رَبِّي أَمَدًا} . فملخص ما يقال في "أم المتصلة" أنها تنحصر في قسمين؛ قسم مسبوق بهمزة التسوية، ولا تعطف فيه إلا الجمل التي هي في حكم المفرد، "لأن كل جملة منها مؤولة بالمصدر المنسبك"، وقسم مسبوق بهمزة استفهام يُطالب بها وبأمْ التعيين، وتعطف فيه المفردات حينًا والجمل حينًا آخر، أو المفرد والفعل2. وإنما سميت "أم" في القسمين: "متصلة" لوقوعها بين شيئين مرتبطين ارتباطًا كلاميًا وثيقًا، لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يستقيم المعنى إلا بهما معًا. لأن التسوية في النوع الأول وطلب التعيين في النوع الثاني لا يتحققان إلا بين متعدد، وهذا التعدد لا يتحقق إلا بما قبلها وما بعدها مجتمعين. وتسمى كذلك في هذين القسمين: "أمْ المعادِلة" للهمزة؛ لأنها في القسم الأول تدخل على الجملة الثانية المعادلة للجملة الأولى في إفادة التسوية، وهذه الجملة الثانية هي التي تفيد المعادلة في التَّسوية3، وليست "أم". فغير أن "أم" تعتبر معادلة للهمزة ولا "أم" في إفادة التسوية المباشرة. ولأنها في النوع الثاني تعادل الهمزة في إفادة الاستفهام.

_ 1 الفعل: "يجعل" معطوف على الاسم المشتق الذي يشبهه، وهو: "قريب، وكلمة: "أم" متوسطة بينهما، فليس في الكلام عطف جملة على مفرد –وسيجيء الكلام على مثل هذا العطف في ص649– ولا يصح أن تكون الجملة "من المضارع "يجعل" وفاعله" هي المعطوفة على زعم أنه يمكن تأويلها بمفرد يعطف على مفرد –كالذي يسجيء في رقم 6 من ص659– لا يصح هذا، لأن "أم" إلى التعيين لا يصح تأويل إحدى جملتيها بمفرد؛ إذ لا يوجد سابك، أو نحوه، كما تقدم في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة، وكما سيجيء في ص595. 2 نقول: "الفعل" مراعاة لما سبق في رقم 1 من هذا الهامش. 3 أي: أن الكلام مشتمل على جملتين متعادلتين "متساويتين" من ناحية المراد من كل واحدة. فكأنهما كفتان متساويتان في ميزان واحد، لا ترجح إحدهما الأخرى. أو أنهما نصفان لشيء واحد؛ فلا بد أن يكونا متساووين انظر رقم 2 من هامش ص585.

ويجب في النوعين أن يتأخر عنها المنفيّ؛ -كما أشرنا1- مثل: سواء عليَّ أغضب الظالم لأم لم يغضب. ولا يصح: سواء عليَّ أم يغضب الظالم أم غضِب1. وفي مثل: أمطرٌ نزل أم لم ينزل؟ لا يصح: ألم ينزل مطر أم نزل؟ الفرق بين قسمي "أمْ" التي بعد همزة التسوية عن "أمْ" التي يراد بها وبهمزة الاستفهام التعيين في أربعة أمور: أولها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا حتميًا2؛ لأن المعنى معها على الإخبار؛ وليس على الاستفهام؛ فقد تركت الاستفهام إلى الإخبار بالتسوية؛ بخلاف الأخرى. فإنها باقية على الاستفهام. فتحتاج للجواب. ثانيها: أن الكلام مع الواقعة بعد همزة التسوية قابل للتصديق والتكذيب3 إذ هو خبر –كما أسلفنا– بخلاف الأخرى؛ فإن الكلام معها إنشائي؛ لا دخل للتصديق والتكذيب فيه؛ لبقاء الاستفهام على حقيقته في الغالب. ثالثها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تقع بين جملتين –ومن النادر الذي لا يقاس عليه ألا تكون كذلك، كما سبق4– أما الأخرى فقد تكون بين

_ "1، 1" في رقم 5 من هامش ص585 وفي رقم 1 من هامش ص591. 2 المراد: أنها لا تستحق الجواب استحقاقًا لازمًا، ولا مانع أن يكون لها جواب، لأن الخبر وهو يحتمل الصدق والكذب لذاته، بخلاف الإنشاء يجوز أن يجاب، "بنعم" تصديقًا له، أو: "بلا" تكذيبًا له، لكن هذا جائز لا واجب كما سبقت الإشارة في رقم 2 من هامش ص585. 3 ذلك أن جملة مثل، سواء عَلَيَّ أرضي أم سخط، أو: لست أبالي أرضي الحقود أم سخط –وأشباهها– تقبل التصديق والتكذيب؛ لأنها خبر بخلاف جملة مثل: أسعدٌ مقبل أم علي؟ أو: ما أدري أشار خطيبنا أم ناثر؟. ومما يلاحظ: أن مجموع: "ما أدري أشاعر خطيبنا أم ناثر"؟ هو كلام خبري محتمل التصديق والتكذيب، ولكنه من غير الجملة التي في صدره وهي: "ما أدري" –يكون إنشائيًا. لأنه اتستفهام. 4 في ص589.

الجمل أو المفردات، أو بين مفرد وجملة. رباعهما: أن الجملتين اللتين تتوسطهما "أم" الواقعة بعد همزة التسوية لا بد أن تكونا في تأويل مفردين؛ لأن كلاّ منهما في تأويل مصدر منسبك. بخلاف اللتين تتوسطهما "أم" الأخرى، فلا يصح تأويل واحدة منها بمفرد؛ لعدم وجود سبكْ ولا غيره مما يجعلها في حكم المفرد1 ...

_ 1 انظر رقم 6 من ص659.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يصح في الأسلوب المشتمل على "أم" المتصلة الاستغناء عن الهمزة بنوعيها إن عُلم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس. فمثال حذف همزة التسوية: "سواء على الشريف راقَبه الناس أم لم ياقبوه؛ فلن يرتكب إثمًا، ولن يقع في محظور". والأصل: أراقبه الناس ... ، ومثال حذف الأخرى قول الشاعر: لعَمْرُك ما أَدري –وإِنْ كنت داريًا- ... بسبع رَمَيْنَ الجمرَ أَمْ بثَمانِ؟ يريد: أبسبع أم بثمان؟ وتظل حالات: "أم" وأحكامها بعد حذف الهمزة كما كانت قبل حذفها1. ب- من النادر الذي لا يقاس عليه أن تحذف "أم" المتصلة مع معطوفها كقول الشاعر: دعاني إليها القلب، إني لأَمره ... سميع؛ فما أَدري أَرُشْدٌ طِلابُها ... ؟ يريد: أم غيَ. وقول الآخر: أراك فلا أَدري أَهَمٌّ هممته؟ ... وذو الهمّ قِدْمًا خاشع متضائل ... يريد: أهمًٌ أم غيره2 ... ؟ قيل: إن الهمزة للتصديق فلا تحتاج لمعادل –وستجيء إشارة للحذف في ص637-. ويجوز حذف المعطوف عليه قبلها –كما سيجيء في موضعه المناسب ص639-. ح- سبقت الإشارة "في ص588 ورقم 3 من هامشها" على أن الهمزة الواقعة بعد: "لا أبالي" هي للتسوية بخلاف الواقعة بعد: "لا أدري، أو لا أعلم، أو ليت شعري" فإنها للتعيْين على الأرجح، وأن سيبويه يجيز العطف بأوْ وأمْ بعد هذه الألفاظ إذا سبقتها الهمزة3.

_ 1 وفي حذفها يقول ابن مالك: ورُبَّمَا أسقطت الهمزة إن ... إن كان خفا المعنى بحذفها أمن "أسقطت: حذفت" يريد: قد تحذف الهمزة ألا يؤدي حذفها لخفاء المعنى، والوقوع في اللبس. 2 لأن حالته في التغير تنبئ أن الهم أو غيره هو سبب تغيره "كما جاء في كتاب: مجمع البيان لعلوم القرآن، للطبرسي –ج2 ص444-". 3 ولرأيه تكملة تجيء، في "ب" ص592.

النوع الثاني – "أم" المنقطعة، "أو: المنفصلة". تعريفها: "هي التي تقع –في الغالب– بين جملتين مستقلتين في معناهما، كل منهما معنى خاص يخالف معنى الآخر، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر؛ فليس بين المعنيين ما يجعل أحدهما جزءًا من الثاني. وهذا هو السبب في تسمية: "أم" بالمنقطعة، أو: بالمنفصلة، وفي أن يكون معناها –غير النادر– الإضراب دائمًا1 فتكون في هذا بمعنى: "بَلْ"2. وقد تفيد معه معنى آخر أحيانًا3. علامتها: ألا تقع –مطلقًا4– بعد همزة التسوية، ولا بعد همزة الاستفهام التي يطلب بها، و"بأمْ" التعيين –وقد شرحناهما5– وإنما تقع بعد نوع مما يأتي: 1- الخبر المحض؛ مقوله تعالى في الكفار: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: بل يقولون أفتراه، فقد وقعت "أمْ" بين جملتين هما: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وكل منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى، ومن الممكن عند الاكتفاء بها أن تؤدي معنى كاملًا. و"أمْ" هنا بمعنى: "بل" الدالة على الإضراب المحض الذي لا يشاركه معنى آخر.

_ 1 قد يكون المقصود به هنا: إبطال الحكم السابق، ونفي مضمونه، والقطع بأنه غير واقع، والحكم على مدعيه بالكذب، والانصراف عن ذلك الحكم إلى حكم آخر يجيء بعدها. وهذا هو الإضراب الإبطالي"، نحو: سمعت ترجيع بلبل صداح، أم أصغيت لإيقاع موسيقي بارع تبينتُ الناس حوله مجتمعين. وقد يكون المراد به: الانتقال من غرض باق على حالة إلى آخر يخالفه. ويسمى "الإضراب الانتقالي"؛ نحو: فاز من حاسب نفسه، وتدارك عيبه، أم حسب المرء أن المجد سهل إدراكه، قريب المنال ... والأول هو الأكثر –وسيجيء تفصيل الكلام على الإضراب بنوعيه في ص623-. 2 "أم" مثل "بل" في الإضراب المجرد. لكنهما يختلفان بعد ذلك في أمور؛ منها: أن الذي بعد "بل" يقين غالبًا، أما الذي بعد "أم" فظن وشك –على الوجه المشروح في رقم 3 من هامش ص629- "وسيجيء الكلام على "بل" "في ص623" –وفي رقم 2 من هامش ص624. 3 كما سيجيء في: "ب" ص600. 4 أي: لا لفظًا ولا تقديرًا. 5 في ص585 وما بعدها.

2- وقد تقع بعد أداة استفهام غير الهمزة، كقوله تعالى: {هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 1 والشأن في هذه الآية كسالفتها. في الدلالة على الإضراب المحض. 3- وقد تقع بعد همزة ليست للتسوية ولا لطلب التعيين، وإنما هي لنوع من الاستفهام غير الحقيقي، معناه: الإنكار والنفي؛ كقوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} فالاستفهام هنا غير حقيقي2 والمراد منه ما سبق. 4- وقد تقع بعد همزة استفهام غير حقيقي أيضًا، ولكن يراد منه التقدير، أي: الحكم على الشيء بأنه ثابت مقرر، وأمر واقع؛ كقوله تعالى في المنافقين: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} 3. فكلمة "أم" في جميع الأنواع السالفة منقطعة بمعنى: "بل". ومن الأمثلة للإضراب المحض4: "هذا صوت مغنية بارعة، أم هذا صوت مغَنّ مقتدر، فقد تبينت لحيته وشاربه". هنا وقعت "أمْ" بين جملتين تفيد الأولى منهما أن الصوت لمعنيَة، وتدل الثانية على أن المتكلم أضْرَبَ، -أي: عَدَل– عما قرره أوّلًا، وتركه إلى معنى آخر، هو أن الغناء لرجل، لا لمغنية. والذي يدل على إضرابه وعدوله عن المعنى الأول إلى الثاني، هو ذكر

_ 1 قلنا: إن المنقطعة لا يفارقها الإضراب إلا في النادر، ولكنها قد تفيد معه استفهامًا حقيقيًا أو غير حقيقي؛ "طبقًا لما سيجيء في: "ب" من ص600" و"أم" هنا في الآية لا تفيد استفهامًا حقيقيًا أو غير حقيقي. لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام –كما سيجيء في ص601-. 2 الاستفهام الحقيقي: هو الذي يقصد به السؤال عن شيء مجهول للمتكلم حقيقة، ويريد أن يعرفه. 3 وكقوله تعالى في المعارضين: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} . 4 وفي ص600 أمثلة غير الآتية.

اللحية والشارب، فهما قرينة على الإضراب. وأداة الإضراب هي: "أم". ومن الأمثلة: "استيقظت في الصباح الباكر فرأيت ورق الشجر مَبْتَلًا فقد سقط المطر ليلًا، أم تكاثَرَ الندى عليه؛ فإني أجد الطرق والمسالك جافة؛ لا أثر فيها للمطر". فهنا وقعت "أم" بين جملتين؛ الأولى منهما تفيد أن بلل الورق من سقوط المطر، وتدل الثانية منهما على أن سبب البلل شيء آخر؛ هو: النَّدى، فعدَل المتكلم على المعنى الأول، وانصرف عنه إلى الثاني؛ بدليل يؤيده؛ هو: جفاف الطرق والمسالك. والأداة المستعملة في الإضراب هي: "أم"1 ... حكمها: الرأي الراجح أن "أمْ" المنقطعة ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء يفيد الاضراب، فلا تدخل إلا على الجمل، أما الرأي المرجوح فإنها حرف عطف لا يعطف إلا الجمل، والأخذ بالرأي الأول أَنْسب وأَيْسَر.

_ 1 وفي "أم" المنقطعة يقول ابن مالك: وَبِانْقِطَاع، وبِمَعْنى: "بَلْ" وَفَتْ ... إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ خَلَتْ يريد: أن "أم" تكون منقطعة إذا خلت مما قيدت به في النوع السابق، إذ قيدت فيه بأن يسبقها همزة التسوية: أو همزة مغنية عن لفظ "أيّ" فإذا خلت من هذا التقيد وقَتْ بالانقطاع. بمعنى وفَّت به، وكانت فيه، مقيدة له. وإذا أفادت الانقطاع كانت بمعنى "بل"؛ أي: لزم، وترتب على ذلك أن تكون بمعنى: "بل" "وهذا معنى قولهم: العطف في قول ابن مالك: "وبمعنى بل" هو عطف شيء لازم على ملزومه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من نوع المنقطعة "أم" الواقعة بعد همزة الاستفهام الحقيقي، بشرط أن يكون ما بعدها نقيض ما قبلها: نحو: أفاكهة عندك أم لا؟ لأن المتكلم لو اقتصرت على الجملة الأولى لكان المعنى المستقل كافيًا مستغنيًا عن معنى الجملة الثانية –كالشأن في: "أم" المنقطعة، ولكان الجواب: نعَم، أو: لا، ونحوهما، على حسب المراد من غير حاجة إلى المعنى الثاني. وإنما ذُكر ما بعدها لبيان أن المتكلم عرض له ظنُّ الانتفاء فاستفهم عنه، ضاربًا عن الثبوت، ولولا ذلك لضاع قوله: "أم لا" بغير فائدة1 فإن لم يكن الثاني نقيض الأول؛ نحو: أفاكهة أكلت أم خبزًا، كانت "أم" محتملة للاتصال والانقطاع، فإن كان السؤال عن تعيين المأكول مع تيقن وقوع الأمل على أحدهما فمتصلة –طبقًا لما شرحناه2 عند الكلام عليهما-. وإن كان السائل قد عرض له الظن بأن المأكول هو الخبز بعد ظنه أن المأكول هو الفاكهة، فاستفهم عن الثاني مُضربًا عن الأول فهي منقطعة. فالاحتمال إنما يقع عند عدم القرينة الدالة على أحدهما، وهي القرينة التي تعين الاتصال وحده، أو الإضراب وحده، فإذا وجدت وجب الأخذ لها، وامتنع الاحتمال3. ب- قلنا4 إن: "أم" المنقطعة لا يفارقها معنى الإضراب، إلا نادرًا ... لكنها قد تفيد معه استفهامًا حقيقيًا، وفي هذه الصورة تفيد الإضراب والاستفهام الحقيقي معًا من غير وجود همزة استفهام معها. كأن ترى كوكبًا يضطرب ويهتز فتقول: هذا كوكب المِرِّيخ. ثم تعدل عن هذا الرأي لسبب يداخلك، فتقول: "هذا كوكب المرِّيخ. أم هو كوكب سُهيْل؛ فإن هذه أمارات سهيل التي تعرفها أنت؟ فقد قررت أولًا أن هذا هو المِرِّيخ، ثم عدلت عنه إلى كوكب آخر أردت أن تستوثق من اسمه؛ فكأنك قلت: بل أهو كوكب سهيل؟ ومثل هذا قول العربي حين رأى أشباحًا بعيدة حسبها إبلًا، ثم عدل عن رأيه إلى رأي آخر؛

_ 1 نص على هذا سيبويه. 2 في ص585. 3 راجع الخضري. ومثل هذه الأساليب لا يخلو من ليس أحيانًا، فالأحسن العدول عنه قدر الاستطاعة. 4 في ص597.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو: أنها شاءٌ1، وأراد أن يستوثق من رأيه الجديد، فقال: "إنها لإبل أم شاء"؟ يريد: أنها لإبل، بل أهي شاء؟ والهمزة داخلة على مبتدأ محذوف؛ لأن "أم" المنقطعة لا تدخل –في الغالب– إلا على جملة –كما أسلفنا2-. وقد تفيد مع الإضراب استفهامًا إنكاريًا3 بغير أن تسبقها أداة استفهام؛ كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ، أي: بل أنه البنات ولكم البنون؟ لأنها لو كانت للإضراب المحض الذي لا يتضمن الاستفهام الإنكاري لكان المعنى محالًا، إذ يترتب عليه الإخبار بنسبة البنات إلى المولى جل شأنه. وقد تتجرد للإضراب المحض الذي لا يتضمن استفهامًا مطلقًا؛ لا حقيقيًا ولا إنكاريًا؛ كالأمثلة الأولى4 التي منها قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ، أي: بل هل تستوي الظلمات؛ ولا يصح أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات؛ لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام –كما أسلفنا5-. ومثل الآية في الإضراب المحض قول الشاعر: فليتَ سُليمَى في المَمَات ضجيعتي ... هنالك أم جنة6 أم جهنمِ

_ 1 جمع شاه، وهي الواحدة من الغنم، تقال المذكر والمؤنث. ويرى بعض النحاة: أن كلمة: "شاء" جمع لا واحد له من لفظه. ولا داعي للعدول عن الرأي الأول. 2 في ص597. 3 الاستفهام الإنكاري ويسمى: "الإبطالي" هو: ما كان مضمونه غير واقع، ولا يمكن أن يحصل، ومدعيه كاذب، وهو بمعنى النفي، فأداته بمنزلة أداة للنفي، والكلام الذي دخلت عليه نفي، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} –وقد سبقت الإشارة إليه في ج2 ص234 م81. 4 وبعضها في صفحتي 598و 599. 5 في رقم 1 من هامش ص598.... ومثل هذا يقال في بيت قُتَيْلة بنت النضر ترثي أباها المقتول: فَلْيَسْمَعنّ النضرُ إنْ ناديته ... أَمْ كيف يسمع مَيّت لا يَنطقُ 6 لما كانت "أم" المنقطعة غير عاطفة في الرأي الأرجح، وأنها حرف ابتداء للإضراب لا يدخل إلا على جملة، وجب إعراب "في جنة" متعلقة بمحذوف، والتقدير: ليتها ضجيعتي في جنة، ووجب لهذا أيضًا تقدير الحرف: "في" قبل "جهنم". هذا، وفي بعض الروايات: "وفي المنام" بدلًا "من الممات" التي هي أكثر مسايرة لمعنى لبيت وما في آخرة من جنة وجهنم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: بل جهنم، ولا يصح التقدير: بل أفي جهم، إذ لا معنى للاستفهام هنا؛ لأن الغرض من الكلام التمني. وقد تتجرد –نادرًا– للاستفهام الخالي من الإضراب كقول الشاعر: كَذبتْك عينُك، أَمْ رأيت بواسِط1 ... غَلَس الظَّلام من الرَّبَاب خيالا؟ إذ المراد: هل رأيت؟ وهذا أقل استعمالاتها. ومن المستحسن عدم القياس عليه؛ لغموض المراد معه. ج- يجوز أن تجاب "أمْ" المنقطعة. وجوابها يكون بحرف من أحرف الجواب، كثل: نعَم، أوْ: لا: أخواتهما ... في نحو قوله تعالى في الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ} . وفي مثل: قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} يكون الجواب عند المخالفة: "لا" أو ما يدل دلالتها. وإذا تكررت "أم" المنقطعة متضمنة في كل مرة إستفهامًا، بحيث تتوالى بها الاستفهامات كان الجواب للأخير؛ مراعاة للإنصراف إليه؛ لأن المتكلم أضرب عما سبقه، وانصرف إليه تاركًا ما قبله. د- تقسيم "أم" إلى المتصلة والمنقطعة هو المشهور2. وزاد بعضهم نوعًا ثالثًا؛ هو الزائدة؛ كقول الشاعر: يا ليت شعري ولا مَنْجَى من الهرِم ... أم هل على العيش بعد الشَّيْب من نَدمِ وهذا نوع لا يقال عليه. هـ- حكم الضمير الواقع بعد "أم" العائد على المتعاطفين –من ناحية المطابق وعدمها– موضح في رقم 3 من ص656.

_ 1 بلد في العراق. 2 وكلاهما لا يصح أن يعطف نعتًا على نعت –كما أسلفنا في رقم 2 من ص497 وأ ص584.

6- أو: حرف يكون في أغلب استعمالاته عاطفًا؛ فيعطف المفردات والجمل. فمن عطفيه المفردات قول أحد الأدباء: طلع علينا فلان طلوع الصبح المنير، أو الشمسِ المشرقة، وأقبلَ كالدنيا المواتية، أو السعادةِ المرتجاة. فقد عطف الجرفُ "أو" كلمةَ: الشمس، على كلمة: الصبح، كما عطف كلمة: السعادة، على كلمة: الدنيا، وكل هذه المعطوفات وما عُطِفَتْ عليه مفردات1، وأداة العطف هي: "أو". ومثال عطفه الجملَ قول الشاعر: أعوذُ باللهِ من أَمرِ يُزَيِّنُ لي ... شَتْمَ العشيرةِ، أو يُدني مِنَ الْعَار فالجملة المضارعية المكونة من الفعل: "يُدْنِي" وفاعله، معطوفة على نظيرتها السابقة: "المكونة من المضارع: يُزَيَّنُ وفاعل والعاطف هو: "أو"2 ... معناه: لهذا الحرْف معان واردة قياسية، يحددها السياق وحده، فيعين المعنى المناسب لكل موضع، ومن ثَمَّ اختلفت المعاني القياسية للحرف: "أو" باختلاف التراكيب والقرائن، وبما يكون قبله من جملة طلبية أمْرِيَّة3، أو غير أمْرية، أو جملة خبريَّة على الوَجه الَّذِي يجيء4: أ- فمن معانيه: "الإباحة"، و"التخيير". بشرط أن يكون الأسلوب قبلهما مشتملًا على صيغة دالة على الأمر3. فمثال الإباحة: تمتعُ بمشاهدة

_ 1 ومن عطف المفردات عطف الفعل وحده –دون فاعله– على الفعل وحده كذلك؛ نحو: إن تنصرْ ضعيفًا فعمل مشكور، أو تتركه فإساءة منكرة فالمضارع "تتركْ" معطوف وحده على المضارع "تنصره" ولهذا جزم مثله. ولو كان العطف جمل ما صح جزم المعطوف –وسيجيء في ص645-. ومن عطف المفردات دخول "و" على المضارع المنصوب بأن مضمرة، أو ظاهرة فيكون المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه معطوفًا على شيء قبلها." وسيجيء تفصيل الكلام على "أو" التي ينصب بعدها المضارع بأن في باب: "النواصب" ج4 م149 ص307". 2 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر: لعل انحدر الدمع يُعقب راحةَ ... من الوَجد، أَو يَشفى نجيّ البلابل "النجيّ: الحديث الخفيّ سرًا البلابل: الهموم". "3، 3" سبب الاقتصار على "الأمر" أن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام ولا في باقي الأنواع الطبية –على الرأي الراجح– وفي كثير من المراجع: "الطلب". بدلًا من "الأمر"، لكن في حاشية ياسين ما يمنع هذا. ولا فرق بين معنى الأمر الذي تدل عليه صيغة فعل الأمر والذي تدل عليه أداة أخرى؛ مثل: لام الأمر الداخلة على الموضوع. ولا فرق كذلك بين الأمر الملفوظ والملحوظ –كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص605-. 4 ومنه ما في الزيادة ص611.

آثار الفراعيين في "الصعيد الأعلى"1، أو: "الجيزة"2، وانعَمْ بشتاء "أسوان"3، أو: "حُلوان"2. ومعنى الإباحة: ترك المخاطب حرًّا في اختيار أحد المتعاطفين4 فقط، أو اختيارهما معًا، والجمع بينهما إذا أراد ... ففي المثال السالف يصح أن يختار زيارة آثار "الصعيد الأعلى" فقط، أو آثار "الجيزة" فقط، أو يجمع بين زيارتهما من غير أن يقتصر على واحدة. وكذلك أن يَنُعَمَ بشتاء "أسوان" الحرية في أن يختار أحد المتعاطفين، ويقتصر عليه، وفي أن يجمع بينهما. ومثال التخيير: من أتم دراسته الثانوية العلمية فليدخل كلية الطب أو الهندسة، لإتمام تعلمه بالجامعة. ومعنى التخيير: ترك المخاطب حرجًا يختار أحد المتعاطفين4 فقط، ويقتصر عليه، دون أن يجمع بينهما؛ لوجود سبب يمنع الجمع5، ففي المثال السالف يدخل الطالب ليتعلم في إحدى الكليتين المذكورتين دون الأخرى. وليس له أن يدخلهما معًا للتعلم؛ لوجود ما يمنع الجمع؛ وهو أمثلة التخيير أن يقول الوالد لابنه: هاتان أختان نبيلتان؛ فتزوج هذه أو تلك. فمعنى "أو" هنا: الترخيص له بزواج إحداهما فقط، ولا يجوز التزوج بالاثنتين، لوجود سبب يمنع الجمع بينهما؛ هو أن الدين يُحَرَّم بين الأختين في الحياة الزوجية القائمة6. وقد سبق أن الواو العاطفة تكون أحيانًا مثل "أو" في إفادة التخيير؛ كالذي في قول الشاعر:

_ 1 الأقاليم الجنوبية من البلاد المصرية. "2، 2" بلد من ضواحي القاهرة إلى الجنوب منها. 3 بلد مصر على الحدود المصرية الجنوبية. "4، 4" هما: المعطوف والمعطوف عليه. 5 لا فرق في هذا بين المانع امتلى، أو العرفي المأخوذ به، أو الشرعي ... 6 بل إنه يحرم –عند أبي حنيفة– مجرد العقد على الأخت الثانية إذا سبقتها الأول إلى عقد الزواج مع هذا الرجل ولم يطلقها.

وقالوا: نَأْتْ؛ فاختر لها الصبر والبكا ... فقلت: البكا أَشفَى –إِذًِا لغليلي والدليل على اختيار المجرد، وعدم الجمع ... هو إجابة السامع، وأن البكاء والصبر لا يجتمعان في وقت واحد، ولا يتلاقيان معًا. ومما تقدم يتبين أن الإباحة والتخيير لا يكونان إلا بعد صيغة دالة على الأمر1 دون غيره, كما يتبين وجه الشبه والتخالف بين الإباحة والتخيير؛ فهما يتشابهان في أن كلا منهما يجيز للمخاطب أن يختار احد المعاطفين. ويختلفان في أن التخيير يمنع الجمع بين المتعاطفيْنِ، أما الإباحة فلا تمنع. ب- ومن معانيه: الشك من المتكلم في الحُكم، بشرط أن يكون قبل "أو" جملة خبرية2؛ نحو: قضيت في السباحة ثلاثين دقيقة، أو أربعين. ج- ومن معانيه: الإبهام3 من المتكلم على المخاطب، بشرط أن يكون قبله جملة خبرية أيضا: كمن يسأل: متى تسافر لأشاركك؟ فإذا كنت لا ترغب في مصاحبته أجبتَ: قد أسافر يوم الخميس أو الجمعة، أو السبت ... ، وإذا سألك: أين كنت يوم الأحد –مثلا-؟ أجبتَ: كنت في البيت، أو المتجَر. أو الضَّيْعة، تقول هذا عند الرغبة في إخفاء المكان عنه فالشك والإبهام إنما يقعان لغرض مقصود، حيث تكون "أو" بعد جملة خبرية4. د- وهناك معان أخرى غير التي سبقت في: "أ، ب، ج" ولا يشترط

_ 1 قلنا في رقم 3 من هامش ص603: إنه لا فرق بين الأمر بصيغته الخاصة الصريحة، وهي صيغة "فعل الأمر" وأداة أخرى تؤدي معناه؛ كلام الأمر الداخلة على المضارع. ولا فرق كذلك في الأمر بين أن يكون ملفوظًا، ومقدارًا ملحوظًا. ومثال المقدر قوله تعالى للحجاج {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أي: فَلْتُقَدَّمْ فديه من صيام، أو صدقة، أو نسك ... 2 الخبر: هو الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته –كما سبق في رقم 2 من هامش ص594-. 3 المراد به: أن يخفي المتكلم الحقيقة المعروفة له، ويكتمها عن المخاطب بطريقة خاصة. قد يكون القصد منها عدم إثارته، أو إقلاقه، أو الكذب عليه ... فالحكم عند الإبهام معلوم للمتكلم دون المخاطب؛ بخلاف الشك؛ فإن المتكلم ولمخاطب مستويان في شأن الأمر المشكوك فيه. "والشك: هو ما ينشأ في النفس من تعارض دليلين في أمر واحد، بغير ترجيح لأحدهما. وقد سبق إيضاحه في ج2 ص5 م60". 4 "ملاحظة": الغالب الفصيح -قيل: الواجب– في الضمير ونحوه مما يحتاج للمطابقة =

لتحقق هذه المعاني الأخرى أن تكون: "أو" مسبوقة بنوع معيَّن من الجمل، فقد يتحقق المعنى والجملة السابقة طلبية مطلقًا، أو خبرية. ومن هذه المعاني: التفصيل1 بعد الإجمال "أي: التقسيم، وبيان الأنواع"؛ نحو: الكلمة: اسم، أو فعل، أو حرف. والاسم: مشتق، أو جامد. والفعل: ماض، أو مضارع، أو أمر ... ؛ ومن هذا النوع قول القائل: اجتمع في النادي ثلاث طوائف ممن يمارسون أعمالًا حرة مختلفة يحبونها. فسألتهم

_ = بعد "أو" التي للشك أو الإبهاء، أن يكون مفردًا؛ مثل أبصرت ثعلبًا أو ذئبًا يجري، ونحو: محمد أو علي أو محمود لم أقابله. فإن كانت"أو" للتنويع "أي: لبيان الأنواع والأقسام كالتي ستجيء في: "د" فالغالب –وقيل: الواجب– في الضمير بعدها المطابقة؛ كالضمير بعد واو العطف؛ -وقد سبق في رقم 1 من هامش ص562 كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} . "راجع: شرح التصريح، وحاشية ياسين في الجزء الأول، "باب: ظن" عند الكلام على: "زعم" حيث نص على وجوب المطابقة وأن هذا الوجوب والحق وكذا في حاشية ياسين في "باب النسب" إلى ما حذفت فاؤه أو عينه، والمغني ج2 في مبحث الجملة الثانية وهي المعترضة إحدى الجمل التي لا محل لها من الإعراب في الموضع الرابع من مواضعها. لكن جاء في الجزء الأول من كتاب: "معاني القرآن" للفراء طبعة دار الكتب سنة 1955م في أول سورة النساء، عند قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ... } ما نصه: "لم يقل: "ولهما" وهذا جائز إذا جاء الحرفان في معنَى "أي: حُكم" واحد "بأوْ" أسندت التفسير إلى أيهما شئت. وإن شئت ذكرتهما فيه جميعًا، تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى: "الأخ"، و"فليصلها" تذهب إلى: "الأخت" وإن قلت: فليصلهما" فذلك جائز. وفي قرائتنا: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} وفي إحدى القراءتين "فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَ" ذهب إلى الجمع؛ لأنهما اثنان غير مؤقتين. وفي قراءة عبد الله "وَالَّذَانِ يفعلون مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا" فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين، وكذلك في قراءته "وَالسَّارِقُون وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيمانهما"ا. هـ. ولعل الأخذ بهذا الرأي أنسب لقوته وتيسيره. هذا، وللمسألة السالفة اتصال بما سيجيء في رقم 3 ص658. 1 وهي في هذا المعنى مثل "إما" التي يأتي الكلام عليها في ص612 وقد طال الجدل بين بعض النحاة في معنى: "التقسيم والتفصيل"؛ أهما مترادفان، معناهما واحد، أم لكل منهما معنى خاص؟ وكذلك بين: "التقسيم والتفريق".... ولا داعي اليوم للرجوع إلى هذا الجدل، ولا إلى ما يذكرونه من أن التفصيل تبين للأمور المجملة بلفظ واحد؛ كواو الجماعة في المثال الثاني، وفي قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} أي: قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولا ماي ذكرونه من أن التقسيم تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة؛ ففي الآية جمعت اليهود والنصارى في لفظ واحد؛ وهو الضمير "واو الجماعة" الذي هو فاعل الفعل: "قال" وهو الفعل الذي جمع في لفظه ما نطق به اليهود والنصارى ... إلى غير هذا مما أثاروه من جدل عنيف يغنينا عنه الرأي الذي لا يفرق بينهملا، ويرى أن المسألة هنا اصطلاحية محضة؛ فلا ضرر في توحيد معناهما وجعلهما مترادفين.

ما أفضل الأعمال الحرة للشباب؟ قالوا: أفضلها الزراعة، أو التجارة ,أو الصيدلة، فالجملة الفعلية: "قالوا" جملة خبرية، مكونة من الفعل:. "قال" الدال على القول، من غير تفصيل للكلام الذي قيل، ومن الضمير: "واو الجماعة" العائد على الطوائف المعدودة بالثلاث1، وهو ضمير مجْمل يدل على مرجعه دلالة خالية من التفضيل. وبسبب الإجمال في دلالة الفعل وفي الضمير جاء بعدهما التفصيل الذي يعدد طوائفهم، وأنهم زراعيون. وتجاريون، وصيادلة، كما يُبين كلام كل طائفة؛ أي: قال الزراعيون: أفضلها الزراعة، وقال التجاريون: أفضلها التجارة، وقال الصيادلة: أفضلها الصيدلة. ومن هذه المعاني أيضًا: الإضراب2، ومن أمثلته: أن يتهيأ المرء للخروج، وتبدو عليه أماراته، ثم يعدل عنه، قائلًا: "أنا أخرج، أو أقيم". فينطلق بالجملة الأولى، ولا يلبث أن يغير رأيه، وينصرف عما قرره، فيسارع إلى إردافها بقوله: أو: "أقيم" ويجلس جلسة المقيم، فيكون جلوسه قرينة على أن معنى "أو" هو: الإضراب. فكأنه قال: "أخرج، لا، بل أقيم". ومثله قول القائل: "أقيم في البيت، أو أخرج، فإن ورائي عملًا لا مَناص من إنجازه الآن في الخارج". فقد أخبر بالإقامة في البيت، ثم بدا له أن ينصرف عن هذا الرأي ويخرج، فكأنه قال: "لا. بل أخرج الآن" ومثل قول الشاعر يتغزل: بَدَتْ مثلَ قَرْن الشمسِ في وَرْنَق الضحا ... وصورِتها. أَو أَنتِ في العين أملح يريد: بل أنت أملح. ويحسن في الأسلوب المشتمل على: "أو" التي تفيد الإضراب أن يحتوي أمرين معًا؛ أولهما: أن يسبقها نفي أو نهي3. وثانيهما: تكرار العامل، نحو: "

_ 1 يعود على الطوائف باعتبار المعنى، إذ المراد من الطوائف هنا: أفرادها من الرجال. 2 سبق شرحه في رقم 1 من هامش ص597. 3 ويترتب على هذا ما يأتي في: "أ" من الزيادة والتفصيل ص611. ويرى بعض النحاة أن وجود النفي أو النفي قبلها شرط أساسي في إفادتها الإضراب. ويرى آخرون أنه ليس بشرط. ومن هؤلاء: الفراء: مؤيدًا رأيه بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} . أي: بل يزيدون، لأن "أو" هنا للإضراب، فلا تصلح لمعنى آخر كالشك. لأن الشك ونحوه محال على الله، والحق: أن تقدم النفي والنهي مستحسن فقط.

ما زارني عمي، أو: ما زارني أخي". "ولا يخرجْ حامد، أو: لا يخرجْ إبراهيم". والمراد: بل ما زارني أخي بل لا يخرج إبراهيم. ونحو: "لا ترجئ عملك الناجز، أو: لا تهملْ عملك". ونحو: "ليس المنافق صاحبًا، أو: ليس مأمونًا على شيء" ... والمراد لا تهمل بل ليس مأمونًا ... وإذا كانت "أو" للإضراب فالأحسن إتباع الرأي الذي يعتبرها حرفًا لمجرد الإضراب لا للعطف، فما بعدها جملة مستقلة عما قبلها. شأنها في هذا شأن "أم" المتجردة للإضراب وحده؛ فليست عاطفة –في الرأي الراجح، كما أسلفنا2-. ويرى فريق آخر نهما مع الإضراب يعربان حرفي عطف، فما بعدهما معطوف علة ما قبلهما.... والخلاف شكلي، ولكنّ الأول وضح وأنسب. وقد يكون معنى الحرف: "أو" الدلالة على الاشتراك ومطلق الجمع3 بين المتعاطفيْنِ؛ فكأنه الواو العاطفة في هذا، ويصح ن يحل محله الواو4، كقول الشاعر: وقالوا لنا: ثنتانِ لا بدَّ منهما ... صدورُ رِمَاحٍ أُشْرِعت5، أو سلاسلُ6 ونحو: جلس الضيف بين صاحب الدار أو ابنه. أي: جلس بين صاحب الدار وابنه: لأن كلمة: "بيْن" إذا أضيفت لاسم ظاهر اقتضت –في الغالب–

_ 2 في ص599. 3 سبق شرحه في ص558. وانظر رقم 3 من هامش الصفحة الآتية. وإذا رحمْتَ فأَنت أمُّ أَو أَبٌ ... هذان في الدنيا هما الرَحماءُ راجع: "الملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص605؛ لصلتها القوية بما نحن فيه.. 5 وجِّهت وصوِّبت نحو العدو، يقصد الطعن في صدور الأعداء. 6 يريد السلاسل التي تقيد الأسرى. وهذا كناية عن هزيمة الأعداء، ووقوعهم في الأسر، وتقييدهم بهذه السلاسل. ويرى المروزوقي "شارح ديوان الحماسة ج1 ص46 من طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بالقاهرة" أن: "أو" هنا للتخيير، وأن المراد من قول اشاعر في صدر البيت: "لا بد منهما" أنه لا بد منهما على طريق التعاقب، لا على طريق الجمع بينهما. وهذا المعنى مقبول، ولكن الأول أقوى منه، وأنسب، إذ لا معنى للتخيير بين القتال والأسر، لأن الأسر نتيجة من نتائج القتال، وسبب عنه. هذا إلى أن صدر البيت يؤيد هذا في صراحة حيث يقول "لا بد منهما".

أن يكون ما بعدها الأفراد، وهذا التعدد لا يتحقق "بأو" إلا إذا كانت بمعنى الواو الدالة على الجمع والمشاركة ... ومثل قول الشاعر: وقد زَعَمت ليلى بأَنَي فاجرٌ ... لنفسي تُقاها، أو عليها فجورُها وقول الآخر يمدح أحد الخلفاء: نال الخلافة أَو كانت له قَدرًَا ... كما أَتى ربَّه موسى على قَدَرِ فلا بد من محاسبة النفس على التقى والفجور معا، دون الاقتصار على أحدهما ولا تتحقق الخلافة إلا مع قضاء الله وقدره1. وملخص ما سبق2 من معاني "أو"، أن هذه المعاني المتعددة القياسية خاضعة في إرداكها للسياق والقرائن خضوعًا تامًا؛ كي يتميز ويتحدد كل نوع منها، وأن التخيير والإباحة3 لا يكونان إلا بعد جملة خبريَّة. أما المعاني الأخرى التي تخالف ما سبق "كالتفصيل، والإضراب، ومعنى الواو.." فتكون بعد الجملة الخَبرية، والطلبية، و.... والأفضل في الإضراب أن يسبقه نفي أو نهي. وأن يتكرر العامل معه4.

_ 1 ورد "قليلًا في المسموع وقوع" أو بعد "هل" –ولقلته لا يقاس عليه– ومنه ماجاء في صحيح مسلم "ج12 ص106 كتاب: الجهاد" وهو حديث يتضمن ما دار من كلام بين هرقل وأبي سفيان، جاء فيه ما نصه عن المسلمين: "هل يزيدون أم ينقصون ... ". 2 انظر ما يزيد عليه في ص611 وفيها إشارة إلى أن الصلة والارتباط بين حرفي العطف. "أو، وأم" معروض في ص588. 3 إذا كانت "أو" للإباحة جاز للمخاطب أن يختار أحد المتعاطفين ويقتصر عليه. وجاء له أن يجمع بينهما، ويختارهما معًا –كما شرحنا في ص604– وإذا جاز الجمع في حالة "أو" التي للإباحة فما الفرق بينه وبين الجمع في حالة "أو" التي بمعنى "واو" العطف؟ الفرق أن "واو" التي بمعنى واو العطف لا بد فيها من الجمع كالواو، ولا يصح الاقتصار على واحد، بخلاف الجمع في حالة الإباحة فإنه جائز. 4 وفي معاني: "أو" يقول ابن مالك: خَيِّرْ، أَبِحْ، قَسِّمْ بِأَوْ، وَأَبْهِمِ ... واشْكُك، وَإِضْرابٌ بِهَا أَيْضًا نُمِى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "نمي، أي: نسب إليها، بمعنى أنها تؤديعه" وقد تضمن البيت ستة معان؛ هي: "التخيير، الإباحة، التقسيم، الإبهام، الشك، الإضراب". وسيجيء في البيت التالي معنى سابع؛ هو: أنها تكون بمعنى الواو. وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الوَاوَ إذا ... لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْس مَنْفَذًَا "يلف: يجد. ذو النطق المتكلم" يقول: "أو" تعاقب الواو "أي: يصح أن تحل محلها وتؤدي معناها وهو مطلق الجمع والاشتراك" بشرط ألا يجد المتكلم منفذًا للالتباس، أي: بشرط ألا يكون استعمالها موقعًا في اللبس؛ بسبب خفاء معناها المراد، وعدم إدراك السامع أنها بمعنى الواو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الأصل في "أو" أن تكون لأحد الشيئين أو الأشياء1 لكنها إذا وقعت بعد نفي أو نهي كانت للنفي العام الذي يشمل كل فرد مما حَيِّز النفي قبلها وبعدها، وللنهي العام الذي ينصَبّ على كل فرد كذلك: فمثالها بعد النفي: "لا أحب منافقًا أو كاذبًا". ومثالها بعد النهي قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2. ب- يقول سيبويه: إذا ذكرت همزة التسوية بعد كلمة: "سواء" فلا بد من مجيء "أم" العاطفة، لا فرق في هذا الحُكم بين أن يكون بعد الهمزة اسمان أو فعلان؛ نحو: "سواء عَلَيّ أمقيم ضيفي أم هو مرتحل سواء علىّ أَبَقِيَ الضيف أم ارتحل"، فإن كان بعد: "سواء" فعلان بغير همزة التسوية عُطف الثاني منهما على الأول بالحرف: "أو". نحو: "سواء علينا رَضِيَ العدو أو سَخِط". ورأيه هذا مخالف لما نقلناه –في رقم 3 من هامش ص588 وما يتصل بها– عن بعض المحققين الذين يجيزون مجيء "أم" والصواب معهم. وفي تلك الصفحة أيضًا بيان الصفة والارتباط بين الحرفين: "أو" و"أمْ". وإن كان بعدهما اسمان بغير همزة التسوية عطف الثاني على الأول بالواو، ولو كان الاسمان مصدرين؛ نحو سواء على حمزةُ وعامرٌ، سواءٌ علينا اعتدالُ الجو وانحرافُه3.... ج- يصح حذف "أو" عند أمْن اللَّبس4؛ نحو: وسائل السفر متنوعة؛ يتخير منها كل امرىء ما يناسبه: فسافر ما يناسبه: فسافرْ بالطيارة، القطار، الباخرة، السيارة.... د- وقد تعطف الشيء على مرادفه5 كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ} فالإثم هو: الخطيئة ...

_ 1 سبقت الإشارة لهذا الرأي مع تفصيلات أخرى في رقم 3 من هامش ص586 لمناسبة هناك. 2 ومن أمثلة وقوعها في حيز للنهي قول الشاعر –في البيت الأول-: لا تُظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليْك في السّرّاءِ والضّرّاءِ فلرحمة المتوجعين حَزازة ... في القلب مثل شماة الأَعداءِ 3 راجع الجزء الثاني من الهمع باب العطف؛ عند الكلام على "أو". وقد سبقت الإشارة لرأيه في ج من ص596. 4 كما سبقت الإشارة في ص575 وكما سيجيء في ص641. 5 وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 6 من هامش ص565.

7- إمَّا: يرى بعض النحاة أن كلمة: "إمَّا" الثانية في مثل "امنح السائل إمَّا دِرْهمًا وإمَّا دِرْهمين" حرف عطف بمعنى: "أو" وأنها تشارك "أو" في خمسة من معانيها1. هي: التخيير والإباحة"، بشرط أن تكون "إمَّا" الثانية مسبوقة بكلام يشتمل على أمر. "ولاشكُّ والإبهامُ"، بشرط أن تكون مسبوقة بجملة خبرية. "والتفصيل"2 بعد الخبرِ أو الطلبِ". ولا تكون "إمَّا الثانية" عند هؤلاء للإضراب، ولا بمعنى "واو" العطف؛ فبهذين المعنيين تختصص: "أو" دونها. والمعاني الخمسة السابقة هي لكلمة: "إمَّا" الثانية، وتشاركها الأولى فيها وتسايرها؛ لأنهما حرفان3 متلازمان –في الأغلب– معنى واستعمالا4، غير أن الأولى لا تكون للعطف مطلقًا –كما سنعرف-. فمن أمثلة الشك: احتجت الشمس وراء الغمام إمَّا ساعتين، وإمَّا ثلاثًا. ومن الإبهام قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} 5. والتخيير كقوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} ؛ والإباحة، نحو: إمَّا أن تزرع فاكهةً وإمَّا قَصَبًا. والتفصيل، كقوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . وإذا كانت "إمَّا" الثانية عندهم حرف عطف "فالواو التي قبلها زائدة لازمة لها. والأولى لا عمل لها في عطف أو غيره. ويرى آخرون: أن "إما" الثانية والولى متشابهتان في الحرفية، وفي تأدية

_ 1 سبق شرح المراد من كل معنى من الخمسة عند الكلام على: "أو" ص603 –وما بعدها-. 2 انظر معنى "التفصيل" في رقم 1 من هامش ص606. 3 راجع حاشية الأمير على المغني ج1 عند الكلام على الحرف: "إما". 4 راجع البيان والتفصيل في "أ" من ص614. 5 يتعين الإبهام في الآية؛ مراعاة لما سبق في تحديد معناه –رقم 3 من هامش ص605-.

معنى من تلك المعاني الخمسة، وأن كلًا منهما ليس حرف عطف؛ لأن الأولى لا يسبقها معطوف مطلقًا، ولأن الثانية تقع دائمًا بعد الواو العاطفة بغير فاصل بينهما. ومن المقرر أن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف مباشرة1، إذ لا يصح أن يتوالى حرفان للعطف من غير فاصل. والفريقان متفقان على أن الأولى ليست عاطفة2 وأنها حرف –لا خلاف في حرفيته– يفصِل بين عامل قبله ومعمول يليه3. ولكن الخلاف في الثانية. والرأي الأرجح الذي يجدرُ الأخذ به هو: أن الثانية كالأولى في المعنى والحرفية، وفي أنها ليست حرف عطف لأن العاطف هو الواو4.

_ 1 كما ستجيء الإشارة في ص620. 2 للسبب السالف؛ وهو أنها لا يسبقها عاطف مطلقًا. 3 لهذا يعرب ما بعد "إما"، الأولى على حسب حاجة العوامل التي قبلها؛ فقد يكون فاعلًا في مثل: غاب إما حامد وإما محمود. وقد يكون مفعولًا به في مثل: يركب المسافر إما قطارًا وإما سيارة، وقد يكون حالًا في مثل قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . وقد يكون بدلا كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} وهكذا. 4 انظر ما يتصل بهذه "الواو" التي قبل "إما" الثانية في ص560.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ليس من اللازم أن تتكرر "إمَّا"، ولكن الأغلب تكرارها، فقد تحذف الثانية؛ لوجود ما يغني عنها. ويغلب أن يكون أحد شيئين: "وإلاّ" "أوْ". فمثال الأول: إما أن يتكلم المرء ليُحْمَد وإلا فليسكت. ومنه قول الشاعر: فإِمَّا أَن تكون أَخِي بصدق ... فأَعْرفَ منكَ غَثِّي من سَمِيني وإلاّ فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدْوًّا أَتَّقيكَ وتَتَّقِينِي ومثال الثاني قول الشاعر: وقد شَفَّنِي ألا يزال يروعني ... خيالك إما طارقا أو1 معاديا وقد يستغني عن الأول اكتفاء بالثانية كقول الشاعر: تُلِمُّ بدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عهدُها ... وإِمَّا بأَموات أَلَمَّ خَيَالُهَا أي: إمَّا بدار ... والفراء يقيس هذا الاستغناء، فيجيز: فيضان النهر معتدل وإمَّا خطير. و"إمَّا" السالفة تختلف عن "إمَّا" المركبة من: "إن" الشرطية التي تجزم فعلين، ومن: "ما" الزائدة، في مثل: إمَّا يَعْدِلْ الوالي تجتمعْ حوله القلوب. أي: إنْ يعدل.... كما تختلف اختلافًا واسعًا عن "إمَّا" الشرطية التي سيجيء الكلام عليها2 في باب خاص بها. ب- من اللهجات النَّادرة أن يقَال "أَيْمَا" بدلًا من "أَمَّا"، كذلك حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا"، وكذلك

_ 1 ومن هذا جاء بيت ابن مالك في أول باب العطف في الألفية رقم 2 من هامش ص544 ونصه: " العطف إما ذو بيان أو نسق.." وكذلك وردت في كلام من يحتج بكلامهم؛ ومنهم خالدين صفوان "أموي، توفي حول سنة 133 هـ" فقد جاء على لسانه في قصة أحد الملوك ما نصه: "إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة ربك ... أو تضع تاجك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل ... " والقصة كاملة في كتاب "الجمان في تشبيهات القرآن" لابن ناقيا البغدادي ص306. 2 في ج4 ص470 م161.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذف وَاو العطف قبل "إِمَّا" الثانية1، وقد اجتمع النَّادران في قول الشاعر: يا ليتما أمَّنا شالتْ2 نعامتها ... أَيْما إِلى جَنَّة، أَيْمَا إلى نار ومن المستحسن اليوم عدم محاكاة هذه اللغات القليلة. ج- الفرق بين "إِمَّا" و"أو" في المعاني الخمسة السالفة أن "إِمَّا" مكررة؛ فيدل الكلام معها من أول النطق بها على الغرض الذي جاءت من أجله؛ أهو شك، أم تخيير، أم غيرهما. بخلاف "أو" فإن الكلام معها يدل أوّلًا على الجزْم واليقين، ثم تجيء "أو" فتدل على المعنى الذي جاءت من أجله. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.

_ 1 وفيما سبق يقول ابن مالك: ومثل "أو" في القصد "إما" الثانية ... في نحو: إما ذي، وإما النائيه 2 شالت: بمعنى ارتفعت النعامة: باطن القدم. وارتفاع النعامة كناية عندهم عن الموت؛ لأن من يموت ترتفع –في الغالب- قدماه، وينخفض رأسه، فتظهر نعامته.

8- لكنْ: حرف عطف معناه الاستدراك1؛ نحو: ما صاحبت الخائنَ لكنْ الأمينَ؛ "فالأمين" معطوف على "الخائن". ولا يكون عاطفًا إلا باجتماع شروط ثلاثة: أولها: أن يكون المعطوف به مفردًا2، لا جملة، مثل: ما قطفت الزهرَ لكنْ الثمرَ. فإن لم يكن مفردًا وجب اعتبار "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، وليس عاطفًا، ووجب أن تكون الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، نحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الجملة بعده مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبله، ونحو: ما قطفت الزهر لكنْ قطفت الثمر.. فكلمة: "لكن" حرف ابتداء واستدراك معًا، ولا يفيد عطفًا، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها؛ لأن "لكنْ" الابتدائية لا تدخل إلا على جملة جديدة مستقلة من الناحية الإعرابية3. ثانيها: ألا يكون مسبوقًا بالواو مباشرة؛ نحو: ما صافحت المسيء لكن المحسنَ. فإن سبقته الواو مباشرة لم يكن حرف عطف واقتصر على أن يكون حرف استدراك وابتداء الكلام، ووجب أن تقع بعده جملة "فعلية أو اسمية" تُعْطَف بالواو على الجملة التي قبلها؛ فمثال الفعلية: ما صافحت المسيء ولكنْ صافحت المحسن، وقول الشاعر: إذا ما قضيت الدَّيْن بالدَّيْن لم يكن ... قضاءٌ؛ ولكنْ كان غُرْمًا على غُرم....

_ 1 الاستدراك: "تعقيب الكلام بإزالة بعض الخواطر والأوهام التي ترد على الذهن بسببه". وهو يقتضي أن يكون ما بعد أداة الاستدراك مخالفًا لما قبلها في الحكم المعنوي؛ نحو: ما قطفت الزهر. فمعنى هذه الجملة نفي القطف عن الزهر. فقد يتسرب إلى الذهن من هذا المعنى أن الثمر لم يقطف أيضًا، فلإزالة هذا الوهم واستبعاده نأتي بأداة تبعده، مثل: "لكن"؛ فنقول: ما قطفت الزهر، لكن الثمر. فكلمة: "لكن" أداة من أدوات الاستدراك. أزالت ذلك الوهم. وأثبتت أن الثمر قُطف "وقد سبق إيضاحه وتفصيل الكلام عليه في ج1 ص472 م51. وفي رقم 2 من هامش ص428 م35-" كما سبق هناك أن الحرف الدال على "الاستدراك" "وهو: "لكن" بنوعيها، مشددة النون وساكنتها" لا تقع في صدر جملة تعرب خبرًا ... 1 طبقًا للرأي الأقوى والأشهر. 3 ومن أمثلة الجملة الفعلية بعدها قول الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تُؤخَذ الدنيا غِلابا وقول الآخر يصف حياته: حياة مشقات. ولكنْ –لبُعْدها ... عن الذلّ –تصفو للأبيّ وتَعْذُب

ومثال الاسمية: وليس أَخي من ودّني رأيَ عينه ... ولكنْ أخي من ودني وهو غائب "فالواو" حرف عطف. "لكن"، حرف استدراك وابتداء كلام. والجملة بعدها معطوفة بالواو على الجملة التي قبلها1. ثالثها: أن تكون مسبوقة2 بنفي، أو نهي، كما في الأمثلة السابقة. ونحو: لا تأكل الفاكهَةَ الفِجَّةَ لكن الناضجةَ. فإن لم تُسبق بذلك كانت حرف ابتداء واستراك لا عاطفة، ووجب أن يقع بعدها جملة مستقلة في إعرابها، نحو: تكثر الفواكة شتاء، لكنْ يكثر العنب صيفًا. ويؤخذ مما سبق أن الحرف "لكنْ" حرف استدراك دائمًا؛ سواء أكان عاطفًا أم غير عاطف. وأنه لا يعطف إلا بشروط ثلاثة مجتمعة، فإن فُقِدَ منها شرط أو أكثر لم يكن عاطفًا، ووجب دخوله على الجُمل، واعتباره حرف استدراك وابتداء معًا. والاستدراك يقتضي أ، يكون ما بعد أداته مخالفًا لما قبلها في حكمه المعنوي؛ كما في الأمثلة السالفة، كما في نحو: "لا أصاحب المنافق لكن الشهم = لا تجالس الأشرار لكن الأخيار". فمعنى الجملة التي قبل "لكن" منفي، أو منهيّ عنه، وهذا المعنى في الجملة التي بعدها مثبت وغير منهيّ عنه؛ فهما مختلفان فيه نفيًا وإيجابًا، ونهيًا وغير نهي. ولما كان الكلام قبل "لكن" العاطفة منفيًا دائمًا، أو منهيًا عنه، وجب أن يكون ما بعدها مثبتًا دائمًا، وغير منهيّ عنه3، فالمعنى بعدها مناقض للمغنى قبلها1 ...

_ 1 لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص568. 2 وهذا الشرط هو الأرجح والأقوى. 3 أما غير العاطفة، أو "لكنْ" المشددة فقد يكون الأول فيهما هو المثبت، والمتأخر هو المنفي، أو العكس –كما سبق في ج1 من ص571– فالذي تجب مراعاته مع أداة الاستدراك "لكنْ = ولكنْ" هو مخالفة ما قبلها لما بعدها في الحكم نفيًا وإيجابًا، وغيرهما. وفيما سبق يقول ابن مالك بيتًا يشتمل بإيجاز على حكم: "لكنْ" و"لا" العاطفتين "وسيجيء الكلام على "لا". وأوْلِ "لكِنْ" نَفيًا، أو نهيًا. و"لاَ" ... نِدَاءً، أو أَمْرًا، أوِ اثبَاتًا تَلاَ "وأول لكن نفيًا": اجعلها والية نفيًا وواقعة بعده، وذلك بأن يتقدم النفي وتليه لكنْ، أي تجيء بعده. هذا كل ما تعرض له البيت. وهو تعرض مبتور، أما باقية فليس خاصًا بلكن. حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها، موضح في رقم 3 ص657.

9- لا: حرف عطف يفيد نفي الحكم عن المعطوف بعد ثبوته للمعطوف عليه؛ نحو: يفوز الشجاعُ لا الجبانٌ. فكلمة: "لا" حرف عطف ونفي. و"الجبان" معطوف على الشجاع، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو: فوز الشجاع، وقد نُفِي الفوز عن المعطوف "الجبان" بسبب أداة النفي: "لا". ومثل هذا يقال في "لا" التي في الشطر الثاني من قول الشاعر: القلب يدركُ ما لا عينَ تدركه ... والحْسنُ ما استحسنتْه النفسُ لا البصرُ فهي حرف عطف ونفي، و"البصر" معطوف على النفس، والحكم الثابت للمعطوف عليه هو نسبه الاستحسان إلى النفس "أي: إسناده إليها" مع نفي هذا الاستحسان عن البصر. ولا يكون هذا الحرف عاطفًا إلا باجتماع خمسة شروط: أولها: أن يكون المعطوف مفردًا –لا جملة1– كالأمثلة السالفة، وكقول الشاعر: قلْ لِبانٍ بقولِ رُكنَ مملكةٍ ... على الكتائبِ يُبنَى المُلكُ، ولا الكُتُبِ "فالكتب" معطوفة على: "الكتائب" وهذا المعطوف ليس جملة. فإن لم

_ 1 الجملة الممنوعة هنا هي التي ليس لها محل من الإعراب. قال الصبان "يشترط في "لا" العاطفة إفراد معطوفها، ولو تأويلًا؛ فيجوز: قلت عليّ قائم، لا عليّ "قاعد"؛ أخذًا من قول الهمع: ولا يعطف بها جملة لا محل لها على الأصح ... " ا. هـ. يريد أن المعنى: على قائم لا قاعد، فالجملة المعطوفة بمنزلة خبر مفرد. ومما يلحق بالمفرد: شبه الجملة إذا اعتبرنا متعلقه مفردًا، نحو: حساب العمر بالأعمال لا بالأعوام، وعند الله حسن الجزاء، لا عند الناس. وقولهم: "سُمُوُّ المرء بالعمل لا بمجرد الأمل".

يكن المعطوف مفردًا لم يصح اعتبار "لا" عاطفة؛ وعندئذ يجب اعتبارها حرف نفي فقط، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها، ليست معطوفة؛ نحو: تصبان الممالك بالجيوش والأعمال، لا تصان بالخطب والآمال. ثانيها: أن يكون الكلام قبله موجبًا لا منفيًّا ويدخل في الموجبَ –هنا– الأمرُ والنداء؛ كقول بعضهم: "الملَقُ وَضاعة لا وداعة، وخِسِّةٌ لا كِيَاسة. فكُن أبيًّا لا ذليلًا، مَصُونًا لا مُتَبَذلًا. يا بن الغُرِّ البِهَاليلِ1 لا السَّفْلةِ2 الأوغادِ3: إن الكرامة في الإباء، والعزة في التَّصَونِ، ولا سعادةً بغير عِزة وكرامة ... ". ثالثها: ألا يكون أحد المتعطفين داخلًا في مدلول الآخر، ومعدودًا من أفراده التي يصدق عليها لفظه "اسمه"؛ فلا يصح: مدحت رجلًا لا قائدًا؛ لأن الرجل "وهو المعطوف عليه" ينطبق على أفرد كثيرة تشمل المعطوف "وهو القائد" وتشمل غيره. ولا يصح أكلت تفاحًا لا فاكهة؛ لأن الفاكهة "وهي المعطوف" تشمل المعطوف عليه "وهو: التفاح" ويصدق اسمها عليه ... وهكذا. لكن يصح: مدحت رجلًا لا فتاة وأكلت الفاكهة لا خُبزًا؛ إذ لا يصدق أحد المتعاطفين على الآخر4 ...

_ 1 جمع: بهلول، وهو: السيد الجامع لكل خير. 2 أراذل الناس وأسافلهم. 3 جمع: وغد، وهو الرجل الدنيء الحقير. 4 وقد أشار ابن مالك إلى حكم "لا" في جزء من بيت سبق في هامش ص617 يتضمن حكمها وحكم "لكن" هو: وأَوْلِ "لَكنْ" نَفْيًا، أوْ نَهْيًا وَ"لاَ" ... نِدَاءً أَوْ أَمْرًا أَو اثْبَاتًا تَلاَ وقد سبق شرح الجزء الخاص بالحرف: "لكن" أما الخاص بالحرف "لا" فتقديره كلامه. "لا" تلا نداء، أو أمرًا، أو إثباتًا: فكلمة: "لا" مبتدأ –ولا يصح أن يكون معطوفًا على: لكن، منعًا لفساد المعنى– خبره الجملة الفعلية المكونة من الفعل "تلا" وفاعله. يريد: أن حرف "لا" العاطف يتلو النداء، أو الأمر، أو الإثبات. ويجيء بعد واحد من هذه الأشياء، ولا يكون عاطفًا إلا إذا وقع بعد أحدها. وفي البيت قصور ونقص.

رابعها: ألا تقترن كلمة "لا" بعاطف لأن حرف العطف لا يدخل على حرف العطف1 مباشرة فإن اقترنت به كان العطف به وحده وتمحضت هي للنفي الخالص2، نحو: أسابيع الشهر ثلاثة، لا بل أربعة، فالعاطف هوَ "بَلْ"3، وقد عطف أربعة على ثلاثة. أما "لا" فليست هنا عاطفة، وإنما هي مجرد حرف نفي لإبطال المعنى السابق وردّه. ومثل هذا: "سبقتْ السيارة لا بل القطار" فليست "لا" هنا بعاطفة وإنما هي حرف نفي يسلب الحكم السابق ويزيله ويرده، و"بل" هي العاطفة4 ... خامسها: ألا يكون ما يدخل عليه مفردًا صالحًا لأن يكون صفة لموصوف

_ 1 طبقًا لما تردد من قبل، ومنه البيان الذي في ص613. 2 ونفيها الخالص قد يكون تأسيسًا؛ كالذي في نحو: جاءني على، لا بل محمود. وقد يكون تأكيدًا كالذي في نحو: ما جاء عليّ ولا محمود. فالعاطف هو "بل" و"الواو" في الصورتين، والمعطوف فيهما هو محمود. والمعطوف عليه هو عليّ. أما كلمة "لا" فيهما فلمجرد النفي المحض، تأسيسًا في المثال الأول، وتأكيدًا في الثاني. "ملاحظة": النفي التأسيسي هو الذي تجلبه الأداة الخاصة بالنفي، ولا يكون في الكلام ما يدل على هذا النفي ويشعر به سواها؛ كالمثال الأول: جاء عليٌّ لا محمود". فلولا الحرف النافي: "لا" ما وجد في الجملة ما يدل على معنى النفي. أما النفي التأكيدي فلا تجلبه معها أداة النفي؛ وإنما يكون موجودًا قبل مجيئها؛ فتجيء هي لتوكيده وتقويته؛ كالمثال الثاني: "ما جاء علي ولا محمود" فنفي المجيء عن محمود مفهوم بغير مجيء حرف النفي "لا" وبدون ذكره فلما جاء الحرف أكده وقواه. 3 في مثل: سافر الأخ بل الوالد نحوه من كل كلام موجب، والمعطوف مفرد ... تفيد كلمة: "بل" الإضراب عن الحكم السابق، كأنه لم يكن، والسكوت من غير حكم على صاحبه مع إثبات هذا الحكم السابق لما بعدها؛ فالذي سافر في المثال السالف هو الوالد، أما الأخ فسكوت عنه لا يتحدث عنه بشيء من سفر أو غيره كما سيجيء تفصيل هذا عند الكلام على "بل" "ص623 و ... " وقياسًا على هذا يكون المراد في المثال: أسابيع الشهر أربعة ... ؛ إلا أن وجود: "لا" يجعل الحكم منفيًا صراحة لا مسكوتًا عنه. وفي هذا يقول الصبان ما نصه: "اعلم أن "لا" بعد الإيجاب هي في الإيجاب، وصيرورته بحرف الإضراب –لولاها– كالمسكوت عنه يحتمل النفي وغيره...."ا. هـ. 4 ومن صور اقترانها بالعاطف: ما جاءني محمد ولا علي. وهي في هذه الصورة زائدة، توافق نوعا من الزيادة الموضحة في البيان الهام الذي سبق في ج1 م5 ص62 أول الكلام على الحرف، وسبقت الإشارة إليه في رقم 3 من هامش ص567؛ متضمنة أنه يحوي الكلام على زيادة "لا" النافية، والغرض من زيادته، ومعناها، وإعرابها ...

مذكور، أو لأن يكون خبرًا1، أو حالًا. فإن صلح لشيء من هذا كانت للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ فمثال المفرد الصفة: هذا بيتٌ لا قديمٌ ولا جديدٌ. فكلمة "لا" النافية "وقديم" نعت لبيت. ومثال الخبر: الغلامُ لا صبيٌّ ولا شابٌ، والشابُّ لا غلامٌ ولا كهل....1. ومثال الحال. عرفت العاطف لا نافعًا ولا منتفعًا ...

_ "1، 1" لا فرق في الحكم بين خبر المبتدأ –كالأمثلة المعروضة هنا– وخبره غيره من النواسخ كالذي في قول الشاعر: فإن أنتمو لم تحتفظوا لمودتي ... ذِمَامًا فكونوا لا عليها ولا لها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- اختلف النحاة في وقوع "لا" العاطفة بعد الدعاء والتحضيض، نحو: "أطال الله عمرَك لا عُمْر الأعداء، وحرسَتْك عنايته لا عناية الناس".... ونحو: "ألاَ تُكرَم النَّابِةَ لا الخامل، وهَلا تُقَدّر الذكّي لا الغَبيّ" ... والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيح هذا؛ تيسيرًا وموافقة للمأثور. ويزيد بعضهم فيبدي اطمئنانه لصحة وقوع "لا" العاطفة بعد الاستفهام أيضًا، نحو: أفرغْتَ من كتابة الرسالة لا الخطبة؟ ولا بأس بهذا الاطمئنان. ب- إذا كانت "لا" عاطفة فقد يجوز حذف المعطوف عليه، نحو: عودت نفسي أن أتكلم ... لا شرًّا، وأن أنفع ... لا قليلًا1 ... والأصْل: أن أتكلم خيرًا لا شرًا وأن أنفع كثيرًا لا قليلًا. ج- لا يجوز تكرار "لا" العاطفة؛ فلا يقال: حضر هاشم، لا محمود، لا أمين، لا حامد، بل يجب الاتيان بالواو العاطفة قبل المكرر، ليكون العطف بهذه الواو وحدها، وتقتصر "لا" على توكيد النفي، دون أن تكون عاطفة. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدًا على المتعاطفين، من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 من ص657.

_ 1 لهذا إشارة في ص639.

10- بل: حرف يختلف معناه وحكمه باختلاف ما يجيء بعده من جملة أو مفرد. أ- فإن دخل على جُملة فهو حرف ابتداء فقط، ومعناه إما: "الإضراب الإبطالي"، وإما: "الإضراب الانتقالي". فالابطالي1: هو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، في الكلام قبل "بل"، والقطع بأنه غير واقع، ومدعيه كاذب، والانصراف عنه واجب إلى حكم آخر يجيء بعدها. نحو: الأجرام السماوية ثابتة، بل الأجرام السماوية متحركة. فالحرف "بل" "بمعنى "لا" النافية" أفاد الإضراب الإبطالي الذي يقتضي نفي الثبات ونفي عدم الحركة عن الأجرام السماوية: لأن هذا الثبات أمر غير حاصل، ومن يدعيه كاذب، فكأن المتكلم قال: "الأجرام السماوية ثابتة. لا، فالأجرام السماوية متحركة وليست ثابتة"؛ فأبطل الحكم الأول ونفاه، وعرض بعده حكمًا جديدًا. ومن الأمثلة قوله تعالى في المشركين: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ، أي: بل هم2 عبادٌ مكرمون. فقد أبطل الحكم السابق، ونفاه، وأثبت حكما آخر بعده: فكأن الأصل: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا. لا؛ فان الذين اتخذهم هم عباد مكرمون". ومثل قوله أيضا ترديدا لما يقوله الكفار عن الرسول عليه السلام: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ3 بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} . والانتقاليّ هو: الذي يقتضي الانتقال من غرض قبل الحرف: "بلْ" إلى غرض جديد بعده، مع إبقاء الحكم السابق على حاله، وعدم إلغاء ماي قتضيه. كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى 4 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ 5 الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} . فالغرض الذي يدور حوله الكلام قبل: "بل" هو: الطاعة، "بالطهارة من الذنوب، وبعبادة الله، وبالصلاة ... "، والغرض الجديد بعدها هو حب

_ اسبقت الإشارة إلى معناه في رقم 1 من هامش ص597. 2 الدليل على أن العرف: "بل" داخل على جملة اسمية، المبتدأ فيها محذوف هو: رفع كلمة: "عباد" إذ لا وجه لإعرابها وهي مرفوعة غير ما سلف، وهو الذي يقتضيه المعني أيضًا. ومثل هذا يقال في كلمة: "أحياءٌ" المرفوعة في قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، أي بل هم أحياء. 3 جنون. 4 تَطَهَّر. 5 تفضلون وتختارون.

الدنيا، وتفضيل الآخرة عليها ... وكلا الغرضين مقصود باقٍ على حالة، كقوله تعالى: {كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} 1. وكقولهم: "ليس من المروءة أن يتخلى الشريف عن أصدقائه ساعة الشدّة: بل يقيهم بماله، ويدفع عنهم بنفسه". وحكم الحرف: "بل" الداخل على الجملة أنه حرف ابتداء محض يفيد الإضراب2 -كما أسلفنا- ولا يصح اعتباره حرف عطف ولا شيئا آخر غير الابتداء، فالجملة بعده مستقلة في إعرابها عما قبلها، ولا يصح إعرابها خبرًا ولا غير خبر عن شيء سابق عليه3 ...

_ 1 غفلة، أو انهماك في الباطل، ووُصِفت القلوب بهذا مسايرة لاعتقاد العرب أن القلب هو مقر العقل والغرائز، ومصدر الخير والشر. 2 سبقت إشارة -في رقم 2 من هامش ص597 إفي فروق بين "أم" المنقطعة حين تكون للإضراب، و"بل" منها: أن الذي بعد "بل" يقين غالبا، أما الذي بعد "أم" فطن ... ، جاء الكتاب: "المحتسب" لابن جني ج2 ص 291 في الآية الكريمة من سورة الطور: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} وقراءة من قرأها: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ما نصه: "قال أبو الفتوح: هذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا فيه: إن "أم" المنقطعة بمعنى: إلا أن ما بعد "بل" متقين، وما بعد "أم" مشكوك فيه، مسؤول عنه، كقول علقمة بن عبدة: هل ما علمت وما تستودعت مكتوم؟ ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟ سطر ممحى مشكوم: مجازى ... ألا ترى إلى ظهور حرف الاستفهام وهو: "هل" في قوله: أم هل كبير بكى ... حتى كأنه قال: بل هو كبير ... ترك الكلام الأول وأخذ في استئناف مستأنف. وقد توالت "أم" هذه في ها الموضع من هذه السورة؛ قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي: بل أيقولون ذلك. وقوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ؟} أي: بل أهم قوم طاعون؟ ... أخرجه مخرج الاستفهام، وان كانوا عنده تعالى قومًا طاغين؛ تلعبًا بهم وتهكمًا عليهم. وهذا كقول الرجل لصاحبه الذي لا يشك في جهله: أجاهل أنت؟ توبيخًا له، وتقبيحًا عليه. ومعناه: إني قد نبهتك على حالك فانتبه لها، واحتط لنفسك منها، قال صخر: أرائح أنت يوم البين أم غادي ... ولم تسلم على ريحانة الوادي ليس يستفهم نفسه عما هو أعلم به؛ ولكنه يقبح هذا الرأي لها، وينعاه عليها" ا. هـ. 3 يقول السيوطي في الهمع - ج1 ص96- ما نصه خاصًا بالخبر: "لا يسوغ الإخبار بجملة ندائية؛ نحو: زيد يا أخاه، ولا مصدرة بلكن، أو: بل، أو: حتى -بالإجماع في كل ذلك".

ب- وان دخل على مفرد فحكمه أنه: حرف عطف: يختص بعطف المفردات وحدها. أما معناه هنا فيختلف باختلاف ما قبله من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي. 1- فإن تقدم على: "بل" كلام موجب أو صيغة أمر نحو1: "أعددت الرسالة بل القصيدة لبست المعطف بل الثياب" "عاون المحتاج بل الضعيف" ساعف الصديق بل الصارخ" كان معنى "بل" أمرين معا، أساسيين: أولهما: الإضراب عن الحكم السابق؛ بنفي المراد منه نفيًا تامًّا، وإبطال أثره كان لم يكن، وسلْبه عن صاحبه، وترك صاحبه مسكوتًا عنه مهملا؛ أي غير محكوم عليه بشيء مطلقًا بمقتضى هذا الكلام الذي أزال عنه الحكم السالف، وتركه بغير حكم جديد يقع عليه. وان شئت فقل: إنّ الكلام السابق على "بل" صار كأنه لم يذكر2. ثانيهما: نقل الحكم الذي قبل "بل" نقلا تاملًا إلى ما بعدها منغير تغيير بشيء في هذا الحكم الذي أزيل عما قبلها، واسْتقر لما بعدها، ففي الأمثلة السابقة يقع الإضراب على إعداد الرسائل، فينفي الإعداد لها، ولكنه يثبت للقصيدة بعدها. ويقع الإضراب على لبس المعطف، فلا يحصل؛ وإنما ينتقل اللبس إلى الثياب. وكذلك ينصت الإضراب على معاونة المحتاج؛ فلا يحصل؛ وإنما تنتقل المعاونة إلى الضعيف وتثبت له. وأيضا تلغى المساعفة للصديق ولكنها تثبت للصارخ. وهكذا. 2- وان تقدم على "بل" كلام منفي، أو مشتمل على صيغة نهي، نحو: "

_ 1 يراد بها ما يدل على الأمر صراحة، كفعل الأمر، ولام الأمر الداخلة على المضارع. لكن أيلحق بالأمر هنا التمني، والترجي، والعرض، والتحضيض، أم لا يلحق؟ رأيان بينهما خلاف واسع. والأحسن التيسير بقبول الرأي الذي يلحقها -كما سيجيء في هامش ص 627-. 2 ففي الأمثلة السابقة ماذا جرى للرسالة، والعطف، والمحتاج، والصديق، بعد أن سلبنا الحكم الواقع على كل منها؟ ليس في الكلام ما يدل على حكم جديد بعد الحكم المسلوب الذي نفيناه. فكل واحد منها بمنزلة كلمة مفردة نطقنا بها وحدها من غير أن نسند إليها شيئًا.

ما زرعت القمح بل القطن ما أسأت مظلوما بل ظالما" "لا يتصدر مجلسنا جاهل بل عالم لا تصاحب الأحمق بل العاقل" لم يكن معنى "بل " الإضراب، وإنما المعنى أمران معًا. أولهما: إقرار الحكم السابق، وتركه على حاله من غير تغيير فيه. ثانيهما: إثبات ضدّه لما بعد "بل". ففي المثال الأول: حكم منفيّ، قبل كلمة "بل" هو نفي زراعتي القمح، وأقررنا هذا الحكم المنفيّ، وتركناه على حاله، وفي الوقت نفسه أثبتنا بعدها حكما آخر، هو، زرع القطن ... ، وأيضا نفينا قبلها حكما؛ هو وقوع الإساءة على المظلوم، وأثبتنا بعدها وقوعها على الظالم. وكذلك نهينا قبلها عن تصدر الجاهل لمجلسنا، وأمرنا بعدها بهذا التصدر للعالم. ونهينا عن مصاحبة الأحمق، وامرنا بها للعاقل، وهكذا ... فالحكم الأول في كل الأمثلة السالفة –ونظائرها- باق على حاله، لم يقع عليه إضراب، أو تغيير، والحكم بعد "بل" مضاد لما قبلها، فالحكمان متضادان؛ ما ينفى أو ينقى عنه قبل "بل" يثبت أو يؤمر به بعدها"1" ...

_ 1 في حكم "بل" يقول ابن مالك: و"بل" ك "لكن بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع، بل تيها "المراد بالمصحوبين: النفي والنهي، هو المربع: المكان الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع. والتيها: هي التيهاء؛ "أي: الصحراء" يقول: ‘ن "بل" بعد النفي مثل "لكن" في أنها تقرر ما قبلها، وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعده، فلا تفيد معهما إضرابا. لكنها بعد الكلام الموجب وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول، وتنقل حكمه إلى الثاني، حتى يصير الأول مسكوتا عنه مهملا. وفي حالتي الإيجاب والأمر يقول ابن مالك متمما كلامه السالف عن "بل": وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي أي: الصريح في دلالته على الأمر؛ كفعل الأمر، والمضارع المسبوق بلام الأمر. وهذا عند ابن مالك ومن وافقه. وهناك من يلحق التمني، والترجي، والعرض، والتحضيض ... بالصريح كما قلنا في رقم 2 من هامش ص625 وقد سبق الكلام على "لكن" في ص616.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ا- لا يجوز العطف بالحرف "بل، بعد كلام فيه استفهام؛ فلا يصح أحفظت قصيدة بل خطبة؟ ب- تقع "لا" النافية قبل "بل "1 بنوعيها؛ العاطفة "وهي المستوفية للشروط2؛ وفي مقدمتها الدخول على المفرد" وغير العاطفة "وهي غير المستوفية للشروط؛ كالداخلة على الجملة " فإذا دخلت على العاطفة المسبوقة بكلام مثبت، أو بصيغة أمر كان معنى "لا" النافية: تقوية الإضراب المستفاد من "بل "، وتوكيده، وإن دخلت على العاطفة المسبوقة بنفي أو نهي كان معنى "لا" تقوية النفي والنهي المستفادين من "بل ". فمثالها بعد كلام مثبت قول الشاعر: وجهُك البدر لا، بل الشمس لو لم يقض للشمس كسفة وأفول ومثال وقوعها بعد النفي: ما عاقني البرد، لا بل المطر. ومثالها بعد النهي: لا تغفل الرياضة، لا بل طول القعود. وإن دخلت على غير العاطفة كان معناها تقوية الإضراب المستفاد من: "بل"وتوكيده؛ كقول الشاعر: وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا ... هجر، وبعد تراخ لا إلى أجل ج- ورد قليلا في المسموع الفصيح3 زيادة "الواو" بعد "بل" كالتي في قول علي رضي الله عنه: "إنما يحزن الحسدة ابدا؛ لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من السر فقط، بل ولما ينال الناس من الخير"ا. هـ4. والأحسن عدم القياس على هذا؛ لندرته البالغة. د- حكم الضمير بعدها إذا كان عائدا على المتعاطفين من ناحية المطابقة وعدمها مدون في رقم 3 ص657.

_ 1 كما اشرنا في ص629. 2 بيان هذه الشروط في ص625. 3 أما في غيره من كلام المولدين الذين يستأنس بكلامهم ولا يستشهد به، فكثيرة الورود في كثرة لا تغير الحكم السالف. 4 ورد هذا النص في ص 128 من كتاب: "سجع الحمام، في حكم الإمام" إخراج وتحقيق علي الجندي وزميليه..

ملخص حروف العطف، وبيان ما يقتضي التشريك، وما لا تقتصيه: من كل ما تقدم من الكلام على أدوات العطف يتبين: 1- أنها حروف. 2- وأنها في اغلب الحالات -تشرك المعطوف مع المعطوف عليه في الضبط الإعرابي1 "رفعا، ونصبا، وجرا، وجزما" وهذا هو الشريك اللفظي. أما من جهة التشريك المعوي فبعضها يشركه أيضا في معنى المعطوف عليه: وينحصر هذا في أربعة حروف: "الواو، الفاء، ثم، حتى"؛ فهذه الأربعة ترك المعطوف مع المعطوف عليه في المعنى، كما تركه في اللفظ إشراكا إعرابيا -في الغالب- كما أسلفا. وبعضها يشركه في اللفظ دون المعنى، فيثبت للمعطوف ما انتفى عن المعطوف عليه، وهو: "بل، لكن" أو العكس، فيثبت للمعطوف عليه ما انتفى عن المعطوف، وهو: "لا". وبعض ثالث هو "أو2، أم" يشركان في اللفظ كما يشركان في المعنى ولكن بشرك ألا يقتضيا إضرابًا3.

_ 1 وهناك حالات لا تشريك فيها في الضبط الإعرابي، كعطف الماضي على المضارع وعكسه. وعطف أحدهما على المشتق والعكس -كما سيجيء في ص642 و649 و ... 2 وتبشهها "إما" من وجوه أوضحناها عند الكلام عليها. في ص612 لكن الصحيح اعتبارها غير عاطفة. 3 قالوا في بيان هذا التشريك المعنوي "إن القاتل: أمحمد في الدار أم محمود يعرف أن الذي في الدار هو أحد المذكورين، ولكنه لا يعلم -على وجه التعيين- من هو. فالذي بعد "أم" مساو للذي قبلها في صلاحه لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه. وحصول المساواة إنما هو بواسطة "أم" فقد أشركتهما في المعنى كما أشركتهما في اللفظ. وكذلك: "أو" تشرك ما بعدها لما قبلها فيما جاءت لأجله من شك، أو تخيير، أو غيرهما. فان اقتضيا إضرابا كانا مفيدين للشريك في اللفظ لا في المعنى ... ". "راجع: "شرح التصريح"، أول باب: "العطف".

3- وان المتعاطفين إذا تكررا كان "المعطوف عليه" واحدا هو الأول. إلا إذا كان حرف العطف يفيد الترتيب "مثل: الفاء، وبم"، فان "المعطوف عليه" واحد، هو ما قبل حرف العطف مباشرة1.

_ 1 ويترتب على هذا أنه لو جاء بعد العاطف المفيد للترتيب وبعد معطوفه عاطف آخر لا يفيد الترتيب –كالواو- لوجب أن يكون المعطوف عليه لهذا العاطف الذي لا يفيد الترتيب هو المعطوف الذي قبله مباشرة والذي أداة عطفه مفيدة للترتيب. "طبقا للبيان الذي في رقم 2 من هامش ص555 ورقم 3 من هامش ص649.

المسألة 119

المسالة 119: الفصل بين المتعاطفين: يجوز عطف الاسم الظاهر على مثله أو على الضمير، ويجوز عطف الضمير على مثله أو على اسم ظاهر. لكن بعض هذه الصور يكون فيه الفصل بين المتعاطفين واجبا، وبعض آخر يكون الفصل فيه مستحسنا راجحا، وفي غير ما سبق يكون جائزا1. فأما الفصل الواجب ففي حالتين، سبقت أحداهما2. وملخصه: أنه إذا عطف على المبتدأ الذي خبره نوع من الأنواع المقرونة بالفاء -وقد ذكرت هناك- أو على ما يتصل به من صلة، أو صفة، أو نحوهما ... وجب تأخير المعطوف عن الخبر، إذ لا يجوز الفصل بين هذا الخبر ومبتدئه بالمعطوف؛ ففي مثل: الذي عندك فمؤدب لا يصح أن يقال: الذي عندك والخادم فمؤدب، أو فمؤدبان، وهكذا ... والحالة الثانية التي يجب فيها الفصل -تبعا لأرجح الآراء- هي التي يكون فيها المعطوف عليه مصدرا له معمولات؛ فلا يجوز العطف عليه إلا بعد استيفائه كل معمولاته؛ نحو: ما أحسن تقدير الأمة العاملين المخلصين لها، وإكبارهم.

_ 1 ملاحظة: من الحالات الجائزة بعض صور بليغة تقدمت في ص435 ويشترط في الفصل الجائز إلا يكون بفاصل طويل، ولم يحدد النحاة هذا الطول الذي يسترشد فيه بما جاء في كتاب: "المحتسب"، لابن جني -ج2 ص297- حيث الكلام على معطوف مفصول من المعطوف عليه بثلاث جمل، ونص كلامه في هذا العطف: "قال أبو حيان: هذا بعيد؛ لطول الفصل بجمل ثلاث: وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب، نحو: أكلت خبزا، وضربت فلانا، وان يجيء فلان أكرمه، ورحل إلى بني فلان و"لحما"؛ فيكون "ولحما" معطوفا على "خبزا"، بل لا يوجد مثله في كلام العرب" ا. هـ. 2 تفصيلها الذي لا غنى عن الرجوع إليه، وبيان فروعها المختلفة في ج1 م41 ص391 "باب المبتدأ والخبر".

واما الحالتان اللتان يستحسن فيهما الفصل ويرجح1. فالأولى: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا، سواء أكان متستترًا أم بارزا؛ فيستحسن عند العطف عليه فصله بالتوكيد2 اللفظي أو المعنوي أو بغيرهما أحيانا. فالفصل بالتوكيد اللفظي يتحقق بضمير مرفوع منفصل مناسب3 نحو: "لقد كنت أنت ورفاقك طلائع الإصلاح، وكنتم أنت والسباقون إليه موضع الإعجاب والتقدير". فكلمة: "رفاق" معطوفة على: "التاء" وهي الضمير المتصل المرفوع البارز بعد توكيد لفظه بالضمير المرفوع المنفصل: "أنت". وكذلك كلمة: "السباقون" معطوفة على الضمير البارز "التاء والميم"، في "كنتم" بعد توكيده توكيدا لفظيا بالضمير المرفوع المنفصل: "أنتم". ومثال العطف على الضمير المتصل المرفوع المستتر مع الفصل: انتفع أنت وإخوانك4 بتجارب السابقين. والفصل بالتوكيد المعنوي يتحقق بوجود لفظ من ألفاظه بين المتعاطفين؛ ومن الأمثلة قول الشاعر: ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا، وكنا الظافرينا ويغنى عن التوكيد بنوعيه -كما أسلفنا- وجود فاصل آخر أي فاصل بين المتعاطفين؛ كالضمير "ها" في قوله تعالى في المؤمنين الصالحين: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} ... ومثل "لا" النافية

_ 1 عند البصريين. أما الكوفيون. فلا يتمسكون بالفصل ولا يرون في خلو الكلام منه عينا ولا ضعفا. 2 راجع حاشية التصريح ج3 باب: العطف، عند الكلام على عود الخافض ... 3 لا فرق في هذا بين أن يكون المعطوف اسما ظاهرا أو ضميرا. 4 كلمة: "إخوان"، معطوفة على الفاعل المستتر وتقديره: "أنت". أما كلمة "أنت" ضمير المخاطب المذكور فتوكيد لفظي الفاعل المستتر؛ ولا يصح إعرابها فاعلا: لأن فعل الأمر الواحد لا يرفع ضميرا بارزا. ولا يصح إعرابها بدلا من الفاعل المستتر: لأن الضمير لا يبدل من الضمير -كما في ب من ص683-. وهناك إعراب آخر يفضله النحاة على هذا، وقد سبق في ص564 حيث البيان والإيضاح، ويجيء أيضا في ص638.

في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} ، وقد اجتمع الفصل بالتوكيد اللفظي وبحرف النفي "لا" في قوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} . ومن غير المستحسن في النثر -مع جوازه- العطف على الضمير المستتر المرفوع بغير فاصل على الوجه السالف، نحو "قاوم ونظراؤك أعوان السوء"، فقد عطفت كلمة: "نظراء "على الفاعل الضمير المستتر: "أنت" بغير فاصل؛ ومنه العبارة المأثورة1: "مررت برجل سواء والعدم" أي: متساو هو والعدم، فكلمة، "سواء" اسم بمعنى المشتق، وهي متحتملة للضمير المرفوع. والعدم "بالرفع" معطوفة على الضمير المستتر بغير فاصل بينهما2. أما الشعر فقد يجوز فيه عدم الفصل، اضطرارا؛ مراعاة لقيوده الكثيرة التي قد تقهر الشاعر على ترك الفصل ... ومن الأمثلة قول جرير يهجو الأخطل: ورجا الأخطيل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا فقد عطف كلمة "أب" على اسم "يكن" المرفوع المستتر بغير فاصل بينهما3.ومثله قول الآخر: مضى وبنوه، وانفردت بمدحهم ... وألف إذا ما جمعت واحد فرد فقد عطف كلمة: "بنوه" على الضمير المرفوع المستتر في: "مضى" بغير فاصل.

_ 1 وقد رواها سيبويه. 2 وهي مما استشهد به سيبويه على صحة ترك الفصل في النثر. 3 وفيما سبق من العطف على الضمير المرفوع المتصل مع الفصل بين المتعاطفين يقول ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما. وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا. وضعفه اعتقد وملخص البيتين: افصل بالضمير المنفصل بين المتعاطفين إذا كان المعطوف عليه ضميرا مرفوعا متصلا. ولا يتعين أن يكون الفصل بالضمير وإنما يكفي الضمير أو غيره. ثم بين أن عدم الفصل فاش "أي: كثيرا في الشعر، وأنه مع كثرته ضعيف لا يقاس عليه. لكن كيف يكون كثيرا وفاشيا والقياس عليه ضعيف؟ أن الكثرة تعارض الضعف؛ ولذا كان القياس هنا سائغا في الشعر بغير ضعف، خلافا لابن مالك.

والثانية: أن يكون المعطوف عليه ضميرا مجرورا بحرف أو بإضافة؛ فيستحسن عند أمن اللبس إعادة عامل الجر مع المعطوف، ليفصل بين المتعاطفين، فمثال المعطوف المجرور بحرف جر1 معاد: ما عليك وعلى أضرابك من سبيل أن أديتم الواجب. فكلمه: "أضراب" معطوفة على الضمير الكاف المجرور بالحرف: "على". وقد أعيد هذا الحرف مع المعطوف. والأصل ما عليك وأضرابك، ومثل هذا قوله تعالى عن نفسه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ 1 ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . فكلمة: "الأرض" معطوفة على الضمير: "ها" المجرور باللام، وقد أعيدت اللام مع المعطوف: والأصل: فقال لها والأرض. ومثله إعادة اللام في قول الشاعر: فما لي وللأيام –لا دلا دلاها– ... تشرق بي طورا، وطورا2 تغرب ومثال إعادة عامل الجر وهو اسم مضاف3 قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} . فكلمة: "آباء" معطوفة في الأصل على الضمير المضاف إليه، وهو: "الكاف الأولى"، فأعيد المضاف وهو: "إله" وذكر قبل المعطوف. واصل الكلام: نعبد إلهك وآبائك ... هذا هو الكثير. وترك الفصل جائز أيضا، ولكنه لا يبلغ في قوته وحسنه البلاغي درجة الكثير. ومن هذا قراءة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} . والتقدير: الذي تساءلون به وبالأرحام. أي: تستعطفون به وباسمه، وبالأرحام؛ بعطف كلمة: "الأرحام" على الضمير المجرور بالباء. وكقول الشاعر:

_ "1، 1" الرأي المختار انه إذا أعيد عامل الجر فالمعطوف هو الجار والمجرور معا، وليس المجرور على المجرور، لئلا يلزم إلغاء عامل، أي: تركه زائدا مهملا، لا أثر له إلا مجرد الفصل. ومن الأمثلة -أيضا- لإعادة الجار في المعطوف، اللام في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . 2 سبق هذا البيت للمناسبة السالفة في ج2 م80 ص246. 3 إنما يعاد الحامل الاسمي "وهو المضاف" بشرط ألا توقع إعادته في لبس، فإن أوقعت في لبس لم يجز إعادته، نحو: جاءتني سيارتك وسيارة محمود، وأنت تريد سيارة واحدة مشتركة بينهما. وهذا المنع إذا لم توجد قرينة تزيل اللبس.

اليوم قد بت1 تهجونا وتشتمنا ... فاذهب، فما بك والأيام من عجب أي: وبالأيام. وقول بعض العرب: ما في الدار غيره وفرسه، يجر كلمة: "فرس" المعطوفة على الهاء من غير إعادة الجار وهو الاسم المضاف2.

_ 1 في رواية أخرى: اليوم قربت ... 2 يقول ابن مالك في تكرار الخافض مع المعطوف إذا كان المعطوف عليه ضميرا مجرورا: وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما: إذ قلا أتي ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا يقول: جمل عود الخافض على المعطوف الذي وصفناه أمرا لازما عند النحاة، ولكنه ليس بلازم في رأي وحكمي؛ لأن عدم إعادته أمر ثابت تحقق في النظم والنثر الواردين عن العرب. أي: أمر تؤيده الأمثلة الصحيحة نظما ونثرا، وتثبت أن إعادته ليست باللازمة.

المسألة 120

المسالة 120: صور من الحذف في أسلوب العطف: حذف بعض حروف العطف مع معطوفها: من حروف العطف ثلاثة يختص كل منها بجواز حذفه مع معطوفه بشرط أمن اللبس –كما سبق عند الكلام عليها1- وهذه الثلاثة هي: الواو، والفاء، وأم المتصلة. فمثال حذف الواو مع معطوفها لدليل: أنقذت الغريق ولم يكن بين الموت إلا لحظات. أي: لم يكن بين الموت وبينه.... وقول الشاعر: إني مقسم ما ملكت؛ فجاعل ... قسما لآخرة، ودنيا تنفع....... يريد: وقسم دنيا، أي: وقسما لدنيا ... ومثل قول الآخر: فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر2 إلا ليال قلائل أي: بين الخير وبيني. ومما يصلح لهذا أيضا قول بعض العرب: "راكب الناقة طليحان3"، والتقدير: راكب الناقة والناقة طليحان. ومثال حذف الفاء مع معطوفها لدليل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ 4 أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ 5 مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، الأصل: فضرب فانبجست6. وقوله تعالى:

_ 1 ص557 و574 و586 مع ملاحظة أن المحذوف قد يترك معمولا مذكورا في الكلام أحيانا "كبعض الأمثلة التي في ص563 "أ" و576 وغيرهما من الأمثلة المعروضة عند الكلام على أحكام تلك الأحرف" أو لا يترك معمولا له؛ كالأمثلة المعروفة هنا. 2 كنية رجل اسمه: النعمان بن الحارث. 3 أصابهما التعب والإعياء. "وقد سبقت الإشارة هذا في ص562". 4 طلبوا منه الماء للسقي. 5 تفجرت. 6 هذه الجملة الفعلية المكونة من الفعل: "انبجس" وفاعله، معطوفة على الجملة الفعلية المكونة من الفعل: ضرب المحذوف. وإنما لم يكن العطف على الأول "أوحينا" لما سبق تقريره رقم 2 من هامش ص555 =، وفي رقم 3 من هامش ص649" من أن المعطوفات المتعددة يكون معطوفها واحدا هو الأول. إلا إذا كان حرف العطف يقتضي الترتيب، فيكون المعطوف عليه هو ما قبله مباشرة.

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} ، أي: فضرب فانفجرت، وتسمى هذه الفاء المذكورة في الكلام، والتي تعطف ما بعدها على الفاء المحذوفة مع معطوفها "فاء الفصيحة"1. ومثال حذف "أم" المتصلة ومعها معطوفها بدليل -وحذفهما، قليل- قول الشاعر: وقال، صحابي: قد غبنت، وخلتني غبنت. فما أدري أشكلكم شكلي؟ ... والأصل: أشكلكم2 شكلي أم غيره؟ وكقول الآخر: دعاني إليها القلب، إني لأمره ... سميع؛ فما أدري: أرشد طلابها؟ والتقدير: أرشد طلابها أم غي3؟ حذف المعطوف: تنفرد الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله المرفوع أو المنصوب أو المجرور، فمثال المعمول المرفوع قوله تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فكلمة: "زوج" فاعل بفعل محذوف، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور معطوفة على الجملة الأمرية المكونة من فعل الأمر: "اسكن"

_ 1 وهذا النوع هو الذي سبقت "في ص576" الإشارة والإحالة على ما جاء خاصا به هنا. وسميت "فاء الفصيحة" لأنها أفصحت، "أي: بينت" وكشفت عن المحذوف، ودلت عليه وعلى ما نشأ عنه. ولأنها -أحيانا- تفصح عن جواب شرط مقدر؛ ففي الآية الأولى دلت الفاء على المحذوف وعلى أن الضرب كان سببا في الانبجاس. أو يقال: إن كان موسى قد أطاع الأمر وضرب الحجر فماذا تم بعد ذلك؟ فالجواب: انبجست منه اثنتا عشرة عينا. 2 طريقكم. 3 وقيل إن الهمزة للتصديق، فلا تحتاج إلى معادل.

وفاعله. والتقدير: اسكن أنت، وليسكن زوجك1. والسبب في هذا أننا لو أعربنا كلمة: "زوج" معطوفة بالواو على الفاعل المستتر لفعل الأمر لكان العامل في المعطوف "زوج" هو العامل في المعطوف عليه، أي: في الفاعل الستر. فيكون الفعل: "اسكن" عاملا في فاعله، وفي كلمة: "زوج"، فهو الذي رفع كلمة "زوج" وهي بمنزلة الفاعل بسبب عطفها على الفاعل ويترتب على هذا أن يكون فاعل الأمر اسما ظاهرا مع أن نعل الأمر لا يرفع الظاهر. هذا تعليلهم. وهو تعليل مرفوض، يعارضه ما يرددونه كثيرا من أنه: "قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع"، أو: "قد يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل". فإذا امتنع أن يقع الاسم الظاهر فاعلا لفعل الأمر مباشرة فلن يمتنع أن يكون المعطوف على هذا الفاعل اسما ظاهرا؛ لأنه تابع أو ثان ينطبق عليه ما سبق من التوسع والتيسير؛ فلا داعي للتكلف والتقدير ... ومثال المعمول المنصوب قوله تعالى في أنصار الدين {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ، ومعنى تبوءوا الدار أعدّوها للسكنى. وهذا المعنى مناسب للدار؛ لكنه غير مناسب للإيمان، إذ لا يقال على سبيل الحقيقة: هيئوا الإيمان للسكنى؛ ومن ثم أعربت كلمة: "الإيمان" مفعول لفعل محذوف تقديره: "ألفوا" وهذه الجملة الفعلية المحذوفة معطوفة بالواو على الجملة الفعلية التي قبلها. ومنه قول الشاعر: إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزججن الحواجب والعيونا أي: وكحلن العيون؛ لأن التزجيج "وهو ترقيق الحاجب بأخذ بعض الشعر منه كي يصير منحنيا كالقوس" لا يصلح للعيون. ومثال المعمول المجرور قولهم: ما كل سوداء فحمة، ولا بيضاء شحمة. فكلمة: "بيضاء مجرورة بمضاف محذوف معطوف على "كل" والأصل "ولا كل بيضاء شحمة". والداعي للتقدير هنا هو الفرار من العطف على معمولي عاملين مختلفين.

_ 1 قد سبق "في رقم 3 من هامش ص564" إعرابه آخر لبعض النحاة، بمقتضاه تكون ... "زوجك" معطوفة على الضمير المستتر الفاعل. وانه لا يصح إعرابه بدلا من الفاعل المستتر، وتجيء له مناسبة في ص657.

وإيضاح1 هذا أن كلمة: "سوداء" مضاف إليه فهي معمول، عامله هو المضاف؛ "لفظة: "كل" المذكورة" وأن "فحمة" خبر "ما" الحجازية فهي معمول، عامله: "ما"، فالعاملان مختلفان، وكذلك المعمولان. فلو عطفنا "بيضاء" على "سوداء"، و"شحمة" على "فحمة" لزم العطف بعاطف واحد "هو: الواو" على معمولين مختلفين لعاملين مختلفين -كما يقولون- وهذا لا يبيحه كثرة النحاة ... إذ يجب أن يكون العامل في المتعاطفين واحدًا، لا أكثر. وهذا الرأي أحق بالإتباع2 ... ملاحظة: من موضوعات الحذف الهامّة: "حذف الموصول" وقد سبق تفصيل الكلام عليه3. حذف المعطوف عليه، "أي: المتبوع": يصح عند أمن اللبس. حذف المعطوف عليه وحده إذا كانت أداة العطف هي: "الواو، أو: الفاء، أو: أم المتصلة، أو: "لا" العاطفة4....." فمثال حذفه مع بقاء الواو5 أن يقول قاتل: مرحبا بك. فتجيب: وبك وأهلا وسهلا؛ أي: ومرحبا بك وأهلا وسهلا. فالجار والمجرور: "بك" متعلقان بكلمة: مرحبا، المحذوفة. و"أهلا": الواو حرف عطف 0"أهلا"، معطوفة على: "مرحبا" المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف. و"سهلا" "الواو" حرف عطف. "سهلا" معطوفة على "مرحبا" المحذوفة فالمعطوف عليه هو المحذوف6.

_ 1 سبق -في ص159. بيان شاف لهذا في باب الإضافة، عند الكلام على حذف المضاف، وله مناسبة أخرى في ص564. 2 وفي مواضع الحذف السالفة يقول ابن مالك مقتصرا على بعضها: "والفاء" قد تحذف مع ما عطفت "والواو"، إذ لا لبس وهي انفردت: بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله؛ دفعا لوهم أتقي "عامل مزال، أي: أزيل عن مكانه، والمراد حذف" وقد بين في البيت الثاني أن الداعي لتقدير المحذوف دفع وهم لا يستقيم الأمر إلا بدفعه وإزالته. 3 في الجزء الأول م؟ بعنوان: حذف الموصول الاسمي. 4 انظر: "ب" من ص622. 5 انظر "الملحوظ" التي في الصفحة الآتية متعلقة بصورة من صور حذف المعطوف "بالواو" مع بقاء الواو. 6 ومن الأمثلة أيضا لحذف المعطوفه عليه مع بقاء حرف العطف "الواو" قوله تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ... } أي أنسى ولا يذكر ... ؟ فالمعطوف عليه المحذوف هو الفعل: نسي.

ومثال الحذف مع بقاء الفاء قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا1 ... ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} والتقدير: أعلمتم أن دخول الجنة يسير أم حسبتم أن تدخلوا الجنة. ومثال الحذف قبل "لا" العاطفة: "عاهدت نفسي أن أعمل الخير ... لا قليلا، وان أقول الحق ... لا بعض الأوقات" والأصل: أن أعمل الخير كثيرا لا قليلا، وأن أقول الحق كل الأوقات لا بعض الأوقات. "ملحوظة" من أمثلة حذف المعطوف عليه هو بقاء حرف العطف: "الواو"، ما سجله ابن جني في كتابه المسمى: "تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع2". قال عند شرحه بيت أبي نواس: "وبلدة فيها زور ... صعراء تحظى في صعر" ما نصه الحرفي: "قوله: وبلدة" ... قيل في هذه الواو قولان، أحدهما: أنها للعطف، والآخرك أنها عوض من "رب"؛ فكأنهم إنما هربوا من أن يجعلوها عاطفة لأنها في أول القصيدة، وأول الكلام لا يعطف. ولا يمتنع العطف على ما تقدم من الحديث والقصص؛ فكأنه كان في حديث، ثم قال: وبلدة. فكأنه وكل الكلام إلى الدلالة في الحال. ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فالضمير "الهاء" يراد به القرآن، وإن لم يجر للقرآن ذكر.

_ 1 قد سبق إيضاح الكلام على الحذف في هذه الآية وأشباهها "من هامش ص571" وأن فيها رأيين، أحدهما: يرى الفاء قد عطفت جمله فعلية مذكورة على أخرى محذوفة بعد الهمزة في مكانها الأصلي. والثاني: يرى أن الهمزة تقدمت من تأخير، للتنبيه على أصالتها في التصدير، ومحلها الأصلي بعد الفاء. والتقدير: فألم يسيروا ... والجملة بعد العاطف معطوفة على أخرى مماثلة لها خبرا وإنشاء، محذوفه، ومكانها قبل الهمزة والعاطف. وفي الحذف المذكور يقول ابن مالك بيتا نصفه الأول هو الذي يتصل بالحذف، ونصفه اثاني يتعلق بقاعدة اخرى سيذكر معها في ص644. وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل على الفعل يصح 2 ص9 من الطبعة التي أخرجها وحققها الأستاذ بهجة الأثري.

وكذلك قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب} يعني الشمس؛ فأضمرها وإن لم يحر لها ذكر. وهذا في كلام العرب واسع فاش" ا. هـ كلام ابن جني1 ... حذف حرف العطف وحده: أشرنا من قبل2 إلى أنه يجوز حذف العاطف وحده ولا يكون هذا إلا في الواو، والفاء، وأو. فمثال الواو قوله عليه السلام: "تصدق رجل، من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره"، وما نقل من قول بعض العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا، وقول الشاعر: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم ومثال الفاء: قرأت الكتاب بابًا بابًا، وادخلوا الغرقة واحدًا واحدًا. والتقدير بابًا فبابًا، وواحدًا فواحدًا. ومثال: "أو" قولهم: أعط الرجل درهمًا، درهمين، ثلاثة.. تقديم المعطوف على المعطوف عليه: ورد في المسموع تقديم "المعطوف" بالواو -دون غيرها- على المعطوف عليه، وهو تقديم شاذ -لا يجوز القياس عليه3- ومنه قول الشاعر: وأنت غريم لا أظن قضاءه ... "ولا العنزي القارظ -الدهر-" جائيًا أي: جاثيا هو، ولا العنزي. وقول الآخر4: أيا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام

_ 1 ويوضحه بل يؤيده ويقويه ما جاء في "المغني" ج2 عند كلامه في الباب الأول على: "حرف الوأو المفردة"، ومنها: الوأو الجارة. بقي أن نسأل: هل هناك ما يمنع من صحة اعتبار "الوأو" للاستئناف في بيت أبي نواس؟ لا أرى مانعا. 2 في ص575. 3 لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص557 وفي رقم 5 من ص658. 4 هو الأحوص.

المسألة 121

المسألة121: عطف الفعل على الفعل أو على ما يشبهه، والعكس، وعطف الجملة على الجملة 1: أ- عطف الفعل وحده على كذلك: عرفنا فيما سبق أن عطف الاسم وحده على الاسم يعد من عطف المفردات2 بعضها على بعض، كقول الشاعر: وكل زاد عرضة للنفاد ... غير التقى، والبر، والرشاد وكما يجوز عطف الاسم وحده على نظيره في الاسمية عطف مفردات يجوز عطف الفعل -وحده من غير مرفوعه3- على الفعل وحده عطف مفردات أيضا؛ نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأعمالهم. وهي سهام لن يستطيع أو يقدر احد على احتمالها4". فالفعل: "تصدى" معطوف وحده على الفعل: "تعرض" وكذا الفعل: "يقدر" معطوف وحده على الفعل "يستطيع5" وكل هذا من عطف المفردات؛ إذ لم يشترك الفاعل -هنا- مع فعله في العطف. فلو اشترك معه لكان العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية6 ... ويشترط لعطف الفعل على الفعل أمران:

_ 1 أما عطف الاسم المفرد على الجملة والعكس، فيجيء في رقم 6 من ص659. 2 سبقت "الإشارة في رقم 3 من هامش ص557" إلى أن المفرد هنا: ما ليس جملة، ولا شبه جملة. 3 لأن الفعل مع مرفوعه جملة، سواء أكان مرفوعه فاعلا أم نائب فاعل ... 4 راجع ما يتصل بهذا في الزيادة ص645. وبيان نوع العطف فيه. 5 بدليل نصب المضارع المعطوف "وهو: يقدر" إذ لو كان العطف جملة على أخرى لوجب رفع هذا المضارع -وسيجيء الإيضاح في ص645-. 6 والفرق كبير -لفظيا ومعنويا- بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده وعطف الجملة الفعلية على الفعلية -كما سيجيء هنا..

أولهما: اتحادهما في الزمن1؛ بأن يكون زمنهما معا ماضيا، أو حالا، أو مستقبلا؛ سواء أكانا متحدين في النوع "أي: ماضيين، أو: مضارعين2" أم مختلفين: فلا يمنع من عطف أحدهما على الآخر تخالفهما في النوع3. وإذا اتحدا زمانا. فمثالا تحادها زمانا ونوعا، قوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} 4. وقول الشاعر في مدح عالم: سعى وجرى5 للعلم شوطا يروقه ... فأدرك حظا لم ينله أوائله ومثال اتحادهما زمانا مع اختلافهما نوعا: عطف الماضي على المضارع في قوله تعالى بشأن فرعون: {يَقْدُمُ 6 قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} ، فالفعل: "أورد" ماض، معطوف بالفاء على الفعل المضارع: "يقدم" وهما مختلفان نوعا، لكنهما متحدان زمانا؛ لأن مدلولهما لا يتحقق إلا في المستقبل "يوم القيامة"7 ... ومثال عطف المضارع على الماضي قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ

_ 1 كما سبق في الجزء الأول عند الكلام على زمن المضارع أما اختلافهما في الزمن نقد يجعل العطف عطف جملة على جملة، بشرط الاتحاد خبرا وإنشاء، كما سيجيء في عطف الجملة الفعلية ص630. 2 أما فعل الأمر بدون فاعله فلا مكون معطوفا، ولا معطوفا عليه؛ لأنه لا يفارق فاعله، ولا ينفصل أحدهما عن الآخر، لا لفظا ولا تقديرا؛ كأفعال الأمر التي فاعلها ضمير ظاهر أو مستتر في الآية الكريمة الآتية، وهي: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} -كما سيجيء الإشارة في رقم 1 من هامش ص649- ويفهم من كلام "الصبان" جواز عطف فعل الأمر وحده، وهذا بعيده. والرأي الأول هو السديد. 3 راجع ما يتصل بهذه المسألة الهامة في ج1 ص39 م4. 4 انظر الزيادة ص645 كي يتضح منها أن العطف عنا عطف فعل وحده على فعل وحده، لا جملة فعلية على جملة فعلة. 5 يصلح العطف هنا أن يكون عطف فعل ماض وحده على نظره، وأن يكون عطف جملة ماضويه على نظيرتها "انظر البيان في ص645". 6 تقدم. 7 ومثل هذا قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ...

شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} فالفعل: "يجعل" مضارع مجزوم؛ لأنه معطوف على الفعل الماضي: "جعل" المبني في محل جزم1؛ لأنه جواب الشرط. وصح العطف لاتحاد زمانيهما الذي يتحقق فيه المعنى2، وهو الزمن المستقبل ... ثانيهما: اتحادهما إن كان مضارعين في العلامة الدالة على الإعراب -"من حركة أو سكون، أو غيرهما"- ويتبع هذا اتحاد معنيهما في النفي والإثبات؛ فإذا كان "المعطوف عليه" مضارعا مرفوعا، أو منصوبا، أو مجزوما، وجب أن يكون المضارع "المعطوف". كذلك وأن يكون معنى المعطوف كالمعطوف عليه في النفي والإثبات؛ فكما يتبعه في علامات الإعراب يتبعه فيهما معنى. فمثال المرفوعين: يفيض فيغدق نهرنا الخير على الوادي. ومثال المنصوبين: لن يفيض النهر فيغرق الساحل. ومثال المجزومين: لم يفض نهرنا فيغرق ساحله3 ...

_ 1 طبقا للقاعدة لخاصة بهذا "في باب الحوازم -ج4 م157 ص347" وتقضي بأن الماضي الواقع في جواب الشرط مكون مبنيا في محل جزم، وأنه وحده الجواب، لا الجملة الفعلية المركبة منه ومن فاعله معا. 2 كان الزمن مستقبلا مع أن المعطوف عليه فعل ماض -وهو فعل الشرط. لأن أداة الشرط الجازمة تقتضي حتما أن يكون زمن فعل الشرط والجواب مسقبلا. 3 وقد اكتفي ابن مالك في الكلام على عطف الفعل على الفعل بالشطر الثاني من البيت الذي سبق عرفه في ص640 لمناسبة أخرى تضمنها صدره: يقول: وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل على الفعل يصح "بدا = ظهر والمراد انه مذكور في الكلام" "استبح = اجعله مباحا" "يصح: أصلها: يصح، -بالتشديد مع التسكين- وخففت الحاء الساكنة لوزن الشعر".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: نصب المضارعين معا، أو جزمهما معا بغير تكرار الناصب والجازم قبل الفعل المضارع المعطوف، دليل قاطع على أن العطف عطف فعل وحده بغير مرفوعه على فعل وحده كذلك، وليس عطف جملة على جملة؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الفعلية بغير تكرار أداة النصب أو الجزم يستلزم -حتما- أن يكون المضارع المعطوف غير منصوب ولا مجزوم؛ إذ نصبه أو جزمه يوجب أن يكون عطف فعل وحده على فعل كذلك. أما رفع المضارعين معا في مثل: يشتد البرد البرد فتهاجر طيور كثيرة إلى بلاد دافئة فلا دليل معه على أن العطف عطف مضارع مفرد على نظيره المفرد، أو عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية "أي: مضارع مع فاعله، على مضارع مع فاعله"، فمثل هذا الكلام صالح للأمرين عند عدم القرينة التي تعينه لأحدهما2 ... وكذلك العطف في قول الشاعر: قد ينعم الله بالبلوى –وإن عظمت– ... ويبتلى الله بعض القوم بالنعم فيصح أن يكون المعطوف هنا جملة مضارعية هي: "يبتلى الله"، والمعطوف عليه جملة مضارعية كذلك، هي: ينعم"؛ ويصح أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعان، ومثل هذا يقال في الماضي في أن يكون المتعاطفان مفردين هما المضارعين، ومثل هذا يقال في الماضي في نحو: "إذا تعرض وتصدى المرء لكشف معايب الناس مزقوه بسهام أقوالهم وأفعالهم ... "1. حيث يجوز الأمران، لعدم وجود قرينة تعين نوع العطف: أهو عطف فعل ماض وحده على ماض وحده أم عطف جملة

_ 2 ومنه قول الشاعر: وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو إن كدرت عليه 1 وكذلك قول الشاعر: قد هون الصبر عندي كل نازلة ... ولين العزم حد المركب الخشن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماضوية على جملة مثلها؟ بخلاف العطف في قوله تعالى عن الكافرين: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} حيث يتعين أن يكون عطف جملة ماضوية على جملة ماضوية، لوجود فاعل غير مستقل هو الضمير المتصل لكل فعل ماض منهما1.... ومما سبق يتبين الفرق اللفظي بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الفعلية2، وهو فرق دقيق خفي على بعض العلماء المشتغلين بالنحو قديما، فقد نقل عن أحدهم قوله: إني لا أتصور لعطف الفعل على الفعل مثالا؛ لأن نحو: قام علي وقعد حامد3 يكون فيه المعطوف جملة لا فعلا، وكذا: قام وقعد علي؛ لأن في احد الفعلين ضميرا؛ فيكون فاعلا له، ويكون الاسم الظاهر فاعلا؛ ففي الكلام جملتان معطوفتان. فقيل له: ماذا ترى في مثل: يعجبني أن تقوم وتخرج؛ بنصب المضارعين، وفي مثل: لم تقم وتخرج؛ بجزمهما. وفي مثل: يعجبني أن يقوم محمود ويخرج حليم، وفي مثل: لم يقم محمود ويخرج حليم ... ؟ فالفعل في الأمثلة

_ 1 ولهذا السبب نفسه يتعين أن يكون العطف عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ... } لوجود فاعل غير مستقل هو ضمير متصل لكل من المضارعين: ينفقون ويتبعون. وفي الآية أنواع أخرى من العطف. 2 ستجيء لهذا إشارة في "البدل" أيضا، ص661. 3 وقد اجتمع عطف الفعل وحده على الفعل وحده، وعطف الجملة المضارعية على المضارعية في قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ... } فقد جزمت الأفعال: "يز، ينصر، يشف، يذهب" لأنها معطوفة على المضارع "يعذب" المجذوم في جواب الأمر. أما المضارع "يذهب" فمرفوع؛ لأنه مع فاعله ولا يصح أن يكون عطف مضارع وحدة على مضارع وحده؛ وإلا وجب أيكون المعطوف مجزوم الللفظ كالمعطوف عليه. هذا، ويصح أن تكون الواو للاستئناف، لا للعطف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السالفة منصوب أو مجزوم؛ فما الذي نصبه أو جزمه؟ فلولا أن العطف للفعل وحده لم يمكن نصبه أو جزمه ... ومما هو جدير بالملاحظة أن الفرق اللفظي في عطف الفعل على الفعل، يترتب عليه فرق معنوي كبير من ناحية النفي والإثبات. فالفعل إذا كان هو "المعطوف" وحده فانه يتبع الفعل "المعطوف عليه" فيهما؛ كما يتبعه في الإعراب؛ طبقا لما سبق1 وهذه التبعية في النفي قد تفد المعنى المراد -أحيانا- لو جعلنا الكلام عطف جمل؛ فعطفنا كل فعل مع فاعله على الآخر مع فاعله، أي: أن المعنى قد يختلف كثيرا باختلاف نوعي العطف، أهو عطف فعل وحد، على آخر، أم جملة فعلية على مثيلتها الجملة الفعلية؟ يتضح هذا من المثال التالي: لم يحضر قطار ويسافر يوسف. بعطف "يسافر" على "يحضر" عطف فعل مفرد على نظيره المفرد، فيكون "يسافر" مجزوما. والمعنى نفي حضور القطار، ونفي سفر يوسف أيضا، فالحضور لم يتحقق، وكذلك السفر، فالأمران لم يتحققا قطعا. أما إن كان الفعل: "يسافر" مرفوعا فيتعين أن يكون العطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ تحقيقا لنوع من الربط والاتصال بينهما. ويتعين أن يكون المعنى عدم حضور القطار. أما يوسف فسفره يحتمل أمرين باعتبارين مختلفين، فعند اعتبار الجملة الثانية مثبتة لم يتسرب إليها النفي من الأولى يكون يوسف قد سافر. وعند اعتبارها منفية لتسرب النفي إليها من الأولى يكون مقيما لم يسافر. والقرينة هي التي تعين سريان النفي من الأولى إلى الثانية، أو عدم سريانه2. ومن أمثلة فساد المعنى الذي يترتب على عطف الفعل وحده على الفعل وحده

_ 1 في ص642. 2 ويصح أن تكون الواو للاستئناف؛ فالجملة بعدها مستقلة، لا علاقة لها بما قبلها في الإعراب ... ولا في النفي والإثبات. ويصح أن تكون الواو للحال والمضارع بعدها مرفوع عند من يجيز الربط بها وحدها -كما تقدم في باب الحال، ج2- فالجملة في محل نصب، ولا يسري إليها النفي من الأولى. ولا يصح الالتجاء إلى أحد هذه الأوجه -أو غيرها- إلا إذا وافق المعنى، وساير السياق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ -لا عطف جملة فعلية على جملة فعلية- قولك: "الطالب النابغة لا يتأخر مكانه عن المقام الأول، أو يكون في المقام الثاني ... " إذا كان المراد أنه في المقام الأول أو الثاني. فلو عطفنا المضارع "يكون" على المضارع "يتأخر" لصار منفيا حتما مثل المعطوف عليه قطعا، لصار المعنى: لا يتأخر عن المقام الأول، أو لا يكون في المقام الثاني، وهذا غير المراد، أما عطف الجملة الثانية كاملة على الأولى كاملة لا فيستلزم نفي الثانية فيجوز أن تبقى مثبتة المعنى أن اقتضى الأمر الثبوت برغم أن الأولى منفية -كما في هذا المثال. ومما سبق يتبين ان عطف الفعل على الفعل يوجب سريان النفي من المتبوع إلى التابع، فهما يشتركان في النفي كما يتركان في الإثبات؛ وفي علامات الإعراب. بخلاف عطف الجملة على الجملة؛ فإن النفي فيه لا يري من المتبوع إلى التابع إلا بقرينة.

ب- عطف الفعل وحده1 على ما شبهه، والعكس: يجوز عطف الفعل الماضي بغير مرفوعه، وكذا المضارع بغير مرفوعه1 على اسم يشبههما في المعنى، كما يجوز العكس. والاسم الذي يشبههما هو اسم الفعل -في بعض حالاته2- والمشتقات العامة، "ومنها: اسم الفاعل، واسم المفعول ... " وكذلك يجوز عطفهما على المصدر الصريح أيضا، فمثال عطف الماضي على اسم الفعل الماضي: هيهات وابتعدت الغاية أمام العاجز. والعكس نحو: افترق وشتان ما بين الكمال والنقص. ومثال عطف الماضي على اسم الفاعل: هذا مصاحبنا بالأمس وأعاننا على تحقيق بغيتنا3. والعكس نحو: هذا أعاننا بالأمس ومصاحبنا في احتمال المشتقات. ومثال عطف المضارع على اسم الفاعل أنت مشاركنا في الخير، وتستجيب لندائنا، والعكس: أنت تستجيب لندائنا ومشاركنا في الخير؛

_ 1، 1 ولا يجوز عطف فعل الأمر وحده عطف مفردات -كما أوضحناه في رقم 2 من هامش ص643-؛ إذ لا يترك أحدهما الآخر، ولا ينفصل منه مطلقا. 2 لأنه لا يشبههما في بعض آخر من حالاته؛ كجموده الدائم الذي يعم جميع أنواعه، وكقبوله بعض علامات الأسماء "مثل: التنوين" وكمخالفته أحيانا- الفعل الذي بمعناه في التعدي واللزوم ... إلى غير هذا مما هو مدون في الباب الخاص به بالجزء الرابع "باب أسماء الأفعال 141 ص108". 3 ومنه قوله تعالى في الخيل وعدوها: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} . فالفعل: "أثار" معطوف على: "المغيرات"، وليس معطوفا على كلمه: "العاديات" إلى في أول الكلام لما تقرر من أن المعطوفات المتعددة تكون على "المعطوف عليه" الأول، ما لم تكن المعطوفات المتعددة واقعة بعد حرف عطف يقتضي الترتيب؛ فعندئذ مكون العطف على "المعطوف" الذي قبل هذا الحرف مباشرة "كما سبق البيان في رقم 2 من هامش ص555 والكلام الذي قبل الآية، هو: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} . وكقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} . 4 ومنه قوله تعالى:

ومنه قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1. ومثال عطف الماضي على المصدر الصريح: إني سعيد بإنقاذ الغريق، وقدمت له الإسعاف المناسب.

_ = {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} فالفعل المضارع "يقبض" معطوف على اسم الفاعل: "صافات". "ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو ومعنى يقبضن: يجمعن الأجنحة إلى الأجسام، ولا ينشرنها". فكأنه قال: وقابضات ... ، وقول المعرى: كتابك جاء بالنعمى بشيرا ... ويعرض فيه عن خبري سؤال.. فالفعل: "معرض، معطوفه على "بشيرا" "بمعنى؛ مبشر" فكأنه قال: جاء بشيرا وعارضا، ومثله: عطف المضارع على الصفة المشبهة في قوله تعالى لمريم: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} . حيث عطف المضارع: "يكلم" على: "وجيها"، فكأنه قال: وجهيا، ومكلما ... 1 ومنه قول الشاعر: بات يعيشها بغضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر أي: باب يعشي إبله -لا زوجته، كما قال الصبان والخضري- يضر بها بالغضب "وهو: السيف البتار" يوجهه إلى سيقانها، لنحرها للآكلين، بدلا من أن يعشيها بالعلف. "والأسوق، جمع: ساق ويقصد أي: يعدل بينها بالضرب، وهو من القصد، بمعنى: الاعتدال وجائر، أي: ظالم". وقد عطف كلمة: "جائر"، على المضارع: "يقصد" وهو عطف الاسم المشتق على الفعل. ويقول "الصبان والعيني": أن الذي سهل العطف كون "جائر" بمعنى. ينور. ويقول الخضري: كلمة: "جائر" معطوفة على: "يقصد" الواقعة هنا في مجل جر، صفة ثانية لغضب، في تأويل "قاصد"؛ لأن الأصل في الصف الإفراد، وليست حالا بدليل جر المعطوف عليه ... هذا كلامه. وفيه بعض تساهل؛ لان النعت هنا هو جملة فعلية مركبة من المضارع: "يقصد" وفاعله معا. فكيف تكون كلمة: "جائر" معطوفة على الجملة الفعلية مع أن المطلوب هو عطف الاسم المشتق وحده على الفعل وحده؟ فلعل غرضه أن المعطوف عليه هو الفعل "يقصد" وحده.

ومثال عطف المضارع على المصدر الصريح. الكدح وأدرك غابتي خير من الراحة مع الإخفاق1 ...

_ 1 عطف المضارع على المصدر الصريح يقتضي نصب هذا المضارع بأن مضمرة أو مظهرة على التفصيل الذي سيجيء، في مكانه من آخر باب إعرابه الفعل ج4. وفيما سبق يقول ابن مالك في عطف الفعل على الفعل، وعلى اسم يشبهه، أو العكس: وأعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكسا استعمل تجده سهلا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ما إعراب الفعل إذا عطف على اسم يشبهه؟ كالفعل: "أثار" المعطوف على "المغيرات" في: الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} ، وكالفعل: اقرض في قوله تعالى في الآية الأخرى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} فإنه معطوف على المصدقين. وكذلك ما إعراب الاسم الذي يشبه الفعل إذا كان معطونا على الفعل كالأمثلة التي عرفاها هناك1؟ لم أجد رأيا صريحا شافيا في هذا، ورأيت اعتراضات كثيرة، ودفاعا لم تنته إلى حكم حاسم. ومن هذه الاعتراضات: كيف يعطف الفعل "أثار على: "المغيرات" والمعطوف عليه مجرور مع أن المعطوف فعل، والفعل لا يدخله الجر؟ وقد سبق2 أن أول الآيات هو: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} . قال الفخر الرازي في تفسيره: أن الفعل هنا معطوف على فعل محذوف حل محله في معناه الاسم المشتق من مصدره، والأصل: فأغرن صبحا فأثرن نقعا ... وهذه الإجابة تخرج المسالة من وضعها الأصلي وتنقلها إلى وضع آخر لا علاقة لنا به، إذ تجعلها عطف فعل على فعل أو مشتق على مشتق. وهذا غير موضوع البحث ... ولو أخذنا به لكان حسنا، وناجحا في التغلب على اعتراض، وخاليا من العيب. ورأيت مثله في تفسير الزمخشري، وفي بعض الحواشي الأخرى. أما إذا لم نأخذ به. وتمسكنا بذلك النوع من العطف الذي لم أجد لحكمه نصا واضحا مريحا يتناول المتعاطفين تفصيلا ... فإن الغموض يظل باقيا والاعتراضات قائمة، مالم نجعل المعطوف غير تابع للمعطوف عليه في الإعراب، وتكون فائدة العطف هي الربط المجرد بين معنى الجملتين؛ كالذي سبق في عطف الماضي على المضارع وعكسه بالإيضاح الذي سلف3.

_ 1 في ص649 و650 وهامشمهما. 2 في رقم 3 هامش ص649 وهناك بيان السبب في العطف على: "المغيرات". 3 في ص642 و643.

ج- عطف الجملة على الجملة. يجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها الاسمية؛ نحو: الرياضة نافعة، والمداومة المحمودة عليها لازمة. وقولهم: "الرأي الصادق أمانة، وكتمانه عد الحاجة إليه خيانة": وقول الشاعر: الصدق يألفة الكريم المرتجى ... والكذب يألفه الدني الأخيب1 كما يجوز عطف الفعلية على الفعلية2 -بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء- ولو اختلف زمان الفعلين فيهما3؛ فمثال اتحاد الزمن فيهما: وصلت الطائرة وفرح المسافرون بالوصول سالمين4 يفرح المنتصر ويفرح أهله وأعوانه5 ...

_ 1 فالجملة الاسمية المكونة من المبتدأ: "الكذب" ومن خبره الجملة المضارعية بعده، معطوفة على الجملة الاسمية التي في صدر البيت وقد تكون الجملة الاسمية مصدرة بحرف ناسخ في المتعاطفين، أو في أحدهما؛ كقوله تعالى في المرسلين: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وقول قيس بن زهير: وإن سبيل الحرب وعر مضلة ... وإذ سبيل السلم آمنة سهل فالشطر الثاني من البيت معطوف على الشطر الأول، والآية الثانية معطوفة على الأولى. 2 سبق في ص643 بيان الفرق الهام اللفظي والمعنوي بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية. وكما في آخر رقم 3 من هامش الصفحة التالية وقد اجتمع عطف الجملة الفعلية الماضوية على نظيرتها الفعلية الماضوية وكذلك الجملة الاسمية على نظيرتها الاسمية في قول الشاعر يصف روضته: رقت حواشيها، "ورق" نسيمها ... وبدت محاسنها، وطاب زمانها وكأن أيام الصبا أيامها ... وكأن أزمان الهوى أزمانها كما اجتمع عطف الماضويه على الماضويه، والمضارعيه على المضارعيه فى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} . 3 ولا يمنع من عطفهما كذلك أن مكون إحداهما موجبه "مثبته" "والأخرى منفية؛ كالتي في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية. 4 وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} . 5 وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

كل واشرب، والبس، في غير مخيلة1 ولا كبر2 ... ومثال اختلاف الزمن: وصل اليوم الغائب ويسافر غدًا يحاسب المرء على عمله يوم الحساب، ورأى المسيء عاقبة ما كان منه. أما الجملة الفعلية الاميرية3 -أو غيرها من الجمل الإنشائية الأخرى- فلا تعطف إلا على جملة فعلية متحدة معها في الزمن، نحو قوله تعالى للصائمين: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} . وبهذه المناسبة نذكر أن النحاة اختلفوا في جواز عطف الجملتين المختلفتين إنشاء وخبرا، وعطف الجملة الاسمية على الفعلية والعكس. فأما عطف المختلفتين إنشاء وخبرا فالأحسن إتباع الرأي الذي يمنعه4: فوضوح هذا الرأي. وبعده من التكلف، وخلوه من الحذف والتقدير:

_ 1 اختيال، وكبر. 2 وقول الشاعر: إذا ما فعلت الخير فاجعله خالصا ... لربك. وازجر عن مديحك ألسنا وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . ومثل قول الشاعر: -وهذا من عطف الجملة- الأمرية على المضارعية التي توافقها زمنا: لا تنظرن لملبس. وانظر إلى ... ما تحته من فطنة وبيان 3 لا بد في فاعل فعل الأمر أن يكون ضميرًا متصلًا -مستترا" أو بارزا- فلا يمكن -في الرأي الأصح- أن يستقل بنفسه عن فعله. لهذا لا يصح عطف فعل الأمر وحده بغير فاعله "على فعل الأمر وحده بغير فاعله؛ بل يتعين أن يكون العطف بينهما عطف جملة فعلية أمرية على جملة فعلية أمرية؛ ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] .. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} طبقًا للبيان السابق في رقم 2 من هامش ص643 ورقم 1 من هامش ص649. 4 وهو رأي البلاغيين وكثير من النحاة.

فلا يصح عطف الثانية على الأولى في مثل: داوم على الطاعات، ودوام أهلك. ولا في مثل: هذا البحر وأنزل للعوم فيه. وأما عطف الاسمية على الفعلية والعكس فجائز1 -في أرجح الآراء- إن لم يختلفا خبرا وإنشاء؛ فيصح عطف الثانية على الأولى في مثل: أحب الزراعة، والصناعة تفيدني2. ومثل: الصناعة مفيدة لنا أحب الزراعة. ومن الأمثال المأثورة: "للباطل جولة، ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها و ... و ... أما عطف الجملة على المفرد، والعكس فسيجيء3 ...

_ 1 انظر رقم 2 من هامش ص586. 2 ومن هذا قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} حيث عطف الجملة الاسمية "لا هم يستعتبون" على الجملة الفعلية "لا يؤذن لهم" ولا يصح عطفها على الجملة الفعلية الأولى "وهي: نبعث من كل أمة ... " مراعاة للقاعدة التي سبقت" في ص555 و628 وفي رقم 3 من هامش ص649" والتي تقضي عند تعدد المعطوفات عليها ... أن يكون المعطوف عليه هو الذي قبل العاطف مباشرة إذا كان العاطف مما يفيد الترتيب مثل: "ثم". وفي الآية شاهد آخر هو عطف الجملة الفعلية المنفية "لا يؤذن لهم ... " على الجملة الفعلية الموجبة "نبعث×" كما سبقت الإشارة. ومما يصلح شاهدا لعطف الجملة الاسمية المنفية على الفعلية المنفية قوله تعالى في سورة السجدة: { ... قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ... } فالجملة الاسمية المنفية: "لا هم ينظرون" معطوفة على الفعلية المنفية: "لا ينفع".... 3 في ص659.

المسألة 122

المسالة 122: بعض أحكام –في العطف– عامة نتفرقة 1: "منها: -شرط صحة العطف- تقدير العامل على العاطف -الضمير العائد على المتعاطفين- الفصل بين الفاء والواو ومعطوفهما -تقدم المعطوف- عطف الجملة على المفرد والعكس، وقد سبق2 بيان المراد من المفرد -العطف على التوهم- المغيرة بين المتعاطفين -معنى المعطوف وحكمه إذا كان المعطوف عليه كنية- جواز القطع في عطف النسق عطف الزمان على المكان، وعكسه". 1 يشترط لصحة العطف أن يكون المعطوف صالحا بنفسه، أو بما هو بمعناه لمباشرة العامل المذكور أي: للوقوع بعده مباشرة" من غير أن يمنع من ذلك مانع نحوي3 فمثال الأول: دخل سعيد وسليم؛ إذ يصح دخل سليم. والثاني قام سعيد وأنا، فالضمير "أنا" لا يصلح فاعلا للفعل: "قام4 ولكن "تاء" المتكلم التي هي ضمير بمعناه تصلح؛ فتقول: قمت. فإن لم يصلح المعطوف ولا شيء بمعناه لمباشرة العامل المذكور أضمر له عامل مقدر يناسبه، وصار مع عامله المقدر جملة معطوفة على الجملة السابقة، "أي: صار الكلام عطف جمل" وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع الذي يعرب فاعلا لمضارع مبدوء بالهمزة أو بالنون أو بتاء المخاطب، أو بتاء التأنيث، وكالمعطوف على الفاعل المستتر لفعل الأمر، ومن الأمثلة لكل ما سبق: أتعاون أنا والجار، نتعاون نحن والجيران، تتعاون أنت والجار، تتعاون فاطمة والجار، أمكن أنت وزوجك الجنة. فكل معطوف من هذه المعطوفات لا يصلح لمباشرة العامل "إذ لا يقال: أتعاون الجار، نتعاون الجيران، تتعاون

_ 1 راجع الأشموني وحاشيته ج3 آخر باب العطف، والصبان ج2 آخر باب الظرف. 2 في رقم 4 من هامش ص556 وفي رقم 2 من هامش ص642. 3 بهذا التقييد تختلف هذه الحالة عن الآتية بعدها في رقم 2. 4 إذ لا يقال: قام أنا.

الجار، تتعاون الجار، اسكن زوجك ... " فلما كان المعطوف غير صالح لمباشرة العامل المذكور في الكلام وجب أن يقدر له عامل آخر يناسب؛ كان يقال: أتعاون أنا ويتعاون الجار ... اسكن أنت وليكن زوجك الجنة ... هذا كلام كثير من النحاة، وفيه تعقيد وتكلف لا داعي له، ولا يتفق مع قولهم: "قد يغتغفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل" ... "ورددوا هذه القاعدة هنا وفي أبوابه أخرى"1 فمن الخير الأخذ بها والعطف المباشر على الفاعل المستتر، وعدم الالتفات هنا إلى التقدير، والحذف والتضييق بغير فائدة أو دفع ضرر إلا مجاراة الخيال2. 2- لا يشترط من الوجهة المعنية3 صحة تقدير العامل بعد العاطف، فمن الصحيح أن تقول: تخاصم المأمون والأمين، مع أنه لا يصح من لوجهة3 المعنوية أن يقال تخاصم المأمون وتخاصم الأمين، إذ الفعل: "تخاصم" لا يقع إلا من متعدد؛ فلا يكتفي بأن يقع بعده واحد. ولا تعدد هنا بعد كل فعل من الفعلين. 3- كل ضمير يعود على المعطوف والمعطوف عليه معا يجب مطابقته: لهما؛ بشرط أن تكون أداة العطف هي: "الواو"، أو "حتى"؛ نحو العم والأخ حضرا الجسم حتى الأظافر اعتنيت بنظافتهما4 ... فان كان حرف العطف هو: "الفاء"، أو "ثم" وكان الضمير في الخبر عائدا على المعطوف والمعطوف عليه جاز حذف الخبر من أحدهما؛ نحو: محمود فحامد قام، ويجوز تقديم الخبر على الحذف من الثاني؛ نحو: محموا قام فحامد، ويجوز مطابقة الضمير بغير حذف، نحو: محمود فحامد قاما ... و"ثم" كالفاء فيما سبق.

_ 1 وكذلك لا يتفق مع قولهم الآتي -في رقم 2- إنه لا يشترط صحة تقدير العامل بعد العاطف. 2 سبقت إشارة لهذا في ص638. "3، 3" بهذا التقييد تختلف هذه الحالة عن سابقتها التي في رقم 1 -كما اشرنا هناك-. 4 لما تقدم إشارة في "ب" ص584.

فان لم يكن الضمير في الخبر وجبت المطابقة، نحو: جاءني الوالد والعم فقمت لهما" وأقبل علي وسليم وهما صديقان ... وأما: "لا"، و"بل"، و"أو"1، و"أم"، و"لكن"، و"إما" "عند من يعتبرها عاطفة"، فمطابقة الضمير معها وعدم المطابقة راجعة إلى قصد المتكلم "فان قصد احد المتعاطفين -وذلك واجب في الإخبار- وجب إفراد الضمير؛ نحو: الأخ لا الصديق جاءني، الأخ بل الصديق خرج، أمسعود أم منصور زارك؟ إسماعيل أو فاطمة حياني، إذ المعنى: حياني أحدهما. ويراعى تغليب المذكر. أما في غير الأخبار فتقول: زارني إما العم وإما الخال فأكرمته، أصديقا قابلت أم عدوا فتركته، ما جاءني أحمد لكن سليم فاستقبلته خير استقبال. وإن قصدتهما معا وجبت المطابقة؛ نحو: حسن لا حسين جاءني مع أني دعوتهما، وعاصم أو سليم دعاني حين ذهبت إليهما ... "وقد سبقت الإشارة لهذا". 4- لا يجوز الفصل بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية2، فلا يقال: فلان ورثة أبوه مالا ففي القوم جاها. وإنما يقال: فلان ورثة أبوه مالا فجاها في القوم. ويصح الفصل بين غيرها ومعطوفه بالظرف أو الجار والمجرور "ويدخل القسم في هذا"، نحو: تعبت ثم عندك جلست، نزل المطر ثم والله طلعت الشمس، ما أهنت أحدا لكن في البيت المسيء ... أما الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه فقد سبق3 بيانه. 5- لا يتقدم المعطوف على المعطوف عليه إلا شذوذا فيقتصر فيه على المسموع، وقيل يجوز في الضرورة الشعرية. والأولى إهمال هذا الرأي؛ ومنه قول القائل: أبا نخلة من ذات عرق ... عليك -ورحمة الله– السلام

_ 1 للحكم الخاص بها المعروض هنا ما يتممه في رقم 1 من هامش ص506 و ... 2 كما سبق في ص514. 3 في هامش ص435:

يريد: عليك السلام ورحمة الله وقد سبقت الإشارة: لهذا1. 6- وقد تعطف الجملة على المفرد –أحيانا- أو العكس، إذا كانت الجملة في الحالتين بمنزلة لمفرد؛ لأنها مؤولة به، كان تكون: نعتا، أو حالا، أو: خبرا، أو: مفعولا لظن وما في حكمها ... فمن عطف المفرد على الجملة ما ورد من مثل: ألفيت الشجاع يهزم خصمه وفاتكا به. فكلمة: "فاتكا" منصوبة؛ لأنها معطوفة على الجملة الفعلية المركبة من المضارع "يهزم" وفاعله" وهذه الجملة بمنزلة المفرد المنصوب؛ لأنها المفعول الثاني للفعل: "ألفي". ومن هذا كلمة: "مصدقا" الثانية في قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} فالجملة الاسمية: "فيه هدى" في محل نصب، حال من الإنجيل، وكلمة: "مصدقا" التي بعدها معطوفة عليها، منصوبة؛ مراعاة لمحل المعطوف عليه....2ومثل هذا قول الشاعر: وجدنا الصالحين لهم جزاء ... وجنات وعينا سلسبيلا فالجملة الاسمية "لهم جزاء" في محل نصب؛ لأنها المفعول الثاني للفعل: "وجد" وقد روعي هذا المحل فجاء المعطوفان "جنات وعينا" منصوبين تبعا لذلك المحل2. ومن عطف الجملة على المفرد قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا 3 أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، أي: قائلين4. ومن عطف المفرد على شبه الجملة قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ، فقاعدا عطف على "لجبنه": لتأويل شبه الجملة بمفرد، وهو: مجنوب.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص556 و641. أما عطف الفعل على الفعل أو على ما يشبهه، والعكس "وعطف الجملة على الجملة فقد تقدم في ص642. "2، 2" راجح مجمع البيان، لعلوم القرآن "ج2 ص340 و402" وقد عرض "الهمع" لبعض هذه الأحكام في آخر باب: عطف النسق "ج2 ص140". 2 ليلا. 3 مستريحون وقت القيلولة: وهي وسط النهار عند اشتداد الحر.

ومن عطف شبه الجملة على المفرد قولهم: لا يصح مخالفة القاعدة المطردة إلا شذوذا أو في ضرورة1. 7- هناك نوع من العطف، يرتضيه بعض النحاة، ويسميه: "العطف على التوهم". ومن أوضح أمثلته عندهم العطف "بفاء السببية" على معطوف مأخوذ من مضمون الجملة التي قبلها. ذلك أن "فاء السببية" تقتضي عطف المصدر المؤول بعدها على مصدر صريح قبلها "وهذا المصدر الصريح قد يكون مذكورا صراحة قبلها؛ نحو: ما الشجاعة تهورا فتهمل الحذر، وقد يكون غير مذكور فيتصيد؛ نحو: ما أنت مسيء إليك. أي: ما تكون منك إساءة يترتب عليها أن نسيء لك. فإن لم يوجد قبل فاء السببية مصدر صريح ولا ما يصلح أن يتصيد منه المصدر "كالجملة الاسمية التي يكون فيها الخبر جامدًا؛ نحو: ما أنت عمر فنهابك" فبعض النحاة يمنع نصب المضارع، وبعض آخر يجيز تصيد مصدر من مضمون الجملة السابقة التي فيها الخبر جامدا، ويكون الكلام عطف جملة على جملة، ومن لازم معناها؛ كان يقال في المثال السالف: ما يثبت كونك عمر، فهيبتنا إياك2 ... يقول النحاة: إن "المغايرة" هي الأصل الغالب في عطفه النسق بين المتعاطفين. يريدون: أن يكون المعطوف مغايرا المعطوف عليه في لفظه وفي معناه معا فلا يعطف الشيء على نفسه. هذا هو الأصل الغالب، لكن العرب قد

_ 1 جاء في التوضيح "لابن هشام، آخر باب: "الإدغام" نهاية الجزء الثاني" ما نصه: "قد يفك الإدغام في ذلك شذوذا ... أو في ضرورة ... " ا. هـ وهنا جاء في الحاشية على التصريح ما نصه: "يمكن أن يكون قوله: "في ضرورة" معطوفا على: "شذوذا" على تقدير الحالية أيضا، والتقدير: وقد يفك الإدغام في غير ذلك، حالة كون ذلك شاذا، أو كائنا في ضرورة. وقال الدنوشري: "قوله: "في ضرورة" معطوف على قوله: "شذوذا". وينظر أهذا العطف صحيح أولا؟ ا. هـ والظاهر الصحة وهو عطف على المعنى؛ لأن قوله: "شذوذًا" في معنى: "في شذوذ" ا. هـ المنقول عن الحاشية. 2 لهذا إشارة في ج1 ص552 م49 أما الإيضاح الكامل في مكانه الأنسب وهو الكلام على: "فاء السببية" من باب: "إعراب الفعل" ونواصب المضارع -ج4 ص337 م149-.

تعطف -لغرض بلاغتي- الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان: كقولهم ... "وألفي قولها كذبًا ومينا" فقد عطفوا المين على الكذب "ومعناهما واحد، واللفظان مختلفان" لغرض بلاغي هو تقوية معنى المعطوف عليه وتأكيده. وهذا النوع من العطف -على قلته قياسي1 ... وقد يعطفون الخاص على العام وعكسه لغرض بلاغي كذلك؛ فمن الأول قوله تعالى في صورة البقرة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فقد عطف "الصلاة الوسطى" ومن معانيها: صلاة العصر ... -على "الصلوات"، والمعطوف خاص؛ لأنه نوع بعض المعطوف عليه العام الذي يشمله مع غيره من الأنواع الأخرى. ومن الثاني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} فقد عطف الجملة الفعلية: "ظلموا" على الجملة الفعلية: "فعلوا" والمعطوف هنا عام، والمعطوف عليه خاص؛ لأنه داخل في مضمون المعطوف الذي يشمله وغيره2 ... 9- إذا كان المعطوف عليه كنية لوحظ فيه وفي المعطوف ما سبقت الإشارة إليه في "أ" منص444. 10- الصحيح جواز "القطع"3 في المعطوف عطف نسق؛ كما أشرنا من قبل4 وهو كثير في المعطوفات المتعددة التي كانت في أصلها نعوتا، ثم فصل بينها بحرف العطف؛ فصارت معطوفات بعد أن كانت نعوتا. وحجة القائلين بصحته وقوعه في أفصح الكلام. ومن الأمثلة كلمة: "الصابرين" من قوله تعالى في سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ

_ 1 راجع حاشية ياسين على التصريح -ج2 باب الإضافة عند الكلام على "الإضافة غير المحضة" وإضافة الاسم إلى ما يتحد معه في المعنى -وسبقت لهذا إشارة في ص49. 2 انظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من ص567. 3 في هامش ص486 تفصيل الكلام على القطع، ومعناه، وحكمه، وكل ما يتصل به. 4 في هامش ص435.

وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} فقد نصبت كلمة: "الصابرين" بسبب "القطع" ولو كانت معطوفة لرفعت كسائر المعطوفات المرفوعة التي قبلها، ومثل كلمة: "المقيمين" من قوله: في سورة النساء. {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} ، ومثل كلمة: "القائلون" فيما أنشده الكسائي لبعض فصحاء العرب: وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميرا أطاعت أمر غاويها الظاعنين، ولما يظعنوا أحدا ... والقائلون لمن دار نخليها؟ ومثل: ما أنشده الفراء لبعضهم كذلك: إلى الملك القرم1 وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المردحم وذا الرأي حين تغم الأمور ... بذات الصليل2، وذات اللجم3 فقد نضبت كلمتي: "ليث" و"ذا" على الاعتبار السابق4 ... 11- هل يصح عطف الزمان على المكان وعكسه؟ الأحسن الأخذ بالرأي الذي يجيزه عند أمن اللبس؛ نحو قابلتك أمام بيتك هذا ويوم الخميس أو: قابلتك يوم الخميس وأمام بيتك5.

_ 1 السيد العظيم. 2 ذات الصليل: السيوف. 3 ذات اللجم: الخيول. 4 راجع تفسير القرطبي في آيتي "البقرة والنساء"، وكتاب: "مجمع البيان لعلوم القرآن" الطبرسي ج1 ص6 حيث الأمثلة السابقة وغيرها، وإيضاح لحكم القطع في عطف النسق. 5 عرض لهذه المسألة "الصبان" في الجزء الثاني من حاشيته، آخر باب: "الظرف" قائلا ما نصه الحرفي: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "هل يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؟ قال في المعني: أجاز الفارسي في قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أن يكون "يوم القيامة" معطوفا على محل هذه. ا. هـ. قال الدماميني: إن أريد بالدنيا الأزمنة السابقة ليوم القيامة فلا أشكال في عطفه عليها؛ لأن كلا منهما زمان. وإن أريد بها هذه الدار من حيث هي مكان، ففيه عطف زمان على مكان، وفي الكشاف ما يقتضي منعه؛ فإنه لما تكلم في تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} قال: فإن قلت: كيف عطف الزمان على المكان، وهو يوم حنين على المواطن؟ قلت معناه: وموطن يوم حنين، أو: في أيام كثيرة، ويجوز أن يراد بالمواطن: "الوقت"؛ كمقتل الحسين، ا. هـ. ووجهه بعض الأفاضل بأن الفعل مقتض لظرف اقتضاءه لظرف المكان؛ فلا يجوز جعل حدهما تابعًا للآخر: فلا يعطف عليه كما لا يعطف المفعول فيه على المفعول به، ولا المفعول على الفاعل، ولا المصدر على شيء من ذلك، وبأن ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقًا، بخلاف ظرف المكان؛ فإنه يشترط فيه الإبهام. فلما اختلفا من هذه الجهة لم يجز عطفه أحدهما على الآخر. لعدم سماع عطف أحدهما على الآخر. "لكن جوزه بعضهم؛ لاشتراكهما في الظرفية؛ تقول ضربت زيدا يوم الجمعة وفي المسجد، أو: في المسجد ويوم الجمعة؛.... وعليه جرى ابن المنير في الانتصاف مناقشا به صاحب الكشاف". انتهى كل ما قاله الصبان فيما سبق حرفيا، وأردفه بأنه نقله باختصار. وهذا الرأي الأخير هو الأنسب. إلا أن المثال الذي ساقه خال من بيان الطريقة في إعرابه. ثم هو لا يخلو من لبس، إذ لا دلالة معه على أن الضرب الذي وقع يوم الجمعة، أهو الذي وقع في المسجد أم هو ضرب آخر. فلا بد من قرينة. وقد سبق للمسألة السالفة إشارة موجزة في باب: "الظرف"، ج2 م78 في آخر الكلام على أحكام الظرف بنوعيه.

المسألة 123

المسألة 123: د- البدل 1: تعريف: يتضح تعريفه مما يأتي: لو سمعا من يقول: "عدل الخليفة" لفهما المراد، وكادت الفائدة المعنوية تتم، لولا ما يشوبها من بعض النقص الواضح؛ إذ تتطلع النفس إلى معرفة هذا الخليفة، واسمه، وتتعدد الخواطر بشأنه؛ أأبو بكر هو، أم عمر، أم عثمان، أم علي ... و ... ؟ فلو أن المتكلم قال: عدل الخليفة "عمر" –مثلا- ما شعرنا بذلك النقص المعنوي: لأن "عمر" هو المقصود الأساسي بالحكم الذي في هذه الجملة، "أي: هو الذي ينسب العدل إليه"، فليس لفظ "الخليفة" هو المقصود الأصيل بهذا الحكم، وبهذه النسبة. وكذلك لو قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن: "ابن الرشيد"، لكانت الجملة مفيدة. لكن السامع -بالرغم من هذه الإفادة- يشعر بنقص معنوي كبير تدور بسببه أسئلة متعددة: من ابن الرشيد هذا؟ ما اسمه؟ ما زمنه؟ ... أهو الأمين، أم المأمون، أم غيرهما ... ؟ فإذا قلنا: اتسع مجال الحضارة في زمن ابن الرشيد المأمون اكتملت الإفادة من هذه الناحية المعينة، وزال النقص بسبب ذكر::"المأمون"، الذي هو المقصود الأصيل من الحكم السابق، ومن نسبة اتساع المجال إليه. فكلمة: "عمر" تسمى: "بدلا"، وكذلك كلمة: "المأمون"، واشباههما من كل كلمة تكون هي المقصودة في الجملة بالحكم بعد كلمة سبقتها؛ لتمهد الذهن للمتأخرة عنها، وتوجه الخاطر إليها، وليس بين الكلمتين

_ 1 هذا هو الاسم المشهور. ويرد -أحيانًا- في بعض المراجع القديمة، وعلى لسان بعض النحاة الأوائل باسم: "الترجمة، أو: التبيين، أو: التكرير" ... ولا قيمة لهذا الاختلاف. القائم على مجرد الاصطلاح المختلف –أحيانًا- باختلاف العصور.

رابط لفظي يتوسط بالربط بينهما. ولهذا يقولون في تعريف البدل: "إنه التابع1 المقصود وحده بالحكم المنصوب إلى تابعه، من غير أن تتوسط –في الأغلب2- واسطة لفظية بين التابع والمتبوع". ومن هذا التعريف يتضح الفرق بين البدل والتوابع الأخرى: فالنعت والتوكيد وعطف3 البيان، ليست مقصودة بالحكم، وإنما هي مكملة له بوجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها. وعطف النسق لا بد فيه من الواسطة، وهي أداة العطف. هذا إلى أن ما بعد هذه الأداة قد يكون مخالفا في الحكم لما قبلها فلا يكون مقصودا به، وقد يشاركه في الحكم ولكنه لا ينفرد به فلا يكون هو المقصود وحده4 ... والأغلب في "البدل" أن يكون جامدا، ومن القليل الجائز أن يكون مشتقا5. فإذا أمكن إعراب المشتق شيئا آخر يصلح له، كان أولى6.

_ 1 سبق في أول باب النعت ص434 بيان معنى التابع والمتبوع "والأحكام المهمة الخاصة بالتابع، ومنها؛ الفصل بينه وبين المتبوع إلا أن كان المتبوع أحد الموصولات؛ إذ لا يفصل بين الموصول وصلته بتابع مطلقًا -طبقًا للبيان الذي سبق في ج1 م27 ص348 باب الموصول-. ومنها: عدم انتقال البناء من المتبوع إلى التابع مطلقا. 2 يلاحظ أن عدم الواسطة اللفظية في البدل هو الأغلب، لأن البدل من المجرور يجوز أن يكون بواسطة إعادة العامل وهو حرف الجر الداخل على البدل منه، كالكلام الجارة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} وقوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} . فقد أعيدت اللام مع كلمتي: "من وأولنا" وهذه الإعادة في البدل أمر جائز، لا واجب، وهي مختصة بحروف الجر وحدها. وسيجيء لها بيان مناسب في ص655. 3 الموازنة بين البدل وعطف البيان مدونة في ص546. 4 ويتضح من التعريف السابق أيضا: أن الحرف وحده لا يقع بدلا؛ لأنه لا يصلح للحكم. فالبدل والمبدل منه إما اسمان معا، وإما فعلان معا، وإما اسم وفعل، وإما جملتان معا، وإما أحدهما جملة والآخر غير جملة ... كل ذلك لى حب البيان الذي سيجيء. ويقول ابن مالك في تعريف البدل: التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى. "بدلا" 5 راجح الصبان ج2 أول باب: الإضافة، عند الكلام على: "الإضافة غير المحضة". 6 تصل بهذا ويوضحه ما سبق في: "ج" من ص464 وما سيجيء في ج4 م130 أحكام تابع المنادى، ووصف اسم الإشارة:

الغرض من البدل: الغرض الأصيل هو -في الغالب- الحكم السابق وتقويته بتعيين المراد، وإيضاحه، ورفع الاحتمال عنه. لأن هذا الحكم ينسب أولا للمتبوع فيكون ذكر المتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجيء، وتوجيها للنفس لاستقباله بشوق ولهفة. فإذا استقبلته وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا؛ فكان الحكم قد ذكر مرتين؛ وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد1. ولأجل تحقيق هذا الغرض لا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح؛ فلا يصح في مثل: يا سعد سعد أنت زعيم موفق إعراب: كلمة "سعد" الثانية بدلًا2. أقسام البدل الأربعة المشهورة -وكل منها هو المقصود وحده بالحكم-: أولها: بدل كل من كل3، ويسمى "بدل المطابقة"، أو: "بدل المطابق من مطابقه".وضابطه: أن يكون الثاني مطابقًا. أي: مساويا

_ 1 لهذا يقولون أن البدل في حكم تكرير العامل. أما قولهم: إن المبدل منه في حكم المطروح أي: المهمل الذي يمكن الاستغناء عنه" فالمراد منه أن هذا شأنه –الغالب- من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. بدليل صحة: ضربت الرجل يده، إذ لو لم يعتد بالرجل أصلا ما كان للضمير مرجع "راجع شرح التصريح". وقال الزمخشري في المفصل: "مرادهم بكون البدل في نية طرح الأول -أي: في نية طرح المبدل منه- هو أنه مستقل بنفسه، لا متمم لمتبوعه؛ "فليس كالتأكيد، والصفة، والبيان". إلا إهدار الأول. ألا ترى أنك لو أهدرت الأول في نحو: محمد رأيت غلامه رجلًا صالحًا لم يستقم كلامًا" ا. هـ. كلام صاحب المفصل نقلًا عن حاشية الصبان آخر عطف البيان ثم قال الصبان بعد المثال السالف: بخلافه في البيان. ا. هـ. ويؤيد هذا ما سيجيء في رقم "و" من ص678. 2 "راجع حاشية الصبان في آخر باب تابع المنادى. وسيجيء إشارة لهذا في "ج" من ص677 وفي ج4 ص41 م130" وكذلك لا يصح أن يكون البدل أو المبدل منه حرفا -كما تقدم- 3 من بدل الكل نوع اسمه: "بدل التفصيل" سيجيء في ص684 وله بعض "أحكام في "هـ" ص677. وإذا كان، "المبدل منه" كنية لوحظ فيه وفي "البدل" ما سبق في "أ" من ص444.

للأول في المعنى تمام المطابقة مع اختلاف لفظيهما في الأغلب1 فهما واقعان على ذات واحدة: وأمر واحد نحو: "أشرقت الغزالة، الشمس؛ فأنارت الدنيا"0، فالشمس بدل كل من كل، والمبدل منه: هو الغزالة، ومعنى الثاني –هنا- معنى الأول تماما. ومثله" الدنيار من تبر؛ ذهب، والدرهم من لجين فضة"، فكلمة: "ذهب" بدل مطابق من: "لجين". النوع من البدل لا يحتاج لرابط يربطه بالمتبوع2.. ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة: "صراط" الثانية يدل كل من كل من الأولى لأن صراط الذين انعم الله عليهم هو عينه الصراط المستقيم؛ فالكلمتان بمعنى واحد تماما. وقول الشاعر:

_ 1 الأغلب اختلافهما في اللفظ. وقد يتفقان بشرط أن يفيد الثاني زيادة بيان وإيضاح -كما تقدم في الصفحة السالفة، وكما يجيء في: "ج" ص 677- ومن أمثلة اتفاقهما قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ... } . وقوله تعالى في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وبسبب توافق اللفظين يتشابه بدل الكل والتوكيد اللفظي في الصورة اللفظية الظاهر، وقد يصعب التفريق بينهما أحيانا في الصورة اللفظية الظاهرة. غير أن الصعوبة تزول ويتيسر تمييز أحدهما من الآخر بأمرين مجتمعين معا: أولهما: الغرض المعنوي الذي ينفرد بتأيته كل منهما، وهذا الفرض ترشد إليه وتعينه القرائن وتحدده. وثايهما: الأحكام الأخرى التي يختص بها كل مهما دون صاحبه ... وقد يكون "البدل" عاما في ظاهره لكنه خاص في المراد منه؛ كما في الاستثناء التام غير الموجب حيث يجوز في المستثنى النصب والبدل، نحو: ما تخلف السباقون إلا واحدا، أو واحد. فإذا تقدم المستثنى "البدل" فإن الحكم يتغير؛ فيزول عنه اسمه، ويعرب على حسب حاجة الجملة؛ ويفقد المستثنى منه الذي تأخر اسمه، ويعرب "بدلا" من الاسم السابق، ويصير الكلام: ما تخلف إلا واحد السباقون. فالسباقون: "بدل" من واحد، وهو بدل "كل من كل"؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص -كما أسلفنا- وبيان هذه المسألة وتفصيل الكلام عليها مدون في مكانها المناسب؛ وهو بابه الاستثناء ج2 رقم 4 من هامش ص398 م81، عند الكلام على المستثنى بإلا. 1 الأمثلة الثلاثة السالفة صالحة لبدل الكل، ولعطف البيان، والتوكيد اللفظي بالمرادف. وإنما تكون التفرقة بينها بالغرض المراد تحقيقه من كل، طبقا لما سلف من الأغراض المدونة في أبوابها وبملاحظة الفوارق والأحكام التي تميز كل نوع، وتختص به -كما سبقت الإشارة هنا في رقم 1-.

إن النجوم نجوم الأفق أصغرها ... في العين أذهبها في الجو إصعادا فكلمة: "نجوم" الثانية بدل كل من كل،. من الأولى؛ لأن المراد من نجوم الأفق هو عين المراد من كلمة: "نجوم" الأولى. ومثل هذا قول الآخر: إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب1 وقد تقدم الارتباط بين بدل الكل وعطف البيان2 ... ثانيها: بدل بعض من كل، "أو: بدل جزء من كل". وضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا3 من المبدل منه"سواء أكان هذا الجزء اكبر من باقي الأجزاء، أم أصغر منها، أم مساويا" وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه؛ فلا يفسد المعنى بحذفه ... 4 نحو: أكلت البطيخة ثلثها، والبرتقالة ثلثيها. ونحو: اعتنيت بوجه الطفل، عينيه. ونظفت فمه، أسنانه. والأعم الأكثر إن يشتمل هذا البدل على رابط يربطه بالمتبوع، وأهم الروابط هو "الضمير"5 فإن كان الرابط الضمير وجب أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما6 ... ومن الجائز -مع قلته- الاستغناء عن هذا الضمير في إحدى حالات ثلاث.

_ 1 الغنيمة التي يأخذها الغالب من المغلوب. 2 في ص546. 3 جزء الشيء هو الذي يدخل في تكوين هذا الشيء دخولا أساسيا، لا عرضيا، بحيث لا يوجد الكل كاملا بغير جزئه، كالرأس، أو العنق، أو: القلب، ... بالنسبة للإنسان، وكالعين، أو: الفم أو: الجبهة.. بالنسبة للوجه، وكالشفتين، أو: الأسنان ... بالنسبة للفم ... و ... أما الأمور العرضية والأوصاف الطارئة ... فكالعلم، أو الفهم، أو: البياض، أو: الحمرة. وبسبب الجزئية الأصيلة اختلف بدل "البعض" عن "بدل الاشتمال -كما سيجيء في ص670. 4 يشترط لصحة بدل البعض -كما يقول الصبان- صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه فيصح جدع السارق أنفه، ولا يصح: قطع السارق أنفه؛ لأنه لا يقال: قطع السارق. على معنى قطع أنفسه، وإرادة هذا المعنى. فلا بد في البدل الجزئي من دلالة ما قبله دلالة إجمالية. يوضح هذا صاحب "الهمع" بأنه لو حذف البال لامكن الاهتداء إليه مما قبله من غير أن يختل الكلام بحذفه -وقد أشرنا لهذا ف: "و" من ص678-. 5 لأنه أقوى في الإيضاح، وكشف المراد، وإبعاد اللبس، وهذه أسمى خصائص اللغة. 6 ولا فرق بين أن يتصل الضمير بالبدل مباشرة -كالأمثلة المتقدمة. وأن يتصل بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: احتفيت بالفائزين؛ ثلاثة منهم.

أ- وجود "أل" التي تغنى عنه في إفادة الربط، وتقوم مقامه عند أمن اللبس، نحو: إذا رأيت الوالد فقبله، اليد، أي: فقبله يده، أو اليد منه1 ... ب- أن يكون البدل بعضا والمبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام غير موجب، "حيث يصح في المستثنى: إما النصب على الاستثناء" وإما الإتباع على البدلية من المستثنى منه –كما تقدم في باب المستثنى2"؛ نحو: ما تعب السباحون إلا واحدا أو واحد؛ فوجود "لا" يغني عن الرابط؛ لدلالتها على أن المستثنى بعض من المستثنى منه3. ج- أن يجيء بعد البدل سرد بقية أجزاء المبدل منه، بحيث يكون سردها وافيا يشملها جميعا، ويستوفي كل أجزاء المتبوع؛ مثل: الكلمة أقسام ثلاثة؛ اسم، وفعل، وحرف، فلفظة: "اسم" بدل بعض من ثلاثة، أو من أقام. وهذا البال خال من الرابط؛ لأن البدل وما بعده قد جمع كل أجزاء المبدل منه، وذكرت في الكلام مستوفاة4. ومن الأمثلة قول الشاعر: أداوي جحود القلب بالبر والتقى ... ولا يستوي القلبان: قاس وراحم فكلمة: "قاس" بدل خال من الرابط؛ لأنه مع ما بعده يشتمل على كل ما للمبدل منه. وليس للمبدل منه هنا سوى هذين النوعين. ثالثها: بدل الاشتمال، ولتوضيحه نسوق المثال التالي: إذا قلت: أعجبتني الوردة، جاز للسامع أن ينسب الإعجاب إلى لونها أو رائحتها، أو تنسيق أوراقها أو ... لأن الإعجاب يحتمل هذه المعاني العرضية مفردة، ومجتمعة، ويشتمل عليها ضمنا. فإذا قلت: أعجبتني الوردة رائحتها ... ، تعين معنى واحد من تلك المعاني العرضية التي يتضمنها العامل: "

_ 1 انظر ما يتصل بهذا في رقم 2 من هامش ص676. 2 في ج2 م81 ص297. 3 راجع حاشية الصبان، أول باب الاستثناء. 4 وقيل: إن الضمير مقدر، والتقدير: اسم منها، وفعل منها، وحرف منها. ولا أثر للخلاف بين الرأيين. لأن نتيجتهما واحدة: هي خلو التابع من رابط ظاهر في الكلام. "ملاحظة" إذا كان المبدل منه متعددا والبدل غير واف بالعدد تعين قطع البدل بالتفصيل الذي سنذكره في "هـ" من ص677. "راجع الصبان في أول باب عطف البيان".

أعجب"، واتجه القصد إلى هذا المعنى دون باقي المعاني التي يشتمل عليها العامل إجمالا، والتي تنطبق على الوردة وتتصل بها، من غير أن يدخل واحد منها في ذات الوردة، وفي تكوينها المادي "الجسمي"، أي: من غير أن يكون واحد منها جزءا حقيقيا أساسيا لا توجد الوردة إلا به، فليست رائحة الوردة جزءا أصيلا في تكوينها المادي يتوقف عليه وجود الوردة، وليس لونها، أو تنسيق ورقها جزءا أساسيا كذلك، وإنما هي أمور عرضية طارئة على ذاتها المادية، قد تلازم الذات أولا تلازمها. وبقاء الذات أو فناؤها ليس متوقفا عليها؛ فمن الممكن أن توجد الوردة وأن تبقى من غير أن يكون لها رائحتها، أو لونها، أو تنسيق ورقها، أو غير هذا من المعاني والأوصاف الطارئة التي تندمج تحت لفظ العامل: "أعجب". فالرافعة في الأسلوب السابق هي التي تسمى: "بدل اشتمال" و"المبدل منه" هو: "الوردة"، والعامل هو: "أعجب". ويقولون في بدل الاشتمال: "إنه تابع يعين أمرا عرضيا. ووصفا طارئا من الأمور والأوصاف المتعددة التي تتصل بالمتبوع، ويشتمل عليها معنى عامله إجمالا بغير تفصيل1". ومن هذا التعريف يتبين أن بدل الاشتمال مقصود لتعيين أمر في متبوعه، وأن هذا الأمر غرضي طارئ، وليس جزءا أصيلا من المتبوع2. وأن أساس الاشتمال وموضعه الحق هو "العامل" بمعناه، لا التابع ولا المتبوع. ومن الأمثلة لهذا البدل: بهرني عمر عدله، راقني معاوية حلمه، سرتني عائشة علمها ودينها. فالكلمات: عدل: حلم علم ... بدل اشتمال كل واحدة منها تعين أمرا خاصا في المتبوع. وهو أمر عرضي لا يدخل في تكوين الذات تكوينا ماديا أصيلا. وهذا الأمر العرفي الطارئ يندرج

_ 1 وهذا الاشتمال قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم، أو غير مكتسب مع ملازمته لصاحبه زمنا، كالحسن، أو عدم ملازمته: كالكلام. وأيضا قد يكون الاشتمال الظرف على المظروف؛ كالثوب، وتارة لا يكون، كالفرس ... 2 وبسبب هذا يختلف بدل الاشتمال عن بدل البعض اختلافا واسعا.

مع أمور عرضية أخرى تحت العامل، ويشتمل عليها معنى هذا العامل إجمالا. ولا بد في بدل الاشتمال من ضمير يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما، وهذا الضمير قد يكون مذكورا كما ني الأمثلة السالفة، وقد يكون مقدرا؛ كقوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ 1 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} ، والتقدير: "النار فيه". فحذف الجار والمجرور، والمجرور هو الضمير الرابط، ويصح أن يكون القدير: ناره ذات الوقود. ثم حذف الضمير، ونابت عنه "أل" في الربط2". وبدل الاشتمال -كبدل البعض- لا بد لصحته من صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه وعدم فساد المعنى بحذفه3. رابعها: البدل المباين للمبدل منه -ويسمى: "بدل المباينة"- وهو ثلاثة أنواع لا بد في كل منها أن يكون هو المقصود بالحكم4، وأن يقوم دليل "أي: قرية" يوضح المراد منه، ويمنع اللبس5. وهذا القسم بأنواعه الثلاثة لا يحتاج إلى ضمير -أو غيره- يربطه بالمتبوع. أ- بدل الغلط: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه غلظا لسانيا، ويجيء البال بعده لتصحيح الغلط. وذلك بأن يجري اللسان بالمتبوع من غير قصد،

_ 1 أصل الأخدود: الشق أو الحفرة في الأرض. ويراد به هنا: شق أحدثه قبل الإسلام بعض الملوك الطغاة في الفرس واليمن والشام ليحرقوا فيه من يخالفهم، ويخرج من دينهم إلى النصرانية، أو غيرها من الأديان السماوية. 2 ما الداعي لأن يقال: حذف الضمير، ونابت عنه "أل" في الربط؟ أليس الأفضل أن نتبع الرأي الذي يجعل الرابط هو الضمير؛ وأنه قد يصح الاستغناء "بأل" أو غيرها، كما سبق البيان في ص669؟ على أن هذا الاختلاف شكل يسير. 3 لهذا بيان في حاشية: "ياسين" على التصريح، مضمونه: أنه يشترط في بدل الاشتمال تحقق أمرين، أحدهما: إمكان فهم معناه عند حذفه؛ ومن ثم كان "أعجبني علي آخوه" بدل إضراب، لا بدل اشتمال، إذ لا يصح الاستغناء عنه بالأول. وثانيهما: حسن الكلام واستقامته على تقدير حذفه، وافتراض أن البدل غير مذكور، ولهذا امتنع: "أسرجت عليا فرسه" لأنه -بالرغم من فهم معناه في الحذف- لا يستعمل مثله، ولا يحسن. فلو ورد مثل هذا الكلام لكان بدل غلط؛ فبدل الاشتمال كبدل الجزء في هذا، -كما أشرنا في678-. 4 وهذا هو الشأن في كل نوع من أنواع البدل. 5 انظر ما يختص بمنع اللبس في الصفحة الآتية.

ثم ينكشف هذا الغلط والخطأ للمتكلم سريعا؛ فيذكر البدل، ليتدارك به الخطأ اللساني ويصححه. فالغلط إنما هو في ذكر المبدل منه، لا في البدل، نحو: "أعظم الخلفاء العباسيين: "المأمون" بن "المنصور"، "الرشيد". فالحقيقة: أن "المأمون" هو ابن "الرشيد"، ولكن المتكلم جرى لسانه بالخطأ، فذكر انه ابن المنصور؛ فأسرع وأصلح الخطأ بذكر الصواب، قائلا: "الرشيد". فالرشيد؛ بدل من المتبوع، الذي ذكر خطأ لسانيا. وليس "الرشيد" هو: الغلط؛ وإنما هو تصحيح للغلط الكلامي السالف الذي ذكر بغير قصد ولا تنبه. فكلمة: "الرشيد" بدل من "المنصور" بدل غلط، أي: بدلا مقصودا من شيء غير مقصود ذكر غلطا -كما أوضحنا- ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يربطه بالمتبوع1 ولا ورود لهذا النوع في القران الكريم منسوبا إلى الله2 ... ب- بدل النسيان: هو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ويتبين للمتكلم فساد قصده: فيعدل عنه، ويذكر البدل الذي هو الصواب؛ نحو: "صليت أمس العصر، الظهر، في الحقل، فقد قصد المتكلم النص على صلاة العصر، ثم تبين له أنه نسي حقيقة الوقت الذي صلاه، وأنه ليس العصر؛ فبادر إلى ذكر الحقيقة التي تذكرها؛ وهي: "الظهر" فكلمة: "الظهر" بدل مقصود من كلمة: "العصر" بدل نسيان. والفرق بين هذا البدل وسابقه أن الغلط يكون من اللسان. إما النسيان فمن العقل. وهذا النوع كسابقه لا يحتاج إلى ضمير يعود على المتبوع، ولا إلى رابط آخر2.... ولا ورود لهذا النوع في القرآن الكريم منسوبا إلى الله 1 ... ج- بدل الإضراب3: وهو الذي يذكر فيه المبدل منه قصدا. ولكن

_ "1، 1" انظر الملاحظة التي في ص676. "2، 2" إذ يستحيل وقوع "الغلط والنسيان" من المولى -جل شأنه- ويستحيل نسبة أحدهما إليه؛ لبطلان هذه النسبة بداهة. 3 يسمى أيضًا: بدل "البداء" -بفتح الباء والدال- أي: الظهور. لأن المتكلم بعد أن ذكره أولًا بدا له "أي: ظهر له" أن يذكر الثاني. والإضراب المقصود هنا هو: الإضراب الانتقالي -وقد سبق شرحه في ص623-.

يضرب عنه المتكمل "أي: ينصرف عنه ويتركه مسكوتا عنه" من غير أن يتعرض له بنفي أو إثبات -كأنه لم يذكره- ويتجه إلى البدل. نحو: سافر في قطار، سيارة. فقد نص المتكلم على القطار أولا، ثم اضرب عنه تاركا أمره، ونص على السيارة بعد ذلك، فهي بدل مقصود من القطار. ولا يحتاج هذا البدل إلى ضمير يعود إلى المتبوع، ولا إلى غيره من الروابط.....1

_ 1 وفي الأقسام الأربعة السابقة يقول ابن مالك: مطابقا، أون: بعضا، أو ما يشتمل ... عليه يلفى، أو: كمعطوف ببل "تقدير البيت: يلغى البدل مطابقا، أو بعضا، أو ما يشتمل عليه، أو كمعطوف ببل" وقد تضمن هذا البيت بدل المطابقة بالنص الصريح وهو: "مطابقا". وبدل البعض بالنص الصريح، وهو: "بعا" كما تضمن بدل الاشتمال بقوله: "أو ما يشتمل عليه" "وكلمة: مطابقا مفعول ثان ليلغى". يريد: أو: شيئا يشتمل على البدل اشتمالا معنويا "وهو يؤيد: العامل والمتبوع على الوجه الذي شرحناه". ويريد بالمعطوف بالحرف الذي يشبه "بل": بدل المباينة؛ لأنه بأنواعه الثلاثة لا يخلو من الإضراب الانتقالي لا الإبطالي. "وقد سبق شرح الاثنين عند الكلام على "بل" العاطفة -ص623- وأوضحنا أن الانتقالي هو الذي يفيد الانتقال من غرض إلى غرض آخر" ويبين ابن مالك المراد من شبيه "بل" فيقول: وذا للاضراب اعز قصدا صحب ... ودون قصد غلط به سلب "ذا، أي: هذا الذي يشبه: "بل" اعز: انسب". يريد: انسب الذي يشبه "بل" إلى الإضراب إن صحبه القصد، وكان المتكلم مريدًا له، "والإضراب هنا هو: الإضراب الانتقا". وإن لم يقصده المتكلم فهو "بدل غلط". وقد بين بعد هذا أن البدل نفسه ليس بموضع الغلط، وإنما جاء ليسلب الغلط ويزيله. "والتقدير: وغلط دون قص سلب بالبدل". واقتصر ابن مالك على نوعين من البدل المباين: هما: "الغلط"» والإضراب"، وترك "النسيان" ولكن البيت التالي المشتمل على مثال لكل نوع -قد يتسع النسيان، قال: كزره خالدا، وقبله اليدا ... واعرفا حقه، وخذ نبلا مدى "خالد: اسم رجل النبل" جمع: نبلة، وهي: السهم الذي يصاد به الطيور وغيرها من الناس وطائر الحيوان. المدى، جمع مدية، وهي: السكين". "فخالد" بدل كل من الهاء التي في الفعل قبله مباشرة. و"اليد": بدل جزء من الهاء التي قبله في الفعل "أي: يده، أو اليد منه" و"حق" بدل اشتمال من الهاء التي قبله مباشرة، ومدى: بدل غلط، أو نسيان، أو إضراب، من "نبلا". فالبدل هنا يحتمل الثلاثة.

والأحسن عدم الالتجاء إلى هذا النوع من البدل قدر الاستطاعة: لأن احتمال اللبس فيه كبير1.... "ملاحظة": سبق أن أنواع البدل المباين الثلاثة تحتاج إلى قرينة توضح وتمنع اللبس. وأحسن منها أن يتقدم على كل نوع -مباشرة- حرف العطف "بل" المفيد للإضراب. لأن وجود هذا الحرف يؤدي إلى إعراب ما بعده معطوفا لا بد لا. وبهذا يمتنع احتمال أنه نعت، ذلك الاحتمال الذي قد يتسرب إلى الوهم قبل مجيء الحرف: "بل" وبمجيئه تنتقل المسالة من البدل إلى العطف.

_ 1 سبق تفصيل الكلام عليه في ص623 من "باب العطف".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- المشهور من أنواع البدل هو الأربعة التي شرحناها. وزاد بعض النحاة نوعا خامسا سماه: "بدل الكل من البعض"، واستدل له بأمثلة متعددة تؤيده، منها قوله تعالى في التائبين الصالحين: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} ، فجنات بدل كل من الجنة، والأولى جمع، والثانية مفرد، ولهذا كان البدل كلا والمبدل منه بعضا. ومنه قول الشاعر: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات فكلمة: طلحة "بدل كل" من "أعظم" التي هي جزء من "طلحة"، وكذلك قول الشاعر: كأني غداة1 البين2 يوم تحملوا3 ... لدى سمرات4 الحي ناقف حنظل5 فكلمة "يوم" بدل كل من "غداة": مع أنه يشملها، وهي جزء منه6 ... ب- حكم البدل: البدل أحد التوابع؛ فلا بد إذ يوافق متبوعه في حركات الإعراب، وفي بعض الأشياء المشتركة التي سبق النص عليها7. أما موافقته إياه في غير ذلك فيجري فيها التفصيل الآتي: 1- فمن جهة التنكير والتعريف لا يلزم أن يوافق متبوعه فيهما؛ فقد يكونان

_ 1 أول النهار. 2 الفراق. 3 سافروا وارتحلوا. 4 جمع "سمرة" -بفتح فضم، ففتح- وهي شجرة الطلح "نوع من شجر الموز". 5 أي: جامع حنظل. وجامعه تدمع عيناه. 6 قال صاحب الهمع -ج2 ص127- ما نصه: "والمختار -خلافا للجمهور- إثبات بدل الكل من البعض؛ نوروده في الفصيح" ا. هـ. وسرد لتأييد رأيه الأمثلة السالفة. 7 في ص434.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ –معا- معرفتين؛ كقراءة قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} بجر كلمة "الله"؛ على اعتبارها بدلا من كلمة: "العزيز". وقد يكونان نكرتين؛ كقوله تعالى {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا 1 حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} . وقد تبدل المعرفة من النكرة كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} . وقد تبدل النكرة من المعرفة، كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ 2 ... } والمفهوم من كلامهم أن تكون هذه النكرة مختصة -لا محضة- لأن النكرة المختصة الخالية من فائدة التعرف -نحو: مررت بمحمد رجل عاقل- قد تفيد ما لا تقيده المعرفة المشتملة على فائدة التعرف3. ومما يؤيد هذا أن الغرض من البدل -كما عرفا فيما سبق- لا يتحقق بالنكرة المحضة. 2- ومن جهة الإفراد والتذكير وفروعهما، فإن بدل الكل من الكل يطابق متبوعه فيها جميعا ... ما لم يمنع مانع من التثنية أو الجمع، كأن يكون أحدهما مصدرا لا يثنى ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي4؛ مثل: قوله تعالى في الآية السالفة: "مفازا، حدائق ... "وكقصد التفصيل، في قول الشاعر: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت5 وأما غيره من أنواع البدل فلا يلزم موافقته فيها6. والغالب أن البدل يرتبه به ما بعده ويعتمد عليه؛ فيطابقه في حالتي التذكير

_ 1 فوزا، أو: مكان فوز. 2 انظر رقم 1 من هامش ص456. 3 راجع حاشية ياسين في آخر باب البدل. 4 سبقت الإشارة لهذا في 231. 5 بطلت حركتها، ووقفت. 6 انظر ص546 وما بعدها، وص668، عند الكلام على: "ثانيها".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتأنيث وغيرهما: نحو: إن الغزال عينه جميلة، وإن الفتاة حفنها فاتر، بتأنيث خبر "إن" في المثال الأول، وتذكيره في الثاني، ولولا أن الملاحظ هو البدل لوجب التذكير في الأول والتأنيث في الثاني. ولا بد في مراعاة ذلك الغالب من عدم وجود قرينة تمنع منه، وتدل على غيره1. ومن غير الغالب قول الشاعر: إن السيوف غدوها ورواحها ... تركت هوارن مثل قرن الأعضب2 فقد جاء الفعل: "ترك" مؤنثا مراعاة للمبدل منه، "وهو اسم "إن" لا للبدل. ج- قلنا3 إنه قد يتحد4 لفظ البدل والمبدل منه إذا كان في لفظ البدل زيادة بيان وأيضاح؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً 5 كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} بنصب كلمة: "كل" الثانية؛ فقد اتصل بها معنى زائد، ليس في المبدل منه؛ هو بيان سبب الجثو، وهو استدعاء كل أمة لتقرأ كتابها. ومن الأمثلة: شاهدنا الجنود، فرحة، الجنود التي انتصرت على أعدائها، ورأينا الأمة تخرج لاستقبالهم، الأمة التي أنجبتهم ... د- قد يحذف المبدل منه ويتغنى عنه بالبدل بشرط أن يكون المبدل منه في جملة وقعت صلة موصول: نحو: أحسن إلى الذي عرفت المحتاج، أي: الذي عرفته المحتاج. فكلمة: "المحتاج" يصح أن تكون بدلا من الضمير المحذوف6 ... هـ- يصح الإتباع والقطع في البدل إذا كان المبدل منه مذكورا مجملا، مضمونه أفراد وأقسام متعددة، تذكر بعده مفصلة -بأن يشتمل الكلام بعده على جميع أقسامه كاملة نحو: مررت برجال، طويل، وقصير،

_ 1 والأحسن التعبير عن هذا المعنى بأسلوب آخر لا يوهم ولا يوقع في لبس. 2 الحيوان المكسور قرنه. 3 في ص667 وهامشها. 4 راجع في الحكم الثالث: "ج" وما بعده "الأشموني". آخر باب: "البدل". 5 قاعدة معتمدة في القعود على ركبتيها. 6 يصح في كلمة: "المحتاج" النصب على البدلية من الضمير المحذوف، والجر على البدلية من اسم الموصول، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، تقديره: هو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وربعة1 ... بالرفع، أو النصب: أو الجر في هذا المثال. فإن كان الكلام غير مستوف أقسام المبدل منه تعين في البدل القطع2 نحو: مررت برجال طويلا وقصيرا، أو: طويل وقصير، بالرفع أو النصب في الكلمتين. إلا عند نية معطوف محذوف، فلا يتعين القطع وإنما يصح الأمران -كما يصح في الأول- وهما: البدل والقطع. ومن الأمثلة لهذا قوله عليه السلام: "اجتنبوا الموبقات، الشرك والسحر" بنصبهما. والتقدير: وأخواتهما ... بدليل ذكر هذا المعطوف في حديث آخر. فإن كان البدل خاليا من التفصيل جاز فيه الأمران أيضا: الإتباع والقطع. نحو: فرحت بعليّ أخوك أو أخاك على القطع فيهما. أو: أخيك على البدل ... وسيجيء -في ص684 وما بعدها- إيضاح آخر لبدل التفصيل، وأنه نوع من بدل الكل. أما تفصيل كلام على القطع وطريقته فقد سبق في باب النعت. ومن المستحسن التخفف من استعماله قدر الاستطاعة. و يشترط3 في بدل البعض وبدل الاشتمال أن يصح في كل منهما الاستغناء بالمبدل منه، وعدم فساد المعنى أو اختلال التركيب لو حذف البدل، أو اتصل به عامله اتصالا لفظيا ظاهرا ومباشرا، فلا يجوز: "قطعت اللص أنفه، ولا لقيت كل أصحابك أكثرهم، ولا أسرجت القوم دابتنهم"، لعدم صحة الاستغناء بالمبدل منه عن البدل. وكذلك لا يصح مررت بمحمد أبيه، إذ لا يصح أن يقال في هذا المثال -وأشباهه- عند إظهار عامل

_ 1 متوسط بين الطويل والقصير. 2 لكيلا يكون بدل بعض من كل مع خلوه من الرابط، ومما يفنى عن الرابط -كما سبق في ص644 وفي رقم 4 من هامشها. 3 الشرط الآتي هو ما سبقت الإشارة إليه في رقم 4 من هاش ص668 عند الكلام على "بدل البعض" نقلا عن الصبان، وكذا في ص669 عند الكلام على "بدل الاشتمال" نقلا عن ياسين وقلنا في الموضعين السالفين أن مجال الكلام عليه سيكون هنا. ويتصل بهذا ما في رقم 1 من هامش ص666.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدل -وهو مررت، أو الباء- وتسليطه على البدل مباشرة: مررت أبيه، بعدية الفعل اللازم، كما لا يقال مررت بأبيه، من غير مرجع للضمير. ز- الأغلب أن البدل على نية تكرار العامل1، وليس على تكراره حقيقة. بيان هذا: أن العامل في "البدل منه" هو العامل في "البدل" لكن هذا العامل المشترك بينهما واجب الإظهار والتلفظ به قبل المتبوع وحده. ولا يصح إعادته وتكراره ظاهرا صريحا قبل التابع. وإنما يكفي تخيل وجوده قبل البدل مباشرة. وملاحظة أنه موجود قبله في النية والتقدير؛ لا في الحقيقة والواقع. مع استقامة الأسلوب، وسلامة المعنى بغير حاجة إلى إعادته وتكراره صريحا ظاهرا في الكلام. والسبب في منع التكرار الحقيقي -لا الخيالي- أنه يؤدي إلى تأثير العامل المتكرر في "البدل" تأثيرا جديدا يزحزه عن "البدلية" ويدخله في عداد معموات أخرى لا تصلح "بدل"؛ ففي مثل: نظف الرجل فمه أسنانه، يكون المبدل منه هو "الفم"، والبدل هو: "أسنان" وعاملهما هو: "نظف" المذكور صريحا قبل المتبوع. وتخيلا وتقديرًا -دون تكراره- قبل التابع، وعلى أساس هذا التخيل المجرد، والتقدير المحض يصح أن نفترض أن أصل الكلام هو: نظف الرجل فمه، نظف الرجل أسنانه. وهذا الافتراض لم يفسد المعنى ولا التركيب، إنما أدى إلى توضيح المراد: فلو اعتبرنا العامل الثاني، الملاحظ تخيلًا وتقديرًا -وهو هنا: "نظف"- عاملًا معادًا حقيقة، وتكرارا للأول لأدى هذا إلى أيجاد تركيب جديد، خال من البدل، ولوجب إعراب كلمة: "أسنان" شيئا آخر غير البدل؛ فتكون هنا على الاعتبار الجديد "مفعولا به"، ولا تصلح بدلا، ويترتب على هذا التغيير الإعرابي تغيير معنوي معروف ينشأ من الفرق المعنوي بين البدل، والمفعول به، إذ لكل منهما مهمة تختلف عن مهمة الآخر. ويستثنى من الحكم السالف صورة يصح فيها الأمران؛ أما تكرار العامل تكرارا لفظيا، وإعادة التلفظ به مرة ثانية، وأما الاكتفاء بتخيل وجوده قبل البدل

_ 1 سبق إيضاح المراد من أن البدل في حكم تكرار العامل، وأن المبدل منه في حكم المطروح "في رقم 1 من هامش ص664. وله إشارة موجزة في ص547".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاقتصار على ملاحظته في النية والتقدير1. وهذه الصورة الجائزة -لا الواجبة، كما أسلفنا2- هي التي يكون فيها العامل حرفا من حروف الجر؛ كاللام الجارة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ، وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} ومثل: "من" في قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ؛ فقد تكررت اللام وأعيدت صريحة في الآية الأولى " ... لكم، لمن ... "، وكذلك في الآية الثانية ".. لنا، لأولنا" كما تكررت "من" في الآية الثالثة "من المشركين من الذين ... " وهكذا ... لكن ما إعراب حرف الجر المكرر؟ وما إعراب الاسم المجرور بعده؟ قيل: إن حرف الجر المكرر أصلي، باق على عمله، وأنه هو الذي جر الاسم "بدلا" بعده. دون الحرف الأول المتقدم، ودون الحرف آخر مقدار، أو ملحوظ متخيل. بحجة أنه لا داعي للتقدير في هذه الصورة مع وجود عامل مذكور، منطوق به صراحة؛ فإن التخيل أو التقدير إنما يكون في غير هذه الصورة التي ظهر فيها بالعامل المتكرر، ووقع تحت الحس فلا يمكن إغفاله، ولا إنكار وجوده. ولا المطالبة بأن يكون العامل في المبدل منه هو العامل في البدل، إذ لا داعي للتمسك بهذا الحكم حين يكون العامل المتكرر جر, بعده البال مباشرة. بقي الاعتراض بشيء آخر، هو أن حرف الجر الأصلي لا يجر البدل؛ لأن عمله مقصور على شيء واحد؛ هو جر الاسم جرا مجردا، لا يصح معه اعتبار ذلك الاسم المجرور بدلا أو غير بدل. قد يندفع هذا الاعتراض بواحد من ثلاثة: أولها: وهو أقوّاها وأحسنها صحة اعتبار المجرور في هذه الصورة وحدها "بدلًا"؛ بالرغم مما هو مقرر أن التوكيد اللفظي لا يؤثر في غيره، ولا

_ 1 راجع حاشية ياسين على التصريح، بال البلد. عند الكلام على بدل الاشتمال. 2 في رقم 2 من هامش ص664.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتأثر به: فلا يصلح عاملا ولا معمولا1. ثانيها: اعتبار العامل المتكرر توكيدًا لفظيًا محضًا "أي: لا يؤثر ولا يتأثر؛ طبقًا لما سبق تقريره". وأن الاسم المجرور بعده مجرور بالعامل الأول الذي له التأثير في المبدل منه؛ فهو أي: العامل الأول -وحده- مؤثر في التابع والمتبوع معًا، عملًا بالرأي الذي يقول: إن البدل ليس على نية تكرار العامل، وإنما العامل في المبدل منه وفي البدل واحد، لا تكرار له، ولا تخيل لإعادته. ثالثها: اعتبار البال على نية تكرار العامل، وأن حرف الجر المتكرر هو توكيد لفظي محض، وليس تكرارًا للعامل المتقدم. وبالرغم من وجوده مكررا واعتباره توكيدًا لفظيًا خالصًا بكون الجر بعده بعامل آخر غير ظاهر ولكنه ملحوظ في النية والتقدير. ولا شك أن الآراء الثلاثة يشوبها الضعف؛ لمخالفة كل منهما للضوابط العامة، ولاعتمادها على النية، والتقدير، والتأويل، ولكن الأول أخفها ضعفًا: ولذا كان أنسبها قبولا.

_ 1 بيان هذا في "أ" ص527 حيث الكلام على أحكام التوكيد اللفظي.

المسألة 124

المسألة 124: إبدال الظاهر من الظاهر أو من المضمر، والعكس في كل حالة ... : أ- يجوز إبدال الظاهر من الظاهر؛ كالأمثلة السابقة بأحكامها المختلفة. ويصح إبدال الظاهر من ضمير الغائب بدل كل، أو بعض، أو: اشتمال، أم مباينة1. نحو: وقفت أمام الدار أترقب القادمين. فلما أقبلوا الضيوف صافحتهم في بشر وابتهاج. فكلمة "الضيوف" بدل كل من كل: "هو الفاعل2، واو الجماعة". ونحو: وقفت أترقب الأضياف الخمسة فأقبلوا أربعة منهم ... فكلمة "أربعة" بدل بعض، أي: من الفاعل2 "واو الجماعة". أو: فأقبلوا حقائبهم ... "فحقائب" بدل اشتمال من الواو ... أو: فأقبلوا حقائبهم. على اعتبار أن "حقائب" بدل غلط، أو نسيان، أو إضراب فالبدل بأنواعه المختلفة يقع صحيحًا من ضمير الغائب، ولا مانع يمنع منه. فإن لم يكن الضمير الغائب بأن كان لحاضر "أي: لمتكلم، أو لمخاطب" جاز مجيء البدل منه بشرط أن يكون الاسم الظاهر إما بدل كل من كل يفيد الإحاطة والشمول والبيان كقوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 3، فكلمة "أول" بدل "كل" من الضمير "نا" المجرور باللام، ولذلك أعيد جوازا مع البدل عامل الجر، وهو هنا: "اللام"، مجاراة للمبدل منه. ومثله: تسابقتم ثلاثتكم. فكلمة: "ثلاثة" بدل كل من كل، من التاء4 ...

_ 1 في ص671 تفصيل الكلام على "البدل المباين". "2، 2" وهذا على اعتبار واو الجماعة ضميرا فاعلا، طبقا للرأي الأغلب، وليست مجرد حرف يعتبر علامة للجمع. 3 لأن معنى: "لأولنا وآخرنا ... " هو: لجميعنا، على عادة العرب من ذكرهم طرفي الشيء، يريدون بهما: جميعه كاملا. ومن هذا قولهم: "سبحان الله بكرة وأصيلا" ... أي: كل وقت: وقد سبقت الآية لمناسبة أخرى في هامش ص664 وفي ص680. 4 سبقت الإشارة لهذا في ص511 و680.

وأما بدل بعض من كل؛ كقول المريض بأذنه مثلا: عالجني الطبيب أذني. فكلمة "أذن" بدل بعض من كل، "وهو: ياء المتكلم" ونحو أعجبتني أسنانك. فكلمة: "أسنان" بدل بعض من ضمير المخاطب "التاء". وأما بدل اشتمال كقول الشاعر: بلغنا السماء مجدنا وثناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فكلمة: "مجدنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلمين: "نا"؛ ونحو: أرضيتني كلامك، "فكلام" بدل اشتمال من ضمير المخاطب "التاء". ب- ولا يجوز إبدال ضمير من ضمير، ولا ضمير من ظاهر1، فالضمير: أنت في مثل "قمت" أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت يعرب توكيدًا لفظيًا، وكذلك يعرب الضمير "أياك" في مثل: رأيتك أياك. ولا يصح في مثل: رأيت محمدًا إياه، إعراب الضمير "إياه" بدلًا من الاسم الظاهر؛ لأن هذا التركيب فاسد في رأي النحاة: إذ لم يسمع له عن العرب نظير2 ...

_ 1 في بعض فروع هذا خلاف طويل ولا حاجة لنا به؛ لأنه خلاف جدلي، لا يقوم على الاستشهاد بالكلام العربي الفصيح. 2 هذا ما يقولون. وقد اقتصر ابن مالك في الحالات السابقة "أ، ب" على حالة إبدال الاسم الظاهر من ضمير الحاضر. قال: ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضا أو اشتمالا ... كإنك ابتهاجك استمالا "إحاطة جلا: أي: جلا وأظهر إحاطة". يقول: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر إلا إذا أظهر البدل إحاطة "أي: دل عليها بأن كان بدل كل من كل" أو: اقتضى بعضًا. "أي: دل على البعضية" أو: دل على اشتمال، وساق مثالا لبدل الاشتمال هو: إنك ابتهاجك اشتمال القلوب إليك، وجذبها نحوك.

المسألة 125

المسألة 125: البدل من المضمن الاستفهام، أو الشرط، وبيان: بدل التفصيل: قد يكون "المبدل منه" اسم استفهام، "ويسمى: "المضمن معنى همزة الاستفهام1" وقد يكون اسم شرط "ويسمى: المضمن معنى حرف الشرط. "إن" فإذا اقتضى الأمر بدلًا يفصل ذلك المضمون المعنوي المجمل ظهر في الحالة الولى مع البدل حرف الاستفهام: "الهمزة"، وفي الحالية الثانية حرف الشرط: "إن" ليوافق البدل المبدل منه في تأدية المعنى. وهذا بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام ولا حرف الشرط مع المبدل منه. والاستفهام الذي يتضمنه المتبوع قد يكون عن الكمية2، أو عن الذات، أو عن معنى من المعاني. فمثال الاستفهام عن الكمية: كم كتبك؟ أمائة أم مائتان؟ "فمائة" بدل من "كم" بدل تفصيل للمعنى العددي. ومثال الاستفهام عن الذات: من شاركت؟ أكاملًا أم منصورًا؟ "فكاملًا" بدل تفصيل من كلمة: "من".

_ 1 معنى تضمنه همزة الاستفهام: انه اسم استفهام يؤدي معنى همزة الاستفهام، وأنه -وهو لفظ واحد– يشمل كثيرًا من الأنواع والأفراد غير المذكورة في الكلام صراحة؛ فهو يحتويها إجمالا من غير أن تذكر بعده مفصلة صريحة. فإذا أريد بعد الإجمال الذي ينطوي عليه المبدل منه، النص الصريح على بعض أنواع أو أفراد مما يدخل في الإجمال، جيء بهذا المطلوب مذكورا صريحا في "البدل" بعد الهمزة مباشرة من غير فاصل بينهما" وهذا المذكور بعد الهمزة ليس إلا نوعا أو فردا يدخل ضمنا لا صراحة في اسم الاستفهام "المبدل منه". ومثل هذا يقال في الغرض من "إن" الشرطية التفصيلية. وليس لهذه علاقة بهمزة الاستفهام فلا تسبقها هذه الهمزة. وسيجيء في آخر ص685 أن البدل المضمن "بدل التفصيل" نوع من بدل الكل. 2 أي: عن عدد. وكذا ما يتصل بالعدد من المقادير.

ومثال الاستفهام عن المعنى: ما تقرأ؟ أجيدًا أم رديئًا؟ فجيدًا يدل تفصيل من: "ما". وإنما تضمن البدل همزة الاستفهام ليوافق متبوعه الذي هو اسم يتضمن معنى همزة الاستفهام من غير تصريح بأداة الاستفهام الحرفية -كما أسلفنا-؛ فلا تجيء الهمزة في مثل: هل أحد جاءك؛ محمد أو علي، بسبب التصريح بحرف الاستفهام. والشرط الذي يتضمنه المتبوع قد يكون للعاقل أو غيره، وللزمان أو المكان. فمثال الشرط للعاقل: من يجاملني -إن صديق وإن عدو- أجامله. فكلمة: "صديق" بدل تفصيل من كلمة "من" الشرطية. وإن الشرطية الظاهرة في الكلام ليس لها من الشرط إلا اسمه؛ فلا تجزم، ولا تعمل شيئا، وإنما تفيد مجرد التفصيل؛ ولذا تسمى: "إنْ التفصيلية". ومثال الشرط لغير العاقل: ما تقرأ، إن جيدا وإن رديئًا، تتأثر به نفسك. فكلمة: "جيدًا" بدل من كلمة: "ما" و"إنْ" المذكورة في الجملة لا أثر لها إلا في إفادة التفصيل، كما سبق. ومثال الشرط الدال على الزمان: متى تزرني، إن غدًا وإن بعد غد أسعد بلقائك. فكلمة "غدًا" بدل من "متى"، وكلمة: "إنْ" للتفصيل. ومثال الشرط الدال على المكان: حيثما تجلس، إنْ فوق الكرسي وإن فوق الأريكة، تجدْ راحة ... فكلمة: "فوق" بدل من: حيثما. وكلمة: "إن" للتفصيل. وإنما قرن البدل في كل ما سبق بالحرف: "إنْ" ليكون موافقا لاسم الشرط المتبوع الذي يتضمن معنى هذا الحرف من غير أن يذكر صريحا1 فلا يصح مجيء "إنْ" في مثل: إن تساعد أحدا محمدًا أو عليًا أساعده. هذا وبدل التفصيل2 نوع من بدل الكل من الكل لا يحتاج إلى رابط.

_ 1 ستجيء إشارة إلى "إن" التفصيلية "في باب الجوازم ج4 ص328 م55" تبين حكمها، وطريقة إعرابها. وقد اقتصر ابن مالك على الكلام على البدل مما ضمن همزة الاستفهام، قال: وبدل المضمن الهمز يلي ... همزا كمن ذا. أسعيد أم علي أي: أن البدل من المضمن همزة الاستفهام لا بد أن تسبقه الهمزة، كالمثال الذي ساقه. 2 في "هـ" من ص678 بعض الأحكام الخاصة ببدل التفصيل.

المسألة 126

المسألة 136: بدل الفعل من الفعل، والجملة من الجملة: أ- بدل الفعل من الفعل: 1- يبدل الفعل من الفعل بدل كل من كل بشرط اتحادهما في الزمان ولو لم يتحدا في النوع1، وأن يستفيد المتبوع من ذلك زيادة بيان؛ كقوله تعالى2: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} . فالفعل: "يضاعف" بدل كل من الفعل: "يلق" لأن مضاعفة العذاب هي البيان الذي يزيد معنى الفعل: "يلق" وضوحا، ويشكف المراد منه. وجزم الفعل: "يضاعف" دليل على أنه البدل وحده دون فاعله، وأن البدل بدل مفردات، لا جمل3. 2- ويبدل الفعل من الفعل للدلالة على الجزئية: إن تصل تسجد لله يرحمك. فالفعل: "تسجد" بدل من تصل، والسجود جزء من الصلاة لا تتحقق إلا به. 3- ويبدل الفعل من الفعل بدل اشتمال؛ مثل: إني لن أسيئ إلى الحيوان

_ 1 فيصح: إن جئتني تزرني أكرمك. ويجري عليهما في البدل ما يجري عليهما في العطف مما سردناه في ص642 وما يليها. 2 في العاصي الذي أتى نوعا من المحرمات والكبائر المذكورة قبل هذه الآية مباشرة. 3 لأن المضارع في الجملة الفعلية إذا كانت هي التابعة بجزأيها معا، لا يصح نصبه ولا جزمه تبعا لمضارع منصوب، أو مجزوم في الجملة المتبوعة؛ فإذا كانت الجملة المضارعية كلها هي التابعة "أي: هي البدل، أو المعطوفة بالحرف، أو ... " وجب استقلال مضارعها بنفسه في إعرابه، فلا يتبع إعراب المضارع في الجملة المتبوعة. ولا يصح نصبه أو جزمه تبعا للمضارع الذي في الجملة المتبوعة إلا حين يكون البدل بدل فعل مضارع وحده من مضارع وحده أيضا. وكذلك حين يكون العطف عطف مضارع وحده على مضارع وحده حيث يكون المعطوف تابعا للمعطوف عليه في رفعه، ونصبه جزمه -كما سبق الإيضاح في ص642 وما يليها، ولا سيما ص643-.

الأليف، أزعجه. فالفعل "أزعج" بدل اشتمال من "أسيء". ومثله: إن عليّ الله أن تبايعا1 ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا فالفعل: "تؤخذ" بدل اشتمال من: "تبايع"؛ لأن الأخذ كرها هو صفة من صفات كثيرة تشملها المبايعة. 4- ويبدل الفعل من الفعل لإضراب، أو الغلط، أو النسيان، في مثل: إن تطعم المحتاج، تكسه ثوبا، يحرسك. والذي يدل في كل ما سبق -وأشباهه- على أن البدل بدل مفردات لا بدل جمل، هو مشاركة الفعل التابع لمتبوعه في نصبه أو جزمه2. ب- أما الجملة فبدل من الجملة بدل كل من كل -على الصحيح- بشرط أن تكون الثانية أو فى من الأولى في بأن المراد، وتأديته ... نحو: اقطع قمح الحقل، احصده. وتبدل بدل "جزء من كل" لإفادة البعضية؛ كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، فجملة: "أمدكم" الثانية اخص من الأولى؛ لأن: ما تعلمون: يشمل الأنعام، والبنين، والجنات، والعيون، وغيرها. وتبدل بدل اشتمال؛ كقول الشاعر: أقول له ارحل. لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في الثر والجهر مسلما فجملة: "لا تقيمن" بدل اشتمال من جملة "ارحل"؛ لما بينهما من المناسبة: إذ يلزم من الرحيل عدم الإقامة. وتبدل بدل غلط؛ مثل: اجلس، قف ... و ...

_ 1 أصل الفعل: تبايع، والألف زائدة للشعر. 2 من الممكن الاستعانة على إيضاح هذا بما سبق في العطف ص643. وفي بدل الفعل من الفعل يقول ابن مالك من غير تفصيل: ويبدل الفعل من الفعل كمن ... يصل إلينا يستعن بنا يعن

ولا يشترط في بدل الجملة بأنواه المختلفة ولا في بدل الفعل من الفعل إذ يشتمل على ضمير؛ إذ من المعذر أن يعود ضمير على جملة، كما يتعذر في بدل الفعل وحده من الفعل. هذا وقد أشرنا إلى أن الفعل التابع يتبع المبدل منه في إعرابه لفظًا وتقديرًا. أما الجملة فتتبع المتبوعة في محلها إن كان لها محل. فإن لم يكن للمتبوعة محل فتسمية الجملة الثانية بالتابعة هي تسمية مجازية، أساسها التوسع فقط ... وتد تدل الجملة من المفرد، والعكس، بدل كل من كل -وهذان النوعان نادران– كقول الشاعر: إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان فجملة: "كيف يلتقيان" بدل من: "حاجة"؛ لأنّ كيفية الالتقاء هي الحاجة التي يشكو منها. إنما صح البدل هنا لأن الجملة بمنزلة المفرد1 إذ التقدير: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر اجتماعهما؛ فلا بد من تأويل الجملة بالمفرد ليمكن إعرابها بدلًا. ومثال العكس: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا} ؛ لأنها في معنى المفرد، أي: جعله مستقيمًا.

_ 1 من الممكن فهم هذا على ضوء ما مر في ص 635

الفهارس

الفهارس ... الفهرس: أ- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب وصف مجمل للكتاب 1 الإضافة 169 المضاف لياء المتكلم، وحكمه. 181 أبنية المصدر، أقسام المصدر. 186 المصدر الصناعي. 207 أعمال المصدر، واسم المصدر "تعريفهما، وأحكامها..و.." 210 اسم المصدر أيضًا 220 إعماله. 225 المصدر الدال على المرة، والدال على الهيئة. 231 المصدر الميمي. 238 اسم الفاعل 271 اسم المفعول 281 الصفة المشبهة. 318 اسم الزمان والمكان 333 اسم الآلة. 339 التعجب. 367 ألفاظ المدح والذم: "نعم وبئس.. و.." 384 الأفعال التي تجرى مجراهما. 394 أفعل التفضيل 434 التوابع الأربعة: أ- النعت. 501 ب- التوكيد. 538 ج- العطف بنوعيه: 1- عطف البيان. 555 2- "عطف النسق". 664 د- البدل.

ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي تشتمل عليها الأبواب العامة السابقة. مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض موضوعات: "الزيادة، والتفصيل، والهوامش": باب الإضافة رقم الصفحة الموضوع: 1 المسألة 93: الإضافة تقسيمها إلى محضة وغير محضة. الأسماء الأخرى لك لواحدة، وسبب التسمية. إيضاح معنى الإضافة. النسبة الأساسية والنسبة التقليدية، أو: الفرعية ... 3 الأغلب في المضاف أن يكون اسما معربا، وقد يكون اسمًا مبنيًا. 3 أنواع المحضة إشارة إلى "الشبيه بالمضاف". إضافة المصدر قد تكون محضة أو غير محضة ... 6 الأحكام الواجبة المترتبة على الإضافة: الإضافة: 7 الأول: جر المضاف إليه. الإضافة الظاهرة، والإضافة المقدرة. عوامل الجر في الاسم. 8 الرأي في الجر بالتوهم، والمجاورة. 8 الثاني: حذف نون المثنى وجمع المذكر السالم -وملحقاتهما- من المضاف. 9 ما يحذف مع النون عند الإضافة لياء المتكلم. 10 حالة يجوز فيها حذف النون وعدم حذفها. 12 الثالث: حذف التنوين. الرابع: حذف "أل" من المضاف، إلا في بعض صور معدودة.. 13 متى توجد "أل" في الإضافة غير المحضة؟ 14 رأي الكوفيين في إبقاء "أل" ... الرأي في بعض أمثلة مسموعة وغير مسموعة فيها "أل" ... 16 الخامس: اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلي متخيل، وأنواعه، والغرض منه، وجواز التصريح به 18 الإضافة التي على معنى: "من" 19 نوع إضافة الأعداد والمقادير. أوجه إعرابية أخرى إذا كانت الإضافة على معنى: "من".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 20 الإضافة التي على معنى: "في"، و"اللام". 21 إضافات لا يصح التصريح فيها بحرف الجر: "اللام". الإضافة قوية الملابسة، والإضافة لأدنى ملابسة. 23 السادس: تعرف المضاف أو تخصصه من المضاف إليه، بشرط أن تكون الإضافة محضة. منع إضافة المعرفة للمعرفة والنكرة. جواز إضافة العلم في بعض الحالات ... 24 ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير، وهي الألفاظ المتوغلة في الإبهام، -ومنها: "غير" - وهل تتعرف بالإضافة؟ هل تدخلها "أل"؟ 28 المضاف إليه إذا كان جملة كان في حكم المفرد ... 29 عودة إلى الإضافة غير المحضة. إشارة إلى أنواع من المحضة؛ "كالمصدر، وبعض المشتقات المهملة.." 30 أثر الإضافة غير المحضة. 33 معنى الإضافة المجازية، "أي: التي على نية الانفصال". 37 لمحة عابرة عن بعض المشتقات. "اسم الفاعل - اسم المفعول". 39 الاستمرار الدوامي، والاستمرار التجددي. 40 أنواع من الإضافة غير المحضة. "هي الملحقات بها". 40 إضافة المنعوت إلى نعته، إضافة النعت إلى منعوته، إضافة المسمى إلى الاسم، 42 الكلام، وعلى: الإضافة البيانية والتي للبيان، وعلى: "ذات مرة" و"ذات ليلة" ... وعلى كلمة: "رجب" من ناحية الصرف وعدمه. 44 إضافة الموضوف إلى اسم قائم مقام الصفة. إشارة إلى السبب في إضافة العلم، ... 45 إضافة المؤكد إلى المؤكد. 46 إضافة الملغي إلى المعتبر، والعكس - الإضافة في قولهم: "لا أبا لفلان". إضافة صدر المركب المزجي لعجزه. 47 الجدل الدائر حول الأنواع السابقة، والفصل فيه. 51 الرأي في مثل: استرحنا من عناء التعب ... ، ونعمنا برغد الرخاء ... 53 السابع: عدم الفصل بين المتضايفين. أ- مواضع الفصل في السعة. المراد بالسعة والضرورة. التيسير في الشعر دون النثر. 55 ب- مواضع الفصل في الضرورة مواضع أخرى للفصل في الضرورة. 60 الثامن: استفادة المضاف من المضاف إليه التصدير. التاسع: وجوب تقديم المضاف

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة وهي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 61 العاشر: استفادة المضاف من المضاف إليه المصدرية الحادي عشر: استفادة الظرفية 61 الأحكام الأربعة غير الحتمية، وهي: 63 الثاني عشر: استفادته التأنيث. المراد من جزء الشيء، ومثل جزئه. 65 القلة الذاتية والنسبية "انظر ص79" 66 الثالث عشر: استفادة التذكير. حكم "أحد، وإحدى" المضافتين من جواز التذكير والتأنيث. الرابع عشر: استفادته البناء. "ويدخل في هذا: المضاف من أسماء الزمان المبهم". 68 الخامس عشر: جواز حذف تاء التأنيث منه. 70 ملخص الأحكام السالفة كلها 71 المسألة 94: تقسيم الاسم من ناحية وقوعه مضافا، وعدم وقوعه. ما تجوز إضافته. ما تجب إضافته أربعة أقسام. تفصيل الكلام عليها: أولها: ما يضاف وجوبا للظاهر والضمير، مع جواز قطعه عن الإضافة لفظا فقط. 72 نون التنوين في كلمتي: "كل وبعض" إذا لم يضافا ... حكمهما من ناحية التعريف والتنكير، هل يصح اقترانها "بأل" المعرفة؟ حكم لفظه: "كل" ومطابقة ما بعدها لها. 73 ثانيها: ما يضاف وجوبا ولا يجوز قطعه لفظا، وهو أربعة أنواع ... 78 ثالثها: ما يضاف وجوبا إلى الجملة، وحكمه، "حيث إذ" وتفصيل الكلام عليهما. الجملة الواقعة "مضافا إليه" في حكم المفرد. وشروطها أ- حيث الاسم الواجب إضافته للجملة لا يكون إلا مبنيا. 79 عودة إلى بيان القلة الذاتية والنسبية. "انظر ص64". 80 ب- "إذ": إعرابها ومعانيها..، المراد من اسم الزمان. 84 الجملة الواقعة مضافا إليه في حكم المفرد. شروطها. تأويلها. 85 فائدة الإضافة للجملة. 87 حكم: "بين" المختومة "بالألف الزائدة، أو: "ما" الزائدة، وجوب صدارتها.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 88 ما يشبه: "إذا. 89 إضافة بعض أسماء الزمان المبهمة للجملة، وتفصيل هذا. 93 رابعها: ما يضاف وجوبا للفعلية وحدها –"إذا – لما" ... ، جميع أدوات الشرط الجازمة "أي: الشرط غير الامتناعي" تجعل زمن الفعل الماضي الذي في شرطها وجوابها مستقبلا. 94 ب- ألفاظ غير زمانية تشبه الزمانية في الحكم، "منها: آية. ذي تسلم ... ". 97 جدول لكل أقسام المضاف والمضاف إليه. 98 المسألة 95: أسماء أخرى واجبة الإضافة: "كلا – كلتا – أي – لدن ومع – غير، ونظائرها". كلا وكلتا ... 99 المثنى لفظا ومعنى، ومعنى فقط. 101 تفصيلات في إعراب: "كلا وكلتا" 104 أي، وأقسامها، واستعمال كل. المراد من الإضافة لفظا ومعنى، ومعنى فقط. تفصيل الكلام على: "أي" الاستفهامية. 105 أنواع التعدد 105 لفظ "أي"، ومعناها، وما يراعي عند المطابقة. 109 تفصيل الكلام على "أي" الشرطية 110 "أي" الموصولة. 111 "أي" التي تقع نعتا. 113 الرأي في مثل: "اشتر أي كتاب" و ... 117 "أي" التي تقع حالا. 118 جدول يشتمل على ملخص لكل أنواع "أي" وأحكامها. 119 لدن – عند. معنى: الغاية الزمانية، والمكانية، ومبدأ الغاية، وبعض أحكام خاصة بالغاية. الفرق بين كلمتي: "ابتداء" و"من" الجارة التي للابتداء. 120 مواضع الاختلاف بين كلمتي: "لدن" و"عند". 124 رفض الإعراب على "التوهم"، وعلى "المجاورة". 125 مع. معانيها. 129 الكلام على: "مع"، و"جميع". 131 غير: معناها، وحالاتها الإعرابية الأربع "انظر ص24 و ... " يقال: "ليس غير، ولا غير". 141 نظائر: "غير" وتقسيمها من ناحية ما يفيد الظرفية والتصرف، وما لا يفيدهما.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 141 ظروف "الغاية": "قبل – بعد، دون – الجهات الست. وما بمعناها ... ". معنى: "الغاية" هنا. 142 الظرف المتصرف وغير المتصرف، ومعنى: "من" الجارة الداخلة على الظرف المجرور بها. معنى الأسماء التامة وغير التامة. 143 قبل. 145 بعد. 146 فوق. 147 دون. 147 عل. 148 حكم "لدى" المضافة 149 حسب. 150 الدليل على أن: "حسب" ليس اسم فعل. 151 أول. 154 استعمالات لغوية مختلفة في: "أول" ومنها: أول أمسى ... 156 ملخص يبين تقسيم الأسماء من ناحية إضافتها، عدم إضافتها 157 المسألة 96: حذف المضاف. حذف المضاف إليه. نعت أحدهما. أ- حذف المضاف ومواضعه القياسية 162 حكم الضمائر العائدة على المضاف المحذوف، وكذلك غير المحذوف. 163 حذف أكثر من مضاف، وبيان ما يترتب علي الحذف. 165 ب- حذف المضاف إليه. عودة لبيان الأسماء التامة وغير التامة. 167 ج- حكم النعت بعد المركب الإضافي "ومنه: العلم الكنية". 169 المسألة 97: المضاف لياء المتكلم، وحكمه تعريف صحيح الآخر، ومعتل الآخر، والمعتل الشبيه بالصحيح، وحكم كل عند إضافته للياء. متى تضبط ياء المتكلم بالفتح أو بالسكون، وإعرابها؟ 170 كيفية إضافة الاسم المختوم بياء مشددة. 172 متى يجوز حذف ياء المتكلم أو قلبهما ألفا. متى تحذف ياء المتكلم في الإضافة. 173 عودة إلى الإضافة الظاهرة، والمقدرة. حكم الأسماء الخمسة عند إضافتها لياء المتكلم.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 174 إضافة الاسم المعتل الآخر بالواو إلى ياء المتكلم. 175 طريقة إضافة: "اينم". الوقوف على ياء المتكلم 177 مواضع تسكين آخر المضاف، وبناء الياء على الفتح. متى تضبط المتكلم بالفتح؟ عودة إلى: "لدى". نوع من نيابة حرف عن حركة 181 المسألة 98: أبنية المصادر – أقسام المصدر الثلاثة "أصلي – ميمي – صناعي" وتعريف كل قسم، وإيضاحه. إشارة إلى المواضع الذي يضم أحكام المصدر المؤول، سبب تقديم هذا الباب على باب عمل المصدر. معنى الجمود والاشتقاق ومكان المصدر منهما: تقسيم الجامد والمشتق ... 182 أصل المشتقات وأنواعها، وملحقاتها – إذا صار المشتق علما صار في حكم الجامد، وفقد أحكام المشتق. 183 أسماء المعاني وأسماء الذوات، والاشتقاق منها، وقواعده. الفرق بين "الاشتقاق والأخذ". 184 قواعد الاشتقاق من الجامد. 185 اشتقاق "فعل" من العضو للدلالة على إصابته. 186 المصدر الميمي. المصدر الصناعي. تاء التأنيث، وتسمى تاء النقل. 188 كيف وضعت الضوابط لأبنية المصدر. كيف وضعت الضوابط لأبنية المصدر. كلمة عن القياس والسماع عامة، ومن قياسيه المصدر، وجموع التكسير. 189 قيمة الفراء اللغوية، ورأية في القياس هنا؛ وكذا ابن جني. 189 عدم السماع لا يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس. 191 هل يخض اللفظ للقياس مع ورود سماع خاص فيه؟ 193 أوزان المصدر الأصلي. أوزان مصدر الثلاثي المتعدي واللازم. 198 مصادر، على وزن: "مفعول"، مصادر الماضي غير الثلاثي، مصادر الرباعي. 199 قلب الهمزة ياء جوازا في مثل: تبريء قلبها واوا في مثل: مقروء. نوع: "التفعال". بفتح التاء وكسرها. 201 نوع "فعلال" المضعف، وبيان ما يجوز فيه.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 202 مصادر الخماسي. مصادر السداسي. 203 ملحقات "التفعلل". 204 تلخيص لكل أبنية المصادر القياسية. 207 المسألة 99: إعمال آخر للمصدر – أمثلة. 208 إيضاح لاسم المصدر. 209 تعريف موجز لاسم المصدر. الفرق بينه وبين المصدر – لفظ ومعنى. 210 المصدر أصل المشتقات. 211 عمل المصدر. ما يخالف فيه المصدر فعله. 212 نوع من الفرق بين "أن، وما" المصدريتين. وبين: "أن" الناصبة للمضارع والمخففة. 213 أنواع من المصادر تعمل بغير تحقق الشروط. 215 شروط أخرى لإعماله. 218 أقسام المصدر العامل. 220 إعمال اسم المصدر. 223 أقسام اسم المصدر العامل مع إشارة عابرة المصدر الميمي. 225 المسألة 100: المصدر الدال على المرة والدال على الهيئة. فائدة المصدر الدال على إحداهما 226 لكل فعل ثلاثة أنواع من المصادر. 228 يجب فتح ما قبل تاء التأنيث. المسألة 101: 231 المصدر الميمي. معناه، مزيته، صوغه. 238 المسألة 102: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة. تعريف كل، وصوغه، وإعماله. اسم الفاعل: تعريفه. "أفعل التفضيل" يدل على الدوام. 240 صوغ اسم الفاعل. 242 دفع توهم أن بعض الأفعال الثلاثية المتصرفة لا يكون لها اسم فاعل. القرائن هي التي تدل على أن صيغة: "فاعل" قد يراد بها الصفة المشبهة. من تلك القرائن إضافة اسم الفاعل لفاعله ... خروج اسم الفاعل عن بابه ودخوله في باب الصفة المشبهة، وما يصحب هذا من إضافة اسم الفاعل لفاعله. 245 صوغه من مصدر الماضي غير الثلاثي، زيادة تاء التأنيث آخر اسم لافاعل. 246 كسر ما قبل الآخر قد يكون حقيقة أو حكما.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 246 إعماله: 247 أ- إن كان مجردا من "أل". عودة إلى الاستمرار الدوامي والاستمرار التجددي. 248 ملخص ما تقدم 251 يصح تعلق شبه الجملة بالمشتق الذي لا يعمل. 252 الاعتماد هذا وفي باب المبتدأ والخبر، الفرق بينهما. شروط أخرى في الوصف. اسم الفاعل لا يعود فاعله الضمير المستتر إلا على غائب. 254 ب- اسم الفاعل المقترن "بأل"- بعض أحكام اسم العامل الفاعل ومنها: إضافته إلى مفعوله. 255 عدم صحة إضافة المتعدي إلى فاعله. 256 الفرق بين المصدر واسم الفاعل العاملين 257 التزامه الإفراد والتنكير أحيانا. 257 صيغة المبالغة: 258 قد تكون صيغة: "فعال" للنسب. 258 أشهر أوزانها- 259 أوزان أخرى؛ منها: "فعيل". 263 حكم تقدير معمولات اسم الفاعل وصيغ المبالغة. 264 إعمال اسم الفاعل وهو محذوف. ما الحكم إذا كانت صيغة اسم الفاعل دالة على الثبوت؟ معنى الربط السبي 266 تحويل اسم الفاعل من المتعدي إلى الصفة المشبهة ... 267 معنى الفعل اللازم هنا وما يشبه اللازم 269 صيغة: "فعال" للنسب. 271 المسألة 103: اسم المفعول –تعريفه- صوغه 273 فتح ما قبل الآخر تقديرا. زيادة تاء التأنيث في آخره. صيغ سماعية تؤدي معناه، وتنوب عنه. 274 صيغة: "مفعول" قد يراد بها المصدر. 275 إعماله: إضافته إلى مرفوعه، إضافته إلى مفعوله. 277 متى يصير صفة مشبهة؟ 280 طريقة إضافته لمرفوعه. 281 المسألة 104: الصفة المشبهة – تعريفها ودلالتها، 284 أنواعها، وطريقة صوغ كل نوع. 285 تفصيل الكلام على النوع الأول. 286 تشديد الياء وعدم تشديدها في مثل كلمة: "شجي ... " 289 الصيغ السماعية، وحكمها. 289 باب عقده ابن مالك بعنوان: أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين، والصفات المشبهة بها. 291 الرد على من يمنع قياس الصفة المشبهة. 292 قد تدل الصفة المشبهة نصا على الحدوث.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الصفحة 293 عودة إلى تحول اسم الفاعل الصفة المشبهة. 294 إعمالها. 295 الصور الصحيحة، والصور الممنوعة. 298 طريقة أخرى لبيان الصور بنوعيها 300 المسألة 105: أوجه التشابه والتخالف المتعدي لواحد. أ- أوجه المشابهة: "أي: الأحكام المشتركة بينهما". مطابقة الصفة المشبهة وعدم مطابقتها.. 306 ب- أوجه لمخالفة: "أي الأحكام الخاصة بالصفة المشبهة". 309 متى تجب السببية؟ 312 أمور وأحكام أخرى تنفرد بها الصفة المشبهة. المسألة 106: 318 اسم الزمان واسم المكان – الغرض منهما – صيغتهما.. 323 ألفاظ مسموعة يجوز فيها الأمران. 324 هل يجوز تطبيق القياس على اللفظ المسموع؟ 325 ألفاظ مسموعة مؤنثة، وغير مؤنثة، حكمها. 326 صوغ "مفعلة" من الثلاثي الجامد الحسي "أي: من أسماء الأعيان، الثلاثية" المراد من الكثرة الأغلبية. 329 مخالفة صيغة الزمان والمكان –أحيانا- لبعض ضوابط الإعلال والإبدال. 331 ملخص لبعض المشتقات السالفة. المسألة 107 333 اسم الآلة: تعريفه. صوغه. 334 حكمه 336 ألفاظ شادة –بعض مسائل أخرى تتعلق بصوغه وقياسيته. 339 المسألة 108: التعجب: معناه والغرض منه. أسلوبه: "نوعاه". 341 صيغتاه القياسيتان، وإعرابهما. من المحتم أن يكون أصل مفعوله فاعلا في المعنى. 342 معنى النكرة التامة وغير التامة. متى تدل الجملة التعجبية على زمن؟ 347 الكلام على همزة الصيغتين. الكلام على عينهما. معنى المتعجب منه صيغ أخرى للتعجب.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 349 شروط الفعل الذي يبنى منه الصيغتان. إشارة إلى دلالة الجملة التعجبية على زمن. 350 هل يبنيان من المبني للمجهول؟ هل هناك أفعال ملازمة للبناء للمجهول؟ المسألة 109: 353 كيفية التعجب مما لم يستوف الشروط. 357 الأحكام الخاصة بالتعجب. الفعل الجامد لا يتقدم عليه معموله – في الأغلب، "انظر ص400". 361 عودة الكلام على الزمن في الجملة التعجبية. زيادة: "كان" والغرض منها. 363 تعدية صيغة التعجب بحرف جر معين. 364 صيغة التعجب من المتعدي لواحد، أو لأكثر من واحد. 367 المسألة 110: 367 ألفاظ المدح والذم: "نعم وبئس ... " الصريح وغير الصريح من أساليب المدح والذم. 368 أحكام: "نعم وبئس" معنى المدح العام، والذم العام. جمودهما، تجردهما من الزمن. 369 نوع فاعلهما. 370 متى يحتاج فاعلهما إلى التمييز، وحكم هذا التمييز 372 "ما" التي هي معرفة تامة أو ناقصة، والنكرة النقصة. أنوع "من". 374 الكلام على "أل" وإعراب: "ما". 375 ما المراد مما فيه قولان أو أكثر؟ 377 المخصوص. 378 حذف المخصوص. إعراب المخصوص. 380 حبذا، ومخصوصها. 384 المسألة 111: الأفعال التي تجري مجرى: "نعم" و"بئس".. 385 شروط تحويل الفعل. أحكامه. 388 ما ينفرد به فاعل هذا الفعل. 394 المسألة 112: أفعل التفضيل. تعريفه، دلالته على الدوام. 395 طريقة صياغته: 396 استعمال كلمتي: "خير، وشر" في التفصيل. 397 بعض صيغ شاذة، صوغه من اسم العين. 398 سداد المذهب الكوفي في صياغة الألوان. 400 الجامد لا يتقدم عليه شيء من معمولاته. –في الأغلب- "انظر ص400"

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة: الموضوع: 401 أقسامه وأحكامها. القسم الأول: المجرد من أل والإضافة. 402 الأحكام الخاصة بمن ومجرورها "كحذفها، وتقديمهما، ووصلها ... ". 406 معنى المشاركة. 407 بعض أساليب شائعة يخفي فيها معنى التفصيل، تصحيح عين "أفعل". الكلام على: "أخر". 412 القسم الثاني: المقترن بأل. 413 السماع والقياس في "أفعل" التفضيل المقترن بأل. جمعه على: أفاعل. صوغ. مؤنث على: فعلى. 416 القسم الثالث: المضاف. 421 العطف على "أفعل التفضيل" المضاف النكرة. 425 ملخص الأقسام الثلاثة السالفة 427 المسألة 113: عمل أفعل التفضيل. تعاق شبه الجملة به. أولا: عمله الرفع. 432 ثانيا: عمله النصب. ثالثا: عمله الجر. تعدية أفضل التفضيل بحرف الجر. 434 المسألة 114 التوابع الأربعة الأصيلة - النعت. 435 كلمة عن التوابع، "بيان التابع والمتبوع من ناحيتهما اللفظية. بعض أحكام التوابع، الاتفاق في نوع الإعراب، صحة القطع.. الفصل بين التابع والمتبوع، وبعض أحكام أخرى جليلة؛ كترتيب التوابع واتصالها، ... و ... ". 437 التابع والمتبوع من ناحيتهما المعنوية. 437 تعريف النعت. 438 الغرض منه. 440 النعت قد يتمم الفائدة الأساسية في الجملة. 441 تقسيم النعت باعتبار معناه إلى: حقيقي وسببي. الحقيقي. علامته. 443 حكمه. 444 حكم خاص -لفظي ومعنوي- بالمنعوت المضاف، كالكنية. أنواع من المطابقة. 445 ما يستثنى من المطابقة الحتمية. 446 نعوت مسموعة وغير مسموعة لا مطابقة فيها ... 447 مسائل يشترك فيها الحال والخبر والنعت في عدم المطابقة. صحة نعت جمع المؤنث السالم العاقل بالمفردة. 450 عودة إلى الجر بالمجاورة والتوهم.. "د". 451 المثنى المفرق والجمع المفرق. 452 النعت السببي، وحكمه. 454 ملخص ما سبق. 456 تقسيم النعت باعتبار معناه إلى مؤسس، ومؤكد، وموطيء.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 458 تقسيم النعت باعتبار لفظه.. ا- النعت المفرد والأشياء التي تصلح له، وملحقاتها، النعت ببعض الألفاظ الجامدة، ومنها: "العدد" و ... 460 تفصيل الكلام على النعت بالمصدر. 464 أنواع أخرى من النعت المسموع. الأفضل في الاشتقاق، وفي عطف البيان والبدل الجمود. 465 ما يصلح نعتا ومنعوتا وما لا يصلح. نعت اسم الإشارة وشروطه. ما يصلح نعتا في بعض الأساليب ومنعوتا في أخرى. 466 ما يصلح أن يكون منعوتا لا نعتا. ما لا يصلح أن يكون نعتا ولا منعوتا. ألفاظ مضافة للدلالة على الغاية "منها: كل – جد – حق – أي –" 469 ما يصلح أن يكون العتالا منعوتا، والعكس. 469 الاتباع "بفتح الهمزة، أو ... ". 472 ب- النعت بالجملة وشروطها، وحكمها. متى يصح تسمية الجملة جملة؟ 476 شبه الجملة، وشروطه، وحكمه. 478 تفصيل الكلام على حذف الرابط. ما يغني عنه. 479 واو اللصوق. حكمها، 480 حكم الجملة نفسها من حيث التعريف والتنكير. "و". جزم المضارع في جواب النعت ... 481 المسألة 115: تعدد النعت وقطعه أ- تعدده والعامل واحد. 482 الأفضل في النعت أن يكون مشتقا وفي عطف البيان أن يكون جامدا "انظر ص465 ورقم1 من هامش ص483 و ... ". 486 ب- تعدد النعت والمنعوت، والعامل، وما يترتب على هذا من الإتباع والقطع. معنى الإتباع والقطع ... و ... طريقة الإعراب معهما 487 سبب القطع. حالات يجب فيها حذف عامل المقطوع. جواز القطع بين المعطوفات التي كانت في أصلها نعوتا. "انظر ص661". متى يذكر عامل المقطوع؟ نعت الإشارة لا يفصل منه. 488 أحكام خاصة بالقطع. شروطه. 491 متى يجب حذف عامل المقطوع ومتى يجوز؟ 492 حذف النعت، أو المنعوت، أو هما معا. أ- حذف النعت؛ 493 ب- حذف المنعوت 494 عودة إلى: "أي" التي تقع نعتا. معنى الصلاح لمباشرة العمل. 496 ج- حذف النعت والمنعوت معا.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 496 الترتيب بين النعوت المتعددة. 497 عطف النعوت المختلفة بعضها على بعض. 498 تقدم النعت على المنعوت. 500 متفرقات: وقوع: "لا النافية" أو: "إما" قبل النعت. نعت النعت – حكم النعت بعد المركب الإضافي. حكم الفصل بين التاريخ والمتبوع. 501 المسألة 116: التوكيد، نوعاه، تعريف المعنوي. بيان الغرض منه. 503 ألفاظه السبعة، وتقسيمها. 1 ما يزيل الشك عن الذات: "نفس، وعين". 506 لا يصح وجود عاطف قبل التوكيد المعنوي. 507 مما تنفرد به: "نفس وعين". جواز دخول باء الجر الزائدة. حكم المتبوع إذا كان كنية 508 2- ما يزيل الاحتمال عن التثنية؛ "كلا وكلتا". 509 3- ما يفيد التعميم: "كل – جميع – عامة..". 511 ألفاظ العدد التي تفيد العموم تأويلا. ألفاظ تعرب حالا، أو بدلا، ولا تعرب توكيدا 512 قد تعرب ألفاظ التوكيد المعنوي إعرابا آخر مع إفادتها التوكيد. ترتيب ألفاظ التوكيد. وقوعها نعتا وبدلا. ربما لا تفيد كلمة: "كل" الشمول. 513 مطابقة الضمير. وكذلك الخيبر.. و.. 515 ألفاظ الشمول ومتى تشمل كل فرد. أوجه إعرابية أخرى لكلا وكلتا. 516 في جميع أنواع التوكيد المعنوي لا يصح اتحاد توكيد المتعاطفين إلا بعد اتحاد العاملين. يجوز الفصل بين المؤكد والمؤكد. لا يجوز في التوكيد المعنوي القطع. 517 ألفاظ التوكيد الملحقة بالثلاثة. الكل المجموعي والكل الجميعي. 519 ملاحظات. 521 الكلام على نحو: جاء القوم بأجمعهم ملخص أحكام التوكيد المعنوي. 522 توكيد النكرة. حذف المؤكد "المتبوع" توكيدا معنويا 523 توكيد الضمير المرفوع –بنوعيه- توكيدا معنويا. 525 ب- التوكيد اللفظي. تعريفه، قد يخالف المؤكد أحيانا، وقد يفصل منه. 526 الغرض منه. 527 أحكامه: أ- عدم التأثر والتأثير.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعت: الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 528 ب- حكم المؤكد إذا كان اسما. 531 ج- حكم المؤكد إذا كان فعلا. فعل الأمر لا يؤكد وحده بغير فاعله حكم المؤكد إذا كان حرفا. إشارة إلى أحرف الجواب، ودلالتها. 536 هـ- المؤكد جملة اسمية أو فعلية. حرف العطف الصوري: "ثم – الفاء". 537 حذف المؤكد في التوكيد اللفظي. 538 المسألة 117: ج- العطف بنوعيه 1- عطف البيان 539 المشتق إذا صار علما دخل في عداد الجوامد. 541 تعريفه. 542 أوجه التشابه والتخالف بينه وبين التوابع الأخرى. 542 الغالب عليه أن يكون جامدا، وعلى النعت أن يكون مشتقا. 543 حكمه 544 الفرق بينه وبين النعت. "أي" التفسيرية ووقوع عطف البيان بعدها. 546 الارتباط بينه وبين بدل الكل. صور يتعين فيها عطف البيان، ولا تصلح بدلا. 547 حقيقة الرأي القائل: إن البدل على نية تكرار العامل. 548 قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. صورة أخرى ومناقشتها. 551 ضابط عام لمنع البدل في بعض المسائل. 555 المسألة 118: 2- عطف النسق: "الشركة" تعريفه. تعد المعطوفات، ومتى تكون على المعطوف عليه الأولى، ومتى تكون على غيره؟ عدم تعدد العاطف لمعطوف واحد. 556 بعض حروف العطف قد تكون للعطف الصوري "غير الحقيقي". عودة الكلام على: "أي" التفسيرية. 557 المراد في باب العطف من المفرد، والجملة، وشبهها.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 577 1- الواو؛ معناها ... 558 معنى الترتيب، المصاحبة، التعقيب. معنى المفرد وغيره هنا. أحكامها: مطابقة الضمير بعد الواو. 562 حذفها. ما تنفرد به الواو. 563 تكرار الظرف: "بين". المراد من المعاني النسبية. 567 حكم الضمير ونحوه بعد الواو. 568 معنى العقد والنيف. وحكمها. 570 هل تقع "الواو" بعد "بل"؟ "وانظر "جـ" ص607"؟. وقوع همزة الاستفهام قبل ثلاثة من حروف العطف. حكمها. 573 2- الفاء: معناها. المراد من الترتيب المعنوي، والذكرى، والإخباري، والتعقيب. 574 أحكام "الفاء" العاطفة، 576 فاء "الفصيحة". ومنها: أن تكون للعطف الصوري، ولا الحقيقي، 576 3- ثم، معنهاها؛ 577 أحكامها. اتصال تاء التأنيث بها. 579 قد تكون حرفا عاطفا صوريا، لا حقيقيا. قد تكون للاستئناف. 579 وقوعها بعد همزة الاستفهام مباشرة. 580 4- حتى: معناها. "حتى" حرف ابتداء. معنى الغاية هنا، والكل، والجزء، الجزء، والبعض. وشبهها ... 582 أحكامها. "حتى" العاطفة "كالواو" لمطلق الجمع. متى تتعين للعطف؟ 585 5- "أم" بنوعيها: أ- المتصلة: 1- المسبوقة بهمزة التسوية. معنى التسوية. سواء. 586 سبك المصدر المؤول بدون حرف سابك. انسلاخ "أم" على التسوية. الصلة بين "أو" و"أم". 587 رأي سيبويه. التعيين بالهمزة وأم 587 الاستعمال الصحيح فيما سبق. 590 وقوع "أم" بعد "هل" الاستفهامية. 591 وجوب تأخيرأحد الأمرين إذا كان منفيا. متى تتعين الإجابة بالحرف: "نعم" وأخواته؟. 592 صور من "أم" عند طلب التعيين.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش" رقم الصفحة الموضوع 593 سبب التسمية بالمتصلة. 594 الفرق بين قسمي أم المتصلة. 596 الاستغناء عن الهمزة بنوعيها. حذف "أم". 597 ب- "أم" المنقطعة "المنفصلة" معناها، علامتها. معنى: "الإضراب" بنوعيه" نوع من الفرق بين: "أم" و"بل". صور أخرى من: "أم" المنقطعة. 600 إعراب المنقطعة. 601 صورة تصلح للاتصال والانقطاع – تجردها للإضراب. إفادتها الإضراب ومعه معنى آخر. 602 تجردها للاستفهام المحض. جواب "أم" المكررة. "أم" الزائدة. حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد: "أم". 603 6- "أو": "عملها، ومعناها". 605 الفرق بين الإبهام والشك، حكم الضمير – ونحوه- بعد "أو"، 606 معنى التقسيم، والتفصيل، والتفريق. إحلال "الواو" محل: "أو". 609 وقوع: أو بعد "هل" سماعا. الفرق بين "أو" التي للإباحة، وواو العطف التي للجمع. 611 صور تتعين فيها "أو" للشمول الكامل. حذف "أو". عطفها الشيء على مرادفه. 612 7- إما: معانيها، 613 العاطف لا يدخل على العاطف 614 تكرار "إما" حذفها. الفرق بينها وبين "إما" الشرطية المركبة ... ، إشارة إلى أنواع أخرى. حذف الواو قبلها- "أييما". 615 الفرق بين: "إما" و"أو". حكم الضمير بعدها ... 616 8- لكن: معنها شروط عملها. معنى: الاستدراك 618 9- لا: معناها، شروط عملها. 620 النفي التأسيسي، والتأكيدي. 622 وقوع "لا" بعد الدعاء والتحضيض، والاستفهام. حذف المعطوف عليه – تكرار "لا" 623 1-0 بل: معناه وحكمه. الاضراب الإبطالي والانتقالي. 627 حكم "بل" بعد الاستفهام ... – وقوع "لا" النافية قبل "بل" وقوع الواو بعد "بل". وقوع هذه الواو ... حكم الضمير العائد على المتعاطفين بعد "بل". 628 ملخص حروف العطف، وبيان ما يقتضي التشريك، وما لا يقتضيه. المراد من التشريك المعنوي

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل والهامش". رقم الصفحة الموضوع 630 المسألة 119: الفصل بين المتعاطفين حالتان يكون فيهما الفصل واجبا. حالتا يستحسن فيهما. 633 إعراب الجار مع مجروره بعد العاطف. 635 المسألة 120: صورة من الحذف في أسلوب العطف. حذف العاطف والمعطوف معا. 636 معنى: "فاء الفصيحة". حذف المعطوف. 638 حذف المعطوف عليه. 640 حذف حرف العطف وحده. تقديم المعطوف على المعطوف عليه. 641 المسألة 121: عطف الفعل على الفعل، أو على ما يشبهه، والعكس. عطف الجملة على الجملة. أ- عطف الفعل وحده على الفعل كذلك. 642 فعل الأمر لا ينفصل عن فاعله. 643 أداة الشرط الجازمة تخلص فعلها وجوابها للمستقبل –كما سبق في ص93- 644 الفرق بين عطف الفعل على الفعل وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية. 645 ب- عطف الفعل وحده على ما يشبهه، والعكس. 652 ج- عطف الجملة على الجملة 655 المسألة 122: بعض أحكام –في العطف- عامة، متفرقة. 1- صلاحية المعطوف لمباشرة العامل. 656 2- لا يشترط صحة تقدير العامل ... 3- مطابقة الضمير العائد على المتعاطفين. 657 4- الفصل بين العاطف ومعطوفه. 5- تقدم المعطوف. 658 6- عطف الجملة على المفرد والعكس. عطف المفرد على شبه الجملة، والعكس. 659 7- العطف على التوهم. 8- المغايرة بين المتعاطفين

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات: "الزيادة والتفصيل بالهامش" رقم الصفحة الموضوع 660 9- حكم المعطوف إذا كان المعطوف عليه كنية. 10- حكم القطع في المعطوف. 661 11- هل يجوز عطف الزمان على المكان، وعكسه؟ 663 المسألة 123: البدل تعريفه. الغالب في البدل أن يكون جامدا. 665 الغرض منه. المراد من أن المبدل منه في حكم المطروح. أقسامه: أولها: بدل كل من كل.. 666 "الإشارة إلى الارتباط بينه وبين عطف البيان" 667 ثانيها: بدل بعض من كل. 668 قد تنوب "أل" عن الرابط 668 ثالثها: بدل الاشتمال. 670 رابعها: البدل المباين. 670 أ- بدل الغلط. ب- بدل النسيان. ح- بدل الإضراب. 674 بدل الكل من البعض، وأحكام أخرى البدل من حيث المطابقة وعدمها ... ، 676 اتحاد البدل والمبدل منه في اللفظ، وارتباط ما بعده ... حذف المبدل منه. الإتباع والقطع في البدل. 677 يشترط في بدل البعض وبدل الاشتمال صحة الاستغناء عن المبدل منه. 678 البدل على نية تكرار العامل – في الأغلب- 681 المسألة 124: إبدال الظاهر من الظاهر ومن الضمير، والعكس في كل حالة. 683 المسألة 125: البدل من المضمن الاستفهام أو الشرط بدل التفصيل. 684 "إن" الشرطية التي لمجرد التفصيل. 685 المسألة 126: بدل الفعل من الفعل والجملة من الجملة. أ- بدل الفعل من الفعل. 686 بدل الجملة 687 إبدال الجملة من المفرد، والعكس. 688 إبدال الفعل من اسم يشبهه، والعكس. الفصل بين التوابع ومتبوعاتها. "ومنها البدل والمبد منه".

المجلد الرابع

المجلد الرابع المسألة 127: النداء وما يتصل بأحكامه مدخل ... المسألة 127: النداء 1 وكل ما يتصل بأحكامه هو: توجيه الدعوة إلى المخاطب، وتنبيه للإصغاء، وسماع ما يريده المتكلم2. وأشهر حروفه ثمانية: الهمزة المفتوحة، مقصورة أو ممدودة - يا - أيا - هيا - أي، مفتوحة الهمزة المقصورة أو الممدودة، مع سكون الياء في الحالتين - وا - ... 3. ولكل حرف منها موضع يستعمل فيها: أ- فالهمزة المفتوحة المقصورة لاستدعاء المخاطب القريب4 في المكان الحسي أو المعنوي؛ كالتي في قول الشاعر ينصح ابنه أسيدا: أأسيد إنْ مالا ملكـ ... ـت فسر به سيرا جميلا وكالتي في قول الآخر: أرب الكون: ما أعظم قدرتك، وأجل شأنك. ب- ستة أخرى؛ "هي: آ - يا4 - أيا - هيا - أي، بسكون الياء مع

_ 1 في هذه الكلمة لغات؛ أشهرها: المد مع كسر النون. وهي مصدر قياسي للفعل: "نادى" ويجوز فيها القصر أيضا. وقد ورد السماع بضم النون مع المد أو القصر، والهمزة التي في آخر كلمة: "نداء" أصلها الواو؛ فهي منقلبة عن أصل. 2 ويقولون في تعريفه أيضا: "طلب الإقبال بالحرف: "يا" أو أحد إخوته، والإقبال قد يكون حقيقيا، وقد يكون مجازيا يراد به الاستجابة، كما في نحو: "يا ألله". وقد يكون الغرض من النداء تقوية المعنى وتوكيده، كقولك لمن هو مصغ إليك، مقبل على حديثك: إن الأمر هو ما فعلته لك يا علي -مثلا- "كما سيجيء في ص122". والأصل في المنادى أن يكون اسما لعاقل، ولكن من الأسماء ما لا يكون إلا منادى، ومنها لا يصلح منادى -كما سيجيء في ص68. 3 فالهمزة مقصورة وممدودة؛ وكذا "أي" مقصورة الهمزة وممدودتها. وبقية الأحرف ممدودة؛ لأنها مختومة بالألف. والبعيد يحتاج إلى مد الصوت ليسمع، ولهذا يرى بعض النحاة أن "أي" المقصورة هي لنداء القريب. 4، 4 قد يقال: كيف تكون "ياء" في أصل وضعها اللغوي الحقيقي -لا المجازي- لنداء البعيد مع أنها قد استعملت لنداء "الله" في أفصح الكلام، والله أقرب شيء للمتكلم -وغيره- في كل حين؟ أجابوا: إن المتكلم الذي ينادي ربه يستصغر نفسه أمام المولى ويرى البعد الواسع بين المنزلتين؛ منزلة الخالق ومنزلة المخلوق، والتفاوت العظيم بين الدرجتين، فلهذا يستخدم الحرف "يا" وأجاب آخرون: إنها تستعمل في القريب والبعيد، ودعوى المجاز في أحدهما والتأويل خلاف الأصل.

فتح الهمزة مقصورة وممدودة" لاستدعاء المخاطب البعيد1 حسا أو معنى، والذي في حكم البعيد؛ كالنائم، والغافل. فمثال "يا"1 قول الشاعر في مدح الرسول: كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء ومثال "أيا" قول بعضهم: "أيا متوانيا وأنت سليل العرب الأبطال، لا تنس مجدهم على الأيام". ومن الممكن وضع حرف آخر من الأحرف الباقية موضع "أيا" في هذا المثال. أما تحديد القرب والبعد فمتروك للعرف الشائع: سواء أكانا حسيين أو معنويين. ج- "وا" ويستعمل لنداء المندوب2؛ كقول الشاعر في الرثاء: وامحسنا ملك النفوس ببره ... وجرى إلى الخيرات سباق الخطا وقول الآخر: واحر قلباه ممن قلبه شبم3 د- وقد تسعمل: "يا" للندبة4 بشرط وضوح هذا المعنى في السياق. وعدم وقوع لبس فيه؛ كالآية الكريمة التي تحكي قول العاصي يوم القيامة: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} . وقول الشاعر في رثاء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز: حملت أمرا عظيما، فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا فإنشاء الشعر بعد موت "عمر" العادل دليل على أن "يا" للندبة. فإن التبس الأمر بين أن تكون "يا" للندبة أو لا تكون، وجب ترك "يا"، والاقتصار على: "وا"؛ كأن تقول: في ندبة "عمر": وا عمر، ولا يصح مجيء "يا" إذا كان أحد الحاضرين يسمى: عمر5.

_ 1، 1 انظر "ب" من ص5. 2 هو: المتفجع عليه، أو المتوجع منه. فالأول هو الذي يصاب الناس بفجيعة موته. "حقيقة أو حكما" والثاني: هو بلاء أو داء يكون سببا في تألم المتكلم وتوجعه، انظر ص89 حيث الباب الخاص بالندبة. 3 بارد. 4 نداء المندوب -كما سيجيء في باب: "الندبة"، ص89. 5 فيما سبق من حصر أحرف النداء ومواضع استعمالها يقول ابن مالك في باب عنوان: النداء:=

حذف حرف النداء: أ- يصح حذف حرف النداء "يا" -دون غيره- حذفا لفظيا فقط، مع ملاحظة تقديره. كقول الشاعر في رثاء زعيم وطني شاب1: زين الشباب وزين طلاب العلا ... هل أنت بالمهج الحزينة داري؟ وقول الآخر: إنما الأرض والسماء كتاب ... فاقرءوه معاشر الأذكياء التقدير: يا زين الشباب -يا معاشر الأذكياء. ب- وهناك مواضع لا يصح فيها حذف الحرف "يا"، أشهرها: 1- المنادي المندوب2؛ كالأمثلة السالفة. 2- نداء لفظ الجلالة غير المختوم بالميم المشددة، نحو: يا الله. 3- المنادى البعيد؛ كقول الشاعر: يا صادحا يشدو على فنن ... رحماك قد هيجت لي شجني 4- المنادى النكرة غير المقصودة3. نحو: يا محسنا لا تكدر إحسانك بالمن. 5- المنادي المستغاث4. كقول الشاعر: يا لقومي لعزة وفخاء ... وسباق إلى المعاني وسبق 6- المنادى المتعجب منه؛ نحو: يا لفضل الوالدين؛ للتعجب من كثرة فضلها.

_ وللمنادى الناء، أو كالناء: "يا" ... و: أي - و: آ - كذا: أيا - ثم: هيا والهمز للداني، و: "وا" لمن ندب ... أو: "يا" وغير "وا" لدى اللبس اجتنب "التاء= النائي، أي: البعيد. الداني= القريب" سرد أحرف النداء، وبين أن "يا" والأربعة التي بعدها تستعمل للبعيد وما يشبه، وأن الهمزة لنداء القريب، وأن "وا" للمندوب، وكذا: "يا" بشرط أسن اللبس. أما عند اللبس فيجتنب استعمال "يا" في الندبة. وهذا هو المراد من قوله: وغير "وا" لدى اللبس اجتنب" أي: اجتنب عند اللبس استعمال حرف في الندبة غير "وا". 1 البيت من قصيدة لحافظ إبراهيم في رثاء مصطفى كامل. الزعيم المصري الوطني المتوفى سنة 1908. 2 كما سيجيء في ص91. 3 سيجيء شرحها في ص31 ومنه يعلم أن المنادى بها لا بد أن يكون غير معين ولا مقصود. 4 من ينادي ليخلص من شدة، أو يساعد في دفعها "وسيجيء للاستغاثة باب خاص، في ص77".

7- المنادى ضمير المخاطب، عند من يجيز نداءه؛ كقول الشاعر: يا أنت يا خير الدعاة للهدى ... لبيك داعيا لنا وهاديا أما ضمير غير المخاطب فلا ينادي مطلقا1. ج- ويقل الحذف -مع جوازه- إن كان المنادى اسم إشارة غير متصل بكاف الخطاب2، أو كان اسم جنس لمعين3، فمثال الأول قول أعرابي لابنه: "هذا، استمع لقول الناصح ولو أغضبك قوله؛ فمن أحبك نهاك؛ ومن أبغضك أغواك". وقول آخر لأولاده: "هؤلاء، اعلموا أن أقوى الناس من قاوم هواه، وأشجعهم من حارب الباطل ... " أي: يا هذا - يا هؤلاء. . . ومثال الثاني قول بعض الأدباء وقد برح به السهر: "ليل، أمالك آخر يدنو؟ وهل للحزن آخر؟ صبح، أما لك مقدم يرجى؟ وهل في الفجر مطمع؟ " يا ليل، يا صبح، لليل وصبح معينين. ومن هذا قول العرب: أطرق كرا4؛ إن النعام في القرى. أي: يا كروان.

_ 1 من الأسماء ما لا يكون منادى، ومنها ما لا يكون إلا منادى. والبيان في ص68. 2 يصح نداء اسم الإشارة، بشرط ألا يتصل بآخره كاف الخطاب "طبقات لما نقله الصبان في هذا الموضع عن الشاطبي" إلا في الندبة فيصح. "على حسب البيان الآتي في رقم2 من هامش ص91" وهذا الشرط لازم أيضا عند حذف: "يا". لأن مدلول كاف الخطاب يخالف مدلول المنادى اسم الإشارة؛ إذ المنادى اسم الإشارة هو المقصود بتوجيه النداء؛ لما هو مقرر أن المخاطب بالكاف غير المشار إليه في الراي الراجح -راجع الصبان جزء 3 آخر باب النداء- وخير من هذا أن يقال في التعليل: هو استعمال العرب، فحسب. 3 المراد باسم الجنس المعين النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها؛ فيخرج اسم الجنس غير المعين، والمراد منه هنا: النكرة غير المقصودة. وسيجيء تفصيل الكلام على هاتين النكرتين، وحكمها في ص25 وص31. 4 هذا مثل يضرب للمتكبر، وقد تواضع من هو خير منه. وقد حذفت النون والألف من كلمة: "كروان" لترخيم النداء، وقلبت الواو ألفا، كما سيجيء بيانه في باب الترخيم - ص105 و114. وفي حذف حرف النداء لفظا لا تقديرا ومواضع الحذف، يقول ابن مالك -مع اقتصاره على بعض مواضع الحذف: وغير مندوب، ومضمر، وما ... جا مستغاثا قد يعرى فاعلما "جا= جاء. يعرى= يجرد من حرف انداء، فاعلما= فاعلم. والألف إما زائدة للشعر، وإما=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يمتاز الحرف: "يا" بأنه أكثر أحرف النداء استعمالا: وأعمها؛ لدخوله على أقسام المنادى الخمسة1؛ وهذا يتعين تقديره -دون غيره- عند الحرف كما يتعين في نداء لفظ الجلالة "الله"2 وفي المستغاث، وفي نداء "أيها، وأيتها": إذ لم يشتهر عن العرب أنهم استعملوا في نداء هذه الأشياء حرفا آخر. ب- يجوز مناداة القريب بما للبعيد، والعكس، وذلك لعلة بلاغية، كتنزيل أحدهما منزلة الآخر، وكالتأكيد3. . . ج- الأصل في النداء أن يكون حقيقيا، أي: يكون فيه المنادى اسمها لعاقل؛ كي يكون في استدعائه وإسماعه فائدة. وقد ينادى اسم غير عاقل، لداع بلاغي؛ فيكون النداء مجازيا؛ كقوله تعالى4: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 5.

_ = أصلها نون التوكيد الخفيفة قلبت ألفا عند الوقف". يقول: قد يتجرد المنادى من حرف النداء إذا كان المنادى غير مندوب، وغير مضمر، وغير مستغاث وهذا التجرد -أي: الحذف اللفظي- ليس قليلا في الكلام الفصيح. ثم بين أن هناك مواضع غيرها يكون الحذف فيها قليلا، وهو ما قلته جائز، ولا داعي لمنعه؛ وطالب بتأييد مجوزيه، ونصر من يلومهم على المنع، وعلى إباحة القياس عليه. قال: = وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله "المشار له: أي: اسم إشارة، وكان الأولى أن يقول: المشار به، عاذله= لائمه" يريد: أن حذف حرف النداء قليل في اسم الجنس، واسم الإشارة وقد ترك شرط خلوه من ضمير المخاب -لضيق الشعر- وطالب بتأييد من يلوم المانع؛ إذ لا حجة له في المنع؛ لورود أمثلة تكفي لإباحة القياس عليه. 1 ستأتي في ص9. 2 في نداء لفظ الجلالة "الله" جملة لغات، ستجيء في ص36 ورقم 2 من هامشها "وانظر ما يتصل بهذا في رقم 4 من هامش ص1". 3 انظر ما يوضحه في رقم 2 من هامش ص1 وفي ص122 -الوجه الثالث. 4 في قصة طوفان نوح -عليه السلام- الواردة بسورة: هود. 5 امتنعي وكفي عن إنزال المطر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الشاعر: يا ليل طل يا نوم زل ... يا صبح قف لا تطلع وقد يقتضي السبب البلاغي حرف النداء على غير الاسم، كأن يدخل على حرف. أو جملة فعلية، أو اسمية. فمثال دخوله على الحرف قوله تعالى: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} . وقول الشاعر: فيا ربما1 بات الفتى وهو آمن ... وأصبح قعد سدت عليه المطالع ومثال دخوله على الجملة الفعلية: قل لمن حصل مالا واقتنى ... أقرض الله. فيا نعم المدين وقول الشاعر: يا حبذا النيل على ضوء القمر ... وحبذا المساء فيه والسحر وقول الآخر يخاطب ليلى: فيا حبذا2 الأحياء ما دمت حية ... ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر ومثال دخوله على الجملة الاسمية قول شاعرهم3: يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار وفي هذه الحالات يكون حرف النداء إما داخلا على منادى محذوف. مناسب للمعنى؛ فيقال في الآية: يا رب. أو يا أصحاب. . . أو نحوهما. وهذا عند من يجيز حذف المنادي، وإما اعتباره حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادي. والرأيان مقبولان؛ ولكن الثاني أولى؛ لصلاحه لكل الحالات. ولو لم تستوف الشرط الآتي الذي يتمسك به كثير من النحاة، وهو: عدم حذف المنادى قبل

_ 1 وكقولهم: يا رب متعة ساعة، أورثت حزن أيام. 2 حبذا: جملة فعلية للمدح العام. وتفصيل الكلام عليها في الباب المناسب؛ وهو باب: ألفاظ المدح والذم - ج3 م110. 3 كما جاء في "المغني" ج2 عند كلامه على الحرف: "يا" وهو داخل هنا على جملة اسمية دعائية، وكما جاء في الهمع أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل الذي دخل عليه حرف النداء إلا إذا كان الفعل للأمر، أو للدعاء، أو صيغة "حبذا". فمثاله قبل الأمر قراءة من قرأ قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، وقبل الدعاء قول الشاعر1: ألا يا. . . اسلمي يا هند، هند بني بدحر ... إذا كان حي قاعدا آخر الدهر فإن لم يتحقق الشرط عند المتمسكين به فلا منادى محذوف، ولا نداء، ويكون الحرف المذكور هو للتنبيه. د- يعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب؛ برغم أنها قبل النداء خبرية، فهي تتحول معه إلى إنشاء طلبي جملته فعلية. فالأصل في مثل: يا صالح، هو: أنادي أو أدعو صالحا. . . حذف الفعل مع فاعله الضمير المستتر، وناب عنهما حرف النداء2، وبقي المفعول به، وصار منادى واجب الذكر -غالبا- وقيل: إن المحذوف هو الفعل وحده، وناب عنه حرف النداء، واستتر الفاعل في حرف النداء. وقيل غير هذا. . . ولا قيمة للخلاف في أصل الجملة الندائية؛ فالذي يعنينا هو أنها صارت فعلية تفيد الإنشاء الطلبي، وأنها تركت حالتها الأولى الخبرية3.

_ 1 ومثله البيت السالف: "يا - لعنة الله. . . ". 2 ولهذا يعتبر حرف النداء من حروف المعاني التي ينوب كل منها عن جملة محذوفة، يذكر بدلا منها. . .؛ فحرف النداء ينوب عن جملة: "أنادي × أو: أدعو ×" وحرف الاستفهام ينوب عن جملة: "أستفهم ×" وحرف العطف ينوب عن جملة: "أعطف ×. . . " وهكذا. ثم انظر رقم 4 من هامش ص9 وقد سبق إيضاح لحروف المعاني. في صدر الجزء الأول "م5" وفي بابي: "الظرف وحروف الجر" من الجزء الثاني. هذا، ولا يصح في الجملة الندائية أن تقع خبرا، فقد قال السيوطي في الهمع ج1 ص96 في أقسام الخبر ما نصه: "لا يسوغ الإخبار بجملة ندائية، نحو: زيد يا أخاه، ولا مصدر بلكن، أو: بل، أو: حتى. بالإجماع في كل ذلك". ا. هـ. 3 ولهذا قيل إن السبب في حذف الفعل مع فاعله على الوجه السالف هو قصد الإنشاء؛ إذ ظهور الفعل قد يوهم الإخبار، وأيضا كثرة الاستعمال، والتعويض عن الفعل بحرف النداء، وظهور المعنى المراد بعد حذفهما، راجع الهمع ج1 ص171 في المفعول به وناصبه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هـ- ولما كان حرف النداء نائبا عن الأصلي المحذوف صح أن يكون لهذا الحرف بعض المعمولات الخاصة التي يؤثر فيها؛ نيابة عن ذلك العامل المحذوف. وأشهرها شبه الجملة1، كقول الشاعر: يا دار بين النقا والحزن، ما صنعت ... يد النوى بالألى كانوا أهاليك؟ وقول الآخر: يا للرجال لقوم عز جانبهم ... واستلهموا المجلد من أصل وأعراق فليس في المثالين -وأشباههما- ما يصلح لتعلق شبه الجملة إلا: "يا" وجعلوا من المعمولات المصدر2 في مثل قول القائل: "يا هند. دعوة صب دائم دنف"3 فالمصدر "دعوة" متعلق بالحرف: "يا"، النائب: عن "أدعو"، والتقدير: أدعو هندا دعوة صب.

_ 1 لهذا إشارة في باب: الظرف، ج2 م78. 2 سبقت الإشارة لهذا في ج2 باب المفعول المطلق م74. 3 تكملة البيت: "مني بوصل، وإلا مات أو كرب" "الدنف: شديد المرض - كرب: اقترب من الموت".

المسألة 128: أقسام المنادي الخمسة وحكم كل

المسألة 128: أقسام المنادى الخمسة 1 وحكم كل القسم الأول: المفرد العلم، ويراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا، ولا شبيها، بالمضاف؛ فيشمل المفرد الحقيقي2؛ بنوعيه المذكر والمؤنث، ويشمل مثناة، وجمعه، "نحو: فضل، علم رجل - الفضلان - الفضلون - الفضول - عائدة، علم امرأة - العائدتان - العائدات - العوائد. . ."، ويشمل كذلك الأعلام المركبة قبل النداء؛ سواء أكان تركيبها مزجيا؛ كسيبويه "علم إمام النحاة المشهور" - أم إسناديا، كنصر الله، أو: شاء الله. علمين، أم عدديا كخمسة عشر3. . . فكل هذه الأعلام -وأشباهها- تسمى مفردة في هذا الباب، وتعريفها بالعلمية قبل النداء يلازمها بعده -على الأصح- فلا يزيله النداء ليفيدها تعريفا جديدا أو تعيينا. وإنما يقوي التعريف السابق، ويزيد العلمية وضوحا وبيانا. ويلاحظ حذف "أل" وجوبا من صدر المنادى؛ -علما وغيره- إن لم يكن المنادى من المواضع المستثناة التي يصح تصديرها "بأل"4. حكمه: أ- الأكثر بناؤه على الضمة -بغير تنوين- أو على ما ينوب عنها. ويكون في محل نصب دائما؛ لأن المنادى في أصله مفعول به5؛ نحو: يا فضل، كل شيء

_ 1 هي المفرد العلم - النكرة المقصودة - النكرة غير المقصودة - المضاف - الشبيه بالمضاف. 2 وهو الذي يدل على واحد. ويلحق به في حكمه هنا مثناه وجمعه، لكن أيعتبر هذان بعد النداء أعلاما أم نكرات مقصودة؟ الجواب في رقم 3 من ص16. 3 عند غير الكوفيين الذين يجعلون صدر المركب العددي بمنزلة المضاف، منصوبا، "كما سيجيء في رقم، من ص16 وفي هامش ص17 ورقم 1 من هامش ص32". ورأيهم ضعيف. وأثر الخلاف يظهر في توابع المنادى. 4 ستجيء في ص36. 5 المنادى بمنزلة المفعول به لفعل محذوف مع فاعله -في أحد الآراء- نائب عنهما "يا" أو إحدى أخواتها. يقول النحاة في مثل: يا علي. . . إن أصله كما تقدم، في "د" من ص7: أدعو، أو: أنادي عليا. . . حذف الفعل، مع فاعله ونابت عنهما "يا" وصار المفعول به منادى، مبنيا على الضم في محل نصب. ويستدلون على أنه في محل نصب بورود كثير من توابعه منصوبا في الكلام الصحيح المأثور. وليس في الجملة ما يصلح سببا لنصبه إلا مراعاة المحل.

يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجربة - يا فضلان1. . . يا فضلان. . .1 يا فضول - يا أفاضل2. . . - يا عائدة. . . - يا عائدتان. . . - يا عائدات. . . - يا عوائذ. . . فالمفراد العلم في هذه الأمثلة -وما شابهها- مبني على الضمة في المفرد الحقيقي، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، ومبني على الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم. وهو في أكثر أحواله مبني3 لفظا على الضمة وفروعها، منصوب محلا4. ولا فرق بين أن تكون الضمة ظاهرة؛ كالتي في بعض الأعلام السالفة، أو مقدرة كالتي في آخر الأعلام المختومة بحرف علة؛ كموسى في وقوله تعالى: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} . . . وكالتي في آخر الأعلام المركبة التي ذكرناها، ومنها: سيبويه. . .، منذ5 -كيف- قطام. . . وغيرها من كل لفظ سمي به، وصار علما، وكان مبنيا أصالة قبل أن يصير علما منادى فتبقى علامة البناء الأصلي السابق على حالها، وتقدر على الآخر علامة البناء الجديدة التي جلبها النداء، ويكون المنادى في كل ذلك، في محل نصب5. . . ويلحق بالمفرد العلم المبني أصالة قبل النداء في حكم البناء على الضمة المقدرة، كل ما ينادى من المعارف الأخرى المبنية أصالة قبل النداء؛ وليست

_ 1، 1 راجع رقم 3 ص16 في الزيادة والتفصيل ما يختص بنداء العلم المثنى والجمع؛ لأهميته. 2 جمع: أفضل. 3 إلا صورة يجوز في بنائها أمران، تجيء في ص18 وإلا ثلاث صور معربة "في ص13 و20 و34". 4 راجع "د" من ص7، ورقم 4 من هامش الصفحة السابقة. ولا فرق في هذا الحكم بين العلم الموصوف وغير الموصوف، انظر "الملاحظة" التي في ص22. 5، 5 ويقال في كلمة مثل: "منذ" -علم- عند نادئها، إنها منادى، مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، في محل نصب، وعلامة البناء الأصلي في هذه الكلمة هي: الضمة. وهذه تختلف عن ضمة البناء التي يجلبها النداء. "ثم انظر "ج" ص23، وص12".

أعلاما؛ كأسماء الإشارة "نحو: هذا - هؤلاء. . ." وأسماء الموصولات غير المبدوءة بأل1 "نحو: من - ما. . ." وضمير المخاطب "نحو: أنت - إياك. . ." أما غير المخاطب فلا ينادى، كما عرفنا2.

_ 1 أما اسم الموصول المبدوء "بأل فله حكم خاص يجيء في "الحالة الرابعة" من ص38. 2 في ص7 هذا، وإلحاق الأشياء المذكورة بالمفرد العلم، هو رأي كثير من النحاة شاع أتباعه والاقتصار عليه؛ ويعارضه رأي آخر أنسب. "كما سيذكر في "الملاحظة التالية" ص12" وقد يكون من السائغ أن نذكر -بإيجاز- للمتخصصين ما في المطولات النحوية من خلاف جدلي شكلي حول حكم المعارف المبنية قبل النداء وليست أعلاما. يدور الخلاف حول نوع تعريفها بعد النداء؛ أهو الذي كان لها قبله، أم هو تعريف جديد بدل السابق، حل محله؟ فشارح المفصل "ج1 ص129" يعرض الرأيين، ويرجح -في وضوح وصراحة- الرأي القائل إن المعارف كلها -أعلاما وغير أعلام- تفقد تعريفها السابق، وتصير نكرات، ويجلب لها النداء بما فيه من القصد والإقبال على المخاطب تعريفا جديدا يزيل تنكيرها الجديد. ويؤيد هذا بكلام طويل. أما غيره -كأبي بكر بن السراج، ومن معه من القدامى، وكالصبان من المتأخرين- فيؤيد الرأي الآخر؛ بحجة أن أكثر المعارف لا يمكن أن يزول عنه تعريفه القديم مطلقا، ولا يمكن أن يتجرد منه، ويصير نكرة تقبل التعريف المجلوب بالقصد والمخاطبة مع النداء، "كلفظ الجلالة "الله" وكأسماء إشارة ... " وقد وردت إشارة موجزة لهذه المسألة على هامش كتاب سيبويه "ج1 ص303" اكتفى فيها المقرر بأن أحال إيضاحها وتفصيلها وتفريعها إلى ما جاء في شرح السيرافي لها. كذلك أشار صاحب شرح التصري "في أول الفصل الثاني من أقسام المنادى" إلى المنادى المعرف؛ ما كان منه مذكرا أو مؤنثا، علما وغير علم، معرفا قبل النداء أو بعده، إلى غير هذا مما اشتملت عليه المطولات من تفريعات، وتشعيبات لا خير في سردها الآن، ومن الممكن أن نستخلص منها نتيجتين. الأولى: أن العلم إذا نودي؛ وجب بناؤه على الضمة؛ وأنه -بعد النداء- معرفة لا شك في تعرفه، علم لا خلاف في علميته. ولا يعنينا بعد هذا أن يكون تعرفه وعلميته هما السابقان على النداء، أو مجلوبان بعد النداء، مجلوبان بسببه؛ لأنه في الحالتين علم، بالرغم من وجود أعلام لا يفارقها التعريف مطلقا؛ كلفظ الجلالة "الله". وما سبق خاص بالعلم المفرد الذي ليس مثنى ولا مجموعا، فإن كان مثنى أو مجموعا فله حكم آخر يجيء في رقم 3 من ص16. الثانية: أن المعارف الأخرى التي ليست أعلاما، والتي يغلب أن تكون قبل النداء مبنية أصالة "كالضمير، والإشارة ... " لا شك في تعرفها ولا يعنينا أيضا أن يكون هذا التعريف هو السابق على النداء، وأنه استمر بعده؛ "إذ لا يمكن تنكيرها -على الأصح" أو هو تعريف جديد حل محل الأول الذي زال بالنداء وصارت المعرفة نكرة بعد زواله، ثم زال تنكيرها بتعريف القصد والخطاب مع النداء ... لا يعنينا ذلك؛ لأن هذه المعارف التي ليست أعلاما والتي هي مبنية أصالة قبل=

ملاحظة: ما تقدم من حكم الضمة المقدرة في آخر الأعلام المبنية أصالة قبل النداء، وفي آخر ما ألحق بها ... هو الرأي الشائع عند أكثر النحاة -كما أشرنا-1 وفيه مع صحته وشيوعه نوع من التضييق والتعقيد؛ لأن بعض المحققين يتوسع فيقول: "إذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ، فالواجب الإعراب"2. يريد: فالواجب اعتبارها معربة بعد النقل، وقبل مناداتها، وتناسى البناء السابق، ويراعى عند ندائها هذا الاعتبار الجديد، الذي يجعلها في حكم الأسماء المعربة، الأصلية الأعراب مجيء النداء. وبناء على هذا الرأي الشامل للضمير والإشارة، وغيرهما صرح بعض النحاة بأنك "تقول في: كيف، وهؤلاء، وكم، ومنذ ... أعلاما" - "يا كيف يا هؤلاء - يا كم- يا منذ ... بضمة ظاهرة؛ فهي متجددة للنداء. ا. هـ".

_ = النداء - ستبنى بعده على الضمة المقدرة أو فروعها. وتعتبر ملحقة بقسم المفرد العلم السالف؛ ولا تلحق بقسم النكرة المقصودة -كما يرى بعض النحاة- لأنها معارف قبل النداء، وليست نكرة تامة التنكير تصير بالنداء والخطاب نكرة مقصودة. ولو فرضنا أن تعريفها السابق يزوال بالنداء، ويحل محله تعريف جديد -وهذا رأي ضعيف مردود- لوجب أن يكون التعريف المتجدد مماثلا لتعريفها السابق نوعا ودرجة، كما عاد للعلم نوع تعريفه الساق ودرجته وهو العلمية، "على رأي من يقول: إنه يفقد علميته بالنداء، ثم تعود له بعده" فليس بمقبول أن يقال إنها معارف في أصلها، زال تعريفها السابق، فصارت نكرة، ثم نوديت فاكتسبت التعريف الجديد المخالف للسابق، وصارت به نكرة مقصودة، "مع أن أكثر تلك المعارف لا يفقد تعريفه مطلقا في الرأي الأقوى -كما سبق". وإنما ألحقت بالعلم لقرب درجة تعريفها منه، ولم تدخل في عداده لأنها ليست علما ... وهذا الخلاف شكلي؛ بالرغم مما يرقبون عليه من وضع المعارف في درجات متفاوته القوة في التعريف تفاوتا يؤدي إلى تقديم بعضها في ترتيب الكلام على بعض، لكن لا أثر له في ضبط الكلمة، ولا معناها، ولا إعرابها؛ فهي على الرأيين معرفة بعد النداء، ومبنية على الضمة، سواء أكانت من قسم المفرد المقصودة ... "وقد سبق تفصيل الكلام على العلم في ج1 ص200 م22". 1 في رقم 2 من هامش ص11. 2 هذا كلام "الرضي" في باب: "العلم" نقله "خالد" وعلق عليه في شرحه: على "التصريح" "ج2 أول الفصل الثاني، في أقسام المنادى". وقال الرضي أيضا ما نصه: "كل مفرد مبني تسمى به شخصا فالواجب فيه الإعراب مع الصرف -أي مع التنوين-....". ا. هـ. راجع حاشية "خالد" على التصريح، آخر باب: "ما لا ينصرف".

وفي هذا الرأي توسعة، وتيسير محمودان؛ لأنه يجعل حكم المنادى1 المفرد العلم مطردا؛ يعم ويشمل صورا كثيرة بغير تفرقة ولا تشتيت. ومن ثم كان الأخذ به أفضل من الأخذ بالرأي الأول. وإنما يبنى المفرد العلم -وملحقاته- إذا لم يكن معربا مجرورا باللام في "الاستغاثة والتعجب" مع ذكر "يا" فيهما؛ كما في نحو: "يا لعلي للضعيف"؛ للاستغاثة بعلي في نصر الضعيف. و: "يا لعلي المحسن"؛ للتعجب من كثرة إحسانه. فالمنادى فيهما. معرف وجوبا، كما كان قبل النداء، مجرور باللام في محل نصب. لأنه خرج بسبب الجار من قسم "المفرد العلم" ودخل في قسم المضاف2 تأويلا. وكذلك يجب إعرابه "ولا يصح بناؤه" إذا كان هذا العلم المفرد منقولا من أحد الأعداء المتعاطفة، بالتفصيل الموضح في مكانه3. وهناك صورة يجوز فيها الإعراب والبناء، وستجيء4.

_ 1 وهو البناء على الضمة أول ما ينوب عنها، من غير تفرقة بين ما أصله علم قبل النداء أو غير علم، مبني أو غير مبني. لأن إدراك هذه التفرقة، والوصول إلى معرفتها اليوم عسير كل العسر على جمهرة الناس، ففي الاستغناء عنها راحة بغير ضرر. وهناك نص آخر يؤيد ما سبق؛ ملخصه: وجوب الإعراب والتنوين معا قبل النداء في كل لفظ أصله مفرد حقيقي "أي: ليس مثنى ولا جمعا، ولا نوعا من أنواع المركبات الثلاثة التي منها المركب الإضافي، وشبه الملحق به" ومبني ثم ترك أصله، وصار علما منقولا من معناه وحكمه السابقين إلى معنى وحكم جديدين، مثل كلمة: "أسس، وغاقر" إذا صارتا علمين؛ فعند ندائهما يجري عليهما حكم الأسماء المعربة قبل النداء. "راجع التصريح أول الفصل الثاني في أقسام المنادى، ج2 ص166 وحاشيته آخر باب "الممنوع من الصرف" ص226" وسبق لهذا الحكم بيان مفيد في ج1، بابي المعرب والمبني - والعلم، م6 و23 ص74 و278". 2 كما سيجيء هذا في ص79 من باب الاستغاثة. 3 ص33 وص34. 4 في ص20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- ما كيفية بناء المفرد العلم الذي كان في أصله اسما منقوصا، منونا، ثم نقل إلى العلمية؛ مثل: هاد، راض، مرتض، مستكف، وغيرها؟ ... الأصل في المنقوص أن يكون مختوما بالياء1 الظاهرة إلا في بضع حالات قليلة؛ أهمها: أن يكون منونا مرفوعا أو مجرورا؛ فيجب حذفها نطفا وكتابة؛ لأن الضمة والكسرة ثقيلتان على الياء، فتحذفان؛ طلبا للخفة. فإذا حذفتا تلاقت الياء ساكنة مع التنوين فيجب حذفها؛ تخلصا من التقاء الساكنين؛ فتصير الكلمة إلى الصور السالفة. "فأصل: "هاد" -مثلا- في: "أنت هاد للخير" هو: هادين: بكتابة التنوين نونا ساكنة تبعا لأصله2. ثم حذفت الضمة؛ منعا للثقل؛ فصارت الكلمة: "هادين" بياء ونون ساكنتين. ثم حذفت الياء2؛ للتخلص من الساكنين؛ فصارت الكلمة: "هادن"؛ بإثبات التنوين على شكله الأول نونا ساكنة. ثم جرى الاصطلاح على كتابة التنوين كسرة مكررة لكسرة الحرف الأخير الذي قبل الياء المحذوفة، فصار للحرف الأخير كسرتان؛ إحداهما حركة أصلية هجائية، والأخرى بدل التنوين. وانتهت الكلمة إلى صورتها الأخيرة: "هاد" ومثلها استمعت لهاد. وأصلها: هاديين حذفت كسرة الياء، وجرى ما سبق ... ". فإذا نوديت وجب حذف التنوين؛ لأن المنادى هنا علم مفرد؛ فيجب بناءه على الضم بغير تنوين. وهذا الضم مقدر على الياء. لكن أتبقى الياء محذوفة كما كانت، والضم مقدر عليها، برغم حذفها -لأنها ملحوظة كالمذكورة- أم تعود بعد النداء إلى مكانها؛ فتظهر نطقا وكتابة. ويكون الضم مقدرا عليها كذلك؟ رأيان؛ أحدهما: يوجب حذف التنوين واستمرار حذف الياء؛ لأن الكلمة المناداة كانت منونة ومحذوفة الياء قبل المناداة، فوجب حذف التنوين؛ لأنه معارض لبناء المنادى، كما يوجب ألا ترجع الياء؛ لعدم وجود ما يقتضي إثباتها وإرجاعها؛ فقد

_ 1 يجوز حذفها بالتفصيل الخاص بحذف الياء -وقد سبق بيانه مفصلا في ج1 ص16. 2 و2 أوضحنا هذا وسببه في صدر الجزء الأول عند تفصيل الكلام على التنوين م2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طرأ عليها النداء وهي محذوفة، فتبقى على حالها من الحذف. والآخر: يوجب حذف التنوين للسبب السالف، ويوجب إرجاع الياء وإثباتها لأن سبب حذفها -وهو تلاقيها ساكنة مع التنوين- قد زال بزوال التنوين. وإذا زال السبب لا تبقى بعده آثاره التي توجد بوجوده. فالرأيان متفقان على حذف التنوين وسببه، مختلفان في إرجاع الياء وإثباتها، أو عدم إرجاعها. ويتفقان على إرجاعها إذا لم يكن في العلم المنقوص إلا حرف أصلي واحد، مثل "مر". اسم فاعل من "أرى"، فتقول في نداء المسمى به: يا مري. والحق أن هذه الأدلة جدلية محضة ليس فيها مقنع. والفيصل إنما هو السماع الوارد عن العرب، ولم ينقل إلينا منه ما يكفي للترجيح؛ فالرأيان متكافئان. وقد يكون الأنسب هو الرأي الداعي إلى إثبات الياء؛ لأنه أقرب إلى الوضوح، وأبعد من اللبس والاختلاط. وكل ما قيل في كلمة: "هاد" -مما أسلفناه- يقال في سائر الأعلام المنقوصة المنونة عند ندائها ... -كما سيجيء البيان1. 2- إذا كان المفرد العلم في أصله منقولا من اسم مقصور منون. "نحن: مرتضى - مصطفى- رضا ... وأشباهها" وجب عند ندائه حذف تنوينه؛ لأنه مبني على الضم. وهذا البناء يقتضي حذف التنوين حتما. لكن أتعود بعد ذلك ألف المقصور التي حذفت من آخره نطقا؛ بسبب تلاقيها ساكنة مع التنوين الساكن. أم لا تعود؟. "ذلك أن الأصل في كلمة مثل: مرتضى؛ هو مرتضى؛ أي: مرتضين رفعا -والنون الساكنة هي التنوين- تحركت الياء، وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا، وصارت الكلمة: مرتضان، تلاقى ساكنان: الألف وهذه النون، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وصارت الكلمة: مرتضن، لكنها تكتب "مرتضى" طبقا لقواعد رسم الحروف؛ وهي تقضي بأن يوضع على الحرف الذي قبل النون حركة

_ 1 في باب: تثنية المقصور، والممدود، وجمعهما " ... هامش ص613".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانية مماثلة لحركته الهجائية، تغني عن النون بعد حذفها، وتكون هذه الحركة الهجائية الثانية هي الرمز الدال على التنوين، بدلا من التنوين". ويجيب النحاة: أن الظاهر في هذه المسألة هو تطبيق حكم المسألة السابقة فيجرى على ألف المقصور ما جرى على ياء المنقوص من وجود رأيين متفقين على حذف التنوين، مختلفين في رجوع الألف نطقا أو عدم روجعها، بالحجة التي تساق لكل. وقد يكون الأنسب إرجاع الألف ... 3- في باب المثنى1 أن العلم المفرد إذا ثني أو جمع، زالت علميته، وصار نكرة ولا يحكم له بالتعريف إلا بوسائل جديدة تزاد؛ منها: إدخال "أل" المعرفة عليه، أو نداؤه ... أو ... فإذا نودي العلم بعد تثنية وجمعه حكم له بالتعريف الناشئ من النداء، لا من العلمية؛ لأن النداء هنا دخل على منادى خال من العلمية، فقد أزالها ما طرأ من التثنية أو الجمع، مثل: يا محمدان - يا محمدون ... وأشباههما؛ فيصير بعد ندائه في حكم النكرة المقصودة -عند كثير من النحاة- تجري عليه أحكامها التي منها: صحة نعتها -أحيانا- بالنكرة أو بالمعرفة؛ فيراعى إما أصله الأول الذي زالت علميته قبل النداء، وإما حالة تعريفه الطارئة بعد النداء2 ... بخلاف العلم الذي ليس مثنى، ولا جمعا، فإن علميته تبقى بعد النداء ويتعرف بها، أو لا تبقى؛ فيتعرف بالنداء الطارئ لا بتلك العلمية السابقة، على حسب الخلاف الذي سبق3. 4- إذا نودي: "اثنا عشر" و"اثنتا عشرة" علمين، جاز أن يقال: يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة، فاثنا واثنتا مبنيان على الألف؛ لأن المثنى وملحقاته في هذا الباب في حكم المفرد؛ فيبنى على ما يرفع به. وكلمة: "عشر وعشرة" بعدهما مبنية على الفتح، لا أهمية لها؛ لأنها بمنزلة نون المثنى. وهمزتهما للقطع4 ما داما علمين.

_ 1 ج1 ص83 م9. 2 طبقا لما سيجيء في "د" من ص30. 3 في رقم 2 من هامش ص11. 4 انظر رقم 3 من هاشم ص38 و2 من هامش ص247.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يقال: يا اثني عشرة، ويا اثنتي عشرة ... بالنصب بالياء على اعتبار المثنى مع كلمة: "عشر" أو "عشرة" بمنزلة المضاف مع المضاف إليه في الصورة، والمنادى المضاف واجب النصب1.

_ 1 هذا رأي الكوفيين الذي أشرنا إليه "في رقم 2 من هامش ص9 و1 من هامش ص32" وبمقتضاه تكون الأعداد المركبة كلها داخلة في قسم المنادى المضاف، فصدر كل واحد منها واجب النصب، عند الكوفيين في النداء، ويظل العجز مبنيا على الفتح، بمنزلة النون. أما عند غيرهم فالأعداد المركبة كلها مبنية على فتح الجزأين "ما عدا العلمين: اثني عشر واثنتي عشرة؛ والمنادى هو العدد المركب بجزأيه معا إلا هذين. فإذا كان المنادى العلم هو: اثنا عشر، واثنتا عشرة؛ فصدرهما وحده، في حكم العلم، المثنى، المنادى، المبني. ويترتب على الخلاف بين الكوفيين وغيرهما الخلاف في ضبط تابع المنادى.

ب- من المفرد العلم صورة يجوز فيها أمران1: البناء على الضم في محل نصب، أو البناء على الفتح في محل نصب. وهذه الصورة الجائزة بحكميها لا بد أن يكون فيها المنادى علما مفردا "أي: غير مثنى، ولا مجموع"، وأن يكون آخره مما يقبل الحركة "فلا يكون معتل الآخر: كعيسى، ولا مبنيا على السكون لزوما، مثل: "من" إذا صارت علم شخص ... " وأن يوصف مباشرة -أي: بغير فاصل- بكلمة: "ابن" أو: "ابنة"2، دون "بنت"، وكلتاهما مفردة، مضافة إلى علم آخر، مفرد أو غير مفرد3 ... مثل: يا حسن بن علي، من أثنى عليك بما فعلت فقد كافأك. ويا فاطمة بنة محمد، أنت فخر النساء، ببناء كلمتي:

_ 1 انظر الزيادة والتفصيل ص20 ففيها أمر ثالث حكمه الإعراب، وتعليل الأوجه الثلاثة. 2 فلو كان لفظ: "ابن وابنة" غير نعت كأن يكون بدلا، أو خبرا لمبتدأ أو لناسخ، أو منصوبا بعامل محذوف -مثل: أعني- لم يصح حذف التنوين وما يتبعه -كما سيجيء هنا. 3 ولا يشترط في العلمين ولا في أحدهما التذكير -على الرأي الراجح- ولا مانع أن يكون العلم اسما، أو كنية، أو لقبا. أو جنسيا للأعلام المجهولة؛ نحو: يا فلان بن فلان، أو: يا حارث بن همام، "للشخص الذي تخيله: "الحريري" وجعله دعامة المحاورات في مقاماته، وأدار الحديث بلسانه في كثير منها". وكذلك: يا سيد بن سيد؛ لكثرة استعماله كالأعلام، وبضع كلمات ساغت كهذه. ومتى اجتمعت الشروط في نداء أو غيره وجب -في ذلك الرأي الراجح- حذف همزة الوصل وألفها كتابة ونطقا من: "ابن"، و"ابنة" إلا لضرورة الشعر، أو لوقوع إحداهما في أول السطر، فثبت الألف كتابة. وكذلك يجب -في غير الضرورة الشعرية- حذف التنوين كتابة ونطقا من المستوفى للشروط؛ ولو كان غير منادى. "وقد سبقت إشارة لهذا في ج1 م4 ص44. غير أن هنا مسألة وقع الخلاف فيها في حذف التنوين من آخر العلم الموصوف المنادى وغير المنادى، وفي حذف همزة الوصل مع ألفها من الصفة "ابن وابنة" هي: أن يكون العلم الأول "الموصوف" كنية أو مضافا آخر، أو يكون العلم الثاني "وهو المضاف إليه" كنية أو مضافا آخر كذلك؛ مثل: أو الخلفاء الراشدين أبو بكر بن قحافة. ومثل محمد بن أبي بكر من أشهر الزهاد.. فيرى كثير من النحاة وجوب إثبات التنوين وألف الوصل في الصورتين. ويرى آخرون جواز حذفهما، وإثباتهما. وقد يكون الحذف -على قلته- هو الأنسب اليوم، ليكون حكمه مطردا شاملا الصور المختلفة. ومسألة أخرى، هي التي تكون فيها الصفة كلمة: "بنت" ويكون موصوفها علما لمؤنث يصح صرفه، ومنع من الصرف. فهل يجوز بقاء التنوين في موصوفها المنادى وغير المنادى؟ روى سيبويه الحذف والإثبات عن العرب الذين يصرفون كلمة: "هند" وأشباههما؛ مما يجيء في ص238 فيقولون: هذه هندٌ بنت عاصم؛ بتنوين "هند"، وتركه لكثرة الاستعمال. وقد يكون الأحسن هنا أيضا حذف التنوين، ليكون الحذف مطردا في كل المسائل، وقاعدته عامة.

"حسن"، و"فاطمة"، على الضم أو على الفتح، في محل نصب في الحالتين. ولا بد أن تكون البنوة حقيقية. فإذا فقد شرط وجب الاقتصار على البناء على الضم، كأن يكون المنادى غير علم، مثل: يا غلام ابن سعيد، أو يكون علما مفصولا1 من المنادى، مثل: يا سليمان النبي ابن داود، أو تكون كلمة: "ابن" و"ابنة" ليست نعتا وإنما هي بدل، أو مفعول، أو خبر: أو منادى جديد، أو غير ذلك مما ليس نعتا2 ...

_ 1 مع الخلاف في العلم إذا كان كنية، على الوجه المبين في هامش الصفحة السالفة. 2 مع ملاحظة ما نردده كثيرا، وهو أن اختلاف الإعراب لا بد أن يتبعه اختلاف المعنى، فالمراد من النعت مغاير كل المغايرة للمراد من البدل ... كذلك الشأن في غيرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أولا: إذا اجتمعت الشروط السابقة جاز الوجهان المذكوران، ووجه ثالث، هو أن يكون المنعوت معربا منصوبا، بغير تنوين. وللنجاة في تعليل الأوجه الثلاثة آراء قائمة على التكلف، والتأويل، والحذف أو الزيادة، بغير حاجة ماسة إلا رغبتهم في إلحاق كل وجه بحالة إعرابية ثابتة. وإدخاله تحت قاعدة أخرى مطردة، ولا يعرف العرب شيئا من هذه التعليلات. ولا شأن لهم بها، ولن يتأثر الأسلوب أو ضبط مفرداته بإغفالها، وإهمال الوجه الثالث القائم على الإعراب مع النصب المباشر بغير تنوين. وفيما يلي بعض تلك الآراء بإيجاز يحتاج إليه الخاصة: 1- في مثل: يا حسن بن علي -بضم المنادى- يكون بناؤه على الضم في محل نصب؛ مراعاة للقاعدة العامة؛ لأنه مفرد علم. وتعرب كلمة: "ابن" صفة، منصوبة، تبعا لمحل الموصوف. لا لفظه المبني1. وهذا إعراب حسن لا مأخذ عليه. 2- وفي مثل: يا حسن بن علي ... 2 -بفتح المنادى- يكون مبنيا على الفتح في محل نصب؛ "فهو مبني لفظا. منصوب محلا". ويقولون: إن حقه البناء على الضم؛ لأنه مفرد علم، ولكن آخره تحرك بحركة تماثل الحركة التي على آخر الصفة، على توهم وتخيل أن الكلمتين بمنزلة كلمة واحدة؛ إذ الفاصل بين آخر المنادى، وآخر صفته حرف واحد ساكن، فالفصل به كلا فصل؛ لأنه جاجز غير حصين -كما يقولون. وفي هذه الحالة يذكرون في إعراب المنادى: أنه مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره فتحة الاتباع3، في محل نصب، وكلمة: "ابن" صفة له، منصوبة باعتبار محله.

_ 1 لأن البناء لا ينتقل من المتبوع إلى تابعه، ولا من كلمة إلى أخرى ليست مبنية. 2 تجيء مناسبة أخرى لهذا النوع من المنادى، في "ج"، من ص53. 3 أي: الفتحة التي جاءت في آخر المنادى متابعة ومماثلة للفتحة التي في آخر صفته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ فلم هذا التوهم، واللف والالتواء في إعراب المنادى، وإتباع حركته -وهو السابق- لحركة صفته اللاحقة، ما في هذا من مخالفة المألوف الذي يجري على أن يكون المتأخر هو التابع في حركته للمتقدم؟ لم لا نقول: إن المنادى إذا اجتمعت فيه الشروط السالفة جاز أن يكون مبنيا على الفتح مباشرة، أو على الضم. مراعاة للواقع المأثور من فصيح الكلام العربي؟ ولا ضرر في هذا ولا إساءة. بل إنه السائغ المقبول، وهو في الصورتين في محل نصب. 3- ويجيزون في إعراب المنادى في الصورة السالفة أنه مبني مع صفته على فتح الجزأين، على توهم وتخيل تركيبه مع صفته تركيبا لفظيا، كالتركيب اللفظي الذي في الأعداد: أحد عشر، وثلاثة عشر، وما بعد أربعة عشر إلى آخر تسعة عشر، فإن هذه الأعداد مبنية على فتح الجزأين دائما في جميع الحالات الإعرابية، بسبب تركيب الكلمتين تركيبا يلازمهما، ويقتضي أن يلازمهما فتح آخرهما. فما الداعي لهذا التكلف أيضا، وحمل المنادى مع صفته في هذه الصورة على تلك الأعداد المركبة، مع وجود الفارق الواضح بينهما؟ ذلك أن العدد المركب لا يؤدي معناه الأساسي المطلوب إلا مع التركيب الحتمي، فكل جزء من الجزأين لا يستقل بنفسه، وإنما هو بمثابة حرف من كلمة هو معروف. ومن ثم كانت المشابهة بين الأسلوبين ضعيفة، وكان الاعتماد عليها هنا غير قوي، وإنما القوي أن نقول في هذه الحالة ما قلناه في الحالة الثانية وهو أن المنادى مبني على الفتح -مباشرة- في محل نصب، نزولا على حكم الواقع الذي لا ضرر في اتباعه، أما كلمة: "ابن" فإعرابها هنا كإعرابها هناك. 4- ويجيزون أيضا في المنادى السالف ألا يكون مبنيا على الفتح في محل نصب؛ وإنما يكون معربا منصوبا، مباشرة، بغير تنوين، غير أنهم لحظوا أن حالات المنادى المعرب المنصوب لا تنطبق عليه؛ فتلمسوا الوسيلة لإدخاله تحت واحدة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها فارتضوا أن تكون الصفة "ابن" في حكم الزائدة التي لا وجود لها، وأن المنادى مضاف، وأن المضاف إليه هو الكلمة التي بعد كلمة "ابن" وبذا يكون المنادى في تقديرهم داخلا في قسم المضاف الذي يجب إعرابه ونصبه!! ويترتب على هذا أن تكون كلمة: "ابن" مقحمة بين المضاف والمضاف إليه. وأنها لا توصف بإعراب ولا بناء، وإنما هي موقوفة -كما يقولون- ولا محل لها من الإعراب فليست صفة، ولا غيرها. فما هذا؟ وما الدافع له؟ الخير في إهماله، وإنما ذكرناه لتعرض شيئا يستحق الإعراض عنه. ثم نواجه الواقع بحكم أصيل يناسبه، لا إقحام فيه، ولا وقف، ولا بناء، فتعتبر المنادى معربا بغير تنوين، وكلمة: "ابن" صفة له. منصوبة. "ملاحظة": كل ما تقدم خاصا بكلمة: "ابن" يسري على كلمة: "ابنة" الواقعة مثلها صفة لمنادى مؤنث. مستوف للشروط. ولا يسري على غيرهما، فإذا وصف المفرد العلم بغيرهما بقي مفردا علما1، له ولتوابعه أحكامهما الخاصة، ولا ينتقل بسبب الوصف إلى قسم الشبيه بالمضاف؛ إذ لو انتقل إليه لوجب نصبه في جميع الأحوال، كالشبيه بالمضاف، ويصير هذا النصب العام مخالفا للحكم الصحيح. ثانيا2: المنادى النكرة المقصودة الموصوف بكلمة: "ابن"، أو "ابنة" أو غيرهما، له حكم خاص يختلف عن الحكم السابق، فيتوقف على حال هذه النكرة، أكانت موصوفة قبل النداء بإحدى الكلمتين السالفتين، أو بغيرهما، أم جاء الوصف بعد النداء، وطرأ بعد تحققه؟ وسيجيء الحكم مفصلا عند الكلام على النكرة المقصودة3.

_ 1 سيجيء هذا في أول ص30. 2 سبق الكلام على: "أولا" في ص20. 3 ص28.

ح- وإذا كان المفرد العلم مبنيا قبل النداء بقي على بنائه القديم في اللفظ، ولكن يطرأ عليه بناء جديد، مقدر يجلبه النداء معه -طبقا للرأي الشائع من رأيين كما أسلفنا-1 فكلمة مثل: "سييويه" -وهي علم على إمام النحاة المشهور- مبنية قبل النداء على الكسر لزوما. فإذا نودي، وقيل: يا سيبويه، أحسن الله جزاءك..، كانت كلمة "سيبويه" منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره البناء الأصلي على الكسر، في محل نصب1.... ولهذا البناء الجديد المقدر أثره في التوابع، كالنعت وغيره -وستجيء الأحكام المفصلة الخاصة بتوابع المنادى-2 فإذا جاء للمنادى تابع صح في هذا التابع أن يكون في مظهره الشكلي مرفوعا3؛ مراعاة صورية -غير حقيقية- للضم المقدر في المنادى، وجاز أن يكون منصوبا؛ مراعاة لمحل هذا المنادى؛ لأنه مبني في محل نصب -كما عرفنا- ولا يجوز مراعاة علامة البناء الأصلي التي ليست طارئة مع النداء. تقول يا سيبويه النحويُّ، ببناء كلمة "النحوي" على الضم -رفعا صوريا غير3 حقيقي- أو بنصبها مباشرة: باعتبارها معربة. ومثل هذا يقال في كل علم مفرد لازم البناء في أصله في مناداته؛ سواء أكان بناؤه الأصلي اللازم على الكسر "ومنه: حَذَامِ، رَقَاشِ ... علمين على امرأتين عند من يبنيهما" أم على غير كسر؛ "مثل حيثُ - كيفَ - أربعةَ عشرَ، وأخواتها من الأعداد المركبة المبنية على فتح الجزأين، - نَعَمْ ... أعلام أشخاص" فيقال في كل علم من هذه الأعلام: إنه مبني على الضم المقدر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي "على الكسر، أو على الضم، أو على الفتح، أو على فتح الجزأين، أو على السكون" في محل نصب في كل ذلك. ومثل هذا يقال في العلم المعرب المنقول من جملة محكية، مثل: "صنعت خيرا" علم على شخص. فيقال: يا صنعت خيرا الشجاع فالمنادى -وهو:

_ 1 و1 في رقم4 من هامش ص11، وانظر "الملاحظة" التي في ص12 حيث تعرض الرأي الآخر المفيد. 2 ص40. 3 و3 هل يقال لهذا اللفظ إنه مرفوع، مع أن رفعه صوري، وغير حقيقي؟ وما إعرابه؟ الإجابة والبيان في ص52.

"صنعت خيرا" مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب. ويجوز في النعت: "الشجاع" الرفع الصوري1 تبعا للفظ المنادى والنصب تبعا لمحله. د- المنادى المفرد العلم مبني -في الأكثر كما عرفنا- فلا ينون إلا في الضرورة الشعرية، فيباح تنوينه مع رفعه2، أو نصبه3، فمثال الأول قوله الشاعر يهدد خصمه حميدا: لا تهجني -يا حميدٌ- إن لي ... فتكة الليث، إذا الليث غضب ومثال الثاني قول المادح: حسبنا منك -يا عليًّا4- أياد ... يتغنى بها الزمان نشيدا وإذا كان المنادى المفرد العلم مبنيا على الضم، لكنه منون للضرورة لزم التصريح بهذا عند إعرابه2، وجاز في تابعه الرفع مراعاة للفظه -إن لم يوجد مانع آخر- والنصب مراعاة لمحله. أما إذا كان منصوبا منونا فيقال في إعرابه إنه منصوب منون للضرورة، ولا يجوز في تابعه إلا النصب؛ لأن النصب هو الأصل المحلي في المبني، وقد ظهر النصب في اللفظ، فلا داعي لإهماله، ومراعاة غيره ...

_ 1 يقال هنا ما سبق في رقم3 من هامش الصفحة السالفة. 2 و2 ويقال عند إعرابه: إنه منادى مبني على الضم، ولحقه التنوين للضرورة، وقد اجتمع التنوين وعدمه في العلم: "مطر" في بيت يستشهد به قدماء النحاة؛ هو: سلام الله يا "مطرٌ" عليها ... وليس عليك يا "مطر" السلام 3 والنصب في الضرورة -بالرغم من إباحته- أقل وأضعف من الرفع. ويقال في إعرابه: إنه منصوب مراعاة لبعض اللهجات، ومنون لضرورة الشعر. 4 الضرورة في هذا البيت مباحة للشاعر، ولكن تركها أفضل؛ إذ لا يختل الوزن بتركها، وبعض النحاة يستشهد ببيت مثله؛ هو قول الشاعر: ضربت صدرها إليَّ وقالت ... يا "عديا" لقد وقتك الأواقي وموضع الشاهد: هو: يا عديا.

القسم الثاني: النكرة 1 المقصودة: ويراد بها: "النكرة التي يزول إيهامها وشيوعها بسبب ندائها، مع قصد فرد من أفرادها، والاتجاه إليه وحده بالخطاب"؛ فتصير معرفة دالة على واحد معين2 بعد أن كانت تدل على واحد غير معين، ولولا هذا النداء لبقيت على حالتها الأولى من غير تعريف. فكلمة مثل: "رجل" هي نكرة، مبهمة، لا تدل على فرد واحد بذاته، وإنما تصدق على محمود، وحامد، وصالح، و ... ، وكل رجل آخر. فإذا قلنا: يا رجل سأساعدك على احتمال المشقة، تغير شأنها، ودلت على فرد معروف الذات والصفات -دون غيره- هو الذي اتجه إليه النداء، وخصه المتكلم بالاستدعاء، وطلب الاستماع؛ فصارت معرفة معينة بسبب الخطاب، لا شيوع فيها ولا إبهام. والنكرة المقصودة هي -في الرأي الأنسب- القسم الوحيد الذي يستفيد التعريف من النداء، دون بقية أقسام المنادى. حكمها: الأكثر البناء3 على الضمة، أو ما ينوب عنها في محل نصب، فهي شبيهة بالمفرد العلم في هذا. ومن أمثلتها قول شوقي يخاطب بلبله الحبيس: يا طير -والأمثال تضـ ... ـرب للبيب الأمثال دنياك من عاداتها ... ألا تكون لأعزل

_ 1 وتسمى -كما في رقم 3 من هامش ص4- اسم الجنس المعين. وقد سبق الكلام على النكرة وتعريفها وما يتصل بها في ج1 ص131 م7. 2 الفرق بين التعيين والتعريف في النكرة المقصودة والمفرد العلم أن التعيين والتعريف في الأولى عرضيان طارئان بسبب النداء؛ فهما أثران من آثاره؛ يجيئان معه، ويزولان معه. ولكنهما أصيلان في العلم ملازمان له، ولو لم يوجد النداء، فلا أثر في إيجادهما، أو زوالهما، أو بقائهما -على الرأي الأرجح الذي يبق في رقم 2 من هامش ص11. والمعارف متفاوتة في درجة التعريف، وقوته، طبقا لما سبق تفصيله في الموضع الأنسب "وهو ج1 م17 رقم 3 من هامش ص191" ومنه يعرف أن النكرة المقصودة في درجة اسم الإشارة؛ لأن التعريف بكل منهما يتم إما بالقصد الذي يعينه المشار إليه، وإما بالتخاطب كما في الموضوع السالف، وكما في "ب" من ج1 م32 ص339 وأن التعريف بالعلمية ذاتي؛ فهو أقوى. 3 إلا في الضرورة الشعرية -كما سنعرف، وفي صورة أخرى معربة ستجيء في الزيادة والتفصيل: ص28 - "1". وثالثة معربة تجيء في ص34.

ولا يصح تنوينها إلا في الضرورة الشعرية، فتنون مرفوعة أو منصوبة، كقول الشاعر وهو ينظر للقمر: يا قمرًا لا تفش أسرار الورى ... وارحم فؤاد الساهر الولهان ويصح: يا قمرٌ. وفي الحالتين يكون إعرابها كالمفرد1 العلم المنون فيهما. هذا حكم النكرة بشرط أن تكون مقصودة، ومفردة "أي: غير مضافة، ولا شبيهة بالمضاف" فإن كانت غير مقصودة فهي من القسم الثالث الآتي، وإن كانت غير مفردة فهي من أحد القسمين التاليين: الرابع، والخامس. وإنما تبنى النكرة المقصودة المفردة على الوجه السالف بشرط ألا تكون موصوفة، وألا تكون من الأعداد المتعاطفة2، ولا معربة مجرورة باللام في حالة الاستغاثة أو التعجب؛ مع وجود حرف النداء: "يا"3؛ لأن للأولين حكما سيجيء2، وأن الجار يجعلها من قسم المنادى المضاف -تأويلا، دون غيره، وهو معرب واجب النصب؛ نحو: يا لقوي لضعيف يستنصره، ويا للمطر الهتون!! في نداء منكرين معينين. فالمنادى مجرور باللام في محل نصب. وقد بقي معربا كشأنه السابق على النداء، وسيجيء البيان في باب الاستغاثة4..

_ 1 سبق في "د" ص24. ويجب التصريح باسمها عند الإعراب. 2 و2 انظر "ا" ص28 وص34. 3 دون غيره، ولا يصح حذفه في الحالتين -كما سبق وفي رقم 5 و6 من ص3. 4 ص77 ويقول ابن مالك في أحكام المنادى المبني على الضم مطلقا، "أي: سواء أكان مفردا علما، أم فكرة مقصودة". وابن المعرف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عهدا فهو يطالب ببناء المنادى المفرد المعرف، وأن يكون بناؤه على العلامة المعهودة فيه في حالة رفعه قبل النداء؛ لأن الضم -لا الرفع- هو علامة البناء في الشائع، فالذي علامته الضمة يبنى عليها، والذي علامته الألف؛ كالمثنى، أو الواو كجمع المذكر، يبنى عليهما ... وهذا الحكم ينطبق على القسمين: المفرد العلم والنكرة المقصودة؛ فكلاهما مفرد ومعرف. غير أن تعريف المفرد العلم أصيل، سببه العلمية؛ فهو سابق على النداء، وباق معها ولو زال النداء؛ طبقا لأحد الرأيين المعروضين في ص11. أما تعريف النكرة المقصودة؛ فطارئ؛ بسبب النداء ملازم له مدة وجوده، زائل بزواله -كما سبق في هامش الصفحة الماضية- وبناء المفرد العلم على الضم إنما يكون واجبا في غير الضرورة وبعض الصور=

_ = التي أشرنا إليها في رقم 3 من هامش ص10. كما أن النكرة الموصوفة لا تبنى -في غير الضرورة- على الضم وجوبا إلا عند عدم وصفها وعدم طولها. فإن وصفت أو طالت جرت عليها الأحكام الآتية في ص28 و34. ثم بين ابن مالك وإجراؤه مجرى المعرب الذي زال إعرابه بسبب النداء، وحل محله بناء جديد، أو مجرى اسم مبنى في أصله، زال في التقدير بناءه القديم وحل محله بناء طارئ جديد بسبب النداء -مع ملاحظة أن الجديد هو الذي يراعى وحده في توابعه- يقول: -ورأيه مدفوع برأي آخر سبق في ص11. وانو انضمام ما بنوا قبل النداء ... وليجر مجرى ذي بناء وجددا وقبل أن يتمم الكلام على هذا القسم أقحم بيتا يتعلق بأقسام أخرى سيجيء شرحها وشرحه في ص33 هو: والمفرد المنكور، والمضافا ... وشبهة انصب، عادما خلافا وعاد بعده إلى بيان حكم المنادى العلم المفرد الموصوف بكلمة "ابن" -أو ابنة- وأنه يجوز فيه البناء على الفتح أو الضم، ولم يذكر الشروط؛ وإنما اكتفى في البيت الأول بأن ساق مثالا الشروط -وقد شرحناها مفصلة في ص18، 20- واكتفى في البيت الذي يليه بالنص على أن الصفة "وهي كلمة: ابن، وابنة" إن لم تقع مباشرة بين علمين لم يصح البناء على الفتح، ووجب الاقتصار على البناء على الضم يقول في اختصار معيب: ونحو زيد ضم، وافتحن من ... نحو: أزيد بن سعيد لا تهن "تهن: مضارع، مجزوم، معناه: تضعف. وماضيه: وهن، معنى: ضعف". والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما "الألف التي في آخر كل شطرة زائدة لوزن الشعر". بريد: أن البناء على الضم محتوم إن لم يقع الابن بعد علم "بشرط ألا يكون المنادى نكرة تقتضي حكما خاصا" أو لم يقع علم بعد الابن. أي: إذا لم يتوسط "الابن" بين علمين مباشرة -كما قلنا؛ فمقال الأول يا غلام ابن سعد - سليمان النبي ابن داود. ومثال الثاني: يا سليمان ابن النبي. ثم عرض الحكم آخر من أحكام المنادى المستحق للبناء؛ فأوضح أنه يجوز فيه الرفع والنصب مع التنوين في الحالتين عند الاضطرار الشعري. واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... مما له استحقاق ضم بينا أي: اضمم أو انصب ما نون اضطرارا من كل ما له استحقاق ضم بين فيما سبق. والذي يستحق الضم فيما سبق هو المفرد العلم والنكرة المقصودة ... والمنادى المبني على الضم إذا نون يبقى على بنائه، وتنوينه طارئ للضرورة. أما في حالة تنوينه منصوبا فنقول -في الأحسن- إنه معرب منصوب، تبعا لبعض الجهات، وأنه منون للضرورة، -كما سبق في هامش ص24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- تبنى النكرة المقصودة على الضم وجوبا إذا كانت غير موصوفة مطلقا1 "أي: لا قبل النداء، ولا بعده". فإن دلت قرينة واضحة -أي قرينة؛ لفظية، أو غير لفظية- على أنها كانت قبله موصوفة بنعت مفرد، أو غير مفرد؛ فالأغلب الحكم بوجوب نصبها مباشرة؛ إذ قد اتصل بها شيء تمم معناها، ولم تقتصر على لفظها وحده، فدخل عليها النداء وهي متصلة بما يتممها؛ وبسببه تخرج من قسم النكرة المقصودة إلى قسم الشبيه بالمضاف، وهو واجب النصب ... مثال هذا أن تخاطب: "شاهدتك من بعيد قادما علينا، ويبدو أنك رجل غريب. فيا رجلا غريبا ستكون بيننا عزيزا". فالنكرة الكلام السابق عليها. ومن الأمثلة للنعت بالجملة أن تسمع: "سيزورنا اليوم وفد نعزه ... " فتقول: يا وفدا فعزه نحن في شوق لرؤيتك. ويصح: يا وفدا من بلاد عزيزة ... أو يا وفدا أمامنا إذا كانت الصفة قبل النداء شبه جملة. ومن هذا أبيات الشاعر التي أنشأها حين قيل له: هذا شرع وراء دجلة تعبث به الرياح؛ فقال أبياته التي مطلعها: يا شراعا وراء دجلة يجري ... في دموعي، تجنبتك العوادي ومن الأمثلة المسموعة التي لها قرائن معنوية تدل على النكرة وصفت قبل النداء ما حكاه الفراء عن العرب في مشهور بالكرم: يا رجلا كريما أقبل. وقوله عليه السلام: يا عظيما2.

_ 1 في هذه الصورة يصح وصف المعرفة بالنكرة، "طبقات للبيان الآتي هنا وفي "د - ص30" كذلك في رقم 2 من هامش ص44". ولا تبنى النكرة المقصودة التي من الأعداد المتعاطفة "انظر ص33". 2 في هذا المثال -وأشباهه- مما يقع فيه المنادى نكرة مشتقة متحملة الضمير وبعدها جملة -يرى ابن هشام إعراب هذه الجملة حالا من الضمير المستقر في المنادى المشتق، وليست نعتا؛ لأن النعت لا يكون معمولا للمنعوت المشتق- ويكون المشتق هو العامل الذي نصب جملة الحال؛ فهي من معمولاته التي تتم معناه. ويترتب على هذا عنده أن يكون المنادى من نوع الشبيه بالمضاف، وليس من قسم النكرة المقصودة التي تنصب. بشرط ألا يثبت أن الوصوف متأخر عن النداء -كما سبق. ويخالفه ابن مالك في تلك الصورة فيرى أن الجملة نعت -برغم تنكيرها حكما- لا حال، ولعل السبب عنده أن العامل في النعت هو "يا" أو ما نابت عنه، ولا شأن للمنادى بالعمل؛ فليست الجملة من معمولاته ولا مما يقتضي أن يكون من قسم الشبيه بالمضاف. ورأي ابن مالك أوضح وأيسر، ورأي ابن هشام أدق. فإن كان المنادى نكرة جامدة فهي خالية من الضمير، ولا مكان -في الغالب- لمجيء الجملة أو شبهها حالا منه، ويتعين إعرابها صفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرجى لكل عظيم، ويا حليما لا يعجل. وقول الشاعر: أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق فالرجاء في الله وحلمه ثابتان قبل النداء، وكذلك قيام الدار ووجودها قبل أن يناديها الشاعر. فالنكرات المقصودة في الأمثلة السالفة وأشبابهها منصوبة. وقيل اكتسبت هي وصفتها التعريف بسبب النداء؛ لأن النداء حين جاء كانت الصفة والموصوف متلازمين مصطحبين، فأفادهما التعريف معا، وإن شئت فقل: إنه أكسب المنادى التعريف، وسرى هذا التعريف فورا من المنادى الموصوف إلى صفته، فالصفة هنا تتمة للمنادى؛ فهي بمنزلة المعمول من العامل. ومن أجلها انتقلت النكرة المقصودة1 إلى قسم الشبيه بالمضاف. وقيل إنها لا تنتقل للشبيه بالمضاف، ولكن يحسن فيها النصب. أما إذا دلت القرينة الواضحة على أن وصف النكرة المقصودة كان بعد النداء فإن المنادى يجب -في الأغلب- بناؤه على الضم، ولا يصح نصبه، بالرغم من وجود صفة له. ذلك أن النداء حين دخل على النكرة المقصودة لم تكن موصوفة، فاستحقت البناء وجوبا. فإذا جاءت الصفة بعد ذلك فإنما تجيء بعد أن تم البناء على الضم وتحقق، فلا تكون مكملة للنكرة المقصودة التكميل الأصلي الذي يخرجها إلى قسم الشبيه بالمضاف، الواجب النصب. والمنادى في هذه الصورة إذ لا مانع في هذه الصورة من أن يوصف بالنكرة أو بما هو في حكمها -كالجملة- لأن تعريف الموصوف هنا طارئ غير أصيل2. والتعريف الطارئ على المنعوت لا يوجب في النعت المطابقة فيه. وإنما يجيزه، فمخالفة المطابقة في التعريف مغتفرة في هذه الصورة؛ "كما سيجيء"3.

_ 1 وفي ص34 صورة أخرى تنتقل فيها النكرة الموصوفة إلى قسم الشبيه بالمضاف. 2 راجع الخضري، ثم التصريح وحاشيته في هذا الباب عند الكلام على النكرة المقصودة غيرها. وسبق إيضاح هذا لمناسبة أخرى في باب "الإضافة" عند الكلام على أثر الإضافة غير المحضة "ج3 م93 ص29" ولها إشارة في باب النعت أيضا "ج3 م114 ص435". 3 في "د". وأما الصفة التي سبقت مجيء النداء فمطابقة في التعريف والتنكير للموصوف، حتما ولا تتغير المطابقة عد النداء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم توجد قرينة، تدل بوضوح على أن وصف النكرة المقصودة كان قبل النداء أو بعده جاز الأمران: النصب، والبناء على الضم. ويرى بعض النحاة أن النصب جائز مطلقا في النكرة الموصوفة؛ سواء أكان وصفها قبل النداء أم بعده، ولا يرى حاجة للتقييد، بغير داع؛ إذ يصعب -في الأغلب- تحقيق القيد؛ بمعرفة أن الوصف كان قبل النداء أو بعده، ورأيه أيسر وأخف مؤنة، لخلوه من العناء، وإن كان أقل دقة في أداء المعنى من الأول؛ فالرأيان محمودان. ولا يسري ما سبق على العلم الموصوف فإنه حين يوصف يظل على حاله في قسم المفرد العلم1، ولا يتركه إلى قسم الشبيه بالمضاف؛ لأن العلم ليس شديد الحاجة إلى الوصف شدة النكرة إليه. ب- إذا كانت النكرة المقصودة اسما منقوصا، منونا، محذوف الباء للتنوين؛ "مثل" داع، مرتض، مستهد" -أو اسما مقصورا منونا محذوفا الألف "مثل: فتى، علا، غنى"- وبنيت على الضم. كأن الشأن في وجوب حذف تنوينها، وإعادة حرف العلة المحذوف أو عدم إعادته، هو ما تقدم2 في المفرد العلم في تلك الصيغتين، فكل ما قيل فيه من الأسباب والنتائج يقال هنا. ح- هل يعد من النكرة المقصودة نداء المعارف المبنية أصالة قبل النداء وليست أعلاما "كالإشارة، وضمير المخاطب ... " فتبنى على الضم المقدر؟ ... راجع الشرح والتفصيل الذي بسطناه3. د- تصير النكرة المقصودة التي لم توصف قبل النداء، معرفة بسبب النداء -كما شرحنا- فتعريفها به طارئ؛ فتوصف بالمعرفة، تبعا لهذا التعريف الطارئ، ويصح وصفها بالنكرة مراعاة لحالتها السابقة من التنكير؛ فتقول لرجل معين: يا رجلا المهذب، أو مهذبا. والأول أحسن4. أما النكرة التي توصف قبل أن تنادى فإن صفتها واجبة المطابقة لها تعريفا وتنكيرا؛ فيجيء النداء وهي مطابقة قبل مجيئه فلا يغير المطابقة.

_ 1 راجع ما سبق في ص21 خاصا بهذا. 2 في رقم 2 ص15. 3 في رقم 3 من هامش ص91. 4 سبق بيان المراجع في هامش رقم2 من ص28.

القسم الثالث: النكرة غير المقصودة1، وهي الباقية على إبهاهما وشيوعها كما كانت قبل النداء، ولا تدل معه على فرد معين مقصود بالمناداة؛ ولهذا لا تستفيد منها تعريف. حكمها: وجوب نصبها مباشرة، نحو: يا عاقلا تذكر الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وقول الشاعر: أيا راكبا إما2 عرضت3 فبلعن ... نداماي4 من نجران5 أتلاقيا القسم الرابع: المضاف. بشرط أن تكون إضافته لغير ضمير المخاطب6، سواء أكانت محضة؛ كقول الشاعر: فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه هجر ويا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر ومثل قول القائل: يا أخا البدر سناء7 وسنا8 ... حفظ الله زمانا أطلعك أم غير محضة كقول الآخر: يا ناشر العلم بهذي البلاد ... وفقت؛ نشر العلم مثل الجهاد حكمها: وجوب النصب بالفتحة، أو بما ينوب عها.

_ 1 وتسمى اسم الجنس غير المعين -كما سبق في رقم 3 من هامش ص4. 2 "إما" هذه مركبة من "إن" الشرطية المدغم، فيها: "ما" الزائدة. 3 أتيت.... 4 ندامى: جمع؛ من مفرداته: ندمان، وهو: المؤانس في مجلس الشراب. 5 بلد في اليمن. 6 مسايرة للأساليب العربية الصحيحة؛ فإنها لا تجمع في الجملة الواحدة الندائية التي ليست للندبة، خطابين لشخصين مختلفين. على حين يجب أن يكون المضاف غير المضاف إليه في المعنى، ومخالفا في المدلول؛ فبين مطلوب النداء ومطلوب أن الإضافة تعارض -وهذا في غير الندبة- فلا يصح أن يقال: يا خادمك؛ لأن النداء خطاب للمضاف؛ مع أن المضاف إليه هنا ضمير لمخاطب آخر غير المضاف -ولهذا إشارة في ص50 أما في الندبة فيجيء الكلام عليها في رقم 2 من هامش ص91. 7 شرفا ورفعة. 8 ضوءا.

ويلحق بهذا القسم نداء: "اثني عشر، واثنتي عشرة" فينصب صدرها بالياء في أحد الرأيين اللذين سبق شرحهما1 -وهو الرأي المرجوع الذي يجعل الأعداد المركبة كلها من قسم المنادى المضاف. وقد تفصل لام الجرد الزائدة بين المنادى والمضاف إليه، بشرط أن تكون زيادتها لضرورة شعرية، كما القائل2، في غادة: لو تموت لراعتني، وقلت: ألا ... يا بؤس للموت، ليست الموت أبقاها وقول الآخر3: يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام القسم الخامس: الشبيه بالمضاف: ويراد به كل منادى جاء بعده معمول يتم معناه، سواء أكان هذا المعمول مرفوعا بالمنادى، أو منصوبا به، أم مجرورا بالحرف -لا بالإضافة-4 والجار والمجرور متعلقان بالمنادى، أو معطوفا على المنادى قبل النداء، أم نعتا له قبل النداء أيضا ... 5. حكمه: كسابقه -وجوب نصبه بالفتحة، أو بما ينوب عنها، فمثال المعمول المرفوع قولهم: يا واسعا سلطانه، فإنه الظلم بلا على صاحبه، ويا عظيما جاهه لا تغتر؛ فإن الغرور رائد الهلاك. ومثال المنصوب قولهم: يا غاصبا ما ليس لك كيف تسعد؟ ويا آكلا مال غيرك، كيف تنعم؟ وقول حافظ في عمر بن الخطاب: يا رافعا راية الشورى، وحارسها ... جزاك ربك خيرا عن محبيها

_ 1 في رقم 2 من هامش ص9 وهامش ص17 وهو الرأي الكوفي المرجوح، الذي يحتج بأن صورتها كالمتضايفين، وكذلك صور بقية الأعداد المركبة، ويوجب نصب صدورها. 2 هو جنادة العذري، ممن أدركوا الدولة الأموية. 3 هو جنادة الذبياني. وصدر البيت: قالت بنو عامر: خالوا بني أسد ... "يقال: خالي فلان قبيلته، أي: تركها". والمعنى: اتركوا بني أسد، ولا تجهلوا عليهم بالحرب -والبيت سبق في ج2 باب "حروف الجر" عند الكلام على اللام. 4 لأن المعمول إذا كان مجرورا بالإضافة كان المنادى هو المضاف؛ فيدخل في قسم المضاف، لا الشبيه به. 5 طبقا للبيان الخاص بالنعت في ص28.

ومثال المجرور بالحرف وهما متعلقان بالمنادى قول شوقي: يا طالبا لمعالي الملك مجتهدا ... خذها من العلم، أو خذها من المال وكذلك المستغاث المجرور باللام الأصلية "كما سبق1، وكما يجيء". ومثال المنادى المعطوف عليه قبل النداء ما سمي بمجموع المتعاطفين2 من أسماء الأعداد المتعاطفة قبل مناداتها، نحو: يا سبعة وعشرين - يا تسعة وأربعين ... و ... في نداء المسمى بهما معا. وتظل الواو عاطفة، ومنه قول الشاعر في نداء قصر يرثه، يسمى: خمسا وعشرين: أخمسا وعشرين3 صرت خرابا ... فكيف؟ وأنت الحصين المنيع وقد سبقت أمثلة النعت قبل النداء4. "ملاحظة عامة" من كل ما سبق يتبين أن قسمين من أقسام المنادى الخمسة -هنا: المفرد العلم، والنكرة المقصودة- يبنيان في أكثر حالاتهما على الضمة أو فروعها، وأن الثلاثة الباقية -وهي النكرة غير المقصودة، والمضاف، وشبهه- منصوبة دائما.

_ 1 في ص13 و26 والبيان في ص79. 2 هما: المعطوف والمعطوف عليه. 3 علم على قصر فخم أشم، أقامه أحد ملوك الطوائف الأندلسية، واشتهر بهذا الرقم. 4 في ص28 وفي الأقسام الثلاثة الأخيرة يقول ابن مالك في بيت سبقت الإشارة إليه في ص27: والمفرد المنكور، والمضافا، ... وشبهه، انصب. عادما خلافا يقول: انصب المفرد المنكور "وهو النكرة الباقية على تنكيرها، وليست مضافة ولا شبيهة بالمضاف" وانصب كذلك المضاف، وشبه المضاف، بغير خلاف في نصب الثلاثة؛ إذ إنك لا تجد في نصبها خلافا ذا قيمة. ثم انتقل بعد ذلك مباشرة إلى أبيات ثلاثة شرحها وتفصيل الكلام عليها في مناسباتها الخاصة "ص27 وما بعدها" وهي: ونحو: زيد ضم وافتحن من ... نحو: أزيد بن سعيد لا تهن والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم، قد حتما واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... مما له استحقاق ضم بينا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- في نداء الأعداد المتعاطفة1 المسمى بها قبل النداء -كالتي في الصفحة السالفة- يلاحظ أن المعطوف والمعطوف عليه يجب نصبهما معا عند النداء، بشرط أن يكونا -معا- علما على فرد واحد، سمي بهما قبل النداء؛ فنصب المعطوف عليه واجب؛ لأنه شبيه بالمضاف في الطول، ونصب المعطوف واجب؛ لأنه تابع للمعطوف عليه2 ... وفي هذه الصورة يمتنع إدخال حرف النداء على المعطوف؛ لأنه جزء من العلم يشبه الجزء الأخير من العلم: "عبد شمس" أو "عبد قيس"، أو غيرهما من الأعلام المضافة والمركبة؛ حيث لا يصح تكرار حرف النداء بين جزأي العلم عند مناداته. وكذلك لو ناديت جماعة واحدة، معينة، مقصودة، عدتها هذه، وأردت المجموع فيجب نصب الجزأين؛ لأن المنادى نكرة مقصودة، لكنها طالت، بسبب العطف عليها، فصارت من قسم الشبيه بالمضاف، منصوبة، وما بعد الواو معطوف منصوب مثلها. أما إذا كان المنادى أحد الأعداد المعطوفة، كخمسة وعشرين، ونظائرها، ولكن أردت بالأول وحده -وهو المعطوف عليه المنادى- جماعة معينة عددها خمسة، وأردت بالثاني -وهو المعطوف- جماعة معينة أخرى، عددها عشرون، وجب بناء الأول على الضم؛ لأنه نكرة مقصودة، ووجب نصب الثاني أو رفعه3؛ مراعاة لمحل المتبوع، أو لفظه، من غير مراعاة لبنائه، والأرجح في مثل هذه الصورة إدخال "أل" على الثاني؛ لأنه اسم جنس أريد به معين؛ فتدخل عليه "أل" لتفيده التعريف؛ إذ لم يدخل "عليه -مباشرة- حرف نداء يفيده ذلك،

_ 1 أي: المشتملة على معطوف عليه ومعطوف. 2 والإعراب السابق هو المختار عندهم. على الرغم من أن التسمية وقعت بكلمتين معا فإعراب كل واحد منهما على حدة مشكل -كما جاء في حاشية ياسين على التصريح في هذا الموضع- ثم قالت ما نصه: "إلا أن يقال: إن في إعراب كل بالإعراب الذي استحقه المجموع دفعا للتحكم. كقولهم: "الرمان حلو حامض". 3 هذا الرفع صوري ظاهري فقط؛ طبقا للبيان الآتي رقم3 من ص52.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الحرف الموجود فهو داخل على الأول، مقصور عليه، ولا مانع من الاستغناء عن "أل" هذه، ومجيء حرف نداء مكانها؛ ليفيد المعطوف تعريفا مباشرا، ويجب في هذه الصورة بناؤه على الواو؛ لأنه نكرة مقصودة، ولا تذكر معه "أل"؛ إذ لا تجتمع مع حرف النداء إلا على الوجه الذي سنشرحه في الصفحة التالية. ب- وأيضا تعتبر النكرة المقصودة الموصوفة قبل النداء داخلة في قسم الشبيه بالمضاف. وقد سبق شرحها وتفصيل الكلام عليها1 ...

_ 1 في الزيادة والتفصيل ص28 - "ا".

المسألة 129: الجمع بين حرف النداء، و "أل"

المسالة 129: الجمع بين حرف النداء، و"أل" من أحكام النداء حكم عام تخضع له أقسامه الخمسة، هو: أنه لا يجوز نداء المبدوء "بأل" فلا يصح الجمع بينه وبين حرف1 النداء، إلا في إحدى الحالات الآتية: الأولى: لفظ الجلالة: "الله"؛ نحو: "يا ألله2، سبحانك!! أنت القادرة على كل شيء، المنعم بفيض الخيرات"، والأكثر في الأساليب العالية عند نداء لفظ الجلالة أن يقال: "اللهم"، وهو من الألفاظ الملازمة للنداء3، نحو قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} . وكقول علي -رضي الله عنه- وقد مدحه قوم في وجهه: "اللهم إنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم. اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون". ويقال في إعرابه: "الله" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة المفتوحة عوض عن حرف النداء: "يا"، ومن الشاذ الجمع بينهما، كما في قول القائل. إني إذا ما حدث ألما ... أقول: يا اللهم يا اللهما

_ 1 لا فرق في المنع بين "يا" أو أخواتها. وسبب امتناع الجمع -وهذا ما ذهب البصريين- مسايرة الكلام العربي الفصيح، فإنه يكاد يخلو من اجتماع أداتين ظاهرتين للتعريف، كيا، و"أل". أما دخول "يا" أو غيرها من أحرف النداء على العلم فلا مانع منه؛ لأن العلمية ليست بأداة ظاهرة. والكوفيون يجيزون الجمع بين "يا وأل" مطلقا -كما سيجيء في هامش ص39. 2 يجوز في همزة "أل" عند نداء لفظ الجلالة -الله، دون غيره- بالحرف "يا" أن تكون للقطع، فتظهر وجوبا في النطق وفي الكتابة، وتثبت معها ألف "يا" في النطق والكتابة. ويجوز اعتبارها همزة وصل؛ فتحذف مع ألفها نطقا وكتابة معا، وتحذف ألف "يا" نطقا فقط: لا كتابة، وقد تحذف الهمزة وألفها وتبقى ألف "يا" نطقا وكتابة. 3 كما سيجيء في ص68.

ومن الجائز أن تحذف "أل" من أوله، ويكثر هذا في الشعر، كقول القائل: لا هم إن العبد يمـ ... ـنع رحله؛ فامنع رحالك وقول الآخر1: لا هم هب لي بيانا أستعين به ... على قضاء حقوق نام قاضيها فتكون كلمة: "لاه" هي المنادي المبني على الضم2 ... ولا مانع أن يجيء بعد: "اللهم" صفة له؛ كقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ويمنع هذا بعض النحاة؛ بحجة أن الأسماء الملازمة للنداء "ومنها: اللهم" ليست في حاجة إلى الفائدة التي يحققها النعت لغيرها، ويعرب الصفة إعرابيا آخر -كأن تكون نداء مستأنفا في الآية السالفة- والأنسب الأخذ بالإباحة3 ...

_ 1 هو: حافظ إبراهيم، في مطلع قصيدته المشهورة بالعمرية، في سيرة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. 2 أما "ولاه" التي تتردد في النصوص القديمة كالتي في قول الشاعر: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني، فتخزوني فأصلها "لله" حذفت من أولها لام الجر. 3 هذا، وتستعمل صيغة: "اللهم" في النداء الحقيقي على الوجه السالف. وقد تستعمل قبل حرف من أحرف الجواب؛ لتفيد الجواب تقوية وتمكينا في نفس السامع، وتأكدا لمضمونه؛ كأنه يسأل سائل: أصحيح أن زكاة المال تقي صاحبها عوادي الأيام؟ فتجيب: اللهم، نعم، ومثل: أيخشى الحازم ركوب الأهوال لإدراك نبيل الأغراض؟ فتجيب؛ اللهم، لا. فكأنك تقول: والله، نعم، أو والله، لا، وقد تستعمل لإفادة الندرة، والدلالة على قلة الشيء أو بعد وقوعه وتحققه، كأن يقال: سأسافر لزيارة أخي. اللهم إذا أبى أن يجيء، وسأحدثه في شئونا الهامة، اللهم إذا لم يغضب، فمن النادر أو المستبعد أن يأبى الأخ زيارة خيه، أو الحديث معه. وتعريف في الصورتين الأخيرتين -في الرأي الأنسب- كما تعرف في النداء الحقيقي. ولكن يزاد عند إعرابها: أن النداء غير حقيقي، وأنه خرج عن معناه الأصلي إلى معنى آخر؛ هو: تقوية الجواب وتمكينه وتأكيد مضمونة. أو إفادة الندرة والبعد ...

الثانية: المنادى المشبه به؛ بشرط أن يذكر معه وجه الشبه؛ كقولك لمغن: يا البلبل ترنيما وتغريدا أطربنا - يا الشافعي فقها وصلاحا سر على نهجه - يا المأمون ذكاء وبراعة أحسن محاكاته، أي: يا مثل البلبل ... يا مثل الشافعي ... ، يا مثل المأمون ... فالمنادى في الحقيقة محذوف، قد حل محله المضاف إليه، فصار منادى بعد حذفه، ولا يصح1 يا "القرية" على إرادة: "يا أهل القرية" لأن الشرط هنا مفقود ... الثالثة: المنادى المستغاث2 به، المجرور باللام المذكورة، نحو: يا للولد للولد. فإن لم يكن مجرورا باللام المذكورة لم يصح الجمع بين "يا" و"أل" فلا يقال: يا الوالدا للولد. الرابعة: اسم الموصول المبدوء "بأل" بشرط أن كون مع صلته علما، نحو: يا ألذي3 كتب؛ في نداء مسمى بالموصول مع صلته. والأنسب هنا أن يقال فيه: "إنه مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الحكاية في محل نصب". لأنه في هذه الصورة داخل في عداد الأشياء الملحقة بالمفرد العلم. فإن لم توجد الصلة مع الموصول المبدوء بأل، وكانت التسمية بالموصول وحده لم يصح نداؤه؛ فلا بد لصحة ندائه أن تكون الصلة جزءا من العلم. الخامسة: نداء العلم المنقول من جملة اسمية مبدوءة "بأل"؛ نحو: الرجل زارع؛ تقول: يا ألرجل3 زارع، سر على بركة الله. السادسة: العلم المبدوءة "بأل" إذا كانت جزءا منه3، يؤدي حذفها

_ 1 على سبيل الحقيقة، لا المجاز. 2 سيجيء باب "الاستغاثة" وأحكامها في ص77. وأما الجمع فيها بين "يا، وأل" ففي رقم 3 من ص82. 3 الهمزة هنا للقطع بعد أن صارت في أول علم؛ فيجب إثباتها نطقا وكتابة في كل الأحوال؛ لأن المبدوء بهمزة وصل إذا سمي به يجب قطع همزته؛ لا فرق بين الفعل وغيره، ولا بين الجملة وسواها إلا لفظ الجلالة: "الله" فله عند النداء الأحكام الخاصة التي سبقت "في رقم 2 من هامش ص26" وقد نص "الخضري والصبان" على ما تقدم -في آخر باب النداء، ج3، وهو المفهوم أيضا من كلام "التصريح" ج2 في ذلك الموضع، وكذلك "المعنى" ج2 - الباب السابع. وهذا إشارة في رقم 3 من هامش ص109 ويجيء له بيان أكمل في رقم 2 من هامش ص247.

إلى لبس لا يمكن معه تعيين العلم المنادى؛ نحو: يا الصاحب - يا القاضي - يا الهادي، فيمن اسمه: الصاحب بن عباد، والقاضي الفاضل - والهادي الخليفة العباسي، وأمثالها، ولا التفات إلى الخلاف بين النحاة في هذا1. السابعة: الضرورات الشعرية كقول الشاعر: فيا الغلامان اللذان فرا ... إيا كما أن تعقبانا شرا

_ 1 وهذا رأي البصرييين. أما الكوفيون فيجيزون الجمع بين: "يا وأل" في غير الضرورة -كما تقدم في رقم 1 من هامش ص36. وفيما سبق من حكم اجتماع "أل" وحرف النداء يقول ابن مالك مقتصرا على بعض المواضع: وباضطرار خص جمع "يا" و"أل" ... إلا مع الله، ومحكي الجمل والأكثر: "اللهم"، بالتعويض ... وشذ: يا "اللهم" في قريض "في قريض: في شعر". وقد نص الناظم على امتناع الجمع بين "يا" و"أل" وهذا النص للتمثيل المجرد وليس مقصودا به التقييد بالحرف "يا" لما شرحنا من أن الجمع الممنوع يشمل "يا" مع "أل" كما يشمل أخوات "يا" مع "أل" أيضا.

المسألة 130: أحكام تابع المنادي

المسألة 130: أحكام تابع المنادى 1 من المنادى ما يجب نصب لفظه، ومنه ما: يجب بناؤه على الضم، ومنه ما يصلح للأمرين. وليس للمنادى حكم آخر في حالة الاختيار، إلا في الاستغاثة -وما في حكمها- عند جر المنادى باللام، كما سنعرف في بابها2. أ- فإن كان المنادى منصوب اللفظ وجوبا وتابعه نعت، أو عطف بيان، أو توكيد وجب نصب التابع مطلقا3؛ مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو، يا عربيا مخلصا لا تغفل مآثر قومك، وقول الشاعر: أيا وطني العزيز رعاك ربي ... وجنبك المكاره والشرورا وقول الآخر: يا ساريا في دجى الأهواء معتسفا4 ... مآل أمرك للخسران والندم ومثل: أجيبوا داعي الله يا عربا أهل اللغة الواحدة، والروابط الوثيقة، أو: يا عربا كلكم أو كلهم5 ... و ...

_ 1 أكثر النحاة من الخلاف المرهق، والتفريع الشاق في هذا الباب. وقد صفينا كل أحكامه وفروعه جهد الاستطاعة، مع البسط الذي لا غنى عنه أحيانا، ثم ختمناه بملخص -في ص57- لا يتجاوز أسطرا، فيه غنية للشادي، ومن لا يريد بسطا. والتوابع أربعة معروفة، "هي: النعت، والعطف بنوعيه، والتوكيد، والبدل" وسبق إيضاحها وتفصيل الكلام عليها في آخر الجزء الثالث. 2 ص77. 3 أي: سواء أكان هذا التابع مقرونا بأل، أم غير مقرون -على الراجح فيهما- مضافا، أم غير مضاف. 4 يصح إعراب "معتسفا" نعتا، ويصح حالا؛ لوقوعها بعد نكرة موصوفة؛ هي: ساريا. 5 الضمير المصاحب لتابع المنادى يصح أن يكون للغائب أو للمخاطب. وهذه قاعدة عامة، تسري على توابع المنادى المنصوب، إلا إذا كان التابع اسم إشارة، فلا يصح أن يتصل بآخره علامة خطاب. وكذلك إن كان اسم موصول بالتفصيل الهام الآتي في رقم 2 من هامش ص49. وتطبيقا لهذه القاعدة العامة نقول: يا عربا كلكم أو كلهم، أجيبوا داعي الله -يا هارون نفسك أو نفسه خذ بيد أخيك- يا هذا الذي قمت أو قام؛ أسرع للصارخ.

وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل"1 فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ كالمتبوع؛ مثل: بوركت يا أبا عبيدة عامرا؛ فلقد كنت من أمهر قواد الفتح الأول، أو: بوركتما يا أبا عبيدة وخالدا ... ولا داعي للتمسك بالرأي الذي يجعلهما في حكم المنادى المستقل -وهو القسم الرابع الآتي2. فالنصب هو الحكم العام لجميع توابع المنادى المنصوب اللفظ وجوبا، مع اشتراط التجرد من "أل" في: "عطف النسق3، غير أن نصب التوابع يكون واجبا في بعضها، وجائزا مستحسنا في بعض آخر؛ طبقا للبيان السالف4..

_ 1 وكذا المبدوء "بأل"؛ طبقات لما يأتي في نهاية البيان الذي في رقم 4 من هاشم هذه الصفحة. 2 في ص53. 3 إلا على الرأي الآتي في نهاية البيان الذي في رقم 4 من هامش هذه الصفحة. 4 يكاد النحاة يتفقون على الحالات الثلاث السالفة التي يجب فيها نصب توابع المنادى. أما التي يجوز فيها النصب -وهي حالة البدل. وعطف النسق المجرد من "أل"- فرأيهم مضطرب، وخلافهم بعيد المدى. فجمهرتهم -وهذا غريب- توجب اعتبار كل منهما بمنزلة منادى مستقل، يخضع لحكم المنادى المستقل -1- فنقول في البدل: بوركت يا أبا عبيدة عامر ... ببناء كلمة: "عامر" على الضم؛ لأنها مفرد علم. ويقولون: بورتك يا أمير الجيش يا أبا عليدة؛ بنصب كلمة: "أبا" لأنها في حكم المنادى المضاف. وقد بنوا حكمهم هذا على أساس "أن البدل على نية تكرار العامل" ولما كان العامل هنا -في رأيهم- هو حرف: "يا" أو أحد أخوته كان مقدرا وملحوظا قبل البدل أيضا، فكأنها تقول: "يا عامر، ويا أبا عبيدة". فالبدل بمنزلة منادى جديد يخضع لحكم النداء؛ كما قلنا. وهذا الكلام مردود من ناحتين "وحبذا تركه، وترك الرد عليه، والاكتفاء بالحكم السالف الذي ارتضيناه". أولاهما: أن القاعدة التي يتمسكون بها ليست قاعدة مطردة، ولا محل اتفاق، فالذي لا يؤمن بها -لأسباب عنده قوية- لا يجد مسوغا لإعراب التابع هنا منادى مبنيا على الضم؛ إذ لا وجه لهذا الإعراب عنده. ثانيتهما: أن اعتبار التابع منادى بحرف ملحوظ مقدر، أو بالحرف المذكور في صدر الجملة "عند من يرى هذا" سيخرج التابع من نطاق التبعية ويدخله في نطاق آخر ليس موضوع البحث؛ هو نطاق: "المنادى". لهذا تساءل بعض المحققين: كيف نقول في أمثال تلك الكلمة إنها مبنية على الضم لتبعيتها المنادى، مع أن التبعية إما أن تكون لمراعاة اللفظ أو المحل، والمنادى هنا منصوب مباشرة، ليس له محل. فكيف نعتبرها تبعا له؟ ... "راجع حاشية ياسين على شرح التوضيح في هذا الموضوع" ... =

وهناك حالة يجب فيها جر التابع -في رأي النحاة- هي التي يقع فيها المتبوع "المنادى" مجرورا باللام -وهذا لا يكون إلا في الاستغاثة، وما في حكمها- نحو: يا للوالد والوالدة فالأولاد1.

_ = وشيء آخر أهم من الجدل السالف؛ هو ما نص عليه سيبويه -في الجزء الأول من كتابه ص304- قال للخليل: "أرأيت قول العرب: "يا أخانا زيدا أقبل". قال: عطفوه "أي: هو عطف بيان" على هذا المنصوب، فصار نصبا مثله. وهو الأصل؛ لأنه منصوب في موضوع نصب. وقال قوم: يا أخانا زيد -بالبناء على الضم- وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله، وهو قول أهل المدينة. قال هذا بمنزلة قولنا: يا زيد؛ كما كان قوله: يا زيد أخانا. بمنزلة: "يا أخانا" فيحمل وصف المضاف إذا كان منادى. ويا أخانا زيدا أكثر في كلام العرب لأنهم يردونه إلى الأصل ... ". ا. هـ. ومن هذا النص الحرفي يتبين أن النصب هو الأصل، وأنه الأكثر في المسموع، وهذا هو الأهم. فلم نعدل عنه إلى غيره مما ليس له قوته، ولا كثرته، ولا وضوحه، وإن قال به قوم، أو اعتبروه عطف بيان، بلا رغم وضوح البدلية في المثال؟ ب- أما عطف النسق المجرد من "أل" فيقولون: إن حرف العطف معه بمنزلة عامل النداء فكأن حرف العطف داخل على منادى مستقل تجري عليه أحكام المستقل، فيبنى على الضم في مثل: بوركت يا أبا عبيدة وخالد؛ لأنه مفرد علم، وينصب في مثل: بوركتم يا جنود الفتح وأبا عبيدة، بنصب كلمة "أبا" معربة. فما معنى أن حرف العطف بمنزلة العامل؛ إن قلنا في كلمة: "خالد" إنها منادى، فليست إذا بمعطوفة؛ لأن العطف يقتضي نصبها. وإن قلنا نها معطوفة على ما قبلها فما قبلها منصوب. فمن أين جاء البناء على الضم؟ قد يقال: إنه على تقدير حرف النداء المحذوف: "يا" وحرف النداء مع المنادى جملة معطوفة على الجملة الندائية الأولى، فلم يعتبر التابع هنا منادى، مع أنه لو وصف بكلمة: "ابن" أو "ابنة" لم يعتبر ... ؟. وفي هذا كله من الحذف والتقدير والضعف من بعض النواحي ما يقتضي تفصيل الرأي الذي يبيح النصب، وهو رأي يؤيده السماع أيضا ... هذا إباحة النصب واستحسانه تشمل المبدوء بأل، والمجرد منها. غير أن الأفضل في المبدوء بأل أن يكون نصبه راجعا لاعتباره معطوفا على المنادى، أو لاعتباره مفعولا به لفعل محذوف، أو منصوبا بعامل آخر يقتضي النصب. ولا يصح اعتباره منادى بحرف نداء محذوف؛ لما يترتب على هذا من الجمع بين "أل" وحرف النداء في غير المواضع التي يباح فيها الجمع. "انظر ما يتصل بالحكم السابق، في رقم 4 من ص53". 1 لا يجوز عند أصحاب هذا الرأي، إلا الجر في التابع؛ لأن المتبوع -المنادى- مجرور اللفظ بحرف جر أصلي. وإذا كان المنادى المستغاث مختوما بزيادة ألف الاستغاثة، نحو: يا عليا، ومحمودا" لم يجز في توابعه الرفع عند فريق، فلا يصح: "ومحمود" لأن المتبوع مبني على الفتح، ويجوز عند فريق آخر الرفع والنصب؛ لاعتبار المنادى مبنيا على ضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة -في محل نصب؛ فيجوز في توابعه الرفع الشكلي والنصب. وهذا الرأي أوضح وأنسب. وسيجيء في ص45 وفي باب الاستغاثة ص81.

ويخيز فيه فريق من النحاة أمرين: الجر مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، وهذا الرأي أحسن -كما يجيء1 في بابها2. ب- وإن كان المنادى مبنيا وجوبا على الضم -لفظا أو تقديرا- فتوابعه إما واجبة النصب فقط، وإما واجبة الرفع الشكلي فقط، وإما جائزة الرفع الشكلي والنصب، وإما بمنزلة المنادى المستقل، وفيما يلي بيان هذه الحالات الأربع: 1- يجب -على الأشهر- نصب التابع؛ مراعاة لمحل هذا المنادى، "ولا يصح مراعاة لفظه" في صورة واحدة، هي: أن يكون التابع نعتا3، أو عطف بيان، أو توكيدا، بشرط أن يضاف التابع في الثلاثة إضافة محضة -وهذه تقتضي أن يكون المضاف مجردا من "أل"؛ كقولهم: يا زياد أمير العراق بالأمس، نشرت لواء الأمن، وطويت بساط الدعة- يا أهرام أهرام الجيزة، أنتن من عجائب الآثار، شمر الإخوان من يساير الزمان؛ يقبل معه ويدبر معه؛ فاحذروا هذا يا أصدقاء كلكم4. فإن لم يتحقق الشرط خرجت التوابع المذكورة من هذا القسم ودخلت في الحالة الثالثة الآتية5 "حيث يصح فيها الرفع الصوري؛ مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله"؛ كأن يقع التابع مفردا مقرونا بأل6؛ مثل:

_ 1 ص77. 2 وإذا علمنا بهذا الرأي صار النصب حكما عاما يشمل جمع أنواع التابع للمنادى المنصوب بالتفصيل السالف. 3 بشرط ألا يكون منعوته "المنادى" اسم إشارة، ولا كلمة: "أي" أو: آية ... وإلا وجب رفع النعت صورة. لدخوله في حكم الحالة الآتية الخاصة به، وهي الثانية. 4 انظر رقم 5 من هامش ص40. 5 انظر ص52. ويتضح الرفع الصوري بما في رقم 1 من هامش ص47. 6 انظر رقم 1 من هامش ص52.

يا زياد الأمير، أو خاليا من "أل" ومن الإضافة المحضة1؛ مثل: يا رجل محمد -بالتنوين- أو محمدا، أو يكون مضافا إضافة غير محضة1؛ نحو: يا مسافر راكب2 السيارة، أو الراكب السيارة، حاذر عواقب الإسراع. أو يكون عطف نسق، أو بدلا، ولهذين حكمها الخاص ... إلى غير هذا مما سيجيء بيانه مفصلا3 ...

_ 1 و1 سبق الكلام عليها مفصلا أول الجزء الثالث. 2 لا يقال في هذا المثال وأشباهه إن النعت نكرة، بسبب إضافته غير المحضة، مع أن المنعوت نكرة مقصودة؛ وهي معرفة بالقصد والإقبال مع النداء -لا يقال هذا؛ لما سبق في رقم 1 من هامش ص128؛ وفي ص29 وفي "د" ص30" من أنه يتسامح في التعريف الطارئ كتعريفها. ولهذا لا يصح أن ينعت بالمضاف المذكور إلا النكرة المقصودة. "راجع الصبان والخضري في هذا الموضع؛ ولها بيان سابق في ج3 "باب الإضافة" عند الكلام على أثر الإضافة م93 رقم 2 من هامش ص31 وكذلك في "باب النعت" هناك عند الكلام على المطابقة م114 ص435". 3 في ص52 وإلى وجوب النصب السالف أشار ابن مالك في باب مستقل عنوانه: "فصل" قائلا: تابع ذي الضم المضاف دون "أل" ... ألزمه نصبا؛ كأزيد ذا الحيل "المراد: "بذي الضم"، هو المنادى المبني على الضمة، وما ينوب عنها، من كل ما يكون في آخر المنادى العلم، والنكرة المقصودة، ويشمل المبني قبل النداء". يقول: إن تابعه المضاف المجرد من "أل" يلتزم النصب، ومثل بمثال هو: "أزيد" ذا الحيل، أي: يا زيد؛ صاحب الحيل. فالمنادى: زيد، مبني على الضم، وتابعه هو "ذا" نعت منصوب بالألف وهو مضاف، و"الحيل" مضاف إليه. وقد يفهم من ظاهر البيت أن جميع توابع المنادى المبني على الضم لازمه النصب، بشرط الإضافة والخلو من "أل" وكذلك توابع المنادى الذي ليس مبنيا على الضم، وهو المنادى المنصوب اللفظ -لكن يمنع م هذا الفهم ويزيله قوله بعد ذلك مباشرة: وما سواه ارفع أو انصب، واجعلا ... كمسنقل نسقا وبدلا فقد صرح في هذا البيت بأن حكم عطف النسق والبدل كحكم المنادى المستقل "يعربان في حالات ويبنيان في حالات" وما عداهما مما لا يدخل في نطاق البيت الأول واختصاصه يجوز رفعه ونصبه. ولما كان بيته الثاني يدل على أن عطف النسق مطلقا "مجردا من أل أو مقرونا بها" يجري عليه حكم المنادى المستقل وهذا غير صحيح إلا في المجرد -أسرع وتدارك الأمر في البيت الثالث حيث يقول: وإن يكن مصحوب "أل" ما نسقا ... ففيه وجهان: ورفع ينتقى =

"وتجب الإشارة إلى أن حركة التابع المرفوع على الوجه السالف ليست حركة إعراب ولا بناء؛ ولذلك ينون إذا خلا من أل والإضافة1 و ... فهي طارئة لتحقيق غرض معين، هو: المشاركة الصورية في المظهر اللفظي بين التابع والمتبوع؛ فلا تدل على شيء غير مجرد المماثلة الشكلية، ومن التساهل في التعبير أن يقال في ذلك التابع إنه مرفوع. أما الإعراب الدقيق فهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع الشكلية للفظ المنادى -كما سيجيء في القسم الثالث". ومن النحاة من يوجب النصب في صورة ثانية2؛ هي التي يكون فيها المنادى المبني على الضم مختوما بألف الاستغاثة؛ نحو: يا جنديا وضابطا، أدركا المستغيث. فلا يجوز عنده في التابع -مهما كان نوعه، ومنه كلمة: "ضابطا" في المثال- إلا النصب مراعاة لمحل المنادى المبني على الفتح الطارئ بسبب الألف. لكن التحقيق والترجيح يقطعان بجواز النصب، وبجواز الرفع المباح في توابع المنادى المبني على الضم3. 2- ويجب رفع التابع مراعاة شكلية للفظ ذلك المنادى في صورتين: إحداهما: أن يكون التابع نعتا، ومنعوته -المنادى- هو كلمة: "أي" في التذكير، "وأية" في التأنيث؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ

_ = "ينتقى= يختار" كذلك يفهم من البيت الثاني أن الرفع والنصب جائزان في تابع المنادى إذا كان المنادى "أي" أو "أية". وهذا غير صحيح كما شرحناه في القسم الثاني الواجب رفعه. ولمنع هذا الفهم صرح بأن النعت بعدهما يجب رفعه واقترانه "بأل" وأنهما لا يوصفان إلا بمرفوع مقترن بها. وكذلك اسم الإشارة المنادى لا يكون نعته إلا مرفوعا مقترنا بها "وله تفصيلات أوضحناها في الشرح الآتي" يقول: و"أيها" مصحوب "أل" بعد صفة ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة و"أي هذا" "أيها الذي" ورد ... ووصف: "أي" بسوى هذا يرد وذو إشارة كأي في الصفة ... إن كان تركها يفيت المعرفة 1 كما سيجيء في ص52 لأن المبني لا ينون في الغالب. 2 تقدمت الأولى في ص43. 3 راجع ما سبق في رقم 1 من هامش ص42 وما يأتي في ص81.

فَاسْتَمِعُوا لَهُ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . "فأي وأية" مبنيتان على الضم في محل نصب؛ لأن كلا منهما منادى، نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمه لا تفارقهما1 وكلمتا: "الناس والنفس". "وأشباههما"، نعتان متحركان بحركة مماثلة وجوبا لحركة المنادى، مراعاة لمظهره الشكلي2 فقط، مع أنه مبني، وهما صفتان معربتان، منصوبتان محلا، لا لفظا3 "أي: أنهما منصوبتان تبعا لمحل المنادى" بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادى في صورته الشكلية4؛ فالضمة التي على آخرهما هي الحركة الطارئة للمشاركة، ولا توصف بإعراب، ولا بناء -كما تقدم5. وكما يجب الإتباع بالرفع الشكلي الصوري في صفة "أي وأية" يجب -في

_ 1 ويجوز حذف ألفها وتحريكها إذا لم يقع بعدها اسم إشارة. 2 لهذا المظهر الشكلي بيان مفيد في ج1 م7 ص98 موضوع: أنواع الإعراب. 3 والمازني يجيز في لفظهما النصب أيضا -كما سيجيء في رقم 1 من الهامش التالي، وكذا في أشباههما مما يكون نعت: "أي أو أية" وله ما يؤيده من السماع، ومن بعض القراءات القرآنية -وإن كانت تلك القراءة شاذة- كما صرح بهذا الصبان. وشذوذها لا يمنع محاكاتها بعد أن قرئ بها القرآن. 4 وقد تكون ضمة المماثلة مقدرة؛ كقول المتنبي: ترفق أيها المولى عليهم ... فإن الرفق بالجاني عتاب يريد: يا أيها المولى. ويكون لهذه الضمة المقدرة من الآثار في التوابع وغيرها ما يكون للظاهرة. كما أشرنا. 5 انظر ص49 وإلى هذه الصورة يشير ابن مالك بقوله السالف: و"أيها" مصحوب "أل" بعد صفة ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة "بعد، الأصل: بعد كلمة: "أيها" يريد: ما كان نعتا مبدوءا بأل بعد كلمة: أيها -يلزم بالرفع، وقتصر عليه. ثم بين بعد ذلك ما يصلح نعتا لأي وأية عند النداء، مقتصرا على اسم الإشارة والموصول: و"أي هذا" "أيها الذي" ورد ... ووصف أي بسوى هذا يرد يريد: ورد عن العرب: "أي هذا، وأيها الذي"؛ فالنعت الوارد مقصور على اسم إشارة واسم الموصول المبدوء بأل. ونعت "أي" بغيرهما يرد، أي: يرفض ويستبعد.

الشائع- كذلك في صفة صفتهما، وفي كل تابع آخر للصفة ففي مثل: "بارك الله فيك يأيها الطبيب الرحيم"، يتعين الرفع وحده في كلمة: "الرحيم" التي هي صفة للصفة، لعدم ورود السماع بغيره، بالرغم من أن المنعوت.. الطبيب في محل نصب، فعدم ورود السماع بالنصب يقتضي امتناع نصب التابع، وعدم إباحته مطلقا، لا لفظا ولا محلا1..

_ 1 يحتاج هذا الحكم إلى نوع من التفصيل والإيضاح الذي يزيل أثر الخلاف النحوي، واضطراب الآراء فيه، ويبين ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 3 من هامش ص46". نقل الأشموني -وغيره- أن كلمة: "أي" إذا نوديت كانت نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه، وتؤنث أي "لفظا" لتأنيث صفتها؛ نحو: يا أيها الإنسان - يا أيها النفس ... ويلزم تابعها الرفع. وليس المراد بالرفع رفع الإعراب، وإنما المراد به ضمة الإتباع التي يقصد بها مجرد المشاكلة والمماثلة لحركة المتبوع. وهذه الضمة لا توصف بإعراب، ولا بناء -كما قرره الصبان، وبسطناه من قبل- وأجاز المازني "كما في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة" في هذا التابع نصبه، قياسا على غيره من تابع أنواع المنادى المبني على الضم ... ثم قال الأشموني: إنما لزم رفع التابع لأنه المقصود بالنداء، وقد جاءت "أي" وصلة ووسيلة لنداء ما فيه "أل". وهنا قال الصبان ما نصه الحرفي: "قوله: "إن المقصود بالنداء هو التابع" -ومع ذلك ينيغي ألا يكون محله نصبا؛ لأنه بحسب الصناعة ليس مفعولا به، بل تابع له. ويؤيد هذا قول ابن المصنف، وسيذكره الشارح "الأشموني" أيضا: إنه لو وصفت صفة "أي" تعين الرفع". ا. هـ. ومن الكلام السابق تبين صراحة أن التابع لا يكون هنا منصوبا مطلقا، لا لفظا، ولا محلا. لكن الصبان قال بعد ذلك كلاما قويا موافقا للضوابط والأصول العامة يعترض على ما سبق، ونصه: "أنا أقول: يرد عليه أن تابع ذي محل، له محل متبوعه. وحينئذ ينبغي أن يكون محل تابع "أي" نصبا، وأن يصح نصب نعته. ويؤيده ما قدمناه -قريبا قبل ذلك بصفحتين- عن الدماميني في: "يا زيد الظريف صاحب عمرو" أنه إ، قدر: "صاحب عمرو" نعتا للظريف، لفظ به كما يلفظ النعت؛ إن رفعا فرفع، وإن نصبا فنصب، على ما بيناه سابقا. اللهم إلا أن يكون منع نصب نعت تابع "أي" لعدم سماعه أصلا. "نعم يصح ما بحثه من أنه ليس لتابع "أي" محل نصب، ولا يجوز نصب نعته على اعتبار أن رفع التابع هو رفع إعراب، وأن عامله فعل مقدر مبني للمجهول، والتقدير: "يدعى العاقل" كما مر لكن ما بعد "أي" على هذا التقدير ليس تابعا لأي في الحقيقة، فلا يظهر حمل كلامه على هذا مع قوله: "إنه تابع له. فتأمل". ا. هـ. فالصبان يرى أن تابع "أي" لا بد أن يكون منصوبا محلا مثل المتبوع "أي" لأن كلمة "أي" مبنية على الضم في محل نصب" والشأن في التابع -دائما- أن يكون له محل كمحل المتبوع. وهذا كلام صحيح قوي لا يعترض الأخذ به إلا عام ورود السماع به، وللسماع الأهمية الأولى في انتزاع حكم لا يعتوره عيب أو ضعف ... من أجل ذلك كان الاقتصار على رأي الأشموني -ومن وافقه- أنسب؛ مبالغة في الاحتياط؛ لأنه رأي متفق عليه؛ إذ لا يعترض عليه الصبان -أو غيره- وإنما يرى الصبان أن يزيد عليه إباحة النصب المحلي، وهذه الإباحة قد أضعفها عدم ورود السماع بها.

ثانيتهما: أن يكون التابع نعتا، والمنعوت -المنادى- اسم إشارة للمذكر، أو للمؤنث؛ جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء "بأل"1؛ لأن المبدوء بها لا يجوز مناداته بغير واسطة -إلا في بعض مواضع سبقت-2 نحو: يا هذا السائح، لا تتعجل في حكمك، ويا هذه السائحة لا تتعجلي ... فالمنادى مبني على ضم مقدر في محل نصب؛ فيجب رفع النعت في المثالين وأشبهاههما، رفعا صوريا؛ لا يوصف بإعراب، ولا بناء -كما سبق- وإنما هو رفع جيء به مراعاة شكلية للضم المقدر في اسم الإشارة المنعوت -المنادى- ولا يصح النصب؛ لأن النعت هنا بمنزلة المنادى المفرد المقصود، لا يصح نصب لفظه نصبا مباشرا. ووجود النعت على هذه الصورة ضروري، ليدل على المشار إليه، ويكشفه. ويجب مطابقة اسم الإشارة للمشار إليه في الإفراد والتذكير وفروعهما. أما إن كان المراد نداء اسم الإشارة فيجوز في التابع الأمران3 -كما سيأتي في القسم الرابع.

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك بيتا ألمحنا له في ص45: وذو إشارة كأي في الصفة ... إن كان تركها يفيت المعرفة "ذو إشارة: المنادى الذي هو إشارة" يريد: أن المنادى إذا كان اسم إشارة فإنه يحتاج -كأي- إلى نعت معرفة مرفوعة مقرونة "بأل" من اسم جنس، أو اسم موصول. ولا يصح هنا أن يكون نعته اسم إشارة مثله -كما سيجيء في رقم 2 من ص50 وبين أن حاجة اسم الإشارة للنعت واجبة إن أدى ترك النعت إلى عدم معرفة المشار إليه. أما إذا لم يؤد لذلك فالنعت ليس واجبا. 2 في ص36. 3 لأن التابع سيعرب في هذه الحالة صفة، أو عطف بيان، وكلاهما مفرد، فيدخل في القسم الرابع الذي يجوز فيه الأمران.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- يجب إفراد "أي، وأية" عند وقوعهما منادى؛ فلا يصح أن تلحقهما علامة تثنية، أو جمع؛ سواء أكانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ نحو: يا أيها الناصح اعمل بنصحك أولا -يا أيها المتنافسان ترفعا عن الحقد- يا أيها الطلاب أنتم ذخيرة البلاد. يا أيتها الناصحة اعلمي ... - يا أيتها المتنافستان - يا أيتها الطالبات اعملن ... أما من جهة التأنيث والتذكير فالأفضل الذي يحسن الاقتصار عليه عند النداء -وإن كان ليس بواجب- هو أن تماثل كل منهما صفتها، فمثال التذكير ما سبق، ومثال التأنيث أيضا: يا أيتها الفتاة أنت عنوان الأسرة - يا أيتها الفتاتان أنتما عنوان الأسرة - يا أيتها الفتيات أنتن عنوان الأسرة. ويجوز في "أي" المجردة من التاء، عدم المماثلة "ولكنه ليس الأحسن" فتظل بصورة واحدة للمذكر والمؤنث، ولا يصح هذا في "أية" المختومة بالتاء، فلا بد من تأنيث صفتها المؤنثة. ولا بد من وصف "أي وأية" عند ندائهما؛ إما باسم تابع في ضبطه لحركتهما اللفظية الظاهرة وحدها1 معرف بأل الجنسية في أصلها، وتصير بعد النداء للعهد الحضوري، وإما باسم موصول مبدوء بأل2، وإما باسم إشارة مجرد من

_ 1 يجيز فيه بعض النحاة النصب -طبقا لما سبق في رقم 3 من هامش ص46 مراعاة للمحل كنظاره- أما الذين يمنعون النصب فحجتهم أن نصبه لم يرد في المسموع. 2 اشترط "الهمع" ج1 ص175 أن يكون الموصول مصدرا بأل، وصلته خالية من الخطاب؛ فلا يقال: يا أيها الذي قمت. في حين نقل الصبان "ج3 أول فصل: تابع المنادى" صحة ذلك قائلا ما نصه: "ويجوز: يا أيها الذي قام، ويا أيها الذي قمت". ا. هـ. والظاهر أن الذي منعه "الهمع" ليس بالممنوع، ولكنه غير الأفصح في الكلام المأثور؛ بدليل ما قرره أكثر النحاة ونصه: "كما نقله الصبان ج3 أول تابعا لمنادى؛ تعليقا على المثال النحوي الذي عرضه الأشموني؛ وهو: يا تميم كلهم، أو كلكم": "الضمير في تابع المنادى يجوز أن يكون بلفظ الغيبة؛ نظرا إلى كون لفظ المنادى اسما ظاهرا، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة، وبلفظ الخطاب؛ نظرا إلى كون المنادى مخاطبا؛ فعلمت أنه يجوز أيضا يا زيد نفسه، أو نفسك. قاله الدماميني ... ". ا. هـ. ثم قال الصبان بعد ذلك: "ويجوز يا أيها الذي قام وا أيها الذي قمت". ا. هـ. وقد أشرنا لما سبق في ج1 م19 ص184 وفي ص343 أيضا.

كاف الخطاب1، ويتحتم -في الرأي الأشهر والأولى- أن يكون اسم الموصول واسم الإشارة تابعين في ضبطهما لحركة المنادى الشكلية الظاهرة وحدها؛ فيكون كل منهما مبنيا في محل رفع فقط2؛ تبعا لصورة المنعوت -المنادى- نحو: يا أيها العلم الحفاق، تحية، ويا أيتها الراية العزيزة سلمت على الأيام، أو: يا أيها الذي يخفق فوق الرءوس، ويا أيتها التي ترفرفين سلمت ... ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وقول الشاعر: أيها ذا الشاكي وما بك داء ... كن جميلا تر الوجود جميلا فإن كانت "أل" ليست جنسية بأن كانت زائدة في أصلها ولكنها صارت بعد النداء للعهد كالمحمدين، أو: زائدة لازمة لأنها قارنت الوضع؛ مثل: السموءل والتسع، أو غير لازمة، مثل اليزيد، أو للمح الأصل كالحارث، أو للغلبة كالنجم ... -لم يصح النعت بما دخلت عليه؛ فلا يقال: يا أيها السيف، ولا يا أيها الحرب، لرجلين اسمهما: سيف وحرب، ولا يا أيها المحمدان ... أو المحمدون. وكذلك لا يقال: يا أيها ذاك العالم؛ لاشتمال الإشارة على كاف الخطاب1. وإذا وصفت "أي وأية" باسم الإشارة السالف فالأغلب وصفه أيضا باسم مقرون بأل، كالبيت المتقدم3 ... 2- إذا اقتضى الأمر وصف اسم الإشارة المنادى أو غير المنادى فالأغلب أن يكون الوصف معرفة مبدوءة بأل الجنسية بحسب أصلها "وتصير بعد النداء

_ 1 و1 منعا لاشتمال الجملة الواحدة -في غير الندبة- على خطابين لشخصين مختلفين، بالإيضاح الذي سبق "في رقم 6 من هامش ص31" سواء أوجدت إضافة؛ كالمثال الذي هناك، أم لم توجد؛ كالمثال الذي هنا. 2 وبعضهم يجيز النصب، على المحل -طبقا لما سلف في رقم 1 من هامش ص94. 3 وفي الجزء الثالث م114 ص337 إشارة لهذا.

للعهد الحضوري"، أو: باسم موصول مبدوء "بأل"1، نحو: يا هذا المتعلم، حصن نفسك بالخلق الكريم، والطبع النبيل؛ فإن في هذا التخصين كمال الغاية، وتمام المقصد - يا هؤلاء الذين آمنوا كونوا أنصار الله ... ، ولا يصح أن يكون النعت اسم إشارة2. ومن الجائز إعراب هذا الاسم المبدوء "بأل" عطف بيان؛ سواء أكان مشتقا كالمثال السالف، أم غير مشتق؛ نحو: يا هذا الرجل ... لكن الأحسن إعراب المشتق نعتا، وإعراب الجامد عطف بيان. ويقول النحاة: ليس من اللازم أن يوصف اسم الإشارة إلا إذا كان وصله لنداء ما بعده، ولم يكن هو المقصود بالنداء؛ لدليل يدل على ذلك. أما إن قصد نداء اسم الإشارة، وقدر الوقف عليه "بأن عرفه المخاطب بدون نعت، كوضع اليد عليه ... " فلا يلزم نعته. ولا رفع نعت نعته3. 3- يتردد في هذا الباب لفظ: "المنادى المبهم" يريدون به: "المنادى الذي لا يكفي في إزالة إبهامه النداء، ومجرد القصد والإقبال، وإنما يحتاج معه إلى شيء آخر يكمل تعريفه"، ويقصدون: "أي". و"أية" "واسم الإشارة" لشدة احتياج كل منها إلى الصفة بعده. أما في غير النداء فيريدون بالاسم المبهم: الإشارة، واسم الموصول4 ... وبعض الظروف وأسماء الزمان التي سبق الكلام عليها في بابها من الجزء الثاني.

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص47 السابقة لأهميته. 2 سبق النص على هذا في رقم 1 من هامش ص48 وهناك شروط أخرى يجب تحقيقها إذا كان المنعوت اسم إشارة. وقد سبق بيانها في باب النعت "ج3 م114 ص377". 3 لأن حكم نعت النعت في هذه الحالة هو حكم النعت. 4 طبقا لما سبق في أول الموصول ج1 م26.

3- ويجوز رفع التابع ونصبه في المفرد من نعت، أو عطف بيان، أو توكيد، وكذلك في النعت المضاف المقرون بأل1، وفي عطف النسق المقرون "بأل"؛ نحو: يا معاوية الحليم؛ بلغت بالحلم المدى. أو الواسع الحلم، بنصب كلمتي: الحليم، و"الواسع" مراعاة لمحل المنادى، وبضمهما مراعاة صورية شكلية للحركة اللفظية الظاهرة في المنادى من غير أن يتأثر النعت ببناء المنادى؛ فالمنادى مبني على الضم، أما النعت فمعرب شكلا، ولكن الحركة التي على آخره حركة عرضية، لا تدل على إعراب أو بناء؛ ولهذا يجب تنوين التابع إذا خلا مما يعارض التنوين كأل والإضافة، "كما سبق"2 فقد أريد منها أن تشابه حركة المنعوت في الصورة اللفظية المحضة. ويقال في إعراب النعت ما أشرنا به، وهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي جاءت للإتباع والمشاركة بين حركة النعت ومتبوعه المنادى3، ومن التسامح في التعبير أن يقال في هذا التابع مرفوع. ومثل: يا أحمد المتنبي قتلك غرورك. برفع "المتنبي" أو نصبه على التوجيه السالف. ومثل: أنتم ذخيرة الوطن يا طلاب أجمعون، أو أجمعين، برفع كلمة: أجمعون، أو نصبها، ومثل: يا محزون والمكروب، إن حمل الهموم جنون ... وفي هذه الصورة الأخيرة، لا يصح اعتبار التابع كالمنادى المستقل عند من يرى ذلك، ولا ملاحظة حرف نداء قبله؛ إذ لا يجتمع هنا حرف النداء و"أل"4 ...

_ 1 اقترانه "بأل" يقتضي أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع و"أل". وتكاد تنحصر هذه الإضافة في تابع واحد هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع تلك الإضافة. أما عطف البيان فالأغلب أن يكون جامدا؛ فلا تجتمع فيه الإضافة و"أل". وأما التوكيد المعنوي فألفاظه معارف -كما سبق في بابه- فلا تقترن "بأل" التي للتعريف. ومن المهم ملاحظة الفوارق بين هذا التابع الذي يجوز فيه الأمران، والتابع الذي يجب نصبه، وقد سبق في "1" ص73. 2 في ص45. 3 يتضح الرفع الصوري بما في رقم 1 من هامش ص47 ولا ينطبق الحكم السابق على النعت المنادى النكرة المقصودة إلا بشرط أن يكون طارئا بعد ندائها. أما النعت السابق على ندائها فيجعلها شبيها بالمضاف واجب النصب "كما سبق في ص28" فيتعين نصب النعت. 4 انظر ما سبق متصلا بعطف النسق ص34.

4- ويعتبر التابع كالمنادى المستقل عند فريق من النحاة دون فريق1 إذا كان بدلا، أو كان عطف نسق خاليا من "أل"2؛ فيبنى كل منهما على الضم إن كان مفردا معرفة -بالعلمية أو بالقصد- وينصب إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف؛ فمثال البناء على الضم: يا جيش قادة3 وجندا أنت حمى البلاد، ببناء كلمة: "قادة" على الضم، كبنائها لو كانت منادى. وكذلك لو قلنا: يا قادة وجنود أنتم حمى البلاد؛ فتبنى كلمة: "جنود" على الضم ما دام الخطاب لمعين في الصورتين. ومثال النصب: يا جيشُ جيشَ الوطن تيقظ، أو: يا شباب وغير الشباب، لا تقصروا في إنهاض البلاد. بنصب كلمتي "جيش" و"غير"، لإضافتهما، فهما في حكم المسبوقتين بأداة النداء ... والأحسن عند مجاراة هذا الفريق الأخذ بالرأي القائل: إن عامل البناء على الضم وعامل النصب هو حرف النداء المذكور في أول الجملة4 ... وأفضل من كل ما سبق الاقتصار على النصب؛ مجاراة للفريق الآخر الذي لا يوافق على اعتبار البدل وعطف النسق المجرد من "أل" في حكم المنادى المستقل للأسباب التي أسلفناها5. ج- وإن كان المنادى6 مما يصح نصبه وبناؤه على الضم فأمره محصور

_ 1 سبق عرض الرأيين في رقم 4 من هامش ص41. 2 لأن المبدوء بأل لا ينادى إلا في مواضع سبقت في ص36. 3 على اعتبار كلمة: "قادة" بدل جزء من كل، برغم خلوها من الضمير؛ لأن المبدل منه قد استوفى كل أقسامه، أو لأن الضمير الرابط محذوف؛ أي: قادة منه وجند. "وقد سبق تفصيل هذا في ج3 ص487 م23 باب: البدل". 4 لن يترتب على الأخذ بهذا الرأي فساد، وهو خال من كل اعتراض ينشأ عن الرأي القائل إن العامل هو الحرف: "يا" المحذوف الملحوظ، أو عامل آخر محذوف؛ كفعل أو شبهه. وقد تقدم "في رقم 4 من هامش ص41" تفصيل الرأيين، وسبب الترجيح. 5 في رقم 4 من هامش ص41. 6 هذا هو القسم الأخير من الأقسام الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها في أول ص40.

-غالبا- في نوعين، لكل منهما حكمه وحكم تابعه. أولهما: المنادى الموصوف بكلمة "ابن" أو "ابنة"، وقد سبق تفصيل الكلام عليه1.... ثانيهما: المنادى المفرد الذي تكرر لفظه بشرط إضافة اللفظ الثاني المكرر: سواء أكان المنادى المفرد علما، أم اسم جنس، أم اسما مشتقا2 فمثال المكرر العلم: يا صلاح صلاح الدين الأيوبي: ما أطيب سيرتك!! وقول الشاعر: أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى، وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف ومثال اسم الجنس المكرر: يا غلام القوم كن أمينا على أسرارهم، ومثال المشتق المكرر: يا راصد راصد النجوم. ماذا رأيت من عجائب الكون؟ ... وحكم المنادى في مثل هذا الأسلوب جواز النصب، والبناء على الضم. وحكم التابع وجوب النصب في الحالتين؛ طبقا للبيان التالي: 1- ففي حالة نصب الأول -أي: المنادى- يكون السبب راجعا إما: لاعتبار هذا المنادى مضافا للمضاف إليه المذكور في الكلام، والاسم الثاني المكرر مقحما3 بين المتضايفين "ويعرب توكيدا لفظيا للأول، أو مهملا زائدا" ... وإما: لاعتبار المنادى، مضافا إلى محذوف يماثل المذكور؛ وأصل الكلام: يا صلاح الدين صلاح الدين بإضافتين في الأسلوب الواحد، ويكون الاسم الثاني منصوبا على هذا لرأي -توكيدا لفظيا4 أو: بدلا، أو: عطف

_ 1 في ص18 و20 و21 بيان إعرابهما عند وقوعهما نعتا للمنادى. 2 سبب النصب على هذه الأنواع الثلاثة: أن بعض النحاة لا يوافق إلا على العلم. 3 أي: متوسطا بين شيئين متلازمين؛ وتوسطه بينهما -كما سيذكر- إما لأنه توكيد لفظي للأول، أو: لأنه زائد في رأي قوي يبيح زيادة الأسماء زيادة مطلقة لا توصف فيها بإعراب ولا بناء تبعا للبيان الذي في رقم 3 من هامش الصفحة التالية والأول أحسن؛ إذ لا خلاف في صحته. 4 لا يقال: كيف يعرب توكيدا لفظيا مع اتصاله بما لم يتصل به الأول، ومعا اختلاف نوع التعريف بينهما؛ إذ تعريف الأول بالعلمية أو بالنداء -على خلاف في ذلك؛ سبق تفصيله في رقم 2 من هامش ص11- وتعريف الثاني بالإضافة؛ لأنه لا يضاف إلا بعد تجرده من العلمية؟ لا يقال ذلك؛ لأنه يكفي في التوكيد اللفظي ظاهر التعريف وإن اختلف جهته، أو اتصل به شيء "كما سبق في باب التوكيد ج3 ص388 م16".

بيان، أو: مفعولا به لفعل محذوف، أو: منادى بحرف "يا" المحذوف1. ومع جواز هذه الخمسة يحسن اختيار الأنسب منها للسياق، والأوضح في أداء الغرض. وجدير بالتنوين أننا إذا اعتبرنا الثاني مقحما بين المتضايقين، وأعربناه توكيدا لفظيا، "مسايرة للأحسن" وجب اعتبار فتحته إعراب2 كالمتبوع. أما إذا اعتبرناه زائدا3 فهو مهمل لا يعرب توكيدا. ولا بدل، ولا غيرهما، وفتحته هي فتحة مماثلة ومشابهة للأول؛ فلا توصف بأنها فتحة بناء أو إعراب، وإنما هي حركة صورية للمشاكلة المجردة ... 2- وفي حالة بناء الأول على الضم -لأنه مفرد معرفة- يكون مبنيا على الضم في محل نصب، فينصب الثاني إما على اعتباره توكيدا لفظيا، أو بدلا، أو عطف بيان، مراعى في الثلاثة محل المنادى. وإما على اعتباره منادي مضافا مستقلا، أو على اعتباره مفعولا به لفعل محذوف4 ...

_ 1 ويجوز اعتبار الاسمين المذكورين بعد حرف النداء جزأين مركبين معا كتركيب الأعداد: ثلاثة عشر - أربعة عشر، وأخواتها؛ فيكون المنادى مجموعهما مضافا إلى ما بعد الثاني، وهذا المضاف منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة البناء الأصلي "وهي حركة فتح الجزأين" فالفتحة التي على آخر الثاني هي فتحة البناء الأصلي، وليست فتحة الإعراب الآتية للنداء. أما الفتحة التي على آخر الاسم الأول فلا شأن لها بإعراب أو بناء؛ لأنها حركة هجائية لضبط بنية الحرف الهجائي التي هي فوقه. 2 على هذا الإعراب يصح الفصل بين المتضايفين بالتوكيد اللفظي؛ لاتحاده بالأول لفظا ومعنى، وتكون فتحة التوكيد فتحة إعراب. وكان حقه أن ينون ولكن يغتفر عدم تنوينه بقصد المشاكلة بين الاسمين. 3 وإذا كان زائدا -عند من يجيز زيادة الأسماء- فالفصل به جائز بين المتضايفين، ولا يعتبر فصلا، لاتحاده بالأول لفظا ومعنى -كما سبق- وكان حقه التنوين، فترك للمشاكلة بين الاسمين، وعلى هذا فتحته فتحة إتباع للأول؛ لا توصف بإعراب ولا بناء. 4 وإلى هذا القسم "ج" يشير ابن مالك في بيت ختم به هذا الفصل: في نحو: سعد سعد الأوس ينتصب ... ثان، وضم، وافتح أولا تصب أي: في مثل: يا سعد سعد أوس -وامنادى وتابعه علمان في المثال- يجب نصب الثاني منهما. أما أولهما فقد طالب بضمه، أو فتحه، وحكم بالإصابة في الأخذ برأيه، والقاعدة -كما تضمنها البيت غاية في الإيجاز، وتفصيلها وإيضاحها على الوجه الأنسب معروض في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا صلاح، صلاح، أو: يا سعد سعد ... ، جاز بناؤه على الضم؛ إما باعتباره "وهذا هو الأحسن" منادى حذف قبله حرف النداء "يا"، وإما باعتباره توكيدا لفظيا يساير -هنا- لفظ المنادى في البناء، ويجوز نصبه باعتباره توكيدا لفظيا تابعا لمحل المنادى. ولا يصح إعرابه بدلا؛ لأن البدل والمبدل منه لا يتحدان في اللفظ إلا بشرط أن يفيد البدل زيادة في البيان والإيضاح، وكذلك لا يصح أن يكون عطف بيان؛ لأن الشيء لا يبين نفسه1 ...

_ 1 وإنما صح البدل والبيان في الحالة السابقة التي يكون فيها الثاني مضافا لتحقق شرطهما فيه -كما سبق في ج3 ص401 عند تعريف عطف البيان.

ملخص موجز يتضمن ما سبق من أحكام توابع المنادي: جميع توابع المنادى يصح نصبها1، إلا فيما يأتي: 1- أن يكون المتبوع -المنادى- هو لفظ "أي" أو "أية" أو اسم إشارة. فيجب في حركة نعتها مشابهتها لحركة المتبوع مشابهة صورية فقط "أو نقول بالعبارة التي فيها التسمح: يجب رفع النعت في المظهر الشكلي، بقصد مماثلة حركته لحركة المنادى -بالتفصيل الذي سبق2، نحو: يا أيتها الفتاة، من كثر كلامه كثر خطؤه. ومثل: يا هذا الغلام لا تنس شكر من أحسن إليك. 2- أن يكون المتبوع -المنادى- مبنيا على الضم والتابع بدلا، أو عطف نسق مجردا من "أل"؛ فحكمهما حكم المنادى المستقل؛ عند فريق من النحاة. أما غيرهم فيجيز النصب -وهو الأنسب؛ ليكون حكم النصب عاما شاملا- نحو: جزيت خيرا يا عائشة زوج الرسول، فلقد كنت مرجعا وثيقا في شئون الدين -يا خديجة وعائشة كنتما خير عون للنبي صلى الله عليه وسلم. 3- أن يكون المنادى مجرورا باللام في الاستغاثة وما يلحق بهما؛ فيجب جر التابع، وهذا هو المشهور -أو نصبه3، نحو: يا للغني الممتلئ للجائع، ويا للقادر القوي للعاجز.

_ 1 قد يكون هذا النصب واجبا في مواضع، وجائزا في أخرى. فهو في الحالتين صحيح. 2 في رقم 2 ص45. 3 كما سيجيء في ص80.

المسألة 131: المنادي المضاف إلى ياء المتكلم

المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم 1 هذا المنادى قسمان: قسم صحيح الآخر. وما يشبهه2، وقسم معتل الآخر، وما يلحق به3. أ- فحكم صحيح الآخر وما يشبهه إذا كانت إضافتهما لياء المتكلم محضة4

_ 1 لهذا الموضوع صلة قوية بموضوع: "المضاف إلى ياء المتكلم" الذي ليس منادى، وقد سبق الكلام عليه في الجزء الثالث، م97 ص137، ولا يكاد أحدهما يستغني عن الآخر. وستجئ إشارة في آخر الباب ص67 إلى إضافة الأسماء الخمسة. 2 صحيح الآخر هو: ما ليس مختوما بأحد أحرف العلة الثلاثة "الألف، الواو، الياء". ومعتل الآخر؛ هو: ما في آخره حرف منها، فإن كان هذا الحرف ساكنا وقبله حركة تناسبه فهو حرف علة، ولين، وإن لم تكن قبله حركة تناسبه مع سكونه فهو حرف علة، ولين، وإن كان متحركا فهو حرف علة فقط. والمراد هنا: حرف المد -ولهذا إشارة في هامش ص105 رقم 2. أما الذي يشبه صحيح الآخر، أو المعتل الآخر الذي يشبه الصحيح فهو ما في آخره حرف متحرك من حرفي العلة "الواو، الياء" مع سكون ما قبله، مثل صفو، شجو، نهي، غي ... وقد يكون الحرفان مشددين، أو مخففين؛ نحو: مرمي، مغزو، ظبي، دلو ... ، أما الألف فساكن مفتوح ما قبله دائما. ومن الشبيه أيضا: المختوم بياء مشددة للنسب ونحوه؛ "مما لم يكن نتيجة إدغام ياءين إحداهما ياء المتكلم" نحو: عبقري، بهي، شافعي، كرسي.. فخرج نحو: خليلي وصاحبي ووبني، وكاتبي.. فلهذا النوع -ويسمى: "الملحق بالمعتل الآخر" -كما سيجيء في الرقم التالي، وفي رقم 1 من ص722 -حكم خاص موضح في باب المضاف إلى ياء المتكلم من الجزء الثالث، وله موجز هنا آخر الباب ص65. 3 الملحق به هو: المثنى، وجمع المذكر، إذا أضيفا، وحذفت نونهما للإضافة، وختم آخرهما بالعلامة الخاصة بإعراب كل؛ وهي: الألف والياء للمثنى، والواو والياء لجمع المذكر السالم. فهذه العلامات ليست من بنية الكلمة، ولا تعد من حروفها، وإنما هي طارئة على آخرها لغرض الإعراب؛ بخلاف حرف العلة فإنه معدود من حروف الكلمة الثلاثية وجزء من بنيتها، وليس طارئا للغرض الإعرابي؛ لهذا لا يدخل في عداد المعتل كل من المثنى وجمع المذكر السالم إذا أضيفا وحذفت نونهما للإضافة وإنما يسميان ملحقان بالمعتل، لاشتراكهما معه من المظهر الشكلي، وفي بعض الأحكام التي سنعرفها في "ب" ص65. 4 أما حكم غير المحضة فيجيء في ص63.

ومباشرة1 ما يأتي: 1- وجوب النصب بفتحة مقدرة إن كان المنادى مفردا2، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما، ومن الأمثلة قول الشاعر يعاتب: يا أخي، أين عهد ذاك الإخاء؟ ... أين ما كان بيننا من صفاء؟ وقول الآخر: سألتني عن النهار جفوني ... رحم الله -يا جفوني- النهارا ونحو: يا زميلاتي لكن تقديري وإكباري، ونحو: يا سعيي قد بلغت بي المدى. ويا صفوي إن أطلت الغياب فلن تهدأ نفسي ... فكلمة: "أخ، جفون، زميلات"، "سعى، صفو" وأشباهها، منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة الياء. "لأن هذه الياء يناسبها كسر ما قبلها" والياء مضاف إليه، مبنية على السكون في محل جر3 ... 2- يصح في هذه الياء ست لغات، بعضها أقوى وأكثر استعمالا من بعض. هي4: حذف الياء مع بقاء الكسرة قبلها دليلا عليها؛ كالآية الكريمة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} 5 ونحو: استقبل العالم المخترع أعوانه وهو يقول: أهلا يا جنود، أهلا يا رجال، أنتم الفخر، ومجد البلاد.

_ 1 أي: بغير فاصل بين المتضايفين، وإلا تغير الحكم على الوجه الآتي في ص64 حيث يتعرض للفصل، وللإضافة غير المحضة.. 2 أما المثنى وجمع المذكر السالم فملحقان بالمعتل -كما قلنا في رقم 3 من هامش الصفحة السالفة- ولهما حكمهما الخاص وسيأتي في ص66. 3 للإعراب المقدر "أو: التقديري" وكذا الإعراب المحلي أهمية وآثار لا يمكن إغفالها، وقد أوضحناها في بابهما الخاص، وهو باب: "المعرب والمبني" ج1 م6 ص84، وم16 ص198. 4 آثرنا الترتيب الآتي على غيره؛ مجاراة لكثير من النحاة اختاروه؛ بحجة أنه المطابق للوارد من كلام العرب، كثرة وقلة. وواجب المتكلم أن يتخير من هذه اللغات المتعددة ما هو أنسب للمقام، وأبعد من اللبس عند عدم القرينة؛ كالصورة الثانية والثالثة؛ حيث ثبتت في كل منهما الياء. 5 وقوله: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} .

والإعراب كالسالف، إلا أن الياء محذوفة هنا ... بقاؤها مع بنائها على السكون في محل جر، للإضافة؛ نحو: يا جنودي ... يا رجالي ... بقاؤها على الفتح بعد فتح ما قبلها، ثم قلبها ألفا1؛ نحو: يا فرحا بإنجاز ما فرض الله، ويا حسرتا على التقصير ... "والأصل2: يا فرحي، يا حسرتي ... ؛ فصار: يا فرحي ... ، يا حسرتي ... ، ثم صار: يا فرحا ... يا حسرتا ... " والمنادى هنا منصوب -والأيسر أن يكون منصوبا بالفتحة الظاهرة- وهو مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا مضاف إليه، مبنية على السكون في محل جر3 ... ويجوز في هذه الصورة أن تلحقه هاء السكت عند الوقف؛ فتقول: يا فرحاه.... يا حسرتاه ... قلب الياء ألفا على الوجه السالف، وحذف الألف، وترك الفتحة قبلها دليلا عليها؛ نحو: يا فرحَ ... ، يا حسرةَ ... وفي هذه الحالة يكون المنادى منصوبا مضافا، وياء المتكلم المنقلبة ألفا، المحذوفة، هي المضاف إليه4 ...

_ 1 لتحركها وفتح ما قبلها؛ تطبيقا لقواعد الإعلال والإبدال. 2 هذا الأصل -كغيره، أمثاله الكثيرة- خيالي محض. ومجرد فرض لا يعرف عنه العرب الأوائل شيئا. وإنما يراد منه ما يراد من أكثر الفروض المتخيلة؛ تيسير الوصول إلى النتائج والحقائق من طريق واضح مألوف. ومعلوم أن هذه الأصول الخيالية والفروض -كما رددنا في مناسبات متعددة- ليست مقصورة على الصناعة النحوية، فالنحاة في هذا كغيرهم من المشتغلين بسائر العلوم اللغوية وغير اللغوية. وقد أحسنوا وأفادوا، إلا حين يسرفون أو يتعسفون. 3 وإنما كان الأيسر والأوضح إعرابه منصوبا بالفتحة الظاهرة للفرار مما يتكلفه بعض المعربين حين يقولون: إنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة المنقلبة فتحة لمناسبة الياء المنقلبة ألفا. وحجتهم: أنهم يريدون تسجيل الأطوار كلها، ولو أدى الأمر إلى الإطالة. 4 يقول ابن مالك في حكم الصحيح وشبهه، واللغات المتعددة التي في ياء المتكلم إذا كانت هي المضاف إليه: واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد، عبدي - عبد، عبدا، عبديا "صح= أي: صح آخره عبديا= أصلها: عبدي، وزيدت في آخرها ألف لأجل الشعر" يريد: إذا أضيف المنادى صحيح الآخر فاجعله كعبد، عبدي ... أي: على مثال واحد مما يأتي -ولم يذكرها مرتبة على حسب كثرة استعمالها. =

بقيت اللغة السادسة؛ "وهي أضعف نظائرها، ولا تكاد تخلو من لبس في تبين نوعها، ومن اضطراب في إعرابها1؛ ولهذا يجب اليوم إهمالها، تبعا لرأي من أهملها من النحاة القدامى، فلم يذكرها بين اللغات الجائزة. وتتلخص في حذف "الياء" -مع ملاحظتها في النية- وبناء المنادى على الضم "كالاسم المفرد المعرفة". ويقع هذا في الكلمات التي تشيع إضافتها، ليكون العلم بشيوع إضافتها قرينة ودليلا على حذف المضاف إليه، وأنه محذوف في اللفظ لكنه ملاحظ2 في النية ... كالكلمات: رب، وقوم، وأم، وأب ... وأشباهها مما يغلب استعماله مضافا؛ نحو: يا رب، وفقني إلى ما يرضيك - يا قوم، لا تتوانوا في العمل لما يرفع شأنكم - يا أم، أنت أكثر الناس عطفا علي، ويا أب، أنت أشدهم عناية بي ... ومما سبق يتبين أن ثلاثا من اللغات الست تقتضي حذف الياء، وثلاثا أخرى تقتضي إثباتها.

_ = يا عبد: مثال لما حذفت فيه ياء المتكلم مع بقاء الكسرة قبلها دليلا عليها - يا عبدي؛ لثبوت ياء المتكلم الساكنة المكسور قبلها - يا عبد: للمنادي الذي قلبت معه ياء المتكلم ألفا مفتوحا ما قبلها، وحذفت الألف - يا عبدا ... كالسابق، ولكن من غير ياء المتكلم المنقلبة ألفا - يا عبدي: للمنادى الذي أضيف لياء المتكلم المبنية على الفتح؛ فهذه خمس لغات اكتفي بها. ولم يتعرض للسادسة التي يحذف فيها المضاف إليه، ويبنى الاسم بعده على الضم، وقد شرحناها. وساق بعد هذا بيتا سيجيء شرحه في مكانه المناسب من هامش ص65 هو: وفتح أو كسر، وحذف اليا استمر ... في: "يابن أم"، "يابن عم" لا مفر 1 سبب الاضطراب في إعرابها اختلافهم الشديد في الحكم على نوع المنادى: أيراعى أصله من ناحية أنه مضاف؛ فيكون منادى منصوبا بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الضمة التي جاءت لمشابهته بالنكرة المقصودة في التعريف بالنداء وقصد الإقبال، "ولا بالعلمية، ولا بالإضافة، ولا بأل" - أم يراعى حالته الحاضرة من ناحية بنائه على الضم. وهذا الخلاف ليس شكليا، وإنما له أثره في التوابع؛ أتكون واجبة النصب حتما، نتيجة للرأي الأول، أم يكون شأنها شأن توابعها لمنادى المبني على الضم، ولها أحكام مختلفة، سبق شرحها في ص40 وما بعدها؟ 2 لأنها -وهي المشهورة بالإضافة- تدل إذا لم تكن مضافة إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير لغير المتكلم على أنها مضافة للمتكلم، والمتكلم أولى بذلك؛ لأن ضميره الياء يحذف أكثر من غيره.

3- إن كان المنادى الصحيح الآخر هو كلمة "أب"، أو "أم" جاز فيه اللغات الست السابقة، ولغات أربع أخرى؛ وهي: حذف ياء المتكلم، والإتيان بتاء1 التأنيث الحرفية عوضا عنها، مع بناء هذه التاء الحرفية على الكسر، أو على الفتح -وكلاهما كثير قوي- أو على الضم، وهو قليل، ولكنه جائز؛ نحو: يا أبت أنت كافلنا، ويا أمت، أنت راعيتنا ... والمنادى في هذه الصور الثلاث منصوب بفتحة ظاهرة2 دائما. وهو مضاف. وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه. وجاءت تاء التأنيث عوضا عنها، مع بقائها حرفا للتأنيث كما كانت، وليست المضاف إليه ... والصورة الرابعة -وهي أقلها من السماع الوارد، ولا يصح القياس عليها: الجمع بين تاء التأنيث السالفة التي هي العوض. وألف بعدها أصلها ياء المتكلم؛ نحو: يا أبتا ... يا أمنا. وكقول الشاعر: يا أمتا أبصرني راكب ... في بلد مسحنفر3 لاحب4 وقول الآخر: يا أبتا علك أو عساكا ... .......................... وفي هذه الصورة جمع بين العوض -وهو التاء- والمعوض عنه، وهو: الياء المنقلبة ألفا. ولذا قال بعض النحاة: إن هذه الألف ليست في أصلها ياء المتكلم؛ وإنما هي حرف هجائي، وزائد لمد الصوت. وهذا الرأي أوضح وأيسر في إعراب تلك الصيغ المسموعة.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا "في باب الإضافة لياء المتكلم ج3 م97 ص146" والأكثر في هذه التاء أن تظل تاء عند النطق بها وقفا ووصلا، وأن تكتب تاء متسعة "أي" غير مربوطة" ويجوز كتابتها مربوطة, كما يجوز الوقف عليها بالهاء. لكن الأفضل الاقتصار على الرأي الأول الذي يقضي باعتبارها تاء متسعة في جميع أحوالها. 2 لأن تاء التأنيث توجب فتح ما قبلها دائما. ولا داعي للإطالة بأنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة التاء. 3 واسع. 4 معهود ممهد.

هناك صورة أضعف من هذه، وأندر استعمالا في السماع الوارد، حتى خصها كثير من النحاة بالضرورة الشعرية، نذكرها لندركها إذا صادفتنا في بعض الكلام القديم، هي الجمع بين هذه التاء وياء المتكلم بعدها، أو الجمع بين ياء المنقلبة ألفا والتاء بعدها. كقول الشاعر: أيا أبتي1، لا زلت فينا، فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشا وقول الآخر: كأنك فينا يا أبات2 غريب3 ... ................................ هذا، ولا تكون تاء التأنيث عوضا عن ياء المتكلم إلا في أسلوب النداء على الوجه السالف، دون غيره من الأساليب. ووجودها في آخر كلمتي: "أب، وأم" يحتم استعمال كل واحدة منهما منادى، ويمنع استعمالها في غيره4 ... ونشير إلى أمرين هامين: أولهما: أن الأحكام السابقة كلها مقصرة على المنادى صحيح الآخر، وشبهه إذا كانت إضافتهما محضة -كما أسلفنا-5 فإن كانت غير محضة فالمنادى واجب النصب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم منع من ظهورها الكسرة التي لمناسبة الياء. وهذه الياء ثابتة دائما ومبنية على السكون أو الفتح؛ كقولهم: "يا رائدي للهدى وقيت الردى، ويا مرشدي للخير صانك الله من الزلل". فالمنادى:

_ 1 والأيسر في الإعراب أن تكون كلمة: "أب" منادى منصوب مضاف والتاء عوض عن الياء المحذوفة. أما المذكورة فحرف هجائي ناشئ من بناء التاء على الكسرة مع إشباع هذه الكسرة. أو: أن التاء للتأنيث اللفظي، والياء بعدها مضاف إليه، وقد فصلت التاء بين المتضايفين. 2 ويقال في الإعراب: "أب" منادى، منصوب، مضاف إلى ياء المتكلم المنقلبة ألفا، والتاء حرف للتأنيث اللفظي، يضبط بالفتحة، أو الكسرة، أو الضمة -كما سلف. 3 وإلى بعض ما سبق -في نداء "أب" أو "أم"- يقول ابن مالك باختصار: وفي الندا: "أبت"، "أمت"، عرض ... واكسر، أو افتح، ومن اليا التا عوض يريد: عرض في النداء أسلوب خاص، هو: يا أبت، يا أمت بكسرة التاء، أو فتحها، وقد ترك الضم -ثم صرح أن التاء عوض من ياء المتكلم المضاف إليه، واقتصر على هذا تاركا التفصيلات التي عرضناها. 4 انظر رقم "1" من ص68. 5 في ص58.

"رائد، ومرشد" منصوب وجوبا بفتحة مقدرة، والياء معهما مبنية على السكون أو على الفتح، ولا يصح حذفها. ولا بد معها أن يكون المنادى المضاف مفردا1. ثانيهما: أن تلك الأحكام مقصورة على النوع السالف من المنادى المضاف إضافة محضة، بشرط أن يكون مضافا للياء مباشرة؛ كما تقدم2. فإن كان هو أو غيره من سائر أنواع المنادى مضافا إلى مضاف إلى ياء المتكلم وجب إثبات الياء وبناؤها على السكون، أو على الفتح3 ... كقولهم: يا طالب إنصافي، لا أعلم لك منصفا إلا عملك، إذا أحسنته جملك، وإذا أتقنته كملك، وقول الشاعر: يا لهف نفسي إن كانت أموركمو ... شتى، وأحكم أمر الناس فاجتمعا فيجوز: "إنصافي، أو: انصافي - نفسي، أو نفسي؛ بإسكان الياء أو فتحها". ويستثنى من هذا الحكم أن يكون المنادى المضاف إلى مضاف لياء المتكلم هو لفظ: "ابن أم، أو: ابن عم، أو: ابنة أم، أو ابنة عم، أو بنت أم، أو بنت عم" فالأفصح4 في هذه الصور حذف ياء المتكلم مع ترك الكسرة قبلها دليلا عليها؛ "نحو: يابن أم كن على الخير معوانا لي، ويابن عم لا تقعد عن مناصرتي بالحق - يابنة أم ... يا بنت أم....

_ 1 يفهم من كل ما سبق أن المنادى المضاف الذي إضافته غير محضة، لا بد أن يكون -في الغالب- وصفا عاملا، ولا بد أن يكون مفردا أيضا؛ لأن المثنى وجمع المذكر السالم ملحقان بالمعتل في حكمه، وسيجيء في ص66 -فإذا أضيفا عند النداء لياء المتكلم وجب بناؤها على الفتح وحده- في الرأي الأصح. 2 في ص58 ... 3 ما لم تحتم الضرورة الشعرية الاقتصار على أحدهما. 4 قلنا: الأفصح؛ لأن هناك لغتين أخريين؛ أولاهما: إثبات الياء الساكنة، كقول الشاعر القديم في الرثاء: يابن أمي، ويا شقيق نفسي ... أنت خلفتني لدهر شديد وثانيتهما: قلبها ألفا؛ كقول الآخر: يابنة عما لا تلومي واهجعي ... ......................................

يا بنت عم ... " فالمنادى معرب منصوب، والمضاف إليه الأول مجرور بالكسرة الظاهرة قبل الياء المحذوفة. ويجوز في الألفاظ السالفة حذف الياء بعد قلبها ألفا، وقلب الكسرة قبلها فتحة؛ فنقول: "يابن أم ... يابن عم ... يابنة أم ... يابنة عم ... يا بنت أم ... يا بنت عم...." قلبت ياء المتكلم ألفا بعد قلب الكسرة التي قبلها فتحة، ثم حذفت ياء المتكلم المنقلبة ألفا، وبقيت الفتحة قبلها دليلا عليها. فيقال عند الإعراب: إن المضاف إليه الأول مجرور بالكسرة المقدرة التي منع من ظهورها الفتحة التي جاءت للتوصل بها إلى قلب ياء المتكلم ألفا، وحذفت هذه الألف للتخفيف. ويصح أن يقال في هذه الصورة: إن المنادى قد ركب مع ما أضيف إليه تركيبا مزجيا وصارا معا بمنزلة: "خمسة عشر" أو غيرها من الأعداد والألفاظ المركبة المبنية على فتح الجزأين. وعندئذ يقال في الإعراب: "يابن أم ... يابن عم - يابنة أم ... يابنة عم ... يا بنت أم ... يا بنت عم ... " "ياء" حرف نداء. وما بعدها منادى مضاف. منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة البناء الأصلية التي هي فتح الجزأين، وياء المتكلم المحذوفة هي المضاف إليه. وتكون الفتحة التي على حرفي النون والتاء "في: ابن، وابنة، وبنت ... " حركة هجائية، لا توصف بإعراب ولا بناء1 ... ب- إن كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم معتل الآخر، أو ملحقا2 به

_ 1 ويجوز -في الألفاظ السالفة- شيء آخر؛ هو إهمال الياء المحذوفة، واعتبارها كأن لم توجد، مع اعتبار المنادى وما أضيف إليه بمنزلة الاسم المركب تركيبا مزجيا، وإعرابه مبنيا على الضم المقدر؛ كأنهما كلمة واحدة مفردة معرفة. ولا يخلو هذا الوجه -على صحته- من ليس يدعو للفرار منه. وقد أشار ابن مالك إلى بعض الآراء السالفة في بيت سبقت الإشارة إليه في هامش ص61، وهو: وفتح أو كسر، وحذف اليا استمر ... في: "يابن أم" "يابن عم". لا مفر يابن أم، يابن عم، أصلهما: يابن أمي - يابن عمي. ويريد بهما: المنادى المضاف إلى مضاف لياء المتكلم، وأن حذف هذه الياء مستمر معهما -على الأرجح - وأن الحرف الذي قبل الياء المحذوفة يصح تحريكه بالفتحة أو بالكسرة، ولم يذكر السبب، واستغنى بما سبق عن غيره مما سردناه. 2 بيان هذا الملحق في رقم 3 من هامش ص58.

فحكمه هو ما كان يجري عليه قبل النداء، وقد سبق تفصيله1، ويتلخص في قاعدة واحدة2؛ هي: سكون آخر المضاف دائما، وبناء المضاف إليه على الفتح في الأفصح -وهذه القاعدة تنطبق على ما يأتي: 1- المقصور المضاف إلى ياء المتكلم؛ نحو: يا فتاي أنت عوني في السراء والضراء. 2- المنقوص المضاف إلى ياء المتكلم، وتدغم الياءان، وأولاهما ساكنة، والأخرى مبنية على الفتح؛ نحو: يا داعي للخير، لبيك من داع مطاع. 3- المثنى وشبهه؛ وتدغم ياؤه ساكنة في ياء المتكلم المبنية على الفتح3، كقول الشاعر في حديقة: خذا الزاد يا عيني من حسن زهرها ... فما لكما دون الأزاهر من متع 4- جمع المذكر وشبهه؛ وتدغم ياؤه ساكنة في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ كقول الشاعر: يا سابقي إلى الغفران. مكرمة ... إن الكرام إلى الغفران تستبق 5- المختوم بياء مشددة. وليس تشديدها للإدغام؛ ففي كلمة مثل: عبقري، يقال: أفرحتني يا عبقري. بحذف الياء الثانية من المشددة، وإدغام الأولى التي بقيت في ياء المتكلم المفتوحة. ويصح حذف ياء المتكلم مع بقاء الياء المشددة قبلها مكسورة4؛ نحو: يا عبقري. لك إكباري وتقديري ... ويصح قلب ياء المتكلم ألفا وحذفها. مع فتح الياء المشددة قبلها؛ نحو: يا عبقري ... أما المعتل الآخر بالواو فشأنه من فصلناه هناك.

_ 1 ج3 م97 ص137. 2 هذا التلخيص لا يكاد يغني عن الرجوع إلى ما سبق من تفصيل وإيضاح، وعرض صور هامة كثيرة. 3 طبقا لما سلف في رقم 1 من هاتين ص64. 4 لتكون الكسرة دليلا على الياء المحذوفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجري على الأسماء الخمسة: "أب، أخ، حم، هن، فم" عند ندائها مع إضافتها لياء المتكلم ما يجري عليها بغير مناداتها. ذلك أن الرأي الفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه هو إضافتها بحالتها الحاضرة، دون إرجاع لامها المحذوفة "أي: دون إرجاع حرفها الأخير؛ وهو: "الواو" المحذوفة" إذ الشائع أن أصل أبو، أخو، حمو، هنو، فوه. والميم زائدتان في: "فم" وفي "فوه" ... فإذا أضيفت تلك الأسماء -وهي مناداة، أو غير مناداة- أعربت على حسب حاجة الجملة؛ وكسر حرفها الأخير الحالي لمناسبة الياء1؛ فتقول: يا أبي يا أخي، يا حمي، يا هني، يا في، ويصح في هذه: يا فمي. وهناك رأي مستنبط من بضعة أمثلة مروية عن بعض القبائل، مؤداه: إرجاع الحرف المحذوف من آخر تلك الأسماء مع تسكينه قبل ياء المتكلم. وهذه الياء يجب بناؤها على الفتح، فتجتمع الواو والياء، وتسبق إحداهما بالسكون؛ فتقلب الواو ياء، وتدغم الياء في الياء2. ويكسر ما قبلها لمناسبتها؛ فتقول يا أبي، يا أخي ... وفي هذه الصورة تكون الكلمة معربة بحركة مقدرة منع من ظهورها السكون الواقع على الياء الأولى لأجل الإدغام3. أما "ذو" التي تعرب إعراب الأسماء الخمسة فلا تضاف لضمير المتكلم. ب- يجوز في كلمة: "ابنم" المبدوءة بهمزة الوصل، والمختومة بالميم الزائدة، ومعناها: ابن - إثبات الميم عند الإضافة وحذفها؛ نحو: يا بنمي، أو: يا بني؛ بإسكان الياء في الحالتين، وكسر ما قبلها.

_ 1 فهي بهذا تشبه صحيح الآخر من ناحية أن آخرها الحالي صحيح، وأنه يجب كسره لمناسبة ياء المتكلم "وقد سبقت إشارة لهذا في مناسبة أخرى: ج3 باب المضاف إلى ياء المتكلم ص138 م97". 2 إن كان أصل: "فم" هو "فيه" بالياء المحذوفة رجعت الياء ساكنة، وأدغمت في ياء المتكلم المبنية على الفتح. 3 وتكون الأسماء الخمسة كالمعتل؛ في إسكان آخرها وبناء الياء على الفتح.

المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادي

المسألة 132: الأسماء التي لا تكون إلا منادى من الألفاظ ما لا يستعمل إلا منادى؛ فلا يكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما لناسخ أو خبرا له، ولا شيئا آخر غير المنادى1. وأشهر هذه الأسماء ما يأتي: 1- "أبت، وأمت" بشرط وجود تاء التأنيث في آخرهما على الوجه الذي فصلناه2 -ووجودها يحتم أن يكون كل منهما منادى، ولا يصح استعمالهما في شيء آخر معها- نحو: يا أبت، إني لك مطيع، ويا أمت إني بك بار. أي: يا أبي ... أي أمي. 2- "اللهم"، المختومة بالميم المشددة3، نحو: اللهم لا سعادة إلا فيما يرضيك، ولا شقاء إلا فيما يغضبك. 3- "فل" "بضم الفاء واللام معا"؛ وهي عند النداء كناية عن مفرد معين من جنس الإنسان. و"فلة"، و"بضم الأول وفتح الثاني" وهي عند النداء كناية عن مفردة معينة من جنس الإنسان كذلك؛ نحو: يا فل، عمل المرء عنوان نفسه، ودليل عقله - يا فلة، القصد يمن، وخير الكلام أصدقه. فالمنادى "فل، وفلة" مبني على الضم دائما في محل نصب. ولا يعنينا أن يكون سبب التعيين هنا في الكناية ما يقوله بعض النحاة من أنها علم على إنسان، كسائر الأعلام الشخصية "مثل: محمد ... وفاطمة ... " أو: ما يقوله بعض آخر: إن سببه طارئ بالمناداة والقصد، وأنها نكرة مقصودة،

_ 1 ومن الأسماء ما لا يصلح أن يكون منادى؛ كاللام المضاف لضمير المخاطب؛ نحو: يا صديقك، وكضمائر غير المخاطب. "أما ضمير المخاطب ففريق يجيز نداءه؛ طبقا لما سلف في ص4" وكاسم الإشارة المتصل بكاف الخطاب -للسبب الذي في رقم 2 من هامش ص4- فلا يقال: يا ذاك. وكالاسم المبدوء "بأل" في غير المواضع المستثناة التي سبق ذكرها في ص35؛ فلا يقال: يا المكافح ستدرك مأربك ... 2 في ص62 وما بعدها. 3 في ص36 وهامشها الكلام على معانيها المختلفة، وطريقة إعرابها.

مثل: يا رجل؛ لمعين، أو: يا فتاة؛ لمعينه، وقد عرفت النكرة بالنداء والإقبال ... -لا يعنينا شيء من هذا كله؛ لأن نتيجة الرأيين واحدة؛ هي بناء الكلمة بصورتها الحالية على الضم دائما، في محل نصب، وعدم استعمالها في غير النداء إلا لضرورة شعرية، وكذلك عدم استعمالها منادى منصوبا مباشرة؛ لأنها لا تكون مضافة، ولا شبه مضافة، ولا نكرة غير مقصودة؛ إذ السماع الوارد في لفظها يقتضي قصرها على المنادى المبني على الضم1 ...

_ 1 كما يقتضي ألا ينقاس عليها غيرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: يدور الجدل حول أصل هاتين الكلمتين، ولولا ما له من أثر يساعد عند الرجوع على مادتهما اللغوية في المعاجم، وعند التصغير، والمشتقان ... لأهملناه. وملخصه: أن فريقا من النحاة يرى أصل: "فل" و"فلة" هو "فلان" و"فلانة" وأنهما في النداء -كأصلهما- كنايتان عن علم شخص لرجل معين، كعلي ... وامرأة معينة؛ كزينب ... ، حذفت من آخرهما الألف والنون، للترخيم1 -برغم أن قواعده لا تسمح بهذا الحذف الكثير دفعة واحدة- وأن الألف والتاء زائدتان. وأما النون فأصلية؛ لأن مادة فعلهما الماضي هي: "فلن" وعند التصغير -إذا سمي بهما- يقال فيهما "فلين" و"فلينة"، وأنهما يختلفان في الاستعمال عن أصلهما الخالي من الحذف، فلا يستعملان إلا في النداء، أما أصلهما فيكون منادى وغير منادى. ويوافق آخرون على هذا الرأي، إلا أنهم يعتبرون حذف تلك الحروف للتخفيف، لا للترخيم، وإلا وجب أن يقال في المذكر "فلا" وفي المؤنث "فلان" طبقا لقواعد2. ويخالفهما كثير من البصريين؛ فيرى أنهما كلمتان مستقلتان، وليستا اختصار "فلان" و"فلانة" -كما يرى أنهما مختومتان بياء أصلية، حذفت تخفيفا؛ كحذفها من كلمة "يد"، فأصلهما: "فلي" و"فلية"3 وتصغيرهما

_ 1 سيأتي بابه في ص101. 2 وهذه القواعد تقضي بألا يحذف في الترخيم مع الآخر ما قبله من حرف مد زائد إلا إذا كان المرخم خماسيا فصاعدا. وكلمة: "فلان" أربعة أحرف فقط، فترخيمها هو: "يا فلا". كما تقضي تلك القواعد ألا يقال في التأنيث: "يا فلة"، وإنما يقال: يا فلان. - راجع الصبان في هذا الموضع، وكذلك ص102 الآتية، وما بعدها. 3 وإذا حذفت الياء وجب تحريك اللام التي قبلها بالفتحة؛ لأن الفتحة هي التي تناسب تاء التأنيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "فلي وفلية" ومادة ماضيهما "فلي" وأن منهما عند النداء فكرة مقصودة بالمناداة والإقبال؛ فتدل الأولى على رجل مقصود، وتعدل الثانية على امرأة مقصودة، ولا يرجعان في أصلهما إلى كلمتي: "فلان وفلانة" اللتين هما كنايتان عن علمين شخصيين أحدهما لرجل، والآخرة لامرأة -كما سبق- وهذا الرأي أوضح، وأبعد من التعقيد. فالآراء متفقة على بناء "فل" و"فلة" على الضم1، مختلفة في أصلهما، في نوع المنادى؛ أهو مفرد علم، أم نكرة مقصودة؟ متفقة كذلك على أنهما لا يستعملان بصورتهما هذه إلا منادى. وأن كلمتي: "فلان" و"فلانة" تستعملان في النداء وغيره2، مع اعتبارهما، كنايتين عن علمي شخصيين لرجل معين، وامرأة معينة، ونونهما أصلية، ومادة فعلهما "فلن"2؛ تقول في استعمالهما في النداء: يا فلان، تضيع الغاية بين العجز والملل، ويا فلانة، من أعجب بنفسه ضاعت هيبته ... كما تقول في غيره: أسرع فلان إلى سماع محاضرة فلان ... وبادرت فلانة للإصغاء إلى فلانة أو فلان.

_ 1 ويجري على توابعهما حكم توابع المنادى المبني على الضم. 2 و2 راجع الخضري.

4- لؤمان، وملأم "وكلاهما وصف بمعنى: كثير اللؤم والدناءة"، ونومان "وصف بمعنى: كثير النوم"؛ نحو: يا لؤمان أو: يا ملأم، من أساء إلى غيره حاقت به إساءته - يا نومان، الاعتدال في كل الأمور حميد. ويجوز في الثلاثة زيادة تاء التأنيث عند نداء المؤنث. ولا يقاس على هذه الثلاث المسموعة غيرها مما يشاركها في الوزن إذا كان غير مسموع. فكل واحد من هذه منادى مبني على الضم في محل نصب. 5- ملأمان، ومخبثان "وصفان بمعنى: لئيم، وخبيث" ... وغيرهما؛ من كل وصف على وزن: "مفعلان"، وأصل مادته -في الغالب- يدل على أمر مذموم. وقد يدل على أمر محمود، مثل: مكرمان، ومطيبان؛ "وهما وصفان بمعنى: عزيز مكرم، وطيب" ومن الأمثلة: يا ملأمان، من قبحت سيرته تقاسمته البلايا -يا مطيبان، من طابت سريرته سالمته الليالي. ويجوز زيادة تاء التأنيث في: "مفعلان" عند نداء المؤنث. والأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة؛ لكثرة الوارد بها، أما إعرابها فكالنوع السابق1 ... 6- ما كان وصفا على وزن: "فُعَل" بمعنى: فاعل؛ لذم المذكر وسبه، نحو: غُدَر، بمعنى: غادر، وسُفَه؛ بمعنى: سافه، وشتم، بمعنى: شاتم ... ، وغيرها مما هو على وزنها مع دلالة مادته في أصلها على السب والذم. ومن الأمثلة: يا غدر، لا صداقة معك، ولا أمانة لك ... - يا سفه، مقتل الرجل بين فكيه ...

_ 1 اكتفى ابن مالك في الكلام على: "فل" و"فلة" ولؤمان وملائم، ونومان، بقوله في باب عنوانه: "أسماء لازمت النداء". و"فل" بعض ما يخص بالنداء ... "لؤمان، نومان" كذا. واطردا ... 1 وختم البيت بقوله: "واطردا". وهذا الختام لا علاقة له بما سبقه، وإنما يتصل معناه بما يليه من حكم جديد يختص بوزن: "فعال" وهذا الاتصال معيب في الشعر عامة.

والأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة بشرط دلالة أصلها على السب، كما يبيح استعمالها في غير النداء. أما إعرابها عند النداء فكالنوع السابق. 7- ما كان وصفا على وزن: "فعال" "فمعنى فاعل، أو: فعيلة" لسب الأنثى وذمها، وهو مبني على الكسر أصالة. وينقاس -في الرأي الأنسب- في كل ما له: فعل، ثلاثي، تام، مجرد، متصرف تصرفا كاملا، ومعناه السب والشتم؛ نحو: غدار وسراق، بمعنى: غادرة، وسارقة، ونحو: خباث، ولكاع؛ بمعنى: خبيثة، ولكيعة؛ أي: لئيمة وخسيسة. تقول: يا غدار؛ لا راحة لحسود، ولا عهد لغدار - يا خباث، لا هدوء مع خبث، ولا اطمئنان مع سوء نية1 ... ومن الشروط السالفة يتضح أن وزن: "فعال" لا يصاغ من مصدر فعل غير مستوف لتلك الشروط؛ كالفعل: "دحرج" لأنه غير ثلاثي، والفعل؛ "كان" لأنه غير تام، والفعل "ليس"؛ لأنه جامد، والفعل يذر، أو: يدع لأن كلا منهما ناقص التصرف2 ... أما إعرابها: فمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره كسرة البناء الأصلي -في محل نصب. وبمناسبة الكلام على صيغة: "فعال" المبنية على الكسر أصالة، وأنها قياسية في الموضوع السالف بشروطها يستطرد النحاة فيقولون: إنها قياسية أيضا في موضع آخر، إذا تحققت تلك الشروط من غير اشتراط الدلالة على السب والشتم، وذلك الموضع هو: أنها تقع اسم فعل أمر مبني على الكسر دائما؛ مثل: تراك؛ بمعنى اترك ما آمرك بتركه - نزال، بمعنى: انزل إلى الحرب أو غيرها - شراب؛ بمعنى: اشرب، ومن هذا قولهم: شراب من ورد التجارب؛ فإنه خير الموارد. وقول الشاعر:

_ 1 ومثل قول الشاعر: عليك بأمر نفسك يا لكاع ... فما من كان مرعيا كراع 2 في المشهور.

تراك -يا صاحبي - ما ليس بحمده ... سراة1 قومك من أهل المروءات وقول الآخر: نزال إلى حيث المكارم تبتغي ... ألفا يناغيها، أمينا يصونها وسيجيء2 تفصيل الكلام على هذه الصيغة في باب اسم الفعل ... 3. وملخص ما سبق في هذا الباب: أن في اللغة ألفاظا لا تستعمل إلا منادى؛ وهي أنواع ثلاثة:

_ 1 أشراف وعظماء، المفرد: سري. 2 في ص140 م141 وكذلك يجيء في رقم 1 من هامش ص260 بيان أنواعها المختلفة ومعانيها وحكم كل نوع من ناحية الإعراب والبناء. 3 ويقول ابن مالك -بإيجاز- في نداء ما هو على وزن: "فعال" الخاص بالأنثى، و"فعال" الخاص باسم فعل الأمر، و"فعل" الخاص بنداء المذكر: .......................... ... .............. واطردا1 في سب الأنثى وزن: يا خباث ... والأمر هكذا من الثلاثي2 أي: اطرد في سب الأنثى: "يا خباث" وما كان على وزنها. والأصل: "فعال"، وما كان على وزنها. وهذا الوزن مطرد في الأمر أيضا، ومقصده اسم فعل الأمر، ثم قال: وشاع في سب الذكور: "فعل" ... ولا تقس. وجر في الشعر "فل"3 فهو يقرر أن نداء ما كان على وزن: "فعل" خاصا بسبب المذكر، أم شائع، ومع شيوعه نهى عن القياس عليه. ومنع القياس عليه مناقض للحكم بأنه شائع؛ إذ الشيوع في الكلام الفصيح يبيح القياس، كما بيناه من قبل. لهذا يكون الأخذ بالرأي المجيز أنسب ما دام المعنى المراد واضحا. وختم البيت بإباحة جر "فل" في الشعر للضرورة؛ لأن كلمة: "فل"، و"فلة" ملازمتان للنداء، كما عرفنا؛ فلا يصح جرهما إلا في تلك الضرورة؛ كالبيت الذي يرددونه: تضل منه إبلي بالهوجل ... في لجة أمسك فلانا عن فل "الهوجل هنا: الصحراء التي لا أعلام فيها. اللجة -بفتح اللام: الأصوات المختلفة". والبيت متصل بما قبله في وصف الإبل المتزاحمة في الصحراء مثيرة للغبار، يدفع بعضها بعضا. وقد شبهها بقوم في لجة -وهي اختلاط الأصوات في الحرب- يدفع بعضهم بعضا؛ فيقال: أمسك فلانا عن فل، أي: احجز بينهما. يقول بعض النحاة إن "فل" الواردة في البيت ليست المختصة بالنداء، وإنما هي اختصار لكلمة "فلان" التي تكون منادى وغير منادى؛ فلا شاهد في البيت. ويرى غيرهم العكس ولا قيمة لهذا الجدل، لوضوح الرأي القائل بأنها ليست منادى.

أ- نوع مقصور على السماع الوارد، لا يتجاوز الحكم لفظه ونصه الوارد إلى لفظ آخر، وأشهر ألفاظه: أبت، أمت، "الملازمين لتاء التأنيث"، اللهم، فل، فلة، لؤمان، ملأعم، نومان. وكل هذا النوع منادى، مبني على الضم إلا "أبت وأمت"، فلهما حكمهما التفصيلي في الباب السابق1. ب- نوع قياسي، وهو ما كان على وزن: "فعال" لسب الأنثى وذمها. وله شروط ... مثل: يا خباث - يا غدار ... وهذا النوع منادى مبني على ضم مقدر من ظهوره كسرة البناء الأصلي في محل نصب. وهو غير النوع الذي على هذا الوزن، ويعرب اسم فعل أمر. ج- نوع من قياسيته خلاف، والأحسن الأخذ برأي القائلين بقياسيته؛ لكثرة الوارد منه. ومن ألفاظه ما كان على وزن: "مفعلان"2 للذم "غالبا"، أو للمدح، ومنه: ملأمان، مخبثان، مكرمان، مطيبان. ومن ألفاظه أيضا ما كان على وزن: "فعل" لذم المذكر وسبه، نحو: غدر، وسفه ... وكل هذا النوع منادى مبني على الضم في محل نصب. فالأنواع الثلاثة عند النداء تبنى على الضم الظاهر في محل نصب، إلا وزن: "فعال" فيبنى على ضم مقدر، وإلا أبت وأمت، ففي إعرابها التفصيل الذي سبق خاصا بهما.

_ 1 ص62. 2 وتزاد التاء في المؤنث.

نداء المجهول - اسمه: إذا أردنا نداء المجهول الاسم وجدنا في اللغة أساليب تختلف باختلاف ذاته ومكانته؛ فقد تقول له: يا رجل، يا شاب، يا فتى، يا غلام، يا هذا، أيها السيد، أيها الأخ، يا زميل ... كما نقول للأنثى: يا فتاة، يا شابة، يا سيدة أيتها الأخت، يا زميلة ... ، إلى غير هذا من الكلمات الصالحة للنداء، والتي يترك اختيارها لذوق المتكلم، وبراعته في حسن الاختيار الملائم للمقام، كما اختار العرب قديما، وكما يختار المتعلمون اليوم ... ومما اختاره العرب أحيانا كلمة: "هن" لنداء المذكر المجهول، و"هنة" "بسكون1 النون أو فتحها" للمؤنثة المجهول؛ تقول: يا هن، لا تستشعر الوحشة في بلدنا؛ فالغريب بيننا قريب - يا هنة ماذا تبتغين؟ ... ويقولون في التثنية: يا هنان ... ، ويا هنتان ... وفي جمعي السلامة: يا هنون2 يا هنات. وربما ختموا هذه الكلمات عند ندائها بالأحرف الزائدة التي قد تختم بها في الندية3؛ فيقولون في الإفراد: يا هاه، ويا هنتاه، وفي التثنية: يا هنانيه ويا هنتانيه، وفي الجمع: يا هنوناه، ويا هناتوه؛ بسكون الهاء الأخيرة في كل ذلك عند الوقف، وحذفها، وصلا. وقد تثبت وصلا في الشعر أو غيره؛ فتتحرك بالضم أو بالكسر. ولما كانت "هن" و"هنة" متعددة المعاني اللغوية، ومن معانيها ما هو محمود وما هو مذموم، كان الأنسب اليوم أن نختار سواها عند نداء المجهول الاسم، وأن نهجرها بصورها وفروعها المختلفة.

_ 1 قال الصبان: إنه بسكون النون. وجاء في كثير من كتب اللغة بفتحها. ولعل الفتح أنسب لتاء التأنيث، وليساير المذكر في التحرك. 2 يجمعونه جمع مذكر، مع أن شروط جمع المذكر لا تنطبق عليه. 3 سيجيء بابها في ص89.

المادة 133: الاستغاثة

المادة 133: الاستغاثة ... المسألة 133: الاستغاثة إذا وقع إنسان في شدة لا يستطيع -وحده- التغلب عليها، أو توقع أن يصيبه مكروه لا يقدر على دفعه ... ، فقد ينادي غيره لينقذه مما وقع فيه فعلا، أو ليدفع عنه المكروه الذي يتوقعه، ويخاف مجيئه ... ومن الأمثلة: مناداة الغريق حين يُشرف على الموت؛ فيصرخ: "يا للناس للغريق". ومناداة الحارس زملاءه حين يرى جمعا من الأعداء مقبلا فيرفع صوته: "يا للحراس للأعداء". فهذه المناداة لطلب العون والمساعدة هي التي تسمى: "الاستغاثة"؛ ويقال في تعريفها إنها: "نداء موجه إلى من يخلص من شدة واقعة بالفعل، أو يعين على دفعها قبل وقوعها". أسلوبها وأركانه: أسلوب الاستغاثة -على الوجه السالف- أحد أساليب النداء. ولا يتحقق الغرض منه إلا بتحقيق أركانه الثلاثة الأساسية؛ وهي: حرف النداء "يا"، وبعده -في الأغلب: "المستغاث به"؛ وهو المنادى الذي يطلب منه العون والمساعدة ... ويسمى أيضا: "المستغاث"1، وهذا الاسم الأكثر شيوعا هنا، ثم: "المستغاث له" وهو الذي يطلب بسببه العون؛ إما لنصره وتأييده، وإما للغلب عليه، كالمثالين السالفين؛ فهو الدافع للاستغاثة؛ لمعاونته، أو لمقاومته. من هذه الأركان الثلاثة مجتمعة. يتألف الأسلوب الخاص بالاستغاثة الاصطلاحية2، مع مراعاة الأحكام الخاصة بكل ركن منها. وتتركز هذه الأحكام فيما يأتي:

_ 1 يقال: استغاث الصبي بوالده، أو استغاث الصبي والده؛ فالفعل يتعدى بنفسه تارة -وهذا هو الأكثر- وبالياء تارة أخرى، وهذا صحيح أيضا. فالوالد مستغاث، أو: مستغاث به. 2 هناك أساليب غير اصطلاحية؛ كأن يقول الخائف مثلا: إني أستغيث بك يا والدي -أدركني يا صديقي وخلصني- أيها النبيل ادفع عني السوء الذي ينتظرني ...

أ- ما يختص بحرف النداء: يتعين هنا أن يكون حرف النداء هو: "يا" دون غيره من إخوته، وأن يكون مذكورا1 دائما؛ نحو: يا للأحرار للمستضعفين ... فإن تخلف أحد هذين الشرطين لم يكن الأسلوب أسلوب استغاثة. ب- ما يختص بالمستغاث "وهو: المنادى": 1- الغالب على المستغاث أن تسبقه لام الجر الأصلية. ومتى وجدت كانت مبنية على الفتح وجوبا؛ نحو: يا للطبيب للمريض، وقول الشاعر2: يا للرجال لحرة موءودة3 ... قتلت بغير جريرة وجناح3 ووجود هذه اللام ليس واجبا، إنما الواجب فتحها يحين تذكر ... 4 ويستثنى من بنائها على الفتح حالتان، يجب فيهما بناؤها على الكسر. الأولى: أن يكون المستغاث "ياء المتكلم"، نحو: يا لي للملهوف. والثانية: أن يكون المستغاث غير أصيل؛ وذلك بأن يكون غير مسبوق "بيا"، ولكنه "معطوف" على مستغاث آخر مسبوق بها؛ فيكتسب من السابق معنى الاستغاثة، والمراد منها. نحو: يا للوالد وللأخ للقريب المحتاج. فكلمة "الأخ" ليست مستغاثا أصيلا، لعدم وجود حرف النداء "يا" معها، ولكنها استفادت معنى

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم5 من ص3 وفي "أ" من ص5 ويجيء في ص82. 2 البيت لشوقي من قصيدة يرثي فيها منصب "الخلافة" الإسلامية التي آلت إلى سلاطين الترك، ثم ألغوها سنة 1929 وكان لإلغائها ألم عميق إذ ذاك. ومن الأمثلة قول الآخر يعاتب: أتتركني، وأنت أخي وصنوي؟ ... فيا للناس للأمر العجيب 3 الموءودة: هي البنت التي كانت تدفن حية عقب ولادتها، كعادة بعض الأمم القديمة، ومنهم بعض القبائل العربية الجاهلية. والجريرة الإثم والذنب، وكذلك: الجناح. 4 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه: الاستغاثة. إذا استغيث اسم منادى خفضا ... باللام مفتوحا، كيا للمرتضى "ستغيث اسم: أي: استغيث به. وخفض، أي: جر". يريد: إذا نودي اسم مستغاث به وجب خفض المنادي؛ "أي: جره" بلام مبنية على الفتح، نحو: يا للمرتضى.

الاستغاثة من "المعطوف عليه" المستغاث الأصيل الذي قبله "يا" وهو الوالد. ففي هذه الصورة -والتي قبلها- يجب كسر اللام الداخلة على المستغاث. ويترتب على عدم ذكر "يا" مع المعطوف شيء آخر، هو صفحة ذكر لام الجر معه، وحذفها؛ نحو: يا للطبيب وللممرض للجريح، أو: والممرض للجريح. فإن ذكرت "يا" مع المعطوف كان مستغاث أصيلا كالمعطوف عليه، ووجب فتح اللام معهما في المواضع التي جب فيها بنائها على الفتح؛ كقول الشاعر: يا لقومي، ويا لأمثال قومي ... لأناس عتوهم في ازدياد1 2- جميع أنواع المنادى المستغاث، المجرور بهذه اللام الأصلية، المسبوق بالحرف: "يا"، معرب -إذا تحققت شروط ثلاثة-2 منصوب؛ فهو مجرور لفظا، منصوب محلا3. حتى المفرد العلم، والنكرة المقصودة، فإنهما يعتبران -حكما؛ بسبب هذه اللام- من قسم المنادى المضاف، الواجب النصب4، ويلحقان به، فكل؛ منهما مجرور اللفظ، منصوب المحل، "كغيره من بقية أنواع المنادى المستغاث، المسبوق بالحرف: "يا"، والمجرور باللام الأصلية". لهذا يقال في إعراب المستغاث في الأمثلة السابقة5 "وهي: للطبيب ... يا للرجال ... وأشباهها" اللام حرف جر أصلي، والطبيب ... أو الرجال ... منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها الكسرة التي جلبها حرف الجر. والجر والمجرور متعلقان "بيا": لأنها نائبة عن الفعل "أدعو"

_ 1 يقول ابن مالك في هذا: وافتح مع المعطوف إن كررت "يا" ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا إذا تكررت "يا" بأن ذكرت مع المعطوف وجب فتح لام. وفي غير هذه الصورة يجب كسر اللام معه. وهذا يشمل ألا تذكر "يا" مع المعطوف، كما يشمل اللام الداخلة على المستغاث له إن كان اسما ظاهرا، أو ضميرا هو ياء المتكلم. ولم يعترض لوجوب فتح اللام مع الضمائر الأخرى. كما سنعرف. 2 وهي الشروط الثلاثة المذكورة بعد. 3 كيف يكون له محل من الإعراب مع أصالة اللام الجارة؟ انظر الإجابة في رقم 3 من هامش الصفحة الآتية. 4 كما سبق في ص13 و26. 5 في ص78.

أو ما بمعناه"1. وإذا جاء لهذا المنادى تابع فإنه يجوز فيه الجر، مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، -وهذا هو الرأي الأنسب الذي يحسن الأخذ به-2 تقول: يا للطبيب الرحيم ... يا للرجال الشجعان، بجر كلمتي: الرحيم والشجعان، أو نصبهما. أما الشروط الثلاثة التي لا بد من اجتماعها ليكون المستغاث معربا منصوبا، فهي: "أن يكون معربا في أصله قبل النداء، وأن تكون لام الجر مذكورة، وقبلها: "يا" مذكورة أيضا. أما إن كان المستغاث مبنيا في أصله؛ نحو: يا لهذا للصالح ... فالواجب إبقاؤه على حالة بنائه الأصلي، ويكون في محل نصب. فكلمة: "هذا" في المثال السالف منادى، مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره سكون البناء الأصلي، في محل نصب3.

_ 1 كما عرفنا في د وهـ من ص7. 2 كما سبق في ص57 ... ليكون هذا الحكم عاما يخضع له التابع في الاستغاثة، كما يخضع في غيرها من بقية أساليب النداء. 3 الرأي الأقوى -بين آراء متعددة- أن المستغاث المجرور باللام الأصلية، المعرب قبل النداء، معرف مجرور باللام في محل نصب. وأن حرف الجر أصلي وهو مع مجروره متعلقان بحرف النداء "يا" لنيابته عن الفعل: أدعو، أو ما يشبهه -كما عرفنا أول الباب، في د وهـ من ص7، 8. لكن كيف يكون معربا مع أن له محلا؛ والإعراب المحلي لا يكون للمعرب الأصلي -في الصحيح؟ وإذا صلح أن له محلا فما محله؟ أهو الجر باللام الجارة -وهي أصلية- أم النصب بالنداء؛ إذ لا يمكن أن يكون له محلان؟ ولا يفيد في إزالة الاعتراض اعتبار اللام حرف جر زائد لا يحتاج مع مجروره إلى تعليق؛ لأن هذا الاعتبار لا قيمة له في بعض الحالات؛ كأن يكون المستغاث المجرور باللام مبنيا في أصله قبل النداء؛ "مثل: يا لهذا للصائح -أو: يا لك للداعي ... " إذ المنادى هنا مبني أصالة قبل النداء؛ فيتعين أن يقال في إعرابه إنه مبني على ضم مقدر. منع من ظهوره علامة البناء الأصلي، وأنه في محل كذا؟ فما محله هنا؟ أو الجر، أم النصب؟ ولا يمكن أن يكون له محلان. وإذا تخيرنا أحدهما هنا وهناك فما وجه الترجيح؟ ... و ... وبالرغم من هذا التعارض لا مفر من الأخذ بأحد الرأيين: أ- إما الرأي السمح الذي يعرب المستغاث والمجرور باللام الأصلية الذي ليس مبنيا قبل النداء=

وأما إن كانت اللام محذوفة فيجوز أن تجيء الألف في آخر المستغاث؛ عوضا عنها، ولا يصح الجمع بين اللام والألف. ومع وجود هذه الألف يبقى المنادى دالا على الاستغاثة كما كان1 ولكنه لا يعتبر في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف "بالرغم من وجود الألف التي هي عوض عن اللام"، وإنما هو مبني على الضم المقدر2، في محل نصب؛ لأن اعتباره ملحقا بالمضاف واجب النصب متوقف على وجود اللام نفسها، لا على وجود عوض عنها بعد حذفها3. ومن الأمثلة: يا عالما للجاهل. وقول الشاعر: يا يزيدا لآمل نيل عز ... وعني بعد فاقة وهوان فعند إعراب المنادى في المثالين المذكورين: "عالما ... يزيدا ... " يقال: منادى، مبني على ضم مقدر على آخره "منع من ظهوره الفتحة التي

_ = منادى مجرور باللام في محل نصب، برغم أنه معرب، والمعرب -في غير هذا- لا يكون له محل، وأن المبني أصالة مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها سكون البناء الأصلي، أو علامة البناء الأصلي -إن كانت علامته غير السكون- في محل نصب أيضا. ولا يخلو هذا الرأي بشطريه من ضعف؛ بسبب مخالفته بعض قواعدهم العامة، ولكنه أهون مخالفة من غيره. ب- وإما الرأي الذي يعتبر اللام حرف جر زائد، وما بعدها مجرور في اللفظ، وله محل إعرابي آخر، وهما لا يتعلقان. فالمستغاث المعرب أصالة مجرورة بها لفظا في محل نصب، وهي مبنية على الفتح إلا في الصورتين السالفتين "وهما: "المستغاث المعطوف" الذي لم تسبقه "يا" وكذا "المستغاث ياء المتكلم" فتبنى على الكسر" والمستغاث المبني أصالة -أي قبل النداء- كاسم إشارة؛ مثل: يا لهذا -يكون مجرورا بكسرة مقدرة منع من ظهورها علامة البناء الأصلي- في محل نصب. فزيادة "اللام" -لا أصالتها- هي التي توجب للمنادى إعرابا لفظيا، وآخر محليا معا. أما أصالتها فتقتضي اللفظي وحده، فإذا اقتضت معه محلا كان هذا الاقتضاء عيبا. 1 بشرط وجود قرينة تدل على الاستغاثة، وعلى أن هذه الألف للعوض وحده، وليست منقلبة عن ياء المتكلم التي سبق اللام عليها في ص58، ولا عن غيرها. 2 بسبب الفتحة الطارئة لمناسبة الألف. 3 يقول ابن مالك: ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف "أي: عاقبها ألف، بمعنى: جاءت عقبها، وحلت في مكانها بعد حذفها" وبين لهذا التعاقب موضوعين؛ هما: ما استغيث به "أي: المستغاث" والاسم المتعجب منه في أسلوب التعجب الآتي، ص86.

جاءت لمناسبة الألف"، في محل نصب1 ويجري على توابعه -في الرأي الأصح- ما يجري على توابع المنادى المبني على الضم2 من أحكام إعرابية مختلفة؛ ومنها: جواز الرفع والنصب في بعض الحالات؛ فالرفع مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله. ولا يصح مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف3. وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف فالأحسن مجيء هاء السكت الساكنة نحو: يا عالماه ... وتحذف عند الوصل. فإن حذفت لام الجر بغير تعويض كان حكم المستغاث حكم غيره من أنواع المنادى التي ليست للاستغاثة، كقول الشاعر: ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب فيصح في كلمة: "قوم" أن تكون منادى منصوبا؛ لإضافته إلى ياء المتكلم المحذوفة، وبقيت الكسرة المناسبة لها دليلا عليها. "ولا بد من قرينة قال على أن النداء للاستغاثة". ويصح أن تكون مبنية على الضم "باعتبارها فكرة مقصودة" في محل نصب. وإما إذا حذفت "يا" أو كان حرف النداء حرفا آخر غيرها، إن الجملة لا تكون من باب: الاستغاثة -كما تقدم4. 3- كل ما يصلح أن يكون منادى يصلح أن يكون مستغاثا؛ غير أنه يجوز -هنا- الجمع بين "يا" و"أل" التي في صدر المستغاث، بشرط أن

_ 1 إن كان المستغاث مثنى أو جمع مذكر سالما وحذفت قبلهما لام الجر فإنهما يبنيان على ما يرفعان به من ألف أو واو. ويصح مجيء الألف بعد نونهما للتعويض، فيقال: يا محمودانا، ويا محمودونا. وإذا كان المستغاث المجرور باللام مضافا؛ مثل: يا لأعوان محمود لمحمود جاز حذف اللام من المضاف وزيادة الألف في آخر المضاف إليه؛ عوضا عنها؛ فيقال: يا أعوان محموداه، فالمضاف منادى منصوب مباشرة، والمضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف، "وهي فتحة طارئة لا تلاحظ في التوابع ولا غيرها" والهاء للكست -طبقا لما سيجيء مباشرة. 2 سبق بيان أحكامها في ص40. 3 راجع رقم 1 من هامش ص42، ثم ص45. 4 في "أ" من ص78.

يكون مجرورا باللام المذكورة، لتفصل بينهما؛ كما في الأمثلة المتقدمة. فإن لم يتحقق الشرط لم يصح الجمع1. 4- قد يحذف المستغاث، ويقع المستغاث له بعد "يا" في موضعين". أحدهما: أسلوب مسموع يلتزم فيه الحذف - على الرأي الصحيح - وهي "يالي"، بشرط أن يكون مقتصرا على هذا الجملة المشتملة على "يا" وعلى "المستغاث له" وحده، الخالية ما يصلح أن يكون "مستغاثا به"؛ نحو: "عرفت الأحمق فاكتويت بحمقه؛ فيا لي، ويا للأخوان لي. ثانيهما: أسلوب قياسي -وهو قليل مع قياسيته وجوازه- ويشمل كل أسلوب يكن اللبس مأمونا فيه عند الحذف؛ كقول الشاعر: يا ... لأناس أبوا إلا مثابرة ... على التوغل في بغي وعدوان والأصل: -مثلا- يا الأنصاري لأناس أبوا ... "فالأناس" هم المستغاث لهم. ولا لبس في هذا؛ لأن ضبط اللام بالكسر -نطقا وكتابة- يمنعه، وإذا لم تضبط فالمعنى يمنعه أيضا؛ إذ لا يعقل أن يكون الأناس مستغاثا بهم. مع اتهامهم بالتوغل الدائب في البغي والعدوان؛ فمن شأنهم هذا التوغل لا يستغيث بهم أحد. ج- ما يختص بالمستغاث له: 1- يجب تأخيره عن المستغاث. 2- يوجب جره بلام أصلية مكسورة دائما -كالأمثلة السابقة- إلا في حالة واحدة؛ هي: أن يكون المستغاث له ضميرا لغير ياء المتكلم فتفتح لام الجر2؛ نحو: يا للناصح لنا، ويا للمخلص لكم ... بخلاف:

_ 1 سبقت الإشارة لهذا، في ص38 الحالة الثالثة. 2 لوجوب فتحها دائما إذا دخلت على ضمير غير ياء المتكلم؛ سواء أكان ما بعدها مستغاثا أم غير مستغاث.

يا للرائد لي؛ لأن الضمير ياء المتكلم. وفي جميع الصور تتعلق اللام ومجرورها النداء "يا". 3- يجوز حذفه إن كان معلوما واللبس مأمونا؛ كقول الشاعر: فهل من خالد إما1 هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار ولأصل: يا للناس للشامتين، أو نحو ذلك. وقول الآخر: يا لقومي ... من للعلا والمساعي ... يا لقومي ... من للندى والسماح؟ 4- يجوز -عند قيام قرينة- الاستغناء عن هذه اللام، والإتيان بكلمة: "من" التعليلية2 عوضا عنها؛ بشرط أن يكون المستغاث له مستنصرا عليه، "أي: أن يكون القصد من الاستغاثة التغلب عليه، وإضعاف أمره ... " نحو: يا للأحرار من الخادعين المنافقين، وقول الشاعر: يا للرجال ذوي الألباب من نفر ... لا يبرح السفه المردي3 لهم دينا فإن لم يكن مستنصرا عليه بأن كان مستنصرا له لم يصح مجيء "من" وتعينت اللام". بقيت بعض أحكام عامة أهمها: 1- جواز وقوع المستغاث به والمستغاث له ضميرين؛ نحو: يا لك لي؛ يقولها من يستغيث المخاطب لنفسه. 2- جواز أن يكون المستغاث هو المستغاث له في المعنى؛ كقولك في النصح الرقيق لمن يهمل، واسمه علي -مثلا- يا لعلي، تريد: أدعوك لتنصف نفسك من نفسك.

_ 1 هي: "إن" الشرطية المدغمة في: "ما" الزائدة. 2 أي: السببية. "وهي الدالة على التعليل، وبيان السبب" وإنما يصح وقوع "من" التعليلية بعد "يا لي" بشرط أن يكون ما بعدها غير مستغاث به؛ كقول الشاعر: فيا شوق ما أبقى! ويا لي من النوى! ... ويا دمع ما أجرى! ويا قلب ما أقسى! 3 المهلك.

3- إذا وقع بعد "يا" اسم مجرور باللام، لا ينادى إلا مجازا؛ -لأنه لا يعقل- وليس بعده ما يصلح أن يكون مستغاثا، جاز فتح اللام وكسرها؛ نحو: يا للعجب - يا للمروءة - يا للكارثة ... فالفتح على اعتبار الاسم مستغاثا به، مجازا "لتشبيهه بمن يستغاث به حقيقة، أي: يا عجب، أو: يا مروءة ... أو: يا كارثة ... احضر، أو: احضري، فهذا وقتك". والكسر على اعتبار الاسم مستغاثا له. والمستغاث محذوف. فكأنك دعوت غيره تنبهه على هذا الشيء، والأصل -مثلا: يا لقومي للعجب، أو: للمروءة أو للكارثة1 ... أما في مثل: "يا لك"2 -بكاف الخطاب: للعاقل وغيره- فاللام واجبة الفتح3 ولكن الكاف تصلح أن تكون مستغاثا به أو: مستغاثا له، على الاعتبارين السالفين.

_ 1 وعلى هذين الاعتبارين يجوز فتح اللام وكسرها في المنادى المقصود منه التعجب، وهو الموضوع الآتي بعد هذا مباشرة -كما هو مبين في الحكم الثاني، من ص87 - والمعنى لا يختلف على اعتبار الأسلوب للاستغاثة؛ تقديرا، أو اعتباره لنداء المقصود به التعجب؛ إذ المآل المعنوي فيهما واحد، برغم اختلاف التقدير. 2 يساعد على إعراب هذا الأسلوب ما سبق في رقم 3 من هامش ص80. 3 لما أوضحناه في رقم 2 من هامش ص83.

المسألة 134: النداء المقصود به التعجب

المسألة 134: النداء المقصود به التعجب أسلوبه: راقب أحد الشعراء البدر في ليلة صافية، فبهره جماله، وتمام استدارته. ولطف حركته ... فأعلن إعجابه وإكباره بقصيدة مطلعها: يا للبدور، ويا للحسن؛ قد سلبا ... مني الفؤاد؛ فأمسى أمره عجبا وراقب آخر الشمس ساعة غروبها، وما ينتابها من صفرة، وتغير، واختفاء؛ فامتلأت نفسه بفيض من الخواطر، سجله في قصيدة منها: يا للغروب، وما به من عبرة ... للمستهام، وعبرة للرائي أو ليس نزعا للنهار، وصرعة ... للشمس بين جنازة الأضواء؟ وتكشف يوم من أيام الربيع الباسمة عن صباح عاصف، متجهم، قارس، فقال أحد الشعراء أرجوزة مطلعها: يا لصباح أغبر الأديم ... قد طعن الربيع في الصميم فهذه الأساليب: "يا للبدور، يا للحسن، يا للغروب، يا لصباح ... وأشباهها" قد توهم في مظهرها اللفظي وهيئتها الشكلية أنها أساليب استغاثة؛ -كالتي مرت في الباب السالف-1 لاشتمالها على حرف النداء: "يا"، وعلى منادى مجرور باللام المفتوحة. ولكنها حقيقة2، لا مجازا، ومما يصلح أن يكون مستغاثا حقيقيا، "لا مجازيا"، ولأن المتكلم بها على هذه الصورة لا يطلب التخلص من شدة واقعة، ولا دفع مكروه متوقع. وإنما هي أساليب نداء؛ أريد بها التعجب من ذات شيء، أو كثرته، أو شدته، أم أمر

_ 1 ص77. 2 الأصل في النداء الحقيقي أن يكون موجها لعاقل، وإلا فهو نداء مجازي لداع بلاغي. طبقا للبيان الذي في ج ص5.

غريب فيه، أو غرض آخر مما سنبينه؛ فهي نداء خرج عن معناه الأصلي إلى هذا الغرض الجديد، وجاءت صورته الشكلية على صورة الاستغاثة، دون أن يكون منها في المعنى والمراد. وقد ينادى العجب نفسه -مجازا- للمبالغة في التعجب؛ فيقال: يا عجب، يا للعجب، يا عجبا للعاق. أحكامه: 1- يجوز أن يشتمل المنادى المقصود به التعجب، على لام الجر، كما يجوز أن يخلو منها؛ وقد مرت الأمثلة للحالتين. والشائع عند حذف هذه اللام أن تجيء الألف في آخره عوضا1 عنها؛ فيقال عند القرينة2؛ يا بدورا ... يا حسنا ... يا عجبا ... ، ولا يجوز اجتماعهما. ويجوز عند الوقف على المختوم بالألف مجيء هاء السكت الساكنة: نحو: يا بدوراه - يا حسناه. 2- يجوز في المنادى المقصود منه التعجب فتح اللام الداخلة عليه وكسرها، على الاعتبارين اللذين سبق إيضاحهما في الحكم الثالث من الأحكام العامة التي وردت في آخر باب "الاستغاثة"3. 3- جميع الأحكام النحوية الأخرى التي تثبت للمنادى المستغاث -ومنها: الإعراب والبناء، ووجود الحرف: "يا" دون غيره- تثبت للمنادى المتعجب منه، برغم اختلافهما غرضا ودلالة.

_ 1 وإلى هذا أشار ابن مالك في النصف الثاني من البيت الذي سبق في ص81، ونصه: ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف 2 لا بد أن تكون القرينة دالة على التعجب، وعلى أن الألف التي في آخر المنادى هي العوض وحده، وليست منقلبة عن ياء المتكلم -كالتي سبق الكلام عليها في ص58- أو عن غيرها. 3 رقم 3 من ص85 وقد أوضحنا في رقم 1 من هامش تلك الصفحة أن المعنى لا يتغير باعتباره للاستغاثة، أو للنداء المقصود به التعجب؛ لأن المآل المعنوي واحد فيهما، برغم اختلاف التقدير.

الغرض منه: الباعث التعجب بأسلوب النداء أحد أمرين: 1- أن يرى المرء شيئا عظيما يتميز بذاته، أو بكثرته، أو شدته، أو غرابة فيه ... ؛ فينادي جنسه؛ إعلانا بإعجابه، وإذاعة به، كالأمثلة السالفة. 2- أن ينادي من له صلة وثيقة بذلك الشيء، وتخصص فيه، وتمكن منه، حمدا له وتقديرا، أو: طلبا لكشف السر فيه، ومواطن العجب؛ كأن يسمع عن طيارات غزو الفضاء، واختراق الغلاف الجوي، أو الدوران حول الأرض كلها في بضع ساعات، أو إرسال رواد وأجهزة علمية إلى سطح القمر ... -فيقول: يا للعلماء، أو: يا للعباقرة. وكقول شوقي: "في قيصر الرومان الذي فتنته كليوباترة، وقضت على ملكه، وعليه ... ": ضيعت قيصر البرية أنثى ... يا لربي مما تجر النساء ... هذا، والتعجب بكل أنواعه وصيغه -كما سبق في بابه-1 ليس مقصورا على الأمر الحميد أو المحبوب، وإنما يكون فيهما، وفي الذميم أو البغيض.

_ 1 ج3 م108.

المسألة 135: الندبة

المسألة 135: الندبة يتضح معناها مما يأتي: 1- قيل لأعرابي: "مات عثمان بن عفان اليوم ... " فصرخ: "واعثمان، واعثمان. أثابك الله وأرضاك؛ فلقد كنت عامر القلب بالإيمان، شديد الحرص على دينك، بارا بالفقراء، مقنعا بالحياء ... ". 2- وقيل لعمر -رضي الله عنه: أصابنا جدب شديد ... فصاح: واعمراه، واعمراه. 3- وقيل لفتى يتأوه: ما بك؟ فأمسك رأسه، وقال: وارأسي. وقيل الآخر: مالك تضع يدك على كبدك؟ فردد قول الشاعر: فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء 4- وسئل غني افتقر: أين أعوانك وخدامك والمحيطون بك؟ فقال في أسف وحرارة: وافقراه. ففي الأمثلة السابقة أساليب نوع من النداء يسمى: "الندبة"؛ ومنه: واعثمان، واعمراه، وارأسي، واكبدا، وافقراه ... ويقولون في تعريفها: "إنها نداء موجه للمتفجع عليه، أو للمتوجع منه"1. يريدون بالمتفجع عليه: من أصابته المنية، فحملت الناس على إظهار الحزن، وقلة الصبر؛ سواء أكانت الفجيعة حقيقة كالتي في المثال الأول: "واعثمان"، أم حكمية كالتي في المثال الثاني: "واعمراه" فإن عمر حين قال ذلك كان حيا، ولكنه بمنزلة من أصابه الموت؛ لشدة الألم، والهول الذي حل به2.

_ 1 سبقت إشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص2. 2 ومما يصلح للفجيعة الحكمية النداء المجازي في مثل قول المعري: فواعجبا، كم يدعي الفضل ناقص ... وواأسفا، كم يظهر النقص فاضل فهو يندب العجب والأسف، وكأن كلا منهما قد مات في وقت اشتداد الحاجة إليه. ويشترط في هذه الصورة أن تكون الندبة للعجب نفسه، وكذا للأسف من غير إضافتها لياء المتكلم المنقلبة ألفا، وإلا كانت هذه الألف ليست للندبة -كما سيجيء في رقم 1 من ص64 من رقم 1 من ص99.

ويريدون بالمتوجع منه: الموضع الذي يستقر فيه الألم، وينزل به، "كالمثال الثالث: وارأي، واكبدا"، أو: السبب الذي أدى للأم وأحدثه؛ "كالمثال الرابع: وافقراه"؛ فالمتوجع منه هو مكان الألم، أو سببه. والمنادى في هذه الأساليب -وأشباهها- يسمى: المندوب1، فهو: المتفجع عليه، أو المتوجع منه. والغرض من الندبة: الإعلام بعظمة المندوب، وإظهار أهميته، أو شدته، أو العجز عن احتمال ما به ... ومن المندوب وحرف النداء يتألف أسلوب "النداء الاصطلاحية"2 فهما ركناه. ولكل منهما أحكامه التي تتلخص فيما يأتي: أ- حرف النداء: 1- لا يستخدم في الندبة إلا أحد حرفين من أحرف النداء: أحدهما: أصيل، وهو: "وا"؛ لأنه مختص بالندبة، لا يدخل على غير المنادى المندوب؛ كالذي في الأمثلة السالفة. والآخر غير أصيل؛ وهو: "يا" لأنه غير مختص بالندبة، وإنما يدخل على المنادى المندوب وعلى سواه. واستعمال "يا" قليل هنا، وهو -على قلته- جائز، بشرط أمن اللبس بوجود القرينة الدالة على أن الأسلوب للندبة، لا لنوع آخر من أساليب النداء. ومن الأمثلة ما جاء في خطبة أحد الأدباء يرثي زعيما3 وطنيا فوق قبره:

_ 1 هل المندوب منادى؟ الجواب في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية. 2 تعريف الندبة وأسلوبها الاصطلاحي، هو ما ورد هنا، وهناك أساليب غير اصطلاحية لا شأن لها بالضوابط والأحكام الآتية؛ كأن يقال: ما أشد الفجيعة في فلان، أو فقدنا فلانا، أو كانت المصيبة فيه فوق الاحتمال.. أو.. 3 هو محمد فريد رئيس الحزب الوطني المصري المتوفى سنة 1919 في منفاه ببرلين، ثم أحضره الوطنيون، ودفن بالقاهرة خلال تلك السنة.

"لقد أفنيت عمرك في الجهاد، واستنزفت مالك -وما كان أكثره- في طلب الحرية للبلاد، واسترجاع الحق المغصوب، والاستقلال المسلوب، حتى ذاب جسمك، وانطفأ مصباح حياتك؛ فآه!! آه!! يا محمداه ... ". فلا مجال للالتباس هنا؛ لأن المقام مقام رثاء، والمنادى الذي دخلت عليه "يا" ميت ... 2- ولا بد في أسلوب الندبة من أن يذكر أحد هذين الحرفين؛ فلا يصح حذفه1، ولا الاستغناء عنه بعوض أو بغير عوض ... ب- المنادى، وهو المندوب2 هنا: 1- كل اسم يصلح أن يكون مندوبا، إلا نوعين من الأسماء: أحدهما؛ النكرات العامة؛ "وهي الباقية على أصلها من الإبهام والشيوع، -وتشمل النكرة المقصودة- مثل: رجل، فتاة، عالم، طبيبة ... " وهذه النكرات العامة لا تصلح أن تكون مندوبا إذا كان متفجعا عليه، أما إن كان متوجعا منه فتصلح؛ نحو: وامصيبتاه ... ، في مصيبة غير معينة3 ... والآخر: بعض المعارف4. وينحصر في الضمير، وفي اسم الإشارة الخالي

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في "ب" من ص2. 2 يقول بعض النحاة؛ إن المندوب ليس منادى حقيقة؛ وإنما هو على صورة المنادى، وحجته: أنك لا تريد منه أن يجيبك، ويقبل عليك، وأنهم منعوا في النداء. "يا غلامك"، ونحوه مما يكون فيه المنادى مضافا إلى المخاطب؛ لأن خطاب المضاف المنادي يناقض في مدلوله المراد من المضاف إليه، فلا يجمع بين خاطبين في جملة واحد "كما سبق في رقم 2 من هامش ص4" مع أن هذا واقع في أسلوب الندبة؛ مثل: واغلامك. وقال آخرون: إنه منادى. وتصدى آخرون للتوفيق بين الرأيين بما صرح به الرضي من أنه منادى مجازا لا حقيقية، فإذا قلت في الندبة: "وامحمداه" فكأنك تقول له: أقبل؛ فإني مشتاق إليك -مثلا- وإذا قلت: "واحزناه" فكأنك تقول: احضر حتى يعرفك الناس فيعذروني فيك. ورأى الرضي هو الجدير بالأخذ به، والاقتصار عليه. 3 كما سيجيء في ص93. 4 وحجتهم أنه لا يخلو من إبهام، كما سبق في أبوابه، والمندوب لا بد أن يكون معينا لا إبهام فيه، ليتحقق الغرض من الندبة.

من علامة خطاب في آخره. وفي الموصولات المبدوءة "بأل"، وفي "أي" الموصولة وفي "أي" التي تكون منادى. فلا يصلح شيء من هذه المعارف لأن يكون مندوبا؛ فلا يقال مثلا: وا أنت، ولا: وا أياك، ولا: وا هذا، وا الذي ابتكر دواء شافيا - وا أيهم مخترع - وا أيها الرجلاه. أما الموصولات المجردة من "أل" فيرى فريق من النحاة صلاحها للندبة، بشرط أن تكون صلتها شائعة الارتباط بالموصول، معروفة بذلك بين المخاطبين؛ نحو: وا من1 بني هرم مصر -وا من2 أنشأ مدينة القاهرة، لأن هذا الموصول بمنزلة قولك: وا "خوفو" -وا "معز"؛ بل أقوى، لما فيه من الإشادة بذكر شيء هام ينسب له. ويرى آخرون المنع: بحجة أن شيوع الصلة. وإدراك المراد منها. عسير في أغلب الأحيان. وربما شاعت عند قوم وخفيت على غيرهم. والأخذ بالرأي الأول أنسب عند الحاجة. ويرى آخرون المنع: بحجة أن شيوع الصلة. وإدراك المراد منها، عسير في أغلب الأحيان. وبما شاعت عند قوم وخفيت على غيرهم. والأخذ بالرأي الأول أنسب عند الحاجة. واسم الموصول: "من" في المثالين السالفين مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي في محل نصب. وهذا على اعتبار اسم الموصول -في الرأي الأصح- من قسم المنادى المفرد. فإن جعل من قسم الشبيه بالمضاف -كما يرى بعض النحاة- فهو منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي. وأثر كل رأي يظهر في توابعه، فهي إما توابع منادى مبني على الضم، لها أحكامها التي سبقت3 وإما توابع منادى منصوب؛ فتنصب على الوجه المشروع هناك. ومثل هذا يقال في بقية الموصولات المبنية قبل النداء. فليس بين المعارف كلها ما يصلح للندبة إلا العلم، وإلا المضاف لمعرفة يكتسب منها التعريف. وإلا الموصول -عند بعض النحاة- بشرط تجرد من

_ 1 باني الهرم الأكبر بجيزة القاهرة هو فرعون مصري قديم، اسمه: "خوفو" كان البناء قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف سنة تقريبا -ولا يزال قائما شامخا. 2 هو: المعز لدين الله الفاطمي، وأنشأها حول سنة 360 هـ. 3 في ص40.

"أل"، وبشرط اشتهار الصلة بين المتخاطبين، وإلا بعض المقرون "بأل" مما يصلح للنداء1. 2- حكم المندوب من ناحيتي الإعراب والبناء حكم غيره من أنواع المنادى فيجب بناؤه على الضم إن كان علما مفردا، أو نكرة مقصودة، مع مراعاة التفصيل الخاص بكل ... 2 نحو: واعمر - واعثمان، وارأس - واكبد ... ، وأشباههما مما عرضناه في الأمثلة الأولى وما لم نعرضه. ويجب نصبه إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف2؛ فمثال المضاف قول الشاعر في قصيدة يرثى بها عالما دينيا كبيرا3: واخادم الدين والفصحى وأهلهما ... وحارس "الفقه" من زيغ وبهتان ومثال الشبيه به ما قيل في رثائه: واناشرا راية العرفان عالية. ويلحق بالشبيه النكرة المقصودة الموصوفة؛ كقولهم في رثاء الإمام علي: واإماما خاض أرجاء الوغى ... يصرع الشرك بسيف لا يفل أما النكرة غير المقصودة فلا تصلح مندوبة؛ إذا كانت للمتفجع عليه لا للمتوجع منه -كما سبق-4 فلا يقال: "وارجلاه" لغير معين. وإذا اضطر شاعر لتنوين المندوب المفرد جاز رفعه ونصبه كما جاز له هذا في المنادى المفرد الذي سبق الكلام عليه5 ...

_ 1 وقد سبق بيانه في ص26. 2 و2 سبق إيضاح شامل للمفرد العلم، والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، وشبهه. في أول باب "المنادى" ص9، 25، 31، 31. 3 هو الأستاذ الشيخ محمد عبده المتوفى سنة 1905. 4 في ص91. 5 في "د" من ص24 -ويقول ابن مالك في باب مستقل: عنوانه: "الندبة" مبينا ما سبق من أن حكم المندوب هو حكم المنادى المحض، وبيان ما لا يندب، وأن الموصول يندب بما اشتهر به: ما للمنادى اجعل لمندوب وما ... نكر لم يندب، ولا ما أبهما ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كبئر زمزم؛ يلي: وامن حفر "يلي وامن حفر، أي يقع بعد قولك: وامن حفر. أي: وامن حفر بئر زمزم". يريد: أن الموصول يصح أن يكون مندوبا بسبب اشتهاره بصلته. وضرب لهذا مثلا هو: وامن حفر بئر زمزم. والذي حفرها هو عبد المطلب، وشاع بين الناس هذا، فكأنك قلت: واعبد المطلب.

3- الغالب في المندوب أن يختم -جوازا- بألف زائدة تتصل بآخره، إما حقيقية؛ نحو: واعمراه، وقول المتحسر: فواأسفا1 من مكرمات أرومها ... فينهضني عزمي، ويقعدني فقري وإما حكما؛ كالتي تزاد في آخر المضاف إليه لغير ياء المتكلم2 إن كان المندوب مضافا؛ نحو: واعبد الملكاه3. والغرض من زيادة الألف مد الصوت ليكون أقوى بنبراته على إعلان ما في النفس. وزيادتها ليست واجبة، وإنما هي غالبة -كما قلنا- لكنها إن زيدت وجب لها أمران. فأما أحدهما: فحذف التنوين إن وجد قبل مجيئها في آخر المندوب المبني، أو في آخر المضاف إليه نحو؛ فمثال حذفه من المبني ندبة العلم المحكي حكاية إسناده4؛ نحو: وازاد محمودا؛ فيمن اسمه: "زاد محمود" ومثال المضاف إليه:

_ 1 مع مراعاة الشرط الذي سبق في رقم 2 من هامش ص89 والذي يقتضي أن تكون الندبة هنا للأسف نفسه من غير إضافة لياء المتكلم المنقلبة ألفا ... و.. -أما المندوب المضاف لياء المتكلم فتفصيل الكلام عليه في ص99. 2 لأن المندوب المضاف للياء له حكم مستقل "سيجيء في ص99". ومن اتصالها حكما زيادتها في آخر بعض التوابع، وزيادتها في صلة الموصول المجرد من "أل" عند من يبيح ندبته، فيقول: وامن بني هرم مصرا - وامن أنشأ مدينة القاهرتا. ويصح: مصراه، والقاهرتاه؛ بزيادة هاء السكت الساكنة؛ كما سيجيء هنا. وإنما كانت الزيادة التي في آخر المضاف إليه وفي آخر الصلة -وأشباههما؛ كالتابع- حكمية؛ لأنها لم تصل بآخر المندوب مباشرة. وإنما اتصلت بآخر شيء وثيق الارتباط به؛ إذ المضاف والمضاف إليه متلازمان لا يستغني أحدهما عن الآخر؛ فالزيادة المتصلة بآخر المضاف إليه تعتبر حكما وتأويلا بمنزلة المتصلة بآخر المضاف، وكذلك الشأن في الزيادة المتصلة بآخر الصلة، والتابع، هذا تعليل النجاة. والعلة الحقة هي استعمال العرب. 3 الهاء للسكت. والكلام عليها في ص96. 4 اشتمل المثال على ندبة العلم المحكي إسنادا لأنه الذي يوجد فيه التنوين مع النداء؛ تحقيقا للحكاية. ولا يحذف هذا التنوين إلا مع زيادة ألف الندبة -كما سيجيء هنا، وفي "ب" من ص97 أما المنادى العلم المفرد فمبني على الضم؛ فلا تنوين فيه اختيارا -كما عرفنا في "د" من ص24- وإنما يوجد التنوين أحيانا فيما يتممه، كصلة الموصول عند من يعتبره مفردا، وأما المندوب المضاف فلا يدخله تنوين مطلقا، وقد يدخل في المضاف إليه، وفي الجزء الثاني المتمم لشبه المضاف. أما الجزء الأول من شبه المضاف فلا يحذف تزينه. لأن ألف الندبة لا تتصل به، وأما النكرة المقصودة فقد تنون إذا وصفت؛ طبقا لما سلف في 28.

واحارس بيتاه. في ندبة: "حارس بيت". وأما الآخر: فأن يتحرك ما قبلها بالفتحة -بشرط أمن اللبس- إن كان غير مفتوح؛ لأن الفتحة هي التي تناسبها؛ كالأمثلة السالفة. فإن أوقعت الفتحة في لبس وجب تركها، وإبقاء الحركة الموجودة على حالها مع زيادة حرف بعدها يناسبها: فتبقى الكسرة وتجيء بعده ياء، وتبقى الضمة وتجيء بعدها واو؛ ففي مثل: واكتابك -بكسر الكاف- تقول: واكتابكي، ولا يصح مجيء الألف؛ فلا يقال: واكتابكا؛ إذ لا يتبين مع الألف حال المضاف إليه؛ أهو خطاب لمذكر أم لمؤنث؟ وكذلك لا يتبين في "واكتابه" لو جئنا بالألف؛ فيجب الاستغناء عنها بالواو بعد الهاء. وفي مثل: واكتابهم، واكتابهموه، ولا يصح واكتابهماه، بزيادة الألف؛ إذ لا يتضح معه نوع الضمير؛ أهو لمثنى أم لجمع؟ ويجب أن يحذف للألف الزائدة ما قد يكون في آخر المندوب من ألف أخرى نحو: مصطفى، فيقال: وامصطفاه1 ... هذا والأحرف الثلاثة السابقة "الألف، الواو، الياء"، زائدة، لا تعرب شيئا، ولا يقال فيها إلا أنها زائدة للندبة، ولا تأثير لها فيما اتصلت بآخره إلا باحتياجها إلى حركة قبلها تناسبها؛ فالفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء2 ...

_ 1 وعند إعرابه يقال: "مصطفى" منادى مبني على ضم مقدر للتعذر -كما كان قبل الندبة- على الألف المحذوفة لالتقاء الألفين الساكنين، والألف الموجودة زائدة للندبة، والهاء للسكت. وهذا هو الرأي الأقوى بالنسبة للرأي الآخر الذي يقول إن المندوب المختوم بالألف مبني على الفتح. وإذا حذفت الألف من آخر المندوب بسبب مجيء ألف الندبة وجب -في الأرجح- مجيء هاء السكت معها لتدل على أن الألف المذكورة هي الزائدة للندبة، وليست من حروف المندوب -كما أشرنا. 2 يقول ابن مالك في زيادة ألف الندبة وحذف ما قد يكون في آخر المندوب من ألف أو تنوين لأجلها:=

ويصح في حالة الوقف زيادة هاء السكت1 الساكنة بعد الثلاثة، أو عدم زيادتها، فيقال: وعمراه، واكبداه، واإماماه، واخادم وطناه، واكتابكيه، واكتابهوه ... كما يقال: وا عمرا، واكبدا، واإماما ... ، ولا تزاد الهاء جوازا، إلا بعد حرف من أحرف المد الثلاثة. والأفصح حذف الهاء في وصل الكلام إلا في الضرورة الشعرية فتبقى وتتحرك بالكسر أو بالضم. ومن القليل الذي يحسن إهماله أن تبقى في الاختيار، وأن تتحرك فيه بالكسر أو بالضم2!!.

_ = ومنتهى المندوب صله بالألف ... متلوها إن كان مثلها حذف "متلوها أي: الذي تليه وتقع بعده" يقصد: أن آخر المندوب يجيء بعده ألف الندبة، فإن وقعت ألف الندبة بعد مثيل لها، "أي: بعد ألف" وجب حذف المثيل؛ لالتقاء الساكنين، دون ألف الندبة لأنها جاءت لغرض. ثم قال: كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها. نلت الأمل يريد: كذلك يحذف التنوين من الشيء الذي أكمل المندوب، وجاء بعد المندوب ليتمه؛ كالصلة بعد اسم الموصول، والمضاف إليه بعد المضاف، وبعض التوابع بعد متبوعاتها ... وبقية البيت دعاء للمخاطب، سبق للتكملة الشعرية ... ثم قال بعد ذلك فيما يختص بشكل المندوب وضبطه بالفتحة عند مجيء الألف، وهل يحدث لبس بسببها؟ وكيف نتوفاه؟ والشكل حتما، أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا "لابسا بوهم= خالطا المقصود بغيره، بسبب وهم. والوهم: ذهاب الطن لغير المراد". يقول: إن كان الفتح قبل ألف الندبة يحدث لبسا، بسبب وهم فالواجب العدول عن الفتحة وعن الألف، والمجيء بحرف مجانس للشكل الموجود، بدل الألف، فالكسرة يجانسها الياء، فتجيء بعدها الياء، والضمة يجانسها الواو فتجيء بعدها الواو. وهذا معنى: أول الشكل مجانسا له، أي: اذكر يعد الشكل الحرف الذي يجانسه. 1 وتسمى: ها الاستراحة. 2 وفي هاء السكت "هاء الاستراحة" يقول ابن مالك: وواقفا زد "هاء" سكت إن ترد ... وإن ترد فالمد "والها" لا تزد أي: إن شئت عند الوقف أن تزيد على المندوب بعد ألفه هاء السكت فزدها، وإن شئت ألا تزيدها فأنت حر -إلا في الصورة التي عرضناها عند الشرح في رقم 1 من هامش الصفحة السابقة- وإن شئت الاستغناء عنهما فلا تزد حرف المد، ولا الهاء "وحرف المد هو الألف، والواو، والياء" ولا تزال الهاء إلا بعد واحد منها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما فإن نونهما لا تحذف عند مجيء ألف الندبة، فيقال: واإبراهيمانا - واإبراهيمونا، فيبنيان على الألف والواو؛ كالمنادى المجرد. ب- إذا ندب المفرد ولم تلحقه ألف الندبة، كان المنادى المحض مبنيا على الضم في محل نصب -كما سبق- واجعفر. أما في مثل: سيبويه، و"قام محمود" -علمين- فيقال: واسيبويه - واقام محمود "في ندبة من اسمه هذا"، فالمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره علامة البناء الأصلي في سيبويه، وحركة الحكاية في الثاني المنون. وهو في الحالتين في محل نصب. فإذا جاءت ألف الندبة؛ فقلنا: واجعفرا، فهو منادى مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف في محل نصب. وإذا قلنا: واسيبويها، فهو منادى مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره علامة البناء الأصلي التي حذفت لأجل فتحة المناسبة، في محل نصب، أو: أنه مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحة المناسبة -مباشرة- في محل نصب، وهذا أوضح؛ لأن اعتبار الألف الظاهرة أولى من اعتبار المحذوف. وإذا قلنا: واقام محمودا1. بزيادة ألف الندبة. فالمنادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة الحكاية التي حذفت لأجل فتحة المناسبة -في محل نصب. أو مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحة المناسبة -مباشرة- في محل نصب. والأفضل أن يكون الضم مقدرا لفتحة المناسبة، مراعاة للناحية اللفظية المذكورة. أما المضاف وشبهه2، نحو: وا كتاب جعفراه - واقارئا كتاباه - فالجزء الأول منصوب دائما كالنداء المحض، والجزء الثاني يقدر إعرابه، وسبب التقدير مجيء الفتحة، لمناسبة الألف. ج- إذا كان للمندوب تابع فإن كان بدلا، أو عطف بيان، أو توكيدا

_ 1 بغير تنوين: طبقات لما سبق في ص94. 2 سبق تعريفه وحكمه في ص32.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنويا - فالأحسن ألا تدخل ألف الندية على التابع، ويكتفي بدخولها على المتبوع. وإن كان عطف نسق دخلت على المعطوف. نحو: واعمر واعثماناه. ويجيز بعضهم دخولها على المعطوف والمعطوف عليه. وهذا حسن. وإن كان توكيدا لفظيا دخلت عليهما. نحو: واعمراه واعمراه ... أما إن كان نعتا لفظه كلمة: "ابن" المضافة لعلم فإن الألف تدخل على المضاف إليه؛ نحو: واحسين بن علياه. فإن كان النعت لفظا آخر فالأحسن إدخالها على المنعوت وحده.

المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم

المسألة 136: المندوب المضاف لياء المتكلم عرفنا1 أن المنادى صحيح الآخر المضاف إضافة محضة، قد تكون إضافته إلى ياء المتكلم، كقول الشاعر وقد عاد إلى وطنه من منفاه2: فيا وطني لقيتك بعد يأس ... كأني قد لقيت بك الشبابا وعرفنا ما يجوز فيه -اختيارا- من لغات أشهرها ست، منها ثلاث تثبت فيها الياء، وثلاث تحذف فيها. فالثلاث الأولى هي: إثباتها ساكنة؛ نحو: يا وطني -إثباتها متحركة بالفتحة، نحو: يا وطني قلبها ألفا بعد فتحة؛ نحو: يا وطنا. والتي تحذف فيها هي: حذفها مع بقاء الكسرة قبلها دليلا عليها؛ نحو: يا وطن قبلها ألفا مفتوحا ما قبلها، وحذف الألف مع بقاء الفتحة قبلها؛ نحو: يا وطن حذفها وبناء المنادى قبلها على الضم، نحو: يا وطن. 1- فإذا ندب المضاف إضافة محضة لياء المتكلم الساكنة الثابتة جاز حذفها ومجيء ألف الندبة مفتوحا ما قبلها. وجاز تحريك الياء بالفتحة مع زيادة ألف الندبة بعدها، ففي نحو: يا مالي، يقال: وامالا، أو: واماليا3.

_ 1 في ص58. 2 لما اشتعلت الحرب العالمية الأولى في أغسطس سنة 1914، وكان الإنجليز يحتلون البلاد المصرية إذ ذاك نفوا الشاعر إلى أسبانيا، وظل بها حتى انتهت الحرب في آخر سنة 1918 فعاد إلى وطنه أول سنة 1919. 3 ويقال في إعراب: "واماليا" "مال"، منادى مضاف، منصوب بفتحة مقدرة على اللام؛ منع من ظهورها الكسرة لمناسبة الياء، والياء مضاف إليه، مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاء لمناسبة الألف، في محل جر. ويقال في إعراب: "وامالا"، "مال" منادي مضاف، منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة الياء المحذوفة أو: منع من ظهورها الفتحة الحالية التي جاءت لمناسبة ألف الندبة. ومراعاة الفتحة الحالية أوضح. وفي المندوب المضاف إلى ياء المتكلم الساكنة وجواز تحريكها بالفتح، أو حذفها مع زيادة ألف الندبة في الحالتين وفتح ما قبلها يقول ابن مالك: وقائل واعبديا، واعبدا ... من في النداء، اليا، ذا سكون أبدي "تقدير البيت: ومن أبدى في النداء حرف الياء ذا سكون - قائل واعبديا، واعبدا". يريد أن من لغته في المنادى المضاف لياء المتكلم هو إسكانها، مع بقائها، فإنه يقول عند الندبة: واعبديا أو واعبدا، بتحريك الياء بالفتح، ثم زيادة ألف الندبة، أو بحذف الياء مع زيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها.

ويصح عند الوقف زيادة هاء السكت الساكنة على الوجه الذي أوضحناه1. 2- وإذا ندب المضاف لياء المتكلم الثابتة المفتوحة لم يجز إلا زيادة ألف الندبة بعدها، ففي مثل: يا مالي، يقال: واماليا. ويصح زيادة هاء السكت الساكنة وقفا ... 3- وإذا المضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا، حذفت، وحل محلها ألف أخرى للندبة؛ فيقال في: يا مالا - وامالا. ويصح وقفا زيادة هاء السكت الساكنة ... 4 و5 و6- أما إذا ندب المضاف لياء المتكلم المحذوفة فيزاد ألف الندبة مع فتح ما قبلها إن لم يكن مفتوحا، ففي مثل: يا مالِ، يا مالَ، يا مالُ ... يقال فيها جميعا: وامالا. ويصح وقفا زيادة هاء السكت الساكنة. وقد يؤدي بعض الصور السالفة إلى اللبس، فيجب العدول عنه إلى ما لا لبس فيه، أو إقامة قرينة تزيله. وإذا أضيف المنادى المندوب إلى اسم ظاهر مضاف لياء المتكلم؛ نحو: وامال أهلي ... وجب إثبات الياء؛ لأن المندوب لم يضف إليها مباشرة؛ فلا تسري عليه أحكام المنادى المضاف لياء المتكلم. ومع إثباتها يجوز زيادة ألف الندبة بعدها وعدم زيادتها؛ تقول وامال أهلي - وامال أهليا2.

_ 1 في ص96. 2 نص على هذا سيبويه "في الجزء الثاني من كتابه، باب الندبة ص322". ويجيز غيره حذف الياء في هذا النوع عند مجيء ألف الندبة، وليس بشيء ...

المسألة 137: الترخيم

المسألة 137: الترخيم الترخيم الاصطلاحي: "حذف آخر اللفظ بطريقة معينة؛ لداع بلاغي"1. وهو ثلاثة أقسام: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشعرية، وترخيمه للتصغير. والباب الحالي معقود للكلام على القسمين الأولين، أما الثالث فموضع الكلام عليه: "باب التصغير"2. القسم الأول: ترخيم المنادى. نصح أعرابي لابنه: "عامر"؛ فكان مما قال: "يا عامِ، صداقة اللئيم ندامة"3، ومداراته سلامة...." فحذف الراء من آخر المفرد العلم المنادى. وسمع آخر أعرابية تتغنى بمزاياها؛ فقال لها: "يا أعرابي، دعي ما أنت فيه؛ فمن حدث الناس عن نفسه بما يرضى. تحدثوا عنه بما يكره". فحذف التاء4 من آخر المنادى النكرة المقصودة ... فالحذف على الوجه السالف نوع مما يسمى: "ترخيم نداء"، وهو: "حذف آخر المنادى المفرد العلم، أو النكرة المقصودة. وقد يقتصر الحذف على هذا أو لا يقتصر" طبقا لما سيجيء5.

_ 1 هو: التخفيف -غالبا- أو التلميح، أو الاستهزاء. وقد يكون السبب هو الضعف الناشئ من خوف، أو هول، ونحوهما مما يحدث العجز عن إتمام النطق بالكلمة؛ فقد جاء في "المحتسب" ج2 ص257 ما نصه على لسان أهل النار في الآية الكريمة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وقراءة من قرأها: "ما مال": "قال أبو الفتح: هذا المذهب المألوف في "الترخيم"، إلا أن فيه في هذا الموضع سرا جديدا؛ وذلك لأنهم لعظم ما هم عليه ضعفت قواهم؛ وذلت أنفسهم، وصغر كلامهم، فكان هذا من مواضع الاختصار؛ ضرورة عليه، ووقوفا دون تجاوزه إلى ما يستعمله المالك لقوله، القادر على التصرف في منطقه ... ". ا. هـ. 2 ص683. 3 أي: مؤديه للندم؛ بسبب نتائجها الضارة. 4 نداء الترخيم كثير عندهم في المنادى المختوم بتاء التأنيث، وفي بعض كلمات أخرى؛ منها: مالك، عامر، حارث، صاحب. 5 في ص105.

شروطه: لا يصح إجراء هذا النوع من الترخيم الذي يقتضي حذف الآخر وحده أو مع شيء غيره، إلا بعد أن تجتمع في المنادى شروط عامة لا بد من تحققها فيه -سواء أكان مجردا من تاء التأنيث أم مختوما بها- وشروط خاصة بالمجرد منها. فالعامة هي: 1- أن يكون المنادى معرفة، إما بالعلمية، وإما بالقصد والإقبال1؛ "لأن المنادى الذي يراد ترخيمه قسمان، مجرد من تاء التأنيث، ومقترن بها، فإن كان مجردا من تاء التأنيث وجب ان يكون علما؛ فيتعرف بالعلمية، وإن اقترن بالتاء وجب أن يكون علما، أو نكرة مقصودة؛ فيتعرف بالعلمية، أو بالنداء مع الإقبال، ولا يصح ترخيم النكرة المحضة، وهي النكرة غير المقصودة". 2- ألا يكون مستغاثا مجرورا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: يا لصالح لمحمود - يا لفاطمة لأخيها. فإن حذفت اللام الداخلة عليه جاز ترخيمه؛ نحو: يا صالا2 لمحمود، يا فاطما2 لأخيها. 3- ألا يكون مندوبا؛ فلا يصح الترخيم في مثل: وامعتصم، أين أنت؟ واعبلة ما صنعت بك الأيام؟ 4- ألا يكون مضافا، ولا شبيها به3؛ كالمضاف في قولهم: يا أهل العلم، عالم ذو همة يحيى أمة - يا فتاتي أنت عنوان بلادي، وشبهه في مثل: "يا بخيلا بماله. أنت تشقى، وغيرك يسعد".

_ 1 فسبب تعريفه أنه مفرد علم، أو نكرة مقصودة. أما بقية أقسام المنادى فلا ترخم - كما سيجيء التصريح هنا وفي الشرط الرابع. 2 و2 الألف التي في آخر المستغاث هي التي تجيء -جوازا - عند حذف لام الجر، وتفصيل الكلام عليها في ص78. 3 هذا الشرط مفهوم من مضمون الشرط الأول، ولكن ذكرناه صريحا هنا ليكون أوضح وأجلى.

5- ألا يكون مركبا تركيب إسناد -على الأرجح-1 فلا يصح الترخيم في علم كالذي في قولهم: يا "فتح الله"، الجاه يفنى، والمجد يبقى -يا "زينب فاضلة"؛ لا تقابلي الإحسان بالجحود. 6- ألا يكون من الألفاظ المقصورة على النداء2، فلا يصح الترخيم في مثل: يا فل، ويا فلة ... 7- ألا يكون من الألفاظ المبنية أصالة قبل النداء؛ مثل: حَذَامِ - رَقَاش ... علمين لمؤنثتين. تلك هي الشروط العامة التي يجب تحققها في المنادى المراد ترخيمه بقسميه؛ "المختوم بتاء التأنيث، والمجرد منها". أما الشروط الخاصة التي لا بد من تحققها مع العامة في القسم المجرد من تاء التأنيث، دون المختوم بها ... فأهمها: 1- أن يكون تعريفه بالعلمية دون غيرها، نحو: "سالم" علم رجل؛ تقول: يا سال، أذل الحرص أعناق الرجال. فلا يصح في المجرد من تاء التأنيث أن يكون نكرة مقصودة "لأن تعريفها بالقصد والإقبال، لا بالعلمية؛ نحو: يا صاحب، لمعين" أما المختوم بها فيصح أن يكون علما وأن يكون نكرة مقصودة؛ كأن تقول في نداء فتاة اسمها عائشة: يا عائش: آفة النصح أن يكون جهارا. وفي نداء مسافرة معينة: يا مسافر، تيقظي في رحلتك، فإن السلامة في اليقظة. 2- أن يكون العلم المجرد أربعة أحرف أو أكثر؛ فلا يصح ترخيم العلم الثلاثي الخالي من تاء التأنيث مطلقا3؛ مثل "سعد" و"رجب" في قولهم: يا سعد، من أحسن إلى لئيم أساء إلى نفسه - يا رجب، النفس الصغيرة مولعة بالصغائر.

_ 1 كما سيأتي في ص109، وفيها حكم ترخيم المركب المزجي. 2 وقد سبقت في ص68 3 أي: سواء أكان ساكن الوسط أم متحركه، ولا داعي للتفرقة بين الاثنين كما يرى بعض النحاة.

أما المختوم بتاء التأنيث فيصح ترخيمه، سواء أكان علما أم نكرة مقصودة، ثلاثيا أم أكثر. وتقول في نداء فتاة اسمها "هبة" نداء ترخيم: يا هب، إن الأماني والأحلام كالأزهار؛ ما تراكم منها قتل. وفي أخرى اسمها: "ماجدة" يا ماجد، إن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال1 ...

_ 1 فيما سبق يقول ابن مالك: ترخيما احذف آخر المنادى ... كيا "سعا" فهي من دعا "سعادا" أي: احذف آخر المنادى حذف ترخيم، كمن يقول: يا سعا، وهو ينادي فتاة اسمها: سعاد. ثم قال: وجوزنه مطلقا في كل ما ... أنت بالها. والذي قد رخما: بحذفها وفره بعد. واحظلا ... ترخيم ما من هذه "الها" قد خلا إلا "الرباعي" فما فوق. "العلم" ... دون إضافة، وإسناد متم يقول: جوز الترخيم في المنادى المؤنث بالهاء، "أي: بتاء التأنيث التي تصير "هاء" في الوقف" إجازة مطلقة؛ يتساوى فيها كل منادى مختوم بالتاء؛ علما أو نكرة مقصودة، ثلاثيا أو زائدا على الثلاثة. متحرك الوسط، أو ساكنه. ثم قال: إن المنادى المرخم بحذفها يوفر بعد ذلك، فلا يجوز حذف شيء من حروفه بعد حذف التاء. وعرض بعد هذا الترخيم الخالي منها؛ فقال: احظل "أي: امنع" ترخيم المنادى الخالي منها إلا إذا كان علما رباعيا فما فوقه، غير مضاف، وغير مركب تركيب إسناد متم، "أي: تركيب إسناد تام، كامل". ويلاحظ في هذه العبارات القصور والخلط؛ لأن بعض الأشياء المحظورة السابقة -كالمنادى المضاف، والمركب تركيب إسناد- ليس محظورا في المنادى المختوم بالتاء وحده، وإنما حظره عام يشمل المجرد منها أيضا، كما شرحنا.

ما يحذف جوازا من آخر المنادى عند ترخيمه: يجوز أن يحذف من آخر المنادى بسبب ترخيمه حرف واحد -وهو الأغلب- أو حرفان، أو كلمة، أو كلمة وحرف. وفيما يلي البيان: أولا: يحذف منه الحرف الأخير وحده بغير شروط إلا التي سلفت. ثانيا: يحذف منه الحرفان الأخيران1 معا بعد تحقق الشروط التي سلفت، مزيدا عليها أن يكون المنادى علما مجردا من تاء التأنيث، وأن يكون الحرف الذي قبل الأخير حرف مد2، وأن يكون زائدا لا أصليا، وأن يكون رابعا فصاعدا. وبعبارة أخرى: يجوز أن يحذف من المنادى العلم المرخم المجرد من تاء التأنيث الحرفان الأخيران، بشرط أن يكون السابق منهما حرف مد. زائدا، رابعا فأكثر ... مثل: عمران، خلدون، إسماعيل ... تقول: يا عمر، من ساء قوله ساءت معامله الناس له - يا خلد، النصح أغلى ما يباع ويوهب - يا إسماع، من خاف الله حرسته عنايته. أما الحرف الأخير فقد يكون أصليا؛ كهمزة "أسماء" في المنادى المرخم من قول الشاعر: يا أسم، صبرا على ما كان من حدث ... إن الحوادث ملقي3 ومنتظر

_ 1 يدخل في هذا من الأعلام ما كان على صورة: المثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم "ويراعى في الثلاثة التفصيل الهام الآتي في: "ا" ص108. 2 لا يسمى حرف مد إلا إذا كان حرف علة ساكنا، والحركة التي قبله تناسبه، "وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء، نحو: قام، يقوم، مقيم". وهو في هذه الحالة حرف علة، ومد، ولين. فإن كان ساكنا وقبله حركة لا تناسبه سمي: حرف علة ولين، نحو: فرعون وخير. فإن كان متحركا فهو حرف علة فقط؛ نحو: حور وهيف ... "راجع ما سبق في رقم 2 من هامش ص58". 3 يريد: اصبري على ما يحدث؛ لأن الحوادث محتومة؛ بعضها ملقي "أي: واقع حاصل"، وبعضها منتظر وقوعه.

فكلمة: "أسم"، أصلها: أسماء، وهمزتها الأخيرة بمنزلة الأصلية؛ لأنها منقلبة عن واو أصلية1. وقد يكون زائدا كالنون في "مروان" من قول الشاعر: يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء2، وربها لم ييئس ولا يصح في هذا القسم المستوفي للشروط الاقتصار على حذف الحرف الأخير وحده. وإنما يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله أيضا. إلا إن كان المنادى المرخم مختوما بتاء التأنيث؛ فتحذف وحده دون الحرف الذي قبلها. ففي مثل: "عقبناة"3 وسلحفاة، علمين، يقال: يا عفنبا، يا سلحفا بالألف فيهما. فالترخيم يحذف آخر المنادى أمر اختياري، لا واجب، لكن إذا اخترنا الحذف في هذا القسم المستوفي للشروط وجب أن يحذف مع الآخر الحرف الذي قبله؛ لأنهما متلازمان وجودا وحذفا في غير المختوم بتاء التأنيث حيث يقتصر الحذف عليها وحدها4. وبمراعاة الشروط السالفة يتبين أنه لا يصح في الأمثلة الآتية وأشبابهها، حذف الحرفين الأخيرين معا في نداء الترخيم: يا مرتجاة، علما، لا يقال: يا مرتج، لوجود تاء التأنيث4. يا جعفر. يا ثمود، يا سعيد، يا عماد ... أعلاما، لا يقال: يا جع، يا ثم، يا سع، يا عم ... لأن الحرف الذي قبل الأخير ليس حرف مد أو حرف مد. لكنه ليس رابعا فأكثر. يا رحيم، يا هبيح5 -علمين- لا يقال: يا رحي، يا هبي ...

_ 1 "أسماء" جمع، مفردة: "اسم" -مع زيادة همزة الوصل- وأصله: "سمو"؛ فواوه أصلية، تنقلب همزة عند جمعه على "أفعال". 2 العطاء. 3 هي في الأصل صفة للعقاب "إحدى الطيور الجارحة" يقال: هذه عقاب عقنباة، أي: ذات مخالب قوية. 4 و4 بخلاف التاء في مثل: "هندات" -طبقا للبيان الهام في ص108 ب. 5 أصل معناه: الغلام السمين، الممتلئ.

لأن حرف العلة "الياء" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذف الياء؛ لأنها ليست للمد. يا قنور1 -علما- لا يقال: يا قنو؛ لأن حرف العلة "الواو" قبل الآخر ليس ساكنا؛ فلا يصح حذفه. لأنه ليس حرف مد. يا فرعون -علما- لا يقال: يا فرع؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الواو" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الواو. لأنها ليست للمد هنا. يا غرنيق2 -علما- لا يقال: يا غرن؛ لأن الحركة التي قبل حرف العلة "الياء" لا تناسبه؛ فلا بد من بقاء الياء. لما سبق. يا مختار -علما- لا يقال: يا مخت؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الياء؛ فلا بد من بقاء الألف. يا منقاد -علما- لا يقال: يا منق؛ لأن حرف العلة ليس زائدا، فأصله الواو؛ فلا بد من بقاء الألف. ..........3.

_ 1 أصل معناه: الصعب اليابس من كل شيء. 2 أصله: اسم لطائر طويل العنق من طيور الماء. 3 وفي حذف الحرف الأخير ومعه الحرف الذي قبله "وهو الذي تلاه الأخير" يقول ابن مالك: ومع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد. لينا ساكنا، مكملا ... أربعة فصاعدا. والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفى تلا: أي: تلاه الآخر. ولينا ساكنا= يقصد به حرف المد، وقد شرحناه. الخلف= الخلاف بين النحاة. قفى - تبع، أي: جاء بعده حرف، والجملة الفعلية: "قفى" خبر للمبتدأ: "فتح" والجملة من المبتدأ والخبر صفة لواو ... والجار مع مجروره "بهما".. متعلقان بالفعل: "قفى". يريد: يحذف مع الحرف الأخير ما قبله من حرف مد رباعي. فإن كان قبل الواو فتحه -نحو: فرعون وغرنيق- فقد وقع خلاف في جواز حذفهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يصح ترخيم ما سمي به من المثنى وجميع التصحيح بحذف زيادتيهما من آخر العلم، بشرط أن يكون ترخيمها على لغة من ينتظر1، لكيلا يقع فيهما اللبس بالمفرد؛ فتقول في نحو: محمدان ومحمدين "علمين": يا محمدَ - يا محمدِ؛ بالفتح في الأول والكسر في الثاني. وكذا في المنسوب. ويمتنع الضم في كل ما سبق؛ لكيلا يلتبس بالمفرد: وأما محمدون -ونظائره من كل علم أصله جمع مذكر سالم مرفوع بالواو- فيمتنع ترخيمه مطلقا؛ للسبب السالف2. ب- عرفنا ما يحذف منه حرفان عند الترخيم. وهو يشمل المثنى وجميع التصحيح إذا كانت أعلاما؛ فترخم كلها بحذف الآخر ومعه ما قبله، بالشروط التي سلفت. لكن يمتنع بقاء الألف في مثل: "هندات" لأن التاء فيه ليست للتأنيث2. ج- الحركة المجانسة لحرف العلة فيصير حرف مد بسببها، قد تكون ظاهرة؛ كالأعلام التي في الأمثلة السالفة؛ وقد تكون مقدرة في بعض الأعلام الأخرى؛ كما في جمع المقصور جمع مذكر سالما؛ نحو: يا مصطفون، ويا مصطفين، علمين ... فنقول عند الترخيم: يا مصطفي، بحذف الواو والنون من الأول، والياء والنون من الثاني. لأن أصلهما؛ مصطفيون ومصطفيين، بضم الياء في الأول، وكسرها في الثاني. تحركة هذه الياء فيهما، وانفتح ما قبلها؛ فقبلت ألفا. وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فالحركة مجانسة؛ لأنها الضمة قبل الواو في اللفظ الأول، والكسرة قبل الياء في الثاني. فلا يضر أن تكون المجانسة تقديرا؛ لأن المجانسة التقديرية كالمجانسة اللفظية الظاهرة، ولهذا يجب حذف الواو والياء عند حذف الحرف الأخير من الكلمتين السالفتين وأشباههما؛ بشرط أن تكون كل كلمة علما.

_ 1 الكلام عليها في ص111. 2 و2 راجع الصبان والخضري في هذا الموضع.

ثالثا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة كانت في أصلها مستقلة، ثم ركبت مع أخرى تركيب مزج1، وصارتا بمنزلة الكلمة والواحدة؛ نحو: "حمدويه، خالويه"، "رامهرمز"، "تسعة عشر ... " إذا جعلت هذه المركبات أعلاما؛ فنقول في ندائها ترخيما، يا حمد، يا خال، يا رام، يا تسعة، ولا بد عند ترخيمها من وجود قرينة قوية تدل على أصلها؛ إذ ترخيمها لا يخلو من لبس، ولا سيما المركبات العددية المبنية على فتح الجزأين؛ نحو: تسعة عشر. وقد منع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي "وكذا الإسنادي كما تقدم"2 بحجة أنه لم يسمع، وأنه موضع إلباس. والأخذ برأيه أحسن. رابعا: يحذف من آخر المنادى المستوفى شروط الترخيم، كلمة، ومعها حرف قبلها. ويقع هذا في لفظين من المركبات العددية؛ "هما: اثنا عشر، واثنتا عشرة"، إذا جعلا علمين3؛ فيقال: يا اثن ... يا اثنت ... بحذف كلمة: "عشر" أو "عشرة" والألف التي قبلهما -كما يقال هذا في ترخيمهما من غير تركيب- لأن كلمة: عشر، وعشرة، بمنزلة النون في الاسم

_ 1 تفصيل الكلام على المركب المزجي في ج1 ص300 م23. وفي حذف عجزه؛ "أي آخره"، يقول ابن مالك: والعجز احذف من مركب، وقل ... ترخيم جملة، وذا عمرو نقل يريد: حذف العجز من المركب المزجي، جائز، أما من مركب الجملة "وهو المركب الإسنادي" فقليل، وقد نقله عن العرب عمرو، "المشهور باسم: سيبويه". 2 في رقم 5 من ص103. 3 هذا شرط حتمي؛ لكيلا يلتبسا بنداء المثنى الذي ليس علما، وإنما هو عدد محض، وهو: اثنان واثنتان، ومثلهما في نداء المرخم بقية الأعداد المركبة، ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر ... إلخ. فلا يحذف عجزها للتخريم إلا إذا كانت علما، منعا -في ظنهم- للالتباس بثلاثة، وأربعة، وبقية الأعداد المفردة. هذا. وإذا صار الاسم المبدوء بهمزة وصل -اثني ... واثنتي- علما فإن همزته تصير همزة قطع: يجب كتابتها والنطق بها -كما سلف في رقم3 من هامش ص38 وسيجيء لها بيان أكمل في رقم2 من هامش ص247.

المفرد؛ "أي: الخالي من التركيب وهو: اثنان واثنتان"1. فصارت هي والألف بمنزلة الحرفين الزائدين في آخر الأصل المثنى؛ إذا كان علما. "ملاحظة": اشتد الخلاف بين النحاة الأقدمين في ترخيم الأعداد المركبة "أعلاما وغير أعلام" من ناحية جوازه وطريقته، أو عدم جوازه. والحق أن ترخيمها لا يخلو من لبس وخفاء يحملان اليوم على اجتنابه.

_ 1 "أو المراد بالاسم المفرد: ما كان آخره نون قبلها حرف مد في نحو: مسكين، علما؛ حيث تحذف النون في الترخيم ومعها حرف المد -وتثبت الهمزتان نطقا وكتابة إذا كانا علمين.

كيفية ضبط المنادى بعد ترخيمه: المنادى المرخم لا يكون إلا مفردا علما أو نكرة مقصودة -بتفصيلهما الذي عرضناه-1 فحكمه الأساسي هو البناء على الضم وفروعه. ولضبطه طريقتان بعد ترخيمه. الأول: أن يلاحظ المحذوف، ويعتبر كأنه باق. ويظل ما قبله على حركته أو سكونه قبل الحذف2، ويستمر رمز البناء على الضم -وفروعه- مقصورا على الحرف الأخير المحذوف، كما كان قبل حذفه، من غير نظر لما طرأ عليه؛ ففي مثل: يا عامر ... يا سيدة ... يكون المنادى قبل الترخيم "عامر - سيدة" مبنيا على الضم في محل نصب، ويصير بعد الترخيم: يا عامِ، يا سيدَ، منادى مبنيا على الضم الذي على الحرف المحذوف، في محل نصب أيضا. بالرغم من كسر الميم، وفتح الدال؛ لأن كلا منهما لا يعد -بحسب هذه الطريقة- حرفا أخيرا في كلمته، يختص بعلامة البناء. وكذلك في مثل: يا سالم - يا مسافرة، يا إفرند3؛ فالمنادى من غير ترخيم مبني على الضم في محل نصب. فإذا رخم قيل بهذه الطريقة: يا سالِ - يا مسافرَ، يا إفرنْ ... ، والمنادى مبني على الضم في محل نصب، كما كان من غير

_ 1 في ص101، وما بعدها. 2 يستثنى من هذا مسألتان يقع فيهما تغيير؛ الأولى: ما كان مدغما في المحذوف مع وقوعه بعد حرف مد هو -في الغالب- ألف، فإنه كان له حركة في الأصل حركته بها؛ نحو: "مضار، ومحاج، علمين؛ فيقال فيهما يا مضار ويا محاج، بالكسر على اعتبارهما اسمي فاعل أصله: مضار - محاجيج، أو بالفتح على اعتبارهما اسمي مفعول. أما إن كان أصلي السكون فالأحسن تحريكه بالفتحة لقربها من السكون في الخفة؛ نحو: إسحار "بتشديد الراء، اسم لبقلة"، فيقال عند التسمية به وترخيمه: "يا إسحار" فتحذف الراء الثانية للترخيم، وتفتح الأولى، والألف في الثاني؛ لزوال سبب الحذف. "حاشية الصبان -وغيرها- في هذا الوضع". ويلاحظ أن استثناء المسألتين السالفتين مقصور على الأخذ بالطريقة الأولى المعروضة دون الثانية. 3 الإفرند في الأصل: السيف.

حذف ... وهكذا يظل آخر اللفظ الحالي على ما كان عليه من حركة أو سكون قبل حذف الحرف الأخير. وتسمى هذه الطريقة: "لغة من ينوي المحذوف". وتشتهر باسم: "لغة من ينتظر". ويجب الاقتصار عليها في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس -كما سيجيء- مثل: يا علي، مرخم "علية"، علم أنثى؛ لوجوب فتح الحرف الذي قبل تاء التأنيث؛ فتكون هذه الفتحة -في الاسم المفرد الذي يجب بناء آخره على الضم- دليلا على أن هناك حرفا محذوفا ملحوظا هو التاء؛ إذ لو لم نلاحظة لقلنا: "يا علي" فيلتبس نداء المؤنث بالمذكر1. الثانية: مراعاة الأمر الواقع؛ وذلك باعتبار أن ما حذف من اللفظ قد انفصل عنه نهائيا، وانقطعت الصلة بينهما، وكأنها لم تكن، وصار آخره الحالي -بعد حذف ما حذف- هو الذي يقع عليه العلامة. ففي المثالين السالفين يقال في نداء الترخيم: "يا سال، يا مساف". فالمنادى مبني على الضم في محل نصب. وتسمى هذه الطريقة: "لغة من لا ينوي المحذوف"2 أو: "من لا ينتظر".

_ 1 والأفصح عند ترخيم المؤنث بالتاء وحذفها على لغة "من ينتظر" أن يزاد على آخره عند الوقف هاء السكت. بل جعلها سيبويه لازمة عند طوائف العرب التي ترخم هذا النوع. "راجع كتاب سيبويه ج2 ص330". بقي شيء هام؛ هو أن أكثر النحاة يوجب طريقة "من ينتظر" في المرخم المؤنث عن خوف اللبس. فلم يقصرونها على المؤنث وحده؛ إن الفرار من اللبس مطلب أساسي، يجب أن يعم كل الحالات؛ ترخيما وغير ترخيم -كما سيجيء في هامش ص113. 2 وفي الطريقتين المذكورتين لضبط المنادى المرخم يقول ابن مالك في الأولى التي ينوي فيها المحذوف: وإن نويت بعد حذف ما حدف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف يريد: إن نويت ما حذف بعد حذفه، فاستعمل الباقي بعد الحذف بما ألف فيه، وعرف عنه قبل الحذف. أي: اترك الباقي على حاله المألوف فيه قبل الحذف. ويقول في الثانية التي لا ينوي فيها المحذوف: واجعله إن لم تنو محذوفا كما ... لو كان بالآخر وضعا تمما أي: اجعل الباقي من المنادى المرخم بعد حذف وعد ملاحظته في النية اجعله كما لو كان قد تمم بالآخر في الوضع، فكلمة: "وضعا" منصوبة على نزع الخافض. والمقصود من هذا كله: إن لم تنو المحذوف فاجعل الآخر الحالي بعد الحذف كأنه آخر وضعي، أصل، من وضع العرب =

وتصلح الطريقتان في مثل: "عنتر" في قول الشاعر عنترة. ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم وقوله: يا عبل لا أخشى الحمام؛ وإنما ... أخشى على عينيك وقت بكاك فأصل الكلمتين قبل النداء: عنترة وعبلة، ثم ناداهما نداء ترخيم؛ فحذف آخرهما. فالواجب -على لغة من ينتظر- أن نترك آخرهما الحالي على ما كان عليه قبل الحذف فيظل مفتوحا كما كان؛ فنقول: عنتر - عبل ... ويقع البناء على الضم على الحرف المحذوف. أما على لغة من لا ينتظر فيجب بناء الباقي على الضم مباشرة، وهكذا في كل النظائر الأخرى المختومة بتاء التأنيث. ويلاحظ أن المرخم المختوم بتاء التأنيث لا تصلح له إلا طريقة: "من ينتظر" عند خوف اللبس، كما أسلفنا. فإذا أمن اللبس -بسبب اشتهار الكلمة في الاستعمال أو لسبب آخر- جاز اختيار هذه الطريقة أو تلك؛ كما في البيتين السابقين، وكما في نحو: يا فاطم -بضم الميم أو فتحها- وهي ترخيم: فاطمة، ومثلهما: همزة، "لمن يغتاب الناس" ومسلمة، علم رجل ...

_ = وكأنه لم يحذف شيء يليه. وعلى الأول ينتظر يقال في: "ثمود" علما "ياثمو" بحذف الدال وترك ما عدها على حاله. أما الثاني: الذي ينتظر فتقلب الواو ياء ويقال: يا ثمي؛ للسبب المبين في الشرح وفي هذا يقول ابن مالك: فقل على الأول في ثمود: يا ... ثمو، ويا ثمي، على الثاني بيا ويجب الاقتصار على الرأي الأول في المرخم المختوم بالتاء إذا أوقع الأخذ بالرأي الثاني في لبس كما في ترخيم "مسلمة" "بضم الميم" علم امرأة؛ فيقال: يا مسلمَ؛ ليكون فتح الميم الأخيرة في هذا المنادى الواجب بناؤه على الضم -دليلا على الحذف. أما لو قلنا: "يا مسلمُ" بغير انتظار المحذوف فإن اللبس يقع بين نداء مسلم ومسلمة. والحق أنه يجب الفرار من اللبس، سواء أكان موضعه المنادى بتاء التأنيث، أم المجرد منها؛ أم غيرهما. ولا معنى لقصره على المختوم بالتاء -كما أشرنا في آخر هامش الصفحة السابقة- فإن لم يكن هناك احتمال لبس جاز اختيار إحدى الطريقتين كما في مسلمة "بفتح الميم، علم قائد مشهور" وفي هذا يقول ابن مالك: والتزم الأول في كمسلمه ... وجوز الوجهين في كمسلمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الأخذ بطريقة "من لا ينتظر" على الوجه المشروح يقتضي -كما عرفنا- إهمال الحرف المحذوف، واعتباره كأنه لم يوجد؛ فيجري على الآخر الحالي كل الأحوال النحوية والصرفية المختصة بآخر الكلمة. ففي مثل: "ثمود - علاوة - كروان ... وأشباهها من الأعلام التي تنادي ترخيما فيختم آخرها بعد الحذف بحرف علة؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو ... " في مثل هذه الكلمات يبقى الآخر الحالي على ما هو عليه عند من ينتظر؛ فيبنى على الضم على الدال، والتاء، والنون المحذوفات -في محل نصب ولا يقع تغيير على الأحرف الباقية بعد الحذف. أما على لغة من لا ينتظر فيقع على الآخر الحالي تغييرات لا مناص منها؛ أهمها: أنه سيتغير ضبطه؛ فيصير مبنيا على الضم المقدر أو الظاهر؛ فيقال: يا ثمو - يا علاو - يا كرو. وأن توابعه ستخضع لحكم توابع المنادى المبني على ضم آخره المذكور في الكلام، وأنه سيتغير تغيرا صرفيا على حسب ما تقضي به الضوابط الصرفية من الإعلال، والصحة، والإبدال ... وغير هذا، كرجوع حرف محذوف؛ فيقال يا ثمي، بقلب ضمة الميم كسرة، لتنقلب الواو ياء، كي لا يكون آخر الاسم واوا لازمه ساكنة قبلها ضمة؛ لأن هذا نادر في العربية1، وكي لا وتنقلب الواو في آخر الكلمتين الأخيرتين همزة وألفا، لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة في: "يا علاوة". ولتحركها وانفتاح ما قبلها: في "يا كرو"، فيقال: يا علاء - يا كرا2.. ولا يقع شيء من هذا عند اتباع الطريقة الأخرى.

_ 1 كان هذا رأيا مقبولا في العصور الخالية، قبل انتشار الأسماء والأعلام بواو لازمة ساكنة، قبلها ضمة، أما الآن فقد عاشت كغيرها من الألفاظ المعتلة الآخر، المقصورة والمنقوصة: فوجب اتخاذ حكم لها؛ كنظائر. ولعله هنا يكون بإبقائها وعدم ترخيم المنادى الذي يحويها. أما في غير الترخيم فقد وضحناه في الجزء الأول، في المسألة الخامسة عشرة. كما وضحناه في هذا الجزء "في باب التثنية، والجمع، والنسب ... ". 2 أي: يا كروان، ومنه المثل العربي الذي يقال لمن يتكبر وحوله من هو أشرف منه يتواضع: "أطرق كرا، إن النعام في القرى" -وقد أشرنا له في ص4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- مع أن الطريقتين صحيحتان، والأمر في تقديم إحداهما على الأخرى متروك للمتكلم، ومراعاته المقام قد تكون "الأول وهي: "لغة من ينتظر" أنسب؛ لبعدها عن اللبس، غالبا؛ إذ حركة آخرها الحالي في أكثر الصور، لا تكون ضمة برغم استحقاق المنادى في موضعه هذا للبناء على الضم وجوبا فعدم وجود الضمة يوحي أن في اللفظ الحالي حذفا، ويرشد إلى أن الحرف الأخير الحالي ليس هو الأخير في الأصل، وإلا فأين علامة البناء؟ نعم يقع اللبس في هذه الطريقة حين يكون الحرف؛ الذي قبل المحذوف مباشرة مضموما هجائيا، نحو: قنفذ -علما- فعند ندائه نداء ترخيم على لغة من ينتظر يقول: يا "قنف" فالفاء مضمومة ضما يختلط الأمر فيه؛ أهو ضمة بناء، أم ضمة حرف هجائي ليس آخر الأحرف؟ وللمتكلم أن يتخير ما يزيل به هذا اللبس، أو يعدل عن هذه الطريقة إلى الأخرى، أو يعدل عنهما معا إذا أوقعت كل واحدة منهما في اللبس كالذي يحدث في مثل: يا فتاة. ج- يرد في الفصيح كثيرا نداء لفظ "صاح" كقول الشاعر: هلم "يا صاح" إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا1 همه فأصل الكلمة: "صاحب" نوديت نداء ترخيم بحذف الباء. وهذا الرأي يساير قواعد الترخيم عامة؛ فهو أنسب من الرأي الذي يقول إن أصلها "صاحبي" ورخمت شذوذا بحذف ياء المتكلم والباء. إذ لا داعي للأخذ بالشاذ حين يكون المطرد ممكنا. أما حذف الباء في غير حالة النداء فشاذ، إلا للضرورة الشعرية2 ...

_ 1 يريد: صدأ. 2 انظر المسألة التالية: ورقمها: "138".

المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية

المسألة 138: القسم الثاني ترخيم الضرورة الشعرية 1 هذا النوع مقصور على غير المنادي؛ ولا يصح إجراؤه إلا بعد أن تتحقق شروط ثلاثة مجتمعة: أولها: أن يكون في شعر. ثانيها: أن يكون المرخم غير منادى، ولكنه صالح للنداء؛ فلا يصح ترخيم لفظ: "الغلام"؛ لأنه لا يصلح للنداء؛ بسبب وجود "أل"2.. ثالثها: أن يكون المرخم إما زائدا على ثلاثة، وإما مختوما بتاء التأنيث. فمثال الأول: لنعم الفتى -تعشو إلى ضوء ناره- ... طريف بن مال ليلة الجوع والخصر3 أراد: ابن مالك؛ فرخمه ترخيم الضرورة. ومثال الثاني: وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني حقي، أمال بن حنظل أراد: يا مالك بن حنظلة4؛ فحذف التاء من "حنظلة" للضرورة في غير المنادي. وإذا وقع ترخيم الضرورة في لفظ جاز ضبط آخره بإحدى الطريقتين السالفتين: طريقة من لا ينتظر -كالبيتين السالفين5 أو من ينتظر- كقول الشاعر:

_ 1 انظر معنى الضرورة وتفصيلها الدقيق في رقم 2 من هامش ص271. 2 وقد سبق البيان في ص36. 3 الخصر: شدة البرد. 4 والبيت -على هذا التقدير- يصلح شاهدا للحالتين معا. 5 بدليل وجود التنوين في الأول، وكسر اللام في الثاني. فلو جرى على الانتظار لوجب أن يراعى الأصل بحذف التنوين في الأول وبفتح اللام في الثاني.

ألا أضحت حبالكمو رماما1 ... وأضحت منك شائعة2 أماما3 وبمقتضى الأولى يضبط آخر اللفظ المرخم على حسب ما تقتضيه الجملة من ضبطه، ويجري عليه ما تقتضيه الضوابط العامة، من إعلال، وصحة، وإبدال ... و ... وقد ينون أو لا ينون إن اقتضى الأمر شيئا مما سبق مع عدم اختلال الوزن؛ ككلمة "مال" المنونة في البيت الأول والمجرورة بالإضافة، وكلمة: "حنظل" المجرورة بالإضافة في البيت الثاني مع عدم التنوين. وبمقتضى الثانية يبقى المرخم على حاله بعد حذف آخره، ككلمة: "أمام" في البيت الأخير. هذا، ولا يشترط في المرخم للضرورة أن يكون معرفة "علما أو غير علم"؛ ولا شروطا أخرى غير التي سبقت. ومن ترخيم النكرة قول الشاعر -في بعض الروايات: ليس حي على المنون بخال أي: بخالد4 ...

_ 1 جمع رمة "بضم الراء غالبا. ويصح الكسر" قطعة حبل بالية. 2 بعيدة. 3 علم امرأة. والأصل قبل الترخيم: أمامة. 4 وقد اكتفى ابن مالك في الكلام على الترخيم الضرورة ببيت واحد هو: ولاضطرار رخموا دون ندا ... ما للنداء يصلح؛ نحو: أحمدا فلم يتعرض لشيء إلا اشتراط أن يكون المرخم للضرورة صالحا للنداء؛ نحو: أحمد. وقد أشرنا في رقم 1 من هامش الصفحة السالفة إلى أن المراد الدقيق من: "الضرورة" موضع تفصيلا في رقم 2 من هامش ص271.

المسألة 139: الاختصاص

المسألة 139: الاختصاص نسوق الأمثلة الآتية لإيضاحه: 1- قال أحد الشعراء: قل للحوادث أقدمي، أو أحجمي ... إنا بنو الإقدام والإحجام نحن النيام إذا الليالي سالمت ... فإذا وثبن فنحن غير نيام من يسمع: "نا" أو: "نحن" يتردد في خاطره السؤال عن المقصود من هذا الضمير. الدال على المتكلم، وعن مدلوله، وحقيقة المتكلم به، وجنسه؛ أيكون مداوله والمقصود منه: العرب، أم: أهل العلم، أم: الأبطال، أم: أبناء الشرق ... أم ... أم؟ ... أم غير هؤلاء ممن لا يحصون جنسا، ولا نوعا، ولا عددا. أيكون المراد -مثلا-: "إنا -العرب، بنو الإقدام ... " و "نحن -الأبطال- النيام" ... و ... فالضمائر المذكورة يشوبها عيب واضح؛ هو: عموم يخالطه إبهام تحتاج معهما إلى تخصيص وتوضع، فإذا جاء بعد كل ضمير منها اسم ظاهر، معرفة، يتفق مع الضمير في المدلول، ويختلف عنه بزيادة التحديد والوضوح -زال العيب. وتحقق الغرض. كالذي تحقق بزيادة كلمة: "العرب" وكلمة: "الأبطال". فيما سبق؛ إذ المراد منها هو المراد من الضمير قبلها؛ ولكن بغير عموم ولا غموض كالذي في تلك الضمائر، برغم أنها متجهة للمتكلم1. 2- يقول الشاعر: وأنا ابن الرياض، والظل، والما ... ء ودادي ما زال خير وداد فمن هذا المتكلم؟ وما مدلول هذا الضمير الدال على التكلم؟ أهو شاعر، أم ناثر، أم عالم، أم زاهد؟ ... ، ما جنسه؟ ... إن الضمير: "أنا"

_ 1 سبق في ج1 ص255 م19 "باب: الضمائر" معنى: إبهام الضمير، وطريقة إيضاحه.

لا يسلم من غموض يحتاج معه إلى اسم ظاهر من نوع خاص؛ يزيل هذا العيب؛ كأن يقال: "أنا -الشاعر- ابن الرياض"، أو: "أنا -الشرقي- ابن الرياض" ... فمجيء هذا الاسم الظاهر، المعرفة، المعين، الواضح، الذي معناه معنى الضمير قبله -قد أزال عنه عيب العموم والإبهام. 3- وكذلك الضمير "أنت" في قول الشاعر: أنت في القول كله ... أجمل الناس مذهبا فما الذي يظنه سامع الضمير: "أنت" الدال على الخطاب؟ أيكون المراد: "أنت -الشاعر- أجمل الناس مذهبا"، أم: "أنت - الأديب ... " أم محمدا - أم عليا؟ ... لا بد من اسم ظاهر كالأسماء التي وصفناها لإزالة العموم والإبهام عن الضمير. 4- نشهد في عصرنا كثيرا من المتعاقدين يبدءون عقود البيع، والشراء، والمداينة، وغيرها بجملة شاعت بينهم حتى ابتذلت؛ هي: "نحن - الموقعين - على هذا، نقر ونعترف بكذا وكذا ... " وكلمة: "الموقعين" هي الاسم الظاهر المعرفة الذي جاء لإزالة ما في الضمير قبله من عموم وإيهام، مع اتفاق الاسم الظاهر والضمير في المدلول، وتميز الظاهر بما فيه من تجديد وإيضاح. بالتأمل في الأمثلة السالفة -وأشباهها- نلحظ في كل أسلوب منها بعد إزالة ما في الضمير من عيب العموم والإبهام، أربعة أمور مجتمعة، تتصل بموضوعنا اتصالا أصيلا قويا. أولها: ضمير لغير الغائب؛ يشوبه عموم وإبهام. ثانيها: اسم ظاهر معرفة، مدلوله الضمير، ولكنه يحدد المراد من ذلك الضمير، ويخصصه، ويوضحه؛ فيزيل ما فيه من عموم وإبهام. رابعها: امتداد ذلك الحكم إلى الاسم الظاهر المعرفة "لأنه شريك الضمير في الدالة؛ فيقع عليه ما يقع على الضمير من حكم معنوي" واختصاصه به، واقتصاره عليه؛ فيكون هذا اختصاصا واقتصارا على بعض معين مما يشمله الضمير

"ذلك" أن الضمير بعمومه يشمل أفرادا كثيرة، منها أفراد الاسم الظاهر المعرفة الذي يعتبر أقل أفرادا منه"، وإن شئت فقل: إن هذا الاسم الظاهر أخص من الضمير الذي بمعناه. ففي مثل: "نحن -العرب- بنو الإقدام والإحجام"، نجد الضمير العام المبهم هو: "نحن" والاسم الظاهر المعرفة هو: "العرب"، والحكم المعنوي الذي وقع على المبتدأ هو: "البنوة" للإقدام والإحجام. وقد خصص هذا الحكم ببعض أفراد الضمير؛ وهم: "العرب"، أي: صار خاصا بهم، مقصورا عليهم. وهكذا يقال في سائر الأمثلة، ونظائرها ... فالاسم الظاهر المعرفة هو الذي يسميه النحاة في اصطلاحهم: "المختص"، أو: "المخصوص"؛ لاختصاص المعنى به، ولأنه يعرب "مفعولا به" لفعل واجب الحذف مع فاعله، تقديره الشائع عندهم، هو: "أخص"1 ويعبرون عن هذه المسألة تعبيرا اصطلاحيا بالغرض منها: وهو: "الاختصاص". ويشترطون في أسلوب الاختصاص أن تتحقق فيه الأمور الأربعة السالفة. ويقولون في تعريفه: "إنه إصدار حكم على ضمير لغير الغائب، بعده اسم ظاهر، معرفة، معناه معنى ذلك الضمير، مع تخصيص هذا الحكم بالمعرفة، وقصره عليها". الغرض منه: الغرض الأصلي من الاختصاص الاصطلاحي هو: التخصيص والقصر. على الوجه المشروح فيما سلف. وقد يكون الغرض الفخر؛ نحو: "إني -العربي- لا أستكين لطاغية". "إني -الرحالة- أتعلم من الرحلة ما لا أتعلمه من الكتاب" وقول الشاعر: لنا -معشر الأنصار- مجد مؤثل ... بإرضائنا خير البرية أحمدا أو: التواضع؛ كقول أحد الخلفاء: "أنا -الضعيف العاجز- أحطم البغي، وأهدم قلاع الظالمين. وأنا -البائس الفقير- لا أستريح وبجانبي متأوه، أو محتاج" ...

_ 1 لا مانع أن يكون تقديره: أعني، أو: أقصد، أو: أريد ... أو ما شاكل هذا إلا أن الفعل: "أخص" هو المشهور، ومن مادته جاء الاصطلاح الشائع نحويا: "الاختصاص" ولا بد من حذف هذا الفعل مع فاعله -كما أشرنا- ولهذا يعتبرون "المخصوص" هنا نوعا من "المفعول به" الذي ينصب بعامل واجب الحذف.

أو: تفصيل ما يتضمنه الضمير من جنس، أو نوع، أو عدد ... ، نحو: "نحن -الناس- نخطئ ونصيب؛ والعاقل من ينتزع من خطئه تجربة تعصمه من الزلل مرة أخرى"، "نحن -المثقفين- قدوة لسوانا، فإن ساءت القدوة فالبلاء فادح". "أنتم -الأربعة الأئمة- نجوم الهداية، ومصابيح العرفان". حكمه: الاسم1 الواقع عليه الاختصاص، "وهو: المختص، أو المخصوص": يجب نصبه دائما، على التفصيل الآتي: 1- إن كان الاسم هو لفظ "أي" في التذكير أو "أية" في التأنيث وجب بناؤهما على الضم في محل نصب2؛ على المفعولية، ووجب أن يتصل بآخرهما كلمة: "ها" التي للتنبيه، وأن يلتزما هذه الصيغة التي لا تتغير إفرادا، ولا تثنية، ولا جمعا، ولا بد أن يكون لكل منهما نعت لازم الرفع بغير بناء ولا إعراب، "لأن حركة الرفع هذه هي مجرد ظاهرية صورية3 ... لمجاراة "أي، وأية" ومماثلتهما فيها، تجيء تبعا للفظهما المبني"، وأن يكون هذا النعت مبدوءا بأل التي للعهد الحضوري؛ نحو: "أنا، الجندي، فهداء وطني". "نحن، أيها الجنديان، نقضي الليل ساهرين". "نحن، أيها الجنود، حماة الأوطان". "أنا، أيتها الصانعة، حريصة على الإتقان". "نحن، أيتها الصانعتان، حريصتان على الإتقان" ... "نحن، أيتها الصانعات، حريصات على الإتقان ... ". فالضمير في كل ما سبق، مبتدأ. وكلمة "أي، أو: أية" مفعول به لفعل واجب الحذف مع فاعله، تقديره -مثلا: "أخص" وهي مبنية على الضم في محل نصب. و"ها" حرف تنبيه مبني على السكون، والاسم المعرفة المقرون بأل، نعت مرفوع حتما، رفع إتباع للناحية الشكلية اللفظية وحدها. وليس له محل3 إعرابي

_ 1 هذا الاسم أربعة أنواع، يجيء بيانها في الزيادة ص125. 2 يقول النحاة إنهما بنيا هنا حملا لهما على النداء؛ لأن أسباب البناء لا تنطبق عليهما. والحق أن علة بنائهما على الضم هنا وفي باب النداء هي الاستعمال العربي وحده. "وفي صدر الجزء الأول بيان الأسباب التي ذكروه اللبناء، ثم تفنيدها". 3 و3 التحقيق أن ضمته إتباع صوري لفظي "كما سبق في باب النداء ص45 و49"؛ إذ لا مقتضى للرفع الإعرابي، ولا للبناء، فهي محض حركة صورية -فيما يقال- ولكن انظر تفصيل الكلام في هذا الحكم الهام في رقم 1 من هامش ص47.

مطلقا، مع أنه تابع للفظ كلمتي: "أي وأية" المبنيتين على الضم لفظا، وإن كانتا منصوبتين محلا -كما سبق. ويصح تأخيرهما في نهاية الجملة؛ مثل: "نحن أنصار الحق أيها الطلاب" "نحن أنصار الفضيلة أيتها الفتيات ... "1. 2- إن كان الاسم المختص لفظا آخر غير: "أي وأية" وجب نصبه، سواء أكان مضافا أم غير مضاف، نحو: "أنا - الطبيب - لا أتوانى في إجابة الداعي ... ": "أنا - طالب العلم - لا تفتر رغبتي فيه"2. أوجه التشابه والتخالف بين الاختصاص والنداء: بين الاختصاص والنداء تشابه في أمور، وتخالف في أخرى. فيتشابهان في ثلاثة أمور2: أولها: إفادة كل منهما الاختصاص وهو في هذا الباب خاص بالمتكلم أو المخاطب. وفي باب النداء خاص بالمخاطب. ثانيها: أن كلا منهما للحاضر "أي المتكلم أو المخاطب"3 ولا يكون ضمير غائب. ثالثها: أن الاختصاص يؤدي -بسبب ما فيه من تحديد وإيضاح- إلى تقوية المعنى وتوكيده، وقد يتحقق هذا في النداء كذلك أحيانا؛ كقولك لمن هو مصغ إليك، مقبل على حديثك: إن الأمر -يا فلان-4 هو ما فصلته لك5 ...

_ 1 إعراب هذه الجملة الفعلية المحذوفة موضح في "ب" ص125. 2 و2 يردد النحاة هذه الأوجه لإثبات المشابهة. والحق أن هذه المشابهة واهية، ولا يكاد أمرها يقوى إلا في "أي وأية" بسبب بنائهما على الضمر في محل نصب، ووجود حرف التنبيه والنعت بعدهما، وكل هذا مع الأمور الثلاثة السالفة. 3 يلاحظ أن النداء كما سبق في بابه، ص1 وفي هامش ص68 -لا يكون المتكلم. 4 ويذكر اسمه الحقيقي في النداء. 5 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص1.

ويختلفان في أمور: بعضها لفظي، والآخر معنوي، فاللفظية أشهرها: 1- أن الاسم المختص لا يذكر معه حرف نداء مطلقا، لا لفظا، ولا تقديرا، "لا "يا"، ولا غيرها". 2- أنه لا يكون في صدر الجملة وإنما يكون بين طياتها -كالأمثلة السالفة- أو في آخرها: نحو: اللهم ساعدنا على النصر -أيها الجنود، أو أيتها الكتيبة. 3- أنه لا بد أن يسبقه ضمير بمعناه في التكلم1 أو الخطاب -والغالب أن يكون ضمير تكلم. ولا يصح أن يكون ولا يصح أن يكون السابق ضمير غيبة، ولا اسما ظاهرا. ومن أمثلة ضمير الخطاب قولهم في الدعاء: "سبحانك الله العظيم"، و"وبك -الله- نرجو الفضل"، بنصب كلمة: "الله" فيهما. 4- أن الاسم المختص منصوب دائما في لفظه. علما كان أو غير علم إلا "أي وأية" فإنهما مبنيتان على الضم لفظا، منصوبتان محلا ... أما المنادى فإن العلم والنكرة المقصودة مبنيان فيه -في الأغلب- على الضم في محل نصب، وكذا: أي، وأية، يبنيان في النداء على الضم في محل نصب. 5- أنه يقل أن يكون علما -ومع قلته جائز- نحو: أنا -خالدا- حطمت أصنام الجاهلية. 6- أنه يكثر تصديره "بأل" بخلاف المنادى فلا يجوز اقترانه بأل إلا في بعض حالات سبق سردها2. 7- أنه لا يكون نكرة. ولا اسم إشارة. ولا ضميرا. ولا اسم موصول. 8- أن "أيا وأية" هنا لا توصفان باسم إشارة. بخلافهما في النداء، وأن صفتهما واجبة الرفع الصوري اتفاقا. بخلافهما في النداء3. 9- أن "أيا" مختصة هنا بالمذكر مفردا، ومثنى، وجمعا، ولا تستعمل للمؤنث

_ 1 سواء أكان ضمير المتكلم خاصا به وحده، أم شاركه فيه غيره؛ فالخاص مثل: "أنا" والآخر مثل: "نحن". 2 في ص36. 3 في رقم 2 من ص45 ورقم 3 من هامش ص46 ما يوضح هذا الخلاف.

بخلافها في النداء، كما أن "أية" مختصة هنا وفي النداء، بالمؤنث مفردا ومثنى، وجمعا، ولا تكون للمذكر. 10- أنه لا يرخم اختيار، ولا يستغاث به، ولا يندب ... 11- أن العامل هنا محذوف وجوبا مع فاعله بغير تعويض، أما في النداء فحرف النداء عوض عنهما. وأن الفعل المحذوف هنا تقديره -غالبا- "أخص" أو: ما بمعناه. أما في النداء فالفعل تقديره: أدعو: أو: أنادي، أو: ما بمعناها والمعنوية أشهرها: 1- أن الكلام مع الاختصاص خبر، ومع النداء إنشاء. 2- أن الغرض الأصلي من الاختصاص هو قصر المعنى على الاسم المعرفة، وتخصيصه من بين أمثاله بما نسب إليه. وقد يكون الغرض هو: الفخر، أو التواضع أو: "زيادة البيان: -كما شرحنا- وأما الغرض من النداء الأصيل1 فطلب الإقبال، بالتفصيل الذي سردناه2 في بابه3 ...

_ 1 دون النداء الذي خرج عن الغرض الأصلي إلى غيره. 2 ص1 وما بعدها وح من ص5. 3 وقد اقتصر ابن مالك في بيان ما سبق كله، على بيتين دونهما في باب مستقل عنوانه: الاختصاص، قال: الاختصاص: كنداء دون "يا" ... كأيها الفتى؛ بإثر: ارجونيا أي كقولك ارجوني أيها الفتى، بوقوع: "أيها الفتى" إثر: "ارجوني"، أي: على إثرها، وبعدها. ثم قال: وقد يرى ذا دون "أي" تلو "أل" ... كمثل: نحن العرب أسخى من بذل أي: قد يرى الاختصاص مستعملا من غير كلمة "أي" وأية" فيه. يريد: من غير أن يكون الاسم المختص هو لفظ: "أي، أو، أية" وإنما يكون اسما مشتملا على "أل" كالمثال الذي ساقه، وهو: "نحن -العرب- أسخى من بذل"، أكرم من أعطى ماله. فكل ما يفهم من البيتين هو أن الاختصاص كالنداء، لكن من غير حرف نداء مطلقا، وأن لفظه قد تكون: "أي وأية"، وأن الاختصاص قد يستغني عنهما باسم ظاهر "وأل" وهذا الكلام مبتور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يفهم مما سبق أن الاسم المختص "المخصوص" أربعة أنواع. الأول منها مبني على الضم وجوبا، في محل نصب وهو: "أي" للمذكر و"أية" للمؤنث؛ مع التزام كل صيغة بصورتها في جميع استعمالاتها، ووقوع "ها" التي للتنبيه بعدهما، ومجيء نعت لهما مقرون بأل التي للعهد الحضوري. أما الثلاثة الباقية فواجبه النصب، وهي: المقرون بأل، نحو: "نحن -الشرفاء- فترفع عن الدنايا". والمضاف، نحو: "أنا -صانع المعروف- لا أرجو عليه جزاء". والعلم -وهو أقل الأربعة استعمالا- نحو: "أنا -عليا- لا أهاب في سبيل الحق شيئا". ب- الاسم المختص منصوب بفعل محذوف وجوبا مع فاعله، والجملة -في الغالب- تكون في محل نصب، حالا من الضمير الصالح قبلها لأن يكون صاحب حال1؛ كالتي في مثل: ارجوني2 أيها الفتى. وفي مثل: ربنا اغفر لنا أيتها الجماعة3. وقد تكون أحيانا معترضة: مثل: نحن -الحكام- خدام الوطن. أي: أخص الحكام. فهذه معترضة بين المبتدأ وخبره. ومثلهاك إنا -معاشر الأنبياء- لا نورث4.

_ 1 فليس منه الضمير الذي يعرب مبتدأ في رأي كثير من النحاة -وإن كان في رأيهم تعسف كما سيجيء هنا في رقم4. 2 التقدير: ارجوني حال كوني مخصوصا من بين الفتيان -اغفر لنا حال كوننا مخصوصين بين الجماعات. وقد نص النحاة على إعراب واو الجماعة فاعلا لفعل الأمر، وعلى إعراب جملتي الاختصاص في المثالين حالين من الياء، ونا. 3 فلا يكون لها محل من الأعراب؛ كالشأن في كل الجمل المعترضة. 4 كانت الجملة هنا معترضة لتوسطها بين شيئين متلازمين؛ قبل أن يستوفى أولهما ما يلزم له. وقد نص النحاة على أنها معترضة، ولم يعربوها هنا حالا من الضمير الذي قبلها -كما أعربوها في المثالين السابقين- فرارا من مجيء الحال مما أصله المبتدأ؛ إذ الشائع بين كثرتهم ألا يكون صاحب الحال مبتدأ، ولا أصله مبتدأ، وقد عرضنا -في الجزء الثاني، باب: الحال م84 ص339 وم85 ص377- لهذا الشائع، وانتهينا إلى تخطئته بالحجة القوية. وإذًا لا مانع أن تكون جملة الاختصاص الفعلية في المثالين الأخيرين وأشباههما جملة حالية أو معترضة، بل إنها في الحالية أنسب للغرض، وأوضح.

المسألة 140: التحذير والإغراء

المسألة 140: التحذير والإغراء أ- التحذير: "تنبيه المخاطب على أمر مكروه؛ ليجتنبه"1. والأصل في أسلوب التحذير أن يشتمل على ثلاثة أمور مجتمعة: أولها: "المحذر"، وهو المتكلم الذي يوجه التنبيه لغيره. ثانيها: "المحذر"، وهو الذي يتجه إليه التنبيه. ثالثها: "المحذور"، أو "المحذر منه"، وهو: الأمر المكروه الذي يصدر بسببه التنبيه. ولكن هذا الأصل قد يعدل عنه أحيانا كثيرة، فيقتصر الأسلوب على بعض تلك الأمور الثلاثة -كما سنعرف. ولأسلوب التحذير -بمعناه اللغوي العام-2 صور مختلفة؛ منها: صورة الأمر؛ كالذي في قول الشاعر: احذر مصاحبة اللئيم، فإنها ... تعدي كما يعدي السليم الأجرب ومنها: صورة النهي؛ كقول الأعرابي في لغته، وقد فتنته: لا تلمني في هواها ... ليس يرضيني سواها ... ومنها: الصورة المبدوءة بالضمير "إياك"3 وفروعه الخاصة بالخطاب4

_ 1 هذا تعريف لغوي يردده -بنصه- كثير من النحاة. ولكن يفضل بعضهم أن يقال: "إنه اسم منصوب، معمول للفعل: "أُحذر" المحذوف، ونحوه". لأن هذا يناسب مهمة النحو التي هي البحث في أحوال الكلم إعرابا وبناء. وأيضا ليدخل في التعريف نحو قول الشاعر: بيني وبينك حرمة ... الله في تضييعها بنصب كلمة: "الله" بعامل محذوف تقديره: احذر، أو: اخش، أو: اتق، أو نحو ذلك ... فبناء على التعريف اللغوي يكون: "الله" هو الأمر المكروه؛ وهذا لا يليق. 2 الذي يشمل "الاصطلاحي" الآتي، وغير الاصطلاحي. 3 بكسر الهمزة، مجاراة لأفصح اللغات، وأشهرها، ويجوز فتحها في لغة، كما يجر قلبها "هاء مكسورة" في لغة أخرى ... 4 هي: إياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن.

كالذي في قول أعرابية لابنها: "إياك والنميمة1. فإنها تزرع الضغينة2، وتفرق بين المحبين. وإياك والتعرض للعيوب؛ فتتخذ غرضا3؛ وخليق4 ألا يثبت الغرض على كثرة السهام ... " وقولهم: "إياكم وثورة الغضب فإنها تجلب المرض وسوء العاقبة". إلى غير هذا من العبارات والصور المتعددة التي تحقق "التحذير" بمعناه اللغوي العام. غير أن الكثير من الصور السالفة لا يخضع لأحكام هذا الباب. ولا تنطبق عليه ضوابطه النحوية وقواعده؛ لأن هذه الضوابط والقواعد والأحكام، لا تنطبق إلا على خمسة أنواع "اصطلاحية"؛ يسمونها: "صور التحذير الاصطلاحي"، هي -وحدها- المقصودة من هذا الباب بكل ما يحويه. ولا سيما اشتمال كل منها على اسم منصوب يعرب مفعولا به لفعل محذوف مع مرفوعه، وفيما يلي بيان هذه الأنواع الخمسة الاصطلاحية: النوع الأول: صورة تقتصر على ذكر "المحذر منه" "وهو: الأمر المكروه" اسما ظاهرا5، دون تكرار، ولا عطف مثيل له عليه -والمراد بالمثيل هنا؛ محذر منه. آخر؛ كتحذير الطفل من النار؛ بأن يقال له: النار، وكتحذيره من سيارة؛ بأن يقال له: السيارة. وحكم هذا النوع: جواز نصبه بفعل محذوف جوازا هو ومرفوعه. فكلمة: "النار" أو "السيارة" يجوز نصبها على اعتبارها مفعولا به لفعل لمحذوف جوازا تقديره مثلا: احذر النار - احذر السيارة. والفاعل ضمير محذوف معه أيضا؛ تقديره: أنت. ويجوز تقدير فعل آخر يناسب المعنى والسياق من غير تقيد بشيء في اختياره إلا موافقة المعنى. وصحة التركيب، مثل: اجتنب النار - اجتنب السيارة ... أو: حاذر، أو: جانب ... وفي كل هذه الأمثلة يصح حذف الفعل وفاعله معا. أو ذكرهما معا6،

_ 1 السعي بين الناس بالإفساد. 2 الحقد والعداوة. 3 هدفًا تصوب إليه السهام. 4 جدير، أمر محقق ... 5 أي: ليس ضميرا. 6 مع ملاحظة أن الضمير المستتر نوع من الضمير المذكور -لا من المحذوف- طبقات لما سبق إيضاحه في باب الضمير ج1.

فيقال: النار، أو اجتنب النار.. كما يصح ضبط "المحذر منه" ضبط آخر غير النصب، كالرفع؛ فيقال: النار، على اعتباره -مثلا- مبتدأ خبره محذوف. لكنه في حالة التصريح بفعله لا يدخل في عداد الأساليب الاصطلاحية الخمسة، وكذلك في حالة ضبطه بغير النصب، إذ الشرط الأساسي في التحذير الاصطلاحي. أن يكون الاسم منصوبا على أنه: "مفعول به"، وناصبه عامل محذوف هو مرفوعه1. معا. النوع الثاني: صورة تشتمل على ذكر "المحذر منه" اسما ظاهرا2؛ إما مكررا، وإما معطوفا عليه مثله مثله بالواو -دون غيرها؛ نحو: البرد البرد - البرد والمطر. وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم في الصورتين بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا2. ويراعى في تقديره موافقته للمعنى وصحة التركيب؛ نحو: "احذر البرد البرد - احذر البرد والمطر". أو: تجنب ... أو اتق ... فحكم هذا النوع: وجوب النصب، ووجوب حذف العامل ومرفوعه معا. ويتعين في صورة "التكرار" أن يكون الاسم الثاني توكيدا لفظيا، وفي حالة "العطف" أن يكون حرف العطف هو: "الواو" -دون غيرها- وما بعدها معطوف على الاسم قبلها عطف مفردات، لا عطف جمل. النوع الثالث: صورة تشتمل على ذكر اسم ظاهر3 مختوم بكاف خطاب للمحذر؛ بحيث يكون هذا الاسم هو الموضع أو الشيء الذي يخاف عليه، سواء أكان مكررا أم غير مكرر، معطوفا عليه بالواو مثيل له -أي: "محذر آخر" أم غير معطوف. ولا بد في صورة العطف أن يكون المعطوف "محذرا" أيضا "المعطوف عليه"؛ كأن يقال لمن يحاول لمس طلاء سائل: يدك -أو: يدك يدك- أو: كأن يقال لمن يحاول لمس طلاء سائل: يدك -أو: يدك يدك- أو: يدك وملابسك. والتقدير: أبعد يدك ... - أبعد يدك وملابسك ... ، أو: صن يدك ... ، صن يدك وملابسك ... ويصح اختيار عامل محوف آخر يناسب السياق والتركيب ...

_ 1 والداعي البلاغي للحذف هو ضيق الوقت؛ لأن أكثر حالات التحذير تتطلب الإسراع، لينتبه المخاطب قبل فوات الفرصة، كي لا يصيبه المكروه بفواتها. 2 أي: ليس ضميرا -كما سبق. 3 لهذا إيضاح آخر، يجيء في: "د" في "د" من الزيادة والتفصيل من 134 و135.

وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم السابق الذي تكرر، وكذلك المعطوف عليه. والناصب لهما عامل محذوف مع مرفوعه وجوبا1 وما بعد الواو معطوف على ما قبلها عطف مفردات، أما الذي جاء تكرار فتؤكيد لفظي. فإن كان الاسم منفردا "أي: ليس مكررا ولا معطوفا عليه" فحكمه حكم النوع الأول الذي يجوز نصبه بعامل محذوف مع مرفوعه جوازا -لا وجوبا- فيصح إظهار عامله وحذفه، كما يصح ضبطه بغير النصب؛ فإذا ظهر عامله أو كان الضبط بغير النصب فلن يكون من أساليب "التحذير الاصطلاحي"؛ -كما أوضحنا في ذلك النوع. النوع الرابع: صورة تشتمل على اسم ظاهر مختوم بكاف خطاب للمحذر، ويكون هذا الاسم كما في النوع السالف هو الموضع أو الشيء الذي خاف عليه، ولكن قد عطف عليه الواو -دون غيرها- "المحذر منه"؛ نحو: يدك والسكين -رأسك وحرارة الشمس- مواعيدك والخلف. فالمعطوف هنا "محذر منه"، بخلافه في النوع السالف الذي يكون فيه المعطوف "محذرا" ... 2. وحكم هذا النوع: وجوب نصب الاسم الظاهر والمعطوف، وأن يكون عامل النصب محذوفا مع مرفوعه وجوبا3. والأيسر والأسهل اختير عاملين مناسبين4 أحدهما: للمعطوف عليه. والآخر: للمعطوف. ولا يراعى في اختيارهما إلا مناسبتهما للسياق والتركيب؛ كأن يقال: صن يدك وأبعد السكين -احفظ رأسك؛ واحذر حرارة الشمس- تذكر مواعيدك، وتجنب الخلف ... وأمثال هذا مما هو مناسب. وعلى هذا التقدير يكون أسلوب التحذير جملتين تشتمل السابقة منهما على الموضع أو الشيء الذي يخاف عليه، ويتجه إليه التحذير،

_ 1 لهذا الحكم إيضاح آخر يجيء في "د" و"هـ" من الزيادة والفصيل، ص134 و135. 2 الفرق بين هذا النوع وسابقه. أن هذا النوع لا بد فيه من معطوف يكون محذرا منه. أما السابق فقد يوجد معطوف أو لا يوجد، وإن وجد وجب أن يكون اسما ظاهرا موضوعا للخوف عليه، وليس محذرا منه. 3 لهذا الحكم إيضاح يجيء في: "د" و"هـ" من الزيادة ص134 و135. 4 وقد يمكن اختيار عامل واحد يستقيم معه المعنى، ويساير الضوابط العامة. وفي هذه الحالة يكون العطف عطف مفردات.

وتشتمل المتأخرة على "محذر منه" وبين الجملتين واو العطف؛ تعطف الجملة الثانية على الأولى؛ فيكون العطف عطف جمل، لا مفردات1 ... النوع الخامس: صورة تشتمل على ذكر المحذر ضميرا منصوبا للمخاطب، هو: "إياك"2 وفروعه. وبعده "المحذر منه"، اسما مسبوقا بالواو -دون غيرها- أو غير مسبوق بها، أو مجرورا بالحرف: "من". فلا بد في هذا النوع من ذكر "المحذر" ضميرا معينا، ثم "المحذر منه". فمثال المسبوق بالواو قول الأعرابية لابنها: "إياك والجود بدينك، والبخل بمالك ... ". وقولهم: إياكم والدين؛ فإنه هم بالليل، ومذلة بالنهار. ومثال غير المسبوق بها قولهم: "إياكم تحكيم الأهواء السيئة؛ فإن عاجلها ذميم، وآجلها وخيم. ومن أمات هواه أحيا كرامته". وقول الشاعر: إياك إياك المراء3؛ فإنه ... إلى الشر دعاء، وللشر جالب ومثال المجرور بمن قولهم: "إياك من مؤاخاة الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك". وقولهم: "إياك من عزة الغضب الطائش؛ فإنها تفضي إلى ذلة الاعتذار المهين". وحكم هذا النوع: وجوب ذكر المحذر منه بد الضمير "إياك" وفروعه، ووجوب نصب هذا الضمير4؛ باعتباره مفعولا به لفعل واجب المحذف مع مرفوعه، وتقديره: "أحذر"، والأصل: "أحذرك". ثم أريد تقدير: "الكاف" لداع بلاغي؛ هو: "إفادة الحصر"؛ فمنع من تقديمها أنها ضمير متصل لا يستقل بنفسه، ولا يوجد إلا في ختام كلمة أخرى. فلم يكن بد -عند إرادة تقديمه- من الاستغناء عنه، والإتيان بضمير آخر منصوب، له معناه، ويمتاز بأنه يستقل

_ 1 هناك تقديرات وإعرابات أخرى لا تسلم من تعقيد أو صعوبة. ولا حاجة لنا بها بعد أن تلاقت الآراء المختلفة عند وجوب نصب المتعاطفين، ووجوب حذف عامل النصب مع مرفوعه. أما الخلاف العنيف في غير هاتين الناحيتين فيريحنا منه الالتجاء إلى الطريقة التي تخيرناها. 2 الأحسن اعتبار "إيا" ومعها علامة الخطاب التي بعدها، هما الضمير المنصوب، ولا داعي لاعتبار الضمير هو: "إيا"، واعتبار ما بعده حرف خطاب. "وقد سبق إيضاح هذا وتفصيل الكلام عليه في موضعه من باب: "والضمير" ج1 ص163 م19". 3 الطعن في كلام غيرك بقصد تكذيبه، وتحقيره. 4 للحكم إيضاح يجيء في "د وهـ" من الزيادة والتفصيل ص134 و135.

بنفسه، وهو الضمير: "إياك" فصار الكلام: "إياك أحذر" ثم حذف الفعل والفاعل معا؛ مجاراة للمأثور من الكلام الفصيح الذي يطرد فيه هذا الحذف الواجب. أما الاسم الظاهر المذكور بعد "إياك" وفروعها فإن سبقته واو العطف وجب نصبه بفعل محذوف مع مرفوعه وجوبا. والأحسن الأيسر -اختيار فعل خاص به يناسبه ويساير المقام، ويكون غير الفعل الناصب للضمير "إياك" فيجتمع في الأسلوب فعلان محذوفان مع مرفوعيهما. ففي المثالين السابقين1: "إياك والنمية"، "إياك والتعرض للعيوب ... " يكون التقدير؛ إياك أحذر، وأبغض النميمة، إياك أحذر، وأقبح التعرض للعيوب. بمعنى: أحذرك وأبغض ... وأقبح ... ويصح أن يكون التقدير: إياك احفظ2، واحذر النميمة، إياك احفظ2، واترك التعرض للعيوب ... وهكذا من غير تقيد بشيء إلا نصب الاسم بعد الواو، واختيار فعل -أي فعل- يناسب المقام، ويساير الأسلوب الصحيح. وعلى هذا تكون الواو حرف عطف، والجملة بعدها معطوفة على الجملة التي قبلها، وبالرغم من حذف الفعل ومرفوعه في كل جملة؛ يراعى المحذوف هنا في العطف كأنه مذكور؛ ففي الأسلوب جملتان، الثانية منهما معطوفة بالواو على الأولى. فإن لم تكن الواو مذكورة فالأسهل إعراب المنصوب بعدها مفعولا به للفعل: "أحذر" المحذوف؛ لأنه قد ينصب مفعولين بنفسه مباشرة. فأول المفعولين هو: "إياك" وفروعه، وثاني المفعولين هو الاسم الظاهر الواقع بعد الضمير "إياك"، وفروعه، أما إذا قلنا: "إياك من النميمة ... ". "إياك من التعرض للعيوب ... ". فإن الجار مع مجروره متعلقان بالفعل المحذوف وجوبا؛ وهو: "أحذر"؛ المحذوف؛ لأنه قد ينصب مفعولين بنفسه مباشرة. فأول المفعولين هو: "إياك وفروعه، وثاني المفعولين هو الاسم الظاهر الواقع بعد الضمير "إياك"، وفروعه، أما إذا قلنا: "إياك من النميمة ... ". "إياك من التعرض للعيوب ... ". فإن الجار مع مجروره متعلقان بالفعل المحذوف وجوبا. وهو: "أحذر"؛ لأنه قد يتعدى -أيضا-

_ 1 في ص127. 2 و2 والأصل: احفظ نفسك واحذر النميمة، أو: باعد نفسك ... و ... حذف الفعل وفاعله فصار الكلام: نفسك واحذر النميمة، ثم حذف المضاف "نفس" وأقيم لمضاف إليه "وهو: الكاف" مقامه، فصار منصوبا مثله؛ وأتينا بدله بضمير منفصل؛ هو: "إياك"، للسبب الذي بيناه في الصفحة السالفة. ونعود فنكرر هنا ما رددناه -وما سيجيء "في" "ا" - ص133؛ وهو: أن تقدير الفعل المحذوف في جميع مسائل هذا الباب وغيره متروك للمتكلم يختاره بغير قيد، إلا قيد المناسبة للسياق، ومسايرته للتركيب الصحيح. ومن المسايرة للتركيب الصحيح ألا تعطف الجملة الثانية على الأول إذا كانت إحداهما خبرا والأخرى إنشاء، طبقا للرأي الأقوى.

لمفعولين؛ ينصب أحدهما بنفسه مباشرة، ويتعدى للآخر بحرف الجر: "من". وفي جميع الصور السالفة يجوز تكرار الضمير "إياك" وعدم تكراره؛ فلا يتغير شيء من الأحكام المتقدمة. وعند التكرار يعرب "إياك" الثاني توكيدا لفظيا للأول. ولا يصح أن يكون الضمير "إيا" المحذر مختوما بغير علامة الخطاب1 فلا يقال: إياي ومعاونة الظالم، ولا إياه ومعاونة الظالم؛ لأن المتكلم لا يحذر نفسه، ولا يحذر الغائب. وقد وردت أمثلة نادرة من هذا النوع الممنوع، لا يصح القياس عليها. لكن يصح أن يكون "المحذر منه" ضميرا غائبا معطوفا على "المحذر"؛ نحو: لا تصاحب الأحمق، وإياك وإياه. فالضمير "إياه" في حكم كلمة "النميمة" في مثال: "إياك والنميمة ... " ومن هذا قول الشاعر القديم: فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه وعلى هذا لا يكون التحذير بضميري الغائب والمتكلم شاذا إلا إذا كان محذرا لا محذرا منه2 ... يمكن تلخيص الأحكام السابقة كلها فيما يأتي: 1- إن كان أسلوب التحذير مصدرا بالضمير "إياك وفروعه -وجب في كل الأحوال نصب هذا الضمير بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا. سواء في هذا أن يكون الضمير مكررا أم غير مكرر، عطف عليه، أم لم يعطف عليه، جر بعده المحذر منه" أم نصب ... 2- إن كان أسلوب التحذير غير مصدر بالضمير "إياك" وفروعه وجب نصب الاسم الظاهر بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا؛ بشرط العطف أو التكرار3. فإن لم يوجد عطف ولا تكرار جاز النصب بعامل محذوف مع مرفوعه جوازا؛ فيصح إظهارها، كما يصح ضبط الاسم بغير النصب. وفي حالة إظهارهما، أو ضبط الاسم بغير النصب -حيث لا عطف ولا تكرار فيهما- لا يتعين الأسلوب للتحذير ...

_ 1 غيرها هو علامة التكلم، أو الغياب. 2 راجع الخضري. 3 انظر " د وهـ" -ص134 و135- في الزيادة والتفصيل التاليين، حيث ترى إيضاحا وتكميلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تضمنت المراجع المطولة جدلا يصدع الرأس في تقدير عامل النصب المحذوف في التحذير -ولا سيما ناصب الضمير "إياك وفروعه"- أهو الفعل: أحذر، أم باعد، أم اجتنب، أم احذر؟ ... أينصب مباشرة أم لا ينصب إلا على تأويل آخر ... و ... والأمر لا يحتاج لكل هذا. وخير ما يقال في شأن المحذوف هو ما سجله بعض المحققين، ونصه1: "الحق أني قال: لا يقتصر على تقدير: "باعد"، ولا على تقدير: "احذر" ... ؛ بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض؛ إذ المقدر ليس أمرا متعبدا به لا يعدل عنه"1. وهذا رأي نفيس، صادق، يجب اتخاذه دستورا عند تقدير المحذوف في التحذير، وفي الإغراء، وفي غيرهما من كل ما يحتاج إلى تقدير. ب- يقول بعض النحاة إن الضمير: "إياك" وفروعه منصوب بفعل محذوف مع فاعله، وأن فاعله الضمير عاد فاستتر في الضمير "إياك" وصار "إياك" مغنيا عن التلفظ بالفعل المحذوف، ففي مثل قولهم: "إياك والحسد، فإنه يؤثر فيك أسوأ الأثر، ولا يؤثر في عدوك ... " نجد في لفظ إياك ضميرين: أحدهما: هذا البارز المنفصل المنصوب، وهو: "إياك". والآخر: ضمير رفع، مستكن فيه، منتقل إليه من الفعل الناصب له، ويترتب على هذا أنك إذا أكدت: "إياك: توكيدا معنويا بالنفس، أو بالعين، قلت: إياك نفسك، أو إياك أنت نفسك، بفصل أو بغير فصل؛ طبقا لقواعد التوكيد المعنوي بالنفس والعين. أما إذا أكدت ضمير الرفع المستكن فيه فإنك تقول مراعاة لتلك القواعد: إياك أنت نفسك، بالفصل بالضمير المنصوب "إياك": فتقول إياك والصديق، والسفهاء. أو إياك أنت والصديق، والسفهاء؛

_ 1 و1 راجع حاشية الصبان ج3 أول باب: "التحذير".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بفصل أو بغير فصل، ومن الأول الذي لا فصل فيه قولهم1: "إياكم والكبر، والسخف، والعظمة2، فإنها عداوة مجتلبة3 من غير إحنة"4. وتقول عند العطف على الضمير المرفوع وحده: إياك أنت والصديق، بالفصل. وكل ما تقدم مبني على أن الضمير الفاعل ينتقل من الفعل المحذوف. ويستتر في "إياك" وإخوانه. وهو رأي لا يأخذ به فريق آخر يقرر أن الفعل وفاعله حذفا معا، ولم يرجع الفاعل المحذوف ليستكن في "إياك" وفروعه. فليس معنا إلا ضمير واحد هو الضمير المنصوب البارز "إياك وفروعه". والأخذ بهذا الرأي أولى؛ لبعده من التكلف والعقيد؛ ولأن الفريق الأول لم يؤيد رأيه -فيما رجعت إليه- بأمثلة من الكلام الفصيح يكون لها وحدها القول الفصل. ج- يقول الرضي: "إن "المحذر منه" المكرر يكون اسما ظاهرا؛ نحو: الأسد الأسد، وسيفك سيفك. ويكون مضمرا؛ كإياك إياك، وإياه إياه: وإياي إياي". والأحسن العدول عن المضمر لندرة الأمثلة الواردة نه قدرة لا تبيح القياس عليه، ولا سيما ضمير غير المخاطب. د- قد يرفع، المكرر والمعطوف في أسلوب التحذير -وفي أسلوب الإغراء، وسيأتي قريبا-5 وفي هه الحالة لا يكون الأسلوب تحذيرا اصطلاحيا. قال الفراء في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ... ، نصبت كلمة: "ناقة" على التحذير6. ولو رفعت على إضمار مبتدأ مثل كلمة: "هذه" لجاز. وكان التقدير: هذه ناقة الله؛

_ 1 ما يأتي بعض وصية طويلة لعبد الحميد الكاتب ينصح فيها الكتاب "وهم: الأدباء" ويوضح آداب الكتابة بعد أن صار زعيم الكتاب في عصره، والكاتب الخاص لمروان بن محمد، آخر خلفاء الأمويين. وقد قتل عبد الحميد سنة 132 هـ وهي السنة التي قامت فيها الدولة العباسية بعد أن أبادت الدولة الأموية. 2 المراد بها: الكبر. 3 مجلوبة، يجرها صاحبها على نفسه بعمله، وليس البد منها أمرا خارجا عن اختياره. 4 الإحنة: العداوة، يريد: أن المرء يجلب لنفسه العداوة بسبب تلك الصفات. لا بسبب عداوة وإساءة سبقت إليه؛ فهو يدفع ضررها عنه. 5 في ص136. 6 ويجوز أن تكون منصوبة على الإغراء -كما سيجئ في رقم3 من هامش ص136.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير. هـ- يصح في كثير من أمثلة التحذير المشتملة على الواو أن تكون هذه الواو للمعية إذا استقام المعنى عليها؛ نحو: يدك والسيف -أصابعك والحبر ... فلا مانع هنا أن تكون الواو للمعية، والمراد: راقب يدك مع السيف -باعد أصابعك مع الحبر ... أو نحو هذا التقدير؛ فالاعتبار الأول دائما هو للمعنى وصحة التركيب. فإن اقتضى العطف وحده، أو المعية وحدها، أو جوازها ... ، نزلنا على حكمه؛ كما سبق1. و ألحق بالتحذير والإغراء ألفاظ سنعرضها في آخر الإغراء في: "ب" قسم الزيادة2. ز- الأغلب في أساليب التحذير أن تكون من نوع الإنشاء الطلبي؛ تبعا لعاملها الدال على هذا النوع. فإن لم يكن دالا على الإنشاء الطلبي فهي خبرية.

_ 1 في "أ" ص133 ... 2 في ص138.

ب- الإغراء: هو: تنبيه الخاطب على أمر محبوب ليفعله1: نحو: "العمل العمل، فإنه مفتاح الغنى، والطريق إلى المجد". فالمتكلم به، هو: "المغري" المخاطب هو: "المغرى" ... والأمر المحبوب هو: "المغرى به". وعلى هذه الثلاثة مجتمعة يقوم أسلوب: "الإغراء". وحكم الاسم المحبوب "وهو" المغرى به" وجوب نصبه باعتباره مفعولا به لعامل مناسب للسياق، محذوف مع مرفوعه وجوبا. بشرط أن يكون هذا الاسم مكررا -كالمثال السابق- أو: معطوفا عليه مثيله، "أي: أمر محبوب آخر" كقولهم: الفرار والهرب من اللئيم الأحمق؛ فإنه كالحية لا يكون منها غير اللدغ. أي: الزم الفرار والهرب2 ... فإن لم يكن الاسم مكررا ولا معطوفا عليه مثله جاز نصبه مفعولا به لعامل مذكور أو محذوف، وجاز أيضا أن يضبط ضبطا آخر غير النصب -كالرفع- تقول: "الاعتدال، فإنه أمان من سوء العاقبة"، أي: الزم الاعتدال، فيصح حذف العامل ويصح ذكره، ويصح الرفع فيقال: "الاعتدال" ... على اعتباره -مثلا- مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: الاعتدال مطلوب، فإنه2 ... وفي حالة ظهور العامل. وكذا في حالة ضبط الاسم ضبطا غير النصب على المفعول به، لا يسمى الأسلوب3 إغراء اصطلاحيا4....

_ 1 يقال في هذا التعريف إنه: لغوي، كما قيل في التحذير "في رقم 1 من هامش ص126". 2 و2 ومثل هذا يقال في ضبط كلمتي: "عمل، وكد" في الحكمة المأثورة: "عملك لا أملك، وكداك لا جدك ... ". 3 فإن لم نعتبره في حالتي التكرار والعطف مفعولا به جاز ضبطه بغير النصب، كالرفع -مثلا- على الابتداء. وقد سبقت الإشارة في د ص134 من الزيادة والتفصيل إلى أن المكرر والمعطوف، في الإغراء قد يرفع فلا يسمى إغراء اصطلاحيا. ومن أمثلة المرفوع. إن قوما منهم: عمير، وأشبا ... هـ عمير، ومنهم: السفاح ... لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح وأما كلمة: "ناقة" في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} فتصلح إغراء وتحذيرا كما سبق في "د" ص134. 4 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه: "التحذير والإغراء":

والأكثر في أساليب الإغراء أنها إنشائية طلبية؛ تبعا لنوع عاملها الدال على هذا النوع. فإن لم يكن دالا على الإنشاء الطلبي فهي خبرية.

_ = إياك والشر ونحوه نصب ... محذر بما استتاره وجب يقول: المحذر -وهو المتكلم- نصب أسلوب: "إياك والشر" ونحو هذا الأسلوب ... نصبه بما وجب استتاره؛ "أي: بعامل محذوف وجوبا". هذا إن اشتمل الأسلوب على عاطف؛ كالمثال الذي عرضه. فإن لم يكن مشتملا على عاطف فقد قال فيه: ودون عطف ذا لإيا انسب، وما ... سواه ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف أو التكرار ... كالضيغم الضيغم، يا ذا الساري "الضيغم= الأسد. الساري: المسافر ليلا". يريد: أنسب هذا الحكم لـ"إيا" أيضا عند عدم العطف عليها. بأن تقول: إياك الشر، أو: إياك من الشر. أما في جميع الحالات الأخرى -غير السالفتين. فحذف الفعل الناصب ليس واجبا إلا مع العطف أو التكرار. ثم بين بعد ذلك أن اشتمال أسلوب التحذير على محذر منه يكون هو الضمير: "إياي" المتكلم، و"إياك" للمخاطب، وفروعهما ... أمر شاذ وللغائب أكثر شذوذا ومن قاس عليه فقد أنتبذ، أي: ابتعد عن الصواب. يقول: وشذ إياي، وإياه أشذ ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ ثم انتقل إلى الإغراء واكتفى فيه ببيت واحد هو: وكمحار بلا إيا: اجعلا ... مغرى به في كل ما قد فصلا أي: أن حكم الاسم المغرى به كحكم المحذر الذي يغير "إياك" في كل الأحكام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ليس من اللازم أن تكون الواو في الإغراء للعطف؛ فقد يقتضي المعنى أن تكون للمعية؛ نحو: المشي والاعتدال؛ فتقوى -الإجادة والمثابرة؛ كي تفوز بما تهوى. وقد يقتضي المعنى العطف وحده، أو يتسع للأمرين، فيراعى دائما ما يقتضيه المعنى. ب- ألحق بالتحذير والإغراء في وجوب إضمار الناصب -لا في معناهما- بعض الأمثال المأثورة المسموعة بالنصب، وبعض العبارات الأخرى المسموعة بالنصب أيضا، والتي يسمونها: "شبه الأمثال"؛ لأنها لا تبلغ مبلغ المثل في الشهرة. وكثرة الاستعمال والتعميم، وقد تشتمل على قيد تخاطب، أو حالة معينة. أ- فمن الأمثال: 1- كليهما1 وتمرا -وهو مثل يقال لمن خير بين شيئين، فطلبهما معا، وطلب الزيادة عليهما. التقدير: أعطني كليهما. وزدني تمرا. 2- الكلاب على البقر؛ مثل يضرب حين يريد المرء ترك الخير والشر يصطرعان، وأن يغنتم السلامة لنفسه. والتقدير: اترك الكلاب على البقر، يتصرف كل منهما مع الآخر كما يشاء، وانج بنفسك. 3- أحشفا2 وسوء كيلة، يضرب لمن يجمع بين إساءتين لغيره، ويظلم الناس من ناحتين. والتقدير: أتبيع حشفا، وتزيد سوء كيلة. ب- ومما يشبه المثل: 1- قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} أي: انتهوا واصنعوا خيرا لكم. 2- من أنت؟ عليا. التقدير: من أنت؟ تذكر عليا. يقال لمن يذكر عظيما جليل القدر بسوء.

_ 1 وورد قليلا: كلاهما - بالألف. 2 الحشف: أردأ النمر، وسوء الكيلة -بكسر الكاف: قبح الطريقة والهيئة التي تستخدم في الكيل ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- كل شيء ولا هذا. والتقدير: اصنع كل شيء، ولا تصنع هذا. 4- هذا ولا زعماتك. التقدير: أرتضي هذا، ولا أتوهم زعماتك. 5- إن تأت فأهل الليل وأهل النهار. والتقدير: إن تأت فسوف تجد أهل الليل وأهل النهار في خدمتك بدل أهلك. 6- مرحبا، وأهلا، وسهلا، والتقدير: وجدت مرحبا، وأتيت أهلا، ونزلت سهلا. 7- عذيرك. أي: أظهر عذرك، أو أظهر عاذرك "عذير: بمعنى: عذر، أو عاذر". 8- ديار الأحباب. أي: اذكر ديار الأحباب ... وهكذا: ويصح -كما عرفنا- تقدير أفعال مناسبة غير التي عرضناها، ويصح اعتبار الواو للمعية في بعض مما سلف. والمهم استقامة المعنى.

المسألة 141: أسماء الأفعال

المسألة 141: أسماء الأفعال تعريفها: "نقدم أمثلة": في اللغة ألفاظ يدل على الواحد منها على "فعل" معين، أي: محدد بزمنه، ومعناه، وعمله -لكنه لا يقبل العلامة التي يقبلها هذا الفعل المعين، والتي تبين نوعه؛ كاللفظ: "هيهات"1 في قول الشاعر يخاطب عزيزا رحل عنه: بعدت ديار، واحتوتك ديار ... هيهات1 للنجم الرفيع قرار فإنه يدل على الفعل الماضي: "بعد" ويقوم مقامه في أداء معناه2، وفي عمله، وزمنه، من غير أن يقبل العلامة الخاصة بالفعل الماضي، "مثل: إحدى التاءين؛ تاء التأنيث الساكنة، أو تاء الفاعل ... "؛ إذ لم يرد عن العرب وجود علامة من العلامات الخاصة بالفعل الماضي في "هيهات". وكاللفط: "آه" في قول الشاعر: آها لها من ليال!! هل تعود كما ... كانت؟ وأي ليال عاد ماضيها؟ فإنه يدل على الفعل المضارع: "أتوجع" ويقوم مقامه في معناه، وعمله، وزمنه. ولكنه لا يقبل علامة من العلامات الخاصة بالمضارع؛ لأن العرب لم تدخلها على "آه" قط. وكاللفظ "حذار" في قول المادح: سل عن شجاعته، وزره مسالما ... وحذار، ثم حذار منه، محاربا فإنه يدل على فعل الأمر: "احذر" من غير أن يقبل علامة الأمر؛ لأن العرب لم تدخلها على "حذار" مطلقا ... والمراد من أن كل لفظ من هذه الألفاظ يدل على فعل معين محدد؛ هو:

_ 1 و1 وفيه لغات كثيرة، أعلاها المذكورة هنا، مسايرة للوارد في القرآن الكريم. ومن لغاتها: "أيهات" وهي لغة الحجازيين. 2 انظر معنى "اسم الفعل" في الصفحة الآتية.

أنك لو سألت المراجع اللغوية عن القصود من لفظ: "هيهات" لكان الجواب: "هيهات، معناه: بعد" -"آها، معناه: أتوجع"- "حذار، معناه: احذر"، وهكذا نظائرها. فكل لفظ مما سبق -ونظائره- يسمى: "اسم فعل". وهو1: اسم يدل

_ 1 التعريف الآتي صفوة تعريفات متعددة جاوزت ستة، ولم تخل من قصور أو غموض. وهو أقرب إلى التعريف الدقيق الذي اختاره جمهورهم الاسم الفعل. ونزيده بيانا ووضوحا بما يأتي: "مما ذكرناه عند تعريف الاسم ج1 م2". ولو وضعنا فاكهة معينة أمام إنسان لا يعرفها؛ فسأل: ما هذه؟ فأجبنا: "رمان" -مثلا- لكانت كلمة: "رمان" هي الرمز، أو العلامة، أو اللفظ الدال على تلك الفاكهة، وإن شئت فقل: إنها "اسم" يفهم منه السامع تلك الفاكهة المعينة دون غيرها. فعندنا شيئان؛ فاكهة لها أوصاف حسية خاصة بها، ولفظ معين إذا نطقنا به انصرف الذهن مباشرة إلى تلك الفاكهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنى، أو مدلول، أو مراد؛ وما معناه، أو مدلوله، أو المراد منه إلا هذه الفاكهة، وإن شئت فقل: إنه اسم، هي معناه ومسماه. وأن هذا المعنى والمسمى له اسم؛ هو: رمان. فالاسم ليس إلا رمزا، أو علامة، أو شارة يراد بها أن تدل على شيء آخر، وأن تعينه: وتميزه من غيره. وهذا الشيء الآخر هو المراد من تلك الشارة، والغرض من اتخاذها. فهو مدلولها ومرماها. أي: هو المسمى بها. ومتى ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة، وأن المسمى هو: المرموز له، المطلوب إدراكه بالعقل كان الاسم متضمنا في ذاته كل أوصاف المسمى، كالصورة التي يكتب إزاءها اسمها؛ فإذا قرئ الاسم أولا دل على الصورة ومضمونها كاملة. مثال آخر: هبك رأيت طائرا صغير الجسم، جميل الشكل، ساحر الغناء، يتميز بأوصاف خاصة، فسألت: ما هذا الطائر؟ فقيل: "بلبل". فإن كلمة: "بلبل" رمز، أو: شارة، أو: علامة على هذا الطائر المعين. فإذا سمعتها بعد ذلك أو قرأتها، فهمت ما ترمز إليه، وما تشير له، وإن شئت فقل: فهمت معناها وما تدل عليه، أي: فهمت مدلولها ومسماها؛ لأنها الاسم الدال عليه. فكلمة: "البلبل" مدلوها الطائر المعين، وهذا الطائر المعين له اسم، هو" البلبل"، فلكل اسم مسمى، ولكل مسمى اسم، ولا ينفصل أحدهما عن صاحبه، مهما كثرت ألفاظ كل، وتعددت الكلمات الدالة عليه. قياسا على ما سبق؛ ما الذي نفهمه حين نسمع كلمة: هيهات؟ نفهم أن مدلولها ومرماها هو الفعل "بعد" بكل خصائصه؛ من الدلالة على معنى البعد، والمضي، والعمل، مع عدم التأثر بالعوامل. فاللفظ: "هيهات" رمز، أو شارة، أو علامة -تدل على الفعل: "بعيد". أي: أن اللفظ: "هيهات" اسم، مسماه الفعل: "بعد". والفعل: "بعد" مسمى، له اسم؛ هو: "هيهات". وإذا سئلت: ما المراد من: "آه"؟ كان الجواب: "أتوجع". فكلمة: "آه" هي الرمز، أو: العلامة، أو الاسم. أما المرموز له، أو: المسمى -فهو الفعل المضارع: "أتوجع" بكل خصائص المضارع؛ من معنى، وزمن، وعمل، مع سلامة الرمز من التأثر بالعوامل التي يتأثر بها =

على فعل معين، ويتضمن معناه، وزمنه، وعمله، من غير أن يقبل علامته، أو يتأثر بالعوامل1. ما يمتاز به اسم الفعل2: بالرغم من أن شأنه هو ما وصفنا فقد اكتسب بالاستعمال العربي القديم مزيتين ليستا للفعل الذي بمعناه. الأولى: أن اسم الفعل أقوى من الفعل الذي بمعناه في أداء المعنى، وأقدر على إبرازه كاملا مع المبالغة فيه. فالفعل: "بعد" -مثلا- يفيد: مجرد "البعد"، ولكن اسم الفعل الذي بمعناه؛ وهو: "هيهات". يفيد البعد البعيد، أو: الشديد؛ لأن معناه الدقيق هو: بعد جدا؛ كما في قولهم: هيهات إدراك الغاية بغير العمل الناجع. والفعل: "افتراق" يفيد: "الافتراق" المجرد؛ ولكن اسم الفعل:

_ = المضارع؛ كالنواصب أو الجوازم..، وكذلك: "حذار" فإنه اسم، مسماه فعل الأمر: "احذر" بما هو مختص به. مما تقدم يتبين المراد -عند جمهرتهم- من أسماء الأفعال، وأن المقصود أنها "أسماء للأفعال"، كما أن لفظ: "الزمان" اسم للفاكهة المعينة، و"البلبل" اسم للطائر الخاص، و"الفرس" اسم للحيوان المعروف ... فكذلك هذه الأسماء؛ كل واحد منها اسم "لفعل بعينه ... ولما كان الاسم -كما شرحناه- يدل دلالة كاملة على مسماه، ويتضمن كل خصائص المسمى تبعا لذلك -لا بالأصالة- كان اسم الفعل متضمنا بالتبعية -لا بالأصالة- معنى فعله وزمنه، وكذا عمله، في الغالب، مع عدم التأثر بالعوامل. وكذلك يتبين أن المراد هنا من كلمة: "اسم" هو المراد منها في كل موضع آخر، ولكنه اسم في لفظه فقط؛ بدليل الإسناد إليه دائما وبدليل قبوله التنوين في حالات كثيرة، وكلاهما من علامات الاسم، وأنه ليس فعلا في لفظه! بدليل أنه لا يقبل علامة من علامات الأفعال. فحقيقة: أنه اسم في لفظه، فعل في معناه. وبالرغم من هذا البيان الذي عرضناه لإيضاح الرأي الغالب، لا يزال يشوبه -بحق- بعض الضعف كاعتبار هذه الألفاظ أسماء عاملة، مع أنها لا موضع لها من الإعراب؛ فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مضافا، ولا مضافا إليه. ولا غير ذلك ... ويخف الاعتراض، ويكاد الضعف يختفي -لو أخذنا بالرأي القائل: إنها قسم رابع مستقل من أقسام الكلمة. وأصحاب هذا الرأي يسمونه: "خالفه" بمعنى: خليفة الفعل، ونائبه، في معناه، وعمله وزمنه، وكل ما يتضمنه على الوجه المشروح هنا. 1 قلنا هذا: لأن المضارع يتأثر بعوامل النصب والجزم. وبهذا القيد يخرج المصدر النائب عن فعله؛ فلا يعد اسم فعل؛ لأنه يتأثر بالعوامل، وتخرج كذلك المشتقات. 2 متى يحسن الحكم على اللفظ بأنه اسم فعل؟ الإجابة في رقم 3 من هامش ص147.

"شتان" وهو بمعناه -يفيد: الافتراق الشديد1؛ لأن معناه الحقيقي هو: "افتراق جدا" ... كقولهم: شتان الإحسان والإساءة، وشتان ما بين العناية والإهمال. وكقول الشاعر: الفكر قبل القول يؤمن زيفه ... شتان بين روية وبديه2 الثانية: أنه يؤدي المعنى على الوجه السالف، مع إيجاز اللفظ واختصاره، لالتزامه -في الأغلب- صورة واحدة لا تتغير بتغير المفرد، أو المثنى، أو الجمع أو التذكير، أو التأنيث؛ إلا ما كان منه متصلا بعلامة تدل على نوع معين دون غيره3؛ تقول: صه يا غلام، أو: يا غلامان، أو: يا غلمان، أو: يا فتاة، أو: يا فتاتان، أو: يا فتيات. ولو أتيت مكانه بالفعل الذي بمعناه لتغيرت حالة الفعل؛ فقلت: اسكت يا غلام، اسكتا يا غلامان، سكتوا يا غلمان، اسكتي يا فتاة، اسكتا يا فتاتان، اسكتن يا فتيات ... وبسبب هاتين المزيتين كان استعمال اسم الفعل هو الأنسب حين يقتضي المقام إيجاز اللفظ واختصاره، مع وفاء المعنى، والمبالغة فيه. أقسام أسماء الأفعال: أ- تنقسم بحسب نوع الأفعال التي تدل عليها4، إلى ثلاثة أقسام:

_ 1 ولا بد أن يكون الافتراق معنويا -كما سيجيء البيان في ص146- ثم انظر رقم 2 من هامش ص158، حيث بعض الحالات الخاصة باستعمال "شتان". 2 المراد: تسرع بغير أعمال فكر. بقي السؤال عن فاعل "شتان" في هذا البيت وفي البيت الآخر الذي أوروده، وقال عنه الصبان إنه من كلام بعض المحدثين، ونصه: جازيتموني بالوصال قطيعة ... شتان بين صنيعكم وصنيعي جاء في الخضري: "قال في شرح الشذور: "لم تستعمله العرب. وقد يخرج على إضمار "ما" موصولة ببين". ا. هـ ... أي: فيكون "شتان" بمعنى: بعد، و"ما" بمعنى: المسافة". ا. هـ. كلام الخضري. 3 كأسماء الأفعال المنقولة من شبه الجملة وبعض المصادر، مثل: عليك، أمامك، رويدك، وستأتي في: "ب" ص147 وما بعدها. 4 مع ملاحظة المزيتين السالفتين لكل اسم من أسماء الأفعال، دون فعل.

أولها: اسم فعل أمر، وهو أكثرها ورودا في الكلام المأثور، نحو: "آمين"، بمعنى: استجب، و"صه" -بالسكون- بمعنى؛ اسكت عن الموضوع المعين الذي تتكلم فيه، و"حي" "بفتح الياء المشددة، مثل: حي على الصلاة -حي على الفلاح" بمعنى: أقبل، أو: عجل ... وجميع هذه الألفاظ سماعية. ومن هذا القسم نوع قياسي مطرد -على الأصح- هو: ما كان من اسم فعل الأمر على وزن "فعال"1 مبنيا على الكسر بشرط أن يكون له فعل ثلاثي، تام، متصرف، نحو: حذار، "في البيت السالف"2 بمعنى: احذر، ونحو: نزال إلى ميدان الجهاد، وزحام في مجال الإصلاح؛ بمعنى انزل، وازحم. ولا يصح صوغ "فعال" إذا كان فعله غير ثلاثي، كدحرج، "وشذ: دراك، من أدرك" أو: كان فعله ناقصا؛ مثل: كان، وظل، وبات: الناسخات، أو كان غير متصرف، نحو: عسى، وليس. واسم فعل الأمر مبني دائما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا3. وقد يتعدى للمفعول به أو لا يتعدى على حسب فعله. ومن أسماء فعل الأمر السماعية: "هيا، بمعنى: أسرع" -"ومه؛ بمعنى: انكفف4 عما أنت فيه"- "وتيد، وتيدخ، وهما بمعنى: أمهل"

_ 1 سبق "في ص73" عند الأسماء الملازمة للنداء أن منها ما يكون على وزن: "فعال" بشروط خاصة، وسيجيء في رقم 1 من هامش ص260 بيان مناسب عن صيغة: "فعال"، وأنواعها المختلفة، وحكم كل نوع من ناحية الإعراب والبناء. 2 في ص140. وهو: سل عن شجاعته ... ومثل قول الشاعر: حذار، حذار من جشع؛ فإني ... رأيت الناس أجشعها اللئام 3 استتار الفاعل وجوبا يشمل -في الرأي الأسهل- فاعل اسم فعل الأمر، وفاعل اسم فعل المضارع، المختوم كل منهما بضمير للمفرد المذكر وقوعه، والمفردة وفروعها، فيدخل اسم الفعل المنقول من ظرف المكان، ومن الجار مع مجروره -طبقا لما سيجيء في 2 و3 من هامش ص157. 4 هذا هو الأولى، وليس بمعنى: "اكفف" -كما يقول بعض النحاة- لأن "اكفف" متعد، و"مه" لا يتعدى؛ فهو ثل: "انكفف" -راجع الهمع هنا.

"وويهما، بمعنى: حرض، وأغر"1، "وحيهل2 بمعنى أقبل، أو عجل ... "، "وهلم3 بمعنى: أقبل، وتعال"4، "وقط، بمعنى: انته ... "5. ثانيها: اسم فعل مضارع -وهو سماعي، وقليل- نحو: "أوه، بمعنى: أتألم"، وأف بمعنى: أتضجر، قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: للوالدين، "ووي، بمعنى: أعجب، وهذا أحد معانيها؛ كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 6" وقد يكون اسم الفعل: "وي" مختوما

_ 1 فعل أمر، ماضيه: أغرى. 2 يجوز في اللام عدة لغات، منها السكون، ومنها الفتح بتنوين أو غير تنوين. والأشهر فتح هائه في كل أحوالها. "ويجوز إلحاق كاف الخطاب بآخره على الوجه المبين في رقم 9 من ص160" باعتبارها حرفا متصرفا. 3 الحجازيون وبعض العرب يلزمونه صورة لا تتغير في الإفراد والتذكير وفروعهما. وغيرهم يعدونه اسم فعل أمر أيضا، ولكن يغيرون الضمير الفاعل في آخره بحسب المعنى ومرجع الضمير. وتجري على الألسنة عبارة: "هلم جرا" ويقول بعض النحاة في توجيهها: إن "هلم" بمعنى: "أقبل وائت" وليس المراد الإقبال والمجيء الحسيين؛ وإنما المراد الاستمرار على الشيء وملازمته. وأيضا: ليس المراد الطلب حقيقة، وإنما المراد الخبر؛ كالذي في قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} . وأما كلمة: "جرا" فهي مصدر جره، يجرره، جرا، إذا صحبه. وليس المراد الجر الحسي، بل التعميم الذي يشمله وغيره؛ فإذا قيل: "كان ذلك عام كذا وهلم جرا"، فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأعوام استمرارا. أو استمر مستمرا "على الحال المؤكدة" وبهذا يزول إشكال عطف الخبر على الطلب وغيره من الاعتراضات. "الصبان في هذا الوضع". 4 الصحيح أن كلمتي: "تعال" - و"هات" هما فعلان للأمر؛ لقبول كل منهما العلامة الخاصة بفعل الأمر - وقد سبق البيان المناسب في ج1 م4، عند الكلام على هذا الفعل. 5 تفصيل الكلام على اسم الفعل: "قط" وما فيه من آراء واستعمالات مختلفة، مع اقترانه بالفاء أو عدم اقترانه ... كل ذلك معروض ببسط مناسب في الجزء الأول - م30 موضوع: المعرف بأل عند بيت ابن مالك ونصه: "أل" حرف تعريف أو اللام فقط ... ". 6 في كلمة: "وي" -في الآية الكريمة، وما يماثلها- آراء أخرى. منها: رأي "ابن عباس" وبه أخذ سيبويه فيما يقال، وملخصه، أن "وى" كلمة زائدة، يستعملها النادم؛ لإظهار ندمه، وأنها مفصولة من "كأنه". وينسب لسيبويه رأي آخر، سجله ابن جني في كتابه "المحتسب" ج2 ص155 وهو يعرض لقوله: "ويكأنه" في الآية السالفة، ونصه: =

بكاف الخطاب الحرفية1، ومنه قول عنترة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم واسم الفعل المضارع مبني حتما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا، وهو مثل فعله في التعدي واللزوم. ثالثها: اسم فعل ماض -وهو ساعي وقليل؛ كالسابق، ومنه: "هيهات"، وكذا: "شتان" وقد تقدما. والصحيح الفصيح في "شتان" أن يكون الافتراق خاصا بالأمور المعنوية2؛ كالعلم، والفهم والصلاح؛ تقول: شتان3 علي ومعاوية في الشجاعة، وشتان المأمون والأمين في الذكاء، وشتان الإيثاء، والأثرة4؛ فلا يقال شتان المتخاصمان عن مجلس الحكم، ولا شتان المتعاقدان عن مكان التعاقد5 ...

_ = "الوجه فيه عندنا قول الخليل سيبويه، وهو: أن "وي" على قياس مذهبهما اسم سمي به الفعل "أي: اسم فعل" في الخبر؛ فكأنه اسم: "أعجب" ثم ابتدأ فقال: "كأنه لا يفلح الكافرون" وكذلك قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ؛ فـ"كأن" هنا إخبار عار من معنى التشبيه. ومعناه: أن الله يبسط الرزق لمن يشاء. و"وي" منفصلة من كأن، وعليه بيت الكتاب: وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب، ومن يفتقر يعيش عيش ضر ومما جاءت فيه "كأن" عارية من معنى التشبيه ما -أنشدناه أبو علي: كأني حين أمسي لا تكلمني ... تيم يشتهي ما ليس موجودا أي: أنا حين أمسى "متيم" من حالي كذا وكذا ... ". ا. هـ. 1 انظر رقم9 من ص160 حيث الكلام على "طاف الخطاب" التي تتصل بأنواع أسماء الأفعال. 2 لهذا إشارة في رقم1 من هامش ص143، ثم انظر رقم2 من هامش ص158؛ حيث بعض استعمالاتها. 3 ولا يكون فاعله إلا متعددا بواو العطف دون غيرها؛ وقد تفصل بينه وبين فاعله "ما" الزائدة "وستجيء إشارة لهذا في رقم2 من هامش ص158 عند الكلام على الأحكام". 4 الإيثار تقديم المرء غيره على نفسه في الانتفاع، والأثرة العكس. 5 في ص161 صورة أخرى من أسماء الأفعال المختلفة. وقد اقتصر ابن مالك في باب عنوانه: "أسماء الأفعال والأصوات" على الإشارة العابرة لما شرحناه، بقوله: ما ناب عن فعل؛ كشتان وصه ... هو اسم فعل، وكذا: أوه، ومه والمراد من عنوان الباب هو: أسماء الأفعال، وأسماء الأصوات، لا أن الأسماء لهما معا. وقد أوضحناه معنى أسماء الأفعال التي عرضها. ثم قال: وما بمعنى: "افعل"؛ كآمين، كعثر ... وغيره -كوى وهيهات- نزر "والمراد من: "افعل"، هو فعل الأمر. نزر= قل". أي: أن اسم الفعل الذي بمعنى فعل الأمر كثير. أما الذي بمعنى غيره -كالذي بمعنى الماضي أو المضارع- فقليل.

واسم الفعل الماضي مبني في كل أحواله كغيره من سائر أسماء الأفعال، ولكنه يحتاج إلى فاعل إما ظاهر، وإما ضمير مستتر جوازا، يكون للغائب في الأعم الإغلب1 -كما سيجيء- وهو بهذين يخالف النوعين الآخرين فوق مخالفته لهما في المعنى والزمن. أما تعديته ولزومه فيجري فيهما كغيره على نظام فعله. ب- وتنقسم بحسب أصالتها في الدلالة على الفعل2 وعدم أصالتها، إلى قسمين: أولهما: المرتجل؛ وهو: ما وضع من أول أمره اسم فعل ولم يستعمل في غيره من قبل. مثل: شتان - وي - مه ... ثانيهما: المنقول؛ وهو الذي وضع في أول الأمر لمعنى ثم انتقل منه إلى اسم الفعل. والمنقول أقسام؛ فهو: 1- إما منقول من جار مع مجروره3، مثل: "عليك"، بمعنى: تمسك أو: بمعنى: الزم، أو: بمعنى: "أعتصم" -فعل مضارع- فمن الأول قولهم: عليك بالعلم؛ فإنه جاه من لا جاه له، وعليك بالخلق

_ 1 انظر: "ا" من ص156 ثم رقم1 من هامش ص157. 2 مع تفردها -دونه- بالمزيتين السالفتين في ص142. 3 من أمثلة اسم الفعل المنقول من جار مع مجرور أو من ظرف مكان: عليك "بمعانيه التي ذكرناها"، وأمامك، بمعنى: تقدم؛ وكذا مكانك، بمعنى: اثبت. قال بعض النحاة -وقوله سديد- لا أدري الحاجة إلى جعل مثل هذا الظرف -مكانك- اسم فعل؟ فهلا جعلوه ظرفا على بابه، باقيا على أصله من الظرفية من غير نقله إلى اسم الفعل؛ لأن اعتباره منقولا إلى اسم الفعل إنما يحسن حين لا يمكن الجمع بين الظرف وذلك الفعل الذي بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال: اسكت صه -الزم عليك- خذ دونك.. أما إذا أمكن فلا يجوز إخراجه عن الظرف إلى اسم الفعل، فإنه يصح أن يقال: اثبت مكانك، وتقدم أمامك ... في حين لا يصح أن يقال: صه اسكت كما تقدم. هذا رأيه سجله "الصبان". ونرى أنه ينطبق على الجار مع مجروره أيضا. لانطباق العلة عليهما كذلك. وقد يقال: إن الجمع ممكن على سبيل "التوكيد" اللفظي بالمرادف. وهذا صحيح بشرط وجود قرينة على إرادة التوكيد اللفظي؛ لتحقيق غرض فيه.

الكريم؛ فإنه الغني الحق. أي: تمسك بالعلم - تمسك بالخلق1 ... وقولهم: من نزل به مكروه فعليه بالصبر؛ فهو أبعد للألم، وأجلب للأجر، أي: فليتمسك بالصبر ... ومن الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، أي: الزموا شأن أنفسكم. ومن الثالث: علي بالكفاح لبلوغ الأماني. أي: أعتصم. ومن المنقول من الجار والمجرور: "إليك"؛ بمعنى: ابتعد وتنح؛ مثل: "إليك عني -أيها المنافق؛ فذو الوجهين لا مكان له عندي، ولا منزلة له في نفسي" وهذا هو الغالب في معناها، وقد تكون بمعنى: "خذ"، نحو: إليك الوردة، أي: خذها2 ... ومنه: "إلي"، بمعنى: أقبل، نحو: إلي -أيها الوفي- فإني أخوك الصادق العهد. والأحسن في الأمثلة السالفة -وأشباهها- إعراب الجار ومجروره معا، اسم فعل مبني، لا محل له من الإعراب3. 2- وإما منقول من ظرف مكان4؛ مثل: "أمامك"؛ بمعنى تقدم.

_ 1 ومثل قول القطامي: عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إن التخلق يأتي دونه الخلق 2 فهو بهذا المعنى متعد. وهو بالمعنى الأول لازم، وكلاهما قياسي هنا. ولا قوة للرأي الذي ينكر المعنى الثاني. فقد أثبته "الجوهري"، وورد مسموعا في كلام من يحتج بكلامهم، ومنهم القطامي الشاعر الأموي. 3 وبهذا الإعراب الذي أشار به بعض النحاة والذي له إيضاح مفيد يأتي في "رقم 2 و3 من هامش ص157" نأمن كثيرا من الاعتراضات والمغامز التي في غيره. ولن يترتب على الأخذ به إساءة للمعنى، أو لصحة التركيب. وإذا جاء تابع بعد اسم الفعل المنقول من جار مع مجروره فمتبوعه هو فاعل اسم الفعل؛ نحو: عليك أنت نفسك بالأعمال العظيمة. فالضمير: "أنت" توكيد للفاعل: "أنت" المستتر وجوبا. وكلمة: "نفس" توكيد له أيضا. 4 التقييد بالمكان منقول صراحة من شرح التوضيح، وهو المفهوم من كل الأمثلة -ثم انظر رقم 3 من هامش الصحفة السابقة.

و"وراءك"؛ بمعنى: تأخر، تقول: أمامك إن واتتك الفرصة، وساعفتك القوة. ووراءك إن كان في إدراك الفرصة غصة، وفي نيلها حسرة وندامة. ومثل: "مكانك"، بمعنى: اثبت1، تقول لمن يحاول الهرب من أمر يمارسه: مكانك تحمد وتدرك غايتك. ومثل: "عندك" بمعنى خذ. تقول: عندك كتابا، بمعنى: خذه2. والأيسر اعتبار الظرف كله "بما اتصل بآخره من علامة تكلم أو خطاب أو غيبة" هو اسم الفعل3. 3- وإما منقول من مصدر له فعل مستعمل من لفظه؛ مثل؛ "وريد" "بغير تنوين" بمعنى: تمهل، وبمعنى: أمهل؛ فالأول نحو: رويد -أيها العالم- لقوم يتعلمون؛ فإن التمهل داعية افهم، والفهم داعية الاستفادة. ومثل قول الشاعر: رويدك4، لا تعقب جميلك بالأذى ... فتضحى وشمل الفضل والحمد منصدع والثاني: نحو: رويد مدينا؛ فإن الإمهال مروءة ... فكلمة: "رويد" في الأمثلة السالفة اسم فعل أمر، مبني، غير منون. وأصل المصدر: "رويد" هو: "إرواد"، مصدر الفعل الرباعي: "أرود"، ثم صغر المصدر5: "إرواد" تصغير ترخيم؛ بحذف حروفه الزائدة؛ فصار: "رويد"6، ثم نقل بغير تنوين إلى اسم الفعل ...

_ 1 فيكون لازما. وحكى الكوفيون تعديته، وأنه يقال: مكانك محمدا، أي: انتظره. 2 انظر لسان العرب -ج2 ص303- حيث الكلام على: "عند". 3 يوضح هذا ما يجيء في رقم 2 و3 من هامش ص157. 4 الكلام على هذه الكاف في رقم 9 من ص160. 5 وهذا المصدر المصغر ينصب المفعول به جوازا ولو لم ينقل إلى اسم الفعل، بالرغم من أن شرط إعمال المصدر ألا يكون مصغرا "كما في بابه ج3 ص167 م99" لأن هذا الشرط حتمي في غير المصدر: "رويد" الذي ورد به السماع عاملا وغير عامل -أما تفصيل الكلام على تصغير الترخيم ففي ص710. 6 لكلمة: "رويد" حالتان؛ أولاهما: أن تكون مصدرا معربا باقيا على مصدريته وإعرابه. والأخرى: أن تترك المصدرية والتنوين، وتنتقل إلى حالة جديدة هي: "اسم فعل الأمر" على الوجه الذي شرحناه =

وقد يكون اسم الفعل منقولا من مصدر ليس له فعل من لفظه، لكن له فعل من معناه، مثل كلمة: "بله" -بغير تنوين- بمعنى: اترك؛ تقول: بله مسيئا قد اعتذر، واغفر له إساءته، أي: اترك ... والأصل: بله المسيء ... ، بمعنى: ترك المسيء، من إضافة المصدر لمفعوله. ومن الجائز أن يكون الأصل: بلها مسيئا ... باستعمال كلمة: "بلها"1 مصدرا ناصبا معموله؛ قياسا على: تركا مسيئا، بمعنى تركا المسيء، ومن هذا المصدر الناصب لمفعوله انتقل لفظ "بله" ولكن بغير تنوينه -إلى اسم فعل بمعناه2 ...

_ = وفي الحالة الأولى التي تظل فيها مصدرا معربا قد تكون مصدرا معربا نائبا عن فعل الأمر المحذوف. إما منونا ناصبا مفعولا به، نحو: رويدا عليا، وإما مضافا إلى المفعول به، نحو: رويد علي، فلفظ: "رويد" فيهما مصدر منصوب بفعل الأمر المحذوف، بمعنى: "أرود"، وفاعله مستتر فيه وجوبا. وكلمة: "علي" مفعول به منصوب في الأول، ومضاف إليه مجرور في الثاني. وإما منونا غير ناصب مفعوله، نحو: رويدا يا سائق؛ فيكون نائبا عن فعل الأمر المحذوف أيضا. ويصح استعماله مصدرا غير نائب عن فعل الأمر فينصب منونا إما حالا؛ نحو قرأت الكتاب رويدا؛ بمعنى: مرودا، أي: متمهلا، وإما نعتا لمصدر مذكور -في الغالب- نحو: تحركت سيارة رويدا، أي: سيرا رويدا "وكان المصدر هنا نعتا لمحذوف لا حالا؛ فرارا من أن يكون صاحب الحال نكرة بغير مسوغ". وقد تقع "ما" الزائدة بعد "رويد" على الوجه الآتي في: "ا" ص151 1 ورد في حاشية الخضري تنوين "بلها" ولا أدري أهذا التنوين مسموع، أم هو افتراضي حملا على المصدر: تركا، كما أظن؟ 2 إذا كان الاسم بعد كلمة: "بله" منصوبا منونا جاز أن تكون مصدرا عاملا معربا كمصدر فعلها المعنوي: "تَرَك" الذي مصدره: "تَرْك" وجاز أن تكون اسم فعل أمر مبنيا بمعنى: اتركْ، والقرائن -إن وجدت- هي التي تحدد أحد الأمرين؛ فإن كان بعدها مجرورا وجب أن تكون مصدرا مضافا -لأن الاسم لا يكون مضافا- والاسم المجرور هو المضاف إليه. فكلمة: "بله" مثل كلمة "رويد" كلتاهما تتعين مصدرا إذا كان الاسم بعدها مجرورا بالإضافة إليها، وتصلح مصدرا أو اسم فعل إذا نصبته. وتكون فتحتهما فتحة بناء إذا كانا اسمي فعل، وفتحة إعراب في غيرها. ولهذا استعمالات أخرى تجيء في "ب". وفي الكلام على اسم الفعل المنقول من جار مع مجروره، "مثل: عليك، إليك" أو من ظرف مكان، "مثل: دونك.. مكانك.." أو من مصدر له فعل من لفظه؛ "نحو: رويد ... " أو ليس له فعل إلا من معناه؛ "مثل: بله"، يقول ابن مالك: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد تفصل "ما" الزائدة فبين اسم الفعل: "رويد" ومفعوله1، قال أعرابي لشاعر يمدحه: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك، رويد ما الشعر. فالمراد: أرود الشعر؛ كأنه قال: دع الشعر، لا حاجة بك إليه. ب- قد تكون "بله" اسم استفهام مبنية على الفتح، بمعنى: "كيف"، وتعرب خبرا مقدما عن مبتدأ مؤخر. نحو: بله المريض؟ بمعنى: كيف المريض؟ ومما يحتمل الاستفهام، والمصدر المضاف؛ واسم فعل الأمر -كلمة "بله" في قول الشاعر2: تذر الجماجم ضاحيا3 هاماتها ... بله الأكف؛ كأنها لم تخلق فيجوز في: "بله" أن تكون اسم فعل أمر مبني على الفتح، و"الأكف" بعده منصوب، مفعول به. ويجوز أن تكون: "بله" مصدرا منصوبا على

_ = والفعل من أسمائه: "عليكا" ... وهكذا "دونك" ... مع "إليكا" كذا: "رويد، بله"، ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين وقد تبين في البيت الثاني: أن "رويد" و"بله" قد يكونان اسمي فعل إذا نصبا ما بعدهما، وترك التفصيل الضروري لهذا النصب. وأنهما يعملان الخفض فيما بعدهما إذا بقيا على أصلهما مصدرين مضافين؛ فيجران بعدهما الاسم باعتباره "مضافا إليه". فهذا الجر دليل على بقائهما مصدرين حتما لأن اسم الفعل لا يضاف، ولا يعمل الجر مطلقا -كما سبق- أما نصبه فلا يكفي وحده للقطع بأنهما مصدران حتما، أو اسمان لفعلين حتما، إنما يصلحان للأمرين عند عدم القرينة التي تعين أحدهما دون غيره. وعدم التنوين في "رويد" هو القاطع في أنها "اسم فعل" عند نصب الاسم بها. 1 لهذا إشارة في آخر رقم 6 من هامش ص149. 2 هو كعب بن مالك، شاعر الرسول عليه السلام. والبيت من قصيدة له في وصف موقعة الأحزاب، وهولها. 3 بارزا منفصلا من مكانه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدرية نائبا عن فعل الأمر، مضافا، و"الأكف" مضاف إليه مجرور. كما يجوز أن تكون "بله" اسم استفهام مبني على الفتح، خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخر. وقد تقع "بله" اسما معربا بمعنى: "غير" كالذي في الحديث القدسي منسوبا للمولى جل شأنه: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعتن ولا خطر على قلب بشر؛ ذخرا من بله ما اطلعتم1 عليه". "أي: من غير ما اطلعتم عليه". فهي مجرورة بمن. ج- تكون "بله" بمعنى: "أين"، طبقات لما صرح به الصبان عند ضبطه كلمة "بله"، في الحديث القدسي السالف؛ حيث قال ما نصه: "فتح "بله" وكسرها. فوجه الكسر ما ذكر2، وأما وجه الفتح فقال الرضي: إذا كانت "بله" بمعنى: "كيف" جاز أن تدخله "من"؛ حكى أبو زيد: "إن فلانا لا يطيق حمل الفهر "الحجر الصغير يملأ الكف" فمن بله أن يأتي بالصخرة"؟ أي: كيف، ومن أين؟. وعليه تتخرج هذه الرواية؛ فتكون "بله" بمعنى: "كيف" التي للاستبعاد، و"ما" مصدرية في محل رفع بالابتداء، والخبر "من بله"، والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر. ا. هـ. ثم قال الصبان: والمعنى على هذا: من كيف؟ أي: "من أين اطلاعكم على هذا الذخر -أي: المدخر. ولا يخفى ما في جعلها على هذه الرواية بمعنى "كيف" من الركاكة: ولو جعلت فيها من أول الأمر بمعنى: "أين". لكان أحسن". ا. هـ.

_ 1 بتشديد الطاء وفتح اللام. وفي بعض الروايات: أطلعتم -بضم الهمزة، وكسر اللام. 2 في الحديث القدسي السابق، وهو أنها اسم معرب بمعنى غير مجرور.

أهم أحكامها: 1- أنها سماعية جامدة؛ فيجب الاقتصار على الوارد1 منها، دون تصرف فيها؛ بزيادة عددها، أو إدخال تغيير على لفظها، وضبط حروفها، فلفظها المسموع واجب البقاء على حاله؛ لا يجوز زيادة حروفه، أو نقصها، أو استبدال حرف بآخر، أو تغيير ضبطه أو ترتيبه ... إلا إن هناك نوعا واحد قياسيا؛ هو: صوغ "فعال" بالشروط التي سبق الكلام عليها2 في اسم فعل الأمر. وما عدا هذا النوع يجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد من العرب؛ فيلزم الصورة لا يختلف فيها باختلاف الإفراد، وفروعه، أو التذكير والتأنيث، أو الخطاب وغير الخطاب، إلا إذا أباح السماع الاختلاف3. أما الذي يختلف بحسب الحالات فهو فاعلها؛ فيكون مطابقا للمراد منه. فاسم الفعل: "صه" مثلا يلزم واحدة، ولكن فاعله الضمير المستتر قد يكون: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب الحالات. 2- أنها -في الرأي الشائع- أسماء مبنية4 ليس فيها معرب، حتى ما كان منها أسماء لأفعال مضارعة. ويجب التزام حركة البناء المسموعة -طبقا لما مر في الحكم الأول- فمنها المبنية على الفتح؛ كالشائع في: شتان، وهيهات، عند كثير من القبائل. وكالأحسن في المنقول من جار يكون مجروره "كاف الخطاب" للواحد؛ مثل: عليك، وإليك ... ومنها: المبنية على الكسر، مثل: كتاب - حماد - قراء، بمعنى اكتب - احمد - اقرأ ... ومنها المبنية على الضم كالغالب في: مثل: آه؛ بمعنى: أتوجع ...

_ 1 إلا عند السكاكي. 2 في ص144. 3 كاسم الفعل المختوم بكاف الخطاب المتصرفة، على الوجه الآتي في رقم9 من ص160. 4 يقول النحاة في تعليل بنائها: إنه الشبه لبعض الحروف التي تعمل، "مثل: ليت وأخواتها" في أنها عاملة ولا تكون معمولة. وهذا تعليل يحتاج إلى تعليل أيضا ... وكلاهما يرفض ما دام غير مطابق للواقع الحق؛ الذي هو: مجرد استعمال العرب؛ إذ لا علة غير هذا. وقد أفضنا الكلام في علل البناء المنقولة، وبيان السبب في رفضها في مكانها من الجزء الأول ص55 م6.

ومنها المبنية على السكون؛ مثل: مه، بمعنى: انكفف1. وقد يجوز في بعضها ضبطان أو أكثر؛ تبعا للوارد، نحو: "وي"؛ بمعنى: أعجب، فيصح "وا"؛ كما يصح: "واها" بالتنوين. ومثل: "آه"؛ فإنها يصح فيها أيضا: آه، وآها، بالتنوين فيهما. وغاية القول: أنه يجب -في النوع السماعي- الاقتصار على نص اللفظ المسموع وصيغته، وعلى علامة بنائه الواردة معه؛ سواء أكانت واحدة أم أكثر، معها تنوين أو لا. فعند إعراب واحد منها يقال: اسم فعل لماض، أو لمضارع، أو لأمر -على حسب نوعه، مبني على الكسر، أو الفتح، أو غيرهما- لا محل له من الإعراب. 3- أن بعضها لا يدخله التنوين مطلقا، مثل: آمين، وشتان، وباب "فعال"2 القياسي، وبعضها لا يتجرد من تنوين التنكير؛ مثل: "واها" بمعنى "أتعجب"؛ وبعضها يدخله تنوين التنكير حينا؛ لغرض معين، وقد يخلو من هذا التنوين لغرض آخر؛ مثل: "صه" فإنه اسم فعل أمر بمعنى: اسكت. فحين يكون المراد طلب السكوت عن كلام خاص معين، نقول: صه، بسكون الهاء، ومنع التنوين. وحين يكون المراد طلب الصمت عن كل كلام، تتحرك الهاء بالكسر -وجوبا- مع التنوين. فنقول: "صه". فعدم التنوين في "صه" بمثابة قولنا: اترك الكلام في هذا الموضوع المعين الخاص المعروف لنا، وتكلم في غيره. ومجيء التنوين معناه: اترك الكلام مطلقا؛ في الموضوع الخاص المعين، وفي غيره3 ...

_ 1 انظر رقم 4 من هامش ص144. 2 سبق الكلام عليه في ص144. 3 وجود التنوين في أسماء الأفعال دليل على أنها اسم من جهة لفظها، أما من جهة معناها فهي فعل -"كما شرحنا في هامش ص141"- وكما صرح الناظم في شرح الكافية؛ حيث قال: "لما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا، ومن قبل اللفظ أسماء، جعل لها تعريف وتنكير؛ فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده من التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منكرا". "راجع حاشية الصبان في هذا الموضع. وقد سبق تفصيل الكلام على تنوين التنكير، وأنه خاص -في الغالب- بالأسماء المبنية ج1 ص21 م3". وإذا كان معناها معنى الفعل فكيف يلحقها التعريف والتنكير وهما لا يلحقان الفعل مباشرة؟ أجابوا: إن تعريفها وتنكيرها راجع إلى المصدر الذي هو أصل ذلك الفعل؛ فلفظ: "صهٍ" -بالتنوين- معناه: اسكت سكوتا مطلقا؛ أي: افعل مطلق السكوت عن كل كلام؛ إذ لا تعيين في اللفظ يدل على نوع خاص محدد من السكوت. أما لفظ: "صهْ" المجرد من التنوين فمعناه: اسكت السكوت المعهود المعين عن الحديث الخاص المعروف لنا مع جواز تكلمك في غيره إن شئت، هذا تعليلهم. والتعليل الصحيح هو استعمال العرب.

ومثل: "إيه" اسم فعل أمر، بمعنى: زدني، فإن كان مبنيا على الكسر بغير تنوين فمعناه: زدني من حديث خاص معروف لنا، أما مع التنوين، فالمراد: زدني من حديث أي حديث، بغير تقيد بنوع معين. من ثم كان اسم الفعل المنون نكرة، والخالي من التنوين معرفة، وما ينون حينا ولا ينون حينا آخر يجري عليه في كل حالة حكمها المناسب لها. واللغة وحدها -كما وردت عن العرب- هي الفيصل الذي له الحكم على اسم الفعل بالتنوين، أو بعدمه. 4- أنها تعمل -غالبا- عمل الفعل الذي تدل عليه؛ فترفع مثله الفاعل حتما، وتسايره في التعدي. واللزوم، وباقي المكملات ... فإن كان فعلها متعديا فهي مثله، وإن كان لازما يتعدى بحرف جر، فهي مثله أيضا. وفي الحالتين لا بد أن ترفع فاعلا. وإن احتاجت لمكملات أخرى استوفت حاجتها. فمن المتعدية كأفعالها: ما سبق1 من: "رويد، وبله: ومن: "دراك" بمعنى: أدرك، ومن: "حذار" بمعنى: احذر كالتي في قول الشاعر: حذار بني2 البغي، لا تقربنه ... حذار؛ فإن البغي وخم مراتعه ومن اللازمة: هيهات -أف- صه ... فإن كان اسم الفعل مشتركا بين أفعال مختلفة، بعضها لازم وبعضها متعد، فإنه يساير في التعدي واللزوم الفعل الذي يؤدي معناه، نحو: حيهل المائدة، بمعنى: ايت المائدة، وحيهل على فعل الخير، بمعنى: أقبل على فعل الخيرن ومنه قولهم: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، أي: فأسرعوا بذكر عمر بن الخطاب، ومثل: فإنها تكون متعدية كقوله تعالى: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}

_ 1 في ص148 وما بعدها، وص143. 2 أي: يا بني.

بمعنى: قربوا وأحضروا. وتكون لازمة نحو نحو قوله تعالى: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} بمعنى اقترب وتعال. ومن غير الغالب أني خالف اسم الفعل فعله في التعدية واللزوم مثل: آمين؛ فإنه لم يسمع من العرب متعديا بنفسه. مع أن فعله الذي بمعناه، وهو: "استجب"، قد ورد متعديا ولازما؛ اللهم استجب دعائي، أو استجب لدعائب ... ومثل: "إيه" من حديثك، بمعنى زدني من حديثك؛ فاسم الفعل "إيه" لازم في هذا المثال، مع أن فعله متعد. أما فاعل أسماء الأفعال: أ- فقد يكون اسما ظاهرا أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكاد1 هذان يختصان باسم الفعل الماضي وحده، نحو: هيهات تحقيق الآمال بغير الأعمال، وقوله: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 2، ونحو: السفر هيهات، أي: هو ومثل: عمرو ومعاوية في الدهاء شتان، أي: هما ... ب- وقد يكون ضميرا للمخاطب مستترا وجوبا، وهذا هو الأعم الأغلب3

_ 1 قلنا: "يكاد" لأن هناك حالة نادرة عرضها بعض النحاة في قوله تعالى سورة يوسف {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} فأعرب: هيت. اسم فعل ماض بمعنى "تهيأت" ويترتب على هذا أن يكون الفاعل ضميرا مستترا تقديره: "أنا" والجار والمجرور متعلقان باسم الفعل كما يتعلقان بفعله. "راجع المعنى في الكلام على لام التبيين". وقيل: إن "وهيت" اسم فعل أمر بمعنى: "أقبل" أو "تعال" والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، والمراد، إرادتي لك، أو: أقول لك، فالجار والمجرور ليسا متعلقين باسم الفعل، وعلى هذا الرأي لا يكون في الآية اسم فعل ماض، فاعله ضمير للمتكلم؛ لأن هذا غير معهود في فاعله؛ إنما المعهود فيه أن يكون اسما ظاهرا أو ضميرا للغائب مع استتاره جوازا. "راجع المعنى في الموضع السابق وحاشية ياسين على التصريح ج2 عند الكلام على تقسيم اسم الفعل إلى مرتجل ومنقول". 2 "لما" اللام حرف جر زائد. "وما" موصولة فاعل، مجرورة بكسرة مقدرة من من ظهورها سكون البناء الأصلي، في محل رفع؛ لأنها فعل: "هيهات". 3 قلنا: "الأعم الأغلب". لأن هناك حالة نادرة في مثل قولنا: من طلب إدراك غاية فعلية بالسعي الدائب لها، وهو أسلوب مسموع قديما، ومنه قولهم: "فعليه بالصوم". أي فليتمسك بالصوم. فالضمير هنا للغائب. وهو أيضا مستتر جوازا. لكن قال بعض النحاة: إن "عليه" هنا ليست اسم فعل، بل الجار والمجرور على حالهما خير مقدم، والباء بعدهما زائدة، داخلة على المبتدأ المجرور لفظا بها، المرفوع محلا. ولو أخذنا بهذا الرأي لصارت القاعدة مطردة، وهي أن فاعل اسمي الفعل المضارع والأمر لا يكون إلا ضميرا مستترا وجوبا. فإن شئنا أخذنا بهذا وإن شئنا استثنينا من القاعدة المطردة الحالة النادرة.

في اسم الفعل المضارع واسم فعل الأمر. ويشترط في هذا الضمير أن يكون مناسبا للمضارع أو للأمر الذي يقوم اسم الفعل مقامه، نحو: أف من عمل الحمقى؛ بمعنى: أتضجر؛ ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: "أنا" وهذا الضمير وحده هو الذي يصلح فاعلا للمضارع: أتضجر. ونحو: صه، بمعنى اسكت. ففاعل اسم الفعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت، وهذا المضير وحده هو الذي يلائم فعل الأمر: "اسكت". ومثل قولهم: عليك بدينك؛ ففيه معادك، وعليك بمالك، ففيه معاشك، وعليك بالعلم؛ ففيه رفعه قدرك ... ، "فعليك" اسم فعل أمر؛ بمعنى: تمسك، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنت. وهذا الضمير هو الفاعل المناسب لفعل الأمر: "تمسك". ومن الأمثلة السالفة يتبين أن فاعل اسم الفعل محتم1، وأنه يماثل فاعل فعله -وأنه في الأعم الأغلب- يكون في اسم الفعل الماضي اسما ظاهرا، أو ضميرا للغائب مستترا جوازا، ويكون في اسم الفعل المضارع والأمر ضميرا مستترا وجوبا للمتكلم -أو لغيره قليلا- وللمفرد أو غيره2 على حسب فعله، ولا يكاد يصح في هذا الباب كله أن يكون الفاعل ضميرا بارزا3.

_ 1 حاجة اسم الفعل إلى فاعل محترم دليل على اسميته؛ لأن الاسم الذي بعده "وهو الفاعل" يسمى: المسند إليه؛ فهو محتاج حتما إلى: "مسند" يكون فعلا أو اسما. ولا ثالث لهما. واسم الفعل لا يقبل علامة الفعل، فلا يصلح أن يكون فعلا مسندا. فلم يبق إلا أنه اسم مسند. 2 الأمثلة للفاعل المستتر المفرد كثيرة. أما غيره فالمفردة مثل: أيها الفتاة، عليك بالحزم في كل أمورك. ولغيرها: عليكما بالحزم ... - عليكما بالحزم - عليكن بالحزم.. وتقدير الفاعل: أنت، أنتما، أنتم، أنتن. "ويتصل بهذا ما سبق في رقم 1 من ص147". 3 قد يكون في آخر اسم الفعل ما يدل على الإفراد والتذكير أو فروعها. وعلى المخاطب أو غيره. ومن الأمثلة: رويدك، رويدك، وريكما، رويدكم، رويدكن. على اعتبار: "رويد" اسم فعل أمر، بمعنى الفعل: "أمهلْ" الذي ينصب مفعولا به، والضمير بعده مفعوله. والمعنى أمهل نفسك، نفساكما، أنفسكم، أنفسكن. "راجع ما يتصل بهذا في ص149". ومثل: عليك الجد في كل أمرك، عليكما، عليكم، عليكن. ومثل: "ها" وهاء "بالمد والقصر" بمعنى: خذ، تقول في اللفظة الأولى: هاك، هاكما، هاكم، هاكن. والفاعل في كل ما سبق ضمير مستتر حتما. =

والضابط الذي يجب الاعتماد عليه في هذا الشأن هو أن يوضع في مكان اسم الفعل، الفعل الذي بمعناه؛ فما يصح أن يكون فاعلا لهذا الفعل يصح أن يكون فاعلا لاسم الفعل الذي يدل عليه، ويقوم مقامه، وما لا يصلح للفعل لا يصلح لاسمه أيضا. واعتمادا على هذا الضابط يتعين أني كون فاعل اسم الفعل، دالا على المفرد المذكر، أو المؤنث، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما -على حسب ما يناسب السياق، ففي مثل: "صه" -كما سبق- قد يكون الفاعل: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب المخاطب. وقد يكون الفاعل متعددا إذا كان الفعل يحتاج إلى فاعل متعدد، نحو شتان السابق واللاحق في البراعة، كما تقول: افترق السابق واللاحق في البراعة، لأن الافتراق في البراعة أحد الأمور المعنوية1 التي لا تتحقق إلا من اشتراك اثنين معا. أو أكثر في تحقيقها، فيجيء له اسمان مرفوعان به، أحدهما فاعل بغير واسطة، وبعده الآخر مسبوقا بواو العطف -دون غيرها- واسعة بين الفاعل المعطوف، والفاعل المعطوف عليه2.

_ = أما في الثانية: "هاء بالمد" فقد تلتزم صورة واحدة للجميع؛ فتقول: هاء يا على الكتاب، أو يا فاطمة، أو يا عليان، أو يا فاطمتان، أو يا عليون، أو يا فاطمات. ويصح أن يتصل بآخرها علامة الإفراد والتذكير وفروعهما، فتقول: هاء يا علي "بالبناء على الفتح" وهاء يا فاطمة "بالبناء على الكسر" وهاؤما في المثنى، وهاؤم في جمع المذكر، وهاؤن في خطاب جمع المؤنث، فالضمير "ما" و"الميم" و"النون" هو الفاعل، وهو ضمير بارز في هذه الصورة التي هي أفصح من سابقتها وعليها قوله تعالى {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} -راجع ج4 ص43 من شرح المفصل. 1 انظر ما يختص بهذا في ص142 و146. 2 وقد تقع "ما" الزائدة بعد "شتان" مباشرة وقبل الفاعل؛ كقول الأعشى: "يصف شقاءه. وما يلقاه من العناء كل يوم. على حين يقضي "حيان" أخو جابر يومه في الرفاهة والمتعة بضروب النعم -"وحيان" هذا أحد سادات بني حنيفة، ومن أوسعهم ثروة، وأعظمهم حظوة عند ملوك الفرس. شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر فكلمة: "ما" زائدة، و"يوم" الأولى" فاعل، والثانية معطوفة عليها بالواو، فهي فاعل في المعنى كالأولى. وقد ورد في الفصيح وقوع: "ما بين" بعد شتان، ومنه قولهم: "لشتان ما بين اليزيدين في الندى". والأسهل في هذه الصورة أن تكون "شتان" بمعنى: "بعد" وما اسم موصول. أي: بعدت المسافة بين اليزيدين، والشرط -وهو أن التفرق لا يحصل إلا من اثنين فأكثر- متحقق؛ لأنه إذا تباعد ما بينهما فقد تباعد كل واحد منهما عن الآخر، ومثل هذا قول علي رضي الله عنه: "شتان ما بين عملين، عمل تذهب لذته، وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته، ويبقى أجره".

5- جميع أسماء الأفعال ليس لها محل إعرابي مطلقا -مع أنها أسماء مبنية، عاملة، كما تقدم- فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فاعلا، ولا مفعولا به، ولا مضافا ولا مضافا إليه ... ولا شيئا آخر يقتضي أن تكون مبنية في محل رفع، أو في محل نصب، أو في محل جر، فهي مبنية لا محل لها من الإعراب. 6- أن مفعولاتها -في الأعم الأغلب- لا تتقدم عليها1؛ مثل: عليك بالحق، بمعنى: تمسك بالحق، وعليك نفسك، بمعنى: الزم شأنك ... ولا يصح -بناء على الأعم الأغلب- أن يقال: بالحق عليك، ونفسك عليك2 ... 7- أنها لا تلحقها نون التوكيد مطلقا3. ويتساوى في هذا المنع أن تكون أسماء الأفعال دالة على طلب، أو على خبر، فالأولى كأسماء فعل الأمر "صه، مه، آمين"، والثانية كأسماء الفعل الماضي أو المضارع "هيهات، شتان، أف، واها". 8- أن اسم الفعل مع فاعله بمنزلة الجملة الفعلية؛ فلهما كل الأحكام التي تختص بالجمل الفعلية، كوقوعها خبرا، أو صفة، أو صلة، أو حالا ...

_ 1 يرى الكسائي ومن شايعه جواز التقديم، مستدلا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بنصب "كتاب" على أنها مفعول به لاسم الفعل: "عليكم" بمعنى: الزموا ... 2 وفيما يلي كلام ابن مالك في أنها تعمل عمل الفعل الذي تنوب عنه، وفي أن بعضها نكرة -وهو المنون تنوين التنكير- وبعضها معرفة، وهو غير المنون، وفي أن معمولاتها لا تتقدم عليها. وما لما تنوب عنه من عمل ... لها. وأخر ما لذي فيه العمل "تقدير البيت نحويا: وأخر ما العمل فيه لذي ... أي: لهذه الأسماء وما من عمل لما تنوب عنه، لها. أي: وشيء وهو عمل للذي تنوب عنه لها. فما يثبت من عمل للفعل النائبة عنه يثبت لها. فكلمة "ما" الأولى بمعنى شيء، مبتدأ، وخبره الجار مع المجرور: "لها". والبيت مع تعقيده اللفظي يتضمن أمرين: أولهما: إعمالها كفعلها، وثانيهما: تأخير معمولاتها عنها. ثم قال: واحكم بتنكير الذي ينون ... منها، وتعريف سواه بين "بين واضح. وسبب وضوحه تجرده من التنوين الذي يدل وجوده على التنكير، ويدل عدمه على التعريف". 3 كما سيجيء في ص167.

و.... وكاعتبارها جملة إنشائية إن دلت على طلب، "كاسم فعل الأمر، وما كان على وزن: "فعال" ... "وخبرية إن لم تدل على إنشاء "كاسم الفعل الماضي، أو المضارع ... " وغير هذا من كل ما تصلح له الجملة الفعلية الضوابط والشروط الخاصة بكل حالة1 ... 9- أن بعضا منها تلحقه الكاف سماعا، بشرط اعتبارها حرف خطاب محض. ومما ورد به السماع: "وي" بمعنى: أعجب. "حيهل" بمعنى: أقبل2 و"النجاء" بمعنى: أسرع، و"رويد" التي بمعنى: تمهل3، فقد العرب: ويك، وحيهلك، والنجاءك، ورويدك. والكاف في الأمثلة السالفة حرف خطاب متصرف4، لا يصلح أن يكون ضميرا مفعولا به لاسم الفعل، لأن أسماء الأفعال السالفة لا تنصب مفعولا به؛ لقيامها معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون هذه الكاف ضميرا في محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، ولا تعمل الجر مطلقا؛ فلا يكون واحد منها مضافا.

_ 1 خالف في هذا شارح المفصل فقد قال "في ج4 فقد قال "في ج4 ص25 باب أسماء الأفعال" ما نصه: "اعلم أن هذه الأسماء وإن كان فيها ضمير تستقل به فليس ذلك على حده في الفعل. ألا ترى الفعل يصير بما فيه من الضمير جملة، وليست هذه الأسماء كذلك بل هي مع ما فيها من الضمير أسماء مفردة على حده في اسم الفاعل واسم المفعول، والظرف. والذي دل على أن هذه الألفاظ أسماء مفردة إسناد الفعل إليها، قال زهير: ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيت "نزال" ولج في الذعر فلو كانت "نزال" بما فيها من الضمير جملة ما جاز إسناد "دعيت" إليها من حيث كانت الجمل لا يصح كون شيء منها فاعلا". قال الأعلم في البيت السابق ما نصه: "إنما أخبر عن "نزال" على طريق الحكاية. وإلا فالفعل وما كان اسما له. لا ينبغي أن يخبر عنه ... ". ا. هـ. 2 كما سبق في ص145 وفي رقم2 من هامشها. وفيه صور ضبطها. 3 لأن الفعل: "تمهل" لازم لا ينصب مفعولا به، فكذلك اسم الفعل الذي بمعناه، فإن الكاف بعده حرف مجرد الخطاب في الصور المختلفة، ولا يصح اعتباره مفعولا. بخلاف "رويد" الذي بمعنى "أمهل" فإنه ينصب المفعول به كالفعل الذي بمعناه. وقد سبق بعض ما يتصل به في رقم 3 من ص149: ورقم 3 من هامش ص157. 4 يتصرف على حسب المخاطب تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا، وتثنية، وجمعا الذي تقدم في ج، م19 ص215 باب الضمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: نختم الباب بسرد بعض آخر من أسماء الأفعال المختلفة الأنواع، يكثر ترداده في الكلام العربي القديم، ونكتفي بضبط واحد مما له أكثر من ضبط.

المسألة 142: أسماء الأصوات يراد منها نوعان: أولهما: ألفاظ توجه إلى الحيوان الأعجم، وما في حكمه -كالأطفال- إما لزجره وتخويفه، لينصرف عن شيء، وإما لحثه على أداء أمر معين بمجرد سماعه أحد هذه الألفاظ، دون حاجة إلى مزيد. فالمراد من توجيه اللفظ هو طلب الامتناع، أو طلب الأداء. وكلا الأمرين -الانصراف عن الشيء، وأداء الأمر المعين- لا يتحقق إلا بعد تمرين، وانقضاء مدة تتكرر فيها المخاطبة باللفظ، ويتدرب فيها الحيوان وما في حكمه على إنفاذ المطلوب منه عند سماعه؛ فيدرك -بعد التكرار الذي يصاحبه التدريب- المراد من توجيه اللفظ إليه، ومن مخاطبته به، وأن هذه المراد هو الرجز، أو الحث، "بمعناها السالفين" ويكتفي في إدراك الغرض بسماع اللفظ دون زيادة عليه. فمن أمثلة الزجر ما كان يوجهه العرب لبعض الحيوانات -وأشباهها- بسبب بغيض يراد العدول عنه، كزجرهم الإبل على البطء والتأخر، فيوجهون لها أحد الألفاظ الآتية: "هيد، هاد، ده، جه، عاه، عيه ... " وقولهم لزجر الناقة: "عاج، هيج، حل ... " وكقولهم لزجر الغنم: "إس، هس، هس، هج" وللكلب: "هجا، هج ... " وللضأن: "سع، وح، عز، عيز ... " وللخيل: "هلا، هال". وللطفل: "كخ. كخ ... " وللسبع: "جاه"، وللبعل: "عدس ... " إلى غير هذا من ألفاظ الرجز عندهم، وهي كثيرة في عددها، وضبط حروف كل منها. ومن أمثلة ما يوجه للحيوانات وأشباهها، لا بقصد زجرها؛ وإنما بقصد تكليفها أمرا كي تؤديه وتقوم بإنفاذه قول العرب للإبل؛ "جوت"، أو" "جئ"،

إذا أرادوا منها الذهاب للماء لتشرب، و"نخ"، إذا طلبوا منها الإناخة. و"هدع"، إذا أرادوا منها الهدوء والسكون من النفار. و"سأ، وتشؤ"، إذا أرادوا من الحمار الذهاب للماء، ليشرب. "ودج. وقوس" لدعوة الدجاج إلى الطعام والشراب ... و"حاحا" للضأن، و"عاعا" للمعز؛ ليحضر الطعام ... ثانيهما: ألفاظ صادرة من الحيوان الأعجم1، أو مما يشبهه كالجماد ونحوه، فيرددها الإنسان ويعيدها كما سمعها: تقليدا، ومحاكاة لأصحابها، من غير أن يقصد من وراء هذه دلالة أخرى. فقد كان العربي يسمع صوت الغراب، فيقلده قائلا: "غاق"، أو: صوت الضرب؛ فيقول محاكيا: "طاق"، أو صوت وقوع الحجارة، فيحاكيه: "طق"، أو صوت ضربة السيف فيردده: "قب"، أو صوت طي القماش، فيقول: "قاش ماش"2 ... إلى غير هذا من الأصوات التي كان يسمعها فيحاكيها3 دون أن يريد من المحاكاة معنى آخر. أشهر أحكامها: 1- أنها أسماء4 مبنية، لا محل لها من الإعراب، ما دامت أسماء تدل على

_ 1 أما الحيوان الناطق فألفاظه ذات معان، وإلا كان كغيره. 2 قاش ماش "بكسر الشين فيهما" مركب مزجي مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، وهو من المركبات المزجية المتعددة التي تكون اسم صوت مع تركيبها المزجي. 3 وفي النوعين يقول ابن مالك في الباب الذي عنوانه: "أسماء الأفعال والأصوات": وما به خوطب ما لا يعقل ... من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل "التقدير: ما به خوطب ما لا يعقل ... يجعل صوتا" يريد: أن ما يشبه اسم الفعل -في أنه لا يحتاج في أداء المراد منه إلى لفظ آخر- يسمى: اسم صوت. وهذا تعريف قاصر مبتور، فوق أن تشبيه اسم الصوت باسم الفعل فيما سبق غير صحيح؛ لأن اسم الفعل لا بد له من فاعل ظاهر أو ضمير، فلا يفرد بنفسه، وقد يحتاج لمعمولات أخرى ... كما سبق في بابه "ص155". ثم اقتصر في بيان أنواعه وأحكامه على بيت واحد ختم به الموضوع هو: كذا الذي أجدى حكاية؛ كقب ... والزم بنا النوعين؛ فهو قد وجب المراد: حكاية صوت الجماد وغيره، وقب: صوت السيف. واسم الصوت بنوعيه مبني وجوبا كما يقول في بيته. وقوله يحتاج إلى تفصيل وإبانة عرضناهما. 4 يعترض بعض لنحاة على اسميتها؛ بحجة أن الاسم لا بد أن يكون له معنى مفرد، مفهوم =

مجرد الصوت، ولم تخرج من هذه الدلالة إلى تأدية معنى آخر. وما كان مسموعا عن العرب يجب إبقاؤه على صيغته، وحالته الواردة عنهم من غير إدخال تغيير عليه في عدد حروفه، أو في نوعها، أو ترتيبها، أو ضبطها، أو علامة بنائها.. كالأمثلة السالفة. أما المستحدث بعدهم فيلازم ما شاع فيه؛ لأن إنشاء الأصوات واستحداثها -جائز في كل عصر1، ويجري على الجديد المستحدث ما يجري من الأحكام على المسموع الوارد عن العرب؛ فيعتبر اسما واجب البناء بالعلامة التي يشيع بها النطق في عصره، وتسري عليه بقية الأحكام الأخرى الخاصة بأسماء الأصوات. لكن هناك حالتان؛ إحداهما: يجب2 فيها إعراب أسماء الأصوات بنوعيها المسموعة عن العرب، والموضوعة المستحدثة بعدهم. والأخرى: يجوز فيها الإعراب والبناء. أ- فيجب2 إعرابها إذا خرجت عن معانيها الأصلية التي هي الصوت المحض، وصارت اسما متمكنا يراد به: إما صاحب الصوت؛ الذي يصدر عنه الصوت والصياح مباشرة، وينسبان له أصالة دون غيره. وإما شيء آخر ليس هو الصاحب الأصيل للصوت، وإنما يوجه له الصوت والصياح توجيها يقصد منه الزجر، أو التهديد أو غيرهما ... فمثال الأول: أزعجنا غاق الأسود، وفزعنا من غاق الأسود ... ، فكلمة: "غاق"، بالتنوين، لا يراد منها هنا أصلها، وهو: صوت الغراب، وإنما يراد

_ = وهذه الألفاظ لا تدل على معنى مفهوم؛ لأنها توجه إلى من لا يفهم، ويخاطب بها غير العاقل. وقد دفع هذا الاعتراض بأن المقصود بدلالة الاسم على معنى مفرد مفهوم أنه إذا أطلق فهم منه العالم بالوضع اللغوي معناه. وهذا ينطبق على أسماء الأصوات. فليس الشرط في الاسم أن يخاطب به من يعقل ليفهم معناه. وقيل إنها ملحقة بالأسماء وليست أسماء ... ولا أهمية للخلاف؛ إذ الأهمية لأحكامها الآتية. ويقولون إن سبب بنائها هو: شبهها الحروف المهملة "مثل: لا، وما، النافيتين" في أنها غير عاملة، ولا معمولة. والسبب الحق هو: مجرد استعمال العرب الأوائل -كما كررنا. 1 ومنها أصوات الحيوانات والطيور التي لم يعرفها العرب، والأصوات التي وجدت بعدهم؛ كأصوات السيارات، والطيارات، والبواخر، والآلات المختلفة، ما جد منها وما سيجد. 2 و2 تبعا للأغلب -كما سيجيء في الهامش التالي.

أنها اسم يدل على صاحب هذا الصوت نفسه؛ أي: على الذي ينسب له الصوت ويشتهر به، وهو: "الغراب" ذاته، لا صوته الصادر منه. فالغراب هو المسمى، و"غاق" في الجملتين اسم معرب متمكن، فاعل في الجملة الأولى، ومجرور "بمن" في الجملة الثانية. ومثل: ما أقسى قبا. فكلمة: "قبا" -بالتنوين- اسم معرب متمكن منصوب في هذه الجملة؛ لأن المراد بها هنا: "السيف" نفسه، مع أنها في الأصل اسم صوت للسيف، مبنية على السكون، ولا تنون. لكنها اسما لصوته، مبنية غير منونه. فالمراد في الأمثلة السابقة ونظائرها هو: أزعجنا الغراب -فزعنا من الغراب- ما أقسى السيف. ومثال الثاني: أردت هالا السريع؛ فصادفت عدسا الضخم. وأصل كلمة: "هال" اسم صوت صادر من الإنسان، يوجه إلى الفرس لزجره. وأصل كلمة: "عدس" اسم صوت صادر من الإنسان يوجه إلى البغل لزجره، فكلتا الكلمتين تركت هنا أصلها، والبناء، وصارت اسما معربا مرادا منه الحيوان الأعجم -وشبهه- مما لا يصدر عنه ذلك الصوت، إنما يوجه إليه من غيره1. ب- ويجوز إعرابها وبناؤها إذا قصد لفظها نصا؛ مثل: فلان لا يرعوي إلا بالزجر؛ كالبغل لا يرعوي إلا إذا سمع: "عدس" أو: "عدسا" بالبناء على السكون، أو بالإعراب، والمراد: إلا إذا سمع هذه الكلمة نفسها. 3- أنها -في أصلها- أسماء منفردة، مهملة. والمراد من انفرادها: أنها لا تحمل ضميرا، وهذا نوع من أنواع الاختلاف بينهما وبين أسماء الأفعال. والمراد من إهمالها أنها لا تتأثر بالعوامل المختلفة ولا تؤثر في غيرها، فلا تكون مبتدأ، ولا خبرا، ولا فعلا، ولا فاعلا، ولا مفعولا ... ولا شيئا آخر يكون عاملا أو معمولا -إلا في الحالتين السالفتين: "أ، ب، بصورهما الثلاث". ومن ثم

_ 1 بعض النحاة يجيز بناءها في الصور السالفة مراعاة لأصلها. ولكن الإعراب أوضح وأقدر على أداء المعنى؛ فيحسن الاقتصار عليه.

تختلف أيضا عن أسماء الأفعال؛ فهذه لا بد أن تعمل. وخلاصة ما تقدم: أن أسماء الأصوات إذا بقيت على وضعها الأصلي اسم صوت محض، بالطريقة التي شرحناها. أما إذا قصد لفظها، أو استعملت استعمال الأسماء المتمكنة -بأن انتقلت من معناها الأصلي إلى الدلالة على صاحبها الأصيل الذي يصيح ويصوت بها، أو على من يتجه إليه النطق بها- فإنها في هذه الصور الثلاث تكون معربة إما وجوبا؛ كما في: "أ" بفرعيها، وإما جوازا كما في: "ب" فالشرط في إهمالها، وفي بنائها لزوما أن تبقى على حالتها الأولى اسم صوت مجرد، لا محل لها من الإعراب؛ فلا تكون في محل رفع، ولا نصب ولا جر، وإنما يقال فيها: اسم صوت مبني على الضم، أو الفتح، أو الكسر، أو السكون، على حسب حالة آخره.

المسألة 143: نونا التوكيد

المسألة 143: نونا التوكيد يراد بهما: نونان، إحداهما مشددة مبنية على الفتح، والثانية مخففة مبنية على السكون؛ كالنونين في قولهم: لا تقعدن عن إغاثة الملهوف، وبادرن بمعاونته. وهما من أحرف المعاني1، وتتصل كل واحد منهما بآخر المضارع والأمر فتخلصهما للزمن المستقبل2؛ ولا تتصل بهما إن كانا لغيره3، وكذلك لا تتصل بالفعل الماضي، ولا بأسماء الأفعال مطلقا؛ "سواء أكانت طلبية أم خبرية"4 ولا بغيرها من الأسماء والحروف؛ نحو: "لا تحملن حقدا على من ينافسك في الخير، وابذلن جهدك الحميد في سبقه، وإدراك الغاية قبله". فالنون في آخر الفعلين حرف للتوكيد، ويصح تشديدها مع الفتح، أو تخفيفها مع التسكين. وقد اجتمعا في قوله تعالى في قصة يوسف: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} . أثرهما المعنوي: لو سمعت من يقول: "لا تنفع النصيحة الأحمق. ولا يفيده التأديب" ... فقد تتردد في تصديق الكلام، وبداخلك الشك في صحته. ولك العذر في هذا، لأن المتكلم لم يحسن التقدير؛ إذ كان عليه أن يدرك بخبرته وذكائه أن مثل هذا الكلام قد يقابل بالتردد والشك؛ فيعمل على أن يدفعهما، ويمنع تسربهما إلى ذهن السامع، بإحدى الوسائل الكلامية التي عرض لها البلاغون -ومنها: نون التوكيد ... فلو أنه قال: لا تنفعن ... ولا يفيدنه ... لكان مجيء نون التوكيد، بمثابة القسم على صحة الكلام وصدقه، أو بمنزلة تكراره وإعادته بقصد

_ 1 سبق تفصيل الكلام على أحرف المعاني، في ج1 م5 ص62، باب: "الحرف". 2 أو تقويه -كما سيجيء. 3 قد يكون -أحيانا- زمن المضائع والأمر، لغير المستقبل؛ "طبقا للبيان الخاص بهذا في ج1 م54 و61 باب الفعل"؛ فلا تدخلهما في هذه الحالة نون التوكيد -ثم انظر "ا" ص177. 4 كما تقدم في رقم7 من ص159.

تأكيد مضمونه، وصحة ما حواه، فلا يكون هناك مجال للشك والتردد عند من هو مستعد للاقتناع. ومثل هذا أن يقال لك: "أكثر من الحساد بفضلك"، "ولا تكثر من الأعداء بجهلك". أو: "تجنب شر القتلة؛ شاهد الزور"، "وهل يبرئ القاتل، وهل يقتل البريء سواه؟ " ... فقد تزعم أن المتكلم يعرض عليك كل مسألة من هذه المسائل عرضا مجردا، "أي: خاليا من رغبته القوية وتشدده في مطالبتك بالتنفيذ أو بالترك، خاليا من الحرص على تأديتك ما تحدث بشأنه أو عدم تأديتك، وتصديقك به أو عدم التصديق". وقد يكون لك الحق في هذا الزعم؛ فليس في الكلام ما يبعده، فلو رغب المتكلم أن يبعد الزعم، ويشعر السامعين بتمسكه بمضمون كلامه، وتشدده في التنفيذ والتأدية، وحرصه على تصديق ما قال لزاد في الكلام ما يدل على هذه الرغبة؛ كأن يزيد "نون التوكيد"، على آخر الفعل المضارع أو الأمر؛ فإن زيادتها تفيد معنى الجملة قوة. وتكسبه تأكيدا؛ إذ تبعد عنه الاحتمال السابق، وتجعله مقصورا على الحقيقة الواضحة من الألفاظ؛ دون ما وراءها من احتمالات. فلو قيل في الأمثلة السالفة: "أكثرن ... ، لا تكثرن ... ، تجبن ... ، يبرئن، ... يقتلن ... " لكان مجيء نون التوكيد برغم اختصارها البالغ بمنزلة القسم، وبمنزلة قول المتكلم: إني أؤكد كلامي، وأتشدد في أن تنفذ مضمونه في المستقبل، وأحرص على أن تصدقه. أو: بمنزلة تكرار ذلك الكلام، وإعادته لتحقيق الغرض السالف، ومن أجله سميت: بـ"نون التوكيد". والمشددة أقوى في تأدية التوكيد من المخففة. وفوق هذا فكلتاهما تخلص المضارع للزمن المستقبل، سواء أكان اتصالها به مباشرا أم غير مباشر1. ومن ثم دخولها على المضارع إذا كان للحال، أو للمضي أحيانا -كما سبق- منعا للتعارض بينهما. أما الأمر فزمنه مستقبل في الأغلب؛ فتقوي فيه الاستقبال. فإن كان لغيره خلصته للمستقبل المحض.

_ 1 يكون غير مباشر؛ لوجود فاصل بينهما؛ كالضمير.

فالأثر المعنوي لهذه النون هو: توكيد المعنى على الوجه السالف، وتخليص زمن المضارع للاستقبال، وتقوية الاستقبال في فعل الأمر أو إرجاعه إليه. وقد تفيد النون -مع التوكيد- الدلالة على الإحاطة والشمول إذا كان الكلام لغير الواحد، ففي مثل: يا قومنا احذرن مكايد الأعداء ... يكون المراد: يا قومنا كلكم، أو جميعكم، فردا فردا ... وخلاصة كل ما تقدم: أنهما حرفان من أحرف المعاني، يلحقان بآخر المضارع وآخر الأمر، لتلخيص هذين الفعلين للزمن المستقبل، ولا يلحقان بهما ولا بغيرها من الأفعال التي لا يراد منها المستقبل الخالص، ولا أسماء الأفعال مطلقا، ولا سائر الأسماء، والحروف. وأن فائدتهما المعنوية هي: تأكيد المعنى وتقويته بأقصر لفظ، وتخليص المضارع للزمن المستقبل، وتقوية الاستقبال في الأمر، أو إرجاعه إليه، وأنهما قد يفيدان -مع التوكيد- الشمول والعموم في بعض الصور. آرثاهما اللفظية، والأحكام المترتبة على وجودها: لنوني التوكيد آثار لفظية مشتركة بينهما، تحدث من اتصال إحداهما بآخر المضارع، المتجرد للمستقبل، أو بآخر الأمر كذلك. وتمتاز الخفيفة بأحكام خاصة تنفرد بها دون الثقيلة. وأهم الآثار المشتركة بينهما هو: 1- بناء المضارع على الفتح، بشرط أن تتصل به نون التوكيد اتصالا مباشرا؛ بأن يكون خاليا من ضمير رفع بارز1 يفصل بينهما؛ ذلك أن المضارع معرب دائما، إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو نون

_ 1 ضمائر الرفع البارزة التي تتصل بآخر المضارع والأمر وتحدث فيهما تغييرات مختلفة -هي: ألف الاثنين وواو الجماعة، وياء المخاطبة، ونون النسوة. وستجيء التغييرات في ص177 وما بعدها- وقد سبق "في ج1 ص53 م6" تفصيل الكلام على بناء المضارع، ومنه: أن يكون اتصال نون التوكيد به مباشرا عند بنائه على الفتح. أما نون النسوة فاتصالها به لا يكون إلا مباشرا دائما، ويبني معها على السكون -كما في رقم3 من هامش ص185 و1 من هامش ص189.

النسوة؛ فيبنى على الكسون. كقول شوقي في وصف الدنيا: لا تحفلن ببؤسها ونعيمها ... نعمى الحياة وبؤسها تضليل وكقوله في الأمهات المصريات المجاهدات: ينفثن في الفتيان من ... روح الشجاعة والثبات يهوين تقبيل المهنـ ... ـد، أو معانقة الفتاة1 ويدخل فيما سبق: المضارع المسبوق بلام الأمر أو بغيرها من الجوازم التي يصح الجمع بينهما وبين نون التوكيد؛ فإنه يبنى على الفتح في محل جزم2؛ كقولك للمهمل: لتحترمن عملك. ولتكرمن نفسك بإنجازه على خير الوجوه. ومثل: إما3 تنصرن ضعيفا فإن الله ناصرك ... ، فالأفعال: "تحترم، وتكرم، وتنصر ... " مبنية على الفتح؛ لاتصالها المباشر بنون التوكيد، في محل جزم بلام الأمر. فإن لم يكن الاتصال بين المضارع ونون التوكيد مباشرا نشأت أحكام سنعرضها بعد4 ... 2- بناء فعل الأمر على الفتح، بشرط اتصاله بنون التوكيد اتصالا مباشرا، فلا يكون متصلا بضمير رفع بارز5 يفصل بينهما؛ نحو: اشكرن من أحسن إليك، وكافئنه بالإحسان إحسانا، واعلمن أن كلمة حمد وثناء قد تكون خير جزاء6.

_ 1 الرمح. 2 ومن الأمثلة: "تكونن" في قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وكذلك المضارع "تحفل" في البيت السالف و"تضجر" في قول الآخر: لا تضجرن ولا يدخلك معجزة ... فالفوز يهلك بين العجز والضجر فالأفعال المضارعة السالفة مبنية على الفتح في محل جزم بلا الناهية. 3 أصلها: "إن" الشرطية المدغمة في "ما" الزائدة. 4 في ص185 و195. 5 انظر رقم 1 من هامش الصفحة السابقة. 6 ولا داعي لأن نقول: فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة الآتية لمناسبة النون وإنما نقول -تيسيرا بغير تلك الإطالة: فعل أمر مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد.

فإن كان فعل الأمر متصلا بضمير رفع بارز يفصل بينهما فإنه يجري عليه ما يجري على المضارع المسند لذلك الضمير من غير اختلاف في الأحكام ولا في التغيرات؛ فالمضارع والأمر سيان فيما يجري عليما عند الإسناد لضمائر الرفع البارزة، ح سواء أكان آخرهما صحيحا أم معتلا، مؤكدين أم غير مؤكدين، مع ملاحظة الاختلاف بينهما في ناحتين هامتين: أولاهما: أن الأمر مبني دائما في كل الأساليب؛ سواء أكان مؤكدا أم غير مؤكد. وثانيهما: أنه لا تلحقه نون الرفع مطلقا. وسيجيء تفصيل الكلام عليه مع المضارع آخر الباب1. 3- أن توكيد فعل الأمر بها جائز في كل أحواله2، بغير قيد ولا شرط، وكذلك المضارع المبدوء بلام الأمر. أما المضارع المرجد من هذه اللام فلتوكيده أحوال أربعة3، هي: وجوب التوكيد، وامتناعه، واستحسانه، وقلته. وإليك البيان: الأولى والثانية: يجب توكيده، حين يكون مثبتا، مستقبلا، جواب قسم، مبدوءا باللام4 التي تدخل على جواب القسم، ولا يفصل بينه وبين هذه اللام فاصل؛ نحو: والله لأعملن الخير جهدي -بالله لأجتنبن قول السوء قدر استطاعتي- تالله لنحاربن الشر ما وسعتنا المحاربة5 ... فالأفعال المضارعة: "أعمل، أجتنب، نحارب ... " واجبة التوكيد بالنون، لاستيفهائها الشروط

_ 1 في ص185 و199. 2 فتدخل الحالات التي يخرج فيها عن معنى الأمر الخالص إلى غرض آخر مع بقاء صيغته على حالها؛ كخروجه إلى الدعاء في شعر لأحد الأنصار كان يردده النبي عليه السلام يوم غزوة الخندق، ومنه: فثبت الأقدام إن لاقينا ... وأنزلن سكينة علينا 3 انظر "ب" من الزيادة والتفصيل ص177. 4 عنه من يرى -كالبصريين- أن هذه اللام لا تعينه للحال -وسيجيء هذا في ص172. 5 أي: مدة اتساع المحاربة لنا، واقتدارنا عليها.

كلها، فهي مثبتة، مستقبلة الزمن1، وقبلها قسم وقعت في جوابه، مصدرة بلام الجواب، بغير فاصل بينهما. فإذا فقد بعض الشروط نشأت صورة جديدة قد يمتنع فيها توكيده، وقد يصح إذا انطبقت عليها أوصاف المنع أو أوصاف الجواز التالية: فمن الصور التي يمتنع فيها توكيد المضارع بالنون أن يفقد شرط الثبوت في الحالة السالفة فيكون منفيا، إما لفظا: نحو: إن دعيت للشهادة فوالله لا أكتم الحق، وإما تقديرا، نحو: قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: لا تفتأ، لأن حذف "لا" النافية كثير في جواب القسم عند أمن اللبس2. ومن الصور التي يمتنع فيها توكيدا أيضا أن يفقد شرط الاستقبال في تلك الحالة أيضا؛ فيكون زمنه للحال بقرينة تدل على هذا، كقول الشاعر: لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع

_ 1 لأن نون التوكيد تخلص زمن المضارع للمستقبل، ولا علامة أو قرينة هنا تمنع تجرده للاستقبال "كما أوضحنا في ص 168، وفي ج1 ص59 م4". 2 تحذف العرب -أحيانا- "لا" النافية في جواب القسم، مع ملاحظتها وتقديرها في المعنى؛ لأن اللبس عندئذ بين المنفى والموجب مأمون؛ إذ لو كان الجواب غير منفي في المعنى والتقدير لوجب أن يكون المضارع مؤكدا باللام والنون معا، جريا على الأغلب في جواب القسم عند البصريين، وبأحدهما عند -أكثر الكوفيين- ومن أمثلة حذف "لا" النافية في الآية السالفة: "تالله تفتأ تذكر يوسف" أي: لا تفتأ ما جاء في أمالي أبي القاسم الزجاجي -ص50- في بيت ليلى الأخيلية ترثي توبة: فأقسمت أبكي بعد توبة هالكا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر أي: لا أبكي ولا أحفل؛ فقد جاء ما نصه: "تريد: لا أبكي ... والعرب تضمر "لا النافية" في جواب القسم مع ملاحظتها في المعنى؛ لأن الفرق بينه وبين الموجب قد وقع بلزوم الموجب اللام والنون: كقولك: والله لأخرجن. قال الله عز وجل: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: لا تفتأ تذكر يوسف". ا. هـ. وقال الشاعر: فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي أي: لا أبرح ... وقد ذكرنا ما تقدم بمناسبة أخرى في الجزء الأول عند الكلام على: "فتئ" م42 ص510 وفي الجزء الثاني م90 ص383 بمناسبة الكلام على أحرف القسم وجوابها.

وقول الآخر: يمينا لأبغض كل امرئ ... يزخرف قولا، ولا يفعل لأن المعنى هنا على الحالية، ولأن لام جواب القسم الداخلة على المضارع تخلص زمنه للحال -عند فريق من النحاة-1 ونون التوكيد تخلصه للمستقبل؛ فيتعارضان. ومن الصور الممنوعة أيضا أن يكون في تلك الحالة السالفة مفصولا من لازم الجواب، إما بمعموله، وإما بغيره؛ كقد، أو سوف، أو السين ... ؛ نحو: والله لغرضكم تدركون بالسعي الدائب، والعمل الحميد. ومثل: والله لقد تنالون رضا الناس بحسن معاملتهم. ونحو قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} والأصل: والله لسوف ... الثالثة: أن يكون توكيده هو الكثير المستحسن؛ لكنه -مع كثرته واستحسانه- لا يبلغ درجة الواجب. وأمارته: أن يكون المضارع فعل شرط للأداة: "إن" الشرطية المدغم فيها "ما" الزائدة للتوكيد "أي: إما"، أو: يكون مسبوقا بأداة طلب تفيد الأمر، أو النهي، أو الدعاء؛ أو العرض2، أو التحضيض، أو التمني، أو الاستفهام ... فمثال المضارع المسبوق "بإما": إما تحذرن من العدو تأمن أذاه، وإما تهملن الحذر تتعرض للخطر. والأصل: إن تحذر ... وإن تهمل ... زيدت "ما" على "إن" الجازمة، وأدغمت فيها، ولا يحسن في النثر ترك هذا

_ 1 غير البصريين -كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص171- ومعلوم أن الذي يعين المضارع للحال أمور؛ منها: كلمة: الآن، أو: الساعة ... ، ومنها: النفي بليس، ومنها: لام الابتداء ... ، إلى غير هذا مما سردناه في موضعه الأنسب "ج1 ص36 م4" فمن يريد الدلالة على الحال بغير لام القسم في مثل البيتين السالفين فله وسائل؛ منها: أن يقول في النثر: ليعلم الآن. ويمينا لأبغض الساعة. 2 العرض: طلب فيه لين ورفق "ويظهران في اختيار الكلمات الرقيقة، وفي نبرات الصوت" والتخصيص: طلب فيه عنف وشدة "ويظهران في اختيار الكلمات الجزلة، والضخمة، وفي النبرات القوية العنيفة". والأداة الغالبة في العرض هي: "ألا" المخففة. وقد تستعمل قليلا للتحضيض. وأدواته الغالبة هي: لولا، لوما، هلا، ألا، وسيجيء الكلام على هذه الأدوات في بابها الخاص -ص512.

التوكيد بعد: "إما"، لكنه يصح في الشعر للضرورة، كقول القائل: يا صاح، إما تجدني غير ذي جدة1 فما التخلي عن الإخوان من شيمي ومثال المسبوق بأداة تفيد الأمر: لتحذرن مديح نفسك، ولتدعن الثناء عليها، وإلا كنت هدفا للسخرية والمهانة. ومثال المسبوق بالنهي قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} ، وقول الشاعر: لا تحسبن العلم ينفع وحده ... ما لم يتوج ربه بخلاف2 وقول الآخر: ولا تطمعن من حاسد في مودة ... وإن كنت تبديها له وتنيل ومثال المسبوق بالدعاء قول القائل: لا يبعدن3 قومي الذين همو ... سم العداة وآفة الجزر......... وبالعرض قولهم: ألا تنسين إساءة من أعتبك4. وبالتخصيص قول الشاعر: هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم وبالتمني قول الشاعر: فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني امرؤ بك هائم وبالاستفهام قول الشاعر: أتهجرن خليلا صان عهدكمو ... وأخلص الود في سر وإعلان؟ الرابعة: أن يكون توكيده قليلا5، وهو -قلته- جائز فصيح، لكنه

_ 1 مال وغنى. 2 بنصيب من الخير والصلاح. وكذلك قول الشاعر: لا يخدعنك من عدو دمعه ... وارحم شبابك من عدو ترحم 3 لا يبعدن؛ أي: لا يهلكن "الفعل: بعد يبعد، بمعنى: هلك يهلك". دعاء لقومه ألا يصيبهم الهلاك. ويصفهم بأنهم سم لأعدائهم، آفة لجزرهم "جمع: جزور. والجزور مؤنثة في لفظها. ومعناها الغالب: الناقة، وقد يراد منها الجمل" وإنما كانوا آفة لها لكثرة ذبحهم إياها لأنفسهم، وللضيوف وهذا كناية عن الكرم. 4 أزال سبب عتابك. 5 قلة نسبة "أي: بالنسبة لنوعي التوكيد السالفين -وانظر "ا"، ص177.

لا يرقى في قوته مرقى النوعين السالفين. وعلامته: أن يكون بعد "لا" النافية كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1، أو بعد: "ما" الزائدة التي لم تدغم في "إن" الشرطية؛ كقولهم في المثل: بعين ما رأينك2، وقول الشاعر في المال: قليلا به3، ما يحمدنك وارث ... إذا نال مما كنت تجمع مغنما ويدخل في هذا "ما" الزائدة بعد "رب"؛ نحو: ربما يقبلن الخير وراء المكروه4، أو بعد: "لم"5 كقول الشاعر: من جحد الفضل ولم يذكرن ... بالحمد مسديه فقد أجرما أو بعد أداة شرط غير "إن" المدغمة في: "ما" الزائدة، كقول الشاعر: من تثققن6 منهم فليس بآيب ... أبدا، وقتل بني قتيبة شافي 4- عدم تقديم معمول فعلها على هذا الفعل7 إلا إن كان المعمول شبه

_ 1 وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُْ لَا يَشْعُرُونَ} . 2 هذا مثل قديم تقوله لمن يخفي عنك أمرا أنت به بصير، تريد: إني أراك بعين بصيرة. "فا" زائدة. وجاء في الأساس ما معناه: أنك تقول هذا لمن أرسلته واستعجلته؛ فكأنك تقول له: لا تلو على شيء فإني أنظر إليك، أي: لا تقف، ولا تنتظر. وفي هذا المثل تأييد للحكم بصحة تقديم شبه الجملة على متعلقه الفعل المؤكد بالنون -كما سيجيء في الحكم الرابع. 3 الضمير عائد على المال في بيت قبله هو: أهن للذي تهوى التلاد؛ فإنه ... إذا مت كان المال نهبا مقسما و"قليلا" نعت لمصدر محذوف، والتقدير: حمدا قليلا يحمدنك وارث.. وفي البيت شاهد آخر يحكم عليه بالضعف هو تقديم كلمة "قليلا" النعت مع منعوته المحذوف، مع أنهما معمولان للمضارع المؤكد بالنون وليسا شبه جملة -إذ شبه الجملة هو الذي قد يباح تقديمه- كما في رقم2 من هذا الهامش، وكما سيجيء في الحكم الرابع. 4 منع بعض النحاة التوكيد بالنون بعد: "ربما" بحجة أنها لا تدخل على الزمن المستقبل أو ما هو في حكمه. ويرى سيبويه صحة هذا التوكيد، بحجة وروده في المأثور. وقد يكون الأفضل الأخذ بالرأي الأول ليكون حكم "رب" مطردا. 5 انظر "ا" من الزيادة والتفصيل، ص177، حيث الرأي المعارض، ولعله أنسب. 6 تصادف وتقابل. 7 لأن فعلها لا يعمل فيما قبله؛ وهو لذلك لا يفسر عاملا محذوفا قبله. أما تعلق شبه الجملة، إذا كان متقدما على هذا الفعل فالشائع أنه لا يجوز، وهناك رأي آخر يجيزه -طبقا للبيان الذي سبق "في رقم 2 و3 من الهامش السابق وكما في هامش ص100 طبعة3 ج2 م67- باب النائب عن الفاعل" واعتمادا على بعض الشواهد التي تؤيده، ومنها ما تقدم.

التقديم -في الرأي الأرجح؛ ففي مثل: اسمعن النصح ... لا يصح أن يقال: النصح اسمعن. بخلاف لا تثقن بمنافق، واحذرنه عند تقلب الأيام، فيصح أن يقال: بمنافق لا تثقن، وعند تقلب الأيام احذرنه1. 5- وقوع تغيرات أخرى تلحق المضارع صحيح الآخر ومعلته، وكذا الأمر، عند إسنادهما لضمائر الرفع البارزة؛ فقد يحذف حرف العلة عند الإسناد أو يقلب. وقد يحذف الضمير إذا كان واو جماعة، أو ياء مخاطبة، وقد يتحرك بحركة مناسبة له من غير أن يحذف. وقد تحذف نون الرفع، أو تدعم بغير حذف ... إلى غير هذا من التغيرات المختلفة المترتبة على التوكيد، والتي سنذكرها آخرها الباب2 تفصيلا -كما قلنا.

_ 1 لهذا صلة بما سبق في رقم 2 و3 من هامش الصفحة السالفة. 2 ص105 وفيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه: "نونا التوكيد". "وسنضع جهة اليسار رقما لكل بيت كما ورد في ترتيب بابه بالألفية؛ لأننا لم نلتزم في عرض مسائل هذا الباب ترتيبها في أبيات الناظم". للفعل توكيد بنونين؛ هما ... كنوني: اذهبن، واقصدنهما-1 يريد بالمثال الأول: نون التوكيد المشددة، وبالثاني: المخففة. ثم قال: يؤكدان "افعل، ويفعل" آتيا ... ذا طلب، أو شرطا إما تاليا-2 المراد من "افعل" هو: الأمر. ومن "يفعل" "آتيا، المضارع الآتي، أي: الذي زمنه مستقبل، حالة كونه ذا طلب، أو: كونه شرطا تاليا إما. "ففي الجملة تقديم وتأخير": أو: مثبتا في قسم مستقبلا ... وقل بعده، "ما" و"لم" وبعد: "لا"-3 وغير "إما" من طوالب الجزا ... وآخر المؤكد افتح؛ كابرزا-4 يريد: أن توكيد المضارع قليل بعد: "ما" و"لم" و"لا" وبعد غير "إن" الشرطية المدغمة في "ما"، من باقي طوالب الجزاء، أي: باقي الأدوات الشرطية التي تطلب جزاء. ويفهم من كلامه السالف أن توكيد المضارع كثير في غير هذه المواضع التي سردها. ومن الكثير ما ذكره أولا مجملا. ثم قال: إن آخر الفعل المؤكد يبنى على الفتح؛ "كابرزا" وأصله: "ابرزن" بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف. وسرد بعد هذا أبياتا أربعة في أنواع من التغييرات التي تصيب الفعل عند إسناده لضمائر الرفع البارزة، وسنعود إليها عند الكلام على هذه التغييرات، ثم بين الأحكام التي تختص بها "الخفيفة"، وعرضها في خمسة أبيات ختم بها الباب وسنذكرها فيما يلي -ص 179 وما يليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يرى بعض النحاة -ورأيه سديد- أن توكيد المضارع المنفي بالحرف: "لم" قليل، قلة ذاتية تدخله في حكم النادر الذي لا يصح القياس عليه، وليست قلة نسبية؛ "أي: ليست قلة بالنسبة لغيره، حيث يشترك القليل والكثير معا في الكثرة التي تبيح القياس عليهما، ويمتاز الكثير بزيادة الدرجة فيها". وحجته: أن "لم" حرف يقلب زمن المضارع للمضي، ونون التوكيد حرف يخلص زمنه للمستقبل، فيتعارضان. وهذا رأي يحسن الاقتصار عليه. ب- جرى بعض النحاة على تقسيم حالات المضارع -من ناحية توكيده بالنون- خمسة أقسام، غير الحالة التي يمتنع فيها توكيده. الأولى: وجوب توكيده ... وهي الحالة التي أوضحناها. والثانية: أن يكون توكيده قريبا من الواجب، وذلك حين يكون مسبوقا "بإن" الشرطية المدغم فيها: "ما" الزائدة. والثالثة: أن يكون توكيده كثيرا؛ وذلك إذا وقع بعد أداة طلب: "أمر، نهي، دعاء، عرض، حض، تمن، استفهام". والرابعة: أن يكون توكيده قليلا، وذلك بعد: "لا" النافية، أو "ما" الزائدة غير المسبوقة بإن الشرطية. والخامسة: أن يكون توكيده أقل، وذلك بعد: "لم" الجازمة، أو أداة شرط أخرى. وذكروا لهذا التقسيم تعليلات مصنوعة لا يعرفها العرب، ولم تخطر ببالهم، والتعليل الحق في التقسيم يجب أن يقتصر على كثرة الاستعمال وقلته بين العرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فما الحاجة إلى هذا التقسيم الخماسي والسداسي ... ، مع أن القسم الثاني والثالث لا يختلفان في الأثر؟ فحكمها واحد؛ هو: شدة الحاجة معهما إلى التوكيد، وإن كانت هذه الحاجة لا تبلغ مرتبة الوجوب؛ إذ لا أهمية لزيادة أحدهما على الآخر في درجة الكثرة والنوع؛ لأنهما -معا- مشتركان عند العرب في الكثرة التي تفيد شدة الحاجة للتوكيد، وتجعل استعماله قياسيا قويا، وما يزيد على هذا القدر المشترك يصير زيادة في الدرجة البلاغية؛ لا في صحة الاستعمال وقوته، وهذه الزيادة متروكة لتقدير المتكلمين في العصور المختلفة -بعد عصور الاحتجاج- ولرغبتهم في محاكاة هذا أو ذاك على حسب مقتضيات الأحوال. فهي متنقلة بينهما؛ فإن لم تتجه الرغبة إلى محاكاة الزائد -لغرض بلاغي، وشاع الاستعمال الأدبي على إهمالها، اكتسبها الآخر وصار هو الشائع، وانتقل إليه درجة الزيادة، ولا عيب في هذا؛ فكلاهما كثير، لكنه قد يحتفظ لنفسه دون الآخر بمرتبة الزيادة في الاستعمال زمنا مؤقتا، ينتقل بعده إلى نظيره. ومثل هذا يقال في القليل والأقل. فما الحاجة إلى تفريقهما، وعدم إدماجهما في قسم واحد ما دامت قلتهما ليست مانعة من القياس عليهما؛ لأنها قلة نسبية عددية "أي: على حسب نسبة أحدهما للآخر". ليست قلة ذاتية تمنع القياس.

الأحكام التي تختص بها نون التوكيد الخفيفة دون الثقيلة: تنفرد المخففة بأمور أربعة: الأول: عدم وقوعها -في الرأي الأرجح- بعد ألف اثنين، أو غيرها من أنواع1 الألف؛ نحو: "أيها الشابان، عاملان زملاءكما بكريم المعاملة، واجتنبان كثرة العتاب؛ فإنه يفضي إلى القطعية". فتتعين المشددة هنا مع بنائها على الكسر، ولا يصح مجيء الخفيفة؛ لأن المنع هو الأعم الأغلب في الكلام المأثور. ويجيز بعض النحاة مجيء الخفيفة ساكنة، أو متحركة بالكسر؛ متابعة لبعض العرب، والأنسب الاقتصار على الأغلب؛ منعا للتشعيب، وابتعادا عما فيه من إلباس وخفاء2 ... الثاني: عدم وقوعها -في الرأي الأحسن- بعد نون النسوة مباشرة. فإذا كان الفعل المضارع أو الأمر مسندا لنون النسوة وأريد توكيده بالنون، وجب -في هذا الرأي الأعلى- أن تكون نون التوكيد مشددة، مبنية على الكسر، ووجب أن يفصل بينهما وبين نون النسوة ألف زائدة، لا مهمة لها إلا الفصل بينهما؛ نحو: "أيتها السيدات: لا تقصرنان في واجبكن القومي، وفي مقدمته حسن تربية الأولاد، والإشراف على شئون البيت، واعلمنان ما في تقصيركن من ضرر شامل، وإساءة عامة". فلا يصح مجيء الخفيفة هنا -في الرأي الأحسن الذي يحتم الاقتصار على المشددة المكسورة، بعد الألف الفاصلة؛ كهذا المثال، وبعد ألف الاثنين؛ كالمثال السابق في القسم الأول، وبعد غيرهما من كل أنواع الألف3:

_ 1 كالألف الفاصلة التي في النوع التالي. 2 في هذا الأمر يقول ابن مالك: ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة، وكسرها ألف-10 3 وفيه ابتعاد أيضا عن اللبس، وعن صور خيالية تنشأ عند الوقف. ومن هذه الصور الخيالية المتعددة قلب نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف بعد ألف الاثنين، أو الألف الفاصلة بين النونين -في رأي من يجيز وقومها بعدهما- في مثل يا لاعبان دحرجان كرتكما، يا لاعبات دحرجنان كرتكن؛ فتصير: دحرجا1 - ودحرجنا1. ثم تقلب الألف الثانية همزة؛ فيقال فيهما: دحرجاه، ودحرجناه؛ لوقوع الألف الثانية متطرفة بعد الألف؛ فتقلب الأخيرة همزة -تطبيقا للقواعد الصرفية في كل ذلك.

وفي الاكتفاء بهذا الرأي، ابتعاد عن اللبس والخفاء1. الثالث: وجوب حذفها -في الرأي الشائع- لفظا لا خطا إذا وليها، مباشرة، ساكن، ولم يوقف عليها. وسبب حذفها الفرار من أن يتلاقى ساكنان في غير الموضع الذي يصح فيه تلاقيهما2؛ نحو: لا تتعودن الحلف، ولا تصدقن الحلاف، فتحذف النون الخفيفة عند النطق، وتبقى الفتحة التي قبلها دليلا عليها؛ فلا يلتبس الأمر على السامع؛ إذ لا مسوغ لوجود الفتحة في هذا الباب إلا وجود نون التوكيد، مذكورة أو محذوفة. ومنه قول الشاعر:

_ 1 وفي الأمر الثاني الذي تنفرد به الخفيفة يقول ابن مالك: وألفا زد قبلها مؤكدا ... فعلا إلى نون الإناث أسندا-11 أي: زد قبلها مباشرة ألفا حين يكون الفعل المؤكد مسندا إلى نون النسوة. 2 يصح تلاقي الساكنين عند الوقف، وعند قصد النطق ببعض ألفاظ التهجي وذكر أسمائها؛ نحو: كاف - جيم - لام، وفي غير هذين لا يصح تلاقي الساكنين إلا إذا تحققت شروط ثلاثة، فمتى تحققت جاز الالتقاء، ووصف بأنه "على حده" أي: على النمط المشروع المحدد لصحة التلاقي. "أولها: أن يكون الساكن الأول حرف لين "أي: حرف علة ساكنا" "ثانيها": أن يكون بعده حرف صحيح ساكن، مدغم في مثله. ثالثها": أن يكون التلاقي في كلمة واحدة. ومن الأمثلة للألف: "شابة، عامة، ضالون، صادون" وللواو: تمود الثوب "الأصل: ماددت البائع الثوب -أي: مد كل منا الثوب؛ فتماد الثوب، وهذه التاء هي تاء المطاوعة. فإذا بني الفعل "تماد" للمجهول صار: تمود". وللياء: خويصة؛ تصغير: "خاصة"، و"أصيم" تصغير "أصم". وبناء على الشرط الثالث لا يكون التقاء للساكنين مع نون التوكيد الخفيفة جاريا على حده، وبالرغم من هذا يحذف أول الساكنين كما سنعرف. ويرى بعض النحاة -ورأيه أحسن: أن التلاقي المباح ليس مقصورا على كلمة واحدة، فقد يكون فيها وفيما يشبه الكلمة الواحدة أيضا، كالكلمات التي يتصل بآخرها فاعلها الذي هو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، أو ألف الاثنين، وبعد كل ضمير من هذه الضمائر نون التوكيد "انظر ما يتصل بهذا ويوضحه في ج1 ص33 م4 وص97 م7 ولا سيما رأي الصبان الذي قال إن الصحيح عدم اشتراط التلاقي في كلمة واحدة ... " وكما يتضح في هذا الباب. وللمجمع اللغوي القاهري قرار يتصل بهذا -سجله في ص59 من كتابه المسمى: "مجموعة القرارات العلمية، من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين" تحت عنوان: إباحة المد عند التقاء الساكنين، أو زيادة موضع لاغتفار التقاء الساكنين -ونص القرار: "لا حرج على من يدفع اللبس بمد عند التقاء الساكنين في مثل قولهم: اجتمع منوبو العراق بمندونبي الأردن ... ". ا. هـ.

ولا تهين1 الفقير؛ علك أن ... تركع يوما، والدهر قد رفعه فالمضارع مجزوم بلا الناهية، فلا مسوغ لوجود الفتحة على النون، وبقاء الياء قبلها إلا ملاحظة نون التوكيد الخفيفة المحذوفة. ولا داعي في هذه الصورة لحذفها كتابة -في غير الضرورة- كما يرى بعض النحاة، وحجته الاكتفاء بوجود الفتحة الدالة عليها لأن هذا الحذف الخطي قد يوقع في لبس أو احتمال، يحسن الفرار منهما. وأفضل من كل ما سبق تحريكها بالكسر إذا وليها ساكن. وهذا رأي فريق آخر من النجاة، وحجته: أن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين هو الكسر2، وأن الكسر هنا أخف وأبعد من اللبس؛ فوق أنه مسموع في بعض

_ 1 البيت من بحر المنسرح -كما قال الصبان، والخضري، وليس من الخفيف- وهو للأضبط بن قريع الجاهلية، فهو ممن يحتج بكلامهم. وقد حذفت فيه نون التوكيد. 2 قال شارح المفصل "ج9 ص127" ما نصه: "اعلم أن الأصل في كل ساكنين التقيا أن يحرك الأول منهما بالكسر؛ نحو: بغت وقامت الجارية، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا لعلة ... ". ولم يذكر هو ولا غيره من المتمسكين بحذفها تعليلا مقبولا لحذف نون التوكيد التي يليها ساكن، ولا لخروجها على الأصل العام. بل إن حذفها قد يؤدي إلى لبس محقق في حالات متعددة؛ منها: المضارع المؤكد بالنون، المعطوف على مضارع آخر كذلك، مسبوق بلا الناهية، مثل: لا تهملن وتلعب الساعة. فما نوع الفتحة التي على المضارع "تلعب"؟ أهي فتحة بناء بسبب نون التوكيد المحذوفة، والواو للعطف المجرد الذي لا أثر له في المعية، ولا في البناء أيضا -من باب أولى، لما هو معروف من أن العطف على المبني لا يجلب البناء للمعطوف مطلقا- أم هي فتحة إعراب، والواو للعطف والمعية معا؟ لا قرينة تمنع أحد الاحتمالين بالرغم من اختلاف المعنى اختلافا واسعا بينهما. حالة أخرى: هي الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف إذا أريد توكيده بالنون الخفيفة مع جزمه بلا الناهية، في مثل: "لا تخشين الأذى في سبيل الحق ... " فلو حذفنا النون لالتقاء الساكنين وتركنا الفتحة قبلها دليلا عليها، لصار الكلام: لا تخشى الأذى في سبيل الحق. وترك هذه الياء -المتطرفة، المتحركة، التي قبلها فتحة، -من غير قبلها ألفا، مخالف للضوابط اللغوية الأساسية. كما أن قلبها ألفا، عملا بتلك الضوابط يؤدي إلى أن نقول: لا تخشى الأذى "بألف مكتوبة ياء" فنقع في محذور؛ هو تلاقي الساكنين الذي يقتضينا أن نتخلص منه بحذف ألف العلة من آخر الفعل، وهذا الحذف يؤدي إلى لبس لا دليل معه على أن الفعل مؤكد في أصله. وعدم التخلص يؤدي أيضا إلى لبس؛ هو: اعتبار "لا" نافية، وليست ناهية. لما سبق -وغيره- كان "ياسين" في حاشيته على التصريح محقا حين قال ما نصه على التقاء نون =

أمثلة قليلة؛ لكنها على قلتها مسايرة للأصل العام السالف. وهذا الراي -على قلة أنصاره- أفضل كما قلنا، لبعده عن شائبة اللبس والغموض، وخلوه من التفريق بين حالتي النطق والكتابة. فإن وجد من يعارض في أنه الأفضل فلا أقل أن يكون في منزلة الرأي الشائع الذي يوجب الحذف. أما عند الوقف عليها فلها حكم خاص يذكر في الأمر الرابع التالي: الرابع: وجوب قلبها ألفا عند الوقف عليها، بشرط أن تكون النون الخفيفة بعد فتحة؛ ففي مثل: احذرن قول السوء، وتعودن حبس اللسان عن منكر القول نقول عند الوقف على الفعلين المؤكدين: احذرا - تعودا ... والقرائن كفيلة بأن تدل على نوع هذه الألف. وأن أصلها نون التوكيد الخفيفة ... فإن لم تكن النون الخفيفة بعد فتحة، بأن كانت بعد ضمة، أو كثرة وجب أمران: حذف النون، نطقا لا كتابة، وإرجاع ما حذف من آخر الفعل بسبب وجودها عند وصل الكلام وعدم الوقف. ففي مثل: "أيها الفتيان، لا تهابن مقابلة الشدائد، ولا تخافن ملاقاة الصعاب في سبيل إدراك الغايات النبيلة. وفي مثل: يا فتاتي: لا تحجمن عن احتمال العناء في شريف المقاصد، وسني1 الأغراض" ... نقول عند الوقوف على الأفعال المؤكدة مع أمن اللبس: لا تهابوا - لا تخافوا ... - لا تحجمي ... ، بحذف نون التوكيد الخفيفة. وإرجاع واو الجماعة وياء المخاطبة اللتين حذفتا نطقا فقط عند وجود النون الخفيفة للتخلص من التقاء الساكنين. أما عند حذفها فلا التقاء لساكنين فلا يحذف الضمير، ويعود إن كان محذوفا نطقا بسبب وجودها.

_ = التوكيد الخفيفة بساكن في الصورة السالفة: "هلا حركت وأبقيت كغيرها من الحروف إذا كانت ساكنة، ولقيت ساكنا؟. قلت: أشار السعد في شرح التصريف إلى أن السبب أن تحريكها خلاف وضعها من السكون. وأقول: فحينئذ ما الفرق بينها وبين غيرها مما وضع ساكنا؛ كمن، وعن؟ فتأمل". ا. هـ. فموضوع سؤاله صحيح دقيق لمسايرته للأصل العام في التقاء الساكنين، والإجابة عنه جدلية محضة. وكان حقها أن تؤيد بالسماع الذي له القول الفصل؛ ولهذا جاءت واهية متداعية، وقد دفعها بسؤال آخر هدمها وأبادها. 1 شريف.

ومن الأمرين الثالث والرابع يتبين أنها تحذف وجوبا في حالتين: الأولى: حذفها في النطق دون الكتابة إن وقع بعدها ساكن، ولم يوقف عليها، وهذا الرأي هو الشائع، كان غير الأنسب اليوم. والأخرى: حذفها في النطق دون الكتابة إن وقف عليها بعد ضم أو كسر. مع إرجاع ما حذف لأجل وجودها عند عدم الوقف. وكل ما سبق جار على أشهر الآراء المستنبطة من أكثر اللغات شيوعا، وقد أهملنا الآراء الضعيفة المتعددة التي لا خير في نقلها، وليس من ورائها اليوم إلا البلبلة والاضطراب1 ...

_ 1 وفي الأمرين الثالث والرابع يقول ابن مالك: واحذر خفيفة لساكن ردف ... وبعد غير فتحة إذا تقف-12 أي: احذف نون التوكيد الخفيفة إذا ردفها "وليها وجاء بعدها" ساكن. وكذلك إذا وقعت عند الوقوف عليها، بعد غير الفتحة. وغير الفتحة هو الكسرة والضمة. ثم قال: واردد إذا حذفتها في الوقف ما ... من أجلها في الوصل كان عدما-13 يريد: إذا وقفت عليها وجب أن ترجع إلى الفعل ما عدم منه "أي: حذف منه" في وصل الكلام بسببها، وعند وجودها. وختم الباب بقوله: وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفًا؛ كما تقول في قفن: قفا-14 أي: أن نون التوكيد إذا وقف عليها بعد حرف مفتوح وجب قلبها ألفا. وساق لهذا مثلا؛ وهو: "قفن" حيث وقعت النون بعد الفاء المفتوحة. فعند الوقف يقال: قفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: ارتضى بعض النحاة تسمية الأمور الأربعة السالفة: "خصائص تمتاز بها نون التوكيد الخفيفة"، أو: "أمور تنفرد بها". ولا مانع من هذا على اعتبار تلك الخصائص أو الأمور أحكاما بعضها عدمي "أي: سلبي" كالأول والثاني، وبعضها حذف -طبقا للشائع- كالثالث، أو: قلب؛ كالرابع في بعض حالاته. ولا مانع في الوقت نفسه من اعتبار تلك الأمور الأربعة خصائص تمتاز بها التوكيد الشديدة دون الخفيفة، ولكن على أساس آخر: هو أنها أمور إيجابية؛ لا عدم فيها ولا تغيير. فالأول: وقوعها بعد ألف الاثنين، والثاني: وقوعها بعد الألف الفاصلة، والثالث: بقاؤها إذا وليها ساكن. والرابع: بقاؤها على حالها من غير حذف أو قلب عند الوقف ...

المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد

المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدها، ومع التوكيد ... المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر للرفع البارزة بغير توكيدهما، ومع التوكيد الكلام على المضارع 1: عرفنا2 أن المضارع معرف في كل أحواله، إلا إذا اتصل بآخره نون النسوة؛ فيبنى على السكون3، كالأمثلة السالفة، أو اتصل بآخره نون التوكيد اتصالا مباشرا؛ فيبنى على الفتح، سواء أكان صحيح الآخر؛ نحو: أتأمران بالمعروف، وأنت لا تأتمرن به؟ أم معتل الآخر مطلقا؛ "أي: بالألف، أو الواو، أو الياء" كقول ناصح لأخيه: لا تنهين عن الأذى، وأنت تمارسه، ولا ترجون من لئيم خيرا وإن تودد إليك، ولا تفترين حديثا، ولو توهمت أن الناس به مصدقون. ومن هذا قول القائل: فلا تبكين في إثر شيء ندامة ... إذا نزعته من يديك النوازع فالأفعال المضارعة: "تأمر، تأتمر، تنهى، ترجو، تفتري، تبكي ... " مبنية على الفتح لاتصالها، مباشرة، بنون التوكيد. ومما تجب ملاحظته أن حرف العلة: "الألف" لا بد أن ينقلب ياء مفتوحة للبناء قبل: "نون التوكيد" كما في الفعل: "تنهى" في المثال السالف وأشباهه، أما "واو" العلة و"ياؤها" فيبقيان على صورتهما مع تحريكهما بفتحة البناء؛ لأجل نون التوكيد. ولا يصح حذف حرف علة من تلك الثلاثة لأجل الجازم إن كان المضارع مسبوقا بجازم -كما في الأمثلة المتقدمة؛ لأن مراعاة نون التوكيد أهم وأولى في تلك الصور؛ فالمضارع فيها مبني على الفتح لفظا، ولكنه في محل جزم. فإن لم يكن اتصال هذه النون بآخر المضارع اتصالا مباشرا لم يصح بناؤه

_ 1 الكلام على الأمر في ص199. 2 في ص169. "والتفصيل في ج1، باب المعرب والمبني". 3 وفي كل الصور والحالات لا يكون اتصالها به إلا مباشرا -كما في رقم 1 من هامش ص169 و1809.

على الفتح، وذلك حين يفصل بينهما ضمير رفع بارز؛ "ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة، أو نون نسوة" فإن أريد توكيده مع وجود فاصل من هذه الضمائر البارزة جاز، ولكن من غير بناء على الفتح. ويترتب على هذا التوكيد عند وجود الضمير الفاصل وقوع تغييرات حتمية تختلف باختلاف آخر المضارع؛ أهو صحيح الآخر أم معتله؟ وفيما يلي بيان هذه التغييرات الحتمية1: أ- إسناد المضارع الصحيح الآخر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيد، وبتوكيد: 1- إذا كان المضارع صحيح الآخر؛ مثلك "تفهم"، وأردنا إسناده لألف الاثنين من غير توكيد -قلنا: أنتما تفهمان. والإعراب: "تفهمان"، مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف فاعل. فهو معرب حتما. أما عند التوكيد، وقبل إحداث التغيير فنقول: "أأنتما تفهمانن؟ بنون التوكيد الثقيلة المفتوحة، ولا يصح -في الأرجح- مجيء الخفيفة بعد المضارع المشتمل على ألف الاثنين2. والمضارع هنا معرب أيضا: لوجود الضمير: "ألف الاثنين" فاصلا بينه وبين نون التوكيد المشددة. غير أنه اجتمع في آخر اللفظ ثلاثة3 أحرف

_ 1 سنذكرها بتفصيل وإسهاب وجلاء؛ لدقتها وخفائها على كثير، مع شدة الحاجة إليها في غالب الأساليب الهامة. هذا إلى أن فهما واستيعاب صورها يساعد أيما مساعدة على فهم أحوال فعل الأمر عند إسناده لهذه الضمائر؛ مؤكدا وغير مؤكد. وبهذه المناسبة نذكر ما يردده بعض المتسرعين بشأن الحذف. والتقدير، والتعليل في هذا الباب، من أنه خيالي محض؛ لا يعرف عنه العرب الأوائل شيئا. وهذا صحيح. ولكن أكثره خيال بارع نافع هنا. وحذف وتقدير يوصلان -غالبا- في هذا لباب إلى ضبط ما لا يمكن ضبطه بغيرهما، وتيسير ما يصعب، بل ما قد يستحيل إدراكه بدونهما. فمن الجحود إنكار فضل مبتكر به في هذه المسائل -وأشباهها- بغير روية ولا إنصاف. ومن غير السائغ إصدار حكم عام واحد على أمرين مختلفين كل الاختلاف؛ فأحدهما نافع بغير ضرر، والآخر لا نفع فيه، بل قد يكمن فيه الضرر بغير روية وإنصاف. 2 نون التوكيد الخفيفة لا تقع -في الأرجح- بعد ألف الاثنين مطلقا، وإنما تقع الشديدة -كما سبق في ص179. 3 أولاها: نون الرفع، والثانيتان: نون التوكيد المشددة؛ "والحرف المشدد يعتبر حرفين". فوجب حذف أحد الثلاثة؛ فحذفت نون الرفع للاستغناء عنها، ولوجود القرينة التي تدل عليها. والنونات الثلاثة زوائد. فإن كانت إحداهما أصلية وجب بقاء الأصلية، كقوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} . وقد سبق في ج1 م6 ص88 عند الكلام على إعراب المضارع أن توالي الأمثال الممنوع يتحقق حين تكون الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد فليس منه: "القائلات جنن، أو: يجنن" لأن الزائد هو المثل الأخير من الزوائد. وليس منه الفعل ومشتقاته في مثل: أنا أحييك: أو أنا محييك.. "راجع الصبان هنا وفي الموضع السالف، وشرح الرضي على الكافية ج2 ص186.

زوائد، متماثلة، متوالية. وهذا لا يقع -غالبا- في لغتنا إلا سماعا. فوجب حذف "نون الرفع" لوجود قرينة تدل عليها؛ "هي: "أن: المضارع من الأفعال الخمسة، ولم يسبقه ناصب أو جازم؛ فوجب أن يكون مرفوعا بثبوت النون. فإن لم تكن مذكورة، فلا بد أن تكون محذوفة لعلة والمحذوف لعلة كالثابت". ولا يصح هنا حذف نون التوكيد الثقيلة، أو تخفيفها؛ لأن الحذف أو التخفيف ينافي الغرض البلاغي من الإتيان بها، ومن تشديدها1. فصار الكلام بعد الحذف: تفهمان، ثم كسرت نون التوكيد المشددة، مراعاة للمأثور عن العرب في هذا الموضع؛ حيث يلزمونها التشديد والبناء على الكسر. وعند الإعراب يقال في "تفهما"، فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي النونات "وألف" ضمير فاعل، و"نون التوكيد" المشددة حرف مبني على الكسر، لا محل له من الإعراب. وإن شئت قلت: "تفهما": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وحذف لتوالي النونات، والألف ضمير: فاعل، والنون المذكورة حرف للتوكيد ... فالصورة النهائية بعد إجراء التغيرات السالفة هي: "أتفهمان"، بتشديد نون التوكيد وجوبا بعد ألف الاثنين، وحذف نون الرفع. ولا مانع هنا من التقاء "ألف الاثنين" ساكنة مع النون الأولى الساكنة من نون التوكيد المشددة؛ لأن التقاء الساكنين هنا جائز كما أوضحنا من قبل2. 2- ونقول عند إسناده لواو الجماعة من غير توكيد: أأنتم تفهمون؟ "فالمضارع مرفوع بثبوت النون؛ واوا وضمير فاعل". ونقول عند توكيده بالنون المشددة وقبل التغيرات: أأنتم تفهمونن؟ بثلاث نونات، تحذف نون الرفع -لتوالي ثلاثة أحرف في الآخر، وهي زوائد، ومن نوع واحد- فيصير الكلام:

_ 1 وطبقا لما جرى عليه أكثر العرب. والخفيفة لا تقع هنا -كما سبق. 2 وفي رقم 2 من هامش ص180.

"تفهمون" فيلتقي ساكنان هما: واو الجماعة، والنون الأولى الساكنة من النون المشددة المفتوحة الآخر، فتحذف واو الجامعة -في الأغلب-1 لوجود الضمة قبلها تدل عليها عند حذفها، ولعدم الاستغناء عن تشديد نون التوكيد؛ لأنها جاءت مشددة، لغرض بلاغي يقتضيه المعنى؛ فيصير الكلام: أأنتم تفهمن؟ وعند الأعراب نقول بعد الحذف: "تفهم" الحالية أصلها "تفهمون" فهي مضارع مرفوع بالنون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال ... ، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين، ضمير، فاعل، ونون التوكيد المشددة حرف، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. ولا تتغير الفتحة على آخره. "ملاحظة": ليس من اللازم لحذف واو الجماعة في هذه الصورة وأمثالها مما يسند فيها المضارع الصحيح الآخر لواو الجماعة، أن تكون نون التوكيد مشددة، فمن الجائز أن تكون مخففة. ومع تخفيفها تحذف لأجلها نون الرفع وجوبا كما تحذف مع المشددة، ويترتب على هذا الحذف أن يتلاقى الساكنان السالفان؛ وهما: واو الجماعة ونون التوكيد المخففة؛ فتحذف واو الجماعة هنا، كما حذفت هناك. أما سبب حلاف نون الرفع إذا كانت نون التوكيد مخففة فهو إتباع العرب في المأثور عنهم، ومحاكاتهم في حذفها؛ بالرغم من عدم اجتماع ثلاث نونات في هذه الصورة، يقول النحاة: إن نون الرفع تحذف من الفعل المسند لواو الجماعة، وياء المخاطبة، إذا أكد بالنون المشددة أو المخففة، فتحذف مع المشددة؛ منعا لتوالي ثلاثة أحرف زائدة، متماثلة في آخر اللفظ، وتحذف مع المخففة أيضا؛ طلبا للتخفيف، ومجاراة للحذف مع المشددة2. 3- ونقول عند إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد: أأنت تفهمين يا زميلتي؟ فالمضارع "تفهمين" مرفوع بثبوت النون، وياء المخاطبة ضمير فاعل. ونقول عند التوكيد من غير تغيرات: أتفهمينن؟. ثم تحذف النون الأولى "علامة الرفع" لتوالي الأمثال، و ... ؛ فيصير الكلام: أتفهمين؟ فيلتقي ساكنان، هما: ياء

_ 1 انظر الرأي الآخر في رقم 2 من هامش ص180. 2 التعليل الصحيح هو محاكاة العرب.

المخاطبة والنون الأولى من النون المشددة؛ فتحذف -في الأغلب- ياء المخاطبة للسبب السالف، وتبقى الكسرة قبلها لتدل عليها؛ فيصير الكلام: أتفهمن؟ ويقال في إعرابه: "تفهمين"، مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والفاعل هو: "ياء" المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين. ونون التوكيد حرف مبني، لا محل له من الإعراب، وتظل الفتحة باقية عليه مع تشديدة. ولو أتينا بنون التوكيد الخفيفة مكان الثقيلة لوقعت التغيرات السالفة كلها تماما، طبقا لما تضمنته "الملاحظة" السالفة، من أن نون الرفع تحذف وجوبا هنا للخفة، وللحمل على الثقيلة؛ لا لتوالي الأمثال. 4- ونقول عند إسناده لنون النسوة بغير توكيده: أأنتن -يا زميلاتي- تفهمن؟. فالفعل "تفهم" مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهي ضمير فاعل مبني على الفتح في محل رفع. ونقول: مع التوكيد: أأنتن تفهمنان؟ بمجيء نون التوكيد المشددة المبنية على الكسر -والمخففة؛ لا تجيء هنا- ثم زيادة "ألف" فاصلة1 بين نون النسوة ونون التوكيد. والإعراب بعد التوكيد لا يتغير، ولكن نزيد على ما سلف أن النون الأخيرة المشددة حرف للتوكيد مبني على الكسر، لا محل له، والألف التي بين النونين حرف زائد لا محل له. يستخلص مما سلف أن إسناد المضارع الصحيح الآخر إلى ضمائر الرفع البارزة، بغير توكيد، يستلزم ما يأتي: 1- إن كان الضمير ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة، لزمته في حالة الرفع النون التي هي علامة الرفع، فيكون معربا مرفوعا بثبوت النون. والضمير

_ 1 إذا أكد الفعل المضارع المسند إلى نون النسوة وجب الإتيان بألف زائدة تفصل بينهما -كما سبق في ص179- ويكون المضارع مبنيا على السكون لاتصاله المباشر بنون النسوة. ولا يكون اتصاله بها إلا مباشرا؛ لأن إسناده إليها يقتضي اتصاله بها مباشرة -كما سبق في رقم 1 من هامش ص169 و3 من هامش ص185.

فاعلا. وهذه النون خفيفة في كل حالاتها، ولكنها مبنية على الكسر لا محل لها بعد ألف الاثنين فقط، أما بعد واو الجماعة، وياء المخاطبة فمبنية على الفتح، لا محل لها. 2- وإن كان الضمير نون النسوة وجب بناء المضارع على السكون، ونون النسوة هي الفاعل1، وهي مبنية على الفتح في محل رفع. ويستخلص كذلك أن إسناده لتلك الضمائر مع توكيده يستلزم ما يأتي: 1- عدم بناء المضارع مطلقا مع وجود الضمائر الفاصلة بينه وبين نون التوكيد؛ فيجب إعرابه مع تلك الضمائر إلا مع نون النسوة فيبنى على السكون؛ لأنها تتصل به اتصالا مباشرة في كل حالاتها. 2- وجوب حذف نون الرفع -إن كانت موجودة من قبل- إذا كان ضمير الرفع ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء مخاطبة. ويتساوى في وجوب حذفها مع الواو والياء أن تكون نون التوكيد بعدهما مشددة ومخففة. أما بعد الألف فنون التوكيد باقية، ومشددة حتما، ومبنية على الكسر. 3- وجوب حذف واو الجماعة وياء المخاطبة، مع بقاء الضمة قبل واو الجماعة لتدل عليها. والكسرة قبل ياء المخاطبة؛ لتدل عليها -والحذف في الحالتين هو الأرجح. 4- زيادة ألف بين نون النسوة ونون التوكيد؛ لتفصل بينهما.

_ 1 وفي توكيد المضارع صحيح الآخر يقول ابن مالك بعد أبياته التي عرض فيها لحالات توكيده: واشكله قبل مضمر لين بما ... جانس من تحرك قد علما-5 والمضمر احذفنه لا الألف ... ............................ -6 "المراد بالمضمر اللين هنا: الضمير الساكن الذي أسند إليه المضارع؛ ويقصد به: ألف الاثنين، وواو الجماعة، وياء المخاطبة - جانس: مائل وساير". وفي آخر البيت السابق على هذا قال الناظم: "وآخر المؤكد افتح؛ كابرزا" واستثنى من هذه القاعدة ما ذكره الآن؛ خاصا بالمضارع صحيح الآخر المتصل بالضمير اللين، فإنه يحرك بحركة تجانس هذا الضمير، وهي الضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء، والفتحة قبل الألف. والذي يدل على أنه قصد صحيح الآخر دون كلامه الآتي -مباشرة- على المعتل الآخر.

5- وجوب تشديد نون التوكيد وبنائها على الكسر1 بعد ألف الاثنين، وبعد الألف الزائدة للفصل بين نون النسوة ونون التوكيد. أما بعد واو الجماعة وياء المخاطبة فقد تكون مشددة مفتوحة الآخر، أو خفيفة ساكنة. ب- إسناد المضارع المعتل الآخر، لضمائر الرفع البارزة2، من غير توكيد، وبتوكيد: المضارع المعتل الآخر إما أن يكون معتل الآخر بالألف، أو بالواو، أو بالياء؛ نحو: أنت ترضى الإنصاف، وترجو أن يشيع، وتجري وراء تحقيقه. أولا: 1- إن كان معتلا بالألف "مثل: ترضى" وجب قلبها ياء مفتوحة عند إسناده لألف الاثنين، تقول بغير التوكيد بالنون: أأنتما ترضيان؟ ... والإعراب: "ترضيان" فعل مضارع معرب، مرفوع بثبوت النون، وألف الاثنين ضمير فاعل. وتقول عند التوكيد قبل التغيير: أترضيانن؟ والمضارع معرب لوجود الضمير فاصلا بينه وبين نون التوكيد المشددة، ويجب هنا ما وجب هناك من حذف نون الرفع لتوالي الأمثال بوصفه السابق3، مع بقاء ألف الاثنين، -برغم التقائها ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة. كما يجب بناء نون التوكيد على الكسر مع تشديدها في هذه الحالة أيضا4؛ فيصير الكلام: "أترضيان؟ " فالفعل المضارع "ترضيا" معرب مرفوع بالنون المحذوفة، وألف الاثنين ضمير، فاعل. والنون المذكورة المشددة حرف للتوكيد، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.

_ 1 يقولون في سبب كسرها مشابهتها نون المثنى في الصورة الموضعية، أي: المظهر الشكلي. لكن السبب الحق هو استعمال العرب. 2 سبقت الإشارة المفيدة لهذا في موضع آخر مناسب لها؛ وهو حكم المضارع "ج1 م6 ص 88". 3 في رقم 2 من هامش ص180 و3 من هامش ص186. 4 طبقا للبيان الذي في رقم 5 من هذه الصفحة.

2- فإن كان معتلا بالألف وأريد إسناده لواو الجماعة من غير توكيد ولا تغيير، قيل فيه: "ترضيون" بقلب ألفه ياء مضمومة -لأن الضمة هي المناسبة للواو- وزيادة واو الجماعة ساكنة؛ فتتحرك الياء، ويفتح ما قبلها؛ فتنقلب ألفا. ويصير الكلام: "ترضاون" فيلتقي ساكنان؛ ألف العلة وواو الجماعة؛ فتحذف الألف؛ لأنها حرف هجائي، وقبله الفتحة تدل بعد الحذف، وتبقى واو الجماعة؛ لأنها فاعل؛ -فهي شطر جملة- وليس قبل علامة تدل عليها بعد حذفها، ويصير الكلام "ترضون". والإعراب: ترضون، مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير فاعل. وعند التوكيد يقال بغير التغيير "أترضونن"، تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال بوصفه السابق1؛ فيصير الكلام: "ترضون" فليتقي ساكنان؛ واو الجماعة والنون الأولى من النون المشددة، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما2؛ فتتحرك واو الجماعة بحركة تناسبها؛ وهي الضمة، ويصير الكلام: ترضون. والإعراب: مضارع مرفوع بالنون المحذفة لتوالي الأمثال ... ، وواو الجماعة ضمير فاعل. ونون التوكيد المشددة حرف مبني على الفتح هنا، وقد فصلت واو الجماعة بينه وبين المضارع، ولهذا بقي معربا، بسبب الفصل. هذا إن كانت نون التوكيد مشددة: فإن كانت مخففة حذفت نون الرفع مع عدم تعدد الأمثال: للتخفيف، والحمل على المشددة، كما سبق البيان3 فيتلاقى فتتحرك واو الجماعة، بالضم للتخلص منه. 3- وإن كان معتلا بالألف أيضا، وأريد إسناده لياء المخاطبة من غير توكيد، قيل بغير التغيير: "أترضاين4"؟ التقى ساكنان، ألف العلة وياء المخاطبة، حذفت الألف؛ لأنها حرف هجائي5 وقبله الفتحة التي تدل عليه

_ 1 في رقم 2 من هامش ص180 و3 من هامش ص186. 2 لأن الفاعل شطر جملة، ولا علامة تدل عليه عند حذفه. والنون المشددة مقصودة التشديد لغرض بلاغي؛ ولأنه يمكن التخلص من الساكنين بغير الحذف الذي يؤدي إلى عيب. 3 في ص 188 بعنوان: "ملاحظة". 4 والأصل: "ترضيين" بقلب الألف ياء مكسورة، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا. 5 فليس شطر جملة، بخلاف ضمير الرفع.

بعد حذفه، وبقيت الياء؛ لأنها شطر جملة "فاعل" ولا دليل يدل عليها بعد حذفها؛ فصار الكلام: "ترضين" وهو فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والياء ضمير فاعل. وعند للتوكيد قبل التغيير يقال: "ترضينن"؛ فتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، فيصير الكلام: "ترضين" فيلتقي ساكنان؛ ياء المخاطبة والنون الأولى من النون المشددة، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما1؛ فتحرك ياء المخاطبة بالكسرة لأنها هي المناسبة لها ويصير الكلام: "ترضين". وإعرابه: مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، والياء فاعل، ونون التوكيد حرف مبني لا محل له. وقد فصل بينه وبين المضارع ياء المخاطبة، وبسبب هذا الفصل بقي المضارع معربا. هذا إن كانت نون التوكيد مشددة فإن كانت مخففة حذفت نون الرفع أيضا بالرغم من عدم تعدد الأمثال ... -لما سبق2؛ فيتلاقى الساكنان؛ فتتحرك ياء المخاطبة بالكسرة للتخلص منه. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد وجب قلب الألف ياء، فنقول أأنتن ترضين؟ فالمضارع: "ترضي" مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وهي فاعل، مبنية على الفتح في محل رفع. أما عند التوكيد فنقول: ترضينان: بزيادة ألف فاصلة بين النووين. والإعراب كما سبق3 في صحيح الآخر. ولا تجيء المخففة بعد هذه الألف الفاصلة. ثانيا: إن كان معتل الآخر بالواو "مثل: "ترجو" وأريد إسناده: 1- لألف الاثنين وجب تحريك الواو بالفتحة لمناسبة الألف؛ فنقول بغير توكيد: أنتم ترجوان -مثلا- والمضارع مرفوع بثبوت النون، والألف ضمير فاعل. ونقول مع التوكيد: "أأنتما ترجوانن؟ "، وتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، وتكسر نون التوكيد المشددة: مراعاة للنسق العربي الذي يقتضي كسرها

_ 1 لأن الفاعل شطر جملة، ولا علامة تدل عليه عند حذفه والنون المشددة مقصودة التشديد لغرض بلاغي، ولأنه يمكن التخلص من الساكنين بغير الحذف الذي يؤدي إلى عيب. 2 في ص118 بعنوان: "ملاحظة". 3 في رقم 4 من ص189.

دائما بعد ألف الاثنين، وتشديدها، فنقول: ترجوان. ولا تجيء المخففة بعد الألف مطلقا -كما كررنا1. 2- وإن أريد إسناده لواو الجماعة بغير توكيد قيل: "أنتم ترجوون"2 -مثلا- فتلتقي واوان ساكنتان، فتحذف واو العلة. وتبقى واو الجماعة، للسبب الذي عرفناه؛ فيصير الكلام: "ترجون" مرفوع بثبوت النون. وواو الجماعة ضمير فاعل. فإذا أريد التوكيد، قيل بغير التغيير: "أترجونن" وتحذف نون الرفع لتوالي الأمثال -بوصفه السابق؛ فيصير: "ترجون"؛ فيلتقي ساكنان، واو الجماعة، والنون الأولى من المشددة، فتحذف واوا الجماعة -برغم أنها شطر جملة- لوجود الضمة قبلها تدل عليها، ولعدم استغناء المعنى عن تشديد النون، فيصير الكلام: "ترجن" مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، والفاعل: واو الجماعة المحذوفة، والنون المشددة المذكورة للتوكيد، وهي مفصوة من المضارع بالواو المحذوفة. ويصح أن تجيء نون التوكيد الخفيفة بدلا من المشددة؛ فيتلاقى الساكنان3؛ فتذف الواو للتخلص منه، وتبقى الضمة قبلها لتدل عليها. 3- وإن أريد إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد قيل: "أنت ترجوين" فيلتقي ساكنان؛ واو العلة وياء المخاطبة؛ فتحذف حرف العرلة، ويصير الكلام، "ترجين"، ثم تقلب الضمة التي قبل الياء كسرة؛ لأن الكسرة هي المناسبة للياء، فيصير: "ترجين".

_ 1 البيان في رقم 5 من ص191. 2 وأصلها: "ترجوون" استثقلت الضمة على الواو فحذفت الضمة ... ومثل هذا يقال في: "يدعون" الواردة في الآية الكريمة المشتملة على أنواع من المضارع المجزوم، المسند لواو الجماعة، صحيح الآخر ومعتله؛ وهي قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وستعاد الآية لمناسبة أخرى في رقم 3 من هامش ص408. 3 يتلاقى الساكنان هنا؛ إما بسبب ما قلناه من حذف نون الرفع -وهذا الأحسن، بل قيل إنه واجب للخفة والحمل؛ فتكون نون التوكيد بعد ذلك واضحة التخفيف في اللفظ، وإما لإدغام نون الرفع في نون التوكيد، فتسكن الأولى. وفي هذه لبس لا يتبين معه أن نون التوكيد خفيفة.

وعند التوكيد قبل التغيير نقول: "أأنت ترجينن؟ " تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال، فيصير: "ترجين". فيلتقي ساكنان ياء المخاطبة والنون الأولى، فتحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين، "برغم أن الياء شطر جملة "فاعل" لوجود الكسرة الدالة عليها، وعدم الاستغناء عن تشديد النون" فيصير ترجن مع تشديد النون وفتحها. والإعراب: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وياء المخاطبة المحذوفة فاعل، والنون المذكورة حرف للتوكيد. فإن كانت نون التوكيد مخففة -لا مشددة- حذفت لها نون الرفع أيضا1؛ فيتلاقى الساكنان؛ فتحذف الياء، وتبقى الكسرة قبلها. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد قيل: أأنتن ترجون الله؟ بزيادة نون النسوة. فالمضارع: "ترجو" مبني على السكون، بسببها. وهي الفاعل. وعند التوكيد تقول: أأنتن ترجونان بزيادة ألف فاصلة بين النونين. وعند الإعراب نقول: "ترجو" مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. ونون النسوة فاعل، والألف بعدها زائدة، ونون التوكيد حرف مشدد، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب. ولا يصح مجيء المخففة بعد هذه الألف. ثالثا: إن كان المضارع معتل الآخر بالياء، وأريد إسناده: 1- إلى ألف الاثنين بغير توكيد، وجب تحريك الياء بالفتحة -لوجب فتح ما قبل الألف- فنقول: أنتما تجريان. فالمضارع مرفوع بثبوت النون؛ وألف التثنية ضمير فاعل. ونقول عند التوكيد قبل التغيير: "أتجريانن؟ " تحذف نون الرفع؛ لتوالي النونات -بوصفه السابق- وتتحرك نون التوكيد المشددة بالكسرة؛ -لما ذكرناه من وجوب تشديدها، وبنائها على الكسر بعد ألف الاثنين-2 فيصير الكلام: "تجريان" ويقال في الإعراب، "تجريا" مضارع مرفوع بالنون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال ... والألف ضمير فاعل، والنون المشددة حرف للتوكيد مبني على الكسر؛ لا محل له.

_ 1 لما سبق في ص188 بعنوان "ملاحظة". 2 وكل "ألف" أخرى؛ طبقا للبيان الذي في رقم 5 من ص191.

2- وإن أريد إسناده إلى واو الجماعة بغير التوكيد قلنا قبل التغيير: أنتم "تجريون" التقى ساكنان: ياء العلة، وواو الجماعة، حذف ياء العلة -لما عرفناه- فصار الكلام: تجرون، قلبت الكسرة قبل الواو ضمة؛ لتناسب الواو؛ فصار الكلام: "تجرون". وعند التوكيد قبل التغيير نقول: "أتجرونن؟ " تحذف النون لتوالي النونات فيصير: "تجرون" فيلتقي ساكنان، واو الجماعة والنون الأولى من النون المشددة، فتحذف واو الجماعة؛ لوجود الضمة قبلها دليلا عليها؛ ولعدم الاستغناء -بلاغيا- عن تشديد النون؛ فيصير الكلام: "تجرن". مضارع معرب، مرفوع بالنون المحذوفة، وواو الجماعة المحذوفة فاعل، والنون المشددة المذكورة حرف للتوكيد واجب البناء على الفتح. وقد انفصل عن المضارع بواو الجماعة المحذوفة التي هي في حكم المذكورة كما سبق؛ وبسب هذا الفصل بقي المضارع معربا. ويصح أن تجيء نون التوكيد الخفيفة بدلا من الثقيلة. فتحذف نون الرفع أيضا، فيلتقي الساكنان، فتحذف واو الجماعة. 3- وإن أريد إسناده لياء المخاطبة بغير توكيد قيل: أأنت تجريين؟ فيلتقي ساكنان؛ ياء العلة، وياء المخاطبة؛ فيحذف حرة العلة؛ لأنه حرف هجائي وقبله الكسرة تدل عند عليه حذفه؛ فيصير الكلام: "تجرين"، مضارع مرفوع بثبوت النون وياء المخاطبة فاعل. وعند التوكيد نقول: "أتجرينن" تحذف نون الرفع لتوالي الأمثال ... فيصير الكلام: "تجرين" فيلتقي ساكنان ياء المخاطبة والنون الأولى من المشددة؛ فتحذف ياء المخاطبة -برغم أنها شطر جملة- لوجود الكسرة قبلها تدل عليها، ولعدم الاستغناء -بلاغيا عن تشديد النون فيصير: "تجرن". مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وفاعله ياء المخاطبة المحذوفة أيضا. والنون المشدد حرف للتوكيد ... وقد فصلت من المضارع بياء المخاطبة المحذوفة والتي تعد كالمذكورة؛ فبقي معربا. ولو كانت نون التوكيد مخففة لحذفت لها نون الرفع أيضا. فيتلاقى الساكنان، فتحذف ياء المخاطبة. 4- وإن أريد إسناده لنون النسوة بغير توكيد، قبل: أأنتن تجرين؟

فالمضارع: "تجري" مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة "الفاعل". وعند التوكيد: "تجرينان" فالمضارع "تجري" مبني على السكون، ونون النسوة بعده ضمير فاعل، والألف زائدة للفصل، ونون التوكيد المشددة حرف، ويجب تشديده وتحريكه بالكسر1، ولا تجيء المخخفة هنا. أ- يستخلص مما سلف أن المضارع المعتل الآخر تلحقه التغيرات الآتية عند إسناده لضمائر الرفع البارزة بغير توكيد، وأن كل ضمير منها يعرب فاعلا: 1- إن كن معتلا بالألف قلبت ياء مفتوحة، عند إسناده لألف الاثنين، وساكنة من نون النسوة. وحذفت هذه الألف للتي للعلة عند إسناده لواو الجماعة وياء المخاطبة، مع بقاء الفتحة التي قبلها في الحالتين، لتدل عليها بعد الحذف. زيادة نون الرفع بعد ألف الاثنين، وواو الجماعة، وياء المخاطبة؛ لتكون علامة لرفع المضارع المعرب. أما نون النسوة فالمضارع معها مبني على السكون دائما؛ فلا توجد معها نون للرفع. 2- وإن كان معتلا بالواو أو بالياء بقيا عند الإسناد لألف الاثنين، وتحركا بالفتحة لمناسبة الألف، وتجيء بعد الألف نون الرفع التي هي علامة لرفع المضارع؛ وبقيا كذلك عند الإسناد لنون النسوة، ولكنهما لا يتحركان؛ لأن المضارع يبنى على السكون عدن إسناده لنون النسوة. ويجب حذفهما مع واو الجماعة وياء المخاطبة مع ضم ما قبل واو الجماعة وكسر ما قبل ياء المخاطبة، وزيادة نون الرفع بعدهما في حالة رفع المضارع. ب- ويستخلص كذلك أن إسناده إلى تلك الضمائر مع توكيده يستلزم ما يأتي: 1- حذف ألف العلة عند الإسناد لواو الجماعة وياء المخاطبة مع تحريك الواو بالضم، والياء بالكسر. وقلب ألف العلة ياء عند الإسناد لأف الاثنين، أو نون النسوة، مع مجيء

_ 1 طبقا للبيان الذي في ص191 رقم 5.

نون التوكيد مشددة فيهما ومكسورة ومع إيجاد ألف فاصلة بين نون النسوة، ونون التوكيد المشددة. 2- ترك حرفي العلة "الواو والياء"، مع فتحهما، عند الإسناد لألف الاثنين، ويجب أن تكون نون التوكيد مكسورة مشددة بعد هذا الضمير. والمضارع معرب في هذه الصورة. ويتركان على حالهما من السكون عند الإسناد لنون النسوة "لأن المضارع معها مبني على السكون" وبعدها ألف فاصلة، فنون التوكيد الثقيلة المكسورة. أما عند الإسناد إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة فيجب حذف حرفي العلة كما يجب حذف الضميرين "الواو والياء مع ترك الضمة قبل الواو والكسرة قبل الياء". 3- حذف نون الرفع في جميع الحالات. وهي لا توجد مع وجود نون النسوة. 4- ذكر نون التوكيد مشددة مفتوحة أو مخففة ساكنة في جميع الحالات، إلا مع ألف الاثنين ونون النسوة فيجب تشديدها وكسرها في الحالتين، كما يجب زيادة ألف فاصلة بين نون النسوة ونون التوكيد1 ...

_ 1 يقول ابن مالك في حكم المضارع المعتل الآخر المسند لضمائر الرفع: ..................................... ... وإن يكن في آخر الفعل ألف-6 فاجعله منه رافعا غير اليا ... والواو ياء؛ كاسعين سعيا-7 "اجعله منه ياء. أي: اجعل الألف ياء حالة كون الألف من الفعل، ومن حروفه، وليست ضميرا فالضمير في: "اجعله" راجع للألف. وفي: "منه" راجع للفعل، والجار والمجرور خال من الهاء التي هي المفعول الأول للفعل: اجعل. أما مفعوله الثاني فهو كلمة: "ياء" المتأخرة". والمعنى: اجعل حرف العلة الألف ينقلب ياء؛ إذا رفع الفعل ضميرا غير واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، بأن رفع الاسم الظاهر، أو الضمير المستتر، أو ألف الاثنين، أو نون النسوة: نحو: أيرضين الصديق أترضين يا أخي، أترضيان يا أخوي؟، أأنت ترضيان؟ واقتصر الناظم على مثال للأمر المسند للمخاطب الواحد؛ هو: اسعين سعيا. أما إن رفع المضارع واو الجماعة، أو ياء المخاطبة فقد طالب ابن مالك بحذف حرف العلة الألف مع تحريك الضمير بحركة تناسبه؛ وهي الضمة للواو، والكسرة للياء، وترك الفتحة قبل الألف المحذوفة. يقول:=

5- المضارع في جميع الحالات السالفة معرب؛ لوجود الضمير فاصلا بينه وبين نون التوكيد. إلا عند الإسناد لنون النسوة فيكون مبنيا على السكون، لأن نون النسوة تتصل به مباشرة في جميع حالات إسناده إليه. الكلام على الأمر 1: حكم الأم صحيح الآخر ومعتله، كمضارعه عند الإسناد لضمائر الرفع البارزة، بتوكيد، وبغير توكيد؛ بلا فرق بينهما إلا من ناحية أن الأمر مبني دائما ولا تتصل بآخره نون رفع مطلقا، -كما أشرنا سالفا2. ما حكم نون التوكيد بنوعيها عند الوقف عليها؟ الجواب في رقم 4 من الملاحظات التي في آخر الجدول الآتي.

_ = واحذفه من رافع هاتين، وفي ... واو وياء شكل مجانس قفي-8 نحو اخشين يا هند بالكسر ويا ... قوم اخشون واضمم وقس مسويا-9 "مجانس: مناسب للضمير، ولائق به، قفي. تبع. أي: توبع فيه كلام العرب، وحوكي الوارد عنهم". وإنما تحذف الألف، وتبقى الفتحة التي قبلها، وتضم الواو، وتكسر الياء إذا أكد الفعل بالنون. فإن لم يؤكد بها لم تضم الواو، ولم تكسر الياء، وإنما يجب تسكينهما، نحو: يا قوم هل ترضون بغير النجوم مقعدا؟ يا بنت بلادي: هل ترضين بغير الفخار مقصدا؟ وقد ترك التفصيل الخاص بالفعل المعتل الآخر، وإن كان المفهوم منه حذف حرف العلة لأجل واو الضمير، أو يائه، مع ضم ما بقي قبل واو الضمير، وكسر ما بقي قبل ياء الضمير. وعند توكيد المعتل بأحد هذين الحرفين يجري عليه ما يجري على الصحيح؛ فتحذف نون الرفع، وواو الضمير، وياؤه؛ طبقا لما قدمناه من الأحكام المفصلة الخاصة بالمعتل. ثم انتقل بعد ذلك إلى الأبيات الخمسة الخاصة بنون التوكيد الخفيفة وختم بها الباب، وقد شرحناها في مكانها المناسب من هامش ص179 و180 و182 و183، وقد وزعت فيها الأبيات الآتية: "ولم تقع خفيفة ... "، و"وألفا زد ... "، "واحذف خفيفة ... "، "واردد إذا حذفها ... "، "وأبدلنها"، وأرقامها 10، 11، 12، 13، 14. 1 سبق الكلام على المضارع في ص185. 2 في ص171.

المسألة 145: ما لا ينصرف

المسألة 145: ما لا ينصرف مدخل ... المسألة 145: ما لا ينصرف معنى الصرف 1: الاسم المعرب قسمان: 1- قسم يدخله نوع أصيل2 من التنوين، لا يدخل غير هذا القسم، ولا يفارقه في حالات إعرابه المختلفة. -"إلا عند وجود طارئ معارض؛ كإضافة الاسم، أو اقترانه "بأل"3 أو قوعه منادى معرفا. أو اسما مفردا لـ "لا" النافية للجنس ... "- ويدل وجوده على أن الاسم المعرب الذي يحويه أشد تمكنا في الاسمية من سواه؛ ولهذا يسمى: "تنوين الأمكنية"4، أي: التنوين

_ 1 الحروف كلها مبنية، وكذلك الأفعال، إلا المضارع المجرد من نون التوكيد المباشرة، ومن نون الإناث، فإن اتصل بإحداهما اتصالا مباشرة، صار مبنيا. أما الأسماء فمنها: "المعرب"، ومنها: "المبني". ومن المعرف ما يسمى: المتمكن الأمكن، وهو: "المنصرف"، وما يسمى: "المتمكن غير الأمكن"، وهو: "غير المنصرف". ويقول النحاة: إن الاسم إذا أشبه الحرف يبنى، وإذا أشبه الفعل منع من الصرف. وقد سبق في الجزء الأول "م6 ص72 وما بعدها" تفصيل الكلام على هذا كله، وبيان أحكامه، وحقيقة الرأي في كل -وستجيء لمحة منه في هامش ص304. ملاحظة: يجري في تعبيرات بعض القدماء استعمال كلمة: "الإجراء" بمعنى "الصرف"، و"عدم الإجراء" بمعنى: "منع الصرف"، وكذلك المجرى وغير المجرى. ومن أمثلة ذلك ما جاء في ج1 ص85 من كتاب: "النوادر" لأبي مسحل الأعرابي ونصه: قال الأموي: سمعت بني أسد يذكرون "الموسى" -موسى الحجام- ويجرونه. فيقولون هذا موسى كما ترى. وهو "مذمل" من أوسيت. قال: ويجرون اسم الرجل إذا كان اسمه موسى؛ فيقولون هذا موسى قد جاء؛ فيلحقونه باوسيت؛ فيجرونه. ومن جعله أعجميا لم يجره. وجعله بمعنى: "فعل". وقال الكسائي: سمعتهم يؤنثون "موسى" الحجام، ولا يجرونها؛ فيقولون هذه موسى. كما ترى". ا. هـ. 2 من التنوين ما هو أصيل، وينحصر في أربعة أنواع سبق بيانها، وإيضاح أحكامها "في ج1 ص33 م3" وهي: تنوين الأمكنية -تنوين التنكير، تنوين المقابلة، تنوين العوض. وما هو غير أصيل؛ كتنوين الضرورة الشعرية، وتنوين الترنيم، والتنوين الغالي، وقد أوضحناها في المرجع السابق. 3 مهما كان نوعها. 4 لا بد من فهم هذا النوع من التنوين فهما دقيقا: كي يتيسر إدراك "الممنوع من الصرف" على وجهه الحق. ولن يتأتى الفهم الدقيق إلا بالإلمام التام بالأنواع الأربعة الأصيلة، وتفهمها عند تفهم "تنوين الأمكنية" ليتميز بعضها من بعض، ولا يختلط أمرها.

الدال على أن هذا الاسم المعرب أمكن1 وأقوى درجة في الاسمية من غيره. ويسمى أيضا: "تنوين الصرف"2 وبهذا الاسم يشتهر عند أكثر النحاة3. ووجوده في الاسم المعرب يفيده خفة في النطق، فوق الدلالة على الأمكنية. وإذا ذكرت كلمة "التنوين" خالية من التقييد الذي يبين نوعه كان المقصود: "تنوين الأمكنية"، أي: "الصرف". ومن أمثلة الأسماء المشتملة عليه، أو التي تستحقه لولا الطارئ المعارض ما جاء في قول شوقي: إنما الشرق منزل لم يفرق ... أهله إن تفرقت أصقاعه وطن واحد على4 الشمس، والفصـ ... حي، وفي الدمع والجراح اجتماعه وإنما كان وجود هذا التنوين دليلا على "الأمكنية" لأن انضمامه إلى "الإعراب" في اسم واحد جعل هذا الاسم مشتملا على علامتين بدلا من واحدة، يبعدانه كل البعد عن الحروف وعن الأفعال؛ هما: "التنوين"، و"الإعراب"؛

_ 1 "أمكن"، أفعل تفضيل من الفعل الثلاثي: "سكن مكانة"، إذا بلغ الغاية في التمكن، ومن هنا جاء تنوين الأمكنية. ولا يصح أن يكون من الفعل: "تمكن" لأن هذا غير ثلاثي لا يجيء فيه "أفعل" مباشرة. 2 من معاني "الصرف" في اللغة: "التصويت -اللبن الخالص- الانصراف عن شيء إلى آخر ... " ومن أحد هذه المعاني أخذ "الصرف النحوي". فالتنوين تصويت في آخر الاسم المنصرف -أو الاسم المنصرف خالص من مشابهة الحرف والفعل؛ أو منصرف عن طريقهما إلى غيره؛ إلى طريق الاسمية المحضة. ويعبر بعض القدماء -كما سبق في هامش الصفحة الماضية- عن "الصرف"، و"منع الصرف" ... بالإجراء، وعدم الإجراء. 3 وفي هذا يقول ابن مالك في أول الباب الذي عقده بعنوان: "ما لا ينصرف": -وسنذكر على يسار كل بيت رقم ترتيبه في بابه: الصرف: تنوين أتى مبينا ... معنى به يكون الاسم أمكنا-1 وبعض النحاة يسمى التنوين كله: "صرفا". 4 يصلح الحرف "على" هنا أن يكون معناه: التعليل، أي: بيان العلة والسبب. "اعتمادا على ما سبق بيانه من معاني الحرف الجار "على" ج2 م90 ص740".

إذ التنوين لا يدخل الحروف ولا الأفعال. وكذلك الإعراب، لا يدخل الحروف ولا أكثر الأفعال. فبهذا التنوين المقصور على الأسماء المعربة1 صار الاسم القوي المتمكن بالإعراب أقوى وأمكن باجتماع الإعراب والتنوين معا. كما صار أخف نطقا. وليس من هذا القسم تنوين جمع المؤنث السالم الباقي في دلالته على جميعه، نحو: هؤلاء متعلمات فاضلات؛ لأن هذا تنوين للمقابلة، ولأنه قد يوجد في الاسم غير المنصرف؛ كالعلم المؤنث المنقول من جمع مؤنث سالم؛ مثل: سعادات - عطيات - زينات ... فإن هذا العلم المنقول من جمع المؤنث السالم -يجوز صرفه، مراعاة لأصله الذي نقل منه، فيكون تنوينه -كتنوين أصله- للمقابلة للأمكنية. ويجوز عدم صرفه، مراعاة للحالة التي هو عليها الآن؛ وهي أنه: علم على مؤنث؛ فيكون غير أمكن أيضا2. وليس من تنوين "الأمكنية" كذلك تنوين "العوض" ولا تنوين "التنكير"؛ لأنهما يدخلان الأسماء المنصرفة وغير المنصرفة3 ... وسيتكرر في هذا الباب وغيره كلمة: "الصرف" مرادا منها تنوين "الأمكنية" جريا على الشائع4. 2- قسم لا يدخله هذا النوع الأصيل من التنوين، ويمتنع وجوده فيه؛ فيكون امتناعه دليلا على أن الاسم المعرب متمكن في الاسمية، ولكنه غير أمكن، إذ لا يبلغ في درجة التمكن، وقوته، مبلغ القسم السالف؛ كالأسماء: عمر، عثمان، مريم، عبلة ... وغيرها من الأسماء الممنوعة من الصرف؛ أي: الممنوعة من

_ 1 وواضح أنه لا يدخل المبنيات مطلقا. 2 ستجيء الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش الصفحة التالية وكذلك في "ج" من ص240. 3 يدخل تنوين العوض الأسماء غير المنصرفة؛ نحو: دوع، ليال، سواع، غواد، هواد، "كما سيجيء في ص209" وقد يدخل الأسماء المنصرفة أيضا، نحو: "كل"؛ و"بعض"؛ فيكون للعوض والصرف معا؛ لا لأحدهما. أما تنوين التنكير فالغالب دخوله على المبينات لإفادة تنكيرها. وقد يدخل على الاسم المعرب لهذا الغرض. كما سبق تفصيل هذا في باب: التنوين "ج1 م3 ص33"، وكما سيجيء بعضه هنا وفي "ب" من ص251. 4 عند غير ابن مالك، ومن وافقه.

أن يدخل عليها تنوين: "الصرف" الدال على "الأمكنية"، والمؤدي إلى خفة النطق، "لأن هذا التنوين يرمز إلى الأمرين المذكورين ويدل عليهما، كما أسلفنا". وإنما كان هذا القسم "متمكنا غير أمكن"، لاشتماله على علامة واحدة، هي الإعراب، وبسببها كان محصورا في الأسماء المعربة وحدها. أما تنوين "الأمكنية" فلا يدخل هذا القسم. وبسبب حرمانه هذا التنوين، وامتناع دخوله، اقترب من الفعل والحرف؛ إذ صار شبيها بهما في حرمانهما التنوين، وامتناع دخوله عليهما. وإذا امتنع دخول تنوين "الأمكنية" على الاسم الذي لا ينصرف امتنع، -تبعا لذلك- جره بالكسرة؛ فيجر بالفتحة نيابة عنها1، بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقترنا "بأل"2 -مهما كان نوعها- فإن أضيفن أو اقترن "بأل"3 وجب جره بالكسرة. -وهذا هو حكم الممنوع من "الصرف"، وسيجيء الكلام عليه4. لكن كيف يمكن التمييز بين القسمين، والحكم على الاسم المعرب بأنه من القسم الأول "الأمكن" أو من القسم الثاني "المتمكن"؟ لقد اقتصر النحاة على وضع علامات مضبوطة تميز الاسم المعرب المتكن، وهو "الممنوع من الصرف"، وتدل عليه بغير خفاء ولا غموض، واكتفوا بها؛ لعلمهم أنها متى وجدت في اسم معرب كانت دليلا على أنه "لا ينصرف"، ومتى خلا منها كان فقدها دليلا على أنه من القسم الأول: وهو: "المعرب الأمكن"، أي: "المعرب المنصرف". فعلامة الاسم المعرب الذي لا ينصرف "وجودية"، وعلامة المعرب المنصرف"، "عدمية؛ أي: سلبية". غير أن

_ 1 إلا العلم الذي أصله جمع مؤنث سالم ثم صار علما منقولا؛ فإنه يجوز إعرابه مصروفا كأصله، رفعا ونصبا، وجرا، ويجوز إعرابه كالممنوع. -كما عرفنا في الصفحة السابقة، وكما سيجيء في: "ج" من ص240 وفي1 من ص264. 2 و3 أو ما يقوم مقامها "انظر "ب" ص207". 4 في الصفحات التالية، ثم في ص264 بعض لأحكام العامة المهمة.

العلامة الدالة على منع الاسم من الصرف قد تكون واحدة، وقد تكون اثنتين معا، لهذا كانت الأسماء الممنوعة من الصرف نوعان: نوع يمنع صرفه في كل استعمالاته حين توجد فيه هذه العلامة الواحدة، ونوع يمنع صرفه بشرط أن توجد فيه علامتان معا1 من بين علامات تسع. ومجموع النوعين أحد عشر شيئا:

_ 1 يعبر النحاة عن هذا بقولهم: إن الاسم يمنع من الصرف لوجود علتين فيه، أو علة واحدة تقوم مقام العلتين ... والتعبير بعلتين ليس دقيقا؛ لأن كل علة واحدة لا بد لها من معلول واحد، فالعلتان لا بد لهما من معلولين حتما. فكيف يجتمع علتان على معلول واحد؟ فإن كانتا قد اشتركتا معا في إيجاد المعلول الواحد لم تكونا علتين، وإنما هما علة واحدة ذات جزأين اشتركتا معا في إيجاد هذا المعلول الواحد. اللهم إلا أن يكون مرادهم علتين، أي: عيبين. ويقولون في تعليل منع الاسم من الصرف كلاما لا تطمئن إليه النفس، ولا يرتاح إليهما لعقل. نلخصه للمتخصصين، لإبانة ضعفه وتهافته، مع دعوتنا إلى نبذه وإهماله إهمالا تاما. يقولون: إن التنوين الأصلي خاصة، خواص الأسماء، لا وجود له في الأفعال ولا الحروف. وإن الحرف كلها مبنية، وكذلك الأفعال، إلا المضارع في بعض حالاته. فالاسم إذا أشبه الحرف يبنى "كأن يشبهه في الوضع، أو في المعنى ... أو غيرهما من أنواع الشبه التي عرفناها في صدر الجزء الأول، باب: الإعراب والبناء". وإذا أشبه الاسم الفعل منع من الصرف؛ لأن الفعل أقل استعمالا من الاسم وأضعف شأنا منه؛ فلذلك حرم التنوين الذي هو علامة القوة، والوسيلة لخفة النطق. فإذا اقترب الاسم من الفعل وشابهه في الضعف فقد استحق مثله امتناع التنوين. أما سبب ضعف الفعل عندهم دون الاسم -فأمران: أحدهما: لفظي، وهو: أن الفعل متق من المصدر؛ فالفعل فرع، والاسم أصله، والفرع أضعف من الأصل. ثانيهما: معنوي؛ وهو: أن الفعل محتاج دائما إلى الاسم في الإسناد، وليس كذلك الاسم، فإنه قد يسند إلى اسم مثله؛ ولهذا كان الاسم أخف لكثرة استعماله، والفعل أثقل لقلة استعماله؛ والحاجة ضعف. فإذا وجد في الاسم ضعفان معا لفظي ومعنوي، أو ضعف واحد آخر يقوم مقامها فقد شابه الفعل، واستحق منع التنوين، كما في مثل: "فاطمة" فقد وجد في هذا الاسم الضعف اللفظي، وهو علامة التأنيث؛ إذ التأنيث فرع التذكير، ووجد فيه الضعف المعنوي؛ وهو: العلمية التي هي فرع التنكير: "أما النوع الواحد من الضعف الذي يقوم مقام الاثنين فمحصور في: "ألف التأنيث" بنوعيها؛ "المقصورة والممدودة": وفي "صيغة منتهى الجموع". فوجود ألف التأنيث في آخر الاسم هو علة لفظة، وملازمتها إياه في كل حالاته هي علة معنوية. وخروج صيغة منتهى الجموع عن أوزان الآحاد العربية علة لفظية؛ "إذ ليس في تلك الآحاد مفرد ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم، كعذافر -للجمل القوي- والأسد، أو تكون ألفه عوضا عن إحدى ياءي النسب كيمان وشآم، وأصلهما يمني، وشامي =

أ- فالذي يُمنع صرفه لوجود علامة واحدة هو ما يكون مشتملا على: "ألف التأنيث المقصورة، أو الممدودة"، وكذلك ما يكون على وزن: "صيغة منتهى الجموع". 1- فالمقصورة ألف تجيء في نهاية الاسم المعرب، لتدل على تأنيه، ومثلها الممدودة، إلا أن الممدودة لا بد أن يسبقها -مباشرة- ألف زائدة للمد؛ فتنقلب ألف التأنيث همزة1 ... ومن أمثلة المقصورة: "ذكرى" مصدر، نكرة للفعل: ذكر: بمعنى تذكر" و"رضوى" علم على جبل بالحجاز، بالمدينة"، و"جرحى؛ جمع: جريح" و"حبلى، وصف للمرأة الحامل ... ". وعند إعراب هذه الكلمات نقول في حالة الرفع: إنها مرفوعة بضمة مقدرة على الألف، وفي حالة النصب منصوبة بفتحة مقدرة على الألف، ونقول في حالة الجر: إنها مجرورة بفتحة مقدرة على الألف، نياية عن الكسرة، والتنوين ممتنع في كل الحالات -كما عرفنا. وإنما تجر هذه الأسماء وأشباهها، بالفتحة نيابة عن الكسرة بشرط خلو الاسم من "أل"2 ومن الإضافة. وإلا وجب جره بالكسرة.

_ = "بالياء المشددة" حذفت إحدى الياءين تخفيفا، وجاءت الألف عوضا عنها، وفتحت همزة شامي بعد سكونها ومدت؛ فصار يماني وشامي. ثم أعل إعلال المنقوص "كوال، وراع" فصار يمان وشآم -كما سيجيء في جمع التسكير- ومثلهما ثمان، فأصله: ثمني، نسبة إلى الثمن، فتح أوله تخفيفا ثم حذفت إحدى الياءين ... إلى آخر ما مر، وغير ذلك مما لا تجاريه ولا توافقه صيغة منتهى الجموع ... ، أما العلة المعنوية في صيغة منتهى الجموع فدلالتها على الجمع ... إلا غير هذا مما يقولون. وقولهم بادي التكلف والصنعة، لا يقوى على الفحص، وقد آن الوقت لإهماله نهائيا؛ لأنه لا يثبت أمام الاعتراضات التي تتجه إليه من بعض النحاة القدامى والمحدثين. وقد عرضنا ملخص رأيهم في الجزء الأول "ص34 م3 عند الكلام على التنوين" ثم أوضحنا بعده أن التعليل الحق في "الصرف" وفي منعه هو: كلام العرب الأوائل، واستعمالهم الصحيح الوارد إلينا. والذي نحاكيه. 1 لألف التأنيث بنوعيها أوزان مشهورة، تضمنها الباب الخاص بالتأنيث. "وسيأتي في ص585" وألف التأنيث الممدودة ليست في الحقيقة هي الممدودة، كما يتبين من الشرح السالف، إنما الممدود ما قبلها فوصفت بالمد لملاصقتها له؛ كما سيجيء في الزيادة ص207. 2 أو ما ينوب عنها -كما يجيء في الصفحة الآتية- مهما كان نوع "أل" "كما سبق في ص200 و203".

ومن أمثلة الممدودة: "صحراء، وهي اسم نكرة"، و"زكريا، على إنسان"، و"أصدقاء، جمع صديق"، و"حمراء، وصف للشيء الأحمر المؤنث" ... ، وعند إعراب هذه الكلمات نقول: إنها مرفوعة بالضمة الظاهرة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بالفتحة الظاهرة نيابة عن الكسرة، بشرط خلو الاسم من "أل" ومن الإضافة؛ وإلا وجب جره بالكسرة -كما تقدم. ومن هذه الأمثلة -وأشباهها- يتبين أن ألف التأنيث بنوعيها قد تكون في اسم نكرة؛ كذكرى وصحراء. وقد تكون في معرفة؛ كرضوى وزكرياء، وتكون في الاسم مفرد كالأمثلة السالفة، وفي جمع؛ كجرحى وأصدقاء، وقد تكون في اسم خالص الاسمية؛ كرضوى وزكرياء؛ علمين، أو في وصف1؛ كحبلى وحمراء ... وهي بنوعيها تمنع الاسم في كل الحالات استعماله2 من تنوين الأمكنية، وتوجب جره بالفتحة، بدلا من الكسرة بشرط أن يكون مجردا من "أل" ومن الإضافة3 ...

_ 1 المراد به هنا: الاسم الذي يغلب في استعماله ألا يكون علما، ولا مصدرا. 2 لأنها لا تفارقه مطلقا، "انظر رقم 2 من ص264". 3 وفي هذه الألف بدلالاتها المختلفة يقول ابن مالك: فألف التأنيث مطلقا منع ... صرف الذي حواه، كيفما وقع-2 "مطلقا: أي: بنوعيها، في جميع حالاتهما؛ من ناحية أن كل واحدة تكون خاتمة في معرفة، أو نكرة، في مفرد أو جمع، في اسم أو صفة -ومعنى صرف: تنوين ... ". يريد أن ألف التأنيث تمنع صرف الاسم الذي يشتمل عليها كيفما وقع هذا الاسم، أي: على أي حال كان عليه من التعريف، أو التنكير، أو الاسمية، أو الوصفية، أو الإفراد، أو الجمع ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول النحاة: إن ألف التأنيث الممدودة، كحمراء، وخضراء -وغيرهما- كانت في أصلها مقصورة "أي: حمرى، خضرى ... " فلما أريد المد زيدت قبلها ألف أخرى. والجمع في النطق بين ألفين ساكنتين محال، وحذف إحداهما ينافي الغرض من ذكرها؛ إذ لو حذفت الأولى لضاع الغرض من المد، ولو حذفت الثانية لضاع الغرض من التأنيث، وقلب الأولى حرفا قريبا منها -وهو الهمزة- يفيد الغرض من المد؛ فلم يبق إلا قلب الثانية همزة تدل على التأنيث؛ كما كانت هذه الألف تدل عليه قبل انقلابها. ب- يمنع الاسم من الصرف بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقرونا "بأل" مهما كان نوعها -كما عرفنا-1 ومثل "أل" ما يحل محلها عند بعض القبائل العربية، ومنه: "أم" التي هي بمنزلة "أل".

_ 1 في ص203 الأمور الطارئة التي تعارض وجود التنوين، ومنها: "أل".

2- وصيغة منتهى الجموع1 هي: كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان2، أو ثلاثة أحرف، بشرط أن يكون أوسط هذه الثلاثة حرفا ساكنا3، نحو: "معابد، أقارب، طبائع، جواهر، تجارب، دواب ... "، وكذلك "مناديل، عصافير، أحاديث، كراسي، تهاويل، ... ". ومن هذه الأمثلة -وأشباهها- يتضح أن صيغة منتهى الجموع قد تكون على وزن: "مفاعل"، و"مفاعيل"؛ كمعابد ومناديل. وقد تكون على أوزان أخرى ينطبق عليها وصف تلك الصيغة؛ كباقي الأمثلة السالفة. "ملاحظة": يجري على ألسنة فريق من النحاة أن صيغة منتهى الجموع هي؛ جمع التكسير المماثل لصيغة: "مفاعل"، و"مفاعيل". لكنهم يريدون بالمماثلة: أن الكلمة خماسية أو سداسية، والحرف الأول مفتوح في الحالتين -سواء أكان ميما أم غير ميم- وأن الثالث ألف زادة، يليها كسر الحرف الأول من حرفين بعدها، أو من ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ... فليس المراد بالمماثلة أن تكون جارية على أسس الميزان الصرفي الأصيل الذي يراعى في صوغه عدد الحروف الأصلية والزائدة، وترتيبها، وحركاتها، وسكناتها، مع النطق بالحروف الزائدة كما وردت بنصها في الموزون، وإنما المراد عندهم هو: المماثلة في عد الحروف

_ 1 سبب هذه التسمية موضح في: "هـ" من ص213. 2 وقد يكون أحد الحرفين مدغما في الآخر؛ نحو: خواص، عوام، دواب ... 3 وقد يكون الثاني الساكن ياء مدغمة في مثلها، بشرط وجود هذه الياء المشددة في المفرد أيضا. نحو: كراسي، قساوى "لنوع من الطيور. المفرد: قمري" وبخاتي، "لنوع من الإبل. المفرد: بختي". فليس من هذا ما يكون آخره ياء مشددة زائدة، للنسب أو لغيره: نحو: رباحي "نسبة إلى بلد" حواري "ومن معانيه: الناصر". لأن هذه الياء المشددة ليست في المفرد. وقد خلت المراجع المتداولة كالصبان، والهمع، والتوضيح، والتصريح من اشتراط أن يكون الساكن حرف علة، وهو هنا الياء؛ ليصير بها الجمع على وزن "مفاعيل" واكتفت جميعا باشتراط سكونه. إلا أن "الخضري" في آخر باب: "جمع التكسير" نص على هذا صراحة، بقوله: "لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف إلا وأوسطها ساكن معتل؛ كمصابيح". ا. هـ. ويترتب على هذا أن تكون كلمة "أرادب" المجموعة الممنوعة من الصرف -وأمثالها- غير مشددة الياء، مع أن مفردها. "إردب" بتشديد الباء، ومع أنها مضبوطة بالشكل في: "لسان العرب" بالتشديد ضبطا كتابيا فقط، بوضع شدة فوق الباء، خلافا لبعض المعاجم الأخرى. ويظهر أن ما قاله "الخضري" هو الأعم اأغلب، وأن غيره هو النادر الذي يقتصر فيه على السماع.

الأصلية والزائدة، وترتيبها، وحركاتها، وسكانتها، دون اعتبار لمقابلة الحرف الأصلي بمثله، ودون تمسك بالنطق بالحروف الزائدة نصا؛ فيقولون في "جواهر" إنها على وزن "مفاعل" -مثلا- وفي: "ألاعيب" إنها على وزن: "مفاعيل" -مثلا- مع أن الوزن الصرفي الأصيل يوجب أن تكون الأولى على وزان: "فواعل"، والثانية على وزان: "أفاعيل"، فالأمر عند هذا الفريق مجرد اصطلاح يراعى في العمل به ما وضع له. والأحسن: الاقتصار على التعريف الأول؛ لعدم معارضته الميزان الصرفي الأصيل1. حكم صيغة منتهى الجموع: وهو حكم غيرها من الأسماء الممنوعة من الصرف؛ فيجب تجريدها من تنوين "الأمكنية"2، كما يجب جرها بالفتحة نيابة عن الكسرة، بشرط ألا تكون مقترنة "بأل" وألا تكون مضافة. فترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالفتحة أيضا، نيابة عن الكسرة، إلا إذا كانت مضافة أو مقترنة بأل؛ فتجر بالكسرة مباشرة3. ومن أحكامها: أنها إذا تجردت من "أل" و"الإضافة"، وكانت اسما منقوصا4 "مثل: دواع، جمع: داعية، وثوان، جمع: ثانية. وأصلهما:

_ 1 اعترض بعض النحاة على التعريفين السابقين لصيغة منتهى الجموع، وعلى أنها الصيغة المماثلة لصيغة: "مفاعل" ومفاعيل، ووضع تعريفا آخر يحوي شروطا سبعة. واعتراضه ضعيف، وتعريفه طويل معقد، ولا حاجة تدعو إلى تسجيله كما سجله بعض النحاة وشرح غامضه؛ ومنهم الخضري في حاشيته. والصبان. 2 وكذلك لا يدخلها تنوين التنكير -كما سيجيء في "ج" من ص212- وقد يدخلها تنوين العوض كما أوضحنا "في رقم 3 من هامش ص202" ولكنه نوع يخالف النوعين السابقين. 3 راجع "ج" من ص212 ورقم 2 من ص264. وقد اجتمع الصرف -بسبب وجود "أل" وعدمه في قولهم" للمواهب ضرائب، يدعها الموهوب من دمه، وعقله، ونبيل شعوره. 4 هو اسم المعرب الذي آخره ياء لازمة، غير مشددة، قبلها كسرة، مثل: هاد، راض مستقص، متعال ... وهذه الكلمات -وأشباهها- مختومة في أصلها بالياء الساكنة اللازمة التي حذفت بسبب مجيء التنوين -وقد سبق إيضاحه وتفصيل الكلام على أحكامه مختلفة في ج1 ص124 م15.

دواعي، وثواني". كان الأغلب1 -هنا- أن تحذف ياؤها، ويجيء التنوين عوضا عنها2. وتبقى الكسرة قبلها في حالتي الرفع والجر. أما في حالة النصب فتبقى الياء، وتظهر الفتحة عليها بغير تنوين؛ نحو: "للرحلات دواع تحتمها. وما عرفت لإغفالها من دواع. فعلى أهل النشاط، والرغبة في المعرفة والتجربة أن يجيبوا دواعي الارتجال؛ والتنقل بين مشارق الأرض ومغاربها ... " فتكون مرفوعة بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بفتحة على الياء المحذوفة، ومنصوبة بالفتحة الظاهرة، ومجرورة بفتحة مقدرة على الياء المحذوفة، نيابة عن الكسرة والتنوين المذكور في حالتي الرفع والجر عوض عن حرف الياء3. فإن كنت سما منقوصا مقترنا بأل، أو مضافا واجب أن تبقى ياؤها في كل الحالات، غير أنها تكون ساكنة في حالتي الرفع والجر وتقدير عليها الضمة والكسرة، وتكون متحركة بالفتحة الظاهرة في حالة النصب، نحو: من الثواني تكون الساعات والأيام؛ فليس العمر إلا الثواني التي نستهين بها. وليست الثواني إلا قطعا من الحياة نفقها، ونحن عنها غافلون. ومثل: دواعي الخير والشر كثيرة، تكاد تخلط إلا على العاقل الأريب؛ فإنه يميز دواعي الخير، ويستجيب لها سريعا، ويدرك عاقبة الشر، ويفر من دوايعه4 ...

_ 1 ويحسن الاقتصار عليه -انظر "ا" من الزيادة، ص212. 2 لأن تنوين العوض غير ممنوع هنا، بخلاف تنوين الأمكنية -كما سبق في باب التنوين، ج1 م3 ص32. 3 انظر رقم 3 من ص266. 4 مما تقدم يتبين أن المنقوص الذي هو صيغة منتهى جموع، والمنقوص المفرد، يتشابهان عند تجردهما من "أل" والإضافة في وجوب حذف الياء رفعا وجرا، وبقائها مع ظهور الفتحة عليها في حالة النصب، ورفعهما بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، كما يتشابهان في وجود التنوين رفعا وجرا. ويختلفان بعد ذلك في أن المنقوص المفرد المجرد من "أل والإضافة" يلحقه التنوين في حالة النصب أيضا. وتنوينه عند حذف يائه رفعا وجرا فقط -كما سبق- وتنوينه "عوض" عن الياء المحذوفة، وليس تنوين "أمكنية" ولا يجوز تنوينه في حالة النصب. ويختلفان كذلك في الجر؛ فالمفرد يجر بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة أما الآخر فيجر بفتحة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على الياء المحذوفة؛ لأنه ممنوع من الصرف. ويختلفان كذلك في أن حذف الياء في صيغة منتهى الجموع هو للخفة، أو للتخلص من التقاء الساكنين -على خلاف في ذلك- أما في المفرد فللتخلص من التقاء الساكنين، بيان هذا ما يقولون في كلمة منقوصة للمفرد، مثل: "داع"، وأن أصلها: "داعي" "داعين" استثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة؛ فصارت الكلمة: "داعين"، التقى ساكنان لا يصح هنا التقاؤهما: الياء والتنوين المرموز له بالنون الساكنة؛ حذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، فصارت: داع "داعن". أما في كلمة هي منتهى الجموع؛ مثل: "دواع" فأصلها: دواعي "دواعين" فعل اعتبار أن حذف الياء سابق على منع الصرف، استثقلت الضمة على الياء فحذفت؛ فصارت: دواعين؛ التقى ساكنان الياء والتنوين المرموز له بالنون الساكنة؛ فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصارت الكلمة: دواع "دواعن". ثم حذف التنوين؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف، وحل محله تنوين آخر؛ ليكون عوضا عن الياء المحذوفة، وليمنع رجوعها عند النطق، فصارت: "دواع". أما على اعتبار أن الحذف متأخر عن منع الصرف فالأصل: "دواعي" "دواعين" حذف التنوين لمنع الصرف؛ فصارت الكلمة: "دواعي" استثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم حذفت الياء طلبا للخفة، وجاء تنوين آخر للعوض عنها، ولمنع رجوعها. "هكذا يقولون، وقد أوضحنا ما فيه بإسهاب في ج1 ص24 م3 كما أوضحنا هناك ما يحسن الأخذ به"، وكل ما سبق هو في المنقوص الخالي من "أل والإضافة". فإن كان المنقوص بنوعيه -المفرد والجمع المتناهي- مضافا أو مقرونا بأل، فالحكم واحد؛ هو منع تنوينه، وعدم حذف يائه. ويرفع بضمة مقدرة على الياء، وينصب بفتحة ظاهرة عليها، ويجر بكسرة مقدرة عليها. "ملاحظة": يقول الصبان في آخر هذا الباب ما نصه: "لو سميت بالفعل: "يغزو" و"يدعو" ورجعت بالواو للياء؛ أجريته مجرى "جوار" وتقول في النصب: رأيت يرمي ويغزي. قال بعضهم: وجه الرجوع بالواو للياء ما ثبت أن الأسماء المتمكنة ليس فيها ما آخره واو قبلها ضمة؛ فتقلب الواو ياء، ويكسر ما قبلها. وإذا سميت بكلمة: "يرم" من "لم يرم" رددت إليه ما حذف منه، ومنعته من الصرف: "تقول: هذا يرم، ومررت بيرم، والتنوين للعوض، ورأيت يرمى. وإذا سميت بكلمة: "يغز" من قولنا: "لم يغز" قلت: هذا يغز، ومررت بيغز، ورأيت يغزي. إلا أن هذا يراد إليه الواو، وتقلب ياء؛ لما تقدم، ثم يستعمل استعمال "جوار"....". ا. هـ. وقد نقلنا كلام الصبان هذا في الجزء الأول م16 ص146 وقلنا: إن فيه فوق التخيل البعيد ما يستدعي التوقف بل الإهمال؛ إذ يؤدي الأخذ به اليوم إلى تغيير صورة العلم تغييرا يوقع في اللبس والإبهام، واضطراب المعاملات -ولهذه المسالة صلة بما سيجيء في ص247 وهو: "العلمية ووزن الفعل".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا1 إن حكم المنقوص من صيغ منتهى الجموع إذا كان مجردا من "أل" والإضافة هو في الأغلب الذي يحسن الاقتصار عليه -حذف يائه رفعا وجرا، مع بقاء الكسرة قبلها، ومجيء التنوين عوضا عنها ... وإنما كان هو الأغلب لأن بعض العرب2 يقلب الكسرة قبل الياء فتحة؛ قتنقلب الياء ألفا بشرط أن يكون وزن المنقوص كوزن إحدى الصيغ الأصيلة لمنتهى الجموع، والكثير أن يكون مفرده اسما محضا على وزن: "فعلاء" الدالة على مؤنث ليس له -في الغالب- مذكر: كصحراء وصحار؛ وعذراء وعذار؛ فيقول فيهما: صحارى، وعذارى ... ، رفعا، ونصبا، وجرا، بغير تنوين؛ نحو: "في بلادنا صحارى واسعة، إن صحارى واسعة تحيط ببلادنا، تحوي كنوزا نفيسة من المعادن المختلفة، وقد اتجهت العزائم إلى تعمير صحارى لا حدود لها على جانبي وادنيا الخصيب" ... ، فكلمة "صحارى" اسم مقصور، ممنوع من الصرف. وفي بعض اللهجات العربية تثبت ياء المنقوص في كل أحواله، وتكون ساكنة رفعا وجرا، وتظهر عليها الفتحة نصبا. ب- صيغة منتهى الجموع لا تكون في اللغة العربية إلا جمع تكسير بالوصف السالف3، أو منقولة عنه. ولا تكون لمفرد بالأصالة. أما كلمة "سراويل" مرادا بها: الإزار المفرد، فهي أعجمية الأصل4 ... وهي اسم مؤنث في جميع استعمالاتها؛ تقول: هذه سراويل قصيرة لبسها السباح. ج- وصيغة منتهى الجموع -في كل الاستعمالات- تمنع الاسم من

_ 1 في ص209. 2 كما سيجيء في ص268 -وانظر ما يتصل بهذا في رقم 20 من ص657 باب: جمع التكسير. 3 في ص208. 4 كما سنعرف في ص214، حيث البيان المفيد عن الملحقات بصيغة منتهى الجموع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنوين "الأمكنية" وتنوين "التنكير"1 سواء أكان الاسم علما أم غير علم، فلو سمي إنسان باسم على وزن صيغة من صيغها فإنه يمنع من الصرف، لشبه منتهى الجموع؛ لأن مدلولها في هذه الصورة مفرد لا جمع تكسير. وذلك المنع بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقرونا بأل -كما تقدم. د- عرفنا2 أن مثل: كراسي، قماري، بخاتي ... ممنوعة من الصرف بالتفصيل السالف. فإذا نسب إليها حذفت هذه الياء المشددة "التي هي في الجمع وفي مفرده" وحل محلها ياء أخرى مشددة، من نوع آخر؛ هي ياء النسب، ولا يمنع الاسم من الصرف مع ياء النسب3 ... هـ- تسمى صيغة منتهى الجموع: بالجمع المتناهي أيضا، لانتهاء الجمع إليها؛ فلا يجوز أن يجمع بعدها مرة أخرى. بخلاف كثير غيرها من جموع التكسير فإنه يجمع، نحو: أنعام، وأكلب، يجمعان على: أناعم، وأكالب4.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 2 من هامش ص209. 2 في ص208 ورقم 3 من هامشها. 3 راجع ما يختص بهذا في باب النسب -في 1 من ص715. 4 كما في: المصباح المنير، أيضا.

حكم ملحقاتها: ليس الحكم السابق خاصا بصيغة منتهى الجموع الأصلية -وهي نوع من جمع التكسير، كما عرفنا- ولا مقصورا عليها وحدها، وإنما يشملها ما ألحق بها1. والملحق بها هو: "كل اسم جاء وزنه مماثلا لوزن صيغة من الصيغ الخاصة بها مع دلالته على مفرد. سواء أكان هذا الاسم عربيا أصيلا، أم غير أصيل، علما أم غير علم، مرتجلا2 أم منقولا". فمثال العلم العربي المرتجل الأصيل: "هوازن"؛ اسم قبيلة عربية، ومثال العلم المعرب: "شراحيل" وقد استعمله العرب علما، سمي به عدة رجال ... ومن الأعجمي المعرب الذي ليس علما "سراويل" -بصورة الجمع- اسم، نكرة، مؤنث، للإزار المفرد3 ... ومثال الأعلام المرتجلة في العصور الحديثة: "كشاجم4 علم رجل، و"بهادر" علم مهندس هندي، و"صنافير"، علم قرية مصرية، وكذا

_ 1 اكتفى ابن مالك في الكلام على صيغة الجموع بقوله: وكن لجمع مشبه. "مفاعلا" ... أو: "المفاعيل" بمنع كافلا-10 التقدير: كن كافلا -أي: قائما منفذا- لجمع مشبه "مفاعل أو مفاعيل"، بمنع الصرف. وليس من اللازم أن يكون جمعا حقيقة؛ فقد يكون اسما على وزن الجمع. وإنما ذكر الجمع للتمثيل. وليته قال: "ولكن للفظ" والذي يشبه "مفاعل ومفاعيل" هو ما كان مثلهما في عدد الحروف وحركاتها وسكناتها، سواء أكان مبدوءا بالميم أم بغيرها، فليس المراد، "الميزان الصرفي الحقيقي" كما شرحنا -في ص208. ثم تكلم على حكم صيغة منتهى الجموع إذا كانت اسما منقوصا، كالجواري؛ فقال: وذا اعتلال منه كالجواري ... رفعا وجرا أجره كسارى-11 أي: أجر عليه ما تجريه على سار، "وأصله: ساري، اسم فاعل منقوص، فعله: سرى؛ إذا سافر ليلا"، من حذف يائه رفعا وجرا عند تنوينه، وبقائها في حالة النصب، وترك التفصيل الضروري لهذا، وقد عرضناه. 2 العلم المرتجل: ما وضع أول أمره علما، ولم يستعمل من قبل العلمية في معنى آخر، "وقد سبق تفصيل الكلام عليه في باب العلم ج1 ص312 م22". 3 لهذا إشارة في "ب" من ص212. 4 بفتح الكاف. ويجوز فيها الضم؛ فيخرجها عن أوزان صيغة منتهى الجموع، وبالضم يشتهر شاعر عباسي.

"أعانيب". فكل اسم من هذه الأسماء -ونظائرها- يعتبر ملحقا بصيغة منتهى الجموع يجري عليه حكمها، بشرط أن يكون دالا على مفرد، وجاريا على وزن من أوزانها1 -كما سبق- لا فرق في هذا بين العلم، "وهو الأكثر"، وغير العلم. ويقال في إعرابه: إنه ممنوع من الصرف؛ لأنه مفرد على وزن صيغة منتهى الجموع، أو: لأنه مفرد ملحق بها2 ... أما هي فممنوعة أصالة، كما أسلفنا؛ لدلالتها على الجمع حقيقة. وإنما كانت تلك الألفاظ -ومنها سراويل- ملحقات لأنها تدل على مفرد، مع أن صيغتها صيغة منتهى الجموع، وهذه لا يتكون في العربية إلا لجمع أو منقول من جمع. فما جاء على وزنها لمفرد فإنه من الصرف للمشابهة "أي: المماثلة" بين الوزنين. بالرغم من دلالته على مفرد.

_ 1 في هذا يقول ابن مالك: و"لسراويل" بهذا الجمع ... شبه اقتضى عموم المنع-12 وإنه به سمي أو بما لحق ... به، فالانصراف منعه يحق-13 يريد: أن لكلمة "سراويل" وهي اسم على صورة الجمع شبها بصيغة منتهى الجموع؛ لأن "سراويل" -مع دلالتها على اسم مفرد مؤنث- جارية على وزان أحد الجموع، فاقتضى هذا الشبع منعها من الصرف منعا عام "أي: يشمل كل حالاتها التي تكون فيها دالة بصيغتها على المفرد وحده، كما يرى بغض اللغويين، أو عليه حينا وعلى الجمع الذي مفرده "سرواله" حينا آخر؛ كما يرى غيرهم". ثم قال بعد ذلك: إن به سمي -أي: بصيغة الجمع المتناهي- وصار علما على شيء فإنه يحق منه هذا المسمى من الانصراف، أي: من الصرف ... يريد أن كل ما سمي بالجمع المتناهي أو بما ألحق بالجمع المتناهي يمنع من الصرف؛ سواء أكان علما مرتجلا أم منقولا، عربيا أو أعجميا ... 2 إذا كانت صيغة منتهى الجموع الأصيلة، "نحو: مكارم"، أو ما ألحق بها، "نحو: شراحبيل" -علما على مفرد، فما سبب منعها من الصرف؟ أهو مجيء العلم على زن مماثل الأوزان صيغة منتهى الجموع. أم هو العلمية وشبه العجمة؛ لأن هذا الاسم علم، وليس بين أوزان المفرد العربي الأصيل ما يكون على هذا الوزن ... ؟ رأيان.. ويقول سيبويه: إذا طرأ على العلم الموازن صيغة منتهى الجموع ما يقتضي تنكيره، وزوال علميته فإنه يظل ممنوعا من الصرف، لبقاء صورة الجمعية، وشكلها. ويقول غيره: لا يمنع من الصرف؛ لأنه كان ممنوعا منه للعلمية القائمة مقام الجمعية، أو للعلمية وشبه العجمة وقد زالت علميته. والصواب والأيسر رأي سيبويه ومن معه. وبهذا تكون صيغة منتهى الجموع وما ألحق بها ممنوعة من الصرف دائما باطراد، في جميع حالاتها. حتى الحالة التي تكون فيها علما لمفرد ثم زالت علميته ...

ب- الذي يمنع صرفه لوجود علتين معا: لا بد أن تكون إحدى العلتين المجتمعتين معنوية، والأخرى لفظية. وتنحصر العلة المعنوية في "الوصفية" وفي "العلمية"1 وينضم لكل واحدة منهما علة أخرى لفظية لا بد أن تكون من بين العلل السبع الآنية -دون غيرها-2 وهي: "زيادة الألف والنون، وزن الفعل، العدل، التكريب، التأنيث، العجمة، ألف الإلحاق". فينضم للوصفية إما زيادة الألف والنون، وإما وزن الفعل، وإما العدل. وينضم إلى العلمية إما واحدة من هذه الثلاث، وإما التركيب، أو التأنيث، أو العجمة، أو ألف الإلحاق. فالعلل "كما يسميها النحاة" تسع معينة، ليس فيها علة معنوية إلا الوصفية والعلمية. أما السبعة الباقية فلفظية3، لا تصلح واحدة منها لمنع الصرف، إلا إذا انضمت إليها إحدى العلتين المعنويتين. فالاسم يمنع من الصرف: للوصفية مع زيادة الألف والنون، أو الوصفية مع وزن الفعل -أو الوصفية مع العدل. وكذلك يمنع من الصرف للعلمية مع الزيادة. أو العلمية مع وزن الفعل. أو العلمية مع العدل، أو العلمية مع التركيب، أو العلمية مع التأنيث، أو العلمية مع العجمة، أو العلمية مع ألف الإلحاق. وفيما يلي البيان:

_ 1 سواء أكان العلم للشخص أم للجنس -كما سبق في الجزء الأول، باب: العلم. 2 اشترطنا أن تكون العلامتان محصورتين فيما سيذكر هنا؛ لأنه قد يوجد في الاسم المعرب علامتان: إحداهما لفظية والأخرى معنوية ويجب صرفه مع وجودهما. وسبب صرفه أن إحداهما ليست معتبرة في منع الصرف، ولا معدودة من أسبابه، كما في كلمة: "أجيمال" تصغير: "أجمال" جمع تكسير لجمل. فإن "أجيمالا" مصروفة بالرغم من اشتمالها على علمتين، إحداهما: معنوية، هي: التصغير الذي يعد فرعا للتكبير، والأخرى لفظية، وهي الجمع الذي يعتبر فرعا للإفراد. مثل هذا يقال في "حائض وطامث" فإنها مصروفتان حتما مع اشتمالها على علتين غير معتبرتين؛ هما: لزوم التأنيث والوصف. هذا، والسبب الحق في الصرف استعمال العرب ليس غير؛ فإنهم قصروا الممنوع من الصرف على ما سردناه. أما ما يذكره النحاة غير هذا من التعليلات فمرفوض. 3 حتى التأنيث المعنوي في مثل: سعاد - زينب - مي ... فإنه يعتبر في هذا الباب علة لفظية؛ لظهور أثره في اللفظ بتأنيث الفعل له، وعودة الضمير عليه مؤنثا -كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص236.

المسألة 146

المسأ لة 146: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للوصفية 1 وما ينضم إليها وجوبا من إحدى العلل الثلاث: 1- يمنع الاسم من الصرف للوصفية مع زيادة الألف والنون إذا كان على وزن "فعلان" -بفتح الفاء وسكون العين- بشرطين: أن تكون وصفيته أصيلة "أي: غير طارئة"، وأن يكون تأنيثه بغير التاء؛ إما لأنه لا مؤنث له؛ لاختصاصه بالذكور، وإما لأن علامة تأنيثه الشائعة بين العرب ليست تاء التأنيث، كأن يكون، بألف التأنيث ... ، فمثال ما ليس له مؤنث: "لحيان"2، لكبير اللحية. ومثال الآخر عطشان، غضبان، سكران، ريان ... ؛ فإن أشهر مؤنثاتها3: عطشى، غضبى، سكرى، ربا ... 3 ومن الأمثلة قولهم: "كان أبو بكر لحيان2، تزيده لحيته وقارا، وهيبة.

_ 1 ليس المراد بالصفة أو الوصف هنا النعت، وإنما المراد بعض الأسماء المشتقة التي ليست أعلاما، "وقد سبق تعريف الاسم المشتق، وبيان مدلوله في ج3 ص144 م98". 2 و2 على وزن "فعلان" "مفتوح الأول" كما في المراجع النحوية المتداولة، وزاد الصبان فقال إنه على وزن: "رخمان". 3 و3 يشترط أكثر النحاة ألا يكون المؤنث على: "فعلانة" ويمثلون للمستوفي الشرط: بعطشان وغضبان، وسكران ... مع أن كتب اللغة -كالقاموس- تأتي للثلاثة بمؤنث مختوم بالتاء، وبمؤنث آخر ليس مختوما بها. فلا مناص من حمل الشرط النحوي على الأكثر الأغلب في: "فعلان"؛ بأن يتجرد مؤنثه من التاء في المشهور إن تعددت مؤنثاته. وبهذا يصرح ابن جني في كتابه: "المحتسب" -ج2 ص72- حيث يقول ما نصه: "يقال رجل سكران، وامرأة سكرى؛ كغضبان وغضبى. وقد قال بعضهم: "سكرانة"، كما قال بعضهم: "غضبانة". والأول أقوى وأفصح..". ا. هـ. "ملاحظة هامة": أخذ المجمع اللغوي القاهري بالمذهب الكوفي، ولغة بني أسد في إلحاق تاء التأنيث جوازا بكلمة "سكرانة" ونظائرها. وقرار المجمع، وما يتصل به من مذكرات وتقريرات مدون في ص83 و91 من المجلد الشامل للبحوث والمحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الدورة الثانية والثلاثين المنعقد ببغداد سنة 1965 وفيما يلي نص القرار كما قدمته اللجنة المختصة، وواف عليه أغلبية المؤتمرين، وأخذ به المجمع نهائيا: "إن تأنيث "فعلان" بالتاء لغة في بني أسد "كما في الصحاح" -أو لغة بني أسد "كما في المخصص" وقياس هذه اللغة صرفها في انكرة؛ "كما جاء في شرح المفصل". والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء به خيرا، "كما في قول ابن جني"، لذا يجوز أن يقال: "عطشانة وغضبانة، وأشباهها؛ ومن ثم يصرف "فعلان" وصفا، ويجمع "فعلان" ومؤنثة "فعلانة" جمع تصحيح". ا. هـ.

كثير الصمت، وافر الحلم. وما رآه الناس غضبان إلا حين يحمد الغضب". وقوله عليه السلام: "ليس بمؤمن من بات شبعان ريان، وجاره جائع طاو". فإن كان الغالب المسموع على مؤنثه وجود تاء التأنيث في آخره لم يمنع من الصرف؛ نحو: "سيفان، للرحل الطويل الممشوق القامة" "ومصان، للرجل اللئيم"؛ فإن مؤنثهما الشائع: سيفانة ومصانة. وكذلك إن كانت وصفيته غير أصيلة؛ فإنه لا يمنع من الصرف؛ ككلمة: "صفوان" في قولهم: "بئس رجل صفوان قلبه". وأصل الصفوان: الحجر. وإذا زالت الوصفية وحدها وسمى بهذا الاسم؛ بأن صار علما مزيدا بالألف والنون؛ كتسمية رجل بغضبان، أو بعطشان فإنه يظل على حاله ممنوعا من الصرف؛ لأن الوصفية التي زالت حل محلها العلمية الجديدة؛ وبانضمام العلمية الجديدة إلى الزيادة يجتمع في الاسم العلتان المؤديتان إلى منعه من الصرف1. 2- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع وزن الفعل2 بالشرطين السالفين

_ 1 وفي الكلام على الوصفية مع زيادة الألف والنون يقول ابن مالك -بعد كلامه على ألف التأنيث أول الباب: وزائدا "فعلان" في وصف سلم ... من أن يرى بتاء تأنيث ختم-3 "المراد بزائدي "فعلان": الألف والنون والزائدتان في آخره". يقول: إن الاسم يمنع من الصرف إذا اشتمل على الألف والنون الزائدتين بشرط أن يكون وصفا لا يختم آخره بتاء التأنيث عند تأنيثه؛ فلا بد أن يسلم آخره عند التأنيث من هذه التاء، إما لأنه وصف خاص بالرجال، فلا مؤنث له، وإما لأن الغالب على مؤنثه أن يكون بألف التأنيث -وقد سردنا الأمثلة لكل. 2 سواء أكان الوزن خاصا بالفعل، نحو: أجمل - أشرف - أم على وزن مشترك بين الأسماء والأفعال ولكن الفعل به أولى لغلبته في الفعل، أو لدلالته على معنى في الفعل دون الاسم؛ نحو: أحيمر، وأفيضل، "تصغير: أحمر، وأفضل" فهما على وزن: "أبيطر" وهو وزن في الأفعال أكثر. والهمزة في أولهما لا تدل على شيء، مع أنها في الفعل: "أبيطر" تدل على المتكلم. لما سبق وجب مع "أحيمر وأفيضل" من الصرف -"انظر الكلام على لفظ "أعلى" المصغر في ص266 أو كسره، للقوي السمع" فإنها أوصاف أصلية على وزن للفعل، ولكنه وزن مشترك بين الأسماء والأفعال لا يتغلب فيه جانب الفعل.

"وهما: ألا يكون مؤنثه الشائع بالتاء، وألا تكون وصفيته طارئة غير أصيلة". ويتحقق الشرطان في الوصف الذي على وزن "أفعل"، ومؤنثه "فعلاء، أو فعلى"؛ نحو: أحمر وحمراء - أبيض وبيضاء - أجمل وجملاء1، ونحو: أفضل وفضلى، وأحسن وحسنى. وأدنى ودنيا ... فهذه الألفاظ - وأشباهها ممنوعة من الصرف. لتحقق الشرطين. فإن كان الوصف مؤنثه بالتاء لم يمنع من الصرف، نحو: "أرمل" في قولنا: عطفت على رجل أرمل "بالكسرة مع التنوين"، أي: فقير؛ لأن مؤنثه أرملة. وكذلك ينصرف الوصف إذا كان وصفيته طارئة "أي: ليست أصيلة"، نحو "أرنب" في قولنا: مررت برجل أرنب "بالكسرة مع التنوين، أي: جبان". فالوصف منصرف -بالرغم من أن مؤنثه لا يكون بالتاء في الأغلب- لأن وصفيته طارئة، سبقتها الاسمية الأصيلة، للحيوان المعروف. ومما فقد الشرطين معا كلمة: "أربع" في مثل: قضيت في النزهة ساعات أربعا؛ لأن مؤنثها يكون بالتاء؛ فتقول: سافرت أياما أربعا؛ ولأن وصفيتها طارئة عارضة؛ إذ الأصل السابق فيها أن تستعمل اسما للعدد المخصوص في نحو: والخلفاء الراشدون أربعة". ولكن العرب استعملتها بعد ذلك وصفا2؛ فوصفيتها ليست أصيلة سابقة. وبسبب فقد الشرطين وجب صرف الكلمة في جميع استعمالاتها. ومن أمثلة الوصفية الطارئة التي لا يعتد بها في منع الاسم من الصرف كلمات أخرى؛ مثل: "أجدل"، للصقر "وأخيل"، لطائر فيه نقط تخالف

_ 1 قال الكسائي مستدلا: فهي جملاء كبدر طالع ... بذت الخلق جميعا بالجمال 2 لا يجوز في كلمة: "أربع" منع الصرف؛ سواء أكانت الوصفية ملحوظة أم غير ملحوظة: إذ إن مؤنثها بالتاء؛ فالشرط الثاني مفقود دائما؛ فلا يصح منعها من الصرف. وإذا كانت كلمة "أربع" مستعملة في الوصفية العارضة، فمعناها يشمل أمرين، ذوات، وعدد. أي: ذوات معناها العدد المخصوص، والكمية المخصوصة؛ "كما هو الشأن في المشتقات؛ كضارب، فإنه يفيد أمرين: الذات والمعنى الذي هو الضرب". أما إذا كانت مستعملة في مجرد العدد فمعناها الكمية العددية المخصوصة، دون دلالة على ذات -وقد شرحنا- في رقم 1 من هامش ص217 المراد هنا من الصفة، كما شرحنا دلالة المشتق على الذات والصفة في الجزء الثالث.

في لونها سائر البدن" "وأفعى"، للحية. فكل هذه، وما شابهها، أسماء بحسب وضعها الأصلي لتلك الأشياء؛ ولهذا تصرف. وقد يصح في هذه الكلمات -ولا يدخل فيها كلمة: أربع- منعها من الصرف على اعتبار أن معنى الصفة يلاحظ فيها، ويمكن تخيله مع الاسمية، وقد وردت ممنوعة من الصرف في بعض الكلام الفصيح، فالأجدل: يلحظ فيه القوة؛ لأنه مشتق من الجدل "بسكون الدال" بهذا المعنى. والأخيل: يلحظ فيه التلون؛ لأنه من الخيلان، بهذا المعنى. والأفعى: يلحظ فيها الإيذاء الذي اشتهرت به، واقترن باسمها1، وعلى أساس التخيل والملاحظة المعنوية مع السماع يجوز منع الصرف. ولكن الأنسب الاقتصار على صرف هذه الأسماء: لغلبة الاسمية عليها. وهناك ألفاظ وضعت أول نشأتها أوصافا أصلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الاسمية المجردة2 وبقيت فيها، فاستحقت منع الصرف بحسب أصلها الأول الذي وضعت عليه؛ لا بحسب حالتها الجديدة التي انتقلت إليها؛ مثل: "أدهم" للقيد3؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء الذي فيه دهمه، "أي: سواد"، ثم انتقل منه؛ فصار اسما مجردا للقيد؛ ومثل: "أرقم"؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء المرقوم، "أي: المنقط" ثم انتقل منه فصار اسما للثعبان الذي ينتشر على جلده النقط البيض والسود. ومثل: "أسود" فأصله وصف لكل شيء أسود، ثم انتقل منه؛ فصار اسما للثعبان المنقط بنقط بيض وسود، ومثل: "أبطح" وأصله وصف للشيء المرتمي على وجهه: ثم صار اسما للمكان الواسع الذي يجري فيه الماء بين الحصى الدقيق، ومثل: "أبرق"، وأصله وصف لكل شيء لامع براق، ثم صار اسما للأرض الخشنة التي تختلط فيها الحجارة والرمل والطين. وقد يجوز صرف هذه الأسماء على اعتبار أن وصفيتها الأصيلة السابقة قد زالت بسبب الاسمية الطارئة. ولكن الاقتصار على الرأي الأول أنسب. ويفهم مما سبق -في غير كلمة: أربع-4 أن الوصفية الأصيلة الباقية

_ 1 يرى بعض النحاة أن "أفعى" لا مادة لها في الاشتقاق. ويرى آخرون -بحق- أنها مشتقة من فعوة السم، أي: شدته. 2 الخالية من الوصفية والعلمية. 3 المصنوع من الحديد. 4 لما سبق في رقم 2 من هامش الصفحة الماضية.

لا يصح إغفالها في منع الصرف. أما الوصفية الأصيلة التي زالت وحل محلها الاسمية الطارئة المجردة؛ فيصح أن يلاحظ كل منهما عند منع الصرف أو لا يلاحظ؛ بمعنى أنه يجوز -عند وجود إحداهما مع العلة الثانية- صرف الاسم ومنعه من الصرف، بشرط تحقق الشرط الثاني. "وهو ألا يكون تأنيث الوصف بالتاء ... "، وأن الأفضل الاقتصار على حالة واحدة؛ فالصرف أفضل إن كانت الاسمية هي الأصيلة، والوصفية هي الطارئة. والمنع أولى؛ إن كانت الوصفية هي الأصيلة والاسمية هي الطارئة. وفي مراعاة هذه الأفضلية مسايرة للسبب العام في منع الصفة من الصرف، وتيسير في الاستعمال1 ... وإذا سمي بهذا الوصف زالت عنه الوصفية، وحل محلها العلمية؛ فيجتمع فيه العلمية ووزن الفعل؛ وهما علتان يؤدي اجتماعهما إلى منع صرفه؛ كتسمية رجل: أرقم -أو: أسود2:

_ 1 وفي الوصفية الأصيلة والطارئة وما يتبع هذا يقول ابن مالك: ووصف أصلي ووزن أفعلا ... ممنوع تأنيث بتا؛ كأشهلا-4 يريد: أن الاسم يمنع من الصرف للوصف الأصلي مع وزن "أفعل" -وهو وزن الفعل- الممنوع تأنيثه بالتاء. ومثل للمستوفي الشروط بلفظ: "أشبل"؛ تقول طفل أشبل، وطفلة شبلاء. "والشبهل: تغير لون بياض العين فيختلط بالحمرة. أو الزرقة". ثم انتقل بعد ذلك للكلام على الوصفية الطارئة والاسمية الطارئة، وحكمهما، والتمثيل لها، فقال: وألغين عارض الوصفية ... كأربع، وعارض الاسمية-5 فالأدهم: "القيد" لكونه وضع ... في الأصل وصفا -انصرافه منع-6 وأجدل، وأخيل، وأفعى ... مصروفة، وقد ينلن المنعا-7 يقول: ألغ الوصفية العارضة كالتي في أربع، ولا تعتد بها في منع الصرف. وكذلك ألغ الاسمية العارضة. وساق أمثلة للحالتين؛ منها: الأدهم "وهو: اسم للقيد من الحديد" فإنه ممنوع من الصرف مراعاة لوضعه الأول وصفا للشيء الأسود لا مراعاة لاسميته الحالية. ثم ضرب أمثة لألفاظ وضعت في أول أمرها أسماء خالية من الوصفية فصرفت، ويجوز تخيل معنى الوصفية فيها، وملاحظة هذه الوصفية برغم أن تلك الألفاظ لا تزال باقية على اسميتها، ومنها أجدل، أخيل، أفعى. 2 راجع رقم 1 ص217 ورقم 2 من ص264.

3- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع العدل1 في إحدى حالتين: الأول: أن يكون اسم أحد الأعداد العشرة2 الأول، وصيغته على وزن:

_ 1 سبق معنى الوصفية في رقم1 من هامش ص217 أما العدل فيقولون في تعريفه: إنه تحويل الاسم من حالة لفظية إلى أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، بشرط ألا يكون التحويل لقلب، أو لتخفيف، أو لإلحاق، أو لزيادة معنى، فليس من المعدول "أيس" مقلوب "يئس" ولا "فخذ" بسكون الخاء؛ تخفيف "فخد" بكسرها؛ ولا "كوثر" بزيادة الواو؛ لإلحاق الكلمة: بجعفر، ولا "رجيل" بالتصغير؛ لإفادة معنى التحقير وغيره. والعدل يكون في الصفات وله الحالتان التاليتان. ويكون في الأعلام وله صور متعددة أشهرها: "فعل" المعدول عن فاعل. وكذا "فعال" بالشروط والتفصيلات الآتية عند الكلام على منع الاسم من الصرف للعلمية والعدل. ص256. والعدل قسمان: أ- تحقيقي: وهو الذي يدل عليه دليل غير منع الصرف؛ بحيث لو صرف هذا الاسم لم يكن صرفه عائقا عن فهم ما فيه من العدل، وملاحظة وجوده؛ كالعدل في: سحر -وسيجيء في ص258، وآخر ص224 ومثنى، فإن الدليل على العدل فيها ورود كل لفظ منها مسموعا عن العرب بصيغة تخالف الصيغة الممنوعة من الصرف بعض المخالفة، مع اتحاد المعنى في الصيغتين، فسحر بمعنى السحر المعروف، وأُخر بمعنى آخر، ومثنى بمعنى اثنين، وهكذا ... فالذي دل على أن كل واحد من هذه الألفاظ -وأشباهها- معدول، ليس الصرف أو عدمه، وإنما هو وروده عن العرب بصيغة أخرى تخالف صيغته الممنوعة بعض المخالفة مع اتحاد معناه في الحالتين برغم هذه المخالفة. ب- تقديري: وهو الذي يمنع فيه العلم من الصرف، سماعا من العرب، من غير أن يكون مع العلمية علة أخرى تنضم إليها في منع الصرف. فيقدر فيه العدل لئلا يكون المنع بالعلمية وحدها؛ مثل: عمر - زفر ... ؛ فلو سمع مصروفا لم يحكم بعدله، مثل: "أدد" "وهو جد إحدى القبائل العربية كما سيجيء في ص257" وهذا النوع التقديري خاص بالأعلام، ومنها: عمر، زفر، جثم، جمح ... ولا دليل يدل عليه إلا منع العلم من الصرف، وعدم وجود علة أخرى تنضم إلى العلمية في منع صرفه جعلهم يعتبرون العلة الثانية مقدرة. "انظر البيان في رقم 6 من هامش ص256". وفائدة العدل: إما تخفيف اللفظ باختصاره -غالبا- كما في: مثنى وأُخر، ... وإما تخفيفه مع تفرعه وتمحضه للعلمية، فيبتعد عن الوصفية، كما في: عمر وزفر، المعدولين عن عامر وزافر، لاحتمالهما قبل العدل للوصفية. وعندي أن كل ما قيل في العدل وتعريفه وتقسيمه، وفائدته، مصنوع متكلف. ولا مرد لشيء فيه إلا السماع. وخير يقال عند الإعراب في سبب المنع إنه العلمية وصيغة فعال أو مفعل، أو فعل، أو غيرها من الصيغ المسموعة نصا عن العرب. 2 هناك رأي يقصره على بعض العشرة، ولا يبلغ به العشرة. لكن الأرجح هو الرأي الأول. ويؤيده الأمثلة التي عرضها سيبويه في كتابه نقلا عن العرب، مستشهدا بها، وكذلك الأمثلة التي أوردها الهمع -ج1 ص26.

"فعال" أو: "مفعل"، نحو: أحاد وموحد، ثناء ومثنى، ثلاث ومثلث، رباع ومربع، خماس ومخمس، سداس ومسدس، سباع ومسبع، ثمان ومثمن، تساع ومتسع، عشار ومعشر. ويقول النحاة: إن كل لفظ من هذه الألفاظ معدول عن لفظ العدد الأصلي المكرر مرتين للتوكيد؛ فكلمة: "أحاد" في مثل: "صافحت الأضياف أحاد، معدولة عن الكلمة العددية الأصيلة المكررة: "واحدا واحدا" والأصل: صافحت الأضياف واحدا واحدا؛ فعدل العرب عن الكلمتين، واستغنوا عنهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما؛ هي: أحاد، ومثلها موحد"1 وكلتا الكلمتين ممنوعة من الصرف مع أن أصلهما المعدول عنه منصرف، ولا ينظر لهذا الأصل هنا؛ ولهذا كنت كل واحد منهما محتومة المنع من الصرف2. وكلمة: "ثناء"، في مثل: سار الجند ثناء ... ، معدولة عن أصلها العددي المكرر للتوكيد، وهو: "اثنين اثنين" والأصل: سار الجند اثنين اثنين، فعدل العرب عن الكلمتين، وأتوا بدلهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما، هي: ثناء، ومثلها: "مثنى" وهاتان ممنوعتان من الصرف مع أن أصلهما مصروف. ومثل هذا يقال في بقية الأعداد العشرة الأولى المعدولة. والأغلب في هذه الأعداد العشرة المعدولة أن تكون حالا، كالأمثلة السالفة، أو تكون نعتا؛ نحو: شاهدت حول الماء طيورا مثنى؛ وطيورا ثلاث ... أو تكون خبرا؛ نحو: أصابع اليدين والرجلين خماس ... ومن القليل أن تكون مضافا، ومن

_ 1 التعليل النحوي السابق ضعيف؛ فما الدليل على أن العرب الأوائل عدلوا عن استعمال اسم العدد الأصلي المكرر، إلى استعمال الاسم المعدول؟ لا دليل ولا ما يشبهه. والحق أن العرب استعملوا النوعين، وأحدهما مصروف، والآخر ممنوع من الصرف، ولا داعي لذلك التعليل. 2 في هامش الجزء الثاني "م84 ص345" بيان مفيد، تصويب للأساليب المشتملة على التكرار في نحو: صافحت الأضياف واحدا واحدا، وأقبل الجنود اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة.. و.. فقد كان بعض القدماء -كالحريري- يرى أن استعمالها على هذا الوجه خطأ، وما هي بخطأ.

الممنوع أن تكون مقرونة بأل1 ... ويجوز أن يتكرر اللفظ المعدول فيكون التالي توكيدا2 لفظيا للأول، فنقول: سار الجند مثنى مثنى -أو: ثلاث ثلاث ... وهكذا. ومن العرب من يجيز صرف تلك الألفاظ، فيقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، أو ثلاثا ثلاثا ... وهكذا، وعند صرفها يعدها أسماء مجردة من الوصفية، والرأي الأول أكثر وأشهر. الثانية: كلمة: "أخر"؛ في مثل: "سجل التاريخ لعائشة أم المؤمنين، ولنساء أخر أثرهن في السياسة، والثقافة، ونشر العلم"، فهي جمع، مفردة: "أخرى" و "أخرى" مؤنث للفظ مذكر؛ هو: "آخر" ... "بفتح الخاء"، على وزن: "أفعل"، ومعناه: أكثر مغايرة ومخالفة فلفظ: "آخر" هنا: "أفعل للتفضيل"، مجرد من "أل" والإضافة للمعرفة3؛ فحقه أن يكون مفردا مذكرا في جميع استعمالاته ولو كان المراد مه مثنى، أو جمعا، أو مؤنثا، وهذا ما تقتضيه الأحكام العامة لأفعل التفضيل المجرد منهما؛ "نحو: المتعلم والمتعلمة أقدر على نفع الوطن من غيرهما -الإخوان والأصدقاء أنفع في الشدة، وأبعد عن التقصير- ليس بين النساء أفضل، ولا أحسن من الساهرات على تربية أولادهن ... " وبناء على هذا الحكم العام يكون القياس في المثال السابق وأشباهه أنن قول: لعائشة أم المؤمنين ولنساء آخر -بمد الهمزة وفتح الخاء- أثرهن ... ، لكن العرب عدلو عنه. وقالوا: نساء "أخر" بصيغة الجمع، ومنعوه من الصرف؛ فكان العدل بانضمامه للوصفية سببا في منعه من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه

_ 1 وهنا قال الصبان ما نصه: "ادعى الزمخشري أنها تعرف؛ فيقال: فلان تزوج المثنى والثلاث.. قال أبو حيان: ولم يذهب إليه أحد. وكما لا تسرف لا تؤنث؛ فلا يقال مثناه مثلا ... ". ا. هـ. 2 فيكون الغرض من التكرير، لا إفادة التكرار تأسيسا، أي: ابتداء؛ لأن إفادة التكرار التأسيسي -وهو المجرد من التأكيد ابتداء- مفهومة قبل التكرار حتما "نص على هذا الأشموني والصبان". 3 لأن المضاف للمعرفة قد يجوز فيه المطابقة وعدمها بالتفصيل الذي سبق بيانه في باب "أفعل التفصيل" -ج3 م12 ص404.

من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه من الصرف دليلا على وجود العدل فيه مع الوصفية1. وإذا زالت الوصفية وحدها وحل محلها العلمية بقي الاسم على منع الصرف؛ لاشتماله في حالته الجديدة على علتين مانعتين معا لصرفه؛ وهما: العلمية والعدل، كتسمية إنسان: "مثنى" أو "ثلاث" أو نحوهما مما كان في أصله وصفا معدولا، ثم صار علما باقيا على حاله من العدول ... ويتبين مما سبق في الصور الثلاث الخاصة بالوصفية ومعها العلامة الأخرى، أن الوصفية إذا اختفت وحدها بسبب أن الاسم صار "علما مزيدا"، أو: "علما على وزن الفعل". أو: علما معدولا" -بقي هذا الاسم ممنوعا من الصرف كما كان، ولكن للعلمية ومعها العلامة الأخرى2 ...

_ 1 العدل هنا تحقيقي -سبقت الإشارة له في رقم 1 من هامش ص222 وفي هذا التعليل ما في سابقه من ضعف. والعلة الصحيحة هي مجرد الاستعمال العربي الصحيح، وقد بسطنا تعليل النحاة كاملا، وعرضنا رأيهم في "أخر" ومتعهد من الصرف، وفي أنها للتفضيل أو ليست له ... ثم الرد عليه في الجزء الثالث "باب أفعل التفضيل ص310 م112" فلا داعي للتكرار والإطالة؛ علما بأن المعروض في باب التفضيل هام، ومفيد. 2 وفي الصورة الثالثة وهي صورة الوصفية مع العدل يقول ابن مالك: ومنع عدل مع وصف معتبر ... في لفظ مثنى، وثلاث، وأخر-8 يقول: إن الاسم يمنع من الصرف إذا كان لفظه هو: "مثنى" أو: "ثلاث"، أو "أخر" ولم يذكر إيضاحا ولا تفصيلا إلا ما ذكره في البيت التالي من أن مثنى وثلاث يشبههما ما جاء على وزنهما من ألفاظ الأعداد الأربعة الأولى. قال: ووزن مثنى وثلاث كهما ... من واحد لأربع؛ فليعلما-9 وأهمل ما زاد على الأربعة: ثم انتقل بعد هذا مباشرة إلى ذكر الأبيات الأربعة الخاصة بصيغة منتهى الجموع والتي أول كل منها. وكن لجمع مشبه مفاعلا ... ...........................-10 وذا اعتلال منه كالجواري ... ........................-11 ولسراويل بهذا الجمع ... .......................-12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لم يحكم النحاة على "أخرى" الممنوعة من الصرف بأنها معدولة؛ لاشتمالها على ألف التأنيث المقصورة، وهذه أقوى في منع الصرف من العدل. وأما آخران وآخرون فمعربان بالحروف فلا دخل لهما في منع الصرف. ب- قد تكون: "أخرى" بمعنى "آخره" -بكسر الخاء- وهي التي تقابل كلمة: "أولى" كالتي في مثل: "قالت أخراهم لأولاهم ... وقالت أولاهم لأخراهم ... " وفي هذه الصورة تجمع كلمة: "أخرى" على "أخر" المصروفة؛ لأنها غير معدولة؛ لأن مذكرها هو: "آخر" -بكسر الخاء- الذي يقابل "أول" بدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} . أي: الآخرة. يؤيد هذا قول تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ، والقصة واحدة، فليست "أخرى" التي هي بمعنى: "آخرة" من باب أفعل التفضيل. والفرق أن أنثى المفتوح الخاء1 لا تدل على انتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، فلذلك يعطف عليه مثلها من جنس واحد، كقولك: أقبل رجل، وآخر، وآخر ... أقبلت سيدة. وأخرى، وأخرى، أما أنثى المكسور الخاء2 فتدل على الانتهاء، ولا يعطف عليها مثلها من جنس واحد. كما أن مذكرها كذلك ...

_ = وإن به سمي أو بما لحق ... ...............................-13 وقد شرحنا الأبيات الأربعة في مكانها الأنسب "ص214 و215" كي يكون الوضوح متصلا بعضه ببعض، وبعدها -في الألفية- الأبيات الخاصة بمنع الاسم من الصرف للعلمية وسبب آخر معها، وسيجيء شرحها في موضعها. 1 مفتوح الخاء هو: "آخر" ومعناه: أكثر مغايرة ومخالفة -والصيغة للتفضيل كما أسلفنا- وأنثاء هي: "أخرى" التي تجمع على: "أخر" الممنوعة من الصرف. 2 مكسور الخاء هو: "آخِر" الذي معناه: "أخيرا" أي: مقابل للأول ويدل على النهاية. ومؤنثه "آخرة"، أو "أخرى" التي تجمع تجمع على "أخر" المصروفة.

المسألة 147

المسألة 147: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للعلمية 1 مع إحدى العلل السبع: 1- يمنع الاسم من الصرف إذا كان علما، مركبا تركيب مزج. والمراد بالتركيب المزجي2: كل كلمتي امتزجتا "أي: اختلطتا" بأن اتصلت ثانيتهما بنهاية الأولى حتى صارتا كالكلمة الواحدة؛ من جهة أن الإعراب أو البناء يكون على آخر الثانية -في الرأي الأشهر- أما آخر الكلمة الأولى فقد يكون ساكنا؛

_ 1 ملاحظة هامة: العلم هنا يشمل علم الشخص وعلم الجنس، "طبقات لما سبق في الجزء الأول، باب العلم". والممنوع من الصرف للعلمية ومعها علة أخرى لا يدخله تنوين "الأمكنية"، فلو زالت العلمية لوجب تنوينه تنوين تنكير -كما سنعرف في ص231 و265- إن لم يوجد سبب آخر للمنع. 2 سبق الكلام على المركب المزجي في باب العلم "ج1 ص270 م22" ومن أهم ما قلناه هناك: إن المركب المزجي لا يكون إلا من كلمتين، فقط، "وقد تفصل بينهما الواو؛ في بعض الصور السماعية؛ كما في: "كيت وكيت، ذبت وذبت" طبقا للبيان الآتي في ص583" ولا يصح مزج أكثر منهما. ومعنى امتزجنا صارتا في العلم كلمة واحدة ذات شطرين، كل شطر منهما بمنزلة الحرف الهجائي الواحد من الكلمة الواحدة "العلم" "كما نص على هذا شارع "المفصل" ج4 ص116". والأصل قبل التركيب أن يكون لكل واحدة منهما معنى يخالف معنى الأخرى. أما بعد التركيب المزجي فالأمر يختلف: فإن كان هذا التركيب علما من النوع الذي تتركز فيه علامات الإعراب أو البناء على آخر الثانية فقط؛ كسيبويه، وبعلبك وغيرهما ... من الأمثلة المعروضة هناك -في ص279، ونظائرها زال المعنى الأصلي لكل منهما نهائيا، ولا يصح ملاحظته؛ إذ ينشأ من المزج معنى جديد، مستحدث، لا صلة له بالمعنى السابق لهما أو لإحداهما. أما إن كان هذا المركب المزجي من النوع الآخر الذي يبنى على فتح الجزأين "وهو المذكور في ج1 ص281"، كالمركبات العددية مثل: ثلاثة عشر، وأربعة عشر ... أو المركبات الظرفية، نحو: صباح مساء ... أو الحالية؛ نحو فلان جاري بيت بيت، أي: ملاصقا، أو باقي المركبات الأخرى التي تبنى بالمعنى الذي كان لكل كلمة قبل مزجها بأختها؛ إذ يتكون المعنى الجديد من معناهما السابق، مع بعض زيادة تنضم إيه، دون إلغاء لمعناهما السابق، أو إهمال لملاحظته في تكوين المعنى المستحدث. فأساس المعنى الجديد هو معناهما القديم مع ضم زيادة إليه. وهذا النوع ملاحظ فيه قبل المزج أنه على تقدير "واو العطف" بين الكلمتين وأنهما في حكم المتعاطفين؛ فمعناهما بملاحظتهما قبل التركيب هو معناهما الجديد بعد المزج ملاحظتها "راجع شرح المفصل ج1 ص65 وج4 ص124".

نحو: برسعيد1، نيويرك2، جردنستي3، وقد يكون متحركا4 بالفتحة "وهذا هو الأكثر"؛ نحو: طبرستان5، "خالويه6، سيبويه7، في لغة من يعربهما ولا يبنيهما"8، حضرموت9 بعلبك10. أحكامه: أشهر أحكام العلم المركب تركيب مزج -غير العددي. وأشباهه11- هو: أ- أن يترك آخر جزئه الأول على حاله قبل التركيب، من السكون أول الحركة، ونوعها؛ فلا يتغير ضبط آخر ذلك الجزء الأول مطلقا بعد التركيب، ولو كان واوا ساكنة أو ياء ساكنة12، ولا يجري عليه إعراب ولا بناء، ولا ينظر إليه إلا على اعتباره بمنزلة جزء من كلمة، وليس كلمة مستقلة -ولهذا يتصل بالثاني كتابة إن أمكن وصل حروفهما الهجائية.

_ 1 اسم أجنبي، معناه: ميناء سعيد، ويطلق على مدينة مصرية على الساحل الشمالي الشرقي. ويصح نطقها وكتابتها بواو بعد الباء، ولكن تتحرك الراء بعدها للتخلص من الساكنين. 2 معناه؛ "يرك الجديدة"، وهو اسم مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية. 3 اسم أجنبي، معناه: "حديقة ستي" ويطلق على حي مشهور في القاهرة، على الساحل الشرقي للنيل. 4 وقد تكون حركة الأول الكسرة -أحيانا- كما في بعض الأصوات المركبة تركيبا مزجيا؛ نحو: "قاش ماش" اسم لصوت طي القماش -طبقات للبيان السالف في رقم 2 من هامش ص163. 5 اسم مدينة فارسية، مركبة من طبر، وستان، ومعنى ستان: مكان. 6 عالم لغوي، نحوي، في القرن الرابع الهجري. 7 اسم إمام النحاة، عمرو بن عثمان المتوفى حول سنة 180هـ، ومعنى: "سيب" باللغة الفارسية: التفاح. ومعنى "ويه": رائحة. وتقدم المضاف على المضاف إليه كالمألوف في اللغة الفارسية. فمعناه: رائحة التفاح. 8 لأن منع الصرف مقصور على الأسماء المعربة؛ ولا يكون في المبنية -كما تقدم. 9 اسم بلد في اليمن. 10 اسم بلد في لبنان. وأصله مركب من كلمتين: "بعل" "اسم صنم" و"بك" اسم رجل اشتهر بعبادته. 11 أما حكم العددي وأشباهه فيجيء في: "ب" من ص231. 12 ولو كانت هذه الياء آخر اسم منقوص فإنها ساكنة كذلك -كما سيجيء في رقم 2 من هامش الصفحة التالية.

ب- يجري الإعراب على آخر الجزء الثاني وحده، فيعرب إعراب الممنوع من الصرف؛ فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة نيابة على الكسرة، مع امتناع التنوين في الحالات الثلاث؛ كالشأن في كل اسم ممنوع من الصرف، مجرد من أل والإضافة. ومن الأمثلة: "غادرنا "نيويرك" في طائرة سياحية، قاصدين إلى "بعلبك"؛ فوصلناها بعد عشرة ساعة. ولما نزلنا في مطارها قال المذيع: من كانت "برسعيد" غايته فليستعد؛ فهذه الطائرة متجهة إليها". ج- من العرب من يجعل الجزء الأول مضافا تجري عليه جميع حركات الإعراب على حسب حاجة الجملة -ولا يمنع من الصرف ما دام مضافا- ويكون الثاني هو المضاف إليه المجرور دائما1. فإن كان الأول "المضاف" مختوما بحرف عليه قدر على هذا الحرف جميع حركات الإعراب -حتى الفتحية- رفعا ونصبا وجرا ومن غير منع صرف. ولا فرق في هذا بين الألف، والواو، والياء، ثم يجيء بعده القسم الثاني "المضاف إليه" فيكون ممنوعا من الصرف إن استحق المنع؛ وإلا فينصرف2. وعلى هذا لرأي يفصل الجزءأن في الكتابة: "هذه بعل بك -زرت بعل بك- تمتعت ببعل بك". ومثال ما يكون فيه الأول "المضاف" صحيح الآخر معربا ويكون المضاف إليه ممنوعا من الصرف: "من أشهر المدن الفارسية القديمة رام هرمز -عرفت أن رام هرمز

_ 1 وهذه الإضافة لفظية؛ لأن كل جزء من الجزأين بمنزلة حرف الهجاء في الكلمة الواحدة كالميم، والعين ... ومن مثل: معدن ... فهو يتمم الآخر. وإنما فائدتها تخفيف التركيب، والتنبيه إلى شدة الامتزاج. "وقد سبقت لهذا إشارة في ج3 م93 ص47". 2 للمركب المزجي أحكام إعرابية أخرى نمهملها؛ لقلة الوارد بها؛ وعدم أهميتها، ومنها بناء الجزأين على الفتح رفعا، ونصبا، وجراء؛ كبناء خمسة عشر وأشباهها؛ فيكون في آخر كل جزء فتحة لا تتغير مطلقا في جميع حالات الإعراب؛ بشرط أن يكون آخر الجزء الأول صحيحا. فإن كان معتلا "ألفا، أو واوا، أو ياء" وجب إبقاء الأول على سكونه، ويقتصر البناء على الفتح على الثاني في جميع أحواله. وعلى هذا فالمركب المزجي إذا كان جزؤه الأول معتلا -يظل ساكنا في كل اللغات السالفة. وفي منع الاسم من الصرف للعلمية والتركيب المزجي يقول ابن مالك مقتصرا على بيت واحد: والعلم امنع صرفه مركبا ... تركيب مزج، نحو: معديكربا-14

مدينة أثرية- في رام هرمز صناعات يدوية دقيقة". فكلمة: "رام" في الأمثلة السالفة معربة على حسب الجملة؛ وهي مضاف، وكلمة: "هرمز" مضاف إليه، مجرورة بالفتحة بدل الكسرة في كل الاستعمالات؛ لأنها علم أعجمي1، يمنع من الصرف هذا ... ومثال المضاف الذي آخره حرف علة تقدر عليه جميع الحركات، وبعده الجزء الثاني "المضاف إليه" غير ممنوع من الصرف: "صافي ورود" اسم قرية مصرية. تقول: "صافي ورود في الصحراء الغربية -أرغب أن أشاهد صافي ورود "بسكون الياء"-2 لم أذهب إلى صافي ورود". فكلمة: "صافي" مرفوعة بضمة مقدرة على الياء، ومنصوبة بفتحة مقدرة عليها، ومجرورة بكسرة مقدرة أيضا. وهي مضافة، وكلمة: "ورود" مضاف إليه مجرورة منونة؛ لأنها غير ممنوعة من الصرف؛ لعدم وجود ما يقتضي المنع. ومثلها: "معدي كرب" اسم رجل "وهو مركب من جزأين ... "3. ومثال معتل الجزء الأول الذي يليه الجزء الثاني "المضاف إليه" ممنوعا من انصراف: "رضا عائشة"، اسم امرأة فارسية -حادي شمر. اسم مدينة وكذا: نيويرك.

_ 1 هي وحدها بغير صدرها علم أعجمي في الأصل. 2 وهذا النوع من المنقوص ينصب بفتحة مقدرة -كما سبق في رقم 2 من الهامش السابق، وفي "جـ" من ص229، وفي ج1 ص172 و177 م16. 3 ويقال إن أصلها: "سعدي" على وزن: "مفعل"؛ اسم مكان أو زمان من "عدا" بمعنى: جاوز، وكان القياس فتح الدال. و: "كرب" بمعنى: "فساد". وقيل: أصله، معدى، بفتح الدال، ثم حذفت الألف "المكتوبة ياء"، وجاءت ياء النسب، وكسر ما قبلها وخففت هذه الياء؛ فصارت غير مشددة. فوزنه: "مفعى". وكل هذا لا أهمية له بعد التركيب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع التركيب المزجي -نحو: خالويه- وفقدهما، أو أحدهما، وجب تنوينه إن لم يوجد داع آخر للمنع، فمثال فقدهما معا: زارنا خال "وهو: أخو الأم" -استقبلت خالا- فرحت بخال. ومثال فقد التركيب: هذا خال "علم رجل" -إن خالا مقبل- سعيت إلى خال.... - ومثال فقد العلمية: من أشهر خالويه في اللغة وفروعها بين أصحاب هذا الاسم؟ بتنوين كلمة: "خالويه" تنوين تنكير1 بسبب فقدها العلمية. ب- إذا كان المركب إضافيا وجب أن يكون الإعراب على جزئه الأول المضاف، ولا يصح منه من الصرف ما دام مضافا. أما جزؤه الثاني فمضاف إليه، ينون أو لا ينون على حسب ما ينطبق عليه من أحكام الصرف وعدمه. وإذا كان المركب إسناديا وجب أن يحكى على ما هو عليه من غير تغييره. والصحيح أنه معرب لا مبني. أما المركب العددي مثل: "ثلاثة عشر" وأخواته المركبة -فمبني على فتح الجزأين عند البصريين. إلا "اثني عشر"، فمعربات إعراب المثنى -كما سبق في باب المثنى- والكوفيون يجوزن في العدد المركب إضافة صدره إلى عجزه. "وسيأتي البيان في باب المعدد2. فإن سمي بالعدد المركب جاز إبقاؤه على بناء طريفة، وجاز إعرابه ما لا ينصرف للعلمية والتركيب، وجاز إضافة صدره إلى عجزه.

_ 1 انظر رقم 1 من هامش ص227 وقد سبق الكلام على تنوين التنكير مفصلا "في ج1 ص23 م3" وأنه يلحق بعض الأسماء ليكون وجوده دليلا على أنها نكرة، وحذفه دليلا على أنها معرفة. والأغلب دخوله على الأسماء المبنية. ولكنه قد يلحق الأسماء المعرفة غير المنصرفة، لغرض أوضحناه هناك وهو الدلالة على تنكيرها؛ كقولك: مررت بأحمد -بالتنوين- إذا كنت تريد الإخبار عن واحد معين من أشخاص متعددين، اسم كل منهم: أحد. "انظر رقم 2 من هامش ص249 ورقم3 من هامش ص251". 2 ص520.

أما المركب من الأحوال نحو: "أنت جاري بيت بيبت"، ومن الظروف نحو: أعمل صباح مساء ... ؛ فيجوز فيه عند التسمية به، وصيروه علما أحد أمرين1: إما إضافة الصدر إلى العجز مع إعراب الصدر على حسب الجملة؛ نحو: بيت بيت نظيف -صباح مساء محبوب ... وإما بقاء التركيب مبنيا على فتح الجزأين دائما؛ ويكون في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة فيقال: بيت بيت نظيف، صباح مساء محبوب ...

_ 1 راجع حاشية "خالد" على "التصريح" ج2 باب: "ما لا ينصرف" عند الكلام على العلم المركب تركيب مزج.

2- ويمنع الاسم من الصرف إذا كان علما مختوما بألف ونون زائدتين: سواء أكان العلم للإنسان أم لغيره؛ نحو: بدران، حيان، مروان، قحطان، غطفان ... أسماء أشخاص، ونحو: شعبان، رمضان، من أسماء الشهور العربية، ونحو: "عمان" اسم بلد في الأردن، و"رغدان" اسم قصر بها. وحكم هذا النوع المنع من الصرف بشرطية "وهما: العلمية الزيادة" تقول: عمان حاضرة البلاد الأردنية، وفي أحد أطرافها قصر فخم، يسمى: "رغدان" بينه وبين عمان بضعة أميال ... فإن كان الحرفان: "الألف والنون" أصليين، معا، أو النون1 وحدها، لم يمنع الاسم من الصرف؛ فمثال الأصليين: بان2 - خان3. ومثال أصالة النون: أمان، لسان، ضمان. وإن كانا معا صالحين للأصالة، وللزيادة، أو كان أحدهما هو الصالح وحده جاز في الاسم الصرف وعدمه4؛ نحو: حسان، علم على رجل5، فيجوز أن يكون مشتقا من الحس، بمعنى: الشعور، فيمنع من الصرف للعلمية وزيادة الحرفين. ويجوز أن يكون مشتقا من الحسن فلا يمنع؛ لأن الزائد حرف واحد. وكذلك: "غسان"؛ قد يكون من الغس؛ بمعنى: دخول البلاد؛ فيمنع من الصرف؛ للعلمية وزيادة الحرفين. وقد يكون: من الغسن؛ بمعنى: المضغ؛ فلا يمنع؛ لأن الزائد حرف واحد. وودان، قد يكون من الود؛ بمعنى: الحب؛ فيمنع، أو: من الودن، بمعنى: نقع الشيء في الماء ونحوه؛ فلا يمنع6 ...

_ 1 الأعم الأغلب أن تكون "النون" هي الأصلية؛ وقبلها "الألف" زائدة. أما العكس فلا يكاد يوجد. 2 اسم جبل بالحجاز، واسم الشجر المعروف بشجر: "البان". 3 دكان، أو فندق. 4 باعتبارين مختلفين. 5 واسم شاعر الرسول عليه السلام. 6 وفي منع الاسم من الصرف للعلمية مع الزيادة يقتصر ابن مالك على قوله: كذاك حاوي زائدي فعلانا، ... كغطفان، وكأصبهانا أي: كذلك يمنع الاسم من الصرف إذا كان علما حاويا الحرفين الزائدين في "فعلان" وهما: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول الصرفيون: إن علامة زيادة الألف والنون هي سقوطهما في بعض التصريفات؛ -كما في "حمدان" و"فرحان"، عامين؛ حيث يمكن ردهما إلى: حمد، وفرح ... -بشرط أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصليين بغير تضعيف الثاني؛ نحو: عثمان -مروان- رشدان ... فإن كان قبلهما أكثر من حرفان أصليان ثانيهما مضعف جاز أمران: إما اعتبار الحرف الذي حصل به التضعيف أصيلا؛ فيؤدي هذا إلى الحكم بزيادة الألف والنون؛ لوقوعهما بعد ثلاثة أحرف أصلية؛ وإما عدم اعتباره أصيلا فيؤدي إلى الحكم بأصالة النون. ومن الأمثلة: حسان -عفان- حيان ... فتمنع من الصرف على اعتبارها من الحس؛ بمعنى: الإحساس -مثلا- ومن العفة -ومن الحياة. ويكون وزنها "فعلان". وتنصرف على اعتبارها من الحسن، والعفن، والحين "بمعنى الهلاك"، وتكون على وزن "فعال" لأن نونها أصلية ... ومن الأمثلة: شيطان: فهو إما من شطن بمعنى: ابتعد، وإما من شاط بمعنى: احترق ... وإذا كان العلم ذو الزيادتين مسموعا عن العرب الفصحاء بصورة واحدة هي المنع أو عدما فالأولى اتباع المسموع، كما في "حسان" شاعر الرسول، فالمسموع عنهم منعه في الحالات المختلفة، ولهذا يحتم أكثر النحاة منعه ... ولكن هذا التحتيم تحكم وتشدد بغير حق.

_ = الألف والنون. وليس من اللازم أن يكون على وزن "فعلان" وإنما اللازم احتواؤه على الحرفين الزائدين، نحو: عمران وسفيان و"غطفان" "علم على فرع من فروع قبيلة "قيس" العربية. والغطف: اتساع النعمة" و"أصبهان" "وفي هذه الكلمة لغات كثيرة: منها كسر الهمزة، ومنها: إبدال بائها فاء ... " ولا تكون الألف والنون زائدتين إلا على اعتبار أن أصل الكلمة: عربي: أما على الرأي القائل إنها العجمية -وهو الصواب- فلا تمنع للعلمية مع الزيادة، وإنما تمنع للعلمية مع شيء آخر "سيجيء في ص242"؛ هو العجمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- لو أبدلت النون الزائدة لاما -كما يجري في بعض اللهجات القديمة- منع الاسم من الصرف أيضا إذا كان مستوفيا شروط المنع. كقولهم: أصيلال، في "أصيلان"، التي هي تصغير شاذ لكلمة: "أصيل"1 فإذا سمي إنسان: "أصيلال" منع الصرف؛ للعلمية وزيادة الألف واللام، إعطاء للحرف المبدل، حكم الحرف المبدل منه. ولو أبدل الحرف الأخير نونا -في بعض اللهجات القليلة، لمن يمنع من الصرف، كقول بعض العرب: حنان، وهي: الحناء، فأبدلوا الهمزة الشائعة نونا؛ فلو سمى رجل حنانا" لم يمنع من الصرف. ويفهم مما تقدم أن الحكم بمنع الصرف للزيادة يعتمد على الحرف الزائد في المبدل منه نصا، قبل أن يصير الزائد حرفا آخر بسبب البدل؛ أي: أن العبرة هي بالأصل الشائع، لا بالبدل. ج- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع الزيادة وفقد العلتين أو: إحداهما -وجب تنوينه، إن لم يوجد داع آخر للمنع؛ فمثال ما فقد العلمية وحدها كلمة: "بدران" في مثل: "ادع بدرنا" واحدا من بين أصحاب هذا الاسم"، والتنوين هنا للتنكير الذي أشرنا إليه2، ومثال ما فقد الزيادة: "بدر" علم رجل، تقول: فرحت بلقاء بدر. ومثال ما فقدهما معا: "بدر" بمعنى: قمر، أحد البدور السماوية ...

_ 1 الوقت بين العصر والمغرب. 2 في رقم 1 من هامش ص227 و249 ورقم 3 ص251.

3- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع التأنيث1. ومنعه إما واجب، وإما جائز. أ- فالواجب يتحقق في صور2؛ منها: أن يكون العلم مختوما بالتاء الزائدة؛ المتحركة، الدالة على التأنيث. لا فرق بين العلم المذكر؛ "نحو: عنترة، معاوية، طلحة، حمزة ... " والعلم لمؤنث؛ "نحو: فاطمة، عبلة، مية، بثينة ... " ولا بين الثلاثي؛ "كأمة، هبة، عظة ... أعلام نساء"، وغير الثلاثي؛ كبعض الأعلام السالفة، ولا بين ساكن الوسط، ومتحركة ... ، فجميع الأعلام المختومة بالتاء الزائدة، المتحركة، الدالة على التأنيث ممنوع من الصرف حتما3 ...

_ 1 سبق "في رقم 3 من هامش ص216" أن التأنيث ولو كان معنويا -يعتبر علة لفظية من علل منع الصرف. ومثال المعنوي الأعلام المؤنثة: زينب، سعاد، مي، سوسن ... فإن هذه الأعلام مؤنثة تأنيثا معنويا؛ لعدم وجود علامة تأنيث ظاهرة في لفظها، ولكنها تعتبر في هذا الباب ممنوعة من الصرف لعلتين؛ إحداهما العلمية، والأخرى التأنيث الذي يعتبر هنا علة لفظية، لظهور آثاره في اللفظ. بتأنيث الضمير العائد على المؤنث، وبتأنيث الفعل له ... هذا والمراد بالعلمية هنا ما يشمل العلمية الكاملة وجزء العلمية -طبقا للتوضيح الآتي في "و" من ص241. 2 تخضع هذه الصور أيضا للحكم الآتي في: "أ" ص239. 3 وليس من هذه النوع التاء في مثل: "أخت وبنت" فإنها -في الراجح- ليست للتأنيث، وإنما هي أصل من أصول الكلمة، كتاء: "سحت" فلو سمي بما هي فيه مذكر لم يجز منعه من الصرف. وبهذه المناسبة نذكر أن قولنا: "التاء الزائدة في آخر الاسم للدلالة على التأنيث" أنسب وأدق من غيره فبعض النحاة يقتصر على تسميتها: "تاء التأنيث المتحركة المتأخرة" وبعضها يسميها: "هاء التأنيث". وعلى كل منهما اعتراض؛ قال الصبان، ج1 باب: المعرب والمبني عند الكلام على الملحق بجمع المذكر ما نصه: "قال في "التصريح": الفرق بين تاء التأنيث وهائه أن تاء التأنيث لا تبدل في الوقف هاء. وتكتب مجرورة "أي: متسعة مفتوحة" وهاء التأنيث يوقف عليها بالهاء وتكتب مربوطة". ا. هـ. وليس في هذا الكلام ما يدل على وجوب زيادة هذه التاء زيادة محضة لتخرج التاء في مثل: "أخت وبنت" لأنها ليست زائدة، وإنما هي مبدلة من أصل؛ هو الواو ولا يمنع الاسم من الصرف إلا مع التاء الزائدة المحض -انظر رقم 3 من هامش ص586 حيث الكلام له صلة بما هنا. وإلى المؤنث بالتاء أشار ابن مالك بالشطر الأول من بيت نصه: كذا مؤنث بهاء مطلقا ... .......................-16 أي: يمنع الاسم من الصرف كالذي منع سابقا. ولكن السبب هنا هو العلمية والتأنيث اللفظي الذي تدل عليه تاء التأنيث. "وسماها": "الهاء" كغيره من بعض اللغويين والنحاة؛ نظرا لأنه يوقف عليها بالهاء -كما سبق- وكان الأول أن يقول ما قلناه: "بتاء" ... أما الشطر الثاني للبيت فيأتي في رقم 2 من هذا الهامش.

ومنها: أن يكون غير مختوم بتاء التأنيث ولكنه علم لمؤنث، وأحرفه تزيد على ثلاثة؛ نحو؛ زينب، سعاد، مصباح، اعتماد، ... أعلام نساء. ومنها: أن يكون غير مختوم بها، ولكنه علم لمؤنث، ثلاثي، محرك الوسط؛ نحو: قمر، تحف، أمل ... أعلام نساء. ومنها: أن يكون غير مختوم بها. وغير محرك الوسط. ولكنه علم لمؤنث ثلاثين أعجمي؛ نحو: "دام، علم فتاة" - و"جور1. علم بلد" - و"موك1، علم قصر" - و"سبب، علم فاكهة". ومنها أن يكون ثلاثيا مخالفا لكل ما سبق من الحالات، ولكنه علم منقول من أصله المذكور الذي اشتهر به إلى مؤنث: نحو: سعدن صخر، قيس ... أعلام النساء2....

_ 1 و1 قد يقال: كيف تمنع كلمة: "جور" وكلمة: "موك" من الصرف وجوبا مع أنهما من أسماء الأماكن. وأسماء الأماكن يجوز منعها وعدم منعها -كما سيجيء في: "ا" من الزيادة ص239- أجابوا: أن جواز الأمرين يكون حيث لا توجد العجمة -أو علة أخرى- في العلم المؤنث، فإن وجدت مع العلمية علة أخرى رجح جانب المنع وحده، تبعا للمسموع عن العرب في هذا. 2 وفي هذا يقول ابن مالك في العلم المؤنث الخالي من تاء التأنيث "مع ملاحظة أن صدر البيت الأول قد سبق في رقم 3 من الصفحة السابقة: .......................................... ... وشرط منع العار كونه ارتقى-16 فوق الثلاث. أو: كجور، أو: سقر ... أو: زيد اسم امرأة، لا اسم ذكر-17 يريد: أن العلم المؤنث العاري من تاء التأنيث إنما يمنع من الصرف بشرط ارتقاء أحرفه على الثلاثة، "أي: زيادتها على الثلاثة" وإلا فبشرط أن يكون أعجميا؛ مثل: "جور"، أو أن يكون ثلاثيا محرك الوسط، نحو: "سقر"، أو أن يكون علما منقولا من مذكر لمؤنث، ومثل له: بـ"زيد" علم امرأة. ثم قال: وجهان في العادم تذكيرا سبق ... وعجمة؛ كهند، والمنع أحق-18 وجهان في العادم ... أي: يصح وجهان في العلم الذي عدم وفقد التذكير السابق وصفه، كما عدم وفقد العجمة -ولا بد أن يكون ساكن الوسط. مثل: هند.. ومنعه أولى.

ب- والجائز يتحقق حين يكون العلم الذي للمؤنث ثلاثيا، ساكن الوسط، غير أعجمي، وغير منقول من مذكر؛ نحو: هنا مي، دعد، جمل، من أعلام النساء، فيجوز فيها تبعا للفصيح المأثور الصرف وعدمه. أو يكون العلم المؤنث ثنائي الحروف؛ مثل: "يد"، علم فتاة، فيجوز الأمران ... وملخص ما سبق: أن العلم المؤنث يجب منعه من الصرف في جميع حالاته إلا حالتين يصح فيهما المنع وعدمه: الأولى: أن يكون العلم المؤنث حرفين. الثانية: أن يكون ثلاثيا، ساكن الوسط. غير أعجمي، وغير منقول من المذكر للمؤنث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- ما سبق هو الأصل العام الذي يراعى تطبيقه في الاستعمال، مع ملاحظة أن يجانبه أصلا آخر يصح تطبيقه أيضا -إن لم يوجد مانع1، وهو خاص بأسماء الأرضين، والقبائل، والأحياء2، وأسماء الكلمات: ومنها حروف الهجاء، وحروف المعاني، "مثل: إن، لم ... " والأفعال ... فيصح في كل ما سبق الصرف على إرادة تأويلها بشيء مذكر المعنى؛ كتأويل الأرض بالمكان، والقبيلة بالجد الأول لهاء والحي بالخط، أو بالمكان ... وحرف المعننى والفعل، بإرادة "اللفظ" وهكذا ... كما يصح منع الصرف على إرادة تأويلها بشيء مؤنث المعنى؛ كتأويل الأرض بالبقعة، وكذا القبيلة. "ولفظها مؤنث أيضا"، والحي بالبقعة أو بالجهة، وأسماء حروف الهجاء وحروف المعاني والأفعال. بالكلمة ... ؛ فأمثال تلك الأعلام الخاصة بشيء مما سبق يجوز فيها الصرف وعدمه بمراعاة أحد الاعتبارين السالفين. إلا إن وجد سبب آخر للمنع غير التأنيث المعنوي؛ فعند ذلك يراعى السبب الآخر -على الأرجح- كتغلب، علم قبيلة؛ فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. وكذا: "تعز" علم بلد يميني ... ومثل "بغدان" علم على "بغداد"؛ فيمنع من الصرف للعلمية والزيادة ... وهكذا ... ب- إذا سمي المذكر باسم مؤنث خال من التاء فإن كان ثلاثيا صرف مطلقا، وإلا وجب منعه من الصرف بشروط أربعة: أولهما: أن يكون رباعيا فأكثر؛ حقيقة؛ كزينب. أو تقديرا، كجيل، مخفف: جيئل3. ثانيها: ألا يكون التذكير هو الأصل الأول فيه قبل استعماله علما مؤنثا؛

_ 1 انظر في رقم 3 هامش ص236. 2 جمع حي، وهو: الخط، أي: الناحية من البلد. 3 اسم للضبع.

فلا يعرف استعماله إلا مذكرا قبل العلمية المؤنثة؛ مثل: "دلال" علم امرأة؛ فإنه علم منقول من التذكير وحده؛ إذ أصله مصدر، ولم يستعمل مؤنثا قبل التسمية المؤنثة. فإن سمي به بعد ذلك مذكر وجب صرفه. ثالثها: ألا يكون من الأسماء التي تستعمل مذكرة ومؤنثة قبل استعماله علما للمذكر؛ نحو؛ ذراع؛ فإنها مذكرة ومؤنثة. فإن سمي بها مذكر وجب صرفها1 ... رابعها: ألا يكون تأنيثه مبنيا على تأويل خاص يجعله غير لازم؛ كتأنيث أكثر جموع التكسير؛ مثل كلمة "رجال". فإن تأنيثه "رجال" -وأشباهها- مبني على تأويله بالجماعة2 وهذا التأويل غير لازم؛ إذ يصح تأويله بالجمع. والجمع مذكر. فإذا سمى مذكر بكلمة: "رجال" وجب صرفه. ج- إذا سمي مذكر أو مؤنث بعلم منقول عن جمع المؤنث السالم "نحو: فاطمات، زينبات، عطيات، ثمرات، مهجات ... " جاز في هذا العلم المنقول عدة لغات؛ أشهرها: بقاؤه مصروفا؛ "مراعاة لحالة الجمع السابقة التي نقل منها، وكان فيها التنوين قبل أن يصير علما"، ويصح منعه من الصرف، بشرط أن يكون هذا الجمع المؤنث علما -بعد نقله- على مؤنث؛ فتراعى حالة تأنيثه القائمة، أو أن يكون مفرده دالا على مؤنث، فيراعى حالة التأنيث في مفرده. فلا بد من العلمية ... ومعها ما يدل على أن هذا الجمع للتأنيث3 ... د- إذا امتنع صرف الاسم لللعمية مع التأنيث وزال أحدهما، أو زالا معا وجب تنوينه؛ إن لم يوجد داع آخر للمنع. فمثال زوال العلمية: لم أتحدث إلى زينب من الزينبات، ولا إلى فاطمة من الفاطمات اللآتي لا أعرفهن. وهذا التنوين الحادث بعد زوال العلمية تنوين تنكير -كما تقدم.

_ 1 هذا الشرط إيضاح للثاني الذي يشمله ضمنا. 2 كما سبق في باب الفاعل ج2 ص65 م66. 3 كما سيجيء في "1" ص264، وسبقت الإشارة له في ص202 وفي رقم 1 من هامش ص203 -وفي ج1 ص109 م12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ما فقد التأنيث: محمد - علي.... ومثال ما فقدهما: رجل، غلام. هـ- التأنيث الذي يلاحظ عند منع الصرف قد يكون لفظيا فقط "بوجود علامة تأنيث ظاهرة في علم يراد به مذكر"؛ نحو: "معاوية، حمزة" وقد يكون معنويا فقط؛ بأن يدل لفظ على مؤنث مع خلوه من علامة تأنيث ظاهرة"، كزينب. وقد يكون لفظيا ومعنويا معا؛ كعائشة ... و كما يمتنع صرف الاسم للعلمية مع التأنيث -بالشروط والتفصيلات السابقة- يمتنع كذلك الجزء من العلم مع التأنيث؛ كما في كلمتي: "قحافة، وهريرة"، وهما جزءان مؤنثان، من علمين قديمين، مضافين، أحدهما: "أبو قحافة" والآخر: "أبو هريرة"، فيجري على هذا المضاف إليه، -وهو الجزء المؤنث من العلم- ما يجري على العلم الكامل المؤنث، من أحكام الصرف وعدمه1.

_ 1 وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص236.

4- يمنع الاسم من الصرف للعلمية مع العجمة بشرطين: أولهما: أن يكون علما في أصله الأعجمي1 ثم ينتقل بعد ذلك إلى اللغة العربية علما2 فيها. ثانيهما: أن يكون رباعيا فأكثر. فمثال المستوفي للشرطين: يوسف، إبراهيم، إسماعيل ... أ- فإن لم يتحقق الشرط الأول بأن كان الاسم غير علم في أصله الأعجمي "أي: الأجنبي مطلقا"1. فإن نقله العرب إلى لغتهم، واستعملوه أول استعماله عندهم علما، فإنه يمنع من الصرف. وإن لم يستعملوه أول استعماله عندهم علما وإنما نقلوه إلى لغتهم نكرة أول الأمر. ثم جعلوه علما بعد ذلك -لم يمنع من الصرف. فمثال ما ليس علما في اللغة الأعجمية. ولكن نقله العرب إلى لغتهم علما أول الأمر الكلمة الفارسية: "بندار" "وهي اسم جنس لتاجر المعادن، وللتاجر الذي يخزن البضائع إلى زمن الغلاء". وكذلك الكلمة الرومية: "قالون" -"وهي اسم جنس للشيء الجيد". والكلمتان في اللغة الأجنبية اسما جنس؛ وليستا علمين. وقد نقلهما العرب إلى لغتهم علمين في أول استعمالهما العربي؛ ولهذا امتنع صرفهما -في الرأي الشائع. ومثال ما ليس علما في اللغة الأعجمية ونقلة العرب إلى لغتهم نكرة أول الأمر -لا علما- "ديباج" و"لجام" و"فيروز" فكل منها في اللغة الأجنبية اسم جنس يدل على المعنى المعروف. وقد نقله العرب إلى لغتهم اسم

_ 1 و1 أي: غير العربي مطلقا؛ فالمراد باللفظ: "الأعجمي و: الأجنبي" عام يشمل كل لفظ من لغة أجنبية عن لغة العرب. 2 وقد يدخل عليه بعض تغيير يسير في الحروف، وضبطها "إما لتخفيف النطق به؛ وإما لتقريبه من الصيغ العربية" ... أو لا يدخل. وقد يكون على الأوزان العربية "نحو: خرم" أو خارجا عنهما "نحو: خراسان" -راجع كتاب سيبويه ج2 ص342. وإذا أدخل العرب على اللفظ الأجنبي عند استعمالهم إياه علما أو غير علم، تغييرا ولو يسيرا، فإنه يسمى بعد هذا التغيير: "معربا" وإن تركوه على حاله سمي عندهم: "أعجميا" -كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص591.

جنس كذلك في أول الأمر، فلا يجوز منعه من الصرف، ويظل حكم الصرف باقيا بعد أن يصير علما. بناء على الشرط السابق لا بد لمنع الاسم الأجنبي من الصرف للعلمية والعجمة أن يكون: إما علما في اللغة الأجنبية، ثم ينتقل منها علما في العربية. ليستعمل أول أمره علما فيها، دون أن يسبق له في لغة العرب استعمال آخر قبل هذه العلمية، وإما أن يكون غير علم في اللغة الأجنبية، ولكنه ينتقل إلى العربية، فيستعمل فيها أول استعمالاته علما. ويرى فريق من النحاة أنه لا داعي لاشتراط علميته في لسان الأعاجم قبل نقله علما إلى لغتنا. وهذا الرأي أحق بالاتباع والتفضيل اليوم؛ لأنه علمي، فيه نفع وتيسير بغير إساءة للغتنا؛ فمن العسير الآن -بل من المستحيل واللغات الأجنبية تتجاوز المئات- أن نهتدي إلى أصل كل لفظ أجنبي نريد التسمية به. ونعرف: أهو علم في اللغة الأجنبية قبل انتقاله علما إلى لغتنا فنمنعه من الصرف، أم غير علم فلا تمنعه؟ هذا والأعلام الأجنبية التي انتقلت إلى العربية قد يكون الناقل لها هم العرب الفصحاء الأوائل؛ أخذوها عن الأجانب. ونقلوها إلى اللسان العربي بغير تغيير في الحروف وضبطها، أو بتغيير يسير1. وهذا حق لهم. ومن الواجب التقيد في كل علم أجنبي استعمله العرب بالطريقة التي استعملوها في نطقه، وضبط حروفه. وقد يكون الناقل لها من جاء بعد العرب الفصحاء من المحدثين. وهذا النقل جائز، وحق مستديم لهؤلاء. ولا يزالون حتى اليوم على نقلها واستعمالها أعلاما، وسيستمرون على هذا. ومن الأمثلة: "إبراهيم وإسماعيل"، وهما من الأعلام في لغة الأعاجم وقد نقلهما العرب علمين أيضا. من الأمثلة الأخرى التي نقولها واتخذوها أعلاما أول الأمر مع أنها لم تكن في اللغة الأجنبية أعلاما كلمة: "فرفج" ... ومعناها الفارسي" عريض الجناح. وكلمة: "طسوج". ومعناها: الناحية. وكلمة: "فنزج"، ومعناها: رقص. وكلمة: "ساذج"، ومعناها: غض طري ...

_ 1 للسبب الذي تقدم في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة.

فهذه الكلمات ونظائرها ليست أعلاما في اللغة الفارسية ولكن العرب الأوائل نقلوها إلى لغتهم، واتخذوها أعلاما أول الأمر، ثم غير أعلام بعد ذلك. ومن الأعلام المنقولة حديثا إلى لغتنا: مرقص - جوزيف - فكتور ... فكل ما سبق ممنوع من الصرف وجوبا1 للعلمية والعجمية. ب- وإن لم يتحقق الشرط الثاني بأن كان العلم الأعجمي ثلاثيا فإنه لا يمنع من الصرف "سواء أكان ساكن الوسط، أم متحرك الوسط ... ؛ مثل: "نوح2 ومثل: شتر، "علم على حصن". وكذلك إن كان رباعيا لاشتماله على ياء التصغير؛ فإنه في حكم الثلاثي؛ لا يمنع من الصرف. ويرى بعض النحاة أن الثلاثي ساكن الوسط يجوز صرفه ومنعه من الصرف، وأن المتحرك الوسط واجب المنع من الصرف. والأحسن الأخذ بالرأي الأول3 ...

_ 1 في الرأي الأرجح. وإذا كان العلم الأعجمي قد دخل العربية قديما أو حديثا وهو ساكن الآخر لزوما "بسبب وجود حرف علة ساكن في آخره، أو ضبط الحرف الأخير بالسكون أصالة؛ مثل: "ابن جني، وابن سيده ... بسكون الياء في الأول من غير تشديد، وسكون الهاء في الثاني ... " فإنه يعرب -في أقوى الآراء- إعراب الممنوع من الصرف، ولكن بعلامات مقدرة على آخره في جميع حالاته. 2 انظر ما يختص بهذه الكلمة -وأمثالها- في: "ا" من الصفحة الآتية. 3 وفي منع الصرف للعلمية مع العجمة يقول ابن مالك. والعجمي الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع-9 "زيد= زيادة. العجمي الوضع والتعريف= أي العجمي في وضعه وتعريفه"؛ بأن يكون اسما أعجميا معرفة بالعلمية في لغة العجم، فإن لم يكن معرفة بأن كان في أصله وصفا لشيء لم يجز في رأي ابن مالك منعه من الصرف. وهو بهذا يسير على الرأي يشترط أن يكون الاسم أعجميا وعلما عند الأعاجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أسماء الملائكة ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، إلا: مالكا، ومنكرا ونكيرا، فهذه الثلاثة مصروفة ... وأما "رضوان" فممنوع من الصرف للعلمية والزيادة. وأسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف إلا محمدا، وصالحا، وشعيبا، وهودا، ولوطا، ونوحا1، وشيئا وشيئا. وسبب المنع: العلمية والعجمة، وأما "موسى" اسم النبي فممنوع من الصرف؛ لورده في السماع الأغلب كذلك. وأما لفظ "موسى" الذي ليس اسما للنبي، وإنما هو اسم للأداة التي للحلق فيصح صرفه ومنعه من الصرف، فيصرف إن كان من أوسيت رأسه إذا حلقته، فالرأس موسى: كمعطي. ويكون ممنوعا إن كان فعله: ماس يميس؛ فهو "فعلى" منها، قلبت الياء واوا لوقوعها بعد ضمة "كما قلبت في: موقن، من أيقن" ومنع الصرف لألف التأنيث المقصورة. وأما "إبليس" فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة؛ على اعتباره أعجمي الأصلي، وأما على اعتباره عربي الأصلي مشتق من الإبلاس؛ وهو الإبعاد، فممنوع من الصرف أيضا، ولكن للعلمية وشبه العجمة؛ لأن العرب لم تسم به أصلا؛ فكأنه من غير لغتها، بالرغم من أن صيغته لها نظائر أصيلة في العربية؛ مثل: إكليل، إقليم ... ب- وضع النحاة علامات غالبية2؛ يعرف بها الاسم الأعجمي. منها: أن يكون وزنه خارجا عن الأوزان العربية؛ مثل: إبراهيم، وإبريسم. ومنها: أن يكون رباعيا أو خماسيا مع خلوه من حروف الذلاقة، وهي ستة، جمعها بعضهم في "مر بنفل".

_ 1 انظر ما يختص بهذه الكلمة -وأمثالها- في: "ب" من الصفحة السابقة. 2 سجلها كثير منهم -كالهمع، والأشموني ... - ومن المهم التنبه إلى أنها غالبية، وليست مطردة.

ومنها: أن يجتمع في الاسم من أنواع الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية الصميمة؛ كاجتماع الجيم والقاف بفاصل، أو بغير فاصل بينهما؛ مثل: "جرموق"1، ومثل: "قج"2. و"جيقة"3 واجتماع الصاد والجيم في مثل: صولجان، والكاف والجيم في نحو: سكرجة، والراء بعد النون في أول الكلمة؛ نحو؛ نرجس، والزاي بعد الدال في آخر الكلمة؛ مثل: "مهتذر". ومنها: أن ينص الأئمة الثقات على أن الكلمة أعجمية الأصل. ج- إذا فقد الاسم الممنوع من الصرف علميته أو عجمته، أو هما معا وجب تنوينه -كما عرفنا- إن لم يكن هناك داع آخر للمنع. فمثال فاقد العلمية: تكلم إبراهيم واحد في الحفل، وناب عن غيره ممن يشاركونه في الاسم. ومثال فاقد العجمة: مصطفى، مأمون، أمين ... ومثال فاقدهما: إنسان، صبي ...

_ 1 جورب من جلد لين، رقيق، يمتد إلى الساق. 2 رجل. 3 ناقة هرمة.

5- يمنع الاسم من الصرف للعلمية ع وزن الفعل -سواء أكان الفعل ماضيا أم مضارعا، أم أمرا- إذا تحققت صورة من ثلاث: الأولى: أن يكون العلم على وزن خاص: إما بالفعل الماضي وحده -دون مرفوعه1؛ كالماضي الذي على وزن: "فعل" بالتشديد نحو: صرح - علم - كلم ... ؛ وكالماضي المبني للمجهول في مثل: حوكم، عوفي، كرم ... ، وكالماضي المبدوء بهمزة وصل، أو بناء زائدة للمطاوعة أو غير المطاوعة، نحو: انتفع، استفهم، تسابق، تقابل، تعلم، تبين ... ، فإذا صارت هذه أو فعال وحدها، "دون مرفوعها1" أعلاما منقولة وجب منعها من الصرف للعلمية مع وزن الفعل. ووجب أن تصير همزة الوصل التي في أولها همزة قطع، تظهر في النطق وفي الكتابة، "كما هو الشأن في كل همزة وصل في أول اللفظ، ثم قد صار علما منقولا؛ سواء أكان منقولا من فعل أم غير فعل. فإنها تصير للقطع"2. فإذا نقلت الأفعال هي ومرفوعها فلا تمنع من الصرف؛ لأن العلم صار: "جملة محكية". وإما على وزن خاص بالمضارع، أو بالأمر دون فعلهما إذا كان الوزن من غير الثلاثي3؛ نحو: يدحرج، ينطلق، يستخرج. ونحو: دحرج، انطلق،

_ 1 و1 مرفوعه هو: الفاعل ونائبه. 2 تصير همزة الوصل التي في أول الفعل أو غيره همزة قطع إذا صار الفعل أو غيره علما منقولا؛ يتساوى في هذا الأسماء بأنواعها المختلفة -ما عدا لفظ الجلالة: "الله" فله الأحكام الخاصة التي سبق في رقم 2 من هامش ص36- وغير الأسماء "كما سبقت الإشارة لهذا في رقم 3 من هامش ص38 ورقم 3 من هامش ص109" وقد نص على هذا الصبان في آخر باب النداء عند قول ابن مالك: "وباضطرار خص جمع "يا" و"أل".. وتضمن بعضه كذلك كلام "التصريح"، وسجله الخضري أيضا في لموضع نفسه وزاده إيضاحا وتعليلا سائغا يجب الاكتفاء به. وكذلك نص عليه المعنى "في ج2 الباب السابع". لكن الصبان سها؛ فنقل عن بعضهم شرطا يخرج بعض الأسماء من هذا الحكم والصواب أن الحكم عام مطلق. وكان سهو الصبان في الجزء الثالث من حاشيته، في باب "الممنوع من الصرف" عند الكلام على بيت ابن مالك: "كذلك ذو وزن يخص الفعلا ... " وكذلك في جزئه الرابع. في باب: "همزة الوصل" عند الكلام على الماضي المبدوء بها". 3 لأنهما من غير الثلاثي يكونان على وزن يكاد يختص بالفعل، ولا يوجد في غيره إلا نادرا.

استخرج. إلا الأمر من الفعل الدال على المفاعلة؛ فإنه ليس خاصا بالفعل، ولا غالبا فيه، نحو: قاوم، قاتل، عارض ... فنظائره من الأسماء كثيرة على هذا الوزن، نحو: راكب، فاضل، صاحب ... ولا يخرج الصيغة عن اختصاصها بالفعل أني كون العرب قد استعملوها قليلا في غيره؛ كاستعمالهم صيغة الماضي الذي على وزن: "فعل" علما، نحو: "خضم" علم رجل تميمي، و"شمر" علم فرس. أو استعملوها نادرا بصيغة المبني للمجهول، نحو: "دثل" علم قبيلة، أو بصيغة المضارع؛ نحو: "ينجلب"، الخرزة، و"تبشر" لطائر ... و"تعز" لمدينة في اليمن. و"يشكر" لقبيلة هجاها الشاعر بقوله: و"يشكر" لا تستطيع الوفاء ... وتعجر "يشكر" أن تغدوا وكذلك لا يخرجها عن اختصاصها بالفعل أن يكون لها نظير في لغة الأعاجم "أي: الأجانب، غير العرب" مثل "رند": علم فتاة و"طسج" علم نبات، و"بقم" علم صبغ، و"يجقب" علم رجل رسام.. الثانية: أن يكون العلم على وزن مشترك بين الاسم والفعل، ولكنه أكثر في الفعل: كصيغة "افعل"، "نحو: إثمد1، اجلس" وكصيغة: "افعل" "نحو: "أبلم"2، اكتب". وكصيغة: "افعل" "نحو: إصبع، اسمع" فإذا سمي بعلم منقول من هذه الصيغ وجب منعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ لأنه وزنه هو الأغلب استعمالا، والأكثر بين هذه الأوزان. الثالثة: أن يكون العلم على وزن مشترك بين الاسم والفعل. شائع فيهما معا، ولكنه أنسب وأليق بالفعل؛ لاشتماله على زيادة تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم، نحو: أفكل3، وأكلب، وتنفل4، فإنها على وزن: أفهم، وأكتب، وتنصر ... لكن الهمزة والتاء في الأسماء الثلاثة لا تدل على معنى، في حين أن الهمزة في "أفهم وأكتب" تدل

_ 1 كحل. 2 نوع من البقل. 3 هي الرعشة والرعدة. 4 ثعلب.

على المتكلم، والتاء في "تنصر" تدل المخاطب أو على المؤنثة الغائبة. فالفعل المبدوء بالزيادة التي لها معنى أقوى من الاسم المبدوؤ بها، من غير أن تدل على معنى فيه. فإذا جاء العلم على الوزن المشترك بينهما كان أقرب إلى الفعل، فيمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل1 ... ويفهم مما تقدم أن العلم إذا كان على وزن مشترك بين الأسماء والأفعال على السواء من غير ترجيح لناحية الفعل -لا يجوز منعه من الصرف، كشجر؛ فإنه يوازن: ضرب؛ وكجعفر؛ فإنه يوازن: دحرج. ويرى بعض، بعض النحاة أن مثل هذا العلم يمنع من الصرف ما دام منقولا من فعل: نحو: صابر؛ منقولا من فعل أمر، و"ظفر" منقولا من الماضي، وقد يكون إهمال هذا الرأي أحسن2 ...

_ 1 ملاحظة: قال ابن قتيبة في كتابه: "أدب الكاتب"، باب: "ما لا ينصرف" ما نصه: "كل اسم في أوله زيادة؛ نحو: يزيد، ويشكر، ويعصر، وتغلب، وإصبع، وأبلم، ويرمع، وإثمد، ... ، كل هذا لا ينصرف في المعرفة، وينصرف في النكرة. هذا إذا كان الاسم بالزيادة مضارعا للفعل. فإن لم يكن مضارعا للفعل صرفته؛ نحو: يربوع. وأسلوب، وإصليت، ويعسوب ... ". ا. هـ. 2 وفي منع الاسم من الصرف للعلمية ووزن الفعل يقول ابن مالك مقتصرا على النوعين الأولين من وزن الفعل. كذاك ذو وزن يخص الفعلا ... أو غالب، كأحمد ويعلى-20 أي: كذلك يمنع الاسم من الصرف إن كان علما على وزن يختص بالفعل، أو يغلب في الفعل فالمختص بالفعل؛ نحو: "يعلى"، علما. والغالب، نحو: "أحمد"؛ وهو علم منقول من المضارع وقد يكون منقولا من أفعل التفضيل الذي فعله: "حسد" فيكون منقولا من وصف لا من فعل مضارع. وقد يدخله تنون التنكير -أحيانا- إذا لم يدل على معين. "انظر. ج من ص235، ورقم 3 من هامش ص251".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لا يمنع العلم من الصرف إذا كان على وزن الفعل إلا بشرط أن يكون هذا العلم ملازما -في الأغلب- صيغة ثابتة في كل أحواله لا تتغير، وأن تكون صيغة الفعل أصلية لم يدخلها تغيير؛ وألا يخالف العلم الطريقة السائدة في الفعل. فكلمة: "امرئ" -مثلا- يجوز في "رائها" أن تكون مضمومة، أو مفتوحة، أو مكسورة؛ تبعا للهمزة ومسايرة لها، فإذا كانت الهمزة مضمومة جاز أن تتبعها الراء، وإذا كانت مفتوحة أو مكسورة جاز أن تتبعها الراء في الحالتين ذلك؛ تقول: جاء امرؤ نابه -كرمت امرأ نابها- أثنيت على امرئ نابه، فإذا كانت الراء مضمومة فالكلمة مكسورة فهي على وزن الفعل: "اجلس" فهذه الموازنة في الصور الثلاث لا يعتد بها في منع الصرف. فإذا صارت كلمة: "امرئ" علما، لم تمنع من الصرف؛ لأنها لا تثبت على حال واحدة في استعمالاتها المختلفة، ولا تلازم وزنا واحدا تقتصر معه على وزن فعل واحد. وكذلك الاسم: "قفل" فإنه على وزن الفعل الماضي المبني للمجهول: "رد". والاسم "ديك" على وزن الفعل الماضي المبني للمجهول: "قيل" و"بيع" وبالرغم من هذا فإن الاسمين: "قفل وديك" -وما يشبههما- لا يمنعان من الصرف إذا صارا علمين؛ لأن وزن الفعل هنا ليس أصليا خاليا من تغيير سابق؛ إذ الفعل: "رد" أصله ردد -بضم فكسر، وأدغمت الدلان؛ فصار؛ "رد" فهذه الصيغة جاءت متأخرة عن صيغة أصلية سابقة لا توزانها كلمة: قفل. وصيغة الفعل "قيل" المبنية للمجهول: ليست أصيلة، في هذا الوزن؛ وإنما أصلها: "قول" نقلت حركة الواو للقاف بعد حذف الضمة1، ثم قلبت الواو

_ 1 وذلك ليمكن قلب الواو ياء. والوصول إلى بناء الماضي المعتل العين -للمجهول، "طبقا لقاعدة البناء المجهولة -وقد سبقت في ج2، ص86 م67 وهي تبيح أن تكون فاء هذا المعتل إما خالصة الكسر وإما خالصة الضم ... إلخ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ياء، لوقوعها بعد الكسرة المنقولة للقاف، فصارت الكلمة: "قيل" بصيغة طارئة؛ بسبب نقل حركة الواو، وقب هذه الواو ياء. وكذلك صيغة الفعل: "بيع" ليست أصيلة؛ لأن أصلها: "بيع، نقلت حركة الياء إلى ما قبلها1 بعد حذف الضمة؛ فصارت: "بيع"، بصيغة جديدة، نشأت من نقل الحركة وحذف الأخرى. فصيغة الفعلين -وأشباههما- عند بنائهما للمجهول ليست هي الصيغة الأصلية، وإنما هي صيغة مستحدثة؛ لا يعتد بها في منع العلم من الصرف، فلو صارت كلمة: "قفل" أو: "ديك" علما لم يجز منعها من الصرف للعلمية مع وزن الفعل، لأن شرط وزن الفعل لم يتحقق ... أما مخالفة العلم للطريقة السائدة في الفعل فتظهر في كلمة مثل: ألبب2 فإنها على وزن المضارع: أنصر، أو: أكتب. فإذا صارت علما فإنها لا تمنع من الصرف للعلمية مع وزن الفعل، لأن المضارع المماثل لها يغلب على عينه ولامه الإدغام إذا كانا من نوع واحد، مثل: "أعد وأصد"؛ فأصلهما: أعدد، وأصدد، ثم وقع الإدغام. فإذا صار "ألبب". وما شابهه علما لم يصح منعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل؛ بسبب مخالفته الفعل في الإدغام. وهذا رأي فريق من النحاة. ويرى سيبويه منعه من الصرف؛ لأن الفك "عدم الإدغام" قد يدخل الفعل لزوما كما في التعجب مثل؛ أشدد بفلان، وجوازا في مثل: "اردد. ولم يردد، وفي بعض ألفاظ مسموعة ... والأفضل الاقتصار على رأي سيبويه لأنه أنسب وأيسر. ب- إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع وزن الفعل وزالا معا أو أحدهما وجب تنوينه إن لم يوجد مانع آخر؛ فمثال ما فقد العلمية؛ لقد أثنيت على أحمد3 واحد من حملة هذا الاسم فاز بالسبق "بتنوين كلمة:

_ 1 عملا بالحكم الذي في الهامش السالف. 2 جمع: لب، بمعنى: عقل. 3 كان حقه إذا زالت علميته أن يعود إلى وصفيته الأولى؛ كما عرفنا في: "أحمر" وأمثاله إلا أن "أحمد" أوغل في العلمية وأقوى؛ حتى نسيت وصفيته أو كادت "انظر رقم 1 من هامش ص231 ومن ص249".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد". ومثال ما فقد وزن الفعل: علي..، ومثال ما فقدهما معا: شجاع، نبات. وقد تزول العلمية ويبقى الاسم ممنوعا من الصرف. وهذا حين يكون العلم في أصله وصفا قبل العلمية، كأحمر، وأشرف؛ علمين؛ فإنهما يمنعان من الصرف للعلمية ووزن الفعل، بعد أن اختفت الوصفية وحلت محلها العلمية. فإن زالت العلمية لم ينصرفا أيضا؛ لأن الوصفية ستعود؛ فيمنعان للوصفية مع وزن الفعل. ج- من المفيد الرجوع إلى "الملاحظة" المدونة بهامش ص211 لاستنابة الصلة بينها وبين موضوع العلمية ووزن الفعل.

6- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع ألف الإلحاق المقصورة. بيان هذا: أن العرب كانوا يلحقون بآخر بعض الأسماء ألفا زائدة، لازمة، مقصورة أو ممدودة، فيصير الاسم على وزن اسم آخر1، ويخضع لبعض الأحكام اللغوية التي يخضع لها ذلك الاسم الآخر -ومنها: الصرف، وعدمه- وتسمى هذا الألف: "ألف الإلحاق" ومن أمثلتها: "علقى"، علم لنبت، و"أرطى"2، علم لشجر، وهما ملحقان بجعفر. وصح منعهما2 من الصرف للعلمية وألف الإلحاق المقصورة؛ لأن ألف الإلحاق المقصورة في الكلمتين زائدة لازمة، وزيادتها اللازمة في آخرهما جعلتهما على وزن "فعلى" المختومة بألف التأنيث المقصورة اللازمة التي يمتنع صرف الاسم بسبب وجودها -فلما أشبهت ألف الإلحاق المقصورة في زدياتها ولزومها ألف التأنيث المقصورة، وجعلت وزن الاسم جاريا على الوزن الخاص بهذه- امتنع صرفه معها كما يمتع مع ألف التأنيث3؛

_ 1 قال السيوطي "في همع الهوامع ج1 ص32، الباب الثاني، ما لا ينصرف ما نصه: "الإلحاق أن نبني -مثلا- من ذوات الثلاثة كلمة على بناء يكون رباعي الأصول؛ فتجعل كل حرف مقابل حرف. فتفي "أي: تنتهي" أصول الثلاثية؛ فتأتي بحرف زائد مقابل للحرف الرابع من الرباعي الأصول، فيسمى ذلك الحرف -الذي زاد- حرف الإلحاق". ا. هـ. وعلى هذا الكلام مآخذ متعددة. يغنينا عن عرضنا وتأييدها أن ألف الإلحاق تكاد تنحصر في كلمات مسموعة قليلة معدودة، وليس لها أحكام هامة، وأن الإلحاق "في الرأي الأصح، طبقا للتفصيل الشامل الذي جاء في الهمع، ج2 ص217 باب التصريف"- خاص بالعرب أنفسهم، وقد انتهى بانتهاء عصور الاحتجاج بكلامهم، وقد حددها المجمع اللغوي القاهري بآخر القرن الثاني الهجري في المدن، وآخر الرابع في البوادي. 2، 2 في الرأي الشائع. وقيل إن ألف "أرطى" أصلية؛ فالكلمة منونة دائما. 3 هذا تعليل كثير من النحاة، وهو تعليل مرفوض؛ لأن العلة الحقيقية هي استعمال العرب ليس غير.. وبمثل هذا يحكم على ما يقولونه في تعليل صرف الاسم المختوم بألف الإلحاق الممودة، وأنها لا تشبه ألف التأنيث الممدودة في منع الصرف. والعلة -عندهم- أن همزة ألف الوصل الممدودة كانت ألفا في الأصل، ثم انقلبت همزة حين وقعت بعد ألف زائدة للمد -كما سبق عند الكلام عليها في ص205 و207- أما ألف الإلحاق الممدودة، كعلباء، "اسم لقصبة العنق" وهي مزيدة للإلحاق بكلمة: "قرطاس"، وليست على أوزان الممدودة فمنقلبه عن "ياء" فليس بين الهمزتين تشابه أصلها.. هكذا يعللون والصواب ما عرضناه. وفي منع الصرف للعلمية وألف الإلحاق يقول ابن مالك: وما يصير علما من ذي ألف ... زيدت لإلحاق فليس ينصرف-21

إلا أن ألف التأنيث أصيلة في المنع؛ فيكفي وجودها وحدها للمنع، دون أن ينضم إليها بسبب آخر. أما ألف الإلحاق فلا بد أن ينضم لها العلمية تقول: هذا علقى يتكلم عرفت علقى يحسن الخطابة، استمعت إلى علقى، فهو ممنوع من الصرف للعلمية وألف الآلحاق المقصورة. ومن أمثلة المقصورة: رجل عزهى "أي: لا يلهو": وزنها "فعلى" ولا تكون الكلمة المختومة بألف الإلحاق المقصورة على وزن "فعلى"، بضم الفاء. أما ألف الإلحاق الممدودة -مثل: علباء- فلا تمنع من الصرف1 ...

_ 1 السبب الذي تقدم في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا فقد هذا الاسم الممنوع من الصرف علميته أو ألف الإلحاق أو هما معا، دخله التنوين، إلا إذا منع مانع آخر؛ فمثال فاقد العلمية: رأيت أرطى كثيرا، ثمره كالعناب يغذي الإبل "بتنوين "أرطى" للتنكير". أما استعماله بغير ألف الإلحاق فليس معروفا. ب- لا تكون ألف الإلحاق المقصورة1 إلا في وزن خاص بألف التأنيث المقصورة وكهما حرف زائد، لازم، غي رمبدل من شيء آخر. ويجوز في الاسم المختوم بألف الإلحاق أن تلحقه تاء التأنيث مع التنوين، بشرط أن يكون غير علم؛ مثل: هذه أرطاة، أو علقاة ... ولكن هذه التاء لا تلحق الاسم المختوم بألف التأنيث2؛ ولهذا لم تجعل الألف في "أرطى" وعلقى -وأشباههما- للتأنيث3 ... أما كلمة: "تترى" وبعض أسماء أخرى فقد سمعت منونة وغير منونة على اعتبار الألف للتأنيث فتمنع من الصرف، أو للإلحاق فلا تمنع.

_ 1 دون الممدودة. 2 لكيلا يجتمع في الاسم علامتان للتأنيث. 3 انظر رقم 2 من هامش ص253.

7- ويمنع الاسم من الصرف للعلمية مع العدل1. ويتحقق هذا في عدة صور، أهمها خمس: الأولى: ما كان من ألفاظ التوكيد المعنوي جمعا على وزن: "فعل"2؛ وهو: "جمع، كتع3، بصع4، بتع5"؛ مثل: احتفيت بالنابغات كلهن جمع، كتع، بصع، بتع، فكل جمع من هذه الأربعة التي على وزن: "فعل" توكيد لكلمة: "النابغات"، مجرور بالفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية مع وزن: "فعل"، المجموع، سماعا6.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص222 تعريفه وتقسيمه. 2 سبق الكلام عليها في باب التوكيد "ج3 ص417 م116". ومما ذكر هناك يتبين أنها أعلام جنسية، يصح جمعها جمع مذكر سالما. وليس بين الأعلام الجنسية ما يجمع هذا الجمع سواها "طبقا للبيان المدون هناك". 3 من كتع الجلد، بمعنى: تجمعه. 4 من يصع العرق، بمعنى: تجمعه. 5 من البتع، وهو: طول العنق مع قوة تماسك أجزائه. 6 أما العلمية فلما سبق "في الجزء الثالث ص384 م116" من أن هذه الألفاظ معارف بالعلمية؛ إذ كل واحد منها علم جنس يدل على الإحاطة والشمول ... وأما التعبير بوزن: "فعل" السماعي فتعبير أصح وأدق وأقرب للحقيقة من التعبير "بالعدل" الذي ارتضاه كثير من النحاة، وحاولوا جاهدين تأييده، والدفاع عنه أمام المعارضين. فلم ينجحوا في دفاعهم. يقولون: إن هذه الصيغ الأربع التي على وزن "فعل" جموع تكسير، مفرداتها: جسماء، كتعاء، بصعاء، بتعاء. فالمفرد على وزن: "فعلاء" والمفرد إذا كان اسما على وزن "فعلاء" يكون القياس في جمعه: "فعلاوات" لا "فعل". وأيضا فإن تلك المفردات هي المؤنث للألفاظ المذكرة: أجمع، أكتع، أبصع، أبتع. وهذه المفردات المذكرة تجمع جمع مذكر سالما. فحق مؤنثاتها أن تجمع جمع مؤنث سالما لا جمع تكسير؛ لتساير نظائرها المذكرة في الجمع المناسب لكل منهما. ثم يقولون: "وهذا قول البصريين الذين يمنعنون جمع "فعلاء" جمع مؤنث سالما" -إن العرب لم تفعل هذا ولكنها تركت الجمع المناسب لتلك الألفاظ إلى جمع آخر لا يناسبها، ومنعت الجمع غير المناسب من الصرف ... ؛ فكان هذا الترك وهذا المنع دليلين على عدولها. وكلام غير هذا كثير، والاعتراض عليه أكثر وأقوى. فلو صح أن العرب عدلت عن جمع إلى آخر، فما حكمة عدولها؟ وما حكمة منع الصرف للدلالة على جمع أهملته وعدلت عنه؟ وهل يعرف العرب الأوائل القياس وغير القياس كما اصطلح النحاة عليه؟ وأن الجمع القياسي لفعلاء هو: الجمع بالألف والتاء، وغيره مخالف للقياس؟ ولم لا يكون القياس هو ما فعلته العرب في هذه الألفاظ؟ وهل يفكر العربي ويطيل التفكير المنطقي على هذا الوجه قبل أن ينطق بالكلمة وجمعها؟ و ... و ... كل هذا غير معقول ولا واقعي. وقد أشرنا إليه كثيرا في ثنايا الأجزاء المختلفة، وأوضحنا وجوه الخطأ فيه، وأن بعض النحاة حين يريدون أن تكون القاعدة مطردة يتكلفون ويتجاوزون المقبول. ولما كان مرد الأمر كله لنطق العربي الفصيح كانت العلة الحقيقية هي السماع عنه، ومثل هذا يقال في كل ما كان العدل علة من علل منع صرفه.

وهو الوزن الذي يقول النحاة في سبب منعه من الصرف إنه: "العلمية مع العدل". الثانية: ما كان على وزن "فعل" أيضا، ولكنه علم لمفرد، مذكر، ممنوع من الصرف، سماعا1 فإن لم يعرف السماع في: "فعل" فالأحسن صرفه. وأشه المسموع من الأعلام: "عمر، مضر، زفر، زحل، جمح، قزح، عصم، دلف، هذل، ثعل، زفر، زحل، جمح، قزح، عصم، دلف، هذل، ثعل، جشم، قشم". وأما أدد "جد قبيلة عربية" فلم يسمع فيه إلا الصرف2. وأما: "طوى" -اسم واد بالشام- فيجوز منعه من الصرف للعلمية والتأنيث؛ بإرادة أنه علم على بقعة معينة، ويجوز صرفه على إرادة أنه على مكان. وقد ورد السماع بصرفه وعدم صرفه. ويجب الصرف إن كان "فعل" جمعا، في غير ألفاظ التوكيد المعنوي السالفة؛ كغرف، وقرب. أو اسم جنس كصرد3، ونغر4، أو صفة كحطم5 ولبد6، أو مصدرا؛ كهدى: وتقى ... فوزن "فعل" هذا قد يجب منعه من الصرف إذا كان مفردا، مذكرا، مسموعا بالمنع. وقد يجب صرفه إذا كان جمعا، أو اسم جنس، أو وصفا، أو مصدرا بشرط ألا يكون ذلك الجمع من ألفاظ التوكيد المعنوي -كما

_ 1 إذ ليس مع العلمية سبب آخر لمنع الصرف؛ فلجأ النحاة إلى ما يسمونه: "العدل"، قالوا إن ذلك العلم ممنوع من الصرف لأنه معدول عن كلمة أخرى على وزن: "فاعل" "عامر، ماضر، زافر ... " وأن العرب أرادوا أن يدلوا على هذا العدول ويرشدوا إليه، فمنعوا العلم السالف من الصرف؛ ليكون هذا المنع دليلا ومرشدا للعدل. وكل هذا مرفوض؛ "لما ذكرناه في رقم 6 من هامش الصفحة السابقة، ورددناه في أمكنة أخرى". وآن الوقت لإهماله ... 2 كما سبق في "ب" رقم 1 من هامش ص222. 3 نوع من الغربان. 4 نوع من البلابل. 5 من معانيه: الراعي الذي يظلم الماشية فيهشم بعضها ببعض. 6 من معانيه: المقيم بمنزله، لا يبرحه، ولا يسعى وراء معاشه.

سلف- وقد يجوز فيه الأمران والأحسن الصرف إذا كان السماع مجهولا. فله ثلاث حالات ... الثالثة: لفظ "سحر" "وهو: الثلث الأخير من الليل" بشرط استعماله ظرف زمان، وأن يراد به سحر يوم معين، مع تجريده من "أل" والإضافة، نحو: غردت البلابل يوم الخميس سحر. فكلمة: "سحر" ظرف منصوب على الظرفية، ممنوع من التنوين للعلمية والعدل1، سماعا في هذه الكلمة المنصوبة. وهذا هو التعليل الصحيح ... أما أكثر النحاة فيقول: إنه ظرف ممنوع من الصرف للعلمية والعدل ويقتصرون على هذا2: فإن ل يكن لفظ "سحر" ظرف زمان -بأن كان اسما محضا، معناه الوقت المعين دون دلالة على ظرفية شيء وقع فيه- وجب تعريفه "بأل"، أو "بالإضافة" إذا أريد منه أن يدل على التعيين، ولا تصح العلمية، تقول: السحر أنسب الأوقات للتفكير الهادئ، وصفاء الذهن. وعجيب أن يغفل الناس عن سرحهم وأن يقضوا سحرهم نائمين ... وإن كان ظرفا لكنه غير معين "بأن كان ظرفا مبهما، لا يدل على سحر يوم معين، خاص" وجب صرفه، نحو: يحرص الزراع على الحصاد في

_ 1 سبق الكلام -في ص222، وهامشها- على العدل وأقسامه وفائدته، وسحر، وأخر ... وفي الممنوع من الصرف للعلمية والعدل يقول ابن مالك: والعلم امنع صرفه إن عدلا ... كفعل التوكيد، أو: كثعلا امنع صرف العلم إن كان معدولا عن كلمة أخرى. ومثل للعلم المعدول بمثلين أولهما: "فعل" التي للتوكيد، "أي: بصيغ التوكيد التي هي جمع على وزن: "فعل" وثانيهما: "قمل" علم رجل. "والألف التي في آخر: "ثعل" زائدة للشعر". 2 دون أن يزيدوا عليها كلمة: "السماع"، أو نحوها من كل ما يفيد أن سبب المنع هو السماع المحض الوارد بترك التنوين والعدول عنه، ونراهم يتعسفون ويتلمسون لإثبات العدل أسبابا واهية لكيلا يقال: إن سببه في هذه الكلمة هو السماع. فهو -عندهم- علم على الوقت المعين الخاص، وهو معدول عن "السحر" المقرونة بأل التي للتعريف؛ لأنه ما أريد به معين كان الأصل فيه أن يكون معرفا "بأل"؛ فعدل العرب عن النطق "بأل" وقصدوا تعريفه بغير ذكرها ... إلى غير هذا من آراء وأقوال أخرى في سبب منعه، واعتراضات كثيرة على كل منها. وما أعنانا عنها جميعا لو جعلنا السبب هو: السماع.

سحر -سأبدأ رحلتي القادمة بسحر. فالمراد في المثالثين: سحر غير معين من الأسحار المتعدد ... وإن كان ظرفا معينا لكنه غير مجرد من "أل" و"الإضافة" وجب صرفه كذلك؛ نحو: سأسافر يوم الخميس من السحر إلى العصر، وأعود يوم السبت في سحره1. "ملاحظة": بمناسبة الكلام على: "سحر"، ومنعه من الصرف وعدم منعه -يعرض النحاة للكلام على: "رجب وصفر". وهما من أسماء الشهور العربية. فإن أريد بهما معين فهما غير منصرفين، وإلا فهما منصرفان. ووجه ذلك -عندهم- أن المعين معدول عن "الرجب"، و"الصفر" كما قالوا في "سحر" إنه معدول عن "السحر" إذا أريد به سحر بعينه؛ ففيهما العلمية والعدل. ويمكن أن يكون المانع فيهما هو العلمية والتأنيث، باعتبار أن المراد: المدة2. الرابعة: ما كان علما لمؤنث، على وزن: "فعال" مثل: رقاش، حذام، قطام،.... أعلام نساء؛ فللعرب فيه طريقتان: إحداهما: أن بعضهم -كقبيلة تميم- يمنعه من الصرف بشرط ألا يكون مختوما بالراء. ويقول النحاة: إن سبب المنع هو العلمية والعدل، لأن الأصل: راقشة، حاذمة، قاطمة ... فعدل عن هذا التعليل ما في غيره مما سبق. وقيل إن سبب المنع. هو: العلمية والتأنيث المعنوي؛ كالشأن في

_ 1 وفي "سحر" يقول ابن مالك: والعدل والتعريف مانعا سحر ... إذا به التعيين قصدا يعتبر أي: أن العدل والتعريف بالعلمية يمنعان -معا- "سحر" من الصرف، بشرط أن يكون لفظ "سحر" مقصودا به تعيين سحر معين. وقد ترك بقية الشروط التي سردناها. 2 راجع حاشية ياسين على التصريح، ج2 باب التوكيد، عند الكلام على توكيد النكرة. وقد نقلنا كلامه في ج3 باب الإضافة، م93 ص38 في بحث الإضافة البيانية، مثل: شهر رجب" هذا، وكلام الخضري وغيره -في آخر باب الممنوع من الصرف، عند الكلام على العلمية والعدل في سحر- ينتهي إلى ما قرره ياسين في حاشيته.

زينب، وسعاد ... وهذا التعليل أصح؛ نحو: رقاش شاعرة جاهلة -ضرب المثل بحذام في سداد الرأي. فإن كانت صيغة: "فعال" مختومة بالراء مثل: "وبار" علم قبيلة عربية، و"ظفار" علم بلد يمني، و"سفار" علم بئر معينة فأكثر التميميين يبنيه على الكسر في كلا الحالات، نحو: "وبار" قبيلة عربية على حدود اليمن -أفنى الزمان "وبار" القديمة- لم يبق من "وبار" القديمة إلا الأطلال. فكلمة: "وبار" في الأمثلة السالفة مبنية على الكسر في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة، ومثلها: "ظفار، وسفار"، ونظائرهما. والأخرى: أن الحجازيين يبنون ذلك كله على الكسر، سواء أكان "فعال" علما مؤنثا مختوما بالراء أم غير مختوم1.. فتبين أن المنع من الصرف للعلمية والعدل في وزن "فعال" المؤنث مقصور

_ 1 وزن "فعال" قد يكون مطولا، وقد يكون غير معدول. أ- فالمطول -كما يؤخذ من هذا الباب ومما سبقه في أبواب أخرى- خمسة أنواع، علم مؤنث، كحذام. واسم فعل أمر؛ كنزال. ومصدرا كحماد المعدول عن: المحمدة "بكسر الميم الثانية وفتحها" وحال مثل كلمة: "بداد" في قولهم: الخيل تعدو في الصعيد "بداد"، وصفه، إما مسموعة جارية مجرى الأعلام من ناحية إحلالها محل الاسم، واستعمالها غير تابعة لموصوف؛ نحو: "حلاق" للمنية، وهو معدول عن "حالقة" وإما صفة ملازمة للنداء في ذم الأنثى، نحو: يا لكاع - يا فساق - يا خباث. وهو معدول عن المشتق؛ تريد: يا لاكعة، يا فاسقة، يا خبيثة. "بالإيضاح الذي سبق عنها في رقم 7 ص73". فهذه خمسة أنواع كلها مبنية على الكسر، معدولة عن مؤنث. فإن صارت علما لمذكر جاز إعرابها مع منعها من الصرف -وهذا هو الأغلب- وجاز إعرابها مع تنوينها، ولا يصح البناء في الحالتين. وإن صارت علما لمؤنث جرى عليه ما سبق تفصيله عن التميميين والحجازيين. ب- وغير المعدول يكون اسما؛ كجناح، ومصدرا؛ كذهاب، ووصفا "أي: مشتقا" نحو: جواد، أي: كريم، وجنسا نحو: سحاب. فهذه أربعة أنواع لو صارت إحداها علما لمذكر وجب إعرابه وتنوينه، إلا إن كان "فعال" في أصله مؤنثا، كمساق؛ للأنثى من أولاد المعز، فإن جعل عناق المؤنث -وأشباهه- علما منع صرفه للعلمية والتأنيث. هذا، وفي اللغة ألفاظ تزيد على المائة -كما قالوا- بناها العرب على الكسر؛ لسبب من الأسباب السالفة في: "أ" وقد جمع أكثرها "رضي الدين الصغاني" "المتوفى سنة650هـ" في كتاب عنوانه: "ما بنته العرب على: "فعال" ونشرت أكثرها مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق.

على بعض تميم بشرط ألا يكون العلم مختوما بالراء1 ... الخامسة: أمس. وأشهر لغات العرب فيه لغتان؛ إحداهما: منعه من الصرف، رفعا، ونصبا، وجرا. وهذه لغة بعض التميميين، بشرط: "أن يكون علما مرادا به اليوم الذي قبل يومك مباشرة2 ... ، وأن يكون خاليا من "أل" والإضافة، وأن يكون غير مصغير، وغير مجموع جمع تكسير، وغير ظرف"؛ فيقولون انقضى أمس على خير حال -وقضيت أمس في إنجاز عملي- وقد استحرت مذ أمس. فكلمة أمس مرفوعة بالضمة بغير تنوين، ومنصوبة ومجروره بالفتحة من غير تنوين فهيما. ويقول النحاة في تعليل منعه من الصرف: إنه العلمية والعدل؛ لأنه علم على الوقت العين من غير أن يكون فيه علامة تدل على التعيين؛ فهو لهذا معدول عن الأمس المعرف بأل، فصار معرفة بغيرها3. أما أكثر التميميين فيمنعه من التنوين في حالة الرفع وحدها، ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر؛ فلا يدخل في باب الممنوع من الصرف؛ فيقول في الأمثلة السالفة: انقضى أمس ... - قضيت أمس ... - وقد استرحت مذ أمس ... والأخرى؛ بناؤه على الكسر في جميع استعمالاته إذا4 استوفى الشروط السالفة. وهذه لغة الحجازيين لا يدخلونه في باب الممنوع من الصرف؛ فيقولون

_ 1 وفيما سبق يقول ابن مالك في بيت واحد وكلمتين من أول البيت الذي يليه: وابن على الكسر: "فعال" علما ... مؤنثا. وهو نظير جشما-24 عند تميم.................... ... .........................-25 يقول: ابن على الكسر العلم المؤنث الذي على وزان: "فعال" في كل أحواله عند غير تميم، أما عند تميم فهو نظير: "جشم" في أنه علم ممنوع من الصرف للعلمية والعدل. وتتمة البيت الأخير تختص بحكم مستقل ستذكر معه في ص265 وهامشها. 2 وقال الخضري "ج1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على علامات البناء" ما نصه: "يراد به معين؛ وهو الذي يليه يومك خاصة، أو اليوم المعهود وإن بعد ... ". ا. هـ. 3 وهذا التعليل مرفوض كنظائره السالفة؛ لما أوضحناه من قبل -في رقم6 من هامش ص256. 4 ويقول النحاة في سبب بنائه هو تضمنه معنى الحرف "في" "وقد تكلمنا على هذا التضمن تفصيلا في الجزء الأول ص55 م6 في موضوع الإعراب والبناء وسببها".

مضى أمس بأحداثه؛ فتهيأ للغد -عرفت أمس بوقائعه، فماذا يكون اليوم- لم أهتم بأمس ... ، فكلمة: "أمس" مبنية على الكسر في محل رفع أو نصب أو جر على حسب حالة الجملة. فإن أريد بكلمة: "أمس" يوما مبهما "أي: يوما ماضيا غير معين، بأن أريد به أمس من الأموس من غير تخصيص" كان معربا منصرفا عند التميميين والحجازيين. وكذلك إن كان مضافا، نحو: انقضى أمس من الأموس الطيبة -قضينا أمسا من الأموس في رحلة- لم نأسف على أمس من الأموس ... -أمسنا كان جميلا- إن أمسينا كان جميلا -سررت بأمسنا. وكذلك إن كان معرفا "بأل"، نحو: الأمس كان جميلا ... إن الأمس كان جميلا ... سررت بانقضاء الأمس. أو: كان مصغرا؛ نحو أمس كان جميلا ... إن أميسا كان جميلا ... سررت بأميس. أو: كان مجموعا جمع تكسير؛ نحو: أموس كانت جميلة ... إن أموسا كانت جميلة، سررت بأموس. أما إن كان لفظ: "أمس" ظرفا مجردا من "أل والإضافة" وليس اسما، فهو مبني على الكسر عند الفريقين أيضا، نحو: سرتني زيارتك أمس، وسأزورك قريبا خرجت أمس مبكرا لرحلة نهرية1 ...

_ 1 راجع حاشية ياسين على التصريح في الموضع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا زالت علمية "أمس" دخل التنوين، نحو: سأزورك في أمس من الأموس. وإذا زال العدل بأن اسعملت مقرونة "بأل" فهي معربة، يمتنع تنوينها بسبب "أل" -كما هو معروف- لا بسبب منع الصرف. وكذلك عند الإضافة. وكل كلمة أخرى ممنوعة من الصرف للعلمية مع العدل يجب صرفها إذا لم توجد العلتان أو إحداهما، ما لم يمنع من الصرف مانع آخر. ب- إذا سميت رجلا "بأمس" وجب صرفه على لغة الحجازيين كما تصرف "غاق" إذا سميت بها. "وقد سبق: أن كل مفرد مبني إذا صار علما -فإنه يجب فيه الإعراب مع الصرف؛ طبقا لأنسب الرأيين الذين عرضناهما من قبل"1. وإن سميت "بأمس" على لغة تميم صرفته أيضا في الأحوال كلها؛.

_ 1 في ص12 وحاشيتها؛ حيث البيان المناسب.

أحكام عامة في الممنوع من الصرف: "وتشمل ما يأتي" منع اتصال تنوين الأمكنية به -أنواع الممنوع من الصرف- حكم المنقوص عند منعه من الصرف -وجوب تنوين الممنوع من الصرف، وجوازه- جواز منع الصرف للضرورة". كثير من هذه الأحكام العامة منثور في مواضع متفرقة من الباب الخاص فالممنوع من الصرف، أو غيره من الأبواب الأخرى. ونعرضه هنا في جمع وتركيز. 1- الممنوع من الصرف لا يدخله تنوين "الأمكنية"1 مطلقا. وحكمة: أنه يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا نيابة عن الكسرة. ولكن يشترط لجره بالفتحة ألا يكون مضافا، ولا مقرونا "بأل" -أو بما ينوب عنها، مثل: "أم" في بعض اللهجات العربية. فإن فقد الشرط وجب جره بالكسرة، مثل: لا تكن بأعجل الخصمين استجابة للشر، فما أضر أن توصف بالأعجل. و ... و ... وإذا كان الممنوع من الصرف علما منقولا من جمع مؤنث سالم2 "مثل: عطيات، عليات، زينات ... "، جاز إعرابه ما لا ينصرف، وجاز إعرابه كالمنصرف؛ فيرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة؛ مع تنوينه في الحالات الثلاث. 2- الممنوع من الصرف أحد عشرا نوعا. منها ما يكون ممنوعا لعلة3 واحدة، ومنها ما يكون ممنوعا لاثنتين. فالممنوع لواحدة هو: "صيغة منتهى الجموع" -وملحقاتها. والمختوم "بألف التأنيث". وكلاهما لا ينصرف مطلقا مهما اختلفت استعمالاته؛ لأن علامته لا تفارقه مطلقا4. لكن لا يجر بالفتحة إلا بشرط خلوه من "أل" و"الإضافة".

_ 1 لهذا التنوين إيضاح مناسب في ص200. 2 تفصيل هذا في الجزء الأول ص109 م12 عند الكلام على جمع المؤنث السالم. وقد سبقت له الإشارة هنا في ص302 وفي رقم 1 من هامش ص204. 3 سبق الإيضاح والتعليق في رقم 1 من هامش ص204. 4 سبقت الإشارة لهذا في ص206.

والممنوع لعلامتين -أي: لعلتين-1 قد تكون إحداهما "الوصفية" مع شيء آخر، وقد تكون "العلمية" مع شيء آخر أيضا. فالممنوع للوصفية مع شريكتها ثلاثية أنواع لا تنصرف مطلقا، مهما اختلفت استعمالاتها2؛ لأن هذه الوصفية مع شريكتها ملازمة للاسم، لا تفارقه إلا إذا حلت محلها العلمية، وعندئذ يمتنع صرفه للعلمية وما يكون معها. فهذا النوع الممنوع للوصفية مع شريكتها؛ كسابقة لا ينصرف مطلقا. لكن لا يجر بالفتحة إلا بشرط خلوه من "أل"، و"الإضافة". والممنوع من الصرف للعلمية مع شيء آخر سبعة أنواع، ويظل ممنوعا ما دام مشتملا على العلتين، فإن زالت إحداهما أو كلتاهما دخله التنوين وجوبا -إن لم يوجد داع آخر للمنع- وقد أوضحنا تفصيل هذا في مواضعه ... وستأتي له إشارة أخرى قريبة3 ... ويستثنى من هذا الحكم ما كان صفة قبل العلمية؛ كأحمر، وأفضل علمين4 ... ، فإنهما يمنعان من الصرف للعلمية الطارئة مع وزن الفعل، مع

_ 1 سبق الإيضاح في رقم 1 من هامش ص204. 2 فإذا انضم إلى هذه الثلاثة التي لا تنصرف مطلقا النوعان السابقان: "وهما: أ- صيغة منتهى الجموع، وملحقاتها، ب- وألف التأنيث بنوعيها" نشأت خمسة أنواع ملازمة لمنع الصرف في كل استعمالاتها -طبقات لما نص عليه الخضري وغيره. 3 وقد أشار ابن مالك إلى الحكم الممنوع من الصرف للعلمية مع شيء آخر، إذا فقد العلمية فقال: ................... واصرفن ما نكرا ... من كل ما التعريف فيه أثرا-25 أي: يجب صرف كل اسم نكر بعد أن كان معرفا، وكان للتعريف أثر في منع صرفه. وهو يريد بالتعريف هنا: تعريف "العلمية"، دون غيرها، كما يريد بالصرف أحيانا كثيرة التنوين مطلقا. وكان الأنسب هنا أن يقول: و"نونن"، بدلا من: "اصرفن"؛ لأن "الصرف" الذي يشيع استعماله في هذا الباب يراد به: "تنوين الأمكنية" في الأغلب. أما التنوين الذي يلحق العلم الممنوع من الصرف إذا فقد علميته فتنوين التنكير -كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص227. هذا، وصدر البيت هو: "عند تميم، واصرفن ما نكرا" وقد سبق -في هامش ص261- عند الكلام على حكم ينسب لتميم، ورد ذكره قبله. 4 بخلاف "أحمد"، طبقا لما تقدم في رقم 2 من هامش ص249 و"ب" من ص251.

أنهما في الأصل وصفين، وقد اختلفت الوصفية الأصلية أمام العلمية الجديدة. فإذا زالت العلمية لم يجز تنوين الاسمين؛ لأن زوالها سيؤدي إلى رجوع الوصفية التي زالت بسببها؛ فيظل الاسمان ممنوعين من الصرف بعد زوالها، ويصير سبب المنع هو: الوصفية مع وزن الفعل. 3- إذا كان الممنوع من الصرف اسما منقوصا1، "علما أو غير علم؛ كبعض أنواع الوصف، وصيغة منتهى الجموع" -فإن ياءه تحذف رفعا، وجرا، وينون2. وتبقى في حالة النصب مفتوحة بغير تنوين. مثل: دواع، جمع: داعية -أوعيل3، تصغير: أعلى- وراع، علم فتاة، -وكذلك: تفد "علم فتاة: منقول من المضارع تفدي" ... تقول: "ظهرت للخير دواع عرفت دواعي للخير -استجبت لدواع كريمة" كلمة: "دواع"، الأولى منونة، وهي فاعل مرفوع بضمة على الياء المحذوفة. والأصل "دواعي، دواعين" دخلها أنواع من التغيير سبق4 شرحها؛ لأن هذه الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع ... وكلمة: "دواعي"، مفعول منصوب بالفتة الظاهرة بغير تنوين. وكلمة: "دواعي" الأخيرة -منونة مجرورة باللام، وعلامة جرها الفتحة على الياء المحذوفة، بدل الكسرة، لأن الكلمة ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع، وأصلها: "دواعي، دواعين" دخلتها التغييرات التي سبق4 إيضاحها. وتقول: "أعيل خير من الأسفل -إن أعيلي خير من الأسفل- لا تقنع بأعيل، واطلب المزيد". فكلمة" أعيل" الأولى منونة، مبتدأ

_ 1 سبقت الإشارة إليه في هذا الباب -ص209 وهامشها- أما تفصيل الكلام عليه ففي الجزء الأول ص124 م15. 2 وهذا التنوين للعوض "كما أشرنا في هذا الباب -ورقم 2 من هامش ص309- وفي ص25 ج1 م3 وأبدينا ملاحظات عليه حين يكون في الممنوع من الصرف". 3 تقضي قواعد: "التصغير" الخاصة بغير الثلاثي -وستأتي في ص694- بكسر هذه "اللام" بعد ياء التصغير؛ فتقلب الألف بعد اللام المكسورة ياء، وتصير الكلمة: "أعيلي" وهذه منقوصة، إذا نونت حذفت ياؤها رفعا وجرا 4 و4 في ص209.

مرفوع بالضمة على الياء المحذوفة، والأصل: أعيلي "أعيلين" دخلتها التغيرات التي عرفناها، لأن هذه الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل؛ فهي على وزن المضارع: أسيطر، وأبيطر1 ... وكلمة: "أعيلي" اسم "إن" منصوب بالفتحة الظاهرة على الياء بغير تنوين. وكلمة: "أعيل" الأخيرة، منونة مجرورة بالياء وعلامة جرها الفتحة بدل الكسرة على الياء المحذوفة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل. وقد دخلها التغيير المعروف. وتقول: "سمعت قصيدة لشاعرة اسمها: "راع" "وقد صافحت "راعي" بعد سماعها" "وسوف أستمع إلى دراع" ... "، فكلمة: "راع" الأولى منونة، خبر مرفوع بضمة على الياء المحذوفة، وأصلها: راعي "راعين" طرأ عليها التغير السالف. وكلمة: "راع" الأخيرة منونة، مجرورة بإلى، وعلامة جرها الفتحة بدل الكسرة على الياء المحذوفة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث. وقد طرأ عليها التغيير الذي قدمنا. وتقول: "تفد" طبيبة مشهورة -إن "تفدى" طبيبعة مشهورة- يثنى المرضى على "تفد". فكلمة: "تفد الأولى منونة، مبتدأ مرفوع بضمة على الياء المحذوفة، وكلمة: "تفدى" "بغير تنوين" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة. وكلمة: "زتفد" الأخيرة منونة، مجرورة بعلى، وعلامة جرها الفتحة على الياء المحذوفة بدل الكسرة؛ لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل ... وهكذا. ويرى جماعة من النحاة أن المنقوص الممنوع من الصرف على الوجه السالف،

_ 1 وهذا على الرأي الأرجح الذي لا يجعل وزن: "أفيعل" وخاصا بالوصف؛ إذ يوجد في الفعل؛ نحو: أبيطر. -انظر رقم 2 من هامش ص218 ثم ص275.

تثبت ياؤه بغير تنوين في جميع حالاته "رفعا، ونصبا، وجرا"، فيرفع بضمة مقدرة على الياء بغير تنوين، وينصب بالفتحة الظاهرة بغير تنوين. ويجر بالفتحة الظاهرة بغير تنوين بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، فيقولون في الأمثلة السالفة ظهرت دواعي للخير - اتبعت دواعي للخير - اهتديت بدواعي للخير. ويقولون: أعيلي خير.... إن أعيلي خبر - ... لا تقنع بأعيلي ... ويقولون: الشاعرة اسمها: راعي ... ، صافحت راعي ... ، إلى راعي ... ، وكذلك: "تفدي" طبيبة مشهورة ... ، إن تفدي طبيبة ... ، يثني المرضى على تفدي ... ولكن هذا الرأي ضعيف عندهم؛ لندرة شواهده الفصيحة، وضعف الاستدلال بها، فيحسن إهماله1 ... وهناك رأي آخر في المنقوص الذي على وزن الصيغة الأصيلة لمنتهى الجموع؛ وملخصه2: أن بعض العرب يقلب الكسرة قبل ياء المنقوص فتحة؛ قتنقلب الياء ألفا بشرط أن يكون وزان المنقوص كوزان إحدى الصيغ الأصيلة لمنتهى الجموع، وأن يكون مفرده اسما محضا على وزن: "فعلاء" الدالة على مؤنث، وليس له -في الغالب- مذكر؛ كصحراء وصحار، فيقول فيها. "صحارى" بغير تنوين في الحالات الثلاث3 ...

_ 1 وإنما ذكرناه -كما نذكر الضعيف من أشباهه- ليهتدي به في فهم الوارد منه في الكلام القديم، مع العدول عن استعماله. 2 الإشارة إليه سبقت في "ا" من ص212. 3 وفي الممنوع من الصرف المنقوص يقول ابن مالك: وما يكون منه منقوصا ففي ... إعرابه نهج جوار يقتفي "ومنه، أي: من الممنوع من الصرف. يقتفي= يتبع". وتقدير البيت: ما يكون من الممنوع من الصرف منقوصا، فإنه يقتفي "أي: يتبع ويسير" في إعرابه نهج جوار، وطريق جوار "جمع تكسير الجارية"، في حذف يائه رفعا وجرا مع التنوين، وإثبات الياء وإظهار الفتحة عليها بغير تنوين في حالة النصب. وهذا حكم مجمل مختصر. وقد وفيناه في الشرح.

4- الممنوع من الصرف قد يجب تنوينه، وقد يجوز: فيجب تنوينه في حالتين: أ- أن يكون أحد السببين المانعين له هو: "العلمية"، ثم زالت بسبب تنكيره، وبقي بعد زوالها العلة الاثنية وحدها "وهي: التأنيث، أو: الزيادةن أو: العدل، أو: وزن الفعل، أو: العجمة، أو: التركيب، أو: ألف الإلحاق المقصورة"؛ لأن هذه العلة الثانية الباقية لا تكفي وحدها لمنع الصرف بعد زوال العلمية، فيجب تنكير الاسم إن لم يوجد مانع آخر -ولهذا تدخل عليه "رب" وهي لا تدخل إلا على النكرات في الأعم الأغلب، فتقول: "رب فاطمة، أو عثمان، أو عمر، أو يزيد، أو إبراهيم، أو معديكرب، أو: ارطى، قابلت"؛ بالجر الكسرة مع التنوين في هذه الأنواع السبعة؛ لذهاب أحد موجبي المنع، وهو: العلمي. ويستثنى من هذا الحكم ما أشرنا إليه من قبل1؛ وهو الاسم الذي كان في أصله وصفا ممنوعا من الصرف للوصفية وعلة أخرى، ثم زالت عنه الوصفية وحدها، وحلت محلها العلمية؛ فصار ممنوعا من الصرف للعلمية الطارئة ومعها العلة الأخرى، نحو: "أحمر؛ فإن زوال علميته لا يبيح تنوينه، ولكنه يقتضي رجوعه إلى الوصفية الأصلية التي سبق أن تركت مكانها للعلمية الطارئة. فإذا زال الطارئ عاد الاسم إلى أصله ممنوعا من الصرف كما كان. أما في غير هذه الحالة فينون في حالاته الإعرابية الثلاثة، ولا يجز بالفتحة. ب- أن يكون الاسم مصغرا، وقد أدى تصغيره إلى إزالة أحد السببين المانعين من صرفه؛ كتصغير "عمر" على: "عمير"، وكتصغير: "أحمد" تصغير ترخيم على: "حميد" فإن هذا التصغير جعل الاسم على صورة لا يصح منعها من الصرف؛ فكلمة: "عمير" ليست كعمر الممنوعة من الصرف، سماعا "أو لما يسميه النحاة: العلمية والعدل" فلا سماع في عمير، ولا عدل فيها. وكلمة: "حميد" ليست على وزن الفعل؛ فهي فاقدة لسبب الثاني الذي لا بد

_ 1 في رقم 2 ص264.

منه مع العلمية. بخلاف "أحمد" ففيه السببان"1. وهذه الحالة الثانية: "ب" راجعة للأولى. وفي الحالتين يجر الاسم بالكسرة، وجوبا؛ إذ يجري عليه حكم المنصرف كاملا؛ إن لم يمنع مانع آخر. ويجوز تنوينه ومنعه من التنوين في حالتين: الأولى: مراعاة التناسب في آخر الكلمات المتجاورة، أو المختومة بسجعة، أو بفاصلة2 في آخر الجمل؛ لتتشابه في التنوين، من غير أن يكون له داع إلا هذا؛ لأن للتناسب إيقاعا عذبا على الأذن، وأثرا في تقوية المعنى، وتمكينه في نفس السامع والقارئ. ومن الأمثلة كلمة: "سلاسلا" بالتنوين في قراءة من قرأ قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا} فقد ونوت الكلمة لمراعاة لا التي تليها وتجاوزها. وكذلك كلمة: "قوريرا" في قراءة من قرأها بالتنوين في قوله تعالى يصف أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} ، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} ، {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} فقد نونت كلمة "قواريرا" الأولى لمراعاة التنوين في آخر الجملة التي قبلها، ومراعاة لآخر الجملة التي بعدها ... ونونت كلمة: "قواريرا" الثانية لمراعاة الأولى، ... ولمراعاة نهاية الآية السابقة، فإنها منونة أيضا. ومن الأمثلة قراءة من قرأ: "يغوث"، و"يعوق" منونتين في قوله تعالى

_ 1 قد يكون الاسم منونا وهو مكبر، فإذا صغر امتنع صرفه لوجود السببين معا. ويمثلون لهذا بكلمة: "تحل" علما، "ومن معانيه: القشر الذي يظهر حول منابت الشعر.." فهي غير ممنوعة من الصرف إلا إذا كانت علما مصغرا، نحو: "تحيلئ" فإنها تمنع للعلمية ووزن الفعل؛ إذ تكون على وزان: "تدحرج، وتبطر" -ولهذا الحكم تفصيلات في ص275، ولا سيما الحالة الثالثة. 2 "السجعة": "وجود حرف متشابه متماثل في نهاية جملتين أو أكثر ... كقوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} "والفاصلة".. وقوع كلمة في آخر الجملة على وزان كلمة أخرى في جملة قبلها أو بعدها من غير أن تتشابه الكلمتان في الحرف الأخير منهما. وليس من اللازم أن يكون التشابه في الوزن كاملا صرفيا، وإنما يكفي أن يكون متقاربا. ومن الأمثلة الآية الآتية بعد في أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} .

عن المشركين، ومخاطبة بعضهم بعضا بالتمسك بأصنامهم: وقالوا: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 1، فقد نونت الكلمتان مراعاة لما حولهما من كلمات أخرى منونة. الثانية: الضرورة الشعرية2، وما في حكمها2؛ فيضطر الشاعر بسببها إلى تنوين الاسم؛ ككلمة "محاسن" في قول الشاعر:

_ 1 كل هذه أسماء أصنام اتخذها المشركون من أهل الجاهلية آلهة لهم عبدوها. 2 و2 الشائع في أكثر الكتب النحوية أن "الضرورية" خاصة بالشعر وحده. لكن بعض المحققين لا يرون هذا التحديد الضيق، كما صرح: "ابن بري" في رسالته المطبوعة في نهاية: "مقامات الحريري"، يدافع بها عن صاحب المقامات، ويصحح كل ما أخذه عليها "ابن الخشاب البغدادي"، فقد صرح "ابن بري" بأن الضرورة ليست مقصورة على الشعر وحده، وإنما تشمل السجع والفواصل أيضا. وفيما يلي نص كلامه "ص11 من تلك الرسالة": "اعلم أن للسجع ضرورة الشعر، وأن له وزنا يضاهي ضرورة الوزن الشعري في الزيادة والنقصان والإبدال، وغير ذلك. وحذفوا التنوين فيه كما حذفوه في الشعر -وساق أمثلة متعددة تؤيد كل ما سبق- حكى ذلك الخليل، وأبو حنيفة الدينوري ... وقد جاء مثل هذا في فواصل القرآن؛ لتتفق الفواصل. فمن الزيادة قوله تعالى في سورة الأحزاب: عن الكافرين: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} فقد زيدت ألف في آخر كلمة "السبيل"؛ مراعاة لكلمة "الرسول" وزيدت ألف في كلمة: "الرسولا" لأن الآيات التي قبلها مختومة بكلماته منونة، منصوبة آخرها ألف. وكذلك زيدت ألف في كلمة: "الظنون" من قوله تعالى في سورة الأحزاب: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} وزيادتها لمراعاة أواخر الآيات التي قبلها، المختومة بكلمات منصوبة آخرها ألف "أليما - بصيرا ... " فزيدت الألف في الفواصل كما تزاد في الشعر، آخر القافية بقصد الإطلاق. ومن النقص قوله تعالى في سورة الفجر: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} فحذفت الياء من "يسر" اتباعا للوتر، وما تقدمه. وكذلك حذفت الياء -من: "أكرمني، وأهانني"- في قوله تعالى في هذه السورة: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} كما حذفت في الشعر في قول في قول القائل: فهل يمنعن ارتياد البلاد ... من حذر الموت، أن يأتين "أي: يأتيني". ا. هـ. كلام ابن بري، وهو كلام قوي نفيس، يؤيده ويوافقه الفصل الخاص الذي عقده له صاحب: "همع الهوامع" في الجزء الثاني تحت عنوان: "خاتمة" -ص158- بعد الباب الخاص بموضوع: "الضرائر". وكلامهما أعم وأشمل من كلام ابن جني حيث يقول: "الأمثال تجري مجرى المنظوم في تحمل الضرورة" -راجع ص19 من التعريف بكتابة: المحتسب، ج1 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة.

إن الذي ملأ اللغات محاسنا ... جعل الجمال وسره في الضاد1 ويتبع هذا جره -حتما- بالكسرة بدل الفتحة في حالة الجر؛ ككلمة "عنيزة" في قول امرئ القيس: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت له الويلات إنك مرجلي2 فقد دخل الجر والتنوين في كلمة: "عنيزة" لضرورة الشعر. ومثل كلمة: "فاطمة" في قول الشاعر يمدح "عليا زين العابدين" بأنه من نسلها وهي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا وقد يضطر الشاعر إلى جر الاسم بالكسرة دون تنوينه، مثل كلمة: "عصائب" في قول المادح: إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب فقد جر الكلمة بالكسرة وحدها مراعاة للكسرة في آخر أبيات القصيدة. وإنما كان التنوين جائزا -لا واجبا- في الحالتين السالفتين؛ لأن المتكلم يستطيع في الحالة الأولى أن ينون أو لا ينون، فله الخيار، كما يستطيع في الحالة الثانية أن يترك الكلمة التي تدفعه إلى التنوين قهرا واضطرارا3 ليختار كلمة أخرى تلائم القافية الوزن الشعري من غير حاجة لمنع الصرف. وفي كلتا الحالتين السالفتين تعرب الكلمة على حسب موقعها من الجملة، ويزاد على إعرابها حين تكوين منونة: أن تنوينها للضرورة، وتجر بالكسرة -لا بالفتحة- على الأفصح.

_ 1 الضاد: رمز يكنى به عن اللغة العربية وحدها؛ لعدم وجوده في اللغات الأخرى الشائعة. 2 الخدر: الهودج. "مرجلي": ستجعلني راجلة، أي: ماشية؛ لأن الهودج لا يحتملهما معا. 3 أي: أن تنوين الضرورة يعتبر ضروريا محتوما إذا حرص الشاعر على كلمة معينة لا يريد تركها إلى أخرى لا توجب عليه التنوين. وعند كثرة النحاة: أن الضرورة هي التي تباح في الشعر دون النثر ولو استطاع الشاعر أن يتخطاها؛ إذ تعد في النثر مخالفة غير جائزة. وهذا رأي يرفضه -بحق- "ابن بري" محتجا بما تقدم في رقم 2 من هامش الصفحة السالة.

5- يجوز في الضرورة الشعرية1 أن يمنع الاسم المنصرف من التنوين الذي استحقه قبل هذه الضرورة؛ سواء أكان الاسم علما أم غير علم. فمثال العلم كلمة: "شبيب" في قول الشاعر: طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت ... بشبيب غائله2 النفوس، غدور فقد منع التنوين من كلمة: "شبيب"، للضرورة الشعرية، إلا لا يوجد مع العلمية السبب الذي يجب أن ينضم إلهيا عند منع الصرف. ومثال غير العلم كلمة: "موالي" في قول الشاعر: فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا والأصل الغالب أن يقول: مولى موال، فترك هذا الأصل، وأثبت الياء، وجرا الاسم بالفتحة الظاهرة عليها ... لكن إذا منع الاسم من التنوين بسبب الضرورة الشعرية فما حكمه في حالة الجر؟ أيجر بالكسرة كالأسماء المنصرفة المتمكنة ولكن بغير تنوين، أم يجر بالفتحة بغير تنوين كالممنوع من الصرف؟ الأمران جائزان. والأحسن جره بالكسرة كأصله والاقتصار في الضرورة على منع تنوينه3. ويعرب الاسم الممنوع من التنوين للضرورة على حسب موقعه من الجملة ويزداد في كل حالة إنه ممنوع من التنوين للضرورة وإذا كان مجرورا بالفتحة زيد

_ 1 انظر البيان السابق الخاص بمعنى: "الضرورة"، والمراد الدقيق منها -في رقم 2 من هامش ص271. 2 مجرورة بالفتحة بدل الكسرة؛ لما تقرر: أن المنصرف الذي يمنع صرفه للضرورة يصح في حالة الجر -جره بالكسرة بدل الفتحة، ويصح جره بالفتحة بدل الكسرة -كما سيجيء هنا- "والأزارق" وأصلها: الأزارقة، جمع أزرقي -قوم من الخواريج ينسبون إلى نافع بن الأزرق زعيمهم. و"شبيب" هذا هو: شبيب بن زيد من رءوسهم. ادعى الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين. وكلمة: "الأزارق" مفعول به للفعل: "طلب" والفاعل ضمير مستتر، تقديره: هو، يعود إلى سفيان نائب الحجاج، وزوج ابنته. "هوت" بمعنى: أطمعت، وغرت. يقال: هوى به الأمر: أي: أطعمه وغره. غائلة النفوس، هي: الموت، وتعرب فاعلا للفعل: هوى. 3 ليكون في هذا تقدير للضرورة بقدرها الذي لا بد منه وحده، وترك ما لا شأن له بها.

أيضا: أنه مجرور بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للضرورة1 ...

_ 1 وفي تنوين الممنوع، ومنع التنوين من الاسم الذي يستحقه.. يقول ابن مالك في ختام الباب: ولاضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع. والمصروف قد لا ينصرف-25 يريد: أن الممنوع من الصرف قد يصرف بسبب الضرورة أو التناسب الكلامي، وأن المصروف قد يمتنع تنوينه. وقد أوضحنا الحكمين، وسردنا تفاصيلهما. وبمناسبة قول ابن مالك: "والمصروف قد لا ينصرف" نذكر أن فريقا من النحاة ومنهم ابن هشام في كتابه: "المعنى" في مبحث "قد" يمنع وقوع "لا" النافية بعدها، فاصلة بينهما وبين المضارع، ومشترطا أن يكون المضارع بعدها مثبتا. وبهذا الرأي يقول بعض اللغويين كصاحب القاموس، وتبعهم فيه أحد الباحثين المعاصرين. لكن صاحب "لسان العرب" نقل في مادة: "ذام" مثلا عربيا فصيحا نصه: "قد لا تعدم الحسناء ذاما" كما نقل أبو هلال العسكري في كتابه: "الأمثال"، المطبوع على هامش كتاب: "الأمثال" للميداني "في ص117 ج2" مثلا آخر قديما نصه: "قد لا يقاد بي الجمل" ورأيت في بعض الشعر الجاهلي وغيره من فصيح الكلام الذي يحتج به وقوع المضارع المنفي بالحرف "لا" مسبوقا بكلمة: "قد" مباشرة "أي: أن الحرف "لا" النافي توسط في ذلك الكلام العربي الصحيح بين "قد" والمضارع". وقلنا في الجزء الأول "م4، ص50" إن رفض تلك الأمثال غير مستساغ إلا إذا لجأنا للتأويل الواعي المتعسف الذي لا يتبت على التمحيص. ومن الأدلة أيضا ورودها في شعر الأعشى ميمون، وهو جاهلي، أدرك ظهور الإسلام في بيت له "من قصيدته التاسعة والعشرين بالصفحة 195 من ديوانه" ونصه: وقد قالت قتيلة إذ رأتني ... وقد لا تعدم الحسناء ذا ما ... وفي بيت آخر لقيس الجهني -وهو جاهلي، وقد نقله الآمدي في كتابه: المؤتلف ص123، ونصه: وكنت مسودا فينا حميدا ... وقد لا تعدم الحسناء ذا ما.. وكذلك في بيت للنمر بن تولب -وهو مخضرم- "ونصه كما رواه السيوطي في شواهد المغني، ص66". وأحبب حبيبك حبا رويدا ... فقد لا يعولك أن تصرما ... وهذه الرواية توافق رواية "منتهى الطلب" في المخطوطة الأصلية المحفوظة بدار الكتب، ورقمها بين المخطوطات الأدبية: "12631" ... إلى غير هذا من الأمثلة التي تقطع بصحة الاستعمال السابق في غير ضعف، ولا شذوذ، ولا تأويل، ولا تردد في الحكم بصحة قول ابن مالك هنا -وهو الإمام الثقة: "والمصروف قد لا ينصرف ... " وصحة من استعمالها قبله بمئات السنين من مناطقة العرب الذين وضعوا "سورا" للقضية الجزئية نصه: "قد يكون وقد لا يكون" ومن استعمالها بعده من علماء النحو وغيره في كثير من أساليبهم، كالأشموني في الجزء الثاني، باب: "الاستثناء، عند الكلام على الأداتين: "ليس، وخلا" حيث يقول ما نصه: ".. لأنه قد لا يكون هناك فعل..". ا. هـ. وكذلك في باب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: للتصغير والتكبير أثر في الصرف ومنعه. ولهذا أربع حالات1. الأولى: أسماء تمنع من الصرف وهي مصغرة أو مكبرة، لوجود سبب المنع في حالتيها -بشرط ألا تكون مضافة ولا مقرونة بأل، كما عرفنا- ومن أمثلتها: معديكرب، طلحة، زينب، حمراء، غضبان، إسحاق، أحمر، يزيد ... ونحوهما مما تحقق فيه شرط المنع، ولا يفقد سبب المنع في تصغير ولا تكبير. الثانية: أسماء تمنع من الصرف وهي مكبرة، وتصرف وهي مصغرة، نحو: عمر، ضمر، سرحان2، أرطى3، جنادل ... أعلاما. فإن تصغيرها على عمير، شمير4، سريحين، أربط، وجنيدل4، يزيل سببا لازما لمنعها من الصرف؛ هو العدل في عمير، ووزن الفعل في شمير4، وعدم وجود الألف الزائدة في سريحين، وعدم وجود ألف الإلحاق في أربط، وعدم وجود صيغة منتهى الجموع في جنيدل. الثالثة: أسماء تمنع من الصرف مصغرة، وتنصرف مكبرة، ومنها: تحلئ5،

_ = الصفة المشبهة "ج3 ص4" حيث يقول: "إنها قد تكون جارية على اسم الفاعل كطاهر القلب.. وقد لا تكون ... ". ا. هـ. وكذلك ضياء الدين بن الأثير -ومكانته اللغوية والأدبية والبلاغية لا تجحد- حيث يقول في كتابه: "الجامع الكبير، في صناعة المنظوم من الكلام، والمنثور -ج1 ص48 طبعة المجمع العلمي العراقي- ما نصه: " ... والناظم قد لا يمكنه ذلك ... ". ا. هـ. وقد أصر مؤتمر المجمع اللغوي "المنعقد بالقاهرة في فبراير سنة 1971" قراره الحاسم بعد التثبت والتمحيص بجواز إدخال "قد" على المضارع المنفي بالحرف "لا". 1 هذه الحالات يجمعها ضابط واحد وضعوه، هو: أن كل مصغر لم يذهب تصغيره أحد سببيه فهو غير منصرف، وإلا فهو منصرف. 2 من معانيه: الذئب، والأسد. 3 أصله نوع من الشجر. 4 و4 تصغير ترخيم. 5 الشعر المتروك على الجلد بعد الدباغة، ووسخ الجلد وسواده، والقشر الذي حول منابت الشعر. انظر الحكم الذي يتصل بهذه الكلمة في رقم 1 من هامش ص270.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتوسط1، تهبط2. ترتب3؛ فتصغيرها: تحيلي4، تويسط، تهيبط، ترتيب. وكل هذه الأسماء المصغرة جارية على وزن المضارع: "تبيطر" فتمنع للعلمية وزن الفعل، ولم تكن قبل التصغير مستحقة للمنع فكفله لها. وهذا بشرط ألا تجيء ياء عوضا عن حرف حذف في بعضها؛ فإن جيء بالياء وجب التنوين، نحو: تويسيط وتهيبيط ... ؛ لفقد وزن الفعل ... الرابعة: أسماء يجوز صرفها ومنعها من الصرف وهي مكبرة، فإذا صغرت نحتم المنع، نحو: دعد، جمل، وهما علمان لفتاتيت. فيجوز فيهما المنع وعدمه قبل التصغير5. أما بعد "دعيد، جميل ... " فيجب منعهما.

_ 1 مصدر توسط. 2 اسم طائر. "بكسر أوله وثانيه وثالثه المشدد". 3 الشيء المقيم الثابت. "وضبطه: على وزن قنفذ، أو جندب". 4 انظر رقم 1 من هامش ص270. 5 أما جواز المنع فللعلمية والتأنيث، وأما جواز الصرف فلأنه علم ثلاثي، ساكن الوسط، غير منقول من مذكر لمؤنث، وغير أعجمي -طبقا لما سلف في ص238 ب.

المسألة 148: إعراب الفعل المضارع

المسألة 148: إعراب الفعل المضارع المدخل ... المسألة 148: إعراب الفعل المضارع 1- نواصبه: الأفعال ثلاثة: "ماض، وأمر"، وهما مبنيان دائما. و"مضارع"، وهو معرب، إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا "نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو "نون النسوة" فيبنى على السكون. وفي غير هاتين الحالتين يكون معربا1. وهذا الإعراب يقتضي أن تتغير علامة آخره رفعا، ونصبا، وجزما، على حسب أحواله؛ فتكون العلامة ضمة، أو ما ينوب عنها، في حالة رفعه، وتكون فتحة، أو ما ينوب عنها، في حالة نصبه بناصب قبله، وتكون سكونا أو ما ينوب عنه في حالة جزمه بجازم قبله. وعلى هذا لا يرفع المضارع إلا في حالة واحدة؛ هي التي يتجرد2 فيها من الناصب والجازم؛ فلا يسبقه شيء منها؛ سواء

_ 1 سبق "في ج1 ص44، 50 م6" تفصيل الكلام على معنى الإعراب والبناء، وأثرهما في الأفعال.. كما سبق هنا "في ص167 م143" الكلام على نوني التوكيد، وأحكامهما، وآثارهما، واتصالهما المباشر بالمضارع، وغير المباشر، ونتيجة كل ... أما نون النسوة فاتصالها به مباشر في كل حالاتها. 2 للنحاة جدل عنيف في سبب رفع المضارع؛ أو التجرد -والتجرد علامة عدمية- أم هو حلوله محل الاسم، أو الزيادة التي في أوله ... أم ... ؟ إلى غير ذلك من آراء متعددة، لا يسلم واحد منها من اعتراضات مختلفة، ولا يقوى اعتراض منها على الثبات أمام الردود التي توجه إليه ... وهذه المعركة الجدلية الشاقة لا طائل وراءها. ومن إضاعة الوقت والجهد الوقوف عندها. أما حقيقة الأمر فهي أن العربي رفع المضارع الذي لم يسبقه ناصب ولا جازم، ونصبه أو جزمة إذا تقدمت الأداة الخاصة بهذا أو بذاك، وأن المحدثين تابعوا؟ وحاكوهم فيه، من غير أن يفكر العرب ولا المحدثون في عامل الرفع: أهو عدمي أم غير عدمي؟ ويقتضينا الجد ومتابعة ركب الحياة الحضرية بعلومها وفنونها أن نوجه الجهد -ولو كان يسيرا إلى جلائل الأمور. إن نظرية "العامل" التي ابتكرها النحاة نظرية بارعة عظيمة، ودليل نبوغ وعبقرية؛ وطالما امتدحناها ولم ننكر من أمرها إلا التعسف -بغير داع- في تطبيقها. وهذا هو العرض المعيب في جوهرها النفيس "كما أشرنا في ص45 م6 ج1. وفصلنا الكلام فيها". ونحن نكشف عنها هذا العرض في مناسبات مختلفة؛ ليصفر جوهرها، ويخلص معدنها الثمين ... ولهذا ندع الجدل هنا في سبب رفع المضارع.

أكان رفعه ظاهرا أم مقدرا؛ كالفعلين: "يسيء ويتلى" في قول الشاعر: وأقتل داء رؤية العين ظالما ... يسيء، ويتلى في المحافل حمده فإن سبقه ناصب وجب نصبه، أو جازم وجب جزمه1. وهذا الباب معقود للكلام على الأدوات التي تنصبه، وكلها حروف، وهي: "أن، لن، إذن، كي"، "لام الجحود، أود، حتى، فاء السببية، واو المعية". فهذه تسعة. وزاد بعض النحاة حرفين؛ هما: "لام التعليل"، و"ثم"؛ الملحقة2 بواو المعية، وبهما يكمل عدد النواصب أحد عشر حرفا. وكل حرف منها يخلص زمن المضارع للمستقبل المحض3. والأربعة الأولى تنصب المضارع بنفسها مباشرة لا بحرف آخر ظاهر أو مقدر. أما بقية الأحرف فلا تنصبه بنفسها، وإنما الذي ينصبه هو: "أن" المضمرة وجوبا بين كل حرف من تلك الأحرف والمضارع. والمذهب الكوفي يبيح توسط "كي" مضمرة أو مظهرة بين لام التعليل والمضارع، ويجعل هذا المضارع منصوبا ب"كي"، ولا "بأن" المضمرة، وسيجيء4 بيان هذا كله في موضعه المناسب من الباب.

_ 1 يقول ابن مالك في رفع المضارع في باب عنوانه: "إعراب الفعل". رفع مضارعا إذا يجرد ... من ناصب وجازم؛ كتسعد-1 2 في المذهب الكوفي. والكلام عليها في ص385. 3 في الجزء الأول "م4 ص54". تفصيل الكلام على أنواع الزمن في المضارع. 4 في ص300.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا بنى المضارع المجرد من الناصب والجازم على الفتح "لاتصاله المباشر بنون التوكيد"، أو على السكون؛ "لاتصاله بنون النسوة" فهل يكون له محل من الإعراب؛ فيقال عنه: مبني في محل رفع؛ لأن الرفع هو الأصل الثابت له قبل أن تطرأ عليه فتحة البناء وسكونه؟ الأحسن الأخذ بالرأي القائل إنه مبني على الفتح أو على السكون في محل رفع؛ لأنه الأصل الذي تجب مراعاته عند مجيء مضارع آخر بعد الأول، تابع له "كأن يكون الثاني معطوفا على الأول، أو توكيدا لفظيا له، أو بدلا منه"؛ فيجب رفع الثاني المرجد عن الناصب والجازم؛ تبعا لمحل الأول من غير أن يتأثر ببناء الأول؛ إذ التابع لا يكتسب البناء من المتبوع. أما إذا كان المضارع المبني غير مجرد -لوقوعه بعد ناصب أو جازم- فإنه يبني على الفتح، أو على السكون، على حسب نوع النون المتصلة بآخره، ويكون في محل نصب إن سقه ناصب، وفي محل جزم1 إن سبقه جازم. ويراعى هذا المحل في المضارع الذي يجيء بعده، تابعا له؛ "معطوفا، أو توكيدا لفظيا، أو بدلا ... " لأن مراعاة المحل واجبة في هذه الصورة. ويتعين يفها أن تكون العلامة الإعرابية في التابع مماثلة للعلامة الإعرابية المحلية في المتبوع. فمثال المضارع المبني على الفتح في محل نصب: " ... إذن لا أصاحبن الخائن، ولا أرافقه". فالفعل: "أصاحب" مبني على الفتح في محل نصب بالحرف: "إذن" والفعل "أرافق" معطوف عليه، معرب منصوب؛ تبعا لمحل المعطوف عليه ... ومثال المضارع المبني على الفتح في محل جزم: "لا تخافن إلا ذنبك، ولا ترجون إلا ربك"، وقول الشاعر: لا تحسبن المجد والـ ... ـعلياء في كذب المظاهر فالأفعال: تخاف، ترجو، تحسب، مبنية على الفتح في محل جزم بـ"لا الناهية"

_ 1 كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص472.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال المضارع المبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، أو في محل نصب وإما في محل جزم على حسب الأداة التي قبله -قول بعض المؤرخين في وصف الأعرابيات: اشترك كثيرات منهن في الحروب، كما تشترك فرق المتطوعات اليوم. ومع اشتراكهن لم يهملن التصون والتحفظ. وأني لهن أن يتركنه، والدين والنشأة العربية الأصيلة خير عاصم للحرائر؟ فالمضارع "يهمل" -مبني على السكون في محل جزم بالحروف "لم". والمضارع "يترك" مبني على السكون في محل نصب بالحرف: "أن". ويجب مراعاة هذا المحل في التوابع -كما سلف؛ فيجب نصب المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل نصب، كما يجب جزم المضارع المعطوف -مثلا- إن كان المعطوف عليه مضارعا مبنيا في محل جزم ... ، وهكذا بقية التوابع. فلإعراب المضارع إعرابا محليا أثر في توابعه وفي المعنى. ج- لا يعتبر المضارع ساكنا إذا كان سكون آخره عارضا بسبب الوقف عليه، أو بسبب التخفيف من توالي ثلاث حركات في آخره مباشرة، أو في آخره مع ما يتصل به ويعتبر جزءا منه، كالضمير. وهذا التخفيف لغة بعض القبائل، وأوضح صوره تسكين الحرف الثاني من الأحرف الثلاثة المتوالية المتحركة. فيقولون: -يستمع- بسكون الميم في المضارع: "يستمع" مكسور الميم، ويقولون: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ؛ بسكون الراء في آخر المضارع "يأمر"؛ لوقوع الضمير المتحرك بعده، وهذا هو ما يعنينا الآن. فعند الإعراب نقول: إن المضارع مرفوع أو منصوب على حسب حالته الأصلية، ونزيد: أنه سكن للوقف، أو للتخفيف1 ... ومثل هذا السكون لا يراعي في التوابع.

_ 1 سبق بيان شامل عن "سكون التخفيف"؛ في ج1 م16 ص180 عند الكلام على: "مواضع الإعراب التقديري"، وأشهر المواضع التي تقدم فيها الحركات الأصلية.

الأحرف الأربعة الناصبة بنفسها: الأول: "أن" المصدرية1 المحضة الناصبة للمضارع. وعلامتها اجتماع أمرين معا: "أن تقع في كلام يدل على الشك2، أو على الرجاء والطمع"3، "وأن يقع بعدها فعل" فهي لا تقع في كلام يدل على اليقين والتحقق، ولا في كلام يدل على الرجحان2 ... ، ولا تدخل على غير فعل. فمثال وقوعها بعد الشك: "أي الأمرين أجدر بالعاقل؛ أن يداري السفيه أو أن يقاطعه؟ فلقد عجز الرأي الحكيم عن ترجيح أحدهما". ومثال الرجال والطمع قوله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ، وقول الشاعر: المرء يأمل أن يعيـ ... ـش، وطول عيش قد يضره فأما التي تقع في كلام يدل على اليقين فهي "الخففة من الثقيلة"4 نحو: أعتقد أن سينتصر الحق، ولو تأخر انتصاره ... ، أي: أنه سينتصر ... وأما التي تقع في كلام يدل على الرجحان "أي: الظن الغالب" فتصلح للنوعين؛ نحو: "من غره شبابه، أو ماله، أو جاهه، وظن أن يسالمه الدهر فقد عرض نفسه للمهالك".

_ 1 "أن" حرف متعدد الأنواع، وستجيء إشارة لأنواعه ملخصة موجزة -في ص290- ومنها: "أن المصدرية". ويصح أن يقال: "أن" المصدري، أي: الحرف المصدري. كما يقال "أن" المصدرية، أي: الكلمة المصدرية؛ فالتذكير على اعتبار الحرف، والتأنيث على اعتبار الكلمة. وهذا يصدق على جميع الحروف الناصبة، وغيرها. "انظر هامش ص289 ورقم 1 من هامش ص371". 2 و2 اليقين: هو قطع المتكلم بثبوت أمر، وتحققه، سواء أكان هذا اليقين صحيحا في الواقع أم غير صحيح، وسواء أكان الثبوت والتحقق سلبا أم إيجابا. والشك هو: استواء التصديق والتكذيب في نفس المتكلم، بحيث لا يستطيع أن يصل إلى القطع والجزء بثبوت الشيء أو بنفيه؛ لعدم وجود مرجح لأحدهما. والظن أو الرجحان: هو تغلب أحد الأمرين على الآخر في قوة الدليل تغلبا لا يصل إلى حد اليقين وقد سبق الكلام على هذا، في ج2 م6 ص5 أول باب: "ظن وأخواتها". 3 أي: الأمل. 4 سبق البيان الشافي عنها في المكان الأنسب "ج1 ص515 م55 باب: إن وأخواتها" لأنها من أخوات "إن" تنصب الاسم وترفع الخبر؛ فلا تنصب المضارع. ويجيء لها بيان مناسب في ص290.

وإن لم يقع بعدها فعل فليست بالمصدرية التي تنصب المضارع. كقول الشاعر: أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة؟ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا أي: أنه لا أخاليا. أهم أحكامها: 1- أنها تدخل على الماضي والمضارع باتفاق1. وإذا دخلت على الماضي لا تنصبه لفظا، ولا تقديرا، ولا محلا -لأن الماضي لا ينصب مطلقا- ولا تغير زمنه. وإنما تتركه على حاله؛ نحو: فرحت بأن عاد الحق إلى أهله. وإذا دخلت على المضارع نصبته وجوبا؛ لفظا، أو تقديرا، أو محلا، وخلصت زمنه للاستقبال -كالشأن في كل نواصبه- كقولهم: "خير لك أن تقبل ما لا بد منه مختارا، بدل أن ترضى به قهرا واضطرارا؛ فلا تجمعن على نفسك ضعف المضطر؛ وذلة المغلوب على الأمر". 2- أنها لا بد أن تسبك مع الجملة الفعلية -المضارعية وغير المضارعية- التي تدخل عليها سبكا خاص يؤدي إلى إيجاد مصدر مؤول، يغني عن "أن وما دخلت عليه"؛ ويعرب على حسب حاجة الجملة: "فقد يكون فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرا، أو سادا مسد المفعولين، أو غير ذلك مما يقتضيه السياق2 ... ومن الأمثلة قولهم: "من البر أن تصل صديق أبيك. ومن أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده" ... ، وقولهم: "أدرك السباق غايته، بعد أن أحسن الوسيلة إليها".

_ 1 أما دخولها على الأمر والنهي فيجيء الكلام عليه في "الزيادة والتفصيل"، ص297. 2 سبق "في ج1 ص364 و574 م29 عند الكلام على أنواع الموصولات الحرفية" كيفية سبك المصدر المؤول، وطرائقه المختلفة، وفوائده التي لا تتحقق في المصدر الصريح، أوضحنا كل هذا بما فيه غنى وكفاية؛ لأهميته. وأوضحنا هناك -وفي ج2 باب المستثنى م81 ص255 عند الكلام على حكم المستثنى "بإلا"- أهم المواضع التي يقع فيها المصدر مؤولا بدون حرف سابك، كالتي بعد همزة التسوية أو نوع خاص من القسم.

3- أنها تتصل بالفعل الذي تدخل عليه اتصالا مباشرا1، فلا يجوز الفصل بينهما بغير "لا" النافية، أو الزائدة؛ فالأولى نحو: وإن افتقادي واحدا بعد واحد ... دليل على ألا2 يدوم خليل ونحو: ما أعجب. ألا2 يرتدع الظالم بمصير من سبقوه. والثانية نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي: لأن يعلم أهل الكتاب3 ... لأن المعنى هنا على زيادتها وإلا فسد. وكذلك لا يجوز الفصل بأجنبي بني أجزاء الجملة الفعلية التي دخلت عليها "أن" المذكورة3. فإذا دخلت على جملة فعلية تشتمل -مثلا- على مضارع وفاعله، أو عليهما وما يكملهما من مفعولات وغيرها، وجب أن تتصل أجزاء هذه الجملة بعضها ببعض من غير أن يفصل بينها أجنبي وهو التي يجيء من جملة أخرى؛ ففي مثل: "سررت أن أراك نصير الفضيلة؛ لا تبغي بها بدلا ولو احتملت في سبيلها المتاعب، ولاقيت المشقات" لا يصح في كلمة أو أكثر من الكلمات التي جاءت بعد: "لو" أن تتنقل من مكانها لتفصل بين كلمتيني مما دخلت عليه "أن" السالفة4.

_ 1 فلا يصح الفصل بينهما بالسين "كما نص التصريح عند الكلام على "لام الجحود" ولا بسواها إلا كلمة: "لا" النافية، أو الزائدة. وأجاز بعضهم الفصل بينهما بالظرف، أو بالجار مع مجروره؛ لأن شبه الجملة موضع التوسع. 2 و2 هنا: "أن" مدغمة في "لا" طبقا لقواعد رسم الحروف. والأصل: أن لا -وسيجيء الكلام على كتابتها في ص298 قسم "ب" من الزيادة. 3 و3 الجملة التي تدخل عليها "أن" تسمى: "صلة أن" "كما في الجزء الأول، باب "الموصول" عند الكلام على الموصولات الحرفية. م29 ص368". وستعاد هذه الآية لمناسبة أخرى في ص285. 4 لهذا يمتنع في مثل: "عسى أن يعرف الولد فضل والديه" إعراب: "الولد" اسما لعسى؛ لأن اسم "عسى" أجنبي عن الجملة التي دخلت عليها "أن" إذ ليس منها، ولا من مكملاتها. ونظيرا هذا كلمة: "رب" في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} فلا يصح إعرابها اسم "عسى" مع إعراب "مقاما" منصوبا على الظرفية أو غيرها بالفعل؛ "يبعث". أما مع إعراب: "مقاما" مصدرا لفعل محذوف "أي: تقوم مقاما" فيجوز الأمران "وقد أوضحنا هذا في الجزء الأول ص294 م29 في باب الموصولات الحرفية، وفي باب عسى وأخواتها ص470 م50 من ذلك الجزء".

4- أن معمول فعلها لا يتقدم عليها -في الرأي السديد- سواء أكان المعمول مفعول أم غير مفعول، كقول شوقي: "عليك أن تلبس الناس على أخلاقها، وليس علك ترقيع أخلاقها"1. فلا يصح: عليك، الناس، أن تلبس على أخلاقها، كما لا يصح: عليك، على أخلاقها، أن تلبس الناس2 ... 5- أن بعض القبائل العربية يهملها؛ فلا ينصب بها المضارع، برغم استيفائها شروط نصبه؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} برفع المضارع: "يتم" على اعتبار "أن" مصدرية مهملة. والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها، والاقتصار على الإعمال؛ حرصا على الإبانة، وبعدا على الإلباس. 6- أنها تمتاز -ومثلها: كي عند الكوفيين- بنصبها المضارع ظاهرة، أو مضمرة3، بخلاف بقية الأدوات الأخرى التي تنصبه بنفسها؛ فإنها لا تنصبه إلا ظاهرة. وبهذه المناسبة يذكر النحاة مواضع لإظهارها وجوبا، ومواضع لإضمارها وجوبا، ومواضع لجواز الأمرين. وفيما يلي البيان3. أ- فيجب إظهارها في موضع واحد، وهو أن تقع بين "لام الجر" و"لا" سواء أكانت "لا" نافية أم زائدة، فمثال الأولى قول العربي: إني أنتصر للعرب، لئلا4 يطمع فينا أعداؤنا، وقول الشاعر: وإني لأترك قبح الكلام ... لئلا أجاب بما أكره

_ 1 جمع: خلق، وهو: الثوب البالي القديم. 2 ولا صلة لهذا الحكم بصحة تقديم الخبر الذي مبتدؤه "مصدر مؤول" كالذي في قول الشاعر: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له؛ ما من صداقته بد فقد تقدم الخبر "من نكد...." على المصدر المؤول المبتدأ "أن يرى...." وهذا جائز. 3 و3 في ص402 السبب في إضمار "أن" وجوبا وجوازا. 4 هذه الهمزة هي همزة: "أن" أما نونها فمدغمة في: "لا" فلا تظهر نطقا ولا كتابة؛ طبقا لقواعد الإملاء القراءة. وسيجيء البيان في "ب" من ص298.

ومثال الثانية قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 1، أي: ليعلم أهل الكتاب.. -كما سبق2. ب- ويجب إضمارها بعد واحد من ستة أحرف: "لام الجحود، أو حتى، فاء السببية، واو المعية"، وكذا بعد: "ثم" الملحقة بواو المعية، عند من يرى إلحاقها. ولإضماء أن بعد هذه الأحرف تفصيلات وشروط تجيء عند الكلام على كل منها. ج- ويجوز إظهارها وإضمارها في موضعين: أولهما: أن يسبقا لام الجر، ويقع بعدها المضارع مباشرة من غير أن تفصله: "لا" النافية، أو الزائدة؛ نحو: اقرأ التاريخ لتنفع بعبره ومواعظه، أو: لأن تنتع3، وقول الشاعر: إن أخاك الحق من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا صرف زمان صدعك ... بدد شمل نفسه ليجمعك فيصح، في غير الشعر: لأن ينفعك، لأن يجمعك ... ولام الجر هذه قد تكون أصلية لإفادة التعليل4 وهي التي بمعنى: "لأجل: كذا...." فما بعدها، في الأغلب، علة لما قبلها في الكلام المثبت"5، كالأمثلة السابقة. وقد تكون أصلية لبيان العاقبة "وتسمى: "لام الصيروة" أو: "لام المآل"، وهي التي يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها، ونهاية

_ 1 هذه الهمزة هي همزة: "أن" أما نونها فمدغمة في: "لا" فلا تظهر نطقا ولا كتابة؛ طبقا لقواعد الإملاء والقراء. وسيجيء البيان في "ب" من ص 298. 2 في ص283. 3 وكل هذا بشرط ألا يسبقها كون منفي، فإن سبقها وجب إضمار "أن" -كما سيجيء في مواضع الوجوب، ص317. 4 تختلف لام التعليل في معناها وحكمها عن لام الجحود. وسيأتي الكلام على هذا في ص317 وص321. 5 وقد تسمى: "لام" "كي"، لصحة إحلال: كي الدالة على التعليل محلها. انظر ص317 و321.

جزائية له". كقوله تعالى عن موسى عليه السلام: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} ، فإن فرعون وآله لم يعتنوا بموسى وبتربيته في القصر الفرعوني ليكون لهم بعد ذلك سبب عداوة وحزن ... ، وإنما اعتنوا بتربيته لينفعهم، أو يكون لهم بمنزلة الولد. فلم تتحقق هذه الأمينة، وتحقق بدلهما أمر آخر؛ هو العداوة والحزن، فالعداوة والحزن هما اللذان انتهى إليهما أمر التربية، وهما العاقبة "النتيجة" والمآل الذي صار إليه أمر العناية. وقد تكون زائدة لتقوية المعنى، وهي الواقعة بين فعل متعد، ومفعوله، كقول الشاعر في الحديث عن ليلاه: أريد لأنسى ذكرها؛ فكأنما ... تمثل1 لي ليلى بكل سبيل فالمضارع: "أريد" متعد، ومفعوله المناسب هو المصدر المنسبك من "أن" المقدرة جوازا بعد اللام، ومن الجملة المضارعة بعدها، وهذه اللام زائدة بينهما. والتقدير: أريد نسياني ذكرها2، والأصل أريد لأن أنسى.

_ 1 أي: تتمثل، وحذفت إحدى التاءين، تخفيفا. 2 والغالب أن يكون المفعول مصدرا مؤولا، وقد يكون اسما صريحا. ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر في الرثاء: أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر نم على القبر أي: أرادوا إخفاءهم قبره، فلام الجر زائدة بين الماضي ومفعول المصدر المؤول. ومثله: أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي؛ فاستطارا ومثله: ومن يك ذا عظم صليب رجا به ... ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره أي: رجا كسر عود الدهر به ... ومثل: وملكت ما بين العراق ويثرب ... ملكا أجار لمسلم ومعاهد أي: أجار مسلما ومعاهدا.. فاللام في هذه الأمثلة وأشباهها، زائدة بين الفعل المتعدي ومفعوله الاسم الصريح كالمثال الأخير، أو المصدر المؤول كبقية الأمثلة. واعتبار هذه اللام زائدة داخلة على المفعول أفضل من اعتبار المفعول اسما محذوفا قبلها. على أن زيادتها في البيت الأخير الذي يستشهد به النحاة موضع شك؛ لما قدمناه عند الكلام عليه في باب: "حروف الجر" -ج2 م90 ص367- حيث الموضع الأنسب لتفصيل الكلام على أحوال لام الجر وأحكامها ومعانيها.

ويجيز الكوفيون إضمار: "كي" في كل موضع يجوز فيه إضمار: "أن" وإظهارها؛ كالحالة السالفة بأمثلتها المختلفة؛ فالموضع الصالح لإظهار "أن" ولإضمارها صالح جوازا للأمرين عندهم في "كي". ويسمون لام الجر التي قبلها: بـ"لام" التعليل" أو: بـ"لام كي" وهذا الخلاف لا أهمية له، بالرغم من كثرة استعمال "أن" الناصبة في أفصح الأساليب ظاهرة ومضمرة.. ثانيهما: أن تع بعد حرف عطف من حروف أربعة ويليه المضارع مباشرة هي: "الواو، الفاء، ثم، أو ... بشرط ألا يدل هذا الحرف على معنى من المعاني التي توجب إضمار "أن"؛ "كالسببية معك "الفاء"، والمعينة مع: "الواو" و"ثم"، وكالتعليل، والغاية، والاستثناء مع: "أو"1 ... " وبشرط أن يكون المعطوف عليه اسما مذكورا2، جامدا محضا "أي: اسما خالصا من معنى الفعل" سواء أكان هذا الاسم المذكور الجامد مصدرا صريحا3 أم غير مصدر. أما المعطوف فهو المصدر المؤول من "أن" والجملة المضاريعة بعدها. فمثال "الواو" إذا كان المعطول عليه مصدرا صريحا، تعت وأحصل رزقى خير من رائحة وأمد يدي للسؤال. وقول القائل: ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف4 ومثالها إذا كان جامدا غير مصدر: لولا النخل في الصحراء ويغذي البدوي لم يجد قوته، ولولا الآبار وتسقيه لم يجد شرابه ومثال الفاء والمعطوف عليه مصدر صريح: إن اقتنائي الكتب فأستفيد منها، كاقتنائي الحديثة اليانعة فأنتفع بثمارها ورياحينها ...

_ 1 انظر ص327، 372. 2 وهذا هو الأغلب. ولا مانع من قصيدة أحيانا. طبقا لما سيجيء في ص329. 3 غير مؤول ولا متصيد. 4 جمع: شف "مشددة الفاء، مع فتح الشين وكسرها" وهو الثوب الرقيق الذي يكشف ما تحته كالحرير الغالي ونحوه.

ومثال وهو وهو جامد غير مصدر: إن البحر فأفكر في عجائبه، كالقمر فأطلق خواطري وراء أسراره. ومثال "ثم" والمعطوف عليه مصدر صريح: إن التسرع في الأمر ثم يصلح، كالإهمال فيه ثم يتدارك؛ كلاهما معيب؛ يضاعف الجهد والعناء، ويضعف الأثر. ومثالها وهو اسم جامد غير مصدر: إن الرزوع ثم أعتمد على نفسي في رعايتها لهي من خير الوسائل للغنى، وإن المال ثم يساء التصرف فيه لهو أشد دواعي الشقاء. ومثال "أو" والمعطوف عليه مصدر صريح: لا يرضى النابه بالتقصير أو يتداركه؛ وإنما رضا بالكمال، أو يقترب منه. ومثالها وهو جامد غير مصدر قولك للمسافر: لن يحول البعد دون اتصالنا. فعدنا البريد والبرق أو يبادر أحدنا بزيادة أخيه ... وهكذا. فكل مضارع بعد حرف من الحروف الأربعة السالفة منصوب بأن مضمرة جوازا، ويصح إظهارها، وكل مصدر مسئول من أن -المضمرة جوازا، أو الظاهرة- وما دخلت عليه معطوف على اسم خالص قبلهان قد يكون مصدرا صريحا، أو اسما جامدا غير مصدر. ولا بد -مراعاة للأغلب- أن يكون المعطوف عليه مذكروا في الكلام؛ فلا يصح أن يكون محذوفا ولا أن يكون -في الأغلب-1 متصيدا متوهما. فإن كان المعطوف عليه اسما غير صريح -بأن كان فيه معنى الفعل، المشتقات العاملة- لم يصح النصب، نحو: الصارخة فيتالم العاقل هي النادبة. فالفعل: "يتألم" واجب الرفع؛ لأنه معطوف على كلمة: "الصارخة" وهي اسم غير صريح إذ هي من المشتقات العاملة؛ ففيها معنى الفعل، ورائحته، وواقعة وقعه، من جهة أنها صلة "أل" الموصولة. والأصل في الصلة أن تكون جملة، فكلمة صارخة بمنزلة: "تصرخ" فكأن التقدير: "التي تصرخ"، فلما جاءت "أل"

_ 1 قد يكون متصيدا، أحيانا -كما سبق في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وكما سيجيء في ص329.

الموصولة اقتضت العدول عن الفعل إلى اسم الفاعل: لأنها لا تدخل إلا على بعض المشتقات التي تصلح أن تكون صلة لها. وإذا لم يصح العطف في المواضع السالفة لم يصح نصب المضارع تبعا لذلك، فيجب رفعه على اعتبار الواو، والفاء، وثم، حروف استئناف، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عما قبلها. وعلى اعتبار "أو" في هذا الموضع -خاصة- للاستئناف كذلك1.

_ 1 وفي موضع الإظهار الواجب والجائز، والإضمار الواجب يقول ابن مالك في البيتين السابع والثامن: وبين "لا"، ولام جر التزم ... إظهار "أن" ناصبة. وإن عدم ... -7 "لا" "فأن" اعمل مظهرا أو مضمرا ... .......................................-8 أي: يلزم إظهار "أن" الناصبة للمضارع إذا وقعت متوسطة بين "لا" بنوعيها ولام الجر. فإن عدمت "لا" فأعمل "أن" مظهرة أو مضمرة؛ لأن الأمرين جائزان. ثم انتقل في الشطر الأخير إلى الكلام على مواضع إضمارها وجوبا وستأتي ص317. وفي الموضع الثاني من مواضع إظهار "أن" الناصبة وإضمارها -جوازا، يقول ابن مالك في بيت واحد قبل البيت ختم به الباب: وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه "أن" ثابتا أو منحذف-18 -وستجيء له إشارة أخرى في ص397 حيث مكانه الذي ارتضاه ابن مالك. يقول: إذا عطف المضارع على اسم خالص من رائحة الفعل -ومعنى أنه خالص: جموده على الوجه الذي شرحناه- نصبته "أن" ثابتة في الكلام أو محذوفة؛ "بمعنى: مقدرة" ولم يذكر شيئا عن حروف العطف التي تستعمل هنا، ولا شيئا من الشروط والتفصيلات. ويلاحظ أنه قال: تنصبه "أن" فأرد من "أن" الكلمة، ثم عاد فقال: ثابتا أو من منحذف، يريد: منحذفًا؛ على إرادة الحرف. "أن". "انظر رقم "ا" من هامش ص281 حتى هامش ص371".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من المفيد سرد بقية أنواع: "أن" بإيجاز مناسب؛ لشدة الحاجة إلى فهمها، ولأنها تزيد "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وضوحا لا يكاد يتحقق إلا بعد عرض هذه الأنواع المختلفة، عرضا تتبين به وجوه المشابهة والمخالفة. والأنواع خمسة: 1- المصدرية المحضة الناصبة للمضارع وجوبا، وقد سبق الكلام عليها1 ... 2- المخففة2 من الثقيلة -وهي من أخوات "إن"- وتعرف بعلامة من أربع: أ- أن تدخل مباشرة على فعل جامد3، أو على حرف غير "لا"؛ كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، وقول الشاعر: أجدك، ما تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قورنك ينشر ب- أو: تقع في كلام يدل على اليقين، والتحقق، والاعتقاد الثابت. مثل: "أيقن". ومثل: "علم ورأي" إذا أفادا اليقين والتأكد، والاعتقاد الثابت. ويدخل في هذا كل الأفعال وغيرها مما يفيد اليقين؛ مثل: "اعترف"، بمعنى: علم وأقر، وكذا: "خاف وحذر" -عند سيبويه وأصحابه- وما بمعناها إذا كان الشيء المخوف أو المحذور متيقنا. ومن الأمثلة قول الشاعر: وإذا رأيت من الهلال نموه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا ... ومثل: أعلم أن سيكون الجزاء على قدر العمل. وقول الشاعر ينصح:

_ 1 في ص281. 2 المخففة من الثقيلة ثنائية لفظا، ثلاثية بحسب أصلها قبل التخفيف -وقد سبق إيضاحها في الموضع الأنسب، ج1 م55 ص610 -أما المصدرية فثنائية أصلا وحالا. 3 مثل: ليس، عسى، ... و....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار ومثل: يفر الشريف من الإساءة والتقصير؛ مخافة أن يحاسبه الضمير. وقد اجتمع اليقين ودخولها على حرف غير الحرف "لا" في قول الشاعر: تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا ... أمين، وخوان يخال أمينا ج- أو: تكون داخلة على جملة امسية مسبوقة بجزء من جملة -لا بجملة كاملة- فيكون المصدر المؤول من "أن" المخففة وما دخلت عليه متمما للسابقة؛ كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، فالمصدر المنسبك من "أن" وما دخلت عليه خبر المبتدأ: "آخر". وكقول الشاعر: كفى حزنا أن لا2 حياة هنيئة ... ولا عمل يرضى به الله، صالح ... فالمصدر المسؤول فاعل للفعل: كفى. د- أو: تكون داخلة على فعل مقصود به الدعاء؛ نحو: صانك الله ورعاك، وأن هيأ لك حياة سعيدة. وأهم أحكامها: أنها من أخوات "إن"؛ فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة قد تحتاج إلى فاصل في أغلب الأحوال. ومن أحكامها: أنها تسبك مع معموليها فينشأ من السبك مصدر متصرف، "أي: يعرب على حسب حاجة الجملة؛ من مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو ساد مسد المفعولين ... أو ... ". إلى غير هذا من الأحكام والتفصيلات الهامة التي عرضناها بأمثلتها في مكانها الأنسب3.

_ 1 ستعاد الآية لمناسبة أخرى في ص295. 2 إذا وقعت "لا" بعد أن المخففة وجب فصلها كتابة -كما سيجيء في "ب" من ص298. 3 ج1 ص616 م55، ص368 م29، ص583 م52.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- الصالحة لأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع ولأن تكون مخففة لا تنصبه؛ وهي الواقعة في كلام يدل على الرجحان؛ كأن يسبقها أحد الأفعال الآتية: "ظن، خال، علم، التي بمعنى: ظن، حسب، حجا ... " فيرفع أو ينصب المضارع بعد كل فعل من هذه الأفعال -وما شابهها- على أحد الاعتبارين السالفين. أما "أن" الواقعة في كلام يدل على الشك، أو على الطمع والرجاء والأمل فليست إلا "المصدرية المحضة" الناصبة للمضارع وجوبا -كما أسلفنا-1 فإن أجرى الظن مجرى اليقين تأويلا، جاز الأمران، وبالنصب والرفع قرئ قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} ويتركون ... 4- الزائدة: وهي التي يتساوى وجودها وعدمها، من ناحية العمل؛ إذ لا عمل لها على الأصح، وإنما أثرها معنوي محض؛ هو تقوية المعنى وتأكيده؛ "كالشأن في الحروف الزائدة المهملة، طبقا للبيان الخاص بهذا في صدر الجزء الأول، عند الكلام على الحرف" وتقع -في الغالب- "بعد لما" الحينية2 كالتي في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} . والتي في نحو: أجيب الصارخ لما أن يكون3 مظلوما. برفع: يكون.

_ 1 في ص281. 2 "لما" الحينية، هي التي بمعنى: حين، ووقت. وقد سبق تفصيل الكلام عليه في باب: "الظرف" ج2 م79 ص275. 3 وقوع المضارع بعد "لما" الحينية جائز، ولكنه قليل. ولهذا الحكم بيان ذكرناه في الجزء الثاني وهو بيان مفيد، لا غنى عن الرجوع إليه؛ لأهميته، ولما حواه من سرد أنواع جواب "لما" "م79 ص235" عند الكلام على الظرف: "لما" حيث قلنا هناك: قال الأشموني في الجزء الثالث: أول باب: "إعراب الفعل" عند الكلام على أنواع "أن.." ومنها "الزائدة" وما نصه: "الزائدة هي التالية "لما" نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} ... ا. هـ. كلام الأشموني: وهنا قال الصبان: "قوله نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} وتقول: أكرمك لما أن يقوم زيد، برفع المضارع. "فارضى". ا. هـ. كلام الصبان نقلا ن الفارضي. وهذا النص صريح في جواز دخول "لما" على المضارع قياسا إذا كان مسبوقا بأن الزائدة، والعجيب أن الصبان يأتي به هنا جليا واضحا ليكمل ما فات الأشموني ثم ينسى هذا في الجزء الرابع أول باب: "الجوازم" عند الكلام على "لما" الجازمة؛ فقد احترز الأشموني فوصفها بأنها أخت "لم" وقال هذا الاحتراز =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بين الكاف ومجرورها، كقول الشاعر يصف امرأة: ويوما توافينا1 بوجه مقسم2 ... كأن ظبية تعطو3 إلى وارق4 السلم5 أو بين "لو" وفعل مذكور للقسم؛ كقول الشاعر: فأقسم أن لو التفينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشر؛ مظلم أو بين "لو" وفعل للقسم محذوف؛ كقول الشاعر: أما والله أن لو كنت حرا ... وما بالحر أنت ولا العتيق6 ومن الزائدة أيضا -في رأي بعض النحاة- الواقعة بعد جملة مشتملة على القول وحروفه نصا؛ مثل: قلت للمتردد: أن أقدم....، عند من يصوب هذا

_ = لإخراج "لما الحينية" و"لما الاستثنائية" لأن هاتين لا يليهما المضارع. فيقول الصبان تعليقا على هذا وتأييدا له، ما نصه: "أي: كلامه فيما يليه المضارع، فلا حاجة إلى الاحتراز منهما". ا. هـ. فهو يكتفي بهذا، ساكتا عما قاله الأشموني من أن المضارع لا يجيء بعد "لما الحينية" "ولما الاستثنائية". وهنا احتمال آخر ولكنه ضعيف؛ هو أن يكون المراد من منع دخول "لما الحينية" على المضارع هو دخولها المباشر بغير فاصل بينهما من "أن" أو غيرها. وكما نسي هذا في باب "الجوازم" نسبة أيضا في باب "جمع التكسير" -ج4- عند الكلام على صيغة: "فعول" واطرادها؛ وبيت ابن مالك: "وبفيعول فعل، "نحو: كبد ... " حيث قال الأشموني عنها في ذلك الباب: "ظاهر كلام المصنف هنا موافقة التسهيل، فإنه لم يذكر في هذا النظم غالبا إلا المطرد، ولما يذكر غيره يشيره إلى عدم اطراده غالبا بقد، أو نحو: قل ... أو ندر..". ا. هـ. وهنا قال الصبان ما نصه: "قوله: ولما يذكر غيره ... إلخ". تركيب فاسد؛ لأن "لما الحينية" لا تدخل إلا على ماض. ا. هـ. كلام الصبان. وفي كلامه هذا مجال للاحتمال السالف الضعيف. فبأي الرأيين نأخذ؟ بالأول لأنه نص صريح فيه تيسير، ولكن حظه من القوة والسمو البلاغي أقل كثيرا من الآخر الذي منعه أكثر النحاة. 1 تأتينا. 2 جميل حسن. 3 تمد عنقها وتميله. 4 وارق: أي: به أوراق. 5 السلم: شجر. 6 الشريف كريم الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التركيب، -كما سيجئ هنا في الكلام على المفسرة1 وقد وردت زيادتها بعد "إذا" في قليل من المسموع الذي لا يقاس عليه. 5- الجازمة. وهي لغة لإحدى القبائل العربية2؛ نحو: أواصل العمل إلى أن يكتمل، أو: أن ينته وقته. والأفضل إهمال هذه اللغة اليوم؛ منعا للخلط والإلباس. 6- الضمير: تكون "أن" ضميرا للمتكلم عند بعض العرب -معنى: "أنا"؛ فيقول: أن جاهدت في الله حق الجهاد؛ بمعنى: أنا جاهدت.. أما مجيئها للمخاطب مذيلة ببعض حروف تدل عل فروعه المختلفة فهو الشائع بين القبائل3؛ نحو: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن 7- المفسرة: وهي حرف مهمل4 والغرض منه: إفادة التبين والتفسير، مثل: "أي المفسرة" فكلاهما حرف تفسير؛ ولهذا يصح إحلال "أي" محل "أن". ولا تكون "أن" مفسره إلا بثلاثة شروط مجتمعة: أولها: أن تسبقها جملة مستقلة كاملة، فيها معنى القول دون حروفه. ثانيها: أن يتأخر عنها جملة أخرى مستقلة، تتضمن معنى الأول، وتوضح المراد منها. ثالثها: ألا تقترن "أن" بحرف جر ظاهر أو مقدر. "ومن الشرط الثاني يتبين أن الذي يقع به التفسير هو الجملة المتأخرة: أما الحروف

_ 1 انظر رقم 4 من هامش ص295، الآتية، ثم ص297 وفي هذه الصفحة نوع آخر من الزائدة. 2 عرض بعض النحاة لها أمثلة من الشعر، وصفها غيره بأنها لا تصلح للاستشهاد لأسباب صحيحة قوية. ولكن صحتها فساد تلك الأمثلة لا يقدحان في الأمر الواقع، وهو وجود قبيلة عربية تجزم بالحرف: "أن". 3 سبق تفصيل الكلام على هذا الضمير من نواحيه المختلفة في الباب الخاص بالضمير -ج1. 4 لا عمل له، ولا يتأثر بعامل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "أن" فمجرد أداة، أو آله، أو رمز، ففي الكلام مجاز مرسل، علاقته الآلية". فإذا استوفت الشروط الثلاثة كانت مفسرة لمفعول الفعل الذي قبلها؛ إن كان متعديا، سواء أكان المفعول ظاهرا أم مقدرا. فالظاهر كالذي في قوله تعالى، يخاطب موسى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} فـ"ما يوحى" هو عين "اقذفيه في اليم" معنى ... ، والمقدر كالذي في قوله تعالى1 في قصة نوح: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} على تقدير: أوحينا إليه شيئا؛ هو: اصنع. ويصح أن تكون "أن" هنا زائدة، والمعنى2: أوحينا إليه لفظ: "اصنع". وإن لم يكن الفعل متعديا فالجملة التفسيرية لا محل لها -كما سيجيء. فإن لم يسبقها جملة كاملة كانت -في الغالب- مخففة من الثقيلة؛ كالتي في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن ما قبلها مبتدأ لا خبر له إلا "أن" وما دخلت عليه. وهذا ينافي التفسيرية؛ لأنها لمحض التفسير -لا للتكميل- فتقتضي أن يكون قبلها جملة تامة؛ كما سلف3. وإن كان قبلها جملة تامة ولكنها مشتملة على حروف القول وجب اعتبار "أن" زائدة لا مفسرة؛ نحو: قلت له: أن افعل4 -كما سبق5 عند الكلام على "أن" الزائدة.

_ 1 في سورة: "المؤمنون" "وستعاد الآية لمناسبة أخرى في ص297". 2 انظر ص297. 3 في: ح من ص291. 4 جاء في حاشية الصبان في هذا الموضع عند الكلام على "أن" الناصبة للمضارع ما نصه: "قلت له: أن افعل -ليست مفسرة؛ لوجود حروف القول- ولا يقال مثل هذا التركيب، لعدم وجوده في كلامهم؛ لأن الجملة تقع مفعولا لصريح القول "يريد: من غير أن" وعلى تسليم أنه يقال لا تجعل "أن" فيه تفسيرية، بل زائدة. وجوز الزمخشري في قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} اعتبار "أن" مفسرة على تأويل: "قلت" بأمرت. واستحسنه في المغني. قال: وعلى هذا فمعنى شرطهم ألا يكون في الجملة التي قبلها حروف القول، أي: باقيا -على حقيقة، غير مؤول بغيره". ا. هـ. هذا، وفي الصفحة التالية ما يتمم الموضوع، ويزيده بيانا. 5 في ص293.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن اقترنت بحرف جر ظاهر أو مقدر فهي "مصدرية"، لاختصاص حرف الجر بالدخول على الاسم، ولو كان الاسم مصدرا مؤول؛ كالمثال السابق، وهو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} إن جعلنا التقدير: فأوحينا إليه بصنع الفك ... على معنى: وأشرنا إليه "أي: عليه" بصنع الفلك. ولم نجعله على تقدير حذف المفعول والاستغناء بتقديره عن تقدير حرف جر محذوف. بقي شيء هام؛ هو: إعراب الجملة الواقعة بعد "أن" المفسرة. قال صاحب المغني: "الجملة المفسرة لا محل لها مطلقا". ولكن الصبان في حاشيته ناقض هذا عند الكلام على "أن" المفسرة. وقال: إن الجملة المفصسرة التي لا محل لها من الإعراب هي الجملة التي ليست في معنى المفرد، كالتي في مثل: "محمد أكرمته" إذ الأصل: أكرمت محمدا أكرمته -أما التي تفسر المفعول بعد "أن"- فالظاهر أنها في محل نصب، تبعا لما فسرته؛ لأنها في معنى هذا اللفظ، فيحل المفرد محلها. ثم أيد الصبان رأيه هذا بكلام نقله عن بعض المحققين. وإذا كان لها محل من الإعراب كالمفرد الذي تفسيره فما موقعها؟ أتكون مفعولا مثله، أم بدلا، أم عطف بيان؟ تكون بدلا أو عطف بيان؛ لأن البدل والبيان هما اللذان يسايران التفسير ويناسبانه؛ "كما سبق في بابهما ج3 ص99 م117 ... وص486 م123.. وشيء آخر هام أيضا: إذا جاء بعد "أن" الصالحة للتفسير مضارع مسبوق بكلة: "لا" نحو: أشرت إليه أن يفعل، جاز رفعه على اعتبار "لا" نافية. وجزمه على اعتبارها ناهية، و"أن" في الحالتين مفسره1، وجاز نصبه على اعتبار "لا" نافية، و"أن"

_ 1 في هذا المثال -وأشباهه- تكون الجملة بعدها مفسرة للجملة قبلها، لعدم وجود مفعول ظاهر أو مقدر تفسره؛ لأن الفعل قبلها لازم، فالجملة التي بعدها لا محل لها من الإعراب، بناء على ما سبق من كلام المغني والصبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدرية1. فإن حذفت "لا" امتنع الجزم، وصح الرفع أو النصب. لكن صرح الصبان بأنه يصح على الجزم بلا الناهية اعتبار "أن" مصدرية؛ اعتمادا على الرأي الأصح الذي يبيح دخولها على الأمر والنهي؛.... وقد جاء في حاشية الخضري ما نصه2: "وصل "أن" بالماضي اتفاق، وبالأمر3 عند سيبويه، بدليل الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن قم أو لا تقعد. إذ لا يدخل إلى على الاسم، فتؤول بمصدر طلبي، أي: كتبت إليه بالأمر بالقيام؛ كما قدر الزمخشري في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} ، أي: بالأمر بالإنذار، فلا يفوت معنى الطلب. ورده الدماميني بأن كل موضع وقع فيه الأمر هو محتمل لكون "أن" فيه تفسيرية؛ بمعنى: "أي"؛ كهذه الآية، ونحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} 4 ونحو {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} . ونحو: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} ، أي: انطلقت ألسنتهم5 فكل ذلك -إن لم يقدر فيه الجار- هي فيه إما تفسيرية؛ "لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه؛ ووقوع جملة بعدها، وخولها من الجار لفظا"، ولا حاجة إلى تقديره كما يقول سيبويه -وإما زائدة؛ كالمثال: "أي

_ 1 وتكون مصدرية مع انطباق شروط المفسرة عليها على اعتبار آخر: هو أن الفعل الذي قبلها لازم يتعدي بحرف الجر، وأن الحرف الجار محذوف، وبهذا التأويل تخرج من عداد المفسرة؛ لأن المفسرة -كما سبق- لا تقترن بحرف الجر مطلقا، "لا ظاهرا ولا مقدرا" وتدخل في عداد المصدرية، وليس في هذا التأويل تكلف؛ لأن حذف حرف الجر قياسي قبل "أنْ وأنّ" إذا كان الفعل قبلهما لازما. 2 ج1 أول باب الموصول. 3 والمراد به ما يشمل النهي أيضا -كما يتضح من التمثيل الآتي؛ لأن النهي أمر بالكف وطلب الامتناع. 4 انظر ص294. حيث الكلام على المفسرة ... و.. 5 ليس المراد بالانطلاق المشي، وإنما المراد: انطلاق الألسنة، كما أن المراد بالمشي هنا هو الاستمرار على الشيء، وليس المشي المعروف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتبت إليه بأن قم"، أي: بهذا اللفظ. زيدت "أن" كراهة دخول الجار على الفعل ظاهرا، وإن كان في الواقع اسما، لقصد لفظه". ا. هـ. وإذا دخلت "أن" على الماضي والأمر باعتبارها مصدرية فإنها لا تغير زمنهما، ولا يكون لهما محل تنصبه -كما جاء في المغني عن الكلام عليها- خلافا لرأي ضعيف آخر. ب- انتهينا من الكلام على "أن" من وجهتها النحوية واللغوية وبقيت ناحية تتتصل بإظهارها أو عدم إظهارها في النطق وفي الكتابة إذا وقعت بعدها "لا". أما مع غير "لا" فتظهر في الحالتين. 1- فيجب حذف النون فيهما إن كانت "أن" مصدرية ناصبة للمضارع المسبوق "بلا" النافية، أو: "لا" الزائدة، نحو: شاع ألا يخفق الإنسان في الوصول للكواكب، {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} والحذف هنا معناه عدم ظهورها في الكتابة وفي النطق؛ فهي مدغمة في "لا" وإدغامها يمنع ظهورها خطا ونطقا ... 2- ويجب إظهارها في الكتابة، وإبرازها خطا لا نطقا إن كانت غير ناصبة للمضارع، سواء أكان بعدها اسم، أم فعل؛ نحو: تيقنت أن لا أسافر -أشهد أن لا إله إلا الله، فتظهر فيهما خطا، وتدغم في "لا" عند النطق.

الثاني: لن: وهو حرف1، يفيد النفي بغير دوام ولا تأييد إلا بقرينة خارجة عنه. فإذا دخل على المضارع نفي معناه في الزمن المستقبل المحض -غالبا-2 نفيا مؤتا يقصر أو يطول من غير أن يدوم ويستمر، فمن يقول: لن أسافر، أو: لن أشرب، أو: لن أقرأ غدا، أو نحو هذا ... ، فإنما يريد نفي السفر -أو غيره- في قابل الأزمنة مدة معينة، يعود بعدها إلى السفر ونحوه، إن شاء، ولا يريد النفي الدائم المستمر3 في المستقبل، إلا إن وجدت قرينة مع الحرف "لن" تدل على الدوام والاستمرار. أشهر أحكامه: 1- أنه مختص بالمضارع، ينصبه بنفسه، ويخلص زمنه للمستقبل المحض غالبا2؛ ولهذا كان نفيه لمعنى المضارع مقصورا على المستقبل غالبا -كما تقدم- نحو قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . 2- جواز تقديم معمول مضارعه عليه "أي: على "لن"؛ كقول الشاعر: مه -عاذلي-4 فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحا فكلمة: "هائما" خبر للمضارع المنصوب ب"لن"، وقد تقدمت على الناصب.

_ 1 هو حرف غير مركب. أما ما يعرض له بعض النحاة من الكلام على أصل مادته وبنيته، "وأن أصله "لا أن" أو ... أو ... " فلا يصح الوقوف عنده، ولا الالتفات إليه؛ لعدم جدواه. 2 و2 لأنه قد ينفي زمنه المستقبل المتصل بالحال؛ كآية: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . فقد نفى الحال الممتد إلى المستقبل. 3 يدل على هذا قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} فلو كانت "لن" تفيد تأييد النفي في المستقبل المحض "الخالص" لوقع التعارض بينها وبين كلمة: "اليوم" في الآية؛ لأن اليوم محدد معين، وهي غير محددة ولا معينة. ولوقع التكرار المعيب في قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} فما فائدة كلمة "أبدا" التي تدل على التأييد إن كانت "لن" تدل عليه؟ أما التأييد في قل الشاعر: إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام الناس حسادا وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فبسبب قرينة خارجية، هي العلم القاطع المستمد من المشاهدة الصادقة الدائمة. 4 يا عاذلي.

3- عدم الفصل بينه وبين مضارعه، إلا للضرورة الشعرية؛ كالتي في قول القائل: لن -ما رأيت أبا يزيد مقاتلا- ... أدع القتال وأشهد1 الهيجاء والأصل: لن أدع القتال ... ما رأيت أبا يزيد ... وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار والمجرور؛ لأن شبه الجملة يتوسع فيه ... 4- أنه قد يتضمن مع النفي الدعاء أحيانا؛ كقول الشاعر: لن تزالوا كذلكم؛ ثم لازلـ ... ـت لكم خالدا خلود الجبال ومنه قوله تعالى على لسان موسى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} لأن أدب المتكلم مع ربه، وجهله بالغيب؛ يقتضيان أن يكون الكلام متضمنا الدعاء، لا النفي القاطع لأمر يكون في المستقبل، لا يدري المتكلم عنه شيئا؛ فكيف يقطع فيه برأي حاسم، وأنه سيظل خالدا لأعدائه خلود الجبال؟ 5- أنه -بمعناه السابق- حرف جزم عند بعض العرب القدامى2؛ فيقول قائلهم: لن أنطق لغوا، ولن أشهد زورا ... ، بجزم الفعلين. وليست من المناصب اليوم محاكاة هذة اللغة؛ حرصا على الإبانة، وإبعاد للخلط واللبس. الثالث: كي وهو حرف متعدد الأنواع؛ يعنينا منها: النوع المصدري المحض، المختص بالدخول على المضارع، وبنصبه وجوبا بنفسه مباشرة، لا "بأن" المضمرة وجوبا كما يرى بعض النحاة.

_ 1 المضارع: "أشهد"، إما مرفوع على الاستئناف. وإما منصوب بأن المضمرة جوازا لعطفه على اسم صريح؛ هو المصدر: "قتال" -طبقا للقاعدة الخاصة بهذا، وقد سبقت في ص287- والتقدير: لن أدع القتال، وأن أشهد الهيجاء. أي: لن أدع القتال، وشهود الهيجاء ... ولا يجوز عطف "أشهد" على المضارع المنصوب قبلها؛ وهو: "أدع" لئلا يفسد المعنى؛ إذ يكون المعطوف منفيا كالمعطوف عليه، فيكون التقدير: لن أدع القتال، ولن أشهد الهيجاء. وهذا غير المراد. 2 جاء هذا الحكم في كثير من المراجع النحوية بصيغة تدل على الشك في صحته؛ بدليل أن "المعنى والأسموز" اشتركا في النص الآتي: "وزعم بعضهم أنها قد تجزم". ا. هـ. وبدليل عبارة "الخضري" ونصها: "قبل: والجزم بها لغة" وساقت المراجع السالفة بين استشهادا للجزم.

وعلامة مصدريته الخالصة وقوعه بعد لام الجر مع عدم وقوع "أن" المصدرية بعده "في الرأي الأرجح" لا، ظاهرة ولا مضمرة؛ إلا في حالة الضرورة، أو التوكيد اللفظي؛ نحو: منحنا الله الحواص لكي نستخدمها في تحصيل العلم، وإنجاز مطالب العيش. وزودنا بالأمل الكبير؛ لكيلا يستبد بنا الياس فيحرقنا بناره. ويشتهر هذا النوع باسم: "كي المصدرية". وهو مثل: "أن" المصدرية معنى، وعملا، وسبكا1؛ ولهذا لا يصح وقوع "أن المصدرية" بعده، إلا في حالة الضرورة أو التوكيد اللفظي -كما تقدم، وبالرغم من هذا فوجود "أن المصدرية"، بعده في هاتين الحالتين غير مستحسن. وتشتهر لام الجر التي قبل "كي" باسم: "لا التعليل" لأن ما بعدها علة لما قبلها من كلام مثبت2. وأهم أحكام "كي" المصدرية: 1- وجوب نصبها المضارع بنفسها، وتخليص زمنه للمستقبل -غالبا فهي كسائر كالتي في المثال السالف-3 أو "ما" الزائدة وحدها، أو هما معا بشرط تقديم "ما". ومثال الفصل "بما" الزائدة: امنح نفسك قسطها من الراحة

_ 1 بين الحرفين بعض فروق؛ أهمها: تصرف "أن المصدرية" مع صلتها؛ بأن يقع المصدر المؤول منهما مبتدأ، وفاعلا، ومفعولا، ومجرورا بحروف الجر المختلفة، وغير هذا من المواقع الإعرابية المتعددة. أما "كي المصدرية" فغير متصرفة؛ فالمصدر المنسبك منها ومن الجملة المضارعية بعدها لا يكون إلا مجرورا باللام. 2 وهذه "اللام" هي التي تدل وحدها على "التعليل" أما "كي" التي بعدها ... فمتجردة للمصدرية ولا دخل لها بالتعليل. فإن كان الكلام قبل اللام منفيا فقد تكون على لما قبلها أو لا تكون، على حسب البيان الآتي عند عودة الكلام عليها، والموازنة بينها وبين لام الجحود، في "ب" من ص321. 3 إذا توسطت كي بين لام الجر ولا النافية وجب وصل الثلاثة في الكتابة. وإن لم توجد لام الجر فصلت "كي" عن "لا". تطبيقًا لقواعد الإملاء الحالية؛ كقول الشاعر: وإني لأنسى السر كي لا أذيعه ... فيا من رأى شيئا يصان بأن ينسى!! "انظر رقم 3 من هامش ص305".

لكيما تنشط وتقوى. وقول الشاعر: ولقد لحنت1 لكم لكيما تفهموا ... ووحيت2 وحيا ليس بالمرتاب ومثال الفصل بهما معا: لا تتعرض للشبهات لكيما لا يصيبك التجريح بحق وغير حق، وقول الشاعر: أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟ والفصل "بلا" النافية وحده لا يمنع النصب -باتفاق- أما الفصل بـ"ما" الزائدة وحدها، أو بهما معا فالراجح أنه لا يمنع أيضا. 3- وجوب سبكها مع الجملة المضارعية3 التي بعدها مصدرا مؤولا يعرب مجرورا باللام؛ فهو مصدر غير متصرف، بخلاف المصدر المسبك من "أن المصدرية" -وما دخلت عليه فهو مصدر متصرف حتما4.. ونشير هنا إلى أسلوب فصيح شائع يقع فيه المضارع المسبوق بلام التعليل منصوبا؛ كقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فما الذي نصب المضارع: "يغفر"؟ قيل منصوب "بأن" مضمرة جوازا بعد اللام، وقيل منصوب بـ"كي" مضمرة جوازا بعدها عند الكوفيين. وقد يكون الرأي الأول هو الأنسب؛ لأن الأكثر هو إضمار "أن"، ويشيع عملها ظاهرة، ومضمرة، وجوبا5، أو جوازا..

_ 1 أوضحت وبينت. 2 أخبرت. 3 الطرق المستعملة في سبك "المصدر المؤول"، والأسباب الداعية لاستعماله دون المصدر الصريح -موضحة تفصيلا- في ج1 م29 ص299 عند الكلام على: "الموصولات الحرفية". 4 انظر رقم 1 من هامش من الصفحة السابقة. 5 انظر "ب وح" من ص285 وص402؛ -حيث بيان السبب. وفي: "لن، وكي وأن" يقول ابن مالك: وبلن انصبه، و"كي"، كذا "بأن" ... لا بعد علم. والتي من بعد ظن ... -2 فانصب بها، والرفع صحح، واعتقد ... تخفيفها من "أن"؛ فهو مطرد-3 يقول: انصب المضارع بالحرف "لن"، والحرف "كي" وكذا بالحرف "أن" بشرط ألا يكون الحرف: "أن" واقعا بعد ما يفيد العلم واليقين، ما إن كانت الأداة "أن" واقعة بعد ما يفيد الظن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- قلنا1: إن "كي" حرف متعدد الأنواع ... ، أشهرها النوع المصدري السالف الذي أوضحنا1، ومما يزيده بيانا وجلاء ويتمم الفائدة عرض بقية الأنواع في إيجاز مناسب: الأنواع كلها أربعة: أ- "كي" المصدرية المحضة المختصة بالمضارع ونصبه وجوبا. وقد سبقت1. ب- "كي التعليلية المحضة" وهي حرف جر يفيد التعليل "أي: يفيد أن

_ = فانصب بها المضارع إن شئت، وصحح الرفع إن شئت، "أي: اعتبره صحيحا"، واعتقد أنها في صورة الرفع مخففة من "أن" الثقيلة التي هي من أخوات "إن". ثم بين بعد ذلك أن بعض القبائل يهمل "أن" الناصبة للمضارع وجوبا؛ حملا على أختها "ما المصدرية" فكلاهها عنده لا ينصب ... قال: وبعضهم أهمل: "أن"؛ حملا على ... "ما" أختها -حيث استحقت عملا-4 "تقدير البيت: وبعضهم أهمل "أن" حيث استحقت عملا؛ حملا على أختها: "ما" المصدرية فإنها لا تعمل". يريد: أن بعض العرب أو النحاة -يهمل "أن" في كل موضع تستحق فيه أن تنصب المضارع. وسبب إهمالها حملها على "ما" المصدرية التي لا تعمل، بالرغم من مشابهتها "أن" في المعنى. والإهمال مقصور على "أن" المصدرية التي تستحق العمل في المضارع -كما سبق- أما غيرها من بقية أنواع "أن" كالمخففة من الثقيلة وغيرها فلا دخل لها بهذا، فلكل نوع حكمه الخاص به. وعلى هذا الأساس يجب -في بيت ابن مالك- تعليق الظرف: "حيث" بالفعل الماضي: "أهمل"؛ ليستقيم المعنى المراد. وقبل أن يتمم الكلام على: "أن" المصدرية الناصبة، انتقل إلى: "إذن" الناصبة، ثم عاد إلى تمام الكلام على "أن" فسرد حالات إظهارها وإضمارها، جوازا ووجوبا في الحالتين؛ فقال: وبين "لا" ولام جر التزم ... ...................-7 وقد شرحنا هذا البيت ونصف الذي يليه مما له علاقة بالبحث في المكان المناسب ص289. ويعاد ذكره لمناسبة في ص312. 1 في ص 300.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بعده علة لما قبله من كلام مثبت1، غالبا؛ فهي بمنزلة "لام التعليل" السابقة2 معنى وعملا". ولها أربع صورة: الأولى: أن تدخل على "ما" الاستفهامية، -للسؤال عن العلة- فتجرها؛ نحو: كيم تكثر الغابات في المناطق الاستوائية؟ بمعنى: لم تكثر الغابات..؟ ولا يصح أن تكون هنا مصدرية؛ لوجود فاصل قوي بينهما وبين المضارع، ولفساد التركيب والمعنى على المصدرية. الثانية: أن تدخل على: "ما" المصدرية فتجر المصدر المؤول: كقول الشاعر: إذا أنت لم تنفع فضر؛ فإنما ... يرجى الفتى كيما يضر وينفع أي: يرجى الفتى "كي" الضر والنفع؛ بمعنى: للضر والنفع3. فلا يصح -في الراجح- اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، ولأن الحرف المصدري لا يدخل على حرف مصدري -في الفصيح لا لتوكيد لفظي في بعض الحالات، أو لضرورة شعرية، وكلاهما غير مستحسن هنا ... الثالثة: الداخلة على: "لام الجر" كقول الشاعر يفتخر بكرمه: فأوقدت ناري كي ليبصر ضوءها ... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله ولا يصح اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل، أما هذا المضارع المنصوب بعدها فناصبه: "أن" المضمرة جوازا بعد لام التعليل. الرابعة: الداخلة على "أن" المضمرة وجوبا -عند البصريين؛ نحو: أخلص في عملي كي أرفع شأن وطني وهذا على اعتبار الناصب للمضارع عندهم

_ 1 انظر رقم 2 من هامش ص301، و"ب" من ص321. 2 في ص301. 3 وقيل إن "ما" زائدة، كفتها عن العمل -تبعا لبعض الآراء- وليست مصدرية، والمصدر منسبك من "كي" الملغاة وصلتها. وعلى هذا تكون لام الجر مقدرة قبلها. وتدخل "كي" في عداد المصدرية الناصبة، ولكنها لم تنصب بسبب "ما".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو: "أن" المصدرية المضمرة وجوبا، وليس "كي"؛ لأن الحرف المصدري، لا يدخل على نظيره ولو كان مقدرا -في فصيح الكلام إلا على الوجه السالف. وظهور "أن" هذه أحيانا بعد "كي" ضرورة على هذا الرأي البصري، كقول الشاعر: فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا1 والكوفيون يجيزون وقوع "أن" الظاهرة -بعد "كي" في الاختيار ويجعلون الناصب عند اجتماعهما هو: "كي"؛ لسبقها. مثل: اسمع الموسيقى كي أن تهدأ أعصابك، واستمع بالغناء كي أن تنتعش ... ، ورأيهم هو السديد الذي يحسن الأخذ به، ويؤيد ظهور "أن" المصدرية أن إضمارها بعد "لام التعليل" جائز لا واجب عند الفريقين. فالحرف "كي" في الصور الأربعة السالفة بمنزلة لام الجر معنى وعملا. فإن وقعت بعده لام الجر كانت مؤكدة له، وكان النصب عند البصريين بأن مضمرة وجوبا كما سبق، وإضمار "أن" هنا وجوبا عندهم هو موضع سادس يزاد على المواضع الخمسة الآتية "في ص317" التي يجب فيها الإضمار، والتي يزاد عليها: "ثم" عند الكوفيين. ح- "كي" الصالحة للمصدرية و "للتعليلية" ولها صورتان: الأولى: "كي" المجردة من "لام الجر" قبلها، ومن "أن" المصدرية بعدها2 نحو: صن لسانك كي تسلم من ألسنة الناس، وادخر بعض مالك كي ينفعك عند تقلب الأيام".. وقول شاعر قصير: إذا كنت في القوم الطوال علوتهم ... بعارفة، كي لا3 يقال قصير

_ 1 البيت لجميل بن معمر، وفيه رواية أخرى تخلو من الشاهد، هي: فقالت: أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك هذا كي تغر وتخدعا 2 الفرق بين هذه الصورة والصورة الرابعة التي سلفت أن الرابعة لا بد فيها من دخول "كي" على "أن" المضمرة وجوبا والتي يجب ملاحظتها في الإعراب وفي المعنى. 3 الشائع في قواعد رسم الحروف فصل "لا" النافية من "كي" وجوبا إذا لم تسبقها لام الجر، فإن سبقتهما وجب وصل الثلاثة في الكتابة "انظر رقم 3 من هامش ص301".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قدرنا اللام قبلها "فكي" مصدريةن وإن قدرنا "أن" بعدها "فكي" تعليلية بمعنى لام الجر. والمضارع في الحالتين منصوب1. الثانية "كي" المتوسطة بينهما؛ نحو: يغفر للصديق هفوته، لكي أن تدوم مودته، فيصح أن تكون اللام للتعليل وهي جارة، و"كي" تعليلة مؤكدة لها توكيدا لفظيا، و"أن" مصدرية ناصبة للمضارع. والمصدر المنسبك مجرور باللام. كما يصح أن تكون "اللام" للتعليل وهي جارة أيضا، و"كي" مصدرية مؤكدة توكيدا لفظيا "بأن" المصدرية. والمضارع منصوب بـ"كي"، والمصدر المسؤول من "كي" وصلتها مجرور باللام. ويفضل النحاة الإعراب الأول لالتصاق "أن" بالمضارع مباشرة، ولأنها أقوى في نصبه، وأكثر استعمالا من "كي". ومن المغتفر هنا دخول حرف الجر أو الحرف المصدري على نظيره؛ لأنه للتوكيد اللفظي. وفي الصورتين السالفتين يجوز فصلها من المضارع "بلا" النافية فلا تمنع عملها النصب، أو: ب"ما" فتكفها عن العمل. وقيل: لا تكفها، أو بهما معا مع تقديم "ما"2؛ نحو: اتق الأذى لا تؤذى، واحذر العدوى كيما تسلم. ومثال الفصل بالحرفين معا البيت الذي سبق2 وهو: أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يُعطى الكمال فيكمل؟ د- كي الاستفهامية؛ فتكون اسما مختصرا من كلمة: "كيف" الاستفهامية، وتؤدي معناها، وتعرب اسم استفهام مثلها. نحو: كي أنت؟ بمعنى: كيف أنت؟ ومنه قول الشاعر: كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكمو، ولظى الهيجاء تضطرم؟ أي: كيف تجنحون وتميلون ... ؟ ولا يمكن أن تكون هذه مصدرية، لعدم وجود العلامة الخاصة بها، ولفساد المعنى على تأويل المصدر المنسبك، ولأن هذه

_ 1 وفي مثل هذا الأسلوب يجوز تأخير المعلول؛ فيصبح: كي تعلمني جئت، سواء أكانت "كي" مصدرية ناصبة أم جارة؛ لأنها في معنى المفعول لأجله، وتقدم المفعول لأجله سائغ. راجع الهمع، ج2، ص5. 2 و2 انظر رقم 2 من ص301.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لها الصدارة الحتمية "مثل: كيف" مع أن المصدر المؤول قد يكون صدرا وقد يكون عجزا.. وإلى هنا انتهى الكلام على أنواع "كي" الأربعة". 2- ما الذي نصب المضارع: "يحسبوا" في البيت القديم1 وهو: وطرفك إما جئتنا فاحبسنه ... كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر "أي: إن زرتنا فاحبس بصرك عنا -أي: أبعده عنا- ووجهه لغيرنا؛ ليحسب الناس أنك تنظر إلى من تهواها هناك، فلا تتجه الشبهة إلينا. ويحيق بنا المكروه. أو: امنع نظرك عنا؛ لحسبان الناس -إن نظرت إلينا- أن هواك عندنا ... ". فقيل أصل الكلام: "كيما" حذفت ياء "كي" تخفيفا، واتصلت بها "ما" الزائدة، ونصبت المضارع، لأنها مصدرية قبلها لام الجر مقدرة. وقيل: إن: "كما" تنصب أحيانا بنفسها وأن معناها: "كيما"2 وقيل: "الكاف" للتعليل و"ما" مصدرية ناصبة، كما تنصب "أن". وكل هذه آراء ضعيفة تكاد لا تختلف في الغرض منها. وأخفها الأول.

_ 1 قال العيني: إن هذا البيت قاله لبيد العامري من قصيدة من الطويل". ا. هـ. ونسبه غيره لعمر بن أبي ربيعة، والروايات مختلفة في نص البيت وألفاظه. 2 من الأمثال العربية القديمة التي تؤيد هذا المعنى: "اترك الشر كما يتركك". ويقول أبو هلال العسكري: إن "كما" لغة في "كيما". والخلاف شكل لا أهمية له. ومن ذلك قول العرب أيضا: "لا تَظلموا الناس كما لا تُظلموا" وهذا مذهب الكوفيين -راجع شرح الرضي على الكافية ج2 ص240.

الرابع: إذن". الكلام على هذه الأداة يتركز في أربعة أمور: مادتها1 -معناها، أحكامها، كتابتها. أ- فأما مادتها فكلمة واحدة "بسيطة"، ثلاثية الحروف الهجائية، وليست مركبة من كلمتين، هما: "إذ" و"أن"، ولا من غيرها مما يتوهمه القائلون بتركيبها، وبأنها تحولت من أصلها المركب إلى أصلها الحالي2 ... ب- وأما معناها: فالدلالة على أمرين؛ هما: "الجواب" -وهذا يلازمها دائما في كل استعمالاتها- "والجزاء"، وهذا يلازمها في الأغلب. والمراد من دلالتها على الجواب: وقوعها في كلام يكون مترتبا على كلام قبله، ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان الكلام السابق مشتملا على استفهام مذكور، أم غير مشتمل عليه، ولكنه بمنزلة الملحوظ. فليس من اللازم أن يكون السابق مشتملا على استفهام صريح يحتاج إلى جواب، وإنما اللازم أن يترتب ويتوقف عليه كلام يجيء بعده في الجملة المشتملة على "إذن". ومن الأمثلة قول الصديق لصديقه: "سأغضي عن هفوتك". فيقول الآخر: "إذن أعتذر عنها. مخلصا شاكرا". فهذه الجملة الثانية ليست ردا على سؤال سابق مذكور، وإنما هي بمثابة جواب عن سؤال خيالي، ناشئ من الجملة الأولى؛ تقديره: -مثلا- ما رأيك؟ أو ماذا تفعل؟ أو نحو لك ... أي: أن هذه الجملة المشتملة على: "إذن" جملة مترتبة على كلام سابق خال هنا من الاستفهام الصريح -دون الملحوظ- وخال من طلب الجواب، ولكنها بمنزلة الجواب عن سؤال ذهني تولد من الأولى. وكلمة: "إذن" في الجملة الثانية بمثابة الرمز الذي يحمل إلى الذين سريعا الدلالة على أن الثانية تشتمل على الإجابة. ومثال اشتمال الكلام السابق على استفهام مذكور قول القائل: ماذا تفعل

_ 1 أي: صيغتها -تكوينها اللفظي. 2 وقد انطوت بطون المراجع على أنواع من دعاوى التركيب، يرفضها العقل؛ لحرمانها الدليل على صحتها، أو على العرب بشيء منها. ولا داعي للإثقال بعرضها هنا. والواجب تناسيها؛ كأن لم تكن. ومن شاء الاطلاع على شيء منها فأمامه المطولات. كحاشية الصبان، وشرح المفصل، وشروح سيبويه.

لو صادفت بائسا؟ فتجيب: إذن أبذل طاقتي في تخفيفي بؤسه. فهذه الجملة جواب عن الاستفهام المذكور في سابقتها. ووجود كلمة: "إذن" رمز يوحي أن الإجابة مذكورة في هذه الجملة. ولا فرق في وقوعها دالة على الجواب بين أن تكون أول جملتها، ووسطها، وآخرها، غير أنها لا تنصب المضارع إلا كانت في صدر جملتها؛ -كما سيجيء- تقول: في المثال الأول: "إذن أعتذر لك مخلصا"، أو: "أعتذر -إذًا- لك مخلصا" أو: "أعتذر لك مخلصا -إذًا". والمراد من أنها للجزاء -غالبا- دلالتها على أن الجملة التي تحتويها تكون في الغالب مسببة عما قبلها، وتعد أثرا من آثاره؛ توجد بوجوده، وترتبط به عادة، كالمثالين السالفين، وفيهما تبدر السببية واضحة بين الاعتذار والإغضاء عن الهفوة، وكذلك بين التخفيف عن البائس ومصادفته، فكأن المجيب يقول: إن كان الأمر كما ذكرت فإني أعتذر ... أو: إني أبذل طاقتي، أي: فالجزاء ... 1 فإن لم يوجد بين الجملتين جزاء لم يصح -في الغالب- مجيء "إذن"؛ كأن يقول الصديق: سأغضي عن الهفوة؛ فتجيب: إذا ينزل المطر، وكأن يقول قائل: سأقرأ الصحف: فيجاب: إذا تغرب الشمس؛ إلا ذ علاقة ولا ارتباط بين المعنى في الجملتين؛ فالكلام لغو. وإنما كانت دلالتها على "الجزاء" غالبية؛ لأنها -أحيانا قليلة- لا تدل عليه إذا استغنى المقام عنه، فتتمحض للجواب وحده، كأن يقول الشرك لشريكه: أنا حبك. فيجيب: إذا أظنك صادقا؛ لأن الصدق لا يصلح هنا جزاء مناسبا للمحبة2، وأيضا فهذا الظن حالي الزمن، والجزاء لا يكون إلا مستقبلا. وبسبب الحالية في هذا المثال لم تنصب المضارع. ح- وأما عملها فنصب المضارع بنفسها مباشرة، وتخليص زمنه للاستقبال؛

_ 1 راجع شرح المفصل في الكلام على "إذن" "ج7 ص15 وح9 ص14". 2 فدلالتها الحتمية على الجواب لا تقتضي دلالة حتمية على الجزاء، فمن الممكن الاستغناء عن ذكره في بعض الحالات؛ إذ ليس من اللازم أن يكون الجواب عن شيء مسببا عن ذلك الشيء، ومعلولا له.

-كسائر الأدوات الناصية له- وإنما تنصبه وجوبا إذا اجتمعت شروط أربعة1: أولها: دلالتها على جواب حقيقي بعدها، أو ما هو بمنزلة الجواب -كما شرحنا. ثانيها: أن يكون زمن المضارع بعدها مستقبلا محضا؛ فلا يوجد في الجملة ما يدل على أن زمنه للحال؛ لئلا يقع التعارض بين الحال، وبين ما يدل عليه الناصب من تخليص زمن المضارع بعده للمستقبل. فإن وجد ما يدل على حالية المضارع لم تكن: "إذا" ناصية، ويجب رفع المضارع، واعتبارها ملغاة العمل، كالمثال الذي سلف، وهو: أن يقول الشريك لشريكه: أنا أحبك. فيجب: إذا أظنك صادقا؛ لأن هذا الظن ليس أمرا سيتحقق في المستقبل، وإنما هو قائم حاصل وقت الإجابة؛ فزمنه حالي. ثالثها: اتصالها بالمضارع مباشرة بغير فاصل بينهمان ويجوز الفصل بالقسم إن وجد أو "لا". النافية، أو بهما معا. فإن كان الفاصل غير ما سبق لم تنصب، ووجب رفع المضارع؛ مثل: ... إذا -لا أخاف في الله لومة لائم. ومثال الفصل بهما: إذن والله لا أغضب الوالدين. وقد ورد في النصوص أمثلة قليلة وقع فيها الأعمال مع الفصل -بالنداء، أو الدعاء، أو الظرف. ولكنها لقلتها مقصورة على السماع؛ لا يباح القياس عليها. رابعها: أن تقع في صدر2 جملتها؛ فلا يرتبط ما بعدها بما قبلها في الإعراب -بالرغم من ارتباطهما في المعنى- فإن تأخرت عن صدر جملتها إلى آخرها أهتلت، وكذلك إن وقعت حشوا بين كلماتها. فمثال التي فقدت صداراتها ووقعت في آخر الجملة: ... أنصفك إذا. ومثال التي وقعت في ثنايا جملتها: إن تسرف في الملاينة إذا تتهم بالضعف ...

_ 1 شرح المفصل "ج9 ص14" فقد زاد الشرط الأول الآتي، الذي جعل الشروط أربعة لا ثلاثة. ورأيه سديد. 2 هل وقوعها بعد الواو أو الفاء يزيل صدارتها؟ الجواب في ص313.

ويكثر وقوعها حشوا في ثلاثة مواضع: أ- بين المبتدأ وخبره المفرد أو غير المفرد؛ نحو: الصادق -إذا- محبوب؛ والخبر هنا مفرد. ونحو: أنا -إذا- أنصر المظلوم. والخبر هنا جملة مضارعية1. و ... و ... ب- بين جملتي الشرط والجواب؛ سواء أكانت أداة الشرط جازمة، أم غير جازمة، نحو: إن يكثر كلامك -إذا- يسأم سامعوك. نحو: إذا أنصف الناس بعضهم بعضا -إذا- يسعدون. ح- القسم وجوابه؛ سواء أكان القسم مذكورا؛ نحو: والله -إذا- أترك عملا لا أحسنه، وقولا لا خير فيه. أو مقدرا؛ نحو: لئن يصن المرء نفسه عن مواقف الهوان -إذا- لا يفقد إكبار الناس، واحترامهم إياه2.

_ 1 وفي رأي "الفراء" ومن معه من الكوفيين -"كما جاء في كتابه: "معاني القرآن" ج1 ص274" أنها إذا سبقت بإن واسمها، وتلاها المضارع، يجوز إعمالها؛ فتنصبه، كما يجوز إهمالها فيرتفع؛ نحو إني إذن أحترمك أيها العادل، بنصب المضارع أو رفعه، ومن النصب قول الشاعر: لا تتركني فيهمو شطيرا ... إني إذن أهلك أو أطيرا بنصب المضارع: "أهلك" بدليل عطف المضارع الذي بعده بالنصب تبعا للمعطوف عليه. أما غير الكوفيين فيعتبرون النصب في البيت شاذا، أو ضرورة، أو مؤولا بحذف خبر "إن" فتقع الأداة بعده في صدر جملة جديدة، وتقديره: إني لا أستطيع ذلك. أو نحو هذا التقدير. ورأي الكوفيين هنا ضعيف. 2 كان القسم هنا مقدرا، لوجود اللام الدالة عليه بعد حذفه. والأصل: والله إن يصن ... وقد وقع بعدها أداة الشرط: "إن". وإذا اجتمع الشرط والقسم -وكلاهما لا بد له من جملة جوابية- يكون الجواب في الغالب المتقدم منهما، ويحذف جواب المتأخر حذفا غالبا، وقيل: حذفا واجبا. للاستغناء عنه بجواب المتقدم، فإنه يدل على الجواب المحذوف "وسيجيء بيان هذا الحذف، وتفصيل الكلام عليه في ص485". لهذا كانت الجملة من: "يفقد وفاعله" جوابا للقسم لا للشرط. وفي "إذن" وأحكامها السابقة يقول ابن مالك: ونصبوا "بإذن" المستقبلا ... إن صدرت، والفعل بعد، موصلا-5 أو قبله اليمين. وانصب وارفعا ... إذا "إذن" من بعد عطف وقعا-6 يريد: أن العرب نصبت المضارع "بإذن"، إن كان المضارع مستقبل الزمن، وكانت "إذن" مصدرة في أول جملتها، والفعل المضارع متصلا بها بغير فاصل بينهما، أو بفاصل هو القسم. واقتصر في الفاصل على القسم وحده، ولم يذكر: "لا" النافية، ولا هما معا. وكذلك لم يذكر الشرط الرابع. ثم قال: انصب المضارع أو ارفعه، إذا كانت "إذن" واقعة بعد حرف عطف، ولم يقيد هذا =

د- وأما طريقة كتابتها فالأكثرون من القدامة يكتبونها ثلاثية مختومة بالنون هكذا: "إذن" سواء أكانت عاملة أم مهملة. أما خاصة المحدثين فيكتبون العاملة ثلاثية مختومة بالنون، والمهملة مختومة بالألف، لا بالنون؛ للتفرقة بين النوعين1. وهذا حسن جدير بالاقتصار عليه، والاتفاق على الأخذ به. إلى هذان وبعد الزيادة التي في الصفحة التالية -ينتهي الكلام على القسم الأول؛ وهو الأدوات الأربعة التي تنصب المضارع بنفسها ظاهرة. وتمتاز "أن" بأنها تنصبه ظاهرة ومضمرة وكذا "كي" عدن الكوفيين. وننتقل بعد تلك الزيادة إلى القسم الثاني وهو الأدوات التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا.

_ = العاطف. ولكن النحاة قيدوه بالواو أو الفاء -كما سيجيء في الزيادة، ص313- وترك التفصيلات الهامة في كل ما سبق: ثم انتقل بعد ذلك إلى بيتين ذكرناهما في مكانهما الأنسب "ص289" هما: وبين: "لا" و"لام جر" التزم ... إظهار "أن" ناصبة. وإن عدم-7 "لا" "فأن" اعمل مظهرا أو مضمرا ... ......................................-8 وقد سبق البيت الأول في ص289 لمناسبته هناك. 1 وهو رأي منسوب للفراء، كما جاء في كتاب: "الاقتضاب" للبطليوسي، باب: "الهجاء" ص166 وفي بعض المراجع الأخرى نسبته لغير الفراء. ولا قيمة لهذا الخلاف هنا في النسبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هل تفقد: "إذن" صدارتها بسبب تقدم الواو أو الفاء عليها؟ إذا تقدم أحد الحرفين المذكورين جاز إعمال "إذن"؛ فتنصب المضارع بعدهان وجاز إهمالها؛ فلا تنصبه، فمن اعتبر الحرفين للاستئناف كانت عنده: "إذن" في صدر جملة جديدة مستقلة بإعرابها؛ "لنها مستأنفة". فتنصب المضارع. ومن اعتبرهما لعطف المضارع وحده بدون فاعله على مضارع وحده كانت حشوا؛ فلا تنصب المضارع. وقد قرئ بهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} 1، أو: "وإذن لا يلبثوا خلافك ... " واعتبارها للاستئناف، أو: لعطف مضارع وحده على مضارع وحده، حكم خاضع للسياق، ولما يقتضيه المعنى؛ فلا بد من ملاحظة هذا، ومن ملاحظة أمر هام آخر؛ هو، أن عطف الفعل المضارع وحده "أي: بدون فاعله" على الفعل المضارع وحده يختلف عن عطف الجملة المضارعية كاملة على نظيرتها المضارعية2 وغير المضارعية من ناحية الإعمال والإهمال. فعطف المضارع وحده على المضارع يوجب الإهمال؛ لأن المعطوف هنا لا يستقل بنفسه؛ فلا بد أن يتبع المعطوف عليه في إعرابه، فهو تابع له؛ فلا تكون "إذن" واقعة في صدر جملة مستقلة في إعرابها؛ نحو: لم يحضر الغائب، وإذا يسترح أهله. أي: لم يحضر الغائب ولم يسترح أهله؛ فجزم المضارع "يسترح" دليل على أنه معطوف وحده على: "يحضر" عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة؛ إذ لو كان المعطوف جملة لم يصح جزم "يسترح"؛ لعدم وجود ما يقتضي جزمه. أما عطف الجملة المضارعية على جملة قبلها "مضارعية أو غير مضارعية، الماضوية والاسمية" فيتوقف الحكم فيه على حالة السابقة؛ ألها محل من

_ 1 يستفزون: يزعجون ويؤلمون. 2 سبق "في ج2 ص620 م121" -إيضاح الفروق الدقيقة بين عطف الفعل وحده على الفعل وحده، وعطف الجملة على الجملة ولا سيما عطف الفعلية على الفعلية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب، أم ليس لها محل؟ فإن كان لها محل من الإعراب وجب إهمال: "إذن"؛ لوقوعها في صدر جملة تابعة في إعرابها لجملة أخرى سبقتها، وبهذه التبعية لا تكون في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب؛ نحو: "إن للطيور المهاجرة رائدا يتقدمها؛ وإذا يرشدها إلى غايتها، ويهديها السبيل". فجملة: "يتقدمها" مضارعية في محل نصب صفة لكلمة: "رائدا"، وجملة: "يرشدها" مضارعية معطوفة عليها؛ فهي في محل نصب كالمعطوف عليه؛ ويجب إهمال "إذن" فلا تنصب المضارع بعدها؛ لعدم وقوعها في صدر جملة مستقلة بنفسها في الإعراب. وإن لم يكن للجملة الأولى محل من الإعراب -كالجملة الشرطية؛ مثلا- جاز الأعمال والإهمال؛ هو: "إن يشتهر نابغ وإذا تزداد أعباؤه، يفرح خاصته". فجملة: "يشتهر نابغ" جملة شرطية لا محل لها من الإعراب، وقد عطفت عليها بتمامها جملة: "تزداد أعباؤه"، وليس لها محل من الإعراب أيضا؛ لأنها كالمعطوف عليه؛ فيصح نصب المضارع: "تزداد" باعتبار "إذن" في صدر جملة لا محل لها من الإعراب؛ فهي بمنزلة الجملة بعد حرف العطف معطوفة على ما قبلها فهي مرتبطة به ارتباطا إعرابيا ومعنويا يجعلها في حكم غير المستقلة، ويجعل "إذن" في غير الصدارة الكاملة. ولما تقدم يصح الاعتباران في مثل: عجائب الاختراع تزداد كل يوم، وإذا تسعد بها الناس أو تشقى. فإن عطفنا الجملة المضارعية: "تسعد، وفاعله" على المضارعية: "تزداد، وفاعله" وهي جملة في محل رفع خبر المبتدأ وجب إهمال "إذن" ورفع "تسعد". وإن عطفناها، على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ: "عجائب وخبره، وهي جملة لا محل لها من الإعراب جاز الإعمال والإهمال، فينصب المضارع أو يرفع1 ...

_ 1 مما جاء واضحا في حكم "إذن" الواقعة بعد "الفاء أو: الواو" قول المبرد في كتابه: "المقتضب" "ج2 ص11" بعد نصه الصريح على أنه يصح الإعمال والإلغاء: "وذلك قولك: إن تأتي آتك وإذن أكرمك..، إن شئت رفعت، وإن شئت نصبت، وإن شئت جزمت. أما الجزم فعلى العطف على: "آتك"، والنصب على إعمال "إذن". والرفع على قولك: "وأنا أكرمك"، ثم دخلت "إذن". والرفع على قولك: "وأنا أكرمك"، ثم دخلت "إذن" بين الابتداء والفعل فلم تعمل". ا. هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ب- قد تكون: "إذا" متضمنة معنى الشرط في الماضي؛ فيجوز إجراؤها مجرى "لو"1 في قرن جوابها باللام2، كقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ، أي: لو ركنت شيئا قليلا لأذقناك.. وقد تتضمن معنى الشرط في المستقبل؛ فيجوز قرن جوابها بالفاء؛ كقول الشاعر: ما إن3 أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطا إلي يدي إذا فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالحسد أي: إن أتيت -في المستقبل- بشيء أنت تكرهه فلا رفعت ... -فعاقبني ربي- ... وما بعد الفاء في المثالين، جملة دعائية، فزمنها مستقبل. وقد تدخل على جواب: "لو" وجواب "إن" الشرطتين؛ لتوكيده وتقويته، نحو: لو زاملتني إذا ورضيتك. وقول الشاعر: فلو خلد الكرام -إذا- خلدنا ... ولو بقي الكرام -إذا- بقينا4 - ونحو: إن تنصف أخاك -إذا- تسلم لك مودته ...

_ 1 سيجيء في م160 باب: "لو" وأقسامها وأحكامها، وكل ما يتصل بها، وبأنواع جوابها. ويشار لهذا الحكم في "ج" من الأحكام المشتركة الآتية في بابها. 2 فائدة هذه اللام موضحة تفصيل في الأحكام المشتركة الآتية في بابها. 3 "إن" هنا زائدة. 4 ومثل هذا قول شاعرهم: رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يُرمى، وليس برام؟ فلو أنها نبل -إذا- لاتقيتها ... ولكنني أُرمى بغير سهام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول الفراء في الآية الكريمة: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، إن مجيء اللام بعد: "إذا" يقتضي وجود: "لو" قبها مقدرة كالآية المذكورة، أو ظاهرة كقوله تعالى في آية أخرى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ} 1. ح- هل يجوز إهمال "إذن" مع استيفائها كل شروط الإعمال؟ إن المستحسن غاية الاستحسان عند استيفائها الشروط هو: "الإعمال، ولا سيما اليوم؛ حيث الرغبة شديدة في اتباع الأشهر؛ توحيدا للبيان، ومنعا لفوضى التعبير؛ إلا إذا اقتضت فائدة محققة في اتباع غيره. وقد أجاب مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن السؤال السالف بعد درساة شاملةن وتحقيق واف بما نصه2: "ورد النصب بـ"إذن" في كلام العرب؛ ورودها في القرآن مفصولة بالحرف "لا" ليس يمنع عملها. وكون ورودها في القرآن "قراءة" لا يمنع الاحتجاج به؛ فالقراءات المشهورة كلها مناط احتجاج. ولكن من المعزو إلى بعض قبائل العرب إلغاء عمل "إذن" مع استيفاء شروط الإعمال. وقد نسب إلى البصريين قبول الإلغاء إلا أن ذلك موصوف بالقلة. واستنادا إلى هذا يجاز الإلغاء مع استيفاء الشروط، وإن كان الإعمال هو الأكثر في استعمال العرب". ا. هـ2 ... إلى هنا انتهى الكلام على القسم الأول الناصب بنفسه، ويليه القسم الثاني الناصب بأن مضمرة ...

_ 1 ستجيء إشارة للحكم السالف في "ج" في الأحكام المشتركة الآتية. 2 و2 طبقا للوارد في مجلته "الجزء الخامس والعشرين، الصادر في نوفمبر سنة 1969 ص198".

المسألة 149

المسألة 149: الأدوات الخمس 1 التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا 2: الأداة الأولى: لام الجحود "أي: النفي" وتمهد لها بالأمثلة التالية: ما كان الحر ليقبل الضيم. ... ما كان الطبيب ليتواني عن المريض. ... ما كان العاقل ليسارع في الإتهام. ... ما المعنى الدقيق الذي قصده. لم يكن المتقن ليرضى بالنقص. ... الناطق بإحدى هذه الجمل؟ لم يكن الأدب ليقرأ تافه الكلام. ... لم يكن ربيب السوء لينسى نشأته. ... إن من نطق بالأولى نفى عن الحر نفيا قاطعا أنه قبل في حالة في حالاته

_ 1 وهي: "لام الجحود" في هذه الصفحة" "أو"، في ص326" "حتى"، في ص323" "فاء السببية" في ص352 "واو المعية"، في ص375 ويزاد على هذه الخمسة: "ثم" عند نحاة الكوفة -كما سيجيء في ص385، "وكي التعليلية" المحضة عند من يرى أنها لا تنصب بنفسها، وإنما تنصب بأن مضمرة وجوبا، ولا داعي للأخذ بهذا الرأي. "كما سبق عند الكلام عليها في ص303". هذا ويثور الجدل -ولا سيما اليوم- حول الداعي إلى إضمار "أن" جوازا ووجوبا، وأثرها في نصب المضارع. وسيجيء في ص402 م152 الاعتراض ودفعه، بعد أن تفرغ من مواضع الإضمار، ونفهم حقيقته، وما يتصل به من تأويل المصدر. 2 "ملاحظة هامة": من الأحكام المشتركة بين هذه الأدوات أنه: أ- لا بد من سبك الجملة المضارعية بعدها بمصدر مؤول يعرب على حسب الحالة. ب- لا يصح الفصل بين هذه الأدوات والمضارع المنصوب بفاصل مطلقا؛ إلا: "لا" النافية إذا اقتضاها المعنى ولم يمنع من وجودها مانع. وأجاز بعض النحاة الفصل بين: "حتى والمضارع" بفواصل معينة يجيء بيانها "في رقم 2 من هامش ص338". ج- لا يصح تقديم معمول هذا المضارع على الأداة. د- لا يصح الفصل بأجنبي بين أجزاء الجملة الفعلية المضارعية.

الضيم، أو سكت عليه، مهما كانت الدواعي. فكأنه قال: ما كان الحر مريدا1 قبول الضيمن راضيا به، أو مهيأ لقبوله في وقت ما. فالنفي منصب على ما قبل اللام وما بعدها معا "أي: واقع على الكلام كله" فهو نفي عام لهذا، ولأنه -أيضا- شامل جميع حالات الحر، دون التقييد بحالة معينة، أو الاقتصار عليها. ومن نطق بالثانية نفي عن الطبيب نفيا باتا في جميع أحواله أنه تباطأ في إنقاذ مريضه، وأنه رضي ذلك، أو أراده في صورة من الصور؛ فكأنما قال: ما كان الطبيب مريدا2 التواني مطلقا، ولا راضيا به، مهما كانت حالته وصورته. فالنفي عام ينصب على ما قبل اللام وما بعدها، ويشمل كلا حالات الطبيب؛ فهو عام بسبب هذين الأمرين. والغرض الضمني الذي يرمي إليه الأسلوب من وراء ظاهره هو أن الحر لم يخلق ولم يوجد مطلقا لما نفي عنه، وكذلك الطبيب. ومثل هذا يقال في الصور الأخرى المعروضة. وما يشاكلها؛ فكل منها يرمي إلى نفي شيء نفيا قاطعا ينصب على ما قبل اللام وما بعدها معا، ويشمل جميع الحالات المعنوية التي يتضمنها الكلام -كما يرمي إلى أن الذي نفي عنه ذلك الشيء لم يرض به مطلقا، ولم يهيأ لقبوله، وإنما خلق وهيئ لدفعه ورفضه. فهذا أسلوب يبلغ الغاية في قوة الجحد، إذا اريد به الاتجاه المعنوي السالف. وبملاحظة كل جملة -مما سلف- نجدها تشتمل على أربعة أمور مجتمعة: 1- الفعل الناسخ: "كان" أو "يكون" -دون غيرهما من سائر الأفعال الناسخة أو التامة. وكلاهما يسمى: "فعل كون"، لاشتقاقه من المصدر "كون" الذي يدل على الوجود العام "المطلق".

_ 1 إنما قدروا هنا الخبر "مريدا" أو مهيأ، أو مستعدا ... ، فرارا من تقدير الكلمة الشائعة؛ وهي: "موجود"؛ لكيلا يتسرب منها الوهم إلى أن: "كان" هنا بمعنى: "وجد" وهي "كان" التامة التي لا تصلح قبل "لام الجحود" أما التي تصلح فلا بد أن تكون ناسخة، كما سيجيء. ولا مانع من تقدير الخبر المحذوف بكلمة: "موجود" مع إدراك أن فعل "الكون" قبلها لا بد أن يكون ناسخا، لا تاما. 2 انظر رقم 1 من هذا الهامش.

2- وجود حرف نفي1 قبل فعل "الكون" الناسخ؛ وهذا النافي المسموع هو: "ما"2 أو: "لم" وتختص "ما" بالدخول على: "كان"، الماضية الناسخة، وتختص "لم" بالدخول على المضارع المجزوم: "ين" الناسخ، ولا يصلح للدخول عليه غيرها3. والنفي منصب في الحالتين على معنى كل الكلام الذي يليه، فهو شامل ما قبل اللام وما بعدها. 3- أن فعل "الكون" إما ماض لفظا ومعنى: كالأمثلة الثلاثة الأولى، وإما ماض معنى فقط؛ كالثلاثة الأخيرة التي وقع فيها فعل "الكون" مضارعا مسبوقا بالحرف الجازم "لم"، وهذا الحرف إذا دخل على المضارع قلب زمنه ماضيا -في الغالب- مع ترك صورته اللفظية المجزومة على حالها، فيصير مضارعا في لفظه، ماضيا في زمنه ومعناه. 4- أن فعل الكون الناسخ يليه -مباشرة- اسمه ظاهرا، لا ضميرا، ثم مضارع منصوب، مبدوء بلام مكسورة. أما خبره فعام محذوف، يجب أن يتعلق به الجار مع مجروره. والجار هو "اللام" التي اشتهرت باسم: "لام الجحود"4 والتي تتصل بالمضارع -كما قلنا- والمضارع بعدها منصوب "بأن" مضمرة وجوبا، والمصدر المكون من "أن" وما دخلت عليه من المضارع وفاعله -في محل جر "بلام الجحود". والجار والمجرور متعلقان بالمحذوف العام المنصوب، لأنه خبر الناسخ. والتقدير ما كان الحر مهيأ أو مريدا لقبول الضيم ... أو ما شابه هذا.

_ 1 بشرط بقاء النفي على معناه، وعدم نقضه بشيء مثل "إلا" التي للاستثناء، أو إحدى أخواتها "كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص320 وص325". 2 فلا تصلح: "لن"؛ لأنها لنفي زمن المضارع المستقبل. والمطلوب هنا أن يكون زمنه ماضيا، ولا تصلح: "لا"؛ لكثرة استعمالها في نفي المستقبل. ولا تصح: "لما" الجازمة؛ لأنها لنفي معنى المضارع بعد أن تقلب زمنه للماضي مع اتصاله بالزمن الحالي؛ فلا يكون زمنه للماضي الخالص المطلوب هنا. 3 أو "إن" النافية عند فريق -كما في الصفحة الآتية. 4 في نوع هذه اللام آراء تجيء في ص321، والجحود، هو: النفي -كما تقدم- لأنها تقوي معنى النفي في الجملة كلها؛ "قبلها وبعدها" إذ لا تقع إلا بعد كون منفي عام، والمعنى بعدها منفي أيضا؛ لتعلقها مع مجرورها بالخبر العام المحذوف المنفي؛ فيسري النفي منه إلى المصدر المؤول الذي يليها مباشرة، وهو مجرورها -كما سيجيء في "ج" من ص324.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعند إعراب المثال الأول نقول: "ما" نافية -"كان": فعل ماض ناقص- "الحر" اسمها مرفوع -"ليقبل": اللام لام الجحود، حرف أصلي- "يقبل": مضارع منصوب "بأن" مضمرة وجوبا، وفاعله مستتر جوازا تقديره: هو "الضيم" مفعول به. والمصدر المؤول من المضارع وفاعله مجرور باللام، والتقدير: له قبول ... والجار مع مجروره متعلقان بمحذوف منصوب خبر "كان" والتقدير: ما كان الحر مهيأ أو مريدا لقبول الضيم ... ولا يختلف إعراب "إن" النافية عن إعراب: "ما"، في شيء مطلقا -عند من يبيح دخول "إن"- فكلاهما يصح أن يحل محل الآخر بغير تفاوت بينهما. ومثل هذا يقال في بقية الأمثلة. مع ملاحظة أن: "لم" حرف نفي جازم، ولا بد بعده من المضارع: "يكن" المجزوم به. من كل ما سبق يتبين معنى: "لام الجحود". وعملها. وأن المضارع ينصب بعدها "بأن" مضمرة وجوبا، بشرط اجتماع الشروط الأربعة السالفة "وهي: أن يسبقها فعل كون عام ناسخ دون غيره من الأفعال -منفي-1 ماض لفظا ومعنى أو معنى فقط -بعده اسمه ظاهرا، يليه المضارع المنصوب المبدوء باللام مباشرة"؛ فإنه فقد شرط من الأربعة لم تكن اللام لام الجحود، ولم يكن الأسلوب داخلا فما نحن فيه ... وجدير بالتنويه أن فاعل المضارع الذي تدخل عليه لام الجحود لا يكون اسما ظاهرا -في الأعم الأغلب- بل يكون ضميرا مستترا جوازا. يعود على اسم الناسخ السابق، ومنع أكثر النحاة أن يكون اسما ظاهرا2 ...

_ 1 مع بقاء معنى النفي وعدم إلغائه بشيء، مثل "إلا" التي للاستثناء، أو إحدى أخواتها -"طبقا لما سبق في رقم 1 من هامش ص319، وكما سيجيء في ص325". 2 اقتصر ابن مالك في الكلام على لام الجحود، وكل ما يتصل بها -بالشطر الثاني من البيت الثامن في باب: "إعراب الفعل" ونصه: ......................................... ... وبعد نفي "كان" حتما أضمرا-8 يريد: أضمر الحرف الناصب وهو: "أن" إذا وقع بعد الفعل المنفي: "كان". ولم يوضح شروط هذا الفعل، ولا مضارعه، ولا شيئا من الأحكام والتفصيلات الهامة التي لا تصلح القاعدة إلا بذكرها. وقد عرضناها وافية. أما الشطر الأول من البيت فيتعلق بحكم آخر أوضحناه وذكرنا البيت معه في مواضع إظهار "أن" وإضمارها.

زيادة وتفصيل: أ- اختلف النحاة في الحكم على نوع "لام الجحود". فمن قائل: إنها حرف زائد، وزيادته غير محضة؛ إذ لا يمكن الاستغناء1 عنه؛ لأنها تفيد "الاختصاص"، وتقوية النفي الذي ينصب على ما قبلها، وما بعدها2 أيضا. ومع زيادتها فهي الناصبة للمضارع بنفسها، والفعل وفاعله خبر الكون. ومن قائل: هي زائدة زيادة غير محضة أيضا، ولكن المضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعدها، والمصدر المؤول خبر. وقيل ... وقيل ... وهذه الآراء ضعيفة؛ لأن أكثرها يعارض ويناقض القواعد النحوية العامة. وأقرب الآراء إلى القبول هو الراي البصري، الذي يجعل لام الجحود حرف جر أصلي يفيد تقوية معنى النفي قبلها وبعدها، والمضارع منصوب بعدها "بأن" المضمرة وجوبا. والمصدر المؤول مجرور باللام، والجار والمجور متعلقان بمحذوف عام. وهذا الإعراب هو الشائع بين أكثر النحاة، وهو أقل عيوبا من سواه، ويؤيده بعض الأمثلة الفصيحة التي وردت مشتملة على خبر "الكون" مذكورا كقول القائل: سموت ولم تكن أهلا لتسمو ... ولكن المضيع قد يصيب فذكر الخبر "أهلا" يمنع أن تكون اللام في هذه الأساليب زائدة محضة أو غير محضة، كما يمنع أن يكون المضارع وفاعله هما الخبر فيها، أو المصدر المؤول هو الخبر ... ب- إذا لم يكن الفعل المنفي قبل اللام "فعل كون" لم يصح اعتبارها "لام جحود". ووجب اعتبارها نوعا آخر يناسب السياقن ويساير معنى الأسلوب،

_ 1 سبق -في ج2 م90 ص403 و418 و419- باب: حروف الجر، تفصيل الكلام على زيادة حرف الجر، وعلى زيادة "اللام" زيادة محضة وغير محضة ... ، وعلى معانيها، ومنها: "الاختصاص" ... و ... "ص438". 2 حاشية الخضري والصبان في هذا الموضع من باب: "إعراب الفعل".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن تكون زائدة، أو للتعليل1. أو للعاقبة ... أو ... والأغلب أن تصلح للتعليل في كثير من الأساليب المنفية، فتدل على أنا ما بعدها علة لما قبلها -وقد تسمى في هذه الحالة "لام كي" كما سبق2، نحو: لم يكذب الشاهد ليساعد المتهم؛ فعدم مساعدة المتهم هو العلة في عدم كذب الشاهد، أي: لم يكذب الشاهد كذبا يكون سببه وعلة حدوثه "أي: الغرض منه" هو مساعدة المتهمن فمساعدة المتهم هنا لم تتحقق؛ فهي منفية. وأساس نفيها وعدم تحققها ما قرروه3: من أن النفي الذي قبل لام التعليل ينصب على ما بعدها، دون أن يشمل معه ما قبلها إلا بقرينة، كما في المثال السالف "وتفسير هذا ما قرروه أيضا من أن الجار والمجرور بعد "لام التعليل" المسبوقة بفعل منفي إنما يتعلقان بذلك الفعل المنفي، ويصيران قيدا فيه؛ فلا يكون نفيه مطلقا خاليا من التقييد، ولكنه مقيد بهما، فالنفي ينصب عليه في حالة واحدة فقط، هي حالة تقيده بهما، دون بقية أحواله المطلقة التي لا تخضع للقيد. وفي هذه الحالة الواحدة يسري النفي إلى القيد فيشمله أيضا "أي: يسري على الجار مع مجروره"، ففي المثال السالف يكون الكذب المنفي نوعا معينا محدودا؛ هو الكذب المقيد بأنه المساعدة المتهمن أما الكذب لغير هذه المساعدة فمسكوت عنه؛ لا يمكن الحكم عليه بشيء؛ فقد يكون منفيا أو غير منفي بقرينة أخرى خارجة عن الجملة. والقيد نفسه "وهو: المساعدة" منفي حتما4.. مثال آخر: ما صلى العابد لينافق. أي: ما صلى العابد صلاة يكون سببها. وعلة أدائها هو: النفاق. فالجار والمجرور المكونان من لام التعليل وما دخلت عليه قد انصب عليهما النفي حتما. وأما ما قبلهما -وهو الصلاة غير المقيدة- فمسكوت عنه.

_ 1 انظر "ح" من ص324، حيث الكلام على الفرق بينهما وبين "لام الجحود" وقد سبق كلام على "لام التعليل عند الكلام على: "كي" ص300. 2 في "ب" من ص303. 3 راجع الصبان في هذا الموضع. 4 مما يزيد الأمر وضوحا أن نجعل هذا المثال مثبتا "خاليا من النفي" ونوازن بين معنييه في حالتي الإيجاب والنفي، فيزداد المراد من التعليل والتقييد جلاء، ولا سيما إذا تعددت وتنوعت الأمثلة، ثم انظر "ج" الآتية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن شئت فقل: هما متعلقان بالفعل المنفي: "صلى" فهما قيد له، وصار بهما مقيدا، فالصلاة المنفية هي الصلاة المقيدة، بأنها للنفاق، وليست مطلق صلاة. أما الصلاة المطلقة التي لست للنفاق فمسكوت عنها، لا يفهم أمرها ولا الحكم عليها من هذا التركيب؛ فقد تكون موجودة أو لا تكون ... وتوجيهها لأحد الأمرين يحتاج إلى قرينة أخرى خارجة تعينها لهذا أو لذاك، والقيد في الحالين منفي حتما ... 1. وإذ كان الفعل المنفي قبل اللام فعل "كون" غير ناقص لم يصح اعتبارها لام جحود، ووجب توجيهها لشيء آخر، ويكثر أن يكون هو: "العليل" أيضا على الوجه السالف؛ نحو: ما كان الحاكم ليظلم؛ بمعنى: ما وجد الحاكم ليظلم. فالشأن في "كان" هنا كالشأن في كل فعل غير ناسخ يحل محلها من ناحية أن الجار والمجرور منفيان حتما، ويتعلقان به، فيصير مقيدا بهما؛ ويصير معناه بسبب النفي الواقع عليه غير مطلق، وإنما هو مقيد بحالة معينة دون غيرها أما غيرها فمسكوت عنه يحتاج لقرينة خارجة عن الجملة، تبين أمره نفيا وعدم نفي، والقيد "الجار والمجرور المتعلقان به" منفي حتما فكأن الناطق بهذا المثال يقول: ما كان الحاكم "أي: ما وجد وظهر الحاكم" الذي يكون سبب وجوده، وعلة ظهوره: الظلمز فسبب الوجود وعلته هو: الظلم، والظلم منفي، فالمسبب عنه منفي لا محالة أو الجار والمجرور متعلقان بالفعل، فهما قيد له.... و..... وفي هذا المثال لا يصح اعتبار اللام "للجحود"؛ لأن هذا يؤدي إلى مخالفا الواقع الذي يدل على أن كثيرا من الحكام ظالمون. ومن الأمثلة السالفة وأشباهها يتبين أن النفي قبل لام التعليل ينصب على الفعل الذي قبلها في حالة واحدة؛ هي التي يكون فيها مقيدا بهذه اللام الجارة ومجرورها، وليس مطلقا من التقييد، وأن هذا النفي ينصب على ما بعدها دائما "أي: على القيد". فإذا كان الفعل غير مسبوق بنفي لم تكن اللام للجحود. وإذا كان الفعل ناسخا غير "كون" لم تصلح اللام للجحود -كما تقدم-2

_ 1 انظر رقم 4 من الهامش السابق. 2 في ص320:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في أصح الآراء؛ فلا يقال: ما أصبح محمد ليهمل عمله، ولم يصبح محمود ليهين غيره ... وما ظننت الأمة الناهضة لتسيء إلى علمائها، ولم أظن الشعوب القوية لتركن إلى الراحة ... قال أبو حيان: "كل هذه التراكيب فاسدة؛ إذ لم يسمع لها نظير في كلام العرب، فوجب منعها وردها" اهـ. ح- يتردد هنا -وفي الأبواب الأخرى- لفظ: "لام التعليل"، و "لام الجحود" فما الفارق الدقيق بينهما؛ بحيث تتميز إحداهما من الأخرى بغير غموض ولا خفاء؟ الفارق بينهما ما أسلفناه من أن لكل واحدة منهما معنى يخالف معنى الأخرى؛ فلام الجحود تفيد النفي العام، ولام التعليل تفيد التعليل "أي: أن ما بعدها علة وسبب فيما قبلها" على الوجه الذي شرحناه في كل منهما". وشيء آخر؛ هو أن النفي مع لام الجحود مسلطا على ما قبلها وما بعدها معا في كل حالاتهما؛ فهو منصب على الكلام كله؛ لأن ما قبلها كون عام منفي، وخبره المحذوف أمر عام منفي، فيتسر إليهما النفي منه حتما؛ لدخولها فيما يشتمل عليه ... ، ويؤثر فيه بالنفي؛ كالأمثلة التي في أول البحث؛ حيث يعم النفي ما قبل لام الجحود وما بعدها، ويكون شاملا غير مقيد يخرج بعض الحالات. أما لام التعليل. فالنفي قبلها داخل على فعل خاص، ليس كونا عاما، وغنما هو فعل مقيد بالجار والمجرور "وهما: لام التعليل، وما دخلت عليه"؛ فالنفي منصب على هذا لفعل المقيد؛ أي: منصب عليه في حالة تقيده -وهي حالة واحدة، دون غيرها من الحالات الأخرى الكثيرة التي لا تدخل في التقييد؛ والتي هي مسكوت عنها، كما قدمنا- فلا يحكم على تلك الحالات الأخرى بالنفي أو بعدمه إلا بقرينة خارجة عن الجملة. والقيد "وهو لام التعليل ومجرورها" -منفيان حتما، لتعلقهما بالفعل الخاص المنفي. فالمعنى بعد لام التعليل منفي. أما قبلها فلا يتعين النفي إلا في الصورة الواحدة التي شرحناها وهي التي يكون فيها الفعل مقيدا بالجار مع مجروره؛ فمعنى الفعل فيها ليس عاما1 مطلقا.

_ 1 يقول الصبان: إن النفي مع "لام" التعليل منصب على ما بعدها فقط، فهل هذا يوافق ما يقوله أكثر النحاة من أن ما بعد "لام التعليل" علة لما قبلها، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول؟ يبدو أنه لا يوافقه، إلا إذا كان مراده أنه لا يشمل ما قبلها من الصور المتعددة التي لا تدخل في القيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبناء على ما سبق اشترطوا لصحة "لام الجحود" ألا ينتقض النفي بعدها بشيء؛ مثل "إلا1 الاستثنائية" -أو إحدى أخواتها- فلا يقال: ما كان الحر إلا ليقبل الضيم؛ لأن "إلا" هذه تنقض النفي السابق عليها؛ وتجعل ما بعدها مثبتا. وهذا مخالف لما تتطلبه لام الجحود من نفي ما قبلها وما بعدها معا بالحرف النافي المذكور في صدر جملتها. ولم يشترطوا هذا في لام التعليل فأجازوا: ما حضر المتعلم إلا ليستفيد، فصدر الجملة ينفي الحضور عن المتعلم، وعجزها الواقع بعد "إلا" ينفي ذلك النفي وينقضه، ويثبت الحضور ... ، وأنه لاستفادة المتعلم؛ فكأن الجملة: حضر المتعلم ليستفيد. د- هل يصح حذف "لام الجحود"؟ وهل يصح حذف فعل "الكون" قبلها؟ يجيز الحذف بعض النحاة، معتمدا على ظاهر أمثلة واردة عن العرب، وقد تصدى لبحثها بعض المحققين، وانتهى منها إلى أن المحذوف فيها لا يتعين أن يكون أحدهما، بل يستقيم المعنى على تقديره، أو تقدير غيره؛ فلا داعي لإباحة حذف واحد منهما.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا "في رقم 1 من هامش ص319 ورقم 1 من هامش ص320".

الأداة الثانية: "أو" العاطفة1 التي بمعنى: "حتى"، أو "إلا" الاستثنائية: ينصب المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد "أو" العاطفة في موضعين: أحدهما: أن تكون "أو" العاطفة صالحة للحذف، ووضع "حتى" في مكانها من غير أن يتغير المعنى؛ سواء أكانت: "حتى" دالة على الغاية، أم دالة على التعليل. أ- فالدالة على الغاية: "ويسمونها: "الغائية" أو: التي بمعنى: "إلى"" هي التي ينقضي المعنى قبلها شيئا فشيئا، لا دفعة واحدة، ويتم انقضاؤه بمجرد وقوع ما بعدهان وتحقق معناه؛ فإذا وقع ما بعدها انقطع ما قبلها نهائيا. وذلك بأن يكون لما قبلها نوع امتداد زمني، واستمرار معنوي متلاحق، لا ينقطع ولا يتوقف نهائيا إلا بتحقق ما بعدها وحصوله، فإذا تحقق ما بعدها وحصل انقطع المعنى قبلها بمجرد هذا التحقق والحصول؛ نحو: أقرأ الكتاب، أو أتعب، "أي: حتى أتعب، أو: إلى أن أتعب"، فقراءة الكتاب تتطلب وقتا، يتابع بعضها بعضا فيه، ولا تتم دفعة واحدة بغير استمرار زمني محدد، فإذا حصل التعب -وهو المعنى الذي بعد "أو"- انتهت القراءة وانقضت بمجرد حصول هذا التعب. ونحو: أتناول الطعام أو أشبع. "بمعنى: حتى أشبع، أي: إلى أن أشبع" فتناول الطعام لا يتم دفعة واحدة؛ وإنما يستغرق وقتا يتوالى فيه بعضه وراء بعض، ويستمر هذا حتى يحصل الشبع يتحقق -وهو المعنى الذي بعد: "أو"- فإذا حصل وتحقق انقطع تناول الطعام. ومثل: "أنام الليل أو يطلع الفجر، وأصلي الصبح وأتعبد أو تشرق الشمس2 ...

_ 1 يجري على هذه الأداء الأحكام العامة المشتركة التي سبقت في رقم 2 من هامش ص317، والتي تجري على كل نظائرها التي تنصب المضارع بأن المضمرة وجوبا. أما: "أو" العاطفة.. التي لا تنصب المضارع بعدها "بأن" -فقد سبق الكلام عليها "في ج3 م118 ص585 من باب: عطف النسق". 2 ومما يصلح لذلك قول امرئ القيس يخاطب رفيقه في السفر: "وكان امرؤ القيس قد صمم على الأخذ بثأر أبيه ممن قتلوه؛ فقصد قيصر الروم ليستعين به على تحقيق غرضه. واستصحب معه في سفرته الطويلة الشاقة عمرو بن قميئة الذي جزع وتوجع مما حاق بهما من المشقات. وهو الذي يقصد امرؤ القيس بقوله: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا، أو نمت فنعذرا والشطر الأخير هو محل الشاهد.

فالحرف "أو" فيما سبق حرف عطف بمعنى "حتى" الجارة1. ولكنه لا يعرب حرف جر2 ... ب- والدالة على "التعليل" "ويسمونها: "أو التعليلية" أي: "التي بمعنى: "كي التعليلية"، أو "لام التعليل" يكون ما بعدها علة لما قبلها؛ نحو: لأرضين الله أو يغفر لي، بمعنى: حتى يغفر، أو: كي يغفر لي، فما بعد "أو" -وهو: المغفرة- علة فيما قبلها، وهو إرضائي الله. ولا تصح أن تكون "أو" هنا بمعنى: "حتى" الغائية"؛ لفساد المعنى؛ إذ يكون: سأرضي الله إلى أن يغفر لي، فإذا تحقق الغفران انقطع إرضائي له، وأغضبته ... ومن الأمثلة: أحاذر العدوة أو أسلم، وأحرص على التوقي أو أنجو من المرض. فأو بمعنى: "حتى التعليلية" ولا تصلح الغائية، لفساد المعنى معها ... و"أو" تعرب هنا حرف عطف. ولا يصح إعرابها حرف جر أو شيئا غير العطف، بالرغم من أنها بمعنى "حتى" التعليلية الجارة2.. والآخر: أن تكون "أو" بمعنى: "إلا" الاستثنائية؛ وهذا حين لا يصلح في موضعها "حتى" بنوعيها السالفين؛ "وهما: الغائبة، والتعليلية". فلا بد من الالتجاء أول الأمر إلى: "حتى" ووضعها في مكان: "أو"، فإن لم يستقم المعنى معها قصدنا "إلا" الاستثنائية. نحو: تهوي الطائرة أو تسلم من الخلل، وتسقط أو تبرأ من الفساد ... أي: إلا أن تسلم -إلا أن تبرأ ... ونحو: يقتل النمر بالرصاص أو تخطئه الرصاصة ... ويحرص الصياد

_ 1 "حتى" الجارة حرف بمعنى "إلى" الدالة على الانتهاء، وتعمل الجر مثلها. 2 و2 أما المعطوف عليه فشيء قبلها يغلب أن يكون مصدرا متخيلا متصيدا من الكلام السابق، طبقا لما سيجيء شرحه هنا "في ص329" وانظر "ب" 331.

على جلده، أو يعجز عن سلخه. فلفظ "أو" في الأمثلة السالفة بمعنى: "إلا" ولا يصلح غيرها. ومع أنه بمعناها -يعرب حرف عطف، ولا يصح اعتباره حرف استثناء ... فإن لم تصلح "أو" العاطفة لأن تكون بمعنى: "حتى" أو: "إلا" لفساد المعنى بوضع أحد هذين في موضعها، كانت لمجرد العطف1؛ فلا ينصب المضارع بعدها، إلا أن اقتضى المعنى بعدها نصب المضارع لسبب آخر غير السالف2 ... ، فإن اقتضى المعنى نصب المضارع لسبب غير ما تقدم: وجب نصه "بأن" أيضا، ولكن يجوز إظهارها وإضمارها، كقول أحد الولاة لشاعر هجاء؛ "لولا شعرك الجيد أو يحرم أولادك عائلهم لقطعت لسانك. فلا عفو بعد اليوم، أو أقبل شفاعة". ويصح إظهار "أن" فنقول: أو أن يحرم أولادك ... وأن أن أقبل شفاعة. وفي كلتا الحالتين يعرب المصدر المسبك من "أن" "الظاهرة أو المضمرة جوازا" مع ما دخلت عليه معطوفا. أما المعطوف عليه فلا بد أن يكون اسما صريحا قبل "أو"3، وهو هنا: "شعر، وعفو". والتقدير: لولا شعرك، أو حرمان أولادك ... فلا عفو أو قبول شفاعة ... ومن هذا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} بمعنى: أو أن يرسل رسولا. فالمضارع "يرسل" منصوب" "بأن" مضمرة جوازا، وفاعله مستتر جوازا، تقديره: هو، والمصدر المؤول معطوف على الاسم الصريح: "وحيا" والتقدير: إلا وحيا أو إرسالته رسولا.. ملاحظة: لما كانت "أو" التي ينصب بعدها المضارع بأن المضمرة وجوبا أو جوازا، حرف عطف -وجب أن يكون المصدر المؤول بعدها معطوفا على

_ 1 وقد سبق الكلام عليها في باب: "عطف النسق "ج3 م118 ص585" كما سبقت الإشارة. 2 سيجيء في "د" من الزيادة والتفصيل "ص329"؛ بيان السبب الذي يقتضي نصب المضارع بعد "أو" العاطفة. 3 عملا بقاعدة نصب المضارع بأن مضمرة جوازا بشروط، منها: أن يكون المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه معطوفا على اسم صريح خالص مذكور ... و ... ، وقد سبقت في ص287.

شيء قبلها يناسبه1؛ "كمصدر صريح، أو مؤول، وكاسم جامد ليس بمصدر ... " فإن وجد في الكلام السابق معطوف عليه مذكور، عطفنا عليه المصدر المؤول الذي بعد "أو" كما في الأمثلة الأولى، وكما في الأمثلة الأخيرة "وهي: لولا شعرك الجيد أو يحرم ... -فلا عفو أو أقبل شفاعة ... - إلا وحيا أو يرسل رسولا.." وإن لم ذكر في الكلام السابق معطوف عليه تصيدنا من ذلك الكلام اسما جامدا، مصدرا كان أم غير مصدر، وجعلنا المعطوف عليه. والأنسب أن يكون مصدرا -لا اسما جامدا محضا؛ ليكون المعطوف والمعطوف علهي متناسبين، في المصدرية. ويقول النحاة: إن تصيد هذا المصدر -المعطوف عليه- من الكلام الذي قبل "أو" لا يحتاج في تلمسه إلى ضابط معين، ولا إلى طريق خاصة. وكل ما يشترط فيه أن يكون ملائما المعنى، مسايرا السياق الصحيح2 ... وفيما يلي بعض الأمثلة السالفة الخالية من ذكر المعطوف عليه صراحة، ثم اشتمالها عليه بعد تصيده:

_ 1 يجب أن يكون المعطوف عليه مذكورا -في الأغلب- وجامدا حين يكون نصب المضارع بأن مضمرة جوازا؛ "طبقات لما تقدم إيضاحه في ص287"، ولا يصح في حالة نصب المضارع أن يكون المعطوف عليه فعلا أو مشتقا يشبهه؛ إذ لو كان المصدر المؤول -وهو بعد التأويل اسم صريح- معطوفا على فعل أو ما يشبهه لاختلف الأمر بين التابع والمتبوع في أمور؛ أهمها الزمن، والذات، ذلك لأن المصدر المؤول بعد إتمام تأويله يدل على المعنى المجرد الخالي من الزمن ومن الذات، في حين يدل الفعل على الزمن، وتدل المشتقات العامة على الزمن، ومعه صاحب المعنى "أي: الذات". وقد أشرنا إلى صحة وقوع المعطوف عليه اسما جامدا محضا "أي: اسما جامدا غير مصدر" نحو: لولا شعرك الجيد أو يحرم أولادك عائلهم ... فالمصدر المؤول من "أن" المضمرة بعد "أو" ومن الجملة المضارعية بعدها معطوف على: "شعر" وهو اسم جامد محض. والتقدير: لولا شعرك، أو حرمان أولادك.. ومثله قول الشاعر: ولولا رجال من رزام أعزة ... وآل سبيع، أو أسوءك -علقما "رزام: اسم قبيلة. وعلقم: منادى مرخم، وأصله يا علقمة ... " فالمصدر المؤول من أن المضمرة بعد "أو" ومن الجملة المضارعية بعدها عطوف على: "رجال" ورجال اسم جامد محض. والتقدير: لولا رجال أو إساءتك ... 2 اكتفى ابن مالك ببيت واحد في الكلام على "أو" السالفة؛ هو: كذاك بعد: "أو"، إذا يصلح في ... موضعها: "حتى"، أو: الا" -أن خفي =

_ = وفي البيت تقديم وتأخير. والأصل: "أن" خفى كذلك بعد "أو" إذا يصلح في موضعها حتى، أو إلا". يريد: الحرف المصدري "أن" خفي -بمعنى: أضمر ولم يظهر- خفاء بعد "أو" مثل ذاك الذي وقع بعد لام الجحود؛ من ناحية أنه خفاء وإضمار واجب؛ فلا يصح ظهور "أن" فيه بعد "أو" كما لا يصح ظهورها بعد لام الجحود. بشرط أن تكون: "أو" بمعنى: "حتى" أو "إلا"؛ فيصح إحلال أحد هذين الحرفين في موضعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يجري على المضارع المنصوب بأن المضمرة بعد: "أو" جميع الأحكام الخاصة بالمضارع المنصوب بأن المصدرية1 من السبك، والفصل، وعدمه ... ب- صرحنا فيما سبق أن: "أو" التي بمعنى: "حتى" أو" إلا" هي حرف عطف، ولا يصح إعرابها حرف جر، أو حرف استثناء تبعا للحرف الذي يصلح في موضعها؛ فهي بمعناه فقط، وليست مماثلة له في إعرابه؛ فلكل منهما إعرابه الخاص به. وهو يخالف إعراب الآخر. ولهذا السبب وجب إعراب المصدر المؤول بعد "أو" معطوفا على شيء قبلها، ولا يصح إعرابه مجرورا، أو مستثنى، برغم أن "أو" بمعنى: "حتى" الجارة أو "إلا" الاستثنائية. ح- قد تصلح "أو" السالفة لأن تكون بمعنى: "حتى" أو "إلا" عند عدم قرينة تعينها لأحدهما؛ ولكن يختلف المعنى في كل صورة؛ نحو: لألزمنك أو تسدد لي ديني. فيصح أن تكون "أو" هنا بمعنى "حتى"، أو "إلا" والمعنيان مختلفان. د- من الملاحظ أن "أو" السالفة تقع بين معنيين مختلفين؛ أحدهما قبلها، والآخر بعدها، والأول محقق الوقوع أو مرجحة حتى يقع ما بعدها، وحصول الثاني ووقوعه مشكوك فيه غالبا؛ فقد يقع أو لا يقع. فإذا أريد الدلالة على أن ما قبلها وما بعدها متساويان في الشك وجب توجيهها للعطف المجرد، ووجب رفع المضارع بعدها؛ ليكون الرفع شارة وعلامة على هذه المساواة في الشك. بخلاف ما لو أريد الدلالة على أن الأول محقق الوقوع أو مرجحه، وأن الثاني وحده هو المشكوك في حصوله؛ فيجب نصب المضارع حتما بأن مضمرة وجوبا بعد "أو"؛ ففي مثل: أسافر يوم الجمعة أو أستريح ... -يصح رفع

_ 1 سبقت هذه الأحكام في ص282.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع: "أستريح" على إرادة أن السفر والاستراحة متساويان من ناحية وقوعهما أو عدم وقوعهما؛ فكلاهما مشكوك في حصوله، غير مقطوع بواحد منهما. ويصح نصب المضارع "أستريح" على إرادة أن الأول -وهو: السفر- محقق الوقوع والحصول، أو كالمحقق، وأن الراحة مشكوك فيها؛ فقد تحصل أو لا تحصل، وأن المعنى أسافر حتى أستريح، أو لا أن أستريح. فالسفر ليس موضع شك؛ وإنما الشك في الاستراحة؛ إذ لا يدري المتكلم أتتحقق أو لا تتحقين؟ ومثل المساواة في الشك المساواة في غيرها من المعاني الأخرى التي تدل عليها "أو" المتجردة للعطف المحض1. لهذا كان استعمال: "أو" في معناها الصحيح محتاجا إلى يقظة ودقة فهم ...

_ 1 تقدمت هذه المعاني عند الكلام على "أو" العاطفة في باب العطف "ج3 م118".

الأداة الثالثة 1: "حتى" الجارة للمصدر المنسبك من "أن" والجملة المضارعية:

_ 1 وتنطبق عليها الأحكام العامة المشتركة بين الأدوات الخمس -وهي الأحكام التي في رقم 2 من هامش ص317. ولا تتضح "حتى" الجارة على الوجه المحمود إلا بعرضها مع بقية أنواع "حتى" عرضا مناسبا؛ يكفي لتمييز كل نوع من غيره. أنواع "حتى" ثلاثة؛ أولها: العاطفة؛ وهي حرف عطف يفيد بلوغ الغاية في خمسة، أو شرف، أو قوة، أو ضعف، أو نحو هذا من كل ما يفيد كمالا أو نقصا، حسيين أو معنويين، أو يدل على حسن أو قبح كذلك. ومن أحكام هذا النوع أنه لا يدخل على الحروف، ولا يعطف المصادر المؤولة، ولا الضمائر -في الرأي الراجح- ولا الأفعال، ولا الجمل الفعلية ولا الاسمية، وإنما يعطف الاسم الظاهر الصريح فقط. "وقد سبق تفصيل الكلام على هذا النوع، وعلى أحكامه في باب العطف ج3 ص562 م118". ثانيها: "حتى الابتدائية" وتفيد الدلالة على: "الغاية" ولو بتأويل أو تقدير، ولكنها لا تدخل إلا على جملة جديدة؛ مستقلة عن الجملة التي قبلها في الإعراب، مع اتصالهما معنى بنوع من الاتصال؛ كالتي في قول الشاعر: كريم يميت السر؛ حتى كأنه ... إذا استخبروه عن حديثك جاهله - و"كأن" من الحروف الناسخة التي لها الصدارة في أول جملتها. وهذا هو المراد من قول "الخضري" عند كلامه عليها في باب العطف ج2: "إنها هي الداخلة على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها"؛ أي: نهاية وآخر له؛ فتدخل على الجملة الاسمية نحو: "الصناعة مفيدة، حتى فائدتها الخلقية كبيرة". وتدخل على الجملة الفعلية الماضوية؛ نحو قول المتنبي يصف جيش الأعداء: وضاقت الأرض؛ حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا ونحو: "ارتفع صوت الحرية في القرآن العشرين حتى ملأ الأسماع، ودوى في المشارق والمغارب حتى زلزل حصون الاستبداد". وتدخل على الجملة المضارعية بشرط أن يكون زمن المضارع حالا حقيقية، أو مؤولة بالحال، وفي الصورتين يجب رفع المضارع. فالحال الحقيقية: "هي التي يكون زمنها هو زمن التكلم". وفي أثنائه يتحقق معنى المضارع؛ بحيث يكون الوقت الذي يجري فيه الكلام هو الوقت الذي يقع فيه -أول مرة- معنى هذا المضارع. أي: أن الزمن الحالي يجمع بين كلام المتكلم، وحصول معنى المضارع أول مرة -بالنسبة لهذا الكلام الذي يحوي المضارع، نحو: "أُصغي الآن للخطيب حتى أسمع وأفهم كلامه". "طبقا للبيان الآتي في ج من ص338". والمؤولة بالحال نوعان: =

والكلام عليها -هنا- يتجه إلى ناحية معناها، وعملها، وحكم المضارع بعدها.

_ = أ- إما مؤولة عن ماض: وهي التي يكون زمنها قد فات قبل التكلم، ومعنى المضارع قد وقع وانتهى، وتم كل هذا قبل النطق بالجملة المشتملة على "حتى" مع مضارعها. ولكن المتكلم يتخيل أن ذلك الزمن بما يحويه من معنى المضارع لم ينته، وأنه موجود قائم حين النطق بالجملة. وهذه الطريقة تسمى: "حكاية الحال الماضية" "وسيجيء تفصيل الكلام عليها هنا، وفي ج من ص338. حيث نعرف الداعي لها، وأثرها النحوي والمعنوي". أما علامة هذه الحالة الماضية المحكية فصحة الاستغناء عن مضارعها، وإحلال ماضيه محله فلا يتغير المعنى، ولا يفسد التركيب "كما سيجيء في ص348" وكما يوضحه المثال التالي في: "ب". ب- وإما مؤولة عن مستقبل؛ وهي التي يقع الكلام ويتحقق دون أن يقع ويتحقق زمنها وزمن مضارعها في أثنائه، أو قبل النطق به. ولكن المتكلم يتخيل أن زمنها قائم وقت الكلام. وعلى هذا لا يصح اعتبار: "حتى" ابتدائية إذا كان معنى المضارع الذي بعدها قد تحقق في زمن انتهى حقيقة، أو أنه سيتحقق في زمن مستقبل حقيقة، بغير تخيل الحال وحكايتها في كل واحدة منهما. فمثال حكاية الحال الماضية التي يتخيل المتكلم وقوعها وقت كلامه -على الرغم من أن زمنها قد فات حقا، وانتهى قبل أن يتكلم- قول المؤرخ: "يقيم الفراعنة المصريون القدماء مسلات ضخمة، حتى يكتبون على جوانبها تاريخهم، ومآثرهم". أي: حتى كتبوا. ومثال الحال المؤولة عن المستقبل: "يأتي الشتاء في الشهر القادم؛ وها هو ذا المطر ينهمر. ويشتد البرد حتى ترتجف منه أعضائي". ومثال الحال الحقيقة: "أقف الآن على شاطئ البحر والشمس منحدرة إلى مغربها حتى أتابع منظر غروبها -هذه الوردة في يدي أرقبها وأشمها، حتى أتمتع بلونها وبطيب رائحتها"- فمتابعة الغروب تتحقق في الزمن الذي ينطبق فيه المتكلم بالجملة المشتملة على "حتى"؛ فزمنهما واحد هو: الحال. كذلك التمتع بطيب الوردة ولونها؛ يقع في الزمن الذي يقع فيه النطق بالجملة المشتملة على "حتى" وهو الزمن الحالي. وفي هذه الأمثلة وأشباهها تعرب "حتى" حرف ابتداء يدل على "الغاية" والجملة بعدها مستقلة في إعرابها لا في معناها -وقد شرحنا في الصفحة التالية المراد من الغاية. ثالثها: "حتى" الجارة، وهي نوعان: 1- نوع يجر الاسم الظاهر الصريح "والظاهر: ما ليس ضميرا، والصريح: ما ليس مصدرا مؤولا" ومعناها: الدلالة على الغاية، نحو: قرأت الكتاب حتى الخاتمة. ولا شأن لنا بهذا النوع هنا -"فقد سبق تفصيل الكلام عليه في الجزء الثاني، باب حروف الجر، م90 ص445". 2- ونوع يجر المصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبا وما دخلت عليه من جملة مضارعية. ومعنى "حتى" إما الدلالة على الغاية، وإما الدلالة على التعليل، وإما الدلالة على الاستثناء، والنوع الجار للمصدر المؤول -وإن سبق مجملا في الموضع السالف- هو موضوع التفصيل في كلامنا الآن. لكن الكوفيين يعتبرون "حتى" حرفا مصدريا ينصب المضارع بنفسه مباشرة، ويجيزون ظهور "أن" المصدرية بعده فتكون للتوكيد اللفظي. "انظر البيان في "ب" ص350"، "ملاحظة": يصح حذف ما دخلت عليه "حتى" مهما كان نوعها بشرط ألا يكون اسما صريحا مجرورا بها. ومن الأمثلة قول الشاعر وقد ذهب لزيارة شخص: فلما لم أجدك -فدتك نفسي- ... رجعت بحسرة وصبرت حتى ... يريد: حتى يأذن الله -مثلا.

أ- فأما معناها فالدلالة على "الغاية"، أو: على "التعليل"، أو: على "الاستثناء". فتدل على الغاية إذا كان المعنى بعدها نهاية حقيقة لمعنى قبلها ينقضي تدريجا لا دفعة واحدة، ولا سريعا، ويترتب على تحقق المعنى الذي بعدها أن ينقطع المعنى السابق فورا، وأن يتوقف بمجرد تحقق اللاحق وحصوله؛ نحو: "يمتد الليل حتى يطلع الفجر" -"يزداد الحر نهار الصيف حتى تغيب الشمس، ويزداد البرد ليل الشتاء حتى تشرق"- "يسرع القطار حتى يدخل المحطة، والطائرة حتى تدخل حظيرتها" ... فامتداد الليل يستمر تدريجا إلى أن يظهر الفجر، وعند ظهوره ينقطع الامتداد ويختفي. وازدياد الحر يدوم إلى أن تختفي الشمس، ومتى اختفت انقطع الازدياد وتوقف ... وهكذا بقية الأمثلة ونظائرها مما تقع فيه: "حتى" دالة على الغاية "أي: على نهاية المعنى الذي قبلها، وانقطاعه، بسبب ظهور معنى جديد بعدها، وابتداء حصوله وتحققه"، ولذا يسمونها: "حتى الغائية" أو: "حتى التي بمعنى: إلى": لدلالة كل واحدة منهما على انتهاء ما قبلها بمجرد حصول ما بعدها. ولا بد أن يكون المعنى السابق من الأمور التي تنقضي شيئا فشيئا -كما نرى- فلا ينقضي مرة واحدة، ولا ينقطع بغير تمهل. والضابط الذي تتميز به "حتى الغائية" من غيرها هو صحة حذفها، وإحلال "إلى"1 محلها من غير أن يفسد المعنى، أو التركيب.

_ 1 إنما تدل "إلى" على الغاية بالتفصيل الذي سبق عنها في حروف الجر -ج2 م90 ص366- وعند التقدير نقول: "إلى أن ... " فيزاد بعدها الحرف "أن"؛ لمجرد الإيضاح والتفسير؛ لأنه الناصب للمضارع. ويوضح هذا ما يجيء -تحت عنوان: "ثالثها"، في هامش ص337- خاصا بالكلام على "حتى" بمعنى "إلا" فكأن الذي يحل محل "حتى" هو: "إلى أن". لكن لا يصح إظهار "أن" بعد "حتى" مطلقا.

وتدل على "التعليل" إذا كان ما قبلها سببا وعلة فيما بعدها1؛ نحو: "نقرأ الصحف حتى نعرف الشئون الداخلية والخارجية، ونستمع إلى الإذاعة حتى نعلم ما يدور في البلاد المختلفة"؛ فقراءة الصحف هي السبب في معرفة الشؤون الداخلية والخارجية، والاستماع إلى الإذاعة هو السبب في العلم بما يدور في البلاد المختلفة. فما قبل: "حتى" هو العلة والسبب فيما بعدها2؛ ولهذا، تسمى: "التعليلية". ومن الأمثلة أيضا؛ "تحرص الأمم على نشر التعليم حتى تنهض وتقوى، وتتنافس في ميادين الصناعة حتى تفوز بأكبر قسط من مزاياها، وتتسابق إلى كشف الكواكب حتى تستأثر بما فيها" ... وتدل على "الاستثناء" -كإلا- إذا لم تصلح للدلالة على الغاية أو على التعليل؛ فلا بد من القطع بعدم صلاحتها "للغاية، أو للتعليل" قبل جعلها للاستثناء الخالص. نحو: "لا يصلح الوالي للحكم حتى يلتزم العدل، ويحرص عليه" ... والتقدير: لا يصلح الوالي للحكم إلا أن يلزم العدل". "فحتى" هنا بمعنى: "إلا" -وعند التقدير نقول معناها: "إلا أن"، فتظهر "أن" بعد "إلا" في حالة التقدير فقط، لمجرد الإيضاح، ولا يصح إظهار بعد "حتى"- ولا تصلح أن تكون "غائية" ولا "تعليلية"؛ إذ لو كانت "غائية" لوجب أن ينقضي المعنى قبلها تدريجيا -كما سبق- والنفي من المعاني التي تنقضي دفعة واحدة؛ لأنه حكم بالسلب على أمر، والحكم بالسلب ينصب سريعا، دفعة واحدة؛ لا تدريجا -في الصحيح3 ...

_ 1 أهذا يوافق قولهم: إن "حتى التعليلية" بمعنى "كي التعليلية" التي يكون ما بعدها علة فيما قبلها؟ أم أن المسألة اعتبارية؟ المراجع في هذا مضطربة. 2 لأن السبب متقدم في زمنه على المسبب حتما. 3 وهنا اعتبار آخر؛ هو أن الكلام قبل "حتى" منفي في هذه الصورة؛ والمنفي لا يزول معنى نفيه إذا كانت "حتى" للغاية وتحققت الغاية. فعند تحققها يبقى معنى النفي قبل "حتى" على حاله. ويترتب على بقائه فساد المعنى؛ إذ يكون التقدير: لا يصلح الوالي للحكم إلى أن يلتزم العدل، فإذا تحقق التزامه العدل لا يصلح للحكم. =

ولو كانت "تعليلية" لوجب أن يكون ما قبلها سببا وعلة فيما بعدها. وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه؛ إذ ليس عدم صلاح الوالي للحكم هو السبب في أنه يلتزم العدل. ومن أمثلة "حتى" التي بمعنى: "إلا" قول علي رضي الله عنه: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"1. وكذلك قول شوقي: وما السلاح لقوم كل عدتهم ... حتى يكونوا من الأخلاق في أهب2 ...........................................3 ... .....................................

_ = وبهذه المناسبة نشير على أهم الأحكام الخاصة "بحتى الاستثنائية"؛ وقد نبه العلماء إليها؛ لدقتها، وخفائها على كثير: "أولها" أن "حتى" الاستثنائية تسبق -كثيرا- بنفي؛ يجعل معنى الجملة التي قبلها منفيا. "ثانيها" أن معنى الجملة المشتملة على هذا النفي يظل على حاله عند التقدير مستمرا ومنفيا لا ينقطع استمراره ونفيه بوقوع ما بعدها، مهما كانت الأحوال. والسبب في هذا أن الاستثناء الذي تتضمن معناه، وتدل عليه "هو استثناء منقطع" -في الأعم الأغلب- "أي: لا يكون فيه المستثنى. من جنس المستثنى منه، فهي بمعنى: "لكن" ساكنة النون". كالذي هنا، وقد يكون متصلا أحيانا كالذي في يقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فهي للاستثناء المتصل من عموم الأحوال. "ثالثها" أن "حتى" تتضمن معنى "إلا" الخالية من "أن" بعدها. أما "أن" التي تظهر في تأويل الجملة فهي "أن" المصدرية المضمرة وجوبا بعد "حتى". فإذا وضعنا "إلا" مكان "حتى" ظهرت "أن" المضمرة؛ إذ لو كانت "حتى" بمعنى: "إلا" و"أن" معا لتكررت "أن" عند التأويل، وصار الكلام: لا يصلح الوالي للحكم، "إلا أن أن" يلتزم العدل، بذكر "أن" مرتين؛ إحداهما التي كانت مضمرة وجوبا مع "حتى" والأخرى هي المزعومة خطأ بعد "إلا". 1 استقامة اللسان: ترك الغيبة والنميمة، وكل لفظ يؤذي. 2 جمع: إهاب، بمعنى: جلد. 3 ومن الأمثلة أيضا قول المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراقَ على جوانبه الدم وقول الآخر: ولا ألين لغير الحق أتبعه ... حتى يلينَ لضرس الماضغ الحجر =

ب- وأما عملها: فالجر باعتبارها حرف جر أصلين بشرط أن يكون المضارع بعدها منصوبا بأن المصدرية، المضمرة وجوبا. وهذا النوع الجار من أنواع "حتى" "وهو الذي يعنينا هنا" لا يجر إلا المصدر المنسبك من "أن" المصدرية مع صلتها الجملة المضاريعة. ففي مثل: "الصبر يحمي النفس الحزينة، حتى تفيء إلى السكينة، يكون الإعراب: "حتى" حرف جر "تفيء" فعل مضارع، منصوب "بأن" المضمرة وجوبا بعد "حتى". والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: "هي". والمصدر المسؤول من "أن" وما دخلت علهي من الجملة المضارعية مجرور "بحتى". والتقدير: حتى إفاءتها ... وهذا الجار ومجروره متعلقان بالمضارع: "يحمي" ... وهي تعمل الجر دائما ولو كان معناها: "الاستثناء"؛ فشأنها في الاستثناء والجر معا كشأن "خلا، وعدا، وحاشا"، وهذه الثلاثة حروف جر، ومعناها: الاستثناء. ح- وأما حكم المضارع بعدها: فتارة يجب رفعه؛ فتكون ابتدائية1، وتارة يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا، فتكون جارة للمصدر المؤول بالطريقة التي أوضحناها، وتارة يجوز فيه الأمران؛ فتكون ابتدائية عند رفعه، وجارة عند نصبه بالحرف المصدري "أن". وفي كل أحوال المضارع لا يجوز أن يفصل بينه وبين "حتى" فاصل مذكور أو مقدر إلا "أن" المضمر وجوبا2 في حالة نصبه. 1- فيجب رفعه في كل حالة تستوفي ثلاثة شروط مجتمعة3:

_ = وكذلك: لا تسدين إلى عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا "والعارفة: المعروف، وإسداؤها: تقديمها وبذلها". 1 سبق معنى "الابتدائية" في هامش ص314. 2 ويجيز النحاة "كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص317" الفصل بينهما بالظرف، أو الجار مع مجروره، أو بالقسم، أو بالمفعول، أو بالشرط الذي فعله ماض. وهذا الرأي حسن؛ إذ فيه تيسير. 3 فيما يلي الشرط الأول، أما الثاني والثالث ففي ص343.

الشرط الأول: أن يكون زمن المضارع للحال حقيقة أو تأويلا، والحال الحقيقية -كما سلف-1 هي التي يقع فيها الكلام؛ فزمنها زمن النطق بالكلام المشتمل على "حتى". أي: أن الزمن الذي يحصل فيه الكلام هو نفسه الزمن الذي يجري فيه -أول مرة-2 معنى المضارع التالي لها. فلا بد أن تجمع الحال الحقيقية بين الأمرين؛ وهما: الكلام المشتمل على "حتى"، وحصول معنى المضارع الذي يتلوها؛ بحيث يتكلم الناطق بها وبجملتها في وقت تحقق معنى المضارع وحصوله أول مرة؛ نحو: "ينساب هذا الماء بين الزروع حتى تشرب" فالشرب -وهو معنى المضارع التالي: "حتى"- يتحقق ويحصل فعلا أول مرة في الوقت الذي يتكلم فيه المتكلم بالجملة؛ فزمن النطق والشرب واحد؛ هو: الزمن الحالي، وهو الذي يجمع بينهما. ومثل: "يسمع الطبيب دقات القلب الآن حتى يعرف أمره. ويجس نبض المريض حتى يسترشد به في معرفة الداء". بشرط أن يقال هذا في وقت استماع الطبيب للدق، وجس النبض. ومثل: "أشاهد العواصف تشتد الساعة حتى تقتلع الأشجار، وتزداد شدة وعنفا حتى تهدم البيوت، وتغرق السفن، وتسقط الطائرات" ... بشرط أن يكون الزمن الذي يتحقق فيه معنى الأفعال المضارعة التالية "حتى" في كل ما سبق هو زمن النطق بالكلام، فكأن الناطق بالمضارع الحالي الزمن يقول: الأمر الآن كذا وكذا، أي: شأنه في الحال القائمة كذا وكذا ... فالمضارع في الأمثلة السالفة -وأشباهها- مرفوع وجوبا3. و"حتى" حرف ابتداء، يدل على أن الجملة بعده جديدة مستقلة عما قبلها في الإعراب دون المعنى؛ إذ لا بد من اتصالها فيه -كما عرفنا. ولا مانع أن يستمر معنى المضارع الحالي الزمن؛ فيمتد وقته بعد انتهاء

_ 1 في هامش ص333. 2 أوضحنا في هامش ص333 المراد من أنه "أول مرة"، بأن يتحقق المعنى وقت الكلام فعلا، وأنه لم يكن قد تحقق قبله، أما إذا تحقق قبله وأريد إنزاله منزلة ما يتحقق وقت الكلام فإنه يكن حالا مؤولة -كما سيجيء في الصفحة التالية. 3 سيجيء في ص349 أنه لا يصح نصبه بأنه المضمر؛ لأنها تخلص زمن المضارع للاستقبال، والاستقبال يعارض الحال..

النطق بالجملة المشتملة على: "حتى" وإنما الممنوع أن ينقضي معناه قبل النطق بكلمة "حتى"؛ فيكون ماضي المعنى. أو أن يتأخر بدء تحققه إلى ما بعد النطق بها والفراغ منها؛ فيكون تحققه في زمن مستقبل حقيقي بالنسبة لها؛ إذ يتحقق بعد الانتهاء من التكلم بجملتها. أما الحال المؤولة "أو: المحكية" فلها صورتان، لا بد في كل منهما من قرينة تدل على حكايتها. الصورة الأولى: الزمن الماضي المؤول بالحال، وهو الذي يكون فيه معنى المضارع قد تحقق وانتهى فعلا قبل النطق بالجملة، وكان المناسب أن يذكر الفعل بصيغة الماضي، ولكنه يعاد ذكره بصيغة المضارع بقصد حكاية الحال1 لماضية التي ترشد إليها القرينة -بالطريقة التي شرحناها2.. وفي هذه الصورة التي يكون فيها زمن المضارع حالا1 ماضية ولكنها مؤولة -يجب رفعه، وتكون "حتى" ابتدائية؛ كما وجب رفعه في الزمن الحالي حقيقة وكانت فيه "حتى" ابتدائية أيضا. ومن أمثلة الحال الماضية المؤولة أن يقول أحدنا اليوم "هذا زهير الشاعر الجاهلية، يراجع قصيدته حتى تجود بعد حول في مراجعتها؛ فيذيعها، ولذا تسمى قصائده: "الحوليات" ... ". فمعنى المضارع -وهو الجودة بعد الحول- أمر فات حقا قبل النطق بكلمة: "حتى" وبجملتها. كفوات المراجعة. وزمن الأمرين في حقيقته ماض، ولكن التحدث عنهما بصورة المضارع -قصد به حكاية ما مضى، وإرجاع ما فات، على تخيل أنه يقع الآن -في وقت الكلام- أو على تخيل أن المتكلم قد ترك زمانه الذي يعيش فيه، ورجع إلى الزمن السالف الذي يتحقق فيه المعنى أمامه ساعة النطق، وكأنه من أهل ذلك العصر القديم. ووجود الرفع هنا يعتبر الدليل على الحكاية3، وعلى ما يترتب عليها من أثر معنوي.

_ 1 و1 أي: الحالة، أو: الحادثة. 2 في هامش ص333. وهناك -وكذا في ص348- العلامة التي تدل على أن الماضي محكي الدلالة الزمنية. 3 في هامش الصفحة التالية ما يزيد "حكاية الحال الماضية" وضوحا. أما أثرها المعنوية الذي ذكرناه فيزداد بيانا بما في رقم 1 من هامش ص347.

ويسمى هذا الاتجاه: "حكاية الحال الماضية"، أي: إعادة حالة سبقت وحادثة وقعت، وترديد قصتها وقت الكلام، وكأنها تحصل أول مرة ساعة النطق بها، مع أنها -في حقيقة الأمر- قد حصلت من قبل، وانتهى أمرها قبل ترديدها. وهذه الصورة الغالبة في الحكاية. والغرض من "حكاية الحال الماضية" هو الإشعار بأهمية القصة، وبصحة ما تضمنته من معنى قبل "حتى" وبعدها؛ لادعاء أنها تقع الآن -في وقت الكلام- وأن ما بعد "حتى" مسبب عما قبلها، وغاية له، فيثور الشوق إلى سماعها ويمتزج السامع بجوها. ومن الأمثلة أيضا: "انظر إلى الفراعين يبنون قبورهم في حياتهم منحوته في الصخر الأصم حتى تستريح نفوسهم لصلابتها وقوتها، وربما أخفوها حتى يأمنون الأيدي الغابثة بها ... " فزمن بناء القبور قد انتهى وانقضى، وكذلك الاستراحة، والإخفاء، والأمن ... فكان المناسب ذكر هذه المعاني بصيغة الماضي لا المضارع، ولكن جيء بالمضارع على سبيل "حكاية الحال الماضية"؛ ليكون من وراء ذلك توجيه الأنظار إلى القصة الهامة العجيبة، وأنها صحيحة؛ كأنها تقع الآن أمامنا ساعة التكلم بما يلابسها من غرائب؛ وكأن التكلم يطلب إلى السامع التنبه إلى ما يحيط بها، وأن يستعيد صورتها كاملة ويعيش -ساعة سماعها- في جو يشابه الجو الحقيقي الذي ولدت فيه أول أمرها، دون الاكتفاء بالسماع المجرد. أو يريد منه أن ينتقل بخياله إلى العصر الحقيقي الذي وجدت فيه، ليشاهد وقت الكلام نشأتها، وتحققها هناك. فالتعبير عن القصة الماضية بصيغة المضارع و"الحال المحكية" يجعل القصة الماضية بمنزلة ما يحصل أمامنا الآن، أو يجعلنا بمنزلة من تقدم بهم الزمان فشاهدوها في وقتها الحقيقي السالف. والأمران على سبيل التخيل المحض، ولهذا يعتبر زمن المضارع حاليا تأويلا1، لا حقيقة، ويجب

_ 1 راجع ج2 من الصبان والخضري، باب: "إعمال اسم الفاعل"؛ حيث بيان الأمرين، وطريقتي الحال الماضية. ونزيدهما وضوحا؛ فنقول: إذا كان المعنى الذي بعد "حتى" قد وقع وانتهى زمنه قبل النطق بالجملة التي تشتمل عليها، وأريد التعبير عنه فالتعبير بالفعل الماضي هو المناسب له، والأليق. غير أن هناك بعض دواع بلاغية ومعنوية أوضحناها تدعو -أحيانا- إلى ترك التعبير بالماضي وإلى العدول=

رفعه مراعاة لهذه الحالية التأويلية. ولا بد في حكاية الحالة هذه من قرينة تدل على الحكاية. والصورة الثانية: -وهي صورة أقل استعمالا من الأولى- ويراد بها حكاية الحالة المستقبلة التي لم تقع بعد، والتعبير عنها بما يدل على أنها تقع الساعة، وتحصل الآن "أي: وقت الكلام" مع أنها لم تقع ولم تتحقق قبل الكلام، ولا في أثنائه. والغرض منها: إفادة القطع بمجيئها، وأنها آتية لا محالة، فهي بمنزلة ما وقع وتحقق، أو يقع ويتحقق في أثناء الكلام. ولا بد في هذه الحكاية من قرينة تدل عليها. ومن أمثلتها قول أحدهم: "ويل للمشرك يوم القيامة، إني أراه الآن يتلفت حتى يجد الشفيع ولا شفيع يومئذ، وأمعه يصرخ حتى يسمع النصير، ولا نصير".

_ = عنه للمضارع الذي يقوم -مع القرينة- مقامه تأويلا وتنزيلا. وهذا يسمى: "حكاية الحال الماضية". وتقوم على أحد اعتبارين. أولهما: تخيل المتكلم أن المعنى الماضي الذي حصل وتحقق قبل النطق بالكلام -لم يحصل ولم يتحقق فيما مضى، وإنما يحصل ويتحقق وقت الكلام، أي: في الزمن الحالي؛ فكأن هذا المعنى يحصل ويتحقق أمامه الآن؛ لهذا يعبر عنه بفعل مضارع يدل على الحال. وثانيهما: أن يتخيل -أيضا- أنه لا يعيش في الزمن الذي يتكلم فيه، إنما رجع به زمنه إلى الوراء؛ ونقله من عصره الحاضر القائم إلى عصر مضى، ووقع فيه ذلك المعنى، فكأن المعنى يقع أمامه ويتحقق في الزمن الذي ينطق ويتكلم فيه بذلك المعنى؛ وهو: "الحال" ويجيء بالمضارع ليعبر عن هذا المعنى، وزمنه، بدلا من الماضي. فحكاية الحال الماضية قائمة تخيلا؛ إما: على تقديم المتكلم ونقله من زمنه الذي يعيش فيه إلى زمن سبق، وتحقق فيه المعنى، وإما: على تأخير زمن المعنى إلى عصر المتكلم. وفي الحالتين يستعمل المضارع بدل الماضي؛ للدلالة على أن زمن المعنى وزمن التكلم واحد؛ هو: الزمن الحالي. وكل هذا على سبيل التخيل، والتأول، والحكاية؛ فتحدث الآثار المشار إليها هنا وفي ص346. ويوضح الاعتبارين السالفين المثال الآتي يقوله أحدنا اليوم. دعا الرسول عليه السلام قومه إلى طاعة ربه، وإلى ترك المرذول من عادات الجاهلية، فبذل الجهد في هذا السبيل، واحتمل الأذى من قومه، وصبر على ما لقيه من العنت والاضطهاد. فهذه قصة وقع معناها، وتحقق فعلا قبل النطق هنا؛ فالتعبير عنها بالفعل الماضي هو المناسب لها. لكن المتكلم قد يعدل عنه إلى التعبير بالمضارع؛ لسبب بلاغي ومعنوي -كما أشرنا- فيقول: "وهو يتخيل أن الزمن تقدم به إلى عصر النبي، فهو يشاهدها فيه، أو أنها تأخرت إلى عصره فهو يشاهدها كذلك، وفي الحالتين يكون زمن مشاهدتها والتكلم بها واحدا، هو: الزمن الحالي": إن رسولنا يدعو قومه ... ويبذل الجهد ... ويحتمل الأذى ... ويصبر ...

الشرط الثاني: من شروط رفع المضارع بعد "حتى"1 ... : أن يكون ما بعدها مسببا عما قبلها؛ كالأمثلة السالفة -ليقع الربط بين ما قبلها وما بعدها-2 فإن لم يكن مسببا عما قبلها لم يصح رفع المضارع، ووجب اعتبارها جارة ينصب بعدها "بأن" مضمرة؛ وجوبا -نحو: "يقضي هؤلاء الزراع نهارهم في العمل حتى تغرب الشمس". فغروب الشمس ليس مسببا عن قضاء النها رفي العمل، فيجب نصب المضارع: "تغرب"، ولا يجوز رفعه ... ؛ ونحو: "يحرص هذا البخيل على ماله حتى يموت"، فالموت ليس مسبا عن البخل؛ ولهذا يجب نصب المضارع ... الشرط الثالث: أن يكون ما بعد "حتى" فضله "أي: تم الكلام قبله من الناحية الإعرابية كالأمثلة المتقدمة" لا جزءا أساسيا في جملة لا تستغني عنه في إتمام ركنيها الأصليين؛ "فلا يكون خبرا لمبتدأ3، أو خبرا لناسخ4 ... ،..." فإن لم يكن فضلة لم يصح الرفع، ووجب النصب بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى"، نحو: "عملي حتى تغرب الشمس -كان عملي حتى تغرب الشمس- إن عملي حتى تغرب" ... فالمصدر المنسبك من "أن" المضمرة وما دخلت عليه مجرور بـ"حتى" والجار والمجرور خبر المبتدأ، أو خبر الناسخ ... "ملاحظة": علامة كونه حالا أو مؤولا به صحة الاستغناء عن "حتى" مع وضع "الفاء" الداخلة على كلمة: "الآن" مكانها؛ فلا يتأثر المعنى، ولا الأسلوب5 ... ويجب حينئذ أن يكون ما بعدها فضلة. ومسببا عما قبلها.

_ 1 سبق الشرط الأول في ص339. 2 وهذا الربط معنوي بين الجملتين، يقوم على أساس السببية والمسببية؛ لعدم وجود رابط لفظي بينهما. أما في حالة نصب المضارع فإن الربط اللفظي موجود؛ وهو تعلق الجار والمجرور "أي: حتى وما دخلت عليه" بالعامل قبلها. 3 لأن الجار مع مجروره "كحتى مع مجرورها" لا يكون جزءا أساسيا في جملة إلا حين يكون خبرا لمبتدأ، أو: لناسخ، أو: بمنزلة الخبر، أو: يكون نائب فاعل. 4 الناسخ يشمل: "ظن وأخواتها" مما ينصب مفعولي أصلهما المبتدأ والخبر. وإنما وجب أن يكون ما بعدها فضلة؛ لأن "حتى" الابتدائية لا تدخل إلا على جملة مستقلة في إعرابها عما قبلها -كما أوضحنا- فإذا جاء ما بعدها غير فضلة كان جزءا أساسيا مما قبلها فلا تكون ابتدائية. 5 بأن نحذف كلمة "حتى" ونضع مكانها كلمتان: هما "الفاء" "والآن" أي: فالآن.

2- ويجب نصب المضارع في كل حالة من الحالات الثلاث السالفة التي لا تصلح للرفع؛ وهي: أ- أن يكون زمنه -وقت التكلم- ليس حالا، حقيقة ولا تأويلا، بأن كون زمنه ماضيا1 خالصا، أو مستقبلا خالصا، فمثال الماضي المحض؛ "في سنة عشرين من الهجرة تم فتح مصر على يد العرب حتى ينقدوها من ظلم الرومان" ... فالفتح والإنقاذ وقعا في زمن خالص المضي، وبقيا هنا على حالهما من غير تأويل زمنهما بالحال. ومثل: "بنى العباسيون مقياسا للنيل بجزيرة الروضة2 حتى يعرفوا زيادته ونقصه". ومثال المستقبل الحقيقي: "في الشهر القادم يزور بلادنا وفود من العلماء الأجانب حتى يطلعوا على مظاهر الحضارة والتقدم عندنا، وسننتهز فرصة وجودهم للانتفاع بعلمهم وتجربتهم حتى تقوم مشروعاتنا العمرانية الجديدة على أسس علمية وفنية صحيحة"؛ فالمراد: لكي يطلعوا في المستقبل "الشهر القادم" على مظاهر الحاضرة، ولكي تقوم مشروعاتنا في المستقبل على أسس علمية بعد زيارتهم، وكذلك بعد انتهاز الفرصة للانتفاع بهم. والزمن المستقبل هنا هو الزمن الاتي حقا، ولا يكون مجيئهم إلا بعد انتهاء الكلام، وقول الشاعر: يا ليت من يمنع المعروف يمنعه ... حتى يذوق رجال غب ما صنعوا أي: لأجل أن يذوق أولئك الرجال في المستقبل غب ما صنعوه. والمستقبل

_ 1 الفرق بين المضارع الذي يكون زمنه خالص المضي "أي: باقيا على مضي زمنه" والمضارع الذي كان أصله زمنه ماضيا ثم صار للحال حكاية وتأويلا -وهو أن الأول حكمه النصب، وأن الكلام قبل "حتى" يفيد الإخبار بوقوع معناه وتحققه، وأن معنى الكلام بعدها مترقب الحصول في المستقبل، ينتظر تحققه ووقوعه، من غير أن يفيد الجزم بتحققه ووقوعه. أما الثاني فحكمه الرفع، والمعنى بعد "حتى" مسبب عن المعنى قبلها، وغاية له، وكلاهما واقع متحقق، غير أن المعنى قبلها واقع متحقق على سبيل الحقيقة، والمعنى بعدها واقع على سبيل حكاية الحال، مع إفادة أنه مسبب عن الأول "ولهذا إيضاح في ص348". وعلى المتكلم أن يلاحظ عند ضبط المضارع بالرفع أو النصب ما يترتب على نوع الضبط من الآثار المعنوية؛ فيختار النوع الذي يؤدى للمعنى المراد. 2 في الجنوب الغربي من مدينة القاهرة الحالية.

هو الزمن الذي يأتي بعد أن يذوقوا المنع1 ... ب- أن يكون ما بعد "حتى" غير مسبب عما قبلها؛ فينصب المضارع وجوبا في هذه الصورة؛ نحو: "أصوم يومي هذا حتى يجيء المغرب"، فمجيء المغرب ليس مسببا عن الصيام. ونحو: "يتسابق السباحون حتى ينتهي الوقت"، فانتهاء الوقت ليس مسببا عن التسابق ... ح- أن يكون ما بعد "حتى" غير فضلة. فينصب المضارع وجوبا إذا كان ما بعدها جزءا أساسيا في الإعراب من جملة قبلها ... ؛ نحو: سهري حتى أنجز عملي. أو: كان سهري حتى أنجز عملي ... أو: إن سهري حتى أنجز عملي ... فكلمة: "حتى" في الحالات الثلاث حرف جر أصلي، والمضارع بعدها واجب النصب "بأن" مضمرة وجوبا. و"أن" وما دخلت عليه من المضارع وفاعله في تأويله مصدر مجرور "بحتى"، والجار والمجرور متعلقان بعامل مناصب في الكلام. أما معناها في هذه الحالات فخاضع لما يناسب كل حالة؛ فقد يكون الدلالة على الغاية، أو الدلالة على التعليل. أو على الاستثناء، طبقا لما شرحناه2، ولا مانع أن تجيء "حتى" صالحة للدلالة على أكثر من معنى واحد، عند فقد القرينة التي تعين معنى دون غيره. 3- ويجوز رفع المضارع ونصبه إذا كان معناه مستقبلا بالنسبة للمعنى الذي قبل: "حتى" بأن يكون المعنى بعدها قد تحقق قبل الزمن الحالي كما تحقق المعنى قبلها؛ فكلاهما قد وقع وتحقق فعلا قبل النطق بالكلام الذي قبلها والذي بعدها ... غير أن تحقق معنى المضارع تأخر عن تحقق المعنى السابق عليها؛

_ 1 ومما يصلح للمستقبل الحقيقي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . 2 في ص335 وما بعدها.

فهو مستقبل بالنسبة للسابق، أي: أن المعنيين قد وقعا وحصلا قبل النطق بالكلام، ولكن أحدهما وهو الذي قبل "حتى" -أسبق في زمن تحققه وحصوله من المتأخر عنها؛ ولهذا يعتبر المتأخر في زمنه "وهو ما يلي "حتى" مستقبلا بالنسبة لما قبلها1؛ لتحقق معناه بعد ذلك المتقدم عليها. وكل هذا بغير: "حكاية الحال الماضية" ويغير تخيل أنها قائمة الآن2 بطريق الحكاية. ومن الأمثلة ما قاله أحد المؤرخين: "بنى المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة حتى تكون مقرا لحكمه، ومأوى يتسع لأعوانه وجنده. ولما تم بناؤها عرت عليه أسماء كثيرة حتى يختار منها اسما؛ فاختار لها: "القاهرة" ... " فالمعنى قبل "حتى" -وهو بناء القاهرة- قد تحقق وفات. وكذلك اتخاذها مقرا للحكم ومأوى. إلا أن البناء تحقق أولا، ثم تحقق بعد المقر. فالمقر معنى متأخر في زمن حصوله على زمن البناء، ولهذا يعتبر مستقبلا بالنسبة لزمن البناء ... وكذلك تمام بنائها أمر فات وانتهى، ومثله اختيار اسم لها. فالمعنيان قد فاتا وانقضى زمنهما. غير أن اختيار الاسم متأخر عن تمام البناء، فهو مستقبل بالنسبة لتمام البناء، بالرغم من أن كلا منهما قد انتهى وانقضى. ولكن أحدهما "وهو ما يلي "حتى" متأخر في زمنه عما سبقها ... ؛ وبسبب هذا التأخر كان مستقبلا بالنسبة للسابق، من غير حكاية حال ماضية، ولا تخيل إرجاعها. ومن الأمثلة أيضا قول مؤرخ آخر: "استطاع المسلمون الأوائل فتح فارس. والشام، ومصر، في شهور قلائل؛ لأن سلطان العقيدة غلب كل سلطان آخر، فوجب الرجل منهم نفسه للقتال حتى ينتهر أو يموت شهيدا، لا يعرف التردد، ولا الفرار، ولا الخيانة. وخاض المعركة حتى يبلغ أمنيته في النصر أو الاستشهاد ... ؛ فالمعنى قبل "حتى" -وهو: الهبة للقتال- قد مضى وانتهى. وكذلك المعنى بعدها؛ وهو: النصر، أو الموت. إلا أن الهبة أسبق في مضي زمنها؛ ولذا يعد الثاني -وهو المتأخر في زمن انقضائه- مستقبلا بالنسبة للأسبق.

_ 1 يجب التنبه إلى أن استقباله إنما هو بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى" فلو كان زمنه مستقبلا أو حاليا بالنسبة لزمن التكلم لوجب تغيير الحكم بما يوافق هذا ويناسبه. 2 لأن تخيل الحال الماضية وحكايتها، يجعل زمن المضارع للحال تأويلا كما سبق. فيرفع وجوبا ويترتب على الرفع الآثار المعنوية التي شرحناها، "في رقم 1 من هامش ص344".

ومثل هذا يقال في خوض المعركة، وفي بلوغ الأمنية، فكلاهما ماضي المعنى قد فات وقته حقا، إلا أن خوض المعركة أسبق في المضي من بلوغ الأمنية، فكان بلوغ الأمنية -بسبب تأخر زمنه- مستقبلا بالنسبة لخوض المعركة. وجواز الفرع والنصب في هذه الحالة وأشباهها قائم على أساس التأويل؛ فالرفع على تخيل زمن المضارع حالا مؤولة افتراضا، من غير حكاية؛ لأن المضارع الذي للحال المحكية يجب رفعه -كما تقدم-1 والنصب إما على اعتباره مستقبلا بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى"، لا بالنسبة لزمن التكلم. وإما على اعتبار العزم والنية على تحقيق معنى المضارع قبل وقوع معناه. وفي صورة رفعه تكون "حتى" ابتدائية، وفي صورة نصبه تكون جارة والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا -كما أسلفنا. ومن الخير عدم استعمال هذه الصورة القليلة التي يصح فيها الأمران1، وإهمالها قدر الاستطاعة. فملخص الحالات الثلاث الخاصة بالمضارع الواقع بعد "حتى"، هي: أ- وجوب رفعه واعتبار "حتى" ابتدائية -إذا كان زمنه للحال حقيقة أو تأويلا2، وكان مسببا عما قبله، وفضله. فوجوب الرفع لا يتحقق إلا باجتماع هذه الشروط الثلاثة. ب- وجوب نصبه بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى" مع اعتبار "حتى" حرف جر، إذا كان زمن المضارع ماضيا حقا، أو مستقبلا استقبالا حقيقيا

_ 1 و1 التفرقة دقيقة بين هذه الصورة والحال المؤولة، ولهذا اعتبرهما -بحق- فريق من النحاة شيئا واحدا، وخالف بعض المحققين: بأن حكاية الحال المؤولة توجب الرفع، وتفيد معنى هاما لا يستفاد من غيرها، وقد شرحناه في الصفحات الماضية "كالذي في رقم 1 من هامش ص344". أما تأويل المضارع الذي ليس للحال بالحال من غير قصد حكاية فيجيز الأمرين ويفيد المعنى نوع تقوية يجعله قريبا من المحكي في أنه بمنزلة الأمر المحقق الآن. وفي كل هذا تشعيب وتكلف يجعل الرأي الذي يرفض هذا النوع هو الرأي الأنسب، بالرغم من صحة الرأي الآخر. 2 وكلاهما بمعنى: الآن "أي: الحال ووقت الكلام".

بغير تأويل فيهما، أو كان زمنه للحال، ولكنه فقط شرط "السببية"، أو شرط "الفضلة"1 ... ح- جواز رفعه ونصبه إن كان زمنه مستقبلا بالنسبة لزمن المعنى الذي قبل "حتى" لا بالنسبة لزمن الكلام. وكلا الزمنين -قبلها وبعدها- قد مضى وانتهى حقيقة. وتكون "حتى" ابتدائية عند رفعه، وجارة عند نصبه؛ مراعاة للاعتبار الخاص بكل نوع ... والأحسن عدم محاكاة هذا النوع قدر الاستطاعة. بقيت أمور جديرة بالتنويه: أولها: علامة المضارع بعد "حتى" إذا كان معناه ماضيا حقا، ولكن زمنه إما للحال تأويلا، وإما للمستقبل بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى" -هي صحة الاستغناء عنه؛ بوضع فعله الماضي موضعه فيظل المعنى مستقيما، والتركيب صحيحا -كما أسلفنا2. ثانيها: أوضحنا3 أن الرفع -بالشروط التي تقتضيه بعد "حتى"- يفيد الإخبار بوقوع معنى الكلام وحصوله قبل "حتى" وبعدها، كما يفيد أن الثاني مسبب عن الأول. أما النصب في الحالات التي ينصب فيها المضارع بعدها فيفيد الإخبار بوقوع شيء واحد وحصوله هو معنى الكلام الذي قبل "حتى"

_ 1 لم يذكر ابن مالك في الكلام على "حتى" التي ينصب بعدهما المضارع "بأن" مضمرة وجوبا -إلا البيتين التاليين: وبعد: "حتى" هكذا إضمار "أن" ... حتم؛ كجد حتى تسر ذا حزن-10 "تقدير البيت: وإضمار "أن" حتم بعد "حتى" هكذا، بمعنى: "كذا"، أي: كالإضمار السابق الواجب، في المشار إليه ... " وساق مثلا لما تضمنه هذا البيت -وهو مثال للتعليلية- ثم قال بعده: وتلو "حتى" حالا، أو مؤولا ... به ارفعن وانصب المستقبلا-11 يريد: أن المضارع التالي: "حتى" إذا كان معناه حالا أو مؤولا بالحال -يرفع. وإن كان مستقبل المعنى ينصب. ولم ينص على بقية الحالات المختلفة. 2 في هامش ص333. 3 في رقم 1 من هامش ص344.

وأن معنى الكلام الذي بعدها مترقب الحصول في المستقبل، ينتظهر تحققه من غير أن يفيد هذا الكلام القطع بأنه سيقع ويتحقق؛ واو كان وقوعه معلوما، من قرينة أخرى ... ثالثها: أن وجوب رفع المضارع الحالي الزمن حقيقة أو تأويلا هو -كما أشرنا-1 لمنع التعارض بين دلالته على الحالية وما تد عليه "أن" الناصبة له؛ إذ لو نصبته لجعلت زمنه للمستقبل المحض، كشأن كل النواصب، مع أن المراد أن يكون زمنه للحال الحقيقية أو المؤولة، ومن ثم يقع التعارض بين الحال والاستقبال؛ أي: بين الحالية المطلوبة هنا، والاستقبال الخالص الذي يحتمه وجود "أن الناصبة" للمضارع، وهذا التعارض لا يوجود مع الرفع.

_ 1 في رقم 3 من هامش ص339.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- من الأحكام السابقة يسهل ضبط المضارع في الأمثلة الآتية التي عرضها بعض النحاة لبيان ضبطه. ومنها: ومنها: "سرت حتى تطلع الشمس"، فيجب النصب؛ لعدم تسبب الطلوع عن السير. وكذلك: "ما سرت حتى أدخل البلد"؛ لعدم وقوع شيء يصلح أن يكون سببا في الدخول؛ إذ أن الدخول لا يتسبب -عادة- عن عدم السير، ومثله: "قلما سرت حتى أدخلها"، إذا كان معنى "قلما" هو النفي ... وكذلك في: "أسرت حتى تدخلها؟ " لأن السبب لم يتحقق؛ بسبب الاستفهام عنه؛ فلو رفع الفعل لزم تحقق وقوع المسبب1. مع الشك في وقوع السبب، وهذا لا يصح ... ففي الأمثلة السالفة ونظائرها يجب النصب، ولا يصح الرفع. بخلاف: أيهم سار حتى يدخلها الآن؟ ومتى سرت حتى تدخلها الآن؟ فيجوز الرفع، لأن السير محقق. وإنما الشك في معرفة من فعل الفعل، أو في زمن الفعل. ب- يرى الكوفيون أن "حتى" حرف ناصب بنفسه، ويجوز وقوع "أن" المصدرية بعده فتكون مؤكدة توكيدا لفظيا لحتى. أما البصريون فيوجبون أن يكون الناصب هو: "أن" المضمرة وجوبا بعد "حتى" الجارة، ولا يجيزون ظهور "أن" بعدها. ويجيزون ظهور "أن" بعد التابع2، مستدلين بقول القائل يمدح بني شبيان: ومن تكرمهم في المحل3 أنهمو ... لا يعرف الجار فيهم أنه جار حتى يكون عزيزا من نفوسهمو ... أو أن يبين جميعا وهو مختار وموضع الشاهد ظهور "أن" قبل المضارع: "يبين" وبعد "حتى"

_ 1 طبقا لما تقرر في ص348 تحت عنوان: ثانيها. 2 لهذا إشارة في هامش ص334. 3 الجدب والقحط ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الملحوظة المعطوفة على أخرى قبلها. والتقدير عند البصريين: حتى يكون عزيزا من نفوسهم أو حتى أن يبين ... ح- يتساءل بعض النحاة عن معنى "حتى" في قول العرب: "ما سلم فلان حتى ودع"، وفي قول الشاعر: ركب الأهوال في زورته ... ثم ما سلم حتى ودعا فقيل إنها ابتدائية تفيد الاستثناء هنا "فهي بمعنى: "إلا" التي تليها "أن" والاستثناء مفرغ في الظرف. والتقدير؛ ما سلم في وقت إلا وقت ودع الناس فيه. وقيل إنها ابتدائية؛ بمعنى: لكن -ساكنة النون كالمألوف الكثير فيها- ومن شأن الابتدائية ألا تقطع الصلة المعنوية بين ما بعدها وما قبلها1، برغم أن ما بعدها لا بد أن يكون جملة مستقلة في إعرابها -فيكون المعنى ما سلم في وقت لكن ردع فيه. والمعنيان متقاربان. د- إذا دخلت "حتى" الابتدائية على جملة لم يصح وقوع هذه الجملة خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ ... أو2 ...

_ 1 أين هذه الصلة المعنوية بين ما قبلها وما بعدها في قول الفرزدق يذم "كليبا" قبيلة الشاعر جرير: فواعجبا. حتى كليب تسبني ... كأن أباها نهشل أو مجاشع -نهشل- ومجاشع من آباء الفرزدق. يقول المعنى ج1 عند الكلام على "حتى" ما نصه: "لا بد من تقدير محذوف قبل "حتى" في هذا البيت، يكون ما بعد "حتى" غاية له. أي: فواعجبا. يسبني الناس حتى كليب تسبني ... ". ا. هـ. وقد سبقت إشارة لهذا في ج3 باب: "العطف" عند الكلام على "حتى" م118 ص562. 2 راجع البيان الخاص بهذا عند الكلام على الشرط الثالث، ص343.

الأداة الرابعة: فاء السببية الجوابية1: معناها: يتضح من الأمثلة التالية: 1- لا يغضب العاقل فيفقد صواب الرأي، ولا يتبلد فيفقد كريم الشعور. 2- لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود أو بالحقد، ولست أبالغ في الثناء، فأتهم بالغفلة أو الرياء. 3- لا تصاحب غادرا فينالك غدره، ولا تأتمن خائنا فتصيبك خيانته. 4- أتعرف لنفسك حقها فتصونها عن الهوان؟ وهل تدرك أن الكبر كالضعة؛ كلاهما بلا فتحذره؟. فإن الناطق بمثل: "لا يغضب العاقل؛ فيفقد صواب الرأي" ... يريد أمرين معا، هما: نفي الغضب عن العاقل، وبيان ما يترتب على نفيه من عدم فقد الرأي الصائب؛ فكأنه يقول: العاقل لا يغضب؛ فيترتب على عدم غضبه أنه لا يفقد صواب الرأي، أي: لا يغضب، فلا يفقد سديد الرأي. فما بعد "الفاء" مسبب عما قبلها، وكلاهما منفي، هنا2. والناطق بمثل: "لا يتبلد فيفقد كريم الشعور. يريد أمرين معا؛ هما:

_ 1 تجري عليها الأحكام العامة المشتركة التي سبقت في رقم 2 من هامش ص317. 2 لكي يكون المعنى -في هذا المثال وأشباهه- غاية في الوضوح نلاحظ عند استخلاصه الأمور الآتية التي تشترك في تكوينه، والتي سيجيء تفصيل الكلام عليها بعد قليل، وأهمها: أ- أن فاء السببية هي للعطف أيضا؛ فتفيد الترتيب والتعقيب مع السببية. ب- أن المعطوف بها هو المصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبا وما دخلت عليه. ج- أن المعطوف عليه لا بد أن يكون مصدرا مؤولا كذلك. ولا بد أن يكون موجودا، ولو من طريق التصيد. د- أنها إذا وقعت بعد نفي فقد يكون المنفي هو ما قبل الفاء وما بعدها معا؛ كما في المثال الأول ... ، وقد يكون أحدهما وحده؛ "طبقا للبيان الهام الأساسي الذي يأتي في ص359" والاهتداء إلى المنفي أمر ضروري لسلامة المعنى. وتطبيقا لهذه الأمور نقول في المثال الأول لاستخلاص معناه: لا يكون من العاقل غضب ففقد صواب الرأي -أي: لا يكون من العاقل غضب يعقبه ويتسبب عنه فقد صواب الرأي. ولما كان السبب "العلة" وهو: غضب العاقل منفيا وجب أن يكون المسبب عنه منفيا كذلك، وهو فقده صواب الرأي: وبهذا يكون النفي منصبا على ما قبل الفاء وما بعدها معا، وينتهي الأمر إلى المعنى المراد هو: لا يغضب العاقل؛ فلا يفقد صواب الرأي. وهكذا الباقي.

عدم التبلد، وما يترتب عليه من عدم فقد الشعور الكريم؛ فكأنه يقول: لا يتبلد، وعدم تبلده يؤدي إلى عدم فقده الشعور الكريم، أي: لا يتبلد فلا يفقد كريم الشعور ... فما بعد الفاء مسبب عما قبلها. وكلاهما منفي هنا أيضا. والناطق بمثل: لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود ... يريد الأمرين، عدم إنكار الفضل، وما يؤدي إليه من عدم الاتهام بالجحود. ومثل هذا يقال في الشطر الثاني من المثال. والناطق بمثل: لا تصاحب غادرا فينالك غدره ... يريد أمرين معا؛ النهي عن مصاحبة الغادر، وبيان ما يترتب على مصاحبته من الإصابة بغدره. ومثل هذا يقال في بقية المثال. والناطق بمثل: أتعرف لنفسك حقها؛ فتصونها عن الهوان؛ يريد أمرين؛ سؤال المخاطب عن معرفته حق نفسه، وبيان ما تؤدي إليه هذه المعرفة. كما يسأله عن إدراكه حقيقة الكبر والضعة، وبيان ما يترتب على هذا الإدراك ... فنلحظ في كل الأمثلة السالفة -وأشباهها- أن "الفاء" تتوسط أمرين السابق منهما، هو "العلة" أو "السبب" في المتأخر الذي يليها، ولهذا سميت: "فاء السببية"، أي: "الفاء" التي معناها الدلالة على أن ما بعدها مسبب عما قبلها، ولا بد -هنا- أن يليها مضارع منصوب. كما نلحظ شيئا آخر؛ هو: دلالتها على "الجواب"1. والمراد من دلالتها على الجواب: أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان ما قبلها مشتملا على استفهام: كالمثال الرابع، أم غير مشتمل عليه، كبقية الأمثلة. ولهذا توصف بأنها: "الجوابية"1 أي: التي تدل على أن ما بعدها

_ 1 و1 سبق الإيضاح الوافي لمعنى: "الجواب"، وتحديد الغرض منه عند الكلام على "إذن" الناصبة، ص308؛ فأمر الجواب هنا وهناك واحد. أما المعنى والعمل فمختلفان من نواح متعددة. ويزيد النحاة هنا: أن "فاء السببية" لا بد أن يسقبها نفي محض أو طلب "أو ملحق بهما، كما هو مبين في عملها في الصفحة التالية" وكلاهما يشبه الشرط في أن مضمونه غير محقق الوقوع ولا مقطوع بحصوله، وما بعد الفاء مسبب عما قبلها؛ كتسبب جواب الشرط على فعل الشرط. هذا، والعدول عن العطف المحض بالفاء إلى العطف بها أيضا ولكن مع نصب المضارع بأن المضمرة وجوبا، هو الرمز القاطع الذي يدل على التسبب. "انظر رقم 1 من الهامش الآتي".

بمنزلة الجواب لما قبلها؛ فمعناها هو: "الدلالة على السببية والجوابية" معا. ولما كان معناها الدلالة على "السببية والجوابية" معا سميت: "فاء السببية الجوابية". لكن شاع الاكتفاء بتسميتها: "فاء السببية"؛ اختصارا، مع إرادة أنها تدل على: "الجواب" أيضا، فهي عند الاختصار اللفظي أو عدمه يراد منها الدلالة على الأمرين مجتمعين. وبهذا جرى العرف بين النحاة وغيرهم فإذا ذكرت "فاء السببية" مطلقة من التقييد كان المراد منها: "فاء السببية الجوابية" التي ينصب بعدها المضارع "بأن" مضمرة وجوبا بالشرط الذي سنعرفه ... وقد صار هذا الاسم المختصر خاصا بها مقصورا عليها1 ... ومع دلالتها على "السببية الجوابية" تدل معهما كذلك على "الترتيب والتعقيب"؛ لأنها "فاء عطف" أيضا؛ فالترتيب يوجب أن يتأخر ما بعدها عما قبلها في زمن تحققه؛ إذ المسبب متأخر في الوجود عن السبب حتما. والتعقيب يوجب أن يكون زمن التأخر قصيرا، لا مهلة فيه؛ كما هو الشأن في الفاء العاطفة. من كل ما تقدم يتبين أنها تفيد "السببية الجوابية"، مع الدلالة على "الترتيب والتعقيب". عملها: فاء السببية حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب، مع دلالته على "السببية. الجوابية" -طبقا لما شرحنا- ويختص بالدخول على المضارع المنصوب "بأن" المضمرة وجوبا. وهو يعطف المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه من الجملة المضارعية، على مصدر قبله2، وعملها مقصور على هذا العطف. ولا يجوز

_ 1 قد تدل الفاء التي للعطف المحض "وهي: التي لا ينصب بعدها المضارع "بأن" المضمرة وجوبا" على السببية، وتفيد ترتب أمر على أمر، ولكنها -بالرغم من هذا- لا تسمى اصطلاحا "فاء السببية"؛ نحو: يتغذى النبات فينمو - يشرب المريض الدواء فيبرؤ - عطش الزرع فجف - اشتدت للريح فأسقطت الثمار الناضجة ... وعلى هذا، كل "فاء" ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا لا بد أن تكون "للسببية" ولا عكس -وقد أشرنا لما تقدم في "باب العطف" عند الكلام على فائه، ج3 م118 ص464. 2 فالعطف بها عطف مفرد على مفرد. والبيان في ص378 وما بعدها.

الفصل بين فاء السببية والمضارع بغير "لا" النافية، إن اقتضى المعنى وجودها. ولا تكون هذه "الفاء" للسببية الجوابية إلا بشرط أن يسبقها -في الأغلب-1 أحد شيئين؛ "إما النفي المحض، أو ما ألحق به"، "وإما الطلب المحض، أو ما ألحق به"1. فإن لم يسبقها شيء مما تقدم لم يصح -في الأغلب-2 اعتبارها سببية جوابية. وفيما يلي التفصيل الخاص بهذا الشرط: النفي المحض، وما ألحق به: أ- المراد من النفي: سلب الحكم عن شيء بأداة معينة3. وهذه الأداة النافية قد تكون حرفا؛ "مثل: لا، ما، لم، لن ... " وقد تكون فعلا، "مثل: ليس، زال" ... وقد تكون اسما؛ "مثل: غير ... " نحو: لا يهمل الصانع فيقبل على صناعته الناس - ليس الأحمق مأمونا فتصاحبه - الأديب الظريف غير حاضر فيؤنسنا. ويلحق بالنفي: التشبيه المراد به النفي بقرينة دالة عليه، كقول الجندي لزميله المتكبر: "كأنك القائد فنطيعك" ... وكذا التقليل المراد به النفي -أحيانا- بقرينة؛ ومن ألفاظه: "قلما" و"قد"؛ نحو: "قلما يشبع الظلم والخلاف في أمه فتنهض. بهذا خبرنا التاريخ، وقطع به" - "أيها المتحدث

_ 1 و1 قد يلحق به "تقديرا" بعض صور أخرى يجيء الكلام عنها في ص372. 2 هذا الشرط واجب في أغلب الحالات؛ لأن هناك ست حالات أخرى يجوز في كل منها اعتبار الفاء سببية مع فقد الشرط. وستجيء في ص372. ولا بد -مع تحقق هذا الشرط- من تحقق الأحكام العامة أيضا؛ وهي التي سبقت في رقم 2 من هامش ص317. 3 المراد من النفي معروف شائع. ولكن الشراح -كعادتهم- يتناولونه بالتعريف والتحديد: فيقولون عنه: إنه سلب الحكم عن الشيء، أو: رفع النسبة الثابتة بين شيئين، أو إزالة الإسناد الموجب بينهما ... أو.. وكل هذه التعريفات -وغيرها- يرمي إلى غرض واحد؛ هو سلب الحكم الموجب ويوضحونها بما يأتي: من قال: "محمود عادل" فقد أثبت له العدل، أو: نسب له العدل، أو أسند إليه العدل، أو حكم عليه بالعدل ... وكلها عبارات متحدة المدلول. فإذا قال: ما محمود عادلا. فقد سلب عنه ما ثبت له، أو أزال ما نسب إليه، أي: أزال النسبة السابقة، أو ما أسند إليه، أو رفع الحكم السابق ... هذا، وفي الأمثلة التالية توضيح ما سبقت الإشارة الهامة إليه؛ "في. "د" من هامش ص352" وهو أن النفي قد يكون منصبا على ما قبل الفاء وما بعدها معا، وقد يكون منصبا على أحدهما فقط.

عن الشجاعة في الحروب، وما حملت سيفا، ولا اقتحمت معركة؛ قد كنت في معركة فتصفها" ... فالمعنى في الأمثلة السالفة منفي؛ أي: ما أنت بالقائد فنطيعك -لا يشيع الظلم والخلاف في أمة فتنهض- ما كنت في معركة فتصفها1.. ب- والمراد بالمحض؛ الخالص من معنى الإثبات؛ فلا يوجد في الكلام ما ينقض معناه، مثل: "إلا الاستثنائية" التي تنقض النفي1، ومثل نفي آخر بعده يزيل أثره، ويجعل الكلام مثبتا؛ لأن نفي النفي إثبات، كما هو معروف. ومن أمثلة النفي المحض: لا يسقط المطر في الصحراء فينبت الكلأ ... ، وكذا الأمثلة التي تقدمت في أول البحث. فإن نقض النفي بإلا الاستثنائية، وكانت قبل فاء السببية، لم يصح نصب المضارع ووجب رفعه، على اعتبار هذه الفاء للاستئناف، أو للعطف المجرد2، وليست للسببية؛ نحو: لا يشاهد الخبير أعمالا إلا المشروعات العظيمة؛ فيعلن رأيه فيها -لم أشتر مطبوعات إلا الكتب النافعة؛ فأستوعبها- ما اكتسبت مالا إلا المال الحلال فأنفقه. أما إن نقض النفي "بإلا" الاستثنائية، وكانت بعد الفاء والمضارع ... فيجوز في المضارع الرفع والنصب3؛ نحو: لا يشاهد الخبير أعمالا فيعلن رأيه فيها إلا المشروعات العظيمة -لم أشتر مطبوعات فأستوعبها إلا الكتب النافعة- ما اكتسبت مالا فأنفقه إلا المال الحلال. وقول الشاعر: وما قام منا قائم في ندينا ... فينطق إلا بالتي هي أعرف4 فيجوز في كل هذه الأفعال المضارعة -ونظائرها- الرفع والنصب5 ...

_ 1 و1 وهي تنقض النهي أيضا -كما سيجيء عند الكلام عليه في ص367. 2 وكلاهما يعينه المقام، وما يقتضيه المعنى. 3 هذا عند سيبويه ومن وافقه. أما ابن مالك وموافقوه، فيوجبون الرفع. وفي رأي سيبويه تيسير يدعو لتفضيله. 4 أحسن وأفضل. 5 وينبني على نقض النفي "بإلا" قبل "الفاء"، أو بعدها ما يأتي: إذا قلت: ما زارني أحد إلا الوالد فأكرمه ... فإن كان الضمير "الهاء" عائدا على: "أحد" جاز رفع المضارع أو نصبه؛ لوقوع النقض بعد "الفاء" وما دخلت عليه، والأصل: ما زارني أحد فأكرمه إلا الوالد. وإن كان الضمير عائدا على "الوالد" وجب الرفع: لوقوع النقض قبل "الفاء" وما دخلت عليه.

مثال نقض النفي بنفي آخر يتلوه فيزيل أثره: ما تزال تحسن المعاملة فتكتسب حب الناس؛ فقد وقع بعد "ما" النافية نفي آخر هو "تزال" فانقلب المعنى مثبتا بسببه، وفي هذه الصورة يجب رفع المضارع، ولا يصح نصبه. وهل من النفي المحض النفي الواقع بعد: "الاستفهام التقريري"1؛ كقول الوالد يعاتب ابنه العاق: ألم أتعهد شؤونك صغيرا؛ فتتذكر فضلى؟ ألم أجاهد في سبيل إسعادك فتحمد جهادي؟ الصحيح جواز الأمرين، النصب على اعتبار النفي محضا، والرفع على اعتباره منقوضا وغير قائم؛ بسبب همزة التقرير، وبهما جاء القرآن. قال تعالى عن الكافرين: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ ... بِهَا} بنصب المضارع: "تكون". وقال في آية أخرى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، برفع المضارع: "تصبح"2.. وإذا كانت فاء السببية حرف عطف دائما، -كما تقدم-3 والمعطوف بها هو المصدر المؤول بعدها -فأين المعطوف عليه؟ يقول النحاة: لا بد أن يكون المعطوف عليه مصدرا أيضا، ليتشابه المعطوف

_ 1 الاستفهام الحقيقي هو: طلب معرفة شيء مجهول -حقا- للمتكلم. فهو يريد أن يعرفه. أما الاستفهام التقريري فيراد به -غالبا- ثبوت مدلول الشيء المسئول عنه، المعلوم للمتكلم؛ وتقريره في نفس المخاطب، والسامع، أي: طلب الاعتراف بوقوعه والموافقة على حصول مدلوله. فإن كان الاستفهام عن شيء منفي صار المعنى -غالبا- مثبتا بسبب الاستفهام المراد منه التقرير؛ نحو: ألم تحضر فأحسن إليك. فالمعنى: أنك حضرت فعلا، فأحسنت إليك. ومنه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} -انظر ما يتصل بهذا في رقم 3 من هامش ص413- وبسبب أنه يتضمن ثبوت المعنى، غالبا، وتقرير حصوله بغير نفي، قال بعض النحاة: إن المضارع لا ينصب معه بعد الفاء، وأن ما ورد منه منصوبا، كالآية الأولى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ} فلمراعاة صورة النفي، ومظهره اللفظي، لا معناه، أو لمراعاة الاستفهام في الكلام، فما بعد الفاء -في هذه الصورة التي يراعى فيها الاستفهام- يكون جوابا للاستفهام؛ لا للنفي. ولا يعنينا هذا الخلاف وما تفرع عنه من فروع كثيرة. إنما الذي يعنينا هو جواز الرفع والنصب مع ملاحظة أن المعنى على أحدهما يخالف المعنى على الآخر حتما. ولهذا تكملة هامة في رقم 3 من هامش ص362 "وتجيء إشارة موجزة -في رقم 1 من ص372- لبعض ما سبق". 2 انظر رقم 1 من ص372 وقيل: إن كان ما بعد الفاء مسببا عما قبلها نصب المضارع؛ كالآية الأولى. وإلا رفع كالثانية؛ لأن رؤية نزول المال ليست سبب الخضرة. 3 في ص354 و357.

والمعطوف عليه في المعنى المجرد1. وفي هذه الحالة يتحتم أن يكون العطف عطف مفردات لا عطف جمل. فإن وجد مصدر في الكلام قبلها فهو المعطوف عليه، وإن لم يوجد وجب تصيده من ذلك الكلام السابق، وليس لهذا التصيد ضابط أو قاعدة، وإنما المراد الوصول بطريقة -أي طريقة- إلى مصدر لا يفسد به المعنى مع العطف. فمثال المصدر الصريح المذكور قبل الفاء، الصالح لأن يكون معطوفا عليه: "ما هذا إسرافا؛ فتخاف الفقر" - "ما الشجاعة تهورا فتهمل الحذر". والتقدير: ما هذا إسرافا فخوفك الفقر، وما الشجاعة تهورا فإهمالك الحذر، أي: ما هذا إسرافا يترتب عليه خوفك الفقر. وما هذه شجاعة يترتب عليها إهمالك الحذر ... ومثال المصدر المتصيد: لا يتواني المجد فتفوته الفرصة، لا تزهد في المعروف فتخسر أنفس الذخائر ... ، التقدير: لا يكون من المجد توان ففوات الفرصة إياه، لا يكن منك زهد في المعروف فخسارتك أنفس الذخائر. أي: لا يكون من المجد توان يترتب عليه فوات الفرصة إياه، لا يكن منك زهد في المعروف يترتب عليه خسارتك أنفس الذخائر. فإن لم يوجد قبلها مصدر صريح، ولا ما يصلح أن يتصيد منه المصدر، كالجملة الاسمية التي يكون فيها الخبر جامدا، نحو: ما أنت عمر فنهابك، فنصب المضارع ممنوع عند بعض النحاة؛ لفقد المعطوف عليه. وتكون الفاء للاستئناف، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عما قبلها، أو الفاء المجرد العطف الخالي من "السببية" والجملة بعدها معطوفة على الجملة قبلها، ويكون الكلام عطف جملة على جملة، ويجيز آخرون في تلك الجملة وأشباهها تصيد مصدر من مضمون الجملة الجامدة، ومن لازم معناها، كأن يقال في المثال السالف: ما يثبت كونك عمر هيبتنا إياك ... أي: ما يثبت كونك عمر ثبوتا يترتب عليه أن نهابك ... والأخذ بهذا الرأي أنسب، لتكون القاعدة مطردة. والنحاة يسمون العطف على المصدر المتصيد: العطف على المعنى والتوهم2.

_ 1 مما يوضح هذا ما سبق في ص328 و329. 2 سبق الكلام على عطف: "التوهم" لمناسبة أخرى في ج1 م49 عند الكلام على زيادة بـ"باء الجر". ص552 وكذلك في ج3 م122 ص484 باب "العطف" وأوضحنا في الموضعين رأينا فيه، وحكمنا عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يعرض النحاة هنا لمسألة هامة دقيقة، ويعطونها من العناية والتوفيه ما يناسبها؛ وهي مسألة النفي1 الذي قبل الفاء المسبوقة بجملة؛ أينصب على ما قبل الفاء وما بعدها معا، أم ينصب على أحدهما فقط؛ وما نوع الفاء وضبط المضارع في الصور المختلفة؟ ويجيبون: إن الأمر يتوقف على المعنى، وما يقتضيه السياق؛ فقد يستدعيان تسليط النفي على ما قبلها وما بعدها معا، وقد يستدعيان تسلطه على أحدهما دون الآخر ... ، ثم هما قد يقتضيان اعتبار الفاء للاستئناف الخالص، أو للعطف المحض وحده. أو للعطف مع إفادة "السببية الجوابية"2 ... والقرينة وحدها هي التي توجه إلى المراد؛ فلا بد منها، وإلا وجب العدول عن هذا الأسلوب إلى غيره مما لا يثير مشكلات في الضبط أو المعنى. وفيما يلي البيان: .... إذا قلت: "ما تحضر فتحدثنا" ... جاز رفع الفعل: "تحدث" على أحد اعتبارات ثلاثة؛ وجاز نصبه على أحد اعتبارين. ولكل واحد من الخمسة أثره الإعرابي والمعنوي الذي يخالف الآخر، واختيار واحد منها دون غيره متوقف على مناسبته المعنى والسياق، ولا يصح اختيار واحد ون التقيد بهذه المناسبة، وإلا كانت اللغة عبثا وفوضى. فأوجه الرفع الثلاثة هي: 1- الرفع؛ على اعتبار الجملة الأولى منفية المعنى، و"الفاء" للاستئناف الخالص، فما بعدها جملة مستقلة في إعرابها عن الأولى، فلا تتأثر بنفي الأولى. فكأنك تقول: أنت ما تحضر في المستقبل، ولهذا أنت تحدثنا الآن. إنما قلنا في "المستقبل" مع أن المضارع يصلح للحال والاستقبال إن لم يوجد مانع لوجود ما يمنع الاستقبال هنا؛ وهو التخاطب مع شخص معين؛ فلا يصح أن تنفي عنه الحضور في الزمن الحالي مع أنك تخاطبه فيه خلال حضوره. وقلنا: "الآن"؛ لأن الزيادة في المستقبل منفية؛ فلا يقع في المستقبل حديث؛ إذ هو منفي تبعا لها؛ فلم يبق إلا أن يكون وقت الحديث هو الآن، أي: وقت الكلام. ومثله قولك للمسافر: لن أراك عدة أشهر؛ فأودعك داعيا لك، حزينا

_ 1 ومثله النهي -وسيجئ أيضا. 2 انظر "ج" من ص363.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغيابك. تريد: لن أراك في المستقبل1 ... فأنا أودعك الآن. فالنفي في المثالين السالفين مقصور على الجملة الأولى وحدها، والفاء فيهما للاستئناف المجرد. 2- الرفع على اعتبار "الفاء" متجردة للعطف المحض، تعطف المضارع بعدها على المضارع المنفي قبلها، وفي هذه الصورة يتحتم أن يكون المعطوف كالمعطوف عليه في الإعراب "رفعا، ونصبا، وجزما" وأن يكون مثله في النفي الذي يقع عليه، ففي المثال السابق يكون التقدير: ما تحضر فما تحدثنا، أي: ما يحصل منك حضور في المستقبل، فما يحصل منك تحديث فيه، فالفعلان مرفوعان، ومنفيان، وزمنهما مستقبل محض؛ للسبب الذي في الوجه السالف. ولو قلنا: لن تحضر فتحدثنا ... لكان المضارعان منصوبين ومنفيين، ومستقبلين كذلك1. ولو قلنا: ألم تحضر فتحدثنا ... لكانا مجزومين ومنفيين أيضا2؛ فالثاني تابع للأول في إعرابه، وفي نفيه؛ كما نرى3. والعطف هنا عطف الفعل مضارع وحده -دون فاعله- فالعطف عطف مفردات. لا عطف جمل4 ... 3- الرفع على اعتبار الجملة الأولى كلها منفية و "الفاء" متجردة للعطف المحض -كما سبق- ولكنها تعطف الجملة المضارعية كلها على الجملة المضارعية السابقة -ولا تعطف المضارع وحده على نظيره السابق- وفي هذه الصورة يستقل المضارع بعد الفاء بإعرابه وضبطه، ولا يتبع فيه الأول، وتكون الجملة الثانية معطوفة على الأولى، منفية مثلها أو غير منفية على حسب ما يقتضيه المعنى، وتدل عليه القرائن فيصح أن يكون المعنى في المثال السالف: ما تحضر في المستقبل فما تحدثنا في المستقبل؛ لأن الحضور لن يحصل. فلن يحصل الحديث. ويصح أن يكون المراد: ما تحضر في المستقبل؛ فأنت تحدثنا الآن؛ ليكون تحديثك الحالي تعويضا عن فقده في المستقبل. وفي هذه الصورة يتمحض العطف للربط المجرد بين الجملتين حتما. ولكنه لا يقتضي تسرب النفي من الأولى إلى الثانية اقتضاء واجبا، فقد يتسرب منها إلى الثانية، أو لا يتسرب، على حسب القرائن.

_ 1 و1 لأن الحرف "لن" ينفي معنى المضارع في المستقبل 2 كما سيجيء في "ج" و"د" من ص363. 3 سبق "في ج3 ص474 م121" الكلام على عطف الفعل على الفعل، وعطف الجملة على الجملة، والفرق بينهما، وآثار كل. 4 انظر ما يتصل بهذا في "ج" من ص363.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الوجهان الخاصان بالنصب فهما: 1- النصب على اعتبار "الفاء" سببية جوابية؛ فالمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا، وما بعدها مسبب عما قبلها وجواب للنفي -كما شرحناه1 آنفا- وهي في الوقت نفسه عاطفة؛ فالمصدر المؤول بعدها منفي؛ لأنه معطوف على مصدر قبلها منفي أيضا فالعطف عطف مفردات. والنفي مسلط على ما قبلها وما بعدها، فمعنى المثال السابق لا يكون منك حضور في المستقبل؛ فلا يكون منك تحديث2 فيه؛ أي: لا يكون منكم في المستقبل حضور يترتب عليه ويقع فيه تحديث ... فالثاني منفي بنفي الأول؛ لأن زوال السبب مؤذن بزوال المسبب أي: أن المعنيين منفيان. وقد يخطر بالبال السؤال التالي: أليس المعنى في هذه الصورة كالمعنى في الصورتين الثانية والثالثة من المضارع المرفوع: حين يعطف وحده على الفعل السابق، أو تعطف جملته على الجملة السابقة؟ الجواب: لا: فإن المضارع حين يكون منصوبا بأن المضمرة وجوبا بعد الفاء، تكون هذه الفاء "للسببية الجوابية" فتدل -حتما- على أن المعنى بعدها مسبب عما قبلها، وجواب للنفي، مع دلالتها فوق ذلك -على العطف وإفادتها الترتيب والتعقيب. أما في جملة عطف الفعل المضارع على المضارع أو عطف جملته على الجملة التي قبل الفاء- فإن الفاء تكون للعطف المجرد الذي تدل معه على مجرد الترتيب والتعقيب، فلا سببية، ولا جوابية، هذا إلى أن عطف الجملة الفعلية بالفاء التي للعطف المجرد على جملة أخرى منفية لا يوجب أن تكون المعطوفة منفية كالمعطوف عليها، فقد تتبعها في النفي أو لا تتبعها على حسب القرائن -كما أسلفنا. 2- النصب على اعتبار أن ما بعد الفاء "قيد" فيما قبلها، وأن النفي منصب على "القيد" حتما، أما "المقيد" وحده مجردا -أي: بغير نظر إلى قيده- ففي الرأي الراجح قد يقع عليه النفي أو لا يقع؛ تبعا للسياق والقرينة، فليس من

_ 1 في ص352 و353. 2 لا يصح أن يكون المضارع للحال هنا، لما تقدم أن النواصب كلها تخلص المضارع المستقبل المحض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللازم أن يشمله النفي الذي يقع على "القيد" لا محالة1، فإذا قلت: ما جاء محمد راكبا. "فالركوب" "قيد" في المجيء. وهذا القيد "الركوب" منفي قطعا. أما حكم المقيد وحده2، وهو "المجيء" المطلق فقد يكون منفيا "أي: لم يقع"، وقد يكون غير منفي. فعدم الركوب مقطوع به؛ سواء أوقع المجيء أم لم يقع. والحكم بوقوع المجيء أو عدم وقوعه محتاج إلى قرينة أخرى تعينه ... وعلى هذا الأساس يصح أن يتجه الفهم في المثال الأسبق، "وهو: ما تحضر فتحدثنا". إلى أن التحديث "قيد" للحضور. والقيد منفي -لا محالة- في حالتي الحضور وعدمه3. أما الحضور نفسه بغير تحديث فقد يكون منفيا أو غير منفي. فهو مسكوت عنه، يحتاج إلى ما يعين أحد الأمرين؛ شأنه شأن التقييد بالحال؛ فكأنك تقول: ما تحضر متحدثا. فالتحديث هو القيد المنفي دائما. والحضور هو المقيد المسكوت عنه، إذا نظرنا إليه وحده بغير قيده، أو: كأنك تقول: ما يكون منك حضور يعقبه ويترتب عليه تحديث. فالتحديث هو المقطوع بنفيه. أما الحضور المطلق وعدمه فأمرهما للقرينة؛ تعين أحدهما دون الآخر. وعلى هذا فالفاء للسببية والمصدر المؤول بعدها معطوف على مصدر قبلها والنفي منصب على القيد وحده، كما شرحنا. ومن هذا قول الشاعر: ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فكأنه قال: من لا يقدم رجله مثبتا يزلق. ب- ويقول النحاة: إن المعنى قبل "فاء السببية" قد يكون مثبتا؛ بأن يتخطاه النفي إلى أن بعدها. بالرغم من وجود النفي قبلها -كما يفهم من بعض الحالات السابقة-4 فإن تسلط النفي على ما قبلها فالفاء تفيد معنى التسبب الذي

_ 1 قد يعبرون عما سبق بقول أدق؛ هو: أن المقيد لا ينصب عليه النفي إلا في حالة واحدة هي التي يتقيد فيها، ويتحقق فيها وجود القيد دون غيرها من بقية الحالات التي لا تدخل في دائرة القيد؛ فقد يشملها النفي أو لا يشملها؛ على حسب القرائن. ويزيد الأمر وضوحا إذا رجعنا إلى "ب" ص321. 2 وهو غير المقيد بالركوب. 3 وهو في حالة العدم أحق وأولى؛ إذ لا يمكن أن يحدثنا مع عدم مجيئه، وانتفاء حضوره. 4 الحالة الثانية من حالات النصب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصب بعده المضارع بأن مضمرة وجوبا. وإن لم يتسلط على ما قبلهان وبقي معناه مثبتا، ومدلوله حاصلا موجبا، فالفاء لا تفيد التسبب1 وإنما ينصب المضارع بعدها تشبيها لها بفاء السببية. ح- عرفنا أن الرفع جائز في ثلاث حالات، وأن النصب جائز في حالتين، وهذا الجواز في الحالات الخمس مشروط بألا يكون المضارع قبل فاء السببية مجزوما؛ مثل: ألم تحضر فأكرمك؟ فإن وجد جازم واقتضى المعنى عطف المضارع الذي بعد الفاء على المضارع الذي قبلها وجب أن يكون المعطوف مجزوما ومنفيا كالمعطوف عليه؛ لأن هذا هو ما يقتضيه عطف المضارع على المضارع عطف مفردات2، ولا يصح إلا الجزم مع نفي المعنى عن المعطوف، ما دام السياق يقتضي هذا العطف الذي يؤدي إلى النفي وإلى الجزم معا3. وربما لا يوجد قبل الفاء فعل، مثل: غير موجود أخوك فأكرمه.. وفي هذه الصورة يمتنع عطف الفعل على الفعل لعدم وجود فعل معطوف عليه ... د- تطبيقا على ما سبق من تسلط النفي على ما قبل الفاء وما بعدها معا؛ أو على أحدهما وحده يتعين تسليطه عليهما معا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} . ولا يصح تسليطه على القيد وحده دون المقيد "وهو الجملة الأولى" لاستحالة أن يقضي الله عليهم بالموت فلا يموتوا؛ فلا بد أن تكون الأولى منفية كذلك، والفاء للسببية. ويصح: "لا يقضى عليهم فيموتون" فتكون الفاء للعطف المجرد، والمضارع بعدها مرفوع "إذ ليست للسببية" فالفعل الثاني معطوف على الأول، تابع له في إعرابه وفي نفيه -كما قدمنا أول البحث- فالتقدير: لا يقضي عليهم؛ فلا يموتون والمعنى في الحالتين واحد. مع ملاحظة ما أشرنا إليه من الفرق بين فاء السببية والفاء المتجردة للعطف المحض. ولا مانع أن يكون العطف في هذا المثال عطف جمل. ومثل الآية قولهم: "ما يليق بالله الظلم فيظلمنا" فيصح اعتبار "الفاء" للسببية

_ 1 سماها بعض النحاة -كالخضري- فاء المعية. 2 طبقا للحكم الخاص بعطف المضارع وحده على نظيره، "وقد سبق في ج3، باب العطف، م121 ص474". 3 كما سبق، في رقم 2 من ص360.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصب النفي علىما قبلها، وما بعدها معا؛ والمضارع منصوب. أو: للعطف الخالص1 بدون سببية؛ فيرفع المضارع، والنفي عام أيضا ينصب على ما قبلها وما بعدها معا. بخلاف نحو: "ما يحكم الله بحكم فيجوز" حيث يتعين أن يكون النفي منصبا على الثاني وحده، باعتباره قيدا للأول، أي: ما يكون منه حكم يترتب عليه جور2. ولا يصح نفي الأول لما يترتب عليه من أن يكون معناه: ما يحكم الله بحكم.. وهذا فاسد؛ لأن الله يحكم في كل وقت ... ومن الأمثلة لنفي الفعلين معا: لا يحب الريفي الأسفار؛ فيشاهد عجائب البلاد الأجنبية، ما ينظم فلان الشعر البليغ، فينتفع به الأديب -لم ينتبه السائق فينجو من الخطر- لا يسرف العربي في الطعام؛ فيشكو البطنة3، ولا يهمله؛ فيشكو المخمصة4. والضابط الذي يدل في الأمثلة السالفة -وأشباهها- على أن النفي منصب على الفعلين معا هو إعادة حرف النفي بعد فاء السببية، وتكراره بينها وبين المضارع فلا يفسد المعنى المراد. ومن الأمثلة لنفي الثاني وحده: "أي: لنفي القيد". ما يسرق اللص فيسلم، لا يطول السهر فيستريح الجسم، لا يسيء التاجر المعاملة فينجح ... هذا لا يهمل التعلم فينتفع، ولا يترك العلماء فيستفيد. والضابط الذي يدل في هذه الأمثلة -وأشباهها- على أن النفي منصب على الثاني وحده "أي: على القيد" هو نقل حرف النفي من مكانه في صدر الجملة الأولى، ووضعه بعد الفاء مباشرة وقبل المضارع الذي يليها، فلا يفسد المعنى الأصلي بهذا الفعل. هـ- يجري مع أداة النهي ما جرى مع أداة النفي ما ناحية عطف الفعل على الفعل، وعطف الجملة على الجملةن وتسلط النهي على ما قبل الفاء وما بعدها معا أو على أحدهما فقط ... و ... مع ملاحظة أن "لا" الناهية تجزم المضارع حتما، أما حروف النفي فلا تجزمه5 ...

_ 1 سواء أكان عطف جملة على جملة، أم عطف فعل على فعل. 2 التقدير: يحكم الله بحكم فما يجوز -كما سيجيء. 3 امتلاء البطن. 4 الجوع. 5 انظر "ب" من ص356 وص367.

ب- الطلب بنوعية؛ المحض وغير المحض1 ... الطلب المقصود هنا ثمانية أنواع؛ لكل منها معناه وحكمه، ويكفي وجود نوع واحد منها قبل "الفاء"؛ فتكون سببية، ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا إن لم يوجد مانع آخر. وهذه الثمانية هي: 1- الأمر. 2- النهي. 3- الدعاء. 4- الاستفهام. 5- العرض. 6- التحضيض. 7- التمني. 8- الترجي.... ولا خلاف في أن السبعة الأولى هي من أنواع الطلب المقصود؛ وإنما الخلاف في الثامن: "الترجي" والصحيح أنه منها. وهذه الأنواع الثمانية قسمان: قسم يدل على الطلب المحض، بأن يدل بلفظه نصا وصراحة على الطلب مباشرة، من غير أن تجيء دلالته على الطلب تابعه لمعنى آخر يتضمنه، ومن غير أن يكون محمولا في أدائه على غيره. وينحصر هذا في الأنواع الثلاثة الأوائل: "الأمر، النهي، الدعاء"2. وقسم يدل على الطلب دلالة غير محضة، بأن يجيء معنى الطلب تابعا لمعنى آخر يتضمنه3. ويدخل في هذا القسم بقية الأنواع الطلبية، فإنها محمولة على الثلاثة المحضة. وفيما يلي معنى كل واحد من الثمانية4، وحكمه:

_ 1 انظر المراد عندهم من الطلب غير المحض، أي: "تقديرا" -في ص372. 2 ومثل هذا يجري على المضارع بعد واو المعية المسبوقة بطلب -كما سيجيء عند الكلام عليها في ص375. 3 كما سيجيء البيان في آخر ص370. 4 عرفنا في ص354 و357 أن فاء "السببية" التي ينصب بعدها المضارع هي في جميع أحوالها للعطف أيضا؛ فتعطف المصدر المؤول بعدها على مصدر قبلها، أي: أنها تعطف مفردا على مفرد، ولا شأن لها بعطف الجمل مطلقا. وعلى هذا لا تعطف جملة خبرية بعدها على جملة طلبية قبلها، ولا غير هذا من عطف الجمل أو سواها مما لا تعطفه.

1- الأمر، ومعناه: طلب فعل شيء. ولا يسمى أمرا إلا إن كان صادرا ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقل منه. فإن كان من أدنى لأعلى سمي: "دعاء". وإن كان من مساو إلى نظيره سمي: "التماسا". وله صيغتان: صيغة فعل الأمر الصريح، وهذه هي الأصيلة، وصيغة: "لام الطلب" الجازمة المختصة بالدخول على المضارع، وهذه ملحقة بتلك، وتسمى: "لام الأمر" إن كان الأمر بها ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى، و"لام الدعاء" إن كان من أدنى لأعلى، و"لام الالتماس" إن كان من مساو لنظيره. فتسميتها "لام الطلب" أدق من تسميتها: "لام الأمر" لأن الطلب -والمقصود به هنا: طلب فعل شيء- يشمل الصور الثلاث. فمثال الأمر الصريح: اغفر هفوة الصديق فيحمدك، وانصحه في السر فيتقبل نصحك، وجامل الناس فيما لا يضر فتستريح، ويدوم لكم ودهم. ومثل: "خذ، وهات" في قول الشاعر: من لي يسوق في الحيا ... ة يقال فيها: خذ وهات فأبيع عمرا في الهمو ... م بساعة في الطيبات ومثال لام الطلب: لتكن طاعة الله أولى الأمور لديك فتسعد، وليكن حرصك على أداء الواجب عقيدة فتنهض وينهض وطنك، ولتبتعد عن مواطن الشبهات فيرتفع قدرك. فإن كان الأمر بصيغة اسم الفعل، فالأحسن التيسير بقبول الرأي الذي يجعل الفاء بعده للسببية؛ نحو: صه فيهدأ النائم، وتراك الشر؛ فتأمن عواقبه، ونزعا إلى ميدان الإصلاح فتحب. "والمعنى: اسكت، واترك، وانزل ... " وكذلك إن كان الأمر بصيغة المصدر الواقع بدلا من التلفظ بفعله؛ نحو: سكوتا فنسمع الخطباء، أو بصيغة الخبر1 ... ولكن الأبلغ والأشهر في الحالتين -عند

_ 1 ومن الجمل الخبرية الدالة على الأمر قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ} بجزم المضارعين "يغفر" و"يدخل" في جواب الجملة الخبرية =

كثرة النحاة- ألا تكون الفاء للسببية. 2- النهي، ومعناه: طلب الكف عن شيء. وأداته واحدة؛ هي: "لا الطلبية" وتسمى: "لا الناهية" إن كان النهي صادرا من أعلى لأدنى؛ فإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية". وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا، التي للالتماس" فتسميتها: "لا الطلبية" أولى؛ لأن طلب الكف بها يشمل حالاتها الثلاث. وإنما ينصب المضارع بعد فاء السببية في جواب النهي بشرط ألا ينتقض النهي بإلا الاستثنائية على الوجه الذي سبق إيضاحه في النفي ونقضه1؛ ومن الأمثلة: لا تقل الخطأ فيشتهر جهلك، ولا تخف العلم فتتهم في مروءتك. ومثل قوله تعالى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} 2 وقولهم: لا تكثر مقاطعة الإخوان فيهون عليهم سخطك. ولا تبالغ في وعد أو وعيد فتعجز، ويستخف الناس بك3 ... فإن كان النهي بصيغة الاسم فالأنسب الأخذ بالرأي الذي يجعل الفاء بعده

_ = المقصود بها الأمر، والتقدير: آمنوا بالله.. وجاهدوا ... يغفر لكم.. وليس الجزم راجعا لوقوعهما جوابا للاستفهام: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} ... لفساد المعنى على هذا؛ لأن السؤال عن مجرد الدلالة والإرشاد بدون عمل آخر لمن اتجه إليهم السؤال، لا يؤدي إلى أن يغفر الله ذنوبهم، وأن يدخلهم الجنة، فغفران ذنوب الناس لا يكون مسببا عن مجرد دلالتهم إلى ما ينجيهم وتوجيه الإرشاد إليهم. وإنما يتسبب عن الإيمان نفسه، وعن الجهاد. وكثير من الأساليب الناصعة يجري على نسق الآية -وسيعاد ذكرها لمناسبة أخرى في ص396- ولا يزال الناس يقول أحدهم للآخر: تهتم بعملك وتجيده، وتحرص عليه، تفلح، ويكثر رزقك. وينصح الوالد ابنه الطالب فيقول: تذاكر وتلتفت إلى دروسك تنجح. التقدير: اهتم بعملك وأجده. واحرص عليه، تفلح، ذاكر والتفت تنجح ... ، وهكذا يجزم المضارع في جواب الفاء فالأيسر اعتبارها للسببية ونصب المضارع بعدها، وإن كان الأبلغ والأكثر رفعه، وعدم اعتبارها للسببية -كما قلنا- انظر الصفحة الآتية: 1 سبقت الإشارة -في رقم 1 من هامش ص356 وفي "هـ" من ص364- إلى أن النهي يجري عليه ما يجري على النفي عند نقضه "بإلا". وعلى هذا إن كان نقض النهي قبل الفاء فلا ينصب المضارع بعدها. أما إن كان النقض بعدها فالرفع والنصب جائزان. 2 فيستأصلكم ويبيدكم. 3 ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَلا تَرْكَنوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} .

للسببية؛ نحو سيرًا لا قعودا فتكسل، وعملا لا بطالة، فتفقد رزقك. 3- الدعاء. ومعناه: طلب فعل شيء، أو الكف عنه، بشرط أن يكون في الحالتين من أدنى لأعلى. وإلا فهو أمر أو نهي إن كان من أعلى لأدنى، والتماس إن كان بين متساويين -كما سبق. وصيغته: فعل الأمر الأصيل المراد منه الدعاء، وكذا المضارع المسبوق بلام الطلب "لام الأمر"، أو بلا الطلبية "الناهية" مع إرادة الدعاء بهما ... ومن الأمثلة قول الشاعر: رب، وفقني فلا أعدل عن ... سنن الساعين في خير سنن وقول الآخر: فيا رب عجل ما أؤمل منهمو ... فيدفأ مقرور1 ويشبع مرمل2 ومثل: رب: لتكن طاعتي لك على قدر فضلك؛ فأفوز فوزا عظيما، ولتكن أعمالي مقصورة على ما يرضيك، فأنال أسمى الغايات، ولا تتركني لنفسي فأضل ضلالا عظيما ... فإن كان الدعاء بصيغة أخرى لم ينصب المضارع -إلا في الراي الذي قصد به التيسير؛ كصيغة الاسم في قولهم: سقيا لك فتسلم، ورعيا لمن معك فتتجنبهم المخاوف ... وكصيغة الخبر المراد منه الدعاء3؛ نحو: يرزقني الله الغني فأنفق المال في سبل الخير. وبعض الكوفيين يجيز النصب في هذا الصور. ورأيه مقبول، وفيه التوسعة التي أشرنا إليها، وإن كان الأبلغ متابعة الأكثر. 4- الاستفهام "سواء أكان حقيقيا؛ وهو طلب معرفة شيء مجهول حلقا للمتكلم، أم إنكاريا، أم توبيخيا"4 ويشترط هنا ألا يكون عن معنى قد

_ 1 من أصابه البرد الشديد. 2 شديد الفقر. 3 وقد يكون مرادا منه غير الدعاء كالآية التي في هامش ص366. 4 سبق إيضاح الاستفهام الإنكاري والتوبيخي "في ج2 ص235 م81". هذا، وشرط عدم المضي يتمسك به أكثر النحاة، ولا يتمسك به آخرون. وسجيء البيان في "ب" من الزيادة والتفصيل "ص374" ومن التيسير المقبول عدم التمسك به. ويتمسك الأولون أيضا بشرط آخر هو: ألا يكون استفهام بجملة اسمية فيها الخبر جامد. وقد سبق أنه لا داعي للتمسك به -في ص358. أما بيان الاستفهام الحقيقي والتقريري ففي رقم 1 من هامش ص357.

وقع قبل الكلام. ومن أمثلته قوله -تعالى بلسان أصحاب النار: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} ، وقول الشاعر: هل تعرفون لباناتي؟ فأرجو أن ... تُقضى، فيرتد بعض الروح للجسد 5- العرض1؛ وهو الطلب برفق ولين. ويظهران -غالبا- في صوت المتكلم، وفي اختيار كلماته رقيقة دالة على الرفق. ومن أدواته: "ألا"؛ كقول الشاعر: يابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك؛ فما راء كمن سمعا ومن أدواته -أحيانا- "لو"2؛ نحو: لو أوفق للكمال المستطاع فأبلغ غاية المنى ... 6- التخضيض، وهو الطلب بشدة وعنف. ويظهران -غالبا- في صوت المتكلم، وفي اختيار كلماته جزلة قوية. ومن أدواته: "هلا"؛ نحو. هلا حطمت قيود الاستبداد فتعز، وهلا قوضت حصون الاستعباد فتسود. ومن أدواته أيضا: "لولا"؛ نحو: لولا تدفع الظلم فيخاف الظالم ... وقول الشاعر: لولا تعوجين يا سلمى على دنف ... فتخمدي نار وجد كاد يفنيه3 ومن أدواته -أحيانا- "لو"2؛ نحو: لو تحترم القانون فتأمن العقوبة. 7- التمني، وهو الرغبة في تحقق أمر محبوب؛ سواء أكان تحققه ممكنا،

_ 1 سيجيء تفصيل الكلام على "العرض والتحضيض" في باب: "لولا ولوما ... " ص512، وما بعدها. 2 و2 لهذا النوع إشارة في ص512. 3 ومن الأمثلة -وستجيء في رقم 3 من هامش ص514- أيضا قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: لولا تؤخرني: أما المضارع: "أصدق" فمنصوب بأن مضمرة وجوبا بعد "فاء السببية" وأما المضارع: "أكن" فمجزوم على اعتبار عدم وجود "فاء السببية" وأنه مجزوم في جواب الطلب، وأن الكلام يتضمن شرطا مقدرا؛ أي: إن تؤخرني أكن.. -وسيجئ الكلام على سقوط الفاء في ص387.

أم غير ممكن. ولا يصح أن يكون في أمر محتوم الوقوع1. وأشهر أدواته: "ليت" وهي الأصل؛ كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} . ونحو: يا ليت من يمنع المعروف يحرم المعروف، فيذوق مرارة الحرمان. وقول الشاعر: يا ليت أم خليد واعدت فوفت ... ودام لي ولها عمر فنصطحبا ومن أدواته -أحيانا- "لو" كقراءة من قرأ قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بنصب المضارع2 ... وكذا "ألا"3 نحو: ألا صديق مخلصا فينصحنا. 8- الترجي، وهو: انتظار حصول شيء مرغوب فيه، ميسور التحقق، ولا يكون إلا في الأمر الممكن، ومثله التوقع4. والكوفيون هم الذي يعتبرون الفاء بعده للسببية، والشواهد -ومنها القرآن- تؤيدهم5. نحو: لعلك تحسن اختيار الكلام، فتفوز بإعجاب السامعين، ولعل إعجابهم يبرأ من التزيد والتحيف؛ فتدرك مبلغ توفيقك، وحقيقة أمرك ... تلك هي أنواع الطلب بنوعيه؛ المحض وغير المحض. وقد عرفنا6 أن المحض منها ثلاثة، وأنها سميت محضة لدلالة صيغتها اللفظية -نصا وأصالة- على الطلب الصريح مباشرة؛ لا عن طريق تبعي أو ضمني، غير مباشر: كدلالة التمني

_ 1 فلا يصح أن يقال: ليت غدا يجيء ... وقد سبق الكلام على التمني -في رقم 6 ص503. 2 سيجيء بيان خاص بالأداة: "لو" التي تفيد التمني -في رقم 6 ص503. 3 سبق الكلام على "ألا" المفيدة للتمني وإعرابها وحاجتها أو عدم حاجتها للخبر في ج1 ص540 م58. 4 سبق الكلام على الترجي والتوقع والإشفاق، ومعنى كل، في الجزء الأول ص473 م51. 5 ومنها قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} بنصب "تنفع" ومنه قوله تعالى: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} بنصب: "أطلع" ولا داعي للتأول في الآيتين -وأشباههما- بقصد إبعاد الفاء عن السببية. 6 في ص365.

على الطلب، فإن الطلب معه يجيء من طريق تبعي؛ أي: من طريق غير مباشر، إذ يلزم من تمنى الشيء طلب مجيئه ... ، وكذلك العرض والحض وغيرهما من بقية أنواع غير المحض؛ فإنها تدل على الطلب من ذلك الطريق الضمني، غير المباشر، بخلاف الثلاثة المحضة: "الأمر، والنهي، والدعاء" فإنها صيغها صريحة فيه؛ كما أسلفنا1 ... "ملاحظة": إذا لم توجد "فاء السببية" قبل المضارع الذي يستحق النصب بها، إما لأنها لم توجد أصلا، وإما لسقوها وزوالها بعد وجودها ... ، فإن حكم هذا المضارع يتغير؛ فيجزم على حسب البيان الخاص الذي سيجيء كاملا في بحث مستقل2.

_ 1 وفي الكلام على "فاء السببية" يكتفي ابن مالك ببيت واحد هو: وبعد "فا" جواب نفي أو طلب ... محضين "أن" وسترها حتم نصب وتقدير البيت: و"أن"، نصب بعد "فا" جواب نفي أو طلب محضين. وسترها حتم. "ويلاحظ أنه -كعادته- استعمل "أن" بمعنى "الحرف" أولا، ثم عاد فاستعملها بمعنى الكلمة، وأعاد الضمير عليها في الأولى مذكرا، وفي الثانية مؤنثا. والأمران صحيحان -انظر آخر هامش ص289 ورقم 1 من هامش ص281. والمعنى: "أن" مستترة "حتما بعد فاء السببية التي في صدر كلام يقع جوابا لنفي محض، أو طلب محض. وفي هذا الكلام نقص واضح؛ إذ لم يتعرض لأنواع النفي، وأحكامها، وشبه النفي. واقتصر في الطلب على المحض من غير تفصيل ولا إبانة، ثم عرض أبياتا تتعلق بحرف آخر غير فاء السببية؛ هو: "واو المعية" ثم رجع للكلام على فاء السببية بعد الرجاء فقال البيت السابع عشر: والفعل بعد "الفاء" في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب-17 يريد: أن المضارع بعد فاء السببية الواقعة في جواب الرجاء ينصب بأن مضمرة وجوبا؛ كنصب المضارع بها إذا كان منتسبا للتمني؛ أي: جوابا للتمني؛ بأن كان بعد الفاء المسبوقة بالتمني، فكما ينصب بعد هذا ينصب بعد ذاك. "وستجيء إشارة لهذا البيت بمناسبة أخرى في هامش ص397". 2 في ص387.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- تقدم1 أن "الفاء" لا تكون سببية ينصب بعدها المضارع "بأن" المضمرة وجوبا إلا بشرط أن يسبقها إما النفي المحض أو شبهه، وإما الطلب المحض أو غير المحض أي: التقديري ... لكن هذا الشرط هو الأغلب في أكثر الحالات، فهناك حالات ست يصح اعتبار الفاء في كل منها سببية مع فقد هذا الشرط، فعند اعتبارها سببية ينصب المضارع حتما، بأن مضمرة وجوبا، وعند عدم اعتبارها لا ينصب. والأربعة الأولى تكون في حالتي الاختيار والضرورة الشعرية، والأخيرتان خاصتان بالضرورة الشعرية. 1- الفاء الواقعة بعد نفي مسبوق باستفهام تقريري، نحو: ألم تشهد بدائع الأزاهير في مطلع الربيع فتنعم بها؟ فيجوز رفع المضارع: "تنعم" ونصبه على أحد الاعتبارين "وقد سبق2 الكلام الجلي على هذا في موضعه المناسب". 2- الفاء الواقعة بعد نفي قد نقض "بإلا الاستثنائية" وكان النقض بعد الفاء والمضارع؛ نحو: ما تزورونا فتحدثنا إلا تسرنا بطرائفك الأدبية3. 3- الفاء الداخلة على المضارع المتوسط بين فعل الشرط وجواب الشرط، أو بعدهما. نحو: من يهن فيقبل يسهل الهوان عليه؛ ومن يسهل الهوان عليه يفقد كرامته؛ فيحرم سعادة الحياة. فالفعلان: "يقبل، ويحرم"، يجوز نصبهما على اعتبار الفاء للسببية، ويجوز عدم النصب على اعتبارها ليست سببية4 ... ويقول النحاة: إن السبب في جواز النصب هنا -حيث لا نفي ولا طلب- أن فاء السببية تعطف المصدر بعدها على مصدر قبلها5، وفعل الشرط قبلها غير

_ 1 في ص355 وما بعدها. 2 في رقم 1 من هامش ص357 وفيها بيان المراد من الاستفهام التقريري. 3 وقد سبق شرح هذا عند الكلام على النفي، في "ب" من ص356. 4 سيجيء في الجوازم "ص478" الأوجه الأخرى الجائزة في المضارع المتوسط بين جملة الشرط وجملة الجواب. ومن هذه الأوجه الجائزة الرفع؛ فهناك الموضع المناسب. 5 من المفيد الرجوع إلى ص357 حيث البيان الهام الذي يوضح المعطوف والمعطوف عليه هنا؛ مصدرين معا أو أحدهما ... أو.... -ثم "ب" ص374.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محتوم الوقوع؛ فأشبه الاستفهام والأمر وغيرهما من أنواع الطلب التي ليست محققة الوقوع. وأن علة جواز نصبه بعد فعلى الشرط والجواب معا هو أن الجزاء غير محقق الوقوع، ولا محتم الحصول، فالواقع بعده كالواقع بعد الاستفهام ونحوه ... هذا كلامهم، وكأنهم يرجعون هاتين الصورتين إلى "الطلب" تقديرا. ولا محل للتقدير؛ فالعلة الصحيحة هي محاكاة كلام العرب في استعمالهم، ليس غير ... 4- الفاء الداخلة على المضارع المسبوق بأداة الحصر: "إنما"؛ نحو: إنما أنت العالم فتفيد؛ فيجوز نصب المضارع: "تفيد" على اعتبار الفاء سببية، وعدم نصبه على اعتبارها غير سببية1. وإلى هنا انتهت الحالات الأربع التي تقع في النثر والشعر، أي: في حالتي الاختيار والضرورة. ويليها الحالتان المقصورتان على الضرورة الشعرية؛ وهما: 5- الفاء الداخلية على المضارع المسبوق بأداة الحصر: "إلا"، نحو: ما تتكلم إلا فتحسن الكلام2. 6- الخبر المثبت الخالي من النفي ومن الطلب ومن الحصر "بإلا" كقول الشاعر: سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا فالمضارع: "أستريح" منصوب على اعتبار الفاء -للضرورة- سببية، كما

_ 1 يذكر النحاة لهذه الحالة مثالا هو قوله تعالى: "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكونَ" في قراءة من نصب: "يكون" باعتناء الحصر منزلا منزلة الطلب تأويلا. ولم يجعل المضارع منصوبا بعد الفاء في جواب "كن" -كما يرى بعضهم- لعدم وجود قول: "كن" حقيقة؛ إذ لا ينطق بها الله حين يريد خلق شيء من العدم، وإنما هي كناية عما يسمى "تعلق القدرة تنجيزا بوجود شيء". هذا إلى أنه لا يجوز توافق الجواب والمجاب عنه في صيغة الفعل والفاعل؛ فلا بد من اختلافهما فيهما، أو في أحدهما؛ فلا يقال قم تقم. ويقول ابن هشام -فيما نقله عن الصبان: إن الجواب لا بد أن يخالف المجاب: إما في الفعل والفاعل؛ نحو: جئني أكرمك، أو في الفعل، نحو: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم، أو في الفاعل، نحو قم أقم. ولا يجوز أن يتوافقا فيهما. 2 لم أجد فيما رأيته من المراجع النحوية مثالا من الشعر؛ كي تتحقق فيه الضرورة. فأمثلتهم المعروضة نثرية. ولعلم يريدون ما يكون مثلهم في النظم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول كثير من النحاة1. ب- قلنا2 إن أكثر النحاة يشترط في فاء السببية بعد الاستفهام ألا يكون الاستفهام عن أمر قد حصل في الزمن الماضي حقيقة؛ فيخرج نحو: لم أسأت إلى الصديق فيقاطعك؟ فلا ينصب المضارع: لأن الإساءة وقعت فعلا. وحجته أنه إذا سبك المصدر المؤول بعد الفاء كان هذا المصدر المؤول مستقبلا، يجب عطفه على مصدر قبل الفاء، ويجب أن يكون مستقبلا أيضا؛ ليتحد "المعطوف والمعطوف عليه" في الزمن -عملا بالرأي الراجح- فلو كان ما قبل الفاء ماضي الزمن لجاء المصدر "المعطوف عليه" ماضي الزمن أيضا؛ فيختلف في زمنه عن زمن المعطوف المستقبل. أما الذين لم يشترطوا عدم المضي فحجتهم ما ورد من مثل: أين ذهب الرسول فتتبعه، بنصب: "نتبع" من أن المعنى في ذلك قد وقع في زمن مضى. ثم قال: إن لم يمكن الوصول إلى مصدر مستقبل من الكلام الذي قبل "الفاء" مباشرة فمن الممكن تصيده والوصول إليه من مضمون ذلك ولازمه؛ كأن نقول: ليكن منك إعلام بذهاب الرسول، فاتباع منا. مع أن الرأي الأول دقيق محكم، وله الأفضلية، والاعتبار الأقوى -فالأنسب الأخذ بالرأي الثاني ليكون الحكم مطردا، فيقل التشعيب والتفريع، ولأن التقدير فيه روعي مثله في أحوال أخرى مع فاء السببية. كما يتبين مما سبق3 ...

_ 1 لا داعي لهذا، فخير منه أن تكون للعطف المجرد والمضارع بعدها مرفوع، لعطفه على مثله المرفوع، وإنما حرك بالفتحة للضرورة؛ وهي مراعاة القافية. ومثله المضارع "يعصم" في قول شاعرهم: لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها ... ويأوى إليها المستجير فيعصما والمراد بالهضبة هنا: صولة قومه، وعزتهم، ومنعتهم. 2 في رقم 4 من ص368. 3 في ص357.

الأداة الخامسة: واو المعية1 فائدتها: الدلالة على أن المعنى الذي قبلها والمعنى الذي بعدها مصطحبان معا عند حصول مدلولهما وتحققه؛ لا يسبق أحدهما الآخر ولا ينفرد، أي: أنهما متلازمان عند التحقق؛ ويحصلان معا في زمن واحد يجمعهما؛ ففي مثل: أتبتسم وتصافح الزائر؟ بنصب المضارع: "تصافح" يكون الاستفهام منصبا على تحقق الابتسهام والمصافحة معا في وقت واحد للزائر، ولا يتجه إلى تحقيق أحدهما دون الآخر، ولا يتجه كذلك إلى تحققهما في زمنين مختلفين. فكأن من ينطق بهذه العبارة، وينصب فيها المضارع بعد الواو -يقول: أنا أسأل عن تحقق الأمرين معا في وقت واحد. ولا أسأل عن غير هذار. ومثل: لا يتكلم الخطيب ويقعد. بنصب المضارع: "يقعد" فإن النفي مسلط على اجتماع القعود والتكلم معا في وقت واحد؛ فكأن المتكلم يقول: إنها لا يحصلان معا في وقت واحد. أما نفي حصول أحدهما فقط أو نفي حصولهما في زمنين مختلفين فلا يفهم من هذه الجملة. ومثله: لا يترك العاقل عمله ويلعب. ولا يقعد عن السيئ وينتظر الرزق؛ بنصب: "يلعب"، و"ينتظر" فيكون المراد نفي الجمع في وقت واحد بين الترك واللعب. وكذا نفي اجتماع القعود عن السعي وانتظار الرزق في زمن واحد. ونحو: لا تأكل والكلام في وقت واحد. ولما كانت هذه الواو دالة على اجتماع المعنيين واصطحابهما معا وقت تحققهما -سميت لذلك: "واو المعية" أي: "الواو" التي بمعنى: "مع"2؛ فهي تدل على الجمع والمصاحبة بين أمرين في وقت واحد.

_ 1 وتجري عليها الأحكام العامة المشتركة التي سبقت في رقم 2 من هامش ص317. 2 المعنى لا يتغير مع كل منهما، ولكن الإعراب يختلف. فواو المعية حرف عطف -على الأشهر، كما سيأتي- والمضارع بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبا، والمصدر المؤول معطوف على مصدر سابق ... ، أما كلمة: "مع" فظرف منصوب، وهو مضاف -غالبا- فبعده اسم مضاف إليه، ولا يقع بعده المضارع مباشرة ... ، واو المعية التي هنا تختلف عن واو المعية التي يليها المفعول معه؛ فإن التي يليها المفعول معه حرف مجرد للدلالة على المعية وليس عاطفا أو غير عاطف. أما التي هنا فحرف عطف، مع =

عملها: واو المعية -هنا- حرف عطف في المشهور، مع إفادته المصاحبة1 والاجتماع والمضارع بعده منصوب بأن المضمرة وجوبا، ومنه كما عرفنا: متجرد للاستقبال الخالص، والمصدر المؤول بعده معطوف بالواو على مصدر مذكور في الكلام السابق. فإن لم يوجد في الكلام السابق مصدر وجب تصيده بالطريقة التي سلفت في العطف بفاء السببية2. ويشترط لنصب المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد "واو المعية" أن تكون واو المعية مسبوقة إما بنفي محض، أو بما يلحق به. وقد شرحناهما3 وإما بنوع من أنواع الطلب الثمانية التي سبق بيانها وشرحها في "فاء السببية"4. غير أن بعض النحاة يمنع وقوع "واو المعية" بعد أربعة أنواع من الطلب؛ هي: "الدعاء، والعرض، والتخصيص، والترجي". وحجته: أن السماع الكثير لم يرد بواحد منها، والسماع الكثير هو الأساس للقياس؛ فلا يصح الإقدام على نصب المضارع بعدها ما دام هذا الأساس مفقودا. ولا يصح عنده النصب حملا لواو المعية على "فاء السببية"؛ لأن الحمل -برغم التشابه بينهما في كثير من الأمور- لا داعي له. ورأيه وجيه.

_ = دلالته -دائما- على المعية نصا، ولا يليه إلا المضارع بالشروط التي سنعرفها. وإما قلنا مع دلالته الدائمة على المعية نصا؛ لأن الواو العاطفة لا تدل على المعية نصا، وإنما تدل عليها بقرينة أخرى خارجة عنها، فمن يقول: دعوت الضيف والشريك لزيارتي -قد يقصد أنه دعاهما مع في وقت واحد، وقد يقصد أنه دعاهما في وقتين مختلفين؛ فليس في الكلام ما يعين أحدهما نصا؛ لأن الواو العاطفة تدل على مجرد التشريك في المعنى، ولا تدل على المصاحبة الزمنية والاجتماع في أثناء تحققه إلا بقرينة. وهذا هو المراد من قوله: إنها لمجرد الجمع، أي: للتشريك في المعنى من غير دلالة حتمية على ترتيب، أو تعقيب، أو مصاحبة ... بخلاف الدالة على العطف والمعية معا، فإنها تجمع بين الأمرين في وقت واحد، ووقوع المضارع بعدها منصوبا دليل على أن المتكلم يريد الأمرين معا. "وقد سبق بيان هذا في باب العطف، ج3 ص412 م118 وفي المفعول معه ج2 ص226 م80". 1 والكوفيون يمنعون العطف بها -كما سيجيء في ص379- وهامشها. 2 ص358. 3 ص355. 4 في ص365 ويلحق بالطلب أداة الشرط إذا وقع المضارع المسبوق بالواو متوسطا بين شرطها وجوابها، أو متأخرا عنهما، ففي حالة التوسط أو التأخر يجوز اعتبار الواو للمعية، ونصب المضارع بعدها بأن المضمرة وجوبا، كما يجوز عدم اعتبارها للمعية فلا ينصب المضارع. وكل هذا على حسب الاعتبارات المعنوية التي تقدمت في فاء السببية، في رقم 3 من ص372، والتي ستجيء في الجزم، ص477.

ويخالف فريق آخر، بحجة التشابه القوي بين الحرفين في نواح متعددة فلا عيب في حمل واو المعية على فاء السببية. وفي هذا الرأي تيسير، ولكن فيه إهدار لأهم الأسس التي تراعى؛ وهو السماع الكثير الوارد، ولهذا يحسن عدم الأخذ به قدر الاستطاعة: احتراما للأساس الأهم السابق. أ- فمن أمثلة واو المعية المعية بعد النفي قول أعرابي يجري إلى ساحة القتال: لا ألزم داري وأشهد الأبطال يمضون للجهاد سراعا، ولا أموت على فراشي كالبعير المهزول، وأبصر الرجالات في حومة الوغي شهداء. ب- ومن أمثلتها بعد أنواع الطلب ما يأتي1: 1- بعد الأمر: أيها الصديق: اغفر هفوتي وأغفر هفوتك؛ لتدوم صداقتنا، وساعدني وأساعدك لتتغلب على المشقات، ولتحذر وأحذر دسائس الأعداء؛ لنعيش في سلام. ولا خلاف في نصب المضارع "بأن" المضمرة وجوبا بعد واو المعية إذا كانت الواو مسبوقة بإحدى صيغتي الأمر المحض2. أما الدلالة على الأمر بغيرها "كالدلالة عليه باسم الفعل، أو بصيغة اسم، أو بجملة خبرية" ... فالحكم هنا كالحكم في فاء السببية3. 2- بعد النهي: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك -إذا فعلت- عظيم 3- بعد الاستفهام: ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكمو المودة والإخاء ومثل: أتبيت ريان الجفود من الكرى ... وأبيت منك بليلة الملسوع

_ 1 مع ملاحظة أن المعطوف بواو المعية والمعطوف عليه مصدران -كما شرحنا- فليس في الكلام عطف جملة خبرية بعد الواو على جملة طلبية قبلها مما يمنعه النحاة، ولا عطف فعل على فعل. وكل هذا بشرط نصب المضارع بعد الواو. 2 وهما: فعل الأمر الصريح، ولام الطلب الجازمة الداخلية على المضارع -وبيانهما في ص366. 3 ص366.

4- بعد التمني: قوله تعالى حكاية لقول الكفار يوم القيامة: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} . وقول الشاعر: ألا ليت الجواب يكون خيرا ... ويطفئ ما أحاط من الجوى بي 5- بعد الدعاء "على الرأي القائل به ... " رباه، ما أسعدني بطاعتك؛ فوجهني إليها، ويعيني فضلك على ملازمتها. وما أشد حاجتي إلى برك؛ فأسبغ على ثوب العافية، وتحرسه برحمتك، وأغدق علي النعم، وتوفقني إلى صيانتها، رباه، لتدخلني في عداد المقربين، وترفع مقامي بينهم، ولا تدع للتواني سبيلا إلي وتتركني بعيدا عن المدى الذي يرضيك. 6- بعد العروض "على الرأي القائل به ... ": ألا تزور المريض وتقدم له هدية. ألا تساله عن حاله وتدعو له بالشفاء. 7- بعد التحضيض "على الرأي القائل به ... ": هلا تتعرض لأشعة الشمس وقت الضحا أو قبل الغروب وتحذر حرارتها، وطول التعرض لها. وهلا تعرف رأي الأطباء في فائدة التعرض وضرره، وتعمل برأيهم ... 8- الترجي "على الرأي القائل به ... " لعل العالم يدرك أنه قدوة، ويترك ما لا يليق به، ولعله يعرف أن فساده أشد ضررا وأعظم خطرا من كل فساد آخر، ويجنب الناس أثره.... يتبين مما سبق أن بين فاء السببية وواو المعية تشابها واختلافا؛ فيتشابهان في أمرين: أولهما: نصب المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبا؛ بشرط أن يسبقهما -غالبا- نفي أو طلب، وما يلحق بهما، بالتفصيل الذي عرفناه. ثانيهما: اعتبار كل منهما حرف عطف أيضا فوق دلالته الخاصة "وهي: دلالة الفاء على "السببية الجوابية" فوق دلالتها على الترتيب والتعقيب. ودلالة الواو على "المعية". والمصدر المنسبك بعدهما من أن المضمرة وجواب وما دخلت

عليه من الجملة المضارعية -معطوف على مصدر مذكور أو متصيد قبلهما. وهذا على الرأي الشائع الذي يخالف فيه بعض المحققين1 ويقول: إن هذه الواو التي تفيد المعية ليست عاطفة، وهو بهذا يوافق الكوفيين "ويسمونها: واو الصرف" وحجته: أن العرب إذا أرادوا بالواو معنى المعية والمصاحبة أتوا بالمضارع بعدها منصوبا ليصرفوه عن المألوف؛ فيكون صرفه هذا قليلا على أنها للمعية والمصاحبة، ومرشدا من أول الأمر إلى أنها لإفادة اجتماع أمرين في زمن واحد، وليست للعطف2. ويختلفان في خمسة أمور: أولها: أن نصب المضارع بعد فاء السببية متفق عليه بعد أنواع الطلب السبعة، لورود السماع بأمثلة كثيرة لكل نوع تبيح القياس عليها. وأما الثامن "وهو الترجي" فيقع فيه وحده الخلاف، والصحيح أنه كبقية الأنواع في وجوب نصب المضارع الواقع في جوابه بعد فاء السببية، وأن ناصبه هو "أن" المضمرة وجوبا. في حين يخالف بعض المحققين يف أن يكون وقوع "الدعاء، والعرض، والتحضيض، والترجي"، قبل واو المعية موجبا للنصب، فهو يمنع اعتبارها للمعية كما يمنع نصب المضارع إذا سبقه واحدا من الأربعة المذكورة؛ بحجة عدم ورود السماع بأمثلة متعددة لكل منها تكفي للقياس عليها. ثانيها: الأصح في فاء السببية أنها حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب مع

_ 1 كالرضي. 2 ومع أنها عنده للمعية الخالصة وليست للعطف -يعتبرها إما واوا للحال، وأكثر دخولها على الجملة الاسمية: فالمصدر المؤول بعدها في تقدير مبتدأ خبره محذوف وجوبا، فمعنى: قم وأقوم، قم وقيامي ثابت. أي: قم في حال ثبوت قيامي. وإما بمعنى: "مع"، أي: قم مع قيامي. وذلك كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم، فنصبوا ما بعد الواو. ولو جعلت الواو عاطفة للمصدر على مصدر سابق لزال التنصيص على معنى الجمع ... وقد قامت على هذا الراي اعتراضات كثيرة، واجهتها ردود كثيرة أيضا. ولا حاجة بنا إلى شيء من هذه أو تلك؛ لاعتمادها -في الغالب- على الجدل المجرد. وغاية ما نقوله: إن اعتبار الواو لمجرد المعية هنا يريح من العطف وما يقتضيه -أحيانا- من تصيد المصدر المعطوف عليه حين لا يكون في الكلام السابق مصدر مذكور. ولولا اعتبارات أخرى قوية "كالتي سنذكرها في "ب" من ص403" لكان هذا الرأي وحده هو المستحسن في جميع حالات فاء السببية أيضا فلا نعدها حرف عطف، طبقا للمذهب الكوفي الذي يقصرها على السببية، ويمنع أن تكون عاطفة.

دلالتها -في الغالب- على السببية الجوابية في الوقت نفسه. على حين يشتد الخلاف في جعل الواو -هننا- للأمرين مجتمعين؛ وهما: العطف والمعية؛ إذا الرأي القوي أنها تفيد المعية دائما بغير أن تكون عاطفة. ثالثها: وهذا مهم أن فاء السببية لا بد أن تقع -غالبا- في جواب نفي أو طلب أو ملحقاتهما ... ؛ فما بعدها مسبب عما قبلها وجواب له. أما واو المعية فتقتضي مصاحبة ما قبلها وما بعدها مصاحبة حقيقية عند وقوعهما؛ أي: تستلزم تلاقيهما واجتماعهما في زمن واحد عند تحقق معناهما وحصوله، وهذه المصاحبة تمنع أن يكون ما بعد الواو مسببا عما قبلها، وجوابا له؛ لأن المسبب والجواب لا بد أن يتأخرا -حتما- في وجودهما عن السبب، وعما يحتاج إلى إجابة. وهذا التأخر يناقض المصاحبة ويعارضها. ولهذا يقول النحاة: إن صحة الفهم ودقة التعبير يقضيان بتخطئة من يقول عند الإعراب1: "واو المعية الواقعة في جواب النفي، أو الأمر، أو النهي، أو غيرهما من بقية الأنواع السالفة ... " وبتصويب من يقول: "واو المعية" الواقعة بعد النفي أو الطلب من غير ذكر لكلمة جواب؛ لأن وقوع الجملة المشتملة على هذه الواو جوابا عما قبلها يقتضي -كما تقدم- أن يكون تحقق معناها متأخرا عن تحقق معنى التي قبلها، وهذا يعارض ما تفيده واو المعية من تحقق معنى السابق عليها واللاحق في زمن واحد. رابعها: أن واو المعية -هنا- لا بد أن يسبقها نفي محض، أو طلب، أو ملحقاتهما، ولا بد كذلك أن تدل على المصاحبة الزمنية الحقيقية عند تحقق معنى ما قبلها وما بعدها. وهذه المصحابة تقتضي أن ينصب النفي والنهي وغيرهما من بقية الأنواع، على ما قبل الواو وما بعدها معا، أي: أن النفي والنهي نظائرهما يشملان ما قبل الواو وما بعدها، لا محالة، ولا يقتصران على أحدهما دون الآخر "بشرط أن تكون الواو للمعية، والمضارع بعدها منصوبا" فمن يقول لا آكل وأتكلم، فالنفي مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين. أما شأنهما عند عدم مصاحبتهما فمسكوت عنه، والحكم عليه متروك، لا دخل للنفي -وغيره- به؛ فقد يقع الأكل

_ 1 على سبيل الحقيقة، لا على ضرب من المجاز البعيد.

وحده أو لا يقع. وقد يحصل التكلم وحده أو لا يحصل، وقد يقع الأكل والتكلم ولكن في وقتين مختلفين، أو لا يقعان مطلقا ... فلا يمكن القطع بأحد هذه الأشياء إلا بقرينة خارجة عن الجملة. ومن يقول: لا أكتب وألوث أصابعي "بنصب: "ألوث" فإنما ينفي اجتماع الأمرين معا في وقت واحد، وهما الكتابة، وتلويث الأصابع. فالنفي شامل ما قبل واو المعية وما بعدها مجتمعين، يسلط عليهما في زمن اصطحابهما وتلاقيهما، ولا ينصب على أحدهما دون الآخر. أما المعنى عند عدم اصطحابهما فمسكوت عنه، متروك حكمه، لا صلة للنفي به، فقد تكون الكتابة وحدها منفية أو غير منفية، وقد يكون تلوث الأصابع وحده حاصلا أو غير حاصل.. وقد يكون الاثنان غير حاصلين، وقد يحصلان في زمنين مختلفين ... فكل هذه أمور يعرض لها الاحتمال، ولا سبيل للقطع بأحدهما إلا بقرينة أخرى. وكذلك من يقول: لا تمش وتكتب ... -أو لا تخطب وتجلس ... - أو: لا تظلم الضعيف وتخاف القوي ... بنصب المضارع بعد الواو المسبوقة بالنهي في هذه الأمثلة وأشباهها فإن النهي فيها مسلط على ما قبل الواو وما بعدها مجتمعين في وقت واحد، ولا ينصب على أحدهما دون الآخر، فكلاهما وحده مسكوت عنه، مهمل أمره؛ لا دليل للقطع بأنه منهي عنه وحده أو غير منهي عنه، ولا منهي عنه مع الآخر في زمنين مختلفعين.. فالقطع بأحد هذا الأمور متوقف على قرينة خارجة عن الجملة؛ توجه لأحدهما دون الآخر. أما النهي والنهي قبل فاء السببية فقد بسلطان على ما قبلها وما بعدها معا، أو على ثانيها فقط -كما سلف1. هذا، وما قيل عن النفي والنهي يقال في محلقات الني وفي سائر أنواع الطلب بنوعيه؛ حيث يسري -في وقت واحد- على ما قبل الواو وما بعدها معنى النفي أو الطلب، ويشملهما هذا المعنى مصطحبين مجتمعين في زمن واحد2 ...

_ 1 في ص359. 2 في الكلام على "واو المعية" يكتفي ابن مالك ببيت واحد؛ هو:=

خامسها: أن فاء السببية قد تسقط جوازا بعد الطلب -لا النفي- سواء أكانت موجودة من الأصل ثم سقطت، أم لم تكن موجودة؛ فيصح في المضارع بعد غيابها الجزم في جواب الطلب، ففي مثل: شارك في ميادين الإصلاح، فينهض بلدك ... يصح أن يقال: شارك في ميادين الإصلاح ينهض بلدك ... بجزم المضارع: "ينهض". ولا يصح هذا في واو المعية؛ -كما سيجيء قريبا1.

_ = والواو كألفا، إن تفد مفهوم مع ... كلاتكن جلدا، وتظهر الجزع-3 يريد أن "الواو" كفاء السببية في كثير من الأحكام -وفي مقدمتها وقوعها بعد النفي وما ألحق به، وبعد الطلب بنوعيه- مع نصب المضارع بأن المضمرة وجوبا، وعطف المصدر المؤول بعدها على مصدر قبلها ... وقد اشترطوا في هذه الواو أن تكون بمعنى "مع" أي: دالة على المعية، ومصاحبة معنى ما قبلها وما بعدها في زمن وقوع النهي -وغيره- وتحققه. وساق مثالا معناه: لا تكن جلدا في وقت إظهار الجزع. وفي المثال عيب معنوي؛ إذ كيف يكون جلدا مع إظهاره الجزع. 1 في 387 ولهذا الحكم مسألة مستقلة تشمل تفصيله وشروطه تجيء في الصفحة المذكورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لبعض النحاة كلام مفيد في "واو المعية"، يتضمن ما قلناه. وملخص كلامه: أن المضارع ينصب بعد "واو المعية" في سائر المواضع التي ينصب فيها بعد "فاء السببية"؛ وهي المواضع التي تكون مسبوقة فيها بالنفي وملحقاته، والطلب المحض وما حمل عليه. وإنما يصح النصب إذا أردت المصحابة الحقيقية والاجتماع بين المعنى الذي قبل الواو، والمعنى الذي بعدها وقت حصولهما وتحققهما، والدلالة على أنهما يحصلان متحققان معا في وقت واحد، ولم ترد مجرد الاشتراك المطلق بين المعنيين اشتراكا لا مصاحبة فيه ولا اجتماع عند وقوعهما. وإذا نصبت المضارع بعد الواو فهي للعطف أيضا؛ فتعطف المصدر المنسبك بعدها على مصدر قبلها، لأنها مع إفادتها المعية والمصحابة تفيد العطف أيضا، وليست مقصورة على مجرد التشريك بين المعنيين كالذي تقتضيه واو العطف المحضة. أي: أن واو المعية هنا تقتضي التشريك والمصحابة الحتمية معا، وهما من خصائصها دون الواو المجردة للعطف وحده. ثم يتكلم: نعم، إن الواو العاطفة قد تحتمل المصاحبة أحيانا كما في قولك: جاء محمد وعلي، ويتكلم محمود، ويصرح؛ وينظر ... ، ولكن هذا مجرد احتمالا لا يقين معه. وليست المصاحبة أمرا مقطوعا فيه، ولا منصوصا عليه؛ إذ معنى العطف بالواو الدلالة على مجرد الاشتراك، دون زيادة على ذلك؛ من ترتيب، أو تعقيب، أو إمهال. أو مصاحبة، أو غيرها، وهذه هي مهمتها الأصيلة، وما عداها يكون أمرا محتملا؛ يحتاج في القطع به إلى قرينة أخرى حالية، أو مقالية. فإن لم توجد القرينة بقي الاشتراك المجرد على حاله مقطوعا به، وما عداه فموضع الاحتمال، بخلاف الواو الدالة على المعية والمضارع بعدها منصوب؛ فإنها شاملة للأمرين مجتمعين؛ فهي للعطف، وللمعية معا، ولا مجال للاحتمال في أحدهما؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ المعية مقطوع بها1 هنا كالعطف. ومتى ثبت أن المضارع لا ينصب إلا بعد الواو التي للمعية -بالشروط التي عرفناها- ثبت كذلك أنه لا يصح نصبه بعد "واو" غيرها؛ كالواو التي للاستئناف والجملة المضارعية بعدها مستأنفة. وكالواو التي للحال، والجملة المضارعية بعدها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من هذا المبتدأ وخبره في محل نصب حال، وكغيرها من أنواع الواو التي ليست للمعية ... وعلى أساس الاعتبارات السالفة يجوز في الأمثلة التالية -وأشباهها- ضبط المضارع بعد الواو ضبوطا مختلفة؛ كل ضبط منها يؤدي معنى غير الذي يؤديه الآخر؛ فالضبط خاضع للاعتبار المعنوي، وإن شئت فالضبط خاضع للمعنى، ومتى تم الضبط صار هو المرشد للمعنى: لا تقرأ وتأكل، لا تمش وتكتب، لا تغضب وتترك الحاضرين، لا تنتقل في الحديقة وتأكل ثمارها.. فيجوز في المضارع بعد الواو ما يأتي: 1- نصبه على اعتبار الواو للمعية؛ فيتعين أن يكون النهي مسلطا على الأمرين مصطحبين معا، فالكلام نص في النهي عن الجمع بين هذين الأمرين؛ فهو بمعنى: لا تجمع في وقت واحد بين هذين الأمرين. 2- جزمه على اعتبار الواو لمجرد العطف وحده من غير معية، فالمضارع بعدها بدون فاعله معطوف على المضارع السابق المجزوم، عطف فعل على نظيره الفعل. ويكون النهي منصبا على الأمرين أيضا، ولكن على سبيل التشريك الذي لا دلالة معه على مصاحبة، أو عدم مصاحبة. فالنهي مسلط على هذا وذاك سواء أكانا مصطحبين أم غير مصطحبين: فالاصطحاب وعدمه أمران محتملان، لا سبيل للقطع بأحدهما إلا بقرينة أخرى. 3- رفعه على اعتبار الواو للاستئاف، فالمضارع بعدها مرفوع، والجملة المضارعية مستقلة في إعرابها عما قبلها. ولذا يتعين أن يكون النهي منصبا على ما قبله الواو دون ما بعدها، فما بعدها مباح لا يسري إليه النهي.

_ 1 في الرأي الشائع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4- رفعه على اعتبار الواو للحال، والجملة المضارعية بعدها في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف -في الرأي الراجح-1 والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال والنهي في هذه الصورة منصب على ما قبل الواو بشرط تقييده بما بعدها، أي: أنه ينصب على ما قبل الواو في صورة واحدة، هي التي يكون فيها مقيدا بالحال، ويتحقق فيها حصول القيد؛ ففي مثل: لا تقرأ وتأكل ... ، يكون المراد: لا تقرأ وأنت تأكل.. أي: لا تقرأ في الحالة التي تأكل فيها. أما في غير هذه الحالة فالأمر مسكوت عنه، لا دليل على النهي عنه أو إباحته، فلا بد من قرينة أخرى تعين أحدهما، وتزيل الاحتمال. ب- ألحق الكوفيون "ثم" العاطفة بواو المعية في المعنى بشرط استقامة المعنى على المعية، وأن يسبقها النفي أو الطلب كما يسبقان واو المعية، فكلا الحرفين عندهم يؤدي العطف والمعية معا بالشرطين السالفين؛ مستدلين بأمثلة مسموعة، منها قوله عليه السلام: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم2 ثم يغتسل منه"؛ بنصب: "يغتسل" على اعتبار "ثم" للعطف وللمعية "معا"، والمضارع بعدها منصوب "بأن" المضمرة وجوبا. وقد عورض رأيهم بأنه يلزم عليه أن يصير معنى الحديث -في حالة النصب- النهي عن الجمع بين البول في الماء والاغتسال منه، أي: النهي عن اجتماع الأمرين معا، ومصاحبتهما. ويترتب على هذا أن البول في الماء الدائم من غير اغتسال منه مباح؛ كما هو مفهوم الكلام السابق، مع أن هذا المفهوم مخالف للمراد من الحديث؛ إذ المراد منه -كما تدل قرائن متعددة- النهي المطلق عن البول في الماء الدائم، سواء أصحبة اغتسال أم لم يصحبه. وشيء آخر؛ كيف تدل "ثم" على المعية والعطف معا ومعناها في العطف هو الترتيب والتمهل وهما ينافيان المعية؟ فهل المراد مطلق الاشتراك ولو بغير معية؟ قال بعض المحققين يناقش الكلام السابق كله بما معناه: "إن الإشكال نشأ من قول بعض النحاة: "الفعل: يغتسل" في الحديث السابق يجوز نصبه بإعطاء: "ثم" حكم واو الجمع ... "3 فوقع في الوهم أن المراد إعطاؤها حكمها في

_ 1 الذي يبيح ربط الجملة الحالية المثبتة بالواو وحدها. 2 الراكد. 3 مراده: حكمها في أن المضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعية، مع أن أولئك النحاة لم يقصدوها. أما المفهوم والأخذ بما يقتضيه فإنما يكون حين لا يمنع منه مانع، ولا يصد عنه دليل؛ كالشأن في هذا الحديث الشريف فإن الأخذ بمفهومه غير جائز؛ لوجود ما يعارضه ويمنع الأخذ به؛ وهو ثبوت النهي عن البول في الماء الراكد مطلقا؛ سواء أكان معه استحمام فيه أم لم يكن. وبناء على ما تقدم -من المذهب الكوفي وأنصاره- يكون نصب المضارع؛ "يغتسل" قائما على أساس إلحاق "ثم" بواو المعية في النصب مطلقا؛ أي: سواء اقتضى المعنى النهي عن المصاحبة والاجتماع أم لم يقتض. ويصح جزمه على إرادة العطف المجرد الذي يفيد مطلق التشريك دون إفادة المصاحبة والمعية. ويصح رفعه عند ابن مالك وآخرين على اعتبار "ثم" حرف استئناف1 يرفع بعدها المضارع، كما يرفع بعد الواو والفاء الاستئنافيين1. ولا يجيز ابن مالك ومن معه العطف، لما يترتب عليه من عطف الخبر على الإنشاء، وهذا ممنوع على الأرجح" ... وإلى هنا انتهى المراد من كلامه ملخصا2. والأنسب ترك المذهب الكوفي هنا، وعدم القياس عليه؛ لقلة شواهده، ولما فيه من تكلف وتعقيد، والاقتصار في استعماله على المسموع الذي وردت فيه "ثم" بمعنى واو التشريك، المفيدة للمعية أو غير المفيدة لها.

_ 1 و1 سبق -في ج3 م118 ص466 عند الكلام على "ثم" ما يؤيد وقوعها للاستئناف، ويزيد هذا الحكم وضوحا. 2 وقد عرض الصبان لهذه المسالة عند الكلام على "واو المعية"، وكذلك "المعنى" عند الكلام على "ثم" ج1.

المسألة 150

المسألة 150: حكم المضارع إذا لم توجد قبله "فاء السببية": عرفنا1 أن "فاء السببية" تخالف "واو المعية" في أمور؛ منها: أن فاء السببية قد تسقط من الكلام جوازا؛ فلا يصح نصب المضارع بعدها، وإنما يصح جزمه إن استقام المعنى المراد على الجزم. ومعنى سقوطها: غيابها واختفاؤها عن موضعها، وخلو مكانها منها؛ سواء أوجدت أولا الحضارة باللباب الحميد فتسعد، وتجنب الزائف البراق فتسلم" يصلح أن يقال: "خذ من الحضارة باللباب الحميد تسعد، وتجنب الزائف البراق تسلم". بجزم المضارعين: "تسعد، وتسلم"، بعد سقوط فاء السببية، وقد كانا منصوبين عند وجودها. ويشترط لجزم المضارع بعد سقوطها -على الوجه السالف- ثلاثة شروط مجتمعة: أولها: أن تكون مسبوقة بنوع من أنواع الطلب المحض أو ملحقاته -لا بنوع من النفي وملحقاته- وقد عرفنا أنواع الطلب الثمانية2 "وهي: الأمر، النهي، الدعاء، التمني3 الترجي، العرض، التحضيض الاستفهام". ثانيها: أن تكون الجملة المضارعية بعدها جوابا4 وجزاء للطلب الذي قبلها "أي: مسببة عنه: كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط". ثالثها: أن يستقيم المعنى بحذف "لا" الناهية ووقع "إن" الشرطية وبعدها

_ 1 في ص382 "الأمر الخامس". 2 سبق تفصيل الكلام عليها في ص365. 3 ينحصر التمني هنا في النوع الأصيل، وهو الذي أداته: "ليت"، دون الأنواع الأخرى المحمولة عليه بأدواتها العارضة في معناه، ومنها "لو" و"ألا" وقد سبق إيضاحهما في رقم 7 من ص369 لأن الجزم غير مسموع بعد التمني العارض، وأدواته الطارئة في معناه "انظر ما يتصل بهذا في ص369 وفي رقم 3 من هامشها". 4 سبق شرح الجواب والجزاء في ص308.

"لا" النافية محل "لا" الناهية1 التي حذفت، وحل محلها الحرفان قبل المضارع المنصاب. وهذا الحذف والإحلال لازمان حين تكون أداة الطلب "لا" الناهية". فإن كانت الأداة الطلبية نوعا آخر كفعل الأمر، أو الدعاء، أو غيرهما من الأدوات الاسمية والفعلية والحرفية وجب أن يستقيم المعنى بالاستغناء عن أداة الطلب وإحلال "إن" الشرطية هذه محلها، فتدخل وحدها على المضارع الذي دخلت عليه الأداة السابقة، إن وجد مضارع مذكور. وإن لم يوجد أتينا بعدها، أو بدلا منها2 -على حسب نوع الأداة- بمضارع مناسب نتصيده في مكانه، ويوافق المراد. وليس الغرض من مجيء "إن" "بالصورة السالفة قبل "لا" الناهية أو قبل غيرها من باقي أنواع الطلب" بقاءها واستمرارها، وإحداث أسلوب جديد يبقى ويستمر مع إهمال الأول، وإنما المراد استخدامها بصورة مؤقتة أو تخيلية؛ لترشدنا إلى صحة الجزم أو عدم صحته، تبعا لسلامة المعنى أو فساده؛ فليست إلا مجرد أداة للاختيار المؤدي لغرض خاص. من غير أن يكون لها أثر نحوي أو معنوي آخر. فإذا ما تحقق الغرض زالت. وبقي الأسلوب الأول "الذي كان قبل مجيئها" على حالته اللفظية والمعنوية، ولا اعتبار لغيره. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة جاز الجزم، فمثال الجزم بعد الأمر قولهم: "أفضل على من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره. واحتج إلى من شئت تكن أسيره". وقولهم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". والتأويل: إن تفضل على من شئت تكن أميره، وإن تستغن تكن ... ، وإن تحتج تكن ... ، إن ترحموا من في الأرض يرحمكم3 ...

_ 1 لأن أداة الشرط لا تدخل على "لا" الناهية. "انظر "أ" من ص398". وله إشارة في رقم 1 من ص409. 2 قد يكون بدلا منها، ويغني عنها في بعض الحالات، كأن تكون الأداة نفسها فعل أمر ... ؛ في مثل: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. أي: إن ترحموا -كما سيجيء. 3 ومن أمثلة دخول "إن" المتخيلة المؤقتة على مضارع مناسب نتصيده -وهذا النوع كثير- قوله تعالى يخاطب المؤمنين في شأن أهل النفاق والغدر ونقض العهود: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} والتأويل: إن تقاتلوهم يعذبهم الله ... وقوله تعالى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} والتأويل: إن تحلل يفقهوا ... ومثل قول الشاعر: تعالوا نخبركم بما قدمت لنا ... أوائلنا في المجد عند الحقائق والتأويل: إن تجيئوا نخبركم....

ومثال الجزم بعد النهي: لا تكن عبد هواك، تأمن سوء العواقب، ولا تهمل مشورة الناصح الخبير، تدرك حميد الغايات. والتأويل: إلا تكن عبد هواك تأمن سوء العواقب، وإلا تهمل مشورة الناصح تدرك.... وبعد الدعاء: رباه. وفقني، أهتد لما يرضيك، ولا تدعني بغير تأييدك أجد خير ناصر ومعين. والتأويل: إن توفقني أهتد ... وإلا تدعني ... وبعد الاستفهام: أتجاهل الناس بالحق تكسب رضاهم؟ وهلا تينهم في غير ضعف تأمن أذاهم؟ والتأويل: إن تجامل ... تكسب ... إن تلاين تأمن ... وبعد التمني: ليت إخوان الصفاء كثير يقو بهم جانبي، وليت صفاءهم دائم أعش به سعيدا. والتأويل: إن تتحقق أمنيتي بكثرة إخوان الصفاء يقو بهم جانبي ... و ... وبعد الترجي: لعلك تساعد المحتاج تؤجر، ولعلك تحاذر المن عليه يضاعف أجرك. والتأويل: إن تساعد المحتاج تؤجر ... و ... وبعد الحض: هلا تستبق إلى الخير تذكر به، وهلا تدعو إليه تشتهر بالفضل. والتأويل: إن تستبق إلى الخير تذكر به ... و ... وبعد العرض: ألا تعرف الفضل لأهله تكن منهم، ألا تنكر جحود المغرورين تخرج من زمرتهم، والتأويل: إن تعرف الفضل لأهله تكن منهم و ... و.... فإن فقط شرط، أو أكثر، لم يصح الجزم، ووجب رفع المضارع وإعرابه على حسب ما يقتضيه السياق ويستلزمه المعنى. أ- فعند فقد الشرط الأول -بسبب وجود نفي، لا طلب، أو ملحقاته-

لا يصح جزم المضارع وإنما يجب رفعه؛ ففي مثل: ما يحسن العيي الكلام يملك به أفئدة السامعين ... ، لا يصح جزم المضارع: "يملك" في جواب النفي عند غياب فاء السببية1 إلى عند الكوفيين الذين يجيزون جزمه على اعتباره جوابا للنفي. أما غيرهم فلا يبيحه، ويوجب رفع المضارع: "يملك" على اعتباره في هذا المثال بدل مضارع من المضارع الذي قبلهن أو على اعتباره شيئا آخر في أمثلة تخالف السالف، وتقتضي معانيها إعرابها على غير البدلية.. كرفعه على اعتبار الجملة المضارعية مستأنفة2، أو صفة، أو حالا ... ، أو غير هذا مما تصلح له في موضعها ويقتضيه المعنى ... ب- وعند فقد الشرط الثاني -"بسبب أن المضارع بعد الفاء المختفة ليس مرادا منه أن يكون جوابا للطلب ولا جزاء، وأن المعنى على غيرهما"- لا يصح جزمه، وإنما يجب رفعه؛ مراعاة لاعتبار معنوي3 أو أكثر مما يقتضي رفعه. ومن

_ 1 للنحاة في منع الجزم بعد النفي تعليل غريب يجب رفضه، فهو يقولون: إن النفي يقتضي عدم وقوع المنفي، ويستلزم عدم حصوله. والإثبات على نقيضه، يستلزم تحقق شيء ويقتضي وقوعه. فكل منها يقتضي تحقق أمر حتما. برغم أن التحقق مختلف؛ إذ النفي يقتضي تحقق عدم الوقوع، والإثبات يقتضي تحقق الوقوع، فهما مشتركان في أمر واحد، هو: "التحقق"، وإن كانت جهة التحقق مختلفة وبسبب هذا الاشتراك حمل المضارع الواقع في جواب النفي على المضارع الواقع في جواب الإثبات؛ والمضارع في جواب الإثبات لا يصح جزمه، فكذلك ما حمل عليه لا يصح جزمه، حملا للشيء على نقيضه. وهذا تعليل فاسد، ولو أخذنا به وتكلفنا في مسائل أخرى -وهذا ممكن- كما تكلفناه هنا لفسدت اللغة، وانهارت دعائمها وأصولها. ومثله التعليل الآخر الذي يرى أن عدم الجزم بعد النفي سببه أن النفي خبر محض فليس فيه شبه بالشرط ... أما التعليل الصحيح الذي يجب الاقتصار عليه فهو: "السماع" عن العرب. وأنها لم تجزم المضارع بعد النفي إذا سقطت منه فاء السببية، وكل تعليل غير هذا فيه مضيعة للوقت والجهد، وإفساد للمنطق الصحيح.. 2 سواء أكا الاستئناف بيانيا أم غير بياني. و"البياني" هو الذي تنقطع بسببه الصلة الإعرابية بين الجملة المستأنفة والجملة التي قبلها، دون الصلة المعنوية بينهما؛ فكلتاهما مستقلة بنفسها في الأعراب وحده، أما في المعنى فلا بد بينهما من نوع ارتباط يجعل الثانية -في الغالب- بمنزلة جواب عن سؤال ناشئ عن معنى الأول. أما غير البياني فتنقطع فيه الصلة الإعرابية والمعنوية بين الجملتين، فتكون الجملة المستأنفة مستقلة بإعرابها وبمعناها الجديد. 3 أشرنا كثيرا إلى أن كل معنى معين لا بد له من ضبط العبارة ضبطا معينا؛ وإذا تغير هذا الضبط تبعه تغير المعنى فلكل ضبط إعرابي غاية معنوية خاصة به.

تلك الاعتبارات المعنوية. 1- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية استئنافية؛ نحو أتقيم عندنا اليوم؟ يسافر غدا زملاؤك. ونحو: قم للصلاة؛ يغفر الله لنا ولك. 2- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صفة لنكرة لمحضة1؛ نحو: استمع إلى خطيب يملك ناصية القول. 3- رفعه على اعتبار الجملة المضاريعة حالا من معرفة محضة، نحو: تمتع بعذاب من يحسدونك؛ ينظرون نعم الله عليك، محترقين بنار الحسد. 4- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صالحة للحال والوصف؛ لوقوعها موقعا يؤهلها لكل منهما، وعدم وجود قرينة تعينها لأحدهما - كوقوعها بعد نكرة موصوفة أو غيرها مما ليس محضا من المعارف والنكرات -نحو: كرم عالما نابغا يعتزم الرحيل. 5- رفعه على اعتبار الجملة المضارعية صالحة "للحال"، والوصف، والاستئناف" مع عدم وجود قرينة تعينها لواحد دون الآخر؛ كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، فيصح في الجملة المضارعية: "تطهرهم" الأمور الثلاثة2 ... وهكذا3 ...

_ 1 النكرة المحضة: هي الكاملة الإبهام والشيوع، الخالية من التحديد والتعين الذي ينشأ من إضافتها، أو من تقيدها بنعت أو غيره من القيود التي تفيدها نوعا من التخصص.. والمعرفة المحضة هي الخالصة من شائبة التنكير؛ فلا يتصل بها ما يقربها من النكرة، كأل الجنسية، وغيرها مما سبق إيضاحه وتفصيله في موضعه الأنسب "ج1 ص145 م17 باب النكرة والمعرفة. وفي ج2 باب الحال ص294م 84 وفي ج2 باب النعت ص349 م114". 2 انظر ما يختص بهذه الآية في رقم 3 التالي: 3 تطبيقا على ما فات من الأخذ باعتبار أو أكثر تبعا للمعنى يتعين جزم المضارع جوابا وجزاء للطلب في مثل: افتح صنبور الماء ينهمر ماؤه، أوقد المصباح تنور الحجرة، أغلق النافذة تحجب قسوة الريح البادرة، ازرع الحقل ينبت ثمرا طيبا. ويتعين رفعه وإعراب جملته وصفا في مثل: أكرم مهاجرا يلتمس من يكرمه، أحسن إلى بائس يضج بالشكوى، تمنع بحديقة تمتلئ بالأزهار، صاحب رجلا يؤثر البعد عن الشر. ويتعين رفعه وإعراب جملته حالا في مثل: أكرم المهاجر يلتمس من يكرمه، أحسن إلى البائس يضج بالشكوى، تمتع بحديقتك تمتلئ بالأزاهر، عاون الحر ينزل به الضر. =

ح- وعند فقد الشرط الثالث1 لا يصح الجزم؛ ففي مثل: لا تقترب من النار تحترق، لا يصح جزم المضارع: "تحترق"؛ لعدم استقامة المعنى عند إحلال "إن" الشرطية وبعدها "لا" النافية محل "لا" الناهية؛ إذ يفسد المعنى حين نقول: "إلا2 تقترب من النار تحترق. بخلاف: لا تقترب من النار تسلم، فيصح جزم المضارع؛ لصحة قولنا: إلا2 تقترب من النار تسلم ... ومن الأمثلة: لا تهمل الرياضة تضعف؛ فلا يصح جزم المضارع -تضعف- للسبب السالف؛ بخلاف: لا تهمل الرياضة تأمن الضعف. ومن أمثلة الطلب بغير "لا" الناهية: أحسن معاملتي أحسن معاملتك، فيصح جزم المضارع: "أحسن"؛ لصحة قولنا: إن تحسن معاملتي أحسن معاملتك؛ بوضع "إن" الشرطية وبعدها مضارع مناسب موضع فعل الأمر "أحسن". بخلاف: أحسن إلي لا أحسن إليك؛ فيجب رفعه؛ إذ لا يصح قولنا: إن تحسن إلي لا أحسن إليك؛ لفساد المعنى3 ... ومن الأمثلة الطلب بغير "لا" الناهية أيضا: أين بيتك أزرك؟ يجزم المضارع؛

_ = ويتعين رفعه واعتبار جملته مستأنفة في مثل: "ليتك تزورني. ينزل المطر" "أتساعد المحتاج؟ يحب الناس الغني" "لا تهمل شراء الكتب النافعة. نسافر غدا لزيارة بعض الأقارب" "اجتنب الصياح ورفع الصوت خلال الكلام. يقبل المثقف على كتب الأدب الرفع". ويصلح لأكثر من حالة في مثل قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً، يَرِثُنِي} وقوله تعالى لموسى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا} وقوله تعالى له: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} . وكذلك قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} فيصبح في المضارع: "تطهر" أن يكون مجزوما في جواب الأمر، أو مرفوعا إما على اعتبار جملته مستأنفة، أو صفة للنكرة المحضة التي قبلها أو حالا من فاعل فعل الأمر: "خذ" وكذلك لك أسلوب على شاكلته. 1 وأمارة فقده، "كما عرفنا -هي عدم استقامة المعنى عند إحلال "إن" الشرطية و"لا" النافية معا محل "لا الناهية" وحدها بعد حذفها حين تكون أداة الطلب "لا الناهية". أو "عند إدخال "إن" الشرطية وحدها على مضارع مناسب لأداة طلب خرى". 2 و2 أصلها: "إن لا" وتدغم هذه "النون" دائما في: "لا" فلا تظهر في الكتابة ولا في النطق، ويرمز لوجودها في الخط بكتابة "شدة" فوق: "لا" -ولهذا إشارة في: "ج" من ص437. 3 في هامش ص394 أمثلة متعددة تحقق فيها الشرط الثالث، وأخرى لم يتحقق.

لصحة مجيء "إن" الشرطية وبعدها مضارع متصيد. والتقدير: إن تعرفني بيتك أزرك. بخلاف: أين بيتك أقف في السوق؛ إذ لا يصح: إن تعرفني بيتك أقف في السوق، لعدم استقامة المعنى؛ بسبب عدم ارتباط أجزائه، وفقد المناسبة بينهما ... وهكذا بقية أنواع الطلب الأخرى ومنها: الأمر والترجي بالتفصيل الآتي1 فيجري على بقية الأنواع -في الأغلب-2 ما جرى على نظائرها. وبعض الكوفيين -وفي مقدمتهم زعيمهم الكسائي- لا يشترط إحلال "إن" مع "لا" النافية محل "لا" الناهية، ولا إحلال "إن" قبل بقية أدوات الطلب، ولا ما يترتب على هذا الإحلال، من استقامة المعنى أو عدم استقامته. قائلا: إن إدراك المراد من الجملة الأصلية، والتفريق بين الغرض المقصود منها وغير المقصود مرجعه القرائن وحدها، فعليها دون غيرها المعول. ففي مثل قولك للمشترك: "أسلم تدخل النار" يجيز جزم المضارع "تدخل" على معنى: إن لم تسلم تدخل النار؛ فهو يقدر وجود النفي، بشرط وجود قرينة توجه الذهن إليه. في حين يستبعد النفي ويهمله إن كان الطلب نهيا، ويجعل الجملة المضارعية جوابا وجزاء للنهي مباشرة، معتمدا في فهم المراد وتعيينه على القرائن؛ مثل: لا تقترب من النار تحترق ... يجزم المضارع: "تحترق" واعتبار الجملة المضارعية هي الجواب والجزاء بغير تأويل ولا تقدير3. وقد مال بعض النحاة القدامي إلى هذا

_ 1 في ص395. 2 إلا التمني الذي أداته: "لو" فإنه كالنفي؛ لا يجزم المضارع في جوابه عند غيبة الفاء. ويعللون عدم الجزم بعد "لو": "بأن إشرابها التمني طارئ عليها؛ فلذا لم يسمع الجزم بعدها"، فإذا صح هذا التعليل الذي سجله الصبان نقلا عن ابن هشام والسيوطي، فإنه منطبق أيضا على "ألا" التي للتمني. فلماذا سكتوا عنها؟ انظر ما يتصل بهذا في ص370 وفي رقم 3 من هامش ص387. 3 ويؤيد رأيه أيضا بقراءة من قرأ قوله تعالى: "ولا تمنن تستكثرْ" بجزم المضارع "تستكثر" على معنى: تظهر كثرة نعمك على غيرك.. وقوله عليه السلام في شجرة الثوم: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا هذا، يؤذنا" بجزم المضارع "يؤذ" بحذف الياء من آخره. وقول أحد الصحابة يخاطب الرسول في أثناء موقعة: "يا رسول الله. لا تشرف، يصبك سهم". بجزم المضارع "يصب". فالأفعال المضارعة في النصوص السالفة مجزومة مع عدم استقامة المعنى بوضع "إن" الشرطية تليها "لا" النافية، بدلا من "لا" الناهية. أما اللذين يتمسكون "بإن، و ... " فيعربون تلك الأفعال المجزومة إعرابا آخر؛ فيقولون: "تستكثر"=

الرأي، وإلى الأخذ به في أنواع الطلب المختلفة "نهيا وغير نهي" ولعل الدافع لهذا الميل هو التيسير، وأن الناس يستعملونه فلا يخفى المراد منه مع قيام القرينة الحامسة، ولكن الرأي الأول هو الأحسن، والأجدر بالاقتصار عليه؛ لأنه أكثر ورودا في فصيح الكلا وأوضح معنى، وأبعد من اللبس والخفاء1 ...

_ = مجزومة في جواب الطلب مباشرة، ولكن على اعتبار أن المعنى هو: لا تمنن؛ فيترتب على عدم المن أنك تطلب من الله كثرة النعم وزيادة الثواب؛ فالاستكثار بهذا المعنى ليس معيبا ولا منهيا عنه. أو أن الفعل "تستكثر" مجزوم لأنه بدل من الفعل: تمنن. فالمعنى لا تمنن ... أي: لا تستكثر ما أنعمت به ... وكذلك يقولون في المضارع.. "يؤذ"، إنه بدل من المضارع: يقرب، أي: لا يؤذنا، أما المثال الأخير: "يصب" فيحكون عليه بالشذوذ؛ إذ لا يجدون له تأويل سائغا. وفيما يلي بعض أمثلة للنهي يستقيم فيها المعنى على تخيل "إن" وإحلالها مع "لا" النافية بالطريقة التي سلفت محل "لا" الناهية، وجزم المضارع في الجواب ... وأمثلة أخرى لا يستقيم فيها المعنى على تخيلهما. أ- فمن الأولى: لا تهمل يشتهر أمرك بالإجادة، إلا تهمل يشتهر أمرك ... لا تفش أسرار الناس تكتسب ودهم، إلا تفش ... تكتسب ... لا تسرق تحترم، إلا تسرق تحترم. لا ترفع صوتك تحسن، إلا ترفع صوتك تحسن. لا تصافح المريض تسلم، إلا تصافح المريض تسلم. ب- ومن الثانية: لا تهمل يخمل شأنك، إلا تهمل يخمل شأنك. لا تفش أسرار أناس تفقد ودهم، إلا تفش أسرار الناس تفقد ودهم. لا تسرق تعاقب، إلا تسرق تعاقب. لا ترفع صوتك يزعج السامعين، إلا ترفع صوتك يزعج السامعين. لا تصافح المريض تنتقل إليك عدواه، إلا تصافح المريض تنتقل إليك عدواه. 1 وفيما سبق من جزم المضارع عند سقوط الفاء بعد غير النفي -أي: بعد الطلب- يقول ابن مالك: وبعد غير النفي جزما اعتمد ... إن تسقط. "الفا" والجزاء قد قصد-14 وشرط. جزم بعد نهى أن تضع ... "إن" قبل: "لا" دون تخالف يقع-15 التقدير: "واعتمد جزما بعد غير النفي إن تسقط الفاء والجزاء قد قصد" ... دون تخالف يقع، أي: بشرط ألا يقع اختلاف في المعنى قبل مجيء "إن" سابقة "لا" وبعد مجيئها. وترك الشروط والتفصيلات الأخرى التي أوضحناها.

جواب الأمر والترجي: كل ما تقدم يسري على المضارع الخالي من الفاء، الواقع في جواب نوع من الطلب؛ كالأمرن أو الترجي، أو غيرهما ... ونخص هذين بشيء من البيان. أ- من أنواع الطلب المحض: الأمر -كما عرفنا-1 والمضارع في جوابه إذا كان مقرونا بفاء السببية، يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا. وكثرة النحاة تشترط لنصبه هذا أن يكون بالصيغة الصريحة الدالة على فعل الأمر مباشرة؛ نحو: "ارحم من هو أضعف منك؛ فيرحمك من هو أقوى منك"، أو بالصيغة التي تشبهها؛ وهي لام الأمر الجازمة للمضارع؛ نحو: "لترحم من هو أضعف منكم فيرحمك من هو أقوى ... ". فإن لم تكن الدلالة على الأمر بإحدى هاتين الصيغتين فالفاء بعدها ليست للسببية؛ كالدلالة باسم فعل الأمر في مثل: صه عن اللغو؛ فيرتفع قدرك، ومثلك مكانك فتحمدين أو تستريحين. أو بالمصدر الواقع بدلا من التلفظ بفعله في مثل: سعيا في الخير، فتجتمع القلوب حولك. أو بصيغة الدعاء بالاسم في مثل: سقيا لوطن الأحرار فيسعدون به. أو بصيغة الجملة الخبرية بقصد الدعاء -أو غيره-2 نحو: يعينني الله فأحتمل أعباء الجهاد. فالفاء في كل هذه المواضع ليست للسببية يف رأي الكثرة. وقد سبق3 أن الأفضل التيسير بقبول الرأي الذي يجعلها سببية. واتفق رأي الكثرة والقلة على صحة جزم المضارع الواقع بعد هذه الفاء إذا سقطت، وخلا الكلام منها؛ فيصير المضارع بعد غيابها واقعا في جواب الأمر فيجزم؛ سواء أكانت الدلالة على الأمر بالصيغتين الأصليتين أم بغيرهما من باقي الصيغ التي عرضناها؛ بشرط استقامة المعنى عند إحلال "إن" الشرطية،

_ 1 في ص365 وما بعدها. 2 أي بقصد غير الدعاء، كالأمر -كما سيجيء في الصفحة الآتية. 3 في ص366.

والمضارع المناسب محل الأمر1؛ فتقول: ارحم من هو أضعف منك يرحمك من هو أقوى2، لترحم من أهو أضعف منكم يرحمك من هو أقوى. كما تقول: صه عن اللغو يرتفع قدرك، ومكانك تحمدي أو تستريحي، سعيا في الخير تجتمع حولك القلوب، سقيا لوطن الأحرار يسعدوا به، يعينني الله أحتمل أعباء الجهاد ... ، ومثل الجملة الخبرية المقصود منها الأمر، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} 3، بجزم المضارعين "يغفر" و "يدخل" في جواب الأمر: إذ الأصل: آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيل الله ... يغفر لكم ... ويدخلكم ... ، ومثل الآية الكريمة3 كثير من فصيح الأساليب التي يحاكيها الناس حتى يومنا هذا -وقد أشرنا لبعضها في مناسبة سابقة-3 كقول الزارع ينصح زميله: "تزع حقلك وتعتني به تحصد كثيرا". "وتهمل أمر زرعه، وتنصرف عنه تحزم يوم الحصاد". التقدير: ازرع حقلك واعتن به تحصد كثيرا. وأهمل أمره، وانصرف عنه تحزم. ومن الأمثلة المأثورة: اتقي الله امرؤ فعل خيرا يشب عليه ... التقدير: ليتق الله امرؤ، وليفعل خيرا ... يشب عليه4..

_ 1 وبه يتم تحقق الشروط الثلاثة اللازمة، وهي: "الطلب -وقوع المضارع جوابا له- صحة إحلال "إن". و ... 2 ومثل قول الشاعر: الرفق يمن، والأناة سعادة ... فتأن في رفق تلاق نجاحا 3 و3 سبقت الآية وأمثلة أخرى في ص366، وهامشها وما بعدها. 4 وفي جزم المضارع في جواب الأمر يقول ابن مالك: والأمر إن كان بغير: "افعل" فلا ... تنصب جوابه. وجزمه اقبلا-16 "اقبلا، أصلها: اقبلن، بنون التوكيد الخفيفة، قلبت ألفا للوقف". يريد: الأمر -وهو من أنواع الطلب- إن كانت صيغته ليست الصيغة الصريحة فيه -وهي "افعل"- لا يجوز اعتبار الفاء بعده سببية ما دامت الصيغة ليست صريحة أصيلة فيه، وبارغم من هذا يصح المضارع في جواب هذا الأمر عند سقوط تلك الفاء. وهذا الكلام مبتور غير واف.

ب- ومن أنواع الطلب -في الرأي الراجح- الترجي. وقد سبق تعريفه والكلام عليه1؛ فإذا وقع في جوابه المضارع مقرونا بفاء السببية وجب نصبه بأن مضمرة وجوبا؛ ومن الأمثلة: "لعلك مزود بالجد والصبر فتبلغ اسمى الغايات، ولعلك تحفظ حق النعمة فيديمها الله عليك". فإذا سقطت هذه الفاء وخلا مكانها، صار المضارع بعدها -في ذلك الرأي الراجح- جواب للترجي مجزوما إن تحققت شروط الجزم التي عرفناها؛ ففي الأمثلة السالفة نقول: لعلك مزود بالجد والصبر، تبلغ أسمى الغايات، ولعلك تحفظ حق النعمة يدمها الله عليك. ومثل قول الشاعر: لعل التفاتا منك نحوي ميسر ... يمل بك من بعد القساوة لليسر ......................................2 ... ........................................

_ 1 في ص378. 2 وقد اكتفى الناظم في الكلام على فاء السببية بعد الترجي وعلى سقوطها وجزم المضارع بعد غيابها جوابا للترجي -ببيت واحد "سبق شرحه في هامش ص371 لمناسبة أقوى وأليق" هو: والفعل بعد "الفاء" في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب-17 يريد: أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء المسبوقة بالرجاء ينصب، كما ينصب المضارع الواقع بعد التمني على اعتبار الفاء سببية في كل منهما. ولم يذكر شروطا ولا فروعا لنصبهما، ولم يتعرض لحكم المضارع إذا سقطت الفاء بعد الترجي. وقد تداركنا هذا كله. ثم انتقل من هذا البيت إلى آخر يتضمن حكم المضارع المعطوف على اسم صريح؛ فقال: وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه "أن" ثابتا أو منحذف وقد سبق تفصيل الكلام على هذا المعنى وافيا شاملا في موضع أنسب "ص288" ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- إذا دخلت "إن" الشرطية -أو غيرها من أدوات الشرط- على "لا" الناهية فقدت دلالتها على النهي وصارت للنفي؛ لأن أداة الشرط لا تدخل على النهي1. وعلى هذا كيف نعرب: "لا" الناهية التي فقدت الدلالة على النهي بسبب وقوعها بعد "إن" الشرطية أو غيرها من أدوات الشرط؟ أنقول إنها حرف نهي باعتبار أصلها السابق، أم نقول إنها حرف نفي باعتبار الواقع الذي انتهت إليه؟ رأيان قد يكون خيرهما مراعاة الواقع. ب- إذا جزم المضارع في جواب الطلب بعد أن اختفت فاء السببية -فما العامل الذي جزمه؟ للنحاة في هذا ميدان جدل فسيح، ولسنا في حاجة لغرض مساجلاتهم2، وحسبنا الإشارة العابرة إليها، والاكتفاء بأن نقول في المضارع المجزوم: إنه مجزوم لوقوعه في جواب: "الطلب". 1- فمن قائل إن أداة الطلب تضمنت معنى أداة الشرط فجزمت، كما أن أسماء الشرط تضمنت معنى الشرط فجزمت. وقد دفع هذا باعتراضات كثيرة. يصدمها ردود كثيرة أيضا. 2- ومن قائل إن أداة الطلب وجملته نابت في العمل عن أداة الشرط وجملته بعد حذفهما فجزمت؛ كما أن النصب بالمصدر في نحو: ضربا اللص؛ هو لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه منعاه. ونصيب هذا من الجدل نصيب سابقه ... وكلاهما يرمي إلى أن العامل مذكور. 3- ومن قائل إن عامل الجزم ليس مذكور في الكلام تضمنا أو إنابة كما

_ 1 سبقت إشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص388. وتجيء له إشارة عابرة في رقم 1 من ص409 ورقم 5 من ص426. 2 من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى المطولات، ومنها: الأشموني وحاشية الصبان عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول أصحاب الرأيين السالفين، وإنما هو شرط مقدر دل عليه الطلب المكذور فمن يقول: أكرمني أحسن إليك -يريد: أكرمني؛ فإن تكرمني أحسن إليك. وهذا أشهر الآراء مع ما يتعاوره من معارضات مختلفة. 4- ومن قائل إن العامل ليس مذكورا -كما هو الرأي الثالث- ولكنه مقدر ينحصر في "لام الأمر" المقدرة -دون غيرها- فأصل: ألا تنزل عندنا تصب خيرا ... هو: ألا تنزل عندنا. لنصب خيرا ... وهذا أضعف الآراء عندهم، والاعتراضات عليه كثيرة وقوية.

المسألة 151

المسألة 151: حذف 1 "أن" والنصب بها في غير المواضع السابقة: عرفنا المواضع التي ينصب فيها المضارع بأن المضمرة وجوبا أو جوازا. وقد سمع من العرب نصبه "بأن" محذوفة1 في غير تلك المواضع أحيانا، فمن الوارد عنهم: خذ اللص قبل يأخذك -تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقول الشاعر: ألا أيهاذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذان -هل أنت مخلدي .... والأصل: خذ اللص قبل أن يأخذك -أن تسمع بالمعيدي ... - أن أحضر الوغى ... وقد دار الجدل حول هذه الأمثلة؛ أيصح القياس عليها بحذف "أن" العاملة أم لا يصح؟ وكيف نضبط المضارع في الأمثلة المسموعة بالنصب بعد حذف "أن"؟ أنتركه منصوبا -كما كان عند وجودها- مراعاة للسماع، وللأصل الأول قبل الحذف، أم يصح رفعه مراعاة للأمر الواقع؟ وصفوة ما يختار، وما يجب الاقتصار عليه -حرصا على سلامة اللغة، وبعدا عن اللبس والاضطراب في فهمها- هو: الحكم بالشذوذ على ما ثبت سماعه وصحت روايته من تلك الأمثلة المنصوبة2. وعدم محاكاتها، أو القياس عليها. أما ضبط الأفعال المضارعة المسموعة بالنصب فيصح رفعها، أو تركها منصوبة كما وردت. ومن الكوفيين من يجيز حذف "أن" قياسا مع بقاء عملها النصب في المضارع بعدها، وعلى هذا جاء قول المتنبي -وهو كوفي- في وصف غادة: بيضاء يمنعها تكلم دلها ... تيها، ويمنعها الحياء تميسا

_ 1 الحذف هنا غير الإضمار؛ لأن المحذوف غير موجود في الكلام مطلقا، لا ظاهرا ولا خفيا. المضمر، فموجود ولكنه غير ظاهر. 2 حام الشك حول صحة النقل في بعض الأمثلة القديمة، وأنه غير مسموع على الوجه الذي نقل به.

يريد: أن تتكلم -أن أتميس "أي: تتبختر". وإهمال هذا الرأي أولى -لما سبق. هذا، وقد تحذف "أن" سماعا، ويرفع المضارع سماعا كذلك؛ فيراعى الضبط الوارد؛ كالفعل "يريكم" في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} عند من يرى الأصل: "أن يريكم ... " ثم حذفت "أن" ورفع المضارع بعد حذفها مع حاجة المعنى إليها1..

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك خاتما الباب: وشذ حذف: "أن" ونصب في سوى ... ما مر. فاقبل منه ما عدل روى-19 ومعنى البيت: حذف أن -لا إضمارها في المواضع السابقة- مع إعمالها النصب في المضارع بعد حذفها أمر شاذ؛ يحفظ ولا يقاس عليه، وأن ما روي منه على لسان الراوي العدل -الأمين- يقبل منصوبا كما روي.

المسألة 152

المسألة 152: السبب في إضمار "أن" وجوبا، وجوازا: تقدمت1 المواضع التي تضمر فيها "أن" الناصبة بنفسها للمضارع بالرغم من إضمارها. ولا ترضى جمهرة النحاة أن يكون الناصب في تلك المواضع عاملا آخر. وتتلخص الحجة فيما يأتي: نصب المضارع لا بد أن يكون أثرا لعامل ناصب، إن لم يظهر في الكلام فلا مناص من تقديره مختفيا2 يعمل النصب وهو مضمر2 ... ؛ إذ لا يستقيم المعنى بغير إضماره جوازا حينان ووجوبا حينا آخر. أ- يتضح هذا من مواضع الإضمار الجائز التي منها "المضارع المسبوق بلام التعليل"3 "في مثل: تداوي المريض ليبرأ -تعلم الناشئ ليسعد- أجاد الصانع ليشتهر" ... فسبب الإضمار هنا أن "التعليل" أمر معنوي محض؛ فهو -كسائر الأمور المعنوية المحضة- متجرد من الدلالة على الزمان، أو المكان، أو الذات، أو غيرهما ... ، مقتصر على الناحية العقلية الخالصة؛ "ومن الأمثلة أيضا: التداوي، البرء، التعلم، السعادة، الاشتهار، القيام، القعود، الحصد، الأكل، الشرب، السفر ... " على حين يتضمن المضارع الذي بعد "لام التعليل" الدلالة على الزمان4 حتما؛ فهو مخالف لذلك القانون اللغوي الثابت الخاص بالتعليل؛ ومناقض له، مع أنهما لفظان متصلان متلاصقان في كلام واحد مرتبط المعنى. فلا بد من منع هذا التناقض بوسيلة سائغة تخضع هذا المضارع للقانون العام المطرد. وقد وجدها النحاة فيما يسمونه: "المصدر المؤول". وزاد اطمئنانهم إليه حين رأوا العرب يعطفون عليه المصدر الصريح -وهو يدل على المعنى المجرد- عطفا يدل على اشتراكهما في الدلالة المعنوية المحضة. ولم يبق بعد هذا إلا

_ 1 في ص284 و317 وما بعدها. 2 و2 وقد يكون محذوفا سماعا في بعض الحالات -كالتي في المسألة السالفة- مع ملاحظة أن الإضمار غير الحذف؛ كما تقدم في رقم 1 من هامش ص400. 3 قلنا عن "لام التعليل" -في ص285- "إنها حرف جر أصلي يفيد "التعليل" وهي التي بمعنى: "لأجل كذا ... " فما بعدها في الإغلب علة قبلها في الكلام المثبت ... 4 فوق دلالته المعنوية.

اهتداؤهم إلى الحرف المصدري السابك. فهل يكون لام التعليل في الأمثلة السالفة؟ قالوا: لا؛ لأنها حرف جر، والمضارع بعدها منصوب، ولا يقبل الجر. فما الذي نصبه وليس في الكلام عامل نصب؟ هل تكون لام جر ونصب معا. فتنصب المضارع بنفسها، وتجر الصدر المنسبك بنفسها كذلك؟ قالوا: لا؛ إذ ليس في الحروف كلها ما يعمل عملين مختلفين في كلمة واحدة، ووقت واحد. هل تكون قد تجردت للسبك مع النصب، كما تجردت لهما "أن المصدرية"؟ لا يقال هذا؛ لأنها لو تجردت لهما معا لوجب حذفها بعد إتمام السبك، وقيام المصدر المؤول -عملا بما تقتضيه قواعد السبك- لكن حذفها يؤدي إلى خلو الكلام من العلامة الهامة الدالة على التعليل، والمرشدة إلى ضبط المصدر المنسبك، وإعرابه، وضبط ما قد يكون له من توابع -كالعطف والبدل..... وأيضا يمنع من اعتبارها حرف نصب ما تردد في الكلام الفصيح من ورود التوابع للمصدر المؤول مجروره لا منصوبة. وهذا يقطع بأن المتبوع "وهو" المصدر المؤول" مجرور ليس غير. ولا عامل يصلح لعمل الجر في الجملة إلا هذه اللام. ولو بقيت -بالرغم مما في بقائها من مخالفة ضوابط السبك، كما أسلفنا- لأدى بقاؤها إلى اللبس والاضطراب أيضا؛ إذ لا نستطيع الحكم عليها بأنها هي التي كانت قبل السبك أو أنها أخرى جاءت بعده. والفرق المعنوي والإعرابي كبير بين النوعين. فلم يبق إلا أن الناصب السابك حرف غير مضمر. هو: "أن" دون غيره. وأساس اختيار هذا الحرف: استقراء الكلام العبي في أفصح أساليبه؛ فقد دل على أن العرب يعمدون في اِلأسلوب الواحد إلى إظهار الحرف "أن" بعد "لام التعليل" أو إلى إضماره، مع نصب المضارع في الحالتين1، دون أن يختلف المعنى في التركيب مطلقا بسبب إظهار "أن" أو عدم الإظهار. وما قبل في "لام التعليل" يقال في غيرها من الحروف الأخرى التي تضمر بعدها "أن المصدرية" إضمارا جائزا. ب- وأما إضمارها وجوبا بعد أحرف أخرى معينة؛ "كالفاء، والواو،

_ 1 أوضحنا الفوارق الكثيرة بين المصدر الصريح والمؤول -في الجزء الأول باب الموصول م29 ص377- وبسطنا هناك الأسباب الداعية لاستعمال المصدر المؤول دون التصريح.

وحتى ... و ... و ... " فلأن كلا منها يؤدي معنى خاصا محتوما؛ كالسببية، والمعية، والتعليل، والغائبة ... و ... ، وكل هذه معان عقلية مجردة، لا حالالته فيها لزمان، أو مكان، أو ذات، أو غيرها ... -على الوجه الذي شرحناه- فلا توافق بينها وبين المضارع؛ لاقتضائه الزمان حتما. فلا مفر من البحث عن وسيلة تمنع التعارض هنا، وتجعل الجملة المضارعية بعد هذه الأحرف المعينة، في عداد ما يدل على الأمر المعنوي المحض، وهذه الوسيلة هي المصدر المسؤول. والحرف السابك هو "أن" دون غيره من الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف التي لها معان معينة خاصة يؤدي إلى فساد المعنى العاملي الوجه الذي تقدم في "لام التعليل"، وإلى خلو التركيب من الأثر النحوي الهام على الوجه الذي يقوم به كل حرف منها؛ كالعطف، والجر، و ... و ... ، وليس من الممكن -طبقا للأساليب الصحيحة الواردة أن يقوم بهذا الأثر النحوي وينصب معه المضارع أيضا؛ فليس بين الحروف ما يقوم بأثرين إعرابيين معا في موضع واحد وزمن واحد -كما تقدم- وهذا الأثر ضروري في ربط شطري الكلام "قبل الحرف وبعده" ومنع تفكك أجزائه، وفي الوصول إلى ضبط الأفعال المضارعة ضبطا صحيحا. ولذا تمسك النحاة بأن تعمل هذه الأحرف العطف أو غيره مما يخص كلا منها. ومن أوضح الأمثلة: "فاء السببية" وهي عاطفة لا محالة -في الرأي الأرجح- وللعطف أثر في حالات كثيرة؛ حيث ينصب النفي على ما قبلها وما بعدها معا، أو على ما بعدها وحده. وحيث يختلف ضبط المضارع من رفع واجب في مواضع، إلى نصب واجب في أخرى، وإلى جواز الأمرين أو وجوب الجزم في غيرها.. ويترتب على كل ضبط معنى يخالف الآخر -كما سبق عند الكلام عليها1. وما يقال في "فاء السببية" يقال في غيرها من باقي الأدوات التي تضمر بعدها "أن" وجوبا. هذا ملخص ما تحتج به الجمهرة المستمسكة بإضمار "أن" وهو يشهد لها بالحذق، والبراعة، وسداد الرأي. فمن التسرع أو جنف الهوى اتهامها -في هذا الحكم- بالتشدد، أو الجمود، أو الاستمساك بما لا داعي له، أوما لا خير فيه.

_ 1 في ص359 والبيان هناك جليل الشأن.

المسألة 153: إعراب المضارع

المسألة 153: إعراب المضارع مدخل ... المسألة 153: إعراب المضارع "ب" جوازمه1: عوامل جزمه ثلاثة أنواع: نوع يقتصر على جزم مضارع واحد في النثر وفي النظم، بلا خوف، وهو أربعة أحرف: "اللام الطلبية، لا الطلبية، لم، لما"2. ونوع لا بد أن يجزم مضارعين معا، أو ما يحل محل كل منهما، أو محل أحدهما؛ وهو عشر أدوات، "منها: إن، إذ ما، من، ما، متى ... و ... " بعضها أسماء، وبعضها أحرف. وسيجيء بيانها وتفصيل الكلام عليها3. ولا يكاد يوجد خلاف في أن هذا النوع جازم.

_ 1 سبقت "ا" -وهي نواصبه- في ص277 م148..، لم سميت هذه العوامل: "جوازم"؟ بذل الشراح وأصحاب المطولات جهدا عنيفا في عقد الصلة بين الجزم بمعناه اللغوي؛ "وهو: القطع" ومعناه النحوي "الاصطلاحي"، قائلين إن الجوازم سميت بهذا: لأنها تقطع من المضارع "أي: تحذف" حركة آخره إن كان آخره صحيحا، وتقطع الحرف كله "أي: تحذفه" إن كان الآخر حرف علة. وطال الجدل واشتد حول هذا التعليل؛ كما طال واشتد حول بعض العوامل؛ "أبسيطة هي أم مركبة" قبل استخدامها في الجزم؟ وما الأطوار التي مرت بها حتى وصلت إلى صورتها الأخيرة الجازمة؟ وأتوا في هذا الغرائب التي تستحق اليوم الرفض السريع والإهمال؛ لما في أكثرها من بحوث وهمية لا تتصل بالواقع بصلة حقة. نقلوها عن شيخهم القديم "السيرافي" أحد شراح: كتاب سيبويه" وزادوها على الأيام حتى وصلت إلينا بصورتها الغربية. وحسبنا هذه الإشارة العابرة دون الاهتمام بتسجيلها، فإنما المهم أن نعلم آثار الجوازم، وأحكامها المختلفة، وفي مقدمتها أنها لا تدخل إلا على الفعل فإن ظهر بعدها فيها، وإلا وجب تقديره -كما سنعرف- وأنها تجزم المضارع لفظا أو محلا. ومن المجزوم محلا: المضارع المختوم الآخر بنون التوكيد. مباشرة. كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص410. وجدير بالملاحظة -كما سبق التفصيل في ج1 م15 ص186- أن الجازم يحذف حرف العلة من آخر المضارع المعتل المجزوم. لكن قد يحذف حرف العلة من آخر المضارع لمجرد التخفيف من غير جازم كقوله تعالى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي: نبغي. 2 وهناك جزم مضارع واحد في جواب الطلب وملحقاته. وقد سبق تفصيل الكلام عليه في ص387. 3 في ص421 الكلام على النوع، وفي ص440 الكلام على النوع الثالث.

ونوع ثالث يختلف النحاة في اعتباره جازما، وقليل منهم يعده جازما، ويقصر جزمه على الشعر دون النثر. وأدواته ثلاثة: إذا -كيفما- لو.. والجوازم بأنواعها الثلاثة لا تدخل إلى على الفعل ظاهرا، أو مقدرا1. وفيما يلي البيان: النوع الأول 2: الأربعة التي يجزم كل منها مضارعا واحدا معانيها، وأحكامها أولها: لام الطلب. وهي التي يطلب بها عمل شيء وفعله -تركه، ولا الكف عنه- فإن كان الطلب صادرا ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقل منه سميت: "لام الأمر"، وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لام الدعاء". وإن كان من مساو سميت: "لام الالتماس". وبسبب دلالتها على المعاني الثلاثة كانت تسميتها "بلام الطلب" أنسب، كما عرفنا3. ومن أمثلتها: "لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتكن صلة القرابة لديك مصونة". ومن أمثلتها: "لتكن حقوق الوالدين عندك مرعية، ولتن صلة القرابة لديك مصونة". ومثل قول الحكماء: "ليكن حبك وبغضك أمما4 ولتجعل للصلح والرجوع بقية في بقية في قللك، تصلح بما ما فات". وأشهر أحكامها: 1- أنها تجزم المضارع5 بشرط ألا يفصل بينهما فاصل. 2- أن الجزم بها مختلف في درجة القوة والكثرة. فيكثر دخولها على المضارع المبدوء بعلامة الغياب؛ وهي الياء للمذكر، والتاء للمؤنث، ويقل -مع صحته-

_ 1 ملاحظة: إذا كان المضارع مجزوم الآخر بالسكون الظاهر الذي قبله حرف علة فإنه يجب حذف حرف العلة قبل هذا السكون الظاهر؛ ففي مثل: ينال، يصول، يميل ... يقال: من لم يحمل المتاعب لم ينل الرغائب، لا تصل بغير سلاح الحق؛ فإنه أمضى سلاح، لا يمل كل الميل، حبا أو بغضا؛ فمن وراء الإفراط سوء العواقب. 2 انظر رقم 2 في هامس السابق. 3 في ص366 -عند الكلام على أنواع الطلب. هذا، ولا يمنع من تسميتها طلبية خروجها عنه من مضارعها إلى معنى آخر؛ كالتهديد في قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وكالخبرية في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} . 4 معتدلا وسطا. 5 لفظا أو محلا؛ كالشأن في جميع الجوازم.

دخولها على المضارع المبدوء بحرف الخطاب1؛ أو المبدوء بحرف التكلم، وهو: الهمزة أو النون، لأن المتكلم لا يأمر نفسه إلا مجازا، وهذا -مع قلته- قياسي فصيح، كسابقه. ومن الأمثلة قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ، وقوله عليه السلام: "قوموا فلأصل لكم" 2. ومثل: لأترك من أساء ولأصاحب من أحسن. 3- أنها قد تحذف ويبقى عملها. وحذفها إما كثير مطرد؛ وذلك إذا وقعت بعد فعل الأمر: "قل" وكان الكلام بعدها لا يصلح جوابا للأمر. بسبب فساد معنوي. أو غيره، كالآية الكريمة: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} 3 أي: ليقيموا.. وإما قليل، ولكنه جائز في الاختيار وفي الضرورة، وهو حذفها بعد مشتقات القول الأخرى التي ليست فعل الأمر: "قل"؛ نحو: قلت لبواب لديه دارها ... تأذن؛ فإني حموها4 وجارها يريد: لتأذن5 لي بالدخول ... 6. وإما قليل مقصور على حالة الضرورة الشعرية؛ وهذا حين لا يسبقها شيء من مادة القول؛ نحو:

_ 1 لأن فعل الأمر هو المختص الأصيل في الخطاب. 2 الفاء زائدة. أو عاطفة، عطفت جملة طلبية على طلبية. 3 الأصل: ليقيموا. وحجة القائلين بحذفها هنا، وبأن المضارع ليس مجزوما في جواب الأمر: "قل" -هو: أن مجرد الأمر بالقول لا يترتب عليه إقامتهم الصلاة فعلا؛ إذ لا يلزم من القول المجرد، والنطق به بصيغة فعل الأمر، حصول الفعل المراد حقيقة، وتحقيق المأمور به..، والذي يمنع هذا الفساد المعنوي هنا هو: تقدير لام الأمر. 4 أبو زوجها. 5 وليس المضارع في البيت ساكنا لضرورة الشعر في رأي فريق؛ ففي استطاعة الشاعر أن يقول "إيذن" من غير أن ينكسر البيت، وفي استطاعته أيضا أن يقول ولا ينكسر البيت. "تأذن إني حموها وجارها" ... بضم النون وحذف الفاء بعدها ... وللضرورة تفسير آخر، سبق عند الكلام عليها في ص271 "في رقم 2 من هامشها". 6 ومثله قول شاعرهم: قالت: تدعنا بلا بعد ولا صلة ... ولا صدود، ولا في حال هجران أي: لتدعنا.

محمد، تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا1 وقول الآخر2: فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب والأصل فيهما: لتفد، ليكن ... ، فحذفت اللام للضرورة الشعرية. 4- أن تحريكها بالكسر هو الأكثر؛ إذا لم يسبقها "الواو، أو الفاء، أو ثم". وفتحها لغة إن فتح تاليها. فإن سبقها أحد الأحرف الثلاثة المذكورة جاز تسكينها وتحريكها على الوجه السالف، لكن التسكين أكثر. نحو قولهم: من ولي من أمور الناس شيئا فليراقب ربه فيما وليه، وليذكر أنه محاسب على ما يكون مه، ثم لينتظر عاقبة ما قدمت يداه..3. ثانيها: "لا" الطلبية وهي التي يطلب بها الكف عن شيء وعن فعله4. فإن كان الطلب موجها ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى سميت "لا الناهية"4 وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية" وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا التي للالتماس"5 ... ومن أمثلة الناهية قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} . وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} -أي: ولا تتفرقوا. ومن أمثلة الدعائية قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وقول الشاعر:

_ 1 هلاكا. والبيت لحسان. 2 يخاطب ابنه العاق الذي يتمنى لوالده الموت. 3 وبالتسكين جاء قوله تعالى: في الآية التالية -وقد سبقت لمناسبة أخرى في رقم 2 من هامش ص194 {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . 4 و4 انظر ما يتصل بهذا المعنى في "ج" ص412. 5 وقد سبقت الإشارة لهذا في النواصب عند الكلام على الطلب ص366. وبيان الأفضل في تسميتها.

لا يبعد الله جيرانا تركتهمو ... مثل المصابيح تجلو ليلة الظلم ........................................ ... .......................................1 ومن أمثلة الالتماس قول الزميل لزميله: لا تتهافت على اللئيم فتتهم في مروءتك. ولا على الجاهل فتتهم في فطنتك. ولا تأمن العدو فيسوقك للمهالك، ولا تثق بالحسود فيجرك للعطب. وأشهر أحكامها: 1- أنها تجزم المضارع2 بشرطين، أولهما: ألا يفصل بينهما فاصل، إلا عند الضرورة الشعرية؛ كالتي في مثل: وقالوا: أخانا -لا تخشع لظالم ... عزيز، ولا -ذا حق قومك- تظلم3 والأصل: ولا تظلم ذا حق قومك4. وأجاز بعضهم الفصل بالظرف أو بالجار مع مجروره؛ لأن التوسع بشبه الجملة كثير في ألسنة العرب. ورأيه حسن؛ مثل قولك للطائش: "لا -اليوم- تعبث والقوم يجدون، ولا -عن النافع- تنصرف والعقلاء يقبلون". أي: لا تعبث اليوم ... ولا تنصرف عن النافع. ثانيها: ألا تسبقها "إن الشرطية" أو غيرها من أدوات الشرط. فإن سبقت بإحداهما صارت نافية لا تجزم5.. 2- صحة حذف مضارعها لدليل يدل عليه؛ نحو: انصح زميلك ما وجدته

_ 1 وكذلك قول المتنبي يدعو لسيف الدولة: فلا تنلك الليالي؛ إن أيديها ... إذا ضربن كسرن النبع بالغرب "النبع شجر صلب ينبت في قمم الجبال، تصنع منها السهام. والقسي، والغرب: نبت ضعيف ينبت على شواطئ الأنهار. 2 لفظا أو محلا؛ كالحال في سائر الجوازم. 3 حرك المضارع بالكسر لأجل القافية في أبيات القصيدة. 4 أي: يا أخانا لا تخشع؛ بمعنى: لا تخضع. ويقول العيني: "ذا حق" مفعولان، فصل بهما بين "لا، والمضارع". وقد تعقبه الصبان: فقال: "ذا مفعل، وحق منصوب على نزع الخافض، والتقدير: لا تظلم هذا في أخذ قومك منك". ا. هـ. وقد يكون الأنسب والأوضح ما قاله العيني؛ لأن الفعل: "ظلم" قد ينصب مفعولين -كما في القاموس. 5 طبقا للبيان الذي سبق في "ا" من ص398 وله إشارة في رقم 5 من ص426 ورقم 1 من هامش ص388.

مستريحا للنصح، منشرحا له. وإلا فلا ... أي: فلا تنصحه. ويجب حذف المضارع بعدها في حالة واحدة؛ هي: أن ينوب عن مصدر محذوف، مؤكد، دال على نهي، كقولك لمن يتكلم والخطيب يخطب: سكوتا لا كلاما، أي: اسكت سكوتا، لا تتلكم كلاما1. 3- كثرة جزمها المضارع المبني للمعلوم إذا كان مبدوءا بالتاء أو الياء، نحو قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} . وقول الشاعر: لا تسأل الناس عن مالي وكثرته ... وسائل الناس عن حزمي وعن خلقي وقولهم: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق؛ فإن الرزق لا يسعى للقاعد عن طلبه2. فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم "الهمزة، أو: النون" فمن النادر الذي لا يقاس عليه أن تجزمه -في الرأي المختار- لأن المتكلم لا ينهى نفس إلا مجازا. ومن القليل المسموع قول الشاعر: لا أعرفن ربربا3 حورا مدامعها ... مردفات4 على أعقاب5 أكوار6

_ 1 طبقا للبيان الذي سبق تفصيله في بابه المناسب "باب: "المفعول المطلق"، موضوع: "حذف عامل المصدر" ج2 م76". 2 ومثله قول الشاعر: لا يعجبن مضيما حسن بزته ... وهل يروق دفينا جودة الكفن؟ المضيم: الذليل المهين -البزة: الهيئة ... والمضارع مبني على الفتح في محل جزم- فهو مجزوم محلا، كما سيجيء في رقم 3 التالي وكما في قوله: "لا تكونن على الإساءة، أقوى منك على الإحسان". وقد اجتمعت التاء والياء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} . اتلمزوا: لا تذموا ولا تعيبوا. لا تنابزوا: لا تتنادوا بالألقاب المكروهة. 3 قطيعا من الظباء أو البقر الوحشية، والمراد: جماعة من النساء جميلات العيون كالربرب. والمضارع في هذا البيت -كما في سابقه- مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، في محل جزم؛ فهو مجزوم محلا -كما سبق هنا في رقم 2 وفي رقم 1 من هامش ص405. 4 متتابعات؛ بعضها وراء بعض. 5 جمع: عقب، وهو آخر كل شيء. 6 جمع: كور، وهو: الرحل بأدواته.

وقول الآخر: إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ... لها أبدا ما دام فيها الجراضم1 أي: لا يكن ربرب أعرفه -لا تكن منا عودة بعد خروجنا2 ... فإن كان مبدوءا بعلامة التكلم مع بنائه للمجهول جزمته بكثرة؛ نحو: لا أخرج من وطني إلا تحت ظلال السيوف أو لا تخرج من وطنا ... وإنما كثر هذا لأن النهي متجه إلى غير المتكلم؛ فأصل الكلام. لا يخرجني أحد، أو لا يخرجنا أحد.. فالنهي منصرف للفاعل وهو غير المتكلم. ثم حذف الفاعل وناب عنه ضمير المتكلم؛ فصار الكلام: لا أخرج، ولا نخرج3.

_ 1 كثير الأكل، كبير البطن، ويريد الشاعر به: معاوية بن أبي سفيان. 2 ومن المسموع الذي لا يقاس عليه قول الشاعر: ولا أكن كقتيل العين بينكمو ... ولا ذبيحة تشريق وتنحار "وقتيل العين" -بفتح العين وسكون الياء- عند العرب من ذهب دمه هدرا. "وذبيحة التشريق" هي التي تذبح في عيد الأضحى، ويشرق بعض لحمها "أي: يخفف" ليأكله أصحابه خلال أيام العيد. "والتنحار": النحر. 3 هذا تعليل جدلي. والتعليل الحق مجرد استعمال العرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- لم يشترط الكوفيون للجزم بـ"لا" أن تكون طلبية؛ فهم يصححون الجزم بعد "لا" النافية أيضا؛ بشرط أن يصح وقوع "كي" التعليلية قبلها مع استقامة المعنى؛ كالذي حكى من قول بعض العرب: "ربطت الفرس لا ينفلت" بجزم المضارع وبرفعه، فالجزم على توهم وتقدير جملة شرطية؛ أي: لأني إن لم أربطه ينفلت. وهنا يمكن وضع: "كي" قبل: "لا" من غير أن يفسد المعنى، بأن يقال: ربطت الفرس كي لا ينفلت. ومن الخير اليوم عدم الأخذ بهذه اللغة، وعدم القياس على القليل الوارد بها؛ منعا لفوضى التعبير، وما يترتب عليه -بغير داع- من اضطراب الفهم واختلافه. أما الرفع فعلى الاستئناف. ب- من الأساليب الصحيحة التي لها نظائر واردة في بليغ الكلام: "أحب الأصدقاء ولا تر ما المخلصون أو: ولو تر ما المخلصون ... " بمعنى: "ولا سيما ... " في كل ما تقدم. وقد سبق تفصيل الكلام على هذا الأسلوب؛ معنى وإعرابا1 ... ح- يقرر اللغويون أن "لا، النافية"، قد تفيد النهي -دون أن تجزم- إفادة أقوى من إفادة "لا، الناهية" يدل على هذا ما سجله الشراح في قوله عليه السلام2: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلام ... " -برفع المضارع: "يشير"، وإثبات الياء قبل الراء، فقد قال النووي في شرحه ما نصه: "قوله: لا يشير..، نهي بلفظ الخبرن وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي". ا. هـ3. ومن الأمثلة أيضا قوله عليه السلام4 حين نزلت الآية التي تحرم الخمر تحريما قاطعا: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبيع" برفع المضارعين. ودليل الرفع عدم حذف الياء قبل آخر الفعل: "يبيع"5.

_ 1 في ج1 باب الموصول، عند الكلام على: "لا سيما" م28 ص287 -وتجيء إشارة لهذا في هامش ص443، والمسموع. 2 نقلا عن: "صحيح مسلم" ج8 كتاب: البر، والصلة، والآداب. 3 لأن معنى النهي هو: طلب الكف عن شيء ... ، فهو شخص طلب مجرد؛ لا يفيد بذاته أن الكف سيتحقق أو لا يتحقق. بخلاف النفي؛ ففيه قطع بعدم حصول الشيء، وجزم بأن المعنى لا سبيل إلى تحققه؛ لثقة المتكلم أن السامعين والمخاطبين لن يخالفوا ما يقرره. 4 رواه "مسلم" في باب تحريم الخمر، من كتاب: الأشربة. 5 لأنه معطوف على المضارع: "يشرب"؛ فلو كان المعطوف عليه مجزوما لوجب جزم المعطوف، وحذف الياء التي قبل آخره.

ثالثها ورابعها: "لم، ولما" الجازمتان1: ويشتركان في أمور، منها: أن كلا منهما حرف نفي. مختص بجزم مضارع واحد، وبنفي معناه، وبقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي2، وقد تدخل همزة الاستفهام -ولا سيما التقريري-3 على هذا الحرف، فلا تغير عمله. ومن الأمثلة قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 4، وقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} . ومثل: حضر الرحالة ولما تحضر رفاقه، وأقبل الناس على تهنئته، ولما يسمعوا منه وصف رحلته، ومثل: أيها الفتى، ألما تترك عبث الغلمان وقد كبرت؟ ألما تقبل على عملك والوطن ينتظر منك الجد والإخلاص؟ لما سبق يقول النحاة في كل واحد منهما عند إعرابه إنه: "حرف نفي، وجزم، وقلب". ثم هم يقررون أن المضارع بعدهما مضارع في لفظه وفي إعرابه، لكنه ماض في زمن معناه، سواء أكان مضيه متصلا بالحال أم غير متصل.

_ 1 لا تكون "لم" في جميع استعمالاتها إلا قافية جازمة. بخلاف "لما" -كما سنذكر- فلها استعمالات متعددة؛ منها: الجزم، ومنها: أن تكون ظرفا بمعنى: "وقت، أو حين" "وقد سبق الكلام عليها في باب الظرف "ج2 م79 ص285" ومنها: أن تكون حرفا بمعنى "إلا" الاستثنائية. وقد أوضحناها في باب: الاستثناء "ج2 م83 د ص336". 2 فيكون الفعل مضارعا في صورته وفي إعرابه، ولكن زمنه ماض. إلا إن كانت "لم" مسبوقة بأداة شرط للمستقبل المحض كما في الصفحة الآتية. 3 وهو: حمل المخاطب على الإقرار "أي: على الاعتراف" بالحكم الذي يعرفه فيما جرى بشأنه الاستفهام. وقد يكون إقراره إثباتا، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أو نفيا. كقوله تعالى يخاطب عيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فليس المراد حمله في كل الأحوال على الإقرار والموافقة على ما جاء منفيا بعد الهمزة؛ وإنما المراد حمله على الإقرار بالإثبات ما بعدها حين يقتضي المعنى الإثبات، ونفيه حينا آخر تبعا للمعنى أيضا. وقد يكون المراد من الاستفهام هنا: إظهار الاستبطاء، والحث على الإسراع: كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} أو التوبيخ؛ نحو قوله تعالى يخاطب الكفار يوم القيامة: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} وقد سبقت الإشارة المفيدة للاستفهام التقريري في نواصب المضارع، عند الكلام على: "فاء السببية" في رقم 1 من هامش ص257. 4 وقول الشاعر: إذا مر بي يوم ولم أتحذ يدا ... ولم أستفد علما فما ذاك من عري

وتنفرد كل أداة منهما بأمور؛ فما تنفرد به "لم": 1- صحة دخول بعض أدوات الشرط عليها "مثل: إن، إذا، من، لو ... " كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقول الشاعر: إذا لم يكن فيكن ولا جنى ... فأبعدكن الله من شجرات وقول الآخر: من لم يؤدبه الجميـ ... ـل ففي عقوبته صلاحه....1 وقول المتنبي يرثي جدته: ولو لم تكوني بنت أكرم والد ... لكان أباك الضخم كونك لي أما وإذا دخلت أداة الشرط على "لم"2 صار المضارع بعدها متجردا للزمن المستقبل المحض، وبطل تأثير "لم" في قلب زمنه للماضي. ومعنى هذا: أن "لم" تقلب زمن المضارع من الحال والاستقبال إلى الماضي بشرط ألا تسبقها إحدى الأدوات الشرطية التي تخلص زمنه للمستقبل المحض، فإن سبقته إحدى هذه الأدوات مثل: إن -من. و. ولم ينقلب زمنه للماضي، وصار التأثير في زمنه مقصورا على أداة الشرط وحدها؛ فتخلصه للمستقبل المحض. كالشأن في الأدوات الشرطية التي تجعله للمستقبل الخالص. لكن ما الذي يجزمه إذا اجتمعت قبله أداة الشرط و"لم" معا، وكانت أداة الشرط جازمة كالتي في بعض الأمثلة السابقة، وفي قولهم: من لم يقدمه الحزم يؤخره العجز؟ 3

_ 1 ومثله قول الآخر: ومن لم يصن في حاجة ماء وجهه ... عن الناس لم يلبس ثياب جلال 2 وقد تكون "لم" مقدرة هي ومضارعها بعد أداة الشرط، كقول الشاعر: إذا الشعر لم يسحرك عند سماعه ... فليس خليقا أن يقال له شعر 3 وفي إعراب قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} يقول الخضري "ج1 آخر باب: المعرب والمبني" عند الكلام على بيت ابن مالك: =

اختلف النحاة في تعيين الأداة العاملة؛ فقائل: إنها "لم"؛ لاتصالها به مباشرة، وأداة الشرط مهملة1 داخلة على جملة، وقائل: إنها أداة الشرط، لسبقها ولقوتها، فكما تؤثر في زمنه فتجعله للمستقبل الخالص تؤثر في لفظه فتجزمه كما جزمت جوابه؛ وخلصت زمنه للمستقبل. وفي هذه الحالة تقتصر "لم" على نفي معناه دون جزمه، ودون قلب زمنه للماضي. والأخذ بهذا الرأي أحسن؛ بالرغم من أن الخلاف لا قيمة له؛ لأن المضارع مجزوم على الحالين، والمعنى لا يتأثر. 2- صحة الفصل بينها وبين مجزومها في الضرورة الشعرية فقط؛ كقول الشاعر: فأضحت مغانيها قفارا رسومها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل أي: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. 3- جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى وانقطع قبل الكلام بوقت قصير أو طويل2، وأن يكون مستمرا متصلا بالحال؛ "أي: بوقت الكلام" ولكن يستحيل أن يكون للمستقبل، أو متصلا به ... 3؛ فمثال انقطاعه قبل الكلام وعدم امتداده للحال: لم ينزل المطر3 منذ شهرنا. ومثال استمراره واتصاله بالحال وعدم انقطاعه قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ،

_ = "واجعل لنحو يفعلان النون ... " ما نصه: "فإن لم تفعلوا" قيل: تنازع الحرفان الفعل فأعمل الثاني، وحذف نظيرها من الأول. وقيل الأصل: إن ثبت أنكم لم تفعلوا ... ، فمضي "لم" في عدم الفعل، واستقبال "إن" في إثبات ذلك العدم، هو على حد قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} فإن المعلق عليه إثبات القد، لا هو نفسه؛ لسبقه على وقت المحاكمة. وقيل: "لم" عملت في الفعل، وهي معه في محل جزم بإن، وجواب الشرط على كل محذوف تقديره: فاتركوا العناد ... ". ا. هـ. وستجيء إشارة لهذا في "ج" من ص437، والأنسب الأخذ بما عرضناه هنا؛ لبعده من التكلف والتعقيد. 1 أي: لا عمل لها. 2 والغالب في هذا الزمن الماضي المنقطع أن يكون مقداره طويلا؛ سواء أكان انقطاعه قبل الكلام قصيرا أم طويلا. أي: أن الغالب على هذا الزمن الماضي أن يكون أوله قديما بعيدا عن نهايته؛ فالاتساع عظيم بين أوله ونهايته. أما نهايته المنقطعة فقد تكون قريبة أو بعيدة من بداية الزمن الحالي. "انظر رم 2 من هامش ص418". 3 و3 لهذا لا يصح أن يقال على سبيل الحقيقة اللغوية: لم يسافر فلان غدا.

وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 1، وقول الشاعر: غاية البؤس والنعيم زوال ... لم يدم في النعيم والبؤس حي وقول الآخر في مغنية: غنت فلم تستبق جارحة ... إلا تمنت أنها أذن1 4- صحة وقوع الاسم بعدها معمولا لفعل محذوف بعدها، يفسره شيء مذكور. كقول الشاعر: ظننت -فقيرا- ذا غنى، ثم نلته ... فلم -ذا رجاء- ألقه غير واهب والتقدير: فلم ألق ذا رجاء -ألقه- غير واهب إياه ما يريد، وما يحتاج إليه2. والأحسن الرأي يقصر هذه الحالة على الضرورة الشعرية، ويمنع القياس عليها في النثر. 5- امتناع حذف مضارعها -في غير الصورة السالفة- إلا في الضرورة3 كقول القائل: احفظ وديعتك التي استودعتها ... يوم الأعازب4، إن وصلت وإن لم أي: وإن لم تصل ...

_ 1 و1 قد يكون اتصاله بالحال واجبا، لأمر عقلي يقتضي ذلك؛ كما في قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} أو لأمر لفظي "لغوي" كوجود كلمة تفيد بانضمامها إلى "لم" معنى الدوام والاستمرار؛ كما في بعض الأفعال الناسخة المنفية من أخوات "كان"؛ وهي الأفعال الأربعة التي يشترط لإعمالها أن تكون مثالية؛ مثل؛ "لم يبرح، لم يزل، لم يفتأ، لم ينفك" وعلى كل حال: المعول عليه في الاستمرار وعدمه هو: القرائن. 2 معنى البيت: كان الناس يظنونني -في حال فقري- غنيا مع أني لم أكن غنيا في الواقع. فلما منحني الله الغنى لم ألق ذا رجاء في مروتي وأمل في معاونتي، إلا حققت رجاءه وأمله؛ فمنحته من المال ما يرضيه. فكلمة: "فقيرا" حال. 3 سبق المراد من الضرورة في رقم 2 من هامش ص271. 4 يوم الأعازب، أو يوم الأغارب: يوم معهود من أيام العرب. ويقول صاحب الدرر اللوامع على "همع الهوامع" "ج2 ص72" لم أقف عليه في كتب أيام العرب. والبيت منسوب للشاعر ابن هرمة..

6- أن بعض العرب قد ينصب بها، وبعضا آخر قد يهملها فلا تنصب ولا تجزم، وإنما تتجرد للنفي المحض؛ فمثال النصب بها قراءة من قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1. ومثال لإهمال قول الشاعر: لولا فوارس من ذهل وأسرتهم ... يوم2 الصليفاء لم يوفون بالجار ومن المستحسن الآن الانصراف عن هذين الرأيين، وعدم محاكاة واحد منهما؛ منعا للفوضى البيانية، الضاره. ومما تنفرد به "لما: 1- صحة حذف المضارع المجزوم بها، والوقوف عليها بعد حذفه، في النثر وفي الشعر؛ كقول أحد القواد الرحالين: "لما دخلت دمشق عزمت على زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، فما كدت أقترب منه حتى امتلأت نفسي هيبة، وسرت في جسدي رهبة لم أستطع منها خلاصا إلا على صوت رائدي يقول: "تقدم للدخول" ... فتقدمت ولما ... ، وبقيت في غمرة من جلال الموت، وعبرة التاريخ؛ أردد قول الشاعر: فجئت قبورهم بدءا3 ولما ... ... فناديت القبور فلم يجبنه4

_ 1 ومن الأمثلة ما ساقه ابن جني في كتابه: "المحتسب" -ج2 ص267- حيث استشهد للنصب -كغيره- بالقراءة السالفة، ثم قال بعدها ما نصه: "قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد: من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر ... ا. هـ. 2 الظرف: "يوم" متعلق بمحذوف خبر، تقديره: لولا فوارس موجودة يوم الصليفاء. ولا يصبح تعليقه بالفعل الذي بعده؛ لأن ما في حيز جواب "لولا" -وغيرها مما يحتاج لجواب- لا يتقدم على الجواب. و"الصليفاء" في الأصل: مصغر "الصلفاء" بمعنى: الأرض الصلبة. وهي هنا موقعة من أشهر مواقع العرب. 3 البدء: السيد. 4 الهاء التي في آخر هذا المضارع هي: "هاء السكت" الساكنة. والبيت لشاعر يتحسر على من مات من قومه، وأن موت عظمائهم قد أخلى له الطريق، كي يكون سيدا بعد موتهم، مع أنه لم ين كذلك في حياتهم. وهو معنى قريب من قول الآخر: خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسودد وفي ذلك البيت الأسبق مخالفة لما يلازمها من وجوب اتصال نفي منفيها بالزمن الحالي؛ طبقًا لما يجيء في رقم 2؛ وقد تكلفوا التأويل لإبعاد هذه المخالفة.

أي: تقدمت ولما أستفق "مثلا" فجئت قبورهم بداء ولما أكن سيدا قبل ذلك ... أما المضارع المجزوم "بلم" فلا يصح حذفه إلا في الضرورة -كما سبق. 2- وجوب امتداد الزمن المنفي بها إلى الزمن الحالي امتدادا يشملهما معا، وذلك بأن كون المعنى منفيا في الزمن الماضي وفي الزمن الحالي أيضا من غير اقتصار على أحدهما، نحو: بهرني ورد الحديقة، وأغراني بقطفه، ولما أقطفه، أي: ولما أقطفه؛ لا في الزمن الماضي "قبل الكلام"، ولا في الحال "وقت الكلام" ومثل قول الشاعر يستغيث بمن يحميه من أعدائه: فإن أك مأكولا فكن أنت آكلي ... وإلا فأدركني، ولما أمزق يريد: أني لم أمزق في الماضي ولا في الزمن الحالي. أما "لم" فليست ملازمة لهذا إلا في بعض الحالات1 ومن ثم يصح: لم يحضر الغائب ثم حضر الآن، ولا يصح: لما يحضر الغائب ثم حضر الآن، لأن الأولى معناها لم يحضر في الزمن الماضي قبل التكلم، ثم حضر الآن في وقت التكلم، فلا تعارض بين الزمنين. أما الثانية فمعناها: لم يحضر في الماضي ولا في الحال ثم حضر الآن؛ أي: في الحال، وهذا تناقض واضح، إذ من المحال أن يثبت الحضور وينفي في زمن واحد؛ هو الحال2 ... 3- أن المتكلم بالمعنى المنفي بها يتوقع زوال النفي -غالبا- عن ذلك المعنى وحصوله مثبتا: أي: ينتظر تحقق المعنى وقوعه -في الغالب- على الوجه الحالي من النفي، فالذي يقول، لما تشرق الشمس، ... يريد: أنها لم تشرق قبل الكلام ولا في أثنائه، لكن من المنتظر أن تشرق. ومن يقول: لما تمطر السماء، يقصد:

_ 1 كما عرفنا في رقم 1 من هامش ص416. 2 ومما يختلف في الحرفان أيضا أن الزمن الماضي المنفي بالحرف: "لم"، طويل -على الوجه المشروح في رقم 2 من هامش ص415- أما الماضي المنفي الحرف "لما" فقصير غالبا، أي؛ ليس قديم المبدأ؛ فأوله في الغالب ليس بعيدا من آخره المتصل بالحال؛ فلا يصح أن يقال: لما يكن الرحالة مقيما هنا في العام الماضي، ويصح: لم يكن الرحالة ... ، على أن تقدير القصر، والطول، والقدم، والجدة متروك للعرف والمناسبة بين شيئين والموازنة بينهما. ومن العسير وضع تحديد دقيق لهذه الأزمنة.

أنها لم تمطر قبل التكلم، ولا في خلاله، ومن المتوقع أن تمطر1. أما المتكلم بالمعنى المنفي بالحرف "لم" فلا يتوقع رفع النفي عنه، ولا ينتظر حصوله مثبتا2 ... 4- أنها متنوعة المعاني والأغراض تنوعا يؤدي إلى اختلاف الأساليب على حسب تلك المعاني والأغراض. بخلاف: "لم"؛ فإنها في جميع أحوالها واستعمالاتها لا تكون إلا نافية جازمة -كما سبق3. إلى هنا انتهت أوجه التشابه والتخالف بين: "لم" "لما" وهي أوجه دقيقة تتطلب يقظة، وسلامة إدراك عند استعمال هذين الحرفين، وعند تفهم الأساليب التي تحويهما4.

_ 1 قلنا إن التوقع هو الغالب. ومن غير الغالب مثلا: ندم إبليس ولما ينفعه ندمه. واستشفع المحكوم عليه بالقتل قصاصا ولما ينفعه استشفاعة. 2 والانتظار وعدمه هما بالنسبة للمعنى المستقبل بعدهما. أما المعنى الماضي فهما سيان في التوقع وعدمه؛ نحو: "ما لي قمت ولم تقم" أو: "لما تقم" والمراد: لم تقم أو لما تقم، مع أني كنت متوقعا منك فيما مضى القيام وهذا هو ما يشعر به التعجب من عدم قيام المخاطب. ومثال عدم التوقع أن تقول ابتداء: لم يقم الرجل. 3 البيان في رقم 1 من هامش ص413. 4 وقد عقد ابن مالك للجوازم بابا مستقلا عنوانه: "عوامل الجزم" بدأه بالكلام على الجوازم الأربعة المختصة بجزم مضارع واحد، واكتفى في الكلام عليها ببيت واحد هو: بلا. ولام -طالبا- ضع جزما ... في الفعل، هكذا بـ"لم" و"لما" يريد: اجزم الفعل المضارع بلا وباللام إذا كنت طالبا بهما. أي: إذا استخدمتهما أداتي طلب، واجزمه أيضا بلم ولما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: "لما" الجازمة تختلف اختلافا واسعا عن: "لما" الظرفية التي هي ظرف -في المشهور-1 بمعنى: حين، أو: إذ، وتفيد وجود شيء لوجود آخر؛ فالثاني منهما مترتب على الأول، ومسبب عنه، ولهذا تدخل على جملتين ثاننيتهما هي المترتبة على الأولى. والغالب أن تكونا ماضيتين. نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وقد تكونان غير ماضيتين بالتفصيل المفيد الذي عرفناه في الظروف1.. وكذلك تختلف: "لما" الجازمة عن: "لما" التي بمعنى "إلا" كالتي في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2، أي: إلا عليها حافظ "في أحد المعاني ... " وهذه لا تدخل -في الغالب- إلا على الجملة الاسمية؛ كالآية السالفة ... ، أو على الماضي لفظا لا معنى، نحو: أنشدك الله لما فعلت كذا؛ أي: إلا فعلت. والمعنى: ما أسألك إلا فعل كذا، أي: إلا أن تفعل كذا. فالماضي هنا صوري فقط؛ لأن لفظه ماضي ومعناه معنى المضارع المستقبل ...

_ 1 و1 انظر رقم 3 من هامش ص292 ففيها بيان هام. وبعض النحاة يعدها حرفا. ولا غنى عن الرجوع إلى ما سبق من تفصيل الكلام عليها في باب: "الظرف"، وبيان أنواع جوابها "ج2 ص223 م79" وفي باب: "الإضافة" "ج3 ص75 م94". 2 "إن" نافية، بمعنى: "ما" النافية.

المسألة 154

المسألة 154: النوع الثاني الذي جزم مضارعين معا، أو ما يحل محل كل منهما، أو محل أحدهما: أدواته إحدى عشرة1، تسمى "الأدوات الشرطية الجازمة"، وهي: "إن2، إذ ما"، "من، ما، مهما، متى، أيان، أين، أنى، حيثما، أي" ... وكلها أسماء؛ ما عدا "إن، وإذ ما" فهما حرفان3. وتتفق الأدوات الشرطية السالفة كلها، في أمور، وتختلف في أخرى. أشهر الأمور التي تتفق فيها4. 1- أن كل أداة منها لا تدخل على اسم؛ وإنما تحتاج: إما إلى فعلين مضارعين تجزم لفظهما5 مباشرة إن كانا معربين، ومحلهما إن كان مبنيين.

_ 1 أما "إذا" و"كيفما" و"لو" فالصحيح اعتبار الثلاثة أدوات غير جازمة "كما يجيء عند الكلام في النوع الثالث الخاص بها ص440". وهنا أدوات "الشرط الامتناعي" "مثل: لولا، لوما، لو في بعض حالاتها ... " فهذه أدوات لا تجزم، وإنما تقتصر على ربط أمر بآخر، وتعليق الثاني على الأول تعليقا خاصا سيجيء بيانه في مكانه المناسب ص 491 و512 و.... 2 "إن" الحرفية أنواع متعددة، يشار إلى أهمها في "ب" من ص433 وأضعفها الشرطية غير الجازمة. 3 وكل الأدوات التي تجزم فعلين لا تدخل إلا على الفعل ظاهرا أو مقدرا -كما سيجيء في رقم 2 من ص425- وفي بيانها وبيان الأسماء والحروف منها يقول ابن مالك: واجزم بإن، ومن، وما، ومهما ... أي، متى، أيان، أين، إذ ما وحيثما، أنى، وحرف "إذ ما" ... "كإن" وباقي الأدوات أسما أسما، أي: أسماء. 4 أما التي تختلف فيها فتجيء في ص427. 5 فأداة الشرط -في الرأي الذي يجب الاقتصار عليه- هي الجازمة لفعل الشرط، ولفعل الجواب إن كان الجواب فعلا، ولجملة الجواب إن كان الجواب جملة، لا فعلا وحده.. لكن هل يجوز أن يكون الجواب مضارعا مرفوعا مباشرة؟ الجواب في ص474. وما الذي يجزمه إن وقع بعد أداة الشرط: "لم" الجازمة؟ الجواب في ص414.

وأولهما: يسمى: "فعل الشرط"1. وثانيهما يسمى: "جواب الشرط وجزاءه"1 وإما إلى فعلين ماضيين2، يحلان محلا المضارعين، وتجزمهما الأداة محلا3. وإما إلى فعلين مختلفين، تجزم لفظ المضارع4 منهما، وتجزم محل الماضي. وإما إلى جملة اسمية، تحل محل المضارع الثاني، وتجزمها الأداة محلا3. ولا يمكن أن يحل محل الأول شيء؛ لأن الأول لا بد أن يكون فعلا مضارعا، أو ماضيا. ومهما كانت صيغة فعل الشرط أو جوابه فإن زمنهما لا بد أن يتخلص للمستقبل المحض بسبب وجود أداة الشرط الجازمة5، بالرغم من أن صورتها أو صورة

_ 1 و1 سمي فعل شرط، لأن المتكلم يعتبر تحقق مدلوله ووقوع معناه شرط لتحقق مدلول الجواب ووقوع معناه، ولا يمكن -عنده- أن يتحقق معنى الجواب ويحصل إلا بعد تحقق معنى الشرط وحصوله؛ إذ لا يتحقق المشروط إلا بعد تحقق شرطه؛ سواء أكان الشرط سببا في جود الجواب والجزاء، نحو: إن تطلع الشمس يختلف الليل، أم غير سبب؛ نحو: إن كان النهار موجودا كانت الشمس طالعة. فوجود النهار ليس سببا في طلوع الشمس، وإنما هو ملزوم، والجواب لازم له؛ ولهذا يقولون: إن الشرط ملزوم دائما والجزاء لازم؛ سواء أكان الشرط سببا أم غير سبب. وما تقدم يوضح لنا الفرق الكبير بين "ما ومن" الشرطيتين، الواقعتين مبتدأ، والموصولتين الواقعتين مبتدأ كذلك؛ فالموصولتان ليس فيهما تعليق شيء على آخر، وإنما يدلان على مجرد الإخبار المطلق، ولا يجزمان. بخلاف الشرطيتين؛ فلا بد فيهما من التعليق والجزم معا "انظر ص428 وهامشها رقم 2". ويقول ابن الحاجب أيضا: إن الجزاء قسمان؛ أحدهما: يكون مضمونه مسببا عن مضمون الشرط نحو: إن تجئني أكرمك. والثاني لا يكون مضمونه مسببا عن مضمون الشرط، وإنما يكون الإخبار به هو المسبب عن الشرط، نحو: إن تكرمني فقد أكرمتك أمس. والمعنى: إن اعتددت علي بإكرامك إياي فأنا اعتد أيضا عليك بإكرامي إياك. فالإكرام بالأمس ليس مسببا عن الإكرام في المستقبل، وإنما الحديث والإخبار عن إكرام الأمس هو المسبب عن إكرام المستقبل. "انظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتية، ثم آخر صفحة434 وما بعدها، ورقم 3 من هامش ص454 حيث تعليلات أخرى نافعة، ومهمة". هذا وقد سبق شرح معنى الجواب والجزء تفصيلا في النواصب عند الكلام على "إذن" ص308، وعلى فاء السببية الجوابية ص352. 2 هل يتعين أن يكون فعل الشرط ماضيا إذا كان الجواب محذوفا؟ الأحسن أن يكون الرد: "لا"؛ طبقا للبيان الآتي في ص453 وما بعدها. 3، 3 لأن لفظ الماضي لا يجزم، وإنما يكون في محل جزم، ومثله الجملة الاسمية والفعلية -انظر رقم 6 من ص456 ثم رقم 2 من ص468. 4 قد يرفع المضارع الواقع جوابا بمراعاة التفصيل الذي في ص475. 5 لأن أداة الشرط الجازمة علامة قاطعة على استقبال الفعل بعدها، أي: تخليص زمنه للمستقبل=

أحدهما قد تكون -أحيانا- غير فعل مضارع؛ إذ من المقرر أن أداة الشرط الجازمة تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبلا خالصا1 ومن المقرر كذلك أن تحقق الجواب وقوعه متوقف على تحقق الشرط ووقوعه، ومعلق عليه2؛ فإذا حصل الشرط حصل ما تعلق عليه، وهو: الجواب. لا فرق في هذا بين أن تكون الأداة مقتصرة في معناها على التعليق -مثل: "إن"- أم متضمنه معه معنى آخر: كالزمانية، أو المكانية، أو غيرهما مما يتضمنه بعض الأدوات الأخرى "وسنعرفه3 بعد، كما نعرف المراد من التعليق وما يقوم مقامه، وتفصيل الكلام فيه". فمثال جزمها المضارعين لفظا قول الشاعر لأديب ليس من أقاربه: إن يفترق نسب يؤلف بيننا ... يدب أقمناه مقام الوالد وقول الآخر: ردوا السيوف إلى الأغماد واتئدوا ... من يشعل الحرب يصبح من ضحاياها ومثال جزمها الماضيين جزما محليا4 قول الشاعر في حساده: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا5

_ = المحض، سواء أكان الفعل ماضيا، أم مضارعا، لهذا -كما سيجيء في رقم 9 من ص447- لا يصح في الجملة الشرطية أن تكون حالا بعد تلك الأداة؛ لأن الحال لا يصح أن تسبقه علامة استقبال. ومن ثم قالوا في مثل: "لأمدحن المخلص إن حضر وإن غاب" ... إن الجملة الشرطية وقعت هنا حالا مع أنها إنشائية مشتملة على علامة استقبال هي: "إن" -لأنها جملة شرطية لفظا لا معنى؛ إذ التقدير: لأمدحنه على كل حال ... "وقد سبق بيان هذا في باب الحال ج2 م84 ص311". 1 قد تشتمل إحدى الجملتين على كلمة صريحة الدلالة على المضي الحقيقي؛ كالمثال الذي سبق في أول هامش الصفحة السابقة، وهو: إن تكرمني فقد أكرمتك أمس. وفي هذه الصورة يتعين أن يكون المراد الإخبار في المستقبل على الوجه الذي سلف. ومثله: إن أكرمتني أمس فأنا أكرمك غدا، أي: إن تتحدث عما وقع من إكرامك إياي بالأمس فأنا أكرمك غدا. وفي هاتين الصورتين دقة توجب اليقظة والتنبه؛ كي لا يقع الخطأ في استعمالها على الوجه الصحيح الذي يؤدي إلى اعتبار الشرط والجواب فيهما مستقبلا كغيرهما. 2 سبق توضيح هذا مفصلا في رقم 1 من هامش ص422. 3 في ص427. 4 مع ملاحظة ما يأتي في رقم 2 من ص468 خاصا بالماضي الواقع جوابا. 5 استمعوا له بإعجاب. ومن أمثلة الماضيين أيضا قولهم: "من نم لك نم عليك". إذ المراد: من ينم لك ينم عليك، والنميمة: الوشاية ونقل الكلام بين الناس للإيقاع والإفساد بينهم.

وقول شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن تولت مضوا في إثرها قدما ومثال جزمها فعلين مختلفين قول الآخر في حساده1: إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا ... شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا ومثال جزمها الجملة الاسمية التي تحل محل الثاني جزما محليا -قول الشاعر: إن كنت عن خير الأنام سائلا ... فخيرهم أكثرهم فضائلا ويسمى فعل الشرط مع مرفوعه2: "الجملة الشرطية". ولا بد أن تتقدم على "الجملة الفعلية" أو "الاسمية" الواقعة جوابا للشرط، والتي تسمى: جملة جواب الشرط، أو: "الجملة الجوابية للشرط"3.

_ 1 سيذكر البيت التالي لمناسبة أخرى في ص456. 2 مرفوعه هو: الفاعل، أو نائبه ... 3 وفي عمل تلك الأدوات الشرطية، وما تتفق فيه جميعا يقول ابن مالك: فعلين يقتضين شرط قدما ... يتلو الجزاء، وجوابا وسما قدما -أصله: قدم، والألف زائدة للشعر. ومثله: "سماه"؛ أصله: "وسم" والألف زائدة للشعر. "فعلين" مفعول به للفعل: "اجزم" في البيت الأسبق بهامش ص421. يريد: اجزم فعلين بكل أداة، مع ملاحظة أن جزمها الفعلين معا هو الأصل الغالب. وقد تجزم فعلا واحدا وبعده جملة محتومة. والذي لا بد أن يكون فعلا وأن يكون مجزوما لفظا أو محلا هو: "فعل الشرط". أما الجواب فقد يكون فعلا أو جملة. "يقتضين" هذه الجملة الفعلية صفة لفعلين، والرابط محذوف، والأصل" يقتضينهما. ثم بين أن فعل الشرط هو المتقدم منهما. و"يتلو الجزاء" يتلوه ويجيء بعده الجزاء. ييد: يقع بعده الفعل الذي يكون في صدر جملة الجزء إن كانت فعلية. "وجوابا وسما" أي: وسم جزاء، بمعنى: أنه سمي جزاء. ويسمى فعل الجزاء لوقوعه في صدر الجملة الجزائية -كما سبق- ثم بين نوع الفعلين فقال: وماضيين، أو مضارعين ... تلفيهما، أو متخالفين ولهذا البيت إشارة في هامش ص473 ثم أردف هذا بيتا آخر سيجيء شرحه في المكان الأنسب "ص476". قال: وبعد ماض رفعك الجزا حسن ... ورفعه بعد مضارع وهن أي: ضعف.

ومما سبق يتبين أن الشرط لا بد أن يكون فعلا1 فقط، ولا يصح أن يكون جملة. أما الجواب فقد يكون فعلا فقط، وقد يكون جملة، وفي الحالتين يجب تأخيره عن الشرط. ولكل من الجملة الشرطية والجوابية أحكام سنعرفها2. 2- أدوات الشرط الجازمة لا تدخل على الأسماء3، وإنما تحتاج إلى مضارعين، أو إلى ما يحل محلهما، أو محل أحدهما، كما عرفنا4. فإذا وقع بعدها اسم والغالب أن تكون الأداة هي "إن، أو إذا" وجب تقدير فعل مناسب يفصل بينهما؛ بحيث تكون الأداة داخلة على الفعل المقدر. لا على الاسم الظاهر5. ومن الأمثلة: إن امرؤ أثنى عليك بما فعلت فقد كافأك -إن جائع غاجز وجد فمن حوله آثمون إن لم يطمعوه- وقول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا وقول الآخر: إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ... هوانا بها كانت على الناس أهونا والتقدير: إن أثنى امرؤ أثنى عليك ... ، إن وجد جائع عاجز وجد ... ، إذا أكرمت أكرمت ... ، وإن أكرمت أكرمت ... ، وإذا لم تعرف لم تعرف ... ، والأصل في هذا التقدير وأشباهه أن الفعل قد حذف وحده بعد أداة الشرط، وبقي فاعله. فإن كان الفاعل اسما ظاهرا قدر قبله فعل مناسب له؛ وإن كان ضميرا مرفوعا متصلا كالتاء "ويدخل في حكم المتصل، الضمير المرفوع المستتر، كالضمير "هي" المستتر، إذا كان فاعلا لمضالاع للغائبة"، وجب الإتيان بضمير مرفوع بارز منفصل؛ ليحل محل المتصل الذي لا يمكن أن

_ 1 سواء أكان ماضيا أم مضارعا؛ وليس هناك حالة تستلزم أن يكون فعل الشرط ماضيا فقط، وما يقال من وجوب مضيه حين يكون الجواب محذوفا مدفوع بما سيجيء في ص453. 2 في ص444. 3 لهذا إشارة في رقم 3 من هامش ص421. 4 في ص422. 5 انظر رقم 7 من ص446. وقد سبق في الجزء الثاني "ص106 م69 باب: الاشتغال" بيان حكم هذا الاسم، وتفصيل إعرابه، وتأييد النحاة بأدلة قوية في تقدير الفعل، وأن هذا الاسم الذي يعد الأداة ليس مبتدأ.

ينفصل من فعله، وليقوم مقامه في إعرابه وفي معناه، وهو: "أنت"1 ... 3- لأداة الشرط الصدارة في جملتيها؛ فلا يصح أن يسبقها شيء من جملة الشرط، ولا من جملة الجواب، ولا من متعلقاتهما2، إلا في صورة واحدة، ستجيء3. وكذلك لا يجوز أن تكون أداة الشرط معمولة لعامل قبلها، إلا إذا كانت الأداة الشرطية اسما، والعامل السابق عليها حرف جر، أو مضافا؛ نحو: إلى "من تذهب اذهب"، "وعند من تجلس أجلس". ويصح أن يسبقها حرف عطف، أو استدراك، أو نحوهما مما يقتضيه المعنى؛ بشرط ألا يخرجها عن الصدارة في جملتيها. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولا أتمنى الشر، والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب4 ولا يصح -في الرأي الأغلب- أن تقع أداة الشرط الجازمة أو غير الجازمة بعد: "هل" الاستفهامية، لكن يصح وقوعها بعد همزة الاستفهام5 دون باقي أدواته. 4- لا يصح حذف أداة الشرط في الرأي الأرجح الذي يجب الاقتصار عليه. 5- لا تدخل "إن الشرطية" -ولا غيرها من الأدوات الشرطية- على "لا، الناهية" فإذا دخلت عليها أداة منها تغير معنى "لا الناهية" وحكمها؛ فتصير حرف نفي، بعد أن كانت حرف نهي، وتصير مهملة6 بعد أن كنت جازمة.

_ 1 انظر هامش رقم 5 من الصفحة السابقة. 2 لكن لا مانع أن يسبقها عامل يحتاج إلى إحدى الجملتين لتكون معمولا له، كالمبتدأ الذي يحتاج إلى الخبر في مثل: "المرء إن يجبن يعش مرذولا". فهي في هذه الصورة في صدر جملتيها أيضا؛ إذ لم يتقدم عليها شيء منهما، ولا من توابعهما؛ لأن المبتدأ -ونحوه- ليس معمولا لشيء منهما فهو في صدر جملة اسمية غير جملتيها. 3 في رقم 3 من ص450 وهي التي يكون فيها جواب الشرط مضارعا مرفوعا -كما يحصل أحيانا- فيصح في معموله أن يتقدم على الأداة؛ نحو: طعامنا إن تزرنا تأكل، بنصب كلمة: "طعام" باعتبارها مفعولا للمضارع: تأكل. طبقا للبيان الآتي. 4 الأصل: أركب، بالجزم. وحرك بالكسر لأجل الشعر. 5 ستجيء إشارة لهذا، في رقم 10 من ص447 وأنه منقول عن الصبان ج4 أول باب الجوازم، عند قول ابن مالك: "فعلين يقتضين بشرط قدما ... " ثم انظر رقم 5 من هامش ص4500، لأهميته واتصاله بما هنا. 6 أي: لا تعمل شيئا في الفعل بعدها.

المسألة 155

المسألة 155: الأمور التي تختلف فيها الأدوات الشرطية الجازمة: الأمور التي تختلف فيها متعددة النواحي1؛ منها: الاختلاف في ناحية الاسمية والحرفية، "وليس فيها أفعال"، وفي ناحية اتصالها ب"ما" الزائدة وعدم اتصالها، وفي ناحية معناها، وفي ناحية إعرابها. أ- ففي ناحية الاسمية والحرفية: منها الأسماء باتفاق؛ وهي: "من، متى، أي، أين، أيان، أنى، حيثما". ومنها اسم على الأرجح، وهو: مهما" بدليل عودة الضمير عليه مذكرا، والضمير لا يعود إلا على اسم؛ مثل قوله تعالى قوم موسى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} . ومنها الحرف باتفاق. وهو: "إن"، ومنها الحرف على الأرجح؛ وهو: "إذ ما"2. ب- وفي ناحية اتصالها بما الزائدة منها: ما لا يجزم إلا بعد اتصالها بما الزائدة، وهو: "حيث، وإذ"، فلا بد أن يقال فيهما عند الجزم بهما: "حيثما"، "إذ ما". ومنها ما يمتنع اتصاله بها عند استخدامه أداة شرط جازمة، وهو؛ من، ما، مهما، أنى. ومنها ما يجوز فيه الأمران، وهو: إن، أي، متى، أين، ويزاد عليها، أيان، في الرأي الأصح. ج- وفي ناحية اختلاف المعنى، مع اتفاقها جميعا في تعليق وقوع الجواب

_ 1 من هذه النواحي ثلاثة هنا "أ، ب، ج" والرابعة: "د" في ص438؛ أما الأمور التي تتفق فيها فقد سبقت في ص431. 2 غير الأرجح يعتبرها ظرف زمان بمعنى: "متى"، إذا قلناك "إذ ما تستمع للموسيقى تهدأ نفسك" كان المعنى على الرأي الأرجح: إن تستمع.. وعلى الرأي الآخر: متى تستمع..

على وقوع الشرط عند عدم المانع1: 1- منها: ما وضع في أصله للدلالة على شيء يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط -صار أداة شرطية، للعاقل، جازمة. والغالب أيضا أنه لا يدل بذاته على زمن، وهو: "من"2، كقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} . وقول الشاعر يمدح قوما: من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري 2- ومنها ما وضع في أصله للدلالة على شيء لا يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط صار أداة شرطية لغير العاقل، جازمة. والغالب أنه لا يدل بذاته على زمن. وهو "ما"2، و"مهما". كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ

_ 1 من الموانع ما سيجيء بيانه في ص434 رقم 4، عند الكلام على أنواع "إن" في "ب". 2 و2 وللنحاة رأي دونوه في باب "الموصول": ملخصه: أ- أن "من" للعاقل؛ كالتي في قولهم: "من يقصر في التوقعى والحذر، يعرض نفسه للخطر". وتستعمل في غيره مجازا -سواء أكان المجاز علاقته التشبيه فيكون استعارة، أم كانت علاقته شيئا آخر غير التشبيه فيكون مجازا مرسلا ... ، كقول الشاعر: أسرب القطا هل من يعير جناحه؟ ... لعلي إلى من قد هويت أطير وقول الآخر: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي ومن المجاز تغليبه على غير العاقل عند اختلاطه معه؛ نحو: "ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض"، أو اقترانه به في عموم فصل بمن؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} لاقترانه بالعاقل المندرج تحت قوله: "كل دابة". ب- سبق في باب: "الموصول" "ج1 م26 ص349 عند الكلام على: "من، الموصولة" أن كلمة: "من" مطلقا -موصولة وغير موصولة- هي من الكلمات التي لفظها مفرد مذكر، ولكن معناها قد يخالف لفظها، ولهذا يصح أن يعود الضمير عليها مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها -وهو الأكثر- ويصح مراعاة المعنى المراد، وهو كثير. فمن الأول قوله تعالى في المشركين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ} ومن الثاني قوله تعالى فيهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} -راجع الموضع السالف حيث البيان الشامل والأمثلة المتعددة. وأما: "ما" فإنها لغير العاقل؛ كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} وتستعمل قليلا في العاقل إذا =

يَعْلَمْهُ اللَّهُ} ، وقوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} ، وقول الشاعر:

_ = اختلط بغيره؛ كقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وتستعمل في صفات العاقل؛ نحو: تزوجوا ما طاب من النساء، وامتاز بالفضل. وتستعمل في المبهم؛ كأن ترى شبحا من بعد، فتقول: تعال وشاهد ما أرى. "راجع الأشموني والصبان في بابي الموصول، والجوازم. وقد وفينا الكلام على "من وما" الموصولتين في ج1 ص247 م26". ويرتضي بعض النحاة أن يقال: "من" للعالم، بدلا من العاقل؛ لأن الله يوصف بأنه عالم ولا يقال له عاقل. ولم يتمسك بهذا فريق آخر ... ، وإذا لم تتضمن "من" و"ما" معنى الشرط فليستا بشرطيتين، فقد تكونان موصولتين، أو استفهاميتين ... أو ... أو.... "انظر آخر الهامش رقم 1 من ص422". ويرى أكثر النحاة أن الشرطيتين مبهمتان من ناحية الزمن، بمعنى: أنهما لا يدلان على زمن معين معروف البداية والمقدار، يربط الجواب بالشرط؛ فكل واحدة منهما لا تدل بذاتها على وقت محدد لهذا الربط؛ ففي مثل: من يحسن إلى أشكر له ... أو: ما تزرع تحصد ... لا تدل "من" على مبدأ زمن الشكر، ولا على تحديد مدته، أو توقيتها، ومثلها: "ما" فإنها لا تدل على مبدأ زمن الحصد، ولا على تحديد مدته، أو توقيتها. وقال فريق آخر: إن كل واحدة منهما قد تفيد -أحيانا- مع اشرط الزمن المؤقت المعين من غير أن تعتبر ولا أن تعرب بسببه ظرف زمان -وكل هذا بشرط وجود قرينة تدل على الزمن؛ من يلمس نارا تحرقه، أي: مدة لمسه النار تحرقه، وقول الشاعر يمدح: نزور فتى يعطي على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المحامد يحمد ... أي: يحمد مدة إعطائه أثمان المحامد. وقول الشاعر: فما تحي لا تسأم حياة، وإن تمت ... فلا خير في الدنيا ولا العيش أجمعا أي: مدة حياتك لا تسأم حياة..... وقول الشاعر: نبئت أن أبا شتيم يدعى ... مهما يعش يسمع بما لم يسمع وأمثلة أخرى متعددة يؤيدون بها رأيهم، وتشهد بصحته وقوته. أما للكثرة فتؤول تلك الشواهد تأويلا لا داعي له، ولا فائدة منه إلا الرغبة في اطراد قاعدتهم، بل إنهم يتركون بعض الشواهد بغير تأويل؛ إذ لا يجدون لها تأويلا مقبولا، ويحكون عليها بالشذوذ. وخير من هذا التكلف الأخذ برأي الأقلية هنا، مع مراعاة ضوابطه وتفصيلاته السالفة. ملاحظة: في المرجع السابق "ج1 م26 هامش ص428 وهو المرجع المذكور في: "ب" السالفة" أن "ما" مثل "من" -كما في الصبان- لفظها مفرد مذكر، ومعناها قد يكون غير ذلك فيجوز في الضمير العائد عليها مراعاة لفظها أو معناها.

ومهما تكن عند امرئ من خليقة1 ... وإن خالها2 تخفى على الناس تعلم3 ومنها ما وضع في أصله للزمان المجرد4؛ فإذا تضمن معه معنى الشرط جزم؛ وهو: "متى و"أيان"5؛ فكلاهما ظرف زمان جازم. ومن الأمثلة قول الشاعر في الورد: متى تزره تلق من عرفه6 ... ما شئت من طيب ومن عطر وقال الآخر يصف عظيما: متى ما7 يقل لا يخلف القول فعله ... سريع الخيرات غير قطوب8 وقول الآخر يفتخر: أيان نؤمنك تأمن غيرنا، وإذا ... لم تدرك الأمن منا لم تزل خائفا ولا أهمية للرأي الذي يجيز إهمال: "متى" الشرطية فيجعلها شرطية غير جازمة؛ لأنه رأي تعززه الشواهد المتعددة، والحجة القوية. 4- ومنها ما وضع في أصله للمكان -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط صار أداة شرطية للمكان، جازمة، وهو: "أين، حيثما، أنى"9 كقوله تعالى:

_ 1 عادة وخلق. 2 ظنها. 3 يستدل بعض النحاة بهذا البيت على أن: "مهما" حرف؛ إذ لا محل لها من الإعراب، ولم يعد عليها ضمير. وردوا كلامه بأنها: إما خبر للفعل الناقص "تكن"، و"خليقة" اسمه، و"من" زائدة، وإما مبتدأ. واسم "تكن" ضمير يعود على "مهما"، و"عند امرئ" خبر "تكن". وكل ما سبق هو على اعتبار "تكن" ناقصة، أما على اعتبارها -تامة- فـ"مهما" مبتدأ، والضمير المستتر في الفعل "تكن" هو فاعله، و"عند امرئ" ظرف لغو، متعلق بالفعل "تكن" التام. و"من" بيان لمهما على وجهي اعتباره مبتدأ. 4 الذي لا دلالة معه على استقبال أو غيره. فإذا صار للشرط جعل زمن فعله وجوابه مستقبلا. 5 ويصح زيادة: "ما" في آخرها -كما سبق في ص427. 6 رائحته. 7 "ما" زائدة -طبقا لما سبق في: ب من ص427. 8 القطوب: العابس. 9 لا يصح زيادة "ما" بعد "أنى" الشرطية، ولا يصح -في الأرجح- حذفها من آخر "حيث" الشرطية، ويجوز الأمران مع: "أين" -وقد تقدم كل هذا في ب من ص427.

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} 1، وقولهم: أين2 ينزل العدل يتبعه الأمن والرخاء. وقولهم: حيثما تجد صديقا وفيا تجد كنزا نفيسا. وقول الشاعر: خليلي، أنى تقصداني تقصدا ... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول 5- ومنها المضاف الذي يصلح للأمور الأربعة السالفة؛ فيكون للعاقل أو لغيره، وللزمان، أو للمكان؛ تبعا للمضاف إليه في ذلك كله، فأداة الشرط مضافة، وتدل على أحد المعاني السالفة على حسب دلالة المضاف إليه، وهي: "أي". فمثالها للعاقل: أي إنسان تستقم خطته تأتلف حوله القلوب. ومثالها لغير العاقل: أي عمل صالح تمارسه أمارس نظيره. وللزمان: أي يوم تسافر أسافر معك. وللمكان: أي بقعة جميلة تقصد أقصد. وفي كل تلك الحالات يصح زيادة "ما" في آخرها. 6- ومنها: ما يختص إما بالأمر المتيقن منه أو المظنون3. ولكن الأول هو الأغلب، وهو "إذا" الشرطية. وإما بالمشكوك فيه4 أو بالمستحيل، وهو باقي الأدوات الشرطية. ومن المستحيل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ، وأما نحو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ،

_ 1 كَلٌّ: حمل ثقيل. 2 "أين" هنا شرطية، ولو لم يتصل بآخرها "ما" الزائدة؛ لأن هذا الاتصال وعدمه سيان معها -كما سبق هنا في رقم 9 من الهامش السالف، وكما في ص427، ومن أمثلة عدم الاتصال قول الشاعر: أين تصرف بنا العداة تجدنا ... نصرف العيس نحوها للتلاقي 3 أي: المرجح حصوله وتحققه. 4 الذي يتساوى فيه توقع الحصول وعدم التوقع.

فلتنزيله منزلة الشكوك فيه؛ لإبهام زمن الموت1 ... والقرائن وحدها هي التي تعين اليقين، أو الظن، أو الشك، أو الاستحالة ... مع الدلالة على الشرطية في كل حالة. 7- ومنها ما وضع -في الأكثر- لتعليق الجواب على الشرط تعليقا مجردا يراد منه الدلالة على وقوع الجواب وتحققه، بوقوع الشرط وتحققه، من غير دلالة على زمان، أو مكان، أو عاقل، أو غير عاقل؛ وهو: "إن"2 و "إذ ما"2 مع دلالتهما على الشرك أو الاستحالة كدلالة الأدوات الشرطية الأخرى عليهما، غير "إذا" -كما سبقت الإشارة في الأمر السادس- فمثال "إن" قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} وقولهم: المرء إن يجبن يعيش مرذولا، ومثال "إذ ما" قول الشاعر: وإنك إذ مات تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا

_ 1 راجع "الخضري" "ج2 باب: الإضافة، عند الكلام على: "إذا" -وقد سبقت الإشارة لهذا في ج2 ص260 م79- باب: "الظرف". وهناك البيان التام عن "إذا الشرطية الظرفية"، من ناحية عدم دلالتها على التكرار، وعدم إفاتها للشمول والتعميم، وتجردها للظرفية المحضة، وبعض أوجه الاختلاف بينها وبين "إن الشرطية" وغيرها من أدوات الشرط الجازمة. 2، 2 لا بد للجزم "بإذ" من زيادة "ما" في آخرها. أما زيادتها بعد "إن" الشرطية فجائزة -كما تقدم في: ب من ص427- "وانظر أول ص434".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- هل يقترن جواب "إن الشرطية" باللام؟ الإجابة عن هذا في رقم 3 من هامش ص457 وفي رقم 9 من ص463. ب- "إن" أنواع كثيرة، منها: 1- "إن، الزائدة". وتسمى: "الوصلية"؛ أي: الزائدة لوصل الكلام بعضه ببعض، وتقوية معناه؛ فلا تعمل شيئا، ويمكن الاستغناء عنها1 ما لم يمنع وزن الشعر. ويكثر هذا الوصل حين تتوسط بين "ما" النافية وما دخلت عليه من جملة فعلية أو اسمية، كقول الشاعر يصف وجه غادة: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا وقول الآخر يذم قوما: بني غدانة، ما إن أنتمو ذهب ... ولا صريف2، ولكن أنتم الخزف وقد تزاد بعد "ما المصدرية" كقول الشاعر: ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد وبعد "ما الموصولة" كقول الشاعر: يرجي المرء ما إن لا يراد ... وتعرض دون أدناه الخطوب وبعد "ألا" التي للاستفتاح؛ كقول الآخر: ألا إن سرى3 ليلى فبت كئيبا ... أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا4

_ 1 جاء في حاشية ياسين على التصريح أول باب: "المعرب والمبني" "ج1" بشأن "إن" الوصلية: أهي لمجرد الوصل والربط فلا جواب لها؛ لا في اللفظ ولا في التقدير، أم هي مع ذلك شرطية فيقدر جوابها؟ أم هي شرطية ولكن لا جواب لها؟ ثم قال: إن للسعد فيها كلاما مضطربا ببيته في حواشي المختصر، في بحث تقييد المسند بالشرط. 2 فضة خالصة. 3 نسبة السرى إلى الليل مجاز عقلي. 4 غضوب: اسم امرأة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكثر وقوع "ما" الزائدة بعد "إن" الشرطية فتدغم فيها النون نطقا وكتابة؛ كقوله تعالى في الوالدين: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ، وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} 1 وتسمى في هذه الصورة: "إن، المؤكدة بماء". 2- ومنها: "إن، المخففة من الثقيلة"، و"إن" النافية الناسخة، وقد سبقنا في النواسخ ج1، ومعهما "إن" النافية التي لا تعمل. 3- ومنها: "إن، الشرطية التي لا تجزم". وهذه أضعف الأنواع، وأقلها دورانا في فصيح الكلام. ومن الواجب إغفال أكثر حالاتها2؛ وعدم استعمالها إلا في بعض الصور. 4- ومنها: ما اختلف النحاة في نوعه اختلافا مرهقا -نذكره؛ لأنه لا يخلو من فائدة- وهو "إن" في مثل: الحريص -وإن كثر ماله- بخيل. فقيل: وصلية3، والواو للحال، أي: الحريص بخيل، والحال أنه كثر ماله4. وقيل شرطية، حذف جوابها. لوجود ما يدل عليه، والواو للعطف على جملة مقدرة، أي: إن لم يكثر ماله وإن كثر فهو بخيل. لكن ليس المراد بالشرط في الجملة حقيقة التعليق؛ لأنه لا تعليق حقيقيا على الشيء ونقيضه معا؛ لما في ذلك من المنافاة العقلية؛ إذ كيف يحدث الجواب الذي هو بمثابة المسبب عن الشرط حين يوجد الشرط وحين يعدم؟ وبعبارة أوضح: كيف ينتج الشرط -وهو بمثابة السبب- نتيجة واحدة لا تختلف باختلاف وجوده وعدمه؟ من أجل ذلك قيل إن معنى "إن" في الجملة السالفة الذكر "التعميم" "لا" "التعليق". ويقولون: إن المحذوف أحيانا قد يكون الواو هي والمعطوف -لا

_ 1 تجدنهم. 2 إلا ما كان منها دالا على تفصيل من غير أن يجزم، وسيجيء في رقم 5 من ص436. 3 انظر رقم 1 من هامش الصفحة السابقة. 4 ومن الأساليب الفاسدة التي تتردد في كلام المولدين قولهم: فلان وإن كثر ماله لكنه بخيل -أو: إلا أنه بخيل.. وقد سبق الكلام على هذه الأساليب في الموضع المناسب "ج1 م33 ص450 "و" وأن بعض النحاة المتأخرين حاول تأويل ذلك الأسلوب يصححه، ولكنه لم ينجح.

المسألة 156

المسألة 156: النوع الثالث الذي يقع الخلاف في اعتباره جازما: وأظهر أدواته ثلاث؛ هي: "إذا1، كيف، لو ... " ولم يقتصر الخلاف على أنها تجزم، أو لا تجزم؛ وإنما امتد إلى ميدان جزمها؛ أهو النثر والشعر أم الشعر فقط؟ وإلى شروط جزمها ... وصفوة كلامهم ما يلي: إذا: ظرف زمان مستقبل2 وهي شرطية في أكثر استعمالاتها، ولكن

_ 1 سبق بيان موجز عن معناها في رقم 6 من ص431. أما البيان الكامل عنها فموضوعه مدون في رقم 5 من هامش تلك الصفحة، ولبعض أنواعه بيان في ج3 م94 ص92 -باب: الإضافة. 2 يفضل المحققون هذا التعبير، على التعبير الشائع؛ وهو: "ظرف لما يستقبل من الزمان"؛ لما يوهمه التعبير الشائع من أن "إذا" ظرف زمان، ومظروفه هو ما يستقبل من الزمان، فالظرف والمظروف شيء واحد، وهذا لا يكون. ثم قالوا: إن التعبير الشائع قد يقبل إما على اعتبار اللام زائدة وإما على اعتبارها مع مجرورها متعلقين بكون خاص محذوف -وحذف الكون الخاص قليل- والتقدير: ظرف موضوع لما يستقبل من الزمان ... أما التعبير الأول فلا حذف فيه ولا تقدير ... "راجع المغني في الكلام على: إذا". ودلالة: "إذا" على الشرطية غريب عند النحاة؛ لأن "إذا" ظرف زمان مستقبل، والزمان المستقبل لا بد أن يجيء ويتحقق معه ما يقع فيه من أحداث. وكل هذا مقطوع به. مع أن الشرط المقتضي للجزم لا يكون في أمور محققة الوقوع، وإنما يكون فيما يحتمل الوقوع وعدمه. ومن أجل ذلك رفض أكثر النحاة الجزم بها مطلقا "أي: في النثر، وفي الشعر" وحجته -على قوتها- مدفعوة بالنصوص الصريحة المأثورة التي وردت فيها جازمة. لكنها نصوص نادرة لا تكفي للمحاكاة والقياس، وبعضها لا يساير إلا لغات ضعيفة، فمن الخير الأخذ بالرأي الذي يبيح أن تجزم في الشعر وحده؛ لا لأن النصوص الشعرية المجزومة بها كثيرة تكفي للمحاكاة والقياس، ولكن لأن الشعر محل التساهل في مثل هذا، ويباح فيه ما لا يباح في النثر فيمنح الشاعر هذه الرخصة؛ ليستخدمها متى شاء، ولو لم مضطرا لاستخدامها. جاء في "مجالس ثعلب -ج2 ص91 من القسم الأول- ما نصه: قولك: إذا تزرني أزرك -يجوز في الشعر. وأنشد: وإذا نطاوع أمر سادتنا ... لا يثننا بخل ولا جبن ا. هـ. والمضارع: "يثني" مجزوم بحذف الياء من آخره؛ لأنه جواب "إذا". وإذا كانت ظرفا جازما فهل تكون مضافة؟ وما العامل فيها؟ رأيان. فالقائل بإضافتها للجملة الشرطية بعدها يرى العامل فيها هو الجواب -كالشائع الآن- والقائل بامتناع إضافتها للجملة الشرطية بعدها يرى =

الجزم بها مقصور على الشعر وحده، ومن الأمثلة المأثورة به1 قول الشاعر: استغن -ما أغناك ربك- بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل ... "أو: فتجمل؛ أي: اظهر أمام الناس بالأجمل والأحسن الذي يناسب الرجال المتجلدين". وقول الآخر: ترفع لي خندف2، والله يرفع لي ... نارا إذا خمدت نيرانهم تقد3 ومن الأمثلة النثرية التي لا يقاس عليها؛ لندرتها: قوله عليه السلام: "إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين". وقيل إن هذا الحديث قد يكون بلغة من يحذف النون من آخر الأفعال الخمسة مطلقا، "أي: بغير نصب ولا جزم ولا غيرهما، وهي لغة نادرة لا يصح الأخذ بها اليوم"4.

_ = العامل فيها فعل الشرط الذي يليها، وأنها في هذا كغيرها من أدوات الشرط حيث تكون معمولة لفعل الشرط غير الناسخ -كما سبق في رقم 2 من ص438- ولكل أدلته الجدلية المستفيضة التي احتوتها المطولات، ووردت خلاصتها في: "المغني". وجاء في حاشية الخضري "ج2 باب الإضافة عند الكام على "إذا" ما خلاصته؛ أنها قد تتجرد عن الشرط نحو قوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} بدليل خلو الجملة الاسمية، "هم يغفرون" من الفاء. ومن ذلك الواقعة في القسم نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ونحو: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ... وهي ظرف للمستقبل، وقد تجيء للماضي كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} لأن الآية خطاب للرسول عليه السلام في حادثة مضت وقت نزول الآية الكريمة. وقد تكون للحال كالواقعة في القسم عند جماعة، بناء على أن عاملها فعل القسم وهو حالي. ولا تخرج عن الظرفية أصلا عند الجمهور. فأما قوله عليه السلام لعائشة: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية ... " فهي فيه ظرف للمفعول المحذوف، لا مفعول كما يقع في الوهم، والتقدير: إني لأعلم شأنك إذا كنت راضية. ثم قال الخضري: وهو منصوبة بجوابها عند الأكثر، لا بشرطها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، واقتران جوابها بالفاء أو "إذا" الفجائية لا يمنع عمله فيها؛ لتوسعهم في الظرف. أو يقال: محل عمل جوابها إذا لم يقترن بهما وإلا كان عاملها محذوفا يدل عليه الجواب. ومن جعل شرطها هو العامل فيها كسائر الأدوات الشرطية قال إنها غير مضافة إليه كما أن بقية الأدوات الشرطية لا تضاف إليه. واتفق الجميع أنها لا تضاف إليه إذا جزمت. "وقد سبقت الإشارة إلى "إذا" وإلى كثير من أحكامها في ج2 م79 ص224". 1 منها قول النمر بن تولب -وهو ممن أدرك الإسلام، وأسلم: وإذا تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يُعطى الرغائب فارغب 2 اسم امرأة. 3 الفعل مجزوم ولكن تحركت الدال بالكسر لأجل القافين. 4 سبق الكلام على هذه اللغة عند الكلام على الأفعال الخمسة -ج1 م14 ص163.

و"إذا" الشرطية كغيرها من أدوات الشرط؛ تحتاج إلى جملة شرطية، وأخرى جوابية، ولا بد أن ينطبق عليهما كل الشروط والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب -ولا سيما دلالتهما الزمنية؛ سواء أكانت "إذا" جازمة أم غير جازمة. وهي أيضا مثل: "إن" الشرطية؛ في كثرة دخولها على الأسماء في الظاهر -كما سبق1. أما في الحقيقة فهما داخلان على فعل مقدر وجوبا؛ لأن أداة الشرط لا تدخل إلا على فعل ظاهر أو مقدر؛ كما عرفنا. ومن دخولها على الأسماء قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ، وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} والتقدير: إذا انشقت السماء انشقت ... وإذا مدت الأرض مدت. ويكثر وقوع: "ما" الزائدة بعد: "إذا"، كقول الشاعر: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين ... وإن هي ناجتني فكلي مسامع وقول الآخر: ولست -إذا ما صاحب خان عهده ... وعندي له سر- مذيعا له سر وأما: "كيف" فأصل معناها السؤال عن الحالة والهيئة "أي: عن الكيفية"، نحو: كيف أنت؟ كيف غرسك؟ ولها استعمالات أخرى سبق بيانها مفصلة2؛ منها: أن تترك الاستفهام، وتكون أداة شرط لبيان الكيفية، وتحتاج لجملة شرطية وأخرى جوابية، ولكنها لا تجزم -على الأرجح- ولا بد أن ينطبق على جملتيها كل الشروط والأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب3، ويزاد على هذا وجوب موافقة فعل الجواب لفعل الشرط في مادة اشتقاقه وفي المعنى، فلا بد من هذه الموافقة4

_ 1 في رقم 2 من ص425. 2 في ج1 م39 ص509 باب: المبتدأ والخبر. 3 ستجيء في ص444. 4 لهذا كان من الأمثلة المشكلة قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} فجوابهما محذوف يدل عليه ما قبله وليس بين فعلي الشرط والجواب المشاركة اللفظية والمعنوية المطلوبتان معا. وقد دفع الاعتراض بأن: كيف ليست شرطية هنا، أو بأن المقصود بالمشاركة ما يكون في غير المشيئة والإرادة -كما جاء في حاشية الصبان في هذا الموضع من الباب.

لفظا ومعنى؛ نحو: كيف تمشيء أمشي، وكيف يتكلم الحاذق أتكلم. وقد يتصل بآخرها: "ما" الزائدة فلا يتغير من أحكامها شيء؛ كقول الشاعر: من الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا وأما "لو" الشرطية فخير الآراء أنها لا تجزم مطلقا1؛ لا في النثر ولا في الشعر. وسيجيء لها باب خاص يحوي أحكامها المختلفة2.

_ 1 والأمثلة التي استشهدوا بها للدلالة على جزمها أمثلة قليلة جدا لا تكفي للقياس عليها. ومع قلتها تحتمل أمورا تخرجها عن صلاحية الاستشهاد بها -وهي مدونة في الأشموني وحاشيته وفي غيره من المطولات- ومنها: تامت فؤادك لو يجزنك ما صنعت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا وقولهم في وصف حصان: لو يشأ طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال، نهد، ذو خصل "به: يراكبه، ميعة: نشاط، الآطال: جمع إطل، بكسر الطاء أو سكونها، مع كسر الهمزة في الصورتين، بمعنى: الخاصرة، نهد: ضخم جسيم، خصل: جمع خصلة، وهي الكتلة من الشعر". والشاهد في الفعل المضارع "يشأ" المجزوم بالحرف "لو". والاستشهاد بهذا المضارع لا يتحقق إلا إذا كان أصله هو: "يشا"، وماضيه "شا" ثم تصير ألفه همزة ساكنة في بعض اللغات واللهجات التي تقول: العالم، والخاتم، في العالم والخاتم. -راجع الصبان، ج4 باب الجوازم، عند الكلام على الأدوات التي تجزم فعلين. "ملاحظة": من الأساليب الصحيحة التي لها نظائر مأثورة أن يقال: أكرم الأصدقاء ولو ترما المخلصون. بمعنى: ولا سيما المخلصون "بجزم المضارع ... ". ومثلها: ولا ترما المخلصون. وبيان هذا الأسلوب وإعرابه مفصل عند الكلام على: "لا سيما" في ج1 باب: الموصول م28 ص287، وله إشارة هنا في "ب" من ص412 وفي رقم 2 من هامش ص494. 2 في ص491.

المسألة 157:

المسألة 157: الأحكام الخاصة بجملة الشرط 1، وجملة الجواب إذا كانت الأداة شرطية جازمة، أو: كانت الأداة الشرطية هي: "إذا، أو: كيف"2: أولا: أحكام الجملة الشرطية، "ومنها حذفها، وحذف فعلها وحده": 1- لا بد أن تكون فعلية، ويلاحظ ما سبق3، وهو أن فعلها وحده هو الشرط؛ إذ لا يصح أن يكون الشرط جملة. 2- وجوب الترتيب بين أجزائها، فلا يتقدم فعلها، ولا شيء من معمولاتها على أداة الشرطز ولا يتقدم -في الغالب- شيء من هذه المعمولات على فعل الشرط4. 3- امتناع وقوع فعلها ماضي المعنى حقيقة، فلا يصح إن هطل المطر أمس يشرب النبات، وأما قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} فالقرائن تدل على أن المراد: إن يثبت أني قلته فقد علمته. يدل على هذا سياق الكلام. ونصه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

_ 1 مما تجب ملاحظته أن الجملة الشرطية -دون الجملة الجوابية- لا يصح تسميتها إلا على حسب أصلها السابق قبل دخول الأداة الشرطية عليها، أما بعد مجيء أداة الشرط فلا تسمى جملة؛ إذ لا يكون فيها حكم مستقل بالسلب أو بالإيجاب، تنفرد به، ويقتصر عليها؛ فليس لها كيان مستقل؛ فهي لهذا لا تسمى جملة، بل لا تسمى كلاما بحسب وضعها الجديد. "طبقا للبيان الكامل الخاص بهذا في ج1 م1 عند الكلام على الجملة وكذا ج1 م27 رقم 3 من هامش ص337". 2 تسري الأحكام الآتية على الأدتين "إذا" الشرطة، و"كيف" الشرطية، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بد من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ستذكر. أما غيرهما من الأدوات الشرطية التي لا تجزم مطلقا "كأدوات الشرط الامتناعي، ومنها: لولا ولوما". وكذلك الأدوات التي لا تجزم في القول الأصح "مثل: لو، ولما الحينية، وأما الشرطية النائبة عن مهما" فإن لها أحكاما خاصة بشرطها وجوابها، مدونة في الباب الخاص بكل أداة -وسيأتي في ص491 و512. 3 في ص425. 4 إلا في بعض صور تكون فيها أداة الشرط معمولة لفعله. وقد سبقت في ص438.

أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 1. 4- امتناع أن يكون فعلها طلبيا أو جامدا، فلا يصح: إن أصفح عن المسيء يجتنب الإساءة، ولا: إن ليس الهواء هادئا نرغب فيه. 5- امتناع أن يكون مبدوءا بحرف تنفيس2، أو بقسم -عند كثرة النحاة- أو بشيء له الصدارة؛ كأدوات الاستفهام في الأغلب3، والشرط ... ، أو بحرف من حروف النفي؛ مثل: "ما، لن، إن" لكن يجوز اقترانه ب"لم"، أو "لا" إن كان مضارعا واقتضى المعنى نفيه بأحدهما. 6- وجوب جزمه لفظا إن كان مضارعا، ومحلا4 إن كان ماضيا. وجازمه في الحالتين أداة الشرط -على الصحيح- بشرط أن تكون هذه الأداة الشرطية جازمة. أما الجملة الشرطية كاملة فلا محل لها من الإعراب إلا في حالتين: الأولى: أن تكون أداة الشرط هي "إذا" باعتبارها جازمة، أو غير جازمة -فتكون ظرفا مضافا- في الرأي المشهور، والجملة الشرطية بعدها في محل جر، هي المضاف إليه، ومن الأمثلة قولهم: إذا انصرف الولاة عن العدل انصرفت الرعية عن الطاعة، وتقوضت دعائم الملك، وأسباب والرفاهة. الثانية: أن تكون أداة الشرط هي المبتدأ، والجملة الشرطية هي الخبر - عند من يجعلها خبران وهو الأرجح5 كقول الشاعر:

_ 1 انظر ما يتصل بهذا في رقم 5 من هامش ص422 وفي 1 من هامش ص423. 2 السين، أو: سوف وتسمى "سوف": حرف تسويف أيضا. 3 إلا الهمزة؛ طبقات للحكم العاشر الآتي 447. 4 انظر رقم 6 من ص456. ويظهر أثر الإعراب المحلي في التوابع؛ فمثلا: إذا عطف على الماضي المجزوم محلا فعل مضارع مماثل له في الزمن، جزم، وقد سبق تفصيل هذا في بابه المناسب "ج3 ص474 م121 باب العطف". 5 وتكون من نوع الخبر الذي لا يتمم المعنى بنفسه مباشرة مع المبتدأ، وإنما يتممه بمساعدة شيء آخر يتصل به. والجملة الشرطية لا تتممه إلا بملاحظة الجملة الجوابية المترتبة عليها، "وقد سبق بيان =

فمن يلق خيرًا ... يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما 7- عدم حذفه بعد أداة شرطية مع بقاء فاعله1 ظاهرا وبعده الفعل المفسر للمحذوف، إلا إن كانت أداة الشرط هي "إن، أو إذا"؛ فيكثر حذفه بعد كل منهما، حتى قيل إن حذفه في تلك الصورة بوصفها السالف واجب. ولكن بقاءه -برغم قلته- جائز2. ومن القليل حذفه بعد أداة غيرهما3 إلا لضرورة الشعر. والأحسن أن يكون المفسر فعلا ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف لم". فمن أمثلة الحذف بعد "إن" قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 4، وقولهم: إن أحد

_ = هذا مفصلا في ج1 م33 أول باب: "المبتدأ والخبر" "هامش ص442 وما بعدها" وقيل: جملة الجواب هي الخبر وقيل: هما معا. "كما سبق في رقم 5 من هامش ص438" هذا إن كانت أداة الشرط هي المبتدأ، فإن كان المبتدأ اسما قبلها فقد نصوا على الراجح وهو أن "المبتدأ إذا تقدم على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما وبهذه الجملة الشرطية -"بالفاء الرابطة أو: إذا"، التي تغني عنها، أو صلح لمباشرة الأداة والخبر محذوفا يدل عليه الجواب المذكور، وإلا كان خبرا والجواب محذوفا". "راجع الخضري في باب "الكلام وما يتألف منه" وتعقيبه على الصبان عند بيت ابن مالك: "والأمر إن لم يك للنون محل ... " وسبقت له إشارة موضحة "في ج1 م1 بهامش ص64 وفي ص477". وانظر رقم 2 من هامش ص457 فله ارتباط بهذه المسألة. ولا يتغير الحكم السالف إن صار المبتدأ اسما لناسخ مثل قول الشاعر: إن اللئام إذا أذللتهم صلحوا ... على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا 1 أو نائبه: هذا إن كان الفعل تاما، فإن كان ناقصا "لأنه من النواسخ". لم يرفع فاعلا ولا نائب فاعل، وإنما يرفع اسما. فالمراد ما يرفعه الفعل من فاعل أو غيره. 2 لتعدد النصوص الواردة به والتي لا تحتاج إلى تأويل. 3 سبقت إشارة لهذا في ص425 وتفصيل المسألة في ج2 باب "الاشتغال" وملخصها: أن الاشتغال بعد أدوات الشرط، والتحضيض، والاستفهام بغير الهمزة لا يقع إلا في الشعر للضرورة. أما في النثر فلا يقع بعد تلك الأدوات إلا صريح الفعل. ويستثنى من أدوات الشرط ثلاثة يقع بعدها الاشتغال بمعناه العام "الذي يشمل الاسم السابق المرفوع" نظما ونثرا". أولهما: أدوات الشرط التي لا تجزم؛ مثل: إذا، ولو. ثانيها: "إن" الشرطية مع وجوب أن يكون الفعل المفسر ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط. ثالثها: أما -راجع البيان الخاص بهذا في الموضع السابق. 4 يتردد على ألسنة بعض المتسرعين الاعتراض على حذف هذا العمل، وعلى إعراب الاسم المرفوع بعد: إن، وإذا، فاعلا -كالأسماء المرفوعة في الأمثلة المذكورة. قائلين: لم لا تكون هذه الأسماء مبتدأ، أو فاعلا للفعل الذكور بعدهما؛ لنستريح من التقدير؟ وقد أوضحنا ببيان كامل خطأ هذا في ج2 ص140 م69.

قال ما يستحق فاغبطه، وإن أحد نال ما لا يستحق فترقب أن تسلبه الأيام ما نال. وقول أحد الخلفاء لقائد جيشه المنتصر: اتقوا الله في الأسرى؛ عاملوهم برفق، وانزلوا معهم على حكم الدين". وإن فتية منهم أصلهم الهوى فاهدوهم سواء الصراطن وإن شيوخ استبد بهم ما ألفوه فترفقوا بهم إلى حين، وإن نساء لم يسلمن من الفزع، فأدخلوا السكينة على قلوبهن. ومن أمثلة الحذف بعد "إذا" الشرطية قوله تعالى في وصف يوم القيامة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} ، وقول الشاعر: إذا الملك الجبار صعر خده ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه وقول الآخر: إذا أنت عاتبت الوضيع فإنما ... تخط على صفح من الماء أحرفا ومن أمثلة الحذف بعد أداة شرطية غير "إن وإذا" والمفسر غير ماض، قول الشاعر يصف غادة هيفاء: صعدة1 نابتة في حائر2 ... أينما الريح تميلها تمل 8- امتناع تصدير الجملة الشرطية بالحرف: "قد": فلا يصح: إن -قد- يعدل الراعي تسعد رعيته. لأن مجيء "قد" بعد فعل الشرط يقتضي3 تحقيق وقوع فعل الشرط. وتقريبه من الحال. مع أن فعل الشرط يقتضي احتمال أمرين؛ وقوع معناه وعدم وقوعه: كما يقتضي أن زمنه مستقبل محض4. 9- امتناع وقوع الجملة الشرطية حالا -طبقا للبيان الذي سلف5. 10- امتناع تصديرها6 بأداة شرطية، "جازمة، أو غير جازمة" قبلها

_ 1 رمح مستو، وقناة لا عوج فيها. 2 مجتمع الماء. 3 مراعاة للاستعمال الأغلب. 4 راجع شرح التصريح ج2 باب الجوازم عند الكلام على "لما". 5 في رقم 5 من هامش ص422. 6 في الرأي الأشهر "ولهذا صلة بالحكم الخامس".

أداة استفهام مثل: "هل" الاستفهامية. لكن لا مانع أن تقع أداة الشرط بعد همزة الاستفهام1 دون غيرها. 11- جواز حذف الجملة الشرطية "فعلها ومرفوعه معا"2 بشرط وجود قرينة تدل عليها، وألا يذكر صريحا في الكلام بعدها ما يفسرها. وقد يبقى بعد حذفها شيء قليل منها؛ مثل "لا" النافية ... وقد تبقى الأداة أو تحذف مع الجملة الشرطية المحذوفة. ومن الأمثلة قول الشاعر: متى.. تؤخذوا قسرا3 بظنة4 عامر ... ولا ينج إلا في الصفاد5 أسير يريد: متى توجدوا تؤخذوا6 ... ومن أمثلة حذفها مع بقاء "لا" النافية الداخلة عليها، قول الشاعر: فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور وقول الآخر: فطلقها فلست لها بكفء ... وإلا يعل مفرقك الحسام والأصل فيهما: وإلا تولني -وإلا تطلقها؛ فحذفت الجملة الشرطية وحدها مع بقاء الأداة، و"لا" النافية. ومثله قوله عليه اسللام في اللقطة7 ... فإن جاء صاحبها وإلا استمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمع بها. والأصل: فإن جاء صاحبها أخذها، وإلا يجيء فاستمتع بها..،

_ 1 فلا يصح: هل إن يشتد البرد تهاجر الطيور -في الرأي الأشهر- ويصح: أن يشتد؟ "راجع الصبان، ج4 عند بيت ابن مالك في أول باب: الجوازم". "فعلين يقتضين شرط قدما ... ". وقد سبقت إشارة لهذا في آخر رقم 3 من ص426. 2 مرفوع الفعل يشمل الفاعل، ونائبه، واسم الناسخ، وإن كان الفعل ناسخا، "كما سبق في رقم 1 هامش ص446". 3 قهرا. 4 بتهمة. 5 القيد، ونحوه، مما يقيد به الأسير، ويربط. 6 هذا البيت هو من الشواهد التي تؤيد القائلين بأن الجملة الشرطية قد تحذف ولو كانت أداة الشرط غير "إن" ولا يشترطون أن تكون "إن" وعندهم شواهد نثرية ونظمية. نعم إن الحذف بعد "إن" هو الأكبر. 7 الشيء الذي يضيع من صاحبه ويجده بعض الناس في الطريق ونحوه.

وقولهم: المرء مجزى بعمله، إن خيرا فخير..، أيك إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. فقد حذف فعل الشرط واسمه، وبقي خبره. وجعلوا مما يصلح لأمثلة حذف الأداة وجملة الشرط قوله تعالى يخاطب المؤمنين، ويذكر انتصارهم على الكفار: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} ، والأصل: إن افتخرتم بقتلهم أفلم تقتلوهم ... وقد دخلت الفاء على "لم" هنا - ومثله قوله تعالى في المشركين: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} 1، التقدير: إن أرادوا الولي الحق فالله هو الولي وحده. وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ، والتقدير: إن لم يتيسر أن تعبدوني في أرض، فإياي في غيرها فاعبدون. هذه هي أهم الأحكام الخاصة بالجملة الشرطية. وستجيء2 أحكام عامة تختص بها وبالجملة الجوابية. ثانيا: أحكام الجملة الجوابية3 للشرط الجازم؛ ومنها الحذف: 1- أن تكون فعلية. ويصح أن تكون اسمية مقترنة "بالفاء" الزائدة للربط، أو "بإذا" الفجائية التي تحل محلها في بعض الحالات للربط4. ومن أمثلة الفعلية قول الشاعر: لا يذهب الخير سدى ... ومن يعن يوما يعن ومن أمثلة الاسمية قولهم: حيثما تصنع خيرا فالجزاء خير. وقول الشاعر: فإن تتقوا شرا فمثلكمو اتقى ... وإن تفعلوا خيرا فمثلكمو فعل وقولهم: إن يسر المرء على سنن الهدى إذا التوفيق حليفه. 2- لا بد من إفادتها معنى جديدا لا يفهم من جملة الشرط -كالأمثلة

_ 1 أم: بل. 2 في ص471. 3 ويجوز أن تكون مثبتة، أو منفية بالتفصيل الآتي في ص461 و467، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ... ومن لا يُكرِّم نفسه لا يُكرَّم 4 وسيجيء البيان الخاص بالربط في رقم 8 من ص458.

السالفة- فلا يصح: إن تسأل عن الغائب تسأل؛ لأن هذه الجملة الجوابية لفظها ومعناها مثل الشرطية فيهما؛ فلا جديد في معنى الجواب، فإن تضمنت معنى جديدا جاز وقوعها جوابا؛ كقوله عليه السلام: " ... لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ... "، أي: فهجرته مقبولة، أو مباركة ... فالجملة الجوابية أفادت مرادا جديدا بالرغم مما بينها وبين الجملة الشرطية من اشتراك لفظي ... 3- وجب تأخيرها؛ فلا يجوز تقديمها ولا تقديم شيء من أجزائها ومعمولاتها على أداة الشرط، ولا على الجملة الشرطية. إلا في حالتين: الأولى: أن يكون الجواب جملة مضارعية1، مضارعها مرفوع: فيجوز تقديم معمول الجواب على الأداة؛ بشرط مراعاة البيان والتفصيل الخاص2 بهذا ... نحو: خيرا إن تستمع تستفيد. الثانية: أن يكون المعمول هو: "إذا" الشرطية عند من يعربها ظرفا لجوابها. وكذا غيرها من الأسماء الشرطية الأخرى التي لا تكون معمولة لفعل الشرط حين يكون فعلا ناسخا. وقد سبق3 أيضا بيان هذه الحالة بصورتها. وسوغ التقديم في الصورة الأولى أن المضارع المرفوع ليس هو الجواب في الحقيقة؛ لأن الجواب محذوف4، وتسمية المذكور جوابا تساهل لوحظ فيه الأصل5. أما في الصورة الثانية فلأنها أداة شرطية واجبة الصدارة.

_ 1 في الشكل الظاهر لا في الحقيقة؛ إذ الحقيقة -طبقا للمشهور- أن الجملة المضارعية المذكورة في مثل هذه الصورة هي دليل الجواب، وليست بالجواب؛ لأنه محذوف -طبقا للآتي هنا، وللبيان الآتي في ص474-475. 2 وفي ص474 حكم المضارع المرفوع في جواب الشرط. 3 في ص438 وما بعدها. 4 وفي ص475 إعراب المضارع المرفوع في جواب الشرط. 5 بمناسبة حذف الجواب يعرض النحاة لحالة فعل الشرط، ولتقديم دليل الجواب عليه، والحالات التي يتعين أن تكون فيها بعض الأدوات موصولة، لا شرطية، فيقولون: "إن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو -في الأرجح- دليل الجواب، وليس بالجواب". وجاء في التسهيل والهمع ما ملخصه: إذا حذف الجواب في السعة وتقدم دليله على أداة الشرط فلا يكون فعل الشرط -في الأصح- إلا ماضيا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" -مع ملاحظة ما يأتي في الحكم الرابع- فإن سيبويه: "هذا هو الوارد من كلام العرب". وإذًا لا يصح عنده الأخذ بالرأي الكوفي الذي يقيس المضارع على الماضي، فيجيز: "أنت كريم إن تصفح"؛ لأن في هذا قياسا لشيء على آخر يخالفه في علة القياس وسببه ... لكن الكوفيين -إلا الفراء- يستشهدون بأمثلة فصيحة تؤيد رأيهم وتقويه -كما سيجيء في ص455- والرأي الأول أقوى وأفصح مع صحة الثاني. وما سبق مقصور على السعة أما في الضرورة الشريعة فيصبح حذف الجواب مصنفا وفعل الشرط مضارع ومنه: يُثني عليك وأنت أهل ثنائه ... ولديك -إن هو يستردك- مزيد -وسيعاد ذكر البيت واسم صاحبه لمناسبة أخرى في ص455. فإن كان فعل الشرط المسبوق بدليل الجواب غير ماض وأداة الشرط: "ما"، أو: "من"، أو "أي" وجب في السعة "أي: في غير الضرورة الشعرية" جعلها موصولة وإعطاؤها حكم الموصول، فتقول: أعط من يعطي محمدا؛ وأحب ما يحبه ... ، وأكرم أيهم يحبك..؛ برفع المضارع، والمجيء بالعائد، واعتبار الجملة صلة لا محل لها من الإعراب، وصحة عمل العوامل التي قبل الموصول فيه. أما في الضرورة فيجوز بقاء الشرطية والجزم. وكذلك يجب جعل تلك الأدوات موصولة إذا وقعت مع جملتها مضافا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: أتذكر إذ من يرضينا نرضيه؛ لأن أسماء الزمان لا تضاف إلى جملة مصدرة "بإن الشرطية" -"كما سبق في ج2 رقم 6 م79 هامش ص237 وفي ج32 م94 ص67"- فكذا المصدرة بما تضمن معنى "إن الشرطية" كمن؛ خلافا للزيادي حيث جوز في هاء الصورة الجزم اختيارا. أما عند غيره فقد خرجت تلك الأدوات عن الشرطية. وصارت موصولة ينطبق عليها ما ينطبق على الموصول من أحكام، ولا دخل لها بالشرط. وكذلك يجب ما ذكر لهن مطلقا "أي: في السعة وفي الضرورة، سواء أكان بعدهن ماض أو مضارع" فيما يأتي: أ- إذا تقدمتهن "هل" مباشرة؛ لأن "هل" لا تدخل على "إن الشرطية" فكذا ما تضمن معنى "إن" بخلاف الهمزة، فيجوز الجزم على الأصح؛ نحو: أمن يرضك ترضه؟ لدخولها على "إن" الشرطية. ب- إذا وقعن بعد ناسخ من باب: "كان" أو: "إن"؛ لأن اسم الشرط لا يعمل فيه عامل قبله إلا حرف الجر أو المضاف؛ فإنهما قد يجران بعض أسماء الشرط "كما سبق في ص426 و438" وغير هذين العاملين لا يعمل فيه. ومن الأمثلة: كان من يرضينا نرضيه، إن من يرضينا ترضيه. وأما قول الأعشى: إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء =

4- امتناع حذفها إلا بشرطين: أولهما: إن يدل دليل عليها بعد حذفها، ولا يصلح جوابا1؛ ويتحقق هذا الشرط بأن يسبقها، أو يكتنفها "أي: يحيط بها"، أو يتأخر عنها، ما لا يصلح جوابا، ولكنه يدل على الجواب المحذوف2؛ مثل: "أنت الشجاع إن قلت الحق في وجه الظالم"، أو: "أنت -إن تلطفت في القول- محبوب". فالجملة الجوابية في المثالين محذوفة؛ لوجود ما يدل عليها؛ وهو الجملة التي قبلها، أو التي تحيط بها، وكلتاهما لا تصلح جوابا. والأصل: أنت الشجاع، إن قلت الحق في وجه الظالم

_ = "بجزم الفعلين: يدخل ويلق" فعل تقدير ضمير الشأن، أي: إنه من يدخل. ج- إذا وقعن بعد "ما" النافية؛ لأن "ما" النافية لا تنفي الجملة الشرطية. نحو: ما من يرمينا نرميه. د- إذا وقعن بعد "لكن" -ساكنة النون- أما المشددة فداخله في: "ب" السابقة أو "إذا" الفجائية، نحو: لا أذهب لمن يقاطعني، لكن من يزورني أزوره، مررت بالمحسن فإذا من يستعين به يعينه. وسبب المنع هو أن أداة الشرط "اسما كانت أم حرفا" لا بد ان تكون في صدر جملة جديدة مستقلة بمعناها وبإعرابها. أما "لكن" وإذا الفجائية "فلا بد أن يسبقهما كلام يرتبط بها ما بعدهما ارتباطا معنويا، بحيث يتصل المعنيان اتصالا وثيقا. وجاء في حاشية الصبان أن سريان الحكم على تلك الأدوات بعد: "لكن وإذا" الفجائية مشروط بشرط ألا يضمر بعدهما مبتدأ، فإن أضمر بعدهما مبتدأ جاز جزم المضارع، تقول: رأيت الشريف فإذا ما يزره يكرمه، وعلى كريم الخلق لكن من يزره يغضبه. والتقدير فيهما: "فإذا هو من ... ، لكن هو من ... " ولم يرد لهذا الشرط ذكر في بعض المراجع الأخرى المتداولة، كالهمع ... ولم أجد فيما رأيت أمثلة مسموعة تؤيد الأخذ به. ولهذا يحسن إهماله، والبعد عن التأويلات والتقديرات بغير ضرورة. "راجع في كل ما سبق الهمع ج2 ص61 وما بعدها. وحاشية الصبان عند بدء الكلام على الأدوات التي تجزم فعلين ... ". 1 لأنه إذا دل عليها وهو متأخر، وكان مما يصلح جوابا أصيلا بغير ضعف وجب اعتباره الجواب مباشرة؛ إذ لا داعي للحذف أو التقدير. ويوضح هذا ما سبق وما يجيء في الصفحة التالية عند الكلام على الشرط الثاني. على الكوفيين يعتبرون الدليل المتقدم الذي يصلح جوابا هو الجواب الأصل ولا مانع عندهم أن يتقدم الجواب على أداة الشرط ويخالفون البصريين في هذا. 2 فالغالب أن تسبقه جملة، أو تكتنفه؛ "بأن يقع بين ركنيها الأساسيين". ومن أمثلة الأول الذي تسبقه جملة قول الشاعر: لا خيل عندك تُهديها، ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال وقول الآخر: رب ليل كأنه الصبح في الحسـ ... ـن، وإن كان أسود الطيلسان

فأنت الشجاع، أنت محبوب، إن تلطفت في القول فأنت محبوب1. ومثال الدال عليها وهو متأخر لا يصح جوابا، قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، أي: فلا تحزن؛ فقد كذبت رسل من قبلك، -كما سيجيء-2 فالدال على الجملة الجوابية قد يكون قبلها، أو بعدها، أو محيطا بها. وهو في كل حالاته لا يصلح جوابا. ومن أمثلة حذفها لدلالة جملة سابقة الشطر الأول من قول الشاعر: عش وحيدا إن كنت لا تقبل العذ ... ر، وإن كنت لا تغفر زله ومما يدل عليها: "جواب القسم" إذا كان القسم متقدما على أداة الشرطن نحو: والله إن رعيت اليتيم ليرعينك الله. فالقسم محتاج لجواب، وكذلك أداة الشرط؛ فحذف جواب المتأخر3 منهما؛ وهو الشرط، لدلالة جواب المتقدم -وهو القسم- على المحذوف. ولهذا تعتبر اللام في المثال داخلة على وجواب القسم؛ كدخولها عليه في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، وفي قوله تعالى بلسان الكفار يهددون الرسل {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} فاللام الداخلة على أداة الشرط: "إن" هي علامة القسم، واللام المتأخرة داخلة على جوابه. أما جواب الشرط في الآيتين فمحذوف: لتأخر أداة الشرط. ويدل عليه في كل منهما جواب القسم المذكور. ثانيهما: أن يكون فعل الشرط -في غير الضرورة الشرعية، وعند غير الكوفيين-4 ماضيا لفظا ومعنى بحسب أصله، أو معنى فقط؛ كالمضارع المسبوق بالحرف: "لم". فمثال الماضي لفظا ومعنى: أنت عزيز إن ترفعت عن الدنايا، أو أنت -إن ترفعت عن الدنايا- عزيز ... وقول الشاعر: ونحن أولو المآثر من قديم ... وإن جحدت مآثرنا اللئام ... 5

_ 1 انظر ما يتصل بها من اجتماع المبتدأ وأداة الشرط في رقم 5 من هامش ص445. 2 لاحظ ما أشرنا إليه هنا من الرأي الكوفي، وما سبق في رقم 5 من هامش ص550. 3 عملا بالرأي الراجح. 4 سبق رأيهم في رقم 5 من هامش ص550 وسيجيء في ص455 أنه مقبول. 5 وكذلك قول الآخر: ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم

ومثال الماضي معنى لا لفظا قول الشاعر: لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب أو إساءة مجرم؟ فإن لم يكن فعل الشرط ماضيا بأن كان مضارعا لفظا ومعنى لم يصح -في الأرجح- حذف الجملة الجوابية1 إلا إن سد مسدها جملة أخرى بعدها2 تدل عليها، ولا يستقيم المعنى بجعلها هي الجواب؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ، والأصل: وإن تجهر بالقول فإنه غني عن جهرك، فحذف الجواب الأصلي، وسد مسدة جملة: "فإنه يعلم السر"، وهي جملة بعده شغلت مكانه، ولا يستقيم المعنى على اعتبارها الجواب الحقيقي؛ لأن الجهر بالقول لا يترتب عليه أن الله يعلم السر؛ إذ الله يعلم السر دائما؛ سواء أوجد جهر بالقول أم لم يوجد3. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ

_ 1 لاحظ ما أشرنا إليه هنا من الرأي الكوفي، وما سبق في رقم 5 من هامش ص550. 2 فهي متأخرة في مكانها عن الجواب المحذوف، وموضعها الأصلي بعده، بالرغم من أنها تشغل مكانه ظاهرا، لا حقيقة؛ إذ مكانه خال في الواقع. وهي بهذا الإيضاح تعتبر صورة من صور الشرط الأول. إلا أن الصورة هنا واجبة التأخير، وهي تسد وتغني عن الجملة الجوابية المحذوفة. لكن كيف يصح حذف الجواب مع أن فعل الشرط مضارع، كما يبدو في الآيات التالية؟ أجابوا: "أنه لما سد شيء مسده كأنه لم يحذف" -راجع حاشية الأمير على "المغني"، ج2 موضوع حذف جملة جواب الشرط. 3 والذي دعا لهذا التقدير: أن أجل الله آت على كل حال؛ فليس الجواب مترتبا على الشرط، فهو كقوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} ومثل قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} فالجواب في كل هذه الأمثلة محذوف وقد وجد ما يسد مسده، فجاز حذفه بالرغم من أن فعل الشرط مضارع. والسبب في اعتباره محذوفا واعتبار المذكور في مكانه سادا مسده أن هذا المذكور ليس مترتبا على الشرط، ولا مسببا عنه؛ كما هو الشائع في أغلب الأساليب -طبقا لما أوضحناه في رقم 1 من هامش ص422. أما على غير هذا الاعتبار فلا حذف، والمذكور هو الجواب؛ كما سبق بيانه "في الهامش المشار إليه" من أن الشرط ملزوم والجزاء لازم له؛ سواء أكان الشرط سببا أم غير سبب. وكذلك ما قاله ابن الحاجب من أن الجزاء قسمان. وقد أوضحنا هناك ... ويكاد الخلاف يكون لفظا؛ لاتجاهه إلى مجرد التسمية؛ أنسمي المذكور جوابا أم سادا مسد الجواب حين لا يكون مسببا عن الشرط مباشرة؟ ومما يلاحظ أن هذا الخلاف في التسمية مقصور على الحالة التي يكون فيها فعل الشرط مضارعا بعده جملة ليست مسببة عنه مباشرة. وسيجيء في ص480 -إشارة أخرى خاصة بأداة الشرط: "إن".

فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ، والأصل: وإن يكذبوك فلا تحزن، فقد كذبت رسل من قبلك1، ولا يصح أن تكون الجملة المذكورة هي الجواب؛ لأنها ليست مترتبة على ما قبلها. وكذلك قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} فالجواب المحذوف تقديره: فليبادر للعمل الصالح. والكوفيون لا يشترطون لحذف الجواب أن يكون فعل الشرط ماضيا، بل يجيزون أن يكون مضارعا، ولذا يقولون فيما سد مسده، إنه الجواب الحقيقي، وليس بالدليل، ولا بالساد مسد الجواب، مستدلين بأمثلة كثيرة تؤيدهم، كالآيتين السالفتين، وكقول الشاعر2: لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع فقد حذف جواب الشرط "إن" مع أن فعله مضارع؛ وهو: "تلك"، أما جملة "ليعلم X" فهي جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن"، ولا يصح -في الراجح- أن تكون هذه الجملة جوابا للشرط، لأنه متاخر هنا عن القسم، ولأن جوابه لا يكون مبدوءا باللام. وكذلك قول الشاعر: يثني عليك، وأنت أهل ثنائه ... ولديك إن هو يستزدك مزيد والأصل: إن يستزدك3 -هو- يستزدك فلديك مزيد. والأخذ برأي الكوفيين -وإن كان ليس بالأعلى هنا- أنسب وأيسر؛ بسبب الشواهد القوية الكثيرة التي تؤيدهم، وبسبب ما يراه أكثر المحققين، وهو: "أن جواب الشرط قد يكون غير مترتب على فعل الشرط" -كما أوضحناه من قبل4. ومتى اجتمع الشرطان الخاصان بالحذف صار الحذف غالبا، وقيل إنه واجب، والأول أنسب.

_ 1 لهذا إشارة في الصفحة السابقة، وهامشها. 2 هو الكرميت بن معروف من الشعراء المخضرمين -كما جاء في هامش كتاب: "معاني القرآن" للفراء، ص66. 3 على هذا التقدير يكون فعل الشرط مضارعا -عندهم؛ بدليل تفسيره بمضارع بعده. أما غيرهم فيجعل البيت من الشواذ -وقد سبق البيت لمناسبة أخرى ص451. 4 في رقم 6 من هامش ص421 على أن الخلاف بين الفريقين يكاد يكون لفظيا في تسمية المذكور؛ أهو جواب أم ساد مسده. كما قلنا في رقم 3 من هامش الصفحة السالفة.

هذا حكم الجملة الجوابية من ناحية حذفها حذفا غالبا، أو واجبا. أما حذفها جوازا فأشهر صوره اثنتان: الأولى: أن تقع جملة الشرط جوابا لسؤال؛ نحو: أترشد الغريب؟ فتجيب إن رأيته، والتقدير: إن رأيته أرشده. الثانية: إن تشعر الجملة الشرطية نفسها -دون سواها- بالجواب المحذوف؛ كقوله تعالى يخاطب الرسول في شأن المعارضين: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ، والتقدير: فإن استطعت ... فاعل. 5- امتناع تكرار مدلولها إذا كان مدلول الجملة الشرطية يقتضي التكرار. إلا إن اقتضى العرف التكرار، أو قامت قرينة تدل عليه. ففي مثل: إن أسافر أركب طائرة لا يكون المراد أن ركوبي الطائرة يتكرر بتكرار السفر، وإنما المراد أن سفري سيقتض ركوبي الطائرة مرة واحدة. فإذا تكرار السفر فقد يكون في الطائرة أو في غيرها ... ، بخلاف قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، فإن الجواب وهو: الأمر بغسل الوجوه والأيدي وغيرها مما يحتمه الوضوء يقتضي التكرار كل مرة، لدليل شرعي آخر؛ يوجب الوضوء قبل كل صلاة على من ليس متوضئا. 6- جزم فعلها لفظا إن كان مضارعا، ومحلا إن كان ماضيا1؛ بشرط ألا تقترن به في الصورتين "الفاء" أو "إذا" الفجائية -وهما لمجرد الربط طبقا، لما سيأتي-2 كقول الشاعر يصف الحساد: إن يعلموا الخير يخفوه، وإن علموا ... شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا3 فالمضارع: "يخفوا" مجزوم بحذف النون وواو الجماعة فاعل والماضي: "أذاع" مبني على الضم لمناسبة الواو في محل جزم. ومثله الماضي: "كذب" ولا محل

_ 1 انظر رقم 2 من "ج" ص468 ولهذا إشارة سبقت في ص422. 2 في هذه الصفحة، والتي تليها. 3 تقدم هذا البيت لمناسبة أخرى في ص424.

للجملة الفعلية الماضوية فيما سبق؛ لأن الجازم قد عمل في محل الفعل الماضي؛ فلا يؤثر بعد هذا في محل الجملة1 المشتملة على هذا الفعل. فإن كان الجواب مقترنا "بالفاء الرابطة، أو "إذا" الفجائية التي تحل محلها -أحيانا- فإن الجازم يؤثر في مجموع الجملة، لا في الفعل وحده، ولا في غيره من أجزائهاز فتأثيره مسلط عليها كلها مجتمعة متماسكة الأجزاء -ومن بين أجزائها: الفاء، وإذا الفجائية- فتصير الجملة كلها في محل جزم بأداة الشرط2. ويظهر أثر هذا الإعراب المحلي في توابعها -كما سلف وكما سيجيء هنا. ولا يصح جزم الفعل. 7- جواز اقترانه -لداع بلاغي- بكلمة: "إذا" الجوابية؛ لتفيده توكيدا وتقوية، بشرط أن تكون أداة الجزم، هي: "إن"؛ نحو: إن تنصر أهل البغي إذا يصبك بغيهم3.

_ 1 ولهذا لا يصح جزمها. 2 قالوا: لأنه لو وقع في هذا الموقع فعل يقبل الجزم لجزم وعلى هذا لا يتسلط الجازم على جزء من أجزاء الجملة دون بقية أجزائها؛ كذا في المغني والكشاف. لكن قال الدماميني وأقره الشمني: "الحق أن جملة الجواب لا حل لها مطلقا، إذ كل جملة لا تقع موقع المفرد لا محل لها. ولا يقال إنها واقعة هنا موقع المفرد -وهو الفعل القابل للجزم- لأنها لم تقع موقعه وحده؛ بل موقعه منع فاعله الذي يتم به الكلام كما يتم بهذه الجملة ... " فعلى الرأي الأول: لو كان اسم الشرط مبتدأ لكانت جملة الجواب في نحو: "من يقم فإني أكرمه" في محل جزم ورفع باعتبارين؛ هما الشرطية والخبرية؛ بناء على أن الجواب هو الخبر أيضا، وعلى الثاني في محل رفع على الخبرية فقط؛ كحالها في نحو: من يقم أكرمه اتفاقا؛ لظهور أثر أداة الشرط في المضارع الثاني. "راجع الخضري أول الباب" ثم الصبان أيضا عند الكلام على ما يجزم فعلين: ولا يخلو هذان الرأيان من غموض واضطراب، ونوع معارضة للحكم الذي قرره وحققوه خاصا باجتماع المبتدأ والشرط -وقد سبق في رقم 4 من هامش ص438 وانظر رقم 1 من هامش ص446 وهامش ص475 فابتعاد عن هذا كله، وفرارا من اللبس يحسن الاقتصار على الرأي الثاني عند اقتران الجواب "بالفاء" أو "إذا"، والاستثناء عن الخبر لوجود الجواب الذي يدل عليه. 3 سبق إيضاح هذا في ص315، ومنه يفهم جواز دخول "اللام" على جواب "لو، وإن" الشرطيتين -وفائدة هذه اللام موضحة تفصيلا في ص98 -وهامشها- وقد ورد اقتران جواب "إن" باللام في كلام يحتج به؛ هو قول الشاعر ابن عنمة من شعراء الأصمعيات -كما سيجيء في ص463 قال: فإن يجزع عليه بنو أبيه ... لقد خدعوا، وفاتهموا قليل كما اقترن جوابها باللام في خطبة لأبي بكر رضي الله عنه وردت في الجزء الأول من كتاب =

8- وجوب اقتران الجواب -في غير الضرورة-1 "بالفاء"، أو "إذا" الفجائية التي تخلفها في بعض المواضع الآيتة2، إذا كان الجواب نوعا من الأنواع التي لا تصلح فعل شرط. وهذه "الفاء" زائدة للربط المحض الدال على

_ = زهر الآداب، للحصري ص10 جاء فيها: "يا معشر الأنصار إن شئتم أن تقولوا إنا آويناكم في ظلالنا، وشاطرناكم في أموالنا، ونصرناكم بأنفسنا لقلتم ... " "إن" في المثالين بمعنى "لو" وقد جاء في كتاب: "شفاء الغليل" للخفاجي ص176 مادة "لو" ما نصه: "إدخال اللام في جواب "لو" ظاهر. وأما جواب "إن" فقيل إنه من خطأ المصنفين. وليس كذلك لأنها تخرج على أنها جواب "لو" مقدرة، والتقدير في قولهم: "وإلا لكان كذا ... " "فلو كان كذا لكان كذا" ترقيا من مرتبة الشك إلى الجزم". ا. هـ. ونرى أن هذا التعليل مرفوض؛ لعدم توضيحه طريقة "التقدير" ومكانه، والضابط الذي يحدده، ولأن الأخذ به وحده يفتح باب الفساد والفوضى في اللغة. وكان عليه أن يستدل بأمثلة مسموعة تؤيده؛ ولم نره ولا غيره عرض أمثلة من فصيح الكلام تؤيد ذلك الأسلوب إلا ما نلقناه -وفيه الكفاية. ورأيي أن ذلك الأسلوب صحيح مع قلته، ولكن الأفضل الاكتفاء بالأكثر -انظر ما يتصل بهذا في رقم 9 ص463. بقي شيء آخر؛ ما نوع اللام في قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أهي اللام الداخلة على جواب قسم محذوف؛ كما يصرح بهذا بعض المفسرين مجاراة للشائع بين النحاة؟ إن صح هذا الرأي كان قائما على أساس من الحذف والتقدير، والتأويل، وكان مساويا في قوته اللغوية للرأي الآخر الذي يجيز دخول اللام في جواب "إن الشرطية" أحيانا، بل إن هذا الرأي أقوى؛ لابتعاده عن التأويل في القرآن من غير داع: لكن كثرة النحاة ترتضي أنها اللام الداخلة على جواب القسم، مستندين في هذا إلى حكم خاص من أحكام "إن الشرطية"، هو: أنها إذا وقع بعدها فعل الشرط مضارعا مجزوما بها كان من المستقبح مجيء لام اليمين في جوابها؛ فلا يستحسن أن يقال؛ إن تزرني لأكرمنك؛ لأن اللام تمنع "إن" من العمل مع أنه ظهر عملها في فعل الشرط. فإن كان فعل شرطها ماضيا ويدخل في هذا المضارع المسبوق بلم فإن عملها الجزم فيه لا يكون ظاهرا؛ فيجوز دخول لام اليمين في جوابها فيصح من غير قبح أن يقال: إن زرتني لأكرمنك. ومن الأمثلة لهذا قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . ومن الأمثلة لرفع الجواب بعد فعل الشرط الماضي قول شاعرهم: وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقوم إلا غائب مالي ولا حرم وسيجيء هذا البيت للمناسبة في ص474، ومن الأمثلة ترك لام اليمين بعد المضارع المجزوم بها فعلا للشرط قوله تعالى: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} -راجع كتاب سيبويه ج1 ص436. 1 انظر البيان في "ب" من ص465. 2 هو النوع السابع الآتي في ص462. وانظر معنى "إذا" في رقم 2 من هامش ص462.

التعليل؛ وليست للعطف ولا لغيره1، ولا تفيد معنى إلا عقد الصلة ومجرد الربط المعنوي بين جملة الجواب وجملة الشرط، كي لا تكون إحداهما مستقبلة بمعناها عن الأخرى بعد زوال الجزم الذي كان يربط بينهما. وتعرب "الفاء" و"إذا" الفجائية مع الجملة التي بعدهما في محل جزم جوابا للشرط، ولا يصح في الجملة الفعلية بعدهما أن يكون الفعل وحده هو الجواب، ولا أن يجزم -كما تقدم- وأشهر هذه الأنواع التي لا تصلح فعل شرط ما يأتي2: الأول: الجملة الطلبية. وتشمل الأمر، والنهي، والدعاء -ولو بصيغة الخبر- والاستفهام، وغيره من بقية أنواع الطلب التي سبقت3. فمثال الأمر قولهم: إذا غضبت فاسكت لتأمن زلل اللسانز وقول الشاعر: إن ملكت النفوس فابغ رضاها ... فلها ثورة، وفيها مضاء ومثال النهي: من يستشرك فلا تكتم4 عنه صادق المشورة، ومن يستنصحك فلا تحجب4 عنه خالص النصح5.. ومثال الدعاء: رب: إن أدعك لما يرضيك فاستجب، وإن أتجه لما يغضبك فلترشدني للسداد. رب، إن هفوت فلا تحرمني المغفرة، وإن ضللت فلا تتركني ضالا ... ونحو: إن يمت المجاهد فيرحمه الله، ... 6.

_ 1 راجع الهمع والصبان، فليست "فاء السببية الجوابية" التي ينصب بعدها المضارع "بأن" المضمرة وجوبا. وليست نوعا آخر غير الزائدة المحضة. 2 سبعة، وستذكر أنواع أخرى في "ج" من الزيادة والتفصيل ص467. ومنها المضارع المنفي بالحرف: "لا" أحيانا. 3 في ص365. 4، 4 المضارع مجزوم "بلا" الناهية، وليس جوابا مجزوما؛ لأن الجواب هو الجملة المضارعية كلها. أما المضارع المسبوق بلا النافية فيجيء حكمه في ص467 -كما سبق. 5 وقد اجتمع الأمر والنهي في قول بعض العرب: "إذا بلغت أن غنيا افتقر فصدق، وإذا بلغك أن فقيرا اغتنى فصدق، وإذا بلغك أن حيا مات فصدق. وإذا بلغك أن أحمق اكتسب عقلا ونطق حكمة فلا تصدق". 6 المضارع هنا للدعاء، فهل يصح مجيء الماضي هنا للدعاء؟ الجواب في رقم 2 ص468. ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

ومثال الاستفهام قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} 1، ومثل: من تسنح له الفرصة فهل يتركها تفر؟ ومن تلوح له الآمال أفيقعد عن السعي وراءها؟ ومن الواجب أن تتقدم الفاء على أداة الاستفهام إن كانت الأداة غير الهمزة: "مثل: هل، أين، متى ... " فإن كانت الأداة هي الهمزة وجب تقديمها على الفاء، وقد سبقت الأمثلة. ومثال التمني: العافية أغلى ما في الحياة، إن وهبها الله لإنسان فليته يرعى حقها. ومثل: الربيع شباب الزمان وجماله، إن يقبل فليت الناس يغتنمون إقباله، ويسارعون إلى التمتع بمباهجة ومفاتنه ... وهكذا بقية أنواع الطلب.. الثاني: الجملة الفعلية التي فعلها جامد؛ نحو: من يطلق لسانه بذم الناس فليس له واق من ألسنتهم. وقول الشاعر: إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس عن شيء سواه بخزان الثالث: الجملة الفعلية المصدرة بالحرف: "قد"2؛ نحو: من يحكم أمره فقد ضمن إصابة الهدف. ومن أساء الوسيلة فقد ضل السبيل إلى الغاية. وقول الشاعر: فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب الرابع: الجملة الفعلية المصدرة بأحد حرفي التنفيس "وهما: السين، وسوف" نحو: من يحسن فسيجزى على الإحسان إحسانا. ومن يسيء فسيلقى على الإسارة شرا وخسرانا. ونحو: إن يعدل الحاكم فسوف تستقيم له الأمور، وإن يظلم فسوف تنهار دعائم حكمه، وتدوم بعدها حسراته وآلامه. الخامس: الجملة المصدرة بأحد أحرف النفي الثلاثة، وهي:

_ 1 {فَلا غَالِبَ لَكُمْ} جاءت الفاء هنا لأن الجواب جملة اسمية وجاءت بعد ذلك في جواب الاستفهام. 2 انظر السبب في رقم 8 من ص447.

"ما، لن، إن"1؛ نحو: من يقصر فيما ينتظر حسن الجزاء2، ونحو قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، ونحو: من يستسلم للغضب فإن يلومن إلا نفسه على ما يصيبه. أي: فلا يلومن إلا نفسه1 ... فإن كانت أداة الشرط هي: "إذا" والنافي هو: "إن" جاز مجيء الفاء وعدم مجيئها. ومن الثاني قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} . أي: ما يتخذونك3 ... السادس: الجملة المبدوءة بكلمة لها الصدارة؛ "مثل: رب، كأن4، أداوت الشرط، أداة القسم عند كثير من النحاة" ... نحو: إن كان عادكمو عيد فرب فتى ... بالشوق قد عاده من ذكركم حزن ونحو قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} ، وقولهم: من يأكل مال اليتيم فكأنه يأكل نارا. ومثل قوله تعالى يخاطب الرسول في أمر المعارضين: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} ، ومثل: متى تعتمد أمة على أسباب القوة فوالله يخافها أعداؤها.

_ 1 و1 انظر ما تصل بهذا رقم 1 من "ج" في الزيادة الآية والتفصيل "ص467". فقد جعل بعض النحاة "لا" و"لم" النافيتين مثل "إن" النافية. ولكنه جعل اقتران الفاء بهما جائزا، لا واجبا. أما مع "إن" فواجب. "انظر ص467". وإذا كانت "لا" نافية للجنس أو الواحدة وجب اقترانها بالفاء لأنها من الحروف الناسخة التي لها الصدارة؛ إذ لا تدخل إلا على جملة اسمية. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} . 2 قول الشاعر: فإن كنت قد فارقت نجدا وأهله ... فما عهد نجد عندنا بذميم 3 فإن كان حرف النفي هو "ما" وجب اقترانه بالفاء -كما سبق- كقول الشاعر: إذا كانت النعمى تكدر بالأذى ... فما هي إلا محنة وعذاب 4 أو إحدى أخواتها من الحروف الناسخة، ما عدا "أن" مفتوحة الهمزة التي معناها: "التوكيد" فليس لها الصدارة.

السابع: الجملة الاسمية كقول الشاعر: إن يحسدوك على فضل خصصت به ... فكل منفرد بالفضل محسود وقول الآخر: ومن كان منحل العزائم تابعا ... هواه فإن الرشد منه بعيد ...............................1 ... ................................ وقد تغني "إذا" الفجائية2 عن الفاء في الدخول على الجملة الاسمية بشرطين؛ أحدهما: متفق عليه، وهو أن تكون الجملة اسمية غير دالة على طلب، ولا مسبوقة بنفين ولا بناسخ؛ ومن الأمثلة: "إن يحسدوك إذا كل منفرد بالفضل محسود ... " بخلاف: إن يطع الولد أبويه فويح له3، وإن يعصهما فويل له3. أو: إن يعصهما فما له حظ من التوفيق، أو: إن يعصهما فإن خسرانه مبين. فالفاء واجبة في هذه الأمثلة وأشباهها. ولا يصح: "إذا". والآخر: غير متفق عليه، وهو أن تكون أداة الشرط "عن" دون غيرها من أخواتها الشرطية. فكثرة النحاة تشترطها. نحو: إن تخلص إذا الإخلاص

_ 1 إذا كانت الجملة الاسمية الجوابية مصدرة بحرف ناسخ: "مثل: إن، ما، لا" وجب دخول الفاء على الحرف الناسخ وحده؛ كما في هذا البيت" وكما في قول الشاعر: إذا لم تكن نفس ابن آدم حرة ... تحن إلى العليا فلا خير في النفس ومن الجملة الاسمية كذلك الجزء الأخير من الآية الكريمة: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: فالإساءة لها. وقد اجتمعت الجملتان؛ الاسمية، والمصدرة بما النافية في قول الشاعر: فإن أرحل فمعروف جهادي ... وإن أقعد فما بي من خمول 2 معناها الدلالة على المفاجأة في الحال، ولا بد أن يسبقها كلام. وبالرغم من أنها للمفاجأة في الحال -لا تخلوه هنا- بعد أداة الشرط من دلالة تعقيب لجواب الشرط بعد فعل الشرط. والأحسن اعتبارها في كل الأساليب حرفا "وقد سبق الكلام عليها في ج1 ص492 م52 وفي الجزء الثاني باب الظرف" ... وهل يصح أن تجتمع هي والفاء معا؟ الجواب في ص465. 3، 3 الدعاء نوع من الطلب -كما عرفنا في ص365 ثم 368 حيث البيان.

ينفعك. وقلة النحاة لا تشترطها بعينها، وإنما تعجل مثلها "إذا" الشرطية؛ مستدلين بقوله تعالى في المطر: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 1 ... والأحسن الأخذ برأي القلة؛ إذ تؤيدها الشواهد، ولا سيما بعض الآيات القرآنية، ولا داعي للتأويل. هذا وقد اجتمع في البيت الآتي أكثر الأمور السابقة التي لا يصح فيها الجواب أن يكون شرطا، ويجب في كل منها اقتران الجواب بالفاء، أو بما قد يخلفها -والبيت هو: اسمية، طلبية، وبجامد ... وبما، وقد، وبلن، وبالتنفيس ...................................2 ... .................................... 9- ورد في المسموع القليل اقتران جواب "إن الشرطية" باللام، على اعتبار "إن الشرطية" بمنزلة "لو"3.... ومنه قول الشاعر4: فإن يجزع عليه بنو أبيه ... لقد خدعوا. وفاتهمو قليل ... وقول أبي بكر رضي الله عنه في خطبة له5: "يا معشر الأنصار إن شئتم أن

_ 1 وقوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} . 2 لم يشمل البيت حالات النوع السادس التي سلفت في ص461، ولا حالات تأتي في "ج" ص467، وفي اقتران الجواب بالفاء أو بإذا الفجائية التي تخلفها في بعض الحالات يقول ابن مالك: "وسنذكر البيتين في ص476 لمناسبة أخرى هناك". واقرن "بفا" حتما جوابا لو جعل ... شرطا "لإن" أو غيرها لم ينجعل وتخلف "الفاء" "إذا" المفاجأة ... كإن تجد إذا لنا مكافأة "بفا، أي: بفاء -بالفاء" يريد: اقرن بالفاء حتما كل جواب لو جعلته فعل شرط للأداة "إن" أو لغيرها من أخواتها- لم ينجعل. أي: لم يصلح فعلا للشرط؛ لعدم انطباق الشروط عليه، ثم قال: إن هذه "الفاء" قد تختفي ويحل محلها "إذا" وساق لها مثلا، ولم يتعرض للتفصيلات والشروط المختلفة. 3 راجع البيان الخاص بهذا في رقم 3 من هامش ص457. ولا سيما ما يتصل بنوع اللام. 4 هو عبد الله بن عتمة، من الشعراء الذي يحتج بكلامهم -وله إشارة في هامش ص457- والبيت منقول من الأصمعية الثامنة. 5 الخطبة كاملة في الجزء الأول من كتاب "زهر الآداب" للحصري، ص10.

تقولوا إنا آويناكم في ظلالنا، وشاطرناكم في أموالنا، ونصرناكم بأنفسنا لقلتم"1. وتفصيل الكلام على هذين المثالين وحكم نظائرهما من كلام المحديثين موضح فيما سبق. وقد يقترن جواب "إن" و "لو" الشرطيتين بكلمة: "إذا، الجوابية" طبقا للبيان الذي سلف2. إلى هنا انتهت الأحكام الخاصة بالجملة الجوابية، وستجيء3 أحكام عامة تتصل بها وبالجملة الشرطية.

_ 1 سبق تفصيل هذا الحكم لمناسبة أخرى في رقم 3 من هامش ص457. 2 في ص315 وفي رقم 7 من ص457. 3 في ص471.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- أيجوز الجمع بين "الفاء وإذا" السالفتين؟ صرح أكثر النحاة بأنه لا يجوز، وتألوا قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فقالوا إن "إذا" لمجرد التأكيد هنا، وليست للربط، والممنوع أن تكون للربط عوضا عن الفاء، إذ لا يصح الجمع بين العوض والمعوض عنه. وهذا تأويل بادي الضعف عندي؛ لأن المهم الذي يراد معرفته هو الجمع بين هذين الحرفين أحيانا؛ أصحيح هو -على قلته- سائغ الاستعمالن أم غير صحيح وغير سائغ؟ والقرآن قد جمع بينهما؛ فلم يبق مجال لمنع الجمع، وإن كان قليلا نسبيا. أما التعليل بالتأكيد أو بالربط فأمر لا أهمية له بعد الحكم بصحة الاستعمال؛ محاكاة للقرآن الكريم؛ إذ لا شك أن محاكاته جائزة بالصورة والمعنى الواردين به؛ وإن كان أحد الاستعمالين أكثر فيه من الآخر، بل هي اختيار موفق لأسمى الأساليب التي تحاكي. على أنه قد جاء في تفسير النسفي النص الصريح على أن "الفاء" قد اجتمعت هنا مع "إذا لتأكيد الربط. ب- هل يصح -أحيانا- الاستغناء عن هذه الفاء الرابطة، وعما يخلفها بعد حذفها؛ هو: "إذا، الفجائية"؟ أجابوا: لا يصح الاستغناء إلا في الضرورة الشعرية؛ كقول القائل: من يفعل الحسنات الله يشكرها1 ... والشر بالشر عند الناس مثلا وقول الآخر: ومن لم يزل ينقاد للغي والصبا ... سيلفى على طول السلامة نادما

_ 1 ولا يصح في هذا البيت اعتبار "من" موصولة مبتدأ، والجملة الاسمية خبرها؛ لم يترتب على هذا من خلو الجملة الخبرية من رباط يربطها بالمبتدأ.

.........................................................................................................1

_ ومن النادر الذي لا يقاس عليه عندهم قوله عليه السلام في حديث اللقطة2، ".... فإن جاء صاحبها، وإلا استمتع بها ... " ويؤولون قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} على تقدير "قسم" قبل الشرط؛ فيكون الجواب للسابق وهو القسم المقدر3؛ والأصل عندهم: ولئن أطعتموهم إنكم لمشركون. فجملة؛ "إنكم لمشركون"، جواب للقسم لا للشرط، ولم تذكر لام القسم مع أن القسم نفسه محذوف- " والأصل والله إن أطعتموهم ... " لأن ذكر اللام بعد حذفه ليس واجبا، وإنما هو أقوى وأكثر. وبهذا التأويل يقولون في آيات أخرى تشبه الآية السالفة في رأيهم، مع أنها تخالفها يفي شيء هام، ومن هذه الآيات قوله تعالى في المشركين: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، ووجه المخالفة هو أن المضارع مؤكد هنا بالنون؛ فالقسم محتم ليسوغ التأكيد بها4. وقال آخرون: إن الفاء ليست محذوفة في الآيات السالفة -وما يشبهها- وإنما هي مقدرة ملحوظة؛ فكأنما مذكورة. ولكن كثرة النحاة لا ترتضى هذا الرأي5، مع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الخلاف شكلي محض. إذ مؤداه في الرأيين التأويل بالحذف، وإن اختلفا في نوع المحذوف. والتمحل ظاهر في تأويل الآية الأولى، وفي الحكم على الحديث بالندرة، لوجود شواهد أخرى فصيحة نثرية -لا تخضع للضرورة- وغير نثرية. فالأفضل أن يقال: إن الأعم الأغلب هو عدم حذف "الفاء" و "إذا" التي قد تنوب عنها، وأنه يصح -مع القلة النسبية، لا الذاتية- الاستغناء عنهما منفردين ومجتمعين، إن كانت أداة الشرط هي: "إن"1 ... ويقول أبو حيان وفريق من النحاة إن "إذا" الشرطية قد تنفرد بخلو جوابها منهما إذا كان الجواب منفيا بإن، أو: ما، أو: لا. وجعل منه قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} -كما سبقت الإشارة لهذا2. ج- هل يصح أن يقترن الجواب بالفاء في غير تلك المواضع التي لا يصلح فيها أن يكون فعل شرط؟ أجابوا: 1- إن كان فعل الجواب مضارعا يصلح فعلا للشرط جاز: إما تجرده من "الفاء" مع وجوب جزمه، وإما اقترانه "بالفاء"3؛ بشرط أن يكون مثبتا أو منفيا ب"لا"، قيل: أو "لم" أيضا، "ففي "لم" خلاف"، ومتى اقترنت "الفاء" به وجب رفعه على اعتباره خبر مبتدأ محذوف، والجملة الاسمية جواب الشرط. ولا يصح أن يكون المضارع المرفوع وحده هو الجواب: إذ لو كان الواب لوجب جزمه، والحكم بزيادة الفاء زيادة مطلقة، يراعى فيها تقدير سقوطها. لكن العرب التزمت رفعه معها؛ فدل هذا على أصالة الفاء، وأنها داخلة على مبتدأ مقدر، وليست زائدة للربط. ومن أمثلته قوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} ، أي: فهو لا يخاف..

_ 1 لأن أكثر الأمثلة المسموعة الخالية منها كانت أداة الشرط فيه هي: "إن". 2 في النوع الخامس -ص460. 3 انظر ما يتصل بهذا في رقم 1 من هامش ص461.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن لم يوجد في الكلام ما يعود عليه المبتدأ الضمير كان الضمير للشأن أو للقصة، كقراءة من قرأ قوله تعالى في حكمة شهادة المرأتين: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} بكسر همزة: "إن" ورفع المضارع: "تذكر". والتقدير: فهي -أي: القصة- تذكر، ونحو: إن قام المسافر فيتبعه صديقه. أي: فهو -الحال والشأن- يتبعه صديقه "وفي هذه القراءة نوع تكلف لا داعي له". ومن أمثلة عدم اقترانه "بالفاء" مع نفيه بالحرف "لا" ووجوب جزمه باعتبار هذا المضارع وحده جوابا للشرط مباشرة - قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فالمضارع: "تحصوا" هو جواب الشرط مجزوم بحذف النون. 2- إن كان فعل الجواب ماضيا متصرفا، مجردا من "قد" و"ما" ... وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه بالفاء -طبقا لما تقدم- فله ثلاثة أضرب: فإن كان ماضيا لفظا ومعنى فالواجب اقترانه بالفاء على تقدير: "قد" قبله إن لم تكن ظاهرة؛ لتقربه من الحال القريب من الاستقبال؛ كقوله تعالى في سورة يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} 1 أي فقد صدقت. وإن كان ماضيا في لفظه مستقبلا في معناه، غير مقصود به وعد أو وعيد -امتنع اقترانه بالفاء: نحو إن قام المسافر قام زميله. وإن قصد بالماضي الذي معناه المستقبل، وعد أو وعيد، جاز اقترانه بالفاء على تقدير: "قد"؛ إجراء له مجرى الماضي لفظا ومعنى للمبالغة في تحقق وقوعه، وأنه بمنزلة ما وقع. ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ} وجاز عدم اقترانه مراعاة للواقع وأنه مستقبل في حقيقته وليس ماضيا. ويندرج تحت الوعد والوعيد ما كان غير صريح في أحدهما ولكنه ملحوظ في الكلام، مراد

_ 1 المضي حقيقي هنا. وقد يقال إنه مؤول بمثل التأويل الذي جرى على آية أخرى سبقت "في رقم 3 من ص444" وهي قوله تعلى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} . إذ المراد فيهما: إن يثبت في المستقبل أني قلته فقد علمته، وإن يثبت في المستقبل أن قيمصه قُد. ومثل هذا التأويل حسن إن استقام عليه المعنى؛ فيجدر الاقتصار عليه في هذه الصورة المعينة ومنع إباحته إن لم يستقم عليه المعنى، وبهذا التقييد تمتنع الصور الأخرى الخالية من "قد" لفظا، والتي قد يقع في الوهم الخاطئ والاعتبار الفاسد واشتمالها على "قد" تقديرا مع أنها مفقودة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه؛ فيدخل الدعاء بنوعيه "الخير والشر" فمن الدعاء بالخير قول الشاعر: وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت، وديمة مدرار ومن الدعاء بالشر ... قول جميل يخاطب غرب البين، داعيا عليه: فإن كان حقا ما تقول فأصبحت ... همومك شتى، والجناح كسير ودرت بأعداء حبيبك فيهمو ... كما قد تراني بالحبيب أدور ويدخل التخويف وبيان العواقب؛ كالذي في قول النابغة الجعدي: الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما أي: فظلم نفسه. د- قد ينزل بعض الظروف منزلة الشرط فيكون مضافا لجملة بعده مباشرة، ومنصوبا لعامل في الكلام المتأخر عنها، المترتب عليها؛ كأنه جواب لها، معلق عليها؛ كتعليق الجملة الجوابية على الشرطية، ومن الأمثلة لذلك قوله تعالى في موقف الكفار من القرآن الكريم: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ، وقد سبق1 تفصيل هذه المسألة، وبيان صورها المختلفة. هـ- بمناسبة الكلام على جواب الشرط وجزمه نذكر ما يجيزه الكوفيون من جواز جزم المضارع الواقع -مباشرة- في جملة بعد جملة الصلة2، أو في جملة بعد الجملة الواقعة صفة لنكرة3، بشرط أن تكون الجملة المشتملة على المضارع المراد جزمه بمنزلة الجواب والجزاء لجملة الصلة، أو الصفة. ففي مثل: الذي يكرمني أكرمه -وكل رجل يقول الحق أحترمه- يجيزون جزم المضارعين: "أكرم"؛

_ 1 في الجزء الثاني، باب الظرف، م79 "و" من ص257 وفي رقم 4 من هامش ص268 ثم في باب الاستثناء "ج2 م83 هامش ص331 عند شرح بيت ابن مالك: "وحيث جرا فهما حرفان ... " وفي باب حروف الجر، م89 رقم 2 من هامش ص409". 2 لهذه بيان في ج1 م27 ص383 باب الموصول "الكلام على صلة الموصول والرابط" وهناك قصة طريفة تؤيد هذا الحكم. 3 لهذه بيان في ج3 م114 ص463 "ز" باب النعت "بالجملة وشبه الجملة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"أحترم" لأن جملة كل منهما -على اعتبار الجملتين بمنزلة جوابين للصلة والصفة- شبيهة بجملة الجواب للأداة الشرطية؛ كلتاهما مترتبة على الجملة التي قبلها. فلا مانع عندهم من جزم المضارع هنا كجزمه هناك. وهذا قياس مرفوض؛ فالحجة القوية هي: "السماع عن العرب". وما عرضه الكوفيون من أمثلة قليلة. غير صالح لتأييد دعواهم، فيحسن الاقتصار على المسموع القليل، دون القياس عليه، وإنما سجلنا رأيهم هنا لنعرف به ذلك الوارد المسموع دون الموافقة على محاكاته.

أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا: 1- ما يختص بهما من ناحية نوعهما، وكيفية إعراب فعلهما: جملة الشرط لا بد أن تكون فعلية، وفعلها وحده هو فعل الشرط -كما عرفنا؛ سواء أكانت ماضوية أم مضارعية. فلها من هذه الناحية صورتان، أما جملة الجواب فقد تكون فعلية -ماضوية1 أو مضارعية- وقد تكون اسمية بشرط اقترانها بالفاء، أو ما يخلفها، طبقات لما سبق2. والصور السالفة كلها صحيحة، قياسية. ولكنها -مع صحتها- مختلفة الدرجة في قوة الفصاحة والسمو البلاغيح فبعضها أقوى وأسمى من الآخر؛ تبعا لنصيبه من كثرة الاستعمال الوارد في الأساليب العالية المأثورة. وقد يختلف هذا الوارد في ضبط المضارع وإعرابه. هذا، ويلاحظ: أن الماضي في الجملتين قد يكون ماضيا لفظا ومعنى؛ بحسب أصله قبل مجيء أداة الشرط الجازمة، فإذا جاءت جعلته ماضيا لفظا، لا معنى، لأنها تجعل زمنه مستقبلا1؛ فيظل ماضيا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير فصار بسببها مستقبلا. كما يلاحظ أن المضارع في الجملتين قد يكون مضارعا لفظا ومعنى بحسب أصله، فإذا دخلت عليه: "لم" الجازمة تركته مضارعا لفظا لا معنى؛ لأنها تجعل زمنه ماضيا؛ فيظل مضارعا بلفظه وصورته، دون زمنه الذي تغير وصار زمنا ماضيا. وإذا سبقتهما معا أداة شرط جازمة خلصت زمنه للمستقبل المحض، بالرغم من وجود: "لم" ذلك أن أداة الشرط الجازمة لا بد أن تخلص زمن الفعل في الجملة الشرطية، وفي الجملة الجوابية للمستقبل3 الحض؛ سواء أكان هذا الفعل مضارعا أصيلا، أم كان ماضيا أصيلا "أي: ماضيا لفظا ومعنى" أم ماضيا معنى فقط دون لفظ كالمضارع المسبوق بالحرف "لم" فإن صورته صورة المضارع، ولكن

_ 1 و1 مع مراعاة ما سبق في رقم 2 من ص466. 2 في ص458. 3 راجع ما سبق متصلا بها في آخر رقم 3 من هامش ص414.

زمنه ماض، بسبب "لم" فهذه الأفعال تتجرد للزمن المستقبل وحده؛ بسبب أداة الشرط الجازمة وفيما يلي ترتيب درجاتها. الأولى: أن يكون الفعلان مضارعين أصيلين مجزومين، لفظا1 بأداة الشرط لأن أحدهما فعل الشرط، والثاني هو فعل الجواب المباشر2؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} 3 وقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} . الثانية: أن يكون الفعلان ماضيين لفظا؛ فيبنيان لفظا ويجزما محلا - أي: أن كلا منهما مبني في لفظه؛ "كالشأن في الأفعال الماضية كلها" ولكنه في محل جزم؛ لأنه فعل الشرط، أو فعل الجواب، والأصل في فعلي الشرط والجواب أن يكونا مضارعين مجزومين لفظا؛ فكذلك يجزم ما يحل محلهما. ولما كان الماضي لا يجزم لفظا وجب جزمه محلا4. ومن الأمثلة: من أسرف في الأمل، قصر في العمل، وقول الشاعر: ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل وقول الآخر: إن اللئام إذا أذللتهم صلحوا ... على الهوان، وإن أكرمتهم فسدوا

_ 1 هذان إن لم تتصل بالمضارع إحدى النونين، فإن اتصلت به إحداهما كان مبنيا في محل جزم؛ -كما في ص279. 2 أي: الذي يعتبر وحده فعل الجواب مجزوما، وهو مع فاعله جملة فعلية هي جملة الجواب؛ وليست في محل جزم. بخلاف بعض الحالات الأخرى، كالتي يكون فيها المضارع مع فاعله خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره هي الجملة الجوابية، في محل جزم -كما سيجيء في هامش ص443- ففي هذه الصورة وأمثالها لا يكون هو فعل الجملة الجوابية إذ الجملة المضارعية هنا خبر لمحذوف، وليست هي الجواب، وليس المضارع فيها مجزوما. 3 أو الآية: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} . 4 لهذا الجزم المحلي آثاره في التوابع؛ كالعطف والبدل وغيرهما. فإذا عطف عليه مضارع متحد معه في الزمن وجب جزم المضارع المعطوف. وإن أبدل منه مضارع جزم أيضا، وهكذا. وإن عطف عليه ماض كان مبنيا في اللفظ، مجزوم المحل.

ويدخل1 في هذه الدرجة: الماضي معنى دون لفظ -وهو المضارع المسبوق بالحرف "لم"؛ نحو: إن لم تتأهب للأعداء لم تتغلب عليهم -من لم يهيئ للغاية وسائلها عوقب بالخيبة في إدراكها- من قصر في الوسيلة لم يفز بتحقيق الأمل وقد سبق2 الكلام على إعراب المضارع المسبوق "بلم". الثالثة: أن يكون فعل الشرط ماضيا -ولو معنى- وفعل الجواب مضارعا أصيلا كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} . فالماضي مبني في محل جزم، والمضارع المجرد مجزوم مباشرة. ومثل؛ من لم يغتنم الفرصة يعاقب بالحرمان، ويجوز رفع المضارع، وهذا حسنن ولكن الجزم أحسن3 ... الرابعة: أن يكون فعل الشرط مضارعا أصيلا مجزوما، وفعل الجواب ماضيا -ولو معنى- وهذه الصورة أضعف الصور؛ حتى خصها بعض النحاة بالضرورة الشعرية، ولكن الصحيح أنها ليست مقصورة على الشعر، وإنما تجوز في النثر مع قلتها. ومن أمثلتها نثرا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له". وقول عائشة عن أبيها وهي تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن أبا بكر رجل أسيف4؛ متى يقم مقامك5 رق". ومن أمثلتها شعرا قول القائل يمدح ناصره: من يكدني6 بسيئ كنت منه ... كالشجا بين حلقه والوريد وقول الآخر في أعدائه: إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا ... مني، وما يسمعوا من صالح دفنوا ... 7

_ 1 ومثل قول الشاعر: ومن عاتب الجهال أتعب نفسه ... ومن لام من لا يعرف اللوم أفسدا 2 في رقم 3 من هامش ص414. 3 وسيجيء هذا الحكم في الصفحة التالية وفيها أمثلة للرفع المطلوب هنا. 4 كثير الأسف والحزن والبكاء؛ خوفا من الله. 5 تريد: متى يقم مقامك في الصلاة إماما بالناس وقت تخلفك عن الإمامة. 6 كاد، يكيد، كيدا خدع ومكر. 7 وفي نوعي الفعلين يقول ابن مالك في بيت أشرنا إليه في هامش ص424 لمناسبة هنا: وماضيين أو مضارعين ... تلفيهما، أو متخالفين

2- ما يختص بهما من ناحية رفع المضارع في الجواب وجزمه: الأصل أن يكون المضارع في الجواب مجزوما. لكن يصح جزمه ورفعه إن كان فعل الشرط ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كالمضارع المجزوم بلم، فكلا الضبطين حسن، ولكن الجزم أحسن -كما أشرنا-1 وقد سبقت أمثلة الجزم. ومن أمثلة الرفع قول الشاعر يمدح: وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول: لا غائب مالي، ولا حرم2 وقول المتغزل: إن رأتني تميل عني كأن لم ... يك بيني وبينها أشياء وقولهم: من لم يتعود الصبر تودي3 به العوادي. فإن كان فعلا الشرط والجزاء مضارعين لفظا ومعنى وجب جزمهما إلا على رأي ضعيف يجيز رفع المضارع الوقاع جوابا في النثر وفي الظلم؛ مستدلا بقراءة من قرأ قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} برفع المضارع "يدرك"، ويقول الشاعر: يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع وقول الآخر يخاطب جمله: فقلت: تحمل فوق طوقك إنها ... مطبعة، من يأتها لا يضيرها4 والأفضل إهمال هذا الرأي قدر الاستطاعة، منعا للخلط واللبس، ولأن ذلك الاستدلال واه؛ فرواية القراءة المذكورة موضع شك، وبقية الأمثلة قليلة، فوق أنها مقصورة على الشعر؛ ولذا قال بعض النحاة: إنه لا يصح الرفع مطلقا إلا في الضرورة الشعرية.

_ 1 في الصفحة السالفة. 2 لا حرم "لا ممنوع" أي يقول: مالي غير ممنوع. وقد سبق هذا البيت للمناسبة عينها في هامش ص458. 3 أي: تذهب به وتهلكه. 4 يقال إن الشاعر: أراد أن يضع فوق جمله قربة أو غرارة كبيرة مملوءة طعاما، وأن يشجعه على احتمال عبثها الثقيل، فقال له هذاك "إنها مطبعة ... أي: إن القربة أو الغرار مملوءة، من يأخذ منها شيئا فإنه لا ينقصها".

لكن كيف نعرب المضارع المرفوع في جملة الجواب كالحالتين السالفتين؟ أ- الخبر: أن نواجه الحقيقة والأمر الواقع؛ فنقول عند وقوعه مرفوعا في الشعر وليس له معمول متقدم على الأداة: إنه جواب الشرط، مرفوع للضرورة أو على لغة ضعيفة. وعند وقوعه في النثر: إنه مرفوع، محاكاة لتلك اللغة الضعيفة، ولا داعي للتأويل المرهق، والتقدير، وافتراض الحذف، أو التقديم، أو التأخير ... ، رغبة في الوصول إلى وسيلة تخرجه من نطاق جواب الشرط المرفوع بضعف، إلى نطاق شيء آخر يبيح بغير ضعف؛ وبغير أن يكون جواب شرط. وفي هذا ما فيه من التكلف الذي لا يطابق الواقع. فوق ما يوجه إليه من اعتراضات أخرى1.

_ 1 من أمثلة التكلف والإرهاق ما يقوله سيبويه وبعض أئمة النحاة: أ- يقول سيبويه: إن المضارع المرفوع بعد فعل الشرط الماضي -مثل: إن رأتني تميل عني ... ، ليس هو جواب الشرط، وإنما هو دليل على الجواب، وتسميته بالجواب: تساهل، أو مجاز لدلالته على الجواب. والجواب الحقيقي محذوف، وهذا المضارع المرفوع قد تأخر مع فاعله عن موضعهما الأصلي الذي يسبق أداة الشرط. والأصل عنده: تميل عني إن رأتني تمل. فالجواب محذوف دل عليه جهلة: "تميل عني". وهذه الجملة المتقدمة على أداة الشرط قد تركت موضعها وجاءت متأخرة عن الجملة الشرطية؛ ففي الكلام أمران؛ حذف الجواب، وتأخير ما يدل عليه. وعلى هذا لا يجوز جزم ما عطف على هذا المضارع، ويجوز أن يفسر ناصبا للاسم الذي قد يكون قبل الأداة؛ مثل: محمدا إن جاء أرمه وأرعاه. وقال الكوفيون والمبرد: إن المضارع وما يتصل به هو الجواب، ولكن على تقدير "الفاء" التي تدخل على الجواب أحيانا؛ فتقوم في إفادة الربط بين جملتي الشرط والجواب مقام جزم الفعل، ولا يجزم معها الفعل؛ استغناء بها في الربط عن الجزم -كما سبق في ص458- ويعرب هذا المضارع المرفوع مع فاعله خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره هي جواب الشرط في محل جزم. ويجب عندهم رفع المضارع في هذه الصورة؛ لأن المضارع الواقع في حيز "فاء" الربط على الصورة السالفة واجب الرفع بالرغم من أن الفاء هنا مقدرة سواء أكان فعل الشرط ماضيا، نحو قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} أم مضارعا كقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} . ففي الكلام عندهم حذف الفاء وتقدير وجودها، وحذف المبتدأ، وتكوين جملة منه ومن خبره تعرب جواب الشرط، وجملة الجواب في محل جزم، فيجوز العطف عليها بالجزم، ولا يصح أن يكون لها معمول مقدم ولا أن تفسر عاملا. وهذا الرأي -برغم ما فيه- أقرب من رأي سيبويه إلى القبول. وهناك رأي ثالث قد يكون أقربها إلى السداد -برغم ما فيه أيضا- وملخصه: أن المضارع مرفوع لا لسبب مما ذكر، ولكن لأن أداة الشرط لم يظهر لها تأثير في لفظه؛ لأنها عجزت عن التأثير في لفظ فعل الشرط الماضي فضعفت عن الوصول إلى المضارع لتؤثر في لفظه أيضا!! وهذا التعليل واضح الفساد. فما السبب في عجزها هنا وعدم عجزها حين تجزم المضارع مع فعل الشرط الماضي، مع أن فعل الشرط ماض =

ب- فإن كان له معمول متقدم على الأداة فأكثر النحاة يميل إلى رفع المضارع، وفي هذه بالصورة يكون المضارع دليل الجواب وليس جواب حقيقيا؛ نحو طعامنا إن تزرنا تأكل، فطعام -بالنصب- مفعول مقدم للمضارع: "تأكل" الذي يعتبر دليل الجواب المحذوف، ولا يصح أن يكون جوابا حقيقيا، لأن الجواب الحقيقي لا يتقدم هو ولا شيء من معمولاته على الجملة الشرطة، ولا على الأداة كما سلف1. أما لو جعلنا كلمة "طعام" مرفوعة على اعتبارها مبتدأ فالأحسن الأخذ بالرأي الأقوى الذي استخلصناه من عدة آراء، وشرحناه ... 2..

_ = في الحالتين؟ ومن ثم يظهر فساد التعليل؛ -برغم ما سجله من أن الأداة عجزت عن التأثير في لفظ المضارع. وهذا نوافقه عليه- وهو فوق ذلك مقصور على إحدى الحالتين. فلا يشتمل على الآتية: ب- ويقول سيبويه: فإن كان المضارع مرفوعا بعد فعل الشرط المضارع فإن تقدم على أداة الشرط عامل يطلب المضارع المتأخر المرفوع فالأفضل اعتبار هذا المضارع المتأخر منقولا من مكان سابق على أداة الشرط، وأنه ترك مكانه الأصلي وتأخر عنه إلى المكان الذي حل فيه بعد الجملة الشرطية، فهو دليل الجواب، وليس جوابا حقيقيا إلا من باب التساهل أو المجاز. ويجب عنده اعتبار هذا المضارع الذي تأخر من تقديم معمولا هو وفاعله للعامل المحتاج إليهما قبل أداة الشرط. في المثال السالف. "إنك إن يصرع أخوك تصرع". يكون المضارع "تصرع" مع فاعله خبر "إن"، وتكون هذه الجملة الفعلية قد تأخرت من مكانها الأصلي؛ كما سبق. وإن لم يوجد قبل أداة الشرط عامل يحتاج للمضارع المرفوع وجب تقدير الفاء، والمضارع بعدها مع فاعله خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره في محل جزم، جواب الشرط. ويرى الكوفيون والمبرد ومن معهم تقدير الفاء هنا كما قدروها هناك "في "أ" ويتساوى عندهم أن يكون فعل الشرط ماضيا وأن يكون مضارعا. وهذا خير من رأي سيبويه. 1 راجع التفصيل في رقم 3 من ص449. 2 هنا وفي ص449 والتي بعدها. وفيما سبق من رفع المضارع في الجزاء يكتفي ابن مالك ببيت واحد لا إيضاح فيه ولا تفصيل -وقد تقدم في هامش ص424 لمناسبة هناك- هو: وبعد ماض رفعك الجزا حسن ... ورفعه بعجد مضارع وهن-6 ثم أردفه بيتين سبق شرحهما في مكانهما الأنسب من ص463، وهما: واقرن "بفا" حتما جوابا لو جعل ... شرطا لـ"إن" أو غيرها لم ينجعل-7 وتخلف "الفاء" "إذا المفاجأة" ... كإن تجد إذا لنا مكافأة-8

3- ما يختص بهما من ناحية عطف مضارع على أحدهما: أ- إذا وقع بعد جملة الجواب -ولو كانت اسمية؛ لأنها في محل جزم- مضارع مقرون بالواو أو الفاء، جاز فيه ثلاثة أوجه إعرابية؛ يختار منها المتكلم والمعرب ما يناسب السياق، ويساير معنى التركيب1. أولها: اعتبار "الواو" و"الفاء" حرفي استئناف؛ فالجملة بعدهما استئنافية مستقلة في إعرابها عما قبلها، والمضارع فيها مرفوع - إن كان مجردا من ناصب وجازم، ومن نوني التوكيد - ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ، برفع المضارع، "يغفر" بعد فاء الاستئناف، وقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، برفع المضارع: "يذر" بعد واو الاستئناف، وقول الشاعر يمدح: فإن يهلك أبو قابوس2 يهلك ... ربيع الناس والبلد الحرام ونأخذ بعده بذناب3 عيش ... أجب4 الظهر، ليس له سنام برفع المضارع: "نأخذ" بعد واو الاستئناف. ثانيها: اعتبار الفاء للسببية والواو للمعية -وهما عاطفان أيضا مع السببية والمعية- والمضارع بعدهما منصوب "بأن" مضمرة وجوبا "بالتفصيل الذي سبق إيضاحه عند الكلام على فاء السببية، واو المعية"5. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد نصب الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخذ.

_ 1 كل وجه من هذه الثلاثة يقوم على اعتبار معنوي خاص به، يخالف الآخر، وواجب المتكلم والمعرب اختيار الوجه الإعرابي الذي يقوم على الاعتبار المناسب للسياق، ولما يقتضيه المعنى. ومن الخطأ الزعم أن هذه الأوجه الثلاثة تصلح لكل أسلوب، وتباح في كل تركيب بغير تفيد بهذا الاعتبار المعين الخاص، وإلا صارت اللغة فوضى بسبب محو القيود، أو إهمالها، وإهمال الاعتبارات التي تميز المعاني بعضها من بعض. 2 هو النعمان بن الحارث الأصغر. 3 ذنب، عقب. 4 مقطوع. يريد: لا ظهر له ولا سنام، لضعفه وهزاله. فلا خير فيه. 5 في ص352 375. وهامشهما. وقالوا في سببه: إن الذي سوغ وقوعهما للسببية والمعية هنا، دون أن يتحقق شرط إضمار "أن" بعدهما وجوبا؛ -وهو النفي المحض، والطلب المحض، وما ألحق =

ثالثها: اعتبارها حرفي عطف مجردين له -فلا يفيدان سببية ولا معية- والمضارع بعدهما مجزوم؛ لأنه معطوف على جواب الشرطح فإن كان جواب الشرط مضارعا مجزوما مباشرة، فالمضارع المعطوف مجزوم مثله، وإن كان فعل الجواب ماضيا فهو مجزوم محلا، والمضارع المعطوف مجزوم لفظا، مراعاة لمحل المعطوف عليه. وكذلك إن كان الجواب جملة اسمية أو فعلية: فإنها تكون في محل جزم، والمضارع المعطوف عليها مجزوم لفظا تبعا لمحلها. كالأمثلة التي سبقت في الوجه الأول، ولكن بعد جزم الأفعال المضارعة: يغفر -يذر- نأخ، وكقول الشاعر: ومن يتتبع -جاهدا- كل عثرة ... يجدها؛ ولا يسلم له -الدهر- صاحب والكوفيون يجعلون "ثم" كالواو في الأوجه الثلاثة السالفة1؛ فكلاهما إما للاستئناف، وإما للعطف الخالص، وإما للعطف مع المعية ... ب- وإذا وقع المضارع المسبوق بأحد الأحرف السالفة بعد الجملة الشرطية مباشرة، متوسطا بينها وبين الجملة الجوابية، فأكثر النحاة يجيز فيها وجهين؛ يختار منهما المتكلم والمعرب ما يناسب السياق. أحدهما: اعتبار هذه الأحرف للعطف المجرد، والمضارع بعدها مجزوم؛ لأنه معطوف بها على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، ومثل؛ من يتكلم فيسرف

_ = بهما، مما شرحناه في مكانه- أن جواب الشرط قبلهما غير متحقق الوقوع؛ فمثله مثل النفي أو الطلب وملحقاتهما. فهم يريدون إرجاع النصب هنا إلى استيفائهما شرطهما من الوقوع بعد النفي أو الطلب تأويلا. ولكن السبب الحق هو الاستعمال العربي الذي نصب المضارع بعدهما مع عدم تحقق الشرط الأصلي. ومما تجب ملاحظته أن الأخذ بهذا الوجه وجعلهما للمعية والسببية إنما هو اختياري محض أمره للمتكلم يختاره، أو يختار غيره على حسب الاعتبار المناسب للسياق. لكن إذا اختارهما للسببية والمعية وجب نصب المضارع بأن، ووجب أن تكون مضمرة. فالاختيار جائز، ولكن النتيجة المترتبة على حتمية. 1 وفريق آخر يزيد على أحرف العطف السالفة حرف العطف: "أو"، ورأيه ضعيف كرأي الكوفيين هنا؛ لضعف الشواهد التي يحسن عدم القياس عليها.

يكن عرضه للزلل.... أو: ويسرف، أو: ثم يسرف. ومثل: من تكلم فيكثر -أو: يكثر، أو: ثم يكثر كان عرضه للزلل.. بجزم الأفعال المضارعة: "يصبر، يسرف، يكثر ... " لأنها معطوفة، والمعطوف عليه مجزوم لفظا أو محلا؛ فهي تابعة له في الجزم فتجزم لفظا. والآخر؛ النصب على اعتبار الفاء للسببية مع العطف، والواو للمعية مع العطف. وثم -عند الكوفيين- للعطف مع المعية، والمضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الثلاثة. ومن الأمثلة نصب الأفعال المضارعة السابقة كلها. وكذا نصب المضارعك "يخضع" في قول الشاعر: ومن يقترب منا ويخضع نؤوه ... فلا يخش ظلما ما أقام ولا هضما أما الاستئناف فمنعه أكثر النحاة؛ بحجة أنه لا يصح الاستئناف قبل أن تستوفي أداة الشرط جملتيها "الشرطية والجوابية معا"؛ كي يتم المعنى المرتبط بأداة الشرط. ووضع الجملة الاستئنافية بين جملتي الشرط والجواب إنما هو إقحام لجملة أجنبية بين جملتين متلازمتين في المعنى. ويرى المحققون: أن رفع المضارع المتوسط بين جملتي الشرط والجواب جائز بعد حرف مما سبق. وحجتهم أنه لا مانع من اعتبار تلك الجملة الأجنبية جملة استئنافية معترضة، وليست للاستئناف المحض. ورأيهم صحيح1، ولا ضرر في الأخذ به إن اقتضاه المعنى. وعلى هذا يجوز في المضارع المسبوق بأحد أحرف العطف السابقة والذي تتوسط جملته بين جملتي الشرط والجواب -الأوجه الثلاثة؛ وهي الرفع على اعتبار الجملة استئنافية اعتراضية، والجزم بالعطف على فعل الشرط المجزوم لفظا أو محلا، والنصب على اعتبار "الواو"، و"ثم" للعطف مع المعية، و"الفاء"

_ 1 لأنه تطبيق على ما قرره النحاة من جواز وقوع الجملة المعترضة بين جملتي الشرط والجواب، واستدلوا بأمثلة من القرآن الكريم "راجع الجزء الثاني من المغني، باب الجمل التي لا محل لها من الإعراب وكذلك الصبان هنا، وحاشية ياسين على التصريح". وقد يقال: لم امتنع على الاستئناف المحض، دون الخالي من صفة الاعتراض؟ أجابوا: أن الاستئناف المحض يشعر بتمام الكلام قبله، دون الاعتراض.

للعطف مع السببية، وأن المضارع منصوب بأن مضمرة. وجوبا بعد الثلاثة، وبهذا يكون حكمه واحدا بعد الأحرف السالفة، لا يختلف باختلاف وقوعه بعد الجملة الجوابية، أو توسطه بينهما وبين الجملة الشرطية1 ... "ملحوظة": إذا توسط المضارع بين جلمتي الشرط والجواب، ولم يسبقه أحد أحرف العطف السالفة أعرب "بدلا"، إن كان مجزوما، وأعربت جملته "حالا" -في الغالب- إن كان مرفوعا. فمثال الأول: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا، ونارا تأججا والثاني: متى تأته تعشو2 إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد 4- ما يخص بهما من ناحية حذفهما معا: يصح حذف الجملتين معا -في النثر والنظم- بشرط أن تقوم قرينة تدل عليهما. والأغلب عند حذفهما أن تكون أداة الشرط هي: "إن"، مثل قول الشاعر وهو يودع أحبابه: نودعكم، ونودعكم قلوبا ... لعل الله يجمنا. وإلا.. يريد: وإلا يجمعنا هلكنا، أو شقينا.. أو نحو ذلك مما يساير المعنى الناشيء من الجملتين المحذوفتين. ومثل قول الآخر في فتيات ينصحن أخرى اسمها: سلمى -برفض الزواج من رجل فقير معدم:

_ 1 وفي المضارع المسبوق بالواو أو الفاء مع وقوعه بعد الجملة الجوابية يقول ابن مالك: والفعل من بعد الجزا إن يقترن ... "بالفا" أو "الواو" بتثليث قمن "قمن، أي: جدير". والمراد بالتثليث الأوجه الثلاثة التي ذكرناها باعتباراتها المختلفة، ولم يذكر "ثم" في رأي الكوفيين. وانتقل إلى حكم هذا المضارع إذا توسط بين جملتي الشرط والجواب؛ فقال: وجزم أن نصب لفعل إثر "فا" ... أو "واو" إن بالجملتين اكتنفا "إثر: بعد اكتنف: أحيط" يريد: أن المضارع المسبوق بأحد هذين الحرفين يتعين نصبه أو جزمه إن اكتنفه الجملتان، أي: أحاطت به جملتا الشرط والجواب. واقتصر على ما سبق دون بيان الشروط والأوجه والاعتبارات. 2 وجرد "الواو" دليل على أن الفعل غير مجزوم.

قالت بنات العم: يا سلمى وإنن1 ... كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن1 التقدير: يا سلمى: أتتزوجينه وإن كان فقيرا معدما؟ قالت: وإنن، أي: وإن كان فقيرا معدما أتزوجه.. ومن أمثلة حذفها بعد أداة غير "إن" قوله عليه السلام: "من فعل فقد أحسنن ومن لا فلا". التقدير: ومن لا يفعل فلا حسن منه. وكذا قول العرب: من يسلم عليك فسلم عليه، ومن لا فلان أي: ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه، وقول الشاعر: فإن المنية من يخشها ... فسوف تصادفه أينما ... أي: أينما يذهب تصادفه2 ... أما حذف فعل الشرط وحده، أو الجملة الشرطية كلها دون الجوابية فقد سبق3. وكذلك سبق4 الكلام على حذف الجملة الجوابية وحدها.

_ 1 و1 الأصل: "وإن" ... زيد في آخره نون ساكنة جاءت لضرورة الشعر. وتسمى هذه النون بتنوين الضرورة، كما تسمى بالتنوين الغالي؛ إما لغلوه؛ أي: زيادته، وإما لغلوه، أي: نفاسته؛ بسبب قلته ... 2 فيما سبق من حذف جملة الشرط؛ أو جملة الجواب، أو هما معا، أو فعل الشرط وحده، اكتفى ابن مالك بالبيت الآتي: والشرط يغني عن جواب قد علم ... والعكس قد يأتي إن المعنى فهم يريد: أن الجملة الشرطية قد تغني عن الجملة الجوابية، وتدل عليها عند حذفها. فلا مانع -في هذه الحالة- من حذف الجوابية. كما أن العكس قد يقع وهو حذف الجملة الشرطية لدلالة الجوابية عليها، وإغنائها عند حذفها. فالحذف في الصورتين جائز؛ بشرط القرينة الدالة، وأن يكون المعنى المراد مفهوما بعد الحذف: فلا لبس ولا اضطراب فيه. 3 في ص446 و448. 4 في ص452.

المسألة 158:

المسألة 158: اجتماع الشرط والقسم، وحذف جواب أحدهما: تمهيد -جواب الشرط، وجواب القسم: كل واحد من الشرط والقسم يستدعي جوابا خاصا به، يتميز بعلامة أو أكثر ينفرد بها دون الآخر. فجواب الشرط الجازم لا بد أن يكون مجزوما، إما لفظا؛ لأنه "فعل" مضارع، وإما محلا لأنه فعل ماض، أو لأنه من النوع الذي يجب اقترانه "بالفاء" أو "بإذا" الفجائية، وقد سبق بيان هذا كله، وتفصيله1. أما جواب القسم فيختلف باختلاف نوعي2 القسم؛ وهما: "الاستعطافي" و "غير الاستعطافي". فإن كان القسم استعطافيا "وهو جملة طلبية يراد بها توكيد معنى جملة طلبية أخرى مشتملة على ما يثير الشعور والعاطفة، وتعتبر جواب القسم" فلا بد أن يكون جوابه جملة طلبية؛ كقول الشاعر: بعيشك يا سلمى ارحمي ذا صبابة ... وقول الآخر: بربك هل نصرت الحق يوما ... وذقت حلاوة النصر المبين؟ فالقسم هو: "بعيشك، وبربك". وكلاهما مع متعلقه -المحذوف هنا- جملة طلبية، نراها في المثال الأول تؤكد بعدها الجملة الطلبية التي تشتمل على ما يحرك الوجدان، وهي: "ارحمي". ونراها في المثال الثاني تؤكد الجملة الطلبية التي تليها، والتي تشتمل كذلك على ما يحرك الوجدان؛ وهي: "هل نصرت".

_ 1 في رقم 6 من ص456. وفي رقم 8 من ص458. 2 سبق تفصيل الكلام على جواب القسم من نواحيه المختلفة في المبحث الخاص به عند الكلام على أحرف القسم وجوابه، وكل ما يتصل به مما لا غنى عن الرجوع إليه "وذلك في الجزء الثاني ص381 م9" وفيه أن الجواب قد يكون شبه جملة. وفيه كذلك أن الكلام قد يشتمل على جملة قسمية ظاهرها مثبت، ولكن معناها منفي، وجواب القسم فيها جملة فعلية ماضوية لفظا، مستقبلة معنى، مصدرة بإلا، أو "لما" التي بمعناها: نحو: سألتك إلا نصرت المظلوم. و.... إلى غير هذا من التفصيلات والأحكام الهامة المدونة هناك، وفي بعض الصفحات الأخرى التي أشير إليها في ذلك الجزء.

لا يكون جواب هذا النوع من القسم الاستعطافي إلا جملة إنشائية. وإن كان القسم غير استعطافي "وهو ما جيء به لتوكيد معنى جملة خبرية، وتقوية المراد منها1" فلا بد له من جواب يكون جملة خبرية تختلف صورتها على النحو الذي سبق تفصيله في مكان أنسب2. وملخصه: 1- إن كان الجملة الجوابية مضارعية مثبتة أكدت3 اللام4 والنون معا؛ نحو: والله لأبذلن جهدي في مساعدة المحتاج. ومن القليل الجائز الاقتصار على أحدهما، بالرغم مما يؤدي إليه هذا الاقتصار من نقص في درجة السمو البلاغي، وقوة الأسلوب. وتسمى هذه اللام المفتوحة: "لام جواب القسم" أو: "اللام الداخلة على جواب القسم". وهي غير لام الابتداء، والفرق بينهما كبير، سبق إيضاحه5. 2- إن كانت الجملة الجوابية ماضوية مثبتة وماضيها متصرف، فالغالب تصديرها "باللام" الجوابية، و"قد" معا؛ نحو: والله لقد فاز أهل المروءة والكرامة. ويجوز -بقلة- الاقتصار على أحدهما، أو التجرد منهما. مع ما في هذا الاقتصار من إهمال الكثير الفصيح. فإن كان فعلها جامدا، غير "ليس" فالأكثر تصديرها باللام فقط، نحو: والله لعسى التوفيق يصحب المخلص أو: والله لنعم المخلص. فإن كان الماضي الجامد "ليس" لم يقترن بشيء؛ نحو والله ليس طول العمر بالسنوات، ولكن بجلائل الأعمال. 3- إن كانت الجملة فعلية منفية بالحرف: "ما"، أو: "لا"، أو: "إن" وجب تجريدها من اللام، سواء أكانت ماضوية أم مضارعية؛ نحو: والله

_ 1 ذلك أن من يقول: والله إنك لشريف المقصد، يخبر عن شرف مقصدك، ويؤكد خبره هذا بما يقويه؛ وهو: القسم. 2 باب "حروف الجر" -ج2 م9 ص382- ومن المفيد الرجوع إليه، وإلى ما فيه من الأمثلة. 3 وجوبا عند البصريين، وكثيرا عند الكوفيين. وهؤلاء يجيزون الاقتصار على أحد الحرفين. والأحسن هنا الاقتصار على الرأي البصري. 4 مفتوحة. 5 في ج1 م53 ص598 وهامشها. عند الكلام على "لام الابتداء".

ما يحتمل العزيز الضيم، والله لا يحجب ثوب الرياء ما تحته، بالله إن تحيا الأمة وأفرادها حياة العزة والقوة إلا بكرائم الأخلاق. ومثل: والله ما احتمل عزيز ضيما والله لا حجب1 ثوب الرياء ما تحته، ولا دفع1 عن صاحبه السوء، والله إن أوجد الكون العجيب إلا الله، وإن أمسك السموات والأرض وما فيهما إلا المولى جل شأنه. ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه أن يكون جواب القسم جملة منفية مصدرة باللام2، أو: أن تكون أداة النفي فيها "لم" ومثلها: "لن" أيضا عند فريق من النحاة3. ومما تجب ملاحظته أن أداة النفي في جواب القسم قد تكون محذوفة، ولكنها ملحوظة يدل عليها دليل؛ كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، أي: لا تفتأ4 ... 4- إن كانت الجملة الجوابية اسمية مثبتة فالأغلب تأكيدها "باللام" و"إن" معا، ويصح الاكتفاء بأحدهما، ولكن الأول أبلغ، نحو: "تالله إن الخداع لممقوت، وإن صاحبه لشقي" -"تالله إن الخداع ممقوت، وإن صاحبه شقي- تالله للخداع ممقوت. ولصاحبه شقي". ومن أمثلة الاقتصار على أحدهما قول الشاعر: لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل5 في بعض الأحايين أحوج6

_ 1 هذه الجملة الماضوية معطوفة على السابقة الواقعة جوابا؛ فهي جواب مثلها. وهكذا نظائرها. 2 كقول القائل: لئن غبت عن عيني ... لما غبت عن قلبي 3 مستدلا بمثل قول أبي طالب يعلن للنبي عليه السلام مؤازرته وتأييده على قريش: والله لن يصلوا إليك يجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا 4 سبق إيضاح هذه المسألة، ودليل الحذف فيها "في ج1 م42 ص510 باب: كان وأخواتها". 5 الغضب، وترك الحلم. 6 وهذا على اعتبار "اللام" موطئة للقسم. وجملة "إن" وما دخلت عليه جواب القسم: طبقا للإيضاح الذي سلف في ج2 م90 ص385.

ومن النادر تجردها منهما إن لم يطل1 الكلام بعد القسم؛ كقول أبي بكر في نزاع بينه وبين عمر رضي الله عنهما، "والله أنا كنت أظلم منه". فإن استطال الكلام بعد القسم حسن التجرد؛ كقول ابن مسعود: "والله الذي لا إله غيره، هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة". وقول الشاعر: ورب السموات العلا وبروجها ... وأرض وما فيها المقدر كائن ولا يصح اقتران الجملة الجوابية بالحرف: "إن" إذا كانت مصدرة بحرف ناسخ من أخوات "إن"؛ كقول بعضهم في مدح رجل: والله لكأن القلوب والألسن ريضت له؛ فما تعقد إل على وده، ولا تنطق إلا بحمده. فإن كانت الجملة الاسمية منفية فحكمها حكم الجملة الفعلية المنفية "بما"، أو "لا"، أو "إن" من وجوب تجريدها من اللام والاقتصار في نفسها على أحد هذه الحروف الثلاثة دون غيرها -كما سبق. من كل ما سبق يتبين أن الجواب المنفي -في جميع أحواله- لا يتطلب زيادة شيء إلا أداة النفي قبله، مع اشتراط أن تكون إحدى الأدوات الثلاث السالفة؛ سواء أكان الجواب جملة فعلية أم اسمية. والآن نعود إلى الكلام على اجتماع الشرط والقسم والاستغناء بجواب أحدهما عن الآخر. أ- إذا اجتمع شرط غير امتناعي2، وقسم فالأصل أن يكون لكل منهما جواب، غير أن جواب أحدهما قد يحذف اكتفاء بجواب الآخر الذي يغني عنه، ويدل عليه. ولهذا الحذف صور منها: 1- أن يجتمع الشرط غير الامتناعي والقسم مع تأخر الشرط، وعدم وجود شيء قبلهما يحتاج إلى خبر3، وفي هذه الصورة يحذف -في الأرجح- جواب المتأخر منهما -وهو الشرط- نحو: والله من يراقب ربه في عمله لا يخاف

_ 1 عدم إطالته: ألا يذكر بعده تابع، أو شيء آخر يتصل به. 2 الشرط الامتناعي: ما كانت أداته دالة على الامتناع؛ وهي: لو، ولولا، ولوما. 3 كالمبتدأ، وكالناسخ؛ فكلاهما يحتاج إلى خبر، أو ما يسد مسد الخبر.

شيئا. فالمضارع "يخاف" مرفوع؛ لأنه في جملة جوابية للقسم المتقدم، وليس جوابا للشرط المتأخر، المحذوف الجواب. إذ لو كان هو الجواب لتحتم جزمه1، فقيل: يخف. ومثله قول الشاعر: لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالكا فالجملة الفعلية: "سرني" جواب للقسم الذي تدل عليه "اللام" الأولى لتصدير هذه الجملة "باللام وقد" معا، وليست جوابا للشرط المتأخر عن "لام" القسم؛ لأن الشرط لا يكون جوابه مقترنا "باللام وقد". فجوابه هنا محذوف. كحذفه في البيت السالف، وهو: لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج فالجملة الاسمية المصدرة بالحرف الناسخ "إن" هي جواب للقسم، إلا للشرط؛ إذ لو كانت جوابا للشرط لاقترنت بالفاء. أما عندهم تقدم الشرط فالأرجح أن يكون الجواب له وجواب القسم محذوف؛ فنقول: من يراقب ربه والله يخشه الناس. وقول أحدهم: إن يكن والله لي نصف وجه ونصف لسان - على ما بهما من قبح منظر، وسوء مخبر -يكن هذا احب من أن أكون ذا وجهين. ومن وصفناه بأنه الأرجح في الحالتين يراه كثير من النحاة واجبا لا يصح مخالفته2 ...

_ 1 ومثل هذا يقال في المضارع المرفوع المنفي "بلا" في قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} فالمضارع -يأتون- مرفوع؛ لأنه جواب القسم، لا جواب الشرط. 2 ويقولون لا فرق في القسم بين أن يكون مذكورا، أو مقدرا. ويستدلون للمقدر بقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} لأن سقوط الفاء من صدر الجملة الاسمية: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} دليل على أنها ليست جوابا للشرط؛ إذ لو كانت جوابا له لوجب اقترانا بالفاء؛ طبقًا للقاعدة الخاصة بهذا الاقتران "وقد سبق الكلام عليها في "8" من ص458" وهو تعليل واهن أمام التعليل الآخر الذي يقول إن الفاء قد تسقط قبل الجملة الاسمية وغيرها مما يحتاج إلى اقترانه بالفاء أو بما ينوب عنها. - وقد سبقت التفصيلات الخاصة بهذا في: "ب" من ص465. هذا، وفي رقم 1 من هامش ص458 مسألة تختص بحكم مجيء لام القسم بعد "إن الشرطية" واستحسان أو استقباح دخولها على الجواب ...

ويستثنى مما سبق أن يتأخر القسم وقبله الفاء الداخلة عليه مباشرة، فإن الجواب يكون له برغم تأخره عن الشرط؛ فنقول في المثال السالف: من يراقب ربه في عمله فوالله يخشاه الناس. فالمضارع "يخشاه" مرفوع، وهو مع فاعله جملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم وجملة القسم في محل جزم جواب الشرط. 2- إن اجتمع الشرط غير الامتناعي، وسبقهما ما يحتاج إلى خبر، فالأرجح أن يكون الجواب للشرط مطلقا، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا؛ نحو: القوانين والله من يحترمها تحرسه. أو: القوانين من يحترمها والله تحرسه؛ بجزم المضارع: "تحرس" في الصورتين، لأنه جواب للشرط، وجواب القسم محذوف فيهما. أما غير الأرجح في كل ما تقدم "من 1، 2 ما عدا القسم المقرون بالفاء" فيعتبر الجواب للشرط غير الامتناعي في كل الحالات، سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا، وسواء أكان قبلهما ما يحتاج إلى خبر أم لم يكن. ومن الأمثلة: لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل1 وقول الآخر: لئن كان ما حدثته اليوم صادقا ... أصم2 في نهار القيظ للشمس باديا فالمضارعان: "تلف" و"أصم" مجزومان مباشرة في جواب "إن" الشرطية، برغم تأخرها وتقدم لام القسم عليها3 ... ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر: أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي

_ 1 "منيت بنا": أصبت بنا، وقدر عليك أن تلقانا. "غب": بعد، أو: عقب "لا تلفنا": لا تجدنا. "نتنفل": نتبرأ وننفصل. يقول لعدوه. لو أصبت بنا بعد المعركة حين يشتد التعب والإرهاق عادة، فلن ترى منا تعبا، ولا إرهاقا، ولا تبرؤا وانفصالا من قتلانا يجعلنا ننصرف، ونترك الأخذ بثأرهم، والانتقام من أعدائهم. 2 أي: إن كان ما بلغك عني صادقا فإني أعاقب نفسي عليه بالصوم، وبالوقوف باديا للشمس "أي: كشوفا لها" في يوم القيظ، وهو اليوم الشديد الحر "وباديا حال من فاعل: أصم". 3 والبصريون يحكمون على هذا وأمثاله بالشذوذ، أو بزيادة اللام وأنها ليست للقسم فلا تحتاج لجواب. وكل هذا تكلف وابتعاد عن الواقع. وخير منه ما قاله الخضري: من أن اللام للقسم، وجوابه هو أداة الشرط وما دخلت عليه من جملتيها، وأن لهذا نظائر.

لأن وجود الفاء في الجواب دليل على أنه للشرط؛ إذ جواب القسم لا تدخله الفاء. ومثله قولهم1: لئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد. ومما سبق نستخلص أن اجتماع الشرط غير الامتناعي والقسم يقتضي الاكتفاء بجواب واحد يكون -على الأرجح- للسابق منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور. وأنه يستثنى من هذه القاعدة حالتان: إحداهما: يكون الجواب فيهما للقسم مع تأخره، وهي التي يكون فيها القسم مبدوءا بالفاء. والأخرى: يكون الجواب فيها للشرط مع تأخره عن القسم؛ وهي التي يكونان فيها مسبوقين بما يحتاج إلى خبر ... ب- فإن كان الشرط امتناعيا "وهو: لو، لولا، لوما" وتقدم، فيتعين أن يكون الجواب له، وأن يحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه. نحو: لولا رحمة المولى بعباده، والله لأهلكم بذنوبهم2. وإن كان القسم هو المتقدم على الشرط الامتناعي، فالصحيح أن الجواب المذكور هو للشرط أيضا، وأن الشرط وجوابه جواب للقسم، لم يغن شيء عن شيء، والجوابان مذكوران، لم يحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه؛ نحو: والله لولا الله ما اهتدينا؛ فجملة: "ما اهتدينا" هي جواب "لولا". وهذه مع جوابها جواب القسم. ويتضح مما تقدم عند اجتماع الشرط الامتناعي والقسم أن الجواب للشرط الامتناعي؛ سواء أكان متقدما على القسم أم متأخرا عنه.

_ 1 وهو منسوب لعلي رضي الله عنه. 2 وفي أحكام الحذف السابقة يقول ابن مالك: واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جواب ما أخرت؛ فهو ملتزم وإن تواليا وقبل ذو خبر ... فالشرط رجح مطلقا بلا حذر وربما رجح بعد قسم ... شرط بلا ذي خبر مقدم

المسألة 159

المسألة 159: توالي شرطين، أو أكثر، وتوالي شرط واستفهام: أ- يصح أن تتوالى أداتان -أو أكثر- من أدوات الشرط بغير اتصال مباشر1؛ فتكون لكل أداة جملتها الفعلية الشرطية التي تليها مباشرة، وتفصل بينها وبين الأداة الشرطية التي بعدها. وتحتاج كل أداة بعد هذا إلى جملة جوابية تخضع للأحكام الآتية: 1- إن كان التوالي بغير عطف2 فالجواب للأداة الأولى وحدها، ما لم تقم قرينة تعين غيرها. أما باقي الأدوات التالية فجوابه محذوف للدلالة جواب الأولى عليه. ومن الأمثلة؛ "من يعتدل في شبابه، من يحرص على سلامة جوارحه وحواسه يسلم من متاعب الكهولة، وويلات الشيخوخة". التقدير: من يعتدل في شبابه يسلم ... ، من يحرص على سلامة حواسه يسلم ... ومثل قول: الشاعر: إن تستغيثوا بنا، إن تذعروا تجدوا ... منا معاقل عز زانها كرم التقدير: إن تستغيثوا بنا تجدوا ... إن تذعروا تجدوا ... 2- إن كان التوالي بعطف بالواو فالجواب لهما؛ لأن الواو للجمع، مثل: من يحجم عن نداء الخير، ومن ينأ عن داعي المروءة -يعش بغيضا منبوذا. 3- إن كان التوالي بعطف ب"أو"، فالجواب لإحداهما؛ "لأن أو -في الغالب- لأحد الشيئين أو الأشياء" وجواب الأخرى محذوف يدل عليه المذكور. ومن الأمثلة: إن تغب عن عيني أو إن تحضر، فلست عن خاطري بغائب -من يكبره الناس لعلمه، أو من يرفعوه لسمو خلقه- يعش بينهم سعيدا..

_ 1 أما التوالي مع الاتصال المباشر فالاعتبار فيه للأداة الأولى؛ فهي وحدها التي تحتاج لشرط وجواب. 2 بغير عطف مذكور أو ملحوظ؛ كالذي سيجيء في آخر رقم 4.

4- إن كان التوالي بعطف بـ"الفاء" فالجواب للثانية؛ "لأن الفاء تفيد الترتيب". والثانية وجوابها جواب للأولى، نحو: إن تمارس عملا فإن تخلص فيه يحالفك الفوز والتوفيق. وليس من اللازم أن تكون الفاء مذكورة، فقد تكون ملحوظة يقتضيها السياق وتدل قرينة على تقديرها. وفي هذه الحالة التي تحذف فيها مع تقديرها وملاحظتها، لا تكون عاطفة ولا تعرب شيئا1، وإنما يقتصر أثرها على الفائدة المعنوية الملحوظة. ب- إذا توالى الاستفهام2 والشرط فقيل الجواب للاستفهام، لتقدمه؛ نحو: أإن تدع لأداء الشهادة على وجهها تستجيب؟ برفع المضارع: "تستجيب". وقيل: "لا"، وأن الجواب للشرط غالبا؛ بدليل قوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ؛ إذ لو كانت الجملة الاسمية: "هم الخالدون"، جوابا للاستفهام ما دخلتها الفاء؛ لأن الفاء لا تدخل في جواب الاستفهام، وإنما تدخل في جواب الشرط إذا كان جملة اسمية أو غيرها مما لم يستوف شروط الجواب -كما عرفنا3. والصحيح أن تعيين الجواب لأحدهما خاضع للقرينة التي تتحكم فيه؛ فتجعله لهذا أو لذاك، دون أن يختص به واحد منهما في كل الأساليب.

_ 1 راجع الصبان. 2 ويتعين أن يكون بالهمزة؛ لأنها هي التي يصح أن تجتمع مع أداة الشرط؛ -طبقا لما سبق في رقم 10 من ص447. 3 في رقم 8 من ص458.

المسألة 160

المسألة 160: "لو" الشرطية: هي نوعان: شرطية امتناعية، وشرطية غير امتناعية، وكلا النوعين حرف، واستعماله قياسي. أ- "لو" الشرطية الامتناعية؛ معناها، وأحكامها النحوية: فأما معناها فأمران مجتمعان؛ هما: "إفادة الشرطية، وأن هذه الشرطية لم تتحقق في الزمن الماضي؛ فقد امتنع وقوعها فيه". فإفادتهما الشرطية تقتضي تعليق شيء على آخر؛ وهذا التعليق يستلزم -حتما- أن يقع بعدها جملتان، بينهما نوع ترابط واتصال معنوي؛ يغلب أن يكون هو: "السببية" في الجملة الأولى، و "المسببية" في الجملة الثانية؛ نحو: لو تعلم الجاهل لنهضت بلاده، لكنه لم يتعلم -لو عف السارق لنجا من العقوبة التي تزلت له به- لو أتقن الصانع عمله بالأمس ما بارت صناعته. فالجملة الأولى من المثال الأول هي: "تعلم الجاهل"، والثانية هي: "نهضت بلاده" وبين الجملتين ذلك الارتباط المعنوي؛ لأن نهضة الجواب"1. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى. وإفادتها امتناع المعنى الشرطي في الزمن الماضي تقتضي أن شرطها لم يقع فيما مضى، "أي: لم يتحقق معناه في الزمن السابق على الكلام" فهي تفيد القطع بأن معناه لم يحصل2، كما تفيد أن تعليق الجواب علهي كان في الزمن الماضي

_ 1 سبق الكلام على معنى الجواب عند الكلام على "إذن" الناصبة -ص308- وعند الكلام على "فاء السببية" ص352. ومما يوضح معنى الشرط ما سبق في رقم 1 من هامش ص422. 2 فكأنها معه بمنزلة حرف نفي، ينفي معنى الجملة التي يدخل عليها. مع أنها ليست حرف نفي، ولا يصح إعرابها حرف نفي، بالرغم من أنها في هذا الموضع تؤدي حرف النفي من سلب المعنى في الزمن الماضي. ويزداد وضوح هذا بالضبط الذي في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية:

أيضا1، على خلاف المعهود في التعليق بالأدوات الشرطية الجازمة، حيث يتعين الاستقبال في شروطها وجوابها معا -على الأغلب2. ويترتب على امتناع الشرط هنا وعدم وقوعه امتناع جوابه تبعا له، إذا كان فعل الشرط هو السبب الوحيد في إيجاد جوابه وتحقيقه، وليس هناك سبب آخر للإيجاد والتحقيق؛ لأن امتناع السبب الوحيد الموجد للشيء يؤدي حتما إلى امتناع المسبب الوحيد؛ فامتنع له الجواب -وهو المسبب عنه- إذ ظهور النار متوقف على طلوع الشمس دون شيء آخر؛ فلا يمكن أن يظهر إلا بطلوعها ما دام طلوعها هو السبب الفرد في إيجاده. فإن كان للجواب سبب آخر فلا يتحتم الامتناع بامتناع هذا الشرط، لجواز أن يؤدي السبب الآخر إلى إيجاد الجواب، وتحقيق معناه3؛ نحو: لو طلعت

_ 1 هناك أداتان أخريان للربط الامتناعي هما: "لولا" و"لو ما" وحكمهما يخالف حكم "لو". وسيجيء تفصيل الكلام عليهما في ص512 و515. 2 هناك ضابط يميز "لو الامتناعية" من غيرها؛ هو -كما جاء في المغني في هذا الباب: أن يصح في كل موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط، منفيا لفظا أو معنى تقول: لو جاءني لأكرمته، لكنه لم يجئ، ومنه قوله: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، -ولم أطلب- قليل من المال أي: لكن لم يثبت أن ما أسعى لأدنى معيشة ... إذ الأصل: "لو ثبت أن ما أسعى" ... ؛ لأن "لو" الشرطية لا تدخل إلا على فعل؛ إما ملفوظ، وإما ملحوظ تقديره: "ثبت" -مثلا- ... وقوله: ولو كان حمد يخلد الناس لم تمت ... ولكن حمد الناس ليس بمخلد ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} أي: ولكن لم يكن حمد ... ولكن لم أشأ ذلك فحق القول مني ... ، وقول الحماسي: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهب بن شيبانا ثم قال: لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا إذ المعنى: لكنني لست من مازن، بل من قوم ليسوا في شيء من الشر وإن هان، وإن كانوا ذوي عدد. 3 وبمراعاة هذا الأساس تدخل صور كثيرة بغير حاجة إلى تأويل أو تقدير اضطر إليه النحاة في مثل: فلان لو لم يخف ربه لم يعصه.

الشمس أمس لكان النور موجودا. فطلوع الشمس هنا ممتنع، أما الجواب فيصح أن يكون غير ممتنع -برغم امتناع الشرط- إذا وجد سبب آخر غير الشمس يحدثه؛ كمصباح مضيء، أو برق، أو نار ... ؛ فالشرط في هذا المثال ليس السبب الفريد في إحداث الجواب؛ فامتناعه لا يستلزم ولا يوجب امتناع جوابه؛ فقد يمتنع الجواب حينا؛ ولا يمتنع حينا آخر؛ على حسب ما تقضي به القرائن والمناسبات. ومن الأمثلة لامتناع الجواب امتناعا حتميا تبعا لامتناع الشرط: لو توقفت الأرض عن الدوران لهلك الأحياء جميعا من شدة البرد أو الحر لو سكنت الأرض ما تعاقب عليها الليل والنهار -لو امتنع الغذاء لمات الحي- لو اختلت الجاذبية الكونية لا نفرط عقد الكواكب والنجوم لو توقف القلب عن النبض نهائيا لمات الحيوان ... ومن أمثلة امتناع الشرط دون أن يستلزم امتناع الجواب استلزاما محتما: لو تعلم الفقير لاغتنى -لو استقل المسافر الطائرة لبلغ غايته- لو قرأ الريفي الصحف لعلم أهم الأخبار العالمية -لو واظب الغلام على السباحة لقوي جسمه- لو استشار المريض طبيبه لشفي ... ؛ فالجواب في هذه الأمثلة ليس حتمي الامتناع؛ إذ الشرط ليس السبب الوحيد في إيجاده، فهناك ما يصلح أن يكون سببا للإيجاد سواه. ومما تقدم يتبين خطأ التعبير الشائع على ألسنة المعربين وهو: "أنها حرف امتناع لامتناع"؛ يريدون: أنها حرف يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط. وإنما كان هذا خطأ لما قدمناه من أن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجواب؛ فقد يستلزمه، أو لا يستلزمه -طبقات للبيان السالف- إلا أن كان غرضهم أن ذلك الامتناع هو الكثير الغالب. والصواب ما ردده سيبويه من أنها: "حرف يدل على ما كان سيقع لوقوع غيره"، أي: لما كان سيقع في الماضي؛ لوقوع غيره في الماضي أيضا. وهذه العبارة صحيحة دقيقة، لا تحتاج إلى تأويل أو تقدير، أو زيادة.

وأما أحكامها النحوية1: فإنها أداة شرطية قياسية الاستعمال؛ لا تجزم على الراي الأرجح2، ولا بد لها -كما سبق- من جملتين بعدها3؛ أولاهما: "الشرطية"، تليها: "الجوابية والجزائية". والأغلب أن تكون الجملتان فعليتين، ماضويتين لفظا ومعنى معا، أو معنى فقط "بأن يكون الفعل مضارعا مسبوقا بالحرف: "لم"4. والفعل الماضي فيهما باق على مضيه؛ فلا يتغير زمنه بوجود "لو" الامتناعية، ومن الأمثلة: لو تراحم الناس لعاشوا إخوانا، لم يعرفهم البؤس، ولا الشقاء، ولا العداء، وقول الشاعر: إن أرضا تسري5 إليها لو اسطا ... عت6 لسارت إليك قبل مسيرك وقولهم: لو لم يثق المرء بعدل الخالق لعاش معذبا بالياسن ولو لم يطمئن إلى حكمته لاحترق بنار الشك. فإن جاء بعدها مضارع لفظا ومعنى قلبت زمنه للمضي مع بقاء لفظه على حاله، ومن الأمثلة: لو يجيء الضيف أمس لأكرمته. وقول الشاعر: رهبان مدين، والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة ركعا وسجودا والمراد: لو جاء الضيف7 ... لو سمعوا7. ولجوابها أحكام أخرى -غير المضي- يشترك في أكثرها جواب "لو" غير الامتناعية، وسنعرفها8. ب- "لو" الشرطية غير الامتناعية9. معناها: وأحكامها10 النحوية:

_ 1 هذه الأحكام الخاصة غير أحكام أخرى مشتركة بين نوعي: "لو" وستجيء في ص496. 2 وقد جزمت في أمثلة مسموعة لا يسوغ القياس عليها؛ لندرتها -كما أشرنا لهذا في ب- ص412، وعرضنا للأمثلة ومراجعها في ص443. 3 فلها الصدارة عليهما؛ كالشأن في جميع الأدوات الشرطية. 4 كما في البيت الثاني والثالث من هامش ص492. 5 تسافر إليها ليلا. 6 استطاعت. 7 و7 وقوع الفعل الماضي الحقيقي في جوابها يقتضي أن المضارع في شرطها بمعنى الماضي حتما. 8 في رقم 2 من ص497. 9 أما الامتناعية فقد سبق الكلام عليها في ص491. 10 انظر الهامش رقم "1" من هذه الصفحة.

هي قليلة الاستعمال، ولكن استعمالها قياسي. ومن أمثلتها: لو يشتد الحر في العطلة الصيفية المقبلة أصطاف في جهات معتدلة ... فأما معناها فالدلالة على الشرطية الحقيقية؛ "وهي التي تقتضي تعليق أمر على آخر -وجودا وعدما- في المستقبل"، ولا بد لها من جملتين؛ ترتبط الثانية منهما بالأولى ارتباط المسبب بالسبب -غالبا-1 بحيث لا يتحقق في المستقبل؛ معنى الثانية، ولا يحصل إلا بعد تحقق معنى الأولى وحصوله في المستقبل؛ فكلاهما لا يتحقق معناه إلا في المستقبل. غير أن معنى الثانية مترتب على معنى الأولى الذي لا يمتنع هنا. وبهذين تختلف "لو" غير الامتناعية عن "لو" الامتناعية التي تقتضي أن يكون ارتباط جملتيها في زمن ماض فقط، وأن شرطها ممتنع، فيمتنع له الجواب -بالتفصيل السالف؛ ومن ثم قال النحاة: إن "لو" الشرطية غير الامتناعية شبيهة "بإن الشرطية"؛ فهما يفيدان -غالبا-1 تعليق الجواب على الشرط، ويوجبان أن يكون زمن الفعل في جملتي الشرط والجواب مستقبلان مهما كان نوع الفعل وصيغته، كما يوجبان -أيضا- أن يكون مستقبلا. وأما حكمها النحوي فمقصور على أنها أداة شرطية حقيقية. ولكنها لا تجزم على الرأي الأرجح. ولا بد لها من الجملتين بعدها2؛ أولاهما جملة الشرط، والأخرى جملة الجواب. والأغلب أن يكون فعل الشرط وفعل الجواب مضارعين لفظا ومعنى ويتحتم أن يكون زمنهما للمستقبل الخالص. وإذا كان أحدهما ماضي اللفظ وجب أن يكون زمنه مستقبلا، فيكون ماضي الصورة دون الزمن. ومن الأمثلة قول الشاعر: ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رمسينا3 من الأرض سبسب4 لظل صدى صوتي وإن كنت رمة ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب وقول الآخر: لا يلفك الراجوك إلا مظهرا ... خلق الكرام ولو تكون عديما5

_ 1 و1 قلنا: "غالبا" لأن التعليق قد يراد به معان أخرى "السببية والمسببية" كما فصلناه في رقم 1 من هامش422 وي ص454 عند الكلام على المراد من جواب الشرط الجازم وفي رقم 3 من هامشها. 2 فلها الصدارة -كما سبق. 3 قبرينا. 4 صحراء. 5 فقيرا. والجواب محذوف يدل عليه أول البيت وهو مشتمل على: "لا الناهية" التي لا تدخل -غالبا- إلا على المضارع المستقبل الزمن؛ فيتعين هنا أن تكون "لو" شرطية للمستقبل تبعا لك.

ومثال الماضي الذي يصير زمنه مستقبلا خالصا مع بقاء صورته اللفظية على حالها -قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} ، أي: لو يتركون؛ إذ لو كان الفعل باقيا على زمنه الماضي لفسد المعنى؛ لاستحالة الخوف بعد موتهم. ومثله قول الشاعر: ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل1 وصفائح2 لسلمت تسليم البشاشة، أو زقا3 ... إليها صدى من جانب القبر صائح فالماضي هنا -وهو محذوف بعد: "لو" على الرأي المشهور الذي سيأتي4. وتقديره مثلا: لو ثبت أن ... مؤول بالمضارع. أي: لو يثبت أن ... ؛ لاستحالة المعنى على المضي الحقيقي؛ إذ يترتب عليه أنه قال هذا الكلام بعد موته. ومثل هذا قولهم: مسكين ابن آدم؛ لو خاف النار كما يخاف الفقر لنجا منهما جميعا، ولو رغب في الجنة كما يرغب في الدنيا لفاز بهما جميعا. أحكام مشتركة بين النوعين: 1- كلاهما قياسي، له الصدارة، مختص بالدخول على الفعل حتما، وكلاهما لا يعمل فيه الجزم -على الرأي الأرجح- لكن النوع الأول مختص بالدخول على الماضي غالبا؛ والثاني مختص بالدخول على المضارع غالبا؛ فلا بد أن يقع الفعل بعدهما مباشرة. فإن لم يقع الفعل ظاهرا بعدهما وكان الظاهر اسما، فالفعل مقدر بينهما، يفسره مفسر مذكور بعد الاسم الظاهر5. نحو: لو ذات سوار6 لطمت الرجل الحر لهان الأمر. وقول الشاعر:

_ 1 صخر. 2 أحجار عريضة. "كناية عن الموت". 3 صاح. 4 هنا، وفي 3 من ص499. 5 أحوال هذا الاسم الظاهر، وضبطه، وإعرابه سبقت في الجزء الأول، في الباب الخاص به، وهو باب: "الاشتغال" م69. 6 المراد بذات السوار: المرأة الحرة، لا الأمة. وأصله مثل نطق به حاتم الطائي حين لطمته جارية؛ فقال: "لو ذات سوار لطمتني ... " أي: لهان الأمر. وقد كان عندهم لبس السوار مقصورا على الحرائر.

أخلاي1، لو غير الحمام أصابكم ... عتبت، ولكن ما على الدهر معتب والتقدير: لو لطمت ذات سوار لطمت ... ، لو أصابكم غير الحمام أصابكم ... ، وقد يكون المفسر جملة، والفعل المحذوف هو "كان الشأنية"، كقول الشاعر: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان2؛ بالماء اعتصاري3 والتقدير: لو كان "الحال والشأن"، حلقي شرق بغير الماء، كنت كالغصان ... 2- كلاهما لا بد له من جواب مذكور أو محذوف. أ- فإن وقع جواب أحدهما فعلا ماضيا لفظا ومعنى، أو لفظا فقط -جاز اقترانه "باللام" وعدم اقترانه؛ سواء أكن الماضي مثبتا أم منفيا ب"ما" إلا أن اقتران المثبت باللام أكثر من تجرده منها، والمنفي بعكسه. فمن أمثلة اقتران الماضي المثبت وتجرده قوله تعالى في الصم البكم الذي لا يعقلون: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} ، وقوله تعالى في الزرع: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} وقوله تعالى بعد ذلك مباشرة في الآية نفسها عن الماء الذي نشربه: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} 4. ومن أمثلة تجرد المنفي بـ"ما" واقترانه قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} وقول الشاعر5: ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الليالي ولا تدخل هذه اللام على حرف نفي غير "ما". ولبعض النحاة رأي حسن في مجيء هذه اللام في جواب "لو الشرطية" حينا،

_ 1 أصله: أخلائي. ثم قصر بحذف الهمزة، لضرورة الشعر، وأضيف لياء المتكلم. ويجوز قراءته: "أخلاء"، بالمد وحذف ياء المتكلم، وكسر ما قبلها، أو عدم كسره على حسب الأوجه الجائزة فيه بعد حذفها "وقد سبقت في ص58". 2 المصاب بغصة في حلقه. 3 نجاتي وسلامتي. 4 مرا، شديد الملوحة. والآية كاملة -في سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} . 5 ومثله قول الآخر: لو كنت آمل أن ألقاك في الحلم ... لما قرعت عليك السن من ندم ومن أمثلة تجرد المنفي بما قول الشاعر يصف حاله من غنى بخيل: لو ملك البحر والفرات معا ... ما نالني من نداهما بللا وكقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} .

وعدم مجيئها حينا آخر؛ يقول: هذه اللام تسمى: "لام التسويف"، أي: التأجيل والتأخير والتمهل؛ لأنها تدل على أن تحقق الجواب سيتأخر عن تحقق الشرط زمنا طويلا نوعا، وعدم مجيئها يدل على أن تحقق الجواب سيتأخر عن تحقق الشرط زمنا يسيرا، قصير المهلة بالنسبة للمدة السالفة. فتحقق الجواب في الحالتين متاخر عن تحقق الشرط -كالشأن في الجواب دائما- إلا أن مجيء اللام معه دليل على أنه سيتأخر كثيرا، وأن مهلته ستطول، بالنسبة له حين يكون خاليا ... 1. ب- وقد يكون الجواب جملة اسمية مقرونة باللام؛ ومنه -في رأي بعض النحاة- قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} ، والأصل: لو ثبت أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير. فاللام داخلة على المبتدأ: "مثوبة" وخبره كلمة: "خير" والجملة الاسمية هي الجواب. ج- وقد يكون الجواب مسبوقا بكلمة "إذا"2 التي تفيده وتقويه وتوكيدا؛ نحو: لو قصدتني إذا -لعاونتك. وقول الشاعر: لو أن للفصل فيما بيننا حكما ... إذًا لبين حقا أينا ظلما ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون فعل الجواب هو "أفعل"، للتعجب مقرونا باللام، أو أن يكون الجواب مسبوقا بالفاء، أو رب، أو قد ... 3.

_ 1 ويقول ابن الأثير: "في كتابه: "الجامع الكبير" ج1 ص225" عند الكلام على لام التأكيد ما نصه؛ "لا يجيء ذلك إلا لضرب من المبالغة. وفائدتها في التأليف أنه إذا عبر عن أمر يعز وجوده؛ أو فعل يعظم إحداثه ووقوعه جيء بها. فمن هذا الباب قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} . 2 سبق الكلام عليها وعلى دخولها في جواب "لو" في ص315 ومن أمثلتها في القرآن الكريم: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} ، وفي تلك الصفحة أمثلة أخرى. 3 نحو: لو مات الجندي شهيدا لأكرم بها من ميته، لو سافرت فراحة، لو ربما السفر راحة، لو شئت قد أسافر "راجع الهمع ج2 ص66".

3- كلاهما صالح للدخول على: "أن -مفتوحة الهمزة- ومعموليها" -وهذا أحد مواضع الاختلاف بين "لو" و "إن" الشرطيتين- ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} ، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} ، وقول المعري: ولو أني حبيت1 الخلد2 فردا ... لما أحببت بالخلد انفرادا وقول الآخر يصب ألفاظ أديب: فلو أن ألفاظه جسمت ... لكانت عقودا لجيد الغواني3 وإذا دخلت "لو" على "أن ومعموليها" فهل تفقد اختصاصها الذي عرفناه؛ وهو دخولها على الأفعال في الأعم الأغلب؟ يرى فريق من النحاة أنها فقدت اختصاصها، وأن المصدر المنسبك بعدها من أن مع معموليها مبتدأ، خبره محذوف؛ تقديره: ثابت، ... أو نحو هذا مما يناسب بالسياق. ففي مثل: لو أن التاجر أمين لراجت تجارته -يكون التقدير: لو أمانة التاجر ثابتة لراجت تجارته ... وفي مثل: لو أن الحارس غافل لاجترأ اللص يكون التقدير: لو غفلة الحارس ثابتة لاجترأ اللص. ويرى فريق آخر أنها لم تفقد اختصاصها، وأنها في الحقيقة لم تدخل على "أن ومعموليها" مباشرةن وإنما دخلت على فعل مقدر هو: ثبت -ونحوه- المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" فاعل للفعل المقدر. فتقدير الفعل في الأمثلة السابقة هو: ولو ثبت أنهم آمنوا.. ولو ثبت أنهم صبروا ... ولو ثبت أني حبيت ... فلو ثبت أن ألفاظه جسمت، ... ولو ثبت أن التاجر.... ولو ثبت أن الحارص ... وهكذا. وتقدير الفعل مع فاعله المصدر المنسبك من أن معموليها هو: ولو ثبت إيمانهم ولو ثبت صبرهم.. ولو ثبت حبوي، لو ثبت تجسيم ... ولو ثبتت أمانة التاجر ... ولو ثبتت غفلة الحارس....

_ 1 منحت وأعطيت. 2 الجنة. 3 يريد: أن ألفاظه لو جسمت لصارت دررا ولآلئ تلبسها الغواني في أعناقهن، للزينة.

والرأيان صحيحان، ولكن ثانيهما أولى بالترجيح، إذ يحقق حكما أصيلا غالبا، من أحكام "لو" بنوعيها؛ هو: اختصاصها بالدخول على الفعل، ولكيلا يدخل الحرف المصدري على مثل1 بغير فاصل. 4- يجب الترتيب بين "لو"2 وجملتيها. فلا يصح تقديم شيء منهما، ولا من معمولاتهما على "لو" ولا يصح تقديم شيء من الجملة الجوابية أو معمولاتها على الشرطية. حذف فعل شرطها وحده، وحذف الجملة الشرطية كاملة: يصح هنا حذف فعل الشرط وحده إذا دل عليه دليل، كوجود مفسر له بعد فاعله المذكور في الكلام. نحو: لو مطر نزل لاعتدل الجو. والأصل: لو نزل مطر نزل ... ومن أمثلة حذفه بغير المفسر أن يكون فاعله مصدرا مؤولا من "أن ومعموليها"؛ كالأمثلة التي مرت "في"3. أما حذف الجملة الشرطية كلها بغير الأداة: "لو" فنادر لا يصح القياس عليه؛ كأن يقال: أيعتدل الجو لو نزل المطر؟ فيجاب: "نعم لو ... لاعتدل الجو". وقد تحذف قياسا ومعها: "لو" بشرط وجود القرينة، نحو قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، التقدير: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق ... وقد يحذف قياسا فعل الشرط: "كان" ومعه امسه أو خبره؛ نحو: اقرأ كل يوم ولو صفحة أو صفحة. على تقدير: ولو كان المقروء صفحةن أو كانت مقروءة صفحة. -كما تقدم في باب كان4.

_ 1 وللأسباب الهامة التي سبقت في ج2 م69 ص121 باب: "الاشتغال". 2 لأن لها -كسائر الأدوات الشرطية- الصدارة على الجملتين ومعمولاتها. 3 التنوين هنا للعوض عن الجملة الشرطية المحذوفة، ومعها والأداة: "لو". واللام بعدهما دليل الحذف. 4 ج1.

حذف فعل الجواب، وحذف جملة الجواب كاملة: لا يصح هنا حذف فعل الجواب وحده. لكن يكثير حذف الجملة الجوابية كاملة لدليل، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} ، {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} ، وتقدير المحذوف: ما نفعهم ... أو: لكان هذا القرآن.. ومثل: تتمزق الأمة باختلاف زعمائها؛ فلو اتفقوا..، التقدير: لو اتفقوا لبقيت سليمة، أو قوية1 ... ، وكقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} فجواب "لو" جملة محذوفة تقديرها: لرأيت أمرا عظيما هائلا. حذف جملتي الشرط والجواب معا: ورد في المسموع أمثلة قليلة لحذفها معا، ولا يصح القياس عليها؛ لقلتها؛ ولأنها في الشعر، ومنها: إن يكن طبعك الدلال فلو ... ... في سالف الدهر والسنين الخوالي ... التقدير: فلو كان في سالف الدهر والسنين الخوالي لكان مقبولان أو نحو هذا2.

_ 1 ومثل قول الشاعر: وأظمأ إن أبدى لي الماء منة ... ولو كان لي نهر المجرة موردا وقول الآخر: أطلب العز في "لظى"، وذر ... الذل ولو كان في جنان الخلود التقدير: فذره. 2 عقد ابن مالك باب خاصا عنوانه: "فصل: لو" اقتصر فيه على ثلاثة أبيات موجزة الأحكام، غامضة الدلالات. ونصها؛ "لو" حرف شرط في مضى، ويقل ... إبلاؤها مستقبلا. لكن قبل يريد بهذا: "لو" الشرطية الامتناع؛ فإنها هي التي يكون بها التعليق في الزمن. أما التي يكون التعليق بها مستقبلا فالشرطية غير الامتناعية. والتعليق بها -مع قلته- مقبول، أي: جائز يصح =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: عرفنا: "لو الشرطية"، بنوعيها. وهناك أنواع أخرى من "لو" عرضت لها المطولات النحوية؛ "كالمغني، وشرح المفصل ... " واللغوية؛ "كلسان العرب، وتاج العروس ... " وسنشير إلى كثير من هذه الأنواع إشارة عابرة، وكلها حروف. 1- "لو" المصدرية "وقد سبق الكلام عليها في الجزء الأول باب الموصول، م29 ص413". 2- "لو" الزائدة، أو: "الوصلية" ولا تحتاج لجواب -في المشهور- فهي ك"إن الوصلية" التي سبق الكلام عليها هنا1؛ بحيث يمكن وضع "لو" مكان "إن" فلا يفسد المعنى، ولا الأسلوب. وتعرب كإعرابها، نحو: الدني ولو كثر ماله، بخيل. وهذا أقل الأنواع استعمالا في فصيح الكلام. وقد يمكن تخريجه على نوع آخر.

_ = القياس عليه. ثم قال: وهي في الاختصاص بالفعل كإن ... لكن: "لو" "ان" بها قد تقترن يصرح بأن "لو الشرطية" بنوعيها مختصة بالدخول على الفعل، شأنها في هذا شأن "إن" الشرطية، لا تدخل إلا على الفعل ظاهرا مقدارا. ثم بين هذا ما تمتاز به "لو" من دخولها على: "أن ومعموليها" وهذا الدخول لا تشاركها فيه "إن" الشرطية؛ إذ لا يصح أن تقترن "بأن من معموليها"، أي: لا يصح أن تدخل عليها ... ، وانتقل بعد هذا إلى البيت الثالث خاتما به الفصل: وإن مضارع تلاها صرفا ... إلى المضي؛ نحو: لو يفي كفى يقرر: أن المضارع الواقع بعد "لو" الامتناعية يكون زمنه ماضيا حتما؛ فهو مضارع في صورته وشكله، ماض في زمنه؛ نحو؛ "لو يفي كفى. أي: لو وفى كفى" وهذا خاص بالمضارع بعد "لو" الامتناعية. أما غير الامتناعية فيبقى على حاله صورة وزمنا. 1 في ص433 وهناك خلاف في حاجتها إلى جواب أو عدم حاجتها، وما يتصل بها من شرطية وعدم شرطية، وهو نفس الخلاف في "لو" "انظر رقم 1 من هامش ص433".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3- "لو" التي تفيد التقليل المجرد، وهي حرف لا عمل لهن ولا يحتاج لجواب نحو: أكثر من ضروب البر الإحسان، ولو بالكلمة الطيبة1. 4- "لو" التي تفيد التحضيض، كأن ترى بخيلا في مستشفى؛ فتقول: لو تتبرع لهذا المستشفى فتنال خير الجزء. بنصب المضارع بعد فاء السببية الجوابية2. وهذا النوع لا يحتاج لجواب في الرأي الأحسن. 5- "لو" التي للغرض؛ مثل: لو تسهم في الير فتثاب، بنصب المضارع بعد فاء السببية الجوابية. والأحسن الأخذ بالرأي القائل: إنها لا تحتاج إلى جواب. 6- "لو" التي للتمني؛ ولو تكون للتمني إلا حيث يكون الأمر مستحيلا أو في حكم المستحيل، نحو قوله تعالى عن يوم القيامة: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} ومثل: لو يستجيب لي حكام الدول فأحول بينهم وبين إشعال الحروب. بنصب المضارع "أحول" بعد فاء السببية الجوابية3. وقد سبق الكلام على "لو" التي تفيد التحضيض، أو: العرض، أو: التمني -عند الكلام على فاء السببية الجوابية1.

_ 1، 1 وقال بعض النحاة: "كل ما أورد شاهدا على التقليل تصلح فيه أن تكون شرطية بمعنى "إن" حذف جوابها، والقليل مستفاد من المقام". والتقدير: وإن كان الإكثار بالكلمة. والأول أحسن. 2 سبق لهذا النوع إشارة رقم 6 من ص369. 3 وهل تحتاج إلى جواب؟ قيل لا تحتاج مطلقا. وقيل إنها تحتاج له ولكنه لازم الحذف بسبب إشرابها معنى التمني. ونتيجة الرأيين واحدة -ولهذا النوع إشارة في ص369.

المسألة 161

المسألة 161: أما الشرطية 1: صيغتها -معناها- أحكامها النحوية: أ- صيغتها في الرأي الأرجح: "بسيطة"2 رباعية الأحرف الهجائية. ومن العرب من يقلب ميمها الأولى ياء3، فيقول في مثل: "أما الرياء فخلق اللئام، وصفة الضعفاء" ... "أيما الرياء ... " ومن هذا قول الشاعر يصف نفسه بالترف البالغ، والنعمة السابغة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت4 ... فيضحى4. وأيما بالعشي فيخصر5 وقول الآخر: مبتلة6، هيفاء. أيما وشاحها ... فيجري، وأيما الحجل7 منها فلا يجري8 ب- ومعناها: الدلالة على أمرين متلازمين معها؛ هما: الشرطية9، والتوكيد10؛ فلا يخلو استعمال لها من اجتماع هذه الشرطية والتوكيد. وقد تقتصر عليهما -كما في مثل: "أما علي فمسافر"، وكما في المثال الأول-11 أو لا تقتصر، أو لا تقتصر، وهو الغالب

_ 1 ستجيء أنواع مختلفة من: "أما" مفتوحة الهمزة ومكسورتها -في ص511. 2 أي: ليست مركبة من كلمتين، أو أكثر. 3 هي لغة لبني تميم. ويحسن اليوم عدم محاكاتها. 4، 4 ارتفعت. و"يضحي": يخرج من بيته، ولا يخرج قبل ذلك، خوف لبرد؛ لأنه مترف، ولاستغنائه عن السعي. 5 يشعر بالبرد. ويقول الصبان: إن الفعل بالخاء هنا، وإن الحاء خطأ. 6 منسقة الجسم. 7 الخلخال. 8 لأنها ثمينة منعمة. 9 تعليق أمر على آخر وجودا وعدما، وارتباطه به بنوع ارتباط؛ يغلب أن يكون السببية والمسببية على الوجه الذي سبق تفصيله عند الكلام على الجواب في البابين "ص 308، 353، 382، وفي رقم 5 هامش ص450 و3 من هامش ص454. 10 المراد بالتوكيد هنا. تحقق الجواب، والقطع بأنه حاصل، وأنه لا محالة واقع، ولو ادعاء. وسيجيء السبب في الصفحة الآتية. 11 لأن المراد؛ مهما يكون من شيء فالرياء خلق اللئام. فقد علقنا أمرا -هو الحكم بنسبة الرياء إلى خلق اللئام- على وجود شيء آخر، أي شيء ... كما سيجيء هنا.

الكثير، فتدل معهما على التفصيل1؛ نحو: الناس طبقات ... فأما الشريف فمن شرفت أعماله، وكملت خصاله، وإن كان فقيرا. وأما الدنيء فمن قبح صنعه، وساء طبعه، وإن كان غنيا. وأما العزيز فمن ترفع عن الدنايا، وأبي المهانة، وإن كان قليل الأهل والأتباع. وأما الذليل فمن رضي الهوان، وإن كان كثير الأهل والأعوان". فكلمة "أما" في هذا الكلام وأشباهه دالة على الشرطية؛ لقيامها مقام اسم الشرط: "مهما" وجملته الشرطية؛ -كما يأتي- "إذا المراد: مهما يكن من2 شيء فالشريف من شرفت أفعاله ... وهكذا". وهي دالة على التفصيل فيه أيضا؛ بذكر الأقسام، والأفراد المتعددة المختلفة لشيء مجمل3. وهي دالة فيه على التوكيد أيضا. ولإيضاح التوكيد نذكر أن من يقول: "محمد عالم" يقصد إثبات العلم لمحمد، ونسبته إليه، بغير تأكيد ولا تقوية. فإذا أراد أن يمنح المعنى فضل تأكيد، ومزيدا من التقوية أني بكلمة: "أما"، قائلا: "أما محمد فعالم". وسبب التأكيد والتقوية في هذا أنه يريد: "مهما يكن من شيء فمحمد عالم" فقد علق وجود علمه على وجود شيء، أي شيء آخر، بمعنى أن وجود العلم مترتب ومتوقف على وجود شيء يقع في الكون. ولما كان من المحقق المؤكد وقوع شيء في الكون حتما، كان من المحقق المؤكد -ادعاء- كذلك وقوع ما يترتب عليه؛ وهو: "العلم"؛ لأن تحقق السبب وحصوله لا بد أن يتبعه تحقق المسبب عنه، وحصوله على سبيل التحتيم4 ... وقد تدل على التفصيل تقديرا: أي: بغير ذكرها وذكر شيء معها، وإنما يدل عليهما السياق والقرائن؛ نحو: "الناس معادن؛ فأما أنفسها وأغلاها فالأخيار". التقدير: وأما أخسها وأرخصها فالأشرار. ونحو:

_ 1 تبيين الأمور والأفراد المجتمعة تحت لفظ واحد يتضمنها إجمالا. وقد سبق الكلام عليه "في ج3 ص337 م118" وعن الصلة بينه وبين التقسيم والتفريق.. 2 ويصح حذف "من" في هذه الأساليب، ونظائرها. 3 هو: الناس. 4 إذ المعلول "المسبب" لا بد أن يوجد بوجود علته "سببه".

"الأصدقاء ضروب. فأما أحسنهم فالوفي الأمين". التقدير: وأما أقبحهم فالغادر الخائن.. ج- وأحكامها النحوية تنحصر فيما يأتي: 1- أنها أداة شرط؛ بسبب قيامها مقام اسم الشرط: "مهما" الواجب حذف جملته الشرطية هنا؛ فكأنها قائمة مقام: "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" بحيث يصح حذف "أما" ووضع "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" موضعها؛ فلا يفسد المعنى ولا التركيب مطلقا. وليس المراد من قيامها مقام اسم الشرط: "مهما" المحذوف شرطه وجوبا، أنها تعرب اسم شرط، أو فعل شرط، أو هما معا، ولا أن تؤدي معناهما تأدية حقيقية، يمكن بمقتضاها وضع "أما" في كل موضع تشغله "مهما" مع فعل شرطها ... ، ليس المراد هذا؛ لأن "أما" حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم وفعل معا، ولأن كثير من الأساليب يفسد تركيبه ومعناه إن حلت فيه "أما" في كل موضع تشغله "مهما" مع فعل شرطها ... ، وليس المراد هذا؛ لأن "أما" حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم وفعل معا، ولأن كثيرا من الأساليب يفسد تركيبه ومعناه إن حلت فيه "أما" محل "مهما" الشرطية وإنما المراد هو: صحة حذف "أما" الشرطية دائما ووضع: "مهما يكن شيء، أو: مهما يكن من شيء" موضعها. لأن في هذا رجوعا إلى الأصل، واستغناء عن النائب عنه، الذي ليست شرطيته أصيلة، وإنما هي مكتسبة بسبب نيابته. وإعراب الجملة المشتملة على "أما" في مثل: "أما المخترع فعالم" هو: "أما" نائبة عن: "مهما يكن شيء، أو من شيء". "المخترع" مبتدأ مرفوع. "فعالم" ... "عالم" خبر المبتدأ، وهذه الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب: "أما" النائبة عن "مهما" و "الفاء" زائدة داخلة على هذه الجملة الاسمية التي هي جواب اسم الشرط المحذوف الذي نابت عنه "أما" وكان الأصل أن تدخل على المبتدأ ولكنها تتأخر عنه إلى الخبر إذا لم يفصل بينها وبين الشرط فاصل -كما في هذه الصورة1. وإعراب: "مهما يكن من شيء، أو شيء فالمخترع عالم"، هو: "مهما"، اسم شرط مبتدأ، "يكن" مضارع تام2، مجزوم؛ لأنه فعل الشرط.

_ 1 سيجيء هذا الحكم في الصفحة الآتية. 2 بمعنى: يوجد.

"من شيء" "من" حرف جر زائد، و"شيء" فاعل مرفوع بضمة مقدرة؛ منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. هذا إن وجد الحر: "من"؛ فإن لم يوجد فالفاعل مرفوع مباشرة، على اعتبار: "يكن" فعلا مضارعا تاما1 في الحالتين -وهذا هو الأسهل. أما على اعتباره ناسخا فكلمة: "شيء" اسمه، وخبره محذوف تقديره: "موجودا"، والجملة الشرطية خبر "مهما"2. "فالمخترع" "الفاء" داخلة على جواب الشرط، و "المخترع" مبتدأ، و "عالم" خبره، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط: "مهما". وهناك إعرابات أخرى نكتفي بالتلميح إليها دون الإطالة بذكرها؛ لسهولتها وجريانها على مقتضى القواعد العامة. وليس من اللازم أن تكون: "أما" الشرطية في كل استعمالاتها قائمة مقام: "مهما يكن شيء أو من شيء" بهذا التبعير الحرفي؛ فمن الجائز -في أساليب أخرى- أن تقوم مقام تعبير شرطي آخر مناسب للسياق وللمعنى والمراد؛ كقولهم في الرد على من يشك في علم شخص أو شجاعته: "أما العلم فعالم"، و"أما الشجاعة فشجاع" ... بنصب كلمتي: "العلم، والشجاعة"، على تقدير: مهما ذكرت العلم ففلان عالم ... -مهما ذكرت الشجاعة ففلان شجاع. بل إن هذا التقدير أحسن على اعتبار هذه الأسماء المنصوبة مفعولا به للفعل: "ذكرت"، ونحوه3. 2- وجوب اقتران جوابها بالفاء الزائدة للربط المجرد4؛ فليست للعطف ولا لغيره. ومع أنها زائدة للربط لا يجوز حذفها إلا إذا دخلت على معقول محذوف؛ فيغلب حذفها معه، حتى قيل إنه واجبن كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والأصل: فيقال لهم: أكفرتم ... ، وفي غير هذه

_ 1 بمعنى: يوجد. 2 على الرأي القائل إنها الخبر، أو الجملة الجوابية، أو هما معا على الرأي القائل بذلك. 3 هذا الإعراب أحسن من إعرابها إياها مفعولا مطلقا معمولا للمشتق الذي بعد الفاء في الجملة الجوابية، أو مفعولا لأجله لفعل الشرط المحذوف إن كان الاسم معرفة، وحالا من مفعول الفعل المحذوف إن كان نكرة. وإنما كان أحسن لأن تقدير هذا الفعل مطرد في كل موضع، ولا يترتب عليه أن يكون ما بعد هذه الفاء عاملا فيما قبلها وهذا ممنوع عندهم، وإن كان أكثرهم يجيزه بعد هذه الفاء الداخلة في جواب "أما" الشرطية. "وانظر رقم 4 في هامش الصفحة التالية". 4 يوضح هذا الرب ما سبق في نظيرتها برقم 8 ص458.

الحالة سمع حذفها نادرا في النثر، وفي الضرورة الشعرية، وهذان لا يقاس عليهما اختيار. ويجب تأخير الفاء إلى الخبر إن كان الجواب جملة اسمية مبتدؤها غير مفصول من "أما" بفاصل -كما أسلفنا-1 ومن أمثلته أيضا قول الشاعر: ولم أر كالمعروف؛ أما مذاقه ... فحلو، وأما وجهه، فجميل ... 2 3- وجوب الفصل بينها وبين جوابها، بشرط أن يكون الفاصل أحد الأمور الآتية: أ- المبتدأ3؛ كبعض الأمثلة السابقة، وقول الشاعر: أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربي ب- الخبر؛ نحو: أما مكريم فالعربي. وأما في البادية فالشجاعة. ح- الجملة الشرطية وحدها دون جوابها؛ نحو قوله تعالى في الميت: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} ويجب أن يكون جواب الجملة الشرطية محذوفا استغناء بجواب "أما". د- الاسم المنصوب لفظا أو محلا بجوابها ولا مانع هنا من أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها4، فالأول كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} 5. والثاني كقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ،

_ 1 في الصفحة السابقة. 2 وبعده. ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول ... وقد سبق البيت في الجزء الثاني، لمناسبة هناك، باب حروف الجر "م90" عند الكلام على الكاف. 3 وقد يكون المبتدأ مستلزما شيئا يذكر معه؛ كالمبتدأ اسم الموصول في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} واسم الموصول يستلزم صلة حتمية. 4 انظر رقم 3 من هامش الصفحة السابقة..، وقال الرضي: يصح أن يتقدم على هذه الفاء من معمولات الجواب: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله، والظرف، والحال. 5 لا تنهر، أي: لا تنهره لا تزجره بشيء يؤلمه -قولا أو عملا.

لأن الجار مع مجروره في حكم المفعول به، فكأنه منصوب محلا. والفصل في الصورتين واجب؛ إذ لا يصح دخول "أما" على الطلب مباشرة. وقد اجتمع النوعان من الفصل في قول الشاعر: نزور أمرأ؛ أما الإله فيتقي ... وأما بفعل الصالحين فيأتمي1 هـ- الاسم المعمول لمحذوف يفسره ما بعد "الفاء"، نحو: أما المخترع فأعظمه2. و شبه الجملة المعمول لـ"أما" إذا لم يوجد عامل غيرها؛ لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، ويصح اعتباره معمولا لفعل الشرط المحذوف. فمثال الفصل بالظرف3: أما اليوم فالصناعة ثروة. ومثال الفصل بالجار والمجرور: أما في القتال فالسلاح العلم. ز- الجملة الدعائية بشرط أن يسبقها شبه جملة، نحو: أما الآن -حفظك الله- فأنا مسافر. أو: أما في بلدنا -صانها المولى- فالأحوال طيبة ... 3- جواز حذفها لدليل؛ ويكثر هذا قبل الأمر والنهي؛ كقوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ، والدليل على حذفها فيما سبق هو "الفاء" التي لا مسوغ لها إلا دخولها في الجواب. كما أن التنويع في

_ 1 يأتم ويحاكي. 2 ومنه قوله تعالى: "وأما ثمودَ فهديناهم" -بنصب "ثمود" في إحدى القراءات. ويقول كثير من النحاة: إن تقدير العامل واجب بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه؛ بحجة أن "أما" نائبة عن الفعل، فكأنها فعل والفعل لا يلي الفعل، وهذا كلام لا يحسن الأخذ به هنا. ولهذه الآية بيان مفيد في الجزء الثاني، باب: "الاشتغال"، م69 عند الكلام على "الاستغال بمعناه العام، ص134. 3 ومن أمثلة الفصل بالظرف وقوع الظرف: "بعد" تاليا "أما الشرطية" ويكثر هذا في صدر الخطب، وفي افتتاح الكلام الهام، وبين موضوعاته المتنوعة، الطويلة، فيقال في كل ما سبق: "أما بعد" ... وقد تحذف "أما" وتجيء الواو بدلها؛ فيقال: "وبعد"، مثل قول الخطيب: "بسم الله، والحمد لله. "وبعد" فإن لكل مقام مقالا ... ". أما إعراب هذا الظرف، وحكم الفاء بعده فمدون تفصيلا عند الكلام عليه في ج2 م79 ص265 -باب: الظرف، وكذلك في ج3 باب: الإضافة عند الكلام على الألفاظ الملازمة في الغالب للإضافة.

السياق يدل على حذفها1 ... 4- جواز حذف جوابها -لقرينة تدل عليه- ومعه: الفاء على الوجه الذي تقدم في الحكم الثاني2. وفيه المثال؛ وهو قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والأصل: فيقال لهم: أكفرتم. وكقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي: فيقال لهم ...

_ 1 وفي الكلام على "أما" الشرطية يقول ابن مالك في باب مستقل عنوانه: "أما، ولولا، ولوما". أما كمهما يك من شيء، و"فا" ... لتلو تلوها وجوبا ألفا "فا" أي: فاء، تلو بمعنى التالي". الأصل: أما كمهما يكن من شيء، و"فاء" ألف وجوبا لتالي تاليها؛ أي: للجواب؛ لأن تاليها مباشرة هو: الشرط، وتالي التالي هو الجواب. فيجب اقترانه بالفاء تبعا للمألوف في الكلام الفصيح ويفهم من هذا أن حذفها غير مألوف فيه؛ كما وضحه بقوله بعد هذا مباشرة: وحذف ذي "الفا" قل من نثر إذا ... لم يك قول معها قد نبذا "ذي: هذه، نبذ: حذف" يريد: أن حذف هذه الفاء قليل في النثر لا يقاس عليه إلا إذا حذفت مع القول -كما شرحنا- وقد اكتفى بالبيتين السابقين في الكلام على "أما" وكل يختص بها. 2 ص507.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- تختلف "أما" الشرطية السالفة في صيغتها، ومعناها، وأحكامها عن "أما" مفتوحة الهمزة، المركبة من "أن" المصدرية، و"ما" التي جاءت عوضا عن "كان" المحذوفة، وقد سبق بيانها تفصيلا1. كما أنها تختلف عن "أما" التي أصلها: "أم" و"ما" المدغمتين -عند من يكتبها متصلتين، وليس هذا بالمستحسن -نحو: أسقيت الحقل أماذا؟ والفرق أوسع بينها وبين "إما" مكسورة الهمزة التي لا شرطية معها. قال الفخر الرازي في تفسيره2 وقد عرض لهما: إذا كنت آمرا، أو ناهيا، أو مخبرا -فالهمزة مفتوحة، نحو: أما الله فاعبده، وأما الخمر فلا تشربها، وأما الضيف فقد خرج. وإن كنت مشترطا3 أو شاكا أو مخيرا -فالهمزة مكسورة- فمثال الاشتراط: إما4 تعطين المحتاج فإنه يشكرك. وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} ، ومثال الشك، لا أدري من قام، إما من محمد وإما علي، ومثال التخيير: لي في المدينة دار فإما أن أسكنها وإما أن أبيعها. 2- وهناك "إما العاطفة" التي سبق تفصيل الكلام عليها في الجزء الثالث5 مع الإشارة هناك لبعض الأنواع الأخرى التي ليست عاطفة. 3- تكثر "أما الشرطية" التي يليها الظرف: "بعد" في مواضع أشرنا إليها "في رقم 3 من هامش ص509" كما أشرنا هناك إلى جواز الاستغناء عن "أما الشرطية" أحيانا، في ذلك الأسلوب، ووضع الواو مكانها فيقال: " ... و"بعد" فإن لكل مقام مقالا ... " وتفصيل الكلام على هذا الظرف، وحكم الفاء التي تليه مدون في مكانه المناسب، وهو باب: "الظرف" ج2 م79 ص265.

_ 1 ج1 ص431م، م45 باب: "كان". 2 ج14 ص212. 3 مستعملا أداة الشرط. 4 في هذه الصورة تكون مركبة من "إن" الشرطية "وما" الزائدة المدغمة فيها. 5 م118 ص593 وما بعدها -ما باب: "عطف النسق".

المسألة 162: أدوات التحضيض والتوبيخ والعرض والامتناع

المسألة 162: أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع وهي: لولا، لو ما، هلا، ألا، ألا ... 1: صيغها، معانيها، أحكامها النحوية: أ- أما صيغها فالشائع أن كل أداة مركبة في الأصل من كلمتين: "لو، ولا". ولا يعنينا هنا البحث في أصلها وتاريخها القديم، وإنما يعنينا أمرها الآن، وما انتهت إليه كل أداة منها، بعد أن توحد جزاءها، وصارا كلة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا، وتختص بأحكام جديدة لم تكن لها قبل التوحد، ولو زال عنها هذا التوحد لتغيرت معانيها وأحكامها تغيرا أصيلا واسعا. ب- معانيها: هذه الحروف الخمسة تشترك جميعا في أنها تدل على التحضيض2 تارة، وعلى التوبيخ تارة أخرى. ولذا يسميها اللغويون: "حروف التحضيض، والتوبيخ". وتمتاز "ألا" - من الخمسة - بأنها تكون أحيانا أداة للعرض3. كما تمتاز "لولا، ولو ما" بأنهما ينفردان بالدلالة على امتناع شيء بسبب وجود شيء آخر،

_ 1 يزاد على هذه الخمسة: "لو" فإنها تكون أحيانا للعرض أو التحضيض؛ "طبقا لما تقدم في رقمي 5 و6 من ص369 ورقمي 4 و5 من ص503". 2 ومثلها "لو" في الدلالة على التحضيض دون التوبيخ كما أشرنا في رقم 1 والتحضيض هو: الترغيب القوي في فعل شيء أو تركه. وتظهر القوة في اختيار الكلمات الجزلة القوية، وفي نبرات الصوت. 3 ومثلها: "لو" -كما أشرنا في رقم 1- والعرض هو: الترغيب في فعل شيء أو تركه ترغيبا مقرونا بالعطف والملاينة. ويظهر هذا في اختيار الكلمات، وفي نغم الصوت. وتمتاز "ألا" كذلك بأن تقع أداة "استفتاح للتنبيه"؛ فتكون في أول الكلام بقصد التنبيه إلى ما يليها، والاهتمام بما يجيء بعدها. ومثلها في هذا "أما" كقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، وقول الشاعر: أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم

ويسميان لهذا: أداتي شرط امتناعي1. فالمعاني التي تؤديها هذه الحروف ثلاثة أنواع: 1- التحضيض والتوبيخ، تؤديهما الحروف الخمسة. 2- العرض. وتكاد وتنفرد به: "ألا"، وهو الأكثر في استعمالها. 3- الامتناع. وتكاد تنفرد به "لولا، ولو ما"2. ج- أحكامها النحوية: -وكلها حروف. 1- إذا كانت الأداة للتحضيض أو للعرض وجب أن يليها المضارع إما ظاهرا، وإما مقدرا يفسره ما بعده؛ بشرط استقبال زمنه في حالتي ظهوره وتقديره"؛ لأن أداة الحض والعرض تخلص زمن المضارع للمستقبل؛ إذ معناها لا يتحقق إلا فيه". فمثال المضارع الظاهر المباشر لها "أي: غير المفصول منها مطلقا": لولا تؤدي الشهادة على وجهها -لو ما تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك- هلا تحمي الضعيف ألا تصاحب النبيل الوديع، أو ألا ... ومثال المضارع الظاهر المفصول منها بمعموله المتقدم عليه: لولا الشهادة تؤدي على وجهها لو ما المنكر تغير بيدك. هلا الضعيف تحمي ... وكذا الباقي.. ومثال المضارع المقدر: دولها على اسم ظاهر يكون معمولا لمضارع مقدر يفصل بين هذا الاسم الظاهر والأداة؛ نحو: لولا الشهادة تؤديها على وجهها، لوما المنكر تغيره، هلا الضعيف تحميه، ألا، أو: ألا النبيل الوديع تصاحبه. والتقدير:

_ 1 المراد بالشرط هنا: الدلالة على ربط أمر بآخر ربطا معينا، وتعليق الثاني على الأول، مع التقيد بنوع خاص من التعليق -طبقا لما سيجيء في رقم 1 من هامش ص515. ومن الأمثلة: لوما الهواء لمات الأحياء، لوما حرارة الشمس لهلك الأحياء بردا، لولا الساعة لم نعرف الوقت، لولا التعلم لم تنهض الأمة. لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان فقد امتنع موت الأحياء بسبب وجود الهواء، وبسبب وجود الشمس، وامتنع عدم معرفتنا الوقت بسبب وجود الساعة، وامتنع عدم نهضة الأمة يسبب وجود التعلم وامتنعت شدة قرب الضيغم إلى الشرف بسبب وجود العقول ... 2 قد تدل الشرطية على الامتناع ولكنه يختلف عما هنا، طبقا لما تقدم في بابها -ص400، وقد أشرنا لهذا في رقم 1 من هامش ص492، وفي رقم 1 من هامش ص515.

لولا تؤدي الشهادة تؤديها ... لوما تغير المنكر تغيره، هلا تحمي الضعيف تحميه، ألا تصاحب النبيل ... ويدخل في المضارع المقدر كلمة: "تكون" الشانية؛ "أي: الدلالة على الحال والشأن؛ كماضيها: "كان" الشانية" -إذا كانت أداة التحضيض داخلة على جملة اسمية؛ كقول الشاعر: ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي، فهلا نفس ليلى شفيعها التقدير: فهلا تكون ... "نفس ليلى شفيعها" فالجملة الاسمية خبر: "تكون المقدرة". أما اسمها فضمير الشان، أي: هلا تكون الحالة والهيئة والشان1: نفس ليلى شفيعها. وقد قلنا إن الأدوات السالفة لا يليها إلا المضارع ظاهرا أو مقدرا، فإن دخلت على ماض خلصت زمنه للمستقبل، بشرط أن تكون للمعنى الذي ذكرناه2؛ كقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} أي: فلولا ينفر3 ... وأداة التحضيض والعرض قد تحتاج إلى جواب، أو لا تحتاج، على حسب ما يقتضيه المقام؛ فمجيئه جائز. فإنا جاء بعدها جواب وجب أن يكون مضارعا إما مقرونا بفاء السببية، وإما خاليا منها. وفي الحالتين تجري عليه الأحكام الخاصة بكل حالة. وقد عرفناها عند الكلام على فاء السببية المذكورة في الجملة أو التي لم تذكر4. 2- إن كانت الأداة للتوبيخ وجب أن يليها الماضي لفظا ومعنى معا، ظاهرا، أو مقدرا يدل عليه دليل؛ فمثال الظاهر غير المفصول من الأداة: "هلا دافع الجبان عن وطنه فانتصر، أو استشهد"5، "ألا قاومت بالأمس بغي الطاغي"

_ 1 سبق الكلام على ضمير الشأن تفصيلا في ج1 ص177 م20. 2 التحضيض، أو العرض. 3 وكذلك قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: لولا تؤخرني. أما إعراب: "أصدق وأكن" فقد سبق في رقم 3 من هامش ص369. 4 في ص352 و387. 5 لأن التوبيخ لا يكون إلا على شيء حصل.

ومثال الظاهر المفصول: "هلا الطائر رحمت" "ألا الضيف صافحت" "والأصل: هلا رحمت الطائر، هلا صافحت الضيف". ومثال المقدر قول الشاعر: أتيت بعبد الله في القيد موثقا ... فهلا سعيدا الخيانة والغدر والأصل: فهلا أحضرت سعيدا ... وكذا الباقي. 3- إن كانت الأداة دالة على امتناع1 شيء بسبب وجود شيء آخر -ويتعين أن يكون كل منهما في الزمن الماضي -فلا بد من أمرين في هذه الحالة التي يمتنع فيها شيء لوجود آخر "وتشتهر بأنها: حالة امتناع لوجود". أولهما: دخولهما على مبتدأ، محذوف الخبر وجوبا2. وثانيهما: مصدر بفعل ماض لفظا ومعنى، أو معنى فقط "كالمضارع المسبوق بالحرف: "لم"، وقد سبقت الأمثلة للحالتين3. ويجوز في هذا الماضي يكون مقترنا باللام4 أو مجردا؛ سواء أكان مثبتا أم منفيا "بما" دون سواها. غير أن الأكثر هو اقتران المثبت، وخلو المنفي. فمثال المثبت المقترن بها "غير ما تقدم"3 قوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ، وقول الشاعر: لولا الإصاخة للوشاة لكان لي ... من بعد سخطك في الرضاء رجاء

_ 1 هذه الدلالة خاصة بالحرفين: "لولا، ولوما" -دون بقية الخمسة- وبسببها يعتبران الأداتين الخاصتين "بالشرط الامتناعي" وقد سبق في رقم 1 من هامش ص513 أنه هو الدال على ربط أمر بآخر ربطا معينا، وتعليق الثاني على الأول مع التقيد بنوع خاص من التعليق. وتعرب كل منهما حرف امتناع لوجود، أي: امتناع شيء بسبب وجود غيره. أما "لو" فتدل على امتناع أيضا، ولكن من نوع آخر تقدم في بابها -ص491. 2 تقدم تفصيل هذه المسألة "في ج1 -باب المبتدأ والخبر- م39". 3 و3 في رقم 1 من هامش ص513. 4 هذه "اللام" للتأكيد، وفائدتها موضحة تفصيلا في ص497 وهامشها. وقد ورد في المسموع النادر اقتران جوابها "باللام وقد" معا؛ كالذي في قول الكميت: يقولون: لم يورث؛ ولولا تراثه ... لقد شركت فيهم بكيل وأرحب بكيل، وأرحب: علمان.

ومثال المثبت المجرد منها: لولا المشقة ساد الناس كلهمو ... الجود يفقر، والإقدام قتال وقول الآخر يرد على من عابه بالقصر: لولا الحياة، ولولا الدين عبتكما ... ببعض ما فيكما؛ إذا عبتما قصري ومثال المنفي "بما" المجرد من اللام قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ، وقول الشاعر: لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا ومثال المنفي المقرون بها قول الشاعر: لولا رجاء لقاء الظاعنين لما ... أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا ويصح حذف الجواب إذا دل عليه دليل؛ كقوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} . التقدير: ولولا فضل الله ورحمته لهلكتم1 ...

_ 1 في تأدية "لولا ولوما" معنى الامتناع ودخولهما على المبتدأ لزوما، يقول ابن مالك في هذا الباب الذي عنوانه: "أسا، ولولا، ولوما". لولا ولوما يلزمان الابتدا ... إذا امتناعا بوجود عقدا يريد: أنهما يلزمان الدخول على المبتدأ إذا عقدا الامتناع بالوجود، أي: ربطا الامتناع بالوجود؛ بحيث يمتنع شيء بسبب وجود آخر. فإذا وجد هذا الآخر تحتم امتناع ذاك. ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان معناهما الآخر؛ وهو: الدلالة على التحضيض؛ فنص عليه، وأشرك معهما فيه حروفا أخرى؛ هي: هلا، ألّا، ألا. وصرح بأن هذه الأدوات التحضيضية مختصة بالدخول على الفعل -ولم يبين نوعه المحتوم؛ وهو المضارع- وأن الاسم قد يقع بعدها في الظاهر، ولكنه في الحقيقة يكون معلقا -أي: متعلقا ومعمولا- بفعل مقدر بعد الأداة مباشرة، أو بفعل متأخر عن هذا الاسم. يقول: وبهما التحضيض مز. وهلا ... ألّا، ألا، وأولينها الفعلا وقد يليها اسم بفعل مضمعر ... علق، أو بظاهر مؤخر "مز: ميز: أولينها، أتبعها واذكر بعدها ... ".

المسألة 163: العدد

المسألة 163: العدد مدخل ... المسألة 163: العدد 1: يشمل الكلام عليه ما يأتي:

_ 1 أحكام هذا الباب كثيرة، والخلاف والتضارب فيها كثير كذلك. وما استخلصناه منها هو -في تقديرنا- أقواها حجة، وأوفرها شيوعا. ولم نعرضها مرتبة على حسب ترتيب أبيات ابن مالك، في: "ألفيته"، وإنما اخترنا ترتيبا آخر، لعله أنسب وأحسن. وقد اقتضى هذا ألا نذكر أبيات ابن مالك التي نسوقها لتأييد القاعدة مرتبة كما أوردها في "باب: العدد". على أنا تداركنا الأمر فذكرنا بجانب كل بيت رقمه الدال على ترتيبه الأصلي في الباب؛ ليعرف ترتيب الناظم لأبياته. ثم نعود فنذكره مرة أخرى في المكان الذي وضعته فيه: "الألفية" بين أبيات بابه؛ تنفيذا للمنهج العام الذي نسير عليه في هذا الشأن في جميع أجزاء الكتاب الأربعة. ولم يترك القدماء كلمة: "العدد" من غير تعريف، مع وضوح معناها، وبداهة مدلولها؛ فجاء تعريفهم حاملا من الغموض والخفاء والإبهام ما يحمله كل تعريف للبديه، وكل توضيح للواضح. وقد يكون من المقبول أن نذكره. قالوا العدد: "هو ما وضع لكمية الآحاد -أي: الأفراد، وأن من خواصه مساواته لنصف مجموع حاشيتيه المتقابلتين"!! يريدون بالمساواة: أن كل عدد، يحيط به طرفان؛ هما عدد قبله، وعدد بعده، ويسميان: "الحاشيتين". وأن مقدار العدد يساوي نصف مجموع الحاشيتين. ذلك لأن الحاشية التي قبله تنقص عنه بمقدار ما تزيد عليه الحاشية التي بعده. وهذا معنى التقابل بينهما. فالعدد "ثمانية" -مثلا- حاشيته العليا، أي: الكبرى، تسعة وحاشيته السفلى، أي: الصغرى، سبعة، فمجموعهما ستة عشر، وهما يحيطان به؛ فمقداره يساوي نصف مجموعهما. أي: أن ثمانية يساوي نصف مجموع السبعة والتسعة: 8= "7 + 9/ 2". والعدد "ستة" له حاشيتان؛ العليا: سبعة والسفلى: خمسة، ومقداره يساوي نصف مجموعهما معا. أي: أن ستة يساوي نصف مجموع السبعة والخمسة: 6= "7 + 5/ 2" وهكذا ... ولا حاجة بنا لشيء من هذا التعريف. "ملاحظة": يكثر ألا يدل العدد بلفظه على معدود حسابي مضبوط، محصور في أفراد محددة إلا بقرينة من خارج لفظه تدل على الحصر والتحديد الحسابي الحقيقي؛ فمن يقول: "زرتك خمسين مرة" لا بقصد المعنى الحسابي الدقيق الذي يفهم من "خمسين" وإنما يذكر مجرد عدد حسابي يريد به المبالغة أو التقليل ... ، ما لم توجد قرينة على التحديد. لهذا قالوا ما نصه؛ "إن الأخبار -كما تقرر غير مرة- بعدد لا ينافي غيره". ا. هـ. راجع الشرقاوي على التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ج1 باب بدء الأذان ص56. وعدم المنافاة مقصور حتما على الحالة الخالية من القرينة التي تحدد عدد المعدود تحديدا حسابيا مضبوطا -لا يحتمل سواه.

أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها -تمييزه-1 تذكيره وتأنيثه، صوغه على وزن: "فاعل"، وإعرابه بعد هذه الصياغة -تعريفه وتنكيره- قراءة الأعداد المعطوفة على العقود المختلفة -التأريخ بالأيام والليالي ... أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها: أقسامه أربعة: مفرد2 ومركب، وعقد، ومعطوف. 1- فالعدد المفرد، يشمل "الواحد والشعر" وما بينهما. ويلحق به: لفظتا: "مائة3، وألف"، ولو اتصلت بهما علامة تثنية أو جمع؛ "كمائتين وألفين، ومئات، وألوف ... ؛ لأن معنى إفراد هذا القسم أنه ليس من الأقسام الثلاثة الأخرى؛ وليس المراد أنه غير مثنى، وغير جمع" ... كما يلحق به بعض كلمات أخرى4.

_ 1 انظر الملاحظة المدونة بهامش ص525. 2 ويسميه بعض النحاة: "العدد المضاف". وهي تسمية شائعة، لكنها غير دقيقة؛ لأنها لا تشمل إلا الأعداد المضافة من ثلاثة وعشرة وما بينهما، دون غير المضافة، وهي: 1 و2، ولعل حجته أن: "1 و2" ينفردان بأحكام خاصة بهما، ولا تنطبق عليهما الأحكام المتعددة التي للعدد المفرد. وكذلك غير المضافة. وقد يسمى العقد: "بالمفرد" والعقد أحسن. "انظر رقم 3 من هامش ص522". 3 أجاز المجمع اللغوي القاهري كتابة كلمة: "مائة" ومركباتها بغير الألف التي زادها القدماء بعد الميم في كتاباتهم، وظلت مزيدة حتى يومنا هذا. وكذلك أجاز فصل الأعداد "ثلاثة وتسعة وما بينهما" عن مائة، مراعيا في هذا نوع من التيسير الإملائي. "راج ما سبق في العدد الذي أصدره المجمع، بعنوان: "البحوث والمحاضرات"، مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين من سنة 1963-1964". 4 ومما يلحق به كلمة "بضع" ومؤنثها "بضعة"، وكذلك كلمة: "نيف". وفيما يلي البيان: أ- الأفصح والمختار عند بعض المحققين -من بين آراء متعددة- أن كلمة: "بضع" تدل بصيغتها ونصها الحرفي على عدد مبهم، لا تحديد ولا تعيين فيه. لكنه لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على تسعة "أي: أن مدلولها والمراد منها قد يكون: 3 أو 4 أو 5 أو 6 أو 7 أو 8 أو 9" وإذا ذكرت لا ينصرف الذهن إلى واحد معين دون غيره من هذه الأعداد السبعة، وإنما يدرك أن المقصود منها مبهم، يصدق على هذا وينطبق عليه، كما يصدق وينطبق على كل عدد آخر من بقية المجموعة العددية السالفة. =

أما إعرابه وإعراب ملحقاته السابقة فبالحركات الظاهرة على آخره، إلا ما كان داخلا في حكم المثنى أو الجمع؛ فيعرب إعرابهما؛ كاثنين، ومئتين، وألفين، ومئات، وكذا: مئون، في بعض الحالات. ومن الأمثلة: العصامي رجل الدنيا وواحدها -إن اثنين لا يشبعان؛ طال علم، وطال مال- يقوم المجد الحق على ثلاث دعائم؛ العلم، والعمل، والخلق النبيل ما أعجب تاريخ الخلفاء الراشدين الأربعة!!.. وكقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} -أقام العرب في الأندلس مئات السنين، قاربت تسعة قرون- وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} .

_ = ب- تستعمل كلمة: "بضع" استعمال الأعداد المفردة "وهي هنا: 3 و9 وما بينهما". وقد تركب مع كلمة: "عشرة" تركيبا مزجيا، وقد يكون معطوفا عليها "عشرون" أو أحد إخوته من العقود التي تليه وهي: "30، 40، 50، 60، 70، 80، 90" ومن الأمثلة: جاء بضع فتيات وبضعة غلمان -أقبل بضعة عشر رجلا- غاب بضع وعشرون فتاة. ج- إذا استعملت استعمال الأعداد المفردة السالفة؛ أو المعطوف عليها وجب إعرابها بحركات ظاهرة على آخرها، على حسب حاجة الجملة: وإذا ركبت مع كمة: "عشرة" تركيبا مزجيا فالأكثر بناء الكلمتين معا على فتح الجزأين، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة، ويصح الإعراب طبقا للآتي في ص521 و534. د- في جميع استعمالاتها السالفة تتجرد من تاء التأنيث إن كان المعدود مؤنثا، وتلحق آخرها تاء التأنيث إن كان المعدود مذكرا؛ فيقال: صافحت بضعة رجال -ودعت بضع فتيات- قابلت بضعة عشر طالبا، وبضع عشرة طالبة في الحفل بضعة وعشرون فتى، وبضع وعشرون فتا ... فحكمها في تأنيث لفظها وتذكيره حكم الأعداد المفردة. "طبقا لما سيجيء في ص536". أما ما يختص بكلمة: "نيف" فيتخلص فيما يأتي وهو يوضح أوجه الفرق بينهما وبين "بضع" مع ملاحظة أن لكلمة: "نيف" معنى اصطلاحيا آخر؛ سيجيء في رقم 4 من هامش الصفحة الآتية. أ- فإنها صيغة تدل بنصها الحرفي على عدد مبهم، ينطبق على الواحد كما ينطبق على التسعة، وعلى كل عدد بينهما، "أي: أن مدلولها العددي يصدق على: "1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 و8 و9" من غير تعيين ولا حصر في عدد من هذه الأعداد التسعة دون خبره. ب- لفظها مذكر دائما؛ فلا تلحقه تاء التأنيث مطلقا. ج- لا بد -في الأشهر- أن تكون صيغتها مسبوقة دائما بعقد من العقود العددية: "10، 20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90" ولا بد من عطف كلمة: "النيف" على العقد؛ فيقال: عشرة ونيف، عشرون ونيف، ثلاثون ونيف، ... وهكذا، ولا يصح ذكر كلمة "نيف" إلا على أساس أن مدلولها سيزاد على عقد عددي.

أما ضبط "الشين" من "عشرة" التي من هذا القسم المفرد1 ففيه لغات أشهرها: أن العشرة إذا كانت دالة على معدود مذكر2 فـ"الشين" مفتوحة، وإن كانت دالة على معدود مؤنث فهي ساكنة، وقليل من العرب يكسرها في هذه الصورة. 2- والعدد المركب، هو: ما تركب تركيبا مزجيا3 من عددين لا فاصل بينهما، يؤديان معا -بعد تركيبها وامتزاجهما- معنى واحدا جديدا لم يكن لواحدة منهما قبل هذا التركيب. والأولى تسمى: صدر المركب، والثانية تسمى: عجزه4 وينحصر هذا القسم في الأعداد: أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما "أي: 11، 12 5، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19" وما بعدها يلحق بهما6 ... وحكمه: بناء آخر الكلمتين معا على الفتح7 في الأفصح، مهما كانت

_ 1 سيجيء ضبط "الشين" في الأعداد المركبة -ص511. 2 مع ملاحظة ما يأتي في ص537 وهو أن لفظ العدد يصح تذكيره وتأنيثه إذا تقدم عليه المعدود أو حذف. 3 سبق الكلام على كل ما يختص بالمركب المزجي وأنواعه في الجزء الأول: "م23 ص270، و279 وما بعدهما في أقسام العلم"، وفي الجزء الرابع "ص227 باب الممنوع من الصرف". 4 سيجيء أيضا -في رقم 1 من هامش ص523- أن صدر العدد المركب يسمى: "النيف" ومعناه هنا: العدد المحصور بين عقدين؛ فيشمل الواحد والتسعة وما بينهما مما ينحصر موضعه بين العقدين. وكذا ما ألحق بالمفرد من كلمة "بضع وبضعة". وهو غير كلمة "النيف" المراد منها نصها اللفظي الحرفي؛ طبقا لما سبق في رقم 3 من هامش ص518- فلكلمة "النيف" مدلولان مختلفان كما أن عجز المركب يسمى: عقدا، ومن العقود كلمة: "عشرة". وسيجيء الباقي "انظر رقم 3 من هامش ص522". 5 للعدد 12 حكم خاص في إعرابه يخالف حكم الأعداد المركبة، وسيجيء في الصفحة التالية. 6 ويلحق به "بضع وبضعة" طبقا للبيان الذي في رقم 4 من هامش ص518. 7 مما يجب التنبيه له أن المركب المزجي العدد لا بد أن يكون مفتوح الجزأين -في الأشهر- وقد يكون معربا مضافا على الوجه المبين في ص522 و"هـ" ص535، أما غير العددي فقد يكون مفتوحهما أو لا يكون، على حسب نوعه المبين في موضعه المشار إليه "في الحالة الثانية ص535". ومن المركب المزجي العددي: "إحدى عشرة" للمعدود المؤنث، والكلمتان مبنيتان على فتح الجزأين -أيضا- في آخرهما. إلا أن الفتح مقدر على آخر الأولى -كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص547 و551. هذا، وأصل المركب العددي كلمتان بينهما واو العطف؛ أي: أحد وعشر، اثنا وعشر، ثلاثة وعشر ... وهكذا. ثم حذفت الواو وركبت الكلمتان -لإبعاد معنى العطف- تركيبا مزجيا، ليؤديا معا معنى واحد جديدا لم تنفرد به واحدة. ويصح إرجاع هذه الواو في بعض الاستعمالات؛ ومنها ما هو مدون في ص567.

حاجة الجملة إلى مرفوع، أو منصوب، أو مجرور؛ ولذا يقال في إعرابها: إنهما مبنيتان معا على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. ويستثنى من هذا الحكم حالتان: الأولى: أن يكون العدد المركب هو "اثنا عشر، واثنتا عشرة"؛ فإن صدرهما وحده يعرب إعراب المثنى، وعجزهما هو اسم بدل نون المثنى؛ مبني على الفتح لا محل له. ومن الأمثلة: المتسابقون أحد عشر سباحا إني رأيت عشر كوكبا أثنيت على أحد عشر محسنا. "فأحد عشر" في المثال الأول مبني على فتح الجزأين معا في محل نصب مفعول به، وفي الثالث مبني على فتح الجزأين في محل جر بعلى، وهكذا. ولو وضعنا عددا مركبا آخر مكان: "أحد عشر" لم يتغير الإعراب. ما عدا "اثني عشر"، و"اثنتي عشرة"، فلهما حكم خاص بهما في الإعراب -كما قلنا- إذ تعرب: "اثنا واثنتا" إعراب المثنى، وتعرب كلمة: "عشر وعشرة" اسم مبني على الفتح، بدل نون المثنى لا محل له: ففي مثل. السنة اثنا عشر شهرا، واليوم اثنتا عشرة ساعة نقول: "اثنا واثنتا" خبر مرفوع بالألف فيهما. وكلمة: "عشر وعشرة" بدل النون التي تكون في المثنى الأصلي، مبنيتان على الفتح لا محل هما. وفي مثل قضيت اثني عشر شهرا واثنتي عشرة ساعة في رحلة علمية نقول: "اثني واثنتي"، مفعول به، منصوب بالياء. "عشر، وعشرة" مبنيتان على الفتح لا محل لهما؛ لأنهما بدل النون التي تكون في المثنى الأصلي ... وفي مثل: انتفعت باثني عشر كتابا، واستمعت إلى اثنتي عشرة محاضرة.. فعرب: "اثني واثنتي" مجرورة، وعلامة جرها الياء، و"عشر وعشرة" بدل النون. مبنيتان على الفتح، ولا محل لهما.

وتضبط "الشين" في كلمة: "عشرة" المركبة كضبطها في المفردة1: فتفتح -في أشهر اللغات- إن كان المعدود مذكرا، وتسكن إن كان مؤنثا. فضبط "الشين" لا يختلف في إفراده ولا تركيب، إن اقتصرنا على الأشهر بين لغات متعددة. الثانية: أن يكون العدد المركب غير اثني واثنتي -مضافا- فيصح بناؤه على فتح الجزأين مع إضافته، كما يصح إعراب عجزه على حسب حاجة الجملة مع ترك صدره مفتوحا في كل الحالات؛ فكأن الجزأين في هذه الصورة كلمة واحدة، يجري الإعراب على آخرها في كل الأحوال، دون أن تتغير الفتحة التي في شطرها الأول -وسيجيء هذا موضحا بعد2. 3- العدد العقد3: ينحصر اصطلاحا في الألفاظ: عشرين، ثلاثين،

_ 1 سبق ضبطها في المفردة -ص502. 2 في: "هـ" من ص534. 3 ويسميه بعض النحاة بالعدد المفرد؛ أي: الخالي من الإضافة والتركيب. ولكن تسميته بالعقد أفضل -كما سبق في رقم 2 من هامش ص518- والأصل اللغوي العام الحسابي هو: العدد يكون على رأس تسعة أعداد قبله من نوع واحد؛ "مفردة أو غير مفردة"، أي: العدد الذي يكمل به ما قبله عشرة متماثلة النوع. فيصدق على 10، 20، 30 و ... كما يصدق على 100، 200، 300، 400، 1000، 2000،.... وهكذا من كل ما يتمم عشرة، غير أن المقصود بالعقد هنا معنى اصطلاحي، يقتصر على أعداد محصورة لها حكم خاص بها؛ وهي تلك العقود التي تبدأ بعشرة وتنتهي بتسعين، "أي: 10، 20، 30، 40، 50، 60، 70، 80. 90". ولكن العقد "عشرة" لا يشترك مع البواقي في حكمها النحوي. ولهذا لا يعد فيها من هذه الناحية، ولا يذكر معها، برغم تسميته عقدا، وكل واحد من البواقي يدخل في هذا النوع المسمى نحويا: "باسم الجمع". ولكنه يعرب إعراب جمع المذكر السالم، ويلحق به في ناحية الإعراب، دون أن يكون جمع مذكر سالم حقيقي. وإنما كانت هذه العقود "أسماء جمع" وليست جمع مذكر سالم حقيقي لأنها تدل على ما يدل عليه هذا الجمع، ولكن ليس لكل منهما مفرد من لفظه. لا يصح أن يقال إن لكل منها مفردا من لفظه؛ فمفرد عشرين هو عشر، ومفرد ثلاثين هو ثلاثة ... لا يصح أن يقال هذا لما يترتب عليه من فساد تام، أوضحنا بعض نواحيه "في ج1 م11 ص135 عند الكلام على الملحق بجمع المذكر السالم" ملخصه؛ أنه لا يقال ذلك لئلا يلزم عليه صحة إطلاق عشرين على ثلاثين، وإطلاق ثلاثين على تسعة ... وهكذا؛ ذلك لأن أقل الجمع النحوي، لا اللوي، ثلاثة من مفرده. فلو كان مفرد العشرين هو: عشر، لكانت عشرون صادقة على "3 × 10" أي ثلاث عشرات على الأقل ... ، ومجموعها يساوي ثلاثين. ولو كان مفرد الثلاثين هو ثلاث لكانت الثلاثون صادقة على "3 × 3" أي: على 9. وهكذا. مما هو ظاهر الفساد.

أربعين، خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، تسعين. وحكم هذه العقود أنها تعرب إعراب جمع المذكر السالم في جميع أحوالها؛ لأنها ملحقة به؛ إذ هي اسم جمع مذكر، وليس جمع مذكر حقيقيا. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ، وقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} ... وهكذا.. فحيثما توجد كلمة من ألفاظ العقود فإنه يتحتم إعرابها إعراب جمع المذكر، مهما اختلف موقعها الإعرابي. 4- العدد المعطوف: وينحصر بين عقدين من العقود الاصطلاحية السالفة؛ كالأعداد المحصورة بني عشرين وثلاثين، أو: بين ثلاثين وأربعين، أو: بين أربعين وخمسين، وهكذا ... وكل عدد محصور بين عقدين على الوجه السالف لا بد أن يشتمل على معطوف، ومعطوف عليه، وأداة عطف "هي: الواو"، ومنه: واحد وعشرون، اثنان وعشرون، ثلاثة وعشرون ... أربعة وثلاثون ... ، خمسة وأربعون ... ستة وخمسون ... سبعة وستون ... ثمانية وسبعون ... ومن هذه الأمثلة يتبين أن المعطوف لا بد أن يكون من نوع العقود، وأن المعطوف عليه ويسمى النيف1 لا بد أن يكون من نوع المفرد "أي: المضاف"2، أو ما ألحق به من كلمة بضع وبضعة وأن أداة العطف هي الواو3، دون غيرها. وحكم هذا القسم أن المعطوف عليه، "وهو المفرد، المسمى: بالنيف" لا بد أن يتقدم دائما، وأن يعرب على حسب حاجة الجملة مع خضوعه لحكم إعراب نوعه المفرد الذي سبق في القسم الأول "فيعرب فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، أو خبرا، أو غير هذا على حسب السياق، ويكون إعرابه بحركات ظاهرة على آخره إلا ما كان منه دالا على تثنية؛ فيعرب إعراب المثنى" وأن المعطوف -ويكون بالواو خاصة-

_ 1 النيف هنا هو: العدد الذي بين عقدين -كما في رقم "4" من هامش ص520- وهذا غير المراد من لفظه "النيف" بصيغتها التي سبق الكلام عليها في هامش تلك الصفحة. 2 انظر رقم 2 من هامش ص525. 3 كما في 3 من ص549.

يتبعه في الإعراب، ولكن بالحروف التي يعرب بها جمع المذكر السالم. ففي مثل: الحاضرون واحد وعشرون ... تعرب كلمة "واحد" خبرا مرفوعا، والواو حرف عطف "عشرون" معطوف على: "واحد" مرفوعة بالواو. ونقول: كان الحاضرون واحدا وعشرين ... وأنست بواحد وعشرين ... وهكذا سائر الأعداد المعطوفة. إلا إن كان المعطوف عليه هو، "اثنان واثنتان"؛ فيعربان كالمثنى؛ نحو: الحاضرون اثنان وعشرون رجلا، كان الحاضرون اثنين وعشرين رجلا، أنست باثنين وعشرين رجلا، ومثل: كانت الحاضرات اثنتين وعشرين؛ فاثنان واثنتان، إما مرفوعة بالألف، وإما منصوبة أو مجرورة بالياء.. في جميع حالات الأعداد المعطوفة.

المسألة 164: تمييز العدد

المسألة 164: تمييز العدد 1 العدد لفظ مبهم، أي: لا يوضح بنفسه المراد منه، ولا يعين نوع مدلوله ومعدوده؛ فمن يسمع كلمة: ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة ... أو غيرها من ألفاظ العدد لا يمكن أن يدرك النوع المقصود من هذا العدد، ولا أن يميزه من بين الأنواع الكثيرة المحتملة؛ أهو ثلاثة كتب، أم أفلام، أم أيامن أم دراهم، أم دنانير، أم غيرها من مئات الأشياء الأخرى ... ، فلو قلنا: ثلاثة كتب، أو أربعة أيام، أو خمسة شهور ... أو ... ، لزال الإبهام وانكشف الغموض عن مدلول العدد، وصار المراد واضحا؛ بفضل الكلمة التي جاءت؛ فبينت نوعه، وميزته من غيره، أي: أنها عينت المعدود بعد أن كان مبهما مجهولا؛ ولذا يسميها النحاة: "تمييز العدد" -سواء أكانت منصوبة أم مجرورة، على التفصيل الذي سنعرفه- وهذا معنى قولهم: العدد مبهم يزيل إبهامه التمييز، "أي: المعدود". ولهذا التمييز أحكام؛ تختلف باختلاف أقسام العدد: أ- فالأعداد المفردة2 التي عرفناها ثلاثة أنواع: نوع لا يستعمل -في الأغلب- مع تمييز له وهو واحد، واثنان؛ فلا يقال: جاء واحد ضيف، ولا أقبل اثنا ضيفين؛ ولا نحو هذا؛ لأن ذكر التمييز "ضيف ... ضيفين ... " مباشرة يغني عن ذكر العدد قبله، إذ يبين النوع مع الدلالة على الوحدة، أو على الزوجية المحددة باثنين؛ فلا حاجة إلى العدد

_ 1 "ملاحظة": إذا ورد في النحو كلمة: "تمييز" من غير قيد كان المراد -في الأغلب- التمييز المنصوب مطلقا -للعدد أو لغير العدد- أما التمييز غير المنصوب كالذي هنا في باب العدد فلا يذكر -في الأغلب- إلا مقيدا بالجر، فيقال تمييز مجرور. 2 وهي التي قد تسمى: "مضافة" على اعتبار أن أكثرها مضاف؛ وهو ثلاثة وعشرة وما بينهما، وما ألحق بها مثل كلمتي: مائة وألف، وبضع وبضعة؛ طبقا للبيان السابق عنهما في رقم 4 من هامش ص518 دون العددين: 1 و2 مما سبقت له الإشارة في رقم 2 من هامش ص518، والتسمية غير دقيقة.

قبله، ولا فائدة منه. وقد يضاف هذا النوع لغرض آخر سنعرفه1. ونوع يحتاج إلى تمييز مفرد مجرور بالإضافة؛ وهو لفظ: مئة، وألف، ومثناهما، وجمعهما. "فالمراد هو: جنس المائة والألف"2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} -يبلغ ارتفاع هرم الجيزة الأكبر نحو مائتي ذراع-3 وكقولهم عند رؤية أشباح بعيدة: هذه مئو رجل، أو مئات رجل وقوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} حراس المدينة ألفا حارس، وجيشها تسعة آلاف جندي. ولا يصح الفصل بين هذا النوع وتمييزه في حالة الاختيار. ونوع يحتاج إلى تمييز مجرور بالإضافة، متصل به -أيضا- ويكون في الأغلب جمع تكسير للقلة4، وهذا النوع هو: "ثلاثة، وعشرة، وما بينهما، وكذا كلمة: بضع وبضعة الملحقتين به" -طبقات لما تقدم5 عنهما- نحو: الصيف ثلاثة أشهر، فضيت خمسة أيام في الريف، وقوله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} 6، 7 ... و ... فالأصل في تمييز هذا النوع من العدد المفرد أن يستوفي أربعة أمور مجتمعة؛ هي: أن يكون جمعا، للتكسير، مفيدا للقلة، مجرورا بالإضافة المباشرة "أي: الخالية من الفصل"، وكل واحد من هذه الأربعة يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل: 1- فأما كون التمييز جمعا فهو الأعم الأغلب، ليتطابق المعدود والعدد في

_ 1 في "أ" من ص532. وانظر ص552. 2 انظر ما يتصل بها في "ب" ص533". 3 أي: نحو "136 مترا" بعد النقص الذي أصاب قمته. ويقدر، بنحو: سبعة أمتار. 4 جمع التكسير -كما سيأتي في ص627- نوعان: جمع تكسير للقلة، وهو ما كان دالا على أفراد لا تقل عن ثلاثة، ولا تزيد على عشرة. وله أوزان خاصة، منها: "أفعلة، وأفعال، وفعلة وأفعل". نحو: أجهزة، وأنهار، وصبية، وأعين. وجمع تكسير للكثرة ويدل على عدد لا يقل عن ثلاثة، وقد يزيد على العشرة، بالإيضاح الذي سيجيء في بابه -ص625 م172- وأوزانه كثيرة ... 5 في رقم 4 من هامش ص518. 6 صرصر: شديدة الصوت، أو شديدة البرد. 7 حسومًا: متتابعة.

الدلالة على التعدد الكثير، ويجب -في الأغلب- إضافة العدد إلى مفرد إن كان التمييز هو لفظ: "مائة"1، نحو: ثلاثمائة رجل -أربعمائة كتاب- خمسمئة قلم ... ، أو كان العدد مضافا إلى مستحقه ملكا أو انتسابا على حالة من الحالات؛ فتكون الإضافة لبيان أن العدد مملوك للمضاف إليه، أو منسوب إليه بوجه من وجوه التملك أو النسبة التي تستفاد من الإضافة2؛ نحو: هذه خمسة محمود، وتلك سبعة علي.. فقد تعرف المضاف هنا بالمضاف إليه، وتميز به؛ فلا يحتاج إلى تمييز، ولهذا لا يعتبر المضاف هنا إليه المذكور تمييزا؛ لأن العدد استغنى عن التمييز، واحتاج لمضاف إليه يحقق غرضا آخر. وقد يغني عن الجمع ما يدل على الجمعية، ولو لم يسم جمعا في اصطلاح النحاة؛ وإنما يسمونه: "اسم جمع"؛ كقوم، ورهط3، وغيرهما من أسماء الجموع؛ وكنحل وبقر، وغيرهما مما يسمونه: "اسم الجنس الجمعي". والغالب في هذين النوعين أن يكونا مجرورين بالحرف "من" مع ظهوره في الكلام، نحو: ثلاثة من القوم فازوا، وأربعة من الرهط تقدموا، وخمس من النحل جمعت العسل، وستة من البقرة جلبت الغنى لصاحبها، أما جرهما بالإضافة فالأحسن -مع صحة القياس- الاقتصار فيه على المسموع، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} . وقوله عليه السلام: "ليس فيما دون خمس ذود4 صدقة" 5. 2- وأما كونه للتكسير فهو الأكثر ورودا في الكلام الفصيح، ويجوز أن يكون جمعا للتصحيح6 مناسبا، إذا لم يكن للكلمة جمع مستعمل للتكسير؛ نحو: خمس صلوات، وسبع سنين، أو كان لها جمع تكسير مستعمل ولكن يعدل عنه إلى التصحيح لمجاورته ما أهمل تكسيره في الكلام؛ نحو: سبع سنبلات؛

_ 1 انظر ما يختص بطريقة كتابة "مائة" في رقم 3 من هامش ص518. 2 كما سيجيء في الزيادة ص532 وص552. 3 عدد من الرجال -خاصة- لا يزيد على عشرة في الغالب، وهو اسم جمع "واسم الجمع: لا واحد له من لفظه، مع دلالته على معنى الجمع". 4 الذود: مؤنث، وهو عدد من الإبل لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. ولفظه اسم جمع، لا يجيء منه واحد -كما سبق في3. 5 انظر "ج" من ص542. 6 هو جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم.

فإنه مجاور في الآية الكريمة سبع بقرات، في قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} 1، فقال لمراعاة التنسيق: "سبع سنبلات"، بدل "سنابل"؛ لمناسبة: "بقرات" التي ترك جمع تكسيرها في الآية. أو يكون لها جمع تكسير ولكنه قليل الاستعمال، نحو: ثلاث سعادات2، فهو أحسن، من ثلاث سعائد2. ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يقع جمع التصحيح المشتق تمييزا للعدد في مثل: هنا ثلاثة صالحين، وأربعة زاهدين؛ بالإضافة. والأحسن عدم الإضافة، وإعراب هذا الجمع نعتا، ويجوز نصبه على الحال إن كان نكرة؛ بشرط إدخال التغيير اللازم على الجملة؛ لصحة كل إعراب؛ وبذا يسلم من الضعف. ومع أن مدلول جمع التكسير الذي للقلة هو مدلول جمعي التصحيح عند سيبويه3 نجد كثرة النحاة لا ترتضي التمييز بجمعي التصحيح. 3- وأما أنه للقلة فمراعاة للمأثور الأفصح الذي يدل على أن الكلمة التي لها جمعان جمع كثرة وجمع قلة يكون تمييز العدد بجمع قلتها هو الأعم الأغلب، فإن لم يوجد لها إلا جمع كثرة صح التمييز به بغير ضعف. 4- وأما جره بالإضافة فهو الأعم الأكثر أيضا، ويحدث تخفيفا في العدد بحذف التنوين منه؛ لإضافته. ولا يصح الفصل بينه وبين العدد إلا بما يصح الفص لبه بين المتضايفين4. وإنما يجب جر التمييز بشرط تأخره وإعرابه تمييزا. فلو تقدم التمييز على العدد لوجب إعراب التمييز على حسب حاجة الجملة، وإعراب العدد نعتا مؤولا له5،

_ 1 عجاف: نحيفات، هزيلات. "المفرد: أعجف، وعجفاء، يقال ثور أعجف، وثيران عجاف، وبقرة عجفاء، وبقرات عجاف". 2 و2 جمع سعاد، علم لمؤنثة. 3 في ص627 و631 ما يوضح الحكم ويفصله. 4 سبق بيانه في آخر باب الإضافة "ج3". 5 يؤول النعت هنا لجمود. ويجوز إعرابه بدلا أو عطف بيان إن كان المعنى عليهما. دون النعت "كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص546". هذا، وقد سبق في باب: "النعت" "ج3 م114 عند الكلام على تقسيم النعت باعتبار لفظه" بيان الألفاظ الجامدة التي يصح وقوعها نعتا، ومنها: "لفظ العدد" وتفصيل الكلام عليه.

ففي مثل: عندي ثلاثة كتب؛ -بجر "كتب"، بالإضافة- نقول: عندي كتب ثلاثة يرفعها. ولو تأخر وأريد لداع معنوي إعرابه عطف بيان إن كان جامدا -كالأغلب في عطف البيان- أو نعتا مؤولا بالمشتق أيضا، لوجب أن يكون تابعا في إعرابه للعدد؛ نحو: عند ثلاثة أثواب، فأثواب: عطف بيان، أو نعت مؤول بمعنى: مسماة بأثواب. هذا، ويصح في الأعداد المفردة "3 و10 وما بينهما"؛ أن تضاف إلى ضمير المعدود، ولا تحتاج لغيره، نحو: مررت بالأصدقاء ثلاثتهم ... أو: خمستهم ... أو: سبعتهم ... بنصب العدد على الحال المؤولة؛ أي: مثلنا إياهم، أو: مخمسا، أو: مسبعا ... وهكذا. ويجوز إتباع العدد لما قبله؛ فلا يعرب حالا، وإنما يعرب توكيدا معنويا؛ بمعنى: جميعهم، مع ضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد1. والصحيح أن هذا ليس مقصورا على الأعداد المفردة؛ بل يسري على المركبة أيضا -كما سيجيء- نحو: جاء القوم خمسة عشر هم، بالبناء على فتح الجزأين في محل رفع هنا أو في محل غير الرفع في تركيب آخر، على حسب المؤكد. وجدير بالملاحظة أن العامل في التمييز المجرور بالإضافة هو العدد المبهم "أي: المضاف" الذي جاء التمييز لإيضاحه وإزالة إبهامه، ولا بد من تقديم هذا العامل على تمييز المجرور. ب- وباقي أقسام العدد "وهو: المركب، والعقود الاصطلاحية، والمعطوف، وكذا ما ألحق بالمركب والمعطوف عليه من كلمتي: بضع وبضعة"2 يحتاج إلى تمييز3 مفرد، منصوب غير مفصول من العدد بفاصل، نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ، {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} 3، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى

_ 1 سبقت الإشارة لهذا الحكم في ج2 باب: الحال م84 ص297 وفي ج3 باب التوكيد م116 ص413. 2 طبقا للبيان الذي سبق في رقم 4 من هامش ص518. 3 و3 وقد يستغنى عن التمييز مطلقا لداع بلاغي -كما هنا، وكما سيجيء في ص532 و552.

إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} ، قال أحد الشعراء: هاجني منظر شائق؛ فلم أغادر مكاني حتى فاض خاطري بخمسة وأربعين بيتا في وصفه، لم أقض فيها أكثر من ضحوة. وأزعجني نعي صديق لي، فانهمر لساني برثائه، وأنشأت قصيدة بلغت اثنين وخمسين بيتا لم أقطع فيها أكثر من بضع ساعات، ثم أكملتها بعد ذلك تسعة وسبعين بيتا ... ولا بد في جميع حالات التمييز المنصوب أن يتأخر عن عامله الفعل أو ما يشبهه. وقد أشرنا -قريبا- إلى أنه يجوز في العدد المركب ما جاز في العدد المفرد من الإضافة لضمير المعدود ... بالتفصيل السالف. "ملاحظ" إذا نعت تمييز العدد المركب، أو تمييز العقد، أو تمييز المعطوف، جاز في هذا النعت أن يكون مفردا؛ مراعاة للفظ المنعوت "وهو التمييز" وجاز أن يكون جمعا؛ مراعاة لمعناه الذي يراد به اسم العدد، نحو: هنا أربعة عشر خبيرا عالما، أو علماء -وعشرون طالبا ذكيا، أو أذكياء- وخمس وعشرون كاتبا ماهرا، أو مهرة ... ، وهكذا1. ومراعاة اللفظ أكثر. ومثل النعت غيره من بقية

_ 1 في هذا الحكم تفصيل يشوبه غموض تنطوي عليه المراجع المتداولة، ونكتفي هنا ببعضها: أ- من أمثلته ما جاء في الأشموني، ونصه: "يجوز في نعت هذا التمييز منهما وهنا يقول الصبان: "أي: من المركب وعشرين وبابه. وقضيته: أن تمييز غيرهما لا يجوز في نعته مراعاة المعنى" ... مراعاة اللفظ؛ نحو: عندي أحد عشر درهما ظاهريا، وعشرون دينارا ناريا، ومراعاة المعنى؛ فتقول: ظاهرية وناصرية، ومنه: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغرب الأسحم ....................... ا. هـ. ... .............................. ففي الحكم السابق تقييد للمنعوت بأنه تمييز للعدد المركب، وعشرين وبابه.. وليس فيه تقييد الجمع بأنه للتكسير أو للمذكر السالم. ب- في حين يقول الرضي "ج2 ص125" إذا وصفت المميز جاز لك في الوصف اعتبار اللفظ والمعنى؛ نحو: ثلاثون رجلا ظريفا وظرفاء، ومائة رجل طويل وطال. وقول الشاعر: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم فأمثلته التي عرضها اشتملت على نوع من الأعداد ليس بالمركب ولا العشرين وبابه؛ فقد اشتملت على مائة، نعم لم يصرح بنوع الجمع ولكن المثال اقتصر على جمع التكسير. ج- ويقول الهمع "ج1 ص254 باب "التمييز" ما نصه: "إذا جيء بنعت مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز وعلى العدد؛ نحو: عندي عشرون رجلا صالحا، أو صالح، وعشرون رجلا كراما أو كرام. فإن كان جمع سلامة تعين الحمل على العدد؛ نحو: عشرون رجلا صالحون". ا. هـ. فبأي هذا الآراء نأخذ؟ لعل الأنسب الأخذ بما جاء في الهمع وفي كلام الرضي لأن رأيهما مردد في بعض المراجع الأخرى التي لم نذكرها. ولا مانع هنا من وصف الجمع الذي لا يعقل بالمفرد المؤنث.

التوابع1. فملخص الكلام على العدد من ناحية تمييزه هو -في الأغلب: "واحد واثنان: لا يحتاجان لتمييز"، "ثلاثة وعشرة وما بينهما، وكذا بضع وبضعة، تحتاج لجمع تكسير، للقلة، مجرور بالإضافة، وقد تضاف لضمير المعدود"، "جنس المائة والألف: يحتاج إلى مفرد مجرور"، "ما عدا ذلك؛ يجتاج لمفرد منصوب.."2.

_ 1 كما سيجيء في "ب" من ص533. 2 في تأنيث العدد المركب يقول ابن مالك: وأحد اذكر وصلنه بعشر ... مركبا، قاصد معدود ذكر-4 وقل لدى التأنيث إحدى عشره ... والشين فيها عن تميم كسره-5 يريد: أن "عشرة" إذا ركبت مع "إحدى" وجب مطابقة "العشرة" لها في التأنيث، وأن "عشرة" المؤنثة، تسكن "شينها" في أشهر اللغات، وتميم تجيز الكسر أيضا. ثم أراد أن يبين عموم الحكم الخاص "بعشرة" من ناحية تأنيثها مطابقة للمعدود، وأن هذا ليس مقصورا على "إحدى" فقال: ومع غير أحد وإحدى ... ما معهما فعلت، فافعل قصدا-6 "الفاء التي في صدر "افعل" زائدة". والتقدير: وافعل قصدا مع غير أحد وإحدى ما فعلت معهما، حيث أنثت عشرة مع "إحدى" المؤنثة، وذكرتها مع "أحد" المذكر..أي: راع المطابقة في التذكير والتأنيث مع غيرهما من الأعداد التي تركب مع العشرة كما راعيته مع: "أحد وإحدى" وزاد الأمر إيضاحا بالنص عليه مع ثلاثة وتسعة وما بينهما؛ فقال: ولثلاثة وتسعة وما ... بينهما إن ركبا ما قدما-7 وبالنص عليه أيضا في اثني واثنتي حيث يقول: وأول عشرة اثنتي، وعشرا ... اثني إذا أنثى تشا، أو ذكرا-8 يريد: أتبع المؤنثة "أي: اذكر بعدها" كلمة: "عشرة" المؤنثة. واذكر كلمة: "عشر" المذكرة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قد يضاف العدد "المفرد" إلى غير تمييزه المبين لنوع المعدود، ولحقيقته الذاتية؛ فيضاف إلى مستحق المعدود "ومن المفرد: واحد، ومؤنثه: واحدة وحادية، وإحدى ... ومنه: اثنان، ومؤنثه: ثنتان واثنتان، ومنه ثلاثة وعشرة وما بينهما. ويلحق به جنس المائة والألف ... " لعدم الحاجة إلى ذكر التميز استغناء عنه، وطلبا لمضاف إليه يحقق غرضا لا يحققه التمييز، هو الدلالة على أن العدد مملوك أو منتسب للمضاف إليه، أو مرتبط به بنوع من أنواع الصلة والارتباط التي تحدثها الإضافة الجديدة، والتي لا تبين نوعا، ولا ذاتا1، وإنما تبين استحقاق المضاف إليه للمضاف بوجه من وجوه الاستحقاق2 ومن الأمثلة: واحد قومه من لا يعول في الدنيا على أحد -واحدة قومها من رفعت شأن بلدها في مجال التربية والأمومة. وكأن يقال في كتابين لمحمد: هذان اثنان محمد. وفي فتاتين من القاهرة: هاتان اثنتا القاهرة، أو ثنتا القاهرة. وفي دراهم لمحمود وعلي: هذه سبعة

_ = بعد "اثني" المذكرة، ثم بين: أن "اثني واثنتي" يعربان إعراب المثنى عند تركيبهما كما كانا قبل التركيب؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء، وأما غيرهما فالجزءان المركبان مبنيان على الفتح في القول المألوف؛ أي: الشائع. يقول: و"اليا" لغير الرفع، وارفع بالألف ... والفتح في جزأي سواهما ألف -9 ثم انتقل إلى حكم تمييز العقود فقال: وميز العشرين للتسعينا ... بواحد كأربعين حينا-10 "الحين: الوقت" ثم إلى تمييز المركب مباشرة وأنه مثل تمييز العشرين. فقال: وميزوا مركبا بمثل ما ... ميز: "عشرون"؛ فسوينهما-11 1 سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 من ص526. 2 لأن من يقول: هذه "خمسة محمود" يكون عارفا "محمودا وخمسته" حتما: فلا تحتاج لتمييز وإذا قلت: "هذه عشروك" فقد خاطبت من يعرف العشرين المنسوبة إليه، ولا تقولها إلا لمن يعرف هذا، كما أنك لا تقول: "كتاب حامد" إلا لمن يعرفهما نوع معرفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محمود، وتسعة علي،.......... وخذ سبعتك، وحافظ على تسعتنا. أما بقية أقسام العدد فيستغنى عن التمييز نوعان منها؛ كما سيجيء في "هـ". ب- قلنا1: إن المراد بالمائة والألف هو جنسهما الشامل لمفردهما، ولمثناهما، ولجمعهما.. هذه الدلالة على الجمعية قد تكون بصيغة الجمع المباشر المتحقق في لفظهما؛ نحو: هذه مئو رجلا تقود أربعة آلاف جندي. وقد تكون "الجمعية" غير مباشرة؛ بأن تكون صيغة المائة: "مضافا إليه" يكتسب معنى الجمعية من "المضاف" بشرط أن يكون هذا المضاف ثلاثة، أو تسعة، أو عددا بينهما؛ نحو: قضى الرحالة ثلاثنمائة يوم في الصحراء، قطع فيها تسعمائة ميل. وقد تكون أيضا بوقوع والألف تمييزا منصوبا مضافا، والعدد هو: "أحد عشر" أو غيره من الأعداد المركبة، نحو: في المكتبة أحد عشر مائة كتاب، واثنتا عشرة ألف مخطوطة. ومن الجائز في هذين النوعين الأخيرين اعتبار المائة والألف مفردين؛ اعتمادا على أن لفظهما الصريح مفرد، مجرد من علامة تثنية أو جمع، وأن اعتبارهما غر مفردين راجع للعدد المركب المذكور قبلهما، وهو لفظ مستقل عنهما، ولكنه احتاج إليهما ليكونا تمييزين له؛ فاعتبار المائة والألف راجع لمراعاتهما مع اسم العدد. ولن يترتب على الاعتبارين خلاف يمس تمييزهما مباشرة. وإنما الخلاف في توابع تمييزهما، كالنعت مثلا؛ أيكون مفردا تبعا للفظ تمييزهما المنعوت، أم جمعا تبعا لمعناه؟ الأمران جائزان في كل التوابع. ولكن الأحسن والأكثر هو مراعاة اللفظ؛ بأن يكون تابع تمييزهما مطابقا له في إفراده. ويسري الحكم السالف أيضا على تمييز العقود والأعداد المعطوفة كما سبق2. ج- يصلح الألف تمييزا لكل أقسام العدد الأربعة: "المفرد، غير الواحد والاثنين، والمركب، والعقد، والمعطوف". أما المائة فلا تصلح تمييزا إلا للثلاث والتسعة وما بينهما، وإلا للأعداد المركبة، مثل: "ثلاثمائة ... خمسمائة ... "، "إحدى عشرة مائة ... خمس عشرة مائة..". ولا تكون تمييزا للعقود، ولا

_ 1 في "أ" من ص525. 2 في ص530، بعنوان: "ملاحظة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للأعداد المعطوفة. وغذا وقع لفظ "مائة" تمييزا للثلاثة أو التسعة أو ما بينهما فالأغلب الذي يقتصر عليه هو إفراده. د- من الشاذ تمييز المائة -وجنسها- بمفرد منصوب؛ كقول الشاعر: إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء ومن القليل تمييزها بجمع مجرور؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} على اعتبار "مائة" مضاف و"سنين" مضاف إليه. أما من ينون: "مائة" فإنه يجعل كلمة: "سنين" بدلا أو عطف بيان من "ثلاث" المضافة إلى مائة. لا تمييزا، لئلا يكون التمييز هنا شاذا من وجهين؛ هما: وقوعه جمعا، ونصبه. هـ- ما صح في الأعداد المفردة من استغنائها من التمييز أحيانا، كما تقدم البيان في: "أ"1 يصح في قسمين آخرين؛ هما: المركب "ما عدا اثني عشر، واثنتي عشرة"، والعقود، فيصح حذف التمييز حين لا يتعلق الغرض بذكره. ومن حالات الاستغناء عنه أن يضاف العدد إلى شيء يستحقه؛ بأن يكون العدد مملوكا للمضاف إليه، أو منتسبا له بصلة من الصلات المستفادة من الإضافة الدالة على الاستحقاق، لا على بيان نوع المعدود. كأن يكون لمحمود خمسة عشر درهما فنقول: هذه خمسة عشر محمود، وكأن يكون لغرف البيت عشرون مفتاحا؛ فنقول: هذه عشرو البيت ... 2. وإذ أضيف العدد المركب، "غير اثني عشر، واثنتي عشرة"، ففي إعرابه لغات3 ... أشهرها وأحقها بالاقتصار عليه لغتان4: الأول: أن يبقى على ما كان عليه من فتح الجزأين في جميع مواقعه الإعرابية،

_ 1 ص532. 2 ومن هذا قول الشاعر يهجو متغزلا: وما أنت؟ أم مارسوم الديار؟ ... وستوك قد قربت تكمل ستوك، أي: ستون سنة من عمرك، ثم انظر رقم 2 من هامش ص532. 3 أما إعراب العقود فكجمع المذكر السالم؛ فلا تتأثر عند إضافتهما إلا بحذف النون. 4 سبقت الإشارة لهما في ص521.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا مانع من اجتماع البناء والإضافة هنا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، حافظت على خمسة عشر محمد؛ بالبناء، على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالة الجملة. الثانية: ترك الجزء الأول مفتوحا في كل الحالات كما كان، وإجراء الحركات الإعرابية على الجزء الثاني؛ باعتبار الجزأين بمنزلة كلمة واحدة ذات شطرين، يجري الإعراب على الثاني منهما مع ترك الأول على حاله، دون أن تتغير الفتحة التي في آخره، فيكون الثاني معربا؛ مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، على حسب موقعه من الجملة؛ ولا يكون مبنيا؛ تقول: خمسة عشر محمد عندي، إن خمسة عشر محمد عندي، "و"خمسة عشر" هنا: اسم "إن"، منصوبة مباشرة، وليست مبنية على فتح الجزأين" -حافظت على خمسة عشر محمد. فخمسة عشر في الأمثلة الثلاثة غير مبنية؛ فهي بشطريها في الأول مبتدأ مرفوع مباشرة، وفي الثاني اسم "إن" منصوب مباشرة- وفي الثالث مجرور مباشرة. وما عدا هذين الرأيين ضعيف يحسن إهماله؛ ومنه: إضافة صدر المركب إلى عجزه المضاف إلى مستحق المعدود، نحو: هذه خمسة عشر محمد، وشاهدت خمسة عشر محمد، واحتفيت بخمسة عشر محمد ... ومنه إضافة صدر المركب إلى عجزه من غير إضافة العجز إلى شيء؛ نحو: هذه سبعة عشر1 ... و لا يجوز الفصل بين العدد وتمييزه في غير الضرورة الشعرية، كقول الشاعر القديم: على أنني بعد ما قد مشى ... ثلاثون -للهجر- حولا كميلا ... 2 يريد: ثلاثون حولا كميلا للهجر.

_ 1 وإلى بعض هذه الآراء يشير ابن مالك بقوله: وإن أضيف عدد مركب ... يبق البنا. وعجز "قد يعرب"-12 2 كاملا. وفي الشطر الأول من البيت رواية أخرى، هي: وإني من بعد ما قد مضى ... ................................

المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه

المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه.. 1 عرفنا الأقسام الاصطلاحية للعدد؛ وأنها أربعة: "مفرد، مركب، عقد، معطوف". وفيما يلي الكلام على كل منها من ناحية التذكير والتأنيث. الأول: تذكير الأعداد المفردة وتأنيثها، ويتلخص في: 1- أن "الواحد والاثنين" يذكران ويؤنثان مباشرة بغير حاجة إلى معدود بعدهما، أي: أن صيغتها العددية تذكر أو تؤنث؛ طبقا لمدلولها، وللمقصود منها. دون أن يكون مع الصيغة معدود "تمييز"؛ إذ لا يصح ذكر تمييز لها -كما عرفنا-2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، وقوله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} . 2- وأن "مائة" و"ألفا" وجنسهما ثابتة الصيغة على حالتها اللفظية، تأنيثا في "مائة"، وتذكيرا في "ألف" مع أنهما يحتاجان إلى تمييز مفرد مجرور غالبا. وهذا التمييز قد يكون مذكرا أو مؤنثا على حسب الدواعي المعنوية؛ نحو: جاء مائة رجل، جاءت مئة فتاة، حضر ألف جندي، حضر ألفا طالبة. أي: أن صيغة لفظهما لا تخرج عما وضعت له في الأصل؛ فكلمة: "مئة" ملازمة للتأنيث اللفظي في كل استعمالاتها هي ومضاعفاتها، وكلمة "ألف" ملازمة للتذكير اللفظي دائما هي ومضاعفاتها، فمادتهما الهجائية ثابتة لا يدخل عليها تغيير من هذه الناحية، إلا عند إلحاق المئة بجمع3 المذكر السالم.

_ 1 المذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية موضح في: "ج" من ص553 وكذلك ما يذكر قبله كلمة: "شهر" وما لا يذكر. 2 في ص625. 3 عند إلحاق المائة بجمع المذكر السالم يقال فيها: "مئون ومئين".

3- وأن ثلاثة، وعشرة وما بينهما -وكذلك كلمة: بضع وبضعة-1 تلحقها تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مذكرا، وتتجرد من تاء التأنيث إن كان المعدود "التمييز" مؤنثا. فالعدد في هذا القسم مخالف للمعدود تذكيرا وتأنيثا. ويشترط لتحقق هذه المخالفة شرطان؛ أن يكون المعدود مذكورا في الكلام، وأن يكون متأخرا عن لفظ العدد، نحو: ثلاث عيون، أربعة قلوب، خمس أصابع، ستة رءوس، سبع رقاب، ثمانية2 جلود، تسع أقدام، عشرة ظهور.. فإن لم يتحقق الشرطان معا؛ بأن كان المعدود متقدما، أو كان غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في المعنى يتجه الغرض إليه، جاز في لفظ العدد التذكير

_ 1 وهي ملحقة بهما -طبقا لما سبق في رقم 4 من هامش ص518. 2 للعدد: "ثمان" المفرد حكم خاص بصيغته وإعرابه، حين يكون مؤنثا أو غير مؤنث. ويتلخص هذا الحكم فيما يأتي -طبقا للرأي المعول عليه: أ- إذا كان: "ثمان" عددا مضافا ومذكرا -بسبب إضافته إلى تمييزه المؤنث- فالأفصح إثبات الياء في آخره في جميع حالاته، مع إعرابه إعراب المنقوص؛ فتقدر على يائه الضمة والكسرة، وتظهر الفتحة؛ نحو: "ثماني غوان ينشدن، وثماني فتيان يعزفن"، "سمعت ثماني غوان ينشدن، وثماني فتيات يعزفن" "طربت لثماني غوان ينشدن، وثماني فتيات يعزفن". فكلمة: "ثماني ... " في المثال الأول مرفوعة بضمة مقدرة على الياء، وفي الثاني منصوبة بالفتحة الظاهرة، وفي الثالث مجرورة بكسرة مقدرة. فإن كان العدد: "ثمان" مؤنثا -بسبب إضافته إلى تمييزه المذكر- لزمته "الياء" وبعدها: "التاء" الدالة على التأنيث، وأعرب إعراب الأسماء الصححية، نحو: فرقة الإنشاد ثمانية رجال، شاهدت ثمانية رجال، شاهدت ثمانية رجال، أصيغت إلى ثمانية رجال. ب- إذا كان: "ثمان" عدد مفردا، غير مضاف، والمعدود مذكر، لزمته الياء والتاء -أيضا- وأعرب إعراب الأسماء الصحيحة في كل أحواله، نحو: المسافرون من الرجال ثمانية، كان المسافرون من الرجال ثمانية، أنسب من الرجال بثمانية ... فإن كان المعدود مؤنثا فالأكثر إعرابه إعراب المنقوص؛ نحو: اشتهر من الشاعرات ثمان، اكتفيت من الشاعرات بثمان، عرفت من الشاعرات ثمانيا، أو ثماني. بالتنوين وعدمه، فالتنوين على اعتبار كلمة: "ثمانيا" اسما منقوصا، منصرفا. وعدم التنوين على اعتباره اسما ممنوعا من الصرف يشبه: "غوان" بالحركات الظاهرة على النون مباشرة عند حذف الياء؛ كقوله الشاعر: لها ثنايا أربع حسان ... وأربع، فثغرها ثمان يريد: ثنايا ثمان. "راجع الخضري والصبان في هذا الموضع". أما العدد ثمانية عند تركيبه مع العشرة فيجيء الكلام عليه في تأنيث الأعداد المركبة -رقم 3 من هامش ص547.

والتأنيث1؛ نحو: كتبت صحفا ثلاثا، أو ثلاثة، صافحت أربعة ... أو أربعا2 ... والحكم على المعدود الدال على الجمع3 بأنه دال على التأنيث أو التذكير لا يكون بالنظر إلى لفظه الدال على الجمعية وما يصاحبها من التذكير أو التأنيث وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده؛ لمعرفة حالة المفرد من ناحية التذكير والتأنيث، ومراعاة هذه الحالة وحدها، عند تأنيث العدد وتذكيره، دون التفات إلى لفظ المعدود من هذه الناحية4 ... وإذا ميز العدد المفرد بتمييزين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، روعي في تأنيث لفظ العدد وتذكيره السياق5 منهما؛ نحو: أقبل سبعة رجال وفتيات، وأقبل سبع فتيات ورجال6 ...

_ 1 مع مراعاة الحكم الخاص بالعدد "ثمان" وقد سبق في رقم 2 من هامش الصفحة الماضية. 2 انظر "د" و"هـ" ص545 و546، حيث البيان والتفصيل. 3 وما الذي يراعى إن كان المعدود اسم جمع، أو اسم جنس؟ الجواب في: "ج" من ص542. 4 كما سيجيء البيان والأمثلة في ص540 إلا عند الكسائي، وبعض البغداديين؛ فيجيزون الرجوع إلى المفرد، أو مراعاة الجملة بلفظه الذي هو عليه. ورأيهم مخالف للأعم الأغلب الذي يحسن الاكتفاء به اليوم؛ منعا للتشتيت والاضطراب. 5 مما يلاحظ أن هذا مخالف لنظيره في الأعداد المركبة، وسيأتي في ص548. 6 في تأنيث العدد المفرد وتذكيره يقول ابن مالك في باب مستقل عنوانه: -"العدد"- ولم يسلك فيه الترتيب الذي سلكناه، "كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص517 وأوضحنا الأمر": ثلاثة بالتاء قل للعشرة ... في عد ما آحاده مذكره-1 في الضد جرد......... ... ........................-2 "التقدير: قل ثلاثة بالتاء إلى العشرة. وآحاده: جمع أحمد، بمعنى: المفرد للجمع. "أي: واحد الجمع، ومفرده". يريد: أنث العدد، ثلاثة، وعشرة، وما بينهما إن كنت تعد جمعا مفرداته مذكرة. فالعبرة في معرفة التذكير والتأنيث في المعدود المجموع إنما تكون بالرجوع إلى مفرده، بغير نظر إلى لفظ المعدود المجموع من هذه الناحية. أما في الضد حيث يكون مفرد المعدود مؤنثا فيجب تذكير العدد. وتكملة البيت الثاني لا علاقة لها بهذه القاعدة، وإنما تتصل بحكم آخر، سيجيء". ثم انتقل بعد ذلك للكلام على تمييز العدد؛ فقال: =

والعرب في بعض استعمالاتهم يقدمون التأنيث على التذكير، فيغلبون المؤنث على المذكر في بعض حالات قليلة، يتصل منها بموضوع العدد قولهم -مثلا: رجعت من السفر لثلاث بين يوم وليلة "أي: لثلاث محصورة بين كونها أياما، وكونها ليالي". وضابط هذا النوع من الاستعمالات: أن يوجد عدد تمييزه مذكر ومؤنث، وكلاهما لا يعقل، وهما مفصولان من العدد بكلمة: "بين"؛ فهم يغلبون في المثال السابق -وأشباهه- الثأنيث على التذكير. ومن تلك الحالات؛ أن يكون المعدود المذكور متأخرا في الجملة، ومؤنثا تغليبا1؛ بأن يكون معه مذكر ليس له الأهمية والتغليب2؛ نحو: قابلت تسعا بين رجل وامرأة ... وهكذا، وقد سبق بيان لهذه المسألة عند الكلام على تعريف "التغليب" وتقسيمه، وحكمه3.

_ = "في الضد جرد". والمميز اجرر ... جمعا بلفظ. قلة في الأشهر-2 وهذا الحكم خاص بالعدد ثلاثة وعشرة وما بينهما، أما المائة والألف فقال فيه: ومائة والألف للفرد أضف ... ومائة بالجمع نزرا قد ردف-3 "نزرا= قليلا جدا. ردف= جاء بعده" يقول: أضف مائة والألف للمفرد، ليكون هذا المفرد المضاف إليهما هو التمييز. ثم قال: إن العدد "مائة قد يردفه "أي: يقع بعده" جمع؛ فيكون المضاف إليه جمعا، ووقوع الجمع تمييزا للمائة نزر لا يقاس عليه. 1 كأنه ليس معه مذكر. 2 كأنه غير موجود. 3 في ج1 م9 هامش ص119 عند الكلام على: "المثنى".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- قلنا1: إن الحكم على المعدود بالتذكير أو التأنيث لا يكون بمراعاة لفظه إذا كان جمعا، وإنما يكون بالرجوع إلى مفرده2، وملاحظة هذا المفرد وحده أهو؛ مذكر أم مؤنث حقيقي أم مجازي3 في الحالتين؛ فعلى المفرد وحده يكون الاعتماد في هذه الناحية، ولا عبرة بالمعدود المجموع2. تقول: سمعنا غناء ثلاث غوان، بحذف التاء من العدد "ثلاث"؛ لأن المعدود جمع، مفرده: "غانية" "وغانية" مؤنثة حقيقية. ومثلها: سهرنا سبع ليال؛ بحذف التاء من العدد: "سبع"؛ لأن المعدود جمع مفرده: ليلة، وهي مؤنثة مجازية. وتقول ثلاثة أدوية، بإثبات التاء في اسم العدد؛ لأن المعدود جمع، مفرده: دواء؛ وهذا مذكر. ولا عبرة بتأنيث جمعه المذكور. وتقول: خمسة غلمة؛ بإثبات التاء في اسم العدد، لأن المعدود -وإن كان جمعا للتكسير مؤنثا بالتاء- مفرده مذكر، وهو: غلام. ومثلها: خمسة فتية؛ بإثبات التاء في اسم العدد، بالرغم من أن معدوده جمع تكسير مؤنث بالتاء لأن مفرده مذكر؛ وهو فتى، والعبرة بالمفرد وحده -غالبا، كما سلف- ومثل هذا يقال: في أربعة سرادقات، وخمسة حيوانات، وستة حمامات ... بإثبات التاء في اسم العدد، مع أن المعدود جمع مؤنث سالم، ولكن مفرد هذا الجمع المعدود مذكر "هو: سرادق، حيوان، حمام ... " والمعول عليه عند الحكم بتأنيث العدد وتذكيره حين يكون المعدود جمعا إنما هو مفرد هذا الجمع وملاحظته دون ملاحظة صيغة الجمع وصورته اللفظية. ب- هذا المفرد الذي يجب الرجوع إليه عند الأكثرين لمعرفة حاله من التذكير أو التأنيث الحقيقيين أو المجازيين3؛ للتوصل منه إلى تأنيث اسم العدد،

_ 1 في ص538 و542. 2 و2 خالف في هذا الكسائي وبعض البغدادين، طبقا للبيان الذي في رقم 4 من هامش ص538. 3 و3 سبق الكلام مفصلا على أنواع المؤنث "وهي: الحقيقي، المجازي، المعنوي، اللفظي، التأويلي، الحكمي.." في ج2 ص66 م67 باب: الفاعل. وسيجيء هنا التكملة في باب: التأنيث، ص585.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تذكيره -هذا المفرد مختلف الصور؛ فقد يكون مؤنثا لفظا ومعنى معا؛ "وهو الذي يلد ويتناسل -ولو من طريق البيض، مع اشتمال لفظه على علامة تأنيث": مثل فاطمة، مية، عائشة، ليلى، سلمى، زرقاء "علم، ومنه: زرقاء اليمامة" حمرا "علم أيضا".. وغيرها من أعلام النساء المختومة بعلامة تأنيث ... وقد يكون مؤنثا معنى لا لفظا "وهو ما يلد ويتناسل، مع خلو لفظه من علامة تأنيث"، مثل: زينب، سعاد، هند ... وغيرها من أعلام النساء الخالية من علامة تأنيث. وقد يكون مؤنثا مجازيا. مثل: أرض و"بطن، بمعنى: قبيلة" وغيرهما من الأسماء الدالة على مؤنث غير حقيقي1. لا يعرف إلا من طريق السماع الوارد عن العرب؛ فلا ضابط لمعرفته إلا ذلك السماع. وقد يكون مؤنثا لفظا لا معنى، مثل: طلحة، عنترة، معاوية، حمزة، وغيرها من أعلام الذكور المشتملة على علامة تأنيث. فلفظها مؤنث، ومعناها مذكر ... وقد يكون مذكرا لفظا ومعنى؛ "كرجل، وعلي". وقد يكون صالحا للدلالة على المؤنث أو المذكر، مثل: شخص، نفس، حال ... فإذا كان المفرد مؤنثا تأنيثا حقيقيا1 "وهو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض" وجب مراعاة هذا التأنيث بتذكير اسم العدد، سواء أكان التأنيث الحقيقي لفظا ومعنى معا، أم معنى أم معنى فقط. "مثل: فاطمة، زينب". وإن كان المفرد مذكرا لفظا ومعنى وجب مراعاة هذا التذكير بتأنيث اسم العدد. وفي غير هاتين الحالتين يصح اعتبار المفرد مذكرا أو مؤنثا؛ كأن يكون مذكرا لفظا ومعناه مؤنث تأنيثا مجازيا، مثل "حرف" المراد به: كلمة. و"بطن": المراد به: "قبيلة"، و"كتاب" المراد به: ورقاته ... وكأن يكون مؤنثا لفظا ومعناه مذكر؛ مثل: طلحة، حمزة، معاوية، وكأن يكون لفظا يصلح للدلالة على المؤنث حينا والمذكر حينا آخر كالأمثلة السالفة "شخص،

_ 1 و1 المؤنث الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض. ولا بد أن يشتمل على علامة تأنيث ظاهرة أو مقدرة "كما سيجيء في ص585".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نفس، حال" وغيرها مما يصلح للأمرين1 ... بالرغم من أن هذه الصور يجوز فيها اعتبار المفرد مؤنثا أو مذكرا فالأحسن في المفرد إن كان علما مراعاة لفظه، وكذلك إن وجد في السياق ما يقوي جانب اللفظ. فنقول: ثلاث طلحات أو ثلاثة طلحات، والأول أحسن: مراعاة للفظ المفرد "طلحة" لأنه علم2. ونقول: ممن اشتهروا في صدر الإسلام بأعمال جليلة باقية على الزمان، سجلها التاريخ لهم: أربعة شخوص، عرفوا بالخلفاء الراشدين، ويصح أربع شخوص؛ ولكن التأنيث هنا أحس؛ لأن نسق الكلام جار على التذكير؛ ففيه: "اشتهروا، لهم، عرفوا، الراشدين"؛ وهذا الاتجاه يقوي في المفرد "وهو: شخص" ناحية التذكير، ويغلبها على ناحية التأنيث، فيستحسن تبعا لهذا تأنيث العدد. ح- ليس من اللازم أن يكون التمييز الخاص بالأعداد: "ثلاثة، وعشرة" وما بينهما، جمعا حقيقيا في كل الحالات، وإنما اللازم -كما سبق-3 أن يكون دالا على معنى الجمعية، فيشمل الجمع الحقيقي، كما يشمل اسم الجمع؛ كقوم، ورهط، وناس، وأناس، ونساء، وعشرون، وثلاثون، وباقي العقود ... وكذلك يشمل، اسم الجنس الجمعي4؛ كنحل، ونخل، وبط، وبقر، وكلم ... وقد عرفنا5 أن المعدود الجمع لا يراعى لفظه من ناحية التذكير والتأنيث، وإنما الذي يراعى هو مفرده فقط، فما الذي يراعى إن كان المعدود اسم جمع. أو اسم جنس جمعي؟

_ 1 انظر ص587 حيث الكلام على أنواع المؤنث. 2 المفهوم من حاشية ياسين على التصريح غير ذلك؛ فقد جاء بها ما نصه: "ج1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على شروط جمع المذكر السالم": لأي شيء امتنع نحو: طلحون" وقيل: "طلحات" فأعطى حكم المؤنث، اعتبارا بلفظه؛ وقيل في العدد ثلاثة طلحات. بإلحاق عدده حرف التاء، لإعطائه حكم المذكر؛ اعتبارا بمعناه. ا. هـ. لم يجب عن هذا، وأحال الجواب على حاشية أخرى. وسواء أكان الحكم هذا أم ذاك فالرأيان جائزان، صحيحان. وإنما الخلاف في الأحسن. 3 في ص538 و540. 4 سبق تفصيل الكلام عليه وعلى أقسام اسم الجنس في الجزء الأول "ص21 م2". 5 في ص538 و540.

يراعى لفظهما مباشرة، "أي: صيغتهما" وما هما عليه من تأنيث، أو تذكيرن أو صلاح للأمرين، ولا يراعى مفردهما إن وجد. ويعرف أمرهما من هذه الناحية بوسائل متعددة؛ لا بد أن تنتهي إلى استعمال العرب الفصحاء؛ منها: نوع الضمير العائد على كل منهما: أهو مذكر أم مؤنث؟ ومنها اسم الإشارة المستعمل مع كل؛ أو مما يستعمل مع المذكر أم مع المؤنث؟ ومنها النعت، وكذلك تأنيث الفعل ... فكل وسيلة من هذه -وأشباهها- صالحة للدلالة على تأنيث اسم الجمع واسم الجنس الجمعي أو تذكيرهما، أو صلاحيتهما للأمرين على حسب الوارد في الكلام الصحيح المأثور. فإذا أردن أن نتبين أمر اسم جمع: "مثل رهط ... " أهو مذكر أم مؤنث؛ نرجع إلى الكلام الفصيح؛ فنجد العرب يقولون -مثلا- الرهط أقبل، وهذا الرهط المقبل سيكون له شأن ... ولا يقولون على الحقيقة الخالية من التأويل والمجاز: الرهط أقبلت، ولا هذه الرهط المقبلة ... ويقولون: كان رهطنا الرواد أسرع الجنود إلى الفداء والتضحية. ولا يقولون: كانت. رهطنا الرائدات ... أي: أنهم يذكرون: "رهطا"، من أسماء الجموع. فيتبع هذا تأنيث العدد، فنقول: ثلاثة من الرهط1. وهم يؤنثون من أسماء الجمع: "رجلة" "بمعنى بضعة رجال لا تزيد على عشرة" فيقولون: أقبلت رجلة تكشف المجاهل ... ويتبع هذا تذكير العدد، فيقال: ثلاث من رجلة ... 2. وهم -في أغلب الفصيح- يذكرون من أسماء الأجناس الجمعية: "البنان" "والكلم"، فيقولون: بنان مخضب. ويقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، كما يقول: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ويترتب على هذا تأنيث اسم العدد؛ نحو: خمس من البنان المخضب، وسبع من الكلم الطيب ...

_ 1 مع مجيء حرف الجر؛ "من"؛ طبقا لما تقدم في حكم تمييز العدد الذي معدوده اسم جنس، أو اسم جمع.... ص527. 2 ملاحظة: ورد في بعض المراجع النحوية التمثيل بكلمة: "قوم" لاسم الجمع الواجب التذكير. وهذا خطأ، فقد تكرر تأنيثه في القرآن الكريم.

وهم -في الأغلب أيضا- يؤنثون ويذكرون من تلك الأجناس الجمعية: البط والنخل؛ فيقولون: البط سابح في الماء، والبط سابحة في الماء. ويقول الله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} 1، 2 كما يقول في وصف الريح التي أهلكت عادا {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 3. ويترتب على هذا صحة التذكير والتأنيث في اسم العدد؛ نحو: سبع أو سبعة من البط، وتسع، أو تسعة من النخل ... فشأن هذا شأن المعدود الذي يدل على المذكر وعلى المؤنث حيث يصح معه في اسم العدد مراعاة هذا أو ذاك ... 4.

_ 1 باسقات: عاليات. 2 نضيد: منسق. 3 مقطوع من أصله. وأعجاز النخل أصوله. والمراد هنا: النخل نفسه. 4 والأحسن في اسم الجنس الجمعي الأخذ بما ارتضيناه في الجزء الأول "ص21 ورقم 3 من هامشها م1" ونصه كما في الهامش: "هذا النوع الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء المربوطة إذا وصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة- جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار: "اللفظ" لأنه جنس، أو مع "التأنيث" على تأويل معنى الجماعة، نحو قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، وقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وإما جمع الصفة جمع تكسير أو جمع مؤنث سالم؛ نحو قوله تعالى: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} ، وقوله: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} ... ومثل الصفة الخبر، والإشارة إليه، والضمير العائد عليه -كما أسلفنا. "وفي كل ما سبق خلاف أشار إله "الصبان" في باب: "العدد"، وقد تخيرنا أقوى الأوجه. ويؤيد ما تخيرناه ما جاء في "المصباح المنير، مادة: النخل"، ونصه الحرفي: "النخل اسم جمع -كذا يقول- الواحدة: "نخلة". وكل جمع بينه وبين واحدة الهاء -يريد تاء التأنيث المربوطة- قال: ابن السكيت: فأهل الحجاز يؤنثون أكثره؛ فيقولون: هي التمر، وهي البر، وهي النخل، وهي البقر ... ، وأهل نجد وتميم يذكرون. فيقولون: نخل كريم، وكريمة، وكرائم. وفي التنزيل: "نخل منقعر" "نخل خاوية"، وأما النخيل بالياء فمؤنثة. قال أبو حاتم: لا اختلاف في ذلك". ا. هـ. كلام المصباح. "لكن يتضح من أمثلة النص أن أهل نجد وتميم لا يقتصرون على التذكير وإنما يؤنثون أيضا. ويلاحظ أنه جعل "النخل" اسم جمع، فكيف يتفق أنه اسم جمع مع قوله السابق إن "الواحدة نخلة"؟ فهل يريد اسم جنس جمعي؟ ومما يؤيد ما تخيرناه أولا ما جاء في كتاب: "بصائر ذوي التمييز" تأليف: الفيروز آبادي صاحب: "القاموس المحيط" في البصيرة 51 ص277 ونصه عند الكلام على كلمة: "بنيان": "البنيان: واحد لا جمع له. وقال بعضهم: جمع واحدته: "بنيانة" على حد: "نخل ونخلة". وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه". ا. هـ. "وهناك مواضع أخرى للاختلاف أشرنا إليها في الجزء الأول ص239 و289 و414" ... انتهى المنقول من الجزء الأول من النحو الوافي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويشترط لتطبيق الحكم السالف الخاص باسم الجنس الجمعي، واسم الجمع في صورهما المختلفة ألا يتوسط بين المعدود واسم العدد نعت يدل على التأنيث فقط، أو على التذكير فقط، فإن توسط هذا النعت وجب مراعاة المعنى الذي يقتضيه، ويدل عليه، فيذكر اسم العدد أو يؤنث تبعا له؛ نحو: في الماء خمس إناث1 من البط، وعلى مقربة منها خمسة ذكور1 من البط أيضا. ولو تأخر هذا النعت عن المعدود، أو توسط وكان لفظه مع توسطه مما يصلح نعتا للمذكر والمؤنث؛ -ككلمة: حسان؛ مثلا- لم يكن له أثر في تأنيث العدد، وتذكيره؛ فوجود النعت بصورتيه من هذه الناحية كلا وجود. فنقول: في الماء خمسة من البط إناث أو خمس من البط إناث. وخمس من البط ذكور، أو خمسة من البط ذكور. كما نقول خمسة حسان من البط، أو خمس حسان من البط؛ لأن لفظ: "حسان" المتوسط يصلح نعتا للمذكر وللمؤنث؛ فيقال: رجال حسان، ونساء حسان. د- يشترط لتطبيق الحكم العام المتعلق بتأنيث الأعداد المفردة السالفة "3، 10 وما بينهما" وتذكيرها أن يكون المعدود المفرد مذكورا ومتأخرا عن اسم العدد، -كما عرفنا-2 ولهاتين الحالتين صور؛ منها: أن يكون المعدود محذوفا مع ملاحظته في المعنى وتعلق الغرض به؛ فيصح في اسم العدد التذكير والتأنيث؛ نحو: "ثلاث من كن فيه فهو منافق أثيم؛ الخيانة، وخلف الوعد، والكذب"، فيصح في اسم العدد هنا: التذكير والتأنيث؛ فيقال: ثلاث، أو ثلاثة؛ إما على اعتبار أن المعدود المحذوف متقدم في الأصل على العدد،

_ 1 و1 إناث وذكور، نعتان، مؤولان بالمشتق؛ أي: مذكرة مؤنثة. 2 في ص537.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل: صفات ثلاث. أو صفات ثلاثة، ويعرب المعدود المحذوف على حسب حاجة الجملة، ويعرب اسم العدد بعده نعتا1 في الغالب حين يكون المحذوف مذكورا، فإذا حذف حل النعت محله في إعرابه؛ فصار مبتدأ، أو خبرا، أو غير ذلك مما كان يؤديه المعدود المحذوف ... وإما على اعتبار المعدود المحذوف متأخرا في الأصل على العدد، والأصل هو: ثلاث صفات؛ وهذا الاعتبار يقضي بتطبيق الحكم الخاص بتذكير العدد أو تأنيثه حين يكون المعدود مذكورا ومتأخرا عنه. فإن كان المعدود المحذوف غير ملاحظ في التقدير مطلقا، ولا يتعلق الغرض به بتاتا، وإنما المقصود هو ذكر اسم العدد المجرد فالأصح في هذه الصورة تأنيث العدد بالتاء على اعتباره علم جنس مؤنثا؛ ويمنع من الصرف ولا تدخل عليه "أل" المعرفة في الأرجح؛ نحو: ثلاثة نصف ستة، وأربعة نصف ثمانية ... فالعدد في المثالين -وأشباههما- علم جنس، مؤنث، ممنوع من الصرف، لا تلحقه -في الأرجح- "أل" المعرفة، كما قلنا، لأنها لا تدخل على المعارف. وقد تدخل عليه "أل" التي للمح الأصل؛ وهو: الوصفية العارضة، كما دخلت في كلمة: إلهة؛ علم للشمس، وكلمة: شعوب، علم للمنية، فقالوا فيهما الإلهة، والشعوب. هـ- إن2 كان المعدود صفة نائبة عن الموصوف "المحذوف" اعتبر حال الموصوف "المحذوف" لا حال الصفة، قال الله تعالى: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، مع أن المثل مذكر؛ إذ المراد بالأمثال: "الحسنات". أي: عشر حسنات أمثالها.

_ 1 سبق "في رقم 5 من هامش ص528" أنه لا مانع في هذه الحالة من إعرابه "بدلا أو عطف بيان" إن كان المعنى عليهما. ولا مانع هنا من عدم مطابقة النعت للمنعوت في التذكير والتأنيث؛ لأن هذه الصورة مما يجوز فيه المطابقة وعدمها، فيجوز فيها أن يكون المعدود المحذوف مذكرا واسم العدد مؤنثا، ويجوز العكس؛ كما يجوز المطابقة؛ وهي الأحسن عند إمكانها، لموافقتها القاعدة العامة في حكم النعت الحقيقي أما عدم المطابقة فمسايرة لمخالفة العدد للمعدود. وأشرنا في المراجع المذكور إلى م سبق في الجزء الثالث "باب: "النعت" م114 عند تقسيم النعت باعتبار لفظه" إلى الألفاظ الجامدة التي يصح وقوعها نعتا، ومنها: "لفظ العدد"، وتفصيل الكلام عليه. 2 ما يأتي منقول من رقم 1 من هامش ص149 ج2 من كتاب؛ المقتضب، للمبرد -باب نعم وبئس- ونقله محققه أيضا من شرح الكافية للرضي "ج2 ص139" ومن كتاب سيبويه "ج2 ص175.

الثاني: تأنيث الأعداد المركبة وتذكيرها سبق أن الأعداد المركبة1 تنحصر في: "أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما، وما يلحق بهما من كلمة: بضع وبضعة" وأنها سميت مركبة لتركبها من جزأين امتزجا واتصلا حتى صارا بمنزلة كلمة واحدة؛ تؤدي معنى جديدا لا يؤديه واحد منهما منفردا. والجزء الأول منهما يسمى: "صدر المركب" أو: النيف "وهو يشمل 1 و9 وما بينهما، وما ألحق بهما" والجزء الثاني يسمى: "عجز المركب أو: العقد"، ويقتصر على كلمة: "عشرة". ولا بد للمركبات من تمييز يكون مفردا منصوبا، وتعرب مبنية على فتح الجزأين في كل أحوالها2 -في محل رفع، أو نصب، أو جر- على حسب الجملة. ما عدا "اثنين واثنتين"؛ فيعرفان إعراب المثنى، وما عدا عجز المركب المضاف وحده2.. أما حكم الأعداء المركبة -وملحقاتها- من ناحية التأنيث والتذكير فيتخلص: في أن عجزها "وهو: عشرة" يطابق المعدود دائما، أي: يسايره في تذكيره وتأنيثه بغير تخالف. وأن صدرها: إن كان لفظه كلمة: "أحد، أو اثني، أو اثنتي ... " يجب مخالفته للمعدود وإن كان "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وملحقاتها- وجب مخالفته للمعدود؛ كمخالفته له وهو مفرد: "أي مضاف" فالأعداد "ثلاثة وتسعة" وما بينهما -وكذا الملحقات- يجب مخالفتها للمعدود في التذكير والتأنيث؛ سواء أكانت تلك الأعداد مفردة أم مركبة3 ... ؛ ومن الأمثلة: دخلت حديقة بها

_ 1 في ص520. 2، 2 مع ملاحظة ما سبقت الإشارة إليه في الصورة الثانية من ص520 وهو: أن المركب المزجي العددي -غير 12- يصح بناؤه على فتح الجزأين في جميع حالاته ولو كان مضافا -مسايرة لأشهر اللغات- كما يصح إعراب عجزه على حسب حالة الجملة مع ترك صدره مفتوحا في كل الصور؛ فكأن الجزأين في هذه الصورة كلمة واحدة يجري الإعراب على آخرها دائما مع إعرابها على حسب حاجة الجملة وترك صدرها على حاله، أما غير العددي فقد يكون مبنيا على فتحهما أو غير مبني. ومن المزجي العددي. "إحدى عشرة"، وهي مبنية على فتح الجزأين أيضا، ولكن الفتح مقدر على آخر الأولى -"كما سيجيء في هامش ص551، وكما سبق في رقم 7 من هامش ص520". 3 العدد: "ثمانية" عند تركيبه مع العشرة يكون، من ناحية تذكيره وتأنيثه، كحاله قبل التركيب -وقد سبق في ص537- أنه يؤنث بالتاء مع إثبات الياء إن كان المعدود مذكرا؛ نحو: ثمانية عشر رجلا، ويجرد من التاء إن كان المعدود مؤنثا، نحو: ثماني عشرة سيدة. وفي هذه الحالة التي يتجرد فيها من التاء مع تركيبه يجوز فيه أربع لغات، إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة، وحذفها مع فتح النون أو كسرها. وعند إثبات الياء ساكنة يكون الفتح عليها مقدرا، وعند إثبات النون، مكسورة تكون الياء بعدها محذوفة التخفيف، مفتوحة بفتحة ظاهرة، أو مقدرة. أما "ثمان" المفردة فقد تقدم الكلام على حكمها في ص527. مع الأعداد المفردة.

أحد عشر رجلا، زرعت إحدى عشرة شجرة، الشهور اثنا عشر شهرا، سنوات الدراسة نحو: اثنتي عشرة سنة، اشترك في المسرحية ثمانية عشر رجلا وأربع عشرة فتاة ... وهكذا1.. وإن كان للعدد المركب تمييزان: أحدهما مذكر عاقل، والآخر مؤنث -عاقل أو غير عاقل- كان الاعتبار للمذكر العاقل مطلقا2؛ فيجب تأنيث صدر العدد المركب؛ مراعاة للتمييز المذكر ولو كان متأخرا، بشرط أن يكون من نوع العقلاء؛ نحو: هاجر أربعة عشر رجلا وفتاة، أو: هاجر أربعة عشرة فتاة ورجلا. فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما3، نحو: في الحديثة خمس عشرة عصفورة وبلبلا، أو خمسة عشر بلبلا وعصفورة. وهذا بشرط ألا يفصل بين العدد والتمييز فاصل -هو: كلمة: "بين". فإن فصل بينها روعي المؤنث، نحو: الحديثة خمس عشرة ما بين بلبل وعصفورة. الثالث: تذكير العقود4: "20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90". هذه العقود ملحقة في إعرابها بجمع المذكر السالم؛ فلا يصح أن يتصل بلفظها علامة تأنيث؛ منعا للتعارض؛ إذ يلازمها دائما علامتا جمع المذكر السالم؛

_ 1 عرض ابن مالك تأنيث الأعداد المركبة مجملة مختلطة بغيرها من الأقسام الأخرى، وقد سجلنا أبياته في ص351 و532. 2 أي: سواء أكان متقدما أم متأخرا، مفصولا بكلمة: "بين" أم غير مفصول ... ، وهذا الحكم مخالف لنظيره في الأعداد المفردة، وقد تقدم في ص538. 3 لكن ظاهر هذا الحكم يدل على أن المذكر غير العاقل يراعى أيضا ولو كان المؤنث عاقلا. وهنا يقول الصبان استدراكا على الأشموني في حكم العدد المميز بشيئين في التركيب ما نصه: "إن القياس يقتضي تغليب العاقل؛ فتقول: أربع عشرة جملا وأمة؛ لأن وصف الأنوثة مع العقل أرجح من وصف الذكورة مع عدم العقل -أفاده الدماميني". ا. هـ. ولعل الأخذ بهذا الرأي هو الأنسب. 4 سبق -في ص522- أنها تعد من أسماء الجموع وليست جموعا حقيقية، بالرغم من إلحاقها بجمع المذكر السالم في إعرابه.

سواء أكان معدودها مذكرا أم مؤنثا، ومن الأمثلة: أقبل وفد السياح؛ فيه ثلاثون رجلا وعشرون امراة، وسيقضي الوقد أربعين يوما أو خمسين في الصيعد؛ حيث ينعم بدفء الشتاء، ويتمتع بروائع الآثار ... ومع أن لفظها اسم جمع ملحق في إعرابه بجمع المذكر السالم -فمدلولها "وهو: المعدود، أي: التمييز" لا بد أن يكون مفردا، مذكرا أو مؤنثا على حسب الحالة. الرابع: تأنيث الأعداد المعطوفة وتذكيرها: الأعداد المعطوفة تستلزم ثلاثة أمور مجتمعة: 1- أن تكون صيغها مقصورة على ألفاظ العقود. 2- أن يكون صيغة المعطوف عليه -وهو النيف- مقصورة على لفظ من الألفاظ الأعداد المفردة الأصيلة وملحقاتها ويتعين أن يكون هذا اللفظ هو: واحد أو تسعة أو عدد محصور بينهما، أو ملحق بهما. 3- أن تكون أداة العطف هي: "الواو" دون غيرها إذا كان المراد مطلق الجمع1. وقد سلفت الأمثلة المختلفة لهذا القسم2. فأما من ناحية تذكيره وتأنيثه، فالمعطوف -أي: العقد- مذكر دائما؛ لأن صيغته تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وفيها علامتاه؛ فلا يصح مجيء علامة تأنيث معهما؛ منعا للتعارض والتناقض -كما سلف. وأما المعطوف عليه "أي: النيف" فإن كانت صيغته هي لفظ: "واحد" أو "اثنين"، وجب مطابقتها للمعدود في تذكيره وتأنيثه. وإن كانت صيغته هي لفظ: "ثلاثة أو تسعة" أو عدد بينهما، أو ملحق بهما -وجب مخالفتها للمعدود؛ فتؤنث حين يكون المعدود مذكرا، وتذكر حين يكون مؤنثا. فحكم المعطوف عليه هنا "من ناحية تذكيره وتأنيثه" كحكمه في الأعداد المفردة والمركبة ... ، ومن الأمثلة: في المتجر واحد وثلاثون رجلا وإحدى وعشرون فتاة، وفي المصنع اثنان

_ 1 أي: "إذا أريد وقوعها دفعة واحدة، وإلا فلا مانع من أن تقول: قبضت منه ثلاثة فعشرين، أو: ثم عشرين، إذا قصد الترتيب مع الفور، أو التراخي.. -دماميني". ا. هـ. صبان. 2 في ص523.

وخمسون عاملا وثنتان وثلاثون عاملة. وفيه من الغلمان أربعة وثمانون غلاما وسبع وثلاثون فتاة1 ... ، ومنها قوله عليه السلام: "من فرج عن مؤمن مهموم، أو أعان مظلوما غفر الله له ثلاثا وثلاثين مغفرة". وإن كان للعدد المعطوف تمييزان أحدهما مذكر عاقل والآخر مؤنث، وجب مراعاة المذكر العاقل مطلقا2؛ نحو: عندنا خمسة وعشرون طبيبا وطبيبة، أو: عندنا خمسة وعشرون طبيبة وطبيبا. ومثل: نقلت السيارة خمسة وعشرين حقيبة ورجلا ... و ... ، فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما بشرط ألا يفصل فاصل بين العدد والتمييز، نحو: قرأت ثلاثة وعشرين كتابا ومجلة، أو: ثلاثا وعشرين مجلة وكتابا. فإن فصل بينهما فاصل -هو كلمة: بين-3 روعي المؤنث؛ نحو: قرأت ثلاثا وعشرين بين كتاب ومجلة؛ ومما سبق يتبين أن العدد المعطوف والمركب متماثلان في هذا الحكم4. الخامس: تأنيث الأعداد المفردة، ذات التمييزين: إذا كان العدد مضافا إلى تميزين روعي السابق منهما مطلقا؛ أي: سواء أكان المضاف إليه عاقلا أم غير عاقل: مذكرا أم غير مذكر؛ نحو: حضر أربعة رجال وفتيات، وانصرف خمس طالبات وطلبة. ومثل: في الحجرة سبعة مقاعد ورجال3.. و ...

_ 1 عرض ابن مالك الأبيات الخاصة بهذا القسم مختلطة بما يخص غيره. وقد عرضناها في ص531 و532. 2 أي سواء أكان العاقل هو المتقدم أم المتأخر، مفصولا بكلمة: "بين" أم غير مفصول. 3 و3 نص على هذا: الصبان. 4 راجع الصبان في هذا الموضع عند الكلام على التنبيه الثالث من تنبيهات الأشموني عقب الكلام على العدد المركب. وقد سبق -في ص548- الحكم الخاص المركب من هذه الجهة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- مؤنث "واحد" و"أحد" الذي بمعناه: وكذا "الحادي"، هو: "واحدة، وإحدى، وحادية". فثلاث للمذكر، وثلاث للمؤنث. وتختلف مواضع استعمال الكلمات الستة. "فالواحد": يدخل في قسم الأعداد المفردة كما يدخل في قسم الأعداد المعطوفة باعتباره هو المعطوف عليه. ولا يدخل في غيرهما -غالبا. و"الأحد" يركب مع العشرة، فيصير: أحد عشر، ويقتصر على هذا الاستعمال العددي، فلا يستعمل استعمال الأعداد المفردة، ولا يكون -في الفصيح- معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ فلا يقال: جاء أحد1، ولا سافر أحد وعشرون. و"واحدة" تستعمل عددا مفردا، وتكون أيضا معطوفا عليه في الأعداد المعطوفة؛ ومن الأمثلة: هذه واحدة، وهذه واحدة وعشرون. ولا تركب مع العشرة إلا نادرا لا يقاس عليه. والحادي، والحادية -يكونان مركبين مع العشرة، أو معطوفا عليهما في الأعداد المعطوفة؛ نحو: انقضت الليلة الحادية عشرة- أو الحادية والعشرون، وكذا اليوم الحادي عشر، والحادي والعشرون. ولا يكونان في غير هذين القسمين. و"إحدى" تكون -في الأكثر- مركبة مع العشرة2، أو معطوفا عليها في الأعداد المعطوفة، نحو: في البيت إحدى عشرة غرفة، أو إحدى وعشرون غرفة، "ومن النادر أن تكون مفردة بنفسها". ويقول اللغويون: إن أصل الحادي والحادية: هو: الواحد والواحدة. نقلت "الواو" إلى آخر الكلمة، وتأخرت الألف بعد الحاء، فصارت: "حادو"،

_ 1 بمعنى: واحد. 2 إذا ركبت مع العشرة كانت الكلمتان مبنيتين على فتح الجزأين، وهذا الفتح مقدر على آخر "إحدى"؛ -طبقا للبيان الذي في رقم 7 من هامش ص520 رقم 2 من هامش ص547.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و"حادوة"، ثم قلبت الواو ياء على حسب مقتضيات القواعد الصرفية؛ فصارت: "حادي، وحادية"، "على وزن "عالف وعالفة". وكلاهما منقوص، والأول، تحذف ياؤه عند التنوين، دون الثاني. أما العدد: "اثنان" فمؤنثه: اثنتان، وأو ثنتان، والألفاظ الثلاثة قد تكون مفردة أو مركبة مع عشرة، أو معطوفا عليها. وقد سبق1 أن لفظ "واحد" و"اثنين" وفروعهما لا يحتاجان إلى تمييز، ولكنهما قد يضافان لغرض آخر من أغراض الإضافة -وهو الاستحقاق-2 فلا يسمى المضاف إليه تمييزا لهما، لأنه لم يجئ بقصد إزالة الإبهام والغموض عن نوع معدودهما، فليس شأنه معهما كشأنه مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام مع غيرهما من الأعداد التي تحتاج لتمييزه مجرور أو منصوب يجيء لإزالة الإبهام عن العدد قصدا، فمن الخطأ: واحد رجل، وواحدة فتاة، واثنا رجلين، وثنتا فتاتين؛ إذ يجب أن نستغني عن العدد فنقول: حضر رجلا، أو رجلان -حضرت فتاة، أو فتاتان. فإن أريد بالمضاف إليه معنى آخر من المعاني التي تجلبها الإضافة -كالاستحقاق- ولا شأن لها بالتمييز، جاز؛ نحو: رجل الدنيا وواحدها من يعتمد على نفسه -واحدة البيت نشيطة- لكل إنسان رجلان، واثنتا المقعد عاجزتان ... فإن الغرض من الإضافة في هذه الأمثلة وأشباهها هو الملكية، أو التخصيص، أو شيء آخر مناسب، غير إزالة الإبهام. ب- تلخيص ما سبق من تأنيث العدد -بأقسامه المختلفة- وتذكيره، هو: 1- أن "الواحد" و"الاثنين" يذكران ويؤنثان تبعا لمدلولهما، لا فرق في هذا بين وجودهما في الأعداد المفردة، والمركبة، والمعطوفة. وأن المائة والألف لا تتغير صيغتهما اللفظية مطلقا؛ فالأولى مؤنثة3 دائما، والأخرى مذكرة دائما.

_ 1 في ص525 و531. 2 الدلالة على أن المضاف إليه يستحق المضاف -كما سبق في ص527 و533. 3 إلا إذا ألحقت المائة بجمع المذكر السالم وختمت بعلامتيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2- وأن "ثلاثة" و"تسعة" وما بينهما -وما ألحق بهما- تخالف المعدود دائما، سواء أكانت من قسم المفرد، أم قسم المركب، أم قسم المعطوف. 3- وأن "عشرة" المفردة تخالف، معدودها دائما؛ فهي كثلاثة وتسعة وما بينهما. أما "عشرة" المركبة فتوافق معدودها تذكيرا وتأنيثا. ج- بمناسبة الكلام على تذكير العدد وتأنيثه يعرض النحاة للمذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية، ويقررون: أن جميع أسمائها مذكرة، إلا جمادى1. أما ذكر كلمة: "شهر" أو عدم ذكرها قبل تلك الأسماء فقد سبق تفصيله في باب: "الظرف" "ج2 م78" عند الكلام على: أحكام الظرف. ومنه يعلم أن الصحيح جواز تقديم كلمة: "شهر" على كل أسماء الشهور؛ فيقال: شهر رمضان ... شهر شوال ... شهر صفر ... وهكذا باقي الشهور، مع إعرابها إعراب المتضايفين غالبا.

_ 1 راجع كتاب: "الطبقات السنية"، ج1 ص22.

المسألة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل"

المسالة 166: صياغة العدد على وزن "فاعل" يصح أن يصاغ من مصدر كل فعل ثلاثي، متصرف؛ صيغة على وزن: "فاعل"؛ لتدل على ذات، ومعنى معين، وتسمى هذه الصيغة: "اسم فاعل من الثلاثي"1. وكذلك يجوز اشتقاق هذه الصيغة من العدد "اثنين"2، أو: "عشرة"، أو أحد الأعداد التي بينهما -برغم أن كل عدد من هذه الأعداد ليس بمصدر-3 لتحقيق غرض لا يمكن تحقيقه إلا بهذه الصيغة، ولا يستفاد من العدد الجامد الذي سيكون منه الاشتقاق، فيقال: ثان، ثالث، رابع، خامس، سادس، سابع، ثامن، تاسع، عاشر. وقد تجيء بعد صيغة: "فاعل" المشتقة من أحد الأعداد -كلمة: "عشرة" أو غيرها من الأعداد، فتستفيد منها الصيغة معنى جديدا لا يستفاد إلا بوجودها؛ فيقال مثلا: ثالث عشر، رابع عشر، خامس عشر ... وهكذا إلى نهاية الأعداد المركبة؛ كما يقال: ثالث ثلاثة، رابع خمسة، سادس سبعة ... وقد يجيء بعد الصيغة المشتقة كلمة معطوفة بالواو، تدل على عقد من العقود

_ 1 سبق الكلام عليه تفصيلا في ج3 ص182 م102. 2 أما أول الأعداد -هو واحد- فموضوع من أول أمره على وزن: "فاعل" مباشرة؛ فليس بوصف. وقيل: إنه اسم فاعل من "وحد، يحد، وحدا"، أي: انفرد فالواحد بمعنى المنفرد، أي: العدد المنفرد. وهذا الرأي أنسب؛ لتكون كلمة "واحد" مسايرة نظائرها، وتكون القاعدة مطردة. 3 الأصل العام في الاشتقاق أن يكون -على الرأي الأرجح- من المصدر. فالاشتقاق من هذه الأعداد مخالف للأصل العام، ولكنه سماعي يراعى فيه الاقتصار على المسموع. ولم يكن قياسيا لأن هذه الأعداد أسماء أجناس جامدة معنوية، ليست بمصادر، ولا أفعال لها تشترك معها في أداء معانيها الآتية بعد. ما عدا المعنى الثالث الذي يراد به التحويل والتصيير "ص557" فله مصادر وأفعال؛ من المصدر -ومثله اثنان وثنتان- كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص557. وقد أباح المجمع اللغوي القاهري الاشتقاق المباشر من الأسماء الجامدة نفسها عند الحاجة -كما أوضحنا هذا تفصيلا في موضعه عند الكلام على: "الاشتقاق"، ج3 ص144 م98.

العددية غير "عشرة" كأن يليها العقد: عشرون، أو ثلاثون، أو أربعون ... أو أخوات هذه العقود، فيقال: الخامس والعشرون، السادس والثلاثون، السابع والأربعون، الثامنة والستون، التاسعة والسبعون ... وهكذا. وفيما يلي البيان: أ- اشتقاق صيغة فاعل من غير أن يليها العقد: "عشرة"، ولا غيره من العقود: 1- قد يكون الغرض من صوغ "فاعل" من أحد الأعداد السالفة بدون أن تذكر بعده كلمة: "عشرة" أو عقد آخر: هو استعماله منفردا عن الإضافة؛ ليفيد الاتصاف بمعنى العدد الذي كان أصلا للاشتقاق. فحين نقول: هذا ثان، أو ثالث، أو رابع، أو خامس ... يكون المراد: أنه واحد موصوف بهذه الصفة وهي: كونه ثاانيا. أو ثالثا، أو رابعا، أو خامسا ... دون زيادة على هذا المعنى الدال على مرتبة صاحبه بين الأفراد الأخرى، أي على ترتيبه الحسابي بالنسبة لغيره؛ فيكون الغرض: المرتبة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة ... "كالباب الثاني، الفصل الثالث، القسم الرابع ... " ويقال في المؤنثة: هذه ثانية، أو ثالثة، أو رابعة، أو خامسة.. على المعنى السالف، المحصور في الدلالة على الترتيب. وحكم صيغة: "فاعل" في الأمثلة السالفة وأشباهها هو الإعراب بالحركات1 على حسب ما يقتضيه الكلام، مع مطابقة الصيغة في التذكير والتأنيث لمدلولها2.. 2- وقد يكون الغرض من صوغ: "فاعل" استعماله مضافا إلى العدد الأصلي الذي اشتق منه، للدلالة على أن: "فاعلا" هذا هو بعض من العدد الأصلي المحدد،

_ 1 وتكون الحركات ظاهرة إلا كلمة: "ثان" فتعرب إعراب المنقوص. 2 وإلى هذه الحالة يشير ابن مالك بقوله: وصغ من اثنين فما فوق ... إلى ... عشرة: "كفاعل" من فعلا-13 أي: صغ وزنا على مثال: "فاعل" كما تصوغه من الفعل الثلاثي: "فعل" على أن تكون الصياغة مأخوذة من العدد "اثنين" أو ما "فوقه" إلى "عشرة"، "أي: صغ كفاعل ... والكاف هنا اسم بمعنى: مثل، ثم قال: واختمه في التأنيث بالتا. ومتى ... ذكرت فاذكر "فاعلا" بغير تا-14 يريد: أنت "فاعلا" بزيادة تاء التأنيث في آخره حين يكون المعنى على التأنيث، فإن لم يكن المعنى على التأنيث فلا تأت بها.

من غير دلالة على مرتبة، "أي: على ترتيب" مثل: فلان خامس خمسة نهضوا ببلدهم. تريد: أنه بعض جماعة منحصرة في خمسة محددة، أي: أنه واحد من خمسة لا زيادة عليها، من غير أن تتعرض لبيان ترتيبه فيها. ومن الأمثلة قوله تعالى عن رسوله الكريم وهجرته: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} 1، وقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ، فالفرق بين دلالة الصيغة هنا ودلالتها فيما سبق أنها هنا تدل على الاتصاف بمعنى الجزئية من عددها، أي: الدلالة على أنها فرد منه، وبعض من كله المحدد المحصور، ولا تدل مع هذا على مرتبة. "ترتيب" أما الأولى فتدل على الأمرين؛ الاتصاف بمعناه، وعلى التريب. وحكم الصيغة هنا: إعرابها بالحركات2 على حسب حاجة الكلام، مع مطابقتها لمدلولها في التذكير والتأنيث، ووجوب إضافتها إلى العدد الأصلي الذي اشتقت منه؛ فتكون هي المضاف، والعدد الأصلي هو المضاف إليه. "أي من إضافة الجزء إلى كله؛ مثل يد علي، وعين محمود". وتمتاز صيغة "ثان وثانية" -دون غيرهما لدى فريق من النحاة-3 بشيء آخر عند استخدامها في الغرض السالف، هو: إعراب العدد الأصلي بعدهما مفعولا به منصوبا، فوق صحة إعرابه مضافا إليه؛ فيصح أن يقال: كان فلان ثاني اثنين قادا جيشها للنصر، بإضافة الصيغة إلى أصلها العددي، وأن يقال: هل كان فلان ثانيا اثنين ... ؟ على اعتبار كلمة: "اثنين" مفعولا به. ويرى فريق آخر من النحاة أن هذا الحكم ليس مقصورا على صيغة "ثان وثانية"، بل تشاركهما فيه بقية الأعداد، وهذا الرأي حسن لتكون صياغة "فاعل" "المراد منها اسم الفاعل" وإعماله قياسية مطردة.

_ 1 الاثنان هما: الرسول عليه السلام، ورفيقه في هجرته أبو بكر رضي الله عنه. 2 انظر رقم 1، من هامش الصفحة السابقة. 3 محتجا بما ورد لهما عن العرب من مصدر صريح، وأفعال مشتقة منه، مثل قولهم: ثنيت الرجل، أي: كنت الثاني له. وهذا يجعل صياغتهما مطردة، ويجعل الصيغة خاضعة لكل أحكام اسم الفاعل القياسي.

وإذا نصبت المفعول به وجب أن تكون معتمدة على نفي أو غيره مما يعتمد عليه اسم الفاعل عند إعماله، ومستوفية بقية شروط أعماله التي عرفناها في بابه1. 3- وقد يكون الغرض من صوغ "فاعل" استعماله مع العدد الأقل مباشرة2 من عدده الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة؛ ليفيد معنى التصيير والتحويل3، نحو: عثمان ثالث اثنين من الخلفاء الراشدين. وعلي رابع ثلاثة منهم. أي: عثمان هو الذي جعل الاثنين بنفسه ثلاثة، فصير الاثنين بانضمامه إليهم ثلاثة. وعلي هو الذي جعل الثلاثة بنفسه أربعة؛ فصير الثلاثة بانضمامه إليهم أربعة. ومما يوضح هذا قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} 4، 5، 6، أي: هو الذي يصير الثلاثة

_ 1 ج3 م102. وفي هذا الاستعمال السابق يقول ابن مالك: وإن ترد بعض الذي منه بني ... تضف إليه مثل بعض بين أي: إن أردت "بفاعل" المذكور الدلالة على أنه بعض مما بني منه وجب أن تضيفه، مثل بعض، أي: كما تضيف بعضا إلى كل. "بين: واضح". 2 العدد الأقل -مباشرة- من العدد الأصلي، هو العدد الذي قبله، وينقص عنه درجة واحدة؛ مثل ستة؛ بالنسبة لسبعة؛ فإنها قبل السبعة مباشرة. وتنقص عنها درجة واحدة -أي: رقما واحدا، وكالخمسة بالنسبة للسنة. والثمانية بالنسبة للتسعة ... وعلى هذا لا يصح: خامس ثلاثة، ولا تاسع سبعة ... 3 سبقت إشارة في رقم 3 من هامش ص554 إلى حكم الاشتقاق من اسم العدد. فإذا كانت صيغة "فاعل" دالة على التحويل والتصيير فإنها تكون مشتقة من مصدر فعل ثلاثي عددي يدل على هذا المعنى، ففي اللغة؛ ثلثت القوم ثلثا صيرتهم بسببي ثلاثة، وربعت القوم صيرتهم بانضمامي إليهم أربعة، وكذلك خمسهم خمسا وسدسهم سدسا، وسبعتهم سبعا، وثمنتهم ثمنا وتسعتهم تسعا. والماضي والمصدر في كل ذلك على وزان: ضرب ضربا، أما المضارع فعلى وزن: "يضرب" إلا ما كان مختوما بحرف الحلق: "العين" فمضارعه مفتوحها، أي: على وزن: "يفعل". وهو: أربعهم، أسبعهم، أتسعهم ... وبناء على ما تقدم يكون اشتقاق صيغة "فاعل" بهذا المعنى جاريا على الأصل في الاشتقاق؛ وهو أنه من مصدر الفعل: فهو قياسي، ومثله: اثنان واثنتان. 4 نجوى: محادثة سرية. 5 {إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} لأن كلمة: "رابع" مضافة إلى الضمير العائد إلى ثلاثة؛ فكأنها مضاعفة إلى ثلاثة، وكأن الأصل: رابع ثلاثة. 6 {إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} أي: سادس خمسة. فالضمير بمنزلة مرجعه ... و ...

-بانضمامه إليهم- أربعة، ولا يصيرهم خمسة أو غيرها، ويصير الخمسة بانضمامه إليهم ستة، لا سبعة ولا غيرها، فهو يجعل العدد الأقل مساويا للعدد الذي فوقه بدرجة واحدة؛ إذ يصير الثلاثة أربعة، والأربعة خمسة، والخمسة ستة ... كما ذكرنا1 ... وهكذا2. وحكم صيغة: "فاعل" هنا: هو إعرابها بالحركات3 على حسب موقعها من الكلام، مع مطابقتها في تذكيرها وتأنيثها لمدلولها، وجواز إضافتها إلى العدد الذي بعدها -وهو العدد الأقل مباشرة من عددها الأصلي الذي اشتقت منه، كما في الأمثلة السالفة. ويجوز شيء آخر، هو: عدم إضافة الصيغة إلى العدد الأقل الذي بعدها. وإنما تنصبه على اعتباره مفعولا به؛ "بشرط أن تتحقق شروط إعمال اسم الفاعل. ومنها: أن تكون الصيغة معتمدة على شيء مما يعتمد عليه حين إعماله؛ كالنفي، والاستفهام، وغيرهما": فنقول: أعثمان ثالث اثنين، وعلي رابع ثلاثة؟ بنصب: اثنين، وثلاثة، على أنها مفعولين لصيغة "فاعل" قبلهما. بقيت الإشارة إلى ما ارتضوه في مثل: ثاني واحد؛ فقد قالوا: لا مانع -في الرأي الأحسن- من قبول هذا التركيب. ويجب التنبيه إلى أن كل معنى من الثلاث السالفة يخالف الآخر؛ فلا يصح إغفال هذا عند اختيار واحد منها. ليراعي في اختياره مناسبته للسياق. ب- اشتقاق صيغة: "فاعل" وتليها كلمة "عشرة"، ظاهرة أو ملحوظة: 1- إذا قلنا هذا اليوم الحادي عشر من الشهر، وهذه الليلة الرابعة عشرة

_ 1 راجع بيان هذا في باب اسم الفاعل ج3 ص182 م102. 2 وفي هذا يقول ابن مالك: وإن ترد جعل الأقل مثل ما ... فوق، فحكم جاعل له احكما-16 يريد: إذا أردت أن يكون العدد الأقل مساويا لما فوقه بدرجة واحدة فاحكم له بحكم: "جاعل" ويقصد "بجاعل" اسم الفاعل من الفعل: "جعل" الذي يفيد التصيير والتحويل حيث يصح أن ينصب بعده المفعول به ما دام شرط إعماله متحققا. 3 مع ملاحظة ما تختص به كلمة: "ثان" وهو أنها كالمنقوص.

منه، واقتصرنا في كل حالة على عدد مركب واحد لا يليه مباشرة عدد آخر فقد يكون المراد من اشتقاق صيغة "فاعل" من العدد الذي بمعناها وزيادة كلمة: "عشرة بعدها هو إفادة الاتصاف بمعنى العدد مقيدا بملازمة العشرة؛ للدلالة على المرتبة "الترتيب" فليس المراد إفادة الاتصاف المطلق بمعنى الصيغة، وإنما المراد أنه واحد أو رابع ... أو ... موصوف بهذه الصفة، "وهي: كونه واحدا ... ورابعا ... " مع تقييد هذا الوصف بأنه مرتبط بالعشرة، ومنسوب إليها، ارتباط زيادة عليها وانضمام إليها، فهو واحد مزيد على العشرة، أو رابع مزيد عليها، أو غيره مما يوضح ترتيبه ... ومثل هذا يقال في: ثاني عشرن وثالث عشر، وخامس عشر، وتاسع عشر، وما بينها ... وحكم هذا النوع المقتصر على عدد مركب واحد هو: وجوب فتح الجزأين معا "وهما: فاعل، وعشرة" في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة، مع مطابقة جزأين معا. لمدلولها تذكيرا وتأنيثا، ومن الأمثلة: هذا هو الكتاب السابع عشر. وهذه هي المذكرة السابعة عشرة، إن الكتاب السابع عشر نفيس، وإن المذكرة السابعة عشرة نفيسة، سأحرص على الكتاب السابع عشر، وعلى المذكرة السابعة عشرة. فكل من السابع عشر، والسابعة عشرة، مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعه من الجملة، وكل منهما مذكر أو مؤنث طبقا لمدلوله. 2- وقد يكون المراد من صوغ "فاعل" وبعده كلمة: "عشرة" هو الدلالة على أنه فرد من العدد الأصلي الذي صيغ منه، وأن "فاعلا" هذا بعض جماعة منحصرة في العدد الأصلي، وواحد من تلك الجماعة المحددة العدد. ولتحقيق هذا الغرض يصاغ فعل وبعده كلمة، "عشرة" بصورة متعددة، منها: هذا خامس عشر خمسة عشر؛ فنجيء بصيغة "فاعل" وبعدها كلمة "عشر" مبنيتين معا على الفتح، وتجيء بعدهما بالعدد الأصلي "وهو خمسة" الذي اشتقت منه الصيغة، وبعده كلمة: "عشرة" أيضا، والجزءان الأخيران مبنيان على الفتح. كالأولين. فعندنا مركبان عدديان، كل منهما مبني على فتح الجزأين. فأما المركب الأول منهما فمبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر؛

على حسب حاجة الجملة. ثم هو -مع بنائه على فتح الجزأين- مضاف، والمركب الثاني كله "ما عدا: اثني عشر، واثنتي عشرة"1 هو: المضاف إليه، مبني على فتح الجزأين في محل جر، ويجري على صيغة "فاعل" من التذكير والتأنيث ما تطابق به مدلولها، وهذه المطابقة لا توجد إلا في صدر المركب الأول، وتطابقها في الحالتين كلمة: "عشر" التي هي عجز المركب الأول. أما صدر المركب الثاني فيجري عليه في التذكير والتأنيث ما يجري على الأعداد المفدرة، وأما عجزه "وهو: عشر" فيطابق المعدود في التذكير والتأنيث. ومثل هذا يقال في حادي عشر أحد عشر وثاني عشر اثني2 عشر، وثالث عشر ثلاثة عشر ... إلى تاسع عشر تسعة عشر. ومن أمثلة الصور المتعددة التي أشرنا إليها: "هذا خامس ... خمسة عشر" بذكر صيغة "فاعل" وحدها دون ذكر كلمة: "عشرة" بعدها؛ استغناء عنها بذكر في المركب الثاني الذي صدره العدد الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة، وعجزه هو كلمة "عشرة" فهذه الصورة مشتملة على صيغة فاعل وحدها وعلى مركب كامل بعدها، فعندنا صدر التركيب الأول دون عجزه، ويليه الثاني كاملا. وهذه الصورة أكثر من غيرها استعمالا، وتقوم على ثلاث كلمات ... فأما صدر التركيب الأول فيها فيعرب على حسب حاجة الكلام؛ ولا يصح بناؤه؛ إذ لا مقتضى للبناء بعد زوال التركيب. والصيغة هنا -وهي: فاعل- مطابقة في التذكير والتأنيث لمدلولها وهي أيضا مضاف، والتركيب الثاني -كاملا- مضاف إليه. مبني على فتح الجزأين في محل جر ... 3.

_ 1 فإن صدرهما وحده هو المضاف إليه. وليس بمبني، بل يعرب إعراب المثنى ... أما عجزهما، فيقال في إعرابه إنه بدل النون التي تكون في المثنى الذي ليس بعدد "انظر ص521". 2 تقدم في رقم 1 ما يرشد إلى إعراب اثني عشر، واثنتي عشرة. 3 وفي هذه الصورة والتي قبلها يقول ابن مالك: وإن أردت مثل ثاني اثنين ... مركبا فجيء بتركيبين-17 وهذا خاص بالصورة الأولى. أما التي تليها فقال فيها بعد البيت السابق مباشرة: أو فاعلا بحالتيه أضف ... إلى مركب بما تنوي يف-18 "يف، وأصلها: يفي: مضارع مجزوم بحذف الياء في جواب الأمر: أضف". التقدير: أضف فاعلا بحالتيه -وهما: حالة التذكير والتأنيث- إلى المركب الثاني كاملا بعد حذف كلمة: "عشرة" من المركب الأول. ويفهم من هذا أن المركب الثاني في محل جر مضاف إليه.

ومن أمثلة الصور المتعددة أيضا: هذا خامس ... ،... عشر. بذكر صيغة "فاعل" وحدها، دون كلمة: "عشرة" التي تصاحبها عند التركيب، ودون ذكر العدد الأصلي الذي يكون منه الاشتقاق؛ فالمركب الأول حذف عجزه، والمركب الثاني حذف صدره؛ فزال من كل مركب جزء، وبقي جزء. وصيغة "فاعل" هنا مطابقة لمدلولها تأنيثا وتذكيرا. والأحسن إعرابها على حسب حاجة الجملة؛ فتكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، وهي -في الوقت نفسه- مضاف والجزء الباقي من المركب الثاني "أي: العقد "عشر"، مضاف إليه مجرور. ومن النحاة من يجيز في هذه الصورة إعراب "فاعل" على حسب العوامل -كما سبق؛ لزوال تركيبه- مع اعتباره مضافا. واعتبار كلمة: "عشرة" هي المضاف إليه مع بنائها على الفتح في محل جر، بتقدير ملاحظة صدرها المحذوف، واعتباره كالموجود1 وهذا شاذ لا يقاس عليه. 3- وقد يكون المراد من صوغ: "فاعل" وبعده "عشرة" استعماله مع العدد الأقل -مباشرة- من العدد الأصلي الذي اشتقت منه الصيغة؛ ليفيد معنى التصيير والتحويل فنقول: هذا رابع عشر ثلاثة عشر، وهذه خامسة عشرة أربع عشرة ... فهنا أربعة ألفاظ يتألف منها مركبان عدديان، والمركب الأول منهما مبني على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر؛

_ 1 وفي هذه الصورة الأخيرة بحالتيها يقول ابن مالك بعد البيت السالف: وشاع الاستغناء بحادي عشرا ... ونحوه...........................-19 المراد بنحو: "حادي عشر" ثاني عشر، وثالث عشر، إلى تسعة عشر. والاستغناء الذي يريده هو ما أوضحناه من حذف العقد من التركيب الأول، مع حذف النيف من التركيب الثاني، فينتهي الأمر ببقاء جزأين. وفي إعرابهما الوجهان اللذان شرحناهما. والثاني منهما شاذ لا يقاس عليه. أما بقية البيت فتتعلق بحكم آخر.

على حسب حاجة الجملة، وهي في حالاته الثلاث مضاف، والمركب الثاني مبني على الفتح دائما في محل جر، مضاف إليه. وبالرغم من أن صيغة: "فاعل" في هذا الأسلوب هي اسم فاعل؛ بمعنى جاعل كذا؛ أي: أنها تفيد التحويل والتصيير، وكان حقها أن تنصب الاسم بعدها جوازا على أنه مفعول به لها، أو تجره على أنه مضاف إليه -على الرغم من هذا لا يصح أن تنصب مفعولا به هنا، لأن اسم الفاعل الذي ينصب المفعول به لا بد أن يكون منونا أو مبدوءا بأل. والأمران ممتنعان هنا؛ إذ العدد المركب لا ينون، وهو هنا مضاف فلا تدخله "أل" مع إضافته. والنحاة يقررون أن هذه الصورة لم يسمع لها نظير في كلام العرب، وأكثرهم يمنع استعمالها لهذا؛ إلا أن سيبويه وبعض النحاة يجيزونها، ويرون في إجازتها توسعه وتيسيرا. ويتبين مما سبق أن الغرض العام من صوغ "فاعل"، في الأعداد المركبة هو الغرض العام من صوغه من الأعداد المفردة، وأن كل معنى من الثلاثة يخالف الآخر؛ فلا يصح استعمال واحد مكان غيره؛ وإلا كان خلطا معيبا. ح- اشتقاق صيغة "فاعل" وبعدها العقد: "عشرون" أو عقد آخر من العقود التي بعد العشرين: يصح اشتقاق صيغة "فاعل" من أحد الأعداد المفردة المحصورة في واحدة وتسعة وما بينهما، ويذكر بعد الصيغة والعقد" معطوفا عليها بالواو خاصة1؛ نحو: الواحد والعشرون، والحادي والعشرون، والواحدة والعشرون، والحادية والعشرون ... والثاني والثلاثون، والثانية والثلاثون ... والرابع والخمسون، والرابعة والخمسون ... وهكذا2 ... وحكم هذا النوع وجوب تقديم الصيغة، وهي المعطوف عليها "أي:

_ 1 انظر البيان الخامس بهذا، والتقييد المفيد، في رقم 1 من هامش ص549. 2 والاشتقاق في هذه الصورة يكون من اسم العدد نفسه، فهو اشتقاق من اسم جنس معنوي ليس بمصدر. ما عدا اثنين كما تقدم في رقم 3 من هامش ص554.

النيف"، وتأخير المعطوف". وهو: "العقد". وأن يكون العاطف هو الواو دون غيرها1. والمعطوف عليه يطابق مدلوله في تذكيره وتأنيثه؛ ويعرب بالحركات2 على حسب حاجة الجملة، والمعطوف يتبعه في إعرابه، فيكون مثله مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا. ولكنه معرب بالحروف كجمع المذكر السالم، ولا يعرب بالحركات كالمعطوف ... 3. وإذا كان من الخطأ استعمال عاطف غير الواو1، فمن الخطأ أيضا حذفها؛ فلا يصح مثل: حادي عشرين، أو ثاني عشرين، أو ثالث أربعين ... أما الغرض المعنوي من هذه الصيغة فهو الغرض من صياغتها من الأعداد المفردة التي تليها كلمة: "عشرة"، ولا يصح الخلط بين غرض وآخر عند الاستعمال.

_ 1، 1 انظر رقم 1 من هامش ص549 حيث التفصيل المفيد. 2 مع إعراب كلمة: "ثان" إعراب المنقوص. 3 وفي هذه الصورة يقول ابن مالك في آخر بيت سبق في ص561 لمناسبة أخرى، والبيت هو: "وشاع الاستغناء بحادي عشرا ... ونحوه" وقبل عشرين اذكرا:-19 الذي يعنينا هو الجملة الأخيرة منه: ونصها: وقبل عشرين اذكرا، بعدها بيت يتمم المراد ونصه: وبابه الفاعل من لفظ العدد ... بحالتيه قبل واو يعتمد-20 "واو يعتمد" أي: حرف واو يعتمد في العطف دون غيره من أخواته". والتقدير: واذكر قبل عشرين وبابه -وهو باقي العقود التي بعده- صيغة فاعل بحالتيه من التذكير أو التأنيث على حسب مدلوله، بشرط أن يكون متقدما على واو العطف، ويليها العقد المعطوف.

المسألة 167: التأريخ بالليالي والأيام

المسألة 167: التأريخ 1 بالليالي والأيام التأريخ: تقييد الحوادث والأمور الجارية، بزمن معين مشهور، بحيث ترتبط به، وتنتسب إليه؛ سواء أكانت قد وقعت وتحققت فيه أم موقعت وتحققت في زمن آخر. وهو ضروري لضبط شئون الفرد، وتنظيم حياته الخاصة والعامة، وضروري كذلك لضبط شئون الجماعات "دولا وأمما" وما يكون بينها من معاملات، ومنذ وجد الإنسان وهو يستعين بالتأريخ وحوادثه؛ ليرشده، ويذكره. ويعينه على كشف أكثر الحقائق والوقائع التي يبغي الاهتداء إلى زمنها، ونتائجها، ولكل فرد طرييقته التي يختارها لنفسه خاصة، ويراها أنسب له، وأكثر ملاءمة، غير أن الجماعات قد اتفقت كلمتها على أن تختار كل منها مبدأ زمنيا تؤرخ به شئونها العامة، ويرجع إليه أفرادها في شؤونهم المشتركة بينهم. ولكل فرد بعد ذلك أن يرجع إليه أو إلى غيره في شؤونه الخاصة به. والعرب من هؤلاء؛ فقد اختاروا بعد الإسلام حادث الهجرة مبدأ زمنيا لتسجيل الحوادث وتاريخها، وسموا هذا المبدأ: "التاريخ الهجري"2 وساروا فيه على أسلوب مأثور عنهم؛ فإذا وقع حادث ما سجلوه بطريقتهم قولا أو كتابة، وأرخوه بالليالي لسبقها في

_ 1 يقال: التأريخ -بالهمزة- والتاريخ بدونها، كما يقال أيضا: التوريخ، وهذا مصدر الفعل: ورخ. توريخا، أما الأولان فمصدران لأرخ. ويعرفه صاحب الهمع "ج2 ص152" بأنه: "عدم الأيام والليالي بالنظر إلى ما مضى من السنة، والشهر، وما بقي". 2 يقول الصبان في آخر باب العدد، ما نصه: "كانت العرب تؤرخ بالخصب، وبالعامل "أي: الوالي الحاكم عليهم" وبالأمر المشهور. ولم يزالوا كذلك حتى فتح عمر بلاد العجم؛ فذكر له أمر التاريخ -وكان شائعا عند الفرس، فاستحسنه هو وغيره. ثم اختلفوا "في بدئه" فقال بعضهم: من البعثة. وقال قوم: من وفاة الرسول. ثم أجمعوا على الهجرة، ثم اختلفوا بأي شهر يبدءون؟ فقال بعضهم: رمضان، وبعضهم: رجب، وبعضهم: ذي الحجة. ثم اجمعوا على المحرم؛ لأنه شهر حرام، ومنصرف الناس من الحج. فرأس التاريخ قبل الهجرة بشهرين، واثنتي عشرة ليلة؛ قدومه عليه السلام المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وقيل: المؤرخ بالهجرة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بسط السيوطي، في كتابه "الشماريخ" في علم التاريخ". ا. هـ.

حسابهم؛ إذ الشهور المعتمدة عندهم قمرية، وأول الشهر القمري ليلة، وآخره نهار، فإذا أراد أحدهم أن يؤرخ للحاديث الذي وقع في أول الشهر الهجري -ككتابة رسالة، مثلا- قال: كتبت لأول ليلة منه، "أي؛ في أول ليلة" أو لغرته، أو مستهلة. فإذا انتهت الليلة الأولى قال: كتبت لليلة خلت، ثم لليلتين خلتا، ثم لثلاث خلون ... إلى أن تنتهي عشر ليال ثم يقول: لإحدى عشرة خلت، أو لاثنتى عشرة ... إلى أن تجيء ليلة النصف فيقول: كتبت للنصف منه، أو لمنتصفه، أو لانتصافه، ويصح أن يقول: لخمس عشرة خلت، أو بقيت، "أي: عند خمس عشرة" والأول أكثر شيوعا في كلام الفصحاء، ثم لأربع عشرة بقيت، إلى أول العشرين فيقول: لعشر بقين، أو لثمان بقين ... وهكذا إلى أن تبقى ليلة واحدة فيقول: لليلة بقيت، أو لسراره، أو سرره. فإن مضت وبقي نهار اليوم الأخير فإنه يقول: كتبت لآخر يوم منه، أو لسلخه أو انسلاخه، وقد يستعمل السلخ والانسلاخ لليلة الأخيرة أيضا. وإذا قال: لآخر ليلة منه أو آخر يوم منه كان هذا دليلا على أن الشهر القمري كاملا؛ أي: ثلاثين يوما، وليس من الشهور التي تنقص. هذا ويصح وضع تاء التأنيث مكان نون النسوة والعكس في كل موضع يراد فيه التحدث على عدد مدلوله جمع لا يعقل؛ بأن يكون المعدود ثلاثة أو أكثر مما لا يعقل. ولكن اتباع الوضع الذي سردناه أفضل1.

_ 1 سبب الأفضلية أن أكثر المسموع يكون بنون النسوة مع الثلاث والعشر، وما بينهما إذا كان المعدود دالا على جمع مؤنث لا يعقل؛ فيقال: ثلاث خلون، أو أربع خلون. وهكذا إلى عشر خلون. أما ما زاد على العشر إلى خمسة عشر فيقال فيه: خلت. وكل ما سبق فعلى سبيل الأولوية، وبغير ملاحظتها يصح وضع تاء التأنيث مكان النون. على أن تفصيل نون النسوة على الوجه السالف في الأساليب العددية هو الذي يساير مجيئها في جمع التكسير الدال على القلة، كما أن مجيء تاء التأنيث فيما زاد على العشر هو الذي يلائم مجيئها في جمع التكسير الدال على الكثرة، فالمعروف لغة أن نون النسوة أنسب مع جمع القلة للمؤنث الذي لا يعقل؛ نحو: رأيت أذرعا امتددن في الهواء، وهذا أفضل من: امتدت. كما أن المعروف أن تاء لتأنيث أنسب في جمع التكسير الدال على الكثرة للمؤنث غير العاقل؛ نحو: للوالد أياد غمرت أبناءه، وهذا أفضل من غمرن. فانطبق حكم كل جمع للتكسير على العدد الذي يدل دلالته على القلة أو الكثرة؛ فالعدد ثلاثة وعشرة وما بينهما يدل على القلة فالأنسب له نون النسوة. وهي -فوق ذلك- ملائمة لتمييزه الذي يكون في الأغلب جمعا. والعدد المركب يدل على الكثرة فالأنسب له تاء التأنيث في هذا =

وبهذه المناسبة نشير إلى ما سبق1 بيانه من بعض الاستعمالات التي تتصل بما نحن فيه، والتي يؤثر فيها العرب جانب التأنيث على التذكير، ويغلبون فيها المؤنث على المذكر؛ فلها نوع اتصالها بما هنا1 ... تعريف العدد وتنكيره: سبق الكلام عليه وافيا في "ج1 ص438 م32 وله موجز فيه ج3 م93 ص12 و14 -باب الإضافة". قراءة الأعداد المعطوفة على العقود المختلفة: المراد من العقود هنا "20، 30، 40، 50، 60، 70، 80، 90"، وكذلك "100 و1000 ومضاعفاتهما"، فكيف نقرأ الأعداد الحسابية التالية قراءة عربية صحيحة؟ وهي 23، 34، 45، 56 و ... و ... وغيرها من باقي الأعداد المعطوفة المحصورة بين مائة، ومائة أخرى تليها؟

_ = الموضع "راجع الصبان في هذا الموضع". ومثل هذا في كتاب: "الطبقات السنية ... " -لتقي الدين التميمي الدارمي، ص20- وفي هذه الصفحة أيضا ما نصه: "قال الحريري في درة الغواص: العرب تختار أن تجعل النون للقليل، والتاء للكثير؛ فيقولون: لأربع خلون، ولأربع عشرة ليلة خلت. قال ولهم اختيار آخر: هو أن تجعل ضمير الجمع الكثير الهاء والألف "أي: ها" وضمير الجمع القليل: الهاء والنون المشددة "أي: هن" كما نطق القرآن به: قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، منها: أربعة حرم. ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم ... فجعل ضمير الأشهر الحرم بالهاء والنون، لقلتهن، وضمير شهور السنة الهاء والألف، لكثرتها". ا. هـ. "وقد سبق ما يتصل بهذا، اتصالا وثيقا، ويزيده وضوحا، وتوفية عند الكلام على على مرجع الضمير -في ج1 م18 رقم 2 من هامش ص197، وفي ص238- وله إشارة عابرة تأتي في ص627 ورقم 4 من هامشها. 1 و1 راجع ص537 أما التفصيل ففي ج1 م9 هامش ص109 باب "المثنى".

لقراءتها إحدى طريقتين؛ أولاهما: قراءة الأرقام من اليمين إلى اليسار، والأخرى العكس؛ فيقال: "ثلاث وعشرون، أربعة وثلاثون، كما يقال عشرون وثلاث، وثلاثون وأربعة" ... وكذلك يقال: أربعة ومئة، عشرون ومئة، كما يقال مئة وأربعة، مئة وعشرون" وكذلك: "ستة وألف، عشرون وألف. أو ألف وستة، وألف وعشرون" ... وهكذا بقية الأعداد في كل ما سبق ونظائره الأخرى. مع مراعاة الأحكام التي عرفناها في تذكير العدد وتأنيثه، وتعريفه وتنكيره؛ وفي نوع تمييزه، وضبط هذا التمييز، وإفراده وجمعه، وذكره وحذفه، وكل ما تقدم من الضوابط والأحكام العامة والخاصة التي لا بد من تطبيقها على العدد والمعدود. ملاحظة: يجوز تطبيق الطريقتين السالفتين على الأعداد المركبة "وهي 11 و19 وما بينهما" بشرط ظهور "واو العطف" متوسطة بين العددين، واستعمال كلمة "واحد" بدلا من "أحد". ولا بد هنا من مراعاة الأحكام العامة والخاصة بالعدد والمعدود التي أشرنا لها فيما سبق.

المسألة 168: كنايات العدد

المسألة 168: كنايات العدد 1 "كم، كأي، كذا ... " وكنايات أخرى، "منها: كيت، وذيت ... ". الأولى: "كم". وهي نوعان: "كم الاستفهامية"2، و"كم الخبرية"3. أ- كم الاستفهامية: أداة استفهام يسأل بها عن معدود، مجهول الجنس والكمية معا. ذلك أن من يسمع كلمة: "كم" وحدها لا يدرك من هذه الكلمة حقيقة مدلولها "أي: جنسه؛ أهو كتاب، أم دينار، أم رجل، أم امرأة، أم معدل أم قلم ... ؟ " ولا يدرك أيضا كميته "أي: لا يعرف عدد أفراد تلك الحقيقة، ومقدارها الحسابي" أكتاب واحد، أم كتابان، أم أكثر؟ أدينار، أم ديناران أم دنانير؟ أرجل، أم رجلان، أم رجال؟ أهي امرأة أم امرأتان، أم أكثر؟ أمعدن أم اثنان، أم أكثر؟ أقلم أم قلمان، أم أكثر؟ ... فكلمة "كتم" وحدها مبهمة المدلول "المعدود" عند السامع في هاتين الناحيتين؛ ناحية جنسه، وكميته. لكنه إذا سمع: "كم كتابا قرأت؟، أو: كم دينارا أنفقت؟، أو: "كم رجلا صافحت؟ أثلاثة أم أربعة؟ "، "كم قلما اشتريت؟ أقلمين أم ثلاثة"؟ ... ،

_ 1 أصل الكناية: التورية عن الشيء؛ بأن يعبر عنه بغير اسمه، لسبب بلاغي. وهذه الألفاظ سميت: "كتابات"؛ لأن كل واحدة منها يكنى بها عن معدود، أي: يرمز بها إلى معدود، ويراد منها ذلك المعدود؛ فهو مدلولها، وهي الرمز الدال عليه. فكما أن كلمة على، أو: صالح ... هي الدالة، ومدلولها هو الذات المعينة المشخصة لكل، كذلك هذه الكنايات؛ هي الدالة، ومدلولها معدود، مبهم -كما سنعرف- فليس معينا ولا مشخصا كدلالات الأعلام السابقة ... 2 هي أداة استفهام -كما سيجيء- ولهذا تعد من أنواع الإنشاء الطلبي الذي سبق توضيحه في ج1 رقم 3 من هامش ص337، م27. 3 وتعتبر من أنواع الإنشاء غير الطلبي الذي سبق توضيحه في الموضع المشار إليه في رقم 2 وعلى الرغم من هذا الاعتبار تحتمل الصدق والكذب -كما سيجيء في ص576- وفي هذا نوع من التعارض في رأي بعض النحاة، دون بعض، طبقا للبيان الذي سرده "الصبان" عند كلامه على الفرق بين نوعي: "كم".

إذا سمع هذا فإن الإبهام يزول عنها في الناحيتين السالفتين، وتنكشف له حقيقة المعدود "المسؤول عنه" ومقداره الحسابي؛ بسبب الاسم الذي جاء بعد: "كم" -ويسميه النحاة: تمييزا- وبسبب ما وليه من بدل مقرون بالهمزة. وهذا معنى قلوهم: "كم الاستفهامية" أداة مبهمة عند سامعها، لا بد لها من تمييز بعدها يزيل الإبهام عن إحدى ناحيتي المعدود، وهي "ناحية الجنس"، وقد يليه ما يزل الإبهام عن الناحية الأخرى؛ وهي ناحية "المقدار العددي". فالتمييز محتوم، أما ما يليه فليس بمحتوم. أشهر أحكامها: 1- أنها اسم استفهام له الصدارة في جملته دائما، إلا إن كان مجزورا بحرف جر أو بإضافة؛ نحو: بكم دينار تبرعت؟ ومرضى كم مستشفى ساعدت؟ والاستفهام بها قد يكون عن شيء مضى. أو لم يمض ... 2- أنها مبنية على السكون دائما في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الإعراب1، نحو: كم نوتيا في هذه الباخرة؟ -وكم بحارا

_ 1 وضع بعض النحاة لإعرابها ضابطا حسنا ينطبق عليها وعلى الخبرية؛ فقال ما ملخصه: إذا وقعت "لكم" على زمان أو مكان فهي ظرف مبنية على السكون في محل نصب. نحو: كم يوما صمت؟، كم ميلا مشيت؟. وإن وقعت على معنى مجرد "أي: حدث" فهي مفعول مطلق، مبنية على السكون في محل نصب؛ نحو: كم زيارة زرت المريض؟ وإن وقعت على ذات، وكان الفعل بعدها متعديا، لواحد أو أكثر ولم يستوف مفعوله فهي مفعول به، مبنية على السكون في محل نصب؛ نحو: كم درهما بذلت للسائل المحتاج؟ وإن سبقها حرف جر، أو مضاف فهي مبنية على السكون في محل جر؛ نحو: في كم ساعة تطوف الطائرة حول الأرض؟ وفوق كم خط من خطوط الطول تمر؟. وما عدا ذلك تكون مبتدأ -غالبا- مبنية على السكون في محل رفع. نحو: كم مهاجرا حضر؟ وكم مهاجرا سيحضر؟ ومن هذا قول الشاعر: وكم صاحب قد جل عن قدر صاحب ... فألقى له الأسباب؛ فارتفعا معا وقد تكون معمولا لناسخ يعمل فيما قبله مثل: "كان وظن" "دون، وإن" نحو: مالك؟. وقد تصلح مبتدأ أو خبر في مثل: كم مالك؟ إن كانت استفهامية. ومما يوضح محلها الإعرابي، ويسهل إعرابها أن نفترض عدم وجودها، ونجعل التمييز يحل في مكانها ونعرف موقعه الإعرابي، ونجري عليها حكمه؛ ففي مثل: كم يوما صمت. نفترض أن أصل الكلام: يوما صمت، أو صمت يوما. "فيوما": ظرف زمان. و"إذا": نعربها ظرف زمان. مبنية على السكون في محل نصب. وفي مثل: كم ميلا مشيت ... فتخيل أن الأصل: ميلا مشيت، أو: مشيت ميلا. فكلمة: "ميلا"، ظرف مكان. و"إذًا" نعربها ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب ... وهكذا.

فنيا رأيت بها؟ وإلى كم ربان تحتاج إدارتها؟ 3- لفظها مفرد مذكر دائما. ولكن مدلولها الذي يصدق عليه معناها قد يكون غير ذلك. ومن هنا يجوز عودة الضمير عليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا للمعنى المراد منها؛ نقول في السؤال عن المفرد المذكر، كما أخا جاءك؟ وعن مثناة: كم جاءك، أو: كم جاءك؟ وعن جمعه: كم جاءك؟ أو: كم جاءوك؟. ونقول في السؤال عن المفردة: كم طالبة نجح؟ أو: كم طالبة نجحت؟، وعن مثناها: كم نجح؟ أو: كم نجحنا؟، وعن جمعها: كم نجح؟ أو: كم نجحن؟ ... ، بمراعاة لفظ: "كم" أو معناها في كل ما سبق1. 4- لا بد لها من تمييز2 بعدها. والغالب أن يكون مفردا3 منصوبا بها؛ فهي العاملة فيه؛ نحو: كم طالبا يتعلمون في جامعاتنا؟ وكم بلدا عندنا يضم جامعة أو أكثر؟ ويصح أن يكون تمييزها مفردا مجرورا بمن -ظاهرة، أو مقدرة- بشرط أن تكون "كم" في الحالتين مجرورة بحرف جر ظاهر4؛ نحو: بكم طبيب نعالج المرضى في الريف؟ وإلى كم مهندس يحتاج؟ وعلى كم خبير زراعي يعتمد في زراعاته؟ ويصح: كم من طبيب ... كم من مهندس ... كم من خبير ... فإن وجدت "من" الجارة ظاهرة، فهي ومجرورها "التمييز" متعلقان "بكم" وإن لم توجد "من" ظاهرة فهي مقدرة تجر التمييز، أو ليست مقدرة، و"كم"

_ 1 راجع الجزء الرابع من شرح المفصل، ص132. وقد سبق لهذا بيان تام في ج1 م19 ص240 في موضوع: "التطابق بين الضمير، ومرجعه" ومثل الضمير غيره مما يحتاج لمطابقة. 2 انظر رقم 5 من هامش الصفحة الآتية وفيه ما يتعلق بالمطابقة هنا. 3 وردت أمثلة نادرة وقع فيها التمييز جمعا منصوبا، واستشهد بها الكوفيون على صحة وقوعه جمعا. وأغلب النحاة يردها أو يؤولها، ويرفض جمعيته. والأحسن الحكم على تلك الأمثلة بالندرة التي لا يصح معها القياس. ولا داعي لتكلف التأويل. 4 لا يشترط بعض النحاة لجر تمييزها بالحرف: "من" أن تكون مجرورة بحرف جر ظاهر؛ مستدلا بقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} ، ورأيه حسن "راجع الخضري".

هي التي تجره؟ على اعتبارها؛ مضافة "مع بنائها"1 والتمييز بعدها "مضاف إليه" مجرور. ويجوز أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بالهمزة، والمبدل منه هو كلمة: "كم" فيزول ما بقي من غموضها، وتنكشف الناحية الأخرى من إبهامها -كما أشرنا- نحو: كم بحارا في الباخرة؟ أعشرة أم عشرون؟ 5- وإذا كانت "كم" الاستفهامية مضافة لتمييزها فهي العاملة فيه؛ فلا يصح الفصل بينهما بجملة؛ لأن المتضايفين لا يفصل بينهما -في الأغلب- جملة. لكن يصح الفصل بأحد شبيهي الجملة؛ لأنها محل التوسع والتيسير. أما إن كان التمييز مجرورا بـ"من" الظاهرة فيجوز الفصل بالجملة أو بغيرها؛ وكذا إن كان التمييز منصوبا. لكن يجب جر هذا التمييز بمن2 بدلا من نصبه إن كان الفاصل بينهما فعلا متعديا لم يستوف مفعوله؛ لكيلا يقع في الوهم أن هذا التمييز المنصوب ليس بتمييز، وأنه مفعول به للفعل المتعدي، فلإزالة الوهم واللبس يجب جره بمن، ففي مثل: "كم عصفورا على الشجرة؟ وكم صيادا يحوم حولها؟ ... نقول عند الفصل بالفعل المتعدي الذي لم يستوف مفعوله: كم ترى من عصفور على الشجرة؟ وكم تشاهد من صياد يحوم حولها؟ ومن هذا قول الشاعر: وكم -سقت في آثاركم- من نصيحة ... وقد يستفيد الظنة3 المتنصح4 6- تمييز "كم" الاستفهامية في كل أحواله يصح حذفه إن دل عليه دليل، ولم يترتب على حذفه لبس5؛ مثل قول المستفهم: ما عدد طلاب الجامعة؟ كم في كلية الطب؟ وكم في كلية العلوم؟ يريد: كم طالبا في كلية الطب؟ وكم طالبا

_ 1 وهذا أحد المواضع التي يصح فيها أن يكون المضاف مبنيا. 2 انظر رقم 1 من هامش ص575. 3 الاتهام والتجريح. 4 المبالغ في النصيحة لمن لا يعمل بها. 5 وهو في كل أحواله أيضا نوع من تمييز الذات "لا النسبة" الذي سبق إيضاحه وتفصيله في ج2 م88 باب: "التمييز". ومراعاة هذا التمييز فيما يحتاج للمطابقة أوضح من مراعاة لفظ "كم".

في كلية العلوم ... 1. ب- كم الخبرية: هي أداة للإخبار عن معدود كثير، ولكنه مجهول الجنس والكمية2. ومن أمثلتها قولهم: "كم صالح بفساد آخر قد فسد"3. وما جاء في عتاب صديق لصديقه: "إني أحفظ ودك، وأرعى عهدك، وأرسم طريقي على الوفاء لك، والصفح عن بوادرك. فكم مرة هفوت فأغضيت، وكم إساءة نالتني فغفرت، وكم إخوان أبعدتهم عنك فقربتهم منك، وأرجعتهم إليك.. فهل تنسى هذا أو تتناساه؟ ". فكلمة: "كم" وحدها قبل وضعها في شيء من الكلام السابق، مبهمة "أي: لا تدل على حقيقة المعدود وجنسه، ولا على مقداره وكميته"؛ إذ لا يدري السامع المراد: أهو: كم يوم، أم كم رجل، أم كم إساءة ... وكذلك لا يدري: أهو كثير أم قليل ... ، فلما ذكر الاسم المجرور بعدها أزال عنها الإبهام، وكشف الغموض عن المعدود، فبين حقيقته وجنسه، وأوضح كميته بما يدل على أنها كثيرة. فكأنه يقول: مرات كثيرة -إساءات كثيرة- إخوان كثيرون، ومثله قول الشاعر: وكم ذنب مولده دلال ... وكم بعد مولده اقتراب

_ 1 وفيما سبق من أحوال "كم الاستفهامية" يقول ابن مالك في باب عنوانه: "كم، وكأين، وكذا" ... ما نصه: ميز في الاستفهام "كم" بمثل ما ... ميزت عشرين؛ ككم شخصا سما؟ وأجز أن تجره "من" مضمرا ... إن وليت "كم" حرف جر مظهرا والأصل في البيت الثاني: "أن ... " حذفت "همزة أن" للشعر، وانتقلت حركتها إلى الزاي الساكنة قبلها. "مضمرا"، أي: مضمرة. وجعلها مذكرة على نية إرادة: الحرف "من"، غير مريد: الكلمة: "من". يريد: أنه يصح جر التمييز "بمن المضمرة جوازا إن وقعت كم" بعد حرف جر ظاهر. 2 الكمية: المقدار الحسابي، أي: ما يدل عليه العدد من أفراد -وما سبق في ص568 عن الجنس والكمية في "كم اللاستفهامية" يزيد الأمر وضوحا هنا. 3 وقول الشاعر: كم ذكي قد عاش وهو فقير ... وغبي يضفو عليه الثراء

فلا بد لإزالة الإبهام عنها من تمييز بعدها يوضح الأمرين؛ جنس المراد منها، ومقداره. ولا يصح أن يجيء بعد التمييز بدل مقرون بهمزة الاستفهام، والمبدل منه هو: "كم"؛ إذ لا دخل للاستفهام هنا مطلقا1. وبسبب أن الإخبار بها يرمي إلى كثرة المعدود وجب أن يكون هذا الإخبار عن شيء مضى؛ لأن الذي مضى قد بان جنسه وكميته؛ فيمكن الحكم عليه بالكثرة، والإخبار بهذا الحكم، أما الذي لم يمض فمجهول الجنس والمقدار -غالبا؛ ومن ثم كان الدافع إلى استعمال "كم الخبرية" هو: الافتخار والمدح بكثرة شيء محبوب معلوم، أو: الذم بكثرة شيء معيب كذلك. أحكامها: 1- وجوب صدارتها في جملتها، إلا حين تكون مجرورة بحرف جر، أو بإضافة، نحو: لله أنت!! فإلى كم عمل نافع سارعت؛ فحمد الناس إسراعك. وعند كم عقبة في طريقة وقفت لتذليلها؛ فأكبر العارفون شأنك. 2- صحة عودة الضمير إليها إما مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وإما مطابقا لمعناها؛ مراعاة للمراد من مدلولها ... 2 والأفصح مراعاة تمييزها، نحو: كم رفاق نفع، أو نفعوا ... ومن مراعاة التمييز قول الشاعر: كم أناس في نعيم عمروا ... في ذرا ملك تعالى فبسق3 سكت الدهر زمانا عنهمو ... ثم أبكاهم دما حين نطق 3- وجوب بنائها على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة4.

_ 1 انظر رقم 5 من ص577، ففيها زيادة إيضاح. 2 مثل الضمير غيره مما يحتاج لمطابقة. ويوضح هذا الحكم ما سبق في نظيرتها. "رقم 3 ص570". 3 عمروا: طال عمرهم، ذرا: حماية ورعاية، بسق: ارتفع. 4 لا تختلف "كم" الخبرية في إعرابها المحلي عن "كم" الاستفهامية في إعرابها السابق: "في رقم "أ" من هامش ص569". برغم اختلاف معناهما وتمييزهما.

4- وجوب الإتيان بتمييز لها يكون مفردا مجرورا، أو جمعا مجرورا1، بشرط أن يكون في الحالتين غير مفصول منها بشيء، والأفصح إفراده، ولكن الجمع صحيح غير شاذ. ومن الأمثلة قول الشاعر: فكم نزهة فيك للحاضرين! ... وكم راحة فيك للأنفس! وقول الناثر: الأريب لا يخدع بالمظهر الزائف؛ فكم رجال حسنت مناظرهم وساءت مخابرهم! وكم رجال اقتحمتهم العيون وفي أثوابهم أبطال عظام! ... فإن فصل التمييز منها، وكان مفصولا بجملة وجب نصبه ولا يجوز جره إلا في ضرورة الشعر، أو حين تكون الجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله؛ -كم سيجيء هنا؛ نحو: ما أنفس نصائح الحكماء، وأغلى أقوالهم؛ فكم أرشدنا منهم -نصحا! وكم صاننا منهم- قولا!. وقول الآخر في مدح قوم: كم نالني منهمو فضلا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتار2 أجتمل3 "وفاعل الفعل في الأمثلة السابقة ضمير يعود على "كم" ومفعوله الضمير ويجوز جعل التمييز فاعلا بعد رفعه"4.

_ 1 والجر في الحالتين لأنه مضاف إليه، و"كم" هي المضاف. ويصح أن يكون الجر "بمن" المقدرة. ويجوز -دائما- إظهار "من". وإذا كان مجرورا بمن فالجار والمجرور متعلقان بكم، -كما سبق في رقم 4 من ص570- ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ، ومثل قول الشاعر: بليت -وفقدان الحبيب بلية- ... وكم من كريم يبتلى ثم يصبر وتمييزها في كل أحواله نوع من تمييز الذات "لا النسبة" لأنه نوع من تمييز العدد، بالرغم من أنها خبرية. 2 الفقر. 3 اجتمل الرجل الشحم: أذابه. 4 ومنه قول الشاعر حافظ إبراهيم: أرى لرجال الغرب عزا ومنعة ... وكم عز أقوام بعز لغات وفي "كم" الخبرية يقتصر ابن مالك على بيت واحد، يبين فيه معناها، وأن تمييزها يكون كتمييز العدد: "عشرة"، أي: جمعا مجرورا، أو كتمييز المائة يكون مفردا مجرورا "وهذا هو الأوضح والأكثر، والأول ليس بشاذ" يقول: واستعملنها مخبرا كعشره ... أو مائة، ككم رجال، و: مره

وكذلك يجب ولا يجوز جره إلا في ضررة الشعر إن كان مفصولا بظرف، ومعه جار ومجروره؛ نحو: كم دون الوصول إلى الشهرة كفاحا! وكم لها بعد إدراكها تعبا! فإن كان الفصل بالظرف فقط، أو بالجار مع مجروره فقط الأمان، والنصب هو الأرجح. نحو: كم دون الشهرة كفاحا! وكم لها تعبا!.. ولا يصح الفصل بغير ما سبق -على الصحيح. وإذا فصل بين "كم" الخبرية وتمييزها بجملة فعلية فعلها متعد، لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز بالحرف: "من"1؛ لمنع اللبس؛ إذ قد يقع في الوهم أن التمييز المنصوب ليس تمييزا، وإنما هو "مفعول به" للفعل المتعدي. فلإبعاد هذا الوهم يجب جر التمييز بمن، لا بالإضافة؛ إذ لا يصح -في الأغلب- الفصل بالجملة بين المتضايفين. كقوله تعالى عن قوم أهلكهم: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} 2، و"كم" في الآيتين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. ومن الجائز حذف تمييزها إذا دل عليه دليل. ولم يوقع حذفه في لبس؛ مثل: استعرضت كتبك الضاربة في علوم وفنون مختلفة؛ فما أكثرها وأعجبها!! فكم في الأدب!! وكم في التاريخ3..، ولكن حذفه وهو "مضاف إليه" قليل غير قياسي4؛

_ 1 يقول الصبان في باب: "حروف الجر"، عند الكلام على: من، الزائدة إنها في هذه الصورة زائدة؛ معتمدا على رأي فريق من النحاة. 2 وقوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} . وقد أوضحنا هذا في ج2 باب حروف الجر، م90 ص422، عند الكلام على: "من الزائدة". 3 ومثل قول الشاعر يتحدث عن بيته: كم مر بي فيه عيش لست أذكره ... ومر بي فيه عيش لست أنساه وقول الآخر: وإن نابتك نائبة فشاور ... فكم حمد المشاور غب أمر يريد: فكم يوم فكم مرة ... 4 لحذف المضاف إليه موضوع سبق في ج3 م96.

لما يترتب عليه من حذف "المضاف إليه" مع وجود المضاف وحده. من كل ما تقدم نستطيع أن ندرك الموازنة التي عقدها بعد النحاة بين نوعي: "كم" لبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما. وملخصها: أنهما يتشابهان في خمسة أمور: أ- أنهما كنايتان مبهمتان عن معدود، مجهول الجنس، والمقدار. "أي: مجهول الحقيقة، والكمية". ب- مبنيتان. ج- بناؤهما على السكون في محل رفع؛ أو نصب، أو جر، على حسب موقعهما من جملتهما؛ فهما متماثلتان في إعرابهما المحلي، مع ملاحظة أن لفظهما مفرد مذكر دائما، وأن مدلولهما قد يكون غير ذلك؛ فيراعي لفظهما، أو مدلولهما، في الضمير العائد عليهما، وفي غيره من كل ما يحتاج للمطابقة؛ ولكن مراعاة التمييز أوضح. د- ملازمتان للصدارة في جملتهما، إلا إن سبقها حرف جر، أو: مضاف. هـ- حاجة كل منهما إلى تمييز قد يصح حذفه عند أمن اللبس، ويفترقان في خمسة أمور كذلك: 1- أن الخبرية تتضمن الإخبار بكثرة شيء معدود؛ فتختص بالزمن الماضي وحده. ولهذا لا يصح على الإخبار أن نقول: كم رحلة سأقوم بها أيام العطلة المقبلة! لأن التكثير والتقليل -كما سبق- لا يكونان إلا فيما عرف مقداره. وهذه المعرفة لا تحقق إلا في شيء قد مضى وانتهى. ويصح على الاستفهام أن نقول ما سبق، وغيره. 2- أن المتكلم بالخبرية لا يتطلب جوابا من السامع؛ لأنه مخبرن غير مستخبر؛ بخلاف الاستفهامية. 3- أن المتكلم بالخبرية، يتعرض للتصديق والتكذيب؛ لأنه مخبر، والخبر

عرضه لأن يصدقه السامع أو يكذبه1. 4- أن الأغلب في تمييز استفهامية أن يكون مفردا منصوبا بها، أو مجرورا بالإضافة، أو بمن إن جرت "كم" بحرف جر ظاهر. أما تمييز الخبرية فيكون مفردا مجرورا؛ أو جمعا مجرورا2. ولا يكون منصوبا إلا في بعض حالات الفصل. 5- أن البدل من "كم" الخبرية لا يصح اقترانه بهمزة الاستفهام3؛ لأن هذا البدل خبري كالمبدل منه "وهو: كم الخبرية" والخبر لا يصح أن يتضمن معنى الاستفهام. يقال: كم رجال حضروا الحفل!! ثمانين بل تسعين ... أما الاستفهامية فيجب اقتران البدل منها بهمزة الاستفهام؛ لأن الاستفهامية تتضمن معنى الاستفهام. فيقال: كم رجال حضروا؟ أثمانين أم تسعين؟ إذا كان العدد مجهولا يريد أن يعرفه السائل. الثانية: كأين4. وأشهر لغاتها: "كأين" -"بهمزة مفتوحة. وتشديد الياء مكسورة، فنون ساكنة"- ثم: "كائن" بسكون النون. ثم: "كأين"؛ "بهمزة ساكنة بعد الكاف، تليها ياء مكسورة، فنون ساكنة"5. وهي بمنزلة "كم" الخبرية، ولكن تشاركها في أمور، وتخالفها في أخرى، فتشاركها في الأمور الخمسة الآتية:

_ 1 لكن كيف يقع هذا مع أنها نوع من الإنشاء غير الطلبي؟ ظاهر الأمر وقوع تعارض. وقد قلنا -في رقم 3 من هامش ص568- إن بعض النحاة يرى في هذا تعارضا، وإن فريقا آخر يمنع هذا التعارض، كما دونه الصبان في هذا الموضوع من الباب. 2 سبب الجر موضح في رقم 1 من هامش ص574. 3 لهذا إشارة سبقت في أول ص573. 4 أصل النون التي في آخرها هو التنوين؛ فيصح الرجوع إلى أصلها ومراعاته عند الكتابة والوقف، ولكن الأحسن إثبات نونها خطا ونطقا في جميع لغاتها، حتى عند الوقف عليها، منعا للإلباس. 5 ثم: "كيئن" -بكاف مفتوحة، فياء ساكنة فهمزة مكسورة، فنون ساكنة- ثم: "كئن" كالسابقة مع حذف الياء. وقد أطال النحاة في إثبات أنها مركبة في الأصل. ولا حاجة بنا إلى احتمال العناء في معرفة ذلك الأصل المزعوم المتكلف؛ لأن الذي يعنينا الآن أنها "وهي بمعنى: كم" كلمة واحدة في إعرابها، وفي معناها، وكل أحكامها، ولا يلاحظ أصلها في شيء من ناحية تركيبه مطلقا.

1- الإبهام. 2- الدلالة على تكثير المعدود. 3- الملازمة للصدارة. 4- البناء على السكون محل رفع، أو نصب، على حسب موقعها، ولا تكون "كأين" في محل جر، ومن الممكن وضعها في كل مكان توضع فيه: "كم الخبرية" إلا الجر. 5- الحاجة إلى تمييز مجرور، ولكنه يُجر هنا "بمن" ظاهرة لا بالإضافة. والجار مع مجروره متعلقان بكأين. وقد ينصب التمييز. ومن الأمثلة للمجرور، قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} . وقول الشاعر: وكائن رأينا من فروع طويلة ... تموت إذا لم تحيهن أصول! ومن التمييز المنصوب قول الشاعر: اطرد اليأس بالرجا؛ فكأين ... آلما1 حم2 يسره بعد عسر! وقول الآخر: وكائن لنا فضلا عليكم ومنة ... قديما! ولا تدرون ما من منعم ويجوز الفصل بينها وبين تمييزها مطلقا -كما في بعض الأمثلة السالفة- فإن كان الفاصل فعلا متعديا لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز "بمن"؛ منعا من توهم أنه مفعول به في حالة نصبه، ومن الأمثلة قول الشاعر3: وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم

_ 1 اسم فاعل من ألم يألم، بمعنى: تألم يتألم.. 2 قدر وهيئ. 3 ومثل البيت السالف: وكائن رأينا من فروع طويلة ...

وقول الآخر: وكائن ترى من حال دنيا تغيرت ... وحال صفا بعد اكدرار غديرها وتخالفها في أربعة: 1- "كم الخبرية" كلمة "بسيطة" على الأرجح. أما "كأين" فمركبة -على الأرجح أيضا- من كافة التشبيه، و "أي" المنونة. ولا أثر للتركيب ولا لمعنى جزأيه في حالتها القائمة الآن، بعد أن صارت كلمة واحدة تؤدي معنى جديدا. 2- "كأين" لا تكون مجرورة بحرف، ولا بإضافة، ولا بغيرهما، بخلاف "كم الخبرية" فإنها تجر بالحرف وبالإضافة. 3- إذا وقعت "كأين" مبتدأ فخبرها لا يكون إلا جملة -في الغالب الكثير-1 كبعض الأمثلة السالفة، أما "كم الخبرية" فلا يلزم أن يكون جملة. 4- ليس لها نوع آخر يستعمل في الاستفهام، أو في غير الإخبار ... 5- تمييزها المجرور هو في الغالب مجرور بمن الظاهرة. بخلاف "كم

_ 1 جاء في حاشية "ياسين" على التصريح، -ج1 باب: المبتدأ والخبر، عند الكلام على أقسام الخبر- أن منه ما يجب أن يكون جملة: مثل خبر "كأيمن" الخبرية الواقعة مبتدأ. ولم يتعرض لبيان أنه الواجب أو الأغلب. لكن جاء في الصبان -ج4 باب: "كم"- عند الكلام على "كأين" ما نصه: "قال في جمع الجوامع وشرحه: لا يخبر عن "كأين" إذا وقعت مبتدأ إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع؛ نحو قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ، وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} . لكن يرد عليه قول الشاعر: وكائن لنا فضلا عليكم ومنة ... قديما ولا، تدرون ما من منعم ... فإن الخبر فيه جار مع مجروره. وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} . إن جعل الخبر الجملة الاسمية. وهي: "الله يرزقها" فإن جعل: "لا تحمل رزقها" لم ترد الآية". ا. هـ. كلام الصبان. من كل ما سبق يتبين أن خبر "كأين" ليس مقصورا على الجملة الفعلية وجوبا، وإن كان الغالب وقوعه جملة فعلية -ولهذه المسألة إشارة في ج1 م430 عند الكلام على الخبر الجملة.

الخبرية" فإنه يجر بالإضافة، أو بمن المضمرة، أو الظاهرة. الثالثة: "كذا"، وصيغتها ثابتة في كل الحالات، ولا يطرأ على حروفها تغيير ما دامت من كنايات العدد. وهي -في أصلها- مركبة من "كاف" التشبيه، و"ذا" الإشارية، وصارت بعد التركيب كلمة واحدة ثابتة، تؤدي معنى جديدا مستقلا، لا صلة له بالتشبيه ولا الإشارة إذا كان الغرض منها الإخبار عن شيء معدود1 قليل أو كثير، ففي هذه الصورة تعد كلمة من كنايات العدد المبهمة2. وتشبه "كم الخبرية" فيما يأتي: 1- في الإخبار. 2- وفي الإبهام. 3- وفي البناء على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر ... "فمحلها على حسب حاجة الجملة دائما". 4- وفي الحاجة إلى تمييز. وتخالفها في: 1- أنها لا تلازم الدلالة على الكثرة، فقد يكون "كذا" كناية عن معدود كثيرا أو قليل -كما تقدم- نحو: أنفقت كذا دنانير في رحلاتي، وركبت خلالها كذا وكذا سيارة وطيارة، وباخرة، وقطارا. 2- وفي تمييزها واجب النصب بها على الأرجح3. سواء أكان مفردا

_ 1 "كذا": صالحة للكناية عن الأعداد وعن الأعمال؛ طبقا لما نص عليه صاحب "المصباح المنير" وسيجيء النص في "ج" من ص582. 2 في الزيادة والتفصيل -ص582- بيان استعمالاتها الأخرى في غير الكنايات العددية: 3 قلنا: "على الأرجح" لأنه الكوفيين يجزون في غير تكرار ولا عطف، فيقولون: في المتجر كذا ثوب، وفي المصنع كذا عامل. فيكون التمييز مضافا إليها مجرورا، أو مجرورا بمن مقدرة. أو بدلا في رأي ثالث إذا كانت هي مجرورة. والأفضل هنا عدم الأخذ بالرأي الكوفي؛ لأنه مبني على مجرد القياس على تمييز "كم"، دون عرض أمثلة تؤيده من الكلام العربي الفصيح. ومجرد القياس في مثل هذا ضعيف مردود. وبعض النحاة "ومنهم ابن مالك" يجيز جره بمن -كما سيأتي في البيت التالي. وفي الكلام على: "كأين، وكذا" يكتفي ابن مالك ببيت واحد، هو: =

أم جمعا1. 3- وأنها لا تكون في الصدر. 4- وأنها تتكرر -غالبا- مع عطف بالواو؛ كقول الشاعر: عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا ... كذا وكذا؛ لطفا به نسي الجهد

_ = ككم: "كأين" و"كذا"، وينتصب ... تمييز ذين، أو: به صل: "من" تصب يقول إن "كأين" و"كذا" مثل: "كم" -يريد: "كم" الخبرية- ولم يبين أوجه الشبه. وقد أوضحناها، ثم بين أن تمييز "كأين وكذا" منصوب. ومن الجائز عنده جره بمن، ويرى في جره إصابة وسدادا. وهو يخالف أكثر النحاة في جر تمييز "كذا" "بمن" كما سلف. إلا إن كان الضمير في "به" عائدا على تمييز: "كأين" فقط، كما يرى بعض المعربية، وهذا حسن. 1 صرح صاحب الهمع "ج2 ص256 في هذا الباب" بأن تمييز: "كذا" لا يكون إلا مفردا فقال ما نصه: "مميز "كذا" لا يكون إلا مفردا منصوبا..". ا. هـ. لكن قد يفهم من بعض المراجع الأخرى صحة وقوعه جمعا ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- الغالب في "كذا" التكرار مع العطف بالواو، ومن القليل1 تجردها منهما معا؛ فإن لم توجد الواو العاطفة وجب إعراب المتأخرة توكيدا لفظيا للأولى2. ب- تأتي: "كذا" المكررة المعطوفة بالواو. وغير المكررة -كناية عن غير العدد؛ فيكنى بها عن اللفظ الواقع في التحديث عن شيء حصل، أو عن قول. سواء أكان ذلك اللفظ معرفة أم نكرة؛ كالحدث النبوي: يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا3 ... ويجوز أن تبقى على أصلها من التركيب من كاف التشبيه وذ الإشارية حين يقتضي المعنى بقاءها على أصلها، نحو: عرفت الأخ نافعا، والصديق كذا. ورأيت الغنى واقيا من ذل السؤال والعمل كذا. وفي هذه الصورة قد تدخل عليها "هاء التنبيه" فيقال: والصديق هكذا ... والعمل هكذا.. أو: وهكذا الصديق -وهكذا العمل. ج- في "المصباح المنير" -مادة "كذا"- ما نصه: "كذا: كناية عن مقدار الشيء وعدته4؛ فينصب ما بعده على التمييز؛ يقال اشترى الأمير كذا وكذا عبدا. ويكون كناية عن الأشياء؛ يقال: فعلت كذا، وقلت كذا. فإن قلت فعلت كذا وكذا فلتعدد الفعل. والأصل "ذا"، ثم أدخل عليها كاف التشبيه بعد زوال معنى الإشارة والتشبيه، وجعل كناية عما يراد به، وهو معرفة فلا تدخله الألف واللام". ا. هـ. وإذا هو كناية تصلح للمقادير وللأعمال على حسب المراد.

_ 1 كما في الخضري والتصريح. 2 الخضري. 3 قال السيوطي في الأشباه والنظائر: الذي شهد به الاستقراء، وقضى به الذوق الصحيح، أن: "كذا" المكنى بها عن غير العدد إنما يتكلم بها من يخبر عن غيره؛ فتكون من كلام المخبر لا من كلام المخبر عنه؛ فلا تقول ابتداء: مررت بدار كذا، ولا بدار كذا وكذا، بل تقول: مررت بالدار الفلانية. ويقول من يخبر عنك: قال فلان مررت بدار كذا، أو بدار كذا وكذا. 4 عدده.

الرابعة: كنايات أخرى. منها: "كيت ... وذيت" هاتان ليستا من كنايات العدد، وإنما يذكرها النحاة بعد تلك الكنايات للمناسبة بين النوعين في مجرد الكناية عن شيء. وكيت وكيت -بفتح التاءين معا، وهو الأكثر، أو كسرهما معا، أو ضمهما كذلك- يكنى بهما عن القصة والخبر، أي: الحديث عن شيء حصل أو قول وقع1؛ مثل: "صنع العامل كيت وكيت، وقال كيت وكيت"1. ولا بد من تكرارهما مع فصلهما بالواو2، واعتبارهما معا "وبينهما هذه الواو المهملة" مركبا مزجيا بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، والجزءان معا مبنيان إما على الفتح، وإما على الكسر، وإما على الضم، في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. وهذا المركب المزجي -عاملا- نائب في الحقيقة عن جملة، وهذا صح أن يعمل فيه القول في نحو: "أنت قلت كيت وكيت"؛ فيكون المركب المزجي -بتمامه- هنا في محل نصب، مفعولا به للفعل "قال" ... 3. وكل ما تقدم في: "كيت وكيت" يقال كاملا في: "ذيت وذيت". من غير تفريق في شيء إلا في الحرف الأول الهجائي؛ فهو "كاف" في أحد المركبين، و "ذال" في المركب الآخر، ولا خلاف في شيء بعد هذا.

_ 1 و1 المفهوم من كلام: "الأشموني" أن الألفاظ الأربعة "كيت وكيت، ذيت وذيت" يكنى بها عن الحدث. لكن جاء في كتاب: "تقويم اللسان" لابن الجوزي "المتوفى حول سنة 798 -باب الدال، ص129" ما نصه: "تقول: قال فلان: "ذيت وذيت" والعامة تقول: "كيت وكيت" وإنما العرب تجعل "ذيت وذيت" كناية عن المقال، و"كيت وكيت" كناية عن الأفعال". ا. هـ. ثم جاء في هامش تلك الصفحة ما نصه: منقولا عن نسختين: "فيهما: ذيت وذيت كناية" عن الأفعال، وفي "الصحاح" "ذيت" عن أبي عبيدة: يقولون كان من الأمر ذيت وذيت ... وكيت كيت". ا. هـ. 2 والمفهوم المتبادر من كلامهم أن هذه الواو مهملة جاءت وجوبا لمجرد الفصل بين جزأي المركب المزجي، فلا عمل لها ولا أثر إلا هذا الفصل المحض. 3 راجع الصبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- يقول اللغوين: إن أصل: "كيت وكيت" و"ذيت وذيت" هو: "كية وكية" و"ذية وذية" بتشديد الياء في كل لفظة، وبعدها تاء التأنيث المربوطة. ثم حصل تخفيف بحدف التاء المربوطة، وبقلب الياء الثانية "من كل ياء مشددة" تاء واسعة "أي: غير مربوطة"، فهذه التاء ليست للتأنيث وإنما هي منقلبة عن حرف أصلي. ولا مانع عندهم من استعمال -الأصل وهو: كية وذية- بدون تخفيفة. ويتعين عند استعماله تركيب كل جزأين تركيبا مزجيا مع بنائهما على الفتح دائما في كل المواقع الإعرابية. ب- ويقول الصبان: "إذا قيل: كان من الأمر "كيت وكيت" -ومثلها: "ذيت وذيت"- "فكأن للشأن، خبرها: كيت وكيت1، لأن هذا المركب المزجي نائب هنا عن الجملة، ولا يكون اسما لكان؛ إذ لا يكون اسمها جملة. قاله الفارسي، واستحسنه ابن هشام. لكن يلزم عليه تفسير ضمير الشأن2، بغير جملة مصرح بجزأيها؛ والظاهر أن: "من الأمر" تبيين يتعلق بفعل مقدر؛ هو: "أعنى". وهذا كلامه مع تيسير قليل في بعض كلماته. وفيه حذف وتقدير لا داعي لهما. ولو جعلنا "كيت وكيت" -في هذا الأسلوب وحده- اسما لكان الناسخة غير الثانية، وخبرها شبه الجملة مع اعتبار المركب المزجي الحالي ليس جملة هنا في ظاهره الحقيقي، لاستغنينا عن الحذف والتقدير، ولسايرنا الأيسر الواضح بغير ضرر، ولا خروج على الأصول العامة.

_ 1 اسمها ضمير الشأن: مستتر. والأصل أن يكون خبرها جملة، طرقاها مذكوران صراحة. 2 تفصيل الكلام عليه في ج1 ص177 م20.

المسألة 169: التأنيث 1 الاسم المعرب 2 نوعان: 1- مذكر "مثل: حاتم، قيس، جعفر، نهر، قمر، كتاب ... " ولا يحتاج إلى علامة لفظية تزاد على صيغته لتدل على تذكيرها صاحبها؛ لأن الذي الذي يدل على تذكيرهما هو الشهرة، وشيوع الاستعمال، ولا سيما الاستعمال الوارد في أكثر الأساليب المأثورة عن العرب. 2- مؤنث؛ "مثل: سنية، عزيز، ليلى، لمياء، أرض، أذن ... " ويحتاج إلى علامة لفظية ظاهرة؛ أو: مقدر "أي: ملحوظة" تزاد على صيغته؛ لتدل على تأنيها، وتأنيث صاحبها، فالعلامة الظاهرة في الأسماء المعربة هي: "تاء التأنيث" المتحركة3، أو: "ألف التأنيث" بنوعيها؛ المقصورة والممدودة؛ مثل: عزيز، ليلى، لمياء، ... أما العلامة المقدرة: أ- فقد تكون خاصة بالأسماء المعربة الثلاثية، وهي تاء التأنيث الملحوظة -"طبقا للسماع الوارد عن العرب" في مثل: أرض، أذن، عين، قدم،

_ 1 المراد من هذا العنوان الشائع في أكثر المراجع النحوية هو: بيان العلامة الدالة على تأنيث الاسم المتمكن؛ وليس المراد ذكر الأحكام المترتبة على التأنيث كثيرة متغلغلة في الأبواب النحوية المختلفة، لا يكاد باب يخلو منها. 2 أما علامة التأنيث في الكلمات المبنية أصالة فتأتي في رقم 1 من هامش ص590. 3 وهي بكل أسمائها علامة التأنيث اللفظي؛ إذ يسميها بعض النحاة: "تاء التأنيث" ويسميها غيرهم: "تاء النقل" من حالة إلى أخرى؛ كنقلها المذكر إلى المؤنث والوصفية "المشتق" إلى الاسمية المحضة؛ كالراوية للمزادة، وكالخالبية للبئر الصغيرة، و ... كما جاء في مجلة المجمع اللغوي، ج1 ص14 حيث يقول عن المصدر الصناعي ما نصه على لسان أحد الأعضاء: "إن هذا المصدر مكون من اللفظ المزيد عليه ياء النسب، وتاء النقل على رأي أبي البقاء في: "الكليات". وكذلك في ص26 من كتابه: "أصول اللغة" الذي أصدره في سنة 1969 -وانظر رقم 3 من هامش ص590- والأمران سيان. ولكن التسمية الأولى أشهر وأوضح. وقد أشرنا لهذا في ج3 م98 ص182 باب: "أبنية المصادر".

كشف. والذي يدل على أنه هذه الكلمات الثلاثية -وأشباهها-1 مؤنثة سماعا بتاء مقدرة "أي: ملحوظة" ظهور هذه التاء في أغلب كلام العرب عند التصغير؛ إذ يقال: أريضة، أذينة، عيينة، قديمة، كتيفة2. ب- وقد تكون عامة في الأسماء بنوعيها "الثلاثي وغير الثلاثي"؛ كعود الضمير عليها في المسموع مؤنثا. كأرض. وعرب، في مثل: الأرض زرعتها، والعقرب قتلتها. ومثل: نعتها، أو الإشارة إليها بالمؤنث؛ سماعا في الحالتين، مثل: الأرض المتحركة واحدة من أرضين كثيرة، هذه الأرض واحدة من ... : العقرب السامة قتالة، هذه العقرب ... ، ولا تكون ألف التأنيث مقدرة3. معنى: "مؤنث": هذه الكلمة إحدى "المصطلحات" التي يتردد ذكرها كثيرا في الاستعمال

_ 1 المراد بالأشباه ما كان أصله ثلاثيا ولكن حذف بعض أصوله، مثل يد، أصلها: "يدي". 2 بمناسبة الكلام على أعضاء الإنسان يقول اللغويون بحق: إن تذكيرها وتأنيثها موقوف على السماع وحده، لكن الأعضاء المزدوجة مؤنثة في الغالب، تبعا للسماع الوارد فيها؛ كعين، وأذن، ورجل، وغير المزدوجة مذكر في الغالب، نحو: رأس، أنف، ظهر ... ومن المزدوج المذكر: الحاجب، الصدغ، الخد، اللحى "عظم الفك"، المرفق، الزند، الكوع، الكرسوع ... ومن المزدوج الذي يذكر ويؤنث: العضد، الإبط، الضرس. ومن المنفرد المؤنث: الكرش، ومن المنفرد الذي يصح تذكيره وتأنيثه: العنق، اللسان، القفا، المتن، المعى ... ؛ فالقاعدة أغلبية. 3 وفي هذا يقول ابن مالك في باب عنوان: "التأنيث": علامة التأنيث تاء أو ألف ... وفي أسام قدروا "التا"؛ كالكتف "أسام: جمع جمع، مفرده: أسماء. ومفرد الأسماء: اسم" ويلاحظ أنه سمى علامة التأنيث هنا: "تاء" لا "هاء" كما يسميها فريق آخر من النحاة. والتسميتان شائعتان في المراجع المختلفة. وقد سبق عنهما بيان مفيد -في رقم 3 من هامش ص236، ومن أظهر آثارها في "النقل" عند وجودها في آخر المصدر الصناعي "مثل: وطنية، وحشة ... " أن تصير الكلمة بسبب ياء النسب ملحقة بالمشتق قبل مجيء هذه التاء؛ فإذا جاءت التاء نقلت الكلمة إلى المعنى الخالص "الحدث" الخالي من الدلالة على الاشتقاق. ثم قال بعد ذلك في بيان التأنيث المقدر: ويعرف التقدير بالضمير ... ونحوه؛ كالرد في التصغير

اللغوي: ويختلف معناها باختلاف ما تدل عليه من أنواع تقضي الفائدة بالإشارة إليها هنا؛ لأن هذا الباب هو الأنسب لذكرها1: وأشهرها: 1- المؤنث الحقيقي: وهو الذي يلد، ويتناسل، ولو كان تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ ولا بد من لفظ المؤنث الحقيقي من علامة تأنيث ظاهرة، أو مقدرة، مثل: ولادة، سعدى، هند، عصفورة، عقاب2. وله أحكام مختلفة؛ يتصل منها بموضوعنا: وجوب تأنيث فعله، ونعته، وخبره، وإشارته، وضميره ... بالشروط والتفصيلات الخاصة بكل واحد من هذه الأمور في بابه؛ نحو: كانت ولادة أديبة أندلسية ذائعة الصيت. وقد نقل التاريخ الأدبي إلينا كثيرا من أخبار هذه الأديبة، ومجالسها، وفنونها ... 2- المؤنث المجازي: وهو الذي لا يلد ولا يتناسل؛ سواء أكان لفظه مختوما بعلامة تأنيث ظاهرة؛ كورقة، وسفينة ... ، أم مقدرة؛ مثل: دار، وشمس. ولا سبيل لمعرفة المؤنث المجازي إلا من طريق السماع الوارد عن العرب، ولا يمكن الحكم على كلمة مؤنثة بأنها تدل على التأنيث مجازا إلا من طرييق اللغوي الذي يوضح أمر ذلك السماع ويبينه. وهذا النوع المجازي يخضع في استعماله لكثير من أحكام المؤنث الحقيقي؛ خضوعا واجبا في مواضع، وجائزا في أخرى؛ كوجوب تأنيث الضمير العائد عليه في مثل: الدار اتسعت. وجوازه في مثل اتسعة الدار، أو اتسع الدار ... 3- المؤنث اللفظي فقط: وهو الذي تشتمل صيغته على علامة تأنيث ظاهرة، مع أن مدلوله "أي: معناه" مذكر؛ نحو: حمزة، أسامة، زكرياء. أعلام رجال. وله أحكام مختلفة مدونة في الأبواب المناسبة لها؛ فقد يراعى معناه في حالات فلا يؤنث له الفعل، ولا يعود عليه الضمير مؤنثا ... ، فلا يقال: اشتهرت حمزة بالشجاعة والإقدام، ولا حمزة اشتهرت بالإقدام ... ولا يجمع "في

_ 1 سبقت الإشارة إليها في ج2 ص66 م66 باب: "الفاعل". 2 إحدى الطيور الجارحة.

الأرجح" جمع مذكر سالما ... وقد يراعى لفظه -وهو الأغلب في كثير من حالاته الأخرى- فيمنع من الصرف، ويذكر له اسم العدد1؛ فيقال ثلاث حمزات ... 4- المؤنث المعنوي فقط: وهو ما كان مدلوه مؤنثا حقيقيا أو مجازيا ولفظه خاليا من علامة تأنيث ظاهرة؛ فيشمل المؤنث الحقيقي الخالي من علامة تأنيث، مثل: زينب، سعاد، عقاب ... كما يشمل المؤنث المجازي الخالي منها؛ مثل: عين، رجل، بئر ... ويجري عليه كثير من أحكام المؤنث الحقيقي والمجازي، كتأنيث الفعل له، وتأنيث ضميره، ونعته، والإشارة إليه ... وكمنعه من الصرف أو عدم منعه على حسب حالته. 5- المؤنث اللفظي المعنوي: وهو ما كانت صيغته مشتملة على علامة تأنيث ظاهرة، ومدلوله مؤنثا؛ مثل: فاطمة، علية، ريا، سعدى، حسناء، هيفاء، نحلة، أسدة، شجرة، دنيا ... ويخضع لكل أحكام المؤنث اللفظي والمعنوي. والأنواع الخمسة السابقة قد يجتمع منها نوعان أو أكثر، ويسميان باسم يشمل النوعين، كأن يقال: لفظي مجازي؛ مثل: دنيا ... 6- المؤنث التأويلي: وهو ما كانت صيغته مذكرة في أصلها اللغوي، ولكن يراد -لسبب بلاغي- تأويلها بكلمة مؤنثة معناها؛ فقد كان العرب يقولون: "أتتني كتاب أسر بها ... ، يريدون: رسالة2" "خذ الكتاب واقرأ ما فيها. يريدون: الأوراق". وكذلك: "الحرف في مثل قولهم: هذه الحرف: نعت؛ يريدون به: الكلمة" ... وأمثال هذا كثير في كلامهم ...

_ 1 وهذا في الرأي الأحسن، كما سبق ص541 حيث البيان الخاص بهذا. 2 وكقول الشاعر: يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد: ما هذه الصوت؟ يريد: الضجة، أو الصرخات ...

وحكم هذا النوع: أنه يصح مراعاة صيغته اللفظية، من ناحة عدم تأنيث فعلها المسندة إليه، وكذلك مراعاة تذكيرها اللفظي عند نعتها، والإشارة إليها ... و ... كما يصح مراعاة معناها الذي تؤول به بشرط قيام قرينة جلية تمنع اللبس؛ نحو: "امتلأت الكتاب السطور؛ تريد: الورقة التي في يدك، مثلا" "هذه الكتاب نافعة، تريد: هذه الورقة" ... ولكن من الخير الاقتصار على مراعاة صيغة اللفظ؛ قدر الاستطاعة منعا للالتباس، فإن هذا المنع غرض من أهم الأغراض اللغوية، يجب الحرص عليه هنا، وفي كل موضع آخر1 ... 7- المؤنث الحكمي: وهو ما كانت صيغته مذكرة ولكنها أضيفة إلى مؤنث فاكتسبت التأنيث؛ بسبب الإضافة؛ كقوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} . فكلمة "كل" مذكرة في أصلها، ولكنها في الآية اكتسبت التأنيث من المضاف إليه المؤنث؛ وهو "نفس"2. تلك أشهر أنواع المؤنث. ويعنينا منها، النوعان الأساسيان؛ وهما الأول والثاني "أي: المؤنث الحقيقي، والمجازي" أما سواهما فمتفرع منهما، راجع إليهما في أكثر أحكامه ... والنوعان الأساسيان "أي: الحقيقي والمجازي" لا بد من اشتمالهما على علامة تأنيث ظاهرة أو مقدرة "أي: ملحوظة"، كما في بعض الأمثلة الأولى.

_ 1 وإلا صارت اللغة فوضى، مضطربة الدلالات، غامضة المعاني والمرامي. ومما يساعد على إيجاد هذه العيوب فتح باب "التأنيث التأويلي" بغير قيد، وإباحته إباحة مطلقة، مع علمنا أن كل لفظ مذكر لا يكاد يعدم ضدا له مؤنثا على التأويل. فلو استبحنا استعمال المؤنث التأويلي استباحة عامة لكان من ورائها فساد لغوي كبير. لكن لا مانع منها إذا اشتهر اللفظ المذكر في عصره وشاع المراد منه شيوعا لا خفاء فيه، ولا لبس معه، كالذي يجري في أيامنا من تسمية بعض الصحف، المجلات بأسماء مذكرة؛ مثل: الهلال، والعربي، والمنبر ... من أسماء المجلات الأدبية، ومثل: المقطم، والمساء، والبلاغ ... من أسماء الصحف اليومية؛ فينطبق عليها الأمران السالفان، فيقال: ظهر الهلال، أو ظهرت الهلال. وكذا الباقي حيث يلاحظ التذكير أو التأنيث في كل. ولعل هذا الرأي أنسب وأنفع من الآراء القديمة الأخرى، التي منها الحكم المطلق بالخطأ على تذكير المؤنث -كما يفهم من "الموشح" ص279 منسوبا للكسائي زعيم الكوفيين- ومنها رأي ابن جني في كتابه "الخصائص" -ج2 ص415- حيث يقول: "تذكير المؤنث واسع جدا ... " وحيث يفهم من بحثه أن تأنيث المذكر قليل.. 2 إيضاح هذا مدون في موضعه من باب الإضافة "ج3 ص51 م92".

وقد تبين مما تقدم أن علامات التأنيث الظاهرة الدالة على تأنيث الأسماء المعربة1 ثلاث زوائد، وكل واحدة منها فارقة بين المؤنث والمذكر، ولا يصح أن يوجد منها في الاسم إلا علامة واحدة2 ظاهرة لتأنيثه. والثلاث هي: تاء التأنيث المتحركة المربوطة3، وألف التأنيث المقصورة، وألف التأنيث الممدودة، وفيما يلي تفصيل الكلام على كل علامة: "العلامة الأولى": فأما تاء التأنيث3 المتحركة المربوطة فمختصة بالدخول -قياسا- على أكثر الأسماء المشتقة4؛ لتكون فارقة بين مذكرها ومؤنثها؛ نحو: عابد وعابدة، عراف وعرافة، فرح وفرحة، مأمون ومأمونة ولا تدخل على أسماء الأجناس الجامدة إلا سماعا؛ وقد سمعت في بعض ألفاظه قليلة لا يقاس عليها؛ مثل: أسد وأسدة، رجل ورجلة، فتى وفتاة، غلاء وغلامة، امرأ وامرأة، إنسان وإنسانة، في لغة ... ونظائرها مما تنص عليه الراجع اللغوية، ويجب الوقوف فيه عند حد السماع الوارد5. وإنما كانت تاء التأنيث مختصة بالدخول على أكثر الأسماء المشتقة دون

_ 1 أما الأسماء المبنية أصالة فلا تكون علامة تأنيثها التاء المربوطة، ولا الألف، وإنما لها علامات أخرى، منها: كسر التاء في مثل: أنت. والنون المشددة في مثل: هين. وأما بعض الحروف فقد تدخلها التاء المفتوحة سماعا، نحو: ربت. وأما الأفعال فتؤنث ألفاظها بالتاء لتأنيث فاعلها؛ فتدخل تاء التأنيث الساكنة على آخر الماضي، نحو: برعت طبيباتنا، وتدخل التاء المتحركة على أول المضارع، نحو تبرع الطبيبة ... 2 وأما: علقاة، اسم نبت، وأرطاة، اسم شجر، فألفهما مع وجود التاء معها ألف إلحاق، ليست للتأنيث. 3، 3 ويسميها بعض النحاة، "هاء التأنيث"؛ لأنها تصير "هاء" عند الوقف عليها، بالسكون أما في غير الوقف فمتحركة. وللتسمية بيان مفيد عرضناه في رقم 3 من هامش ص236. وقد يسميها بعضهم: "تاء النقل"؛ للسبب المبين في رقم 3 من هامش ص585. 4 يطلق -غالبا- على الاسم المشتق: "الوصف". أو: "الصفة"، وهو غير النعت، -كما عرفنا. وكما يجيء البيان في رقم 3 من هامش ص595. 5 وقد صرح الصبان بهذا حيث قال: "إن زيادتها في الأسماء الجامدة قليل، ولا يقاس عليه". ا. هـ.

جميعها؛ لأن بعض المشتقات لا تدخله مطلقا -في رأي أكثر النحاة1، وبعضها تدخله قليلا، فلها مع المشتق ثلاث حالات، واشهر الأوزان التي لا تدخلها1 أربعة: 1- فعول1 بمعنى: "فاعل2 "وهو الدال على الذي فعل الفعل"، نحو: صبور، نفور، حقود ... بمعنى: صابر، نافر، حاقد، مثل: رجل أو امرأة صبور، ونفور، وحقود ... أما المسموع2 من قولهم: امرأة ملولة، وفروقة؛ بمعنى: خوافة -وكذا بضع كلمات أخرى-3 فالتاء فيه للمبالغة مع التأنيث وليست لمحض التأنيث وحده4 وأما "عدوة" مؤنث: "عدو" فمقصورة هي وأشباهها القليلة على

_ 1 و1 و1 انظر الزيادة في ص597 لأهميتها، واشتمالها على بيان مفيد. 2 و2 انظر "الملحوظة" الهامة التي في رقم 1 من هامش الصفحة التالية. 3 أشهرها: "صرورة: لمن لم يتزوج، أو لم يحج"، "لجوجة: لكثير اللجاجة، وهي: الخصومة"، "عروقة: لكثير من العلم والمعرفة"، "شنوءة، لكثير التقزز، أو العداوة"، "منونة: لكثير الامتنان"، "سروقة: لكثير السرقة"، راجع النوادر، ذيل الأمالي، للقالي ص173 -وجاء في المزهر "ج2 ص86- باب ما جاء على "فعولة" ألفاظ منها سلولة: من المتن. وفورقه: من الفرق، وهو الخوف ... تنوفة: للمفازة. ورجل عروفة. بالأمر ولجوجة، من المعرفة واللجاج، والعمولة: التي تحمل أهل الحي، بعيرا كانت أو حمارا، نسولة وهي التي يتخذ نسلها، يوم العروبة، وهو: "الجمعة"، وسبوحة: البلد الحرام. والرضوعة: للشاة التي ترضع. 4 ذلك أن تاء التأنيث قد تكون دالة على التأنيث المجرد، وقد تفيد معنى آخر من المعاني دون أن تفيد الفصل بين مذكر ومؤنث، بالرغم من أن الكلمة المشتملة عليها تعتبر مؤنثة لفظيا مجازيا، وتجري عليها أحكامه. فمن تلك المعاني: أنها تكون لفصل الواحد من جنسه الجامد؛ فتكون داخلة على الواحد كتمرة وتمر، ولبنة ولبن، ونملة ونمل، وللعكس، أي: فصل الجنس الجامد من واحده فتكون داخلة على الجنس؛ كجبأة وكمأة "بفتح أولهما وسكون ثانيهما وهما اسمان لنوع واحد من النبات. يقال لمفرده: جبء، كمء". وأنها تكون عوضا عن فاء الكلمة؛ مثل: عدة، مصدر، وعد، أو عوضا من لام الكلمة، مثل: سنة، وأصلها فيما يقال: سنو، أو سنه بدليل. الجمع: سنوات وسنهات. أو عوضا من حرف زائد لمعنى؛ كياء النسب في قولهم: هو أشعثي، وهم أشاعثة، وهو أزرقي، وهم أزارقه، وهو مهلبي وهم مهالبة. يقولون هذا في جموع التكسير المنسوب مفردها إلى: أشعث، وأزرق، ومهذب ... ويدل على هذا قولهم: أشعثيون وأشاعثة، وأزرقيون، وأزارقة، ومهلبيون ومهالبة. فلا يجمعون بين الياء والتاء -وسيجيء البيان في ص673- أو عوضا من حرف زائد لغير معنى؛ كزنديق وزنادقة. فالتاء عوض عن الياء في المفردة؛ إذ كان الأصل في تكسيرها: زناديق، ولا يجتمعان، أو عوضا عن ياء التفعيل في مثل: زكي تزكية. وقد تأتي للدلالة على التعريب. أي: للدلالة على أن الكلمة في أصلها غير عربية، وعربها للعرب =

السماع1. فإن كان "فعول" بمعنى: "مفعول" "وهو الدال على الذي وقع عليه الفعل"

_ = أنفسهم بإدخال بعض الأحرف على صيغتها، واستعمالها بعد ذلك. مثل: كيالجة "جمع: كيلجة، لمكيال". والقياس: كيالج؛ فجاءت التاء بدلا من الياء للدلالة على تعريبه. ومثل موازجه "جمع: موزج، بفتح الميم، وسكون الواو، وفتح الزاي، للجورب، أو: الخف" والقياس. سوازج؛ فدخلت "التاء هنا وهناك للدلالة على أن الأصل أعجمي فعرب ... والفرق بين المعرب وغيره: أن العرب إذا استعملت الأعجمي فإن خالفت بين ألفاظه -بأن أدخلت عليها من نوع تغيير- فقد عربته -كما سبقت الإشارة في "ب" هامش ص245. وإلا فلا؛ وهو الباقي على أعجميته. وقد تأتي للمبالغة في الوصف كرجل راوية؛ لكثير الرواية. وقد تأتي لتأكيد المبالغة؛ نحو: رجل "نسابة" لكثير العلم بالأنساب؛ ذلك أن الكلمة "نساب" صيغة مبالغة بنفسها، فإذا زيدت عليها التاء أفادت توكيد المبالغة.. وقد تكون التاء ثابتة في بعض أسماء لا يمكن تمييز مذكرها من مؤنثها، نحو: نملة. فيجب اعتبار الاسم مؤنثا دائما. وبعض ما لا يمكن تمييزه يتجرد منها دائما فيجب اعتباره مذكرا في كل استعمالاته، نحو: برغوث. "راجع التصريح، والأشموني، والصبان". وراجع ما يتصل بها في ج1 م1 ص21 عند الكلام على اسم الجنس الجمعي وحكم تذكيره وتأنيثه. 1 "ملحوظة هامة": ما تقدم من الحكم الخاص بصيغة "فعول" بمعنى: "فاعل" هو الرأي الشائع بين النحاة الأقدمين. وقد نظر فيه مجمع اللغة العربية بالقاهرة طويلا، وتناوله هو ومؤتمره بالبحث والدراسة، واستقر رأيهما على حكم آخر يخالف ما سبق "طبقا لما جاء في الكتاب الذي أصدره المجمع في سنة 1969 باسم كتاب: "في أصول اللغة ص74" ونص الحكم المجمعي يشمل أمرين حت عنوان: "لحوق تاء التأنيث لفعول، صفة، بمعنى: "فاعل". أ- يجوز أن تلحق تاء التأنيث صيغة: "فعول" بمعنى: "فاعل"؛ لما ذكره سيبويه، من أن ذلك جاء في شيء منه، وما ذكره ابن مالك في التسهيل من أن امتناع التاء هو الغالب. وما ذكره السيوطي في الهمع من أن الغالب ألا تلحق التاء هذه الصفات، وما ذكره الرضي من قوله: "ومما لا يلحقه تاء التأنيث غالبا مع كونه صفة فيستوي فيه المذكر والمؤنث: "فعول". ا. هـ. ويمكن الاستئناس في إجازة دخول التاء في "فعول" بأن صيغ المبالغة كاسم الفاعل؛ يمكن أن تتحول إلى صفات مشبهة. وعلى ذلك في حالة دلالتها على الصفة المشبهة يمكن أن نلمح المعنى الأصلي لها وهو المبالغة؛ فتدخل عليها التاء؛ جريا على قاعدة دخول التاء في اسم الفاعل، وفي صيغ المبالغة للتأنيث. ب- وعلى هذا يجري على تلك الصيغة -بعد جواز تأنيثها بالتاء- ما يجري على غيرها من الصفات التي يفرق بينها وبين مذكرها بالتاء؛ فتجمع جمع تصحيح للمذكر والمؤنث. ا. هـ. وقد صدر قرار الموافقة على الحكم السالف في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968. "انظر بعض الألفاظ الواردة منه في رقم 3 من هامش ص159".

جاز تأنيثه بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وعدم تأنيثه بها؛ نحو: قطار ركوب أو ركوبة، وسيارة ركوب أو ركوبة؛ بمعنى مركوب ومركوبة فيهما، ونحو: فاكهة أكول أو أكولة، وبقرة حلوب أو حلوبة، بمعنى مأكولة ومحلوبة1 ... 2- مفعال، نحو: مفتاح؛ لكثير الفتح ولكثيره، معلام؛ لكثيرة العلم وكثيره، مفراح؛ لكثيرة الفرح وكثيره ... فهذه الصيغة -بغير تاء- صالحة للمذكر والمؤنث. ومن الشاذ2: ميقان وميقانة. لمن يكثر اليقين والتصديق بما يسمعه -فهو بمعنى: فاعل. 3- مفعيل3، نحو: منطيق للرجل البلغ، والمرأة البليغة. ومعطير؛ لكثير العطر وكثيرته. ومن الشاذ مسكينة، بتاء التأنيث. 4- مفعل3، كمغشم، للمذكر والمؤنث، بمعنى: جريء، وشجاع: لا ينثني عن إدراك ما يريده. يقال رجل أو امرأة مغشم. ومما سبق يتبين أن التاء الفارقة لا تدخل -في رأي الكثرة- على الصيغ الأربع السالفة إلا شذوذا3 يراعى فيه المسموع وحده. أما أشهر المشتقات التي تدخلها قليلا فنوعان؛ ودخولها فيهما -مع قلته- مقيس. ولكنه الأحسن عدم إدخالها: أحدهما: المشتقات الدالة على معنى خاص بالأنثى، يناسب طبيعتها3

_ 1 ومن أمثلة التأنيث بالتاء والنص عليه ما جاء في كتاب: "النوادر" نقلا عن أبي مسحل بن حريش -وهو أعرابي من بني ربيعة، وكان زمن المأمون معاصرا للكسائي، ومدرسته الكوفية، وقد أخذ عنه وعن أضرابه- ما نصه: "يقال: ما لفلان حلوبة، ولا ركوبة، ولا قتوبة، ولا نسولة، ولا جزوزة. ومعناه: ليست له ناقة تحلب، ولا تركب، ولا تقتب، ولا ذات نسل من الإبل والغنم، ولا جزوزة من الضأن يجز صوفها". ا. هـ. 2 وجاء في كتاب النوادر. لأبي مسحل الأعرابي ج1 ص24 ما نصه: "ثلاث أحرف -أي: كلمات- حكاها الكسائي عنهم. قال: يقال: رجل مطرب ومطرابة، ومجذام ومجذامة، وممطار وممطارة". وزاد "المزهر" ج2 ص133 مغرابة، في مدح الرجل بأنه: ذكي داهية. 3 و3 انظر الزيادة الآتية في ص597، حيث البيان المفيد.

ويلائم فطرة النساء وحدها، وليس أمرا مؤقتا طارئا عليها، وإنما هو من خصائصها وغرائزها الثابتة الملازمة لتكوينها دائما، وتنفرد به دون المذكر؛ كالحمل، والولادة، والإرضاع، والحيض ... وغيره مما هو من خصائص الأنثى؛ نحو: امرأة حامل أو حاملة "ومعناهما: حبلى" ومرضع ومرضعة.. فدخول التاء وعدمه سيان، والأمران قياسيان، كما أسلفنا، ولكن الحذف أحسن1. والآخر: ما كان على وزن "فعيل" بمعنى: مفعول؛ بشرط أن يعرف من الكلام أو غيره نوع المنصف بمعناه؛ "أي: بشرط ألا يستعمل استعمالا الأسماء غير

_ 1 راجع الصبان. إنما يجوز الأمران والحذف أحسن إذا كان معنى الاسم المشتق خاصا بالأنثى، يلائم طبيعتها النسوية وحدها، ووصفا ثابتا لها -كما قلنا، وليس مقيدا بحالة طارئة كوصف المرأة بأنها: "مرضع"؛ أي: بأن طبيعتها، وأهليتها التي خلقت معها، هي: الإرضاع، ولو لم تكن وقت الكلام ترضع طفلا، أو تضع ثديها في فمه، ومثل وصفها بأنها: "حامل"؛ في نحو: المرأة الحامل لا العاقر مرغوبة؛ أي: المرأة التي من النوع الحامل، والتي من شأنها ومن طبيعتها أن تحبل. ولو لم تكن وقت الكلام حبلى. بل يقال هذا ولو لم تكن قد تزوجت. وهذا الحكم العام يشمل الصورة التي صدر فيها قرار مجمع اللغة العربية ومؤتمره. ونص القرار -كما جاء في ص106 من الكتاب المعجمي الصادر في سنة1969 بالجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الثلاثين لسنة1964- هو: "يجوز تأنيث ما جاء على صيغة: "فاعل" من الصفات المختصة بالمؤنث بالتاء وإن لم يقصد الحدوث". ا. هـ. فإن كانت الصفة طارئة، والقصد منها الحدوث لا الثبوت، وجب الإتيان بالتاء؛ نحو: هذه مرضعة الآن أو غدا، وحاملة اليوم أو غدا. ومن هذا قوله تعالى: في هول القيامة: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} ، أي: التي هي في حالة إرضاع طارئ، تلقم صبيها ثديها "انظر "ب" من الزيادة في ص 597". ولو قل: "مرضع" بحذف التاء لكان المراد: التي من شأنها ومن غرائزها الإرضاع، لا أنها تمارسه وقت التكلم فعلا أو في وقت محدد معين. ومما سبق يفهم المراد من قول اللغويين: إن الصفات المختصة بالمؤنث -كمرضع- إن قصد بها الحدوث "أي: الوصف المؤقت الطارئ في أحد الأزمنة" لحقها التاء؛ فيقال: مرضعة، وإن لم يقصد بها هذا لم تلحقها؛ فإن كان المعنى ليس خاصا بطبيعة المرأة وجب إثبات التاء؛ كقولنا: شاهدت حاملة؛ تريد: امرأة تحمل على رأسها أو كتفيها شيئا؛ لأن الحمل على الرأس أو على الكتف ليس من خصائصها وحدها، وإنما يشاركها فيه الرجل ومن ثم كان حذف التاء ممنوعا إذا أوقع في لبس؛ فلا يقال: في الحقل ضامر، وتحت الشجرة عانس؛ لأن الضامر والعانس يقال للمذكر وللمؤنث؛ فإذا حذفت التاء عند إرادة المؤنث، لم يتبين المراد.

المشتقة"1. ومن أمثلته: قتيل وجريح في مثل: انجلت المصادمة عن فتاة قتيل وفتاة جريح؛ بحذف التاء جوازا2 لعدم الحاجة إليها؛ إذ اللبس مأمون في هذه الصورة، فإن شاع استعماله استعمال الأسماء المجردة -بأن لم يعرف نوع الموصوف-3 وجب ذكرها لمنع اللبس، نحو: حزنت لقتيلة المصادمة. ومثل: رأيت في المجزر ذبيحة، أو نطيحة، أو أكيلة الذئب، بمعنى؛ مذبوحة، ومنطوحة، ومأكولة. فإن كان "فعيل" بمعنى: "فاعل" فالأكثر مجيئها؛ كقول شوقي: قطتي جد أليفه ... وهي للبيت حليفه هي ما لم تتحرك ... دمية البيت الظريفه ومن حذفها قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} وقول العرب حلة خصيف "أي: ذات لونين، بياض وسوادا"، وملحفة جديد. وريح خريق "شديدة البرد، كثيرة الهبوب"، وقول شاعرهم: فديتك!! أعدائي كثير وشقتي4 ... بعيد وأشياعي لديك قليل ومما تقدم يتبين أن للتاء الفارقة مع المشتق ثلاثة أحوال؛ فتارة تكون ممنوعة

_ 1 يراد بها هنا: الأسماء المتجردة للاسمية المحضة؛ فلا تتبع موصوفا، لا في اللفظ ولا في المعنى؛ إذ لا تجري على موصوف ظاهر؛ ولا ملحوظ لدليل -كما في الأشموني والخضري. 2 نصوا على أن الحذف هو الغالب، ويقول "الصبان": "يؤخذ من صنيعهم أن لحوق التاء "فعيلا" بمعنى: "مفعول" خلاف الغالب لا شاذ". ا. هـ. ثم انظر: "ب" الآتية في ص597. 3 ليس المراد بالموصوف هنا الموصوف الصناعي -الاصطلاحي- المعروف بالمنعوت، وإنما المراد الموصوف المعنوي الذي يتصل به معنى المشتق. فيشمل: الفتاة قتيل، بحذف التاء، مع أن الفتاة مبتدأ، وليست موصوفا صناعيا "أي: ليست: منعوتا" ولا فرق في الموصوف المعنوي بين الملفوظ والملحوظ في الكلام؛ وهو المحذوف اكتفاء بقرينة تدل عليه؛ كإشارة إليه، أو ضمير يعود عليه؛ ويبين نوعه، أو شيء آخر يوضح أمره، نحو: قتيل من النساء؛ فلا تجيء التاء في هذه الحالات. مجاراة للأحسن. فالمعول عليه في الموصوف هو العلم بنوعه وإن لم يكن المشتق نعتا تابعا له حقيقة. أذكر موصوف أم لا. 4 من معاني الشقة "بضم الشين المشددة وكسرها": الناحية التي يقصدها المسافر.

الدخول عليه، وتارية تكون قليلة الدخول، وهي مع قلتها مقيسة1، وفي غير النوعين السالفين منيرة وقياسية. أما ما غير المشتق -وهو الأجناس الجامدة- فمقصورة على السماع الوارد في بعض الألفاظ، ولا يصح القياس عليها2..

_ 1 لأنها قلة نسبية لا تمنع القياس، وليست ذاتية تمنعه -كما عرفنا. 2 طبقا للنص الصريح الذي نقلناه عن "الصبان" -في رقم 5 من هامش ص590- وقد عرض ابن مالك المشتقات التي لا تدخلها التاء؛ فقال: ولا تلي، فارقة، فعولا ... أصلا. ولا المفعال، والمفعيلا كذاك: مفعل. وما تليه ... "تا" الفرق من ذي، فشذوذ فيه "ذي: هذه. يريد: ما تلحقه التاء الفارقة من هذه الأوزان ففيه شذوذ. أي: أنه شاذ". ثم انتقل إلى حكم فعيل، فقال: ومن "فعيل" كقتيل إن تبع ... موصوفه -غالبا- "التا" تمتنع "تبع موصوفه"، أي: جاء بعده تابعا له. والغرض أن يكون له موصوف معروف، سواء أكان الموصوف منعوتا، صناعيا أم غير منعوت، مذكورا أم غير مذكور على الوجه السابق في الرقم الثالث من هامش الصفحة السابقة. وقالوا إن بيت ابن مالك يخلو من التقصير لو كان: ومن "فعيل" كقتيل إن عرف ... موصوفه -غالبا- "التا" تمتنع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- صرح بعض أئمة النحاة الأقدمين "كصاحب المفصل وشارحه ابن يعيش، في ص102 ج5" بأن الأربعة الأولى السالفة1 يشترط لحذف التاء منها ما يشترط في "فعيل"2، ونصوا على أنك تقول: صبورة، ومعطارة، إذا لم يعرف الموصوف؛ فيقول ابن يعيش: "إن هذا الأسماء إذا جرت على موصوفها3 لم يأتوا فيها بالهاء، وإذا لم يذكروا الموصوف أثبتوا الهاء خوف اللبس؛ نحو: رأيت صبورة، ومعطارة، وقتيلة بني فلان ... ". وهذا تصريح واضح لا يدع مجالا للتردد في الأخذ به. وتجب ملاحظة الحكم الخاص بصيغة: "فعول" بمعنى: "فاعل"، وقد سبق في رقم 1 من ص591 وما بعدها، وفي هوامشها. ب- وفي الكلام على: "فعيل" يقول سيبويه في كتابه "ج2 ص213" ما نصه: "وأما "فعيل" إذا كان في معنى مفعول فهو في المؤنث والمذكر سواء، وهو بمنزلة: "فعول" ولا تجمعه بالواو والنون كما لا تجمع صيغة: "فعول4 ... و ... "وتقول: شاة ذبيح، كما تقول: ناقة كسير، وتقول: هذه ذبيحة فلان وذبيحتك. ذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حية؟ فإنما هي بمنزلة ضحية. وتقول: شاة رمي، إذا أردت أن تخبر أنها قد رميت. وقالوا: بئس الرمية الأرنب، إنما تريد: بئس الشيء مما يرمي، فهذه بمنزلة: الذبيحة. وقالوا: نعجة نطيح، ويقال -أيضا: نطيحة. شبهوها بسمين وسمينة ... و.... وقالوا: رجل حميد، وامرأة حميدة. يشبه بسعيد وسعيدة، ورشيد ورشيدة حيث كان نحوهما في المعنى، واتفق في البناء5 ... ". ا. هـ. قال شارحه أبو سعيد السيرافي تعليقا على المثال: "هذه ذبيحة فلان وذبيحتك"

_ 1 في ص591، وما بعدها. 2 سبق في ص594. 3 سبق شرح المراد من الموصوف في هذا الباب رقم 3 هامش ص595. 4 انظر "الملحوظة الهامة" التي في رقم 1 من هامش ص592 وتختص بصيغة فعول" من حيث تأنيثها، وتذكيرها، وإفرادها، وعدم الإفراد ... 5 الصيغة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما نصه: "لم أر أحدا علل في كتاب إلحاق التاء. والعلة فيه عندي أن ما قد حصل فيه الفعل يذهب به مذهب الأسماء، وما لم يحصل فيه ذهب به مذهب الفعل، لأنه كالفعل المستقبل؛ ألا ترى أنك تقول: امرأة حائض. فإذا قلت حائضة غدا لم يحسن فيه غير الهاء "التاء المربوطة". وتقول: فلان ميت إذا حصل فيه الموت. ولا تقل: مائت. وإذا أردت المستقبل قلت: مائت غدا، فتجعل فاعلا جاريا على فعله". وجاء في "تاج العروس شرح القاموس" -مادة: قتل- ما نصبه: "قال الرضي: ومما يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا تلحقه "التاء" فعيل، بمعنى: مفعول: إلا أن يحذف موصوفه: نحو: هذه قتيلة فلان وجريحته. ولشبهه لفظا بفعيل بمعنى "فاعل" قد يحمل عليه فتلحقه التاء مع ذكر الموصوف أيضا؛ نحو: امرأة قتيلة؛ كما يحمل "فعيل"، بمعنى: "فاعل" عليه فتحذف التاء، نحو: ملحفة جديدة". ا. هـ. من كل ما سبق يتبين تأويلهم لما ورد من "فعيل" بمعنى "مفعول" مختوما بالتاء وفي بعض هذه التأويلات تكلف واضح. ومن اليسير كشف ما فيها من الخطأ الذي يمنع قبولها. هذا إلى أن كتب اللغة ومعاجمها تحوي أمثلة أخرى معتددة مختومة بالتاء، ولا تحتمل تأويلا سائغا. فالخبر في الاقتصار على ما نقلناه1 عن بعض المحققين من أن الأكثر هو حذف التاء عند أمن اللبس؛ بسبب وجود الموصوف، وعدم استعمالها استعمال الأسماء غير المشتقة، وهذا رأي سديد يحسن الأخذ به، بالرغم من أن أكثر النحاة لم يذكروه مع جواز استعمال الرأي الآخر. ج- لأسماء الجموع حكم خاص ورد في بعض المراجع اللغوية2، ونصه: "القوم: يذكر ويؤنث؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا

_ 1 في ص594 وما بعدها. 2 هو: تاج العروس، شرح القاموس. مادة: قام. وقد سبق في الجزء الثاني م66 باب: أحكام الفاعل، في الحكم السادس -ما له صلة قوية بما نحن فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت للآدميين -تذكر وتؤنث: مثل: رهط1، ونفر1، وقوم ... قال الله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ، فذكر. وقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} فأنث. قال الجوهري: فإن صغرت لم تدخل فيها الهاء "التاء"، وقلت: قويم، ورهيط، ونفير ... ، وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء2 فيما يكون لغير الآدميين؛ مثل: الإبل، والغنم ... لأن التأنيث لازم لهذا النوع3 ... ثم قال: حكى ثعلب أن العرب تقول: يا أيها القوم كفوا عنا. وكف عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع". ا. هـ.

_ 1 و1 يرى بعض النحاة أن كلمتي: "رهط" و"قوم" مذكرتان ليس غير. ورأيه مرفوض بهذا النص. وبزيادة التاء وحذفها من الفعل في الآيتين التاليتين، والفاعل فيهما هو كلمة: قوم. 2 يريد: تاء التأنيث المربوطة. 3 الحكم بدخول هذه التاء لزوما إنما هو في حالة التصغير وحدها، وهذه الجملة مكملة لما قبلها من كلام الجوهري. وقد نقل "المصباح المنير" كلامه هذا في مادة؛ "غنم" فقال ما نصه: "قال الجوهري: الغنم اسم مؤنث موضوع لجنس الشاء، يقع على الذكور، والإناث وعليهما. ويصغر فتدخل الهاء، ويقال: غنيمة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، وصغرت، فالتأنيث لازم لها". ا. هـ.

"العلامة الثانية"1: وأما ألف التأنيث المقصورة فقد زيدت سماعا في آخر الأسماء المعربة، سواء أكانت جامدة أم مشقة؛ تبعا للمسموع عن العرب، ولا تدخل في غير الوارد عنهم؛ فما أدخلوها على آخره صار وحده مؤنثا بها. وللأسماء التي تدخلها أوزان مختلفة؛ بعضها نادر مبعثر في المراجع اللغوية؛ يصعب معرفته والاهتداء إلى أنه مؤنث إلا بمعونة تلك المراجع، وإرشادها. وبعضها شائع في الكلام الفصيح، مشهور الصيغة بالتأنيث؛ فمتى عرفت صيغته دلت -في الأعم الأغلب- على أنها لمؤنث، دون حاجة إلى مرشد أو معين. وصيغ هذا النوع تكاد تنحصر في الأوزان الآتية التي يدل كل وزن منها على أن الكلمة مؤنثة؛ وهي أوزان سماعية لا يجوز زيادة وزن على الوارد المسموع منها عن العرب -كما تقدم: 1- فعلى "بضم ففتح، ففتح" كشعبى، وأدمى ... اسمين لموضعين، وأربى، اسم للداهية. 2- فعلى "بضم فسكون ففتح مع مد". مثل: بهمي: اسم نبت، وطولى، أنثى للوصف: أطول، وحللى، وصف للحامل، ورجعى، مصدر للفعل: رجع "ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ". 3- فعلى "بفتحات"، مثل: بردى، اسم نهر بالشام2 وحيدي وصف في مثل: ناقة حيدى، أي: تحيد عن ظلها وتحاول الفرار منه3 ومرطى، وبشكى، وجمزى ... والثلاثة مصادر، ومعناها واحد؛ هو

_ 1 سبق الكلام على العلامة الأولى في ص590. أما الثالثة ففي ص603. 2 يخترق دمشق. 3 جاء في الصبان في هذا الموضع ما نصه: "يقال: حمار حيدي -بحاء مهملة، فتحتية، فدال مهملة- أي: يحيد عن ظله لنشاطه ولم يجئ نعت مذكر على: "فعلى" غيره، كما في الصحاح والقاموس". ا. هـ. لكن جاء أيضا في لسان العرب وفي التاج -مادة: "بشك"- أنه يقال: "رجل بشكى الأمر"، أي: يعجل صريمة أمره.

المشية السريعة. وأفعالها: مرط، وبشك، وجمز، ثلاثية مفتونة بها. 4- فعلى -بفتح فسكون- "جمعا؛ كقتلى، وجرحى، وصرعى"، أو: مصدرا؛ كدعوى، مصدر: دعا"، أو: "وصفا1؛ كسكرى، وسيفى، وشبعى، وكسلى ... مؤنث سكران، وسيفان، -بمعنى: طويل- وشبعان، وكسلان". فإن كان "فعلى" اسما "كأرطى2 وعلقى3" فقيل ألفه للتأنيث فيمنع للصرف، وقيل للإلحاق فلا يمنع. 5- فعالى "بضم أوله، وفتح ثانيه بغير تشديد"، مثل: حبارى وسمانى اسمين لطائرين، وسكارى جمع سكران، وعلادى، وصفا، بمعننى: شديد، يقال: جمل علادى: أي: قوي شديد. 6- فعلى "بضم أوله، وفتح ثانية مع تشديده". مثل: سمهي، اسم للباطل والكذب، واسم الهواء المرتفع. 7- فعلى "بكسر أوله، وفتح ثانيه، وسكون ثالثه المدغم في مثله"، مثل: "سبطرى؛ اسم لمشية فيها تبختر"، "ودفقى، اسم لمشية فيها تدفق وإسراع". 8- فعلى "بكسر. فسكون، ففتح" جمعا، كحجلى الذي مفرده: حجل "بفتحتين" اسم طائر، أو مصدرا كذكرى؛ "مصدر الفعل في ذكر، يذكر، ذكرا، وذكرى". 9- فعلى "بكسر أوله، فكسر ثانيه مع تشديده"، مثل: "حثيثي اسم مصدر للفعل: حث على الشيء إذا حض عليه"، "وخلفي، اسم بمعنى: الخلافة". 10- فعلى "بضمتين، فتشديد ثالثه مع فتحه"، مثل: "كفرى،

_ 1 ويعبر عن المشتق من الأسماء بالوصف أو الصفة -كما قلنا في رقم 3 من هامش ص595، وهو غير الوصف أو الصلة بمعنى: النعت. 2 شجر. "المفرد: أرطاة". 3 نبت. "للمفرد والجمع".

اسم لوعاء يوضع فيه طلع النخل، واسم للطلع نفسه". و"بذرى وحذرى، اسمين بمعنى: التبذير والحذر". 11- فعيلى "بضم أوله، وفتح ثانيه المشدد"، مثل: خليطي، اسم للاختلاط، يقال: اختلف القوم ووقعوا في خليطي. أي: اختلط عليهم أمرهم، ومثل: ومثل: قبيطي، اسم لنوع من الحلوى، ولغيزى، اسم اللغز. 12- فعالى "بضم أوله وتشديد ثانيه"، مثل شقارى، وخبازى اسم نبتين، وخضارى اسم طائر ... 1. "ملحوظة": من الأوزان النادرة: فعيلى: مثل خيسرى، للخسارة فعلوى: مثل: هرنوى، اسم نبت، فعولى: اسم نوع من المثنى، فيعولى؛ مثل: فيضوضى، اسم للمفاوضة، أي: الاشتراك فيا لشيء، فوعولى: مثل: فوضوضى: اسم بمعنى المفاوضة، فعلايا، مثل: برحايا، كلمة تقال عند التعجب من شيء. .... و.... و......

_ 1 يقول ابن مالك في قسمي ألف التأنيث: وألف التأنيث ذات قصر ... وذات مد، نحو: أنثى الغر "الغر" جمع، مفرده المذكر: أغر، والمؤنث: غراء. ثم انتقل بعد هذا إلى سرد الأوزان المشهورة للألف المقصورة فقال: والاشتهار في مباني الأولى ... يبديه وزن: أربى، والطولى ومرطى، ووزن فعلى جمعا ... أو: مصدرا، أو: صفة، كشبعى وكحبارى. سمهى، سبطرى ... ذكرى، وحثيثى مع الكفرى كذاك: خليطى مع الشقارى ... واعز لغير هذه استندارا "أعز: انسب، استندارا، ندرة" أي: انسب كل صيغة خلفت هذه الأوزان إلى القلة القليلة الذاتية، والندرة.

"العلامة الثالثة"1: وأما ألف التأنيث الممدودة2، فكأختها المقصورة في أنها سماعية محضة، لا تدخل في غير الوارد عن العرب، وقد زادها العرب في آخر بعض الأسماء المعربة الجامدة، أو المشتقة للدلالة على التأنيث. وأوزان الأسماء السماعية التي تحتويها مختلفة؛ بعضها نادر مفرق في المظان اللغوية، وهي التي ترشد إليه؛ وبعضها شائع مشهور يعرف بمجرد سماع صيغته. ومنه الأوزان الآتية: 1- فعلاء -بفتح فسكون، "كصحراء، اسم للبقعة القفرة". و"رغباء، مصدر للفعل: رغب" و"حمراء مؤنث: أحمر، ... " و"طرفاء، اسم جنس جمعي3، مفردة: مفرده: طرفاءة، في الأكثر، وهي نوع من شجر الأثل". 2، 3، 4 أفعلا، بفتح الهمزة، مع كسر العين، أو مع فتحها، أو ضمها، كأربعاء، اسم لليوم المعروف. ومن معانيه إذا كان مفتوح الهمزة مضموم الباء: عمود الخيمة". 5- فعلاء "بفتح، فسكون، ففتح"، مثل: عقرباء اسم لمكان، واسم لأنثى العقرب. 6- فعالاء "بكسر، ففتح"، مثل: قصاصاء، اسم للقصاص. 7- فعللاء "بضم فسكون، فضم"، مثل: قرفصاء، اسم لنوع من القعود. 8- فاعولاء، مثل: عاشوراء، اسم لليوم العاشر من المحرم. 9- فاعلاء، بكسر العين، بعدها لام مفتوحة غير مشددة"، نحو: قاصعاء، وغائباء، ونافقاء، وكلها اسم لجحور اليربوع4 ...

_ 1 سبق الكلام على العلامة الأولى في ص590 وعلى الثانية في ص600. 2 يرى البصريون: أن ألف التأنيث الممدودة هي ألف في آخر الاسم، زائدة للتأنيث، وقبلها ألف زائدة أخرى؛ فتنقلب الثانية الدالة على التأنيث همزة، كما في الأوزان التي سنذكرها. 3 الأرجح أن "طرفة" ليس جمع تكسير؛ لعدم وجود هذه الصيغة بين أبنيته -صبان. 4 حيوان أكبر قليلا من الفأر، يداه أقصر من رجليه.

10- فعلياء "بكسر، فسكون، فكسر، فياء مفتوحة مخففة ... "، نحو: كبرياء، اسم للتكبر. 11- مفعولاء "بفتح، فسكون، فضم"، نحو: مشيوخاء، اسم لجماعة الشيوخة، واسم للأمر الختلط. 12- فعالاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو: براساء؛ اسم للناس، وبراكاء: اسم لمعظم الشيء وشدته، ومنه قول الشاعر: ولا ينجي من الغمرات إلا ... براكاء القتال، أو الفرار يقال؛ وقعوا في براكاء الأمر، أو القتال أي: في شدته وأكثره. 13- فعيلاء "بفتح، فكسر"، نحو: فريثاء. وكريثاء، اسمين لنوعين من التمر. 14- فعولاء "بفتح فضم"، نحو: جلولاء1. 15- فعولاء "بفتح أوله وثانيه"، نحو: "جنباء، اسم لموضع"، "وقرماء، اسم لموضع أيضا". 16- فعلاء "بكسر أوله، وفتح ثانيه، نحو: سيراء، اسم لثوب مخطط مخلوط بالحرير، واسم لبنت، وللذهب. 17- فعلاء "بضم، ففتح، فلام مفتوحة"؛ نحو: خيلاء، اسم للكبر والاختيال2 ...

_ 1 بلدة بالعراق ... 2 سراد ابن مالك الأوزان السماعية المشهورة لألف التأنيث الممدودة في ثلاثة أبيات ختم بها الباب، هي: لمدها: فعلاء، أفعلاء ... مثلث العين، وفعللاء ثم فعالا، فعللا، فاعولا ... وفاعلاء، فعليا، مفعولا ومطلق العين: "فعالا". وكذا ... مطلق. "فاء" فعلاء أخذا ومما تجدر ملاحظته أن كل وزن مسموع مما سبق لا بد أن يكون مختوما "بالهمزة" وإنما تركها ابن مالك لوزن الشعر، وأن المراد بمطلق العين "فعالا"، هو ما كان على وزن: "فعالاء" مطلق العين مختوما بالهمزة؛ بأن يصح ضمها عن العرب نحو: جلولاء، أو فتحها نحو: براساء، أو كسرها نحو: قريثاء، يعني إطلاق العين أنها غير مقيدة بحركة من الثلاث، وكذا مطلق "الفاء" أن أوله غير مقيد بحركة، فقد يكون مفتوحا، أو مضموما، أو مكسورا، في نحو: جنفاء، وسيراء وخيلاء، وهي الأوزان الثلاثة الأخيرة فيما عرضناه.

المسألة 170: المقصور والممدود

المسألة 170: المقصور، والممدود 1 أ- المقصور هو: الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة2؛ مثل: الهدى، الهوى، المولى، في قول أحد الزهاد: "كلما جنحت نفسي إلى القوى تذكرت غضب المولى؛ فيرجعني التذكر إلى الهدى". ومثل كلمة: "الغنى" في قولهم: خير الغنى غنى النفس. فليس من المقصور الأفعال المختومة بالألف، مثل: دعا، ارتضى، يخشى ... ، ولا الحروف المختومة بالألف؛ مثل: لا، إلى، على ... ، ولا الأسماء المبنية المختومة بألف؛ مثل: إذا، أو: ما الموصولة، ونحوهما ... ، ولا الأسماء المعربة المختومة بحرف علة غير الألف؛ مثل: "الداعي، الهادي"، "أدكو3، طوكيو"4 ... ولا المثنى في حالة رفعه، ولا الأسماء الستة في حالة نصبها؛ لأن الألف في هاتين الحالتين غير ثابتة؛ إذ ألف المثنى لا توجد في حالة نصبه أو جره، وألف الأسماء الستة لا توجد في حالة رفعها أو جرها. وحكم المقصور الإعراب بالحركات المقدرة على آخره في جميع حالاته5؛ وإذا

_ 1 هما من أقسام الاسم المعتل الآخر. والنحاة لا يطلقونهما على اسم إلا إذا كان معربا. أما اللغويون والقراء، فلا يتقيدون؛ فيطلقونهما على الاسم، سواء أكان معربا أم مبنيا؛ فيقولون: في "أولاء" اسم إشارة: إنه ممدود، وفي "أول" اسم إشارة أيضا: إنه مقصور، مع أنهما مبنيان. أما الكلام على المنقوص من ناحية تعريفه مفصلا ففي ح1 م16 ص172 - وأما من ناحية تثنيته، وجمعه ففي هامش ص613. وبقي قسم ثالث، هو الاسم المعتل الآخر بالواو "وسيجيء الكلام عليه وبيان حكمه في هامش ص614" ومما يتصل بالأقسام السابقة ويزيدها بيانا وتوفية ما سبق عنها في الجزء الأول "م16 ص169، ورقم 4 من هامش ص291 م24، ورقم 1 من هامش ص310 م26". 2 أي: لا تفارقه. وإذا فارقته أحيانا لعلة صرفية طارئة -مثل التقاء الساكنين- لم تعتبر المفارقة حقيقة "انظر رقم 6 من هامش ص605". 3 بلد في مصر. 4 حاضرة اليابان. 5 وبسبب هذا الحكم كان بعض النحاة الأوائل يسميه -وهذا لا يصح الآن بعد استقرار المصطلحات، وثباتها: "المنقوص" لأن الألف في آخره حلت محل الياء والواو، وهما يتحركان رفعا، ونصبا، وجرا. أما الألف فلا تتحرك فنقص في الظاهر بسببها. "راجع كتاب "المقصور والممدود" لابن ولاد المتوفى حول سنة 332 وقد سبق "في ج 3 م 97 ص 174 باب: "المضاف لياء المتكلم" أن بعض العرب يقلب ألف المقصور ياء ويدغمها في ياء المتكلم؛ فيقول في كلمة مثل: "هدى" عند إضافتها لياء المتكلم: "هدى خير الوسائل للسعادة"، وفي هذه الصورة يكون معربا بالياء التي أصلها الألف، بدلا من حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة. لكن هذا الرأي لا يحسن اليوم محاكاته -مع جواز المحاكاة- منعا لفوضى التعبير، والإساءة إلى البيان.

جاء بعد ألفه تاء التأنيث -نحو: فتاة، مباراة- زال عنه اسمه وحكمه؛ وصار الإعراب على هذه التاء1. وقد سبق إيضاح هذا كله، وبيان كثير من تفصيلاته2. كيفية صوغ المقصور: المقصور نوعان: قياسي يخضع للقواعد النحوية، ويصوعه -في العصور المختلفة- الخبير بهذه القواعد. وسماعي تختص به مراجع اللغة. ويعرفه المطلع على مفرداتها الواردة عن العرب. والقياسي يصاغ على صور متعددة؛ منها: 1- أن يصاغ المقصور مصدرا على وزن: "فعل" "بفتح أوله وثانيه"، بشرط أن يكون فعله الماضي ثلاثيا، لازما، معتل الآخر بالياء، على وزن: "فعل" "بفتح فكسر" وبشرط أن يكون لهذا المصدر المعتل الآخر وفعله المعتل الآخر بالياء نظائر على وزنهما من الفعل الصحيح الآخر، مصدره صحيح الآخر أيضا، بحيث يتفق الفعلان والمصدران في وزنهما؛ نحو: ثري3 الرجل ثري، هوي4 هوى، شقي شقا، جوي5 جوى6 ...

_ 1 لأنه يشترط في المقصور أن يكون مختوما بألف لازمه تجري عليها علامات الإعراب مقدرة. وهذا الشرط الأساسي لا يتحقق إذا جاءت تاء التأنيث بعد ألفه، كما في المثالين السالفين "فتاة، مباراة ... " ونظائرهما؛ إذ تصير الألف حشو "أي: غير متطرفة" وتصير علامات الإعراب ظاهرة على تاء التأنيث وحدها؛ لأنها الحرف الأخير. وتظل الألف قبلها ثابتة معها في حالة التثنية، فلا تنقلب شيئا، ولا تجري عليها علامات الإعراب، -كما قلنا- وتثبت التاء أيضا في حالة التثنية، كي تدل على التأنيث، وتليها علامتا إعراب المثنى، فيقال فتاتان، فتاتين، مباراتان، مباراتين ... وهكذا. 2 ج1 ص122 م15. 3 بمعنى: غني، أي: اغتنى. 4 أحب. 5 أحب، أو: حزن. 6 وزن هذه المصادر على حسب أصلها هو: فعل -بفتح الأول فالثاني- "أي: ثرى، هوى، شقو، جوى ... " تحرك حرف العلة الأخير "وهو الواو والياء" وانفتح ما قبله، فانقلب ألفا، ثم حذفت الألف وجوبا في النطق؛ لأن ألف المقصور تحذف حتما عند تنوينه لالتقائهما مع التنوين، فهي محذوفة لفظا، والمحذوف لعة تصريفية من هامش ص605".

ونظائرها من الصحيح الآخر: فرح فرحا، أشر أشرا، بط بطا، ورم ورما ... لأن "فعل" اللازم قياس مصدره -في الغالب- "فعل"، كما عرفنا1. فالمصادر: "ثرى، هوى، شقا، جوى" هي وأشباهها، نوع من المقصور القياسي. 2- ومنها: أن يصاع المقصور المفرد جمعا للتكسير على وزن: فعل "بكسر ففتح" بشرط أن يكون المفرد على وزن: "فعله" المختومة بتاء التأنيث التي قبلها حرف علة؛ وبشرط أن يكون لهذا المفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على وزنهما؛ نحو: حلية وحلى، بنية2 وبنى، رشوة ورشا، فرية3 وفرى، مرية4 ومرى، فمجموع التكسير السابقة5 هي وأشباهها، نوع من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح: قربة وقرب، فكرة وفكر، نعمة ونعم، حكمة وحكم ... ؛ لأن "فعلة" السالفة يكثر جمعها على: "فعل" ... 3- ومنها: أن يصاغ المقصور المفرد جمعا للتكسير على وزن: "فعل" "بضم ففتح" بشرط أن يكون المفرد على وزن: "فعلة" المختومة بتاء التأنيث التي قبلها حرف علة. وبشرط أن يكون للمفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على وزنهما، نحو: دمية ودمى، رقية ورقى، قدوة وقدى، قوة وقوى، كوة وكوى ... فجموع التكسير السالفة5 هي -وأمثالها- نوع من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح: غرفة وغرف، ركبة وركب، طرفة وطرف، قربة وقرب؛ لأن "فعلة" يكثر جمعها للتكسير على: فعل.

_ 1 وهذا إن لم يكن دالا على لون، أو معالجة، أو شيء ثابت. وتفصيل هذا كله في الباب الخاص؛ وهو باب: أبنية المصادر "ج3 ص144 م98". 2 الشيء المبني. 3 كذب. 4 شك. 5 و5 وقد جرى على أصولها من الإعلال ما شرحناه في رقم 6 من هامش الصفحة السالفة.

4- ومنها: أن يضاغ المقصور صياغة اسم مفعول، وفعله الماضي معتل الآخر، يزيد على ثلاثة أحرف، بشرط أن يكون الاسم المفعول وفعله نظائر من صحيح الآخر، على وزنهما؛ "نحو: معطى، وفعله: أعطى، معفى، وفعله: أعفى" ... ونحو: "مرتقى، وفعله: ارتقى، مستوى، وفعله: استوى".. ونحو: "مستقصى، وفعله: استقصى، مستدعى، وفعله: استدعى" ... فأسماء المعفول السابقة1 من غير الثلاثي هي -وأمثالها- ضرب من المقصور القياسي. ونظائرها من الصحيح الآخر: "أكرمت فلانا فهو مكرم، وأخبرته فهو مخبر"، "احترمت العالم العامل؛ فهو محترم، واجتلبت الرزق بالعمل؛ فهو مجتلب"، "استغفرت الله؛ فهو مستغفر، واستخلصت الأمر؛ فهو مستلخص" ... لأن اسم المفعول القياسي للفعلين السلفين يجيء على هذا الوزن2. أما المقصور السماعي فينطبق عليه تعريف المقصور؛ ولكنه لا يخضع للضوابط السالفة التي من أهمها وجود نظير له من الصحيح. والأمر فيه راجع إلى الوارد المسموع دون غيره. ومن أمثلته؛ فتى، ثرى، سنا3، حجا4.

_ 1 وقد جرى على حرف العلة الأخير منها -وهي أحد حروفها الأصلية- ما جرى من الإعلال الذي سبق في رقم 6 من هامش ص606. 2 وفي المقصور القياسي يقول ابن مالك في بابه عنوانه: "المقصور والممدود": إذا اسم استجوب من قبل الطرف ... فتحا، وكان ذا نظير؛ كالأسف فلنظيره المعل الآخر ... ثبوت قصر، بقياس ظاهر كفعل، وفعل، في جمع ما ... كفعلة. وفعلة؛ نحو: الدمى يقول: "إن الاسم الصحيح الآخر إذا استحق فتح ما قبل آخره وجوبا -مثل: أسف" مصدر الفعل: أسف- وكان هذا الاسم الصحيح الآخر نظير معتل، مفتوح قبل آخره، فإن هذا النظير يثبت له القصر؛ بمقتضى قياس ظاهر، أي: قياس لا خفاء فيه؛ فلا يكون موضع اختلاف. وساق لهذا الاسم المقصور وزنين يكون عليهما؛ هما وزن: "فِعَل وفُعَل" والأول منهما جمع مفرد: فعلة -ولم يذكر له مثالا، وقد ذكرنا الأمثلة في الشرح- والثاني منهما جمع مفردة: فعلة؛ كالدمى، مفرده: دمية. 3 ضوء. 4 عقل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: هناك أشياء أخرى -غير ما سلف- في القصور القياسي، منها: ما كان جمعا لفعلى. أنثى الأفعل؛ كالدنا والدنا، والقصوى والقصا، ونظيرهما من الصحيح: الكبرى والكبر، والأخرى والأخرى ... وكذلك ما كان من أسماء الأجناس دالا على الجمعية بالتجرد من التاء وهو على وزن، "فعل"، وعلى الوحدة بوجود التاء؛ كحصاة وحصى، وقطاة وقطا، ونظيرهما من الصحيح؛ شجرة وشجر، ومدرة ومدر. وكذلك: "المفعل" مدلولا به على مصدر ميمي أو على اسم زمان أو اسم مكان؛ نحو ملهى، ومسعى؛ فإن نظيرهما من الصحيح مذهب، ومسرح. وكذلك: "المفعل" مدلولا به على آلة؛ نحو: مرمى ومهدى "لوعاء الهدية" ونظيرهما من الصحيح: مخصف ومغزل. إلى غير هذا مما أشارت إليه المطولات ...

ب- الممدود: هو الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف زائدة ... نحو: قراء، بداء، سماء، بناء، عوراء، خضراء فإذا كانت الهمزة بعد ألف أصلية فليس بممدود -اصطلاحا- نحو: ماء، وكذلك إن وقعت الهمزة بعد ألف زائدة وفي آخر الاسم تاء التأنيث -نحو: هناءة- فإنه لا يسمى في هذه الصورة ممدودا، ولا تجري عليه أحكام الممدود؛ لأن الممدود لا بد أن يكون مختوما بالهمزة، وتجري عليها حركات ضبطه1. وهو قسمان؛ قياسي، وهذا من اختصاص النحوي، وسماعي، وهو من اختصاص اللغوي، فالقياسي يصاغ على أشكال متنوعة، منها: 1- أن يصاغ مصدرا لفعل ماض معتل الآخر بالألف على وزن: "أفعل" بشرط أن يكون لهما نظير في الصحيح الآخر على وزنهما في الفعل ومصدره ... -كما شرحنا-2 نحو: أعطى إعطاء، أربى إرباء، أفنى إفناء، أغنى إغناء ... " فالمصادر السالفة إعطاء، إلرجاء، إفناء، إغناء ... " وأشباهها نوع من الممدود القياسي. ونظائرها من الصحيح: إقدم وإقدام، أعلن وإعلان، أخبر وإخبار، أبرم وإبرام؛ لأن مصدر الماضي الرباعي السالف يكون على هذا الوزن قياسا. 2- أن يصاغ مصدرا لفعل ماض خماسي أو سداسي بشرط أن يكون معتل الآخر في الحالتين، وأن يكون مبدوءا بهمزة وصل فيهما، وله ولمصدره نظائر من الفعل الصحيح الآخر ومصدره، على وزنهما، نحو: "اعتلى واعتلاء، ارتقى وارتقاء، انتهى وانتهاء ... " ونحو: "استعلى واستعلاء، استقصى واستقصاء، استجدى واستجداء ... " هي مصادر من نوع: "الممدود". ونظائرهما من الصحيح "اكتسب واكتساب، اتخذ واتخاذ، انهمر وانهمار ... " وكذا: "استغفر واستغفار، استعلم واستعلام، استظهر واستظهار ... "، وهذا الوزن هو القياسي لمصدر الفعلين الماضيين السالفين.. 3- أن يصاغ مصدرا على وزن: "فعال" بشرط أن يكون ماضيه ثلاثيا معتل الآخر على وزن: فعل "بفتح أوله وثانيه"، والدال على صوت، أو داء،

_ 1 وهذا هو الحكم العام للممدود. 2 عند الكلام على المقصور في ص605.

وبشرط أن يكون له نظير من الفعل الصحيح الآخر ومصدره، على وزنهما، نحو: عوى وعواء، رغا، ورغاء1، ثغا وثغا2 ونحوه: مشى بطنه مشاء. ونظيرهما من الصحيح الآخر: صرخ وصراخ، دار ودوار؛ لأن "فعالا" مصدر قياسي للثلاثي الدال على صوت أو داء -كما سبق. 4- أن يكون مفردا لجمع تكسير على وزن: "أفعلة" المختومة بالتاء المسبوقة بحرف العلة "الياء" بشرط أن يكون هذا المفرد مختوما بالهمزة المسبوقة بحرف علة، وأن يكون لهما نظائر من الصحيح الآخر، نحو: كساء وأكسية، رداء وأدرية، بناء وأبنية، دعاء وأدعية، دواء وأدوية ... فالأسماء المفردة السابقة "كساء، رداء، بناء، دعاء، دواء ... " وأمثالها نوع من "الممدود القياسي". ونظائرها من الصحيح الآخر: سلاح وأسلحة، حجاب وأحجبة، شفاء وأشفية، "بمعنى دواء وأدوية"؛ لأن "أفعلة" تكون جمع تكسير للمفرد الرباعي الذي قبل آخره مدة3.. 5- أن يصاغ مصدرا على وزن: "تفعال"، أو صيغة مبالغة على وزن "فعال أو مفعال". نحو: التعداء، والعداء، والمعطاء. ونظائرها من الصحيح تذكار، زراع، مشراب. أما الممدود السماعي فينطبق عليه اسم الممدود، ولا تنطبق عليه الضوابط السالفة التي من أهمها وجود نظير له من الصحيح؛ كالفتاء، بمعنى حداثة السن، والشراء؛ بمعنى: الغنى، والسناء، بمعنى: الشرف4 ...

_ 1 الرغاء. صوت الحيوانات ذات الخف؛ كالإبل. 2 الثغاء: صوت الغنم والمعز. 3 وفي الممدود يقول ابن مالك: وما استحق قبل آخر ألف ... فالمد في نظيره حتما عرف أي: ما استحق -بحسب القواعد- من الأسماء الصحيحة أن يكون قبل آخره ألف "وهذا يتحقق في مصدر الماضي الرباعي الذي على وزن: "أفعل" وفي الخماسي والسداسي المبدوءين بهمزة وصل"، فإن نظيره من مصادر الماضي المعتل الآخر الذي على وزن "أفعل" أو الذي يكون خماسيا أو سداسيا ممدود. ووضوح هذا بمثال هو: كمصدر الفعل الذي قد بدئا ... بهمز وصل؛ كارعوى وكارتأي 4 أشار ابن مالك إلى المقصور والممدود السماعين ببيت واحد هو: والعادم النظير: ذا قصر وذا ... مد، بنقل: كالحجا، وكالحذا والمراد بالنقل: السماع "الحذا: الحذاء".

قصر الممدودة، ومد المقصور: يكاد يقع الاتفاق على صحة قصر الممدود في الضرورة1 وحدها. ومنه قول المادح يصف من مدحهم بأنهم المثال الأعلى الذي يعرفه الناس للفضائل، وأنهم أهل الوفاء: فهم مثل الناس الذي يعرفونه ... وأهل الوفا من حادث وقديم وقول الآخر في الخمر: فقلت: لو باكرت مشمولة2 ... صفرا، كلون الفرس الأشقر أي: صفراء3.. أما مد المقصور فالخلاف فيه متشعب4 ... ، والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيحه في الضرورة الشعرية ونحوها؛ لأن الشعر وملحقاته محل التيسير. بشرط ألا يؤدي المد إلى خفاء المعنى أو لبسه؛ فيصح: غناء في غنى -نهاء في نهى- بلاء في بلى ... ولا يصح هذا في نوع النثر الذي لا يلحق بالشعر في الضرورة، دون النوع الآخر الذي يلحق به.

_ 1 في رقم 2 من هامش ص271 بيان واف عن معنى الضرورة، وأنها غير مقصورة على الشعر، بل تشمله وتشمل أنواعا أخرى محددة معينة هناك. 2 خمرا. 3 ومن أمثالهم القديمة: "لا بد من صنعا، وإن طال السفر". أي: صنعاء -بلد باليمن. 4 وفي النوعين يقول ابن مالك: وقصر ذي المد اضطرارا مجمع ... عليه. والعكس بخلف يقع "ذي المد: صاحب المد، وهو الممدود، اضطرارا، أي: للضرورة. خلف: خلاف" يقول: قصر الممدود للضرورة متفق عليه إجماعا. أما العكس -وهو: مد المقصور- فيقع بخلف، أي: فيجوز وقوعه مع الخلاف في أمر صحته. والرأي الأرجح رفضه كما بينا، إلا في ضرورة الشعر وملحقاته.

المسألة 171: كيفية تثنية المقصور، والممدود، وجمعهما تصحيحا 1 أ- تثنية المقصور: المقصور مختوم بالألف دائما؛ فلا يمكن أن تزاد في آخره علامتا التثنية مع بقاء الألف على حالها؛ لذا يجب قلبها حرفا آخر يقبل العلامتين؛

_ 1 وكذلك كيفية: "المنقوص" حيث البيان في هذا الهامش. والمراد بجمعي التصحح: جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم؛ لأن مفردهما يصح ويسلم -غالبا- عند جمعه على أحدهما؛ فلا يدخل على حروفه تغيير في نوعها، أو عددها، أو ضبطها، إلا عند الإعلال أحيانا. بخلاف جمع التكسير؛ فإن مفردة لا بد أن يتغير عند التكسير؛ فكأنما يصيبه الكسر -كما قالوا، وسيجيء في رقم 2 من هامش ص626- عند إدخال التغيير عليه، لنقله من حالة الإفراد إلى حالة الجمع الجديدة. ولهذا السبب اختلف النحاة في كلمة: "بنات" أهي جمع تكسير "لتغير صيغة مفردها عند الجمع؛ ولورودها منصوبة بالفتحة في عدد من النصوص المسموعة عن العرب كما ينصب جمع التكسير"، أم هي جمع مؤنث سالم؛ لكثرة النصوص الوافرة، المتمالئة، على نصبها بالكسرة، كجمعا لمؤنث السالم؟ وستجيء إشارة لهذا في رقم 2 من ص632 وفي هامش ص626 رقم 2. "ملاحظة" الاسم الذي يراد تثنيته إما أن يكون صحيح الآخر "وهو: الذي لا تكون لامه حرف علة؛ مثل: محمود". وإما أن يكون بمنزلة صحيح الآخر، "وهو المختوم بواو، أو ياء، وقبلهما سكون: سواء أكانتا مخففتين، أم مشددتين، مثل: ظبي، وعضو، ومرمي ومغزو" وإما أن يكون منقوصا، "أي: اسما معربا في آخره ياء لازمة، غير مشددة، قبلها كسرة؛ مثل: العالي المستعلي.. "وقد سبق تفصيل الكلام عليه في ج1 ص124 م15 -وانظر رقم 1 من هامش ص605". وإما أن يكون مقصورا، وإما أن يكون ممدودا. وكلاهما لا يختم بتاء التأنيث. فأما "الصحيح، وشبهه" فلا يلحقهما تغيير عند تثنيتهما وجمعهما تصحيحا إلا زيادة علامات التثنية والجمع. وأما "المنقوص" وهو المختوم بياء لازمة غير مشددة، وقبلها كسرة وقد سبق تعريفه مفصلا في مكانه المناسب ج1 م16 ص172 فيجب إثبات يائه في التثنية وجمع المؤنث السالم، وعند إضافته، أو تصديره بأل. "وكذا في ندائه، على حسب التفصيل السابق في ص14" ففي مثل: هاد، داع، يقال: هاديان، داعيان؛ كما يقال: الهادي والداعي ... والدين هادينا إلى ما يسعدنا، وبين المتعلمات هاديات للرشاد، داعيات للسداد. ولا فرق في هذا الحكم بين أن تكون ياء المنقوص مذكورة في المفرد قبل التثنية والجمع، أم محذوفة لسبب يقتضي حذفها، ذلك أن ياء المنقوص قد تحذف من المفرد؛ "طبقا للبيان المفصل الذي سبق في ج1 م16 ص173". =

فعند التثنية تقلب ياء في ثلاث حالات، وتقلب واوا في حالتين:

_ = ويجب حذف ياء المنقوص عند جمعه جمع مذكر سالما، ويضم ما قبل الواو ويكسر ما قبل الياء، نحو: الهادون للرشاد، والداعون إلى الخير خلفاء الأنبياء إن الهادين للرشاد والداعين للخير أحق الناس بالإكبار. وبهذه المناسبة نذكر أن بعض الأسماء الستة محذوف اللام -مثل: أب، أخ، حم، هن.. فعند تثنيته ترجع وجوبا لامه المحذوفة كما رجعت لام المنقوص على الوجه السالف وطريقته. وقد وضع بعض النحاة ضابطا عاما لإرجاع الحرف الأصلي المحذوف من الاسم الثلاثي، ملخصه: إذا حذف من الاسم الثلاثي أحد أحرفه الثلاثة فإن جاءت همزة الوصل عوضا عن المحذوف فلا يصح إرجاعه عنه التثنية وجمع المؤنث السالم، أما إذا لم تأت همزة الوصل للتعويض فالأجود -وقيل الواجب- إرجاع المحذوف إذا كان رجوعه واجبا عند إضافته؛ نحو: قاض، شج، أب، أخ، حم ... وغيرها مما حذفت لازمه. تقول: قاضيان، شجيان، أبوان، حموان.. كما تقول: قاضيا شجينا، أبوه، أخوه، حموه.. وشذ: أبان وأخان. أما ما لا يرجع عند الإضافة فلا يرجع عند التثنية وجمع المؤنث السالم؛ نحو: اسم، ابن، يد، دم، غد، فم، سنة؛ فنقول: اسمان، ابنان، يدان، دمان، غدان، فمان، سنتان ... كما تقول اسمه، ابنه، يده، دمه، غده، فمه، سنته ... وشذ: فموان وفيان.. ومن الضرورة قول الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين وقول الآخر: يديان بيضاوان عند محلم "ملحم اسم رجل، أو هو الرجل الحليم". راجع فيما سبق الهمع، ج1 ص44 والأشموني وحاشيته ج4 في آخر هذا الباب. وأما المقصور والممدود فيلحقهما التغيير الذي سيجيء مفصلا في هذا الباب. وقد سبق تعريفهما وشيء من الأحكام الأخرى في الباب السابق. وما سبق خاص بتثنية تلك الأنواع وجمعها جمعي تصحيح. أما جمع التكسير فله باب مستقل يجيء في أول ص625 م172. بقي نوع من الأسماء المعتلة الآخر -"وهو الذي سبقت الإحالة عليه في رقم 1 من هامش ص605"- لم أر من تعرض للكلام على تثنيته وجمعه، وهو المعتل الآخر بالواو. بل إنهم حين يقسمون المعتل الآخر إلى مقصور ومنقوص لا يذكرون نوعه، وحكمه؛ بحجة أن الكلام العربي الأصيل لا يعرف اسما مختوما بالواو إلا نحو ثلاث كلمات معربة؛ منها: سمندو وقمندو.. وقد ناقشنا هذا الرأي "في الجزء الأول ص125 م15" وأنتهينا إلى أن الحاجة اليوم تدعو لاتخاذ ضابط عام في إعرابه؛ لكثرة دورانه. وشيوع استعماله علما للأشخاص والبلدان وغيرهما. ومن أمثلته: أرسطو، سنفرو، خوفو، أدفو، أدكو، طوكيو، كنفو ... والحكم الذي ارتضيناه هناك وأوضحناه سببه، هو: إعرابه بحركات مقدرة على الواو في جميع حالاته إعراب الممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، فيرفع بضمة مقدرة على آخره. وينصب بفتحة مقدرة، ويجر بفتحة مقدرة أيضا. وقد يكون المناسب له عند تثنيته وجمعه جمع مؤنث سالما -بقاء الواو مع تحريكها بالفتحة، وزيادة علامتي التثنية؛ فيقال: أرسطوان وأرسطوين سنفروان وسنفروين ... وهكذا الباقي. كما يقال في روميو وجوليو، وصنبو، وبمبيو وأشباهها من أعلام قد يسمى بها بعض الإناث: روميوات وجوليوات، صنبوات، وبمبيوات. أما إذا كان علما لمذكر. وأريد جمعه جمع مذكر سالما فالأحسن حذف حرف العلة "الواو" مع ضم ما قبلها في حالة الرفع، وكسره في حالتي النصب، والجر.

1- فإن كانت الألف ثالثة وأصلها ياء1 وجب قلبها عند التثنية ياء، فيقال في تثنية: ندى، وهدى، وغنى ... نديان، وهديان، وغنيان. 2- كذلك إن كانت ثالثة مجهولة الأصل -لأنها جامدة- وأميلت2، نحو متى، وإذا "علمين"؛ فيقال في تثنيتهما: متيان وإذيان. 3- وكذلك يجب قلبها ياء إن كانت رابعة فأكثر3 -بغير نظر إلى أصلها- فيقال في تثنية: نعمى، ومرتضى، ومتعلى ... نعميان، ومرتضيان، ومستعليان. وإذا قلبت الزائدة على الثلاثة ياء عند التثنية، وأدى قلبها إلى اجتماع ثلاث ياءات في آخر كلمة واحدة -وجب حذف التي بعدها مباشرة؛ نحو: ثريا4 وثريان؛ لكيلا يجتمع في الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف3 -للعلة- من نوع واحد.

_ 1 يدل على الأصل أشياء، ترجع فيها الألف إلى أصلها الياء، أو الواو، ومنها: المصدر، والمشتقات، والتصغير.. 2 أي: لم تظهر عند النطق "ألفا" خالصة. وإنما كانت "ألفا" فيها راحة "الباء". فلهذا كانت الياء أحق بها عند القلب. 3 و3 انظر الرأي الكوفي في رقم 1 من هامش الصفحة الآتية. 4 أصل "ثريا": ثروى. "بمعنى: ثروة" ثم صغرت؛ فصارت. "ثربوي"، ثم قلبت الواو ياء -تطبيقا للأصول الصرفية، وأدغمت في الياء قبلها، فصارت: "ثريا". فلو قلبت ألفها ياء في التثنية، وقلنا: "ثرييان" لاجتمع في آخر الكلمة الواحدة توالي ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد: وهذا ممنوع -غالبا- تبعا لما نص عليه صاحب المزهر "في الجزء الثاني، ص52" حيث قال: "ليس في كلامهم ثلاثة أحرف من جنس واحد، وليس ذلك من أبنيتهم، استثقالا، إلا في كلمتين: غلام ببة، أي: سمين، وقول عمر: "لئن بقيت إلى قابل لأحملن الناس على ببان واحد"، أي: أسوى بينهم في الرزق والأعطيات". وجاء في الجزء الثاني من الهمع باب التصغير "ص186" ما نصه: "إذا ولي ياء التصغير ياءان حذفت أولاهما؛ لتوالي الأمثال ... "، وجاء في الصبان أول باب التصغير، ما نصه: "قال في =

4- وتقلب واوا إن كانت ثالثة وأصلها الواو؛ نحو: علا، وشذا؛ "وهو: المسك، أو: رائحته"، وعصا ... فيقال في التثنية: علوان، وشذوان وعصوان. 5- وأيضا إن كانت ثالثة مجهولة الأصل -لأنها جامدة- ولم تطرأ عليها الإمالة، نحو؛ إلى، ألا "علمين"، فيقال في تثنيتهما: إلوان، وألوان ... وغير ما سبق شاذ، لا يقاس عليه1. وطريق معرفته المراجع اللغوية2 ...

_ = التسهيل: يحذف لأجل ياء التصغير أول ياءين ولياها"، ثم قال بعد ذلك عند بيت ابن مالك: وحائد عن القياس كل ما ... خالف........................ ما نصه في تصغير "سماء": "إنه: سمية، والأصل: "سميي". بثلاث ياءات؛ الأولى ما نصه في تصغير "سماء": "إنه: سمية، والأصل: "سميي" بثلاث ياءات؛ الأولى ياء التصغير. والثانية بدل المدة، والثالثة بدل لام الكلمة؛ فحذفت إحدى الياءين الأخيرتين على القياس المقرر في هذا الباب، فبقي الاسم ثلاثيا، فلحقته التاء". هذا كلامهم -انظر ص693 وكذا رقم 5 من ص708 وفي رقم 2 من هامش هذه الصفحة شروط حذفها، لكن يفهم من صريح كلام الصبان والخضري في باب: "المعرب والمبني" "عند الكلام على المضارع المسند لضمير الرفع: ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، وبعده نون التوكيد" أن نون الرفع تحذف لتوالي النونات، وأن التوالي الممنوع إذا كانت الحروف المتوالية كلها زوائد؛ فلا يرد، نحو: القاتلات جنن، أو يجنن؛ لأن الزائد هو المثل الأخير فقط ... فكلاهما يعارض ما سبقه هنا. والظاهر أن التوالي ممنوع في غير "نن" و"يجنن" وما يماثلهما مما حروفه المتوالية أصيلة بذاتها، وليست منقبلة، ولا زائدة. 1 للكوفيين رأي غير هذا، وفيه يقول الرضي ما نصه: "تحذف الألف الزائدة خامسة فصاعدا في التثنية والجمع بالألف والتاء؛ كما في زبعرى وقبعثرى ولا يقاس عليه. خلافا للكوفيين". ا. هـ. نقلا عن شرح الكافية ج2 ص174. 2 في تثنية المقصور يقول ابن مالك في باب عنوانه كالعنوان الذي سبق هنا في ص612: آخر مقصور تثني اجعله يا ... إن كان عن ثلاثة مرتقيا كذا الذي "اليا" أصله؛ نحو: الفتى ... والجامد الذي أميل؛ كمتى "مرتقيا، أي: زائدا". فجمع في هذين البيتين الأحوال الثلاثة التي تقلب فيها ألف المقصور "ياء". وهي أن تكون زائدة على ثلاثة، أو ثالثة وأصلها الياء، أو ثالثة جامدة "مجهولة الأصل" قد أميلت. ثم قال في قلبها واوا: في غير ذا تقلب "واوا" الألف ... وأولها ما كان قبل قد ألف أي: أتبع الكلمة المألوف من علامتي التثنية.

وإذا ختم المقصور بتاء التأنيث -نحو: فتاة- زال عنه اسمه وحكمه؛ طبقا للبيان المفصل الذي سبق1 ... ب- تثنية الممدود: الممدود الاصطلاحي مختوم -دائما- بهمزة قبلها ألف زائدة2. فإذا أريد تثنيته فقد تبقى الهمزة حتما، وقد تقلب واوا حتما، وقد يجوز فيها الأمران؛ فلها ثلاث حالات. فيتحتم بقاؤها إن كانت حرفا أصليا من أصول كلمتها؛ نحو: فراء، وبداء، وخباء ... ، فيقال في تثنيتها: قراءان، وبداءان وخباءان، بإثبات الهمزة وجوبا: لأنها من بنية الكلمة الأصلية؛ إذ الأصل: قرأ، وبدأ، وخبأ. ويجب قلبها واوا إن كانت زائدة للتأنيث؛ نحو: بيضاء، وصفراء، وخضروا؛ وحمراء؛ فيقال: في تثنيتها؛ بيضاوان، وصفراوان، وخضراوان، وحمراوان. ويجوز بقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من حرف أصلي3 "نحو: صفاء ودعاء، وبناء، وفداء؛ لأن الأصل: صفاو، دعاو، بناي، فداي" أو كان مبدلة من حرف زائد للإلحاق4 "نحو: علباء5 وقوباء6"،

_ 1 في أول ص605 ورقم 1 من هامش ص606. 2 إذا لحقته تاء التأنيث زال عنه اسمه وحكمه. 3 قاعدة الإعلال تقضي بقلب حرف العلة همزة إذا كان متطرفا بعد ألف زائدة، فبقاء الواو هو مراعاة للواقع؛ إذ إنها لم تقع طرفا حقيقيا، فبعدها علامتا التثنية؛ فتبقى على اعتبارها ليست متطرفة بسبب علامتي التثنية. وتقلب همزة على اعتبار علامتي التثنية طارئتين لا يلتفت إليهما. هكذا يقولون. والتعليل الصحيح هو: استعمال العرب ليس غير. 4 تقدم معنى الإلحاق وبيان بعض وبيان بعض أحكامه في ص253 وهامشها. 5 اسم لبعض أعصاب العنق. وأصل الكلمة: علباي، بزيادة ياء الإلحاق لتكون كقرطاس، في وزنها، وأحكامها. ثم انقلبت الياء همزة؛ لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة. ومما يلاحظ أن الإلحاق خاص بالعرب مقصور عليهم، وكانوا يستخدمونه غالبا لضرورات شعرية أو ما يشابهها. "انظر ص253 وهامشها". 6 مرض جلدي يظهر على شكل بقع مستديرة، صغيرة، ثم تتسع ... وأصل الكلمة: "قوباي"، بزيادة ياء الإلحاق؛ لتكون كقرناس "وهو الأنف البارز من الجبل"، ثم انقلبت الياء همزة. طبقا لما سبق "في رقم 3 و5".

فيقال في التثنية: صفاءان؛ أو صفاوان، دعاءان أو دعاوان، بناءان، أو بناوان، فهداءان أو فداوان؛ كما يقال: علباءان أو علباوان، قوباءان أو قوباوان ... وهكذا ... والأحسن إبقاء المبدلة من حرف أصلي، وقلب المبدلة من حرف زائد للإلحاق، وما جاء مخالفا لما سبق فهو شاذ، لا يقاس عليه؛ كقولهم: قراوان في تثنية: قراء: "بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة، ومن معانيه: القارئ، مع أن همزته أصلية"، وكحمرايان، تثنية: حمراء، وعاشوران، تثنية: عاشوراء، بقلب همزة التأنيث ياء في حمراء، وحذفها في عاشوراء، ومثل: كسايان، تثنية كساء، الذي همزته مبدلة من حرف أصلي هو الواو ... وهكذا1. ج- جمع المقصور جمع مذكر سالما2. إذا جمع المقصور جمع مذكر سالما وجب حذف آخره "وهو: ألف العلة" في كل الحالات، مع ترك الفتحة قلبها دليلا عليها؛ تقول في: رضا، وعلا، ومرتضى ... وأمثالها من أعلام الرجال: الرضون رفعا. والرضين نصبا وجرا، وكذا: العلون والعلين، والمرتضون والمرتضين ... ومثل هذا يقال في

_ 1 وفي تثنية الممدود يقول ابن مالك: وما "كصحراء" بواو ثنيا ... ونحو "علباء". كساء، وحيا: بواو أو همز. وغير ما ذكر ... صحح. وما شذ على نقل قصر يريد: أن الممدود الذي همزته كهمزة صحراء -للتأنيث- تقلب همزته واوا عند التثنية. أما علباء "وهو الذي همزته للإلحاق. و"كساء" وهمزته مبدلة من أصل؛ هو الواو، وكذا "حياء" -ولكنه قصرها لضرورة الشعر فقال: "وحياء"- وهمزته مبدلة من أصل؛ هو الياء" ... أما الذي همزته من نوع هذه الأشياء فيجوز قلبها واوا في التثنية؛ أو إبقاؤها همزة على حالها. وغير هذه الأنواع الثلاثة التي تكون فيها الهمزة للتأنيث، أو مبدلة من أصل، أو للإلحاق -تبقى همزته على حالها. وما خالف الأحكام السالفة فهو شاذ؛ يوقف فيه عند حد السماع. 2 سبق الكلام على تعريف جمع المذكر السالم، وشروطه، وضبط كلمة: "السالم" وما يتصل به "في ج1 ص125 م10" وهو يسمى: الجمع على حد المثنى؛ "لوجوب تحقق شروط المثنى فيه"، وجمع التصحيح للمذكر. أما جمع المؤنث ففي "ج1 ص100 م12". وفيه بيان السبب في تسميته بجمع السلامة المؤنث، أو جمع التصحيح للمؤنث.. أو..، وضبط كلمة: "السالم".

المشتقات وسائر الأسماء المقصورة التي يصح جمعها جمع مذكر سالما، نحو: المبتغى، والأسمى، والمعلى ... في قولهم: صادقت الشجاع المبتغى، وهؤلاء هم الشجعان المبتغون -وأكبرت العالم الأسمى، والعلماء الأسمين- وقدرت العظيم المعلى قدره بين نظرائه من المعلين ... ومن هذا قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقوله تعالى في إبراهيم وأولاده عليهم السلام: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} 1. د- جمعه جمع مؤنث سالما: يراعى في جمعه جمع مؤنث سالما ما روعي فيه عند تثنيته2؛ فتقلب ألفه ياء في ثلاثة مواضع، وتقلب واوا في موضعين. فالثلاثة الأولى: حين تكون رابعة فأكثر؛ أو ثالثة أصلها الياء، أو ثالثة مجهولة الأصلي -لأن الاسم جامد- وأملت؛ "نحو: سعدى وسعديات، وهدى وهديات، متى ومتيات، والثلاثة أعلام إناث". والموضعان الأخيران: حين تكون الألف ثالثة أصلها الواو، أو ثالثة مجهولة الأصل؛ لأن الاسم جامد ولم تلحقها إمالة؛ "نحو: رضا ورضوات، وإلى وإلوات، إذا كانت: "رضا وإلى" علمين لمؤنثتين ... ". وإذا أدى جمع المقصور إلى اجتماع ثلاث ياءات -كما في جمع: ثريا على "ثرييات". وجب الاقتصار على اثنتين فقط، فيقال: ثريات، بحذف

_ 1 وفي جمع المقصور وحده -وترك جمع المنقوص والممدود- يقول ابن مالك: واحذف من المقصور في جمع على ... حد المثنى ما به تكملا........ "ما به تكمل المقصور، أي: ما اكتملت به صيغة المقصور"، يريد: الألف التي يختم بها؛ فيجب حذفها قبل مجيء علامتي الجمع الذي على حد المثنى -أي: طريقته- وهو جمع المذكر السالم؛ لأنه يعرب بحرفين وتسلم عند الجمع صيغة مفردة، وتحذف نونه للإضافة. ثم أشار إلى فتح ما قبلها عبد حذفها بالشرط الأول من البيت التالي -وسيعاد في هامش ص621 لمناسبة هناك، قائلا: والفتح أبق مشعرا بما حذف ... .................................. 2 في ص613.

الياء التي بعد ياء التصغير، لما سبق إيضاحه عند الكلام على تثنية المقصور1. هـ- جمع الممدود جمع مذكر سالما: يسري على همزته في هذه الحالة ما سرى عليها عند تثنيته؛ فتبقى على حالها إن كانت أصلية؛ نحو: قراؤوان، وبداؤوان، وخباؤون ... في جمع: قراء، وبداء، وخباء. وتقلب واوا إن كانت في أول استعمالها زائدة في المفرد للتأنيث، ثم صار هذا المفرد علما لمذكر2. ومن الأمثلة لهذا النوع من الأعلام "حمراء، وجمعه: حمراوون". "وخضراء. وجمعه: خضراوون"، "وبيضاء وجمعه: بيضاوون". ويجوز إبقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من حرف أصلي، أو للإلحاق، ومن الأمثلة: "رضاء، علم مذكر، وجمعه؛ رضاؤون أو رضاؤون" "وعلباء، علم مذكر أيضا، وجمعه علباؤون أو علباوون" ... و جمعه جمع مؤنث سالما: يجري على الهمزة ما جرى في التثنية، نحو: "قراءات"، "حمراوات"، "رضاءات وعلباءات، أو: رضاوات، وعلباوات". بعض الأحكام العامة فيما يجمع جمع مؤنث سالما: 1- أوضحنا من قبل3 الحكم الخاص بإرجاع "اللام" إلى الاسم الثلاثي المحذوف اللام إذا أريد جمعه بالألف والتاء المزيدتين، سواء أكانت لام اسم منقوص أم لام غيره. كبعض الأسماء الستة. وغيرها. 2- إذا كان المفرد المراد جمعه جمع مؤنث سالما مختوما بتاء التأنيث وجب حذفها قبل جمعه؛ سواء أكان المفرد بغيرها صحيح الآخر أو غير صحيح، ففي مثل: "كاتبة" يقال: كاتبات؛ بحذف التاء التي كانت في المفرد؛ لئلا

_ 1 في رقم 4 هامش ص615 ولما سيجئ من تكملة في ص693 ورقم 5 من ص708. 2 استعماله علما لمذكر، وتركه الوصفية شرط أساسي لصحة جمعه جمع مذكر سالم. 3 في هامش ص613.

تجتمع علامتان للتأنيث، وفي مثل: ظبية وصفوة، ومهدية، ومجلوة.... من أعلام النساء "وكلها من معتل الآخر، الشبيه بالصحيح الآخر"1، يقال: ظبيات، صفوات، مهديات، مجلوات. وإن كان قبل التاء ألف وجب حذف التاء وقلب الألف هنا كقلبها في التشبيه2 فالثالثة ترد إلى الواو أو الياء؛ طبقات للتفصيل المذكور هناك؛ نحو: فتاة وفتيات، وقناة وقنوات ... و ... والرابعة فأكثر تقلب ياء كمعطاة ومعطيات، ومصطفاة ومصطفيات. مع ملاحظة أن المفرد المختوم بتاء التأنيث وقبلها ألف، لا يسمى مقصورا، ولا يخضع لأحكامه؛ إذ لا بد أن تكون ألف المقصور آخرا، ويجري عليها الإعراب، لا على التاء -كما قلنا3. وإن كان قبلها همزة مسبوقة بألف زائدة وجب حذف التاء أيضا، وإخضاع الهمزة لحكم همزة الممدودة عند تثنية؛ فتبقى إن كانت أصلية، نحو: قراءة وبداءة وخباءة، فيقال: قراءات، وبداءات، وخباءات ... ويجوز إبقاؤها وقلبها واوا إن كانت مبدلة من أصل؛ نحو: نباءة "للبقعة المرتفعة". ونباوات، كما يقال في التثنية، ولا تقع الهمزة هنا للتأنيث قبل تائه؛ لأنها لا تجتمع مع تاء التأنيث، وكذلك لا تقع الهمزة للإلحاق قبل تاء التأنيث لأن همزة الإلحاق لا بد أن تكون في آخر الكلمة4.

_ 1 راجع بيانه في هامش ص613 بعنوان: ملاحظة ثم ص121 م15. 2 وهو في ص613 وما بعدها. 3 في ص605 و617. 4 أشار ابن مالك إلى ما سبق: "من جمع المقصور جمع مؤنث سالما، وأن ألفه تقلب في هذا الجمع كقلبها في التثنية، وأن مفرد هذا الجمع يجب حذف ما فيه من تاء للتأنيث إن وجدت قبل جمعه"، فقال بيتا نصفه الأول لا علاقة له بهذه المسألة، وإنما علاقته بمسألة أخرى سبقت، وسبق معها الشطر في رقم 1 من هامش ص119، والبيت هو: "والفتح أبق مشعرا بما حذف" ... وإن جمعته بتاء وألف ... ثم تمم القاعدة، فقال: فالألف اقلب قلبها في التثنية ... وتاء ذي التاء ألزمن تنحيه "أي: ألزمن التاء تنحية وإبعادا من المفرد الذي يحتويها"، يريد: احذف التاء من المفرد المشتمل عليها قبل جمعه جمعا مؤنثا سالما. ولم يتعرض ابن مالك -كما أشرنا من قبل- لحكم الممدود والمنقوص إذا أريد جمعهما هذا الجمع؛ لأن حكمها معه كحكمهما عند تثنيتهما.

3- تتحرك عين جمع المؤنث السالم بحركة فائه، فيتماثلان في حركتهما، إذا استوفى مفرده شروطا سنة1. أولها: أن يكون هذا المفرد اسما؛ نحو: هند، مجد، صلح ... أسماء لمؤنث؛ فخرج المفرد لوصف "أي: المشتق" نحو: ضخمة وحلوة ... ثانيها: أن يكون ثلاثيا، فخرج ما زاد على الثلاثة، نحو: درهم، وسلهب2، وبرقع ... أسماء لمؤنث. ثالثها: ورابعها: أن يكون غير معتل العين، ولا مضعفها؛ فخرج ما كان مثل: "هالة، ودولة، وديمة"، "وجنة، ومنة، وقبة". خامسها: أن يكون ساكن العين، فخرج ما كان متحركها، نحو: لبنة، وسمرة3 ... سادسها: أن يكون لمؤنث، فخرج ما هو لمذكر؛ نحو: سعد، وقفل، وحلف ... فإن هذه الأسماء لا تجمع جمع مؤنث سالما، فلا إتباع فيها. فإذا استوفى المفرد، المختوم بالتاء أو غير المختوم بها، الشروط الستة تحركت في جمع المؤنث السالم عينه الساكنة بحركة تماثل حركة الفاء؛ فيقال في هند: هندات، وفي مجد: مجدات، وفي صلح: صلحات، وفي حكمة: حكمات، وفي نحلة: نحلات، وفي غرفة: غرفات. ففي كل ذلك حذف سكون العين، وتبعت العين في حركتها حركة الفاء. غير أن هذا الإتباع قد يكون واجبا، وقد يكون جائزا. فيجب إذا كان المفرد المستوفي للشروط مفتوح الفاء؛ فيتعين إتباع حركة عينه في جمع المؤنث السالم لحركة فائه؛ نحو: رحمة، وفتحة ... فيقال فيهما: رحمات، وفتحات. ونحو: نهر وحمد "لمؤنثتين" فيقال: نهرات وحمدات. بفتح

_ 1 سبقت الإشارة لها في ج1 ص114 م12 لمناسبة هناك. 2 طويل. 3 اسم نوع من الشجر.

الثاني وجوبا في كل ذلك؛ تبعا لفتحة الأولى1. أما في غير الحالة السابقة المفتوحة الفاء فيجوز في العين الساكنة: إما إبقاؤها ساكنة، وإما تخفيفها بحذف السكون وتحريكها بالفتحة، وإما حذف سكونها، وإتباعها في حركتها لحركة الفاء، "فتكون مضمومة مثلها، أو مكسورة". ففي نحو الأسماء الآتية إذا كانت أعلاما لمؤنث، وهي: صنع، ودمية ... يقال صنعات، أو صنعات، أو: صنعات، بضم الثاني، أو تسكينه، أو فتحه. وهذه الثلاثة تقال في نظائرها من الأسماء الأخرى. كذلك في نحو: فتنة، وسحر، من أعلام النساء، يقال في جمعها: فتنات، أو فتنات، أو فتنات ... بإسكان التاء الأولى أو كسرها، أو فتحها. وهكذا يقال في الأعلام الأخرى المماثلة لها؛ حيث يصح فيها ضبط العين بأحد الضبوط الثلاثة الجائزة. ويستثنى من هذا الحكم حالتان: لا يجوز فيهما الإتباع. الأولى: الاسم المسكور الفاء إذا كانت لامه واوا، نحو: ذروة وقنوة2 وجنوة3؛ فلا يجوز فيها: ذروات، ولا قنوات، ولا جنوات، بكسر ثانيه إتباعا لأوله؛ لأن الكسرة ثقيلة قبل الواو يتحاشاها العرب في أغلب كلامهم، ولهذا لا يصح الإتباع، ويصح السكون أو الفتح ... الثانية: الاسم المضموم الفاء إذا كانت لامه ياء؛ دمية، قنية، غنية؛ فلا يجوز فيها دميات، ولا قنيات، ولا غنيات ... بضم ثانيه تبعا لأوله؛ لأن الضمة ثقيلة قبل الياء يتحاشاها العرب في أغلب كلامهم. ولهذا يصح الإتباع، ويصح السكون أو الفتح. وما خالف الأحكام السابقة فنادر، أو شاذ -وكلاهما لا يقاس عليه- أو

_ 1 هذا هو الأغلب والأشهر. لكن يقول: "الأشموني" ما نصه: "أفهم كلامه أن نحو "دعد وجفنة" لا يجوز تسكينه مطلقا، واستثنى من ذلك في التسهيل معتل اللام؛ كظبيات؛ وشبه الصفة، نحو: أهل وأهلات؛ فيجوز فيهما التسكين، اختيارا". ا. هـ. 2 الشيء المكتسب. 3 للحجارة المتجمعة.

ضرورة شعرية، أو لغة قوم من العرب عددهم قليل1 ... ومن الأمثلة جمع كهلة على كهلات -بفتح الهاء، مع أنها وصف. وظبيات بسكون الباء، والواجب فتحها. وزفرات بالسكون لضرورة الشعر في قول الشاعر: وحملت زفرات الضحا فأطقتها ... ومالى بزفرات العشي يدان وقبيلة "هذيل" لا تشترط الصحة في عين الاسم، فتجيز أن تكون معتلة؛ فتقول: بيضة وبيضات، وجوزة وجوزات؛ فتح الثاني إتباعا للأول1....

_ 1 و1 والأحسن في كل ما سبق متابعة أكثرية القبائل؛ لتكون المحاكاة جارية على الكثير القوي دون القليل، أو الضعيف، ولمجمع اللغة العربية بالقاهرة قرار في هذا "سجله في الجزء الخامس والشعرين من مجلته الصادرة في نوفمبر سنة 1969 ص198" ونصه: "يجاز جمع الاسم الثلاثي المؤنث، الساكن العين، الصحيحها على "فعلات"، بفتح العين، أو تسكينها؛ تعويلا على ما ذكره ابن مالك في الألفية، وما ذكره ابن مكي في تثقيف اللسان، وعلى ما ورد من الشواهد. غير أن الفتح أشهرها". ا. هـ. وانظر ما صلة بهذا في رقم 1 من هامش ص623. وفي الأحكام الخاصة بعين المفرد المؤنث الذي يراد جمعه جمع مؤنث سالما يقول ابن مالك: والسالم العين، الثلاثي، اسما أنل ... إتباع عين فاءه بما شكل إن ساكن العين مؤنثا بدا ... مختتما بالتاء، أو مجردا "الثلاثي: أصلها الثلاثي؛ بتشديد الياء، خففت للشعر" وفي البيت تقديم وتأخير. والتقدير: وأنل السالم العين، الثلاثي، الاسم -إتباع عين فاءه. أي: امنح السالم.. اتباع عينه الساكنة- الحركة التي شكلت بها الفاء. ثم انتقل بعد ذلك لبيان ما يجوز في العين الساكنة من فتح أو سكون أو إتباع، إن كانت العين بعد فاء غير مفتوحة؛ "حيث يجوز في العين الساكنة إما تركها على سكونها، وإما تخفيفها بالفتحة، وإما إتباعها لحركة الفاء قبلها، من ضم أو كسر" قال: وسكن التالي غير الفتح، أو ... خففه بالفتح فكلا قد رووا ثم عرض بعد ذلك للحالتين اللتين لا يجوز فيها الإتباع فقال: ومنعوا إتباع نحو: "ذروه" ... ونحو: "زبية". وشذ كسر جروه "الزبية" حفرة تحفر للأسد ليقع فيها؛ فيصاد. والجروة: الأنثى من الكلاب والسباع". ثم بين أن ما خالف الأحكام السالفة فهو نادر، أو ضرورة، أو لغة، فقال: ونادر، أو: ذو اضطرار غير ما ... قدمته، أو: لأناس انتمى

المسألة 172: جمع التكسير

المسألة 172: جمع التكسير مدخل ... المسألة 172: جمع التكسير معناه: في الأبيات الآتية التي يصف بها الشاعر1 أسباب العظمة، وخلود السيرة -أمثلة مختلفة مما يسميه النحاة: "جمع التكسير"، قال: وليس الخلد مرتبة تلقى2 ... وتؤخذ من شفاه الجاهلينا ولكن منتهى همم كبار ... إذا ذهبت مصادرها3 بقينا وسر العبقرية حين يسري ... فينتظم الصنائع والفنونا وآثار الرجال إذا تناهت ... إلى التاريخ خير الحاكمينا وأخذك من فم الدنيا ثناء ... وتركك في مسامعها طنينا4 فالكلمات: "شفاه، همم، كبار، مصادر، صنائع، فنون، آثاره، رجال، مسامع" ... ، هي مما يسمونه: "جمع التكسير". يريدون: أن كل واحدة منها تتضمن أمرين معا، هما: أ- معنى ينصب على أفراد لا تقل عن ثلاثة، وقد تزيد. ب- وجود مفرد لكل واحد، يشاركها في معناها، وفي حروفها الأصلية مع اختلاف يطرأ على صيغة هذا المفرد عند جمعه عليها. فكلمة: "شفاء" -مثلا- تدل على شفاه ثلاث على أقل -وقد تزيد- ولها مفرد هو: "شفة"، يشاركها في معناها، وفي حروفها الأصلية، مع اختلاف طرأ عليه عند الجمع؛ إذ صارت "الشين" مكسورة بعد أن كانت مفتوحة، وزيدت "ألف" قبل الآخر لم يكن لها وجود قبل الجمع؛ فالاختلاف هنا بزيادة بعض الحروف، وبتغيير بعض الحركات. وكلمة: "همم" -مثلا- تدل على ثلاثة فأكثر من هذا النوع، ومفردها

_ 1 أحمد شوقي المتوفى سنة 1932م. 2 المراد: تؤخذ تلقينا، أو وراثة مجردة. 3 أصولها وأصحابها. 4 صوتا مدويا، كصوت النحاس أو الطبل.

"همة" يشاركها يفي معناها، وفي حروفها الأصلية. وقد تغيرت صيغته عند جمعه للتكسير بعض تغير؛ فحذفت التاء من آخره، وانفك الإدغام الذي كان في ثانيه. فالتغير الذي طرأ على المفرد عند جمعه كان في الحركات وفي الفك. وكلمة: "كبار" تدل على عدد من هذا النوع لا يقل عن ثلاثة، ومفردها: "كبير" يشاركها في المعنى. وفي الحروف الأصلية؛ وقد طرأ على صيغته بعض تغير عند الجمع؛ فحذف من آخرهء الياء، وكسر أوله المفتوح، وفتح ثانيه المكسور، وزيدت "ألف" قبل آخره. فتناول التغيير ضبط بعض الحروف وحذف بعض منها، والزيادة عليها ... وهكذا بقية الجموع السالفة ونظائرها ... مما سبق يتضح تعريفهم جمع التكسير بأنه: "ما يدل على ثلاثة أو أكثر، وله مفرد1 يشاركه في معناه، وفي أصوله، مع تغير حتمي يطرأ على صيغته عند الجمع". وهذا التغير الطارئ على المفرد عند جمعه جمع تكسير قد يكون مقصورا على ضبط بضع الحروف فقط؛ نحو: أسد، والجمع: أسد، وقد يكون مقصورا على زيادة بعض الحروف فقط؛ نحو: أسد، والجمع آساد؛ وقد يشتمل على الزيادة وتغيير الضبط معا؛ نحو: رجل ورجال، وقد يشتمل على تغيير الضبط مع نقص بعض الأحرف؛ نحو: كتاب وكتب. وقد يشتمل على تغيير الضبط مع نقض الأحرف وزيادتها؛ نحو: كبير وكبيرة، وجمعهما للتكسير هو: كبار ... ، وهكذا؛ فلا بد من تغيير محتوم يصيب المفرد عند جمعه تكسيرا2.

_ 1 وهذا المفرد قد يكون حقيقيا، أو تقديريا بالتفصيل الهام والإيضاح الضروري الواردين في رقم 5 من ص678 م174، ولا بد في هذا المفرد أن يكون خاليا من التركيب ومن الإعراب بحرفين ... طبقا للبيان الذي سبق في ج1 عند الكلام على شروط جمع المذكر السالم -م10. 2 وهذا التغيير هو السبب في تسميته "تكسيرا"؛ فكأنما أصابه الكسر عند جمعه ونقله من صيغته المفرد التي هو عليها إلى صيغة الجمع الجديدة -هكذا قالوا كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص613.

قسماه، والفرق بينه وبين جمعي التصحيح1: استقصى اللغويون جموع التكسير في الكلام العربي -جهد طاقتهم- فتبينوا ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن العرب يستعملون2 -في الأغلب- صيغا معينة إذا أرادوا من التكسير عددا محددا لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. ويستعملون صيغا أخرى إذا أرادوا عددا لا يقل عن ثلاثة، ولكنه يزيد على عشرة؛ "بأن يكون أحد عشر، أو اثني عشر، أو أكثر ... فالنوعان متشابهان. في المبدأ، مختلفان في النهاية3. وأشهر الصيغ الأولى أربعة، تسمى: "صيغ جموع القلة"4. وتسمى الصيغ الأخرى: "صيغ جمع الكثرة"4 ...

_ 1 جرى اصطلاح النحاة -لا اللغويين- على اعتبار كل جمع من الجموع الثلاثة "وهي جمعا التصحيح، وجمع التكسير" دالا على أكثر من اثنين دلالة عددية، وقد سبق البيان -في ج1- عند الكلام المفصل على جمعي التصحيح، ولا تكملة هنا في رقم 3 التالي، وفي ص675 ورقم 5 من هامشها. 2 استعمالا حقيقيا، لا مجازيا -كما سيجيء. 3 كثرة النحاة تقول إن مدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة -لا المجاز- هو ما فوق العشرة إلا ما لا نهاية. ولكن بعض المحققين -كما نقل الصبان- لم يرتض ذلك، وقال: "إن جمع القلة هو من الثلاثة إلى العشرة -مع إدخال العشرة في الحكم، طبقا لنص الصبان بعد ذلك مباشرة، وجمع الكثرة من الثلاثة إلى ما لا يتناهى. فالفرق بينهما من جهة النهاية. بخلاف ما ذكره الشارح الأشموني". ا. هـ. وهذا هو الرأي السديد؛ لأن معناه أعم، فالأخذ به يحقق المعنى المراد من كثير من أساليب العرب، فوق أنه يمنع التعارض والتناقض الذي قد يقع بين العدد المفرد "3 و10 وما بينهما" ومعدوده حين يكون هذا المعدود صيغة من صيغ جمع الكثرة "مثل: ثلاثة بيوت، أربعة جداول، خمسة جبال، ست مدائن، سبع سفن ... " فلو أخذنا بالرأي الأول لكان العدد في هذه الأمثلة وأشباهها دالا على شيء حسابي معين لا يزيد على عشرة مطلقا. في حين يدل المعدود -وهو صيغة جمع الكثرة- على شيء يزيد على العشرة حتما. وهذا هو التعارض والتناقض المعنوي المعيب. أما على الرأي الثاني السديد فلا وجود لهذا التعارض والتناقض. 4 و4 "ملاحظة": ما ذكرناه من معنى: "القلة والكثرة" هنا يخالف معناهما في موضع آخر يجيء مفصلا في 633 و634 وهامشها؛ حيث المراد منهما: "المطرد" ونحوه مما يقاس عليه، و"غير المطرد" ونحوه مما لا يصح القياس عليه؛ طبقا للبيان المدون هناك. ومن آثاره القلة العددية والكثرة أن تقول: كتبت إليك رسالة لثلاث خلون من شهر كذا، وجاءني كتابك لخمس عشرة خلت من ذلك الشهر؛ فنجيء بنون النسوة حينا، وبتاء التأنيث حينا آخر. فما الضابط الذي يرجع إليه في استخدام أحدهما؟ الجواب -تفصيلا- في رقم 1 من هامش ص565. وله إشارة في الصفحة الآتية.

وهما غير: "جمع الجمع" وهذا لا يدل على أقل من عشرة -كما سيجيء1 ... فالأربعة الخاصة بجموع القلة، وهي: 1- أفعلة؛ نحو: أغذية وأدوية، وأبنية -جمع: غذاء، ودواء، وبناء ... 2- أفعل: نحو: السن، وأرجل، وأعين؛ ... جمع: لسان، ورجل، وعين ... 3- فعلة؛ نحو: صبية، وفتية، وولدة؛ جمع: صبي، وفتى، وولد. 4- أفعال؛ نحو: أبطال، وأسياف، وأنهار؛ جمع: بطل، وسيف، ونهر ... ومعنى اختصاص هذه الصيغ بالقلة أن المدلول الحقيقي "لا المجازي" لكل واحدة منها هو عدد مبهم -أي: لا تحديد ولا تعيين لمدلوله-2 ولكنه لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة، بشرط ألا توجد قرينة تدل على أن المراد الكثرة، لا القلة، فعن عدم القرينة تتعين القلة حتما؛ اعتمادا على أن الصيغة موضوعة في أصلها للقلة، ومختصة بها؛ فلا يجوز إبعادها إلى الكثرة بغير قرينة؛ وإلا كان هذا إبعادا لها عن أصلها، وإخراجها منه إلى غيره مما لا يصلح له في حقيقة ولا مجاز3 ... وكما تتعين القلة عند عدم القرينة تتعيين أيضا في حالة ثانية؛ هي أن تكون تلك الصيغة الدالة على المعدود هي من الصيغ الموضوعة للكثرة، والعدد هو ثلاثة، أو عشرة، أو عدد آخر بينهما، وإنما تتعين للقلة هنا منعا للتعارض بين مدلول العدد ومدلول المعدود، لأن كل واحد من هذه الأعداد المفردة صريح في دلالته على القلة، فلا يصح أن يخالفه معدوده في مضمون هذه الدلالة، ولا أن يعارضه، فلو كانت صيغة المعدود موضوعة في أصلها للكثرة لكانت مع العدد المفرد للقلة. ومن كل ما تقدم يتضح أن معنى القلة يتعين ويتحتم وحده في صورتين: "الأولى" ... أن تكون صيغة المعدود هي من صيغ القلة المتجردة لدلالتها

_ 1 في ص675. 2 سبق توضيح هذا وشرحه في ص525. 3 إذ يشترط في المجاز وجود القرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصل....

ألأصلية، ولا توجد قرينة تبعدها عن هذه الدلالة، وتخرجها منها إلى الدلالة على الكثرة. و"الأخرى" أن تكون الصيغة الدالة على المعدود هي إحدى الصيغ الدالة على الكثرة، لكن العدد الخاص بها دال على القلة، كالعدد ثلاثة، أو عشرة، أو أحد الأعداد التي بينهما. وعدد الصيغ الثانية المختصة بجموع الكثرة قد يزيد على ثلاثين، ولكن المشهور القياسي منها يقارب ثلاثا وعشرين صيغة. وسنعرف الكثير منها؛ مثل: فعل، وفواعل، ومفاعل، وفعالي، وفعل ... و ... نحو: حمر، وجواهر، ومعابد، وصحارى، وكتب ... ولاختيار نوع الصيغة الدالة على التكسير أثر آخر في تركيب الأسلوب أحيانا فوق أثره المعنوي السالف؛ ذلك أن صيغة جمع القلة يناسبها نون النسوة، وأن صيغة جمع الكثرة يناسبها تاء التأنيث؛ فقولنا: رأيت أذرعا امتددن ... أفضل من امتدت، ولوالد أياد غمرت أبناءه ... أحسن من غمرن1 ... وما تقدم هو الأفضل والأحسن، ولكنه ليس واجبا. الأمر الثاني2: أن العرب قد يضعون جمعا معينا على وزن صيغة خاصة بأحد النوعين، ولكنهم يستعملون هذا الجمع في القلة حينا، وفي الكثرة حينا آخر استعمالا حقيقيا، لا مجازيا -والقرائن وحدها في السياق هي التي تعينه لأحد النوعين- بالرغم من أن الصيغة خاصة بأحدهما فقط، وأن وزنها يشيع استعماله عندهم في نوع منهما دون النوع الآخر، أي: أنهم يكتفون بوزنه الغالب الشائع في أحد النوعين ويستعملونه فيه، وفي الآخر أيضا من غير أن يجمعوا المفرد جمع تكسير على وزن من الأوزان التي تشيع في هذا النوع الآخر. ومن الأمثلة استعمالهم في القلة، والكثرة معا: أرجل، وأعناق، وأفئدة "وهي جمع: رجل، وعنق، وفؤاد" مع أن صيغة: أفعل، وأفعال، وأفعلة هي من الصيغ الغالبة في القلة، فاكتفوا بها في النوعين عند تكسير هذه

_ 1 لهذا إشارة في رقم 3 و4 من هامش ص627 أما التفصيل ففي ص565. 2 تقدم الأمر الأول في ص627.

الكلمات، ولم يجمعوا كلمة: رجل، ولا عنق، ولا فؤاد، على صيغة من الصيغ الخاصة بجمع الكثرة. ومن الأمثلة أيضا: رجال وقلوب "جمع: رجل، وقلب" في القلة والكثرة، مع أن صيغة: "فعال" و"فعول" من الصيغ الغالبة في الكثرة. فاكتفوا بها في الدلالة على النوعين عند تكسير الكملتين، ولم يجمعوا رجلا، وقلبا، على صيغة للقلة. الأمر الثالث: أن العرب قد يستعملون صيغة شائعة في أحد نوعي التكسير مكان صيغة وضعوها للنوع الآخر، وشاعت فيه. فكلتا الصيغتين موجودة فعلا، وتشيع في أحدهما1، وحده، ولكنهم يستعملونها في معنى الآخر؛ بقرينة في الكلام خارجة عن الصيغة وعن وزنها تدل على هذا النقل والتبادل. وبغير القرينة لا يصح الحكم على الصيغة بأنها مستعملة في غير نوعها2.

_ 1 في صيغ جمع القلة وأنها قد تستعمل للكثرة والعكس يقول ابن مالك في أول باب عنوانه: "جمعا لتكسير" وسنذكر أبياته مرتبة هنا ترتيبها في "ألفيته": أفعلة، أفعل، ثم: فعلة ... ثمت: أفعال جموع قله "ثمت: هي: "ثم" العاطفة، زيدت في آخرها تاء التأنيث المفتوحة"، تلك صيغ القلة. وانتقل بعدها مباشرة إلى استعمالها في الكثرة، وصيغ الكثرة في القلة، فقال: وبعض ذي بكثرة وضعا يفي ... كأرجل، والعكس جاء كالصفي يقول: إن بعض هذه الأوزان يفي بالكثرة، أي: يدل عليها ويغني فيها؛ كأرجل؛ جمع رجل؛ فإنها تكون للكثرة كما تكون للقلة. وهذا بالوضع العربي: أي: أن العرب وضعوا الجمع المكسر: "أرجل" للكثرة كما وضعوه للقلة فهو صالح للمعنيين، ولم يعرف لجمع: "رجل" صيغة مسموعة خاصة بالكثرة؛ فالوضع للمعنيين أصيل وحقيقي. ولكن صيغته في أحدهما أكثر شيوعا منه في الآخر. والعكس صحيح كذلك، فقد جمعوا بعض الألفاظ لتدل على القلة، مع أنها مصوغة على وزن بعض الصيغ الشائعة في الكثرة -كما قلنا- وضرب مثالا هو: "الصفي" جمع صفاة "بمعنى: الصخرة الملسا، وأصله: صفوي، اجتمعت التاء والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء؛ عملا بقواعد الإعلال، وأدغمت الياء في الياء، فصارت صفي، ثم قلبت الضمة قبل الياء كسرة؛ لأن الكسرة هي التي تناسبها؛ فصارت: صفي، بياء مشددة، ولم يشددها الناظم لضرورة الوزن". 2 وقد كثر هذا النقل والتبادل في بعض الصيغ؛ كصيغة "أفعال" التي للقلة؛ فقد أشاعوها؛ في المعنيين؛ وإن كانت للقلة أوفر شيوعا. ومن الجائز لنا في كل وقت أن نستعملها في المعنيين مثلهم، =

والفرق بين هذه الحالة والتي سبقتها: أن المفرد هنا له نوعان شائعان من التكسير أحدهما: يكون بصغة مستقلة تختص بجمع التكسير الدال على القلة، والآخر يكون بصغة مستقلة تختص بجمع التكسير الدال على الكثرة، فتستعمل إحداهما في معنى الأخرى بقرينة. أما الحالة السابقة فالمفرد له جمع تكسير على وزن خاص بأحدهما فقط، فصيغة جمعه مقصورة على نوع منهما وحده؛ فلم يضع العرب لهذا المفرد نوعين للتكسير، تكون صيغة أحدهما مستقلة الدلالة على القلة، وصيغة الآخر مستقلة الدلالة على الكثرة، وإنما وضعوا للمفرد جمعا من نوع واحد، بصيغة تختص بهذا النوع، ولكنها مشتركة الدلالة فتدل على الكثرة حينا وعلى القلة حينا آخر على حسب القرائن، وبرغم أنها من الصيغ الخاصة بأحدهما دون الآخر -كما قلنا- يستعملونها في النوعين. ومما تجب ملاحظته: 1- أن هذه الدلالة العددية التي يدل عليها جمع التكسير هي إحدى نواعي الفرق بينه وبين جمعي التصحيح؛ ذلك بأن جمع التكسير قد يكون مدلوله عددا محدودا لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على عشرة. وقد يكون مدلولها عددا لا يقل عن ثلاثة، ولكنه يزيد على العشرة -طبقا للبيان الذي عرضناه-1 ولكل دلالة صيغ معينة. أما جمعا التصحيح، فمدلولهما الغالب عند "سيبويه" عدد محدود لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة. فهما يدلان عنده على القلة التي يدل عليها أحد نوعي جمع التكسير، ولا يدلان على الكثرة إلا بقرينة أخرى خارجة

_ = فيكون الاستعمال حقيقيا لا مجازيا؛ بسبب شيوعه عندهم. أما غير الشائع عندهم فنستعمله مجازا؛ لأن استعمال القليل في موضع الكثير أو العكس، جائز بلاغة؛ ويكون من قبيل المجاز المرسل الذي علاقته الكلية أو الجزئية، واستعماله مطرد، ما دامت شروط المجاز متحققه، ولا يتوقف على استعمال العرب للكلمة أو الكلمات المجازية ذاتها، وأنهم استعملوها مجازا؛ إذ لا أهمية مطلقا لاستبانة أمرهم في هذه الكلمة أو الكلمات؛ لأن استخدام المجاز قياسي بغير قيد، إلا قيد تحقق شروطه. غير أن العرب إذا استعملوا صيغة الكثرة في القلة أو العكس وكان هذا الاستعمال كثيرا شائعا فإنه يكون من قبيل الاستعمال الحقيقي لا المجازي، ويكون استعمالنا إياه حقيقيا كذلك؛ كاستعمالهم صيغة: "أفعال" في الكثرة؛ فهو حقيقي لنا أيضا. بخلاف استعمال "فعل" -مثلا- في القلة فإنه مجازي. 1 في ص579.

عن صيغتها؛ فليس لهما صيغ تدل على القلة أو على الكثرة كلاصيغ التي لجمع التكسير في هذين النوعين. هذا رأي سيبويه. لكن الرأي الأرجح أن جمعي التصحيح لا يختصان بالقلة وإنما يصلحان1 للقلة والكثرة. عند خلو الكلام من قرينة تعين الجمع لأحدهما دون الآخر. 2- وأن هناك فرقا هاما آخر؛ هو: أن جمع التكسير لا بد أن تتغير، فيه صيغة مفرده؛ بخلاف جمعي التصحيح؛ فإن مفردهما لا يتغير -في الأغلب- عند جمعه على أحدهما، بل يظل حافظا صورته الأصلية2. 3- وأن جمع التكسير وجمع المؤنث السالم يعربان بالحركة، أما جمع المذكر السالم فيعرب بالحرف3. قياسية جمع التكسير: صيغ جمع التكسير -بنوعيه- متعددة، وأوزانه كثيرة تجاوز الثلاثين؛

_ 1 راجع خاتمة "المصباح المنير"، ص954 بعنوان: "فصل: الجمع قسمان، قلة وكثرة ... " حيث صرح بالرأي الأرجح وبأدلته. ومن أمثلة الكثرة قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} ومما يدل على القلة قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} والمراد بها: أيام التشريق، وهي قلة ... وكذلك كتاب "مجمع البيان لعلوم القرآن" تأليف الطبرسي ج3 ص88 ونقلنا في الجزء الأول "م10 رقم 2 من هامش125 باب جمع المذكر السالم" رأي أبي علي الفارسي في هذا، فقد جاء في كتاب: "المحتسب" لابن جني "ج1 ص187 سورة النساء" ما نصه: "كان أبو علي ينكر الحكاية المروية عن النابغة، وقد عرض عليه حسان بن ثابت شعره، وأنه صار إلى قوله: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجده دما قال له النابغة: لقد قللت جفانك وسيوفك. قال أبو علي: هذا خبر مجهول لا أصل له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} ولا يجوز أن تكون الغرف كلها التي في الجنة من الثلاث إلى العشر. ا. هـ. 2 انظر رقم 1 من هامش ص613. ورقم 2 من هامش ص679. 3 راجع أحكام هذه الجموع وكثير مما يختص بها في ج1 م7 "أنواع البناء والإعراب ... ".

منها: "الصيغ المطردة"، ويتصدى علم: "النحو الصرف لبيانها، وعرض أحكامها، ومنها: "غير المطردة"، والسبيل إلى معرفتها مقصور على المراجع اللغوي الأخرى التي تسرد أمثلة من الوارد "السماعي" الذي ليس مطردا. المراد بالصيغة "المطردة" ما تتطلب مفردا مشتملا على أوصاف معينة، إذا تحققت فيه جاز جمعه تكسيرا على تلك الصيغة بدون تردد، ولا رجوع إلى كتب اللغة، أو غيرها لمعرفة وروده عن العرب، أو عدم وروده؛ فمثل هذا الجمع يكون صحيحا فصيحا ولو كان غير مسموع1. ولا يصح رفضه، ولا الحكم عليه بالضعف اللغوي، أو بشيء يعيبه من ناحية صياغته، أو وزنه، أو فصاحته، فصيغة "فعل" -مثلا تكون جمعا مطردا لكل مفرد مذكر على وزن: "أفعل" أو مؤنث على وزن: "فعلاء" بشرط أن يكون المفرد في الحالين مشتقا، دالا على لون، أو عيب ... نحو: هذا أحمر، وهؤلاء حمر، وهذه حمراء، وهن حمر. وذاك أخرس، وخم خرس وتلك خرساء، وهن خرس ... وهكذا كل صيغة أخرى من جموع القلة أو الكثرة، فإن المفرد يطرد جمعه عليها إذا كان مستويا للشروط التي يجب تحققها فيه؛ ليصلح أن يجمع على وزنها. فمعنى تحققت تلك الشروط ساغ جمعه عليها من غير استشارة المراجع اللغوية، وساغ استعمال هذا الجمع بغير توقف لمعرفة رأيها فيه، أهو موافق لما تحتويه أم مخالف؟ فإن هذا التوقف لا مسوغ له بعد أن تحققت في المفرد كل الشروط والصفات التي جعلته صالحا لأن يجمع جمع تكسير على تلك الصيغة والوزن. وما أكثر تعدد الجموع في المراجع اللغوية، وكثير منها مخالف في صيغته لصيغة الجمع المطرد، فلا يؤدي هذا -مع كثرة الصيغ المخالفة- إلى تخطئة المطرد، ولا إلى الحكم عليه بالنسب، أو العيب، وإنما يؤدي إلى أن لهذا المفرد جمعين للتكسير -أو أكثر أحيانا- وأن أحد الجمعين كثير شائع، فهو لهذا

_ 1 راجع ص "ع" من الكتاب الذي أخرجه مجمع اللغة العربية باسم: "مجموعة القرارات العلمية من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين ... ".

قياسي مطرد، والآخر قليل في ذاته1 أو نادر؛ فهو سماعي، ولا يجوز القياس عليه؛ لقلته الذاتية وندرته1، ولا اتخاذ وزنه مقياسا يجمع عليه مفرد آخر غير الذي ورد مسموعا فيه عن العرب؛ وهذا هو المسمى: ب"جمع التكسير السماعي" أو: جمع التكسير غير المطرد". ومن ثم يتبين خطأ من يتوهم أن كل جموع التكسير سماعي، وأن الرجوع في كل جمع منها إلى المظان اللغوية محتوم على من يعرف الأوصاف المشروطة في مفرد كل صيغة، ومن لا يعرف. نعم الرجوع إلى تلك المظان محتوم على من لا يعرف تلك الأوصاف والضوابط. أما من يعرفها فله أن يصل من طريق معرفته إلى ما يريد من جموع التكسير المطردة في تلك المفردات، ولا تمنعه معرفته أن يرجع -إذا شاء- إلى المظان اللغوية، ليستخدم ما تنص عليه من جموع أخرى مسموعة للمفردات التي معه؛ أي: أنه حر في استعمال جمع التكسير القياسي أو السماعي، من غير أن يفرض عليه الاقتصار على السماعي وحده2، وإلا كانت الضوابط المطردة، والقواعد العامة المستنبطة من الكلام العربي الشائع عبثا لا جدى منه3، فوق ما في

_ 1 و1 بشرط أن تكون القلة ذاتية، لا نسبية. وقد سبق تفصيل الكلام عليهما في أجزاء الكتاب؛ ومن ذلك ج3 م93 ص64 و78. 2 وبهذا الرأي الحكيم يأخذ جماعة من أئمة النحاة، في مقدمتهم الكسائي زعيم المدرسة الكوفية، ولا يقتصر في تطبيقه على الجموع أو المصادر ونحوهما؛ بل يجعله عاما شاملا في كل ما اجتمع له سماع وقياس. جاء في مقدمة: "القاموس المحيط" في الأمر الخامس من الأمور التي اختص بها القاموس ما نصه عند الكلام على ضبط المضارع ... : "السماع مقدم على القياس عند غير الكسائي. وأجاز الكسائي القياس مع السماع أيضا، على ما قرر في الدواوين الصرفية". ا. هـ. ولهذه المسألة -مسألة الجمع بين القياس والسماع تكملة هامة تجيء في رقم 3 هنا. 3 للمجمع اللغوي القاهري قرار حاسم -فوق المشار إليه كل ما سبق- أصدره بعد دراسة وافية، وهو يقطع بأن "المطرد"، و"القياس" بمعنى واحد؛ "كما اء في الصفحة الخامسة والخمسين من محاضر جلسات الدور الرابع لانعقاده: وهي الجلسة الرابعة صباح الثلاثاء 19 من يناير 1937، وكما ورد أيضا في الصفحة الأولى من الجزء الرابع من مجلة المجمع" ونص القرار. "يرى المجمع أن الكلمات التي يستعملها قدامى النحويين والصرفيين؛ وهي: القياس: والأصل، والمطرد، والغالب، والأكثر، والكثير، والباب، والقاعدة ... ألفاظ متساوية الدلالة على ما ينقاس. وأن استعمال كلمة منها في كتبهم يسوغ للمحدثين من المؤلفين وغيرهم قياس ما لم يسمع على ما سمع، وأن المقيس على كلام العرب هو من كلام العرب". ا. هـ وفي محاضر جلسات الدور الرابع للانعقاد ص38 وما بعدها ما نصه: "ويقال للشاذ: القليل، والأقل، والنادر، وأمثالها مما يفيد القلة والضعف أيضا". ا. هـ. =

البحث عن "المسموع" من عناء وإرهاق يبلغان حد التعجيز؛ بسبب كثرة المراجع

_ = والمراد من تسجيل هذا القرار هنا ومن الإيضاح الذي ذكرته قبله، إزالة كل غموض عن قياسية الجموع المطردة، ومحو كل وهم تردد أو يتردد على خاطر بعض القدامى والمحدثين بهذا الشأن. وهناك أسباب أخرى قوية تزيل الشك أو الوهم عن قياسيته؛ هي الأسباب العامة الجليلة التي أشرنا إليها في مواضع متفرقة من الأجزاء الأربعة في الرد على من يتشككون في قياسية بعض المسائل. كالذي سجلناه بإفاضة في الجزء الثالث عند الكلام على: "أبنية المصادر القياسية" "ص183م 98". ومن تلك الأسباب آراء العالم العبقري ابن جني التي يرجع إليها المجمع اللغوي في كثير من بحوثه، ويستشهد بفصله الرائع الذي عنوانه: "باب في اللغة المأخوذة قياسا" والذي نقلناه كاملا مستقلا ختمنا به الجزء الثاني. وقد سجلته مجلة المجمع في عددها الأول، كما سجلته محاضر جلساته مرة أخرى في الصفحة الخامسة والأربعين من محاضر جلسات الدور الرابع للانعقاد، وأيضا ما نقله عن المازني، وكذلك آراء العالم الذكي: "الفراء" الذي ورد عنه في محاضر جلسات المجمع اللغوي "دور الانعقاد الرابع ص108": "أنه إمام الكوفيين، ووارث علم الكسائي، ولا تثريب لينا إذا أخذنا بمذهبه". وكذلك الزمخشري وصاحب المصباح المنير، وغيرهم من الأئمة الذين سردنا آراءهم الجليلة مفصلة في الجزء الثالث -كما سبقت الإشارة هنا م98 ص183. بقي السؤال عن المعنى الدقيق للاطراد الذي يباح عليه القياس، والمعنى الدقيق للكثرة التي تبيح القياس كذلك؟ ما عددها؟ وما شياتها؟ وما نعوتها؟.. وقد ورد هذا السؤال في ص129 من الكتاب الصادر من مجمع اللغة العربية بالقاهرة باسم: "كتاب في أصول اللغة" وهو المشتمل على مجموعة القرارات: التي أصدرها المجمع من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين، وتصدى للإجابة عن هذا السؤال أحد الأعضاء المجمعين مسجلا إجابته في تلك الصفحة قائلا ما نصه الحرفي: "أضع بين يدي السائل ما قال أصحاب أصول النحو في ذلك من بيان وتحديد نسبة عددية يمكن أن تكون أصلا لنسبة مئوية كالتي يستعملها المحدثون في الإحصاء؛ وذلك هو ما نقله السيوطي صاحب الاقتراح في ص21 سطر10 وما بعده -وكذلك في "المزهر" ج1 ص140- ونصه: "قال الشيخ جمال الدين بن هشام: أعلم أنهم يستعملون غالبا، وكثيرا، ونادرا وقليلا، ومطردا. فالمطرد لا يتخلف، والغالب أكثر الأشياء، ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دونه، والنادر أقل من القليل. فالعشرون بالنسبة إلى ثلاثة وعشرين غالب، والخمسة عشر بالنسبة إليها كثير لا غالب، والثلاثة قليل والواحد نادر. فاعلم بهذا مراتب ما يقال فيه ذلك". ا. هـ. سيوطي. وبمحاولة علم هذا مفسرًا بالنسبة المئوية كما يقال اليوم تكون النتيجة هي: المطرد الذي مثله بثلاثة وعشرين وجعلها نهاية هو 100 % والغالب وهو 20 من 23 = 20/ 23 86 % أو 87 % تقريبا، والكثير وهو 15 من 23 % يساوي 65 %، والقليل وهو 3 من 23 % يساوي 13 % والنادر وهو 1 من 23 % يساوي 1/ 3 4% تقريبا. وبهذا يكتفون، ولا يذكرون الشذوذ في هذا المقام بعدما وصلوا إلى الندرة وهي أقل القليل كما رأينا ... ". ا. هـ. انتهت الإجابة. هذا وقد أشرنا "في رقم 4 من هامش ص627" إلى أن المراد هناك من القلة، والكثرة، والاطراد، وعدم الاطراد مخالف للمراد منها هنا.

وتنوعها، وتباين طرائفها ... و ... وفيما يلي الأوزان المطردة -أي: القياسية- لجمع التكسير بقسيمة: "جمع القلة، وجمع الكثرة"، والأوصاف الواجب تحققها في المفرد المراد جمعه على إحدى الصيغ، مع الإشارة إلى أن كل صيغة من هذه الصيغ المطردة قد تزاحمها صيغ كثيرة مسموعة، مرجعها اللغة وحدها. أ- أشهر الصيغ المستعملة في جموع القلة أربعة: 1- أفعلة: وهو مقيس في كل مفرد يكون اسما، "لا وصفا"، مذكرا، رباعيا، قبل آخره حرف مده؛ نحو: طعام وأطعمة، بناء وأبنية1، عمود وأعمدة، رغيف وأرغفة ... وهو مقيس أيضا في كل اسم على وزن: فعال، أو فعال "بفتح الفاء أو كسرها" إذا كان عين كل منهما ولامه من جنس واحد، أو كانت لامهما حرف علة، فالأول، نحو: بتات2 وأبتة، وزمام وأزمة3، والثاني نحو: "قباء4 وأقبية، وكساء وأكسية" "فناء وأفنية، ورداء وأردية" ... 5. 2- أفعل: وينقاس في كل مفرد، اسم "لا صفة" على وزن: فعل "بفتح فسكون" صحيح العين؛ سواء أكان صحيح اللام أم معتلها؛ ليست فاؤه واوا، كوقت وليس مضعفا كعم وجده. فمثال صحيح اللام: بجر وأبحر نهر وأنهر ... ومثال معتلها: ظبي وأظب جرو وأجر6.

_ 1 ومثل: لسان وألسنة، وسنان وأسنة، قولهم: إعجاب المرء بنفسه يشرع إليه أسنة الطاعنين، وتطاوله على أبناء جنسه يجمع عليه ألسنة الشانئين ... 2 متاع البيت، أو الزاد. 3 انظر جمع "فعل" ص642. 4 العباءة أو: البرنس. 5 الهمزة في آخر المفردات الأربعة منقلبة عن حرف علة والأصل "قباو، كساو" "فناي، رداي". 6 أصل أظب وأجر: "أظبي"، و"أجرو" استثقلت الضمة على الياء في الكلمة الأولى فحذفت، فالتقى ساكنان، الياء والتنوين؛ فحذفت الياء التخلص من الساكنين؛ كطريقة حذفها في المنقوص. أما في الكلمة الثانية فقبلت الواو ياء لوقوعها متطرفة بعد كسرة، ثم حذفت بالطريقة السابقة.

وينقاس أيضا في كل اسم رباعي مؤنث تأنيثا معنويا؛ "أي: بغير علامة تأنيث ظاهرة"، قبل آخره مدة، "ألف، أو واو، أو ياء"؛ مثل: عناق "لأنى الجدي" وأعتق، وعقاب "لإحدى الطيور الجارحة" وأعقب، وذراع وأذرع، ويمين وأيمن، وثمود وعمود "على اعتبارها من أسماء المؤنث" وجمعهما: أثمد وأعمد. 3- أفعال، وينقاس فيما لا ينقاس فيه "أفعل" السابق؛ فيطرد في كل اسم معتل العين بالواو أو بالياء أو بالألف؛ نحو: ثوب وأثواب سيف وأسياف باب وأبواب ... وفي كل اسم واوي الفاء؛ أو مضعف؛ نحو وقت وأوقات، وعم وأعمام. وفي كل اسم ثلاثي مفتوح الأول، مع فتح ثانيه، أو مع كسره، أو ضمه، نحو: جمل وأجمال، ونمر وأنمار، وعضد وأعضاد. وفي كل اسم ثلاثي مكسور الأول مع فتح ثانيه، أو مع كسره، أو تسكينه؛ نحو: عنب وأعناب، وإبل وآبال، وحمل وأحمال. وفي كل اسم ثلاثي على وزن: "فعل، أو فعل" "بضم الأول والثاني، أو بسكون الثاني"، نحو: عنق وأعناق، وقفل وأقفال. فإن كان المفرد على وزن: "فعل" "بضم ففتح" فالكثير1 أن يكون جمعه على: "فعلان" "بكسر فسكون"؛ نحو: صرد2 وصردان، ونغر3 ونغران، وجرذ4 وجرذان. وينقاس في كل اسم على وزن "فعل" معتل اللام أو مضاعفا5. أما الاسم الثلاثي الذي على وزن: "فعل" "بفتح فسكون" صحيح العين -غير ما سبق- فمنع كثير من النحاة جمعة قياسا على: "أفعال"6. وهذا منع

_ 1 كما يأتي في ص651. 2 اسم طائر. 3 اسم طائر. 4 فأر. 5 إيضاح هذا في ص650 و651. 6 مع أن "التصريح" وحاشيته نقلا منه نحو عشرين: منها: فرخ وأفراخ، حبر وأحبار، زند وأزناد، حمل وأحمال، شكل وأشكال، سمع وأسماع، لفظ وألفاظ، لحظ وألحاظ، محل وأمحال، رأي وآراء، سطر وأسطار، جفن وأجفان، لحن وألحان، نجد وأنجاد، فرد وأفراد، ألف وآلاف، أنف وآناف، وغيره ما ذكره كثير متناثر في المراجع اللغوية، منه: أرض وآراض، رمس وأرماس، عرش وأعراش، نهر وأنهار، نذل وأنذال، شخص وأشخاص، شرط وأشراط، جفر "وهي: الشاة السمينة" وأجفار، بعض وأبعاض، دخل وأدخال، ضرب وأضراب.

لا يستند إلى أساس سليم، والصواب جواز جمعه قياسيا على: "أفعال" فيقال: بحث وأبحاث، وسهم وأسهام ... و ... 1 ولا مانع أن يجمع

_ 1 سبب منعهم جمع: "فعل على أفعال" الذي وصفناه هو ما جاء في الجزء الثاني من كتابه سيبويه "ص175 بعنوان: هذا تكسير الواحد للجمع ... " من أنه يجمع على: "فعال، وعلى فعول، وأفعل". وأن جمعه على: "أفعال" ليس بالباب في كلام العرب وإن كان قد ورد منه بعض ألفاظ؛ كأفراح، وأجداد، وأفراد. وقد جرى كثير من النحاة وراء سيبويه حتى عصرنا، وكانوا -في هذه المسألة- متسرعين؛ بدليل ما نقلناه من الصيغ الكثيرة في رقم 6 من هامش الصفحة السابقة، وكذلك من جاء في الجزء الخامس ص392 من كتاب: "إرشاد الأريب لمعرفة الأديب"، تأليف ياقوت الرومي، وطبعة مرجليوت، ونصه: "حدث أبو حيان التوحيدي. قال: "قال الصاحب بن عباد يوما: "فعل" بفتح فسكون -ويريد ما كان منه صحيح العين، ليس من الأنواع التي ذكروها"، "أفعال" قليل. ويزعم النحويون أنه ما جاء منه إلا زند وأزناد، وفرخ وأفراخ، وفرد وأفراد. فقلت له: أنا أحفظ ثلاثين حرفا "أي: كلمة" كلها: "فعل وأفعال". فقال: هات يا مدعي. فسردت الحروف -أي: الكلمات- ودللت على مواضعها من الكتب، ثم قلت: ليس للنحوي أن يلزم هذا الحكم إلا بعد التبحر، والسماع والواسع، وليس للتقليد وجه إذا كانت الرواية شائعة والقياس مطردا ... ، وهذا كقولهم: فعيل "بفتح فكسر، فياء ساكنة" على عشرة أوجه، وقد وجدته أنا يزيد على أكثر من عشرين وجها، وما انتهيت في التتبع إلى أقصاه. فقال: خروجك من دعواك في فعل "فتح فسكون" يدل على قيامك في فعيل". ا. هـ. وقد يفهم من كلام "التوحيدي" أيضا شيء آخر؛ هو أن الكثير الذي يباح عليه القياس يتحقق بورود ثلاثين مثالا مسموعة منه. والحق أن هذا فوق الكثير المبالغ فيه فيما أرى؛ لأنه ساقه في معرض التحدي وإثبات الحفظ والمعرفة كما يفهم من روح القصة لا مجرد نقل المسموع الذي يؤيده. وجاء على لسان أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري "وهو الأب أنستاس الكرملي" ما يأتي منقولا من محاضر جلسات دور الانعقاد الرابع ص51: "إن النحاة لم يصيبوا في قولهم: إن: "فعلا" لا يجمع على: "أفعال" إلا في ثلاثة الفاظ لا رابع لها: وهي: فرخ وأفراخ، وحمل وأحمال، وزند وأزناد، وأكد ابن هشام أن لا رابع لها. "والذي وجدته أن ما سمع عن الفصحاء من جموع: فعل على أفعال أكثر مما سمع من جموعه -أي: المطردة- عى: أفعل "بفتح، فسكون، فضم" أو فعال "بكسر ففتح"، أو: فعول "بضمتين" فعدد ما ورد =

-كغيره- على صيغة أخرى إذا انطبق عليه وصف المفرد الذي يطرد جمعه عليها. 4- فعلة "بكسر، فسكون، ففتح" ... ولا يعرف لهذه الصيغة مفردات لها أوصاف معينة، وإنما يعرف عنها أنه مسموعة في جمع مفردات معدودة بعضها على وزن: فعل: "بفتحتين"؛ نحو: ولد وولدة، وفتى وفتية ... أو على وزن: فعل "بفتح فسكون"، نحو: شيخ وشيخة ثور وثيرة، أو على وزن فعل "بكسر ففتح"، نحو: ثنى1 وثنية. أو على وزن: فعال "بفتح أوله وثانيه" نحو: غزال وغزلة. أو على: وزن فعال "بضم ففتح"، نحو: غلام وغلمة، أو على وزن: فعيل "بفتح فكسر"؛ نحو: صبي وصبية ... وبعض صيغ أخرى لا ضابط لها

_ = على أفعل هو "142" اسما، وعلى فعال "221" اسما، وعلى فعلان "كذا في الأصل ولعل الصواب فعول" هو "42" فأن يسلموا بجمعه قياسا مطردا على "أفعال" أحق وأولى؛ لأن عدد ما ورد فيها هو "340" لفظة وكلها منقولة عنهم، لورودها في الأمهات المعتمدة؛ مثل القاموس واللسان"، ثم قال: "يحق للمجمع ألا يعتمد على مجرد الأقوال التي تداولها النحاة ناقلين الأقوال الواحد عن الآخر بلا اجتهاد ولا إمعان في التحقيق بأنفسهم. أما الذي يؤيده الاجتهاد فمخالف لما أثبتوه. وقد حان الوقت أن ينادي المجمع على رءوس الملأ بهذه القاعدة الجديدة المبنية على أقوال الأئمة الفصحاء ... ". ا. هـ. ثم ذكر بعد هذا أن كل الأمثلة التي وجدها هي لصحيح العين والفاء ... وقد وافق المجمع اللغوي القاهري ومؤتمره المنعقد بالقاهرة في يناير سنة 1970 على القرار التالي، ونصه -كما ورد في ص223 من الجزء السادس والعشرين من مجلة المجمع الصادر في شهر ربيع الأول سنة 1390 هـ ومايو سنة 1970- هو: "قرر المجمع من قبل أن قياس جمع "فعل" الاسم الصحيح العين أن يكون على "أفعل" جمع قلة، وعلى "فعال" أو "فعول" جمع كثرة. واستنادا إلى نص عبارة أبي حيان في استحسان الذهاب إلى جمع فعل على "أفعال" مطلقا، واستناد أيضا إلى الألفاظ الكثيرة التي وردت مجموعة على هذا الوزن ترى اللجنة جواز جمع "فعل" اسما صحيح العين مثل: بحث وأبحاث على "أفعال" ولو كان صحيح الفاء، أو اللام ويدخل في ذلك مهموز الفاء، ومعتلها، والمضعف. وقد وافق المؤتمر على قرار اللجنة بصيغته المعروضة". ا. هـ. 1 الأمر الذي يعاد مرتين. وأيضا: الثاني في السيادة؛ أي: الذي يلي الرئيس الأكبر في السيادة والمكانة ومن الأول قوله عليه السلام: لا ثني في الصدقة. أي: لا تؤخذ مرتين في السنة.

إلا السماع المحض؛ لأن صيغة: "فعلة" لا تطرد في جمع مفردات معينة -كما سبق- وإنما أمر مفرداتها موقوف على السماع1 ...

_ 1 للأوزان الثلاثة الأولى ضوابط عرضها ابن مالك مختصرة بقوله في: "أفعل". لفعل اسما صح عينا: "أفعل" ... وللرباعي اسما أيضا يجعل إن كان كالعناق والذراع في ... مد، وتأنيث، وعد الأحرف وقد اكتفى ابن مالك في ضابط "أفعل" بأن مفرده يكون صحيح العين، وأن الرباعي يكون كالعناق في المد، والتأنيث، وعدد الحروف. وقد شرحنا المراد. ثم قال في صيغة: "أفعال"، إن الذي لا يطرد جمعه على "أفعل" يجمع على "أفعال": والغالب أن "فعلان" هو جمع لفعل. كصردان فإن مفرده: صرد: وغير ما "أفعل" فيه مطرد ... من الثلاثي اسما "بأفعال" يرد وغالبا أعناهمو "فعلان" ... في: "فعل"؛ كقولهم: صردان ثم انتقل إلى صيغة: "أفعلة"، فقال: في اسم مذكر رباعي بمد ... ثالث "افعلة" عنهم اطرد والزمه في: "فعال" أو: "فعال" ... مصاحبي تضعيف، أو إعلال أما وزن "فعلة" -ومفرده لا يكون إلا سماعيا- فعرضه في الشرط الثاني من بيت بعد هذا مباشرة، شطره الأول خاص يجمع من جموع الكثرة. "سيجيء في هامش ص642" قال: "فعل" لنحو أحمر وحمرا ... و"فعلة" جمعا بنقل يدرى يريد من الشطر الثاني أن "فعلة". يدرى مفرده ويعلم بالنقل الوارد عن العرب وبالسماع المأثور عنهم. فلا ضابط له ولا قياس.

المسألة 173

المسألة 173: ب- أشهر الصيغ المستعملة في جموع الكثرة. أشهرها ثلاثة وعشرون جمعا قياسيا. وقيل أن نسردها، ونذكر شروط اطرادها نذكر أن لكل مفرد من مفرداتها جموعا مسموعة متعددة تخالف هذه الجموع القياسية المطردة -وقد أوضحنا الحكم في هذا-1 وفيما يلي القياسية: 1- فعل "بضم فسكون" وهو جمع قياسي لشيئين، هما: "أفعل" وصف لمذكر2، و"فعلاء" وصف لمؤنث؛ نحو: "أحمر وحمراء، وجمعهما: حمر". "وأخضر وخضراء، وجمعهما: خضر"، "وأصفر وصفراء، وجمعهما: صفر" ... ويجب ترك فائه مضمومة إن كانت عينه صحيحة وأو معتلة بالواو، نحو: خضر، وزرق، وسود، وحو؛ "في جمع: أخضر وخضراء، وأزرق وزرقاء، وأسود وسوداء، وأحوى وحواء"3، ففي هذه الأمثلة -وأشباهها- تسلم ضمة الفاء في الجمع، وتبقى على حالها. أما إن كانت عينه ياء فيجب قلب ضمة الفاء كسرة؛ لتسلم الياء من القلب، "نحو: أبيض وبيضاء، وجمعهما: بيض؛ بكسر الباء"4، ومثل: "أعين5

_ 1 في ص633. 2 استثنى ابن هشام -كما نقل عنه الصبان- أربعة من ألفاظ التوكيد المعنوي التي سبق الكلام عليها في بابه من الجزء الثالث؛ هي: "أجمع، أكتع، أبتع، أبصع" مصرحا بأنها لا تجمع جمع تكسير، وإنما تجمع جمع سلامة فقط. ولكن الأمثلة التي عرضتها المراجع النحوية المختلفة في باب التوكيد اشتملت على جمعها للتكسير على صيغة: "فعل" ولم تقتصر على جمع السلامة. فلعل المراد هو منع تكسيرها على: "فعل". 3 الحوة: سواد يميل إلى خضرة، أو حمرة تميل إلى سواد. 4 كقول الشاعر يمدح: له خلائق بيض لا يغيرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب 5 أعين الرجل: اتسعت عينه واشتد سوادها.

وعيناء وجمعهما: عين، بكسر العين"، ووزن الجمع "فعل"، بضم الفاء كأصله، برغم ما طرأ على فائه من قلب ضمتها كسرة. ويجوز في ضرورة الشعر ضم العين من هذا الجمع بشرط أن تكون صحيحة وغير مضعفه، وأن تكون لامه صحيحة كذلك؛ مثل: "النجل"1 في قول الشاعر: طوى الجديدان2 ما قد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النجل ولا يجوز ضم العين إن كانت معتلة، نحو: بيض وسود، أو كانت مضعفة، نحو: غر، جمع أغر أو غراء. أو كانت اللام معتلة؛ نحو: عشي وعمي، جمع: أعشى وعشواء، وأعمى وعمياء3 ... 2- فعل "بضم أوله وثانيه"، وينقاس في شيئين: أولهما: وصف على: "فعول" "بفتح فضم" بمعنى فاعل، نحو: صبور وغفور؛ فجمعهما القياسي: صبر وغفر، فإن كان بمعنى مفعول -نحو: حلوب، وركوب- لم يجمع هذا الجمع. ثانيهما: اسم رباعي صحيح اللام، قبل لامه مدة؛ سواء أكانت، ألفا، أم واوا؛ أم ياء، غير أن المدة إن كانت ألفا يجب أن يكون الاسم غير مضاعف ومن الأمثلة؛ عماد وعمد، وأتان وأتن، وعمود وعمد، وقلوص4 وقلص، وبريد وبرد ... فلا فرق في هذا الاسم بين المذكر والمؤنث. فإذا كانت المدة ألفا والاسم الرباعي مضعفا فقياس تكسيره: "أفعله"، نحو: زمام وأزمة، وهلال وأهلة، وسنان، وأسنة ... -كما سبق عند الكلام على: "أفعلة"5. أما إن كانت المدة ياء أو واوا فالاسم المضعف يجمع على:

_ 1 جمع، مفرده: نجلاء، وهي العين المتسعة؛ يقال: عين نجلاء، أي واسعة. 2 الليل والنهار. 3 وإلى ما سبق يشير ابن مالك في صدر البيت السالف في هامش ص640، وهو: فعل لنحو أحمر وحمرا ... ........................... 4 الناقة الشابة القوية. 5 ص636.

"فعل" أيضا؛ نحو: سرير وسرر، وذلول وذلل1. ويجب -في غير الضرورة الشعرية- تسكين عين هذا الجمع إن كانت واوا؛ نحو: سوار وسور، وسواك وسوك، وصوان2 وصون -أما في الضرورة الشعرية، فيجوز بقاؤها مضمومة. وإن كانت عينه ياء جاز ضمها أو تسكينها. لكن يجب عند تسكينها كسر فائه، لتسلم الياء؛ نحو: سيال3 وسيل، أو: سيل ... ويجوز تسكين عينه إن كانت حرفا صحيحا؛ نحو: كتاب وكتب، أو: كتب، وأتان وأتن أو أتن ... ويمتنع تسكين عين المضعف4؛ نحو: سرير سرر5.... فللعين في هذا الجمع أربع حالات: وجوب ضمها -وجوب تسكينها، إلا في المضعف، فيمتنع- جواز الأمرين من غير تغيير حركة الفاء جواز الأمرين مع وجوب كسر الفاء إن سكنت العين وكانت ياء. 3- فعل "بضم ففتح" ويطرد في أربعة أشياء. أ- اسم على وزن: "فعلة" "بضم فسكون" سواء أكان صحيح اللام،

_ 1 انظر "د" في ص644، ففيها بيان حكم آخر. 2 ما يسمى: "الدولاب". 3 "بفتح السين وكسرها" نوع من الشجر له شوك. 4 ويجوز فتحها بمراعاة ما سيأتي في "د" في الصفحة التالية. 5 وفي الكلام على: "فعل" يقول ابن مالك: وفعل لاسم رابعي بمد ... قد زيد قبل لام اعلالا فقد ما لم يضاعف -في الأعم- ذو الألف ... وفعل جمعا لفعلة عرف "إعلالا: مفعول به للفعل: فقد. والأصل؛ قد زيد قبل لام، وحرف اللام فقد إعلالا. أي بشرط أن تكون اللام صحيحة، و"ذو" نائب فاعل للفعل: يضاعف. وبشرط ألا يكون الاسم الذي قبل آخره ألف مضاعفا، وهذا في الاستعمال الأعم الأغلب المطرد. وبقية البيت الثاني لا شأن له بصيغة "فعل" "وإنما يختص بوزن آخر سيجيء؛ هو: فعل.

أم معتلها، أم مضاعفها؛ نحو: غرفة وغرف، ومدية ومدى، وحجة وحجج. ب- وصف على وزن: "فعلى" التي هي مؤنث الوصف المذكر: "أفعل"، نحو: الكبرى، والوسطى، والصغرى؛ فجمعها القياسي: الكبر والوسط، والصغر، والمفرد المذكر هو: أكبر، أوسط، وأصغر، ولا يصح جمع "حبلى" على "حبل" لأنها وصف لمؤنث لا مذكر له. ح- اسم على وزن: "فعلة "بضم أوله وثانيه"، نحو: جمعة وجمع. د- كل جمع تكسير على وزن "فعل"1 "ضمتين" وعينه ولامه من جنس واحد، فإنه يجوز عند بعض القبائل العربية تخفيفه بجعله على وزن: "فعل" "بضم أوله؛ وفتح ثانيه"، نحو: جديد وذلول؛ فقياس جمعهما للتكسير: جدد وذلل، ويصح التخفيف، فيقال: جدد وذلل. 4- فعل "بكسر ففتح" ويطرد في اسم تام2 على وزن: "فعلة" "بكسر فسكون"، نحو: كسرة وكسر، بدعة وبدع، فرية وفرى. وقد يجمع فعلة على فعل؛ وهو قياسي، ولكنه قليل نحو حلية وحلى، ولحية ولحى "بضم أولها في التكسير أو بالكسر". فإن كان المفرد صفة لم يجمع قياسا هذا الجمع؛ نحو: صغرة وكبرة "بمعنى: صغير وكبير" وكذلك إن كان غير تام، نحو: رقة3، وأصلها ورق "بكسر الواو" حذفت فاؤها، ونقلت حركتها إلى الحرف الساكن بعدها، وعوض عنها تاء التأنيث في آخره؛ فلا يقال: "ورق" بجمع المفرد بعد بعد إرجاع الحرف المحذوف، وإبقاء التي هي عوض عنه، فهذا لا يصح؛ لأن فيه جمعا بين العوض والمعوض عنه4 ...

_ 1 سبق الكلام عليه في ص642. 2 لم يحذف من أصوله شيء. 3 فضة. 4 في الجمعين: فعل وفعل يقول ابن مالك: ............................. ... وفعل جمعا لفعلة عرف ونحو: كبرى، ولفعلة فعل ... وقد يجيء جمعه على فعل

5- فعلة "بضم ففتح" وهو مقيس في كل وصف لمذكر عاقل، على وزن: فاعل، معتل اللام بالياء أو بالواو؛ نحو: رام ورماة، ساع وسعاة، غاز وغزاة، داع ودعاة. وأصل: رماة وسعاة وغزاة ودعاة رمية، وسعية وغزوة، ودعوة. وكلها على وزن: "فعلة" تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فانقلب حرف العلة ألفا؛ فصار جمع التكسير على الصورة السالفة، ووزنها "فعلة" بالرغم مما دخلها من التغيير. فلا يجمع على هذا الوزن ما كان اسما، نحو: واد، وعاد "اسم قبيلة"، ولا ما كان وصفا لمؤنث؛ نحو: سارية وعادية، ولا ما كان وصفا لمذكر غير عاقل؛ نحو: ضار في مثل: أسد ضار، أو وصفا وزنه على غير فاعل؛ كجميل، أو صحيح اللام؛ كعالم ... 6- فعلة "بفتح أوله وثانيه"، وهو مقيس في كل وصف على وزن: "فاعل"، لمذكر، عاقل، صحيح اللام، نحو: كامل وكملة، وكاتب وكتبة، وبار وبررة. فلا يجمع هذا الجمع ما كان غير وصف؛ نحو: واد وعاد، اسمين ... ولا ما كان وصفا على غير فاعل، ن نحو: حذر، ولا ما كان وصفا لمؤنث؛ نحو: طالق، وحامل "بمعنى حبلى" ولا ما كان وصفا لغير العاقل؛ نحو: صاهل، ولاحق، وسابق؛ من أوصاف الحصان، ولا ما كان وصفا معتل اللام، نحو: ساع، وداع1 ... فأوصاف المفرد هنا هي أوصافه في الصيغة السابقة إلا أن اللام هنا صحيحة وهناك معتلة.

_ 1 وفي الجمعين: "فعلة، وفعلة" يقول ابن مالك: في نحو: رام ذو اطراد فعله ... وشاع نحو: كامل وكمله واكتفى بالمثال "رام" فلم يذكر الشروط الخاصة بجمع هذا المفرد على: فعلة؛ لأن الشروط التي سردناها متحققة في المثال. كما استغنى بالمثال: "كامل" الذي قياس جمعه للتكسير "فعلة" عن سرد الشروط؛ لأن المثال جامع لها. والمراد بالشيوع في الشطر الثاني من البيت: الشيوع الذي يفيد الاطراد؛ لأن بعض الأشياء الشائعة لا تكون مطردة عند فريق من قدامى النحاة. وقد ذكرنا في رقم 3 من هامش ص634 ما قرره المجمع اللغوي، وهو: أن الشيوع والاطراد في كلام القدماء بمعنى واحد، وكلاهما يقاس عليه.

7- فعلى "بفتح فسكون"، وهو مقيس في كل وصف دال على آفة طارئة؛ من موت، أو ألم، أو عيب ونقص، "أي نقص"، ويشمل سبعة أنواع: أ- المفرد الذي على وزن: "فعيل" بمعنى: مفعول، نحو: صريع، وقتيل، وجريح، والجمع؛ صرعى، وقتلى، وجرحى. وهذه أوصاف دالة على موت، أو توجع. ب- المفرد الذي على وزن: فعيل؛ بمعنى فاعل؛ نحو: مريض ومرضى1. ج- المفرد الذي على وزن: فعل؛ كزمن وزمنى، والوصفان السالفان دالان على الألم. د- المفرد الذي على وزن فاعل، نحو: هالك وهلكى. هـ- المفرد الذي على وزن: فعيل "بفتح، فسكون، فكسر"، نحو: ميت وموتى. و المفرد الذي على وزن: أفعل؛ كأحمق وحمقى. ز- المفرد الذي على وزن فعلان؛ كسكران وسكرى. وهذان الوصفان الأخيران دالان على نقص وعيب2 ... 8- فعلة "بكسر ففتح" وهو مقيس في كل اسم صحيح اللام، على وزن: فعل "بضم فسكون"، نحو: قرط وقرطة. ودرج ودرجة، وكوز وكوزة، ودب ودببة. ومن القليل المقصور على السماع أن يكون جمعا لفعل "بفتح

_ 1 وقد يجمع "فعيل" هذا على صيغة أخرى إن وافق البيان الآتي في ص649 و652 و653. 2 وفي: فعلى يقول ابن مالك: فعلى لوصف، كقتيل وزمن ... وهالك. وميت به قمن "قمن، أي: حقيق وجدير". يريد: أن: "فعلى" جمع لكل وصف على وزن: "فعيل" و"فعل"، و"فاعل" كالأمثلة السابقة، وما يؤدي معناها في الدلالة على الهلاك أو المرض أو الألم. ثم قال: إن ما كان على وزن: فيعل، مثل: ميت، حقيق بأن يجمع هذا الجمع؛ فيقال فيه: موتى. وأصل: "ميت" ميوت، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون؛ قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.

فسكون" أو: لفعل "بكسر فسكون"، نحو: غرد1 وغردة قرد وقردة2 ... 9- فعل: "بضم أوله، وتشديد ثانيه المفتوح"، وهو مقيس في كل: وصف، صحيح اللام، على وزن: فاعل، أو فاعلة، سواء أكانت عينهما صحيحة أم معتلة؛ نحو: قاعد وقاعدة، ونائم ونائمة، وراكع وراكعة، وساجد وساجدة، ... والجمع: قعد، ونوم، وركع، وسجد3 ... ، ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون: "فعل" جمعا لوصف معتل اللام لمذكر على وزن: فاعل، نحو: غزى، وسرى، وعفى، ف جمع: غاز، وسار، وعاف. 10- فعال "بضم أوله وتشديد ثانيه"، وهو مقيس في كل وصف صحيح اللام لمذكر، على وزن: فاعل، نحو: صائم وصوام، قارئ وقراء، ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون جمعا لوصف صحيح اللام على وزن: "فاعلة"، كقول الشاعر: أبصارهن إلى الشبان مائلة ... وقد أراهن عني غير صداد جمع صادة4.................. ... .................................

_ 1 نوع من النبات الصحراوي، المسمى: الكمأة، واختلفوا في ضبط الغين في المفرد؛ فقيل مفتوحة، وقيل مكسورة. 2 وفي "فعلة" يقول ابن مالك: لفعل اسما صح لاما "فعلة" ... والوضع -في فعل وفعل- قلله "الوضع العربي، وهو وضع العرب للألفاظ بصيغها ومعانيها الواردة عنهم قلل أن يكون وزن فعلة جمعا لاسم على وزن: فعل، أو فعل؛ فكلمة: "الوضع مبتدأ، خبره الجملة الفعلة: قلله". 3 ومن الأمثلة لهذين قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} . 4 وفي الجمعين الأخيرين: "فعل وفعال" يقول اين مالك. وفعل لفاعل، وفاعله ... وصفين؛ نحو: عاذل وعاذله ومثله الفعال فيما ذكرا ... وذان في المعل لاما ندرا ويفهم من البيت الثاني أن الفعال كالفعال، ولكن بشرط أن يكون المفرد مذكرا، وأن الوزنين نادران في الوصف المعتل اللام؛ نحو: غاز، وغزى، وغزاء.

11- فعال "بكسر ففتح من غير تشديد"، وهو مقيس في مفردات كثيرة الأوزان، وأشهرها ثلاثة عشر وزنا: الأول والثاني: "فعل"، و"فعلة" "بفتح الأول وسكون الثاني فيهما" اسمين أو وصفين، ليست فاؤهما ولا عينهما ياء. نحو: كعب وكعاب، وقصعة وقصاع، وصعب وصعاب، وخدله1 وخدال. فإن كان معتل الفاء أو العين بالياء فجمعه على "فعال" نادر، لا يقاس عليه؛ نحو: يعر2 ويعار، وضيف وضياف، وضيعة وضياع3 ... الثالث، والرابع: فعل وفعلة "بفتح أولهما وثانيهما"، بشرط أن يكونا اسمين، لامهما صحيحة، وغير مضعفة، نحو: جبل وجبال، وجمل وجمال، ورقبة ورقاب، وثمرة وثمار ... فخرج نحو: بطل وبطلة؛ لأنه وصف، ونحو: فتى وعصا؛ لاعتلال لامهما، نحو: طلل، لأن مضعف اللام ... الخامس، والسادس: فعل "بكسر فسكون" وفعل "بضم فسكون" بشرط أن يكونا اسمين، وأن يكون "فعل" غير واوي العين: كحوت، ولا يائي اللام كمدي4، ومن الأمثلة: ذئب وذئاب، بئر وبئار، رمح ورماح، دهن ودهان5 ...

_ 1 سمينة الذراعين والساقين. 2 الجدي يوضع في حفرة عميقة، ليجيء الأسد لافتراسه؛ فيتردى فيها، ويتمكن الصيادون من صيده. أو الإجهاز عليه. ومن أمثال العرب: أذل من يعر، وهو: الجدي.. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: "فعل وفعلة"؛ "فعال" لهما ... وقل فيما عينه "اليا" منهما ولم يذكر أنه قليل فيما فاؤه "الياء" أيضا. 4 نوع من المكاييل يسمى: القفيز الشامي وهو غير المكيال الذي يسمى: المد. 5 في الأربعة الأخيرة يقول ابن مالك: و"فعل" أيضا له: "فعال" ... ما لم يكن في لامه اعتلال أو يك مضعفا. ومثل: "فعل" ... ذو التا، و"فعل" "مع فعل"؛ فاقبل أي: اقبل جمع: "فعل وفعل" على "أفعال". ولم يذكر شروط جمعهما وقد ذكرناها. والمراد بقوله: "ذو التاء" ما كان على وزن" "فعل" وختم بها فصار "فعلة". مع استيفائه الشروط.

السابع، والثامن: فعيل بمعنى فاعل1، ومؤنثه؛ بشرط أن يكونا وصفين، ولامهما صحيحة، نحو: ظريف وظريفة وجمعهما: ظراف. وكريم وكريمة وجمعهما: كرام، وشريف وشريفة وجمعهما: شراف. فخرج نحو: حديد وجريدة؛ لأنهما اسمان، ونحو: غنى وولي؛ لاعتلال لامهما، وكذلك غنية وولية. وكذلك جريح ورجيحة؛ لأنهما وصفان بمعنى مفعول، لا فاعل2 ... وإذا كان "فعيل" هذا ومؤنثه معتلي العين بالواو، صحيحي اللام فإن العرب تكاد تلتزم في جمعهما صيغة: "فعال"؛ نحو: "طول وطويلة، وجمعهما: طوال"، "وقويم3 وقويمة، وجمعهما: قوام"، "وصواب وصويبة4، وجمعهما: صواب ... ". التاسع، والعاشر والحادي عشر: وصف على وزن: فعلان، أو على مؤنثة: فعلى، وفعلانة "بضم وسكون في الثلاثة"، نحو: غضبان وغضبي، وجمعهما: غضاب، ومثل: ندامان وندمانة، وجمعهما: ندام. الثاني عشر، والثالث عشر: وصف على وزن: فعلان، أو على مؤنثة: فعلانة "بضم فسكون فيهما"؛ نحو: خصمان5 وخمصانة، وجمعهما: خماص ... 6. هذا، وجمع: "فعال" من جموع التكسير التي لها مفردات كثيرة غير

_ 1 قد يجمع على صيغة أخرى إن وافق، ما في ص652 و653. 2 وفي: "فعيل" هذا يقول ابن مالك: وفي: "فعيل" وصف فاعل ورد ... كذاك في أنثاه أيضا اطرد 3 حسن القامة. 4 صائبة. 5 جائع. 6 يقول ابن مالك في الجموع الخمسة الأخيرة، وفي: "فعيل" معتل العين بالواو، صحيح اللام؛ نحو: طويل -وقد سبق الكلام عليه قبلها مباشرة: ما نصه: وشاع في وصف على: "فعلانا" ... أو: "أنثييه"، أو على: "فعلانا ومثله: "فعلانة". وألزمه في ... نحو: "طويل، وطويلة" تفي أي: تفي بالمطلوب، وتحقق القياس. والمراد بالشيوع هنا: الاطراد والكثرة التي يقاس عليها.

قياسية، منها: رجل ورجال، وحدأة وحداء، وخروف وخراف1 وقلوص2 وقلاص ... 12- فعول "بضم أوله وثانيه" ويطرد في ألفاظ: منها: الاسم الذي على: "فعل" "بفتح فكسر"، نحو: كبد وكبود، نمر، ونمور ... ومنها الاسم الثلاثي الساكن العين بشرط أن يكون مفتوح الفاء، ليس معتل العين بالواو، نحو: كعب وكعوب، رأس وروس، عين وعيون، فخرج منه، نحو: حوض، فلا يجمع على: فعول ... ومنها الاسم الثلاثي الساكن العين، مكسور الفاء؛ نحو: علم وعلوم، حلم وحلوم، ضرس وضروس3. ومنها: الاسم الثلاثي ساكن العين، مضموم الفاء بشرط ألا يكون معتل العين بالواو: كحوت، ولا معتل اللام؛ كمدى وهو نوع من المكاييل، كما سبق4، ولا مضعف اللام؛ كمد -لنوع من المكاييل أيضا- ومن الأمثلة الصحيحة: جند وجنود، برد وبرود.

_ 1 جاء في الهمع في هذا الموضع "ج2 ص177 بعد أن سرد المفردات التي تجمع على: "فعال" قياسا مطردا" ما نصه: "وشذ فعال" فيما عدا ما ذكر؛ كخروف وخراف، و ... ". ا. هـ. وسرد كلمات أخرى. وبذا تكون كلمة: "خراف" مجموعة سماعا وصحيحة الاستعمال. 2 ناقة شابة: أما الجمع: "قلاص" فيقول فيه "التصريح" إنه من الجموع المحفوظة، يريد: الشاذة. 3 وفي جمع: "فعول" بأنواعه المختلفة التي شرحناها يقول ابن مالك: وبفعول: "فعل"؛ نحو: كبد ... يخص غالبا. كذاك يطرد: في "فعل" اسما مطلق "الفا" و"فعل" ... له وللفعال فعلان حصل المراد بمطلق "الفا" أن فاءه ليست مقيدة بالفتح، أو بالكسر، أو بالضم، ولم يذكر الشروط والتفصيلات الخاصة بمفتوح الفاء، ومضمومها، وقد سردناها. والجزء الأخير من البيت الثاني خاص بجمع آخر هو، "فعلان" وسيجيء الكلام عليه. 4 في رقم 4 من هامش ص648.

أما: معتل العين بالواو فالغالب جمعه على: فعلان؛ مثل: حوت وحيتان وأما المعتل اللام فالغالب جمعه على: "أفعال"، نحو: مدي وأمداء -بقلب يائه همزة؛ طبقا لقواعد الإعلال -وكذلك مضعف اللام، نحو: مد وأمداد. ومنها: اسم ثلاثي على وزن: "فعل" "بفتح أوله وثانيه" الخالي من حروف العلة. وهذا النوع مختلف في اطراده؛ فقيل: يجمع قياسا على: "فعول" وهذا حسن، وقيل سماعا فقط، نحو: أسد وأسود، وشجن وشجون. والذين يقولون بقياسيته يشترطون ألا يكون وصفا ولا مضاعفا. فلا يجمعون كلمة: نصف1 ولا لبب2 على: نصوف، ولبوب. 13- فعلان "بكسر فسكون" وهو مقيس في ألفاظ، منها: اسم على وزن: "فعال" "بضم ففتح": نحو؛ غلام وغلمان، وغراب وغربان. ومنها: اسم على: "فعل" "بضم ففتح"؛ نحو: جرذ وجرذان، صرد3 وصردان. ومنها: اسم على: "فعل" "بضم فسكون" معتل العين بالواو؛ نحو: حوت وحيتان، كوز وكيزان، عود وعهيدان ... ومنها: اسم على "فعل" "بفتح ففتح"؛ والأغلب أن تكون عينه في الأصل معتلة؛ نحو: تاج وتيجان، ونار ونيرات، وقاع وقيعان، وخال وخيلان4، والأصل: توج، ونور، وخيل5 ... "تحرك حرف العلة في المفرد، وانفتح ما قبله، فانقلب ألفا".

_ 1 المزأة المتوسطة السن. 2 موضع القلادة من العنق. 3 طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير. وقد سبقت الإشارة لهذا الجمع في ص637. 4 النقط المخالفة لبقية لون البدن. 5 وفي "فعلان" يقول ابن مالك: .............................. ... ... وللفعال: فعلان حصل وشاع في حوت وقاع مع ما ... ضاهاهما. وقل في غيرهما

14- فعلان "بضم فسكون" ويطرد في اسم على وزن: فعل "بفتح فسكون"، نحو: ظهر وظهران، وبطن وبطنان، وفي اسم صحيح العين على وزن: فعل "بفتح ففتح"، نحو: حمل وحملان، بلد وبلدان. وفي اسم على: فعيل؛ نحو: رغيف ورغفان، وكثيب وكثبان1 ... 15- فعلاء "بضم ففتح" ويطرد في أشياء منها: "فعيل" بمعنى: فاعل، وصفا لمذكر عاقل2؛ أو بمعنى: مفعل "بضم فسكون: فكسر" أو بمعنى: مفاعل "بضم ففتح، ثم كسر العين" بشرط أن تكون صيغة "فعيل" في الثلاثة غير مضعفة، ولا معتلة اللام. ومن الأمثلة: "كريم وكرماء، وبخيل وبخلاء، وظريف وظرفاء" وكذا: "سميع؛ بمعنى: مسمع، وجمعه: سمعاء، وأليم بمعنى: مؤلم، وجمعه ألماء. وخصيب بمعنى: مخصب وجمعه: خصباء"، وكذا: "خليط بمعنى: مخالط وجليس؛ بمعنى: مجالس، وقريع بمعنى: مقارع ... وجموعها: خلطاء، جلساء، قرعاء". ومنها: فاعل"، وصفا دالا على غريزة، وسجية، وأمر فطري غير مكتسب -غالبا- نحو: عاقل وعقلاء، نابه ونبهاء، شاعر وشعراء3. أودلا

_ 1 وفي هذه الأسماء الثلاثة التي تجمع قياسا على: فعلان، يقول ابن مالك: و"فعلا" اسما، و"فعيلا" و"فعل" ... غير معل العين: فعلان شمل "فعلا: مفعول به مقدم للفعل: شمل في آخر البيت". يريد: أن الجمع: "فعلان" يشمل من المفردات أنواعا منها: فعل، وفعل، وفعل ... 2 وقد يجمع على صيغة أخرى إن وافق ما في ص649 و653. 3 وفي فعلاء وأفعلاء يقول ابن مالك: ولكريم وبخيل فعلا ... كذا لما ضاهاهما قد جعلا وناب عنه "أفعلاء"؛ في المعل ... لاما، ومضعف. وغير ذاك قل وقد قيل: إن "أفعلا" هذا نائب عن "فعلاء" لعلل مصنوعة دفعها المحققون. ولا داعي للتسمية ولا للتعليل؛ لأن العلة الحقيقية هي استعمال العرب هذا الوزن جمعا لفعيل بمعنى فاعل إذا كان مضعفا أو معتل اللام. كقوله: "لا عظمة ولا سلطان إلا للأعزاء الأقوياء، وليس بعزيز ولا قوي من لم يتحصن بالفضيلة، ويتسلح بمكارم الأخلاق".

على ما يشبه الغريزة والسجية في الدوام وطول البقاء؛ نحو: صالح وصلحاء. 16- أفعلاء "بفتح، فسكون، فكسر، ففتح ... " وهو مقيس في كل وصف على وزن: "فعيل" "بفتح فكسر" بمعنى: فاعل1. بشرط أن يكون مضعفا أو معتل اللام، نحو: "عزيز وأعزاء، وشديد وأشداء2، وقوى وأقواء، وولى وأولياء ... ومن القليل الذي لا يقاس عليه: صديق وأصدقاء؛ لأنه ليس مضعفا، ولا معتل اللام. وكذلك ظنين "أي: متهم"، وأظناء؛ لأنه بمعنى مفعول، لا فاعل. 17- فواعل: وهو مقيس في أشياء أشهرها سبعة؛ هي: أ- فاعلة: سواء أكان اسما أم صفة، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} . فالناصية: اسم، وكاذبة وخاطئة: وصفان3. والجمع: نواص، كواذب، وخواطئ. ب- اسم على: "فوعل" أو: "فوعلة "بفتح، فسكون، ففتح، فيهما"، نحو: جوهر، وكوثر، وصومعة، وزبعة، وجمعها: جواهر، وكواثر، وصوامع، وزوابع. ج- فاعل "بفتح العين" اسما؛ كخاتم، وقالب، وطابع "بفتح العين في الثلاثة. طبقات لإحدى اللغتين"4 وجمعها: خواتم، وقوالب، وطوابع. د- فاعلاء "بكسر العين وفتح اللام"، واسما، نحو: قاطعاء، وراهطاء ونافقاء، والأسماء الثلاثة لجحر اليربوع5.

_ 1 وقد يجمع على صيغة أخرى إن طابق ما في ص649 و652. 2 ومن هذا قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} وقد سبقت الآية في رقم 3 من هامش ص647 لمنافسة أخرى هناك. 3 ومثلهما: "العوادي" جمع: "عادية" كقول الشاعر: همم الرجال إذا مضت لم يثنها ... خدع الثناء، ولا عواد الذام 4 والثانية: الكسر. 5 حيوان كالفأر، ولكنه أكبر منه قليلا.

هـ- فاعل "بكسر العين" اسما، نحو: جائز1 وكاهل2، وجمعهما: جوائز وكواهل. و فاعل "بكسر العين" وصفا خاصا بالمؤنث العاقل، ولا تدخله تاء التأنيث -غالبا-3 نحو؛ طالق وطوالق. ز- فاعل "بكسر العين" وصفا لمذكر غير عاقل4؛ نحو: صاهل وشاهق "للمكان المرتفع" والجمع: صواهل وشواهق. ومن كلامهم السالف يتبين أن صيغة: "فاعل" "بكسر العين" إذا كانت وصفا لمذكر عامل فإنها لا تجمع على "فواعل" وقد حكم أكثر النحاة بالشذوذ على ما خالف هذا من مثل: شاهد وشواهد، وفارس وفوارس، وناكس ونواكس في قول الفرزدق: وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب، نواكس الأبصار وتأول غير الأمثلة السالفة ونظائرهما -مع كثرتها- تأويلا غير مقبول، "كأين يقول: إن مفرد هذا الجمع ليس: "فاعلا"، وإنما هو: "فاعلة" والأثل: طوائف فوارس، وطوائف نواكس ... فالجمع عنده صفة لموصوف محذوف، مفرده: فاعلة؛ فيكون جمعها قياسا: على: "فواعل". وتأويلات أخرى يحاولون بها إخضاعا للقياس. وفي كل هذه التأويل تكلف وتصنع معيبان". والحق أن صيغة "فاعل" تجمع قياسا على "فواعل" سواء أكانت صيغة

_ 1 الخشبة فوق حائطين. والخشبة التي تحمل خشب السقف ... 2 اسم للمكان الذي تتلاقى فيه الكتفان. 3 انظر هامش ص594 لتكملة المسألة. 4 وفي: "فواعل" يقول ابن مالك: فواعل: لفوعل، وفاعل ... وفاعلاء مع نحو: كاهل وحائض، وصاهل. وفاعله ... وشذ في الفارس مع ماثله يشير "بكاهل" إلى الاسم الذي على وزن: فاعل "بكسر العين" و"بحائض" إلى الوصف الذي على وزن: فاعل "بكسر العين"، خاصا بالأنثى. و"بصاهل": إلى فاعل "بكسر العين" وصفا لما لا يعقل ...

"فاعل" صفة للمذكر العاقل أم غير العاقل؛ لكن مراعاة الشرط1 أفضل لأنه الأكثر، أما من لا يراعيه فلا يحكم عليه بالتخطئة، وإنما يحكم عليه بترك الأفضل إلى ما هو مباح، وإن كان دونه في القوة2 ... 18- فعائل وهو مقيس في كل رباعي -اسم أو صفة- مؤنث تأنيثا لفظيا أو معنويا، ثالثة مدة، ألفا كانت، أو واوا، أو ياء. فيشمل عشرة أوزان؛ خمسة مختومة بالتاء3، وخمس مجردة منها. فالتي بالتاء منها: "فعالة" "مضمومة الفاء، أو مفتوحها، أو مكسورة"؛ نحو: ذؤابة وذوائب، وسحابة وسحائب، ورسالة ورسائل. ومنها: فعولة "بفتح الفاء"، نحو: حمولة وحمائل.

_ 1 وهو أن تكون الصيغة وصفا لمذكر غير عاقل. 2 أما سبب الإباحة وعدم التقيد بالشرط "الذي يقضي بألا تجمع صيغة "فاعل" على "فواعل" إذا كانت وصفا لمذكر عاقل"؛ فهو ما تيسر لبعض الباحثين المعاصرين من اهتدائه في الكلام الفصيح الذي يحتج بصحته، إلى جموع كثيرة جاوزت الثلاثين، وكل واحد منها وصف لمذكر عاقل مراجع في ونصوص يحتج بها. ومن هذه الجموع: سابق وسوابق، هالك وهوالك، سابح وسوابح، حاسر وحواسر، قارئ وقوارئ، كاهن وكواهن، عاجز وعواجز، غائب وغوائب، رافد وروافد، حاج وحواج ... وقبل اليوم وقف صاحب خزانة الأدب "في الجزء الأول، ص190 طبعة المطبعة السلفية" عند كلامه على بيت الفرزدق السابق وما تضمنه من جمع التكسير: "نواكس" فعرض أمثلة من هذا الجمع، جاوزت العشرة ثم وصلت بعده إلى ما ذكرناه أو يزيد، وفي المصباح المنير "مادة: فرس" بعض منها، وبعض يغايرها؛ مثل: صاحب وصواحب، وناكص ونواكص ... و ... وأقوى مما سبق وأصرح ما جاء في كتاب "تاج العروس، شرح القاموس" ج1 مادة: قرآن: عند الكلام على: "قوارئ" ونصه: "قوارئ" كدنانير وفي نسختنا: "قوارئ" كفواعل، وجعله شيخنا من التحريف. قلت: إذا كان جمع: "قارئ" فلا مخالفة للسماع ولا للقياس؛ فإن فاعلا يجمع على فواعل ... ". ا. هـ. وهذا نص قاطع آخر. فلا داعي اليوم للتمسك بالشرط السالف. إلا على أنه الأفضل، لا على سبيل أنه -وحده- الصحيح. 3 ويلحق بها المختوم بألف التأنيث -وستجيء- ويشترط بعض النحاة في المختوم بالتاء مما ليس على وزن "فعيلة" أن يكون اسما، لا صفة أما "فعيلة" فتجمع عنده مطلقا؛ سواء أكانت وصفا، أم غير وصف ... وهو بشرطه السالف يخالف غيره ممن لم يشترطه، والأحسن إهمال شرطه. هذا، وإذا كانت "فعيلة" بمعنى "مفعولة" لم تجمع على: "فعائل" -كما سيجيء.

ومنها: فعيلة1 "بفتح فكسر"؛ نحو: صحيفة وصحائف. ويشترط ألا تكون صفة بمعنى "مفعولة"؛ كجريحة، بمعنى: مجروحة؛ فلا يقال: جرائح. والمجردة من التاء "ويشترط فيها أن تكون لمؤنث معنوي" هي: فعال: بكسر أوله وفتح ثانيه"، نحو: شمال2 وشمائل وفعال "بضم أوله، وفتح ثانيه"، نحو: عقاب3 وعقائب، وفعول "بفتح فضم"، نحو: عجوز4 وعجائز. وفعيل "بفتح فكسر"، نحو: لطيف "اسم امرأة" ولطائف. وفعال "بفتح ففتح"، نحو: شمال5 وشمائل. ومن المؤنث: النوع المختوم بألف التأنيث المقصورة؛ مثل: حبارى3 وحبائر. والممدودة، نحو: جلولاء6 وجلائل7.... 19- فعال ... "بفتح أوله ثانيه، وكسر ما قبل آخره"، ويطرد في أوزان؛ أشهرها سبعة. أولها: فعلاة "بفتح فسكون"، نحو: موماة8 وموام. ثانيها: فعلاة "بكسر فسكون"؛ نحو: سعلاة9 وسعال. ثالثها: فعلية "بكسر فسكون فكسر ففتح ... "، نحو: هبرية10 وهبار.

_ 1 قد يلحق هذه الصيغة في بعض الصور عند جمعها على "فعائل"، أنواع من الإعلال والإبدال، مفصلة في ص767 وما بعدها؛ كالذي يقال في بريئة وبرايا، وخطيئة وخطايا ... و ... 2 لليد اليسرى. 3 و3 اسم طائر. 4 للمرأة -غالبا- إذا كانت عجوزا، وقد يقال للرجل أيضا. 5 اسم ربح. 6 اسم بلد في فارس. 7 وفي فعائل يقول ابن مالك: و"بفعائل" اجمعن: "فعاله" ... وشبهه؛ ذا تاء، أو مزاله "أي: ذا تاء ثابتة أو مزالة، فمزالة معطوفة على محذوف. ومعنى مزالة: أنها أزيلت وأبعدت، والمراد: أنها غير موجودة، والمراد يشبه: "فعالة": صيغتان؛ هم: "فعيل وفعول" "بفتح أولهما" مشتملتين على التاء أو مجردتين منها؛ كظريفة وظرائف، ولطيف "اسم امرأة" ولطائف. وحلوبة وحلائب. 8 صحراء واسعة. 9 وهي -في زعمهم- الغول، أو ساحرة من الجن. 10 القشر الذي في شعر الرأس. أو ذرات القطن والدقيق المتطاير ...

رابعها: فعلوة "بفتح، فسكون، فضم، ففتح"، نحو: عرقوة1 وعراق. خامسها: ما كان ذا زيادتين بينهما حرف أصلي، ويحذف أول الزيادتين عند بعض العرب، نحو: حبنطى2 وحباط، وقلنسوة وقلاس، بحذف النون فيهما. بخلاف من يحذف ثاني الزائدتين فإنه يجمعهما على: حبانط وقلانس بحذف الألف الأخيرى "الياء"3 والواو. سادسها: فعلاء: "بفتح فسكون ففتح" اسما؛ كصحراء وصحار، أو وصفا لأنثى، لا مذكر له؛ نحو: عذراء4، وعذار5 ... سابعها: ما يحتوي على ألف مقصورة للتأنيث، أو: للإلحاق، كحبلى وحبال، وذفرى6 وذفار. وما كان "كفعلاء" السابقة أو مختوما بألف التأنيث المقصورة أو بالألف الإلحاق يجوز جمعه على: "فعال" كما يتبين من الصيغة التالية. 20- فعلى: "بفتح أوله وثانيه ورابعه"، وهو مقيس فيما سبقت الإشارة في الوزنين السادس والسابع، أي: في "فعلاء"، إما اسما؛ كصحراء؛ وإما وصفا لمؤنث لا مذكر له؛ كعذراء5 وإما مختوما بألف التأنيث المقصورة كحبلى. أو بألف الإلحاق كذفرى6؛ فيقال في الجمع: صحارى، وعذارى، وحبالى، وذفارى، كما يصح: صحار، وعذار، وحبال وذفار على أساس ما تقدم "في: 19 سادسها"، فهذه المفردات، ونظائرها، مشتركى عند جمعها بين صيغتي فعالي ... وفعالى ... بكسر اللام أو فتحها. وتنفرد صيغة: "فعالي" ... "بكسر اللام" فالخمسة التي ذكرت قبل

_ 1 الخشبة المعترضة على رأس الدلو 2 الكبير البطن. 3 سيجيء في ص666 بيان حذف وسببه. 4 وهي: البكر. 5 يخالف الأشموني غيره في صيغة "فعلاء" التي هي صفة لأنثى؛ كعذراء، فيرى أن جمعها على الفعالى والفعالى -بكسر اللام وفتحها- غير قياسي وأنه مقصور على السماع؛ طبقا لما جاء في التسهيل، دون ما في الألفية، وابن عيل سواهما "انظر ما سبق متصلا بهذا في ص209 و212 عند الكلام على صيغة منتهى الجموع في الممنوع من الصرف". 6 و6 موضع خلف أذن البعير يرشح منه العرق.

صيغة: فعلاء؛ كما تنفرد "فعال" "بفتح اللام" بوصف على وزن: "فعلان" أو"فعلى" "بفتح فسكون فيهما"، نحو: كسلان، وسكران وغضبان، وجمعها: كسالى، وسكارى، وغضابى؛ بفتح ما قبل الآخر ولا يصح كسره. والأحسن في صيغة هذا الوصف ضم أوله عند جمعه، فيقال: كسألى، وغضابى، وسكارى. "وملاحظة": عرفنا أن وزن "فعلاء" اسما أو صفة يجمع1 على: الفعالي والفعالى "بكسر اللام أو فتحها". فنقول في الصحراء والعذراء: الصحاري والصحارى، والعذاري، والعذارى ... ويجوز شيء ثالث؛ هو: جمعهما على: الفعالي "بكسر اللام وتشديد الياء"2. ذلك أن وزنهما الصرفي هو: "فعلاء". فالألف التي قبل الهمزة تقلب عند الجمع ياء، بسبب كسر ما قبلها، وتقلب الهمزة أيضا ياء، وتدغم في الياء السابقة؛ فتصير الكلمة بعد الجمع، صحاري وعذاري ... ومن الممكن التخفيف بحذف إحدى الياءين، فإن حذفت الثانية التي تحركت بالفتحة بعد إدغامها صار الجمع: صحاري وعذاري، بإسكان الياء مع كسر ما قبلها؛ ثم حذفها للسبب الذي من أجله تحذف في المنقوص3. وإن حذفت الأولى الساكنة فتح الحرف الذي قبلها لتنقلب الياء الثانية ألفا، وتبقى من غير حذف، فقال: صحارى وعذارى3 ... 21- فعالى: "بفتح، ففتح مع مد، فكسر، فياء مشددة" ويطرد في: أ- كل ثلاثي ساكن العين، في آخره ياء مشددة تلي الأحرف الثلاثة سواء أكانت هذه الياء في أصلها لغير النسب؛ نحو: قمري4 وكركي5

_ 1 مع الخلاف في هذا. 2 وسيجيء الكلام عليه بعد هذا مباشرة. 3، 3 انظر السبب والحكم في ص653 -وفي الفعالي والفعالي "بكسر اللام وفتحها" يقول ابن مالك من غير إيضاح ولا تفصيل: وبالفعالي والفعالى جمعا ... صحراء. والعذراء. والقيس اتبعا أي: اتبع القياس على هذين المثالين. يريد: قس عليهما نظائرهما ... 4 طائر مفرد. 5 أحد الطيور المائية.

وكرسي، وبردي1 أم كانت في أصلها مزيدة لغرض النسب، ثم أهمل هذا الغرض؛ وصار متروكا غير ملحوظ، مثل: مهري، فأصله: الجمل المنسوب إلى قبيلة: "مهرة" اليمنية التي اشترهت قديما بإبلها النجيبة القوية، ثم كثر استعماله حتى نسي النسب، وأهمل، وصار، "المهري" اسما للنجيب من الإبل مطلقا بغير نظر إلى أصله ولا تفكير فيه. ومثله: بختي، فأصله الجمل المنسوب إلى "بخت" وهو إبل خراسانية اشتهرت بوقتها وحسنها. ثم شاع استعمال "البختي" في كل "جمل" قوي جميل من غير نظر لنشأته، ولا تكفير في نسبته. فمثل الأشياء السابقة تجمع قياسا على: "فعالي"، فيقال فيها: قماري، كراكي، كراسي، برادي، مهاري، بخاتي، ... وهكذا. ويفهم مما سبق أن المختوم بياء النسب المتجدد2، "كمصري، وتركي، وبصري ... " لا يجمع هذا الجمع. ومن ثم قالوا في أناسي: إنه جمع: إنسان، لا: إنسي؛ لأن الياء في: "إنستي" للنسب الباقي على حاله3، وكذلك لا يجمع على هذا الوزن مثل: عربي، وعجمي" ... لتحرك عينهما ... ب- ووزن فعالي مقيس أيضا -على الصحيح- في وزن: "فعلاء" على الوجه الذي سبق شرحه وإبانته في الصغيتين السالفتين "19، 20"..4.

_ 1 نبات مائي كان قدماء المصريين يكتبون عليه ما يريدون، كما نكتب اليوم على الوراق. 2 يتردد هنا على ألسنة النحاة: "النسب المتجدد" ... يريدون به: النسب الباقي على حاله لأداء الغرض منه -وهو مذكور في بابه ص714، لا النسب الذي أهمل أصله، وترك الغرض منه. وعلامة ياء النسب المتجدد أن يدل اللفظ بعد حذفها على معنى معين معروف؛ وهو المنسوب إليه. وأما غير الدالة عليه فيختل اللفظ بسقوطها ويصير خالي المعنى. "راجع حاشية الخضري". 3 ويؤيد هذا أن العرب تقول فيه أيضا: "أناسين" فنطقوا به على الأصل كما نطقوا بالصورة الأخرى التي أبدلوا فيها النون ياء، وأدغموا الياء في الياء، كطريقهم في بعض الكلمات؛ ومنها: ظربان -لدابة صغيرة تشبه الكلب أو القط، كريمة الرائحة- فقالوا: ظرابين وظرابي، على أن الخلاف شديد في مفرد: أناسي وأشباهها. 4 وفي صيغة؛ فعالى يقول ابن مالك: واجعل: "فعالي" لغير ذي نسب ... جدد، كالكرسي؛ تتبع العرب المراد بالنسب الذي جدد -كما سبق في رقم 2- هو النسب القائم وقت جمع الكلمة، الباقي لأداء الغرض منه. فمثله يمنع جمع الكلمة على: "فعالي" أما النسب غير المجدد وهو النسب القديم في أصله، المهمل في حاضره عند جمع الكلمة، فإنه لا يمنع جمعها. فإن لم تكن الياء للنسب مطلقا فلا شبهة تمنع جمعه على هذا الوزن.

22- فعالل "بفتح أوله، وثانيه، وكسر رابعه"، ويطرد في أنواع، أهما أربعة، مفرد كل نوع منها أربعة أحرف أصلية أو خمسة كذلك. الأول: الرباعي المجرد -أي: الذي كل حروفه أصلي- سواء أكان مفتوح الأول والثالث أم مضمومها، أم مكسورهما، أم غير ذلك؛ نحو: جعفر، وجعافر، برثن وبراثن1، زبرج2 وزبارج، سبطر3 وسباطر، جخدب4 وجخادب. الثاني: الخماسي المجرد؛ نحو: سفرجل وجحمرش5، وجمعهما: سفارج وجحامر؛ بحذف الحرف الخامس من أصولهما. ولهذا الحذف ضابط تجب مراعاته، وهو: أ- أن الحرف الخامس الشبيه6 بالزائد واجب الحذف مطلقا؛ نحو: جحمرش5 وجحامر؛ سواء أكان الرابع شبيها6 بالزائد أم غير شبيه؛ نحو: قذعمل7 وقذاعم، وسفرجل وسفارج.

_ 1 مخالب الحيوان المتوحش. وتشبه أصابع اليد مع الأظفار. 2 من معانيه: الذهب، والسحاب الرقيق الذي يخالط لونه حمرة، والزهر ... 3 من معانيه: الطويل، والشهم، واللسان الحاد. 4 الأسد. 5، 5 المرأة العجوز، أو: الوقحة. 6، 6 حروف الزيادة عشرة، مجموعة في قولهم: "أمان وتسهيل" أو: في "سألتمونيها". ولكل واحد من العشرة أمارات ومواضع لزيادته، ولا يكون زائدا بغيرها، وله معان يؤديها. ومن الممكن الاستغناء عن الحرف الزائد، مع تأدية الكلمة معنى بعد حذفه "كل ذلك يجري طبقا للتفصيل المدون في الباب الخاص بذلك، وهو باب: "التصريف" ص474 و753". أما الحرف الشبيه بالزائد فهو: أ- الذي يكون لفظه لفظ الزائد، ولكنه ليس زائد، لعدم انطباق صفة الزائد وموضعه عليه. ب- أو يكون لفظه مخالفا للزائد، ولكن موضعه في الحلق واللسان هو، وضع الزائد. فمثال النوع الأول حرف النون من: خدرنق "بمعنى: عنكبوت" وخورنق "ومن معانيه: موضع الأكل، واسم قصر للنعمان بن المنذر" فهذه النون شبيهة بالحرف الزائد في مادتها، ولكنها ليست بزائدة؛ إذ يغلب على الزائدة أن تكون في آخر الكلمة، كغضبان وندمان، أو في الوسط مع السكون كغضنفر. ومثال النوع الثاني: حرف "الدال" في مثل: "فرزدق"؛ فإنها ليست من حروف الزيادة. ولكن موضع نطقها في الفم واللسان هو: طرف اللسان، كموضع "التاء" الزائدة؛ فأشبهها من هذه الناحية، فكلاهما من طرف اللسان. 7 الجمل الضخم.

ب- وكذلك إن لم يكن أحدهما شبيها بالزائد. ج- فإن كان الرابع وحده "أي: دون الخامس" هو الشبيه بالزائد جاز حذفه أو حذف الخامس، لكن حذف الخامس هو الأفصح والأعلى1؛ كالدال في فرزدق، والنون في خدرنق أو خورنق؛ فيقال في الجمع: فرازق وفرازد، وخدارق وخدارن، وخوارق وخوارن، وهكذا2 ... الثالث: الرباعي المزيد، وهو ما كانت حروفه الأصلية أربعة، ثم زيد عليها بعض حروف الزيادة، نحو: مدحرج، ومتدحرج، فيحذف عند الجمع ما كان زائدا في مفرده؛ ولا يحذف غيره؛ فيقال: دحارج، بحذف الميم في الكلمة الأولى، والميم والتاء في الثانية، ولا يبقى في الجمع إلا الحروف الأصلية، كل هذا بشرط ألا يكون الحرف الزائد رابعا ولينا3، قبل الحرف الأخير الأصيل.

_ 1 لأن الأكثر في الكلام المأثور هو الحذف من الآخر؛ إذ الأواخر محل الحذف والتغيير. 2 مزج ابن مالك الكلام على صيغة "فعالل" والكلام على: "شبهه"، الذي سيجيء ذكره في الصيغة التالية مباشرة -وهي رقم 23 ص612- قال: وبفعالل وشبهه انطقا ... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى من غير ما مضى. ومن خماسي ... جرد الآخرانف بالقياس "ارتقى، أي: زاد. من غير ما مضى: بشرط أن يكون ما زاد على الثلاثة مفردا من غير المفردات التي سبق الكلام عليها، وعلى جموعها القياسية". فإن ما سبق من تلك المفردات التي لها جموع مطردة ذكرناها، لا يصح أن تجمع على: "فعالل" وشبهه. ثم وضح في آخر البيت الثاني: أن آخر الخماسي المجرد يحذف عند جمعه للتكسير. وتقدير كلامه: وانف بالقياس الآخر من خماسي جرد. أي: احذف الآخر من خماسي جرد من الزياة، وخلا منها. وهذا الحذف بسبب القياس. فكلمة: "الآخر"، مفعول به للفعل: "انف" والجار والمجرور: "بالقياس" متعلق بهذا الفعل، وكذا الجار والمجرور: من خماسي. ثم بين أن الخماسي المجرد إن كان رابعه شبيها بالمزيد -دون خامسه الأصلي- فقد يحذف الرابع دون الخامس الذي تتم به أصول الكلمة. ويفهم من هذا أنه يجوز أيضا حذف الخامس. قال: والرابع الشبيه بالمزيد قد ... يحذف دون ما به تم العدد 3 سبق في رقم 2 من هامش ص58 أن أحرف العلة ثلاثة؛ الألف، والواو، والياء: أ- فإن كانت ساكنة وقبلها حركة تناسبها سميت أحرف علة، ولين؛ ومد، نحو: عالم، طوم، عليم. ب- إن سكنت وقبلها حركة لا تناسبها، سميت أحرف علة، ولين، نحو: عون، وعين. ج- إن تحركت سميت أحرف علة، فقط؛ نحو: سهو، جرى. وعلى هذا تكون الألف دائما حرف علة، ولين. ومد. د- المراد باللين الذي يبقى في الجمع هنا عام؛ يشمل ما قبله حركة تناسبه، أو لا تناسبه؛ كما في الأمثلة.

فإن كان الرابع الزائد اللين: "ياء" بقي، ولم يحذف عند الجمع، ويجمع ما هو فيه على: "فعاليل" في الأغلب؛ نحو: قنديل وقناديل، وغرنييق وغرانيق ... وإن كان ألفا أو واوا قلب عند الجمع ياء ثابتة، ويجمع ما هو فيه على: "فعاليل" كذلك في الأغلب؛ نحو: عصفور وعصافير، وسرداح1 وسراديح وفردوس وفراديس2 ... فإن كان حرف العلة متحركات وجب حذفه عند الجمع؛ نحو: كنهور3، وهبيخ4؛ فيقال في جمعهما: كناهر وهبايخ؛ لأن حرف العلة حينئذ ليس حرف لي، ومثلهما: مصور ومصاور؛ فيحذف حرف العلة المدغم فيه لتحركه؛ فليس حرف لين. فإن كان حرف العلة غير رابع حذف، نحو: فدوكس5 وخيسفوج6 وجمعهما: فداكس وخسافج. الرابع: الخماسي المزيد، -أي: ما كانت حروفه الأصلية خمسة، ثم زيد عليها بعض أحرف الزيادة- نحو: فرطبوس7،

_ 1 المكان اللين، والناقة السمينة. 2 وفي الرباعي المزيد يقول ابن مالك: وزائد العادي الرابعي احذفه. ما ... لم يك لينا إثره الذ ختما "الذ= الذي. إثره= بعده". والعادي: اسم فاعل من الفعل: عدا، بمعنى: جاوز. أي: احذف زائد الاسم المجاوز الرباعي. فالرباعي: مفعول به لاسم الفاعل؛ العادي، ويصح أن يكون مضافا إليه، والمراد بزائد الرباعي هنا. ما كان على خمسة أحرف؛ أربعة منها أصلية، وواحد زائد. ويقول: إن هذا الزائد يحذف إلا إن كان حرف لين وبعده الحرف الذي يكون ختام الاسم. فيفهم من هذا أن حرف اللين الزائد هو: "الرابع" لوقوع الذي يختم الاسم بعده، وهو الخامس. 3 السحاب المتراكم، والرجل الضخم. 4 الغلام السمين. 5 أسد. 6 من معانيه: حب القطن. 7 أو: قطربوس، الناقة السريعة، أو القوية.

وخندريس1، وقبعثرى2؛ فيحذف عند جمعها شيئان، هما: الخامس الأصلي، وما كان زائدا في المفرد؛ فيقال: قراطب، وخنادر، وقباعث، بحذف الواو والسين من الكلمة الأولى، والياء والسين من الثانية. "والسين فيهما هي الحرف الخامس الأصلي الذي يجب حذفه مع الزائد، كما سبق" وبحذف الراء والألف الأخيرة "المكتوبة ياء" من الكلمة الثالثة. هذا، وجمع التكسير حين يكون على وزن: "فعالل" السالف، أو: "ما يشبهه"3 يصح في جميع صوره وحالاته -ولو لم يحذف من حروف مفرده شيء بسبب الجمع- زيادة ياء قبل آخره إن لم تكن موجودة، وحذفها إن كانت موجودة4؛ فيقال في الأمثلة السالفة ونظائرها: جعافر، وجعافير، وبراثن وبراثين كما يقال: جحامر وجحامير، وفرازق وفرازيق، وخدارق وخداريق، وكناهر وكناهير5. ويستثنى من هذا الحكم أمران. الأول: ما كان مختوما بياء مشددة مثل كرسي وكراسي. فلا تزاد عليه الياء؛ لئلا يجتمع في آخر الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف من نوع واحد، وهذا مردود6. ولا تصح أن تحذف منه الياء المشددة. والثاني: ما كان حذف الياء من آخره مؤديا إلى اجتماع مثين متجاورين

_ 1 خمر. 2 الجمل الضخم، واسم بعض الدواب والناس. 3 وقد يعبرون عنهما أحيانا بالجمع المماثل في صيغته لصيغتي: "مفاعل ومفاعيل" والمراد بها يشبهه: الوزن الثالث والعشرون الآتي "في ص664" ويجب التنبه إلى أن الحكم الآتي خاص بجمع التكسير الذي على وزن: "فعالل وشبهه" -دون غيرهما- سواء أحذف منه شيء بسبب التكسير أم لم يحذف. بخلاف الحكم الذي يليه "تحت عنوان: "ملاحظة" فإن خاص بالتكسير الخالي من الياء الذي حذف بعض أحرفه؛ سواء أكان على وزن: "فعالل وشبهه" أم كان على وزن غيرهما. 4 وقد اجتمع الأمران "زيادة الياء وعدم زيادتها" في بيت لأبي تمام يمدح قومه، هو: نجوم طواليع، جبال فوارع ... غيوث هواميع، سيول دوافع انظر تفصيل البيان في "ب" ص671 ثم رقم 3 من هامش ص670. 5 انظر ما يتصل بهذا في رقم 3 من هامش ص670 وأيضا لهذا الحكم في ص671 إشارة، ويليها تقييد -كالذي هنا- بألا يؤدي حذف الياء إلى اجتماع مثلين؛ كما في جمع جلباب على جلابيب وتقييد آخر في هامشها. 6 كما فصلناه في رقم 3 من ص615 وهامشها.

بغير إدغام، نحو: جلابيب -جمع جلباب- فلا يقال: "جلابب" بحذف الياءن لأن الإدغام هنا واجب، ولو أدغمنا لم يعرف الأصلي ولا المعنى -كما يجيء1. "ملاحظة": في كل حالات جمع التكسير -ما كان منه على وزن: "فعالل" أو على وزن شبهه الآتي: أو على وزن غيرهما- إذا حذف منه بسبب الجمع بعض أحرف أصلية أو زائدة وكان خاليا من "ياء"، يجوز زيادة ياء قبل آخره؛ لتكون بمنزلة العوض2 عما حذف؛ فيصح في الأمثلة السالفة ونظائرها مما فيه حذف بسبب التكسير؛ دحارج ودحاريج، وخنادر، وخنادير، وكناهر وكناهير، وقباعث وقباعيث3. وإذا كان "فعالل وشبهه" منقوصا فله حكم خاص يجيء4. 23- شبه فعالل "بفتح أوله وثانيه، وكسر رابعه"، والمراد به: ما يماثل: "فعالل" في عدد الحروف، وفي ضبطها بالسكون، أو بالحركة، ولو كانت الحركة مختلفة في نوعها بين الاثنين مؤدية إلى الاختلاف في الوزن الصرفي؛ فيشمل صيغا كثيرة. منها: مفاعل: كمنابر، وفياعل، كصيارف، وفواعل كجواهر، وفعاعل كسلالم، وفعالي ككراسي5 ... فليست هذه الأمثلة وصيغها على وزن:

_ 1 في ص671 وفي ص672، وهامشها. 2 مع مراعاة الشرط الآتي في رقم 2 من هامش ص671. 3 كما سيأتي في ص671. والحكم هنا مخالف لسابقه في أمرين: أولهما: أنه ليس مقصورا على وزن "فعالل" وشبهه؛ بل يشملهما وغيرهما.. ثانيهما: أنه لا يصح زيادة هذه الياء إلا إذا كان جمع التكسير خاليا منها، وكان قد حذف بعض أحرفه. 4 في رقم 2 من ص673. 5 ومنها غير ما ذكر هنا: "فعاول، فعانل، تفاعل، مفاعل، فعالن، أفاعل، فناعل، فعالم ... وما أشبه هذه الأوزان، بشرط ألا يكون الحرف الثاني فيها حرف مد، وبشرط ألا يكون المفرد مما يدخل في ضوابط جمع آخر تختلف صيغته عن صيغة: "فعالل" وشبهه. أي: أن المفرد لا يجمع على "فعالل" وشبهه إذا أمكن جمعه على صيغة أخرى من صيغ الجموع السالفة "راجع الهمع في هذا ج2 ص180".

"فعالل" وإنما تشبهه في عدد حروفها، وهيئتها أي ضبط حروفها ضبطا متماثلا في مجرد الحركة والسكون دون التقيد بنوع الحركة، ولا بالوزن بالصرفي الدقيق1. وهذا الجمع مقيس في كل لفظ ثلاثي الأصول، زيدت عليه أحرف الزيادة. بشرط أن يكون هذا الثلاثي المزيد ليس داخلا تحت حكم جمع من الجموع السالفة، وبهذا الشرط لا يجمع جمعا قياسيا على: "شبه فعالل" ما كان مثل: أحمر، وغضبان، وقائم، وساع، وصغرى، وسكرى ... و ... ؛ لأن لهذه الألفاظ ونظائرها جموعا أخرى قياسية -وقد عرفناها2. وحكم هذا الثلاثي المزيد عند جمعه على: "شبه فعالل" ما يأتي: أ- إن كانت زيادته حرفا واحدا فالواجب إبقاؤه عند الجمع مطلقا، "أي: سواء أكان الزائد حرف علة، أم غير علة، وسواء أكان في الأول في غيره، وللإلحاق أم لغير الإلحاق"، نحو: "أكرم وأكارم، معبد ومعابد"، "جوهر وجواهر، صيرف وصيارف"، "وعلقى3

_ 1 انظر ما يوضح هذا في رقم 4 من هامش ص671. 2 ويدخل "شبه فعالل" في الحكمين السابقين: وأولهما: أن كل جمع تكسير -مهما كانت صيغته- إذا حذف من مفرده شيء عند جمعه جمع تكسير، جاز زيادة ياء قبل آخره إن كان خاليا منها؛ لتكون بمنزلة العوض عن المحذوف سواء أكان المحذوف أصليا أم زائدا -مع مراعاة الشرط الذي في رقم 2 من هامش ص671- مثل دحارج ودحاريج وفرازق وفرازيق. وهذا حكم عام ينطبق على: "فعالل" وعلى شبهه، وعلى غيرهما -كما أشرنا، في الصفحة السابقة. وثانيهما: أن كل جمع تكسير -كما سبق في ص664- على وزن: "فعالل" أو ما يشبهه، يجوز -ولو لم يحذف منه شيء بسبب الجمع- زيادة ياء قبل آخره إن لم تكن موجودة، وحذفها إن كانت؛ نحو: جعافر وجعافير، براثن وبراثين، وعصافر وعصافير. إلا الجمع الذي يؤدي حذف الياء من آخره إلى اجتماع مثلين بغير إدغام في مثل: جلابيب، وإلا الجمع المختوم بياء مشددة، مثل: كراسي وكراكي. فلا يجوز فيه زيادة الياء؛ لئلا يجتمع في آخر الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف من جنس واحد، وهذا ممنوع -طبقا لما سبق إيضاحه في ص664- وكذلك لا يجوز حذف الياء المشددة منه. انظر البيان تفصيلا في: "ب" ص671 ورقم 3 من هامش ص670. 3 اسم نبت.

وعلاق" ... 1. ب- إن كانت زيادته حرفين فالواجب حذف أحدهما؛ وهو الضعيف، وترك القوي2؛ نحو: منطلق ومطالق، ومغترف، ومغارف؛ ولا يقال: نطالق ولا غتارف؛ لأن الميم تمتاز بمزايا لفظية ومعنوية3 لا توجد في النون والتاء. ومثل: مصطفى ومحتفظ، فيقال في جمعهما: مصاف ومحافظ؛ بحذف "تاء4 الافتعال"، دون الميم5 التي لها المزايا ...

_ 1 زيادة الواو، والياء، وكذلك الألف "المكتوبة ياء" في علقى -هي للإلحاق. أما الزيادة في: أكرم وأكارم فليست له. 2 يراد بالقوي هنا: ما يسمونه: "الفاضل". وهو: ما له مزية ليست للآخر. وتتحقق المزية في أمور؛ منها: تقدم الحرف في مكانه من الكلمة، تحركه، دلالته على معنى، مقابلته لحرف أصلي؛ بأن يكون حرفا للإلحاق، الوقوع في موقع يدل فيه بعض الحروف الزائدة على معنى، كما سيأتي مثاله في منطلق، وما بعدها، أن يكون في أصله حرف زيادة من أحرف "سألتمونيها.."، ولكنه خرج عنها وصار حرفا آخر لداع لغوي؛ كأن ينقلب دالا، أو طاء، أو غيرهما من حروف ليست للزيادة، ألا يؤدي وجوده إلى صيغة غير موجودة، أن يؤدي حذفه إلى حذف الآخر الذي يساويه في جواز الحذف، أن يكون مختصا بالاسم. وقد رد صاحب التسهيل الأسباب السالفة كلها إلى ثلاثة فقط؛ هي المزية المعنوية، والمزية اللفظية، وأن يغني حذفه عن حذف غيره. 3 فالمزية المعنوية أن الميم تدل على معنى خاص بالأسماء وهو دلالتها على اسم الفاعل هنا وعلى اسم المفعول أحيانا، واللفظية أنها أسبق مكانا منهما، وأنها متحركة دون النون، وأنها مختصة بالاسم. 4 قلبت طاء في مصطفى. "وستجيء أحكامها في باب القلب 756 و793". 5 انظر الحكم الثاني من الأحكام العامة الآتية "في ص673" ففيه تكملة الحكم السالف. وبهذه المناسبة نعرض لصحة جمع: "مفعول" على: "مفاعيل" قياسا مطردا. قال ابن هشام في شرحه لقصيدة: "بانت سعاد" ما معناه: إنه لا يجوز جمع نحو: مضروب جمع تكسير. وقد ورد من ذلك ألفاظ قليلة مجموعة شذوذا. ومثل مضروب في منع تكسيره: مختار ومنقاد من اسمى الفاعل والمفعول المبدوءين بميم زائدة. والقياس عنده أن يجمع: "مفعول" جمع مذكر سالما إن كان الوصف لمذكر، وجمع مؤنث سالما إن كان الوصف لمؤنث، فيقال مضروبون مختارون منقادون ... ، كما يقال: مضروبات، مختارات، منقادات. "راجع الصبان في آخر جمع التكسير، تحت عنوان: فائدة، عند الكلام على بيت ابن مالك: وخيروا في زائدي سرندي.. ويفهم من كلامه ومما نقله أنهم منعوا تكسير كل اسم فاعل، واسم مفعول إذا كانا مبدوءين بميم زائدة، وقالوا إن قياسهما هو التصحيح، إلا وزن: "مفعل" المختص بالإناث، نحو: مرضع؛ فإنه يكسر. =

ومثل: ألندد، ويلندد؟ "ومعناهما: ألد، أي: شديد

_ = وقد ردد هذا الرأي كثير ممن جاءوا بعد ابن هشام، وحكموا بتخطئة سواه. غير أن كتاب: "المعاني الكبير" لابن قتيبة، يحوي أعدادا كثيرة صحيحة من جمع "مفعول على مفاعيل" مسموعة ممن يحتج بكلامهم. وبعض المحققين المعاصرين "هو الأب أنستاس الكرملي -رحمه الله- وكان عضوا بمجموع اللغة العربية، بالقاهرة" نشر بحثا لغويا مستقى من الكلام العربي الفصيح، والمعجمات اللغوية الأصيلة، أثبت فيه صحة جمع "مفعول" على "مفاعيل"، قياسا مطردا. وعرض عشرات من الأمثلة الصحيحة منسوبة وصحابها الذين نحتج بكلامهم، أو مأخوذة من مراجعها اللغوية الوثيقة. على أن سيبويه "كما في كتابه ج2 ص210" قد سبق ابن هشام إلى المنع، بالرغم مما ساقه في هذا من جموع متعددة تخالف رأيه؛ "منها: مكسور ومكاسير، ملعون وملاعين، مشئوم ومشائيم، مسلوخ ومساليخ، مغرود ومغاريد، مصعود ومصاعيد، مسلوب ومساليب"، فلا داعي للتأويل الذي يمنع القياس على هذه الجموع المتعددة، ولا سيما بعد كشف نظائر أخرى تبلغ العشرات -وهي غير ما سلف- منها: ميمون وميامين، مجنون ومجانين، مملوك ومماليك، مرجوع ومراجيع، متبوع ومتابيع، مستور "بمعنى: عفيف" ومساتير، معزول "أي: لا سلاح له" ومعازيل "وقيل مرده معزال"، بل إن هذه الجموع وحدها، منضمة إلى ما نقله "سيبويه" تعتبر كثرة وافرة تبيح القياس عليها. هذا إلا أن "الأشموني" في شرحه باب: "جمع التكسير" من ألفية "ابن مالك" قد نص صراحة عند بيت الناظم: وزائد العادي الرباعي احذفه ما ... ..................................... على جمع مختار ومنقاد -بنصهما- على مخاتر ومناقد "وتعقبه "الخضري" في حاشيته قائلا: "إن القياس أن يقال: مخاير، ومقايد، بحذف النون والتاء؛ لزيادتهما، دون الألف، بل ترد لأصلها، وهو الياء ... " وتعقبه آخرون من ناحية أخرى، هي أن اللفظين هما من جموع تكسير الثلاثي المزيد، لا من تكسير العادي الرباعي الذي يتحدث عنه ابن مالك في بيته. ولم يعترض أحدهم على صحة تكسير هذين الجمعين، ولم يشر من قرب أو بعد إلى أن تكسيرهما معيب أو غير جائز. فلم يبق مجال بعد كل ما سبق لمنع جمع "مفعول على مفاعيل" مع مراعاة الضوابط العامة. وقد فصل مجمع اللغة العربية القاهري ومؤتمره فصلا نهائيا في هذه المسألة، طبقا لما ورد في ص224 من العدد السادس والعشرين من مجلته الصادرة في شهر ربيع الأول سنة1380هـ ومايو سنة 1970م وكان قد أحال تلك المسألة من قبل على لجنة الأصول وفيما يلي النص المنقول: "راجعت اللجنة كثيرا من أمثلة "مفعول" مجموعا على "مفاعيل" في المعجمات فاطمأنت إلى كثرة ما ورد من هذا الجمع، وانتهت إلى القرار التالي: قاس النحاة جمع "مفعول" اسما أو مصدرا على "مفاعيل" وترى اللجنة قياسية جمعه كذلك وصفا، لكثرة ما ورد أمثلة. ووافق المؤتمر على أن تكون صيغة القرار على النحو التالي: "يجمع مفعول على مفاعيل" مطلقا". ا. هـ. هذا، وقد صرح الخضري في كلامه السالف بأن الألف في "منقاد" أصلها: ياء. وهو مخالف لما في القاموس والمصباح من عرضها في مادة: "قود" الواوية، ولا: "قيد" اليائية. لذا جمعها الهمع "ج2 ص180" على؛ "مقاود".

الخضومة" وجمعهما: ألادد، ويلادد، ثم تدغم الدلان في كل واحدة؛ فتصير ألاد، ويلاد؛ بحذف النون، وبقاء الهمزة والياء؛ لتقدمهما وتحركهما؛ ولأنهما يدلان على المعنى التكلم والغيبة إذا كان في أول المضارع -أما النون المتوسطة بين الحرفين الثالث والرابع من الكلمة فلا تدل على معنى. ج- إن كانت زيادته ثلاثة أحرف، حذف اثنان، وبقي الثالث الأقوى؛ نحو: مستدع1 ومداع، ومقعنسس2 ومقاعس3؛ فلا يقال في الأول: سداع ولا تداع؛ لأن حذف "الميم، والتاء" من مستدع يؤدي إلى: سداع، وهي صيغة لا نظير في العربية، ولأن حذف الميم والسين يضيع الدلالة على اسم الفاعل4 ... وكذلك لا يقال في الثاني -عند سيبويه- قعاسس. وحجته: أن الكلمة مشتملة على ثلاثة أحرف من أحرف الزيادة؛ هي: الميم، والنون، والسين الأخيرى المزيدة للإلحاق؛ فالميم عنده أولى بالبقاء؛ لتصدرها؛ ولأنها تدل على معنى يختص بالاسم وهو الدلالة على اسم الفاعل. وخالفه بعض النحاة فجمعه على: قعاسس؛ بحذف الميم والنون مع بقاء السين الأخيرة الزائدة للإلحاق. وحجته: أن السين زيدت في الفعل -وفروعه- لإلحاق لفظه بكلمة: "احرنجم، وبقاء الملحق أولى من غيره ...

_ 1 أصله مستدعي " ... بزيادة الحروف الثلاثة الأولى. وحذف آخره الياء، لأن الاسم هنا منقوص. مثن: داع. "انظر الحكم الثاني من الأحكام العامة الآتية، في ص673". 2 هو: الشديد، أو المتأخر الراجع للخلف. 3 هذا هو الجمع القياسي وقد جاء في "القاموس" أي جمعه: مقاعس، ومقاعس "بفتح الميم أو ضمها" ومقاعيس. 4 وفي هذا يقول ابن مالك: و"السين" و"التا" من كمستدع أزل ... إذ ببنا الجمع بقاهما مخل يريد: لأن بقاءهما مخل ببنا الجمع، أي: ببنائه، وصيغته. ثم قال فيما يتصل بهذا، وبالهمزة والياء في مثل "الندد وبلندد" وقد تقدم الكلام عليها: والميم أولى من سواه بالبقا ... والهمز واليا مثله، إن سبقا

وهذه تعليلات جدلية، مصطنعة. والتعليل الحق الذي يعتمد عليه في هذا الموضوع وأشباهه، هو السماع ليس غير. وقد ورد السماع بما يؤيد الرأيين. ومن الأمثلة: استخراج، وجمعه: تخاريج، بإبقاء التاء دون السين؛ لأن إبقاء التاء سيؤدي إلى وزن للجمع على: "تفاعيل" وهو وزن له نظراء في العربية؛ "منهاك تماثيلن وتهاويل، وتباشير، وتفاريق، وتسابيح ... و ... " أما بقاء السين فيؤدي إلى سخاريج على وزن: سفاعيل وهو وزن لا نظير له. وإذا كان أحد الأحرف الزائدة يغني بحذفه عن حذف زائد آخر وجب حذف ما يغني عن غيره؛ كحيزبون1 وعيطموس2؛ يقال في جمعهما: حزابين وعطاميس؛ بحذف ياء المفرد، وإبقاء الواو، وقلبها ياء في الجمع؛ لوقوعها بعد كسرة. ولو حذفت الواو وبقيت الياء لقيل في جمعهما: حيازين وعياطمس، بتحريك الياء والميم أو بتسكينهما. وهو في الحالتين وزن لا نظير له3، وإذا أريد جعله على وزن عربي وجب حذف الياء أيضا؛ فيقال: حزابن، وعطامس؛ وبذا نصل إلى صيغة عربية بعد حذف الواو والياء معا. في حين استطعنا في الصورة الأولى أن نصل إلى صيغة عربية بعد حذف الياء وحدها. فحذف حرف واحد أولى من حذف حرفين مادم الأثر من الحذف واحدا4 ... ح- إن كان أحد الأحرف الزائدة المستحقة للحذف مكافئ في قوته لحرف زائد آخر -أي: مساو له في الأفضيلة- جاز حذف أحدهما من غير ترجيح: كالنون والألف المقصورة "المكتوبة ياء" فينحو: سرندي5 وعلندي6؛

_ 1 من معانيها: المرأة العجوز ... و. 2 المرأة الجميلة الطويلة، والناقة السليمة. 3 وتحريكهما يؤدي أيضا إلى ما لا نظير له في العربية؛ فإن ما بعد ألف صيغة منتهى الجموع إن كان ثلاثة أحرف -يجب أن يكون ثانيهما ساكنا. 4 وفي هذا يقول ابن مالك: و"الياء" لا "الواو" احذف ان جمعت ما ... كحيزبون؛ فهو حكم حتما 5 من معانيه: سريع قوي، جرئ مقدام ... 6 الجمل الضخم، واسم نبت، والغليظ الضخم عامة ...

فيقال في جمعهما: سراند، وعلاند، أو: سراد وعلاد. فالحرفان قد زيدا معا في المفرد لإلحاقه بالخماسي: سفرجلن وكل حرفين هذا شأنهما لا يكون لأحدهما مزية على الآخر1.. "ملحوظة": قلنا2 إنه يصح في جمع التكسير المشابه لصيغة: "فعالل" ما صح في "فعالل" من زيادة الياء قبل آخره إن لم تكن موجودة، وحذفها إن كانت موجودة "طبقا لما سبق"2. ومما ينطبق عليه هذا أن تحذف إحدى الياءين جوازا، للتخفيف، في مثل: أماني، أغاني، أثافي ... ومفرداتها: أمنية، أغنية، أثفية ... بتشديد الياء في هذه المفردات3 ...

_ 1 وفي هذا التكافؤ يقول ابن مالك: وخيروا في زائدي: سرندي ... وكل ما ضاهاه؛ كالعلندي 2 و2 في ص664 وفي رقم 2 في هامش ص665 ويجيء في "ب" من ص671. 3 جاء في الجزء الأول من تفسير القرطبي لقوله تعالى في سورة البقرة: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ما نصه: "قرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج: إلا أماني، خفيفة الياء؛ حذفوا إحدى الياءين استخفافا وقال أبو حاتم: كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد فلك فيه التشديد والتخفيف، مثل: أثافي، وأغاني، وأماني، بياء واحدة، أو بياء مشددة، في كل ما سبق ... ونحوه. وقال الأخفش: هذا كما يقال في جمع مفتاح: مفاتيح ومفاتح. وهي ياء الجمع. قال النحاس: الحذف في المعتل أكثر. قال الشاعر: وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي، والرسوم البلاقع ا. هـ. ومثل ما سبق قول أبي إسحاق الزجاج "كما جاء في ص205 من كتاب المختار من شعر بشار" ونصه: "في لفظ: "الأماني" وجهان؛ العرب تقول: هذه أمان وأماني؛ بالتخفيف والتشديد. فمن قال "أماني" بالتشديد فهو مثل أحدوثة وأحاديث، ومن قال: "أمان" بالتخفيف فهو مثل أحدوثة وأحادث، وقرقور وقراقر، إلا أن التخفيف أكثر؛ لكثرة استعمالهم أثاف. والأثافي الأحجار التي تجعل تحت القدر". ا. هـ. - انظر ما يتصل بهذا في ص664 وفي رقم 2 من هامش ص665 والبيان في "ب" ص681.

المسألة 174: أحكام عامة

المسألة 174: أحكام عامة ... المسألة 174: حكام عامة 1- زيادة الياء في جمع التكسير وحذفها، وكذلك زيادة تاء التأنيث: أ- إذا حذف من المفرد عند جمعه جمع تكسير بعض حروفه الأصلية أو الزائدة -تطبيقات للضوابط السالفة في الجمع- جاز زيادة ياء1 قبل آخر الجمع، تكون بمنزلة العوض2 عن المحذوف. ومن الأمثلة: فرزدق، وسفرجل، ومنطلق ... فيقال في جمعها بعد الحذف بغير تعويض: فرازق، وسفارج ومطالق.. ويقال في جمعها بعد الحذف مع تعويض ياء عن المحذوف. فرازيق، وسفاريج، ومطاليق ... ب- تقدم3 أن كل جمع تكسير على وزان: "فعالل" وشبهه -"وقد يعبرون عنه أحيانا بالجمع المماثل في صيغته لصيغتي: "مفاعل أو مفاعيل4" يجوز فيه زيادة الياء إن لم تكن موجودة، كما يصح حذفها إن كانت موجودة. لا فرق في هذا بين الجمع الذي حذف منه بعض حروف مفرده، أم لم يحذف، فيقال في جمع: جعفر، ومفتاح، وعصفور، وقنديل ... جعافر وجعافير، ومصابح ومصابيح، وعصافر وعصافير، وقنادل وقناديل.

_ 1 سبقت الإشارة لهذا في ص664، وفي رقم 2 من هامش ص665، وله صلة بما في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة. 2 وتعويض الياء إنما يكون جائزا حين لا يستحقها الجمع لغير التعويض، كاستحقاقه في كلمة لغيزي "بمعنى: اللغز"، فيقال في جمعها: "لغاغيز" بحذف ألفها، لثبوت يائها التي كانت في المفرد. فلا يزاد في الجمع مع هذه الياء ياء أخرى للتعويض عن المحذوف. 3 في ص664 و2 من هامش ص665 وفي هامش ص670. 4 كما تقدم في رقم 3 من هامش ص663، والمراد بالمماثل -كما سبق في رقم 23 ص664- ما وافقهما في عدد الحروف مع مقابلة المتحرك بمتحرك، والساكن بساكن فلا بد في هذه المماثلة من تحقق أمرين: أن يكون عدد الحروف متساويا، وأن يكون كل حرف مماثلا لنظيره في الترتيب مماثلة تقتضي أن يكون متحركات مثله أو ساكنا، ولا عبرة بنوع الحركة بينهما، فقد يكون أحدهما متحركا بالفتحة أو بالضمة، والآخر بالكسرة مثلا. فالمهم هو اشتراكهما في عدد الحروف، وفي مجرد الحركة المطلقة، أو السكون، بدون نظر لنوع الحركة.

هذا رأي الكوفيين، والسماع الكثير يؤيدهم1، والأخذ برأيهم أولى، بالرغم من مخالفة البصريين الذين يخصون الحكم السابق بالضرورة، ويؤولون الأمثلة المسموعة، ويتكلفون في التأويل، ما لا يحسن قبوله، وبعض أئمة النحاة2 يؤيد الكوفيين، ولكن يستثنى صيغة "فواعل" فلا يقول: "فواعيل" -ولا داعي لهذا الاستثناء- وكذلك يؤيدهم بعض أئمة اللغة3. ويجب -كما تقدم- عند زيادة الياء ألا يكون الجمع مختوما بياء مشددة كالتي في "كرسي"؛ ويجب عند حذفها مراعاة أن حذفها لا يؤدي إلى وجود حرفين متماثلين متجاورين؛ كما في جمع: "جلباب" على "جلابيب"، فلو حذفت الياء لأدى حذفها إلى أن تكون صيغة الكلمة المجموعة هي: "جلابب" بغير إدغام الباءين، مع أن الإدغام هنا واجب، ولو أدغمنا لم يعرف الأصل، ولم يتضح المعنى. ج- وكما يجوز الإتيان بياء زائدة تعويضا عن المحذوف. يجوز أيضا أن تجيء تاء التأنيث -وحدها- عوضا عن المحذوف4. إن كان أصله ألفا خامسة في المفرد، أو ياء في صيغة منتهى الجموع؛ مثل: "حبنطى، وجمعه: حبانط، وحبانيط، وحبانطة"، "وعفرني5 وجمعه: عفارن، وعفارين، وعفارنة"، "وقنديل، وقنادل، وقناديل، وقنادلة"، "ومطعان ومطاعن، ومطاعين، ومطاعنة" والتعويض بهذه التاء يكاد ينحصر في هذين، أما الإتيان بالياء فغير مقصور على نوع من الأنواع التي أصابها الحذف، وقد تدخل على ما لم يحذف منه شيء -كما سلف- فميدان زيادتها أوسع في جموع التكسير من تاء التأنيث.

_ 1 ومن شواهدهم: قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} جمع مفتاح؛ فقياسه: "مفاتيح"، بقلب ألفه ياء، ومنها قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} جمع: "معذرة" قياسه: "مغاذر" -راجع الصبان. 2 كصاحب التسهيل. 3 فيقول: كل جمع على "فواعل ومفاعل" -وفي الصفحة الماضية بيان المراد من هاتين الصيغتين- يجوز أن يمد بالياء؛ فيقال: فواعيل ومفاعيل. "راجع المصباح المنير، في مادة: "دافق" وجمعه دوافيق، أو دوافيعه". وكذا ما جاء في تفسير "القرطبي" وقد نقلناه في رقم 3 من هامش ص670. 4 سبقت إشارة لهذا في رقم 3 من هامش ص591. كما سبق بيان مفيد عن المراد من تاء التأنيث وهائه في رقم 3 من هامش ص236. 5 شديد.

لكن هناك نوع آخر تكون فيه هذه التاء أكثر وجودا من الياء؛ وهو: كل اسم مفرد مختوم بياء النسب، وحذفت منه هذه الياء عند جمعه على إحدى صيغ منتهى الجموع؛ فتدل التاء على أن الجمع للمنسوب لا للمنسوب إليه، نحو: أشعثي وأشاعته، وأزرقي وأزارقة، ومهلبي ومهالبة، وصقلبي وصقالبة، فلكل من الياء والتاء ما يمتاز به على الآخر. 2- حكم المسائل لفعالل وشبهه، إذا كان معتل الآخر: ما كان من جموع التكسير مماثلا لوزن: "فعالل" أو شبهه "بمعنى: المماثلة التي شرحناها هناك"1، وكان معتل الآخر؛ مثل: مصاف، ومداع، في مجمع، مصطفى، ومستدع فإنه يجري عليه ما يجري على المنقوص من صيغ منتهى الجموع التي بعد ألف تكسيرها حرفان، كدواع، ونوام، وجوار2 ... إلا إن زيدت الياء قبل الحرف الأخير؛ عوضا عن المحذوف -كما في الحكم الأول السالف- فيجوز أن يقال بعد زيادتها: مصافي، ومداعي، بياء مشددة، نشأت من إدغام ياء التعويض الزائدة في الياء التي هي في الأصل لام الكلمة. ثم تحذف إحداهما تخفيفا. فإن حذفت الثانية المتحركة صارت الكلمة مصافي، ومداعي، بياء ساكنة، ثم تحذف الياء ويجيء التنوين عوضا عنها؛ فتصير الكلمة؛ مصاف ومداع، ونوام، وجوار. وإن حذفت الأولى الساكنة قلبت الثانية المتحركة ألفا بعد فتح ما قبلها فتصير: مصافي ومداعي3 ... و ... 3- تثنية جمع التكسير، وجمعه: هل يجمع جمع التكسير بنوعيه الدال على القلةن والدال على الكثرة؟

_ 1 في رقم 23 من ص664 وفي رقم 4 من هامش ص671. 2 وأمثال هذه الأوزان مما سبق الكلام عليه "في ج1 م3" وعلى سبب حذف الياء عند الجمع والأصل المفرد: داعية، نامية، جارية، وما كان مثلها في لفظه وإعلاله على الوجه المشروح هناك. 3 حاشية الخضري آخر الباب "ثم راجع ما يماثل هذا في ص658 وأيضا ما تقدم في ج1 م3 خاصا بهذا".

يميل أكثر النحاة على إباحة الجمع فيما يدل على القلة، دون ما يدل على الكثرة، والأفضل الأخذ بالرأي القائل1: إن الحاجة قد تدعو -أحيانا- إلى جمع2 الجمع بنوعيه، كما تدعو إلى تثنيته، فكما يقال في جماعتين من الجمال: جمالان -كذلك يقال في جماعات: جمالات. فإذا قصد تكسير مكسر نظر إلى ما يشاكله من الآحاد "أي: المفردات" فيكسر بمثل تكسيره، والمراد بما يشاكله: ما يكون مثله في عدد الحروف، ومقابلة المتحرك منها بالمتحرك في الآخر، والساكن بالساكن. من غير اعتبار لنوع الحركة؛ فقد تختلف فهيما؛ فيكون أحدهما متحركا بالفتحة، والآخر بالضمة أو بالكسرة. فالمهم ليس نوع الحركة فيهما، وإنما المهم أن يكون كل من الحرف ونظيره في الترتيب متحركا. وأن الساكن يقابله في الترتيب ساكن مثله -كما سبق- عند الكلام على: "فعالل" وشبهه3؛ فيقال في أعين أعاين -وفي أصلحة أسالح- وفي أقوال أقاويل: تشبيها بأسود وأساود، وأجردة4 وأجارد -وإعصار وأعاصير. وقالوا في مصران5 وغربان: مصارين وغرابين، تشبيها لها

_ 1 راجع فيما يأتي: شرح الأشموني، آخر باب جمع التكسير، برغم مخالفة الصبان. 2 هذا إلى أن المراجع اللغوية تضم من جمع الجمع بنوعيه عشرات مبعثرة. نقل بعضها صاحب الهمع. والذي نقله "في الجزء الثاني ص183" يزيد على العشرين، وهي تكفي للقياس عليها "بالرغم من أنه يخالف في هذا" لأنها وردت مجموعة في غير الضرورة الشعرية، منها: أيد، وأياد، أسماء وأسام، أنعام وأناعيم، أقوال وأقاويل، أعراب وأعاريب، مصران ومصارين، جمال وجماميل، بيوت وبيوتات، أعطية وأعطيات، صواحب وصواحبات، دور دورات، طرق وطرقات ... و.. ثم عرض بعد ذلك لما جاء في الضرورة وساق أمثلة منه. وللمجمع اللغوي بالقاهرة قرار في هذا؛ نصه: كما جاء في ص53 من مجموعة قراراته من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين تحت عنوان: قياسية جمع الجمع "جمع الجمع مقيس عند الحاجة". ا. هـ. وأعيد هذا القرار نصا بعد دراسة وافية للحاجة الداعية إلى جمع جموع التكسير بنوعيها؛ ما كان منها للقلة أو للكثرة في ص243 من محاضر جلسات الدورة العاشرة. 3 في رقم 23 من ص664. وفي رقم 4 من هامش ص671. 4 قال الصبان: لم أقف على ما يدل على أن: "أجردة مفرد، وإنما الظاهر أنه جمع جراد أو جريد" هذا كلامه. ومقتضاه أن: "جردة" التي هي جمع تكسير عنده هي في الوقت نفسه عند غيره مفرد جمعوه على: "الأجارد" للتكسير. 5 مفرده: مصير.

بسلاطين وسراحين1. ولا يجمع جمع تكسير ما كان من الجموع على رنة: مفاعل، أو مفاعيل: أو فعلة "بفتحات"، أو فعلة. "بضم ففتح"، والمراد بالزنة هنا: المماثلة والمشاكلة على الوجه السالف. والسبب في عدم جمعهما للتكسير عدم وجود نظير لها في الآحاد "أي: المفردات" لتحمل عليه عند جمعها. ولكن قد تجمع جمع تصحيح للمذكر أو للمؤنث على حسب المعنى؛ كقولهم: نواكس2 ونواكسون، وأيامن3 وأيامنون، وصواحب وصواحبات، وحدائد وحدائدات4.. هذا، وجمع الجمع لا يطلق -اصطلاحا- على أقل من عشرة5، كما أن جمع المفرد لا يطلق اصطلاحا على أقل من ثلاثة، إلا مجازا. 4- تثنية أنواع المراكب، وجمعها جمع تكسير: سبق في الجزء الأول6 -عند الكلام على المثنى وجمعي التصحيح- تعريف أنواع المركب، وطريقة تثنيتها وجمعها جمع مذكر سالما، أو مؤنث سالما. وفي تذكرها، وتذكر تلك الطرائق ما يعين على تفهم أفضل الطريق لجمعها تكسيرا. وفيما يلي التلخيص: أ- المركب الإضافي إن كان صدره كلمة غير: "ذي، وابن، وأخ". وأريد تثنية أو جمعه تصحيحا أو تكسيرا وجب الاقتصار على تثنية صدره

_ 1 مفرده: سرحان "من معانيه: الذئب". 2 مفرده: ناكس، بمعنى مطأطئ الرأس. 3 مفرده: أيمن، بمعنى: مبارك. 4 مفرده: حدائد. الذي مفرده: حديد، للمعدن المعروف. 5 قال الصبان في آخر هذا الباب، ناقلا عن شرح الشافية ما نصه: "أعلم أن جمع الجمع لا يطلق على أقل من تسعة، كما أن جمع المفرد لا يطلق على أقل من ثلاثة، إلا مجازا". ا. هـ. لكن يفهم من هذا أن جمع الجمع لا يطلق على عشرة. وهذا غير مقبول بعد التحقيق الذي قام به الصبان نفسه ونقلناه عنه في هامش ص127 أول الباب منتهيا منه إلى أن جمع القلة -ينطلق على "3 و10" وما بنيهما. 6 المسائل: "9، 10، 11، 12".

المضاف وجمعه، دون عجزه المضاف إليه؛ فإن عجزه لا يثنى ولا يجمع، ولا يتغير مطلقا. ففي مثل: ناصر الدين "علم رجل"، وناصرة الدين "علم فتاة" يقال في التثنية رفعا: فاز ناصرا الدين، و: ناصرتا الدين. ويقال في جمعهما تصحيحا: فاز ناصرو الدين، وناصرات الدين. وفي جمعهما تكسيرا: فاز نصر الدين فيهما ... ويقال في حالة النصب: أكبرت ناصري الدين، أو: ناصرتي الدين، أو ناصري الدين، أو: ناصرات الدين، أو: نصر الدين ومثل هذا يقال في حالة الجر. فالمضاف هو الذي يثنى ويجمع الجموع الثلاثة ويتغير آخره بحسب العوامل، أم المضاف إليه فيلزم حالة واحدة؛ هي الجر بالإضافة دائما، ولا يجمع إن كان مفردا إلا في حالة واحدة؛ هي التي تتعد فيها أفراده، كما تعدد أفراد المضاف، ففي هذه الحالة التي تتعدد فيها أفرادهما يجمعان، مثل: حارس القائد؛ علم على مصري، وحارس القائد، علم على سوري، وحارس القائد، علم على عراقي ... فالواجب أن يجمع كل من المضاف والمضاف إليه جمع مذكر، أو جمع تكسير: فيقال: حارسو القائدين، أو حراس القواد1 ... وإن كان صدر المركب الإضافي هو: "ذو، أو: ابن، أو: أخ" من أجناس ما لا يعقل "ومنه: ذو القعدة، وذو الحجة وابن عرس2، وابن لبون3 وابن آوى4 وأخو الصحراء "الحيوان خاص بها"، وأخو الجحر "للثعبان" -فإن صدره هو الذي يثنى كتثنية المفردات الصحيحة، ولكنه لا يجمع جمع تكسير5 ولا جمع مذكر، بل يقتصر على جمعه جمع مؤنث سالم، فيقال: ذوات القعدة، ذوات الحجة، بنات عرس6، بنات لبن، بنات

_ 1 ويظهر لي أن هذا الحكم ينطبق على حالة التعدد في التثنية أيضا، وإن كنت لا أعرف فيها نصا. 2 حيوان صغير يشبه الفأر. ويطلق على المذكر والمؤنث. 3 ابن الناقة إذا دخل في عامة الثالث. والأنثى: بنت لبون. 4 حيوان صغير أغبر اللون، قريب الحجم من القط. 5 انظر رقم 2 من الهامش الآتي. 6 جمع للذكور والإناث من ذلك الحيوان.

آوى، أخوات الصحراء، أخوات الجحر1 ... ولا فرق في هذا بين اسم الجنس الذي ليس بعلم كابن لبون، وعلم الجنس كابن آوى؛ بشرط أن يكون كل منهما لغير العاقل -كما سلف- والأول يصح أن تدخل فيه: "أل" على المضاف إليه. بخلاف الثاني ... ب- المركب الإسنادي؛ "وهو ما أصله جملة اسمية أو فعلية؛ مثل: الخير نازل -نصر الله. وكلاهما اسم رجل، ومثل: الجمال باهر، وزاد الجمال، وكلاهما اسم امرأة ... "، وهذا المركب لا يجمع جمع تكسير2، وإنما يصح جمعه -بطريقة غير مباشرة- جمع مذكر سالما أو جمع مؤنث سالما. والمقصود بالطريقة غير المباشرة أن يزاد قبله كلمة معينة إذا جمعت أغنت عن جمعه؛ فهي الوسيلة لجمعه؛ لأنه لا يجمع بطريقة مباشرة، ولا بوسيلة أخرى. هذه الكلمة هي: "ذو" للمذكر و"ذات" للمؤنث. وجمع "ذو" هو: "ذوو" رفعا و"ذوي" نصبا وجرا، كما أن جمع: "ذات"، هو: "ذوات" في كل الأحوال؛ فيقال في الأمثلة السالفة عند جمعها: أقبل ذوو الخير نازل، أقبل ذوو نصر الله، أقبلت ذوات الجمال باهر، أقبلت ذوات زاد الجمال، قابلت ذوي الخير نازل، قابلت ذوي نصر الله، قابلت ذوات الجمال باهر، قابلت ذوات زاد الجمال ... وهكذا. وكلمة: "ذوو" تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وتعرب "ذوات" إعراب جمع المؤنث السالم. وكلتا الكلمتين لا بد أن تكون مضافة هنا، والركب الإسنادي هو المضاف إليه، ويجر بكسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها حركة الحكاية؛ لأن حركات الجملة الإسنادية المحكية ثابتة في جميع استعمالاتها، وضبط حروفها لا يتغير مطلقا بعد النقل، فيبقى لكل كلمة وكل حرف ضبطه السابق على الحكاية، وتصير الجملة في حالتها الجديدة محكية، بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، لا يدخلهما تغيير في ضبط الحروف، وبالرغم من إعراب هذين الجزأين معا هنا:

_ 1 انظر الأشموني في آخر باب جمع التكسير، المسألة الرابعة من "الخاتمة" التي تتضمن مسائل. 2 هناك رأي يبيح جمعه تكسيرا بطريقة غير مباشرة هي أن تسبقه كلمة: "أذواء" التي مفردها: "ذو" ويجري هذا أيضا على مثل: ذي القعدة، وذي الحجة.

"مضافا إليه" مجرورا، فهو مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية -كما سبق. ولا يثنى المركب الإسنادي بطريقة مباشرة، وإنما يثنى بالطريقة السالفة فتجيء كلمة: "ذو" للمذكر، وذات، أو "ذوات" للمؤنث، وتثنية الأولى هي: "ذوو، وذوى ... " وتثنية الأخرى هي: "ذاتا وذاتي ... ، أو ذواتا وذواتي" ثم يجيء المركب الإسنادي المراد تثنيته مسبوقا بالكلمة المناسبة له مما سبق بعد ثنيتها، دون أن يلحقه تغيير مطلقا فيبقى على حاله في التثنية "مضافا إليه" لا يتغير كما كان شأنه عند الجمع. فقال: أقبل "ذوا" الخير نازل ... وأقبلت "ذات، أو: ذواتا" الخبر نازل ... وهكذا ... كما سبق في الجمع تماما، ولكن مع تثنية الكلمة المساعدة، وهي: "ذو"، أو: ذات وذوات" ... ج- المركب المزجي: لا يجمع جمع تكسير مطلقا. ولا يثنى، ولا يجمع جمع تصحيح بالطريقة المباشرة، وإنما يراعي في تثنيته وجمعه تصحيحا الطريقة غير المباشرة التي روعيت في المركب الإسنادي1. وهناك رأي آخر يبيح جمع المركب المزجي جمع تصحيح بطريقة مباشرة كما تجمع الأسماء غير المركبة. وفي هذا الرأي -على قلته- تيسير وتخفيف؛ بإخضاع هذا النوع للقاعدة العامة. د- المركب التقييدي "وهو المكون من صفة مع موصوفها؛ مثل: المخترع الذكي، أو من غيرهما مما لا يدخل في المركبات السالفة"، لا يجمع جمع تكسير، وإنما يتوصل -في الأحسن- إلى جمعه جمع تصحيح بالطريقة غير المباشرة التي شرحناها. 5- الفرق بين جمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي. أ- لا بد في جمع التكسير الأصلي أن يدل على أكثر من اثنين، وأن

_ 1 وتشمل الرأي السابق -في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة- الذي يبيح جمعه تكسيرا بطريقة غير مباشرة، وهي تقديم كلمة: أذواء "جمع: ذو".

يكون على وزن صيغة من الصيغ الخاصة به -وقد عرفناها- وأن يكون له مفرد حقيقي لا خيالي1، وأن تتغير صيغة هذا المفرد عند جمعه للتكسير تغيرا حتميا على الوجه الذي شرحناه2. وأن يشترك مع جمعه في الحروف الأصلية -إلا إذ اقتضى الجمع حذف شيء منها- دون الاشتراك في هيئتها، "أي: ضبطها"، وإذا عطف على هذا المفرد نظيران له -أو أكثر- بحيث تتشابه وتتماثل المفردات تماما في اللفظ وهيئته، وفي المعنى أيضا كان معنى المعطوفات كلها هو معنى ذلك الجمع ... ومن الأمثلة لجمع التكسير: رجال. فهذه الصيغة تدل على أكثر من اثنين، وتختص بالتكسير ولها مفرد حقيقي هو: رجل. وقد تغير بناء المفرد عند جمعه. والحروف الأصلية ثلاثة مشتركة بين المفرد وجمعه، مع اختلافها في الضبط، وإذا عطف على هذا المفرد مثلان له أو أكثر؛ "فقيل رجل ورجل ورجل ... و...."، كان معنى المعطوفات المجتمعة هو معنى التكسير: رجال. وهناك جمع تكسير ليس بالأصيل، ولكنه يلحق بجموع التكسير الأصيلة اعتبارا. ويجري عليه أحكامها، وهذا النوع هو ما كان على صيغة من الصيغ الخاصة بالتكسير، أو الغالبة فيه، ولكن ليس له مفرد. فمن أمثلة الموضوع على صيغة خاصة بالتكسير، أو الغالبة فيه، ولكن ليس له مفرد. فمن أمثلة الموضوع صيغ خاصة بالتكسير وليس له مفرد: شماطيط3 وعباديد4 وعبابيد ... ومن أمثلة الموضوع على صيغة غالبة في التكسير وليس له مفرد: "أعراب"5 فإن صيغة "أفعال شائعة في الجموع، نادرة في الفردات غاية الندارة، إذ لا تعرف إلا في بضع كلمات معدودة، منها قدر أعشار6، وثوب أخلاق7 ... فتلك الصيغ

_ 1 سيجيء هنا الكلام على ما له مفرد مقدر، أو: خيالي. 2 وبسبب هذا التغير يرى بعض النحاة أن كلمة "بنات" جمع تكسير، وليست جمع مؤنث سالما -وقد تقدم هذا في رقم 1 من هامش ص613. وكذا في الجزء الأول. 3 ثوب شماطيط: قديم ممزق. 4 خيل عبابيد أو عباديد: متفرقة في الجهات المختلفة. 5 وليس مفردها: "عرب" في رأي كثير من اللغويين؛ لأن "العرب" تطلق على سكان الحواضر والصحارى. أما "الأعراب" فالغالب -عنده- اختصاصها بالبدو. 6 مكسرة: وقيل: إن كلمة "أعشار" ليست مفردا، وإنما هي جمع وقع نعتا للمفرد، شذوذا، أو على ملاحظة أجزاء المنعوت. والمفرد: عشر ... والنتيجة واحدة. هي المخالفة للشائع. 7 متمزق قديم. وقيل في أخلاق: إنه ليس مفردا، ولكنه جمع خلق. وقد وصف المفرد بالجمع شذوذا، أو على ملاحظة أجزاء المعوت ... والأمر فيه كسابقة في رقم 6.

الموضوعة على وزن يخص جمع التكسير أو يغلب فيه، تدخل في جمع التكسير، بالرغم من عدم وجود مفرد حقيقي لها. وفي هذه الحالة يفترض النحاة لها وجود مفرد، مقدر، "خيالي"، أي: غير حقيقي، لتكون بهذا المفرد الملحوظ داخلة -اعتبارا- في جموع التكسير الأصيلة. والحق أنه لا داعي لشيء من هذا الافتراض والتخيل ما دام الواقع يخالفه، وما دامت أحكام التكسير المختلفة ستجري على تلك الصيغ. ب- اسم الجمع ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه. فيدخل في اسم الجمع ما له مفرد من معناه فقط، مثل: إبل، وقوم، وجماعة؛ فلهذه الكلمات وأشباهها مفرد من معناها فقط؛ فمفرد إبل هو: جمل أو ناقة، ومفرد قوم وجماعة هو: رجل أو امرأة ... وليس لها مفرد من لفظها ومعناها معا برغم دلالتها على أكثر من اثنين1 ... ويدخل في اسم الجمع أيضا ما يدل بصغته على الواحد والأكثر من غير أن تتغير تلك الصيغة، نحو: "فلك"، للسفينة الواحدة والأكثر. وكذلك يدخل في اسم الجمع ماله مفرد من لفظه، ولكن إذا عطف على هذا المفرد مماثلان أو أكثر كان معنى المعطوفات مخالفا لمعنى اللفظ الدال على الكثرة، نحو: قريش، فإن مفرده قرشي. فإذا قيل قرشي، وقرشي، وقرشي ... كان معنى هذه المعطوفات، هو: جماعة منسوبة إلى قبيلة "قريش"، وهو معنى يختلف اختلافا واسعا عن معنى "قبيلة قريش"، فليس مدلول قبيلة قريش مساويا مدلول: جماعة منسوبة إلى قريش. ويدخل في اسم الجمع أيضا ما نصيغه من لفظها ومعناها ولكنها ليست على أوزان جموع التكسير المعروفة فيما سبق؛ كراكب وركب، وصاحب

_ 1 لاسم الجمع من ناحية التذكير والتأنيث حكم هام، سبق في: "ج" ص598. ويتصل هذا الحكم اتصالا وثيقا بما سبق في الجزء الثاني م66 حيث الكلام على أحكام الفاعل، ومنها: الحكم السادس الخاص بتأنيث عامله -وغيره- إذا كان الفاعل اسم جمع، أو اسم جنس ...

وصحب. فقد قيل: إن صيغة "فعل" ليست من صيغ التكسير عند فريق من النحاة. أما عند غيره فيعدها من صيغ التكسير. بالرغم من هذا فإن مثل راكب وركب، وصاحب وصحب ... أسماء جموع وليست جموع تكسير، لسبب آخر؛ هو: أن كل صيغة تدل على معنى الجمع مع جواز أن تتساوى هي والواحد في الخبر، وفي النعت إذا احتاجت إلى خبر أو نعت ليست جمعا، وإنما هي: اسم جمع: كركب وصحب، حيث تقول: الركب مسافر، وهذا ركب مسافر. كما تقول: الراكب مسافر، وهذا راكب مسافر. ومثل: الصحب قادم، وهذا صحب قادم؛ كما تقول: الصاحب قادم وهذا صاحب قادم ... ج- اسم الجنس الجمعي هو: ما له مفرد يشاركه في لفظه ومعناه معا، ولكن يمتاز المفرد بزيادة تاء التأنيث في آخره أو ياء النسب، "أو: هو ما يفرق بينه وبين واحدة بتاء التأنيث أو ياء النسب"، نحو: تمر، ومفرده: تمرة، وشجر، ومفرده: شجرة، وثمر، ومفرده: ثمرة، وعرب ومفرده عربي، وترك ومفرده تركي، وحبش، ومفرده حبشي ... ومن القليل أن تكون هذه التاء في اسم الجنس الجمعي لا في مفرده، نحو: كمأة1 المفرد: كمء. ويدل اسم الجنس الجمعي على ما يدل عليه جمع التكسير من الدلالة العددية2. ومن النحاة من يجعل اسم الجنس الجمعي جمع تكسير، لا قسما مستقلا بنفسه. وقد سبق بيان هذا3 مع توضيح المراد من الجنس وأنواعه المتعددة. 6- جمع التكسير -كالتصغير، وغيره- يرد الأشياء إلى أصولها، ولهذا يقال في جمع دينار: دنانير، لأن المفرد: دنار؛ قلبت النون الأولى ياء في المفرد، للتخفيف. وعند جمعه جمع تكسير ظهرت النون ورجعت إلى مكانها. 7- صيغة منتهى الجموع هي: كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان

_ 1 اسم نبات. 2 بسبب هذه الدلالة العددية يطلق عليه في اللغة -لا في النحو- أنه جمع "راجع الصبان، باب: جمع التكسير، عند بيت ابن مالك: "من غير ما مضى ومن خماسي...." حيث الكلام على مفرد. فرزدق. 3 في الجزء الأول م1.

أو ثلاثة بشرط أن يكون أوسط الثلاثة ساكنا؛ نحو: مصانع، مغانم، معابد، قناديل، مصابيح، مناشير.... وقد سبق تفصيل الكلام عليها في باب الاسم الذي لا ينصرف1. 8- لا يصح2 جمع الاسم المصغر جمع تكسير للكثرة؛ لأنها تناقض ما يدل عليه التصيغر من القلة، وأيضا لعدم وجود صيغة للكثرة تناسبه. ولو جمع بغير تصغير لكان جمع التكسير خاليا من علامة تدل على أن مفرده مصغر، فيؤدي هذا إلى اللبس. ومن ثم وجب في كل جمع تكسير للكثرة أن يكون خاليا من ياء التصغير؛ إذ لا يصح تصغيره وهو جمع كثرة؛ ولا يصح في مفرده المشتمل عليها أن يجمع جمع كثرة. أما جمع القلة فيجوز تصغيره لعدم المانع، فيقال في أصحاب وأجمال: أصيحاب، وأجيمال، وهكذا ...

_ 1 ص208. 2 راجع الهمع والتصريح في باب: التصغير -ولهذا إشارة في رقم 3 من ص688 وفي رقم 7 من ص709.

المسألة 175: التصغير

المسألة 175: التصغير 1 تعريفه: تغيير يطرأ على بنية الاسم وهيئته؛ فيجعله على وزن "فعيل". أو: فعيعل"، أو "فعيعيل" بالطريقة الخاصة المؤدية إلى هذا التغيير؛ فيقال في بدر: بدير، وفي درهم: دريهم، وفي قنديل: قنيديل ... وهكذا ... وتسمى الأوزان الثلاثة: "صيغ التصغير". لأنها مختصة به، وليست جارية على نظام الميزان الصرفي العام2. الغرض منه: تحقيق أحد الأمور الآتية بأوجز الرموز اللفظية: 1- التحقير؛ نحو: جبيل، عويلم، بطيحل. في تصغير: جبل، وعالم، وبطل. 2- تقليل جسم الشيء وذاته3؛ نحو: وليد، طفيل، كليب. 3 تقليل الكمية والعدد؛ كدريهمات، ووريقات في مثل: اشتريت كتابا بدريهمات، يضم وريقات نافعة. 4- تقريب الزمان: كقبيل وبعيد، مثل: يستيقظ الزارع قبيل الفجر، وينام بعيد العشاء. أي: قبل وقت الفجر، وبعد وقت العشاء بزمن

_ 1 يرد ذكره أحيانا في الكتب القديمة باسم: "التحقير" وقد تكرر هذا في كتاب سيبويه "ج2 ص105" والتعبير عنه بالتصغير أنسب؛ لأن هذا الغرض هو الغالب فيه، بخلاف التحقير. وغير المصغر يسمى: "المكبر". 2 يوضح هذا أن تصغير مثل: أحمد، ومكرم، وسفرجل ... ، هو: أحيمد، مكيرم، وسفيرج، أو سفيريج، والثلاثة الأولى على وزن: فعيعل، والرابع على وزان، فعيعيل، مع أن ميزانها التصريفي، هو: أفيعل، ومفيعل، وفعيلل أو: فعيليل. فللتصغير أوزانه الاصطلاحية الثلاثية التي تختص بهما، ويجري عليها، وقد يختلف كثيرا -ولا سيما في الأسماء غير الثلاثية- عن الأوزان الخاصة بالميزان الصرفي العام. 3 يشمل ما له ذات محسوسة كالأمثلة المذكورة، وما له ذات غير محسوسة؛ مثل: عليم، كريم، في تصغير: علم وكرم.

قريب منهما1. 5- تقريب المكان1: مثل؛ فويق، وتحيت، في قول القائل: بيني وبين النهر فويق الميل، وتحيت الفرسخ2. وقد يكون المكان معنويا، يراد منه المنزلة والدرجة، نحو: فضل الوالدين فويق فضل الأولاد، وتحيت فضل الأجداد. 6- التحبب وإظهار الود؛ نحو: يا صديقي، يا بنيتي. 7- الترحم، "أي: إظهار الرحمة والشفقة"، نحو: هذا البائس مسيكين ... 8- التعظيم: كقول أعرابي: رأيت مليكا نهاية الملوك، وسييفا من سيوف الله تتحطم دونه السيوف3 ... 9- الاختصار اللفظي مع إفادة الوصف، كالذي في مثل: "نهير" بمعنى: نهر صغير4 ... ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل. ومن الممكن أيضا أداء كل غرض منها بأسلوب -أو أكثر- يخلو من التصغير، ولكنه سيخلو كذلك مما يمتاز به التصغير من الاختصار، والقوة، والتركيز4.

_ 1 و1 مثل هذا التصغير يسمى: "تصغير التقريب"؛ فقد جاء في "المصباح المنير" -مادة: "بعد"- ما نصه: "بعد: ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره. وهو زمان متراخ عن السابق؛ فإن قرب منه قيل: بعيده، بالتصغير، كما يقال: قبل العصر، فإذا قرب قيل: "قبيل العصر" بالتصغير، أي: قريبا منه، ويسمى: "تصغير التقريب". ا. هـ. ولا مانع من شموله لتقريب المكان أيضا. 2 ثلاثة أميال. 3 ومن تصغير التعظيم قول الشاعر القديم: وكل أناس سوف ندخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل وقول الآخر: فويق جبيل شاهق الرأس لم تكن ... لتبلغه حتى تكل وتعملا 4 و4 ولهذا يقال عن التصغير إنه بصيغته -وحدها- يدل على ما تدل عليه الصفة والموصوف المعين معا.

شروط الأسماء التي يدخلها التصغير: التصغير خاص بالأسماء وحدها؛ فلا تصغر الأفعال1. ولا الحروف. ويشترط في الاسم الذي يراد تصغيره: 1- أن يكون معربا، فلا تصغر -قياسا- الأسماء المبنية؛ كالضمائر، وكأسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، و"كم" الخبرية ... وغيرها من المبنيات -إلا ما ورد مسموعا منها مصغرا؛ فيقتصر على الوارد منه. وأشهر هذا المسموع ما يأتي: أ- المركب المزجي -علما أو عددا- عند من يبنيه في كل الحالات الإعرابية المختلفة؛ فيقال في تصعير نفطويه: نفيطويه، وفي أحد عشر: أحيد عشر2، أما عند من يعرب المركب المزجي إعراب الممنوع من الصرف فتصغيره قياسي؛ لأنه تصغير لاسم معرب "أي: متمكن"2. ب- ذا، وتا، وأولى، أو: أولاء "مقصورة وممدودة3 والثلاثة أسماء إشارة. والضبط المسموع الشائع فيها عند التصغير هو: ذيا، وتيا: "بفتح أولهما، وقلب ثانيهما -وهو الألف- ياء تدغم في ياء التصغير، وزيادة ألف جديدة بعد الياء المشددة". وأوليا "باقصر، مع تشديد الياء ومدها، دون الهمزة" أو: أو ليا "بالهمزة الممدودة بعد ياء التصغير، دون الأولى"، مع ضم أول الاسمين بغير مد، أو: أولياء. وكل هذه الصيغ لم تجر في تصغيرها على مقتضى الضوابط المرعية، وإنما نطق بها العرب هكذا. ومن المسموع تصغير: ذان وتان، وهما معربان -في الصحيح؛ فتصغيرها قياسي. إلا أن العرب غيرت فيهما تغييرات لا يقتضيه التصغير، كفتح أولهما، وتشديد الياء؛ فقالوا: ذيان، تبان ... ومن هنا كان الشذوذ.

_ 1 إلا "أفعل" المستعمل في التعجب -سيجئ البيان عنه في الصفحة التالية. 2 و2 إذا صغر المركب المزجي فالتغير يطرأ على صدره دون عجزه، ويبقى الحرف الذي في آخر صدره على حاله من الحركة أو السكون، كما كان قبل تصغيره. 3 وفي الحالتين يزاد بعد الهمزة الأولى واو في الخط، ولا يصح معها مد الهمزة عند النطق، وقد زادها القدماء في الكتابة للتفرقة بين: "أولى" اسم الإشارة، و"الألى"، اسم موصول.

ج- الذي، والتي، والذين "والثلاثة من أسماء الموصول"، ومن المسموع فيها عند التصغير: اللذيا، واللتيا، بفتح أولهما، أو ضمة واللذين "بضم اللام المشددة، وإدغام ياء التصغير في ياء الكلمة، وكسرها بعد التشديد"، واللتيات. أما اللذان واللتان فمعربان -في الصحيح؛ فتصغيرهما قياسي. إلا أن العرب فتحت أولهما عند التصغير؛ فقالوا: اللذيان واللتيان. ومن هنا كان الشذوذ. وفي أكثر الصيغ المصغرة السالفة لغات أخرى، وضبوط متعددة، اكتفينا ببعضها. د- المنادى المبني، نحو: يا حسين، في تصغير المنادى: حسن1 ... "ملاحظة": لا يعرف عن العرب تصغير شيء من الأفعال إلا صيغة، "أفعل" في التعجب، في مثل: ما أحسن الرجوع إلى الحق ... ؛ فيقال في التصغير: ما أحيسن الرجوع إلى الحق. وفي قياس هذا النوع من التصغير خلاف كبير. والرأي الشائع أنه غير قياسي، شأنه في ذلك شأن جميع الأفعال الأخرى. ولكن سيبويه وبعض من البصريين وغيرهم يرون قياسيته، وهذا رأي فيه تيسير2.

_ 1 "حسن" أحد الأعلام المعربة أصالة قبل ندائه. فإذا نودي صار مبنيا على الضم. وإلى بعض هذه الأمور السماعية يقول ابن مالك في آخر باب التصغير: وصغروا شذوذا: "الذي"، "التي" ... و"ذا" -مع الفروع منها- "تا" "وتي"-22 2 نص على عدم قياسيته صاحب التصريح في أول باب: "التصغير" ثم تناقض فأباحه مطلقا عند كلامه بعد ذلك فيما لا يصغر. ويقول سيبويه في كتابه "ج2 ص135" سألت الخليل عن قول العرب: "ما أميلحه" تصغير: أملح فقال: لم يكن ينبغي أن يكون في القياس؛ لأن الفعل لا يحقر أم لا تصغر، وإنما تحقر الأسماء.. و ... وليس شيء من الفعل ولا شيء مما سمي به الفعل يحقر إلا هذا، وما أشبهه من قولك: ما أفعله ... ". ا. هـ. فجعل تصغيره قياسيا. هذا ولا يعرف أن المسموع المصغر من صيغة "أفعل" للتعجب أكثر من كلمتين وردتا عن العرب؛ هما: "أميلح أو حيسن" فأباح سيبويه القياس عليهما. وقد حدد عددهما وصرح بلفظهما: "الجوهري". ونقلهما عنه -مصرحا فوق ذلك بأن النحاة أباحوا القياس عليهما- صاحب "المغني" في الجزء الثاني، عند الكلام على الأمر الثالث، وهو آخر الصور الخاصة بالقاعدة من قواعد الباب الثامن. وكذلك صاحب "خزانة الأدب"، ج1 ص47. "راجع ما يختص بحكم هذا القياس وأمثاله في كتابنا: اللغة والنحو، بين القديم والحديث، ص89".

2- ألا يكون مصغر1 اللفظ؛ مثل: كميت، ودريد، وسويد "أعلام شعراء". وكعيت "اسم البلبل". 3- أن يكون يكون معناه قابلا التصغير؛ فلا تصغر الأسماء التي يلازمها التعظيم كأسماء الله، والأنبياء، والملائكة. ونحوها ... ، ولا لفظ: كل2 أو بعض3 ولا أسماء الشهور4؛ كصفر، ورمضان، ولا أيام الأسبوع، كالسبت، والخميس، ولا الألفاظ المحكية5، ولا كلمة: غير، وسوى6، ولا البارحة7، ولا غد8، ولا الأسماء المختصة بالنفي؛ مثل: عريب9، وديار. ولا المشتقات التي تعمل

_ 1 إن كان الاسم غير مصغر حقيقة ولكن مادته وتكوينه الاشتقاقي جعله على وزن صيغة خاصة بالتصغير، جاز تصغيره: نحو مهيمن، اسم فاعل، فعله: "هيمن" "بمعنى: راقب الشيء وسيطر عليه"، ونحو: مسيطر، ومبيطر ... وهما اسما فاعل، فعلهما: سيط وبيطر ... فمثل هذه الأسماء تصغر بحذف الياء الزائدة، ويحل محلها ياء جديدة للتصغير؛ فيبقى اللفظ في صورته الجديدة كما كان من قبل بهيئته السابقة. لكن بين الصورتين فرق بالرغم من اتفافهما التام في الصورة، وهذا الفرق هو أن الاسم المكبر منهما حقيقة؛ تحذف ياؤه الزائدة عند جمعه "تكسيرا" للكثرة، فيقال: مهامن، ومساطر، ومباطر؛ بحذف الياء الزائدة. أما الاسم المصغر فلا يجمع -في الرأي الشائع، كما في الصفحة الآتية، جمع تكسير للكثرة، وإنما يجمع جمع تصحيح؛ فيقال: مهيمنون، مسيطرون، وبيطرون؛ لأنه لو جمع تكسيرا للكثرة وهو مصغر لوقع التناقض بين الدلالة على الكثرة والدلالة على التصغير، ولوجب حذف ياء التصغير عند الجمع؛ ليصير على وزن من أوزان الكثرة؛ كالشأن في كل خماسي ثالثه حرف زائد، ولو حذفت ياء التصغير لالتبس الجمع المصغر بغير المصغر بغير المصغر. ولهذا منعوا أيضا تكسير للقلة فيجوز، "كما سيأتي في الصفحة التالية، وفي رقم 7 ص709". 2 لدلالته على العموم والشمول؛ وهي دلالة تناقض التصغير. 3 لأنه يدل بنفسه على التقليل، فليس محتاجا إلى التصغير الذي يفيد التقليل. 4 لأن اسم الشهر واسم اليوم يدل على مدة زمنية محددة، لا تقبل الزيادة ولا التقليل. 5 لأن الحكاية تقتضي ترديد اللفظ بحالته من غير تغيير يطرأ عليه، والتصغير ينافي هذا؛ إذ يوجب التغيير. 6 لأن "غير"، و"سوى" اتي بمعناها تقتضي المغايرة والمخالفة التامة، التي تدل على أن شيئا ليس هو شيئا آخر؛ والمغايرة بهذا المعنى لا صلة لها بالتقليل ولا التكثير. 7 لأنها تدل على الليلة التي قبل يومك الحاضر. وهذه الدلالة لا تحتمل القلة ولا الكثرة. 8 لأنه يدل على يوم مقبل، فلا يحتمل القلة ولا الكثرة. 9 ما في البيت عريب أو ديار، أي: ما فيه أحد.

عمل فعلها بالشروط والتفصيلات التي سبقت عند الكلام عليها1، ومن تلك الشروط عدم تصغيرها2، إلا كلمة: رويدا3، ولا يصغر جمع تكسير للكثرة. ولا المركب الإسنادي؛ لأن صيغ التصغير الثلاث لا تنطبق -في الأغلب- على هذين، إلا بعد حذف بعض حروفهما، وهذا الحذف يؤدي إلى اللبس، وخفاء أصلهما4؛ هذا إلى أن الغرض من جمع الكثرة يعارض التقليل الذي يدل عليه التصغير، غالبا. فإذا أريد تصغير جمع للكثرة صغر مفرده، ثم جمع جمع مذكر سالما، أو مؤنث سالما على حسب المعنى. أما جملة القلة فيصح تصغيرها فيقال في أجمال: "أجيمال"، وفي أنهر: أنيهر، وفي فتية: فتية، وفي أعمدة: أعيمدة. وكذلك يصح تصغير اسم الجمع؛ نحو: ركب وركيب، ورهط ورهيط.. نوعاه: التصغير نوعان: أصلي، وتصغير ترخيم5. ولكل منهما طريقة خاصة به. النوع الأول: التصغير الأصلي طريقته. الاسم المراد تصغيره أصالة قد يكون ثلاثيا، أو ثنائيا منقولا عن أصل ثنائي، أو رباعيا، أو أكثر من ذلك. أ- فإن كان ثلاثيا6، مثل: سعد، وحسن.. وجب اتباع ما يأتي:

_ 1 في أول الجزء الثالث الأبواب الخاصة بالمشتقات، وتفصيل الكلام عليها. 2 ويقولون في سبب هذا: إن التصغير يقربها من الأسماء، ويبعدها من الأفعال التي تعمل عملها؛ لقربها منها. والعلة الصحيحة هي عدم تصغير العرب للأسماء العاملة. 3 تفصيل الكلام عليها في ص149. 4 هذه علة نحوية قد يسهل رفضها في بعض جموع التكسير -مثل: فعل- فإنه عند تصغيره تنطبق عليه إحدى الصيغ الثلاث. ولم أجد فيما لدى من المراجع ما يبيين موقف الوارد السماعي في ذلك. 5 سيجيء في ص710. 6 وهذا يشمل الثلاثي أصالة وعرضا؛ -طبقا لما سيجئ في ص692، ويدخل في حكم الثلاثي ما ختم بتاء زائدة للتأنيث، مسبوقة بأحرف ثلاثة أصلية؛ كما سيجيء.

1- ضم أوله، وفتح ثانيه -إن لم يكونا كذلك من قبل- وزيادة ياء ساكنة بعد الثاني مباشرة: تسمى: "ياء التصغير" وبعدها الحرف الثالث من أصول الاسم المصغر، مضبوطا على حسب الموقع الأعرابي. نحو: سعيد وحسين نبيلان، وإن سعيدا وحسينا نبيلان ... وبهذا التغيير الطارئ يصير الاسم على وزن: "فعيل" وينطبق عليه قولهم: "إن الثلاثي يصغر على "فعيل"، أو: إن صيغة "فعيل" هي المختصة بالاسم الثلاثي المصغر". فإن كان الاسم الثلاثي الأصول مضعفا؛ "نحو؛ قط، عم، در ... " وجب فك الإدغام، ثم تطبيق الحكم السالف. فليس من المصغر الثلاثي كلمة: "زميل1 ولا لغيزي2؛ لأن الحرف الثاني منهما ساكن مدغم في نظيره، باق على إدغامه، ولأن الياء الساكنة رابعة3 ... وإن كان الثلاثي الأصول قد يزيد على حروفه الثلاثة: "تاء التأنيث" مثل: شجرة، ثمرة ... ؛ فإنه يعتبر في حكم الثلاثي مع وجودها، فيخضع عند تصغيره لما يخضع له الثلاثي الخالي منها. 2- إن كان الثلاثي قد حذف منه بعض أصوله وبقي على حرفين4 وجب عند التصغير رد المحذوف؛ فيقال في: كل5، وبع6، ويد7 وأشباهها إذا صارت أعلاما: أكيل، وبييع، ويدي ... ويسري هذا الحكم على الثلاثي الذي حذف منه بعض أصوله؛ وعوض عنه تاه التأنث؛ فلا يمنع وجود هذه التاء من إرجاع المحذوف، فكأنها غير موجودة؛

_ 1 جبان ضعيف. 2 لغز. 3 وفيما سبق يقول ابن مالك في أول باب عنوانه: التصغير: فعيلا اجعل الثلاثي إذا ... صغرته: نحو: قذي: في قذا-1 القذى: الجسم الصغير -كالهباء- الذي يقع في العين فيؤلمها. وتصغيره: قذي؛ بإرجاع الألف إلى أصلها الياء، وإدغام ياء التصغير فيها؛ لأن التصغير -كالتكسير- يرد الأشياء إلى أصولها. 4 قد يكون أحدهما: "هاء السكت"، وذلك إذا حذف من الثلاثي حرفان وبقي واحد؛ فينضم إليه هاء السكت وجوبا، نحو: ره؛ وقيه؛ أمران: من رأى، ووقى. 5 محذوف الفاء. 6 محذوف العين. 7 محذوف اللام.

نحو: عدة وسنة علمين، وأصلهما: وعد، وسنو، أو سنة، فعند التصغير: يرجع للأول فاؤه المحذوفة، وللثاني لامه المحذوفة، فيقال: وعيد، وسنية أو سنيهة. وهذه التاء الموجودة بعد التصغير هي للتأنيث، وليست -كالسابقة- للتعويض لأن تاء العوض لا تبقى بعد رجوع المعوض. ومما حذف لامه الأصلية وعوض عنها تاء التأنيث: "بنت وأخت"؛ فيرد المحذوف منهما عند التصغير؛ فيقالك بنية1؛ أخيه، والأصل: بنيوة وأخيوة، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء2 ... فإن كان الاسم على ثلاثة أحرف بعد حذف بعض أصوله لم يرجع المحذوف؛ نحو: عاد وهويد، وداع ودويع. 3- وإن كان اسم ثنائي الأصل؛ "أنه منقول مما وضع في أصله3 على حرفين"، وأريد تصغيره فإن كان ثانيهما صحيحا -مثل: هل، وبل، ولم. أعلاما- وجب: إما تضعيف ثانيه عند التصغير بشرط أن يكون أحد المضعفين قبل ياء التصغير، والآخر بعدها؛ فتتوسط بينهما، وإما تضعيف بشرط أن يكون أحد المضعفين قبل ياء التصغير، والآخر بعدها؛ فتتوسط بينهما، وإما تضعيف ياء التصغير نفنسها، بزيادة ياء عليها؛ فيقال: "هليل، أو هلي" "بليل. أو: بلي" "لميم، أو لمي" ... ففي هذه الأمثلة زيدت ياء التصغير، وتلاها بعد زيادتها حرف التضعيف الذي يشبهها أو الذي يشبه ما قبلها مباشرة،

_ 1 هذه التاء التي في التصغير للتأنيث، وليست للعوض -ومثلها التي في: سنية، أو سنيهة؛ إذ ليس في الكلمة محذوف الآن تكون عوضا عنه. بخلافها قبل التصغير حيث كان الأصل هو: "بنو" -في الرأي الشائع- فالنوعان مختلفان؛ فليس في وجودها عند التصغير جمع بين العوض والمعوض عنه. ومثلها: "أخيه" وأصلهما قبل التصغير: "أخو". 2 وفد تصغير ما نقص منه بعض أصوله يقول ابن مالك: وكمل المنقوص في التصغير ما ... لم يحو غير التاء ثالثا؛ كـ"ما"-17 يريد بالمنقوص هنا: ما نقص منه بعض أصوله بسبب الحذف. ومثل له بكلمة "ما" وأصلها: ماء ولكن الهمزة حذفت لأجل الشعر. 3 الاسم الأصيل لا يكون موضوعا على حرفين في أول أمره؛ لكن يصح أن يكون منقولا ما وضع في أصله على حرفين ...

ويتحرك الحرف الذي يلي ياء التصغير بالحركة الإعرابية المناسبة للجملة؛ لأن الاسم في هذه الحالة يصير معربا. وإن كان ثانيهما معتلا وجب تضعيفه، وزيادة ياء التصغير بين حرفي التضعيف؛ فمثل: لو، كي، ما، أعلاما، يقال فيها بعد التضعيف، وقبل التصغير: لو، كي، ماء1 ... ويقال في تصغيرها: لوي2، كيي3، موي4، بتوسط ياء التصغير بين الحرفين المتماثلين. واسم في هذه الصورة معرب أيضا، تجري حركات الإعراب على حرفه التالي ياء التصغير. هذا، ويعتبر الاسم ثنائيا -يجري عليه ما يجري على الثنائي ما إرجاع المحذوف ومن غيره- إذا كانت حروفه ثلاثة أولها همزة وصل؛ نحو: ابن، واسم ... فتحذف همزة الوصل في تصغيره، ويرجع المحذوف؛ فيقال: بني، وسمي. 4- إن كان الثلاثي المصغر اسما دالا على المؤنث وحده -أي: ليس دالا على المذكر، ولا مشترك الدلالة بين المؤنث والمذكر- وجب عند أمن اللبس زيادة تاء في آخره؛ لتدل على تأنيثه، سواء أكان باقيا على ثلاثيته، نحو: دار، وأذن، وعين، وسن، ... أم كان بعض أصوله محذوفا؛ نحو: يد، وأصلها: "يدي"؛ حذفت لامها تخفيفا؛ فيقال في تصغير تلك الأسماء

_ 1 لأن تضعيف الألف سيؤدي إلى وجود ألفين يستحيل النطق بهما؛ فتقلب الثانية منهما همزة، كما يحصل في نوع آخر سبق بيانه "في ص603". هو ألف التأنيث الممدودة وقيل: إن الهمزة تجيء من أول الأمر من غير قلب. 2 أصلها؛ لويو، اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء "طبقا لقواعد الإعلال". 3 بثلاث ياءات الأولى الأصلية، والثانية، للتصغير، والثالثة الزائدة للتضعيف. 4 فالألف الأصلية -التي هي الحرف الثاني في كلمة: "ما"- انقلبت واوا؛ لأنها مجهولة الأصل؛ ومجهولة الأصل تقلب واوا -كما سيجيء في ص708- ثم وليتها ياء التصغير، وقلبت الألف الثانية المزيدة للتضعيف ياء لوقوعها بعد ياء التصغير، وأدغمت فيها. ولم تهمز؛ لزوال علة إبدالها همزة -كما قالوا- وهي وقوعها في الآخر بعد ألف زائدة. أما كلمة "ماء" وهو الذي يُشرب، فتصغيره: مويه؛ لأن ألفه مبدلة من واو؛ إذ أصله: موه؛ بدليل جمعه على أمواه، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فصار: ماء، ثم انقلبت الهاء همزة؛ سماعا على غير قياس؛ فصار: ماء. فعند تصغيره يرجع إلى كل حرف إلى أصله.

وأشباهها: دويرة، أذينة1، عيينة، سنينة، يدية. وسواء أكانت ثلاثيتها أصيلة "كهذه الأمثلة" أم طارئة2؛ مثل: "سمية" وستأتي: فإن أوقعت زيادة التاء في ليس وجب تركها؛ كما في تصغير: شجر وبقر؛ -عند من يقول بتأنيث اسم الجنس الجمعي- فلا يقال في تصغيرهما: شجيرة، ولا بقيرة؛ لأنه يلتبس بتصغير: "شجرة وبقرة" المكبرتين. وكذلك لا يقال: خميسة ولا سبيعة، في تصغير: خمس وسبع، الدالتين على معدود مؤنث. ومثلهما باقي الأعداد المؤنثة لدلالتها على معدود مذكر، لأن زيادة التاء عند تصغيرها تؤدي إلى اللبس، إذ يقع في الظن أنها لمعدود مذكر، مع أنها لمعدود مؤنث. وكذلك يجب تركها إن كانت الاسم وقت تصغيره والنطق به دالا على مذكر ولو كان في أصله لمؤنث؛ إذ الاعتبار إنما هو للدلالة الحالية عند النطق به، وليس لدلالته السابقة؛ فلو سمينا مذكا بأحد الأسماء المؤنثة السابقة: "دار، أدن، عين، سن، ... " أو بغيرها، كسعد، حسن، وهند، ومي، أعلام مذكر، لم يصح مجيء تاء التأنيث عند تصغيره3. وكذلك لا يصح مجيئها إذا كان المصغر غير ثلاثي4، نحو: زينب،

_ 1 لهذا كان من الخطأ أن يقال في تسمية بعض أجزاء القلب: "الأذين الأيمن، والأذين الأيسر" في تصغير كلمة: "الأذن" مع أنها محضة التأنيث. والصواب في تصغيرها: "الأذينة اليمني، والأذينة اليسرى". 2 يلحق بالثلاثي أيضا كل رباعي ثالثه حرف مد، ورابعه حرف علة بحسب أصله، نحو: سماء وسمية. ومثل الرباعي ما زاد عليه مما حذف منه ألف تأنيث مقصورة؛ خامسة أو سادسة؛ فيجوز "كما سيأتي في ص698 و699" إلحاق التاء به، كحبارى حيث يجوز تصغيره بإبقاء الألف، أو بحذفها، أو حذفها مع زيادة التاء؛ تعويضا عنها، فيقال حبيرى، أو حبيرة. ومثل لغيزى. فيصح فيه الأمران دون إبقاء الألف؛ يقال لغيغيز، أو لغيغيزه. "الهمع ج2 ص189". وانظر رقم 1 من ص698. 3 جاء في كتاب سيبويه "ج2 ص137" ما نصه: "إذا سميت رجلا بعين أو أذن فتحقيره بغير هاء -أي: أن تصغيره يكون بحذف تاء التأنيث- وتدع الهاء ههنا، كما أدخلتها في: "حجر" اسم امرأة، ويونس يدخل الهاء ويحتج بأذينة. وإنما سمي بمحقر". ا. هـ. وإذا كان الاسم المصغر غير مقصور الدلالة على المؤنث فلا تلحقه التاء كأن يكون صالحا له وللمذكر: مثل: نصف؛ بمعنى متوسط السن، يقال: رجل نصف وامرأة نصف ... 4 إلا في تصغير الترخيم فيصح مجيئها في المؤنث -كما سنعرف عند الكلام عليه ص722.

وسعاد؛ فلا يقال فيهما: زينبة، ولا سعيدة ... فشرط زيادة تاء التأنيث: أن يكون المصغر ثلاثيا، مؤنثا وقت تصغيره، لا يلتبس بغيره عنده زيادتها. ولا فرق في الثلاثي بين الباقي على ثلاثيته وغير الباقي الذي نقص منه شيء، ولا بين ما ثلاثيته أصيلة وما ثلاثيته طارئة. ومن أمثلة الطارئة: سمية1: علم مؤنث، وهي تصغير: "سماء"2 المؤنثة الممدودة. جرت عليها ضوابط التصغير؛ فضم أولها، وفتح ثانيها، وزيد بعده ياء التصغير، وانقلبت الألف الزائدة ياء، فاجتمع ياءان، الأولى منهما ساكنة؛ وهي ياء التصغير، وانقلبت الألف الزائدة ياء، فاجتمع ياءان، الأولى منهما ساكنة؛ وهي ياء التصغير، والثانية متحركة بالكسرة؛ وهي التي أصلها المدة فأدغمتا، ثم رجعت الهمزة إلى أصلها "الواو" -لام الكلمة- وانقلبت الواو ياء، طبقا لقواعد الإعلال؛ فصارت الكلمة: سميي. فاجتمع في آخر الكلمة ثلاث ياءات؛ هي ياء التصغير، تليها الياء التي أصلها ألف المد، وبعدهما الياء التي أصلها الواو لام الكلمة ... فوقع في الآخر بعد ياء التصغير ياءان، وهذا لا يقع في فصيح الكلام، ويتحتم حذف أولاهما تطبيقا للضوابط العامة في هذا الباب -كما سيجيء-3 فصارت: سمي. بياء مشددة تعتبر الحرف الثالث، ثم زيدت عليها تاء التأنيث؛ لتكون كأصلها دالة على المؤنث، فصارت: سمية. ويجب فتح الحرف الذي قبل هذه التاء مباشرة وهو الحرف الواقع بعد ياء التصغير في: "فعيل"4؛ لأن تاء التأنيث تستوجب فتح الحرف الذي قبلها في جميع حالات اللفظ الثلاثي وغير الثلاثي المختوم بها، سواء أكانت خاتمة اسم مصغر، أم غير مصغر -كالأمثلة السالفة- وسواء أكانت خاتمة فعل، أم حرف؛ نحو؛ قامت، كتبت، ربت، ثمت. "وهذا موضع يجب فيه فتح الحرف بعد ياء التصغير في صيغة "فعيل" وهي الصيغة المقصورة على

_ 1 من كل رباعي، ثالثه مدة ولامه حرف علة بحسب أصلها -كما في رقم 2 من هامش الصفحة السابقة. 2 سبقت الإشارة إليها، وإلى بيان يخصها، في رقم 4 من هامش ص615. 3 في رقم 5 من ص708 وفيها إيضاحه وشرطه. 4 أما في غير هذه الصيغة فلها حكم آخر يجيء في هامش ص701.

تصغير الاسم الثلاثي وحده. أما الحرف الذي يلي التصغير في غير هذه الصيغة، بأن يقع بعد ياء التصغير في صيغتي: "فعيعل وفعيعيل"، فيكون مكسورا، وله حالات يبقى فيها على حركته التي كانت له قبل التصغير. وسيجيء بيان هذا في موضعه المناسب"1. وقد ورد في الكلام المسموع بعض ألفاظ خالفت في التذكير أو التأنيث. ما سبق تقريره؛ فهي شاذة لا يقاس عليها2 ... كشذوذ ألفاظ أخرى ثلاثية ورد تصغيرها على غير صيغة: "فعيل"3. 5- إن كان ثاني الاسم الصغر حرف لين4 -نحو: باب وقيمة- وجب إخضاع هذا الثاني للضابط العام الذي يسري على كل حرف لين ثان؛ سواء أكان الاسم المصغر ثلاثيا أم غير أم غير ثلاثي. وسيجيء5 هذا الضابط. وإلى هنا انتهى الكلام على تصغير الثلاثي. ب- إن كان الاسم الذي يراد تصغيره رباعيا6؛ مثل: "جعفر وبندق"

_ 1 في ص701. 2 فيما سبق من زيادة تاء التأنيث عند تحقق الشروط -يقول ابن مالك: واختم "بتا التأنيث" ما صغرت؛ من ... مؤنث، غار، ثلاثي؛ كسن-19 ما لم يكن "بالتا" يرى ذا لبس ... كشجر، وبقر، وخمس-20 وشذ ترك دون لس. وندر ... لحاق "تا" فيما ثلاثيا كثر-21 "كثر، بفتح الثاء، بمعنى؛ فاق. وثلاثيا: مفعول به مقدم للفعل: كثر" ومعنى البيتين الأولين واضح، وهو يقرر في البيت الأخير؛ أن ترك التاء مع أمن اللبس شاذ مع تحقق بقية الشروط الأخرى، وأن من النادر زيادة هذه التاء إذا فاق الاسم المصغر ثلاثة، وزاد عليها، "أو إذا كان رباعيا فأكثر"، ومن هذا النادر الذي لا يقاس عليه تصغيرهم: وراء، وأمام، وقدام ... على: وريئة، وأميمة -بتشديد الياء فيهما- وقد يديمه ... 3 كتصغيرهم: "رجل" على: "رويجل"، و"مغرب" على: مغيربان. 4 في ص662 معناه. والمراد هنا حرف العلة. 5 ص704. 6 لا فرق في الرباعي بين ما حروفه أصيلة؛ نحو: جعفر، وما حروفه أصلية وزائدة؛ نحو: بندق. فالأساس: أن يكون عدد الحروف أربعة، أصلية كانت، أم مختلطة.

وجب ضم أوله وفتح ثانيه -إن لم يكونا كذلك من قبل- وزيادة ياء ساكنة بعد ثانيه "وهي التي تسمى: ياء التصغير" وكسر ما بعد هذه الياء1، إن لم يكن مكسورا من قبل2؛ فيصير الاسم بعد إجراء هذه التغييرات على وزن: "فعيعل"؛ نحو: جعيفر. وبنيدق. وهذه التغييرات التي طرأت على الرباعي عند تصغيره هي التغييرات التي طرأت على الثلاثي عنده تصغيره كذلك. مع زيادة كسر ما بعد ياء التصغير في الرباعي -كالمثالين السالفين- إلا في بعض حالات ستجيء3. والكسر بعد ياء التصغير في الاسم الرباعي يوجب تغييرا آخر لا بد منه؛ يتلخص في أنه لو وقع بعدها حرف مد4 فالواجب قلبه ياء تدغم في ياء التصغير؛ "تطبيقا لما تقضي به الضوابط العامة في مصل هذه الحالة التي تقع فيها "ياء" بعد ياء التصغير"5 فيقال في: "كتاب، وسحاب، ومقام، كتسيب، وسحيب،

_ 1 إلا إن كان الحرف الذي بعد ياء التصغير مشددا، فإنه يظل ساكنا بسبب الإدغام وتظل قبله ياء التصغير ساكنة كذلك؛ لأن ياء التصغير لا تتحرك؛ ففي مثل كلمتي: الخاص والخاصة نقول: في تصغيرهما: الخويص، والخويصة "كما قال القاموس في مادة: "خص" وفي مثل هذا التصغير يلتقي ساكنان، وهو التقاء جائز فيه. ويجيز بعض النحاة التخلص منه بتحريك السكون الناشئ من الإدغام حركة خفيفة مائلة إلى الكسرة في النطق، دون أن تكون الكسرة خالصة في النطق؛ أي: أنه يبيح في الحرف الأول الساكن المدغم في مثله أن يتحرك عند النطق حركة قريبة من الكسرة ولا يصح تحريكه بالكسرة الواضحة في النطق. 2 مثل قرمز "لنوع من الصبغ الأحمر"، قشبر "للصوف الرديء". 3 في ص701. 4 فيكون هو الحرف الثالث في الاسم قبل مجيء ياء التصغير. 5 من هذه الضوابط ما جاء في الهمع "ج2 ص186" خاصا بالواو، ونصه بإيضاح يسير: "إن ولي ياء التصغير واو قلبت ياء: أ- وجوبا إن سكنت هذه "الواو"، كعجوز وعجيز. أو أعلت -بأن قلبت شيئا آخر، كألف مثلا- كمقام؛ فإن أصله؛ مقوم، فيقال: مقيم. أو كانت لاما؛ كغزو وغزى، وغزوة وغزية، وعشو بالقصر وعشيا. ب- وجوازا إن تحركت الواو في إفراد وتكسير ولم تكن لاما فيهما؛ كأسود وأساود، وجدول وجداول، فيقال في التصغير: أسيعد وأسيود، وجد يمل، وجد يول؛ فيجوز قلب الواو ياء، وإدغامها في ياء التصغير، "عملا بقاعدة الإعلال من القلب والإدغام عند اجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون" كما يجوز إبقاء الواو بغير قلب، إجراء لها على حدها في التكسير؛ "لأن التصغير والتكسير من باب واحد؛ في الأعم الأغلب". فإن تحركت الواو في الإفراد والتكسير وهي لام وجب قلبها ياء في التصغير، بغير نظر إلى التكسير؛ نحو: كروان وكريان، وجمعه كراوين". ا. هـ، ثم انظر ص779 في الكلام على قلب الواو ياء.

ومقيم" ... وفي: "صبور، وعجوز، وبعوض، صبير، وعجيز، وبعيض" ... وفي: "جميل، وسمير، وسعيد، جميل، وسمير، وسعيد". وهذا معنى قول النحاة: "الاسم الرباعي يصغر على: "فعيعل". وإن كان حرفها لثالث قبل التصغير حرف مد وجب قلبه ياء تدفم في ياء التصغير ... ". ج- إن كان الاسم الذي يراد تصغيره خماسيا فأكثر: 1- فإن لم يكن رابعه حرف لين وجب -في أغلب الحالات-1 حذف بعض أحرفه الضعيفة2؛ ليصير رباعيا يمكن تصغيره على صيغة: "فعيعل" الخاصة بالرباعي، بالطريقة التي شرحناها عند الكلام عليها. فيقال في سفرجل: سفيرج، وفي فرزدق: فريزد، أو: فريزق، وفي حيزبون: حزيبن. وفي مستنصر: منيصر، وفي محرنجم: حريجم. 2- فإن كان رابعه حرف لين وجب -في أغلب الحالات كالسابق- حذف بعض أحرفه الضعيفة. وقلب حرف اللين ياء إن لم يكن ياء من الأصل، فينتهي تصغير الاسم إلى "فعيعيل" بوجود ياء قبل آخر الصيغة -وهذه الياء هي التي كانت قبل تصغير الاسم حرف لين رابعا- تقول في تصغير سرحان: سريحين، وفي عصفور، عصيفير، وفي قنديل: قنيديل. وهذا معنى قول النحاة: "يجري تصغير الخماسي فما فوقه -بشرط ألا يكون الحرف الرابع لينا- على الطريقة التي جرى بها تصغير الرباعي. كلاهما على وزن "فعيعل" فإن كان الحرف الرابع "في الخامسي وفيما زاد على الخماسي" حرف ليسن وجب قلبه

_ 1 في الصفحة 698 حالات لا يصح فيها الحذف. 2 سبق في رقم 3 من هامش ص666، بيان المراد من الحرف القوي والضعيف.

ياء؛ ليكون تصغير الاسم على "فعيعيل" وجوبا؛ بظهور ياء قبل الآخر". وإذا حذف من الخماسي فما فوقه بعض أحرفه للتصغير جاز زيادته ياء قبل آخره لتكون عوضا عن المحذوف، بشرط ألا يكون قبل آخر ياء؛ "فيقال في سفارج: سفيرج وسفيريج"، "وفي فرزدق فريزد وفريزيد أو فريزق وفريزيق"، "وفي حيزبون: حزيبن أو حزيبين"، "وفي مستنصر: منيصر أو منيصير" ... وهكذا. ولا يصح الجمع بين هذه الياء وما حذف؛ لئلا يجتمع العوض والمعوض1 عنه. ولا بد من كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير في الصيغتين: "فعيعل، وفعيعيل" إلا في مواضع سيجيء النص عليها2. والذي يحذف أو يبقى من الأحرف هنا هو ما يحذف أو يبقى عند جمع الاسم تكسيرا؛ بحيث يبقى الحرف الأقوى الذي له المزية على غيره. فإن ساوى غيره في الأفضلية جاز حذ أحدهما بغسر تفضيل -كما عرفنا3. فتصغير الاسم الخماسي فما فوقه يقتضي -في الغالب- من الحذف والإبقاء ما يقتضيه تكسيره على: "فعالل، وفعاليل" وما ضاهما في الهيئة؛ كمفاعل ومفاعيل، وفواعل وأفاعيل ... وما جاء مخالفا لهذا فهو شاذ هنا؛ كشذوذ ما خالف الضوابط الخاصة بتصغير الثلاثي؛ كتصغيرهم رجل على: رويجل، ومغرب على: مغيربان، وليلة على: لييلية، وإنان على: أنيسيان.. مع أن القياس فيما سبق هو: رجيل، مغيرب، لييلة، أنيسيان.. مع أن القياس فيما سبق هو: رجيل، مغيرب، لييلة، أنيسين إن كان جمعه للتكسير هو: أناسين4 ...

_ 1 كما سيجيء في رقم 4 من ص708. 2 في ص701. 3 بيان مزايا الحروف في رقم 3 من هامش ص666. 4 انظر رقم 3 ص659. وفي تصغير الرباعي وما زاد عليه، وفي الوسيلة لذلك أحيانا من حذف بعض الأحرف كما تحذف في=

أسماء لا يحذف عند التصغير خامسها ولا ما فوقه: يستثنى من القاعدة السالفة بعض أسماء تزيد أحرف كل منها على الأربعة، ولا يحذف حرفها الخامس ولا ما بعده عدن التصغير -بالرغم من أنهما في بعض الصور قد يحذفان عند التكسير- فيصغر الاسم كأنه رباعي مع ترك الحروف التي تجيء بعد الرابع على حالها، واعتبارها كأنها منفصلة عنه ليست من حروفه. ومن هذه الأسماء: 1- الاسم المختوم بألف تأنيث ممدودة1 بعد أربعة فصاعدا؛ نحو: "قرفصاء"؛ فيقال في تصغيرها: قريفصاء، بتصغير الكلمة كأنها رباعية: ثم يلحق بها الهمزة والألف التي قبلها، وإن شت قلت: بتصغير الكلمة من غير اعتبار لوجود الهمزة والألف التي قبلها مع وجودهما عند التصغير وبقائهما معه. أما ألف التأنيث المقصورة فإن كانت رابعة -كصغرى وكبرى- فإنها تبقى وجوبا، يقال في تصغيرهما: صغيرى وكبيرى. وإن كانت سادسة

_ = التكسير ... ، يقول ابن مالك. "فعيعل" مع "فعيعيل" لما ... فاق؛ كجعل: درهم، دريهما-2 وما به لمنتهى الجمع وصل ... به إلى أمثلة التصغير صل-3 وتقدير هذا البيت: وما وصل به إلى التكسير في صيغته منتهى الجموع صل به إلى التصغير حين تريد تصغير أمثلته. يريد بهذا حذف بعض الأحرف، فإن الحذف هو الذي يوصل إلى جمع بعض الأسماء جمع تكسير على صيغته منتهى الجموع. ثم قال بعد ذلك في الوصول إلى صيغة فعيعيل: وجائز تعويض "يا" قبل الطرف ... إن كان بعض الاسم فيهما انحذف-4 ثم بين أن ما خالف المذكور في البابين "باب تصغير الثلاثي، وباب تصغير غيره" خارج عن القياس: وحائد عن القياس كل ما ... خالف في البابين حكما رسما-5 1 سبق الكلام على ألف التأنيث الممدودة وأصلها في ص603 ومنه يفهم أن ألف التأنيث الممدودة -في الأرجح- هي في أصلها ألف زائدة للتأنيث، قبلها ألف أخرى زائدة للمد، فتنقلب ألف التأنيث همزة، فالهمزة في "قرفصاء" ونحوها للتأنيث ممدودة؛ لا مقصورة. فهي علامة مده، ومتممة لها.

أو سابعة حذفت وجوبا؛ مثل: لغيزى1 ولغيغيز2، وبردرايا3 وبريدر4 ... وكذلك إن كانت خامسة وليس في الأحرف السابقة عليها حرف مد زائد، كقرقرى5 وقريقر. فإن كان في الأحرف التي تسبقها حرف مد زائد جاز حذفها، أو حذف حرف الماد الزائد دونها؛ نحو: حبارى6 وحبيرى، أو حبير، ونحو: قريثى7 وقريثى "بحذف ياء المد التي بعد الراء" أو قريث؛ بحذف ألف التأنيث المقصورة، وإدغام "ياء المد" في "ياء" التصغير ... فالألف التأنيث المقصورة ثلاث حالات: الحذف وجوبا، والبقاء وجوبا، وجواز الأمرين. 2- الاسم المختوم بتاء تأنيث مسبوقة بأربعة أحرف أو أكثر؛ نحو: جوهرة، وحنظلة، فيقال في تصغيرهما: جويهرة، وحنيظلة؛ بإبقاء التاء على حالها وإجراء التصغير على الكلمة كأنها رباعية خالية منها. 3- المختوم بياء النسب، نحو: عبقري، جوهري، فيقال في تصغيرهما: عبيقري وجويهري. 4- المختوم بألف ونون زائدتين بعد أربعة أحرف أو أكثر وليس مثنى، وكذا المختوم بعلامتي تثنية؛ كزعفران، ومؤمنان ومؤمنين؛ وتصغيرها: زعيفران مؤيمنان مؤيمنين. 5- المختوم بعلامتي جمع المذكر السالم أو جمع المؤنث السالم، نحو: أحمدرون، وأحمدين، وزينبات. والتصغير: أحيمدون وأحيمدين وزيينبات.

_ 1 بمعنى: اللغز -كما سبق. 2 ويصح زيادة تاء التأنيث، للتعويض، فيقال: لغيغيزة. بشرط أن تكون الألف المحذوفة رابعة أو خامسة -كما سبق في هامش رقم 2 من ص692. 3 اسم موضع. 4 حذفت ألف التأنيث؛ فصارت الكلمة: بريدراي، ثم حذفت الألف والياء؛ لأنهما زائداتان "راجع الصبان". 5 اسم موضع. 6 اسم طائر. ويجوز "حبيرة" بزيادة التاء عوضا عن ألف التأنيث كما سبق في رقم 2 من هامش ص692. 7 نوع من التمر، وقد يمد، فيصح على اعتباره مقصورا للممدود بالألف أيضا.

6- عجز المركبين: "الإضافي، والمزجي"؛ نحو: ظهير الدين1، وأندرستان2 وتصغيرهما: ظهير الدين، وأنيدرستان3. فالأشياء السابقة كلها تثبت في التصغير؛ لتقديرها منفصلة عما قبلها ولا يصح حذفها، إذ لو حذفت ألف التأنيث الممدودة، أو تاؤه، أو غيرهما مما جاء بعدهما لأوقع الحذف في لبس لا ندري معه أكان الاسم المصغر مشتملا على المحذوف أم غير مشتمل عليه، فيتساوى تصغير الاسم المشتمل على تلك الأشياء والاسم الخالي منها. وهذا اللبس غير موجود يما يصح جمعه من تلك الأسماء جمع تكسير -إلا المركب الإضافي فإن تكسيره وتصغيره سواء- ولذلك تحذف تلك الأحرف السابقة في التكسير؛ فيقال في تكسير فرفصاء: قرافص -وفي جوهرة: جواهر، وفي عبقري: عباقر وفي زعفران زعافر.. أما المركب المزجي فلا يكسر -في الرأي الشائع- كما مر في باب: جمع التكسير4.

_ 1 علم شخص. 2 اسم بلد فارسي. 3 وفي المواضع التي تبقى فيها الحروف عند تصغير الخماسي فما فوقه يقول ابن مالك: وألف التأنيث حيث مدا ... وتاؤه: منفصلينن عدا-8 كذا المزيد آخرا للنسب ... وعجز المضاف والمركب-9 وهكذا زيادتا فعلانا ... من بعد أربع؛ كزعفرانا-10 وقدر انفصال ما دل على ... تثنية، أو جمع تصحيح جلا-11 "جلا: أي: أظهر. وهو معطوف على الفعل: دل. يريد: قدر انفصال ما دل على تثنية أو جلا جمع تصحيح، وكلمة: وألف التأنيث ذو القصر متى ... زاد على أربعة لن يثبتا-12 وعند تصغير "حبارى" خير ... بين الحبيرى -فادر- والحبير-13 "انظر رقم 2 من هامش ص692". 4 ج، ص678.

مواضع تبقى فيها حركة الحرف الواقع بعد ياء التصغير في: "فعيعل" و"فعيعيل" كما كانت قبل التصغير: عرفنا1 أن تصغير الاسم على صيغة: "فعيعل، أو فعيعيل" يقتضي كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير مباشرة؛ "نحو: دريهم وجويهر". و"سفيرج، أو سفيريج، وفريزد وفريزيد، وفريزق، أو فريزيق" في تصغير: "درهم وجوهر" و"سفرجل وفرزدق" وأشباهها من كل اسم تزيد أحرفه على الثلاثة قبل تصغيره. ويستثنى من هذا الحكم مواضع يجب فيها ترك حركة الحرف التالي ياء التصغير على ما كانت عليه قبل التصغير. ومن هذه المواضع2: 1- الحرف الذي يليه ألف التأنيث المقصورة، نحو: صغرى وصغيرى، كبرى وكبيرى. بخلاف الحرف الذي يليه ألف الإلحاق المقصورة فيكسر؛ نحو: أرطى وأريط3. 2- الحرف الذي يليه -مباشرة-4 ألف التأنيث الممدودة "وهي الهمزة التي أصلها ألف التأنيث وقبلها ألف المد الزائدة"؛ نحو: حمراء، خضراء، صفراء ... ويقال في تصغيرها: حميراء، خضيراء، صفيراء ... بخلاف

_ 1 في: "ب" من ص694، وما بعدها. 2 ليس من المواضع الآتية المختوم بتاء التأنيث؛ لأنها هنا "أي: في غير الثلاثي" تكون مسبوقة بأربعة أحرف أو أكثر فيجب معها كسر الحرف التالي لياء التصغير؛ إذ تكون مفصولة منه بحرف نحو: دحيرجة في تصغير: دحرجة، والشرط في فتح الحرف التالي ياء التصغير في الاسم المختوم بتاء التأنيث ألا يفصل بينه وبينها فاصل؛ فإن فصل بينهما فاصل وجب كسر ما يلي ياء التصغير؛ كالمثال المذكور، وكحنظلة وحنيظلة؛ وفي هذه الحالة لا تكون تاء التأنيث في آخر اسم ثلاثي. أما التي في آخر الاسم الثلاثي فقد سبق الكلام عليها في ص690 و692 وهي المقصودة في كلام ابن مالك بالبيت المذكور هناك "رقم 17". 3 تقلب ألف الإلحاق ياء بعد الكسرة، ثم تحذف الياء عند تنوين الاسم. 4 فإن فصل بينهما فاصل وجب الكسر؛ نحو: جخيدباء، تصغير "جخدباء" لنوع من الجراد والخنافس.

الحرف الذي يليه ألف الإلحاق الممدود، نحو: علباء وعليب1؛ فيجب كسر الحرف الذي قبل ألف الإلحاق بنوعيها. 3- الحرف الذي يليه ألف: "أفعال". "بأن يكون الاسم قبل التصغير على وزن: "أفعال"؛ مثل: أفراس، وأبطال ... ؛ فإذا صغير وقعت ألف: "أفعال" بعد ياء التصغير، فيجب فتح الحرف الذي قبل ألف: "أفعال"، وهو الحرف الواقع بعد ياء التصغير"؛ نحو: أفيراس وأبيطال. 4- الحرف الذي يليه ألف: "فعلان" -ثلاثي2 الفاء، ساكن العين- اسما كان أم وصفا. بشرط ألا يكون جمع "فعلان" هو: فعالين"3 عند التكسير؛ ففي تصغير: فرحان، وعثمان، وعمران، نقول: فريحان وعثيمان، وعميران، بفتح الحرف الذي بعد ياء التصغير، لتحقق الشرط، وهو أن المفرد: فعلان "مطلق الفاء" لا يجمع تكسيرا على فعالين؛ فلا يقال: فراحين، عثامين، عمارين ... فإن كان "فعلان" مما يجمع على: "فعالين" وجب كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير، نحو: سلطان وسلاطين، وسرحان وسراحين؛ ورريحان ورياحين. فيقال في تصغيرهما؛ سليطين، وسريحين ورييحين4 ...

_ 1 تحذف الهمزة من الممدودة، وتقلب ألف الإلحاق ياء لأجل الكسرة. وتعلل إعلال المنقوص "مثل: وال، داع، هاد" فيقال: "عليب" بالكسر والتنوين. 2 أي: مضمومها، ومكسورها، ومفتوحها. 3 وبشرط زيادة الألف والنون، وألا يكون مؤنثه بالتاء. 4 أو: رويحين؛ لأن بعض اللغويين يقول: الياء في: ريحان، أصلها واو، بدليل رجوعها إلى أصلها عند التصغير؛ فيقال: رويحين. وكان قبل التصغير: ريوحان "بياء ساكنة، بعدها واو مفتوحة"، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وحققت الكلمة بحذف الياء المتحركة، فصارت؛ ريحان، وعند تصغيرها تحذف هذه الياء الزائدة. وترجع الياء المحذوفة المنقلبة عن حرف أصلي؛ هو الواو. وقال بعض آخر إن الكلمة لا تشتمل إلا على ياء واحدة وليس هناك قلب ولا إدغام، بدليل جمعها على رياحين، فهي مثل شيطان وشياطين، وتصغيرها: رييحين؛ كشييطين -راجع المصباح المنير، مادة: راح".

5- الحرف الواقع بعد ياء التصغير في صدر المركب المزجي، نحو: تصغير: جعيفرستان، اسم بلد فارسي. ففي المواضع السابقة يجب ترك حركة الحرف الواقع بعد ياء التصغير كما كانت قبل تصغير الاسم على صيغة فعيعل، أو فعيعيل1 ... 6- الحرف المشدد بعد ياء التصغير، بالإيضاح الذي سبق تفصيله2 ...

_ 1 فيما سبق من المواضع الخمسة يقول ابن مالك: لتلو "يا" التصغير من قبل علم ... تأنيث، أو مدته -الفتح انحتم-6 كذاك ما مدة: "أفعال" سبق، ... أو مد سكران، وما به التحق-7 "لتلو ... "يا" أي: لتالي "يا" التي للتصغير، وهو الحرف الذي يليها، ويجيء بعدها. علم: علامة". وتقدير الكلام: الفتح انحتم لتالي ياء التصغير من قبل علامة تأنيث؛ وهي التاء، والألف المقصورة. أما الممدودة فهي التي أشار إليها بقوله: أو مدته". وكذلك الفتح انحتم قبل ما سبق مدة "أفعال"، يريد به: الحرف الذي قبل ألف "أفعال"؛ لأن هذه الألف للمد؛ وكذلك الحرف الذي قبل "ألف" سكران. وما ألحق بسكران مما هو على وزن: "فعلان" مضموم الفاء أو مفتوحها أو مكسورها مع سكون العين في الحالات الثلاث، بشرط ألا يكون تكسيره على "فعالين" -كما شرحنا- وبشرط أن تكون ألفه ونونه زائدتين. وأن يكون مؤنثه بغير التاء غالبا؛ فخرج ما كان نونه أصلية؛ كحسان من الحسن، وسيفان بمعنى: طويل؛ لأن مؤنثه سيفانة. كما خرج: سرحان؛ لأن جمعه سراحين. 2 في رقم 1 من هامش ص695.

بعض أحكام عامة في تصغير الأسماء الثلاثية، وما فوقها: 1- إذا كان ثاني الاسم حرف لين1 -ألفا، أو واوا، أو ياء- منقلبا عن لين وجب إرجاعه إلى أصله الذي انقلب عنه؛ كما في الأسماء التالية:

_ 1 سبق إيضاح معنى حرق اللين، وحرف العلة في رقم 3 من هامش ص661 والمراد هنا: حرف العلة. 2 الباع: مقياس قدره المسافة التي بين الكفين عند بسطهما وامتدادهما، وإحداهما متجهة يمينا، والأخرى متجهة شمالا. وهو مذكر واوي، بدليل جمعه على: أبواع. 3 عيب. 4 ذم. 5 ملخصة في رقم 2 من ص707. 6 انظر الرأي الآخر أول ص707.

هذا هو الأصل العام الذي يجب مراعاته، وما ورد مخالفا له فشاذ لا يقاس عليه؛ كالذي سمع من تصغيرهم كلمة: "عيد" على: عييد؛ والقياس: "عويد" لأن الفعل: عاد يعود. فالأصل واو. فإن كان ثاني الاسم غير لين ولكنه منقلب عن لين بقي الثاني على حاله ولم يرجع لأصله -في الرأي الأرجح- نحو: متعد1 وأصلها: موتعد، قلبت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء، وانتهت الكلمة إلى: متعد، فيقال في تصغيرها: متيعد، لا مويعد. وإن كان ثاني الاسم حرف لين ولكنه منقلب عن حرف صحيح فإن كان منقلبا عن همزة قبلها همزة لم يرجع لأصله، وانقلب واوا، نحو آدم؛ فإن ثانيه حرف لين منقلبا عن همزة، والأصل: أأدم "بهمزة مفتوحة، فهمزة ساكنة" قلبت الهمزة الثانية ألفا؛ لوقوعها ساكنة بعد من فتحة، فيقال في تصغيرها: أويدم، بقلب الثانية "واوا" لا بإرجاعها إلى أصلها الهمزة، وهذا موضع من المواضع التي يقلب فيها الثاني واوا، وسيجيء. أما إن كان الثاني مبدلا من حرف صحيح غير همزة، أو مبدلا من همزة لم تسبقها همزة؛ فالواجب إراجعه إلى أصله، نحو: دينار وقيراط، وأصلهما: دنار وقراط -بتشديد النون والراء، بدليل جمعهما على: دنانير وقراريط- فيقال في تصغيرهما: دنينير، وقريريط؛ بإرجاع ثانيهما -وهو: الياء- إلى أصله النون والراء. ونحو: ذيب وريم؛ وأصلهما: ذئب ورئم2 فيقال في تصغيرهما ذؤيب ورؤيم3..

_ 1 بمعن: مواعد. 2 الرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض. 3 وفيما سبق يقول ابن مالك: واردد لأصل ثانيا لينا قلب ... فقيمة صير: "قويمة" تصب-14 وشذ فهي عيد عييد. وحتم ... للجمع من ما لتصغير علم-15 يقول: اردد إلى الأصل كل حرف ثان، لين، انقلب عن حرف آخر، ولم يصرح بأنه منقلب عن حرف لين أيضا، اكتفاء بالمثال الذي ساقه، وهو: قيمة، وتصغيرها: قويمة. فالثاني حرف لين منقلب عن لين. وبين بعد ذلك: أن تصغير: "عيد" على: "عيد" شاذ؛ لأن ثانيه لم يرجع إلى أصله الواو -كما شرحنا- وبين أن هذا الإرجاع يراعي في جمع التكسير أيضا كما روعي في التصغير.

هذا، والكوفيون يجيزون في الألف المنقلبة عن ياء، في مثل: ناب، وفي الياء الأصلية التي في مثل: شيخ، قلبهما عند التصغير واوا؛ فيقولون: نويب، شويخ. ورأيهم ضعيف؛ إذ لا تؤيده الشواهد المتعددة1. ومن الشاذ ما سمع من تصغير: "بيضة" على: "بويضة" بالواو. 2- إذا كان ثاني الاسم حرفا زائا "ليس منقلبا عن أصل"، نحو: فاهم، عالم ... ، أو كان مجهول الأصل؛ ومنه: صاب2، وعاج وراف3، وجب قلبه واوا؛ فيقال في التصغير: فويهم، عويلم، صويب، عويج، رويف.. "وقد سبق الكلام على حالات أخرى يجب فيها قلب الألف الثانية واوا". فالحالات أربع: الألف التي أصلها الواو، الألف المنقلبة عن همزة تلي همزة الألف الزائدة، الألف المجهولة الأصل، الألف الثانية الزائدة "أي: غير المنقلبة عن أصل". أما الياء فتبقى ياء في موضع واحد، هو أن يكون أصلها الياء4؛ نحو: شيخ وشُييخ -كما تقدم. 3- إن كان آخر الاسم حرفا منقلبا عن أصل وجب عند التصغير إرجاعه لأصله؛ سواء أكان الآخر حرف لين؛ مثل: ملهى، أم غير لين، مثل: ماء وسقاء. فألف: "ملهى" أصلها الواو، لأنه من اللهو. وهمزة: "ماء"

_ 1 تقدم الرأي الأرجح في ص704. لكن وافق مجمع اللغة العربية على استعمال المذهب الكوفي؛ طبقا لما جاء في ص154 من كتابه المجمعي الذي أصدره سنة 1969، ونص قراره تحت عنوان: "تصغير ما ثانيه حرف علة" هو: "ما ثانيه ألف، أو واو، أو ياء، من الاسم الثلاثي يرد إلى أصله عند التصغير، ويجوز فيما أصل ثانيه الياء أن يقلب واوا عند التصغير أخذا بمذهب الكوفيين فيه، وتجويز ابن مالك له، ولورود السماع به؛ وصدر القرار في مؤتمر دورة سنة 1967 وعلى هذا يجوز في تصغير: عين وشيخ وليفة، وشيء ... أن يقال: عوينة، وشويخ، ولويفة، وشويء". ا. هـ. 2 اسم نبات مر. 3 اسم بلد. 4 وفي هذا يقول الناظم: والألف الثان المزيد يجعل ... واوا كذا ما الأصل فيه يجهل-16

أصلها الهاء، بدليل تكسيره على: مياه وأمواه. وهمزة: "سقاء"، أصلها: الياء لأنه من السقى. فيقال في تصغير ملهى: "مليهي" بإرجاع الألف إلى الواو وقلب الواو ياء؛ لتطرفها بعد كسرة؛ فتصير: مليهي ... ، وعند التنوين: مليه. ويقال في تصغير ماء: مويه، وفي تصغير: سقاء: سقي، بتشديد الياء ... 4- إذا حذف من الاسم الخماسي فما فوقه -بسبب التصغير- بعض أحرفه، جاز زيادة ياء قبل آخره؛ تعويضا عن المحذوف، بشرط ألا يوجد قبل آخره ياء. ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه؛ فيقال في سفرجل: سفيرج، بغير تعويض، أو: سفيريج بالتعويض، ويقال في مستنثر: منيصر، و: منيصير "وقد سبقت الإشارة لهذا"1. 5- إذا ولى ياء التصغير ياءان2 وجب حذف أولاهما؛ فيقال في: "سماء" عند تصغيرها: سمية "طبقا لما أوضحناه من قبل"3، وفي سقاء: سقي. وفي عشية: عشية، كما يقال في: "ثريا" عند جمعها جمع مؤنث سالما: "ثريات"4 وفي "عشية" المصغرة: عشيات. والأصل قبل حذف الياء: ثرييات، وعشييات.

_ 1 في ص696: وإلى التعويض في جمع التكسير، وفي التصغير أشار ابن مالك بقوله السابق. وجائز تعويض: "يا" قبل الطرف ... إن كان بعض الاسم فيهما انحذف 2 بشرط اجتماع الياءات الثلاث في الطرف، متوالية، وبعد عين الكلمة، فلا يرد تصغير: "مهيام" على: "مهيم" و"حي" على: "حيي" "الصبان". 3 في رقم 4 من هامش ص615 وص193 وليس من هذا التصغير: "كي" وقد تقدم في ص691. 4 أصل المفردة: ثروى، مؤنثة؛ بألف التأنيث المقصورة؛ من قولهم: امرأة ثروى؛ أي ذات مال. والتصغير: "ثريوى". اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء "طبقا لقواعد الإعلال والإبدال" وأدغمت الياء في الياء، فصارت الكلمة: "ثريا" بياء مشددة بعدها ألف التأنيث المقصورة. فإذا أريد جمع: "ثريا" جمع مؤنث سالما وجب قلب هذه الألف الخامسة ياء، "طبقا لقواعد هذا الجمع"، فيقال: "ثرييات، بثلاث ياءات، الأولى منها ياء التصغير، وبعدها ياءان. فيجب حذف أولاهما؛ فيقال: "ثريات" ... بالاقتصار على ياء التصغير وواحدة أخرى مدغمة فيها. "وقد سبق بيان تام لهذا في رقم 4 من هامش ص615 وبعده عرض لمذهب كوفي، في رقم 1 من هامش ص616".

6- إذا وقع بعد ياء التصغير حرف مشدد فقد يصح عند بعض النحاة قلبها ألفا للتخفيف، كما في: دويبة، وشويبة، تصغير: دابة وشابة، فيقال دوابة وشوابة، والأحسن قصره على السماع، أما الطريقة القياسية والنطق بالكلمة المشددة بعد تصغيرها فقد سبقت1 ... 7- الاسم المصغر لا يصح جمعه جمع تكسير للكثرة؛ لأنها -كما سبق-2 تعارض القلة المفهومة من التصغير، وأيضا، لعدم وجود صيغة للكثرة تلائمه عند اشتماله على ياء التصغير، ولو حذف هذه الياء لأمكن جمعه مع اللبس، لعدم وجود العلامة التي تدل على تصغيره، وتفرق بينه وبين غير المصغر؛ ولهذا لا يصح تكسيره كما لا يصح تصغير الاسم المجموع جمع تكسير للكثرة. أما المجموع جمة قلة فيصح -كما تقدم3. 8- الاسم المصغر ملحق بالمشتق؛ لأنه يتضمن وصفا في المعنى؛ ولهذا يصح وقوعه نعتا، وغيره، مما يغلب عليه الاشتقاق. 9- التصغير يؤدي إلى منع الاسم من الصرف أحيانا، أو إلى عدم منعه طبقا للبيان المفصل الذي سبق في باب الممنوع من الصرف4 ... 10- التصغير -كالتكسير- يرد الأشياء إلى أصولها؛ كالأمثلة التي مرت في مواضع متفرقة من هذا الباب. 11- الأصح أن العلم إذا صغر لا تزول علميته5.

_ 1 في رقم 1 من هامش ص695. 2 في ص682 و688. 3 راجع التصريح والهمع وحاشية الصبان أول الباب عند الكلام على شروط التصغير وقد سبقت الإشارة لهذا في رقم 8 من ص682 و688. 4 ص275. 5 لأن التصغير أمر عرضي، يفيد معنى طارئا على العلم، كما يفيد النعت أو غيره من التوابع أمرا عرضيا لا يفقد العلم بسببه علميته -وقد أشرنا لهذا في باب العلم، ج1 م23 ص236.

المسألة 176: النوع الثاني 1: تصغير الترخيم 2، وطريقته هو: "تصغير الاسم3 الصالح للتصغير الأصلي، بعد تجريده مما فيه من أحرف الزيادة". فلا بد من: صلاحه ... ، واشتماله قبل تصغير الترخيم على بعض الزوائد. ولا بد من حذفها قبل إجرائه. وله صيغتان، إحداهما "فعيل"؛ لتصغير الاسم ثلاثي الأصول، والأخرى "فعيعل" لتصغير الاسم رباعي الأصول. أ- فإن كانت أصوله الباقية بعد حذف الزوائد ثلاثة صغر على صيغة: "فعيل"، وتزاد عليها تاء التأنيث إن كان مسماه ومدلوله الحالي مؤنثا؛ فيقال في حامد: حميد، وفي معطف: عطيف، وفي شادن "لأنثى": شدينة. كما يقال في فضلى، وحمراء، وحبلى: فضيلة، وحميرة، وحبيلة، بزيادة تاء التأنيثة فيهن. وإنما تزاد هذه التاء في المؤنث للتفرقة بين مصغره ومصغر المذكر. إلا إذا كان المصغر وصفا في الأصل من الأوصاف المختصة بالإناث فلا يصح مجيء التاء، فيقال في تصغير حائض وطالق: حييض وطليق؛ بحذف ألفهما، وبغير زيادة تاء التأنيث على صيغتهما، التي هي في أصلها وصف لمذكر4 ... وكما يقال في تصغير "حامد": حميد، يقال كذلك في تصغير: أحمد، ومحمود وحماد، ومحمدون ... فجميعها يصغر على: حميد، ويكون التمييز بينها ومعرفة ما كانت عليه قبل التصغير بالقرائن الأخرى التي تميز كل واحد وتمنع اللبس.

_ 1 أما النوع الأول فقد سبق في ص688. 2 أصله: من الترخيم، بمعنى الضعف، بسبب ما فيه من الحذف. 3 سواء أكان علما، أم وصفا مشتقا، نحو: وريق، في تصغير أورق. 4 قال الصبان في إيضاح هذا ما نصه: "هي في الأصل صفة لمذكر، والأصل: شخص حائض، وشخص طالق؛ فضعفت من نحو: "سوداء وسعاد" في اقتضاء التاء؛ فروعي فيها الأصل ولولا ذلك للحقته التاء؛ لأنه مؤنث ثلاثي في المآل، وذلك إذا صغر تصغير الترخيم فهو كحبل". ا. هـ.

ب- وإن كانت أصول الاسم الباقية بعد حذف زوائده أربعة صغر على صيغة: "فعيعل"، فيقال في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر1 ... ح- لا مجال في تصغير الترخيم لصوغ الاسم المجرد على صيغة: "فعيعيل" لأنها صيغة مشتملة على بعض أحرف زائدة؛ فلا يصغر الاسم على وزنها إلا إذا كان محتويا على أحرف زائدة، وهذا مناقض لتصغير الترخيم. د- الغرض من تصغير الترخيم هو الغرض من التصغير الأصلي. وقد يكون الدافع إليه: التودد، أو التدليل، أو الضرورات الشعرية.

_ 1 وفي تصغير الترخيم يقول ابن مالك: ومن بترخيم يصغر اكتفى ... بالأصل؛ كالعطيف، يعني: المعطفا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: إذا أريد تصغير: "إبراهيم وإسماعيل" تصغير ترخيم فالقياس عند سيبويه أن يقال يريهم، وسميعل1 ... بحذف زوائدهما فقط؛ وهي الهمزة، والألف والياء2. وعند غيره: أبيره، وأسيمع، لأن الهمزة عندهم أصيلة؛ لوقوعها قبل أربعة أحرف أصلية3، وهي لا تزداد في أول الكلمة المشتملة على أربعة أصول، فيحذفون الألف والياء الزائدتين، والخامس الأصلي وهو الميم، واللام؛ لأن بقاءه يخل بالصيغة. ويجري هذا، الخلاف أيضا في التصغير لغير الترخيم وفي جمع التكسير؛ فقياسهما عند سيبويه يريهيهم، وسميعيل، وبراهيم، وسماعيل، بحذف الزوائد المخلة بالصيغة، وهي الهمزة والألف دون الياء؛ لأنها حرف لين قبل الآخر وعند غيره: أبيريه، وأسيميع، وأباريه، وأساميع؛ بحذف خامس الأصول: لإخلاله بالصيغة، ويحذف الياء قبله، لزيادتها وقلب الألف ياء، لصيروتها لينا قبل الآخر.

_ 1 انظر الخضري. 2 أما الميم واللام فأصليتان عنده؛ إذ لا تنطبق عليهما أوصاف زيادتهما. 3 ويجيز الكوفيين: براهم وسماعل، بلا ياء؛ وبراهمة، وسماعلة، بتعويض الهاء عن الباء "وقد سبق الكلام على هذا التعويض: "ج ص672".

المسألة 177: النسب

المسألة 177: النسب مدخل ... المسألة 177: النسب يتضح معناه مما يأتي: الاسم يدل على معنى مفرد، لا يزيد عليه شيئا؛ كمحمد، وفاطمة، ومصر، ومكة، وبغداد، ودمشق، وحديد، وكتاب ... ونظائرها من سائر الأسماء، ولا يدل واحد منها إلا على: مسماه. أي: على الشيء الذي سمي به -كما عرفنا1. لكن لو زدنا في آخر الاسم ياء مشددة قبلها كسرة، "فقلنا: محمدي، أو: فاطمي، أو: مصري، أو: مكي، أو: بغدادي، أو: دمشقي ... " لنشأ من هذه الزيادة اللفظية الصغيرة زيادة معنوية كبيرة؛ إذ يصير اللفظ بصورته الجديدة مركبا من الاسم الذي يدل على مسماه، ومن الياء المشددة التي تدل على أن شيئا منسوبا لذلك الاسم؛ أي: مرتبطا به بنوع ارتباط يصل بينهما؛ "كقرابة، أو صداقة، أو نشأة؛ أو صناعة ... أو غير هذا من أنواع الروابط والصلات"؛ فمن يسمع لفظ: "محمدي"، لا بد أن يفهم سريعا أمرين معا؛ هما "محمد" الدال على مسمى، وشيء آخر منسوب إلى محمد، أي: متثل به بطريقة من طرق الاتصال، "كالقرابة أو الصداقة، أو التعلم، أو غيره -كما قلنا" وكذلك من يسمع لفظ: فاطمي، أو: مصري، أو: مكي، أو: ما هو على شاكلتها، لا بد أن يفهم الأمرين معا في سرعة ووضوح. ولهذا تسمى تلك الياء: "ياء النسب". لأنها الرمز الدال في اختصار بالغ على أن شيئا منسوبا لآخر. فبدلا من أن نقول: شيء منسوب لمحمد ... نقول: "محمدي". وبدلا من أن نقول: شيء منسوب لفاطمة ... "نقول: "فاطمي". وهكذا ... ويسمى الاسم الذي تتصصل بآخره: "المنسوب إليه"، كما يسمى الشيء الذي تدل عليه وعلى أنه مرتبط ومتصل بما قبلها: "المنسوب".

_ 1 سبق بيان هذا في موضعه الخاص "ج1 ص15 م2". ودلالة الاسم على مسماه إنما تتحقق إذا كان في جملة، وبدونها لا يدل على شيء، فيكون مجرد صوت....

فكل لفظ مشتمل على هذه الياء -مما سبق، ومن نظائره- هو معها في الوقت نفسه منسوب ومنسوب إليه بانضمامها له؛ فهما معا شيئا محتفظان بالدلالة السابقة، برغم الاختصار اللفظي المبين. وبسبب الأثر المعنوي السالف يعتبر الاسم المشتمل على ياء النسب مؤولا بالمشتق1 -أي: في حكمه- لتضمنه معنى المشتق؛ إذ معناه: "المنسوب إلى كذا"، بشرط أن تكون الياء المشددة زائدة لإفادة النسب وقت الكلام، "ويسمى النسب المتجدد"2، وليست من بنية الاسم؛ ككرسي، ولا للنسب بحسب أصلها السابق لا بحسب حاضرها الدال على إهمال النسب، وعلى أنها لا تؤدي معنى مستقلا، وإنما هي بمنزلة حرف من بنية الكلمة، كمن اسمه: بدوي، أو: مكي ... ومثل: مهري وبختي ... 2 فالياء في هذه الكلمات ليست للنسب المتجدد. وله أحكام3 لفظية نعرض لها فيما يلي: أحكامه اللفظية: أ- لا بد في النسب من زيادة ياء مشددة على آخر الاسم "المنسوب إليه"، "ولا تزاد إلا في آخر اسم". ويجري عليها الإعراب بعلاماته المختلفة تبعا لحال الجملة. ولا بد أيضا أن يكون قبلها كسرة. ومن الأمثلة قول أحد الرحالين: "لا يشعر العربي بالغربة فوق أرض عربية؛ فالحجازي في الشام، كالشامي في

_ 1 فيصلح للمواضع التي تحتاج إلى مشتق "كالنعت. وقد يرفع اسما بعده كما يرفعه المشتق، مثل: هاشم عربي أبوه. وهذا أثر حكمي من آثار النسب الحكمية -انظر رقم 4 من الهامش التالي، وقد يخصص كالمشتق ويوضح "كما نص على هذا صاحب الحاشية على التصريح" ومعلوم أن كلا من "التخصيص والتوضيح" ينطوي على أغراض تدعو إليه؛ كالمدح، والذم، والتقرير ... 2 و2 سبق بيان النسب المتجدد وغير المتجدد، وتوضيحه بالأمثلة في ص659 وهامشها. 3 جرى سيبويه على تسمية هذا الباب: بالإضافة، أو: النسبة، وعقد له في كتابه "ج2 ص69" بابا مستقلا عنوانه: هذا باب الإضافة، وهو: باب النسبة"، كما سمى الياء المشددة الخاصة بالنسبة: "ياء الإضافة"، وقال النحاة عن هذه الإضافة إنها إضافة معكوسة كالإضافة الفارسية التي يتقدم فيها المضاف إليه على المضاف، وذلك أن من يقول: "غلام علي" يجعل الغلام هو المضاف "وعلي" هو المضاف إليه، ومن يقول عن الغلام: "علوي" يجعل: "عليا" هو المنسوب إليه وقد تقدم. والياء المشددة للنسب قائمة مقام الرجل المنسوب، وهو: الغلام.

الحجاز، وهما في مصر، كالمصري عندهما، والمغربي يلقى المشرقي في موطنه أيام الحج، ويجوس دياره، فلا يحسن وحشة ولا اغترابا. وحيثما ينتقل العربي في مواطن العروبة يجد أهلا بأهل1، وجيرانا بجيران2 ... ". ب- لا بد من إجراء تغييرات لفظية في آخر الاسم الذي تتصل به ياء النسب، وتغييرات أخرى في الحرف الذي قبل الآخر3 ... وأشهر التغييرات اللفظية التي تطرأ على الآخر الذي تتصل به هذه الياء مباشرة4 ما يأتي: 1- حذف هذا الحرف الأخير إن كان ياء مشددة مسبوقة بثلاثة أحرف أو أكثر، سواء أكانت هذه الياء في الأصل للنسب؛ "نحو: يمني، أفغاني، شافعي ... ، أعلام رجال" أم كانت لغير النسب؛ نحو: كرسي، كركي5

_ 1 الباء بمعنى: بدل، أي: أهلا بدل أهل ... 2 وفي هذا يقول ابن مالك في أول الباب وعنوانه: "النسب": "ياء" كيا "الكرسي" زادوا في النسب ... وكل ما تليه كسره وجب-1 يقول: إن العرب -ومن نطق بلغتهم- زادوا عند إرادة النسب ياء كياء "الكرسي" في أنها مشددة، وفي أنها آخر الاسم، وأن الحرف الذي قبلها لا بد أن يكون مكسورا -أي: أنها تلي حرفا مكسورا دائما- غير أن ياء النسب زائدة على آخر الاسم؛ بخلاف ياء "الكرسي". 3 وهذه يجيء تفصيلها في ص728. 4 عرض النحاة بشيء من التفصيل لما يحدثه "النسب" من تغيير، فقالوا: إن أهم التغييرات التي يحدثها ثلاثة: أولها: تغيير معنوي، بأن يجعل اللفظ المشتمل على ياء النسب اسما لشيء لم يكن اسما له من قبل، بمعنى أنه يجعل ذلك اللفظ اسما للمنسوب؛ بعد أن كان من غير ياء النسب اسما للمنسوب إليه. ثانيها: تغيير حكمي بأن يجعل الاسم المختوم بياء النسب في حكم الصفة المشبهة؛ فيعامل معاملتها في رفعه الظاهر والمضمر باطراد "كما تقدم في بابها -ج3- وكما أشرنا في هامش الصفحة السالفة". ويتصل بهذا دلالته على "التخصيص والتوضيح" طبقا لما صرح به صاحب الحاشية على التصريح وما ينطوي عليه كلاهما من الأغراض التي أشرنا إليها في رقم 1 من هامش ص714. ثالثها: تغيير لفظي، سيجيء بيانه الآن، ثم في ص728 حيث التعبيرات التي تطرأ على الحرف الذي قبل الآخر. مما سلف يتبين المراد من قول النحاة: إن النسب يحدث تغييرات ثلاثة "راجع التصريح، والأشموني، والصبان، في أول هذا الباب". 5 اسم طائر.

مرمي1 ... ، فلا بد من حذف هذه الياء المشددة؛ لتحل محلها ياء النسب الزائدة: فيصير اللفظ في صورته الجديدة بعد الحذف والزيادة كما كان في صورته الأولى بغير أن يتغير مبناه الظاهر2 بالرغم من غير معناه، فيقال في النسب إلى الكلمات السالفة: يمنى3، أفغاني، شافعي، كرسين كركي، مرمى، ...

_ 1 أصلها: مرموي "اسم مفعول، فعله: رمى" اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، ثم قلبت الضمة كسرة لتناسب الياء؛ فصارت الكلمة هي: مرمي. فالياء المشددة الأخيرة، ياءان: إحدهما زائدة، وهي الأولى، والأخرى أصلية؛ لأنها لام الكلمة. فالياء المشددة في آخر هذه الكلمة مختلفة في نوعها اختلافا واسعا عن التي في آخر الكلمات التي قبلها. وسيجيء -في الصفة التالية، لهذه الكلمة وأمثالها- حكم خاص. 2 قد يقال: ما الداعي لحذف ياء مشددة موجودة لتحل محلها ياء النسب المشددة من غير أن يظهر فرق لفظي في الصورتين؟ غير أن الحقيقة الواقعة قد تخالف الشكل الظاهر أحيانا. ففي مثل: "بختي" "وهو نوع من الإبل" يجمع على: "بخاتي"، وهذه "صيغة منتهى جموع، يمتنع معها صرف الاسم. فإذا سمي شخص باسم، "بخاتي" وجب منع الاسم من الصرف، راعاة للأصل السابق، وحالة الجمعية القديمة؛ "أي: لأنه الآن علم جاء على صورة: "منتهى الجموع" أما عند حذف يائه المشددة في أصل هذه الصيغة، وإحلال ياء النسب محلها، فإنه لا يمنع من الصرف؛ لأن الياء المشددة التي حذفت من تلك الصورة كانت آخر أحرف بنيته، وجزءا من مادته التي يصير بسببها داخلا في صيغ منتهى الجموع. أما ياء النسب التي طرأت وحلت في موضع المحذوفة فزائدة عليه، وليست معدودة من حروف بنيته التي ينتهي العلم بانتهائها؛ ولهذا لا يمنع من الصرف. ومثل هذا يقال في: "كراسي"، فالتي آخرها ياء النسب تنون، والتي آخرها ياء ليست للنسب لا تنون؛ لأنها صيغة منتهى الجمع -بخلاف الأولى؛ ولهذا ينصرف، نحو: "مهالبة ومساءمة" إذا حذفت التاء ودخلت عليهما ياء النسب، وكذلك: "مساجدي ومدايني"؛ لأن الياء فيهما ليست جزءا من الكلمة وإنما هي طارئة زائدة للنسب غير ملازمة لصيغة الكلمة، وغير ثابتة في آخرها -وقد سبقت إشارة متممة لهذا في "د" من ص213. وكذلك في ص208 وهامشها رقم 3. 3 من العرب من يقول: "اليماني" -بياء واحدة ساكنة في الآخر- في النسبة إلى: "اليمن" بدلا من أن يقول: "اليمني" فهو يحذف الياء الأولى الساكنة من الياء المشددة التي في: "اليمني، ويأتي بألف زائدة عوضا عنها بعد الميم، فتصير الكلمة: "اليماني" "بسكون الياء الأخيرة" على صورة المنقوص. وتحذف هذه الياء عند تنوينه إذا تجرد من "أل" ومن "الإضافة" كالشأن في المنقوص. وقد سمي بعض الأشخاص وغيرهم بهذه الكلمة ... فما الحكم لو أردنا النسب إلى كلمة "اليماني" هذه؟ أتحذف الألف التي جاءت بعد الميم عوضا عن الياء الأولى الساكنة المحذوفة -كما سبق- وتحذف معها الياء الباقية ليتم بحذفهما حذف الياء المشددة كاملة "بقسميها" قبل مجيء ياء النسب الجديدة المشددة؟ لأن هذه الياء الباقية في المنقوص هما معا بمنزلة الياء المشددة التي في آخر الاسم الذي يراد النسب إليه، والتي يجب حذفها لتحل محلها ياء النسب. إن الحكم هو الاقتصار على بقاء الألف والياء الثانية، وعدم حذفها؛ فوجودهما معا يدل على النسب ويغني عن الياء المشدودة. "انظر ما يتصل بهذا في ص746".

من غير تغيير في هيئتها الظاهرة -بالرغم من تغير معناه كما قلنا- وهذا هو الحكم الذي يجب الاقتصار عليه. ومن العرب من يقول في النسب إلى مثل مرمي: "مرموي"؛ فيحذف من المشدد ياءها الأول الساكنة الزائدة، ويقلب الثانية واوا قبلها فتحة -للتخفيف- "بشرط أن تكون إحدى الياءين -في المشددة- زائدة، والأخرى، منقلبة عن أصل"1؛ ويزيد بعدها ياء النسب. وبهذا الشرط تكون نوعا آخر مختلفا عما قبلها وعن سائر الأنواع الأخرى. وهذه اللغة ضعيفة2 ... هذا إن كانت الياء المشددة التي في آخر الاسم مسبوقة بثلاثة أحرف أو أكثر -كما تقدم- فإن كانت مسبوقة بحرفين؛ مثل: عدي، وقصي، حذف الأولى منهما "وهي الساكنة"، وقلب الثانية المتحركة واوا المتحركة واوا مسكورة، قبلها فتحة، وزيادة ياء النسب بعدها، نحو: عدوي، وقصوي ... وإن كانت تلك الياء المشددة مسبوقة بحرف واحدة؛ مثل "طي، ري، غي، حي، بي3، عي4". وجب قلب الياء الثانية واوا مكسورة قبل ياء النسب، وإرجاع الأولى إلى أصلها الواو إن كان واوا، وتركها ياء إن كان الياء، مع فتح ثاني الاسم في الحالتين، فيقال: "طووي، رووي، غووي" "حيوي، بيوي، عيوي"5..

_ 1 لأن أصل: "مرمي" هو: "مرموي"؛ فالواو: هي التي تزاد في صيغة اسم المفعول من الثلاثي، والياء هي المنقلبة عن حرف أصلي، هو الألف المرسومة ياء في آخر الفعل: رمى. 2 لا يقاس عليها عند أكثر النحاة؛ فهي شاذة، وفيها يقول الناظم: وقيل في المرمي مرموي ... واختير في استعمالهم مرمي-8 أي أن المختار في استعمال العرب، أو عند النحاة هو: مرمي، بحذف الياء المشددة كلها قبل زيادة ياء النسب، ثم زيادة ياء النسب، وليس المختار الاكتفاء بحذف الأولى الساكنة، وقلب الثانية واوا، ثم زيادة ياء النسب. 3 آلبى: الرجل الخسيس. 4 مصدر: عوى. 5 وفي هذا يقول الناظم في ألفيته: ونحو حي فتح ثانيه يجب ... واردده واوا إن يكن عنه قلب-9 ويفهم من هذا أن الثاني الذي ليس أصله واوا -بل أصله ياء- يبقى على حالة ياء مع فتح ما قبله أيضا. وسبب الفتح فيهما هو التخفيف، بعدم وقوع ياء النسب بعد كسرتين متواليتين؛ منعا لاستيلاء الكسرة على أكثر أحرف الكلمة معها، وهذا مما تكرهه العرب.

2- حذفه إن كان تاء التأنيث؛ نحو: مكي، كوفي، حبشي؛ في النسبة إلى مكة، وكوفة وحبشة1 ... 3- حذفه إن كان ألفا خامسة فصاعدا، سواء أكانت ألف تأنيث؛ مثل: حبارى2 وحبارى، أم ألف إلحاق؛ حبركى3 وحبركي، أم منقلبة عن أصل؛ نحو: مصطفى، ومصطفى4. وكذلك يحذف إن كان ألفا رابعة، بشرط أن يكون ثاني الاسم متحركا، ولا يكاد ينطبق هذا إلا على الرباعي الذي رابعه ألف تأنيث؛ نحو: جمزى وجمزي5. فإن كانت الألف رابعة والحرف الثاني ساكنا، جاز حذفها وقلبها واوا؛ سواء أكانت زائدة للتأنيث، أم للإلحاق، أم منقلبة عن أصل؛ مثل: حبلي، وأرطي6 وملهي ... فيقال في النصب: "حبلي، أو:

_ 1 وإذا كان المنسوب مؤنثا زيدت تاء تأنيث بعد ياء النسب، لتدل على تأنيثه، لا على تأنيث المنسوب إليه، فيقال: هذه الفتاة البارعة عربية قاهرية. "وستجيء الإشارة لهذا آخر الباب ص746 - هـ ... ". "ملاحظة" يشيع في هذه الأيام استعمال كلمة: "الوحدة" المفردة أصالة "أي: بغير نظر إلى جمعها بالألف والتاء الزائدتين -انظر "ج" من ص726" بمعنى: "التوحيد والتجمع، وعدم التفرق"؛ مثل: "إني من أنصار وحدة الأمم العربية، ففي وحدتها قوتها، وغناها، وهيبتها. وبغير هذه الوحدة تفقد أعظم وسيلة للعظمة، والسلطان، والسلامة من كيد أعدائها ... " وهذا الاستعمال صحيح فصيح، لكن الخطأ الشائع كذلك هو ما يجري على ألسنة كثيرين عند النسب إلى تلك الكلمة المفردة التي لا ينظر مطلقا إلى جمعها المؤنث -لداع معنوي؛ كعدم وجود وحدات متعددة ... فينسبون إليها نسبا لا يمت إلى الصواب بصلة، فيقولون: "وحدوي" بزيادة واو قبل ياء النسب في هذه الكلمة المفردة أصالة، "أي: التي يقتضي المعنى وصحته النسب إليها، دون نظر ولا اعتبار إلى أنها المفردة لجمع مؤنث سالم" مع أن زيادتها هنا على الوجه السالف خطأ لا سند له من صحة، أو تصويب. وقد حاول أحد الباحثين أن يسلك سبيلا لتصحيحه فلم يوفق لما أراد. ومن المفيد الرجوع إلى "ج" من ص726 لأهميتها حيث بيان التوجه الصحيح لاستعمال: "وحدوي" وأمثالها بمجيء الواو قبل ياء النسب. 2 اسم إحدى الطيور. 3 من معانيه: الطويل الظهر، القصير الرجلين، والقراد. 4 لأنه من الصفوة؛ فألفه أصلها الواو. 5 يقال: هذه فرس جمزى، أي: سريعة. 6 اسم شجرة.

حبلوي" "وأرطي، أو: أرطوي"، "وملهي، أو: ملهوي"، والأحسن في ألف التأنيث الحذف، وفي غيرها القلب. وإذا قلبت الألف الرابعة -بأنواعها الثلاثة السابقة- واوا جاز شيء ثالث أيضا هو: زيادة ألف قبل الواو، فنقول: حبلاوي، أرطاوي، ملهاوي1. أما إن كانت الألف ثالثة فلا يجوز فيها إلا القلب واوا؛ نحو: فتى وفتوي، ربا وربوي، علا وعلوي2 ... 4- إن كان الآخر همزة الممدود وجب3 بقاؤها عند النسب إن كانت أصلية؛ فنحو: قراء وقرائي، وبداء وبدائي.

_ 1 راجع حاشية ياسين على التصريح وكذا الأشموني. 2 يقول ابن مالك في حذف الياء المشددة من آخر الاسم المنسوب إليه، وحذف تاء التأنيث ومدته "ويريد هنا بالمدة: ألف التأنيث المقصورة": ومثله مما حواه احذف. و"تا" ... تأنيث، أو مدته لا تثبتا-2 "احذف مثله والضمير للمذكر، وهو حرف الياء، وقد أعاد الضمير عليها مرة أخرى مؤنثا، يريد به: "الكلمة" التي هي الياء أيضا. مما حواه، أي: احذف مثل ياء الكرسي المشددة من الاسم الذي يحويها عند النسب إليه". ثم قال: لا تثبت تاء التأنيث ولا مدته في الاسم المنسوب إليه، بل احذفهما. ثم بين حكم الألف الرابعة إذا كانت للتأنيث، وثاني الاسم ساكنا، فحكم بجواز حذفها وقلبها واوا -وترك أمرا ثالثا زدناه في الشرح- قال: وإن تكن تربع ذا ثان سكن ... فقلبها واوا وحذفها حسن-3 "تربع، أي: تكون رابعة"، ثم بين بقية أنواع الألف التي تشبهها في الحكم السالف، وهي ألف الإلحاق، والألف المنقلبة عن أصل: فقال: لشبهها: الملحق، والأصلي ما ... لها. وللأصلي قلب يعتمى-4 "يعتمى: أي: يختار. المراد بالأصلي عن أصل؛ لأن الألف لا تكون أصلية إلا في الحرف أما ما يشبه الحرف؛ مثل: "ما" الاسمية". وبين حكم الألف الزائدة على الأربعة فقال: والألف الجائز أربعا أزل ... .....................-5 "الجائز أربعا": الذي جاوزها، وزاد عليها. وبقية البيت بحذف ياء المنقوص الآتية: 3 في الرأي المعتمد.

ووجب قلبها واوا إن كانت للتأنيث؛ نحو: حمراء وحمراوي، وخضراء وخضراوي. ويجوز بقاؤها وقلبها واوا إن كانت منقلبة عن أصل "سواء أكان الأصل واوا، أم ياء، أم غيرهما"1 أو كانت للإلحاق؛ فيقال في كساء: كسائي أو كساوي -وفي بناء: بنائي أو بناوي- وفي علباء: علبائي أو علباوي ... أي: أن همزة الممدودة يجري عليها في النسب ما يجري عليها في التثنية2 ... 5- حذفه إن كان ياء منقوص خامسة أو سادسة، نحو: "مهتد، ومقتد" و"مستعل ومستغن" فيقال في النسب إليها: "مهتدي، مقتدي، مستعلي، مستغني". فإن كانت الياء رابعة فالأحس حذفها. ويصح -بقلة- قلبها واوا مسبوقة بفتحة3؛ نحو: "راع وراعي، وراعوي"، "وهاد وهادي، وهادوي". وإن كانت ثالثة وجب قلبها واوا مسبوقة بفتحة3؛ نحو: "شج4 وشجوي، "رض5 ورضوي"، "عظ6 وعظوي"، "عم وعموي". ولا بد من فتح ما قبل الواو -تخفيفا- في جميع الحالات التي تنقلب فيهاء ياء المنقوص واوا؛ نحو: راع وراعوي، وشج وشجوي7 ...

_ 1 ليست كلمة: "ماء" من نوع "الممدود" عند النحاة، "طبقات لتعريفه عندهم وقد سبق في ص610" ولكن بعضهم يذكرها هنا ليدل على أن المسموع في النسب إليها هو: مائي، وماوي، مع أن همزتها مبدلة من هاء. 2 وقد سبق حكمها فقي ص617 وفي همزة الممدود يقول الناظم: وهمز ذي مد ينال في النسب ... ما كان في تثنية له انتسب-15 "ينال؛ بالبناء للمجهول، أي: يعطى، أو: بالبناء للمعلوم، أي: يصيب". 3 و3 يفتح ما قبل هذه الواو؛ لكيلا تقع ياء النسب بعد كسرتين متواليتين في المنقوص، وهذا مما يستثقله العرب، ويفرون منه قدر الاستطاعة. 4 حزين. 5 بمعنى: راض. 6 عظي الجمل؛ فهو: عظ، انفتح بطنه من أكل نبات يسمى: العنظوان. 7 وفي حذف ياء المنقوص الخامسة يقول الناظم في البيت الخامس السابق: ............................................ ... كذاك "يا" المنقوص خامسا عزل-5 "عزل: أي: طرح بعيدا وحذف". ويقول في ياء المنقوص الرابعة: إن حذفها أولى من قلبها واوا =

فإن كان الآخر مختوما بواو رابعة فصاعدا، وقبلها ضمة، حذفت الواو فيقال في النسب إلى: ثندوة1 وقلنسوة: ثنندي وقلنسي. فإن كانت الواو ثالثة وقبلها ضمة حذفت الواو عند سيبويه فيقال في "عدوي": عدوي، بفتح الدال التي هي عين الكلمة، وحذف الواو الأولى. وإنما فتحت الدال قبلها لتصير الكلمة على وزان: "فعلي" لأن "سيبويه" لا يفرق بين "فعولة" و"فعيلة" عند النسب، بشرط وجود التاء في آخرهما، فيجعلهما على وزان "فعلي"2، فإن لم توجد التاء فلا حذف عنده؛ فيقال: "عدوي". أما غير سيبويه فيجعل "فعولة وفعول" -أي: بالتاء وبغير التاء- خاضعين عند النسب لحكم واحد، هو عدم حذف شيء منهما؛ فيقول في "عدو وعدوة" عدوى، بتشديد الواو، وضم ما قبلها3..

_ = أما الثالثة، فقلبها واوا محتوم. ولا بد من فتح ما قبل هذه الواو. والحذف في "الياء" رابعا أحق من ... قلب. وحتم قلب ثالث يعن-6 "يعن، بالنون الساكنة للشعر، وأصلها مشددة: عن يعن؛ بمعنى: ظهر"، ثم قال في فتح ما قبل الواو: وأول ذا القلب انفتاحا.. و"فعل" ... و"فعل" عينهما افتح، و"فعل"-7 أي: اجعل صاحب هذا القلب واليا فتحا. والمراد بصاحب هذا القلب: الحرف الذي انقلب عن أصل، ويريد به الواو المنقلبة عن ياء رابعة، وأن هذه الواو لا بد أن تلي فتحا، أي: تقع بعده. فالحرف الذي قبلها مباشرة واجب الفتح. وبقية البيت؛ وهي: "وفعل ... " يختص بحكم آخر سيجيء في مكانه الأنسب ص728. 1 ثدي. 2 ثم تزاد التاء في المؤنث، عملا بالقاعدة العامة. 3 راجع الصبان عند الكلام على النسب إلى "فعيلة"، ثم عند الكلام على النسب إلى الجمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: أ- عرفنا حكم النسب إلى المقصور، والممدود، والمنقوص. فما حكم النسب إلى المعتل الآخر، الشبيه بالصحيح؟ وما حكم النسب إلى كلمات أخرى تشتمل على الياء، أو الواو، وليست مما سبق؟ 1- معتل الآخر الشبيه بالصحيح1 هو: ما آخره واو أو ياء، إما مشددتان، وإما مخففتان قبلهما ساكن؛ نحو: مرمي2، ومجلو، وظبى، ودلو ... والذي يعنينا هنا: الاسم الثلاثي الذي ثالثه ياء أو واو، وقبلهما سكون، وليس بعدهما تاء التأنيث، نحو: ظبي وغزو؛ فلا يحذف منهما شيء عند النسب، ويقال فيهما: ظبيبي وغزوي، فإن جاءت بعدهما تاء التأنيث فالأرجح عدم الحذف أيضا؛ فيقال في ظبية، وغزوة: ظبيي وغزوي. وتزاد تاء التأنيث بعد ذلك؛ بشرط أن يكون المنسوب مؤنثا -طبقا للقاعدة العامة، حين يكون المنسوب مؤنثا- فيقال: ظبيية وغزوية. ومن المسموع: قروي؛ نسبة إلى: "قرية" حيث قلبت الياء واوا قبلها فتحة، ولا يقاس على هذا في الرأي الأرجح. 2- فإن كان الثالث ياء قبلها ألف؛ نحو: غاية وراية3 ... فأقوى الآراء: قلب الياء همزة بعد حذف التاء، فيقال: غائي ورائي؛ ويجوز -بقلة- غابي ورابي، بغير قلب؛ كما يجوز -بقلة- غاوي وراوي، ولكن الاقتصار على الأقوى أفضل؛ لقلة الوارد من غيره، ثم تزاد تاء التأنيث إن كان المنسوب مؤنثا4 ... 3- وأما نحو: سقاية، وحولايا "لموضع" فيجوز أمران، أحدهما: قلب الياء همزة بعد حذف تاء التأنيث وألف التأنيث المقصورة؛ فيقال فيهما: سقائي، حولائي. والآخر: قلب الياء همزة على الوجه السالف ثم قلب الهمزة واوا لوقوعها

_ 1 سبقت الإشارة التي توضحه في رقم 2 من هامش ص58. 2 سبق تفصيل الكلام -في ص715 و716- على النسب إلى هذه الكلمة ونظائرها. 3 وليس هذا من المعتل الآخر، ولا من المعتل الشبيه بالصحيح؛ لأن حرف العلة ليس في آخر الكلمة. 4 لهذا الحكم اتصال بما يجيء في ص766 بعنوان: "ملحوظة"، آخرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متطرفة بعد ألف زائدة -طبقا لقواعد الإبدال- فيقال سقاوي وحولاوي. 4- وأما نحو: شقاوة1 فتبقى الواو على حالها بلا حذف ولا قلب. ب- كيف ننسب إلى الاسم المعتل الآخر بالواو؛ مثل: "أرسطو، نهرو، سفو، كلمنصو؛ رنو، شو ... " "كنغو، طوكيو ... "؟ وكل هذه أسماء شائعة في عصرنا2. لم أصاف فيما لدي من المراجع نصا يصلح جوابا عما سبق. ولعل السبب -كما أسلفنا- في تركهم النص هو أن الأسماء العربية الأصلية خالية من الاسم المعتل الآخر بالواو. حتى لقد قبل إن العرب لم يعرفوا من هذا النوع إلا بضع كلمات محددة نقلوها عن غيرهم. منها: سمندو وقمندو ... لهذا ترك النحاة -فيما أعلم- الكلام على طريقة إعرابه، وتثنيته، وجمعه، والنسب إليه ... غير أن الحاجة اليوم تدعو إلى تدارك الأمر: لشيوع هذا النوع بيننا، وعدم الاستغناء عن استعماله. وقد سبق أن تكلمنا عما يحسن اتباعه فيه من ناحية إعرابه، وتثنيته وجمعه ... في الأبوباب الخاصة بها. أما في النسب فقد استرشدت بالحكم الخامس الذي سبق3، واستلهمت نظائر له، وراعيت اعتبارات أخرى. وانتهيت إلى رأي قد يكون أنسب؛ هو أنه يحسن حذف الواو إن كان خامسة فأكثر، وتبقى إن كانت ثالثة، ويجوز حذفها أو إبقاؤها إن كانت رابعة. وتبقى مع وجوب تضعيفها إن كانت ثانية. فيقال في النسب إلى أرسطو، وكلمنصو: "أرسطي، وكلمنصي. ويقال في النسب إلى كنغو: "كنغوي، أو: كنغي" ... ومثله: نهو ... ويقال: سفوي ورنوي في النسب إلى "سفو" ورنو "علمين" ويقال: شوي، في النسب إلى "شو". ويجب كسر ما قبل ياء النسب في كل الأحوال، كما يجب التخفيف في النسب إلى الثلاثي بعدم توالي كسرتين قبلها؛ فتفتح الأولى منهما.

_ 1 وليس هذا من المعتل الآخر، ولا من المعتل الشبيه بالصحيح؛ لأن حرف العلة في آخر الكلمة. 2 الستة الأولى أعلام أشخاص، وبعدها علمان لبلدين. 3 في ص721.

6- حذف الآخر إن كان علامة تثنية1 في آخر ما سمى به من مثنى وملحقاته؛ وصار علما معربا بالحروف؛ مثل: الإبراهيمان والإبراهيمين ... والنسب إليهما: الإبراهيمي.. وكذا: الرشيدان والرشيدين، والنسب إليهما: الرشدي. أي: أن النسب يكون للأصل المفرد2 بعد حذف علامة التثنية من العلم. وهنا يلتبس النسب إلى المثنى العلم بالنسب إلى مفرده؛ فيكون التعيين والتمييز بالقرائن التي تحدد أحدهما3. أما النسب إلى المثنى الحقيقي "الذي ليس علما مسمى به" فينسب إلى مفرده. ولا يخلو من لبس كذلك3، فتزيله القرائن ... 7- حذف الآخر إن كان علامة جمع مذكر سالم4، سمي به أو بما ألحق به، وصار علما معربا بالحروف5 نحو: خلدون. وحمدون، وصالحين وسعدين ... "وهي أعلام قديمة" فيقال في النسب إليها: خلدي. وحمدي وصالحي، وسعدي، ... أي: بالنسب إلى مفردها؛ واللبس في النسب بين العلم الجمع ومفرده تزيله القرينة التي تعين أحدهما دون الآخر5.

_ 1 وهي الألف والنون رفعا، والياء والنون نصبا وجرا؛ إلا عند وجود ما يقتضي حذف النون كالإضافة ... ؛ فالنون أحد حرفين تتكون منهما معا علامة التثنية. 2 بحجة الفرار من وجود علامتي إعراب في المثنى العلم؛ إذ توجد فيه علامات المثنى عند من يعربه كالمثنى، وهو في الوقت نفسه -مع اعتباره علما لواحد، يعرب بالحركات على ياء النسب. فيجتمع على الاسم الواحد إعرابان، إعراب بالحروف وإعراب بالحركات في ياء النسب -طبقا لما جاء في "التصريح". 3 و3 واللبس محقق واضح في النسب إلى لفظ المثنى في مثل الأعلام الآتية المشتهرة قديما وحديثا: "سلمان، مهران، زيدان، حمدان، جبران، محمدين، حسنين، البحرين" إقليم. وهذا اللبس لا يقع إلا عند النسب إلى المثنى المعرب بالحروف -كالرأي الشائع في إعرابه- أما على الآراء الأخرى التي تعربه بالحركات الظاهرة على النون -وقد سبقت في الجزء الأول- فينسب إليه على لفظ المثنى؛ فلا يقع لبس. وحبذا النسب إليه على إحدى هذه الصور التي لا لبس فيها، بالرغم من أن كثرة النحاة لا ترتضيها؛ على صحتها ونسبتها إلى بعض القبائل العربية الخالصة. وأن الفرار من اللبس غرض لغوي واجب، ولا سيما الفرار إلى ما لا يعارض أصلا من أصول العربية. 4 بحجة الفرار من اجتماع علامتي إعراب على الاسم لواحد؛ هما: الحروف والحركات -كما قلنا هنا- رقم 2 في العلم المثنى. نقلا عن "التصريح". 5 و5 إنما يقع اللبس عند إعراب هذا الجمع العلم بالحروف؛ طبقا للرأي الشائع. أما عنه إعرابه بالحركات على النون -على رأي مما سبق في الجزء الأول- فلا لبس. ونقول هنا ما قلناه في النسب إلى المثنى "رقم 3 السالف" إن الفرار من اللبس غرض هام واجب.

أما النسب إلى جمع المذكر السالم الباقي على جمعيته1، وليس علما مسمى به، فيكون بالنسب إلى مفرده أيضا، فإن أوقع في لبس وجب الفرار منه باتباع الرأي الذي يبيح النسب إلى لفظه المجموع؛ بالرغم من رأي المعارضين في هذا؛ لأن الفرار من اللبس -إن أمكن- والحرص على توقيه، غرض أصيل في لغة العرب، وأصل من أقوى أصولها التي تقوم عليها. 8- حذف الآخر إن كان علامة لجمع مؤنث سالم2 بشرط مراعاة التفصيل الآتي: أ- إن كان هذا الجمع باقيا على جمعيته "أي: لم ينقل إلى العلمية مع بقائه على صيغة الجمع" وليس وصفا3 ونحوه: مما يجيء في: "ج". وجب النسب إلى مفرده في جميع الحالات، نحو: وعردة، تمرة، زينب، عائشة، سرادق، والجمع: وردات، تمرات، زيبنات، عائشات، سرادقات، والنسب هو: وردي، تمري، زيني، عائشة، سرادقي ... بالنسب إلى المفرد في كل ما سبق وأشباهه. ب- إن كان هذا الجمع مسمى به. "بأن صار علما" وجب حذف العلامة الدالة على الجمع "وهي: الألف والتاء" وينسب إليه على لفظه الباقي بعد الحذف. ولا ينسب إلى مفرده؛ فيقال في النسب إلى الجموع السالفة إذا كان كل جمع علما. وردي وتمرى، "بفتح ثانيهما"4، زينبي، عائشي، سرادقي ... فليس بين الصورتين فرق إلا في مثل: وردة وتمرة،

_ 1 أي: الذي لم يتركها إلى العلمية والتسمية به. 2 وعلامته هي: الألف والتاء الزائدتان على المفرد. 3 أي: ليس مشتقا كضخمات فالمراد بالوصف هنا: الاسم المشتق؛ كضخمة وضخمات. ويقابله الاسم الجامد، وهو ما ليس مشتقا؛ كمعاد، وهند. وجمعهما جمع مؤنث سالما هو: سعادات وهندات. 4 لأنه مفتوح في الجمع، تطبيقا للقاعدة الخاصة بجمع الاسم الثلاثي السالم العين -وقد سبق شرحها في ص622- وبهذا الفتح في النسب إلى "وردة وتمرة"، وأمثالهما، يمكن الحكم على المفرد الثلاثي المؤنث؛ أهو مفرد لجمع مؤنث سالم باق على جمعيته، أم هو مفرد لجمع مؤنث سالم سمي به وصار علما.

مما تحرك ثانيه الساكن لأجل الجمع. ج- إن كان وصفا، أو اسما جامدا، والثاني فيهما ساكن، وألف الجمع رابعة نحو: ضخمات، وصعبات، وهندات ... "والمفرد، صخمة، صعبة، هند" جاز عند النسب حذف العلامة "بحر فيها: الألف والتاء"، وجاز الاقتصار على حذف التاء وحدها، مع قلب الألف واوا، فيقال في النسب: ضخمي، أو ضخموي، صعبي، أو: صعبوي، هندي، أو هندوي1 ويصح زيادة ألف فاصلة قبل هذه الواو؛ فيقال ضخماوي ... و ... و ... "ملاحظة": الكلام على النسب إلى جمع التكسير وما في حكمه يجيء في: ب من ص741. 9- إرجاعه إن كان لاما محذوفة بشرط مراعاة التفصيلات التي ستأتي2 عند الكلام على النسب إلى ما ذحف بعض أصوله. 10- تضعيفه إن كان ثانيا معتلا، في اسم ثنائي الحروف -قبل النسب- مثل: لو، كي، لا ... ؛ فعند التسمية بهذه الألفاظ والنسب إليها، يقال: لوي، كيوي، لائي. فأما: "لو" فقد ضعفنا واوها الأصلية، وأدغمنا الواوين، يجعلهما ياء واحدة مشددة؛ فصار الاسم قبل النسب "كي"، وهو اسم مختوم بياء مشددة مسبوقة بحرف واحد؛ فعند النسب ترجع الياء الأولى إلى أصلها الياء مع فتحها، وتنقلب الثانية "واوا"، وتجيء بعدها ياء النسب؛ فيقال: كيوي.

_ 1 انظر "الملاحظة" التي في رقم 1 من هامش ص718 لأهميتها. وفي حذف علامتي التثنية والجمع يكتفي الناظم ببيت واحد لا تفصيل فيه ولا إبانة، هو: وعلم التثنية احذف للنسب ... ومثل ذا في جمع تصحيح وجب-10 "علم: علامة. وتقدير البيت: واحذف للنسب علامة التثنية.. ومثل هذا الحذف للعلامة وجب في جمع التصحيح، بنوعيه؛ المذكر والمؤنث". ولم يذكر التفصيل الخاص بهذا الحذف، وقد أوضحناه. 2 في ص733.

وأما: "لا" فتضعيف ثانيها يكون بزيادة ألف أخرى بعد الأصلية. لكن لا يمكن إدغامهما، ولا إبقاء كل منهما بغير إدغام، فتنقلب الثانية همزة؛ عملا بقواعد القلب. وقيل: إن الهمزة تزاد من أول الأمر مباشرة؛ فيقال: "لائي"1: فإن كان ثانيه صحيحا والكلمة ثنائية وضعا "أي: لم يحذف منها شيء" جاز فيه التضعيف وعدمه. ففي النسب إلى: "كم" يقال: كمي أو كمي، بتشديد الميم أو تخفيفها2.

_ 1 في شرح الكافية للرضي "ج2 ص141" ما يفيد أن الاسم الثنائي، المعتل الثاني، "مثل: لا، وكي، ولو ... " إذا اقتضى الأمر تضعيف ثانيه، قد يغني عن التضعيف زيادة همزة بعد الثاني مطلقا؛ فنقول في: لا، وكي، ولو. إذا كانت أعلاما أريد إعرابها: لاء، وكيء، ولوء، وعند النسب: لائي، وكيئ، ولوئي. وقد صرح بأن التضعيف هو الأولى، فيحسن الاقتصار عليه. وفي تضعيف الثاني المعتل يقول الناظم: وضاعف الثاني من ثنائي ... ثانيه ذو لين؛ كـ"لا"، ولائي-22 يريد: مثل: "لا" وتضعيفه: لائي، بياء النسب المشددة، ولكنها خففت هنا للشعر، وذو اللين هنا: المعتل. 2 في هذا الحكم خلاف؛ كما يقول الصبان هنا، ونص كلامه: أ- اعلم أنه قد تقرر أن الكلمة الثنائية إذا جعلت علما للفظ، وقصد إعرابها، شدد الحرف الثاني منها؛ سواء أكان حرفا صحيحا أم حرف علة؛ نحو: أكثرت من الكم، ومن الهل، ومن اللو ... ؛ لتكون على أقل أوزان المعربات. ب- وأما إذا جعلت علما لغير اللفظ، وقصد إعرابها فلا يشدد ثانيها إذا كان صحيحا؛ نحو: جاءني كم، ورأيت منا؛ لئلا يلزم التغيير في اللفظ والمعنى معا، من غير ضرورة. "فإن" كان الثاني حرف علة؛ كلو، وفي، ولا ... زيد حرف من جنسه، وإن لزم منه التغيير في اللفظ والمعنى معا؛ للاضطرار إلى الزيادة؛ لأن عدمها يؤدي إلى سقوط حرف العلة، لا لبقائ ساكنا مع التنوين؛ فيبقى المعرب على حرف واحد، وهو مرفوض في كلامهم. ج- وإن جعلت علما للفظ أو لغيره، ولم يقصد إعرابها فيهما. فلا زيادة أصلا. هذا ملخص ما في الرضي، وشرح اللباب للسيد، مع زيادة. فإذا علمت ذلك ظهر لك أن قوله: "فإن كان ثانيه حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه" فيه نظر؛ إذ الثنائي الذي جعل علما للفظ، وقصد إعرابه يجب تضعيف ثانيه، صحيحا أو معتلا. فيجب حينئذ في النسب إليه التضعيف. والثنائي الذي جعل علما لغير اللفظ وقصد إعرابه يجب فيه عدم التضعيف إذا كان ثانيه حرفا صحيحا؛ فيجب حينئذ في النسب إليه عدم التضعيف ... ويمكن الاعتذار بتوزيع كلام الشارح على الحالين المذكورين. لكن مر عن الفارضي في باب الحكاية تقييد وجوب تضعيف الثاني المجهول علما للفظ بما إذا كان حرف علة؛ ففي المسألة خلاف". ا. هـ. كلام الصبان ولهذه المسألة بما فيها من خلاف صلة قوية بما سبق ج1 م2 ص29.

أشهر التغييرات التي تطرأ على الحرف الذي قبل الأخير، بسبب ياء النسب. 1- وجوب التخفيف بقلب الكسرة فتحة في عين الاسم الثلاثي المكسور العين؛ سواء أكانت فاؤه مضمومة، أم مفتوحة، أم مكسورة. فمن المضمومة: "دئل، وقدر، وبهر ... ، والثلاثة أعلام والنسب إليها: دؤلي، قدري، بهري". ومن المفتوحة: "نمر، وخشن، وملك، والنسبة إليها: نمري، خشني، ملكي" ومن المكسورة: "إبل، وبلز1، والنسبة إليهما: إبلي، بلزي". أما سبب التخفيف بقلب الكسرة فتحة على الوجه المتقدم فلأن العرب تستثقل في النوع السالف استيلاء الكسرة على أكثر حروف الكلمة المختومة بياء النسبة؛ إذ تقع فيه الياء بعد كسرتين متواليتين أو ثلاثة، فنفر العرب من هذا الثقل إلى التخفيف بقلب الكسرة الأولى فتحة2. 2- وجوب التخفيف أيضا إذا كان قبل آخر المنسوب إليه ياء مكسورة مدغم فيها ياء ساكنة قبلها. والتخفيف هنا يكون بحذف الثانية المكسورة -سواء كانت هي الثالثة بين أحرف الكلمة أم كانت أكثر- ففي النسب إلى3: "طيب ولين" و"هين وجيد" و"غزيل، تصغير غزال، وأسيد، تصغير: أسود" يقال: "طيبي، وليني" "هيني، جيدي" "غزيلي، أسيدي".

_ 1 من معانيه: القرار، والمرأة الضخمة. 2 بشرط أن يكون الكسر هو المتغلب على أحرف الكلمة؛ فلا قلب في النسب إلى مثل: قمر، جرس ... ، وإلى هذا يشير الناظم في بيت سبق ذكره "في721" لمناسبة تتعلق بأوله؛ هو: "وأول ذا القلب انفتاحا" و"فعل" ... و"فعل" عينهما افتح و"فعل"-7 والذي يعنينا هنا: الأوزان الثلاثة وما يقرره من فتح العين في كل منها عند النسب -كما شرحنا. 3 تعدد الأمثلة الآتية هو لبيان أنه لا فرق في الحكم بين الياء المكسورة الثالثة التي أصلها ياء؛ كالأولين، والتي أصلها واو كاللذين بعدهما، والتي تزيد على ثلاثة؛ كالأخيرين، وشذ قولهم: "طائي" في النسب إلى: طيء. والقياس: "طيئ". وفي هذا التخفيف يقول ابن مالك: وثالث من نحو: "طيب" حذف ... وشذ "طائي" مقولا بالألف-11

فلا تحذف الياء الثاني في مثل: هبيخ1 لعدم كسرها، ولا في مثل: مهيم2؛ تصغير مهيام، لوجود ياء زائدة فاصلة بين الياء والمكسورة، وآخر المنسوب إليه. 3- حذف ياء، "فعيلة" -بفتح فكسر- وحذف تاء التأنيث معها، وفتح ما قبل الياء التي حذفت "أي: فتح عين الكلمة". كل هذا بشرطين: أن تكون عين الكلمة غير مضعفة، وأن تكون صحيحه إذا كانت اللام صحيحة؛ فتصير الكلمة بعد التغيير السالف على وزن: "فعلي"؛ فيقال في النسب إلى حنيفة، وفهيمة، وسميرة ... : حنفي، وفهمي، وسمري، ومن المسموع الشاذ: سليقي، وسليمي، في النسب إلى: سليقة3، وسليمة4. هذا رأي أكثر النحاة. وقد تصدى لهذه الأمثلة الشاذة أحد الباحثين5

_ 1 الغلام السمين. 2 انظر رقم 2 من هامش ص708. 3 بمعنى: فطرة وطبيعة. 4 اسم قبيلة عربية. 5 هو الأستاذ الراهب أنستاس الكرملي -رحمه الله- العضو السابق بالمجمع اللغوي القاهرة فقد نشر بحثا بمجلة: المقتطف "عدد يوليو 1935، ص136" عرض فيه أمثلة من الصيغتين -وهما: "فعيلة، وفعيل، الآتية"- في الكلام الذي يحتج به مع استيفائهما الشرطين، قائلا ما نصه: "أنت ترى من هذا التتبع أن العرب لم ينسبوا مطلقا إلى "فعيل وفعيلة" بقولهم فعلي "بالتحريك" إذا كان غير مشهور؛ علما كان أم نكرة؛ بل "فعيل" بإثبات الياء على أصلها". ا. هـ. ثم عرض شواهد على تأييد رأيه عددها "103" "ثلاثة بعد المائة" وأكد أن هذه الشواهد ليست هي كل الوارد، وأنه اكتفى بها مسرعا؛ إذ لم يتسع وقته لجمع الباقي الذي يقطع بوجوده. ومع أن الشواهد التي عرضها عشرات تكفي وحدها للأخذ برأيه من غير تردد، ولا حاجة إلى تأييد آخر، نراه استند أيضا في تأييد رأيه إلى قول ابن قتيبة الدينوري في كتابه: "أدب الكاتب" ص107 طبعة أوروبا، ونصه: "إذا نسبت إلى: "فعيل، أو: فعيلة" من أسماء القبائل والبلدان وكان مشهورا ألقيت منه الياء؛ مثل: ربيعة، وبجيلة، وحنيفة، فتقول: ربعي، وبجلي، وحنفي. وفي ثقيف ثقفي، وعتيك عتكي. وإن لم يكن الاسم مشهورا -علما كان أم نكرة- لم تحذف الياء في الأول "أي: في فعيل" ولا في الثاني "أي: فعيلة" ... ا. هـ. وقد خلص الباحث إلى أن الحذف قديما لم يكن إلا في المشهور شهرة فياضة. وجاء في كتاب: "الصحاح" للجوهري -ج2 ص218، وفي النسب إلى كلمة: "مدينة" ما نصه: "إذا نسبت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قلت: "مدني" وإلى مدينة المنصور قلت: "مديني" وإلى مدائن كسرى قلت: مدائني". ا. هـ.

المعاصرين وأثبت أنها ليست شاذة، لوجود عشرات مسموعة، من نظائرها الفصيحة، وعرض تلك العشرات، وانتهى من بحثه إلى أمرين: أولهما: أن النسب إلى "فعيلة" هو: فعيلي" قياسا مطردا: ثانيهما: أنه يجوز النسب إليها على: "فعلي" -بحذف الياء- كما يرى بعض القدماء بالشرطين السالفين: وبزيادة شرط ثالث عليهما؛ هو: اشتهار الاسم المنسوب إليه شهرة فياضة تمنع الخفاء واللبس عن مدلوله إذا حذفت ياء "فعيلة" للنسب. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة ص3 ح حذف الياء جوازا، لا وجوبا. وما عرضه هذا الباحث من الأدلة غير مرجوح. ورأيه حسن. والأخذ به أولى1. فإن كانت العين مضعفة: مثل؛ رقيقة ولبيبة، أو كانت معتلة مع صحة اللام؛ مثل: طويلة، وعويصة -لم يحدث حذف ولا تغيير عند النسب إلا حذف تاء التأنيث؛ فيقال: رفيقي- ولبيبى، وطويلي. وعويصى. وإن كانت العين معتلة مع اعتلال اللام وجب إجراء التغيير الأول بالحذف والتغيير؛ فيقال: في طوية: طووي2 ... 4- حذف ياء: "فعيل" -بفتح فكسر- بشرط أن يكون معتل اللام. وفي هذه الصورة تنقلب عند النسب لامه المعتلة واوا مع فتح ما قبلها وجوبا؛ كغني وغنوي، وعلي وعلوي، وصفي وصفوي، وعدي وعدوي. فإن كان صحيح اللام لم يحدث تغيير؛ نحو: جميل وجميلي. وعقيل وعقييلي3.

_ 1 وقد أخذت به لجنة "الأصول" في مجمع اللغة العربية بالقاهرة -طبقا لما جاء في ص246 من مجلة المجمع المشتملة على البحوث والمحاضرات الخاصة بالدورة الخامسة والثلاثين لسنة 1968-1969. 2 "تكملة": بقي من الصور أن تكون العين صحيحة، واللام معتلة؛ مثل: صفية، وسنية؛ فهذه الياء المشددة تقلب واوا قبل ياء النسب؛ فيقال: صفوية، وسنوية، طبقا للبيان السابق "في ص717" خاصا بالثلاثي الذي آخره ياء مشددة، مع اعتبار تاء التأنيث في حكم غير الموجود. 3 انظر ما يتصل بهذه ويتممه في رقم 5 من هامش ص725 ومن النسب المسموع: ثقفي في النسب إلى ثقيف.

5- حذف ياء: "فعيلة" -بضم، ففتح، فسكون- وحذف تاء التأنيث معها، بشرط أن تكون العين غير مضعفة، وأن تكون صحيحة إذا كانت اللام صححة. فتصير الكلمة بعد التغيير السالف على وزن: "فعلي"، فعند النسب إلى: قريظة، وجهينة، وحذيفة، يقال: قرظي، وجهني، وحذفي ... فإن كانت العين مضعفة لم تحذف الياء؛ كما في قليلة وقليلي، وجديدة وجديدي. وكذلك إن كانت معتلة مع صحة اللام، كما في لويزة ولويزي، ونويرة ونويري. فإن كانت معتلة مع اعتلال اللام وجب الحذف، نحو: حيية وحيوي ... 1. 6- حذف ياء "فعيل" -بضم، ففتح، فسكون- بشرط أن يكون معتل اللام. وفي هذه الصورة تنقلب عند النسب لامه المعتلة واوا قبلها فتحة؛ نحو: قصي وقصوي، وفتى، وفتوى. فإن كان: "فعيل" صحيح اللام لم تحذف الياء -في الأرجح- نحو: سعيد وسعيدي، وردين ورديني2 ...

_ 1 وفي الحذف الخاص بصيغتي: "فعيلة" وفعيلة، يقول الناظم: و"فعلي" في: "فعيلة" التزم ... و"فعلي" في فعيلة حتم-12 ويقول: وألحقوا معل لام عريا ... من المثالين بما "التا" أوليا-13 وتمموا ما كان كالطويله ... وهكذا ما كان كالجليله-14 "عري: خلا -من المثالين، يريد بهما: صيغتي: فعيلة، وفعيلة السالفتين، أولي: أتبع وجاء بعد شيء سبقه. والألف التي في آخر الشطر الأول والثاني زائدة لوزن الشعر". يريد: أن النحاة أو العرب ألحقوا عند النسب ما كانس من الصيغتين السالفتين خاليا من معتل اللام بما وليته التاء منهما، أي: جاءت بعده وفي آخره. حيث يجب -عنده- حذف الياء في الملحق كالملحق به. 2 ومن النسب السماعي: قرشي، وهذلي؛ في النسب إلى: قريش، وهذيل. ويرى المبرد أن هذا قياسي؛ لكثرته.

7- حذف واو: "فعولة" -بفتح فضم- ومعها التاء1؛ بشرط أن تكون عين اللفظ صحيحة، وغير مضعفة. وفي هذه الصورة يفتح الحرف الذي كان مضموما قبل حذف الواو. ومن الأمثلة: شنوءة2، وسبوحة3، فيقال في النسب إليهما: شنثي، وسبحي ... 4 فلا تحذف الواو في مثل: قوولة وصوولة5، لاعتلال العين، ولا في مثل: "ملولة" لتضعيفها. "أما فعول" بغير تاء فينسب إليه على لفظه؛ نحو؛ ملول وملولي، وعدو وعدوي ...

_ 1 يلاحظ أن الأغلب في صيغة: "فعول" إذا كانت وصفا بمعنى "فاعل"، ألا تدخلها التاء الدالة على التأنيث المحض وحده "طبقا للبيان الخاص بهذا في ص591" أما في غير هذه الصورة فقد تلحقها التاء. ويقال: إنه لم يرد عن العرب علم على وزن: "فعولة" ونسبوا إليه على: "فعلي" إلا: "شنوءة" حيث قالوا: "شنئي" -كما سيجيء في رقم 4. 2 علم قبيلة عربية. 3 علم على مكة، أو على ماء قريب منها. 4 هذا رأي سيبويه. أما غيره فينسب إليها على لفظها؛ لأنه لم يرد عند العرب سوى شنئي، في النسب إلى شنوءة، فهي كلمة واحدة حكمها الشذوذ. وهذا الرأي هو الأعلى، والأجدر بالاقتصار عليه. 5 ويصح قلب واوهما همزة، فيقال: قئولة وصئولة.

المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله

المسألة 178: النسب إلى ما حذف منه بعض أصوله أ- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو عين الكلمة وجب رده في حالتين: الأولى: أن يكون عينا لاسم ثلاثي مضعف1. مثل: "رب". وأصله: "رب" الحرفية الجارة، حذفت الياء الأولى، تخفيفا2، فإذا صار بعد التخفيف علما وأريد النسب إليه، وجب إرجاع الياء الساكنة المحذوفة وإدغامها في نطيرتها، كما كانت قبل الحذف؛ فيقال: ربي، ومثلها: "قط" على اعتبار أن أصلها: قط3 -بتشديد الطاء؛ حذفت الطاء الأولى الساكنة، تخفيفا؛ فإذا نسب إلى المخففة وجب إزعاج العين المحذوفة. وإدغامها في نطيرتها: فيقال: قطي ... الثانية: أن يكون عينا لاسم معتل اللام، نحو: يرى "علما منقولا من المضارع، وأصله: يرأى. نقلت فتحة الهمزة. إلى الراء الساكنة قبلها، وحذفت الهمزة؛ فصار اللفظ: يرى". فإذا سمي به، وأريد النسب إليه؛ قيل: "يرثي"، بإرجاع العين المحذوفة مع فتح الراء؛ مراعاة لضبطها الطارئ الذي كانت عليه بعد حذف الهمزة4.

_ 1 مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد؛ مثل: عد، قط، رب ... ولا بد أن يكون المضعف ساكن العين. إذا كانت مدغمة في نظيرتها، وهو الحرف الواقع لام الكلمة. 2 ومن التخفيف قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} . 3 ظرف زمان يستعمل -في الأغلب- بعد كلام منفي المعنى في الزمن الماضي. "وتفصيل الكلام عليه في ج2 م79". 4 هذا رأي سيبويه -كما سيجيء أيضا في رقم 4 من هامش ص735- وهو يوجب في الاسم الذي ترجع لامه المحذوفة عند النسب أن تبقى عينه على فتحتها الطارئة عليها عند حذف اللام، قبل الحذف. فإذا ما عادت اللام عند النسب لم ترجع العين إلى السكون الذي كان أصلا لها من قبل؛ وإنما تظل على الفتحة الطارئة عليها. فإذا رجعت الهمزة المحذوفة هنا -صارت الكلمة: "يرأى"- بثلاث متحركات مفتوحة، فألف ساكنة، مكتوبة ياء، وعند النسب تحذف هذه الألف "لأنها رابعة في اسم ثانيه متحرك، كما تقرر من قبل في ص18"، فيقال: "يرثي" وهذا الرأي هو الأرجح الذي يؤيده السماع الأكثر، أما غير سيبويه فيوجب عند رجوع اللام المحذوفة إرجاع العين إلى سكونها الأصلي السابق، وعدم الاعتداد بالفتحة الطارئة. فعند إرجاع الهمزة يصير الاسم: "يرأى" والنسب إليه هو: "يراوي" أو: "يرئي"؛ طبقا لما تقرر -في ص718- من أن ألف الرباعي الساكن الثاني تحذف أو تقلب واوا. ومما سبق يتضح رأيان في المجبور برد اللام عند النسب؛ فسيبويه ومن معه يوجب فيه فتح العين وإن كانت ساكنة في الأصل. وغيره يوجب تسكينها كما كانت أولا، وإرجاعها لأصله.

ب- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو: "فاء" الكلمة وجب إرجاعه بشرط اعتلال اللام؛ نحو: شية1 والنسب إليها: وشوي، بكسر الواو الأولى وفتح الشين2 -تليها الواو الثانية المكسورة عند النسب. فإن كانت اللام صحيحة لم يجز رد المحذوف؛ فيقال في عدة3: عدي

_ 1 علامة. 2 أصلها: "وشي" "بكسر الواو، فسكون الشين. وردد النحاة وصاحب "المصباح المنير" النص على كسر الواو، ولم يذكروا السبب في كسرها" حذفت الواو، ونقلت حركتها إلى الشين، وزيدت تاء التأنيث عوضا عن الواو المحذوفة؛ فصارت الكلمة: "شية". بفتح الياء؛ لتناسب التاء. فعند النسب إليها ترجع فاء الكلمة "وهي الواو المكسورة، وتبقى الشين على حركتها العارضة، وهي الكسرة؛ عملا بمذهب سيبويه السالف في الصفحة الماضية وهامشها، فتصير إلى: وشي "بواو وشين مكسورتين" ثم تنقلب كسرة الشين فتحة، عملا بالقاعدة التي تقدمت في ص718 و728. "ومضمونها: أن الاسم الثلاثي المنسوب إليه يجب فتح ثانيه إن لم يكن مفتوحا. سواء أكان الحرف الأول مضموما أم مفتوحا أم مكسورا ... " فتصير الكلمة بغير ياء النسب إلى: "وشي". تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. وصارت الكلمة: "وشا"، بكسر ففتح، فألف مقصورة تقلب عند النسب واوا؛ لأنها ثالثة؛ فيقال: "وشوي". أما عند غير سيبويه ممن لا يعتد بحركة الشين الطارئة ويتمسك بالسكون لأنه الضبط السابق قبل الحذف -فيقول- وشيي: وقد عرفنا رجحان رأي سيبويه. وكلا الرأيين في أمر النسب إلى ما حذف، كما أوضحناه في حالات ونوضحه في باقيها -يدعو للدهش؛ ففيه من التحليل، والتعليل، والحذف، والقلب، والإثبات، والإرجاع، ما يكد الذهن، ويرهق العقل، من غير أن يعرف العرب شيئا منه، أو يدور بخلد أفصحهم. وبالرغم من هذا نسأل: أيمكن هنا -فقط- وضع ضابط عام للنسب إلى ما حذف بعض أصوله، من غير التجاء إلى هذه الفروض الخيالية؟ يبدو أن الجواب: لا. وفي الكلام على "شية" وما في حكمها يقول الناظم: وإن يكن كثية ما "الفا" عدم ... فجبره وفتح عينه التزم-23 "عدم، أي: زال، بمعنى: حذف -جبره: إرجاعه عند النسب". 3 مصدر الفعل: وعد. حذفت الفاء، وعوض عنها تاء التأنيث.

وفي جدة1: جدي. ج- إن كان الحرف الأصلي المحذوف هو "لام" الكلمة، وجب إرجاعه في حالتين: الأولى: أن تكون العين معتلة؛ مثل: "شاة" وأصلها: "شوهة"2 -بسكون الواو- حذفت لام الكلمة "الهاء" للتخفيف، فصارت الكلمة: شوة -بسكون الواو- ثم تحركت الواو بالفتحة3، فصارت: شوة، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فانقلبت ألفا، وصارت الكلمة، شاة، والنسب إليها في الرأي الأرجح هو: شاهي4.

_ 1 بمعنى: غنى. أصلها: وجد، مصدر الفعل: وجد، حذفت الفاء وعوض عنها التاء. 2 الكلمة واوية العين بدليل معها على: "شياه" التي أصلها: شواه. قلبت الواو ياء لوقوعها بعد كسرة. 3 لوجوب فتح ما قبل تاء التأنيث في كل الحالات، على الوجه الذي سبق في ص693. 4 وهذا رأي سيبويه، وقد سبق بيانه في رقم 4 من هامش ص733؛ ومنه يعلم أنه يستبقى -عند النسب- حروف الكلمة على ضبطها الطارئ عليها، بسبب حذف بعض الأحرف تغييرا طارئا. وعلى هذا تبقى فتحة "شوة" -وهي فتحة طارئة- ويبقى ما ترتب على وجودها، وهو قلب الواو ألفا. وعند النسب ترجع الهاء المحذوفة التي هي لام الكلمة، وتحذف تاء التأنيث لتحل محلها ياء النسب، فيقال: "شاهي". أما من يخالف سيبويه ويوجب إرجاع العين وغيرها من الحروف إلى ضبطها الأصيل الذي كان قبل حذف أحد أصول الكلمة، فيقول: "شوهي" -بفتح فسكون- ذلك أن أصل الكلمة هو: شوهة. بسكون الواو قبل حذف اللام التي هي: "الهاء"، والتي أدى حذفها إلى تحريك الواو بالفتحة؛ إذا صارت "قبل تاء التأنيث" مباشرة. فعند رجوع اللام المحذوفة -وهي الهاء- ترجع الواو إلى ضبطها الأول وهو السكون ويمتنع قبلها ألفا؛ لعدم تحركها ويصير النسب كما سبق: "شوهي". وفي هذا الوضع من مواضع النسب إلى محذوف اللام معتل العين، يصرح النحاة بأن النسب إلى: "ذو" و"ذات" هو: "ذووي" فيهما؛ لأن لامهما محذوفة، وعينهما معتلة ويقولون إن أصلهما: "ذوي" ويعددون أنواعا معقدة من الفروض والخيالات يجر بعضها بعضا؛ كي يصلوا من ورائها إلى إثبات هذا الأصل. وقد كدوا، وداروا حتى انتهوا إلى ما أرادوا، وهو غير ما يريده الواقع، والرأي السديد. ومن شاء أن يرى بعض الفروض المرهقة فليرجع إلى كتاب سيبويه وشراحه "ج2 ص80، 81 وما بعدها في الباب الذي عنوانه: "ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرد"، والباب الذي عنوانه: "الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين". وهو يريد "بالإضافة": النسب =

الثانية: أن تكون اللام المحذوفة قد رجعت -في الكلام المأثور- في التثنية، أو جمع المؤنث السالم1؛ مثل: "أب، وأخ"، وتثنيتهما: "أبوان وأخوان"، فالنسب إليهما: أبوي وأخو، بإرجاع الواو المحذوفة منهما. ومثل: "سنة"، وأصلها: سنة أو سنو. حذفت لام الكلمة؛ "وهي: الهاء: أو الواو" وجاءت تاء التأنيث عوضا عنها، وهذه التاء تحذف في جمع المؤنث السالم وترجع اللام المحذوفة، فيقال: سنهات أو سنوات، كما يقال في النسب: سنهي، أو سنوي، بإرجاع اللام المحذوفة كما رجعت في جمع المؤنث. والنسب إلى: "أخت وبنت"؛ هو: "أخوي، وبنوي"، لأن جمعهما المؤنث السالم: أخوات وبنات، والنسب إليهما كالنسب إلى أخ وابن، وهذا يوقع في لبس قوي دعا بعض النحاة إلى رفض النسب بالصورة السالفة، وتحتيم النسب على لفظهما؛ فيقول: أختي وبنتي؛ ورأيه حسن، جدير بالمحاكاة، مع صحة الرأي الأول وقوته2.

_ = كما أشرنا من قبل في رقم 3 من هامش ص714، ويكرر هذا. وفي التصريح وحاشيته، وحاشية الصبان سلسلة متشابكة من تلك الخيالات، وكان الخير في ترك ذلك كله، والاقتصار على أن النسب إلى: ذو، وذات، هو: ذووي؛ مراعاة للمسموع. على أنه قد جاء في حاشية: "القطر عند الكلام على معنى: "ذات" ما يأتي: "لها ثلاث استعمالات: الإشارة بها، وبمعنى: صاحبة، وبمعنى: التي وبقي لها استعمال رابع. وهو جعلها اسما مستقلا؛ نحو: ذات الشيء: بمعنى: حقيقته وماهيته. وقد صار استعمالها بمعنى نفس الشيء عرفا مشهورا؛ حتى قال الناس ذات متميزة، وذات متحدثة، ونسبوا إليها على لفظها من غير تغيير. والله يقول: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: ببواطنها وخفياتها. فالكلمة عربية، ولا التفات لمن أنكر عربيتها، وخطأ علماء الكلام، مصيبون". ا. هـ. ومثل هذا في "المصباح المنير" مع الاشتراك في كثير من ألفاظ السالفة ويمكن الرجوع إليه في مادة: "ذوى". 1 لم يذكروا جمع المذكر السالم اكتفاء بالتثنية؛ لأنه على غرارها -كما سبق في بابهما- فما يرجع في التثنية يرجع في جمع المذكر السالم. 2 يقولون في تأييد الرأي الأول: إن صيغة: "أخت وبنت" كلها للتأنيث. والتاء للإلحاق بالرغم من أنها بدل من واو محذوفة؛ وهي لإلحاق الكلمتين بقفل وجذع؛ إلحاقا للثنائي بالثلاثي، فيجب رد صيغة أخت وبنت إلى صيغة المذكر، بحذف التاء منهما كما حذفت في النسب إلى مكة؛ فقيل: مكي،=

ما يجوز فيه عند النسب رد لامه المحذوفة وعدم ردها: بان مما سبق وجوب رد اللام المحذوفة إلى الاسم عند النسب بشرط أن تكون عينه معتلة، أو أن تكون لامه مما يرجع في تثنية أو جمع مؤنث سالم. فإن لم يتحقق الشرط جاز الرد وعدمه، ففي مثل: يد1 ودم2، وسفة3

_ = وفي جمع المؤنث السالم؛ فقيل: في مؤمنة ومؤمنات ... لئلا تقع تاء التأنيث حشو ... وكلام كثير آخر أساسه مجرد الجدل. وقد تناوله بعض القدماء بالرد والرفض "على نحو ما نقله شرح التصريح في هذا الموضع". ونحن في غنى عن هذا كله، وعن مناقشته، وزيادة الجدل القديم بجدل جديد؛ وكلاهما لا خير فيه؛ إذ حسبنا إباحة الرأيين، واستحسان الرأي القائم على إبعاد اللبس، وهو رأي قديم لبعض كبار النحاة. ومنهم: يونس بن حبيب البصري المتوفى حول سنة 181 هـ، وهو من أشهر أئمة اللغويين النحاة في عصر سيبويه، وله مؤيدون. وفي إرجاع اللام جوازا ووجوبا يقول الناظم: واجبر برد اللام ما منه حذف ... جوازا إن لم يك رده ألف-19 في جمعي التصحيح، أو في التثنيه ... وحق مجبور بهذي توفيه-20 وبأخ أختا، وبابن بنتا ... ألحق. ويونس أبى حذف التاء-21 يقول: اجبر برد اللام ما حذف منه اللام جبرا جائزا، إلا إذا كان رد اللام لازما في التثنية أو جمع التصحيح لمذكر أو لمؤنث، في هذه الحالة يستحق المجبور -وهو الاسم المحذوف اللام- التوفية وجوبا بإرجاع لامه إليه. ثم قال: ألحق أختا بأخ في رد اللام المحذوفة، وكذلك ألحق بنتا بابن في ردها من غير إبقاء التاء فيهما. على غير مذهب يونس ومن معه فإنه يبقيها. وقد شرحنا الرأيين ... 1 أصل: "يد" هو: يدي -بسكون الدال- حذفت اللام بغير تعويض؛ تخفيفا؛ وتحركت الدال الساكنة. والنسب إليها هو: يدي، بغير رد اللام، أو: يدوي، بردها، وقبلها الفتحة الطارئة لأجلها؛ لأن ما قبلها يفتح عملا برأي سيبويه، أو قبلها السكون السابق؛ عملا برأي غيره. ورأي سيبويه هو الأرجح -كما عرفنا- في رقم 4 من هامشي ص733 و735. 2 أصل: "دم"، هو: دمو -بسكون الميم في الأصح- حذفت الواو، تخفيفا بغير تعويض، وتحركت الميم الساكنة، وعند النسب يقال: دمي، بغير رد، أو: دموي بالرد مع فتح ما قبل الواو؛ لأن ما قبلها يفتح لها -كما سبق- أو إرجاعه إلى سكونه الأصلي؛ كما سبق: في يد. 3 أصل: شفة، هو شفه "بسكون الفاء، وبالهاء، بدليل ظهور الهاء في الجمع: شفاه" حذفت الهاء تخفيفا، وعوض عنها تاء التأنيث مع فتح ما قبلها، فصارت شفة. فعند النسب يقال: شفي، بغير رد الهاء، أو شفهي بردها مع بقاء الفاء قبلها على فتحتها العارضة، أو: إرجاعها إلى سكونها الأول. ومن يرى أن اللام المحذوفة واو، وليست هاء يجيز في النسب: شفي وشفوي ولكن الشائع بين اللغويين أن اللام المحذوفة هاء.

يقال عند النسب: يعدي أو يدوي، دمي أو دموي شفي، أو شفهي ويصح: شفوي ... وقد حذفت اللام في يد، ودم بغير تعويض. زيدت تاء التأنيث عوضا عن الهاء المحذوفة. وإذا حذفت اللام وعوض عنها همزة الوصل جاز عند النسب الرد أو عدمه دون الجمع بين اللام المحذوفة وهمزة الوصل؛ منعا للجمع بين العوض والمعوض عنه، ففي مثل: "ابن واسم" يقال: "ابن واسم" يقال: "ابني أو بنوي، واسمي، أو سموي"1 ولا يصح أن يقال: ابنوي واسموي ...

_ 1 الكثير المسموع ضم السين أو كسرها. أما الميم فمفتوحة على رأي سيبويه؛ لأن الفتحة طارئة على الثاني للنسب فتبقى -كما عرفنا.

المسألة 179: أحكام عامة في النسب

المسألة 179: أحكام عامة في النسب "وتشمل: حكم النسب إلى المركب بأنواعه المختلفة -وإلى جمع التكسير، وما ألحق به- صيغة: فعال" للنسب، النسب المسموع، وبعض ألفاظ منه، زيادة تاء التأنيث في المنسوب". أ- النسب إلى المركب1: 1- إن كان المركب إضافيا علما -بالوضع أو بالغلبة- فالأصل أن ينسب إلى صدره؛ فيقال في خادم الدين، وفوز الحلق، وعابد الإله ... "والثلاثة أعلام": خادمي، فوزي، عابدي ... ويستثنى من هذا الأصل ثلاث حالات يجب النسب فيها للعجز. الأولى: أن يكون "المركب الإضافي" العلم كنية، نحو: أبو بكر، وأم كلثوم ... فيقال في النسب: بكري، وكلثومي. الثانية: أني كون هذا "المركب الإضافي" معرفا صدره بعجزه2؛ نحو: ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر ... فيقال في النسب إليها: عباسين ومسعودي، وعمري. الثالثة: أن يكون النسب إلى صدر هذا المركب مؤديا إلى اللبس، بعدم معرفة "المنسوب إليه" حقيقة؛ مثل: عبد مناف، وعبد شمس، وناصر مجد "والثلاثة أعلام" فيقال في النسب إليها: منافي، وشمسي، ومجدي؛ إذ لو نسب إلى الصدر فقيل: عبدي، وناصري، لم يعرف "المنسوب إليه".

_ 1 سبق تعريف المركب وتقسيمه وحكم كل قسم "في مكانه المناسب من الجزء الأول ص128 م10 وص270 م22 باب العلم". 2 بأن يكون صدره نكرة، وعجزه معرفة، بها يتعرف الصدر، وقد يشتهر المركب بعد هذا فيدخل في عداد العلم بالغلبة "وقد سبق إيضاحه في مكانه المناسب من الجزء الأول باب: العلم، ومن أمثلته: ابن عباس، وابن عمر ... ".

فإن كان المركب الإضافي ليس عما "لا بالوضع، ولا بالغلبة"، نحو: كتاب زينب، وجب النسب للمضاف وحده، أو للمضاف إليه وحده على حسب المراد. 2- المركب الإسنادي وملحقاته1. وينسب إلى صدره ففي النسب إلى: نصر الله، وجاد الحق، وحامد مقبل "والثلاثة أعلام" يقال: نصري، وجادي، وحامدي ... 2. 3- المركب المزجي، ومنه الأعداد المركبة؛ كأحد عشر ... والشائع أنه ينسب إلى صدره أيضا مع الاستغناء عن عجزه؛ سواء أكان صدره معتل الآخر أم صحيحا، نحو: "مجد يشهر، وقاليقلا" "وحضرموت وبندرشاه" وكلها أسماء بلاد؛ فيقال فيها: مجدي وقالي -بحذف حرف علتهما ووضع ياء النسب مكانه-3 وحضري وبندري، هذا هو الرأي الشائع. ومن النحاة من يجيز النسب إلى العجز وحده مع الاستغناء عن الصدر بحذفه، ومنهم من يجيز النسب إلى الصدر وإلى العجز معا بزيادة ياء النسب في آخر كل منهما، مزيلا تركيبهما، فيقول: مجدي شهري بإدخال ياء النسب على كل منهما. ومنهم من ينسب إلى المركب باقيا تركيبه بإدخال ياء النسب على العجز وحده مع ترك الصدر قبله على حاله، فيقول: مجد يشهري -وقاليقلوي- "والياء التي في صدر المركب حرف علة وليست للنسب" -وحضرموتي- وبندر شاهي ...

_ 1 ستجيء ملحقاته في رقم 2. 2 يلحق به في الحكم السالف بعض ألفاظ، ليست مركبات إسنادية، ولكنها مثلة في النسب إلى الصدر، منها: لولا، حيثما، لوما، أينما، فقال في النسب إليها: لوي، بالتخفيف، حيثي لومي؛ بالتخفيف، أيني. 3 الصدر في الكلمتين كاملا هو مجدي ... وقالي ... وفي النسب إلى "مجدي ... " يقال: مجدي بحذف ياء العلة، أو: مجدوي؛ بقلبها واوا، وذلك أن حذف العجز يجعل الياء في آخر الصدر، وهي ياء رابعة في اسم أصله منقوص، وحكم الياء الرابعة في المنقوص جواز حذفها عند النسب، وهو الأحسن، أو قلبها واوا قبلها فتحة "كما عرفنا في رقم 5 من ص720". ومثل هذا يقال في النسب إلى: "قالي ... ".

وهكذا. وحجته أن النسب بهذه الصورة يوضح المنسوب إليه، ولا يوقع في لبس. وهذا رأي حسن، ولعله أنسب الآراء اليوم. وهناك صور مسموعة من النسب إلى أنواع المركب، تخالف ما تقدم، وقد حكموا عليها بالشذوذ، ومنع القياس عليها؛ كصوغهم: وزن "فعلل" "بفتح فسكون ففتح ... " من المضاف والمضاف إليه1 معا، والنسب إلى تلك الصيغة، كقولهم في: تيم اللات، وعبد الدار، وامرئ القيس الكندي، وعبد الله، وعبد شمس ... ، تيلمي، عبدري، مرقسي، عبقسي، عبشمي2. ب- النسب إلى جمع التكسير3، وما في حكمه. 1- إذا أريد النسب إلى جمع التكسير، الباقي على دلالة الجمعية فالشائع4 هو النسب إلى مفرده؛ فيقال في النسب إلى: بساتين، وكتبة، ومدارس، وحقول ... : بستاني، وكاتبي، ومدرسي، وحقلي. فإن لم يبق جمعا لتكسير على دلالة الجمعية: بأن صار علما على مفرد، أو على جماعة واحدة معينة مع بقائه على صيغته في الحالتين وجب النسب إليه

_ 1 وهذا نوع مما يسمى: النحت. 2 وفي النسب إلى المركب يقول الناظم: وانسب لصدر جملة وصدر ما ... ركب مزجا، ولثان تمما-16 إضافة مبدوءة بابن أو أب ... أو ماله التعريف بالثاني وجب-17 المراد بالجملة: المركب الإسنادي، فإن كان جملة صدرها فعل، فهي فعلية، أو اسم فهي اسمية. وقد تبين باختصار أن النسب الشائع للمركب الإسنادي يكون لصدره، وكذلك للمركب المزجي. وأن النسب يكون للثاني "أي: للعجز" إذا كان متمما لمضاف هو: كلمة؛ ابن، أو أب، أو غيرهما مما يستفيد التعريف من الثاني؛ أي: من المضاف إليه على الوجه الذي شرحناه ثم صرح بأن النسب في المركب الإضافي عند أمن اللبس يكون للصدر في غير ما نص عليه أنه للعجز، قال: فيما سوى هذا انسبن للأول ... ما لم يخف لبس كعبد الأشهل-18 3 أما النسب إلى جمع المذكر السالم، أو جمع المؤنث السالم، أو المثنى، فقد سبق الكلام عليه مفصلا في ص724 ما بعدها. 4 عند البصريين -كما سيجيء.

على لفظه وصيغته؛ فيقال في النسب إلى الجزائر -وهي الإقليم العربي المعروف في بلاد المغرب- وعلماء، وقراء، وأخبار، وأهرام، وتلول ... "وكلها أعلام مشهورة في وقتنا" جزائري، علمائي، وأخباري، وأهرامي، وجبالي، وتلولي، كما يقال في النسب إلى جماعة اسمها: أنصار الدفاع، وأخرى اسمها: الأبطال ودولة اسمها: المماليك ... أنصاري، وأبطالي. ومماليكي، ولا يصح النسب إلى المفرد؛ منعا للإبهام واللبس؛ إذ لو قلنا: "الجزائري أو الجزري، وعالمي، وقارئي، وخبري، وهرمي، وجبلي، وتلي، وناصري، وبطلي، ومملوكي ... " لالتبس الأمر بين النسب إلى المفرد والنسب إلى الجمع. فإن كان اللفظ معدودا من جموع التكسير؛ لمجرد أنه على وزن صيغة من صيغ التكسير. وليس له مفرد فإنه ينسب إليه على صيغته؛ نحو: عباديد، وشماطيط "وكلاهما بمعنى: جماعات متفرقة" والنسب إليهما: عباديدي، وشماطيطي. هذا هو المذهب البصري الشائع. أما الكوفيون فيجيزون النسب إلى جمع التكسير الباقي على جمعيته مطلقا1. وحجتهم: أن السماع الكثير يؤيد دعواهم وقد نقلوا من أمثلته عشرات وأن النسب إلى المفرد يوقع في اللبس كثيرا؛ ورأيهم حسن مفيد. وقد ارتضاه المجمع اللغوي القاهري2. فعندنا مذهبان صحيحان؛

_ 1 أي: سواء أكن اللبس مأمونا عند النسب لمفرده؛ "نحو أنهاري، في النسبة إلى: نهر" أم غير مأمون، "نحو: جزائري، في النسبة إلى بلاد "الجزائر" المعروفة". 2 جاء في الصفحة الرابعة من محاضر جلسات المجمع في دور انعقاده الثالث ما نصه بلسان رئيسه: يقول: "قرار المجمع بشأن النسبة إلى جمع التكسير عند الحاجة، كإرادة التمييز، ونحو ذلك: رأي المجمع في هذا أن النسبة إلى الجمع قد تكون في بعض الأحيان أبين وأدق في التعبير عن المراد من النسبة إلى المفرد. بهذا عدل عن مذهب البصريين القائلين بقصر النسبة على المفرد، إلى مذهب الكوفيين المترخصين في إباحة النسبة إلى الجمع؛ توضيحا وتبيينا". ا. هـ. وقد تضمنت الصفحتان العاشرة والحادية عشرة من محاضر ذلك الدور الأدلة العلمية والدواعي للقرار السالف وجاء في ختامها ما نصه: =

لا يفضل أحدهما الآخر في سياق معين إلا بالوضوح والبعد عن اللبس؛ فإذا أمن اللبس فالأفضل محاكاة المذهب الشائع؛ لأنه أكثر في الوارد الفصيح. 2- وإذا أريد النسب إلى ما في حكم جمع التكسير من الكلمات الدالة على جماعة من غير أن ينطبق عليها تعريفه؛ ولا أن تسمى باسمه، أو تلحق به -وجب النسب إلى لفظها؛ فيدخل في هذا اسم الجمع1؛ كقوم، ورهط، والنسب إليهما: قومي ورهطي، ويدخل أيضا اسم الجنس الجمعي2؛ الذي يفرق بينه وبين واحدة بالياء المشددة أو بالتاء، كترك، وروم، وشجر وورق ... ، والنسب إليها: تركي، ورومي، وشجري، وورقي ... وهذا نسب يوقع في لبس؛ لاشتراكه بين المفرد والجمع، فيكون التفريق والتعيين بالقرائن التي توضح نوع المنسوب إليه، وتحدده3 ... ج- كثر في الأساليب الفصيحة المسموعة استعمال صيغة: "فعال" للدلالة على النسب4 -بدلا من يائه- وكثر هذا في الحرف؛ فقالوا: حداد؛

_ = "أهل الكوفة يخالفون أهل البصرة في مسألة النسبة إلى الجمع يرده إلى واحده؛ فيجيزون أن ينسب إلى جمع التكسير بلا رد إلى واحدة؛ فلا يغير الوضع. وهذا هو الأصل العام، وفيه إبداء لإرادة المتكلم؛ فيتميز المنسوب إلى الجمع من المنسوب إلى واحدة؛ فيقال مثلا في النسبة إلى الملوك: الملوكي، وفي النسبة إلى الدول: الدولي، وفي النسبة إلى الكتاب: الكتابي، فلا تستوي النسبة إلى الجمع والنسبة إلى واحدة. "ولقد كثر النسب إلى الجمع فيما مضى وغلب حتى جرى مجرى الأعلام؛ فمثلا قيل: الدوانيقي، لأبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، وقيل لغيره: الكرابيسي، والأنماطي، والحاملي، والثعالبي، والجواليقي، ... واستمر النسب إلى الجمع على هذا النحو إلى الآن. والمجمع إنما ينسب إلى لفظ جمع التكسير عند الحاجة؛ كالتمييز بين المنسوب إلى الواحد، والمنسوب إلى الجمع ... ". 1 سبق تعريفه في ص680. 2 عند من يعتبره قسما مستقلا عن جمعا لتكسير -وقد سبق تعريفه في ج من ص681. 3 فيما سبق من النسب إلى جمع التكسير يقول ابن مالك: والواحد اذكر ناسبا للجمع ... إن لم يشابه واحدا بالوضع-24 والمراد بمشابهته للواحد بالوضع: أن يكون علما على واحد؛ كأنمار وذئاب، أو يشتهر في جماعة معينة حتى يصير بمنزلة العلم عليها؛ كالأنصار -وهم أهل المدينة من أنصار الرسول عليه السلام- فقد اشتهرت جماعتهم بهذا الاسم حتى صار علما عليها؛ فيكون النسب إليها: أنصاري. 4 جعلوا منه قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ، أي: بمنسوب إلى الظلم. وحجتهم أن =

لمن حرفته: "الحدادة"، ونجار؛ لمن حرفته: "التجارة"، وكذا لبان، ويقال، وعطار؛ ونحاس، وجمال، ونحوها من كل منسوب إلى صناعة معينة1 ... والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياس هذا في النسب إلى الحرف، لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس. ومن الجائز أن يزاد على آخره التاء للدلالة على المفردة المؤنثة، أو الجماعة، فيقال: الحدادة، والنجارة، واللبانة. والبقالة، والعطارة، والنحاسة، والجمالة، وكل هذا على إرادة المفردة المؤنثة، أو إرادة الجماعة، المقصود منها الجماعة الحدادة ... أو غيرها ... لأن الجماعة مؤنثة ... ومن المسموع القليل في النسب صيغة. فاعيل، وفعل "بفتح فكسر" مرادا بهما: صاحب كذا ... فيقال تامر. وكاس، وصائغ، وحائك، بمعنى: صاحب تمر، وصاحب كساء، وصاحب صياغة، وصاحب حياكة ... 2 ويقال: "طاعم، أو: طعم"، "ولابن، أو: لبن"، بمعنى: صاحب طعام، وصاحب لبن. ويقال: نهر، "أي: صاحب نهار". ومنه قول الشاعر:

_ = صيغة: "فعال" هنا لو كانت للمبالغة لكان النفي منصبا على المبالغة وحدها؛ فيكون المعنى: وما ربك بكثير الظلم، فالمنفي هو الكثرة وحدها دون الظلم الذي ليس كثيرا. وهذا معنى فاسد؛ لأن الله لا يظلم مطلقا، لا كثيرا ولا قليلا. وممن قال بقياسية صيغة "فعال" "المبرد" من البصريين، ومعه فريق منهم، وفريق آخر من الكوفيين، خلافا لسيبويه. وبرأي القياسيين المخالفين لسيبويه أخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة. 1 وقد شاع اليوم استعمال: "فنان" في المنسوب إلى "الفن" الذي يراد به بعض الحرف المعينة؛ كالرسم، والتصوير، والغناء، والتمثيل ... ، ولا بأس بهذا الاستعمال، وإطلاق كلمة: "فنان" على من يمارس بعض هذه الفنون صناعة، ويتخذه حرفة له. ولا مانع من استعمال الكلمة أيضا في بعض معانيها اللغوية الأولى كالمبالغة وغيرها. مما يوافق اللغة، ويناسب السياق. 2 الأمالي، ج1 ص185. ونقل صاحب المزهر -ج2 ص175 باب: "فاعل"، بمعنى: صاحب كذا- ألفاظا أخرى، منها: خابز، وتارس، وفارس، وماحض، ودارع، ورامح، ونابل، وفاعل ... ، ومعناها: صاحب خبز، وترس، وفرس، ومحض "أي: لبن خالص" ودرع، ورمح، ونبل، ونعل ...

لست بليلي ولكني نهر ... لا أدلج الليل ولكن أبتكر والأنسب الاقتصار على المسموع من هاتين الصيغتين. دون القياس عليهما؛ لقلة الوارد منهما، ولخفاء المعنى معهما1.. د- في النسب المسموع كثير من الأمثلة المخالفة للضوابط والأحكام السالفة. ويترتب على هذا أمران واجبان. أولهما: الحكم بشذوذها؛ وعدم القياس عليها. ومنها: دهري في النسب إلى: دهر -ومروزي، في النسب إلى مدينة "مرو" الفارسية- وجلولي في النسب إلى. "جلولاء "اسم مدينة" ورازي، في النسب إلى مدينة: الري2، وصنعاني في النسب إلى مدينة: صنعاء اليمينة وأميتي في النسب إلى أمية، وفوقاني وتحتاني في النسب إلى فوق وتحت، ورقباني وشعراني؛ لعظيم الرقبة، وكثير الشعر ... لكنهم قالوا إن الكلام الفصيح المأثور يتردد فيه كثيرا زيادة ألف ونون قبل ياء النسب في بعض الكلمات؛ للدلالة على النسب ومعه شيء آخر؛ هو زيادة معنى الكلمة قوة، والمبالغة فيه؛ ومن تلك الكلمات لحياني، لطويل اللحية، وجماني لطويل الجمة، ورقباني لطويل الرقبة، وشعراني لطويل الشعر3 ...

_ 1 وفي استخدام الصيغ الثلاث في أنسب بدلا من يائه يقول ابن مالك: ومع "فاعل"، و"فعال"، "فعل" ... في نسب أغنى عن "اليا"؛ فقبل-25 وتقدير البيت: "وفعل" أغنى عن الياء في نسب، قبل من فاعل، وفعال ... فكلمة "فعل" مبتدأ، خبره الجملة الفعلية المكونة من الفعل الماضي: "أغنى" ومن فاعله. وكلمة: "مع" "حال من هذا الفاعل، والمراد من أنه أغنى مع فاعل وفعال ... أن هاتين الصيغتين معه في هذا الحكم، أي: يشتركان معه فيه، وليس المراد أن الثلاثة تجتمع في وقت واحد وجملة واحدة لتدل على النسب مجتمعة. ويفهم مما سبق أن الناظم يقبل قياسية الثلاثة في الدلالة على النسب، ولكن رأيه ليس بالأرجح. 2 إحدى البلاد الفارسية قديما، في القسم المسمى: بالعراق العجمي. 3 جاء في المقتضب، ج3 ص144 في الهامش ما نصه في سيبويه ج2 ص89 "باب: ما يصير إذا كان عاما في الإضافة "أي: في النسب" على غير طريقته".. فمن ذلك قولهم في الطويل الجمة: جماني، وفي الطويل اللحية: اللحياني، وفي الغليظ الرقبة: رقباني. فإن سميت برقبة=

ومن النسب المسموع1 الخاضع للحكم السالف نوع آخر؛ يتميز بأن خففو فيه ياء النسب المشددة؛ فحذفو إحدى الياءين المدغمتين، وأتوا بدلها بألف للتعويض عنها قبل لام الكلمة؛ فقالوا في يمني: يماني2، وفي شامي، شآمني؛ بياء واحدة فيهما ساكنة. وبصير الاسم بهذا منقوصا؛ تقول قام اليماني، ورأيت اليماني، ومررت باليماني، وتحذف الياء عند تنوينه3.. وهكذا. ولأن هذه الألف عوض عن الياء لا يجتمعان إلا شذوذا في ضرورة الشعر4. ثانيهما: إذا سمي باسم شذت العرب في النسب إليه كبعض أمثلة الأمر الأول، فخرج باستعمالهم عن نطاق الضوابط العامة التي تراعى في النسب القياسي وجب إخضاعه لهذه الضوابط القياسية وحدها متى صار علما يراد النسب إليه، ولا اعتبار للنسب المسموع فيه قبل العلمية ... 5. هـ- إن كان المنسوب مؤنثا وجب الإتيان التأنيث بعد ياء النسب، للدلالة على تأنيثه إن لم يوجد مانع آخر؛ فيقال: قرأت بحوثا علمية وأدبية عميقة لفتيات عربيات، فيهن العراقية، والمصرية، واللبنانية، والسورية ... 6.

_ = أو جمة أو لحية، قلت: رقبي، وجمي، ولحوي. وذلك أن المعنى قد تحول. إنما أردت حيث قلت: "جماني: الطويل الجمة، وحيث قلت: "اللحياني": الطويل اللحية. فلما لم تعن ذلك أجرى مجرى نظائره التي ليس فيها ذلك المعنى؛ وقال في ص70: "فهذا كبحراني وشبهه". ا. هـ. ثم جاء بعد ذلك مباشرة قول المحقق الذي أشرف على إخراج "المقتضب" ما نصه: "وفي "المخصص" أمثلة كثيرة لهذا النوع من النسب" ثم ذكر بعضا منها ودل على مواضعها في المخصص. والمفهوم من كل ما سبق أن تلك الزيادة لتحقيق الغرض المقصود منها كثيرة كثرة قد تبيح القياس عليها. ولهذا أوثر عدم الالتجاء إليها إلا حيث تشتد الحاجة للأخذ بها لتحقيق الغرض من الزيادة. 1 وفي النسب الشاذ ووجوب الاقتصار على الوارد منه، وعدم القياس عليه يقول الناظم في ختام الباب: وغير ما أسلفته مقررا ... على الذي ينقل منه اقتصرا التقدير: غير ما أسلفته اقتصر على الذي ينقل منه. أي: على الذي ورد منقولا عن العرب، مسموعا عنهم، ولا يزاد عليه بالمحاكاة أو القياس. 2 الأحسن الاقتصار فيما يأتي على المسموع فقط. 3 لهذه الكلمة بيان مفيد رقم 3 من هامش ص716. 4 راجع الهمع ج2 ص198. 5 راجع الأشموني. 6 سبقت الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص718 لمناسبة هناك.

المسألة: التصريف

المسألة: التصريف مدخل ... المسألة 180: التصريف: تعريفه: يراد به هنا: "التغيير الذي يتناول صيغة الكلمة وبنيتها؛ لإظهار ما في حروفها من أصالة، أو زيادة، أو حذف، أو صحة، أو إعلال، أو إبدال1، أو غير ذلك من التغيير الذي لا يتصل باختلاف المعاني". فليس من التصريف؛ عند جمهرة النحاة، تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة؛ لتؤدي معاني مختلفة، "كالتصغير، والتكسير، والتثنية، والجمع، والاشتقاق ... " ولا تغيير أواخرها لأغراض إعرابيه، فإن هذا التغيير وذلك التحويل يدلاخن في اختصاص "النحو" وبحوثه عند تلك الجمهرة. يختص التصريف بالأسماء العربية المتمكنة، والأفعال المتصرفة؛ فلا شأن له بالأسماء الأعجمية، ولا بالأسماء العربية المبنية؛ كالضماء، ولا بالأفعال الجامدة، كعسى وليس. ولا بالحروف بأنواعها المختلفة. وليس بين الأسماء المتمكنة ولا الأفعال المتصرفة ما يتركب من أقل من ثلاثة أحرف، إلا إن كان بعض أحرفه قد حذف. مثل: يد، وقل، وم الله2.. والأصل: يدي، وقول، وايمن الله ... وهذا هو المراد من قولهم: لا يوجد التصريف في كلمة تقل أحرفها عن ثلاثة في أصلها، قبل حذف شيء منها3 ...

_ 1 للإعلال والإبدال باب خاص في ص756. 2 يذكر هذا في القسم. وأصله: ايمن الله؛ جمع: يمين. 3 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه: "التصريف": حرف وشبهه من الصرف بري ... وما سواهما بتصريف حري-1 المراد: بشبه الحرف: الأسماء المبنية، والأفعال الجامدة؛ لأن هذين النوعين يشبهان الحرف في الجمود والبناء. وكلمة: "برى" أصلها: برئ؛ بمعنى: خلا وابتعد. وحري، أصلها: حري أو حر، بمعنى: جدير ومستحق. ثم قال: وليس أدنى من ثلاثي يرى ... قابل تصريف سوى ما غيرا-2

المجرد والمزيد من الأسماء والأفعال: ينقرد الاسم إلى مجرد ومزيد؛ فالمجرد: "ما كانت أصلية، ليس فيها شيء من أحرف الزيادة التي يجمعها قولك: "سألتمونيها" ولكل منها علامة يعرف بها -وستجيء. والمزيد: "ما اشتمل على بعض أحرف الزيادة". ويعرف الحرف الزائد، بالاستغناء عنه، في بعض التصريفات، مع تأدية الكلمة بعد سقوطه معنى مفيدا. أما الأصل فلا يمكن الاستغناء عنه؛ إذ لا تؤدي الكلمة معنى مقصودا بعد -في الأغلب1. والاسم المجرد قد يكون ثلاثيا، نحو: حجر، وقد يكون رباعيا؛ نحو: جعفر، أو حماسيا؛ نحو: سفرجل، ولا يزيد الاسم المجرد على خمسة أحرف. والاسم المزيد2 قد تكون زيادته حرفا واحدا على أصوله الثلاثة؛ كالألف في: كتاب، وقد تكون حرفين؛ كالألف والميم في: مكاتب. وقد تكون ثلاثة: كالميم والسين والتاء في: مستكتب، وقد تكون أربعة؛ كالهمزة، والسين، والتاء، والألف، في: استكتاب. ولا يتجاوز الاسم المزيد سبعة أحرف3 ... والزيادة التي تدخل الأسماء الجامدة مقصورة -في الغالب- على السماع الوارد عن العرب. أما الفعل فمجرده إما ثلاثي؛ نحو: خرج، وإما رباعي، نحو: دحرج وليس للرباعي وزن آخر، ولا يتجاوز المجرد هذا. ومزيد الفعل2 قد تكون زيادته حرفا على ثلاثي الأصول؛ نحو: خارج، أو حرفين نحو: تخارج، أو ثلاثة؛ نحو: يتخارج، وقد تكون زيادته حرفا على رباعي الأصول؛ نحو: يدحرج، أو حرفين، نحو: يتدحرج، ولا يتجاوز

_ 1 قد تؤدي أحيانا بعد الحذف معنى، ولكنه معنى يخالف ما كانت تؤديه قبل الحذف، كحذف الجيم، أو الفاء من: جعفر ... 2 و2 ملاحظة: تجيء حروف الزيادة في الأسماء والأفعال لتجلب معها بعض المعاني الجديدة التي لم تكن قبل مجيئها. وقد شرحنا هذا تفصيلا، وسردنا تلك المعاني في الجزء الثاني باب: تعدي الفعل ولزومه م71 ص152، و157 وما بعدها. 3 وفي هذا يقول ابن مالك: ومنتهى اسم خمس إن تجردا ... وإن يزد فيه فما سبعا عدا-3 "أي: فما جاوز سبعا".

الفعل بالزيادة ستة1 أحرف. والزيادة التي تدخل الأفعال المختلفة، وأنواع المشتقات لأداء معنى معين، قياسية بالطريقة التي تشير اللغة بها. أبنية الاسم الثلاثي المجرد "أي: صيغة"، والفعل الثلاثي المجرد. أ- الاسم الثلاثي المجرد يكون مفتوح الأول، أو: مضمومه، أو مكسوره، ولا يكون ساكنا، أما ثانيه فقد يكون مفتوحا، أو مضموما، أو مكسورا، أو ساكنا. فالصور العقلية التي تحدث منه هذا: اثنتا عشرة صورة؛ لأن فتح الأول قد يكون مع فتح الثاني أو ضمه، أو كسره، أو سكونه، فهذه صور أربع، وضم الأول يكون من الحالات الأربع في الثاني، فتنشأ صور أربع أخرى. وكسر الأول قد يكون مع الحالات الأربع في الثاني، فتنشأ صور أربع أيضا، فمجموع هذه الصور اثنتا عشرة، كما قلنا: أما آخر الثلاثي فلا صلة له بما قبله، لأنه متصل بالإعراب وعلاماته. وجميع هذه الصور العقلية واقعية؛ أي: لها ألفاظ عربية كثيرة تؤيديها، إلا صورتان، إحداهما ممنوعة في الرأي الأرجح وهي الصورة التي يكون فيها أول الاسم مكسورا وثانيه مضموما. والأخرى قليلة، وهي عكس السالفة "أي: يكون الاسم فيها مضموم الأول مكسور الثاني، مثل: دئل؛ اسم قبيلة" وما عدا هاتين صحيح فصيح، نحو: فرس، عضد، كبد، صخر". ونحو: "صرد، عنق، دئل، قفل" ونحو "عنب، حبك2، إبل، علم ... "3.

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك: منتهاه أربع إن جردا ... وإن يزد فيه فما ستا عدا-7 وسيعاد البيت في ص750، لمناسبة هناك. 2 هذه هي الصيغة المرجح أنها الممنوعة أو المهملة. وقيل منها: الحبك -بكسر فضم- جمع: حباك، لنوع من الحبال القوية. ودروع الحديد، وطرق النجوم. 3 يقول ابن مالك: وغير آخر الثلاث افتح، وضم ... واكسر، وزد تسكين ثانيه تعم-4 =

ب- أما الفعل الماضي الثلاث المجرد فأبنيته أربعة، لأن أوله مفتوح دائما إلا حين بنائه للمجهول، أما ثانيه فقد يكون مفتوحا، أو مكسورا، أو مضموما، فالثلاثة المبنية للفاعل هي: "فعل كنظر"، "وفعل كعلم"، "وفعل كحسن وشرف. وأما الصيغة التي يبنى فيها للمجهول فهي: فعل، كعرف"1. أوزان الاسم الرباعي المجرد "ولا بد أن يكون ثانيه ساكنا". له ستة أوزان: أ- فعلل -بفتح، فسكون، ففتح؛ نحو: جعفر. ب- فعلل -بكسر، فسكون، فكسر؛ نحو: قرمز. ج- فعلل -بكسر، فسكون، ففتح؛ نحو: درهم. هـ- فعل -بكسر، ففتح، فتشديد اللام؛ نحو: هزبر. و فعلل -بضم، فسكون، ففتح اللام الأولى؛ نحو: جخدب2.

_ = غير آخر الثلاثي، هو: أوله وثانيه؛ فيجوز في كل منهما الفتح، والضم، والكسر، ويزيد الثاني بجواز تسكينه. ثم قال: وفعل أهمل، والعكس يقل ... لقصدهم تخصيص فعل بفعل-5 أي: أن العكس قليل؛ لأن العرب أرادت أن تخصص صيغة فعلية بفعل؛ أي: بالفعل الماضي، الثلاثي، المبني للمجهول. 1 يقول ابن مالك: وافتح، وضم واكسر الثاني من ... فعل ثلاثي، وزد نحو: ضمن-6 ثم ساق بعد هذا بيتا سبق شرحه -في ص749- وهو: ومنتهاه أربع إن جردا ... ........................-7 أما الفعل الرباعي المجرد فليس له إلا وزن واحد -كما سبق- هو فعلل؛ مثل: دحرج، ودريح، بمعنى: ذل ... 2 للطويل الرجلين، واسم حشرة.

أوزان الاسم الخماسي المجرد أربعة: أ- فعلل -بفتح، ففتح، فلام مشددة، فأجرى غير مشددة، نحو: سفرجل. ب- فعللل -بفتح أوله، وسكون ثانيه، وفتح ثالثه، وكسر رابعه ثم لام بعده، نحو: جحمرش1. ج- فعلل -بضم أوله، وفتح ثانيه، فلام ساكنة مدغمة في نظيرتها المكسورة، فأخرى بعدا لمدغمتين، نحو: قدعمل2. د- فعلل -بكسر أوله، وسكون ثانيه، وفتح اللام الأولى، فتشديد الأخيرى -نحو؛ قرطعب3. هذا والحرف الأصلي هو الذي يلزم في جميع تصريفات الكلمة، ولا تؤدي المعنى المقصود بدونه، والزائد هو الذي يمكن الاستغناء عنه -كما سبق4. كيفية الوزن: لا تقل أصول الاسم الخالي من الحذف عن ثلاثة أحرف، نحو: قمر، يرمز لكل منها برمز يسمى به، فيسمى الأول منها: "فاء الكلمة"، والثاني: "عين الكلمة"، والثالث: لام الكلمة"؛ فيقال في قمر: إنها على وزن:

_ 1 العجوز، والأفعى الضخمة. 2 الضخم من الإبل. 3 للشيء الحقير. 4 في ص 748. وفي أوزان الرباعي والخماسي المجردين يقول ابن مالك: لاسم مجرد رباع فعلل ... وفعلل وفعلل وفعلل-8 ومع فعل فعلل، وإن علا ... فمع فعلل حوى فعلللا-9 كذا فعلل وفعلل وما ... غاير. للزيد أو النقص انتمى-10 والحرف إن يلزم فأصل. والذي ... لا يلزم: الزائد؛ مثل: "تا" احتذي-11 وقد سبقت الإشارة إلى معنى البيت الأخير في أول الباب -ص748.

فعل؛ فإن بقي بعد هذه الثلاثة حرف أصلي عبر عنه رمزا باللام أيضا، وتكرر اللام على حسب الأصول التي بعد الثلاثة الأولى. وإن كان في الكلمة حرف زائد عبر عنه بنصه ولفظه، مع مراعاة ترتيبه. وبناء على هذا يكون وزن: قفل، هو: فعل. ووزن جعفر، هو: فعلل، ووزن فستق1، هو: فعلل، أما وزن جوهر، فهو: فوعل. ووزن خارج، هو: فاعل، ووزن مستخرج، هو: مستفعل. وإن كان الحرف الزائد على أصول الكلمة حرفا مكررا لحرف أصلي وجب النطق بالحرف الأصلي المكرر دون النطق بالحرف الزائد نفسه. فتقول في وزن كرم. فعل. وفي واغدودن: افعوعل، بالتعبير الرمزي عن الحرف المكرر بمثل التعبير عن الأول، ولا يصح أن يقال فيهما: فعرل، ولا افعودل2 ... وإذا كان المكرر في رباعي فاؤه ولامه الأولى معا من جنس واحد، وعينه ولامه الثانية معا من جنس آخر، ولم يكن أحد الأحرف المكرر صالحا للسقوط فهذا النوع محكوم على حروفه كلها بالأصالة، وليس فيها زائد. ومن الأمثلة له: سمسم، وضمضم3 فإن صلح أحد الحروف المكررة للسقوط "نحو: لملم، وكفكف؛ أمران ماضيهما: لملم وكفكف، حيث يصح أن يقال: لم، وكف ... بإسقاط اللام الثانية والكاف الثانية"، ففي الحكم عليه خلاف لا يعنينا4 ...

_ 1 على اعتبار حروفه كلها أصلية. 2 وهذا هو المراد من قول ابن مالك: بضمن فعل قابل الأصول في ... وزن. وزائد بلفظه اكتفي-12 وضاعف اللام إذا أصل بقي ... كراء: جعفر"، وقاف "فستق"-13 وقوله: وإن يك الزائد ضعف أصلي ... فاجعل له في الوزن ما للأصل-14 3 علم. 4 يقول ابن مالك: واحكم بتأصيل حروف سمسم ... ونحوه. والخلف في: "كلملم"-15

أحرف الزيادة، وعلامة الحرف الزائد، وبيان المعنى الذي يؤديه: أ- أحرف الزيادة عرة يجمعها لفظ: "سألتمونيها" -كما عرفنا- ولكل منها علامة تساعد على معرفة أنه زائد. فالألف إذا صاحبت ثلاثة أحرف أصلية وجب الحكم بزيادها؛ نحو: ظافر -راغب. فإن صحبت أصلين فليست زائدة1 ... ويحكم بزيادة الياء والواو إذا صحبت كل منهما ثلاثة أحرف أصلية، نحو: صيرف، وجوهر، ويعمل2، وعجوز. ويستثنى من هذا. الثنائي المكرر؛ مثل: يؤيؤ3 ووعوعة4 فإنهما فيه أصليتان5 ... ويحكم بزيادة الهمزة والميم إن تصدرتا، وبعد كل منهما ثلاثة أحرف أصلية، مثل: أبرع، ومعدن. فإن جاء بعدما أقل من الثلاثة أو كثر فالهمزة والميم أصليتان؛ نحو إبل، وإصطبل6. ويحكم على الهمزة -أيضا- بالزيادة إذا وقعت آخر الكلمة وقبلها ألف مسبوقة بثلاثة أصول، أو أكثر ... نحو: حمراء، خضراء، عاشوراء. فإن تقدم على الألف حرف أصلي أو حرفان فالهمزة ليست زائدة7؛ نحو: ماء، هواء ... وتكون النون زائدة إذا وقعت آخر الكلمة وقبلها ألف مسبوقة بثلاثة أصول أو

_ 1 يقول ابن مالك: فألف أكثر من أصلين ... صاحب زائد. بغير مين-16 "المين= الكذب". 2 الجمل القوي على العمل. 3 اسم طائر. 4 مصدر: وعوع. 5 ويقول ابن مالك: واليا كذا، والواو، إن لم يقعا ... كما هما في: يؤيؤ، ووعوعا-17 6 وهذا معنى قول ابن مالك: وهكذا همز وميم سبقا ... ثلاثة تأصيلها تحققا-18 7 يقول ابن مالك: كذا همز آخر بعد ألف ... أكثر من حرفين لفظها ردف-19

أكثر؛ فحكمها في هذا حكم الهمزة، نحو: عثمان، زعفران، طيلسان. إلا إذا كان قبل الألف حرف مشدد أو حرف لين، كحسان وعقيان، فالنون فيهما تحتمل الأصالة والزيادة. ويحكم على النون -أيضا- بالزيادة إذا توسطت أربعة أحرف، قبلها اثنان وبعدها اثنان؛ نحو غضنفر، وعقنقل1.. ويحكم بزيادة التاء إذا كانت للتأنيث، أو للمضارعة، أو للاستفعال وفروعه، أو للمطاوعة، نحو: فاضلة، تقوم، تستغفر ... ونحو: علمته فتعلم، ودحرجته فتدحرج..2. وتزاد "السين" باطراد مع التاء في صيغة "الاستفعال" وفروعه. أما في غيره فسماعية3. وتكون الهاء زائدة في الوقف في حالات؛ منها: الوقف على "ما" الاستفهامية المجرورة؛ نحو: لمه؟ والوقف على فعل الأمر المحذوف الآخر، في نحو: ره؛ بمعنى انظر "وماضيه هو: رأى"، والوقف على المضارع المحذوف الآخر للجزم؛ فينحو: لم تره. وعلى كل مبنى على حركة لازمة ليست طارئة؛ فاللازمة نحو: كيفه، وهوه. والطارئة كالتي في المبني الذي يضاف وقد انقطع عن الإضافة؛ مثل: قبل، وبعد، وكالتي في اسم "لا"، والمنادى المبني؛ لأن حركة البناء في هذه الأشياء عارضة. لسبب قد يزول. ويحكم بزيادة اللام في أسماء الإشارة؛ نحو: ذلك، وتلك، وهنالك ... 4.

_ 1 من معانيه: الوادي الكبير المتسع، والرمل المتراكم. يقول ابن مالك: والنون في الآخر كالهمز، وفي ... نحو: عضنفر أصالة كفي-20 التقدير: كفى النون أصالة بمعنى: استكفى وامتلأ 2 يقول الناظم: والتاء في التأنيث والمضارعه ... ونحو: الاستفعال والمطاوعه-21 3 ومن المسموع زيادتها في "قدموس"، بمعنى عظيم وفي أسطاع يسطيع -بهمزة القطع- بمعنى: أطاع يطيع. 4 وفي هذا يقول ابن مالك: الهاء وقفا؛ كلمه؟ ولم تره ... واللام في الإشارة المشتهرة-22 وتقدير الشطر الثاني: واللام المشتهرة في الإشارة، أي: زيادتها مشتهرة في الإشارة. فاللام مبتدأ. "المشتهرة مبتدأ ثان، خبره الجار والمجرور، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، أي: واللام زيادته المشتهرة كائنة في الإشارة".

هذا، ويقول النحاة: إذا خلا حرف من أحرف الزيادة من العلامة الدالة على زيادته وجب الحكم أصالة إلا إن قام دليل آخر يصلح حجة على الزيادة؛ ومن ذلك سقوط همزة: "شمأل" في بعض الأساليب الصحيحة التي منها: شملت الريح شمولا؛ بمعنى: هبت شمالا، ومن ذلك سقوط نون "حنظل" في قولهم: حظك الإبل إذا أضرها أكل الحنظل، ومنها، سقوط تاء الملكوت1 في كلمة: الملك ... 2. ب- لكل حرف من حروف الزيادة معنى يؤديه، وفائدة يجلبها معه3؛ فزيادة الهمزة في أول الفعل الثلاثي قد تفيد نقل معنى الفعل إلى مفعوله، ويصير بها الفاعل مفعولا؛ مثل خفي القمر، وأخفى السحاب القمر. وتضعيف عين الفعل الثلاثي -غير الهمزة- قد تفيد التكرار والتمهل، نحو: علمت الراغب، وبصرته بالحقائق. وتحويل الفعل إلى صيغة: "فاعل" قد تفيد الدلالة على المشاركة. وزيادة السين والتاء على الفعل الثلاثي قد تفيد الطلب، أو الصيروة، أو النسبة إلى شيء آخر.. إلى غير هذا مما سبق بيانه الهام مفصلا في موضعه المناسب ... 3.

_ 1 العز والمملكة. 2 وفي هذا يقول الناظم خاتما باب التصريف: وامنع زيادة بلا قيد ثبت ... إن لم تبين حجة؛ كحظلت-23 تتمة -أي: تتبين. 3 و3 أشرنا إلى هذا في رقم 2 من هامش ص748 بعنوان: "ملاحظة" حيث ما نصه "تجيء حروف الزيادة في الأسماء والأفعال لتجلب معها بعض المعاني الجديدة التي لم تكن قبل مجيئها. وقد شرحنا هذا تفصيلا، وسردنا تلك المعاني في باب: "تعدي الفعل ولزومه"، ج2 م71 ص152 و157 وما بعدها.

المسألة 181: الإعلان والإبدال

المسألة 181: الإعلان والإبدال ... المسألة 181: الإعلال والإبدال 1 من المصطلحات اللغوية الشائعة أربعة ألفاظ؛ لكل منها مدلوله الخاص، وضوابطه وأحكامه. وهذه الأربعة هي: الإعلال، القلب، الإبدال، العوض. وفيما يلي البيان: 1- الإعلال، والمراد به: تغيير يطرأ على أحد أحرف العلة الثلاثة "و، أ، ي"

_ 1 ملاحظة هامة: أحكام هذا الباب وضوابطه كثيرة، والإلمام بها عظيم النفع، جليل الفائدة؛ شأن نظائرها من القوانين العامة المطردة، غير أن الضوابط والأحكام هنا لا تنطبق على لغات ولهجات عربية قديمة متعددة، حمل السماع الصحيح إلينا كثيرا من ألفاظها الخارجة على تلك القوانين، وليس هذا بعجيب في لغة كلغتنا كانت أداة تفاهم بين قبائل متباعدة، وجماعات متباينة في كثير من الشئون التي تؤدي إلى اختلاف في اللهجات محتوم. وليس هذا الاختلاف مقصورا على مسائل الإعلال والإبدال، ولكنه أظهر وأوضح فيها، وفي بعض مسائل أخرى عرضنا لها في أبوابها الخاصة؛ كالتكسير، وأبنية المصادر، والصفات المشبهة ... وواجب الحرص على لغتنا. والعمل على أن تكون أداة قوية ناهضة بمهمتها في البيان الجلي، والتوحيد اللغوي الهام يقتضينا أن نأخذ بالمطرد، ونقيس عليه وحده، من غير توقف ولا تردد، ومن غير سعي -في المراجع والمطولات- وراء المسموع لننتزعه من مخابئه، ونستعمله على الوجه الوارد به. دون الانتفاع بالمطرد، وبالقياس عليه، فإن السعي وراء المسموع للاعتماد عليه وحده في الاستعمال، دون أخذ ما يقتضيه القياس المطرد، عبث وخطة عرجاء، بل فاسدة؛ يقصر الجهد والوقت دون العمل بها. ويتعذر الوم تطبيقها، والنجاح فيها. فليس من الخير الانصياع لها. إنما الخير كله في الأخذ بالرأي الحكيم النافع الذي ينادي باستخدام القاعدة، ما دامت قاعدة، وبتعميمها، سواء أعرف المتكلم الحكم السماعي المخالف لها أم لم يعرفه -وما أكثر الذين لا يعرفون- وتكليفهم معرفته دائما يكتب بما لا يستطاع. لكن إذا عرف المتكلم الأمر السماعي المختلف جاز أن يكتفي به. ويقتصر عليه مع تركه القاعدة، وجاز أن يستخدم القاعدة إن شاء، ولكن ليس له أن يتوسع في المسموع المخالف للقاعدة فيطبقه في ألفاظ أخرى غير التي ورد السماع بها، بل يجب أن يقف عندما ورد السماع به. دون أن يزيد عليه، ما دامت القاعدة المطردة موجودة، والحكم العام قائما. وبغير هذا نسيء إلى لغتنا، وتحمل الراغبين فيها على النفور منها، وننسى أو نجهل الأساس الذي قام عليه الاطراد والقياس، ونقضي على الحكمة منهما. وقد كررنا هذا في أجزاء الكتاب المختلفة، لمناسبات تدعو إلى التكرار؛ لأهمية الأمر، وجلال شأنه، وسردنا أدلة الأئمة المعارضين والموافقين، وانتهينا في الترجيح إلى الرأي السالف المدون في مواطن مناسبة، ولا سيما الجزء الثالث باب أبنية المصادر م98. هذا وقد سبق هنا -في ص634- بيان معنى المطرد، والكثير والغالب. و ... و ... وما يصح من تلك الأشياء أن يقاس عليه، وما لا يصح ... وكذلك معنى القلة والكثرة، وتحديدها عدديا ...

وما يلحق بها -وهو: الهمزة- بحيث يؤدي هذا التغير إل حذف الحرف، أو تسكينه، أو قلبه حرف آخر من الأربعة، مع جريانه في كل ما سبق على قواعد ثابتة، يجب مراعاتها. ومن الأمثلة: صوغ اسم المفعول من الفعل: "قال" وهو: "مقول". والأصل: مقوول "بضم الواو الأولى". فقلت الضمة إلى الساكن قبلها. وهذا يسمى: "إعلالا بالنقل" وترتب عليه تسكين حرف العلة الأول. واجتماع حرفين ساكنين متواليين لا يصح اجتماعهما؛ فحذف الأول منهما: وهذا يسمى: "إعلالا بالحذف"؛ وصارت الكلمة إلى: مقول، بعد هذين النوعين من الأعلال، وتحقق شروطهما. وكالفعل: "قال"، وأصله: "قول" بفتح الواو، قلبت ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصار الفعل: قال، وهذا: "إعلال بالقلب". وفيما يلي بيانه: 2- القلب ومعناه: تحويل أحد الحروف الأربعة السالفة إلى آخر منها؛ بحيث يختفي أحدها ليحل محله غيره من بينها؛ طبقا لضوابط محددة يجب الخضوع لها، كقلب الواو ألفا في المثال السالف، وقلب الواو المتوسطة ياء بعد كسرة في مثل: صيام، والأصل: صوام. وكقلب الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة. بناء، والأصل: بناي ... و ... وهذا النوع من التحويل أو القلب شائع مطرد؛ لأنه يخضع -في الأغلب- لقواعد عامة يجري على مقتضاها، فإذا عرفت أمكن الوصول إلى قلب الحرف الذي تنطبق عليه، وسهل الاهتداء إلى أصله إن كان منقلبا عن غيره. وهذا الباب معقود لعرضها، وبيان أحكام القلب الشائع المطرد، أما غير المطرد فمقصور على السماع. 3- الإبدال. ومعناه: حذف حرف، ووضع آخر في مكانه، بحيث يختفي الأول، ويحل في موضعه غيره، سواء أكان الحرفان من أحرف العلة -كالأمثلة السالفة- أم كانا صحيحين، أم مختلفين. فهو أعم من "القلب"؛ لأنه يشمل "القلب" وغيره؛ ولهذا يستغنون بذكره عن القلب، ومن أمثلة الصحيحين قول

بعض العرب في: "وكنة1، وربع وتلعثم".. وقنة. وربح، وتلعذم. بقلب الكاف قافا. والعين جاء؛ والثاء ذالا. وأغلب هذا النوع من إبدال الحروف الصحيحة مقصور على السماع؛ لقلته. والأمر في معرفته موكول إلى المراجع اللغوية وحدها؛ إذ ليس له ضابط عام، ولا قاعدة مطردة. وقليل منه قياسي؛ كإبدال الدال والطاء من تاء الافتعال؛ وسيجيء2. ومثال المختلفين قولهم: كساء، وخطايا3. والأصل: كساو، وخطاءا قلبت الواو همزة في المثال الأول. وقلبت الهمزة ياء في المثال الثاني؛ طبقا لقواعد عامة مضبوطة -في الأغلب- تختص بهذا النوع، ومن الممكن أن يعتمد عليها من يريد إجراءه، وكذلك من يريد الاهتداء إلى نوع الحرف الذي اختفى، وحل غيره محله، وهذا النوع من الإبدال قياسي مطرد، وموضع ضوابطه وقواعده هذا الباب أيضا. وهناك أنواع أخرى من الإبدال توصف بأنها نادرة، أو لهجات قليلة لبعض العرب، أو مهجروة ... أو غيرها هذا مما لا يعنينا هنا، فالذي يعنينا هو: "الإبدال الشائع"، أي: المطرد، الواجب إجراؤه بين حروفه معينة، وهو القياسي الذي يخضع للضوابط والقواعد العامة، ويسمونه اصطلاحا: "الإبدال الصرفي الشائع"، أو: "الإبدال الضروري، أو: اللازم"، أي: الذي لا بد من إجرائه متى تحققت ضوابطه وشروطه. ويكتفون بتسميته: "الإبدال" لأنه؛ المقصود وحده عند الإطلاق؛ بسبب قياسيته، واطراده؛ ووجوب إجرائه، فمتى ذكر اسمه من غير تقييد كان هو المراد، وكان في ذكره غني عن ذكر: "القلب". 4- العوض، أو: التعويض، ومعناه: حذف حرف، والاستغناء عنه بحرف آخر من غير تقيد في أحدهما بحرف معين، ولا اشتراط أن يحل العوض في المكان الذي خلا بحذف الأصيل؛ فقد يكون في موضعه؛ كزيادة الياء قبل الآخر في تصغير: "فرزدق" عوضا عن الدال، حيث يقال: فريزيق -جوازا- ومثل: "عدة"، وأصلها: وعد؛ حذفت الواو من الأول وجاءت

_ 1 عش الطائر. 2 في ص792 و793. 3 يجري على هذه الكلمة ونظائرها عدة تغيرات ستجيء في ص767.

تاء التأنيث في آخر الكلمة؛ عوضا عنها. ومثل: "اسم"، وأصلها: سمو1: حذفت الواو من آخر الكلمة، وجاءت همزة الوصل عوضا منها في أولها ... وهكذا. والمعول عليه في معرفة العوض والمعوض عنه هو المراجع اللغوية المشتملة على الألفاظ التي وقع فيها التعويض السماعي الوارد عن العرب؛ إذ ليحس للتعويض قواعد مضبوطة تدل عليه. لكن مما يشكف عن التعويض في حروف الكلمة ويرشد إليه، الرجوع إلى جموع التكسير، أو المصادر، أو التصغير، أو نحو هذا ... مما يرد الأشياء إلى أصولها -وقد سبق النص على كل منها في بابه الخاص- كالاهتداء إلى أن همزة: "ماء" منقلبة عن "الهاء" من الرجوع إلى جمع تكسيرها؛ وهو: مياه، وأمواه؛ حيث ظهرت فيه "الهاء" فكان ظهورها دليلا على أنها أصل للهمزة في: "ماء" ... وكثير من هذا الجموع والمصادر والمصغرات مرجعه كتب اللغة. ونصوص ألفاظها؛ فمن العسير الاسترشاد في أمر التعويض بغير النصوص اللغوية. الملخص: من كل ما سبق يتبين: 1- أن العوض؛ لا يتقيد بحرف علة أو صحيح، ولا بمكان معين من الكلمة. والإبدال القياسي يتقيد بموضع المحذوف، والإعلال القياسي يتقيد بأحرف العلة. والقلب نوع من الإعلال. 2- وأن للإبدال الصرفي الشائع "أي: القياسي" وللإعلال ضوابط وقواعد عامة، يمكن -في الأغلب- الاعتماد عليها في إجرائهما إجراء مطردا واجبا، وفي معرفة نوع الحرف الذي تغير بسببهما. أما التعويض وبعض أنواع الإبدال غير الشائع "أي: غير القياسي" فالاعتماد في فهمهما مقصور على المراجع اللغوية؛ إذ ليس لهما ضوابط ولا قواعد عامة. 3- وأن المراد من لفظ الإبدال عنده ذكره بغير تقييد هو ما يسمى: "الإبدال الصرفي الشائع، أو الضروري، أو اللازم". وسيجيء بيانه.

_ 1 بضم السين وكسرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة وتفصيل: 1- من المصطلحات التي تتردد في هذا الباب وفي غيره، وهنا المكان الأنسب لإيضاحها والإحالة عليه: "أحرف العلة، والمد، واللين"، "المعتل والمعل"، "المعتل الجاري مجرى الصحيح". فأما أحرف العلة فثلاثة؛ هي: الألف، والواو، والياء. فإن سكن أحدهما وقبله حركة تناسبه فهو حرف: "علة، ومد، ولين" نحو: قام، يقوم، أقيم. وإن سكن ولم يكن قبله حركة تناسبه فهو: في المشهور، "حرف علة ولين"؛ نحو: قول - بين ... وإن تحرك فهو حرف: "علة" فقط؛ نحو: حور، وهيف. والألف لا تكون إلا حرف علة، ومد، ولين، دائما. 2- اللفظ المعتل عند النحاة، هو: الذي لامه1 حرف علة، وأما عند الصرفيين فيغلب إطلاقه على ما فيه حرف علة أو أكثر بغير تقييد بالآخر أو غيره. أما المعل عند الصرفيين فهو المشتمل على حرف علة بشرط أن يكون هذا الحرف قد أصابه تغيير؛ نحو: صام، وهام؛ فإن أصلهما؛ صوم وهيم، ثم انقلبت الواو والياء ألفا. 3- وأما المعتل الجاري مجرى الصحيح فهو ما آخره ياء أو واو متحركتان، قبلهما ساكن، سواء أكانتا مشددتين "نحو: مرمي، كرسي، مغزو، ومجلو ... " أم مخففتين؛ "نحو: ظبي، حلو ... " فيدخل في المشدد ما كان مختوما بياء مشددة للإدغام، نحو مرمي، أو للنسب هو: عربي، أو لغيرهما نحوك كركي "اسم طائر" ... 2.

_ 1 حرفه الأخير. 2 سبقت الإشارة للأنواع السالفة وأحكامها "في هامش ص661 و722" وفي مواضع متعدد من أجزاء الكتاب، "منها ج1 ص121 م15، ج2 ص86 م68 ... ".

المسألة 183: أحرف الإبدال وضوابطه

المسألة 182: أحرف الإبدال. وضوابطه ينحصر "الإبدال الصرفي اللازم"1 في تسعة أحرف؛ يبدل بعضها من بعض؛ هي: "الهاء، الدال، الهمزة، التاء، الميم، الواو، الطاء، الياء، الألف". وقد جمعها بعض النحاة في قوله: "هدأت موطيا"2. ولكل حرف منها شروط لإبدال من نظيره الداخل معه في هذه المجموعة، على التفصيل التالي: إبدال الهاء: تبدل الهاء من تاء التأنيث المربوطة عند الوقف عليها؛ كالتاء في قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} فيقال في حالة الوقف: بينة، ورحمة، بالهاء بدلا من التاء المربوطة. إبدال الهمزة من الواو، والياء، والألف. تبدل من الأوليين وجوبا في خمسة مواضع: 1- وقوع أحدهما في آخر الكلمة وقبله ألف زائدة؛ نحو: سماء، ودعاء، وبناء، وضياء، والأصل: سماو، ودعاو، وبناي، وظباي ... "بدليل سموت، دعوت، بنيت، ظبي". قلبت الواو والياء همزة لوقوعهما متطرفتين3 بعد ألف زائدة. ولا يخرج الحرف من حكم التطرف أن يقع بعده في آخر اللفظ المذكر تاء عارضة لتفيد التأنيث، بشرط أن تكون غير ملازمة له3. فيقال في: بناي وبناية،

_ 1 تعريفه وإيضاحه في ص757. 2 معنى هدأت: تركت التحرك إلى السكون. ومعنى: "موطيا"، "وأصلها: موطئا، وهي حال من التاء". اسم فاعل من: أوطات الفراش؛ جعلته لينا سهلا ممهدا. وإليها أشار الناظم في الشطر الأول من أول البيت في باب: الإعلال، وسيجيء في ص765. 3 و3 تطرفهما إما: "حقيقي"، ومعناه: وقوع كل منهما آخر الكلمة، ليس بعده حرف فيها، وإما "حكمي" "أو: تقديري" ويراد به: وقوع كل من هذين الحرفين خاتمة كلمته أيضا، ولكن يليه فيها حرف عارض لغرض طارئ؛ كالتاء التي تزاد بعد الآخر لإفادة التأنيث، وكعلامة التثنية، أو غيرها مما يطرأ بعد الآخر حينا ويزول حينا، دون أن يلازم آخر الكلمة ملازمة في أحوالها المختلفة. وإنما سمي هذا النوع "حكميا، أو تقديريا" لأن تاء التأنيث ونحوها في تقدير الانفصال، وفي حكمه.

بتشديد نونهما: بناء، بالتشديد أيضا، وقلب الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة، من غير اعتبار لهذه التاء الطارئة التي عرضت للتأنيث والتي يمكن الاستغناء عنها أحيانا -كما في الحالة الخاصة بالمذكر- بخلاف التاء الدالة على التأنيث مع ملازمتها الكلمة، وعدم استغناء الكلمة عنها، نحو: هداية، رماية، إداوة، حلاوة. فإن الحرفين "الياء والواو" في هذه الكلمات -وأشباهها- لا ينقلبان همزة؛ إذ تاء التأنيث هنا ليست عارضة، ولا مؤقتة، وإنما هي حرف من أحرف الكلمة، دخل في صياغتها وتكوينها من أول أمرها "ليس طارئقا عليها بعد التركيب" ثم هو يلازمها في كل الحالات؛ فينيت الكلمة على مؤنث ولم تبن على مذكر1. ويعتبر الحرفان في هذه الحالة غير متطرفين؛ كشأنهما في مثل: "قاول وبايع ... " حيث توسطا فبقيا من غير قلب. وكذلك لا يصح إبدالهما همزة إن لم يقعا بعد ألف، نحو: غزو، وظبي، أو كانت الألف التي قبلهما أصلية، نحو: واو، وآي، جمع آية2.. 2- وقوع أحدهما عينا لاسم فاعل، وقد أعل3 في عين فعله، نحو صائم، هائم، وفعلهما: صام وهام. وأصلهما: صوم، وهيم؛ فعين الفعل حرف عليه "واو أو ياء" تحرك وانفتح ما قبله، فانقلب ألفا -كما سيجيء- فاسم الفاعل هو: صاوم، وهايم. ثم قلبت الواو والياء همزة. فإن كانت العين غير معلة في الفعل لم يصح الإبدال؛ نحو: عين

_ 1 شرح "الصبان" المراد هذا؛ فقال المقصود: "أن الكلمة لم تصغ بغير تاء لمذكر من المعنى؛ بأن لم تصغ لمذكر أصلا؛ كهداية، أو صيغت له من معنى آخر؛ كفاية؛ فإن السقاء جلد السخلة المهيأ للماء أو اللبن، كما في القاموس، وهو غير معنى السقاية، الذي هو محل السقي". ا. هـ. 2 وإلى هذه الحالة يشير ابن مالك في الشطر الأول من بيته الثاني الآتي. في ص765. 3 أي: أصابه الإعلال، ويراد به هنا: قلب حرف العلة "ويلحق به: الهمزة كما سبق في ص756"، حرفا آخر من نظائره التي للعلة أيضا، أو الهمزة بالشروط الخاصة بالقلب.

الرجل1 فهو: عاين، وعور2 فهو عاور3 ... 3- وقوع أحدهما في جمع التكسير بعد ألف: "مفاعل" وما شابهه في عدد الحروف وحركاتها؛ كفعائل وفواعل4 ... بشرط أن يكون كل من الحرفين مدة ثالثة زائدة في مفرده، ومثلها الألف في هذا، نحو: عجائز، وصحائف، وقلائد ... ومفردها: عجوز: وصحيفة، وقلادة، فلا إبدال في مثل: قساور ومعايش، لأنهما أصليان في المفرد، وهو: قسور5، ومعيشة6. ومن الشاذ المسموع منائر، ومصائب؛ لأن مفردهما؛ منارة ومصيبة، فالحرفان فيهما أصليان7 ... 4- وقوع أحدهما ثاني حرف علة بينهما ألف: "مفاعل" أو مشابهه، دون مفاعيل وما يشبهه سواء أكان الحرفان ياءين؛ نحو: نيائف، جمع نيف8 أم كانا واوين، نحو: أوائل: جمع أول، أم كانا مختلفين، نحو:

_ 1 اتسع سواد عينه واشتد. 2 صار أعور؛ "لذهاب البصر من إحدى عينيه". 3 وهذه الحالة هي التي أشار إليها الناظم في آخر بيته الثاني الآتي. في ص765. 4 سبق بيان المراد من هذه المشابهة في ص664 و671. 5 القسور والقسورة: الأسد. 6 لأن فعلها: عاش. فوزن: "معايش" هو: "مفاعل"، ولا تنقلب الياء فيها همزة عند الجمهور؛ لأن الياء أصلية، وقيل إن الفعل هو: "معيش"؛ فالميم أصليه، والياء زائدة، ووزن "معايش" هو: فعائل؛ فتنقلب الياء الزائدة همزة؛ وبهذا قرأ بعض القراء الآية الكريمة: "ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معائش" بالهمزة. "راجع المصباح المنير، مادة عاش". لكن مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومؤتمره العام اتخذ قرارا آخر، "بناء على مذكرة قدمتها إليه لجنة الأصول المجمعية" قصد به إلى التيسير، مخالفا رأي الجمهور. وقد صدر قراره في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين لسنة 1968 ونص هذا القرار "كما جاء في الكتاب المجمعي الصادر سنة 1969 باسم: "كتاب في أصول اللغة" ص226 وكما قدمته تلك اللجنة، وتمت عليه الموافقة هو: "مفاعل" بالمد الزائد في صيغة "فعائل" وعلى هذا يجوز في عين "مفاعل" قلبها همزة سواء أكان أصلها واو أم ياء؛ فيقال: مكايد ومكائد، ومغاور ومغائر". ا. هـ. بالرغم من هذا القرار، ومما اعتمد عليه من أدلة في ص226 أرى الاقتصار على رأي الجمهور وحده. 7 وإلى هذه الحالة يسوق ابن مالك بيته الثالث، الآتي في ص765. 8 وهو العدد الزائد على العقد إلى أول العقد الذي يليه. فعله الشائع: ناف ينف ...

سيائد، جمع سيد1 والأصل: نيايف، وأواول، وسياود. قلب حرف العلة المتأخر "وهو الواقع بعد الألف الزائد" همزة كما سبق2 ... فلو توسطت بينهما ألف "مفاعيل" وما هو على هيئته لم ينقلب الثاني منهما همزة؛ نحو: طواويس. 5- اجتماع واوين في أول الكلمة، والثانية منهما إما متحركة، وإما ساكنة، أصيلة في الواوية3؛ فتنقلب الأولى منهما همزة. ويتحقق الاجتماع في صورتين: إحداهما: أن تكون الواو الثانية متحركة فيجب قلب الأولى همزة، كما إذا أريد جمع: واثقة، أو: واصلة، أو: وافقة ... جمع تكسير على صيغة. "فواعل" فيقال فيها، وواثق، وواصل، وواقف؛ لأن أفعالها الماضية واوية الفاء؛ ثم تنقلب الواو الأولى -وجوبا- همزة؛ فيصير الجمع: أواثق، أواصل، أواقف ... ثانيهما: في نحو: أولى: -وهي مؤنث كلمة: أول، المقابل لكلمة: آخر- وأصلها: وولى، بواوين، السابقة منهما مضمومة، تليها الساكنة الأصيلة في الواوية، وقلبت الأولى همزة -وجوبا- فصارت: أولى. فلا يجب القلب بل يجوز في مثل: واسي، والي، وافي ... إذا بنيت هذه الأفعال للمجهول؛ فيقال فيها: ووسي، وولي، ووفي، لأن الواو الثانية ليست أصيلة، إذ هي منقلبة عن الألف الزائدة التي في ثاني الماضي، وقد انقلبت واوا؛ لوقوعها بعد ضمة ... ويصح أن يقال فيها: أوسي، أولي، أوفي ... لأن قلب الواو الأولى وإبقاءها جائز -كما أسلفنا4.

_ 1 أصله: سيود؛ على وزان: فيعل؛ لأن فعله: ساد يسود ... "اجتمعت الواو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون؛ قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، طبقا لقواعد الإبدال الآتية". 2 وهذه الحالة التي أشار إليها الناظم في بيته الرابع. في ص765. 3 بألا تكون منقلبة عن حرف آخر. 4 وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله في البيت السادس ... وسيأتي لمناسبة أخرى في ص770. "واوا" وهمزا أول الواوين رد ... في بدء غير شبه: ووفي الأشد-6 "الأشد -بتخفيف الدال هنا للشعر: القوة فلان ووفى الأشد: بلغ القوة. وهي بين الثامنة عشرة والثلاثين. وهذه الكلمة على صورة جمع التكسير وليست جمعا في الرأي الشائع. والفعل: رد: ماض مبني للمجهول، وهذا أحسن من جعله فعل أمر قد يفيد مدلوله أن عدم الرب واجب في: ووفى، مع أنه ليس بواجب، "والدال" مخففة للشعر.

وكذلك لا يجب القلب، وإنما يجوز، في مثل: الـ"وولى" -بواو مضمومة تليها أخرى ساكنة- وأصلها للتفضيل، وفعلها هو: "وأل" بمعنى: لجأ، تقول: وأل الطائر إلى عشه، بمعنى: لجأ إليه. واسم التفضيل منه للمذكر هو: أوأل، وللمؤنث هو: وؤلى "على زنة: فعلى". ويصح التخفيف بقلب الهمزة الثانية واوا ساكنة، فتصير الكلمة: "وولى" فيجتمع في أولها واوان، أولاهما متحركة، والثانية ساكنة، غير أصيلة في الواوية: لأن واويتها طارئة بسبب التخفيف العارض؛ لهذا لا يكون قلب الأولى واجبا؛ وإنما هو: جائز؛ فيقال أولى، أو: "وولي". ولا يصح القلب مطلقا إذا اجتمع الواوان في آخر الكلمة كما في نحو: هووي ونووي في النسبة إلى، هوى ونوى، طبقا لقواعد النسب التي مرت في بابه1 ...

_ 1 ص717 مع ملاحظة أن ياء النسب مشددة. وزائدة في آخر الكلمة. وفي بيان الأحرف التي يقع فيها "الإبدال". ومواضع إبدال الهمزة من الواو والياء يقول ابن مالك في باب عنوانه: "الإبدال" ما نصه: أحرف الإبدال: "هدأت موطيا" ... فأبدل الهمزة من واو ويا-1 آخرا، إثر ألف زيد. وفي ... فاعل ما أعل عينا ذا اقتفي-2 "ذا اقتفى: اتبع وروعي" سرد في هذين البيتين: أحرف الإبدال وانتقل بعد بيانها في أول شطر إلى مواضع إبدال الهمزة من الواو والياء؛ فذكر موضعين في البيت الثاني، هما: وقوع الواو والياء آخر الكلمة إثر ألف زائدة، أي: عقب ألف زائدة ووقوعهما عينا معلة في صيغة "فاعل" يريد اسم الفاعل من فعل ثلاثي معتل العين بأحدهما. ثم انتقل إلى بيان الحالة الثالثة لإبدال الهمزة منهما ومن الألف. فقال: والمد زيد ثالثا في الواحد ... همزا يرى في مثل: كالقلائد-3 يريد: أن أحد أحرف العلة إذا كان حرف مد -وهو حرف العلة الذي قبله حركة تناسبه- ثالثا: زائدا في المفرد وجب قلبه همزة. ولم يفصل الشروط؛ اعتمادا على المثال، الذي يجمعها، وهو: القلائد. والكاف في: "كالقلائد" إما حرف زائد، وإما اسم بمعنى: "مثل"، توكيد لفظي بالمرادف لكلمة: "مثل" التي قبله، ثم انتقل إلى الحالة الرابعة لقلبهما؛ فقال: كذاك ثاني لينين اكتنفا ... مد: "مفاعل"؛ كجمع نيفا-4 "يريد باللين هنا حرف العلة المتحرك، والشائع عند غير الناظم أن حرف اللين هو حرف العلة الساكن الذي قبله حركة لا تناسبه فإن تحرك ما قبله بحركة تناسبه فهو حرف علة ومد ولين، وإن تحرك حرف العلة فهو حرف علة فقط -كما سبق بيان هذا في ص760 وغيرهما- اكتنفا: أحاطا ... " وجمع -بالتنوين- مصدر، فاعله محذوف، ومفعوله هو كلمة: نيف. والمراد: كجمع شخص نيفا، فحذف الفاعل المضاف إليه، ونون المضاف وهو كلمة: جمع. وبقيت "نيفا" منصوبة مفعولا للمصدر. وسيتكلم ابن مالك في البيت السادس -وقد سبق في هامش ص764- على الحالة الخامسة من حالات إبدال الواو همزة.

"ملحوظة": تبدل الهمزة -أيضا- وجوبا من الألف في نحو: حمراء وخضراء فالأصل- على الرأي الشائع- هو حمرى، وخضرى، بألف التأنيث المقصورة فيهما؛ زيدت قبلها ألف المد، فأبدلت الثانية همزة. وتبدل جوازا من الواو المضمومة ضما لازما لا يفارقها، نحو: وجوه، أدور "جمع: دار" فيصح فيهما أجوه، وأدؤر. كما تبدل من الواو لزوما عند بعض القبائل في مثل: وشاح ووسادة، فيقال فيهما: إشاح وإسادة، وقيل إن هذا القلب جائز. وتبدل جوازا أيضا في مثل: رائي، وغائي، نسبة إلى راية وغاية، والأصل: رايي وغايي. بثلاث ياءات؛ خففت الأولى بإبدالها همزة1. إبدال الواو والياء من الهمزة "وهذه الحالة عكس التي قبلها": يتحقق هذا الإبدال في ناحيتين: الناحية الأولى الجمع الذي على وزن: "مفاعل" وما شابهه2، بشرط أن تكون الهمزة عارضة3 بعد ألف تكسيره، وأن تكون لام مفرده:4 إما همزة

_ 1 هذا الحكم -مع صحته وجوازه- قليل؛ طبقا لما سبق في رقم 2 من ص722 باب: "النسب". 2 من كل جمع تكسير يماثل: "مفاعل" -كما قلنا- في عدد الحروف وضبطها، وإن لم يماثله في وزنه الصرفي؛ فيدخل في هذا: فواعل، وفعالل، وأفاعل ... وغيرهما مما يسمى: صيغة منتهى الجموع، وقد سبق إيضاح هذا في جمع التكسير ص6644 و671. 3 غير أصيلة. 4 وصفنا "الهمزة، والواو والياء"، فيما يأتي بأنها أصلية مع أن لام الكلمة لا تكون إلا أصلية -بقصد المبالغة في الإيضاح.

أصلية، وإما حرف علة أصليا؛ واوا أو ياء ... فإذا تحقق المطلوب1 وجب قلب كسرة الهمزة فتحة، وقلب الهمزة بعد ذلك ياء في ثلاث صور، وواوا في صورة واحدة، وقلب الحرف الأخير بعدهما ألفا. فتقلب ياء: أ- إذا كانت لام ذلك المفرد همزة أصلية؛ نحو: خطيئة وخطايا، بريئة2 وبرايا، دنيئة3، ودنايا ... فوزن: خطايا، هو: "فعائل". والأصل: خطايي، ثم انقلبت الياء التي بعد الأخيرة الجمع همزة "طبقا لما سبق في حالات قلب الياء" فصارت: خطائي، ثم قلبت الهمة الأخيرة ياء مفتوحة: وبعدهما ألف، فصارت: خطايا ... هذا هو الأصل، وما مر فيه باختصار4.

_ 1 وهو وقوع الهمزة عارضة بعد ألف التكسير. ولام المفرد: إما همزة أصلية وإما أحد حرفي العلة "الواو والياء الأصليتين". 2 مخلوقة. 3 رذيلة ونقيصة. 4 أما التفصيل فيقول النحاة إن خطايا، وبرايا، ودنايا -وأشباهها من كل ما يتحقق فيه أوصاف هذا الجمع- قد مر بمراحل خمس من القلب حتى استقر بعدها على هذه الصورة. وهي مراحل تخيلية محضة، ولكنها مفيدة هنا، برغم ما فيها من تكلف واضح، وأن العرب الفصحاء لا تعرفها. وقصد من تخيلها ضبط مفردات هذه الصيغة ضبطا محكما يستطيع به المستعرب أن يتبين تلك المفردات من أوصافها، وأن يهتدي في يسر وصحة إلى جموعها، وإذا عرضت عليه هذه الجموع وحدها أدرك مفرداتها بغير حيرة ولا اضطراب. وفيما يلي المراحل الخمس -بغير اختصار- في كلمة: "خطايا" ونظائرها. أ- المفرد: خطيئة "على وزن، فعيلة، والفعل: خطئ، فالهمزة أصلية" فقياس تكسيرها هو: فعائل. فيقال: خطايئ؛ لأن الياء الزائدة في المفرد تزاد في الجمع أيضا بعد ألف "مفاعل وفعائل" وأشباههما. ثم يجب قلب هذه الياء همزة؛ لوقوعها بعد ألف التكسير في هذا الوزن؛ طبقا لما تقدم في ص763، فتصير الكلمة: خطائئ. ب- إبدال الهمزة الأخيرة ياء، لوقوعها متطرفة بعد همزة، طبقا لقواعد القلب التي ستأتي في ص772 فتصير: خطائي. ح- قلب كسرة الهمزة الأولى فتحة، بدعوى التخفيف؛ فتصير الكلمة: خطاءي. د- قلب الياء التي في آخر الجمع ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ طبقا لقواعد القلب؛ فتصير: خطاءا. "وحق الألف الأخيرة أن تكتب ياء طبقا لقواعد رسم الحروف". هـ- قلب الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين. والهمزة قريبة الشبه بالألف "كما يتخيلون"، فتقلب ياء؛ فرارا من اجتماع ثلاثة أحرف متشابهة في الآخر؛ فتصير الكلمة: خطايا ولم تقلب واوا؛ لأن الياء أخف نطقا، والقلب إليها أكثر. =

ومثله يقال في: برايا، ودنايا، ونظائرهما، فالأصل: برايئ؛ ودنائي، قلبت الياء بعد ألف الجمع همزة مكسورة، ثم انقلبت هذه الهمزة المكسورة -بعد تغيرات- ياء مفتوحة وبعدها ألف؛ فصارتا: برايا ودنايا. ب- إذا كانت الأم ذلك المفرد ياء للعلة، أصلية "أي: ليست منقلبة عن شيء"؛ نحو: هدية وهدايا، وقضية وقضايا ... فوزن هدايا، وقضايا -وأمثالهما- هو: فعائل. وأصلهما: هدايي، جرى عليهما القلب الذي في الحالة الأولى "ما عدا قلب همزة الآخر ياء؛ لأن "لامهما ليست همزة" وانتهى بهما الأمر إلى: فعائل1. ح- إذا كانت لام المفرد للعلة ولكنها منقلبة عن واو؛ نحو: عشية ومطية، وأصلهما2 عشيوة ومطيوة؛ وجمعهما: عشايا ومطايا وهذا الجمع

_ = تكملة": بمناسبة الكلام هنا على كلمة: "خطيئة" نعيد ما ذكرناه "في الجزء الثالث باب أبنية المصادر، م98 ص155" خاصا بهذه الصيغة، وما يجوز فيها، ونصه: "إن كان الفعل الماضي الرباعي الذي على وزن: فعل مهموز اللام فمصدره "التفعيل" أو "التفعلة" -وهذه هي الأكثر- نحو: برأ تبريئا وتبرئة، جزأ تجزيئا وتجزئة، هنأ تهنيئا وتهنئة، خطأ تخطيئا وتخطئة.." ثم جاء في هامش تلك الصفحة ما نصه: "يجوز في الكلمات: تبريئا، تجزيئا، تهنيئا، تخطيئا ... أن يقال فيها وفي أشباهها: تبريا، تجزيا، تهنيا، تخطيا.. فقد جاء على هامش القاموس في مادة "خطأ"، عند الكلام على "خطيئة" قوله: "عبارة الجوهري "خطيئة" هي: "فعيلة" ولك أن تشدد الياء "يريد: أنك تقول: "خطة" بقلب الهمزة ياء، ثم إدغام الياءين" لأن كل ياء ساكنة قبلها كسرة، أو واو ساكنة قبلها ضمة، وهما زائدتان للمد لا للإلحاق. ولا هما من نفس الكلمة فإنك تقلب الهمزة بعد الواو واوا، وبعد الياء ياء، وتدغم: فتقول في مقروء: مقرو، وفي خبيء: خبي..". ا. هـ. 1 جرى عليهما من القلب أنواع أربعة سبقت في الحالة الأولى؛ وهي: أ- هداي، وقضاي، ثم هدائي. ب- هداءي، وقضاءي. ج- هداءا، وقضاءا. د- هدايا وقضايا. وإنما كانت أنواع القلب هنا أربعة وليست خمسة كالتي سبقت؛ لأن لام الكلمة هنا ياء وليست همزة متطرفة تقلب ياء. 2 اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون؛ قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء "طبقا لما تقضي به قواعد الإقلاب -كما سيجيء هنا".

على وزن: فعائل، بعد خمسة أنواع من القلب كالتي مرت في الحالة الأولى: "ا" ... 1. أما الصورة التي تقلب فيها كسرة الهمزة فتحة، ثم تقلب الهمزة واوا بعدها ألف فحين تكون لام المفرد واوا ظاهرة سلمت في هذا المفرد؛ نحو: هراوة2 وإداوة3 وجمعها: هراوي، وأداوي، على وزن: "فعائل" بعد أن مرت كلتاهما بخمسة أنواع من القلب وصلت بعدها إلى صيغة التكسير النهائية، وهذه الخمسة هي: أ- قلب الألف التي في المفرد همزة في الجمع بعد ألف التكسير؛ فيقال: هرائو، وأدائو ... 4 "لأن مفردهما: هراوة، وإداوة". ب- قلب الواو ياء، لوقوعها متطرفة بعد كسرة، فتصير الكلمتان: هرائي، وأدائي. ج- قلب كسرة الهمزة فتحة -طبقا لما سلف- فتصيران: هراءي وأداءي. د- قلب الياء ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فتصيران: هراءا، وأداءا. هـ- قلب الهمزة واوا -ليشابه الجمع مفرده، فتصيران: هراوي

_ 1 والأنواع الخمسة هي: أ- المفرد عشيوة ومطيوة "بدليل: مطا، يمطومطوا، بمعنى: أسرع. وعشا يعشو عشوا، بمعنى: ساء بصره ... ". والجمع: عشايو، ومطايو، قلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة بعد كسرة، فصارتا: عشايي ومطايي. ب- قلبت الياء بعد ألف التكسير همزة -طبقا لما تقدم- فصارتا: عشايي ومطائي. ج- قلبت كسرة الهمزة فتحة، فصارتا: عشاءى ومطاءى. د- تحركت الياء الأخيرة وانفتح ما قبلها؛ قلبت ألفا؛ فصارتا: عشاءا ومطاءا. هـ- قلبت الهمزة ياء -لما سبق- فصارتا: عشايا ومطايا. فأنواع القلب الخمسة هنا هي التي سبقت في الحالة الأولى تماما، إلا أن الواو المتطرفة؛ هنا تقلب ياء في نظير الهمزة المتطرفة هناك. 2 الهراوة: العصا الضخمة. 3 إناء للماء، يشتهر الآن باسم: الزمزمية. 4 أما هذه الألف المذكورة في الجمع فهي التي تزاد في صيغة: "مفاعل".

وأداوى مع كتابة الألف الأخيرة ياء؛ طبقا لما تقضي به قواعد رسم الحروف1. من الصورة السالفة2 يتبين أن الهمزة تبقى في مثل: المراءي "وهي جمع: مراءة"3. فلا تنقلب في التكسير ياء؛ لأنها همزة أصلية في المفرد، وفي الجمع، وليست طارئة4؛ وكذلك تبقى بغير قلب في مثل: صحائف، وعجائز، ورسائل، لأن لام المفرد -وهو: صحيفة، وعجوز، ورسالة- ليست همزة، ولا أحد حرفي العلة "الواو الياء". فلم تتحقق في الكلمات الثلاث -وأشباهها- شروط قلب الهمزة واوا أو ياء5 ... الناحية الثانية6 -جتماع همزتين في كلمة واحدة- فخرج، نحو: أأنت؟ لأن الاجتماع في كلمتين؛ "إذ همزة الاستفهام كلمة" وهذا بالتفصيل التالي، مع ملاحظة أن الثانية هي التي تقلب دائما دون الأولى؛ سواء أكانت الأولى متحركة والثانية ساكنة، أم العكس، أما كانتا متحركتين، ويمتنع أن تكونا ساكنتين.

_ 1 ففي وسط هذا الجمع ألفان، إحداهما التي كانت زائدة في المفرد، والأخرى التي زادت في التكسير، والأولى هي التي تقلب همزة بعد ألف التكسير. 2 "ملاحظة": بين هذه الصور واحدة قد تقلب همزتها واوا -جوازا- في موضع سبقت الإشارة إليه بعنوان: "تكملة" في هامش ص768. 3 صح كتابتها هكذا: "مرآة" لكن إثبات الهمزة هنا وبعدها ألف، أوضح من كتابتها مدة فوق ألف. 4 لمفرد: مرءاة على وزن مفعلة، والفعل: رأي، والمصدر: رؤية، فالهمزة أصلية. ومن المسموع الشاذ جمعها على "مرايا". 5 إلى الحالة الأولى السابقة يشير ابن مالك بقوله: "في بيت سبق لمناسبة أخرى بصفحة 764". وافتح، ورد الهمز "ياء" فيما أعل ... لاما. وفي مثل هراوة جعل-5 واوا........................ ... ..........................-6 يقول: افتح الهمزة، "ويريد بها الهمزة الطارئة بعد ألف صيغة منتهى الجموع على الوجه الذي شرحناه" وردها ياء في الجمع الذي مفرده معتل اللام بالياء. أما معتل اللام بالواو فتقلب واوا.. وهذا كلام موجز غامض لا يوضح حقيقة المراد. وقد وفيناه. أما بقية البيت السادس فيتصل بقاعدة أخرى؛ سبقت في ص764. 6 سبقت الأولى في ص766.

أ- فإن كانت الأولى هي المتحركة -بفتحة، أو ضمة، أو كسرة- والثانية هي الساكنة وجب قلب الثانية حرف علة مجانسا لحركة ما قبله، "أي: ألفا بعد الفتح، واواوا بعد الضم، وياء بعد الكسر"، نحو: آمن الرجل ... أومن -إيمانا. والأصل أأمن، أؤمن، إئمانا ... قلبت الثانية حرف علة من جنس حركة ما قبلها، ومثله: "آخذ، أوخذ، إيخاذا"، و"آزر، أوزر، إيزرار" و"آلم، أولم، إيلاما" و"آلف، أولف، إيلافا"1. ب- وإن كانت الأولى هي الساكنة والثانية هي المتحركة -وهذا النوع لا يقعان فيه في موضع الفاء، لتعذر النطق بالساكن ابتداء- فإن كانتا في موضع العين وجب إدغام الأولى في الثانية؛ نحو: سأل2، ورأس3، ولأل4. وإن كانت في موضع اللام قلبت الثانية ياء، كبناء صيغة على وزن: "قمطر" من الفعل: قرأ؛ فيقال: "قرأي". والأصل: قرأأ -بتسكين الهمزة الأولى، وتحريك الثانية- قلبت الثانية ياء لوقوعها طرفا بعد الهمزة الساكنة5.

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك: ومدا ابدل ثاني الهمزين من ... كلمة إن يسكن؛ كآثر، وائتمن-7 يريد: اقلب ثاني الهمزتين المجتمعتين في كلمة مدة. وهذا يقتضي أن تقلب الهمزة الثانية الساكنة واوا بعد الضمة، وألفا بعد الفتحة، وياء بعد الكسرة؛ لأن المدة هي حرف علة ساكن، قبله حركة تناسبه. وأشار بالمثال: "ائتمن" إلى أن الهمزة الأولى قد تكون همزة وصل، كالتي في أصل هذا الفعل؛ فأصله: "ائتمن"، فعند النطق به ابتداء من غير أن يسبقه شيء تبدل همزته الثانية ياء؛ فيقال: "ايتمن". هذا هو المراد. وعبارة الناظم لا تكشف عنه ولا سيما مع الواو: فلو قال: "كآثر، ايتمن". لكان واضحا. 2 على وزن: "فعال"؛ لكثير السؤال. وقد اخترت كتابة الهمزة على هذه الصرة، منعا للالتباس. 3 بائع الرءوس. 4 بائع اللؤلؤ. 5 كان القياس أن تدغم الأولى في الثانية كما أدغمت في: سأل، ورأس، ولأل ... لولا أن الهمزة الثانية هنا وقعت طرفا، والأطراف أولى بالتغيير، في الأغلب، ولذا قدم القلب هنا دون هناك. ويقول النحاة: إن الهمزتين اللتين في موضع اللام تبدل الثانية المتحركة منهما ياء مطلقا، أي سواء أكانت طرفا كالمثال السالف، أم كانت غير طرف كما في بناء صيغة خيالية على وزن: "سفرجل" من الفعل: قرأ: فيقال قرأيأ، بإسكان الهمزة الأولى، وفتح الياء بعدها. والأصل: قرأأأ بثلاث همزات أبدلت الثانية ياء لأنها في موضع اللام وسلمت الأولى والثالثة. والأغلب في هذه الأمثلة أنها خيالية للتدريب -كما قلنا- إذ لا يكاد يشيع لها نظائر مأثورة في فصيح الكلام.

ج- وإن كانتا متحركتين فلهما صور تخيلية؛ قصد بها في الأعم الأغلب مجرد التدريب، ولا يكاد يعرف لها نظائر مأثورة، في فصيح الكلام، ولا تجنح إليها الأساليب الرفيعة، ومن أشهر تلك الصور الوهمية: 1- أن تكون الهمزتان المتحركتان، في موضع اللام؛ فتقلب الثانية ياء مطلقا؛ "أي: سواء انفتح ما قبلها، أم انضم، أم انكسر". كبناء صيغة على وزن: جعفر، أو: قرمز1، أو: برثن، من الفعل: قرأ، فيقال: قرأأ" وقرئي، وقرؤؤ؛ بهمزتين متواليتين، تقلب الثانية منهما ياء لا واوا؛ لأن الواو لا تقع طرفا في الكلمة الزائدة على ثلاثة أحرف؛ فنقول: في قرأأ -مما قبلها مفتوح- قرأي. وقد تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فتقلب أنفا، وتصير: قرأى، وهي اسم مقصور. ويقال في: قرئى مما قبلها مكسور: قرئي؛ بقلب الثانية ياء ثم تحذف الياء فيقال: قرء، بحذف الياء التي في آخرها كما تحذف من المنقوص؛ وذلك بحذف حركة الياء أولا، لاستثقال الحركة عليها، ثم حذف الياء، لالتقائها ساكنة مع التنوين؛ كما يحذف في مثل: داع، وهاد، ووال، ونظائرها من المنقوص. وبهذا تصير كلمة: قرء" من المنقوص الذي حذفت لامه. ونقول في: قرؤؤ -مما قبلهما مضموم: قرء أيضا؛ ذلك أن الهمزة الثانية تقلب ياء، لا واوا -لما تقدم- فتصير الكلمة إلى: قرؤي، ثم تقلب الضمة التي قبلها كسرة؛ لتسلم الياء، فتصير إلى: قرئي، ثم تحذف حركة الياء لاستثقالها عليها، ثم تحذف الياء لالتقائها ساكنة مع التنوين، وتنتهي إلى: قرء، وتصير منقوصة، مثل: داع، وهاد، ووال. 2- أن تكون الهمزتان المتحركتان في غير موضع اللام، وحركة الثانية كسرة. فتقلب الثانية ياء مطلقا "أي: بعد همزة مفتوحة أو مكسورة، أو مضمومة؛ فهي في حكمها كالصورة السالفة" كبناء صيغة من الفعل: "أم" تكون على وزن: أصبح" بفتح الهمزة، أو بكسرها، أو بضمها، مع كسر الباء

_ 1 نوع من الصبغ المائل للحمرة.

في الحالات الثلاث، فيقال بعد الهمزة المفتوحة: أأمم، ثم تنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة؛ ليمكن إدغام الميمين، وهذا أمر واجب، ثم تقلب بعده الهمزة الثانية بعد نقل الكسرة إليها، ياء؛ لأن الهمزة المكسورة بعد المفتوحة تقلب ياء كما تقدم -فتصير الكلمة: أيم. ويقال: بعد الهمزة المكسورة: ائمم، بهمزتين؛ أولاهما مكسورة، وثانيتهما: ساكنة، فتنقل كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، ليتيسر الوصول إلى الإدغام الواجب في الميمين، وتقلب الهمزة الثانية بعد نقل الكسرة إليها، ياء، وتصير الكلمة: ايم. 3- أن تكون الهمزتان المتحركتان في غير موضع اللام، والثانية مضمومة؛ فتقلب واوا بعد همزة؛ إما مفتوحة، وإما مكسورة، وإما مضمومة. فمثال المضمومة بعد مفتوحة: أوب1، والأصل: أأبب -بفتح، فسكون، فضم ... - نقلت حركت الباء الأولى إلى الهمزة الساكنة؛ ليتيسر الوصول للإدغام الواجب، فصارت الكلمة بعد الإدغام: أأب، وقلبت الهمزة الثانية واوا بعد انتقال الضمة إليها؛ لأن الواو هي المناسبة للضمة؛ فصارت الكلمة: أوب. ومثال المضمومة بعد مكسورة بناء صيغة من الفعل "أم"2 على وزان: إصبع -كسر الهمزة وضم الباء- فيقال: ائمم؛ بكسر، فسكون، فضم، نقلت حركة الميم إلى الهمزة -قبلها، ليتسر الوصول إلى الإدغام الواجب، فضرب الكلمة بعده إؤم- بكسر، فضم، فميم مشددة. قلبت الهمزة الثانية حرفا من جنس حركتها؛ وهو الواو، فصارت: إوم. ومثال المضمومة بعد ضمة: بناء صيغة على وزن: أبلم3، من الفعل: أم؛

_ 1 بفتح: فضم، فباء مشددة جمع: أب، بفتح الهمزة وتشديد الياء، وهو: المرعى. 2 بمعنى: قصد. 3 من معانيه: غليظ الشفتين، ونوع من النبات ...

فيقال: أؤمم -بضم، فسكون، فضم- تنقل ضمة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة قبلها؛ ليتيسر الإدغام؛ فتصير الكلمة بعده: اؤم، -بضمتين متواليتين- وتقلب الهمزة الثانية المضمومة حرفا من جنس حركتها، وهو الواو -فتصير الكلمة: اوم. 4- أن تكون الهمزتان المتحركتان، في غير موضع اللام، والثانية مفتوحة مطلقا؛ "أي: بعد همزة مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة" فتقلب واوا. فمثال المفتوحة بعد مفتوحة: أوادم1، والأصل بهمزتين مفتوحتين بعدهما ألف، قلبت الهمزة الثانية واوا؛ طبقا لقواعد الإبدال، التي تقضي بقلب الهمزة الثانية المفتوحة غير المتطرفة واوا. دائما: سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم غير مفتوح. ومثال المفتوحة بعد مضمومة: أويدم؛ "تصغير: آدم"، والأصل: أؤيدم. قلبت الهمزة الثانية واوا عملا بالقاعدة السالفة.

_ 1 يقول ابن مالك في حكم الهمزة المفتوحة "وقبلها فتحة أو ضمة" وأنها تقلب واوا في الحالتين، وتقلب ياء إن كان قبلها كسرة، كما يجيء بعد هذا: إن يفتح أثر ضم او فتح قلب ... واوا. وياء إثر كسر ينقلب-8 "إن يفتح: أي: الهمز الثاني، بمعنى: الهمزة". ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان حكم الهمزة الثانية المكسورة وقبلها حركة؛ فصرح بأنها تقلب ياء مطلقا؛ "أي: سواء أسبقتها ضمة، أم فتحة، أم كسرة". كما صرح بأن الهمزة المضمومة "بعد حركة" يجب قلبها واوا مطلقا، بشرط ألا تكون الهمزة الثانية آخر الكلمة؛ فإن كانت آخر وجب قلبها ياء -كما سبق في الشرح- يقول: ذو الكسر مطلقا كذا. وما يضم ... واوا أصر، ما لم يكن لفظا أتم-9 فذاك ياء مطلقا جا. وأؤم ... ونحوه وجهين في ثانيه. أم-10 "كذا. أي: ينقلب ذو الكسر مطلقا كهذا -مشيرا على ما قبله مما ينقلب ياء- وأن الهمزة المكسورة تقلب ياء مطلقا، سواء أكان من قبلها مكسورة أم غير مكسور. وأم، أصلها: "أم" بتشديد الميم، بمعنى: اقصد. أي: اتجه لهذا الحكم والعمل به". أما ما انضم من ثاني الهمزتين فيصير واوا مطلقا "سواء أكان ما قبله مضموما أم غير مضموم" بشرط ألا يكون تمام اللفظ، أي: بشرط ألا يكون هو آخر الكلمة. فإن كان آخرها فهو ياء مطلقا. و"جا" أي: جاء في كلام العرب ياء. وختم البيت العاشر بالإشارة إلى الهمزة الثانية التي يجوز قلبها واوا وبقاؤها وقد شرحناها.

ومثال المفتوحة بعد مكسورة بناء صيغة من الفعل: "أم"، على وزن: إصبع -بكسر الهمزة، وفتح الباء- فيقال: اأمم، بكسر، فسكون، ففتح. تنقل حركة الميم الأولى "وهي الفتحة" للهمزة الساكنة قبلها؛ ليتيسر الإدغام الواجب، ثم يقع الإدغام؛ فتصير الكلمة: إأم، بكسر، ففتح، فميم مشددة. وتقلب الهمزة الثانية ياء لوقوعها متحركة بعد كسرة في حشو الكلام؛ فتصير الكلمة: ايم، بهمزة مكسورة، وياء مفتوحة، وميم مشددة. "ملاحظة": إذا كانت الهمزتان متحركتين والأولى منهما للمتكلم في صدر فعل مضارع جاز في الثانية منهما قلبها وبقاؤها من غير قلب، نحو: أؤم، وأئن "مضارعي: "أم" بمعنى: قصد.. و"أن"، بمعنى: تألم"، ويجوز أوم، وأين ... إبدال الياء من الألف: تقلب الألف ياء في موضعين؛ أولهما: وقوعها بعد كسرة؛ كما في تكسير سلطان، ومصباح، ومنشار -ونحوها- علي: سلاطين، ومصابيح، ومناشير ... وكما في تصغيرها على: سليطين، ومصيبيح، ومنيشير ... ثانيهما: وقوعها بعد ياء التصغير في مثل: كتيب، وسحيب، وغليم؛ في تصغير: كتاب، وسحاب، وغلام. والسبب: أن ما بعد ياء التصغير لا بد أن يكون متحركا، والألف لا تقبل الحركة، وياء التصغير لا تكون متحركة. فقلبت الألف بعدها ياء للتخلص من الساكنين. ولم تقلب حرفا آخر؛ لأن هذا هو الوارد عن العرب1.

_ 1 في الموضعين السالفين يقول ابن مالك: وياء اقلب ألفا كسرا تلا ... أو ياء تصغير.......-11 التقدير: واقلب ألفا تلا كسرا ياء، أو تلا ياء تصغير. يريد: اقلب حرف الألف ياء إذا وقع كسرة أو بعد ياء تصغير. وأكمل البيت بتكملة تتصل بقاعدة جديدة ستجيء في البيت الذي بعده مباشرة.

إبدال الياء من الواو: تقلب الواو ياء في نحو أحد عشر موضعا: 1- أن تقع متطرفة بعد كسرة؛ كما في نحو: رضي، وقوهي، والراضي، والسامي. والأصل: رضو، وقوو1 والراضو، والسامو؛ لأن هذه الكلمات -ونظائرها- واوية اللام، بدليل ظهور الواو الأصلية في بعض تصاريف الكلمة؛ مثل: الرضوان، القوة، السمو ... ؛ ولا يتغير الحكم السالف بوقوع تاء التأنيث بعد الواو؛ لأن تاء التأنيث بمنزلة كلمة مستقلة، نحو: رضيت، قويت، الراضية، السامية. فتعتبر الواو التي تليها هذه التاء في حكم المتطرفة التي يجب قلبها ياء بعد الكسرة. وكذلك لا يتغير الحكم السالف بوقوع ألف ونون زائدتين بعد الواو المتطرفة التي قبلها كسرة، ون هذين الحرفين -هنا- في حكم الكلمة المنفصلة عما قبلها. ومن الأمثلة: الإتيان بصيغة على وزن: "فعلان" -بفتح فكسر- من الغزو، والشجو؛ فيقال: غزوان وشجوان، بالواو التي قبلها كسرة، ثم تقلب هذه الواو ياء؛ فتصير الصيغة: غزيان، وشجيان "فالواو" واقعة في الطرف تقديرا وقبلها كسرة، فعوملت معاملتها إذا وقعت في الآخر حقيقة2 ... 2- أن تقع عينا لمصدر، أعلت3، في فعله، وقبلها في هذا المصدر

_ 1 هذ الكلمة: "قوو" صالحة للإدغام؛ لانطباق شروطه عليها ولكن القلب يقدم عليه. 2 والألف والنون هنا زائدتان -كما سلف- وليستا للتثنية وفي هذا الموضع يقول ابن مالك: ............................ ... ........ بواو ذا افعلا-11 في آخر، أو قبل "تاء" التأنيث، أو ... زيادتي "فعلان" ... -12 يقول: افعل ذا بالواو وهو قلبها ياء كما قلبت الألف بعد الكسرة، بشرط أن تكون الواو في الآخر أو بعدهما تاء التأنيث، أو زيادتا "فعلان" على الوجه الذي شرحناه. وليس المراد أن يكون على "فعلان" بضبطها، وإنما المراد أن تكون الواو بعد كسرة، وقبل زيادتي الحرفين الأخيرين "الألف والنون" لأنها لا تقلب ياء في "فعلان" ساكن العين. أما أول البيت الحادي عشر فمختص بقاعدة سلفت الإشارة إليها في هامش "ص775" كما أن آخر البيت الثاني عشر مختص بقاعدة ستجيء بعده مباشرة. 3 أي: كانت حرف علة منقلبا عن غيره. وهذا هو المراد بالمعل هنا.

كسرة، وبعدها ألف. "فالشروط أربعة". ومن الأمثلة: صام صياما، قام قياما، راد ريادا، حاك حياكا وحياكة، والأصل: صوام، وقوام، ورواد، وحواك؛ قلبت الواو ياء لتحقق الشروط الأربعة السالفة. فلا قلب في مثل: سوار لانتفاء المصدرية، ولا في مثل: حاور حوارا؛ لأنالواو غير معلة في الفعل "أي: غير منقلبة عن حرف آخر" ولا في مثل: "حال حولا، لعدم وقوع ألف بعدها، على حسب الرأي الغالب1 ... 3- أن تقع عينا لجمع تكسير، صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهي معلة في مفرده. ومن أمثلتهم: جمع دار على ديار، وحيلة على حيل، وديمة على ديم، وقيمة على قيم، وقامة على قيم، أيضا، والأصل: دوار، حول، دوم، قوم، ومن الشاذ، حاجة وحوج. فإن كانت اللام معتلة وجب تصحيح الواو؛ فيقال في جمع: ريان2 وجو: رواء، وجواء، بترك اواوا بغير قلب. 4- أن تقع عينا لجمع تكسير صحيح اللام، وقبلها كسرة، وهي في مفرده شبيهة بالمعلة: في أن تكون ساكنة فيه، وبعدها في الجمع ألف، نحو: سوط وسياط، وحوض وحياض، وروض ورياض ... والأصل: سواط، حواض، رواض ... فإن لم توجد الألف وجب تصحيح الواو، نحو: كوز وكوزة، وعود3 وعودة، كما تصحح إن كانت متحركة في المفرد؛

_ 1 وإلى هذا الموضع يشير ابن مالك في آخر البيت الثاني عشر وفي البيت الذي يليه. يقول: ............................ ... ......... ذا أيضا رأوا-12 في مصدر المعتل عينا. والفعل ... منه صحيح غالبا؛ نحو الحول-13 يريد: أن النحاة رأوا أيضا قلب الواو ياء بعد الكسرة في مصدر كل فعل معل العين. وبعدها ألف، نحو: صام صياما ... كما شرحنا. وأشار بقوله: والفعل منه صحيح ... إلى أن المصدر إذا كان على وزن: فعل "بكسر بفتح" وعينه واو قبلها كسرة وليس بعدها ألف، فإن الواو تصبح فيه، نحو: مصدر: حال. 2 مرتو بالماء "ضد عطشان". 3 الذي زاد عمره من الإبل على سبع سنين.

نحو: طويل وطوال ... 1. 5- أن تقع طرفا في ماض وهي رابعة أو أكثر بعد فتحة، بشرط أن تكون منقلبة ياء في المضارع نحو: أعطيت وزكيت، وأنا أعطني وأزكي. وفعلهما: "عطا يعطو؛ بمعنى: أخذ وتناول" فأصل الفعلين الرباعيين: أعطوت، وزكوت، ثم قلبت الواو فيهما ياء، وكذلك في اسم مفعولهما؛ وهو: معطيان ومزكيان2.. 6- أن تقع ساكنة غير مشددة وقبلها كسرة، نحو: ميزان، وميعاد، وميقات، والأصل: موزان، وموعاد، وموقات، بدليل: الوزن، والوعد، والوقت. فلا يصح القلب في مثل: سوار، وصوان، لعدم سكون الواو، ولا في: اجلواذ "وهو مداومة السير مع الإسراع" لتشديد الواو. 7- أن تقع لاما لصفة على وزن: فعلى "بضم فسكون ففتح" نحو: دنيا وعليا، وأصلهما: دنوى وعلوى ... ، "بدليل دنوت دنوا، وعلوت علوا" قلبت الواو ياء. ومن الشاذ المسموع: قصوى3.

_ 1 وفي النوعين الثالث والرابع يقول ابن مالك: وجمع ذي عين أعل أو سكن ... فاحكم بذا الإعلال فيه حيث عن-14 "عن، أصلها: عن، بالتشديد؛ خففت النون بالسكون، للشعر. ومعنى: عن، ظهر وعرض" ثم قال: وصححوا: "فعلة". وفي: "فعل" ... وجهان. والإعلال أولى كالحيل-15 يريد: أن الواو السالفة الذكر إذا لم يقع بعدها ألف في الجمع، وكان على وزن فعله "بكسر ففتح" فإنها تصح وتبقى؛ نحو كوز وكوزة، وعود وعودة ... فإن كان الجمع على وزن فعل "بكسر ففتح" جاز عند ابن مالك الإعلال -وهو الأولى- والتصحيح؛ نحو: حاجة وحوج أو حيج، وحيلة وحيل وحول. ويفهم من كلام ابن مالك أن التصحيح مطرد ولكنه غير الأولى. أما عند غيره فالتصحيح شاذ لا يقاس عليه، ويقتصر على الوارد المسموع منه، وهذا هو الرأي الأقوى. ويجب الاقتصار عليه. 2 وفي هذا الموضع يقول ابن مالك: والواو لاما بعد فتح "ياء" انقلب ... كالمعطيان يرضيان. "ووجب ... "-16 التقدير: انقلبت الواو. حالة كونها لاما بعد فتح ياء كالياء في المعطيات ويرضيان؛ فأصلها الواو. أما الفعل: "وجب" فلا صلة له بهذا؛ وإنما صلته بالبيت السابع عشر الآتي في هاش ص783. 3 وهي لغة قريش.

فإن كانت فعلى اسما "وليست وصفا"، بقيت الواو بغير قلب، نحو: حزوى، اسم موضع ... 1. 8- أنم تجتمع هي والياء في كلمة واحدة2 بشرط ألا يفصل بينهما فاصل، وأن يكون السابق منهما أصيلا "أي: غير منقلب عن غيره" وساكنا سكونا أصليا غير عراض. فإذا تحققت هذه الشروط وجب قلب الواو ياء، وإدغامها في الياء، سواء أكانت الياء هي السابقة؛ نحو: سيد وميت "وأصلهما، سيود، ميوت كما سبق" أم كانت الواو هي السابقة؛ نحو: طي، ولي، وأصلهما: طوي، ولوي؛ بدليل: طويت ولويت ... فالواو في الأمثلة السالفة قلبت ياء، وأدغمت في الياء. فإذا اجتمعتا في كلمتين فلا قلب، نحو: يدعو ياسر، ويجري وائل. ولا قلب كذلك إن كان بينهما فاصل، نحو: زيتون، أو كان السابق منهما متحركا، نحو: طويل وغيور، أو كان السابق غير أصيل، نحو: كويتب في تصغير. كاتب، أو كان سكونه غير أصيل، كقولهم في "قوى" الماضي، المكسور الواو أصالة: قوى، بسكون الواو، للتخفيف. وإذا اجتمعت الواو والياء في تصغير اسم -لا وصف- مشتمل على واو متحركة، وتكسيره على: مفاعل -وما يوزانه-3 جاز قلب الواو بالطريقة

_ 1 وفي الموضع الساب يقول ابن مالك: في فصل مستقل يجيء بعد، ولا يشتمل إلا على بيتين أولهما يشتمل على حالة تبدل فيها الواو من الياء، وثانيهما تبدل فيه الياء من الواو. ونصهما تحت عنوان: "فصل": من لام "فعلى" اسما أتى الواو بدل ... ياء؛ كتفوى غالبا جاذا البدل-1 "أي: جاء هذا البدل، وسيعاد البيت لمناسبته في ص785". يريد: أن الواو تبدل من الياء الواقعة لاما لاسم على وزن "فعلى" -بفتح، فسكون، ففتح مع مد- نحو: تقوى ... وهذه الصورة الثالثة من الصور التي سيجيء شرحها في موضعها الأنسب، عند الكلام على قلب الياء واوا "ص383". أما الذي يعنينا هنا وهو العكس، "أي: قلب الواو ياء" فهو البيت الثاني آخر الفصل، ونصه: بالعكس جاء لام "فعلى" وصفا ... وكون: "قصوى" نادرا لا يخفى-3 2 أو ما يشبهها، وينطبق عليه حكمها -كما سيجيء في ص780. 3 سبق بيان ما يوازنه في ص664 و671.

السالفة وتصحيحها، نحو: جداول، والتصغير1: جديل، أو: جديول، بالقلب وعدمه، ونحو: أسود، للحية، وأساود، والتصغير: أسيد، أو أسيود. والإعلال أحسن في كل ذلك. فإن كان المفرد المصغر وصفا تعين الإعلال؛ نحو: أليم، تصغير: ألوم، "اسم تفضيل، فعله: لام". وكذلك إن كانت الواو المفرد غير متحركة نحو: عجوز وعمود، وتصغيرها عجيز وعميد. ولا إعلال إن كانت الواو في المفرد عارضة؛ نحو روية، تخفيف رؤية، ونحو: بويع، لأن أصلها ألف ... 2. ومما ينطبق عليه حكم الكلمة الواحدة -مع أنه ليس بواحدة- جمع المذكر السالم المرفوع المضاف إلى ياء المتكلم، نحو: جاء صاحبي والأصل: صاحبون لي. حذفت النون للإضافة ومعها اللام؛ فصارت الكلمة صاحبوي، ثم قلبت الواوياء وأدغمت في الياء، وكسر ما قبلها. 9- أن تقع لام اسم مفعول لفعل ماض، ثلاثي، على وزن: فعل -بفتح فكسر- نحو: رضي فهو مرضي. وقوي فهو مقوي. والأصل: مرضوي ومقووي "على وزن مفعول" اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكخسر ما قبلها بدلا من الضمة؛ لكيلا تقلب الياء واوا بعد الضمة. فإن كان الماضي غير مكسور العين وجب تصحيح الواو، نحو: مغزو ومدعو؛ وفعلهما: غزا، ودعا. غزو، ودعو؛ تحركت الواو وانفتح ما قبلها؛ قلبت ألفا، فصار: غزا ودعا3.

_ 1 راجع ما سبق خاصا بهذا في "التصغير"، هامش ص695، رقم 5. 2 وفي هذا الموضع الثامن يقول ابن مالك في بحث مستقل عنوانه: "فصل"، نص البيت الأول والثاني منه -وهما الخاصان بموضوعنا: إن يسكن السابق من واو ويا ... واتصلا، ومن عروض عريا-1 فياء الواو اقلبن مدغما ... وشذ معطى غير ما قد رسما-2 "عرى= خلا. رسم= عين وحدد بوضوح". 3 ويصح أن يبقى الفعلان على أصلهما بغير قلب الواو، بقصد المدح، أو التعجب، بشرط أن يكون كل منهما على وزن "فعل" -بفتح فضم- وقد سبق الكلام على هذا النوع من التعجب في بابه الخاص "ج3 ص269 م109".

10- أن تكون لاما لجمع تكسير وزنه: فعول "بضم فضم"، نحو: "عصا، وجمعها: عصي"، "ودلو، وتكسيره: دلي". والأصل: عصوو، ودلوو؛ اجتمع واوان -واجتماعهما ثقيل- أولاهما زائدة في الجمع، والأخيرة أصلية "لام الكلمة" قلبت الواو الأخيرة ياء؛ فصارتا إلى: "عصري، ودلوي" اجتمعت الواو والياء؛ وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلهما، فصارتا: عصي ودلي. يصح كسر أولهما للتخفيف؛ لأن الانتقال من الضم إلى الكسر في مثل هذه الصيغة لا يخلو من ثقل. ومن النحاة من يجيز التصحيح في جمع التكسير السالف، ولكن الأرجح عدم التصحيح ... فإن كان "فعول" مفردا وجب التصحيح؛ نحو: عتو، علو، سمو، نمو ... 1. 11- أن تكون عينا لجمع تكسير على وزن: "فعل" صحيح اللام مع عدم وجود فاصل بين العين واللام، نحو: صيم، ونيم، وأصلهما: صوم

_ 1 وإلى الموضعين "التاسع والعاشر" يشير ابن مالك في فصل مستقل، أوله إن يسكن السابق من واو وياء، ... قائلا في البيتين الثامن والتاسع: وصحح المفعول من نحو: "عدا" ... وأعلل إن لم تتحر الأجودا-8 يريد بنحو: "عدا" الماضي الثلاثي غير المكسور العين إذا كان واوي اللام حيث يجب التصحيح في الرأي الأجود؛ فتقول: عدا، وغزا، ودعا ... واسم المفعول، معدو، ومغزو، ومدعو. أما غير الأجود فيجري فيه القلب؛ فيقال: معدي، مغزي، مدعي. ومن هذا قول عبد يغوث الحارثي من شعراء الجاهلية: وقد علمت عرسي ملكية أنني ... أنا الليث معديا على وعاديا يريد: معدوا عليه ... ، وجاء في المحتسب "ج2 ص207" أن أبا حاتم قال: إن الواو المشددة أبدلت ياء للتخفيف، وسرد لهذا أشباها. ثم قال ابن مالك: كذاك ذا وجهين جا "الفعول" من ... ذي الواو لام جمع أو فرد يعن-9 "يعن= أصلها: يعن. بالتشديد، أي: يظهر". والرأي عند ابن مالك أن "الفعول" جاء فيه عن العرب الوجهان؛ سواء أكان جمعا أم مفردا. وغير ابن مالك يحتم الرأي الذي شرحناه، ويحكم بالضعف على غيره -وستجيء إشارة للبيتين السالفين ي مناسبة أخرى ص803.

ونوم، بواوين قبلهما ضمة، وهذا ثقيل؛ فعدل عن الواوين إلى الياءين لخفتهما، ولكن التصحيح هو الأكثر؛ فيقال صوم، ونوم..1 فإن لم تكن اللام صحيحة لم يصح القلب، نحو شوى وغوى2 ... "بضم أولهما، وتشديد ثانيهما المفتوح المنون، وهما جمع: شاو؛ وغاو، اسمي فاعل من: شوى وغلأى". كما يجب التصحيح إن فصلت العين من اللام، نحو: صوام ونوام، ومن الشاذ نبام ... 3.

_ 1 وفي هذا يقول ابن مالك في الفصل المشار إليه: وشاع نحو: "نيم" في: نوم ... ونحو: "نيام" شذوذه نمي-10 "نمي= نسب. أي: أنه نسب للشذوذ، وستجيء الإشارة لهذا البيت في مناسبة أخرى ص830". 2 أصلهما: شوي، وغوي، على وزن: فعل؛ كركع، وسجد؛ بضم الأول، وتشديد الثاني مع فتحه تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا؛ فالتقى ساكنان هما هذه الألف والتنوين، فحذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين. 3 "تكملة وبيان". ورد في كتب اللغة ما يساير هذه المسألة في بعض نواحيها، ويزيد عليها في بعض آخر؛ فهو أعم منها. جاء في "لسان العرب" مادة: "صاغ" ما نصه: "صاغ مصوغا. وصياغة، وصيغة، وصيغوغة، الأخيرة عن اللحياني.. ورجل صائغ، وصواغ، وصياغ؛ مصدقة في لغة أهل الحجاز. قال ابن جني: إنما قال بعضهم "صياغ" لأنهم كرهوا التقاء الواوين، ولا سيما فيما كثر استعماله، فأبدلوا الأولى من العينين ياء، كما قالوا في: "إما" أيما"، ونحو ذلك؛ فصار تقديره: "الصيواغ" فلما التقت الواو والياء على هذا أبدلوا الواو الثانية ياء، للياء قبلها، وأدغموا الياء في الياء: فقالوا: "الصياغ" فإبدالهم العين الأولى من "الصواغ" دليل على أنها الزائدة: لأن الإعلال بالزائد أولى منه بالأصل". ا. هـ. ومثل هذا تماما في كتاب: "الإبدال"؛ لأن الطيب اللغوي -ج2 هامش ص478- وجاء أيضا في اللسان في مادة: "قام" ما نصه: رجل قائم، من رجال قوم، وقيم ... وقيم، وقيام، وقوام" ا. هـ. ومثل هذا في مادة: "صام". ومسايرة لما سبق من اللغة الحجازية وغيرها يتبين صحة الاستعمال الشائع اليوم في مثل قيمت الشيء فتقيم، وأصله: قومته فتقوم وهذا أفصح. ومن معانيها: حددت للشيء قيمته. وقد صحح مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومؤتمره ذلك الاستعمال الشائع، اليوم معتمدا في تصحيحه على ما أسلفناه من بعض لغات العرب. وقد صدر قراره بالتصحيح في الجلسة الثامنة من جلسات مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين لسنة 1968 طبقا لما هو مدون في ص228 من الكتاب الذي أخرجه المجمع سنة 69 باسم: "كتاب في أصول اللغة" مشملا على مجموعة القرارات التي أصدرها المجمع من الدورة التاسعة والعشرين إلى الدورة الرابعة والثلاثين مدعومة بالبحوث والأدلة التي اعتمد عليها في إصدار تلك القرارات.

إبدال الواو من الألف: إذا وقعت الألف بعد ضمة وجب قلبها واوا، سواء أكان هذا في اسم، أم فعل، فمثل الاسم: لويعب، ومويهر، وهما تصغير: لاعب وماهر، ويشترط لقلب الألف واوا في التصغير ألا يكون أصلها ياء كالتي في: "ناب" "بمعنى: السن" فإنها في التصغير ترجع إلى أصلها الياء -كما تقدم1 في بابه- فيقال: نييب. ومثال الفعل: روجع، عومل، بويع ... وهي أفعال ماضية مبنية للمجهول: وأصلها للمعلوم: راجع، عامل، بايع ... 2. إبدال الواو من الياء: يقع هذا في أربعة مواضع: 1- أن تكون الياء في لفظ غير دال على الجمع. مع سكونها. ووقوعها بعد ضمة، وعدم تشديدها. نحو: يوقن وموقن، يونع ومونع، يوقظ وموقع، يوسر وموسر ... قلبت الياء واوا في المضارع واسم الفاعل، وهكذا ... والأصل: أيقن الرجل ييقن؛ فهو ميقن، أينع الثمر يينع؛ فهو مينع، أيقظ الصباح النائم ييقظ، فهو ميقظ، أيسر النشيط ييسر؛ فهو ميسر. فلا يصح القلب إن كان اللفظ جمعا: نحو: بيض وهيم، "تقول: هذا ورق أبيض وورقة بيضاء والجمع فيهما بيض3 بضم الباء،

_ 1 في ص704. 2 وإلى هذه الحالة أشار ابن مالك في آخر البيت السادس عشر وأول السابع عشر بقوله: .......................... ... ............. ووجب-16 إبدال واو بعد ضم من ألف ... ........................-17 أما صدر البيت الأول فخاص بقاعدة سلفت في ص778 وأما بقية الثاني فخاص بقاعدة ستجيء بعد هذه مباشرة. 3 قياس تكسيرها: فعل.

ثم يجب كسرها في هذه الصورة؛ لثقلها في جمع التكسير قبل الياء الساكنة غير المشددة. وتقول: هذا جمل أهيم1، وناقة هيماء، والجمع فيهما: هيم، بضم الهاء، ثم تكسر الهاء، وجوبا، لما سبق". كذلك لا يصح القلب: إن كانت الياء متحركة، نحو: هيام2، -بضم، ففتح بغير تشديد- أو كانت غير مسبوقة بضمة، نحو: خيل وجيل ... أوو كانت مشددة؛ نحو غيب3 ... 4. 2- أن تكون لاما لفعل، وقبلها ضمة؛ "كالأفعال اليائية: نهى، قضى، رمى ... إذا أردنا تحويلها إلى صيغة "فعل" لغرض؛ كالتعجب ... " نحو: نهو الرجل، أو: قضو، أو رمو..؛ للتعجب من نهينه -أي: عقله- أو من قضائه، أو رميه. وهذه الألفاظ تؤدي معنى التعجب، أي: ما أنهاه! -ما أقضاه! - ما أرماه! ... فكل هذه وتلك من أساليب التعجب القياسية التي سبق الكلام عليها في بابه5. وقد تكون لاما لاسم مختوم بتاء تأنيث بعدها تلازم الكلمة؛ بحيث لا تؤدي الكلمة معناها إلا مع هذه التاء؛ كبناء صيغة على وزن "مقدرة" -بفتح، فسكون، فضم، ففتح- من الفعل، رمى؛ فتكون، مرموة، والأصل: مرمية -بكسر الميم الثانية- قلبت الياء واوا؛ لوقوعها بعد ضمة.

_ 1 شديد العطش. 2 مصدر: هام، بمعنى: اشتد عطشه، أو حبه. 3 جمع غائب. 4 وفي هذا الموضع من قلب الياء واوا وقلب الضمة كسرة في مثل: بيض، وهيم، ونحوهما ... يقول ابن مالك في البيت السابع عشر الذي سبق صدره: ....................................... ... و"ياء" كموقن بذاتها اعترف-17 يريد: أن الياء التي كانت في أصل كلمة: "موقن" يجب قلبها واوا، كما انقلبت الألف في الحالة السالفة واوا. فالتشبيه بين الحالتين مقصور على قلب الحرفين -الألف والياء- واوا. ثم قال في قلب الضمة كسرة: وبكسر المضموم في جمع كما ... يقال: "هيم" عند جمع: أهيما-18 "والألف التي في آخر: "أهيما" زائدة للشعر". ومثل أهيم: هيماء، وما شابههما مما يجتمع فيه سبب الكسر. 5 ج3.

فلو جاءت التاء بعد بناء الصيغة المطلوبة لم يصح القلب، ووجب ترك الياء على حالها، نحو: "تمادية"؛ وهي مصدر دال على المرة، وفعله: تمادى: وأصل المصدر: تماديا -بضم قبل الياء كسرة، لتسلم الياء من قبلها واوا. ثم جاءت التاء الدالة على الوحدة بعد انقلاب الضمة كسرة. وقد تكون لاما لاسم مختوم بالألف والنون الزائدتين؛ كبناء صيغة من الفعل: رمى على وزان: سبعان "بفتح، فضم، ففتح مع مد ... اسم موضع" فيقال: رموان"1. 3- أن تكون لاما لاسم على وزن: فعلى -بفتح، فسكون، ففتح مع المد- نحو: تقوى، وشروي، وفتوى ... والأصل: تقيا، وشريا، وفتيا ... بدليل: تقيت، وشربت، وفتيت؛ فأبدلت الياء واوا في الثلاثة، وفي نظائرها من الأسماء المحضة، لا. الأوضاف2. 4- أن تكون عينا لكلمة على وزن: فعلى -بضم، فسكون، ففتح مع المد- بشرط أن تكون الكلمة اسما محضا، أي: خالصا من شائبة الوصفية؛ نحو: "طوبى"3، التي هي اسم خالص الاسمي، للجنة، أو لشجرة فيها فإن لم تكن اسما محضا وكانت صفة محضة، -أي: خالصة من شائبة الاسمية- وجب تصحيح الياء وكسرها ما قبلها؛ لكي تسلم من قبلها واوا، ولا يكاد يعرف من هذا النوع

_ 1 وفي هذا الموضع يقول ابن مالك: وواوا أثر الضم رد "اليا" متى ... ألفي لام فعل، او من قبل: "تا"-19 كتاء بان من: "رمى" كمقدره ... كذا إذا كسبعان صيره-20 "ألفى= وجد" والمراد: متى وجد حرف الياء على هذه الصورة. 2 وفي هذا يقول ابن مالك في بيت سبقت الإشارة إليه في ص779 تحت عنوان "فصل" ونصه: من لام فعلى اسما أنى الواو بدل ... ياء؛ كتقوى -غالبا- جاذا البدل-1 3 وأصلها: طيي. بالياء -لأن فعله: طاب بطيب- قلبت الياء واوا. "انظر رقم 5 في الهامش الآتي".

-كما قالوا- إلا كلمتان هما: ضيزى1 وحيكى2، وأصلهما3: ضوزى، وحوكى، بالواو الساكنة فيهما، المسبوقة بضمة. قلبت الواو ياء ساكنة، وقلبت الضمة قبلها كسرة. فإن كانت الصفة غير محضة -لجريانها مجرى الأسماء4، جاز في الرأي الأنسب5 القلب والتصحيح، وفي الحالتين تكون الصفة غير المحضة دالة على التفضيل؛ لأنها مؤنث "أفعل" الدال على التفضيل أيضا، ومن أمثلتها: "طوبى6 أو: طيبى، مؤنث أطيب"، "كوسى أو: كيسى؛ مؤنث أكيس"، "ضوقى أو: ضيقى، مؤنث: أضيق"، "خورى، أو خيرى، مؤنث: أخير" ... إبدال الألف من الواو والياء: إذا وقعت الألف عينا للماضي الثلاثي، أو لاما، فلا بد أن تكون منقلبة

_ 1 يقال: قسمة ضيزي، أي: جائزة ظالمة "ضازه، يضوزه، ويضيزه ... ، جار عليه، وبخسه" ... 2 يقال: مشية حيكى إذا تحرك فيها المنكبان. "حاك في مشيه يحوك ويحيك، إذا حرك منكبيه". 3 أصلها عند كثير من النحاة: "ضوزى. وحوكى"؛ فهما واويان. وهذا مخالف لما يدل عليه "القاموس وتاج العروس" من أنهما واويات ويائيان، فلا يصح الاستدلال بهما على قلب الواو لجواز أن تكون هذه الياء هي التي في أصلها ... 4 ويعرف جريانها مجرى الأسماء بأن تكون معمولة للعوامل المختلفة مباشرة دون أن يسبقها موصوف. 5 وهو رأي ابن مالك، فقد نص على أن الوجهين مسموعان عن العرب، ويخالفه سيبويه وكثرة النحاة؛ فقطعوا بقلب: ياء "فعلى" واوا إذا كانت اسما؛ كطوبى الاسمية، أو وصفا غير محض، وبعدم قلبها إذا كانت وصفا محضا، وكسر ما قبلها لتسلم. ويقول ابن مالك مسجلا رأيه، قاصدا "فعلى" الجارية مجرى الأسماء. وإن تكن عينا لفعلى وصفا ... فذاك بالوجهين عنهم يلفى-21 "يلقى= يوجد -كما سبق". 6 كلمة: "طوبى" قد تكون سما محضا كالتي هي اسم الجنة، أو اسم شجرة، وقد تكون وصفا إذا كانت للتفضيل، مؤنث: "أطيب" الدال على التفضيل، كما عرفنا.

عن واو أو ياء: نحو: "صام، باع"، "سما، جرى" والأصل: صوم، بيع، سمو، جرى ... بفتح الواو والياء في كل ذلك. والدليل على هذا الأصل. المصادر، أو غيرها، إذ نقول: صوم، بيع، سمو، جري، فقلبت الواو والياء في تلك الأفعال ألفا. كما يقلبان في كثير من الأسماء أيضا، ولا يقع هذا القلب في الأفعال ولا في الأسماء إلا بعد اجتماع عشرة شروط: أولها: أن يتحركا. فإن لم يتحركا لم يقع القلب، كما في "قول، صوم"، "بيع، عين". ثانيها: أن تكون حركتهما أصلية ليست طارئة للتخفيف أو لغيره من الحركات التي لا تلازمهما؛ فلا قلب في نحو: جيعل، وتوم "وأصلهما: جيئل1، وتوءم2، نقلت حركة الهمزة -بعد حذفها للتخفيف- إلى الساكن قبلها، عند يبيح هذا التخفيف إن أمن اللبس". ولا في مثل قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} 3، وقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ... 3. ثالثها: أن يكون ما قبلهما مفتوحا؛ فلا قلب في مثل: العوض -الدول- الحيل. رابعها: أن تكون الفتحة التي قبلهما متصلة بهما -في كلمة واحدة، فلا قلب في مثل: حضر وفد ليس يزيد فيه. خامسها: أن يتحرك ما بعدهما إن كانا في أصلهما غير لامين؛ "كأن يكونا فاءين، أو عينين للكلمة"، وألا يقع بعدهما ألف، ولا ياء مشددة إن كنا لامين؛ فلا قلب في مثل: "توالى، وتيامن"، "وحورنق4، وطويل وبيان، وغيور"؛ لسكونهما بعدهما مع وقوعهما فاءين أو عينين. ولا في مثل: "جريا، وسموا، وفتيان، وعصوان": لوقوعهما لاما للكلمة وبعدهما ألف. ولا في مثل: "علوي وحي5" لوقوع ياء مشددة بعدهما.

_ 1 اسم للضبع. 2 المولود ومعه غير في بطن واحد، فكل منهما توءم، وهما: توءمان، والأكثر: توائم. 3 و3 "لتبلون، تنسوا" حركة واو الجماعة هنا عارضة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. 4 اسم قصر قديم بالعراق للنعمان. 5 صاحب حياء.

وإنما قلبا في سما، ودعا، ومشى، وسعى مع وقوعهما لاما؛ لعدم وقوع ألف ولا ياء مشددة بعدهما. ولهذا السبب نفسه قلبا في مثل: "يخشون، ويدعون" مع وقوعهما لاما؛ "إذ أصلهما: يخشيون، ويدعوون. تحركت الياء والواو؛ وانفتح ما قبلهما؛ فقلبتا ألفا: فالتقى ساكنان؛ حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين؛ فصار اللفظان: يخشون ويدعون". ومما سبق يتبين أن القلب ممتنع إذا كانا لا يمن، بعدهما الألف أو الياء المشددة. أما إذا وقع بعدهما ساكن آخر غير هذين1 فالقلب واجب على الأرجح2 ... سادسها: ألا تكون إحداهما عينا لفعل ماض على وزن: "فعل" -بفتح فكسر- والصفة المشبهة الغالبة فيه على وزن: "أفعل"3؛ نحو هيف؛ فهو أهيف4 وغيد5؛ فهو: أغيد وحول فهو؛ أحول وعور؛ فهو أعور ...

_ 1 يلاحظ أن الياء المشددة هي ياءان أولاهما ساكنة. 2 يذكر ابن مالك الشروط الخمسة السابقة "وهي: التحرك، وأصالته، وفتح ما قبل الواو والياء، واتصالهما بالفتحة التي قبلها مباشرة في كلمة واحدة، وتحرك ما بعدهما ... " في الفصل المستقل الذي أشرنا إليه في رقم 2 من هامش ص780 فيقول بعد البيتين الأولين منه، الخاصين بقلب الواو ياء عند اجتماعهما على الوجه الذي سبق شرحه يقول ما نصه: من واو، او ياء بتحريك أصل ... ألفا ابدل بعد فتح متصل-3 إن حرك التالي، وإن سكن كف ... إعلال غير اللام وهي لا يكف-4 إعلالها بساكن غير ألف ... أو ياء التشديد فيها قد ألف-5 "أصل= تأصل، وليس عارضا، كف= منع، ألف= عرف وشاع في الكلام المأثور الفصيح" وتقدير البيت الأول: أبدل ألفا بعد فتح متصل من واو، أو ياء موصوفين بتحريك متأصل فيهما. وأوضح في البيت الثاني أن الإبدال السابق لا يقع إلا إن حرك التالي بعدهما. أما إن سكن ما بعدهما فإن السكون يكف إعلال غير اللام. أي: يمنع قلب الواو والياء الواقعتين في غير اللام "وغير اللام هو: الفاء والعين" أما اللام فيقع فيها القلب إن سكن ما بعدها، بشرط أن يكون الساكن حرفا غير الألف وغير الياء المشددة؛ "لأن الياء المشددة تكون من ياءين الأولى منهما ساكنة -كما سبق في رقم 1". 3 تكون الصفة المشبهة كذلك إذا كان الفعل الماضي لازما مكسور العين دالا على لون، أو عيب، أو شيء فطري، أو وصف ظاهر في الجسم وقد تقدم الكلام على هذا في باب الصفة المشبهة ج3 من11 م104. 4 الهنيف: مصدر: هيف -كفرح- وهو ضمور البطن ودقة الخاصرة، ويعد من الصفات الممدوحة. 5 الغيد: مصدر: غيد -كفرح- وهو: نعومة الجسم.

سابعها: ألا تكون إحداهما عينا لمصدر الفعل الماضي السالف؛ ولهذا يقال: هيف، وغيد، وحول، وعور ... ، بغير قلب ... 1. ثامنها: ألا تكون الواو عينا لفعل ماض على وزن: "افتعل" دال على المفاعلة2؛ فلا قلب في نحو: اجتوروا واشتروا، بمعنى: جاور بعضهم بعضا، وشاور بعضهم بعضا. فإن لم يدل على المفاعلة وجب القلب؛ اجتاز، واختان؛ بمعنى: جاز، "أي: قطع" وخان، وهذا الشروط خاص بالواو دون الياء ولهذا وقع القلب في استافوا، "أي: تسايفوا، بمعنى: اشتركوا في ضرب السيوف"، والأصل: استيفوا. قلبت الياء ألفا بالرغم من الدلالة على المفاعلة. ومثلها: امتازوا وابتاعوا: بمعنى تمايزوا، وتبايعوا، والأصل: امتيزوا وابتيعوا ... 3. تاسعها: ألا يكون بعد أحدهما حرف يستحق ألفا؛ لئلا يجتمع في كلمة قلبان متوليان بغير فاصل، وهو ممنوع، في الأغلب. فإن وقع بعدهما حرف يتسحق هذا القلب وجب -في الأكثر- قلبه، وتصحيح السابق، اكتفاء بقلب المتأخر: نحو: "الحيا"، مصدر الفعل: حيى، "والهوى": مصدر الفعل: هوي. "والحوى": مصدر الفعل: جوي "والأفعال الماضية الثلاثة على وزن "فعل"، بفتح فكسر، ومصادرها على وزن: "فعل" بفتح ففتح"4

_ 1 وفي الشرطين: "السادس والسابع" يقول ابن مالك في الفصل المشار إليه: وصح عين "فعل" وفعلا ... ذا "أفعل"؛ كأغيد وأحولا-6 المراد بفعل: مصدر الثلاثي "فعل". والمراد بصاحب أفعل: الماضي الثلاثي اللازم الذي تكون الصفة المشبهة منه على وزن "أفعل"؛ وضرب له مثالين، هما: أغيد وأحول -كما في الشرح. 2 وهي المشاركة من فريقين في الفاعلية والمفعولية، وكما تسمى "المفاعلة تسمى أيضا: "التفاعل". 3 وفي هذا يقول ابن مالك: وإن يبن تفاعل من "افتعل" ... والعين واو سلمت ولم تعل-7 4 لأن فعلهما الماضي كفرح، فالمصدر هو: فرح، على وزن: فعل "بفتح ففتح" فمصدرهما كذلك على وزن؛ فعل.

فأصل المصادر: حيي، حرى، حوو1؛ ففي كل مصدر حرفان متواليان صالحان للقلب ألفا، لتحرك كل منهما وفتح ما قلبه. فجرى القلب على الثاني منهما؛ لأنه في آخر الكلمة، والأطراف محل القلب والتغيير غالبا، وسلم الأول. وقد وقع القلب على الأول بعض كلمات مسموعة لا تكفي للقياس عليها ومنها: كلمة: آية، وأصلها، في رأي من عدة آراء، أيية، بياءين متحركتين قبل كل منهما فتحة. قلبت الأولى ألفا وسلمت الثانية2 ... عاشرها: ألا يكون أحدهما عينا في كلمة مختومة بأحد الحروف الزائدة المختصة بالأسماء؛ كالألف والنون معا، وكألف المقصورة ... فلا قلب في مثل: الجولان3، والهيمان4، والصورى5، والحيدى6 ونحوها ... 7. إبدال الميم من الواو، ومن النون: أ- تبدل الميم من الواو وجوبا في كلمة: "فو"8 غير المضافة. وأصلها: فوه؛ حذفت الهاء تخفيفا؛ فيقال فيها بعد الإبدال: فم، والدليل على أن هذه الميم مبدلة من الواو قولهم في الجمع: أفواه. والتكسير من الأشياء التي ترد الألفاظ إلى أصولها. فإن أضيفت كلمة: "فو" إلى اسم ظاهر أو: مضمر جاز إبقاء الواو -وهذا

_ 1 لأن هذا من الحوة "وهي: سمرة محمودة قديما في الشفتين" ولقولهم في تثنيته: خووان. 2 وإلى هذا الشرط وورود السماع بما يخالف في بعض كلمات يقول ابن مالك في الفصل المشار إليه: وإن لحرفين ذا الإعلال استحق ... صحح أول وعكس قد يحق-8 يريد: إن استحق هذا الإعلال "القلب" لحرفين بسبب تحقق شروطه في كل منهما فأولهما يصحح ويسلم من القلب، وثانيهما يقلب، وقد يقع العكس قليلا. 3 التنقل. 4 مصدر: هام على وجهه: إذا سار على غير هدى. 5 بفتحات: اسم بقعة بها ماء. 6 بمعنى: المائلة أو السريعة النشيطة. 7 وفي هذا يقول ابن مالك: وعين ما آخره قد زيد ما ... يخص الاسم واجب أن يسلما-9 8 إحدى الأسماء الستة.

هو الأكثر- وجاز قلبها ميما. فيقال: فوك، أو: فوالنظيف، طيب الرائحة، ويصح فمك، أو فم النظيف طيب الرائحة. ب- وتبدل الميم من النون بشرطين: أن تكون النون ساكنة، وأن يقع بعدها الباء؛ سواء أكانتا في كلمة أم في كلمتين؛ نحو: انبعث البريد، ونحو: من بعث الرسالة؟ ويلاحظ أن قلب النون ميما مقصور على النطق فقط، أما في الكتاب فتبقى صورة النون على حالها ... 1. إبدال التاء من الواو، والياء: يجب قلب الواو والياء تاء إذا وقعا "فاء افتعال"، أو فاء أحد مشتقاته2، وكانا غير مبدلين من همزة، فإذا تحقق الشرطان "وقوعهما فاء افتعال أو أحد مشتقاته، وعدم انقلابهما عن همزة". وجب قلبهما تاء -كما قلنا- وإدغام هذه التاء في تاء الافتعال أو مشتقاته. فعند بناء صيغة على وزن: "افتعال" -مثلا- من الماضي: وصل، أو: يسر، يقال: اوتصل، ايتسر، ثم تقلب الواو والياء تاء، وتدغم في التاء الموجودة، وتصير الصيغتان: اتصل، واتسر3، ويقال في المضارع قبل القلب: يوتصل، وييتسر، ويصير بعد القلب والإدغام: يتصل ويتسر ... 4 ومثل هذا يقال في الأمر، وباقي مشتقات "الافتعال"،

_ 1 وفي إبدال الميم من النون يقول ابن مالك خاتما الفصل السابق: وقبل "با" اقلب "ميما" النون إذا ... كان مسكنا؛ كمن بت انبذا-10 وتقدير البيت: واقلب حرف النون ميما إذا كان النون مسكنا قبل باء. وساق لهذا مثالا حوى صورتي النون الساكنة قبل الباء في كلمة واحدة؛ مثل: انبذا -والأصل: انبذن، بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا؛ للموقف- أوفى كلمتين مثل: من بت. أي: قطع. ومعنى الجملة؛ من قطع مودته فانبذه، أي: اطرحه، واتركه، ولا تبال به. 2 الماضي، والمضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول ... إلخ. 3 بمعنى: لعب الميسر، وهو القمار، أو: اغتنى. 4 ويصح أن يقال في: "اوتصل" قلبت الواو ياء لوقوعهما بعد الكسرة، فصارت الكلمة: "ايتصل"، ثم قلبت الياء تاء للافتعال؛ فصارت: اتصل. والنتيجة في الحالتين واحدة؛ هي قلب الواو تاء؛ إما بعمل واحد كالأول، وهو الأحسن لاختصاره. وإما بعملين وهو المساير لقاعدة قلب الواو ياء. نعم، إن الياء المنقلبة عن الهمزة لا يصح قلبها تاء افتعال، لكن الياء هنا منقلبة عن واو، فيجوز قلبها تاء، كما يجوز قلب الواو -دون الهمزة- تاء افتعال. "راجع التصريح والصبان".

التي فاؤها أحد الحرفين السالفين غير المبدلين من الهمزة. فإن كان أحدهما مبدلا من الهمزة لم يجز القلب -في أشهر اللغات- فلا تقلب الياء تاء في مثل: "ايتكل"، وهي صيغة "افتعل" من أكل؛ لأن ياءها في الأصل همزة، وقعت بعد همزة مكسورة؛ فانقلبت الثانية ياء؛ طبقا لما تقدم1. ولا تقلب الواو تاء في مثل: اوتمن؛ لأن هذه الواو مبدلة من الهمزة الثانية التي وقعت بعد ضمة؛ إذ الأصل أؤمن، قلبت الثانية واوا لوقوعها بعد نظيرتها المضمومة -كما عرفنا-1 فوجب عدم القلب ... 2. إبدال الطاء من تاء الافتعال: يجب قلب "تاء الافتعال" ومشتقاته "طاء" بشرط أن تكون هذه التاء في كلمة فاؤها حرف من أحرف الإطباق3؛ "وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء" وبعده هذه التاء. فإذا أريد بناء صيغة على وزن: افتعل -مثلا- من: صبر، أو: ضغن4، أو: طلع، أو: ظلم ... قيل: اتبر، اضتغن، اطتلع، اظتلتم. ثم تقلب التاء طار في اصتبر؛ فيقال: اصطبر. وتقلب التاء طاء في: اضتغن؛ فيقال: اضطغن بطاء ظاهرة في النطق والكتابة، وكذلك تقلب التاء في اطتلع؛ فيقال اططلع، ثم تدغم الطاءان وجوبا؛ فيقال: اطلع ... وتقلب في اظتلم؛ فيقال: اضطلم. وفي مثل هذه الصورة التي تبدل فيها "تاء

_ 1 في ص770 وما بعدها. 2 وفي هذا يقول ابن مالك في فصل مستقل يقتصر على بيتين، أولهما: ذو اللين "فا" "تا" في "افتعال" أبدلا ... وشذ في ذي الهمز؛ نحو: ائتكلا-1 يريد: بذي اللين: حرف العلة الواو والياء. وأما الألف فلا تكون فاء كلمة. وتقدير البيت: ذو اللين حالة كونه فاء في صيغة "افتعال" أبدل تاء. وشذ هذا الإبدال في صاحب الهمز، أي: في الحرف المبدل من همزة؛ نحو: ايتكل، من الأكل، فلا يقال فيه: اتكل، إلا شذوذا في رأي ابن مالك؛ لأنها لغة قليلة. 3 لأن اللسان عند النطق بها يطيق بأعلى الفم. 4 ضغن قلب العدو: امتلأ حقدا.

الافتعال" طاء بعد الظاء. يجوز ثلاثة أمور بعد القلب، إما ترك الطاء والظاء على حالهما؛ فيقال: اظطلم -كما سبق- وإما قلب الطاء ظاء وإدغامها في الظاء؛ فتصير الكلمة: اظلم. وإما قلب الظاء طاء وإدغامها في الطاء؛ فتصير الكلمة: اطلم ... 1. إبدال الدال من تاء الافتعال: يجب إبدال الدال من "تاء الافتعال" ومشتقاته بشرط أن تكون هذه التاء في كلمة فاؤها الدال، أو الذال، أو الزاي، وقد وقعت التاء بعد حرف من الثلاثة، فإذا أريد بناء صيغة على وزن: "افتعل" -مثلا- من: دغم، أو: ذخر، أو زجر ... قيل ادتغم، اذتخر، ازتجر، ثم تقلب التاء في كل ذلك "دالا" فيقال: ادغم، بإدغام الدال في الدال وجوبا. واذ دخر، ويصح قلب الذال دالا وإدغامها في الدال الأصلية، فيقال: ادخر، كما يصح -مع القلة- قلب الدال الأصلية ذالا وإدغامها في الذال؛ فيقال: اذخر، فهذه ثلاث لغات أقوالها الأولى فالثانية. ويقال: ازدجر ... 2.

_ 1 في إبدال الطاء من "تاء الافتعال" والدال منها يقول ابن مالك: "طا" "تا" افتعال رد إثر مطبق ... في ادان، وازدد، وادكر دالا بقي-2 "مطبق= حرف من حروف الإطباق؛ وهي الأربعة التي ذكرناها. رد= صير، بقي= صار"، يقول: صير "تاء الافتعال" طاء بعد حرف الإطباق. كما يقول: إن تاء الافتعال صار دالا في مثل: ادان، وازدد، واذكر، أي: في الكلمات التي فاؤها دالا أو زايا، أو ذالا، وبعد كل من هذه الحروف تاء الافتعال مباشرة. فالبيت تضمن في شطره الأول إبدال الطاء من الافتعال، وتضمن في شطره الثاني إبدال التاء منها. 2 أشار ابن مالك لهذا في البيت الذي في أول هذا الهامش.

المسألة 183: الإعلال بالنقل

المسألة 183: الإعلال 1 بالنقل معناه: نقل الحركة من حرف صحيح ساكن قبله. وقد يبقى حرف العلة بعد ذلك على صورته مع تجرده من الحركة. أو ينقلب حرفا آخر. وهذا النوع من الإعلال خاص بالواو والياء دون الألف؛ لأنهما يتحركان وهي لا تتحرك مطلقا. ومن الأمثلة: يصوم. فأصله: يصوم2 -بفتح، فسكون، فضم ... - نقلت حركة حرف الواو "وهي: الضمة" إلى الساكن الصحيح قبلها، مع إزالة سكونه؛ فصار المضارع بعد هذا النقل: "يصوم" بواو ساكنة، وقد بقيت صورتها ساكنة بعد نقل حركتها. ومثله: "يقوم، يعود، يقول، يعوم" ... فيجري في كل مضارع من هذه الأفعال ما جرى في نظيره: "يصوم". ومن الأمثلة: يبيع، بفتح، فسكون، فكسر3، نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فصار المضارع بعد هذا النقل: "يبيع" بياء ساكنة، بقيت صورتها ساكنة بعد نقل حركتها. ومن الأمثلة أيضا: يخاف. أصله: يخوف -بواو مفتوحة- نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلهاز ثم انقلبت الواو ألفا، لاعتبارها متحركة بحسب الأصل، وقد انفتح ما قبلها الآن، فصارت: يخاف. ومثله: "ينام4، يزال5، يكاد6، يحار6" ... حيث جرى على كل مضارع من هذه

_ 1 راجع ما سبق في معنى الإعلال العام ص756 وهامشها. 2 لأن الفعل صام يصوم، من باب: فعل يفعل؛ كنصر ينصر. 3 لأنه من باب: "ضرب يضرب". 4 أصله: "ينوم" لأنه من باب "تعب يتعب" ثم دخله إعلال النقل، وإعلال القلب ... 5 أصله: "يزبل" لأنه من باب: "تعب يتعب". ثم دخله الإعلالان، كسابقه. 6 و6 من باب: تعب يتعب. دخل الإعلالان المضارع.

الأفعال ما جرى على المضارع: "يخاف"؛ من نقل فتحة الواو للساكن قبلها، ثم قلبها ألفا. فنرى مما سبق أن حرف العلة "الواو والياء" قد يبقى على صورته السابقة بعد نقل حركته "مثل: يصوم، يقوم ... " وقد ينقلب حرفا آخرا؛ "مثل: يخاف، يحار". لكن، ما الضابط العام الذي يخضع له حرف العلة، ليبقى على صورته من غير حركة، أو ينقلب حرفا آخر؟ الضابط هو: أن حرف العلة إن كان في أصله متحركا بحركة تجانسه1 -أي: تناسبه- وجب بقاء صورته ساكنة بعد نقل حركته إلى الساكن قبله؛ كما في: "يصوم، يقوم ... " وكما في: "يبيع، يهيم" ... وإن كان في أصله متحركا بحركة لا تناسبه وجب -بعد نقل حركته- أن ينقلب حرفا جديدا مناسبا لحركته الأصلية السابقة التي نقلت إلى الساكن الصحيح قبله، فالمفتوح يصير ألفا، والمضموم يصير واوا، والمكسور يصير ياء ... - ومن الأمثلة: "أقام وأبان"، فأصلهما: "أقوم وأبين"2 بفتح حرف العلة؛ نقلت حركة الواو والياء للساكن للصحيح قبلهما. ثم قلب حرفا العلة ألفا، لأن الألف هي التي تناسب الفتحة؛ فصار الفعلان: أقام وأبان. وفي مثل هذا القلب يقال: تحركت الواو والياء بحسب الأصل، وانفتح ما قبلهما بحسب الحال، فانقلبا ألفا3. ويجري ما سبق على نحو: "أقيم وأبين ... " وأصلهما: أقوم وأبين.. دخلهما إعلال النقل وإعلال القلب.

_ 1 الحركة التي تجانس حرف العلة؛ هي: الضمة للواو، والكسرة للياء، أما التي لا تناسب فالكسرة أو الفتحة للواو، والضمة أو الفتحة للياء. 2 لأن فعلهما: قام يقوم، وبان يبين. فالأول واوي العين، والثاني يائيها. 3 يقال هذا تعليلا للقلب، لإدخاله تحت قاعدة عامة مطردة؛ هي: أن حرف الواو أو الياء إذا تحرك وانفتح ما قبله وجب قلبه ألفا على الوجه الذي سبق شرحه في هذا الباب ص786 و..

مواضعه: يقع الإعلال بالنقل في أربعة مواضع، يكون حرف العلة في كل منهما عين الكلمة، ومتحركا.. أولهما: أن يكون حرف العلة "الواو، أو الياء" عينا متحركة لفعل؛ نحو: يصول، ويغيب. والأصل: يصول ويغيب، وبضم الواو وكسر الياء، ثم نقلت حركتهما إلى الساكن قبلهما، وبقي كل منهما بعد ذلك على صورته -طبقا لما قدمنا- فيصير الفعلان: يصول، يغيب. ويشترط لإجراء النقل في هذا الموضع أن يكون الساكن قبل حرف العلة صحيحا، وأن يكون الفعل غير مضغف اللام، ولا معتلها، ولا مصوغا للتعجب، على وزن إحدى الصيغتين القياسيتين فيه1. فلا يقع الإعلال بالنقل في مثل: "قاوم وبايع، وعوق وبين"؛ لأن الساكن قبل الحرفين غير صحيح. ولا في مثل: "ابيض واسود"؛ لتضعيف لامه، ولا في مثل: "أعوى وأحيا"؛ لاعتلالها، ولا في مثل: "ما أقومه!! وما أبينه2!! وأقوم به!! وأبين به!! " لأن الفعل مصوغ على صيغتي التعجب القياسيتين ... 3.

_ 1 ومثل التعجب: "اسم التفضيل"؛ نحو: هذا أقوم طريقة وأبين منهجا؛ فلا يصح الإعلال بالنقل في كلمتي؛ أقوم؛ وأبين، وقد سبق بيان الحكمين في بابي: "التعجب والتفضيل"، ج3 م108 ص333 وم112 ص393. 2 وقولهم: ما أحوج الجبان إلى أن يسمع ويرى عجائب الشجعان. 3 كما سبق في بابه ج3 م108 ص33 ومثل التعجب: "التفضيل" "انظر رقم 1 من هذا الهامش. "ملاحظة": ورد في المسموع كلمات كثيرة تخالف الضابط السابق حتى قيل عنه إنه غير محكم والبيان المفصل الخاص بهذا مدون في ج3 م106 ص316، باب: "اسم الزمان والمكان" وهناك رأي المجمع اللغوي. وفي هذا الموضع وشروطه يقول ابن مالك، في فصل جديد مستقل يبدؤه بقوله: لساكن صح انقل التحريك من ... ذي لين ات عين فعل؛ كأبن ما لم يكن فعل تعجب ولا ... كابيض أو أهوى، بلام عللا فقد جمع في البيتين الشروط المطلوبة. "أبن، أصلها: أبين، فعل أمر من أبان. "علل" صار حاويا حرف علة".

ثانيها: أن يكون حرف العلة عينا متحركة في اسم يشبه المضارع في وزنه1 فقط دون زيادته، أو في زيادته دون وزنه، بشرط أني كون في الاسم ما يمتاز به عن الفعل في الحالتين. فالأول: نحو: مقام -بفتح الميم- فإن أصله: "مقوم"، "بفتح، فسكون، ففتح" وهو على وزن المضارع: "يعلم". نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها، ثم قلبت ألفا؛ طبقا لما سلف فصار الاسم: مقام. وفيه زيادة تدل على أنه ليس من الأفعال، وهي الميم في أوله، ومثله: مقيم، ومبين. ومثال الثاني: بناء صيغة من: "البيع" أو: "القول" على مثال: تحلي2 وهذه صيغة خاصة بالاسم. فيقال: تبيع. وتقول "بكسر، فسكون، فكسر، فيهما" -نقلت حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله. وقلبت الواو ياء3؛ فصارت الكلمتان: تبيع وتقيل بكسرتين متواليتين في كل، وبعدها ياء. فإن اختلف الاسم عن المضارع في الأمرين معا، أو شابهه فيهما معا -وجب التصحيح؛ فمثال الأول: مخيط4 "بكسرن فسكون، ففتح" لأن المضارع لا يكون -في الأغلب- مكسور الأول، ولا مبدوءا بميم زائدة، فالصيغة مختصة بالاسم، ولذا وجب التصحيح ومثلها: مهفعال؛ كمخيطا. ومثال الثاني: أقوم، وأبين -بفتح، فسكون، ففتح- وهما شبيهان

_ 1 بأن يكون مشابها له في مجرد عدد الحرف، مع مقابلة الساكن بمثله، والمتحرك بمثله، من غير نظر للاسمية والفعلية. 2 بكسر فسكون، فكسر، فهمزة متطرفة، وهو: القشر الذي يظهر على الجلد حول منابت الشعر. 3 قلبت الواو ياء لأن حركتها وهي الكسرة -غير مجانسة لها، فيجب قلب الواو حرفا يجانس الحركة، طبقا لما سلف أول الباب. بخلاف الياء فإنها حركتها هنا مجانسة لها فلا تنقلب. ففي: "تقيل" إعلالان؛ أحدهما بالنقل، والآخر بالقلب. أما "تبيع" ففيها إعلال واحد. 4 اسم أداة الخياطة.

بالمضارع: اعلم وافهم..، في وزنه وفي الزيادة التي في أوله، فوجب لهما التصحيح ... 1. ثالثها: أن يكون حرف العلة عينا متحركة في مصدر معتل العين، كفعله، بشرط أن يكون فعله على وزن: "أفعل"، أو: "استفعل" نحو: أقام، واستقام، وأصلها قبل التغيير: أقوم، واستقوم. ومصدرهما: إقوام، واستوام. فيجب فيهما الإعلال بالنقل كما جرى في فعليهما؛ فتنقل فتحة الواو إلى الساكن قبلهما، وتقلب الواو ألفا -طبقا للقاعدة التي سلفت- فيتوالى ألفان لا يمكن النطق بهما معا؛ فتحذف الثانية منهما، وتجيء تاء التأنيث -في الأغلب- عوضا عنها، فيقال إقامة، واستقامة. ومثل هذا يقال في: "أبان واستبان"، فأصلهما: "أبين، واستبين"، ثم نقلت حركة الياء إلى ما قبلها وقلبت ألفا: فصارا: أبان، واستبان. ومصدرهما: إبيان واستبيان، نقلت حركة الياء كما نقلت في الفعل، وقلبت الياء ألفا فتلاقت ساكنة مع ألف المصدر، حذفت الثانية منهما، وزيدت تاء التأنيث عوضا عنها؛ فصار المصدران: إبانة، واستبانة، وحذف هذه التاء مقصور على السماع ومنه قوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} ، أي: إقامة الصلاة2.

_ 1 أما نحو: يزيد "علم" فقد دخله الإعلال وهو مضارع قبل نقله للعلمية. وفي الموضع الثاني يقول ابن مالك: ومثل فعل في ذا الإعلال اسم ... ضاهى مضارعا وفيه وسم-3 "ضاهى= شابه. وسم= علامة"، ثم قال: ومفعل صحح كالمفعال ... ...........................-4 يشير بهاتين الصيغتين -وهما مختصتان بالأسماء- إلى الاسم المخالف للمضارع في وزنه وزيادته معا. وترك بقية التفصيلات التي سردناها: والنصف الثاني من هذا البيت لا شأن له بهذه القاعدة، وإنما شأنه متصل بالقاعدة التالية بعده مباشرة. 2 وفي الموضع الثالث وما يتصل به من ألف "إفعال"، و"استفعال" وتاء التأنيث، يقول ابن مالك: ................................ ... وألف الإفعال واستفعال-4 أزل لذا الإعلال، و"التا" الزم عوض ... وحذفها بالنقل ربما عرض "بالنقل، أي: النقل عن العرب، وهو السماع الوارد عنهم".

رابعها: أن يكون حرف العلة المتحركة عينا في صيغة "مفعول" من الفعل الثلاثي المعتل العين بالياء أو الواو، كصوغ "مفعول" من قال وباع ... فيجب فيه ما وجب في "إفعال واستفعال" السابقين، ولا يقتصر الأمر على هذا، بل تجري عليهما تغييرات؛ طبقا للبيان الشامل الذي سيجيء في الحالة الرابعة الأخرى1 ...

_ 1 ص802.

المسألة 184: الإعلال بالحذف

المسالة 184: الإعلال بالحذف 1 الإعلال بالحذف يكون قياسيا مطردا في المسائل الآتية: أما في غيرها فمقصور على السماع: الأولى: الهمزة الزائدة في أول الماضي الرباعي. فإنها تحذف في مضارعة، واسم فاعله، واسم مفعوله، نحو: أكرم، يكرم، أكرم، مكرم، مكرم.. بحذف الهمزة في كل ذلك وجوبا، ومثل هذا همزة الأفعال الماضية الرباعية: أفهم، أخبر، أحسن ... ونظائرها، حيث يجب حذف الهمزة، من مضارعها، واسم فاعلها، واسم مفعولها. كما قلنا، والأصل في كل ذلك قبل حذفها: يؤكرم، مؤكرم، مؤكرم. وكذا الباقي ... الثانية: الواو التي هي "فاء" فعل ثلاثي مفتوح العين في الماضي2 مكسورها في المضارع مثل: وعد، فيجب حذف هذه الواو في المضارع، وأمره، ومصدره، بشرط: أن يصير هذا المصدر على وزن فعلة "بكسر، فسكون، ففتح" لغير الهيئة، وبشرط أن تكون التاء في آخره عوضا عن الواو المحذوفة. فيقال: يعد، عد، عدة3، ومن هذا قول الشاعر:

_ 1 في هذه التسمية نوع من التوسع والتسامح؛ لأن بعض الأحكام الآتية لا صلة لها بحرف العلة. أما الهمزة التي تنطبق عليها بعض الأحكام الآتية أو السابقة فبمنزلة حروف العلة في كثير من المواضع. 2 لأن الماضي المضموم العين لا تحذف فاء مضارعه نحو: وضؤ، ويوضؤ، أما مكسورها فإن كسرت عين مضارعه حذفت فاء هذا المضارع؛ نحو: ورث يعرث، وثق يثق، ومنه قول الشاعر: ولا يواتيك فيما ناب من حدث ... إلا أخو ثقة، فانظر بمن تثق فإن فتحت عين مضارعه فقد تحذف الفاء من هذا المضارع؛ نحو: وسع يسع أو لا تحذف: نحو: وجل يوجل، ووجع يوجع. وجواز الحذف وعدمه في هذه الصورة مرجعه ومرده للسماع وحده -طبقا للرأي المشهور- وإن استعمل عينه بالفتح والكسر جاء حذف الفاء من هذا المضارع وعدم حذفها؛ كوله: فإنه جاء من باب "تعب" فلم تحذف فاء مضارعه، ومن باب "وعد" في لغة قليلة فحذفت -كما في المصباح- راجع الصبان في الموضع. 3 أصل عدة: وعد -بكسر الواو وسكون العين- حذفت الواو، وحركت العين بالكسرة حركة الفاء، فصارت دليلا على الفاء المحذوفة. وجاءت تاء التأنيث عوضا عن الفاء المحذوفة. ومن الشاذ اجتماعهما معا.

متى وعدتك في ترك الهوى عدة ... فاشهد على عدتي بالزور والكذب وقولهم في الحكمة: لا تعد عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلا، إذا كان المنحدر وعرا. كما يقال: يصف، صف، صفة ... "بشرط ألا يكون المصدر لبيان الهيئة كما سبق"، ولا تحذف الواو من المضارع إلا بشرطين؛ أن يكون حرف المضارعة مفتوحا وأن تكون عينه مكسورة؛ نحو: أعد، نعد. فلا حذف في مثل يولد، ويوضؤ1.. الثالثة: إذا كان الماضي ثلاثيا مكسور العين، وعينه ولامه من جنس واحد -مثل: ظللت-2 جاز فيه ثلاثة أوجه عند إسناده لضمير رفع متحرك. وهي إبقاؤه على حاله مع فك إدغامه وجوبا، كالمثال السابق: "ظلت" أو: حذف عينه دون تغير شيء في ضبط ما بقي من الحرف: مثل: ظلت. أو حذف عينه ونقل حركتها إلى فاء الكلمة؛ مثل: ظلت. فإن كان الفعل المضاعف المكسور العين مضارعا أو أمرا واتصلا بنون النسوة جاز إبقاؤها على حالهما من غير حذف ولا تغيير إلا فك الإدغام وجوبا، وجاز حذف العين ونقل حركتها -وهي الكسرة- إلى الفاء؛ فنقول:

_ 1 في المسألتين الأوليين يقول ابن مالك في فصل مستقل هو آخر الفصول في ألفيته: وليس بعده إلا باب: "الإدغام". "فا" أمر، أو مضارع من: كوعد ... احذف. وفي: كعدة، ذاك اطرد-1 وحذف همز "أفعل" استمر في ... مضارع، وبنيتي متصف-2 "بنيتي متصف، أي صيغتي شخص متصف، والمراد بهما: صيغتنا اسم الفاعل واسم المفعول؛ لأنهما الدالتان على ذات متصفة ... 2 تقول: ظللت أعمل كذا، بمعنى بقيت أعمله طول النهار، دون الليل، والفعل "ظل" من باب: علم يعلم غالبا.

"النسوة يقررن1 أو يقرن". "واقررن يا نسوة، أو فرن".. وسمع فتح القاف في: قرن2.. الرابعة: أن يكون حرف العلة عينا في اسم المفعول؛ كفعله. وفي هذا النوع يجب إحداث تغيير آخر. غير الإعلال بالنقل هو حذف الواو من: "مفعول" إن كان الفعل واوي العين، وحذفها مع كسر ما قبلها إن كان يائي العين، فمثال الفعل الواوي العين: "صام يصوم". واسم المفعول منه هو: "مصووم"، تنقل الضمة -وهي حركة الواو- إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فيجتمع بعد هذا النقل ساكنان، هما: الواوان. فيجب حذف أحدهما -والأرجح أنه الثاني3 لزيادته وقربه من الطرف- فيصير اسم المفعول: مصوم. ومثل هذا يقال في اسم المفعول من: قال، ورام، وحاط ... وأمثالها؛ حيث يكون اسم المفعول هو: مقوول، ومرووم، ومحووط، ثم يحصل الإعلال بالنقل، ويليه الإعلال بالحذف. ومن النادر الذي لا يقاس عليه تصحيح اسم المفعول المعتل العين بالواو؛ كقولهم: ثوب مصوون، والقياس مصون4. ومثال الفاعل اليائي العين: باع5 يبيع. واسم المفعول منه هو: مبيوع,

_ 1 قر بالمكان يقر، بمعنى سكن واستقر فيه. وأصلهما الشائع: قرر يقرر. 2 في هذه المسألة الثالثة يقول ابن مالك في ختام الفصل. ظلت وظلت في ظللت استعملا ... وقرن في: اقررن. وقرن نقلا-3 3 إن كانت المحذوفة هي الثانية الزائدة، طبقا للرأي الأشهر، فاسم المفعول على وزن: "مفعل" -بفتح، فضم، فسكون ... - وإن كانت المحذوفة هي الأولى هي عين الكلمة فوزن اسم المفعول: "مفول"؛ لأن عين الكلمة حذفت هنا، وبقيت هناك. ولا أثر للخلاف بين الرأيين إلا في هذا الوزن الصرفي. 4 وقد ورد السماع أيضا مطابقا للقياس في قول دعبل -وهو ممن يحتج بكلامهم- واصفا حكم يزيد بن معاوية: بنات يزيد في القصور مصونة ... وآل رسول الله في الفلوات 5 لهذا الفعل الثلاثي رباعي مبدوء بالهمزة هو: "أباع"؛ فيكون اسم المفعول للرباعي هو: "مباع". "وقد ورد النص على هذا كله في مجلة مجمع اللغة العربية القاهري الجزء 27 عدد فبراير سنة71 ص231.

تنقل حركة الضمة وهي حرك الياء إلى الساكن الصحيح قبلها؛ فيلتقي بعد هذا النقل ساكنان؛ هما: الياء والواء، فيجب حذف أحدهما؛ وهو الواو -على الأصح، لما سبق- فيصير اسم المفعول: مبيع، بياء ساكنة قبلها ضمة، فنقلب الضمة كسرة؛ لتسلم الياء، ويصير اسم المفعول هو: مبيع بعد وقوع إعلال بالنقل، وآخر بالحذف وقلب الضمة كسرة، ومثل هذا يقال في اسم المفعول من الأفعال: هام يهيم، شاد يشيد، غاب يغيب ... وأمثالها حيث يكون اسم المفعول هو: مهيوم، مشيود، مغيوب ... ثم يدخله الإعلال بالنقل، فإلإعلال بالحذف. ثم قلب الضمة كسرة. وهذا هو الأفصح في المعتل العين بالياء، ويحسن الاقتصار عليه. وتميم تجيز تصحيح هذا النوع اليائي، فتقول ثمر مبيوع، وثوب مخيوط، وسفيه مديون1 وهكذا2.

_ 1 ومريض معيون، أي: مصاب بالعين "يريدون بها: الحسد. والفعل: عان بعين" وبلغتهم قال الشاعر: قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وإخال أنك سيد معيون 2 يقول ابن مالك في النوع الرابع وما فيه من الإعلال بالنقل وبالحذف، وما يجوز فيه من تصحيح، وما يندر: وما لإفعال من الحذف ومن ... نقل فمفعول به أيضا قمن-6 يقول: ما ثبت لإفعال "واستفعال كذلك. وقد سبق الكلام عليهما" من الإعلال بالنقل والحذف فقمين به "أي: جدير به" المفعول به أيضا من الفعل المعتل العين والياء، أو الباء، ثم ضرب مثالين لهذين، وبين أن تصحيح ما عينه الواو نادر، دون ما عينه ياء؛ فقال: نحو: مبيع ومصون، وندر ... تصحيح ذي الواو، وفي ذي اليا اشتهر-7 ثم انتقل ابن مالك بعد ذلك إلى ثلاثة أبيات سبق ذكرها وشرحها في المواضع المناسبة لها، "ص781 وما بعدها" وختم بها الفصل السابق، ونصبها: وصحح المفعول من نحو: عدا ... وأعلل إن لم تتحر الأجودا-8 كذاك ذا وجهين جا "الفعول" من ... ذي الواو لام جمع أو فرد يعن-9 وشاع نحو: نيم في: نوم ... ونحو: نيام شذوذه نمي-10

الفهرس

الفهرس: أ- بيان الأبواب العامة التي يشتمل عليها هذا الجزء: رقم الصفحة عنوان الباب 1 النداء، وكل ما يتصل بأحكامه 77 الاستغاثة 89 الندبة 101 الترخيم 118 الاختصاص 126 التحذير والإراء 140 أسماء الأفعال 162 أسماء الأصوات 167 نونا التوكيد 185 إسناد الفعل إلى الضمائر 200 مال لا ينصرف 277 إعراب المضارع: أ- "نواصبه" 405 ب- جوازم المضارع 482 اجتماع الشرط والقسم 489 أ- توالي شرطين أو أكثر 490 ب- توالي لاستفهام والشرط 491 لو 504 أما الشرطية 512 أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع: "لولا، لوما، هلا، ألا، ألا ... " 517 العدد 568 كنايات العدد: "كم، كأين، كذا، كنايا أخرى" 585 التأنيث 605 المقصور والمدود، وتثنيتهما، وجمعهما تصحيحا. 625 جمع التكسير 683 التصغير 713 النسب 747 التصريف 756 الإعلال، والإبدال، والقلب 794 الإعلال بالنقل 800 الإعلال بالحذف ب- تفصيل المسائل والموضوعات التي يشتمل عليها كل باب من الأبواب العامة، مع ملاحظة أن العناوين المكتوبة في الفهرس بخط صغير هي بعض الموضوعات الواردة في: "الزيادة والتفصيل"، والهوامش.

باب النداء، وما يتصل به: الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع المسألة 127: 1 النداء: تعريفه. أحرفه، موضع استعمال كل حرف. ألفاظ لا تكون إلا منادى، وأخرى لا تصلح منادى 3 أ- حذف حرف النداء ومواضعه. ب- مواضع لا يصح فيها حذف الحرف: "يا" 4 ج- مواضع يقل فيها حذفه. هل يصح نداء الضمير؟ ما المراد باسم الجنس المعين وغيره. 5 ما تمتاز به: "يا" مناداة القريب بما للبعيد، والعكس. النداء الحقيقي وغير الحقيقي. 6 دخول حرف النداء على غير الاسم. هل يحذف المنادى؟ 7 د- نوع الجملة الندائية فعلية إنشائة. لا صح أن تكون خبرا نيابة حرف النداء عن العامل حرف النداء من أحرف المعاني أثر ذلك 9 المسألة 128: أقاسم المنادى الخمسة، وحكم كل. القسم الأول: المفرد العلم، تعريفه، 10 ما يلحق به، أحكامه المختلفة، البناء على الضم.. 11 العلم والمعارف المبنية قبل النداء. 14 طريقة بناء العلم المنقوص، والمنون. 15 طيقة بناء العلم المقصور 16 حكم نداء المثنى، والجمع، وإثنا عشر، واثنتا عشرة، علمين مبدوءين بهمزة القطع 18 صورة من العلم المفرد يجوز فيها أمران.. المنادى وغير المنادى الموصوف بكلمة: ابن، أو ابنة، أو بنت، أشباهها. متى تحذف همزة الوصل منهما 20 جواز أمر ثالث، التعليل الثلاثة 25 القسم الثاني: النكرة المقصودة، تعريفها، حكمها 26 الفرق في التعيين بين النكرة المقصودة والعلم 28 متى تبني على الضم وجوبا، أو جوازا. وحكمها إذا كانت موضوفة؟ ما إعراب الجملة بعد النكرة المقصودة؟ ولا سيما المنقولة من مقصور أو منقوص. 30 عودة إلى الفرق بين التعيين في العلم وفي النكرة المقصودة. 30 حكم المعارف التي ليست أعلاما ...

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 31 القسم الثالث: النكرة غير المقصودة تعريفها، وحكمها. القسم الرابع: المضاف، تعريفه، وحكمه. 32 القسم الخامس: الشبيه بالمضاف 33 حكم نداء الأعداد المتعاطفة. 34 حكم أيضا 36 المسألة 129: الجمع بين حرف النداء و"أل". الكلام على: "اللهم" وهمزة "الله". 37 نعته. معاني: اللهم. 38 متى تصير همزة الوصل للقطع؟ 40 المسألة 130: أحكام تابع المنادى. أ- أحكام تابع المناد المنصوب حكم الضمير المصاحب للتابع، 41 مناقشة النحاة في حكم البدل وعطف النسق.. 42 وجوب جر التابع 43 ب- تابع المنادى المبني على الضم. 1- ما جيب نصبه، كيفية إعراب فاقد الشروط. 45 حركة شكلية صورية في بعض التوابع 45 2- ما يجب رفعه، نداء "أي"، "وأية" 48 واسم الإشارة ... 49 الكلام على أي، وأية، ونعتهما، والمطابقة وعدمها، والإفراد وفروعه.. 50 نعت اسم الإشارة المنادى. 51 المراد "بالمبهم" في المنادى وغيره 52 جواز الرفع والنصب. 53 4- التابع المستقل: "البدل وعطف النسق". ج- ما يصح نصبه وبناؤه على الضم. 54 اسم زائد لا يوصف بإعراب ولا بناء، 57 ملخص أحكام توابع المنادى 58 المسألة 131: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم. حكم صحيح الآخر، وشبهه، أحرف المد، واللين، والعلة. 62 تاء التأنيث توجب فتح ما قبلها. الكلام على: يا أبت، يا أمت. 65 حكم معتل الآخر وما ألحق به 67 حكم الأسماء الخمسة عند ندائها 68 المسألة 132: أسماء لا تكون إلا منادى. بيانها تفصيلا.. "أبت، أمت، اللهم، فل.. و ... " أسماء لا تكون منادى. 73 صيغة "فعال" لسب الأنثى، وللأمر 76 نداء المجهول اسمه..

الموضوعات المكتوبة بحروف هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش: باب الاستغاثة. رقم الصفحة الموضوع المسألة 133 77 الاستغاثة. تعريفها، أسلوبها، وأركانها 78 حكم "يا". حكم المستغاث، ولامه، وتوابعه 80 رأي في إعراب المستغاث المعرب والمبني 83 حكم المستغاث له. 84 بعض أحكام عامة. 86 المسألة 134: النداء المقصود به التعجب 89 المسألة 135: تعريفها، ركناها، 90 أ- الأحكام الخاصة بحرف النداء. ب- المندوب، والأحكام الخاصة به 91 هل هو منادى حقيقي؟ 94 زيادة الألف في آخر المندوب 96 زيادة هاء السكت في آخره 97 المندوب المثنى والجمع، توابع المندوب المسألة 136: 99 المندوب المضاف لياء المتكلم 100 المندوب المضاف لمضاف لياء المتكلم باب الترخيم 101 المسألة 137: تعريف، أقسامه القسم الأول: ترخيم المنادى كثرة الترخيم في بعض ألفاظ معينة. 102 شروطه. 87 أسلوبه. أحكامه. 105 ما يحذف جوازا من آخر المنادى المرخم. حرف العلة، واللين، والمد 109 عودة إلى همزة الوصل التي تصير همزة قطع.

الموضوعات المكتوبة بحروف هي بعض موضوعات الزيادة والتفصيل، والهامش: رقم الصفحة الموضوع 111 كيفية ضبطه على لغة من ينتظر ومن لا ينتظر. 114 أي الطريقتين أفضل؟ لماذا؟ 115 الكلام على: يا صاح.. 116 المسألة 138: القسم الثاني: ترخيم الضرورة باب: الاختصاص 118 المسألة 139: توضيحه بالأمثلة، تعريفه. 120 الغرض منه 121 حكمه 122 أوجه التشابه والتخالف بين الاختصاص والنداء 125 إعراب الجملة التي تحوي المختص. الجمل الاعتراضية لا محل لها من الإعراب. 126 المسألة 140: أ- التحذير تعريفه، أساليبه الاصطلاحية 127 الأول: حكمه 128 الثاني والثالث، وحكمهما 129 الرابع. حكمه 130 الخامس. حكمه 132 مخلص الأحكام السابقة. 133 عامل التحذير العامل المقدر ليس أمرا يتعبد بنصه 135 ما يجوز في الواو نوع أسلوب التحذير 136 ب- الإغراء، تعريه، وحكمه 138 بعض الأمثال المسموعة بالنصب وأشباهها. باب الأسماء الأفعال 140 المسألة 141: معناها، تعريفها 142 مزيتها 142 الرأي القائل إنها خالفة ... 143 تقسيم هذه الأسماء بحسب نوع أفعالها

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 145 لغتان في: هلم، معنى: هلم جرا. 146 شتان 147 تقسيمها بحسب أصالتها في الدلالة: غلى مرتجل ومنقول. 149، 150 تفصيل الكلام على "رويد" و"بله" 153 أهم أحكامها: نوع قياسي. السماع، الجمود، البناء، التنوين وعدمه، العمل 154 المراد من تعريفها وتنكيرها. 156 نوع فاعلها الكلام على: هيت، 157 حاجة اسم الفعل إلى الفاعل دليل اسميته 185 المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدهما ومع التوكيد ... 158 الكلام على: هاؤم، 159 تأخر المعمولات امتناع نون التوكيد. هل اسم الفعل مع فاعله جملة؟ 160 قسم تلحقه الكاف سماعا 161 سرد بعض أسماء الأفعال المتناثرة في الكلام العربي الفصيح 162 المسألة 142: أسماء الأصوات. تعريفها وتقسيهما 163 أشهر أحكامها باب نونا التوكيد 167 المسألة 143: بيانهما، أثرهما المعنوي 169 آثارهما اللفظية، والأحكام المترتبة عليهما 170 بناء الأمر على الفتح 171 أحوال توكيد الأمر والمضارع 172 متى تحذف "لا" النافية وتلاحظ 179 الاحكام الأربعة التي تختص بها نون التوكيد الخفيفة 180 متى يصح التقاء الساكنين؟ باب إسناد الفعل 185 المسألة 144: إسناد المضارع والأمر إلى ضمائر الرفع البارزة بغير توكيدهما ومع التوكيد ... أولا: 1- المضارع صحيح الآخر. 186 دفاع عن الحذف والتقدير هنا شرط قوالي الأمثال الممنوع.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة. والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 189 تلخيص إسناد المضارع صحيح الآخر 191 "ب" إسناد المضارع معتل الآخر 197 تلخيص إسناد المضارع معتل الآخر 199 ثانيا: الكلام على الأمر باب مالا ينصرف 200 المسألة 145: الاسم المغرب من حين التنوين قسمان: معنى الصرف، تقسيم الاسم الذي لا ينصرف قد يعبر عن الصرف قديما "بالإجراء" و ... 204 العلامة الدالة على منعه، والعلامتان. ما يمنع صرفه لعلة واحدة أو لعلتين. مناقشة رأي النحاة في العلة والعلتين. 205 أصل يمان، وشآم، وثمان.. 205 1- لعلة واحدة: ألف التأنيث بنوعيها، حكمها 207 أصل الممدودة شرطان للمنع من الصرف 208 صيغة منتهى الجموع، تعريفها هل منها مثل كلمة: أرادب 209 حكمها. 210 موازنة بين المنقوص المفرد والمجموع وحكم المنقوص منها 211 حكم المضارع المعتل الآخر بالواو، أوالياء، عند التسمية كحكم المنقوص 214 حكم ملحقاتها. 216 ب- ما يمنع صرفه لعلتين معا. 217 المسألة 146: الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للوصفية وما ينضم إليها من إحدى العلل الثلاث. الوصفية مع زيادة الألف والنون. معنى الوصفية هنا "فعلان فعلى" تأنيثه بالتاء. صحة صرفه وجمعه تصحيحا، وكذا فعلى. 218 الوصفية مع وزن الفعل 222 الوصفية مع العدل تعريف العدل، وتقسيمه، وفائدته. رأي فيه، الكلام على: أحاد، وثناء ... 224 الكلام على: أخر 227 المسألة 147: الكلام على الممنوع من الصرف للعلمية مع إحدى العلل السبع.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، التفصيل، الهامش رقم الصفحة الموضوع 227 العلمية مع التركيب المزجي، معناه. 230 نوع منه منقوص ينصب بالفتحة المقدرة دائما 231 حكم الأعلام المركبة تركيب إضافة، أو إسناد، أو عدد، أو أحوال، أو ظروف. 233 العلمية مع زيادة الألف والنون 236 العلمية مع التأنيث "أ" ما يمتنع صرفه وجوبا. هاء التأنيث هي تاء التأنيث 238 "ب" ما يمتنع صرفه جوازا 239 أشياء -كأسماء القبائل والأماكن والأحياء- تصرف أولا تصرف 242 العلمية مع العجمة. معنى اللفظ الأعجمي -قد يدخله تغيير عند نقله إلى لغة العرب- الفرق بين المعرب والأعجمي 245 حكم أسماء الملائكة، والأنبياء، وإبليس. كيف يعرف الاسم الأعجمي؟ 247 العلمة مع وزن الفعل وصوره المختلفة.. تصير همزة الوصل في الأعلام المنقولة همزة قطع. 249 ضابط عام في صرف الاسم الذي وزن المضارع 253 العلمة مع ألف الإلحاق المقصورة "مثل: علقى، أرطى" كلمة عن الإلحاق. 255 حكم كلمة: تترى. 256 العلمية مع العدل. كلمة عن العدل وتقسيمه وفائدته.. 256 وزن: "فعل" في ألفاظ التوكيد. 257 وزن: "فعل" علم مفرد مذكر. 258 الكلام على: سحر.. 259 الكلام على رجب وصفر. وزن: فعال، أنواعه، وحكم كل.. 261 أمس. 263 حكم العلم المبنى إذا سمى به هو: الإعرا والصرف. 264 أحكام عامة في الممنوع من الصرف: 1- الممنوع من الصرف لا يدخله تنوين الأمكنة. 2- الممنوع من الصرف أحد عشر نوعا. قد يمنع لسبب أو لا ثنين. 266 3- حكم الممنوع من الصرف المنقوص 267 وزن "أفيعل" ليس خاصا بالوصف. 269 4- متى يجب تنوين الممنوع من الصرف، ومتى يجوز؟ 270 يجوز الصرف وعدمه في حالتين. معنى التناسب، والسجع، والفواصل.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش: رقم الصفحة الموضوع 271 يجوز التنوين للضرورة، وما في حكمها. معنى الضرورة موضعها؟ 5- ما يجوز في الضرورة الشعرية. قد تكون الضرورة في غير الشعر. 274 الكلام على صحة وقوع "لا" بعد "قد" في مثل: قد لا أفعل كذا. 275 أثر التصغير والتكبير في الصرف وعدمه. أ- باب إعراب المضارع: "نواصبه": 277 المسألة 148: أ- نواصبه إشارة إلى بناء الأفعال وإعرابها. حكم المضارع، النواصب. كلمة أخرى من العالم. نفاسة جوهره، عيبه ... 278 عدد النواصب 279 للمضارع المبنى المجرد محل إعرابي. 281 الأحرف الأربعة الناصبة بنفسها: الأول: أن. 282 أحكامها: إشارة إلى المصدر المؤول. ولماذا نلجأ إليه. قد يكون سبكه بغير سابك. 284 حالات إظهارها وإضمارها، وجوبا وجوازا "بيان السبب في ص378، 999". 289 "أو" قد تكون حرف استئناف كالواو، والفاء، وثم. 290 بقية أنواعها: "المخففة من الثقيلية، الصالحة للمصدرية، وللتخفيف، الزائدة، الجازمة، الضمير، المفسرة" 292 دخول "لما الحينيه" على المضارع 298 إظهار النون وعدم إظهارها قبل "لا" 299 الثاني: لن، معناها وأحكامها 300 الثالث: كي. معناها وأحكامها 301 حكم الفصل بينها وبين المضارع بحرف النفي: لا، أو: ما، أو بهما. الفرق بينها وبين: "أن" المصدرية. 303 أنواعها: المصدرية. سبب استعمال المصدر المنسيك. التعليلية، الصالحة للأمرين، الاستفهامية. 305 وصل كي "بلا" النافية وفصلها. 307 الكلام على: "كما" في بيت قديم

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 308 إذن: مادتها، معناها، أحكامها، كتابتها. 313 حكمها بعد الواو والفاء. 315 تضمنها معنى الشرط أحيانا وما يترتب على هذا 316 هل يجوز إهمالها مع استيفاء الشروط؟ 317 المسألة 149: الأدوات الخمس التي نصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا. أحكام هامة تختص بهذه الأدوات أولها: لام الجحود، معناها شروط عملها. 321 نوعها، الحرف الزائد المحض وغير المحض. 324 الفرق بين لام التعليل ولام الجحود. هل تحذف اللام أو فعل الكون؟ 326 ثانيها: أو: العاطفة التي بمعنى: حتى، أو: إلا. المراد من ذلك كله. إعراب: "أو" وما بعدها؟ 331 سبب الالتجاء إلى: "أو" ونصب المضارع بعدها 33 ثالثها: حتى الجارة، معناها عملها الحال الحقيقية والماضية، والمستقبلة. إشارة إلى "حتى" العاطفة، وحتى الابتدائية.. معنى "حكاية الحال الماضية". حالات المضارع بعد "حتى". 338 حكم المضارع بعدها الفصل بينها وبين المضارع 347 ملخص حالات المضارع بعد "حتى" 350 أمثلة عرضها النحاة لها. 352 رابعها: فاء السببية الجوابية. معناها، ودلالتها، شرط النفي والطلب قبلها. 354 عملها. معنى النفي إشارة إلى الاستفهام الحقيقي والتقريري 357 كيفية تأويل المصدر المنسبك هنا 358 معنى العطف على المعنى والتوهم 359 صور من تسلط النفي على ما قبل الفاء، وما بعدها معا وعلى أحدهما فقط. 365 ب- الطلب بنوعيه "المحض وغير المحض". الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام، العرض، التحضيض، التمني، الترجي، معنى كل وحكمه 366 الأمر، معناه ... صيغه..

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 367 النهي 368 الدعاء، الاستفهام 369 العرض. التحضيض. التمني جمل خبرية في معنى الأمرية 371 حكم المضارع الذي اختفت من صدره "فاء السببية"، انظر ص366 372 مسائل يجوز فيها نصب المضارع بأن مضمرة وجوبا، وعدم نصبه 373 الجواب والمجاب عنه لا يتوافقان؛ بل يجب تخالفهما.. 375 خامسها: واو امعية،، فائدتها. ومعناها 376 عملها، حكم المضارع بعدها 378 التشابه والتخالف بين فاء السببية، وواو المعية 379 واو الصرف 383 الفرق بين واو المعية والواو العاطفة.. 384 صور "للواو" يختلف فيها المعنى والإعراب. 385 "ثم" قد تكون كواو المعية؛ وقد تكون لاستئناف.. 387 المسألة 150: حكم المضارع إذا لم نوجد قبله فاء السببية. 388 أداة الشرط لا تدخل على النهي 390 الاستئناف البياني وغير البياني 395 جواب الأمر والترجي 398 كيف نعرب "لا" الناهية التي فقدت الدلالة على النهي 400 المسألة 151: حذف "أن" والنصب بها في غير المواضع السابقة، الفرق بين حذفها وإضمارها. 402 المسألة 152: السبب في إضمار: "أن" وجوبا وجوازا ب- باب إعراب المضارع: "جوازمه" 405 المسألة 153: ب- جوازمه: عوامل جزمه ثلاثة أنواع، وبيان سبب التسمية. إشارة إلى موضع الكلام على: جزم المضارع في جواب الطلب" 406 النوع الأول: ما يجزم مضارعا واحدا أربعة. "اللام، الطلبية". معناها، وأحكامها 408 "لا الطلبية"، معناها، وحكمها 412 الجزم بعد "لا" النافية. 413 "لم ولما". ما يشتركان فيه وما تنفرد به كل.

الموضوعات المكتوة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع المراد من الاستفهام التقريري. 414 ما تنفرد به "لم" ما الذي يجزم المضارع المسبوق بلم وقبلها أداة شرطية جازمة 417 ما في حيز الجواب لا يتقدم على الجواب ما تنفرد به "لما" 420 الفرق بين "لما" الجازمة والحينية، والتي بمعنى "غلا" ومن هذه أنشدك الله لما فعلت، كذا ... والمراد منها 421 المسألة 154: النوع الثاني: الذي جيزم مضارعين معا، أو...." أدواته؛ الأسماء منها الحروف، أشهر الأمور التي تتفق فيها. الفرق المعنوي بينهما 422 معنى فعل الشرط وجوابه. "من وما" الشرطيتين والموصولتن 423 هل تقع الجملة الشرطية حالا؟ 425 لا بد من دخولها على فعل 426 صدارتها، عدم حذفها. عدم دخولها على: "لا الناهية". 427 المسألة 155: الأمور التي تختلف فيها تلك الأدوات. ناحية الأسمية والحرفية. ناحية الاتصال "بما". ناحية المعنى واختلافه.. 431 إشارة لبعض الفوارق بين "إذا" الشرطية وغيرها، كإن وأخواتها 432 ناحية التعليق 433 "إن" الوصلية، وإشارة لباقي أنواع "إن". هل يقترن جواب إن الشرطية، باللام 436 "إن" التفصيلية. 437 دخول "إن" الشرطية على "لم". 438 إعراب أدوات الشرط الجازمة وأدوات الاستفهام المحض. 440 المسألة 156: النوع الثالث الذي يقع الخلاف في اعتباره جازما: إذا، كيف، لو 444 المسألة 157: الأحكام الخاصة بجملتي الشرط والجواب إذا كانت الأداة جازمة، أو ...

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع أولا: أحكام الشرطية. هل تسمى جملة؟ 445 اجتماع المبتدأ وأداة الشرط. إعرابها 449 ثانيا: أحكام الجوابية.. 450 حذف الجواب. إشارة إلى دخول "إذا" الفجائية على الجواب 451 تقديم ما يدل عليه، وشرط هذا. "هل" الاستفهامية لا تدخل على: "إن" الشرطية، ولا على ما تضمن معنى "إن" بخلاف الهمزة الاستفهامية. مواضع يتعين فيها أن تكون بعض الأسماء موصولات، لا شرطية، اسم الزمان لا يضاف لجملة شرطية. اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله إلا المضاف، وحرف الجر. 458 اقتران الجواب بالقاء. قد تحل في بعض المواضع "إذا" الفجائية محل الفاء. هل يقترن جواب "إن" باللام؟ 461 بعض الأحرف والأدوات التي لها الصدارة 463 عودة إلى اقتران جواب إن، باللام 465 هل تجتمع "الفاء وإذا؟ " 466 ذكر لام القسم المحذوف غير واجب. هل يصح الاستغناء عنهما؟ 467 هل تقترن الجواب بالفاء في غير تلك المواضع؟ متى تجئ الفاء في الجواب المنفي بلا؟ 469 تنزيل الظرف منزلة الشرط، وأثر ذلك في جلب الفاء.. قد يجزم المضارع بعد الصلة والصفة. قد يكون للظرف جواب. 471 أحكام عامة تختص بجملتي الشرط والجواب معا: 472 أثر الإعراب المحلي 474 ما يختص بهما من ناحية رفع المضارع في الجواب وجزمه 475 إعراب المضارع المرفوع، في جملة الجواب 476 حكم جواب الشرط إذا تقدم عليه مبتدأ 477 عطف مضارع عن آخر في جملة الجواب أو في جملة الشرط، وتفصيل ذلك 478 إعراب المضارع المتوسط بينهما 480 حذفهما معا، و..

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب اجتماع الشرط والقسم، وحذف جواب أحدهما: رقم الصفحة الموضوع 482 المسألة 158: اجتماع الشرط والقسم وحاجة كل إلى جواب، ونوعه 482 القسم الاستعطافي وغير الاستعطافي 485 حذف جواب الشرط أو القسم عند اجتماعهما. باب: توالي شرطين أو أكثر، وتوالي شرط واستفهام 489 المسألة 159: أ- توالي شرطين. أو أكثر 490 ب- توالي الاستفهام والشرط. باب: "لو" الشرطية بنوعيها 491 المسألة 160: أ- الشرطية الامتناعية معناها وأحكامها. 494 ب- الشرطة غير الامتناعية، معناها، وأحكامها 496 أحكام مشتركة بين النوعين 497 كلاهما لا بد له من جواب 498 لام التسويف 500 حذف فعل شرطها وحده حذف الجملة الشرطية حذف فعل الجواب حذف جملته 501 حذف الجملتين 502 إشارة إلى أنواع أخرى من "لو". باب: أما الشرطية، وأنواع أخرى 504 المسألة 161: أ- صيغتها ب- معناها 506 ج- أحكامها النحوية 507 وجوب اقتران جوابها بالفاء 508 تقديم بعض المعمولات على الفاء الداخلة في الجواب 509 حذف "أما" والكلام في مثل: "وربك فكبر، ... " 511 أشهر أنواع "أما"، مع الإشارة إلى "أما، العاطفة".

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب أدوات التحضيض، والتوبيخ، والعرض، والامتناع: رقم الصفحة الموضوع 512 المسألة 162: لولا، لوما، هلا، ألا، ألا، لو 512 ألا التي للاستفتاح ومثلها: أما 513 المعاني التي تؤديها تلك الحروف، وأحكامها النحوية باب: العدد 517 المسألة 163: 518 أقسامه الاصطلاحية، وكيفية إعرابها ما يدل عليه لفظ العدد. 1- المفرد، صحة كتابة "مئة" من غير ألف، وفصلها عن: "ثلاث" في الأعداد المفردة. الكلام على لفظتي: بضع ونيف. 520 ضيط "شين" عشرة. 2- المركب. معنى الصدر والعجز والنيف 521 صحة إظهار الواوين بين جزأي المركب المزجي العددي.. 522 ضبط الشين في "عشرة" في الأعداد المركبة. 3- العقد، معناه، وحكمه. لم كان اسم جمع مذكر وليس جمعا مذكرا؟ 523 4- العدد المعطوف، معناه وحكمه. 525 المسألة 164: تمميز العدد. أ- الأعداد المفردة 528 وقوع العدد نعتا مؤولا، أو بدلا، وعطف بيان 529 ب- تمييز بقية أقسام العدد 530 نعت تمييز العدد المركب، والعقد، والمعطوف 532 قد يضاف العدد إلى غير تمييزه. 533 المراد من المائة والألف. متى يصلحان تمييزا؟

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 434 الاستغناء عن التمييز أيضا 535 الفصل بين العدد وتمييز. 536 المسألة 165: تذكير العدد وتأنيثه، وما يراعي فيه. الأول: الأعداد المفردة. ومائة وألف. 537 ثلاثة وعشرة وما بينهما الكلام على "ثمان" 539 العرب قد تغلب التأنيث على التذكير 540 تفصيل الكلام على المفرد الذي يراعي في التذكير والتانيث 542 قد يكون تمييز العدد المضاف غير جمع حقيقي ما الذي يراعي في المعدود إن كان اسم جمع، أو اسم جنس جمعيا 545 متى يجوز تأنيث العدد وتذكيره 546 وقوع العدد نعتا. أو بدلا وعطف بيان 546 ما الحكم إن كان المعدود صفة نائبة عن المحذوف؟ 547 الثاني: تأنيث الأعداد المركبة وتذكيرها. 548 الثالث: تذكير العقود 549 الرابع: تأنيث الأعداد المعطوفة وتذكيرها 553 المذكر والمؤنث من أسماء الشهور العربية متى تذكر كلمة: "شهر" قبلها؟ 554 المسألة 166: أ- صياغة العدد على وزن "فاعل" وأنواعها، والأغراض منها بدون ذكر كلمة: "عشر" بعده، أو عقد آخر 558 ب- صياغته مع ذكر كلمة "عشر" بعده 562 ج- صياغته وبعده عقد آخر 564 المسألة 167: التأريخ بالليالي والأيام 565 الرأي في مجئ نون النسوة وتاء التأنيث في مثل سبع ليال خلون أو خلت.. 566 تعريف العدد وتنكيره. قراءة الأعراد المعطوفة على العقود المختلفة وعلى عشرة.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب كناات العدد: رقم الصفحة الموضوع 568 المسألة 168: "كم، وكأي، وكذا.." وكنايات أخرى منها: كيت، وذيت. معنى الكناية الأولى: كم. أ- معنى الاستفهامية 569 أشهر أحكامها، لفظها مفرد، دون مدلولها. طريقة إعرابها. ضابط لإعرابها 572 ب- الخبرية، معناها 573 حكمها، وحكم تمييزها. إعرابها 576 موازنة بين النوعين 577 الثانية: كأين. لغاتها، أحكامها التشابه والتخالف بينهما وبين "كم الخبرية" 580 الثالثة: كذا 583 كنايات أخرى عن الحديث كيت، ذيت 584 أصل الكلمات السالفة باب التأنيث 585 المسألة 169: التانيث، المراد منه المؤنث والمذكر من جسم الإنسان 587 أنواعه. وحكم كل 590 علامات التأنيث ثلاث العلامات الأولى: تاء التأنيث "وتسمى: تاء النقل" دخولها على عض المشتقات، دون بعض. 591 دلالتها على معان أخرى غير الفصل بين المذكر والمؤنث 592 قد تدل على المبالغة مع التأنيث الفرق بين المعرب والأعجمي، ما لا يتميز مذكره من مؤنثه رأي جديد في إلحاق التاء بصيغة: "فعول" 597 شروط وتفصيلات أخرى تختص بدخول التاء على بعض المشتقات 600 العلامة الثانية، ألف التأنيث. المقصورة وأوزانها. 603 العلامة الثالثة: الممدودة وأوزانها.

الموضوعات المكتوبة بحروف صغرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب المقصور والممدود، وتثنتهما، وجمعهما تصحيحا رقم الصفحة الموضوع 605 المسألة 170: هل طلقان على الاسم المعرب والمبني؟ تعريف المقصور، وحكمه. صورة مما نا فيه حرف عن حركة. إشارة لمكان المنقوص 606 أ- المقصور القياسي والسماعي 609 أشياء أخرى في المقصور القياسي 610 ب- الممدود، تعريفه، القياسي منه. 611 الممدود السماعي 612 قصر الممدود، وعكسه. السماعي منه 613 المسألة 171: كيفية تثنة المقصور والممدود وجمعها تصحيحا. وكذلك المنقوص. أ- تثنية المقصور المراد من الجمع الصحيح أو السالم وبقية الأسماء الأخرى من الصحيح. وشبههن والمنقوص. ضابط لإرجاع اللام المحذوفة، حكم المعتل الآخر بالواو وطريقة تثنيته وجمعه 617 ب- تثنية الممدود سبب قلب الهمزة وعدم قلبها، إشارة إلى الإلحاق 618 ج- جمع المقصور جمع مذكر سالما 619 د- جمعه جمع مؤنث سالما 620 هـ- جمع الممدود جمع مذكر سالما و جمعه جمع مؤنث سالما 620 بعض أحكام عامة فيما يراد جمعه جمع مؤنث سالما 1- إرجاع لامه في بعض حالات 2- حذف تائه التي للتأنيث 3- اتباع عينه فاءه

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب جمع التكسير: رقم الصفحة الموضوع 625 المسألة 172: تعريفه، المراد من التكسير، سبب التسمية 527 قسماه: "القلة والكثرة" وبعض آثارهما الدلالة العددية للجموع إشارة إلى جمع الجمع 631 الفرق بينه وبين جمعي التصحيح 632 قياسية جمع التكسير بنوعيه 633 معنى المطرد وغير المطرد. معنى القليل والنادر والقياس، والغالب، والأكثر، والكثير والباب، والقاعدة.. 634 قرار المجمع اللغوي في ذلك. 635 رأي ابن جني والفراء، منزلتهما اللغوية صحة استعمال القياس مع وجود اللفظ المسموع. 636 أ- أشهر جموع القلة أربعة: أفعلية، أفعل، أفعالن فعلة 638 القول الفصل في جمع فعل على أفعال. نوع من الكثرة التي تبيح القياس عليها، والأطراد 639 فعلة 641 المسألة 173: ب- أشهر جموع الكثرة 1- فعل 642 2- فعل 643 3- فعل 644 4- فعل 645 5- فعلة 6- فعلة 646 7- فعلى 8- فعلة 647 9- فعل 10- فعال 648 11- فعال 650 12- فعول 651 13- فعلان 652 14- فعلان 15- فعلاء 653 16- أفعلاء 17- فواعل "قد تكون جمعا لمذكر عاقل على وزن فاعل" 655 18- فعائل. إشارة إلى ما يلحق هذه الصيغة أحيانا من القلب والإبدال

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 656 19- فعالي 657 20- فعالى 658 21- فعالل، معنى النسب المتجدد 660 متى يحذف الحرف الأصلي الرابع أو الخامس عند الجمع على: فعالل حروف الزيادة متى يحذف الحرف الشبيه بالزائد 661 متى يحذف حرف العلة، وحرف المد وحرف اللين 664 23- شبه فعالل "ويشمل "مفاعل، ومفاعيل.." 666 الحرف القوي "الفاضل" والحرف الضعيف صحة جمع مفعول على مفاعيل قياسا 670 حذف إحدى الياءين من مثل: أماني، أغاني، أثافي 671 المسألة 174: أحكام عامة 1- زيادة الياء في جمع التكسير وحذفها زيادة تاء التأنيث 672 حكم بعض الجموع المنقوصة المعتلة المماثلة لفعالل التي على وزن: دواع. 2- تثنية جمع التكسير وجمعه 675 مدلول الجمع وجمع الجمع 675 4- تنية أنواع المركبات. وجمعها. أ- المركب الإضافي. ومنه: ابن عرس، وابن اللبون. 677 ب- المركب الإسنادي. 678 ج- المركب المزجي. د- المركب التقييدي. الفرق بين جمع التكسير واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي 680 ب- اسم الجمع 681 اسم الجنس الجمعي التكسير يرد الأشياء إلى أصولها صيغة منتهي الجموع 682 المصغر لا يكسر للكثرة

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش باب التصغير: رقم الصفحة الموضوع 683 المسألة 175: تعريفه: الغرض منه. تصغير التقريب 685 شروطه: أنواع مسموعة 688 عودة إلى أن المصغر لا يجمع تكسيرا للكثرة. نوعاه: أ- طريقة تصغير الثلاثي 694 ب- تصغير الرباعي 696 جـ- تصغير الخمائي وما جاوزه 697 أنواع من التشابه والتخالف 698 أسماء لا تحذف منها الزوائد 701 مواضع لا يكسر فيها الحرف بعد ياء التصغير في فعيعل وفعيعيل. 704 بعض أحكام عامة في التصغير "قلب الحرف الثاني" 708 زيادة ياء أحيانا في الخماسي الأصل فما فوقه. حذف أولى ياءين بعد ياء التصغير 709 الحرف المشدد بعد ياء التصغير، المصغر لا يكسر للكثرة -كما سبق. 709 المصغر ملحق بالمشتق. التصغير يرد الأشياء إلى أصولها 710 المسألة 176: تصغير الترخيم معناه 711 الغرض منه حكمه.. باب النسب 713 المسألة 177: معناه. اعتباره نوعا من المشتق. 714 أحكامه اللفظية: النسب المتجدد وغير المتجدد معناه عند سيبويه: الإضافة المعكوسة. أ- زيادة ياء النسب 715 ب- ما يجب تغييره في آخر الاسم بسبب ياء النسب حذف الياء المشددة 718 حذف تاء التأنيث النسب إلى كلمة: "وحدة" متى يقال "وحدوي" حكم ألف المقصور والممدود

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 719 الألف لا تكون أصلية إلا في الحرف أو ما يشبهه 720 حكم ياء المنقوص 722 حكم النسب إلى معتل الآخر الشبيه بالصحيح 723 وإلى معتل الآخر بالواو، وإلى ألفاظ أخرى. 724 حكم علامة التثنية، والنسب للمثنى 725 حكم علامة جمع المذكر السالم، والنسب إليه حكم علامة جمع المؤنث السالم، والنسب إليه 726 إشارة إلى موضع النسب إلى جمع التكسير إرجاء المحذوف من الأصول تضعيف آخر الثنائي.. ومنه الثنائي المعتل 728 التغييرات الطارئة على الحرف الذي قبل الأخير بسبب النسب. التخفيف بقلب الكسرة فتحة 729 التخفيف بحذف إحدى ياءين. حذف ياء: فعيلة.. 730 حذف ياء: فعيل 731 حذف ياء فعيلة.. 732 حذف ياء: فعيل حذف واو فعولة.. 733 المسألة 178: النسب إلى ما حذف بعض أصوله: محذوف العين. 734 محذوف الفاء: 735 محذوف اللام: 735 النسب إلى: "ذو"، و"ذات" 737 ما يجوز فيه رد اللام وتركها 739 المسألة 179: أحكام عامة في النسب. أ- النسب إلى أنواع المركب، وملحقاته. 741 ب- النسب إلى جمع التكسير، وما في حكمه 743 ج- صيغ أخرى للنسب، منها فعال، فاعل، فعل ...

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 745 د- بعض النسب المسموع، ومنه يمان وشآم صغة منتهى الجمع 746 كيف ننسب للمنسوب إليه الشاذ في بعض الصور هـ- تأنيث المنسوب باب التصريف: 747 المسألة 180: معناه، موضوعه 748 المجرد والمزيد 749 أبنية الثلاثي المجرد من الأسماء والأفعال 750 أوزان الاسم الرباعي المجرد 751 أوزان الاسم الخماسي المجرد كيفية الوزن. 753 أحرف الزيادة، وعلامة الحرف الزائد. 755 إشارة إلى معنى الحرف الزائد باب الإعلال والإبدال والقلب: 756 المسألة 181: المصطلحات الأربعة المشهورة، بيانها. "الإعلال، القلب، الإبدال، العوض". معنى الإعلال ملاحظة هامة في السماعي والقياس. 757 القلب، الإبدال 758 التعويض، أو: العوض. 759 الملخص 760 أحرف العلة، والمد، واللين معنى كل من المعتل، والمعل، والمعتل الجاري مجرى الصحيح 761 المسألة 182: أحرف الإبدال وضوابطه إبدال الهاء إبدال الهمزة من الواو، والياء والألف 766 إبدال الواو والاء من الهمزة 767 مما وقع وفيه هذا الإبدال: خطايا، قضايا، هدايا، غشايا، هراوى.. و ... 768 الكلام في مثل: نبرئ، تبري، وخطيئة وخطية، وخبئ وخبي، ومقروء ومقرو

الموضوعات المكتوبة بحروف صغيرة هي بعض موضوعات الزيادة، والتفصيل، والهامش رقم الصفحة الموضوع 775 إبدال الياء من الألف. 776 إبدال الياء من الواو 783 إبدال الواو من الألف إبدال الواو من الياء 786 إبدال الألف من الواو والياء 790 إبدال الميم من الواو ومن النون 791 إبدال التاء من الواو والياء 792 إبدال الطاء من تاء الافتعال 793 إبدال الدال من تاء الافتعال 794 المسألة 183: الإعلال بالنقل معناه 796 مواضعه 800 المسألة 184: الإعلال بالحذف مواضعه ومنها: حذف الواو من مثل: وعد 802 صحة: باع الرجل، وأباع واسم المفعول مبيع ومباع

§1/1